مستدركات أعيان الشيعة (جزء 4) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مستدركات أعيان الشيعة (جزء 4) - نسخه متنی

حسن امین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: أعيان الشيعة
المؤلف: السيد محسن الأمين
الجزء: 4
الوفاة: 1371
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: تحقيق وتخريج : حسن الأمين
الطبعة:
سنة الطبع: 1403 - 1983 م
المطبعة:
الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:
الامام السيد محسن الأمين
أعيان الشيعة
المجلد الرابع
حققه وأخرجه
حسن الأمين

3
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطبع محفوظة
1403 ه‍ - 1983 م

4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وسلم تسليما ورضي الله عن أصحابه المنتجبين و التابعين لهم باحسان وتابعي
التابعين وعن العلماء والصالحين من سلف منهم ومن غبر إلى يوم الدين.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد
عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق الشام عامله الله بفضله
ولطفه وعفوه: هذا هو الجزء الخامس عشر من كتابنا (أعيان الشيعة) أوله
حرف الثاء المثلثة وفق الله لإكماله ومنه تعالى نستمد المعونة والهداية والتوفيق
والتسديد ونسأله العصمة من الخطأ والخطل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الثائر بالله
اسمه جعفر بن محمد بن الحسين الناصر الكبير. هكذا ذكره في شرح
النهج ويأتي عن الجاحظ جعفر بن محمد بن الناصر الكبير لكنه لم يلقبه
بالثائر.
ومر في ج 14 أبو جعفر الثائر في الله يعرف بأميرك وان ابن الأثير
ذكره في حوادث سنة 358 ولعل الملقب بالثائر في الله كان متعددا لكن في
عمدة الطالب أميرك هو جعفر بن عبد الله بن الحسين بن محمد بن الحسين
عضارة بن عيسى بن زيد الشهيد اه‍ ويأتي بعد هذا الثائر بالله بن المهدي
ابن الثائر بالله الحسني الجيلي والظاهر أنه غير هذا خصوصا على نسخة
مجموعة الجباعي كما يأتي من أنه حسني وهذا حسيني ويدل ما يأتي هناك على
تعدد الملقب بالثائر بالله حيث جعله لقبا لابن المهدي ولأبيه ثم إنه سيأتي
الثائر بالله أبو الفضل جعفر بن محمد بن حسين المحدث وانه ابن أخي
الناصر الكبير وما مر يدل على أنه حفيده فليلاحظ ذلك وليحرر.
السيد الثائر بالله بن المهدي بن الثائر بالله الحسني الجيلي
في مجموعة الجباعي: كان زيديا وادعى امامة الزيدية وخرج بجيلان
ثم صار اماميا، وله رواية الأحاديث وادعى انه شاهد صاحب الأمر وكان
يروى عنه أشياء اه‍ و مثله في فهرست منتجب الدين الا ان فيه الحسيني
بدل الحسني.
ثابت بن أبي ثابت البجلي
يأتي بعنوان ثابت بن أبي ثابت عبد الله البجلي الكوفي.
ثابت أبو سعيد البجلي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وهو بعينه
ثابت بن أبي ثابت عبد الله البجلي الكوفي الآتي والمذكور آنفا وفي لسان
الميزان: ثابت بن أبي سعيد البجلي ذكره الكشي في رجال الشيعة وقال كان
ثقة كبير الفقه روى عنه الأعمش رحمه الله تعالى اه وهو ثابت أبو سعيد كما
سمعت لا ثابت بن أبي سعيد وليس له ذكر في رجال الكشي ولا ذكره أحد
من علمائنا بهذه الأوصاف التي ذكرها والله أعلم.
ثابت أبو المقدام
هو ثابت الحداد أبو المقدام وهو ثابت بن هرمز الآتي. وفي ميزان
الاعتدال ثابت بن أبي المقدام عن بعض التابعين مجهول كذا أورده ابن
الجوزي وما أبعد أن يكون ثابتا أبا المقدام وهو ثابت بن هرمز اه‍.
ثابت بن أبي صفية
يأتي بعنوان ثابت بن دينار.
الشيخ ثابت بن أحمد بن عبد الوهاب الحلبي
من تلاميذ أبي الصلاح تقي بن نجم الحلبي قال منتجب الدين في
الفهرست فقيه صالح قرأ على الشيخ التقي اه‍.
ثابت بن الحسن بن زيد
في تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة 262 عند ذكر اخبار أحمد بن
عبد الله الخجستاني انه كان من أصحاب محمد بن طاهر فلما استولى
يعقوب بن الليث على نيسابور ضم احمد اليه وكان بنو شركب ثلاثة اخوة
إبراهيم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور بنو مسلم وكان إبراهيم ويعمر
من قواد يعقوب فاحتال الخجستاني على إبراهيم حتى قتله ثم احتال على
علي بن الليث وأخيه يعقوب فأرسلاه إلى خراسان فجمع جيشا وعصى
وفتح نيسابور وبسطام وكاتب يعمر وهو يحاصر بلخ ليحضر إليه فلم يثق به
يعمر لفعله بأخيه ثم احتال على يعمر فقبض عليه وقتله وانضم إلى أبي
طلحة جماعة من أصحاب أخيه وجاء الخجستاني لحرب أبي طلحة فقتل أبو
طلحة رئيس الجيش وهرب الخجستاني ثم وجه أبو طلحة جيشا إلى جرجان
وبها ثابت بن الحسن بن زيد ومعه الديلم وكان على جيش أبي طلحة
إسحاق الشاري فحاربوا الديلم بجرجان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة
وأجلوهم عنها وذلك في رجب سنة 263 اه مع أن الحسن بن زيد لم يكن
له ولد فلذلك ولي الملك بعده اخوه محمد بن زيد فليراجع.
ثابت بن عصيدة
روى عنه الشيخ أحمد بن محمد الموصلي كتاب الخلاف للشيخ

5
الطوسي عن عربي بن مسافر عن الياس بن محمد بن هشام الحائري عن
الشيخ أبي علي الحسن بن محمد عن والده الشيخ الطوسي كما في إجازة رآها
صاحب الذريعة على ظهر كتاب الخلاف أجازها الشيخ احمد المذكور للسيد
فخر الدين علي بن أحمد بن أبي هاشم العلوي الحسيني بتاريخ 7 جمادى
الأولى سنة 668.
ثابت الأسدي
في لسان الميزان ذكره الكشي في رجال الشيعة وقال صحب جعفرا
واخذ عنه حديثا وقال ابن عقدة اخذ أيضا عن موسى بن جعفر وقال
علي بن الحكم كان جعفر يثني عليه خيرا اه وليس لذلك اثر في رجال
الكشي ولا غيره والله أعلم.
ثابت بن اسلم البناني القرشي أبو محمد البصري
مات سنة 127 عن ابن علية ومثله عن يحيى القطان وزاد له 86 سنة
أو سنة 123 عن جعفر بن سليمان فلذلك قال ابن حجر في التقريب مات
سنة بضع و 120 فجمع بينهما.
(البناني) عن تقريب ابن حجر بضم الموحدة ونونين مخففتين اه‍
وقال ابن داود البناني بالباء المضمومة والنونين بينهما ألف منسوب إلى بنانة
وهم من ولد سعد بن لؤي اه‍ وفي القاموس البنانة واحدة البنان وحي
منهم ثابت البناني ومحلة بالبصرة نسبت إلى بنانة أم ولد سعد بن لؤي بن
غالب سكنها ثابت أيضا اه.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام فقال
ثابت بن اسلم البناني القرشي تابعي سمع انس اه وهو غير ثابت البناني
أبو فضالة الآتي كما ستعرف وعن تقريب بن حجر ثابت بن اسلم البناني
ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع و 120 وعن مختصر الذهبي: كان رأسا
في العلم والعمل يلبس الثياب الفاخرة يقال لم يكن في وقته اعبد منه اه‍
وفي تهذيب التهذيب ثابت بن اسلم البناني أبو محمد البصري. عن ابن
المديني له نحو 250 حديثا. وعن أحمد ثابت يثبت في الحديث وكان يقص
وقتادة كان يقص وكان أذكر وقال العجلي ثقة رجل صالح وقال النسائي ثقة
وقال أبو حاتم أثبت أصحاب انس الزهري ثم ثابت ثم قتادة وقال ابن
عدي أروى الناس عنه حماد بن سلمة وأحاديثه مستقيمة إذا روى عنه ثقة
وما وقع في حديثه من النكرة انما هو من الراوي عنه وقال حماد بن سلمة
كنت اسمع ان القصاص لا يحفظون الحديث فكنت اقلب على ثابت
الأحاديث اجعل انسا لابن أبي ليلى واجعل ابن أبي ليلى لأنس أشوشها عليه
فيجئ بها على الاستواء قال: وحكي عن ثابت قال صحبت انسا أربعين
سنة وقال بكر المزني ما أدركنا اعبد منه وقال ابن حبان في الثقات كان من
اعبد أهل البصرة وسئل أحمد بن حنبل عن ثابت وحميد أيهما أثبت في انس
فقال قال يحيى القطان ثابت اختلط وحميد أثبت في انس منه وقال القطان
عجب لأيوب يدع ثابتا البناني لا يكتب عنه وقال أبو بكر البرديجي ثابت
عن انس صحيح من حديث شعبة والحمادين وسليمان بن المغيرة فهؤلاء
ثقات ما لم يكن الحديث مضطربا وفي المراسيل لابن أبي حاتم ثابت عن أبي
هريرة قال أبو زرعة مرسل اه وفي ميزان الاعتدال ثابت بن اسلم البناني
ثقة بلا مدافعة كبير القدر يتأكد ابن عدي بذكره في الكامل وحديثه عن ابن
عمر مخرج في صحيح مسلم وثقة احمد والنسائي وقال سليمان بن المغيرة
رأيت ثابتا يلبس الثياب الثمينة والطيالس والعمائم قلت وثابت كاسمه
ولولا ذكر ابن عدي له ما ذكرته اه ومعنى ذلك ان كتابه الميزان موضوع
للمقدوحين أو الثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه فيه وحيث إن
ابن عدي ذكره في كتابه الكامل الموضوع لذكر الضعفاء وحكى فيه عن
القطان تعجبه من أيوب في تركه ثابتا لا يكتب عنه الدال على أنه غير ثقة
عند أيوب فلذلك ذكره الذهبي في ميزانه لأنه ثقة تكلم فيه من لا يلتفت
إلى كلامه فيه ولولا ذلك لم يذكره لأنه ثقة عنده وليس كتابه موضوعا لذكر
الثقات وفي خلاصة تذهيب الكمال ثابت بن اسلم البناني مولاهم البصري
أحد الاعلام اه وفي الطبقات الكبير لابن سعد: ثابت بن اسلم البناني
من أنفسهم وبنانة إلى قريش ويكنى أبا محمد وكان ثقة في الحديث مأمونا
وتوفي في ولاية خالد بن عبد الله على العراق. ثم روى بسنده عن انس:
أن لكل شئ مفتاحا وان ثابتا من مفاتيح الخير وفي رواية حلية الأولياء عن
انس: ان للخير مفاتيح وان ثابتا مفتاح من مفاتيح الخير. وبسنده عن
حميد كنا نأتي انسا ومعنا ثابت فكان ثابت كلما مر بمسجد دخل فصلى فيه
فكنا نأتي انسا فيقول ابن ثابت ان ثابتا دويبة أحبها. وبسنده قال ثابت لا
يكون العابد عابدا وان كان فيه خصلة كل خير حتى يكون فيه هاتان
الخصلتان الصلاة والصوم فإنهما والله من لحمه ودمه. وبسنده قال ثابت
والله للعبادة أشد من نقل الكارات. وبسنده كان ثابت وحماد يغتسلان تلك
الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر ويتطيبان ويحبان ان يطيبا المسجد
بالنضوح. وبسنده ان ثابتا كان يقرأ: ويلك أكفرت بالذي خلقك من
تراب ثم من نطفة وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها. وبسنده عن
ثابت قال كان يقال ما أكثر أحد ذكر الموت الا رئي ذلك في عمله.
وبسنده ان ثابتا قال لولا أن تصنعوا بي ما صنعتم بالحسن لحدثتكم
أحاديث مونقة ثم قال منعوه القائلة منعوه النوم. وبسنده رأيت ثابتا البناني
يلبس الثياب الثمينة والطيالسة والعمائم وبسنده عن ثابت أنه قال يا رب
ان كنت أعطيت أحدا الصلاة في قبره فاعطني الصلاة في قبري اه‍ وذكر
غيره انه رؤي يصلي في قبره وذكره أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء
فقال: ومنهم - اي المتصوفة - المتعبد الناحل المجتهد الذابل أبو محمد
ثابت بن اسلم البناني وقيل: ان التصوف محافظة الحرمة ومداومة الخدمة
ثم روى بسنده عن بكر بن عبد الله - المزني -: من أراد ان ينظر إلى اعبد
أهل زمانه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا الذي هو اعبد منه. زاد
موسى بن إسماعيل في حديثه انه ليظل في اليوم المعمعاني الطويل ما بين
طرفيه صائما يروم ما بين جبهته وقدمه. اليوم المعمعاني الشديد الحر.
وبسنده كان ثابت يصلي قائما حتى يعيي فإذا أعيا جلس فيصلي وهو جالس
ويجتبي في قعوده ويقرأ فإذا أراد ان يسجد وهو جالس فتح حبوته. وبسنده
قال ثابت البناني: الصلاة خدمة الله في الأرض لو علم الله عز وجل شيئا
أفضل من الصلاة لما قال: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب.
وبسنده عن شعبة كان ثابت البناني يقرأ القرآن في كل يوم وليلة ويصوم
الدهر. وبسنده عن ثابت البناني كان يقال فقه كوفي وعبادة بصري.
وبسنده قال ثابت البناني: ما تركت في مسجد الجامع سارية الا وقد ختمت
القرآن عندها وبكيت عندها. وبسنده عن حماد بن زيد رأيت ثابتا يبكي
حتى تختلف أضلاعه. وبسنده قال ثابت: ما على أحدكم ان يذكر الله كل
يوم ساعة فيريح يومه. وبسنده قال ثابت البناني: بلغني انه ما من قوم
جلسوا مجلسا فيقومون قبل ان يسألوا الله الجنة ويتعوذوا بالله من النار الا

6
قالت الملائكة المساكين أغفلوا العظيمين. وبسنده عن ثابت عن انس ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يهادي بين أبنيه فقال ما هذا قالوا نذر ان يمشي
إلى البيت قال إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه ثم أمره ان يركب فركب
(أقول) الذي يلوح من أحواله انه لم يكن نافذ البصيرة في ولاء أهل البيت
وان كانت له صحبة ما لعلي بن الحسين عليهما السلام ولأجلها ذكره الشيخ
في أصحابه فإنه لم يلتزم في كتاب رجاله ذكر الشيعة فقط كما هو معلوم.
ويومئ إلى ذلك امتزاجه بأنس المعلوم انحرافه عن أهل البيت واطراؤه
الحسن المعلوم ذلك منه وعدم ذكر أصحابنا له بسوى ما مر عن رجال
الشيخ مع كل هذه العبادة والله أعلم بحاله وله ذكر في حديث رواه
الطبرسي في الاحتجاج ولعله يؤيد ما قلناه فإنه روى عن ثابت البناني قال
كنت جالسا وجماعة عباد البصرة فلما ان دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا وقد اشتد
بالناس العطش لقلة الغيث ففزع الينا أهل مكة والحجاج يسألوننا ان
نستسقي لهم فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها
فمنعنا الإجابة فبينا نحن كذلك إذا نحن بفتى قد اقبل قد أكربته أحزانه
وأقلقته أشجانه فطاف بالكعبة أشواطا، ثم اقبل علينا فقال: يا مالك
بن دينار ويا ثابت البناني ويا أيوب السجستاني ويا صالح المري ويا عتبة الغلام
ويا حبيب الفارسي ويا عمر ويا صالح ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن
سليمان فقلنا لبيك وسعديك يا فتى فقال اما فيكم أحد يحبه الرحمن فقلنا يا
فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة فقال ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد
يحبه الرحمن لأجابه ثم اتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول في سجوده:
(سيدي بحبك لي الا سقيتهم الغيث) قال فما استتم الكلام حتى اتاهم
الغيث كأفواه القرب! فقلت يا فتى من أين علمت أنه يحبك فقال لو لم
يحبني لم يستزرني فلما استزارني علمت أنه يحبني فسألته بحبه لي فأجابني.
ثم ولى عنا وأنشأ يقول:
من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فذاك الشقي
ما ضر ذا الطاعة ما ناله * في طاعة الله وما ذا لقي
ما يصنع العبد بغير التقى * والعز كل العز للمتقي
فقلت يا أهل مكة من هذا الفتى فقالوا هذا علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب عليهم السلام اه‍.
مشائخه
في حلية الأولياء اسند ثابت عن غير واحد من الصحابة منهم ابن
عمر وابن الزبير وشداد وانس وأكثر الرواية عن انس اه‍ وزاد في تهذيب
التهذيب روايته عن عبد الله بن مغفل وعمر بن أبي سلمة وشعيب والد
عمرو وابنه عمرو وهو أكبر منه وعبد الله بن رباح الأنصاري وعبد
الرحمن بن أبي ليلى ومطرف بن عبد الله بن الشخير وأبي رافع الصائغ وخلق
اه‍.
تلاميذه
في حلية الأولياء روى عنه جماعة من التابعين منهم عطاء بن أبي رباح
وقتادة (وهما من أقرانه) وأيوب ويونس بن عبيد وسليمان التيمي (وهو من
أقرانه) وحميد (الطويل) وداود بن أبي هند وعلي بن زيد بن جدعان
والأعمش. وزاد في تهذيب التهذيب شعبة وجرير بن حازم والحمادان
ومعمر وهمام وأبو عوانة وجعفر بن سليمان وسليمان بن المغيرة وعيسى بن
طهمان وقريش بن حيان وعبد الله بن المثنى وجماعة وروى عنه من أقرانه
عبد الله بن عبيد بن عمير وآخر من روى عنه عمارة بن زاذان أحد الضعفاء
اه‍.
ثابت بن أسلم بن عبد الوهاب أبو الحسن الحلبي النحوي
قتل بمصر حدود سنة 460.
ذكره الذهبي في وفيات حدود (460) فيما حكي عنه فقال:
ثابت بن اسلم بن عبد الوهاب أبو الحسن الحلبي أحد علماء الشيعة وكان
من كبار النحاة صنف كتابا في تعليل قراءة عاصم وانها قراءة قريش وكان
من كبار تلامذة أبي الصلاح (تقي بن نجم الحلبي المتقدم في محله) تصدر
للإفادة بعده وتولى خزانة الكتب بحلب - لسيف الدولة - فقال من بحلب
من الإسماعيلية ان هذا يفسد للدعوة وكان قد صنف كتابا في كشف
عوارهم وابتداء دعوتهم فحمل إلى صاحب مصر فامر بصلبه فصلب
وأحرقت خزانة الكتب التي بحلب وكان فيها عشرة آلاف مجلد من وقف
سيف الدولة بن حمدان اه‍ وذكره السيوطي في بغية الوعاة نقلا عن الذهبي
بما هو أخصر من ذلك وذكره منتجب الدين في فهرسته وقال فقيه صالح قرأ
على الشيخ التقي اه‍ - يعني أبا الصلاح تقي بن نجم الحلبي - الا انه ذكره
بعنوان ثابت بن أحمد بن عبد الوهاب الحلبي والظاهر أن ابدال اسلم بأحمد
تصحيف. وفي لسان الميزان: ثابت بن اسلم بن عبد الوهاب الحلبي أبو
الحسن الشيعي النحوي المقرئ تصدر للإفادة بحلب بعد أبي الصلاح قتله
صاحب مصر لكونه انكر على اعتقادهم وذلك في حدود سنة 460 اه‍.
ثابت بن أقرم
قتل سنة 11 أو 12.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وفي أسد الغابة: ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان بن
حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعل بن خيثم بن رذم بن ذبيان بن هميم بن
ذهل بن هني بن بلى وهو ابن عم مرة بن الحباب بن عدي البلوي وحلفه
في الأنصار اه وفي الطبقات الكبير لابن سعد بن عدي بن الجد بن
العجلان وليس له عقب شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرج مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة في
خلافة أبي بكر فلما دنا من القوم ببزاخة بعث عكاشة بن محصن وثابت بن
أقرم طليعة فلقيا طليحة واخاه سلمة ابني خويلد فقتل سلمة ثابت بن أقرم
وقتل طليحة وسلمة عكاشة قال محمد بن عمر الواقدي: هذا أثبت ما
سمعناه في قتلهما وكان قتلهما ببزاخة سنة 12 اه وفي الاستيعاب: ثابت بن
أقرم البلوي ثم الأنصاري حليف لهم ويقال انه حليف لبني عمرو بن عوف
شهد بدرا والمشاهد كلها ثم شهد غزوة مؤتة فدفعت الراية إليه بعد قتل ابن
أبي رواحة فدفعها ثابت إلى خالد بن الوليد وقال أنت اعلم بالقتال مني
وقتل ثابت بن أقرم سنة 11 في الردة وقيل سنة 12 قتله طليحة بن خويلد
الأسدي في الردة هو وعكاشة بن محصن في يوم واحد واشترك طليحة واخوه
في قتلهما جميعا ثم أسلم طليحة بعد اه وفي أسد الغابة بعد ذكر ذلك وقال
عروة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد أميرهم
ثابت بن أقرم فأصيب ثابت فيها والله أعلم اه وفي الإصابة عن الطبراني
قبل الغمرة من نجد وفيه يمكن تأويل قوله أصيب اي بجراحة فلم يمت.

7
وفيه عن الواقدي ان ثابت بن الأقرم قال لأبي هريرة يوم مؤتة انك لم
تشهدنا ببدر انا لم ننصر بالكثرة اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا وذكرناه
لذكر الشيخ له.
ثابت بن أمية
في لسان الميزان: ذكره الكشي في رجال الشيعة وقال كان من الرواة
عن جعفر الصادق اه ويمكن ان يكون هذا تصحيف ثابت بن أبي صفية
فلم يذكر الكشي ولا غيره ثابت بن أمية في رجال الشيعة انما الكشي
والنجاشي ذكرا رواية ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عدة من
الأئمة فيهم جعفر الصادق عليه السلام.
ثابت البناني أبو فضالة
(البناني) مر ضبطه ونسبته في ثابت بن اسلم البناني.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام فقال: ثابت
البناني يكنى أبا فضالة من أهل بدر قتل معه عليه السلام بصفين اه ومثله
في الخلاصة ورجال ابن داود في القسم الأول فيهما ويحكى عن بعض نسخ
الخلاصة من أهل بدر ثقة قتل معه بصفين وليس ذلك في نسخة الشهيد
الثاني، وفي بعض غيرها أيضا ولا في نسختي من الخلاصة المنقولة عن نسخة
ابن ابن المصنف وهو الذي يقتضيه الاعتبار فإن العلامة انما حكى عبارة
الشيخ وليس في عبارة الشيخ انه ثقة ولا ذكر ذلك ابن داود ولا غيره، نعم
يكفيه فضلا جهاده مع علي عليه السلام وشهادته بين يديه. وفي منهج
المقال عن الشهيد الثاني: أنه أورد عن الاكمال ان ثابت بن اسلم البناني
تابعي لا صحابي واثنى عليه، قال: وهذا يعطي توهمه اتحاد هذا مع ابن
اسلم وفيه نظر اه أقول: لا ريب في مغايرة هذا لابن اسلم المتقدم لأن
ذاك من أصحاب السجاد عليه السلام يكنى أبا محمد مات بعد 120 وهذا
من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام قتل بصفين سنة 37. وقال ابن
الأثير في الكامل في حوادث سنة 37: فيها قتل أبو فضالة الأنصاري في
قول وهو بدري اه ومر أبو فضالة الأنصاري شهد بدرا وقتل مع علي عليه
السلام بصفين، وهو هذا بعينه وانما ذكرناه في مستدركات ما بدئ بأب
لأننا وجدناه في باب الكنى من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة من دون أن
يذكر اسمه فأثبتناه في مستدركات باب الكنى لأننا اعتقدنا انه معروف بكنيته
والا لذكروا اسمه، ثم راجعنا باب الأسماء في ثابت فلم نجدهم ذكروا ان
أحدا منهم يكنى أبا فضالة ولا ذكر أحد منهم ثابت البناني أبو فضالة وهذا
عجيب!! نعم ذكر في الاستيعاب - كما سيأتي - ثابت بن عبيد الأنصاري
شهد بدرا وشهد صفين مع علي وقتل بها اه ولكنه لم يكنه بأبي فضالة.
أبو هارون السنجي ثابت بن توبة مولى بني أمية
(السنجي) رسم في رجال الميرزا وغيره بالسين المهملة والنون والجيم
فيكون منسوبا إلى سنج بكسر السين وسكون النون في انساب السمعاني
قرية من قرى مرو وفي معجم البلدان سنج بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره
جيم قريتان بمرو وسنج بضم أوله وسكون ثانيه وآخره جيم قال العمراني
قرية بباميان اه وفي رجال أبي علي جعله السنحي بالنون والحاء المهملة
فنقل عن القاموس ان السنح بالضم موضع قرب المدينة اه. وقد يوجد
السبخي بالسين المهملة والباء الموحدة والخاء فان صح فهو نسبة إلى السبخة
بالتحريك موضع بالبصرة وقرية من قرى البحرين والظاهر أن الصواب
الأول والباقي تصحيف.
قال النجاشي: أبو هارون السنجي مولى بني أمية، وقيل: ان
اسمه ثابت بن توبة - أخبرنا ابن نوح عن محمد بن أحمد بن داود عن ابن
عقدة عن حميد حدثنا القاسم بن إسماعيل حدثنا عبيس بن هشام عن أبي
هارون السنجي مولى بني أمية بكتابة. وفي الفهرست: أبو هارون
السنجي له كتاب. لم يزد في الفهرست على ذلك على ما في عدة نسخ.
ولكن في رجال الميرزا عن الفهرست: رويناه عن جماعة عن أبي المفضل
عن حميد عن القاسم بن إسماعيل القرشي عنه، ثم قال في الفهرست:
أبو حفص الرماني وأبو هارون السنجي لهما كتابان رويناهما بالاسناد عن
عبيس عنهما اه والاسناد عن عبيس هو هذا أخبرنا جماعة عن التلعكبري
عن ابن همام عن حميد عن القاسم بن إسماعيل عن عبيس بن هشام عنه
اه.
ثابت بن ثعلبة الملقب بالجذع بن زيد بن الحارث بن حرام بن كعب بن
غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن
جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ثم السلمي.
استشهد يوم الطائف سنة 8.
في أسد الغابة: حرام بفتح الحاء المهملة وبالراء وسلمة، بكسر
اللام اه.
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ثابت بن ثعلبة الأنصاري اه وفي الاستيعاب ثابت بن الجذع واسم الجذع
ثعلبة بن زيد الأنصاري شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها وقتل يوم الطائف
شهيدا قال وذكره موسى بن عقبة في البدريين فقال ثابت بن ثعلبة بن
زيد بن الحارث بن حرام من بني البتيت ثم من بني عبد الأشهل وثعلبة هو
الذي يدعى الجذع اه وفي الطبقات الكبير أمه أم أناس بنت سعد من بني
عذرة ثم من بني سعد هذيم ثم من قضاعة وسمى ثعلبة الجذع لشدة قلبه
وصرامته شهد ثابت العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعا وشهد
بدرا واحدا والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة ويوم الطائف وقتل يومئذ
شهيدا اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن الجذع الأنصاري مر بعنوان ثابت بن ثعلبة الملقب بالجذع الأنصاري
ثابت بن جرير
قال النجاشي ثابت بن جرير أخبرنا ابن نوح عن الحسين بن علي بن
سفيان حدثنا أحمد بن إدريس حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة
عن عبيس بن هشام الناشري عن ثابت بن جرير بكتابه اه ويأتي ثابت
مولى جرير وظاهر منهج المقال جعلهما واحدا ولا وجه له.
ثابت بن الحارث الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وفي الاستيعاب ثابت بن الحارث الأنصاري روى عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم انه نهى عن قتل رجل شهد بدرا وقال وما يدريك لعل الله اطلع

8
الحديث روى عنه الحارث بن يزيد المصري اه وفي أسد الغابة ثابت بن
الحارث الأنصاري شهد بدرا يعد في المصريين روى عنه الحارث بن يزيد
أنه قال كانت يهود تقول إذا هلك لهم صغير: هو صديق فبلغ ذلك النبي
صلى الله عليه وآله وسلم فقال كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله تعالى في
بطن أمه الا انه شقي أو سعيد فانزل الله تعالى هذه الآية هو اعلم بكم إذ
أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم الآية اه وفي الإصابة
ثابت بن الحارث الأنصاري ويقال ابن حارثة ثم ذكر له بعض الأحاديث ولم
يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن الحجاج
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام وقال كان يروي
عن زيد بن ثابت اه. وفي الطبقات الكبير ثابت بن الحجاج الكلابي كان
ثقة إن شاء الله روى عنه جعفر بن برقان وغيره اه وعن تقريب ابن حجر
ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي ثقة من الثالثة اه وفي تهذيب التهذيب
ثابت بن الحجاج الكلابي الجزري الرقي روى عن زيد بن ثابت وأبي هريرة
وعوف بن مالك وغزا معه القسطنطينية وزفر بن الحارث وعبد الله بن سيدان
وأبي موسى عبد الله الهمداني وأبي بردة بن أبي موسى وعن أبي داود ثقة
وذكره ابن حبان في الثقات في اتباع التابعين اه‍.
ثابت الحداد أبو المقدام
هو ثابت بن هرمز الآتي:
ثابت بن حماد البصري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي ميزان
الاعتدال ثابت بن حماد أبو زيد البصري عن ابن جدعان ويونس تركه
الأزدي وغيره وقال الدارقطني ضعيف جدا وروى إبراهيم بن عرعرة
ومحمد بن أبي بكر قالا حدثنا أبو زيد ثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب
عن عمار مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانا اسقي راحلة لي في ركوة إذ تنخمت
فأصابت نخامتي ثوبي فأقبلت أغسلها فقال: يا عمار ما نخامتك
ولا دموعك الا بمنزلة الماء الذي في ركوتك انما تغسل ثوبك من البول
والغائط والمني والدم والقئ قال ابن عدي ولثابت أحاديث يخالف فيها وفي
أسانيدها الثقات وهي مناكير اه وفي لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال
الشيعة وقال العقيلي حديثه غير محفوظ وهو مجهول ونقل أبو الخطاب الحنبلي
عن اللالكائي ان أهل النقل اتفقوا على ترك ثابت بن حماد وقال البيهقي
بعد سياقه الحديث المذكور هذا الحديث باطل لا أصل له وثابت بن حماد
متهم بالوضع وقال ابن تيمية فيما نقله عنه ابن الهادي في التنقيح هذا
الحديث كذب عند أهل المعرفة اه ويظهر ان تكذيبهم له لروايته ما لم
يعتادوه ولم يقل به فقهاؤهم وربما يكون هو الصواب وغيره خطا.
ثابت بن خالد بن النعمان
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم. وفي الطبقات الكبير: ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن
عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم كان له ابنة تدعى دبية انقرض نسله
فليس له عقب وشهد بدرا واحدا اه. وفي الاستيعاب ثابت بن خالد بن
عمرو بن النعمان بن خنساء من بني مالك بن النجار، شهد بدرا واحدا
وقتل يوم اليمامة شهيدا، وقيل بل قتل يوم بئر معونة شهيدا اه. وفي
أسد الغابة: ثابت بن خالد، ونسبه كالطبقات إلى ابن غنم وقال: ابن
مالك من بني تيم الله، هكذا نسبه ابن منده. وقال أبو عمر وذكر ما مر
عن الاستيعاب. ثم حكى عن ابن الكلبي: ثابت بن خالد بن
النعمان بن خنساء بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار يجتمع هو
وأبو أيوب في عبد عوف. قال ابن منده عن ابن إسحاق في تسمية من شهد
بدرا من بني غنم: ثابت بن خالد بن النعمان. وقال ابن منده: وقال
موسى بن عقبة من بني تيم الله. قلت: لا شك ان ابن منده ظن أن بني
غنم غير بني تيم الله كذلك فإن غنما هو ابن مالك بن النجار والنجار هو تيم
الله، وكان اسمه تيم اللات فقيل تيم الله والنجار لقب له. وفي
الإصابة: ثابت بن خالد بن النعمان وقيل ابن عمرو بن النعمان بن
خنساء بن عسيرة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري كان
له ابنتان دبية ورقية لهما صحبة (وعسيرة) بالمهملة والتصغير. وقال ابن
هشام بالمعجمة اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن خنساء
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم. وفي الاستيعاب: ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن
عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، شهد بدرا في قول الواقدي
دون غيره اه وفي الإصابة: ثابت بن خنساء، ويقال ابن حسان ذكره ابن
إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي فيمن شهد بدرا، فقال الواقدي ابن
خنساء، والآخران ابن حسان وغفل أبو عمر فزعم أن الواقدي تفرد بذكره
في البدريين، فكأنه ظن أنه غير ابن حسان الذي ذكره اه. وفي الطبقات
الكبير: ثابت بن خنساء - ونسبه كما مر - ليس له عقب شهد بدرا في رواية
محمد بن عمر الأسلمي اه وفي أسد الغابة وصفه بالأنصاري الخزرجي
النجاري. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن درهم الجعفي مولاهم الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان ثابت بن درهم الجعفي الكوفي، ذكره الطوسي في رجال الشيعة
وقال اخذ عن جعفر الصادق اه.
أبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية بن دينار الكوفي
(والثمالي) بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة بطن من
الأزد. وفي أنساب السمعاني: هو ثمالة بن اسلم بن كعب بن عبد الله بن
مالك بن نصر بن الأزد بن غوث اه.
وفاته
توفي سنة 150 فيما ذكره الشيخ والنجاشي وغيرهما كما يأتي، ويأتي عن
ابن سعد: انه توفي في خلافة المنصور، وكانت خلافته بين 136 و 158،
ويأتي ان ابن محبوب يروي عنه، وابن محبوب توفي سنة 224 عن 75
سنة، فتكون ولادته سنة 149 فيكون له عنده وفاة الثمالي على القول بأنه
توفي سنة 150 دون السنتين فكيف يروي عنه، فلا بد ان يكون أحد
التاريخين غلطا، ويظهر مما رواه في كشف الغمة عن كتاب الدلائل عن أبي
حمزة انه عاش بعد المنصور، والمنصور توفي سنة 158 فيكون قد بقي إلى ما

9
بعد هذا التاريخ أو توفي فيه، وذلك أيضا يعارض القول بأنه توفي سنة
150، ويترجح انه بقي إلى ما بعد 150 وحينئذ يكون لابن محبوب عند
وفاة الثمالي نحو عشر سنين فيمكن روايته عنه والله أعلم.
أقوال العلماء فيه
كان من أصحاب علي بن الحسين والباقر والصادق والكاظم عليهم
السلام، وهو الراوي عن زين العابدين عليه السلام دعاء السحر الكبير في
شهر رمضان المعروف بدعاء أبي حمزة الذي تشهد بلاغته ومضامينه بصحة
نسبته. قال ابن النديم عند ذكر التفاسير كتاب تفسير أبي حمزة الثمالي
واسمه ثابت دينار اه وذكره الثعلبي في تفسيره واخرج الكثير من روايته.
وقال النجاشي: ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي واسم أبي صفية دينار
مولى كوفي ثقة، وكان آل المهلب يدعون ولاءه وليس من قبلهم لأنهم من
العتيك. قال محمد بن عمر الجعابي: ثابت بن أبي صفية مولى المهلب بن
أبي صفرة. وأولاده نوح ومنصور وحمزة قتلوا مع زيد. لقي علي بن
الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن عليهم السلام وروى عنهم،
وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث. وروي عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه.
وروى عنه العامة ومات سنة 150 له كتاب تفسير القرآن أخبرنا عدة من
أصحابنا قالوا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن مسلم بن البراء بن أبي
سيرة السيار التميمي المعروف بالجعابي حدثنا أبو سهل عمر بن حمدان في
المحرم سنة 307 حدثنا سليمان بن إسحاق بن داود المهلبي قدم علينا
البصرة سنة 267 حدثنا عمي عبد ربه حدثني أبو حمزة بالتفسير، وله كتاب
النوادر رواية الحسن بن محبوب أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا جعفر بن
محمد حدثنا أبي عن سعد عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن
الحسن بن محبوب عن أبي حمزة به، وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسين
عليهما السلام أخبرنا أحمد بن علي حدثنا الحسن بن حمزة علي بن إبراهيم
عن أبيه عن محمد بن الفضل عن أبي حمزة عن علي بن الحسين اه. وقال
الشيخ في الفهرست: ثابت بن دينار يكنى أبا حمزة الثمالي وكنية دينار أبو
صفية ثقة له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين
عن أبيه ومحمد بن الحسن وموسى بن المتوكل عن سعد بن عبد الله
والحميري عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة وأخبرنا
أحمد بن عبدون عن أبي طالب الأنباري عن حميد بن زياد عن يونس بن علي
العطار عن أبي حمزة، وله كتاب النوادر وكتاب الزهد رواهما حميد بن زياد
عن محمد بن عياش بن عيسى أبي جعفر عن أبي حمزة. وذكره الشيخ أيضا
في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام فقال: ثابت بن أبي
صفية دينار الثمالي يكنى أبا حمزة الكوفي مات سنة 150 وفي أصحاب الباقر
عليه السلام فقال: ثابت بن دينار أبي صفية الأزدي الثمالي الكوفي يكنى أبا
حمزة. وفي رجال الصادق عليه السلام فقال: ثابت بن أبي صفية دينار
الأزدي الثمالي الكوفي، يكنى أبا حمزة مات سنة 150. وفي رجال الكاظم
عليه السلام فقال: ثابت بن دينار يكنى دينار أبا صفية وكنية ثابت أبو حمزة
الثمالي اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن عليه السلام، روى عن علي بن
الحسين ومن بعده، له كتب اه. وقال الكشي في رجاله في أبي حمزة
الثمالي: ثابت بن دينار أبي صفية عربي أزدي - حدثني محمد بن مسعود
قال: سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحديث الذي روي عن عبد
الملك بن أعين وتسمية ابنه الضريس قال فقال انما رواه أبو حمزة واصبغ بن
عبد الملك خير من أبي حمزة، وكان أبو حمزة يشرب النبيذ ومتهم به الا أنه قال
ترك قبل موته، وزعم أن أبا حمزة وزرارة ومحمد بن مسلم ماتوا في سنة
واحدة بعد أبي عبد الله عليه السلام بسنة أو بنحو منه، وكان أبو حمزة
كوفيا. حدثني علي بن محمد بن قتيبة أبو محمد بن موسى الهمداني قالا
حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب قال: كنت انا وعامر بن عبد الله بن
جذاعة الأزدي وحجر بن زايدة جلوسا على باب الفيل إذ دخل علينا أبو
حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله يا عامر أنت حرشت علي
أبا عبد الله عليه السلام فقلت: أبو حمزة يشرب النبيذ، فقال له عامر: ما
حرشت عليك أبا عبد الله عليه السلام ولكن سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن المسكر فقال كل مسكر حرام فقال لكن أبا حمزة يشرب، قال
فقال: استغفر الله منه الآن وأتوب اليه.
وجدت بخط أبي عبد الله محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني قال:
سمعت الفضل بن شاذان قال سمعت الثقة يقول سمعت الرضا عليه
السلام يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه وذلك أنه خدم
أربعة منا علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر
موسى بن جعفر صلوات الله عليهم ويونس بن عبد الرحمن كذلك هو
سلمان في زمانه. قال أبو عمرو: سألت أبا الحسن حمدويه بن نصير
عن علي بن أبي حمزة الثمالي والحسين بن أبي حمزة ومحمد أخويه وأبيه، فقال
كلهم ثقات فاضلون. وسيأتي عن الخلاصة في الحسين بن أبي حمزة قوله:
وهذا سند صحيح اعمل عليه. وقال في ترجمة يحيى بن أم الطويل:
حدثني أحمد بن علي حدثني أبو سعيد الادمي حدثنا الحسين بن زيد النوفلي
عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفر الأول عليه السلام، إلى أن قال:
واما أبو حمزة الثمالي وفرات بن أحنف فبقوا إلى أيام أبي عبد الله عليه
السلام، وبقي أبو حمزة إلى أيام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام
اه. وقال العلامة في الخلاصة: ثابت بن دينار يكنى دينار أبا صفية وكنية
ثابت أبو حمزة الثمالي روى عن علي بن الحسين عليهما السلام ومن بعده
واختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى عليه السلام، وكان ثقة وكان
عربيا أزديا. قال الكشي - وذكر الحديث الخامس من أحاديث الكشي
المتقدمة، وقال فيه: أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه. وذلك أنه قدم
أربعة منا - ولم يذكر مع الأربعة جعفر بن محمد. وقال الشهيد الثاني في
حواشي الخلاصة على لفظة قدم كذا وجدت في جميع نسخ الكتاب، ابن
عبد الرحمن أبو حمزة في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه، وذلك أنه خدم
وترك ذكر جعفر. قال: والذي رأيته في كتاب الكشي في ترجمة يونس بن
عبد الرحمن أبو حمزة في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه، وذلك أنه خدم
أربعة منا علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر
موسى بن جعفر، وهذا هو الصواب خصوصا قوله خدم بدل قدم، فإن
البرهة من زمان موسى لا يطابق قدم وفيه تعداد الأئمة الأربعة، وكان
الصادق عليه السلام ترك من تلك النسخة سهوا اه وقال الصدوق في
مشيخة الفقيه: أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار ودينار يكنى أبا صفية وهو
من حي بني ثعل ونسب إلى ثمالة، لان داره كانت فيهم، وتوفي سنة
150، وهو ثقة عدل لقي أربعة من الأئمة عليهم السلام، وعدهم - كما
مر - وقال البهبهاني في حاشية منهج المقال: قوله ثابت بن دينار سيجئ عن
الكشي توثيقه في الحسين بن أبي حمزة وعلي بن أبي حمزة وسيجئ في خزيمة

10
عنه ان الصادق عليه السلام قال له اني لأستريح إذا رأيتك وهو في الجلالة
بحيث لا يحتاج إلى أمثال ما ذكرنا ولا يقدح فيه أمثال ما ذكر هنا ثم اعتذر
عن اخبار القدح باعذار متكلفة لا حاجة إلى نقلها ومما اعتذر به عن شرب
النبيذ انه يمكن ان يكون أبو حمزة ما كان يعرف حرمته يومئ اليه كثرة
سؤال أصحابهم عنهم عليهم السلام عن حرمته كما ورد في كتاب الاخبار
ومنه هذا الخبر اه وقال أبو علي في رجاله: الذي ينبغي ان يقال إنه لا
خلاف بين الطائفة في عدالته وأمثال هذه الأخبار لا تنهض للمعارضة مع أن
الخبر الثاني مرسل والحاكي غير معلوم إذ ليس هو محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب لا محالة فان محمدا يروي عن عامر بن عبد الله بن جذاعة
بواسطتين صفوان عن ابن مسكان نبه عليه الميرزا في حواشي الكتاب
والمحقق الشيخ حسن في حواشي رجال ابن طاوس اه والحاصل انه لا
ريب في وثاقته وجلالة قدره لاتفاق اجلاء الأصحاب على ذلك، وهذه
الأخبار بمرأى منهم ومسمع وهم أعلم بحالها. وعن الراوندي في الخرايج
عن داود الرقي في حديث وافد أهل خراسان انه ورد الكوفة فرأى في ناحية
رجلا حوله جماعة فقصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون فقال من الشيخ؟
قال هو أبو حمزة الثمالي قال فبينا نحن جلوس إذ اقبل اعرابي وقال جئت من
المدينة وقد مات جعفر بن محمد فشهق أبو حمزة ثم ضرب بيده إلى الأرض
ثم سأل الاعرابي هل سمعت له بوصية؟ قال أوصى إلى ابنه عبد الله والى
ابنه موسى وإلى المنصور فقال أبو حمزة الحمد لله الذي لم يضلنا دل على
الصغير وبين حال الكبير وستر الأمر العظيم! ووثب إلى قبر أمير المؤمنين
عليه السلام فصلى وصلينا ثم أقبلت عليه وقلت له: فسر لي ما قلت قال
بين ان الكبير ذو عاهة ودل على الصغير ان ادخل يده مع الكبير وستر الامر
العظيم بالمنصور حتى إذا سأل المنصور عن وصيه قيل له أنت (الحديث).
وفي ميزان الذهبي: ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي مولى المهلب بن
أبي صفرة، عن انس والشعبي وطائفة، وعنه وكيع وأبو نعيم وجماعة قال
احمد وابن معين ليس بشئ، وقال أبو حاتم لين الحديث، وقال النسائي
ليس بثقة اسم أبي صفية دينار، قال عبيد الله بن موسى كنا عند أبي حمزة
الثمالي فحضره ابن المبارك فذكر أبو حمزة حديثا في ذكر عثمان فقال من
عثمان؟ فقام ابن المبارك ومزق ما كتب ومضى. سعدان بن يحيى حدثنا
أبو حمزة الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي مرفوعا: من
زار أخاه في الله لا لغيره التماس موعود الله وكل الله به سبعين الف ملك
ينادونه: طبت وطابت لك الجنة.. قلت وعده السليماني في قوم من
الرافضة اه. وفي تهذيب التهذيب ثابت بن أبي صفية دينار وقيل سعيد أبو
حمزة الثمالي الأزدي الكوفي مولى المهلب. روى عن انس والشعبي وأبي
إسحاق وزاذان أبي عمرو وسالم بن أبي الجعد وأبي جعفر الباقر وغيرهم.
وعنه الثوري وشريك وحفص بن غياث وأبو اسامة وعبد الملك بن أبي
سليمان وأبو نعيم ووكيع وعبيد الله بن موسى وعدة. قال احمد ضعيف
ليس بشئ وقال ابن معين ليس بشئ وقال أبو زرعة لين وقال أبو حاتم
لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الجوزجاني واهي الحديث وقال
النسائي ليس بثقة وقال عمر بن حفص بن غياث ترك أبي حديث أبي حمزة
الثمالي، وقال ابن عدي وضعفه بين على رواياته وهو إلى الضعف أقرب.
قلت: وقال ابن سعد توفي في خلافة أبي جعفر وكان ضعيفا وقال يزيد بن
هارون كان يؤمن بالرجعة وقال أبو داود جاءه ابن المبارك فدفع إليه صحيفة
فيها حديث سوء في عثمان فرد الصحيفة على الجارية وقال قولي له قبحك
الله وقبح صحيفتك. وقال يعقوب بن سفيان ضعيف وقال البرقاني عن
الدارقطني متروك وقال في موضع آخر ضعيف وقال ابن عبد البرليس بالمتين
عندهم في حديثه لين وقال ابن حبان كان كثير الوهم في الاخبار حتى خرج
عن حد الاحتجاج به إذا انفرد مع غلوه في تشيعه وروى ابن عدي عن
الفلاس ليس بثقة وعده السليماني في قوم من الرافضة وذكره العقيلي
والدولابي وابن الجارود وغيرهم في الضعفاء. قلت: وحديثه عند ابن
ماجة في كتاب الطهارة ولم يرقم له المزي اه. وفي انساب السمعاني:
لتوهمه في الاخبار خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد مع غلوه في تشيعه
اه وفي خلاصة تذهيب الكمال ثابت بن أبي صفية الثمالي أبو حمزة الكوفي
رافضي عن انس والشعبي وعنه حفص بن غياث وشريك قال النسائي
ليس بثقة مات في خلافة المنصور اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي باب ثابت المشترك بين من يوثق به وبين غيره
ويمكن استعلام انه ابن دينار الثقة برواية عبد ربه الثقة ورواية الحسن بن
محبوب عنه ورواية يونس بن علي العطار عنه ورواية محمد بن عياش عنه
وروايته هو عن أربعة من الأئمة علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن
محمد وموسى بن جعفر عليهم السلام، وزاد الكاظمي في مشتركاته انه
يعرف برواية عبد الله بن سنان وسيف بن عميرة وهشام بن سالم ومحمد بن
عذافر ومالك بن عطية وصفوان بن يحيى وإبراهيم بن عمر اليماني ومحمد بن
الفضل وأبي أيوب الحزاز عنه، وعن جامع الرواة انه زاد رواية أبي عبد
الرحمن وعمر بن ابان ومثنى الحناط ومحمد بن سنان وأبي اسامة وعيسى بن
بشير وعبد الله بن القاسم والمفضل بن عمر ومحمد بن إسماعيل ومالك بن
عطية وعمران الحلبي بتوسط بشير وعاصم بن حميد ومحمد بن سليمان
وإبراهيم بن عبد الحميد ومحمد بن مسلم ومحمد بن مسكين الحناط وأسد بن
العلا ومنصور بن يونس وحفص بياع السابري وحفص بن قرظ وخلاد
وإبراهيم بن مهزم الأسدي ومحمد بن الصلت وداود بن النعمان وسعدان بن
مسلم وعلي بن أبي النعيم وهارون بن الجهم ومخلد أبو الشكر وأبو سعيد
المكاري وعثمان بن عيسى ومحمد بن أحمد بن أبي داود وخالد بن مازن
القلانسي وأبو خالد وسالم والد بكر وعمر بن خالد ومعاوية بن وهب
وعبد الله بن حسان ومعاوية بن عمار والحكم الخياط وشعيب العقرقوفي وأبي
طلحة أو حماد بن أبي طلحة بياع السابري ومحمد بن الفضيل والحكم الحناط
وحماد بن عثمان وصباح المزني وعمرو بن ثابت والفضيل وابن ابنه
الحسين بن حمزة وعائذ الأحمسي والحسن بن راشد والحسين بن مخارق أبي
جنادة السلولي وجميل بن دراج وابن أبي يعفور وأحمد بن أبي داود وداود
الرقي وأيوب بن أعين والقاسم بن محمد الجوهري والنضر بن إسماعيل
البلخي وأبي جميلة ومحمد بن اسلم وأيوب بن الحر وهلال بن عطية ويحيى
الحلبي ومالك بن عطية وعمرو أو عمر بن مسلم على اختلاف النسخ
وغيرهم عنه وكذا رواية إسماعيل بن الفضل وأيوب بن أعين عنه اه وفي
مجمع البيان ما يدل على أنه روى عن الحسن بن الحسن بن علي وعمرو بن
مرة وحمران بن أعين. قال في تفسير قوله تعالى (ولو ترى إذ فزعوا) قال أبو
حمزة الثمالي سمعت علي بن الحسين والحسن بن الحسن بن علي يقولان هو
جيش البيداء يؤخذون من تحت اقدامهم. قال وحدثني عمرو بن مرة
وحمران بن أعين انهما سمعا مهاجرا المكي يقول سمعت أم سلمة تقول:

11
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث الله إليه جيشا حتى إذا كانوا
بالبيداء بيداء المدينة خسف بهم اه.
ثابت بن رفيع الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن مصر،
وفي الاستيعاب ثابت بن رفيع ويقال ابن رويفع الأنصاري سكن البصرة ثم
مصر حدث عنه الحسين البصري وأهل الشام اه وفي أسد الغابة عن بعض
العلماء أنه قال هذا مصحف مقلوب اه وفي الإصابة قال ابن أبي حاتم هو
عندي رويفع بن ثابت اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن زائدة العلكي مولاهم الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام فقال ثابت بن
زائدة العلكي وذكره في أصحاب الصادق عليه السلام فقال ثابت بن زائدة
العكلي مولاهم الكوفي، وفي لسان الميزان ثابت بن زائدة العجلي الكوفي
ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال علي بن الحكم كان حافظا زاهدا قليل
الحديث اه والعجلي مصحف عن العكلي. ثابت بن زيد أبو زيد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال هو أحد الستة
الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب قال عباس - بن
محمد الدوري - سمعت يحيى بن معين يسأل عن أبي زيد الذي
يقال إنه جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هو فقال ثابت بن زيد،
قال صاحب الاستيعاب وما اعرف هذا لغير يحيى بن معين في أبي زيد الذي
جمع القرآن، وفي الإصابة ثابت بن زيد الحارثي أبو زيد الذي جمع القرآن
كذا سماه محمد بن سعد عن أبي زيد النحوي وزعم أنه جده وقيل اسمه
قيس وهو قول الأكثر اه وفي الطبقات الكبير لابن سعد ثابت بن زيد بن
قيس بن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ابن
الحارث بن الخزرج ويكنى أبا زيد أخبرنا أبو زيد الأنصاري البصري
النحوي واسمه سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد قال ثابت بن زيد
بن قيس هو جدي وقد شهد أحدا وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان قد نزل البصرة واختط بها ثم قدم المدينة
فمات بها في خلافة عمر بن الخطاب اه ثم ذكر ما يدل على أن رجله
قطعت يوم أحد ثم ذكر ابنه بشير بن أبي زيد وهو جد والد أبي زيد النحوي
المتقدم الذي قال إن ثابت بن زيد بن قيس جده، ولا يخفى ان الذي ذكر
في الطبقات ذكره صاحب الإصابة بعد ترجمة ثابت بن زيد الحارثي بترجمة
مستقلة ولم يذكر انه جمع القرآن ولا انه جد أبي زيد النحوي وما حكاه عن
ابن سعد عن أبي زيد النحوي ليس في الطبقات بل فيه ما سمعت،
فالظاهر وقوع خلل في النقل والله أعلم. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن سعد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام.
ثابت بن شريح أبو إسماعيل الصائغ الأنباري مولى الأزد
ذكره النجاشي بهذا العنوان وقال ثقة روى عن أبي عبد الله عليه
السلام وأكثر عن أبي بصير وعن الحسين بن أبي العلاء وابنه محمد بن ثابت
له كتاب في أنواع الفقه، أخبرنا علي بن أحمد بن محمد حدثنا محمد بن
الحسن حدثنا الحسن بن مثيل حدثنا حسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة
عن عبيس بن هشام عن ثابت، وهذا الكتاب يرويه عنه جماعات من
الناس وانما اختصرنا الطرق إلى الرواة حتى لا تكثر، فليس أذكر الا طريقا
واحدا فحسب اه وفي الفهرست: ثابت بن شريح: له كتاب أخبرنا به
ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الحسن بن متيل عن الحسن بن علي الكوفي
عن عبيس بن هشام عن ثابت بن شريح، وأخبرنا أحمد بن محمد بن موسى
عن أحمد بن محمد بن سعيد عن حميد بن الحسين القزاز البصري عن أبي
شعيب خالد بن صالح عن ثابت بن شريح الصائغ اه وفي الخلاصة:
ثابت بن شريح بالشين المعجمة والحاء المهملة اه وذكره الشيخ في رجاله في
أصحاب الصادق عليه السلام فقال: ثابت بن شريح الصائغ وذكره فيمن
لم يرو عنهم عليهم السلام فقال: ثابت بن شريح روى عنه عبيس بن
هشام اه. وربما يظن التنافي بين عده في أصحاب الصادق عليه السلام،
وعده فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. ولذلك حمل صاحب الحاوي الثاني
على السهو مع ظهور الاتحاد، وأجيب بعدم التنافي بينهما، فالأول لبيان
روايته عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، والثاني: لبيان انه يروي عنه
بالواسطة كما يشير اليه قول النجاشي: روى عن أبي عبد الله وأكثر عن أبي
بصير والحسين بن أبي العلاء. وفي النقد بعد نقلهما قال: والظاهر أنهما
واحد ولو كان هناك منافاة لأشار إليها. وفي لسان الميزان: ثابت بن شريح
الصائغ ذكره الطوسي في مصنفي الشيعة. وقال الكشي: اخذ عن جعفر
الصادق. وروى عنه عبيس بن هشام وعبد الله بن أحمد وغيرهما اه.
وليس له ذكر في كتاب الكشي وانما ذكره النجاشي والطوسي كما مر، ولم
يذكرا عبد الله بن أحمد فيمن روى عنه.
التمييز
في مشتركات الطريحي: يمكن استعلام ان ثابتا المشترك بين من يوثق
به وغيره هو ابن شريح الثقة بروايته عن أبي بصير وعن الحسين بن أبي
العلاء وروايته عن عبيس بن هشام وعن أبي شعيب خالد بن صالح اه.
وزاد الكاظمي في مشتركاته رواية ابن نهيك عنه اه.
ثابت بن الصامت الأشهلي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: سكن
المدينة. وفي الاستيعاب: ثابت بن الصامت الأنصاري الأشهلي: حديثه
عند عبد الرحمن ابنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قيل إن ثابت بن الصامت توفي
في الجاهلية والصحبة لابنه عبد الرحمن اه. وفي أسد الغابة: ثابت بن
الصامت الأنصاري يقال إنه أخو عبادة بن الصامت، روى حديثه عبد
الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده. قلت: ان كان أشهليا،
كما ذكره أبو عمر، فليس بأخ لعبادة بن الصامت، لان عبادة خزرجي
وعبد الأشهل من الأوس اه. وفي الإصابة: ثابت بن الصامت بن
عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي ثم قال: اغرب ابن
قانع، فذكر الصامت والد هذا في الصحابة، فكأنه سقط من روايته ابن
اه. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري
ولادته ووفاته
في الاستيعاب: ولد سنة 3 من الهجرة ومات سنة 45، وقد قيل إنه

12
مات في فتنة ابن الزبير اه. وفي الإصابة قوله ولد سنة ثلاث من الهجرة
تبع فيه الواقدي وهو غلط، ولعله سنة ثلاث من البعثة لأنه شهد الحديبية
وبايع تحت الشجرة، ومن يشهد الحديبية سنة ست ويبايع فيها كيف يكون
مولده بعد الهجرة بثلاث فيكون سنه في الحديبية ثلاث سنين، والا شبه ان
الذي ولد سنة ثلاث هو ثابت بن الضحاك بن أمية بن ثعلبة بن جشم.
وقال عمرو بن علي: مات سنة 45، ولعله تبع الواقدي. وقال جماعة:
انه مات في فتنة ابن الزبير. وزاد بعضهم سنة 64. وفي تهذيب
التهذيب: وهذا عندي أشبه بالصواب من قول عمرو بن علي، لأن أبا
قلابة صح سماعه منه، وأبو قلابة لم يطلب العلم إلا بعد سنة 69 اه.
هكذا في النسخة، ولعل الصواب: بعد سنة 59 كما لا يخفى، وفي
خلاصة تذهيب الكمال: مات سنة 64 على الصواب قاله الفلاس اه.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: سكن الشام
وقد كان بايع تحت الشجرة اه. وفي الخلاصة في القسم الأول: ثابت بن
الضحاك بايع تحت الشجرة اه. وقال الشهيد الثاني في حواشي
الخلاصة: في الاكمال ابن الضحاك بن أمية بن ثعلبة بن جشم بن
مالك بن سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج أنصاري اردفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم
الخندق وكان دليله إلى حمراء الأسد اه ولا يخفى ان الذي حكاه الشهيد
الثاني عن الاكمال هو غير المترجم، فالمترجم هو ثابت بن الضحاك بن
خليفة بن ثعلبة بن عدي الخ... والذي حكاه هو ابن الضحاك بن
أمية بن ثعلبة بن جشم الخ... فهما اثنان كما في جميع كتب أسماء
الصحابة. وفي الاستيعاب: ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن
عدي بن كعب بن عبد الأشهل يكنى أبا زيد، سكن الشام وانتقل إلى
البصرة. روى عنه من أهل البصرة أبو قلابة - عبد الله بن زيد الجرمي -
وعبد الله بن معقل - ابن مقرن المزني - اه.
وفي تهذيب التهذيب: قال البخاري والترمذي: شهد بدرا اه.
ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثابت الضرير
قال الشيخ في الفهرست: له كتاب ذكره ابن النديم اه وفي
فهرست ابن النديم: قال محمد بن إسحاق: هؤلاء مشايخ الشيعة الذين
رووا الفقه عن الأئمة ذكرتهم على غير ترتيب، إلى أن قال: كتاب ثابت
الضرير اه. وفي منهج المقال: كأنه ابن موسى الضبي العابد الضرير
الآتي اه.
ثابت بن أبي ثابت عبد الله البجلي الكوفي يكنى أبا سعيد مولى
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام وقال: روى
عنه وعن أبي عبد الله عليه السلام. وقال في رجال الصادق عليه السلام:
ثابت بن عبد الله وهو ثابت بن أبي ثابت البجلي الكوفي ثم قال بلا فصل
ثابت أبو سعيد البجلي الكوفي قال الميرزا والظاهر أن هذا والأول واحد كما
يشهد به ما في رجال الباقر اه وفي نسختين من النقد ذكر له علامة - ين
قرق جخ - اي ان الشيخ في رجاله ذكره في أصحاب علي بن الحسين والباقر
والصادق عليهم السلام ولم أجده في غيره بل الكل اقتصروا على عده في
أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام والله أعلم.
الشيخ الإمام أبو الفضل ثابت بن عبد الله بن ثابت اليشكري من أولاد
ثابت البناني
في مجموعة الجباعي: فاضل عالم ثقة قرأ على الاجل المرتضى علم
الهدى رفع الله درجته وله كتاب الحجة في الإمامة وكتاب منهاج الرشاد في
الأصول والفروع اه ومثله بعينه في فهرست منتجب الدين وفي لسان
الميزان: ثابت بن عبد الله بن ثابت اليشكري ذكره ابن بابويه في رجال
الامامية من الشيعة، قال: كان عالما فاضلا، صنف كتبا كثيرة واخذ عن
الشريف المرتضى وغيره اه.
ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن أسد بن خويلد بن عبد العزى
القرشي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وربما
يفهم من ذلك أنه من شرط كتابنا وفيه نظر يعلم مما مر في ثابت بن أوس
البناني. وفي تاريخ ابن عساكر: ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام
حدث عن سعد بن أبي وقاص وقيس بن مخرمة، وروى عنه نافع. وقال
الزبير بن بكار: كان ثابت لسان آل الزبير جلدا وفصاحة وبيانا، وكان هو
وأخواه حمزة وحبيب عند جدهم لامهم منظور بن زبان بالبادية يرعون عليه
الإبل كما تفعل عبيده حتى تحرك ثابت فقال لاخوته: انطلقوا بنا نلحق
بأبينا. فركبوا بعض الإبل فلحقوا بأبيهم فاتبعهم منظور فقال لعبد الله بن
الزبير أردد على عبيدي فقال إنهم قد كبروا واحتاجوا إلى أن نعلمهم القرآن
ولا سبيل إليهم، قال اما ان الذي صنع بهم هذا الصنيع ابنك هذا ثابت
ما زلت أخافها منه منذ كبر، قال مصعب بن عبد الله: زعموا ان ثابتا
جمع القرآن قبل اخوته جمعه في ثمانية أشهر وزوجه عبد الله بن الزبير
قبلهم بنت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فولدت له
جاريتين يقال لإحداهما حكيمة، وكان ثابت يشهد القتال مع أبيه ويبارز
بين يديه، فعل ذلك غير مرة وكان أخوه حمزة قال لاخوته: لا تطلبوا
أموالكم من عبد الملك - حين قبضها - وانا انفق عليكم، فأبى ثابت وقدم
على عبد الملك فأكرمه ورد على ولد عبد الله بعض أموالهم بكلامه. وحكى
شيخ من أيلة قال: دخل علي فتى صبيح علمت أنه من العرب حين
رأيته، فسألته من هو فقال: ثابت بن عبد الله بن الزبير، ثم قال:
لما رأيت انها احدى الاحد * وبرق الموت لنا ثم رعد
أممت هذا الخليفة الأسد
وقال له سليمان بن عبد الملك: من أفصح الناس؟ فقال انا! ثم
قال له فمن؟ فقال انا! ثم قال له فمن؟ قال: ثم أنت! فرضي سليمان
منه بذلك بعد ثلاث. وزاره محمد بن علي بن أبي طالب فتحدث معه، ثم
خرج وهو يقول: ما ظننت ان تلد النساء مثلك. وقال مسور بن عبد
الملك: كنا نأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ينزعنا اليه إلا استماع كلام ثابت
والعجب بألفاظه. وقال يوما لابنه: يا بني تعلم العلم فإنك ان تكن ذا
مال كان العلم جمالا، وان تكن غير ذي مال يكن لك العلم مالا. وحكى
الأصمعي ان أهل الشام حملوا على عبد الله بن الزبير حتى دخلوا المسجد،
فقال يا ثابت قم فرد هؤلاء عني، فقام وانه لفي ثوبين فتناول سيفا وحجفة
فردهم ثم رجع فقعد، فعاد أهل الشام فقال يا ثابت قم فردهم، فقام
فردهم حتى أخرجهم من المسجد. فلما قتل والده لحق بعبد الملك بن

13
مروان فأكرمه. وكان عبد الملك قد قبض أموال ابن الزبير، فقال له
ثابت: ان رأيت أن ترد علي حصتي من مال أبي فردها عليه. وقال له عبد
الملك يوما: أبوك كان أعلم بك حيث كان يشتمك! فقال يا أمير المؤمنين
أتدري لم كان يشتمني؟ قال لا والله! فقال إني كنت نهيته ان يقاتل بأهل
مكة وأهل المدينة فإن الله لا ينصره بهم: فأما أهل مكة فأخرجوا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأخافوه ثم جاؤوا إلى المدينة فأخرجهم منها وسيرهم. وعرض ثابت
بكلامه هذا بالحكم بن أبي العاص حيث نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. واما أهل
المدينة فخذلوا عثمان حتى قتل بينهم. فقال له عبد الملك لعنك الله، فقال
ثابت: يستحقها الظالمون قال الله تعالى (الا لعنة الله على الظالمين)
فأمسك عنه، وفي رواية أنه قال له عبد الملك أنت كما قال الأول: شنشنة
أعرفها من أخزم. قال الزبير بن بكار أخبرني عمي مصعب بن عبد الله انه
مات بسرع من طريق الشام منصرفا من عند سليمان بن عبد الملك إلى
المدينة وكان سليمان له مكرما، ورد عليه وعلى اخوته أشياء لم يكن ردها
عبد الملك وتوفي وهو ابن سبع أو ثمان وسبعين، وروي انه توفي بمعان من
طريق الشام وموته بسرع أثبت عندنا اه.
ثابت بن عبيد الأنصاري
في الاستيعاب: شهد بدرا وشهد صفين مع علي وقتل بها اه
ويحتمل ان يكون هو ثابت البناني كما مر وفي الطبقات الكبير لابن سعد عند
تسمية من نزل الكوفة من الصحابة والتابعين وغيرهم: ثابت بن عبيد
الأنصاري لقي زيد بن ثابت وقال صليت خلف المغيرة بن شعبة فقام في
الركعتين وكان ثقة كثير الحديث روى عنه الأعمش وغيره اه وهذا غير
المترجم يقينا لأن صفين كانت سنة 37 والأعمش ولد سنة 61.
ثابت بن عجلان الأنصاري السلمي أبو عبد الله الحمصي
في تاريخ دمشق لابن عساكر: ثابت بن عجلان الأنصاري الحمصي
سكن الباب وكان يقول: أدركت كذا وكذا من كبار التابعين كلهم يأمرني
بالصلاة في الجماعة وينهاني عن أصحاب الأهواء ثم بكى وقال: ما من
عمل أرجى لي ولا أحب إلى نفسي من مشي إلى هذا المسجد - يعني مسجد
الباب - وأمر عبد الله بن المبارك بقية بن الوليد ان يجمع له حديث ثابت بن
عجلان. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل: سألت أبي عن ثابت أهو
ثقة؟ فسكت - وقال دحيم: ليس به بأس وهو من أهل أرمينية روى عن
القدماء. وقال أبو حاتم: لا بأس به هو صالح الحديث. وقال أبو
عبد الله الحافظ لم يصح سماع ثابت من ابن عباس وانما طبقته بعد التابعين
وكان ثابت يقول: ان الله ليريد بأهل الأرض العذاب فإذا سمع أصوات
الصبيان يتعلمون الحكمة - اي القرآن - صرفه عنهم، ووثقه يحيى بن معين
وقال ابن عدي في تسمية الضعفاء: ثابت بن عجلان شامي ليس له غير
هذه الأحاديث وذكر له ثلاثة أحاديث اه وفي تهذيب التهذيب: ثابت بن
عجلان الأنصاري السلمي أبو عبد الله الحمصي، وقيل إنه من أرمينية.
وقال ابن أبي حاتم حمصي وقع إلى باب الأبواب قال عبد الله بن أحمد:
سألت أبي عنه فقال كان يكون بالباب والأبواب، قلت هو ثقة؟ فسكت
كأنه مرض في امره. وقال ابن معين ثقة. وقال دحيم والنسائي ليس به
بأس. وقال أبو حاتم لا بأس به صالح الحديث. وقال بقية: قال لي ابن
المبارك اجمع لي حديث ثابت بن عجلان فتتبعته. وقال العقيلي في الضعفاء
لا يتابع في حديثه، وساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث غريبة. وقال أحمد
انا متوقف فيه. وقال ابن حبان: في الثقات قيل إنه سمع انسا وليس ذلك
بصحيح عندي. وقال عبد الحق في الاحكام لا يحتج به، ورد ذلك عليه
ابن القطان، وقال في قول العقيلي لا يتابع ان هذا لا يضر الا من لا
يعرض بالثقة، واما من وثق فانفراده لا يضره وصدق، فان مثل هذا لا
يضره الا مخالفته الثقات لا غير، فيكون حديثه حينئذ شاذا اه وفي ميزان
الاعتدال: ثابت بن عجلان شامي، إلى أن قال: وذكره ابن عدي وساق
له ثلاثة أحاديث غريبة. قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به،
فناقشه على قوله أبو الحسن ابن القطان وقال: قول العقيلي أيضا فيه تحامل
عليه، وانما يضر هذا من لا يعرف بالثقة مطلقا، فاما من عرف بها
فانفراده لا يضره الا ان كثر ذلك منه. قلت اما من عرف بأنه ثقة فنعم،
وأما من وثق ومثل أحمد الامام يتوقف فيه. ويقول أبو حاتم صالح
الحديث، فلا نرقيه إلى رتبة الثقة وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر وقع إلى
باب الأبواب غازيا.
تشيعه
في النبذة المختارة من كتاب تلخيص اخبار شعراء الشيعة للمرزباني
التي أشرنا إليها في أحمد بن خلاد الشروي وقلنا انه ذكر فيها ترجمة سبعة
وعشرين شاعرا منهم، والمترجم هو السابع منهم. قال المرزباني: ثابت بن
عجلان الأنصاري رحمه الله. قيل إن معاوية قال لجلسائه يوما: من خير
الناس أبا وأما وجدا وجدة وعما وعمة وخالا وخالة؟ فقال ثابت: - واخذ
بيد الحسن بن علي عليهما السلام -: هذا أبوه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة
وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجدته خديجة وعمه جعفر الطيار في الجنة وعمته أم
هانئ بنت أبي طالب وخاله إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعترضه عمرو بن
العاص فقال: أبيت يا أخا الأنصار الا حبا لبني هاشم؟ فقال ثابت ويلك يا
ابن العاص انه لم يرد أحد من الناس رضى مخلوق بمعصية الخالق الا حرمه
الله أمنيته في الحياة الدنيا وختم له بالشقاء في الآخرة بنو هاشم أنضر وجوها
وأورى زنادا وأقوم عمادا وأعظم قدرا وأسنى فخرا واجل محتدا وأعلا
سؤددا وأندى يدا! أكذلك يا معاوية ان شئت فقل لا؟ فقال بل هم
كذلك يا ثابت! فالتفت ثابت إلى عمرو فقال:
بنو هاشم أهل النبوة والهدى * على رغم راض من معد وراغم
بهم انقذ الله الأنام من العمى * وبالنفر البيض الكرام الخضارم
بنو الخزرج الغر الحماة وأوسها * بني كل بهلول عميد قماقم
فما أنت يا ابن العاص ويلك فازدجر * ولا ابن أبي سفيان أمثال هاشم
مشايخه
في تهذيب التهذيب: روى عن أنس وأبي اسامة وسعيد بن المسيب
وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وطاوس والحسن وابن سيرين
والزهري وخلق. وفي تاريخ دمشق: سمع مكحول وغيره بدمشق،
حدث عن أبي أمامة والشعبي والنخعي والزهري وجماعة اه.
بعد كتابة هذه الترجمة ظهر لنا الآن النظر في اتحاد المذكور في تاريخ
دمشق وتهذيب التهذيب والميزان مع المذكور في النبذة لوضوح ان الثاني ان
لم يكن من الصحابة فهو من التابعين قطعا مع أن عبارة تاريخ دمشق
كالصريحة في أنه من تابعي التابعين لقوله أدركت كذا وكذا من كبار التابعين
ولو كان من التابعين لكان أولى ان يقول أدركت كذا وكذا من كبار

14
الصحابة وكذا ما حكاه من أنه لم يصح سماع ثابت من ابن عباس وانما
طبقته بعد التابعين صريح في أنه ليس بتابعي وانكار ابن حبان ان يكون
سمع من انس يشير إلى أنه ليس بتابعي ثم وصفه بالأنصاري وقولهم انه من
أهل حمص أو أهل أرمينية كالمتدافع فلو كان أنصاريا لكان حجازيا لا شاميا
فيوشك أن يكون اختلط الأنصاري بالشامي وهما اثنان. وكيف كان فما في
النبذة المختارة غير ما في تاريخ دمشق وغيره بلا ريب أما كون الموصوف
بالأنصاري شاميا فغير ممتنع بأن يكون أصله أنصاريا وسكن هو أو أحد
آبائه الشام والله أعلم.
أبو قوام ثابت بن علي بن مزيد الأسدي
قال ابن الأثير في حوادث سنة 425 في هذه السنة كانت حرب
شديدة بين دبيسن بن علي بن مزيد وأخيه أبي قوام ثابت بن علي بن مزيد
وسبب ذلك ان ثابتا كان يعتضد بالبساسيري ويتقرب إليه فلما كان سنة
اربع وعشرين وأربعمائة سار البساسيري معه إلى قتال أخيه دبيس فدخلوا
النيل واستولوا عليه وعلى أعمال نور الدولة فسير نور الدولة إليهم طائفة من
أصحابه فقتلوهم فانهزموا فلما رأى دبيس هزيمة أصحابه سار عن بلده وبقي
ثابت فيه إلى الآن فاجتمع دبيس وأبو المغرا عناز بن المغرا وبنو أسد وخفاجة
واعانه أبو كامل منصور بن قراد وساروا جريدة لإعادة دبيس إلى بلده
وأعماله وتركوا حللهم بين خصا وحربى فلما ساروا لقيهم ثابت عند
جرجرايا وكانت بينهم حرب قتل فيها جماعة من الفريقين ثم تراسلوا
واصطلحوا ليعود دبيس إلى أعماله ويقطع أخاه ثابتا اقطاعا وتحالفوا على
ذلك وسار البساسيري نجدة لثابت فلما وصل إلى النعمانية سمع بصلحهم
فعاد إلى بغداد اه وقال مهيار الديلمي يستنجز المترجم وعدا:
إلى أين وابن الغاضرية شاهد * يغرك نجم أو يدلك خارت
تلق الحيا من جوه وارع روضه * تدر العجاف أو تعيش الموائت
الا انما بدر السماء ابن شمسها * وبدر بني عوف على الأرض ثابت
فتى لا على آلاء عذار بالعهد ناكث * ولا مع فرط الجود للسن ناكث
تهادى نساء الحي وصف حنانه * وتاباه في الروع الرجال المصالت
ترى الحلم مشحونا وراء ردائه * إذا مر ينزو الطائش المتهافت
فهل مبلغ عني خزيمة ما وعى * حصاها البديد أو رباها الثوابت
وفي لك مجد اما تعدين في أبي * قوام إذا خان الفروع النوابت
ولدت وأولدت الكبير ومثله * قليل وأمات الصقور مقالت (1)
سبقت فلم يعلق غبارك جامح * وفت فلم يملك صفاتك ناعت
فداك صديق وجهه وفؤاده * معاد على دين المعالي معانت
يريك الرضا والغل حشو جفونه * وقد تنطق العينان والفم ساكت
ونادتك لغوات السؤال فأفصحت * يداك وأيدي المانعين صوامت
وأوسعتني مالا اتى لم تخض له * الدياجي ولم تنفض عليه السبارت
فكن سامعا ما امتد باعك في العلا * وسر محب أو تخيب شامت
ثناء فم الراوي عليك مسلم * به ومصلي الشكر باسمك قانت
تزورك منه في أوان فروضها * قواف لها عند الكرام مواقت
يفدن الغنى اضعاف ما يستفدنه * وهن بقايا والعطايا فوائت
وقال مهيار يمدحه أيضا في قصيدة يقول فيها:
وحاجة ماجد اليد مستطيل * إلى الغايات يقصر أو يبوع
حبيب عنده طول الليالي * كان سهاده فيها هجوع
ركبت إلى الخطار بها زماعي * وناجية مسابحها الهزيع
إذا اختلفت أسامي السير يوما * فكل اسم لمسراها السريع
تيمم من بني أسد بيوتا * ببابل جارها الجبل المنيع
وتنشق من ثرى عوف ترابا * ينم بطيبه الكرم الوديع
إذا قيدت بجو مزيدي * لواها الخصب والوادي المريع
طوالب ثابت حيث اطمأنت * من المجد الذوائب والفروع
إذا غنين باسم أبي قوام * ترنحت القوائم والنسوع
طربن لضاحك العرصات تغني * الرياض به ويبتهج الربيع
إذا اعتقل القناة ندى وبأسا * تلاقى الماء فيها والنجيع
اناف به على شرف المعالي * سمو النفس والحسب الرفيع
وبيت بين غاضرة وعوف * تناصي عيصه الشرف الفروع
إذا الأنساب أظلمت استتبت * لكوكبه الإضاءة والنصوع
من النفر الذين هم اتحادا * كوسطى العقد في مضر وقوع
إذا جلسوا تجمعت المعالي * وان ركبوا تفرقت الجموع
مضوا سلفا وجاء أبو قوام * فاقبل سر معجزهم يذيع
فكان البدر تصغر جانبيه * الكواكب وهي ثاقبة طلوع
هو الأسد الوحيد إذا أغاروا * وفي الشورى هو الرأي الجميع
وقال يعاتبه على تأخر وعد أكده في بابه ويلوم عشيرته على مثل ذلك
من قصيدة:
من مبلغ عني وان تعذرت * عوفا وجارت بي في أحكامها
وطرحت بين منابذ الحصى * عهدي على المحفوظ من ذمامها
حيث اطمأن الملك في قبابها * وصفت الدنيا على خيامها
أبعد ان أرسلتها دوافعا * ينثال حشد السيل في ازدحامها
قاطعة بمدحكم عرض الفلا * بين مهاويها إلى آكامها
نبا بأيديكم مضاء حدها * وطاش ماريشت من سهامها
قف وسط ناديها فحي قائما * حبا واعظاما ابا قوامها
رسالة من كلف بوده * متيم الأشواق مستهامها
وشاكر ديمته ان مطرت * ليومها أو مطلت بعامها
اما حماة أسد وصيدها * فقد عرفت الشم من اعلامها
وأبصرت ما خط من أشياخها * باسا وحلما منك في غلامها
طلعت شمسا لصباح مزيد * وكوكبا يوقد في ظلامها
ان الكريم من قرى أضيافه * ما يسع الامكان من اكرامها
وقال أيضا يعاتبه على تأخير ما جرت باهدائه إليه من قصيدة:
من راكب تنجو به ممسوسة * ترمي سهول طريقها بحزونه
مما تنخل وافتلاها داعر * من سر ما صفى ومن مكنونه
بلغ بلغت المجد في أبياته * والعز بين عراصه وقطينه
عني بني عوف على اعراضهم * ان الحديث معلق بشجونه
عتبا يروح نفثه ثقل الجوى * ان العليل مروح بأنينه
احطط ببيت أبي قوام فالتبس * بالليث في أشباله وعرينه
ببنيه أروع قاطب متبسم * غير أن يؤخذ صعبه من لينه



(1) جمع مقلات وهي القليلة الولد قال بعض العرب (وأم الصقر مقلات تزور).
- المؤلف -
15
فالموت بين قناته وحسامه * والرزق بين شماله ويمينه
بلغه عني مخلصا من دونهم * شكوى ومالك مخلص من دونه
ماء الفرات وردت منه أجاجه * المملوح بعد زلاله ومعينه
واليك يشكو الشعر نقضك عهده * ويصيح في ابكاره أو عونه
يسري بها الساري ويصبح فيكم * الشادي يطربها على تلحينه
عذر تحسنه لكم أهواؤكم * والمجد يعذلكم على تحسينه
وأخاف ان نشز القريض عليكم * من فرط نفرته إزاء سكونه
والماء يشرب تارة من منهل * صاف ويشرق تارة باجونه
والجود دين فيكم متوارث * والحر ليس براجع عن دينه
حاشا لمجدك ان يقال بداله * في المكرمات وشك بعد يقينه
ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب:
ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن
النجار، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا في قول جميعهم، قال ذلك
موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي. ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين
اه. وفي الطبقات الكبير لابن سعد: ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي
شهد بدرا في رواية موسى بن عقبة وأبي معشر والواقدي وعبد الله بن
محمد بن عمارة الأنصاري ولم يذكره محمد بن إسحاق فيمن شهد بدرا
وقالوا جميعا شهد أحدا وقتل يومئذ شهيدا وليس له عقب اه وفي الإصابة
تبع في ذلك أبو عمر بن جرير وقد ذكره ابن إسحاق في البدريين وانه قتل
بأحد ولم يذكره موسى بن عقبة فيمن استشهد بأحد اه ولم يعلم أنه من
شرط كتابنا.
ثابت بن قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر وهو
كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس بن حارثة بن ثعلبة بن
عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد
هكذا نسبه الخطيب في تاريخ بغداد وقال شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أحدا والمشاهد بعدها ويقال إنه جرح يوم أحد اثنتي عشرة جراحة وعاش إلى
خلافة معاوية واستعمله علي بن أبي طالب على المدائن ثم روى بسنده عن
عبد الله بن عمارة بن القداح قال: كان ثابت بن قيس بن الخطيم شديد
النفس، وكان له بلاء مع علي بن أبي طالب، واستعمله علي بن أبي طالب
على المدائن فلم يزل عليها حتى قدم المغيرة بن شعبة الكوفة، وكان معاوية
يتقي مكانه فلما حضر المغيرة انصرف ثابت بن قيس إلى منزله فيجد الأنصار
مجتمعة في مسجد بني ظفر يريدون ان يكتبوا إلى معاوية في حقوقهم أول ما
استخلف، وذاك أنه حبس حقهم سنتين أو ثلاثا لم يعطهم شيئا. فقال:
ما هذا؟ فقالوا: نريد أن نكتب إلى معاوية. فقال: ما تصنعون أن
يكتب إليه جماعة يكتب إليه رجل منا، فان كانت كائنة برجل منكم فهو
خير من أن تقع بكم جميعا وتقع أسماؤكم عنده. فقالوا: فمن ذاك الذي
يبذل نفسه لنا؟ قال: أنا. فقالوا فشأنك فكتب إليه وبدأ بنفسه فذكر أشياء
منها: نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغير ذلك. وقال: حبست حقوقنا، واعتديت
علينا وظلمتنا، وما لنا إليك ذنب إلا نصرتنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (فكان من نتيجة
الكتاب ان رد معاوية حقوقهم.) وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق
فقال: ثابت بن قيس بن الخطيم يتصل نسبه بالأوس الأنصاري الظفري له
صحبة وشهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا وما بعدها وصحب عليا ووفد على معاوية
ومات في خلافته وكان شديد النفس وأبلى مع علي بلاء حسنا وولاه على
المدائن، ثم ذكر ما مر عن تاريخ بغداد، ثم قال وجعل ابن سعد المترجم
في الطبقة الثانية من الأنصار ممن لم يشهد بدرا وشهد أحدا وما بعدها من
بني ظفر اه وفي الاستيعاب: ثابت بن قيس بن الخطيم بن عمرو بن
يزيد بن سواد بن ظفر واسمه كعب بن الخزرج الأنصاري الظفري مذكور
في الصحابة مات فيما أحسب في خلافة معاوية وأبوه قيس بن الخطيم أحد
الشعراء مات على كفره قبل قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وشهد ثابت بن قيس بن
الخطيم مع علي صفين والجمل والنهروان ولثابت بن قيس بن الخطيم ثلاثة
بنين عمر ومحمد ويزيد قتلوا يوم الحرة ولا أعلم لثابت هذا رواية وابنه
عدي بن ثابت من الرواة الثقات اه وقال ابن عساكر: ليس لولده
عقب. وفي أسد الغابة عن ابن الكلبي وأبي موسى: ابن الخطيم بن
عدي بن عمرو قال وظفر بطن من الأوس وفي الإصابة: استعمله
سعيد بن العاصي على الكوفة لما طلبه عثمان لشكوى أهل الكوفة منه لا
أعلم له رواية ثم روى أن ثابت بن قيس جرح يوم أحد اثنتي عشرة جراحة
وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ حاسرا فكان يقول له يا حاسر اقبل، يا حاسر أدبر
وهو يضرب بسيفه بين يديه وشهد المشاهد بعدها واستعمله علي على المدائن
فلم يزل بها حتى قدم المغيرة عاملا على الكوفة لمعاوية فعزله ومات ثابت في
أيام معاوية قال وروى القداح عن محمد بن صالح بن دينار باسناده أن
معاوية كان يكره ثابت بن قيس لما كان منه في حروبه مع علي وأن الأنصار
اجتمعت فأرادت أن تكتب إلى معاوية بسبب حبسه لحقوقهم، فأشار
عليهم ثابت بأن يكاتبه شخص واحد منهم لئلا يقع في جوابه ما يكرهون
فذكر قصة طويلة وأنه توجه بكتابهم إليه، ووقعت بينهما مخاطبة. قال:
وروى الحربي في غريب الحديث بسنده عن أنس قال كان الخزرج قتلوا
قيس بن الخطيم في الجاهلية فلما أسلم ابنه بعثوا اليه بسلاحه، فقال: لولا
الاسلام لأنكرتم ما صنعتم اه. وفي لسان الميزان: ثابت بن قيس بن
الخطيم بن عدي الأوسي قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: لا
أعرفه، قلت هو صحابي وقد قيل إنه جد عدي بن ثابت التابعي المشهور
صاحب البراء فقد روى عن أبيه عن جده حديثا، وقد أوضحت ذلك في
تهذيب التهذيب اه. والذي ذكره في تهذيب التهذيب في ترجمة عدي بن
ثابت الأنصاري أنه شديد التشيع وان بعضهم قال هو عدي بن أبان بن
ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري وثابت صحابي معروف اه
فيكون عدي قد ورث التشيع لا عن كلالة. وفي ميزان الاعتدال: ثابت
في صحيح أبي داود والترمذي وابن ماجة. روى عن عدي بن ثابت عن
أبيه سمع عليا لا يعرف إلا بابنه، والصحيح أنه عدي بن أبان بن ثابت بن
قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري فغلب على عدي بن ثابت النسبة إلى
جده اه.
ثابت بن قيس بن رغبة الأشهلي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم أجده في
الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وذلك عجيب.
ثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي خطيب الأنصار
استشهد سنة 11، وفي تهذيب التهذيب سنة 12.

16
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقال سكن المدينة
قتل يوم اليمامة. وذكره العلامة في الخلاصة في القسم الأول، وابن داود
في القسمين. وقال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة: كان خطيب النبي
و شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، استشهد سنة 11 باليمامة اه وعن تقريب ابن
حجر: من كبار الصحابة بشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة اه. وفي الاستيعاب:
ثابت بن قيس بن شماس (ابن زهير) بن مالك بن امرئ القيس بن مالك
الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج وأمه امرأة من
طي يكنى أبا محمد بابنه محمد وقيل أبا عبد الرحمن، وقتل بنوه محمد ويحيى
وعبد الله بنو ثابت بن قيس بن شماس يوم الحرة، وكان ثابت بن قيس
خطيب الأنصار، ويقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما
يقال لحسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد أحدا وما بعدها من
المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيدا. قال أنس بن مالك: لما انكشف الناس
يوم اليمامة قلت لثابت بن قيس بن شماس: ألا ترى يا عم - ووجدته قد
حسر عن فخذيه يتحنط - فقال ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بئس ما عودتم أقرانكم ولبئسما عودتم أنفسكم! اللهم أني
أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء. وفي أسد الغابة: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء
به هؤلاء - يعني الكفار - وأبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني المسلمين - ثم
قاتل حتى قتل. ورآه بعض الصحابة في النوم فأوصاه أن يأخذ درعه ممن
كانت عنده وتباع ويفرق ثمنها في المساكين، فقص الرجل تلك الرؤيا على
أبي بكر، فبعث في الرجل فاعترف بالدرع فأمر بها فبيعت وأنفذت وصيته
ولا يعلم أحد أنفذت وصيته بعد موته سواه. ثم روى بسنده عن ثابت بن
قيس بن شماس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا ثابت أما ترضى أن تعيش
حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ فقتل يوم اليمامة شهيدا. وأن ابنته
قالت لما نزلت (لا ترفعوا أصواتكم) الآية دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه
وقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير. ولما نزلت (ان
الله لا يحب من كان مختالا فخورا) أغلق عليه بابه وطفق يبكي وقال إني
أحب الجمال وأحب أن أسود قومي فقال لست منهم، بل تعيش حميدا
وتقتل شهيدا. وفي الإصابة بسنده: خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فقال نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا؟ قال الجنة! قالوا
رضينا. لم يذكره أصحاب المغازي في البدريين وقالوا أول مشاهده أحد
وشهد ما بعدها اه. وفي تهذيب التهذيب: ثابت بن قيس بن شماس بن
مالك بن امرئ القيس الخزرجي أبو عبد الرحمن ويقال أبو محمد. روى
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعنه أولاد محمد وقيس وإسماعيل
وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى، قلت وشهد بدرا والمشاهد
كلها. دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عليل فقال اذهب الباس رب الناس عن
ثابت بن قيس بن شماس اه وقوله شهد بدرا ينافي ما ذكره في الإصابة من
أنه لم يشهدها وأول مشاهده أحد كما مر.
ومما يدل على أنه من شرط كتابنا ما ذكره اليعقوبي أنه لما استخلف
أمير المؤمنين علي عليه السلام كان أول من تكلم من الأنصار ثابت بن
قيس بن شماس الأنصاري فقال: والله يا أمير المؤمنين لئن كانوا تقدموك
في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن سبقوك أمس لقد لحقتهم اليوم ولقد
كانوا وكنت لا يخفى موضعك ولا يجهل مكانك يحتاجون إليك فيما لا
يعلمون وما احتجت لاحد مع علمك اه (1).
ثابت بن قيس بن فهر الأنصاري أبو الورد
قال ابن حجر في الإصابة في الأسماء ثابت بن قيس وقيل ابن كامل
أبو الورد يأتي في الكنى وقيل اسمه عبيد وقيل غير ذلك اه وقال في الكنى
أبو الورد بن قيس فهر الأنصاري قال ابن الكلبي شهد مع علي صفين اه
وفي الاستيعاب أبو الورد المازني قيل اسمه حرب له صحبة ثم قال في هذه
الترجمة وقال ابن الكلبي عن يزيد بن أبي حبيب عن لهيعة أبو الورد بن
قيس بن فهر الأنصاري شهد مع علي صفين اه وفي الإصابة خلطه أبو
عمر - يعني أبو الورد بن قيس بن فهر - بالذي قبله والذي يظهر لي أنه غيره
اه ومن هنا يظهر ان ما ذكره بعض أهل العصر من أن أبا الورد حرب بن
قيس المازني من شيعة الصحابة ليس بصواب فإنه لا يوجد في الصحابة من
اسمه حرب بن قيس أصلا وإنما يوجد حرب المازني وهو الذي في الإصابة
أن أبا عمر خلط به أبا الورد بن قيس بن فهر وهو غيره.
ثابت بن قيس بن المنقع
في تاريخ ابن عساكر: كوفي حدث عن أبي موسى الأشعري وروى
عنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير ويزيد بن أوس الكوفيان. قال الواقدي:
وكان من جملة من سيرة عثمان إلى دمشق، وقدم ثابت على معاوية أيضا ا
ه. وفي تهذيب التهذيب ثابت بن قيس بن منقع النخعي أبو المنقع الكوفي
روي عن أبي موسى الأشعري في الابراد بالظهر، وعنه يزيد بن أوس وأبو
زرعة بن قيس بن جرير ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عن ابن
مسعود اه. وعن التقريب: أبو المنقع بضم الميم وفتح النون وتشديد
القاف من الثالثة اه.
ثابت بن قيس الهمداني
كان من الذين سيرهم عثمان من أهل الكوفة إلى الشام ذكره ابن
الأثير في حوادث سنة 33.
ثابت بن كامل بن دبيس الأسدي الحلي
هو ابن عم سيف الدولة صدقة بن مزيد بن دبيس الأسدي صاحب
الحلة قال ابن الأثير في حوادث سنة 496: أنه فيها استولى سيف الدولة
صدقة بن مزيد على هيت واستخلف عليها ابن عمه ثابت بن كامل اه.
ثابت بن موسى بن عبد الرحمن بن سلمة الضبي أبو يزيد الكوفي الضرير
العابد
مات سنة 229 بالكوفة.
مر في ثابت الضرير قول الميرزا كأنه هو وهو كذلك ابن حجر في
تهذيب التهذيب بالعنوان السابق وقال في التقريب: ضعيف الحديث من
العاشرة مات سنة 229 وفي تهذيب التهذيب: ثابت بن موسى بن عبد
الرحمن بن سلمة الضبي أبو يزيد الكوفي الضرير العابد. روى عن
شريك بن عبد الله وسفيان الثوري وأبي داود النخعي. وعنه إسماعيل بن
محمد الطلحي ومحمد بن عثمان بن كرامة وهناد بن السري وأبو عمرو بن



1 - وجدنا هذا في مستدركات الطبعة الأولى فأوردناه هنا مع ما ذكر انه استشهد يوم اليمامة
الناشر
17
أبي عزرة ومحمد بن عبد الله الحضرمي وغيرهم. وسمع منه أبو زرعة وأبو
حاتم وأمسكا عن الرواية عنه وقال ابن معين: كذاب، وقال أبو حاتم:
ضعيف وقال ابن عدي روى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن
جابر حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. وبه من كانت له
وسيلة إلى السلطان - الحديث - وفي الهامش: تكملته يدفع بها مغرما أو
بجربها مغنما ثبت الله قدميه يوم تدحض الاقدام اه قال وبلغني عن ابن نمير
أنه ذكر له الحديث عن ثابت فقال باطل وكان شريك مزاحا وكان ثابت
رجلا صالحا فيشبه ان يكون ثابت دخل على شريك وهو يقول حدثنا
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالتفت فرأى ثابتا فقال
يمازحه: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار! فظن ثابت لغفلته
أن هذا الكلام هو متن الاسناد الذي قد قرأه فحمله على ذلك وإنما هو قول
شريك. قال ابن عدي: ولثابت عن شريك قدر خمسة أحاديث كلها
معروفة غير هذين الحديثين. وقال الحسين بن عمر بن أبي الأحوص
الثقفي: حدثنا ثابت بن موسى في مسجد بني صباح سنة 228 ومات سنة
229 ولم أسمع منه إلا حديثين. وكذا قال مطين في تاريخ موته قال:
وكان ثقة يخضب روى له ابن ماجة حديثا واحدا. قلت: وقال العقيلي
كان ضريرا عابدا وحديثه باطل ليس له أصل ولا يتابعه عليه ثقة. وقال
ابن حبان: كان يخطئ كثيرا لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وهو
الذي روى عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر حديث من
كثرت صلاته. قال ابن حبان: وهذا قول شريك قاله عقب حديث
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم
ثلاث عقد - الحديث - فأدرج ثابت قول شريك في الخبر ثم سرق هذا من
شريك جماعة ضعفاء. وجاء أن كنيته أبو إسماعيل اه. وذكره ابن سعد
في الطبقات الكبير فيمن نزل الكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان
بها بعدهم من التابعين وغيرهم من أهل الفقه والعلم فقال: ثابت بن
موسى ويكنى أبا يزيد توفي بالكوفة سنة 229 في خلافة هارون الواثق بالله ا
ه. وعن جامع الرواة أنه نقل رواية محمد بن سنان عنه في باب كظم
الغيظ من الكافي.
ثابت مولى جرير
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، ومر
ثابت بن جرير وجعلهما الميرزا واحدا ولا دليل عليه كما مر. وفي لسان
الميزان: ثابت مولى جرير ذكره الكشي في رجال الشيعة. وقال علي بن
الحكم كان كوفيا دخل على جعفر فصحبه واسند عنه اه ولم يذكره
النجاشي ولا الكشي، وإنما ذكر النجاشي: ثابت بن جرير كما مر.
السيد ثابت ابن السيد ناصر كمونة الحسيني النجفي البروجردي، وباقي
النسب ذكر في السيد عبد الحسين بن علي.
كان من سدنة الحضرة الشريفة العلوية وكان أكبر اخوته وكان جليلا
في الخدمة ورئيسا في كشك بني كمونة وله ثروة كثيرة فوقعت منافرة بينه
وبين الملا يوسف خازن المشهد الشريف العلوي أوجبت سفره إلى تبريز
والوالي عليها عباس ميرزا القاجاري ثم سافر إلى طهران في عهد فتح علي
شاه القاجاري وزوج ابنته من بعض أهل طهران وكان العاقد الشيخ جعفر
صاحب كشف الغطاء، فقال له الشيخ ممازحا: بهذا التزويج صرت
عجميا! وأراده على الرجوع إلى النجف، فاعتذر بكثرة الدين، فجمع له
مبلغا من المال من المصلين في المسجد الجامع لقطع عذره فاخذه ولم يرجع
إلى أن توفي ونقلت جنازته إلى النجف الأشرف وعينت له وظيفة من
الديوان بموجب فرمان من محمد شاه، ثم جدد الفرمان من ناصر الدين شاه
باسم ورثة السيد ثابت النجفي.
الأمير الشريف ثابت بن نعير (1) بن منصور بن جماز بن هبة بن جماز بن
منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا بن
الحسين بن مهنا بن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن
الحسن بن جعفر حجة الله بن عبد الله بن الحسين الأصغر ابن علي زين
العابدين ابن الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام أمير
المدينة.
توفي سنة 811 أو 810
أخذنا هذا النسب من صبح الأعشى ج 4 ص 301 لكنه لم يكن
بهذا الترتيب بل فيه: أن جماز بن هبة بن جماز كان أمير المدينة ثم عزل
وولي نعير بن منصور بن جماز ثم قتل، فوثب جماز بن هبة الله على امارة
المدينة واستولى عليها، فعزله السلطان وولى ثابت بن نعير وهو بها إلى الآن
سنة 799، وهو ثابت بن جماز بن هبة بن جماز بن منصور الخ... ما
تقدم، فقد جعله أولا ثابت بن نعير بن منصور بن جماز وجعله ثانيا
ثابت بن جماز بن هبة بن جماز بن منصور، فيكون قد وقع خلل في العبارة،
وظننا أن يكون الصواب ما ذكرناه في الترجمة وأن يكون سقط من عبارته
نعير بن منصور بعد ثابت وقيل جماز والله أعلم.
أمراء المدينة الحسينيون
وإمارة المدينة المنورة كانت للحسينيين كما كانت إمارة مكة
للحسينيين، لكن أمراء مكة تظاهروا بالتسنن فدام ملكهم إلى زماننا هذا
فكان آخرهم الملك حسين وابنه علي، وأمراء المدينة المنورة تظاهروا بالتشيع
فزال ملكهم للعصبية، ولم يذكر المؤرخون من أحوال أمراء المدينة إلا نتفا
يسيرة وربما كان للعصبية مدخل في ذلك ولم يذكرهم صاحب مجالس
المؤمنين مع ذكره لكثير ممن هو دونهم، وربما نسب أمراء مكة إلى الزيدية،
ففي صبح الأعشى: وأمرتها - أي المدينة - الآن سنة 799 متداولة بين بني
عطية وبين بني جماز وهم جميعا على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بامامة
الاثني عشر إماما وغير ذلك من معتقدات الامامية، وأمراء مكة الزيدية
أخف في هذا الباب شأنها منهم اه. ويفهم من صبح الأعشى أن أول من
ولي أمرة المدينة مستقلا بها طاهر أبو الحسين بن محمد الملقب بمسلم بن
طاهر بن الحسن بن أبي القاسم طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة
الله بن أبي جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين ابن
الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام وسنذكر تراجم من
اتصل بنا أسماؤهم منهم كلا في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وفي وفاء الوفاء عن الحافظ بن حجر في أنباء الغمر: أنه في سنة
811 فوض السلطان الناصر فرج - ابن برقوق ملك مصر والشام -



(1) في صبح الأعشى وتحفة الأزهار لضامن بن شدقم: رسم نعير بالعين المهملة وأعرب في صبح
الأعشى يوزن حسين، وفي شذرات الذهب: نفير بالفاء، ويمكن كونه نغير بالغين
المعجمة، فان كلا من نعير ونغير أسماء عربية.
المؤلف
18
لحسن بن عجلان - الحسني أمير مكة - سلطنة الحجاز فاتفق موت ثابت بن
نعير وقرر حسن مكانه أخاه عجلان بن نعير المنصوري فثار عليهم جماز بن
هبة بن جماز الجماز الذي كان أمير المدينة قال والذي رأيته في محضر عليه
خطوط غالب أعيان المدينة الشريفة ما حاصله أن جماز بن هبة المذكور كان
أمير المدينة فبرزت المراسيم الشريفة بتولية ثابت بن نعير إمرة المدينة وأن
يكون النظر في جميع الحجاز لحسن بن عجلان ولم يصل الخبر بذلك إلا بعد
وفاة ثابت بن نعير فاظهر جماز بن هبة الخلاف والعصيان ولما اتصل
بحسن بن عجلان ما فوض إليه من أمر الحجاز استدعى بعجلان بن نعير
وأقامه في إمرة المدينة وعرفه ما برزت به المراسيم أولا في ولاية أخيه اه
وقال ضامن بن شدقم في كتابه تحفة الأزهار كما في نسخة مخطوطة رأيناها في
طهران ثابت بن نعير ابن الأمير أبي عامر منصور هو أول من ولي المدينة من
قبل أمير مكة وذلك أن الناصر فرج بن برقوق لما ضعف أمره من تيمورلنك
سلم أمر سلطنة الحجاز إلى السيد حسن بن عجلان الحسني سنة 810 فلما
برزت المراسيم بتولية ثابت بن نعير توفي وكان الأمير إذ ذاك جماز بن الأمير
هبة فأمر بنهب بعض بيوت المدينة إلى آخر ما يأتي في ترجمة جماز، ثم أن
المفهوم مما مر عن صبح الأعشى أن المترجم استمر في امارة المدينة مدة لا
تقل عن 12 أو 11 سنة فإنه قال وهو بها إلى سنة 799 ولم يذكر مبدأ ولايته
كما مر وابن حجر يظهر منه كما مر وهو بها سنة 811 ومن ابن شدقم انها
سنة 810 فتكون مدة إمارته 11 أو 12 سنة والذي في المحضر أنه لم يصل
المرسوم بولايته إلا بعد وفاته وابن شدقم يقول إنها لما برزت المراسيم بتوليته
توفي وعبارة شذرات الذهب تدل على أنه كان أمير سنة 801 قال وفيها كان
أمير مكة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني وبالمدينة ثابت بن نفير اه.
وكانت المراسيم والتقاليد تكتب لهم من ملك مصر، ومن المؤسف
جدا أن جل تلك المراسيم كان يتعرض فيها لذم الشيعة والايصاء بان لا
يدع لهم أماما ولا قاضيا ولا مفتيا ونحو ذلك بعبارات ممقوتة، كما هو
مذكور في صبح الأعشى، فكانوا بسبب ذلك وأمثاله يؤذون في الحرم
النبوي وفي حرم الله الذي يأمن فيه الطير والوحش. والوزر في ذلك في
الدرجة الأولى على علماء السوء الذين كانوا ينشئون تلك الكتب على لسان
الملوك ولا يأمرهم الملوك بكل ما فيها بل عليهم توقيعها وامضاؤها موكلين
أمر ما فيها إلى معرفة المنشئ ودينه ففرقوا بذلك الكلمة وغرسوا في القلوب
الضغينة وسيلقون جزاء عملهم.
أبو المقدام ثابت بن هرمز الحداد الفارسي العجلي مولاهم الكوفي
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام:
ثابت بن هرمز الفارسي أبو المقدام العجلي الحداد مولى بني عجل، وفي
رجال الباقر عليه السلام: ثابت بن هرمز أبو المقدام العجلي مولاهم الكوفي
الحداد، وفي بعض النسخ زيدي بتري، وفي رجال الصادق عليه السلام
ثابت بن هرمز العجلي أبو المقدام الكوفي وفي الخلاصة في القسم الثاني ثابت
الحداد أبو المقدام زيدي بتري. وقال النجاشي في رجاله: ثابت بن هرمز
أبو المقدام الحداد روى نسخة عن علي بن الحسين عليهما السلام، رواها
عنه ابنه عمرو بن ثابت. قال ابن نوح: حدثنا علي بن الحسين بن سفيان
حدثنا علي بن العباس بن الوليد حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا
عمرو بن ثابت عن أبيه عن علي بن الحسين عليهما السلام. وقال الكشي
في رجاله: في سلمة بن كهيل وأبي المقدام وسالم بن أبي حفصة وكثير النوا،
سعد بن جناح الكشي حدثني علي بن محمد بن يزيد القمي عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن الحسين بن
عثمان الرواسي عن سدير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي
سلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النوا
وجماعة معهم، وعند أبي جعفر عليه السلام اخوه زيد بن علي عليه
السلام، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام: تتولى عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ
من أعدائهم؟ قال نعم! قالوا نتولى فلانا وفلانا ونتبرأ من أعدائهم؟
فالتفت إليهم زيد بن علي وقال لهم: أتتبرأون من فاطمة؟ بترتم أمرنا
بتركم الله! فيومئذ سموا البترية اه. ومر مثله في البترية في حرف الباء.
وفي التعليقة: في روضة الكافي عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام
عن أبيه: قلت لأبي جعفر عليه السلام ان العامة تزعم أن بيعة فلان حيث
اجتمع الناس كانت رضى لله عز ذكره وما كان الله ليفتن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من
بعده؟ فقال عليه السلام: أما يقرأون كتاب الله أوليس الله يقول (وما
محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله
الشاكرين؟) فقلت انهم يفسرون على وجه آخر! قال: أوليس الله قد
أخبر عن الذين من قبلهم من الأمم انهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم
البينات حيث قال (وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو
شاء الله ما اقتتل الذين من بعده من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا
فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما
يريد) وفي هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد قد اختلفوا من بعده
وكان حالهم كاهل الأمم السابقة، وهذا ينافي كونه بتريا اه. وقال ابن
سعد في الطبقات الكبير فيمن نزل الكوفة من الصحابة ومن بعدهم من
التابعين وغيرهم من أهل الثقة والعلم وذكر فيهم ثابت بن هرمز وقال يكنى
أبا المقدام العجلي وهو أبو عمرو بن أبي المقدام اه. وفي ميزان الاعتدال
في ثابت بن أبي المقدام قال: ان ثابت بن هرمز يروي عن ابن المسيب،
وهو ثقة احتج به النسائي اه. وفي تهذيب التهذيب: ثابت بن هرمز
الكوفي أبو المقدام الحداد مولى بكر بن وائل، روى عن عدي بن دينار
وسعيد بن المسيب وأبي وائل وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه الثوري وشعبة
وابنه عمرو بن أبي المقدام وشريك وإسرائيل وغيرهم، روى عنه الحكم بن
عتيبة والأعمش ومنصور وهما من أقرانه قال احمد وابن معين ثقة. وقال أبو
حاتم صالح وروى له حديثا واحدا في الحيض وقال أبو داود ثقة. وقال
الأزدي يتكلمون فيه. وقال مسلم بن الحجاج في شيوخ الثوري ثابت بن
هرمز ويقال هريمز. وقال ابن حبان في الثقات: من زعم أنه ابن هرمز فإنما
تورع من التصغير وقال يعقوب بن سفيان كوفي ثقة. وفي كتاب ابن خلفون
وثقه ابن المديني وأحمد بن صالح وغيرهما. وقال زاذان بن صالح: كان
شيخا عاليا صاحب سنة، وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض
في صحيحيهما وصححه ابن القطان. وقال عقبة لا اعلم له علة، وثابت
ثقة ولا اعلم أحدا ضعفه غير الدارقطني اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: يعرف ثابت أنه ابن هرمز البتري
الضعيف برواية ابنه عمرو بن ثابت عنه اه. وعن جامع الرواة أنه نقل
رواية هشام بن الحكم عنه في مشيخة الفقيه في طريق بلال المؤذن ورواية

19
عبد الله بن غالب عنه في باب الصلاة على المستضعف من الكافي وباب
الصلاة على الأموات من التهذيب اه.
ثابت بن وديعة
هو ثابت بن يزيد بن وديعة الذي بعد هذا بلا فصل.
ثابت بن يزيد بن وديعة الأنصاري الخزرجي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وقال سكن الكوفة يكنى أبا سعيد وقيل أبا مجعد اه. وفي تهذيب
التهذيب: ثابت بن وديعة، ويقال ابن زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس
الخزرجي الأنصاري أبو سعيد المدني له ولأبيه صحبة روى عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، وعنه البراء بن عازب وزيد بن وهب وعامر بن سعد
البجلي اخرجوا له حديثا واحدا في الضب قلت ذكر الترمذي في تاريخ
الصحابة أنه ثابت بن يزيد وان وديعة أمه. وقال العسكري: شهد خيبر
ثم شهد صفين مع علي. وقال البغوي وابن حبان سكن الكوفة. وقال
ابن السكن حديثه في الضب، يختلفون فيه اختلافا كثيرا، قلت وقد
صححه الدارقطني وأخرجه أبو ذر في المستدرك على الصحيحين اه. وفي
الطبقات الكبير لابن سعد: ثابت بن وديعة بن خذام بن خالد بن ثعلبة بن
زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عميرة بن عوف وأمه أمامة بنت
بجاد بن عثمان بن عامر، فولد ثابت بن وديعة يحيى ومريم وأمها وهبة بنت
سليمان بن رافع بن سهل بن عدي من ساكني رابخ حلفاء بني زعوراء،
وكان ثابت يكنى أبا سعد، وكان أبوه وديعة بن خذام من المنافقين. وذكره
في موضع آخر فقال: ثابت بن وديعة بن خذام من بني عمرو بن عوف،
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث، وكان قد نزل الكوفة باخره اه.
وعن تقريب ابن حجر: ثابت بن وديعة وقيل ابن يزيد بن وديعة وقيل يزيد
أبوه ووديعة أمه أبو سعيد المدني صحابي جليل اه. وفي الاستيعاب:
ثابت بن وديعة ينسب إلى جده وهو ثابت بن يزيد بن وديعة بن عمرو بن
قيس بن جزى بن عدي بن مالك بن سالم وهو الجبلي بن عوف بن عمرو بن
الخزرج الأكبر الأنصاري قال الواقدي يكنى أبا سعيد وأمه أم ثابت بنت
عمرو بن جبلة بن سنان يعد في الكوفيين، روى عنه زيد بن وهب
وعامر بن سعد اه. وفي أسد الغابة: ثابت بن وديعة بن خذام أحد بني
أمية بن زيد بن مالك من بني عمرو بن عوف من الأنصار ثم الأوس يكنى
أبا سعد، وكان أبوه من المنافقين عداده في أهل المدينة، ثم ذكر ثابت بن
يزيد بن وديعة وقيل ابن زيد بن وديعة يكنى أبا سعد له صحبة نزل
الكوفة، روى عنه البراء بن عازب وزيد بن وهب وعامر بن ربيعة البجلي
قاله أبو نعيم وجعله وثابت بن وديعة واحدا اه. وفي الإصابة: ابن
عوف بن عمرو بن الجموح اه. والتفاوت بين هذه الكلمات ظاهر بين
تكنيته بأبي سعيد وأبي سعد وفي نسبته وفي نسبة أمه وغير ذلك.
ثابت أبو سعيدة (1)
في مستدركات الوسائل: عنه ابن مسكان في الكافي في باب (ترك
دعاء الناس) اه ويمكن كونه أبو سعيد البجلي المتقدم وزيادة التاء من
سهو النساخ. وفي تهذيب التهذيب: ثابت أبو سعيد عن يحيى بن يعمر
عن علي في الامر بالمعروف، وعنه أبو سعيد المؤدب وقال: لقيته بالري،
قلت: ذكره ابن حبان في الثقات وقرأت بخط الذهبي لا يعرف اه،
ويمكن كونه المترجم.
ثابت بن سعيد
في مستدركات الوسائل: عنه ابن مسكان في الكافي في آخر كتاب
التوحيد اه.
ثابت أبو رافع القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ذكرنا الاختلاف في اسم أبي رافع في إبراهيم أبو رافع وان أحد
الأقوال أن اسمه ثابت وترجم في إبراهيم.
الأمير ثامر بك بن حسين بك بن سلمان بك السالمي العاملي من آل علي
الصغير
توفي سنة 1298 ه. في قرية ميس من جبل عامل مجتازا بها بعد ما
مرض ثلاثة أيام وهو شيخ كبير ودفن فيها.
حكم في بنت جبيل بعد وفاة أبيه حسين بك سنة 1265، وكان
عالي الهمة شجاعا قوي القلب، وكان جبل عامل مقسما إلى عدة مقاطعات
يحكمها أمراؤه: وهي مقاطعة جبل تبنين ويحكمها علي بك الأسعد في
عصر المترجم ومركزها تبنين، ومقاطعة جبل هونين ويحكمها المترجم وقبله
أبوه وجده ومركزها بنت جبيل، وقد أنشأ فيها أبوه دارا للامارة، ومقاطعة
الشقيف ويحكمها الصعبية ومركزها النبطية، ومقاطعة الشومر ويحكمها
المناكرة ومركزها جبع، وكان ابتداء حكم أبيه في بنت جبيل سنة 1258،
وبعد مجيئه إلى بنت جبيل بسنتين عمر السراي ومكث فيها سبع سنوات
وتوفي سنة 1265، فأقيم مكانه ولده ثامر بك (صاحب الترجمة) باسم
مدير جبل هونين، وهو أول من لقب بالبك من حكام جبل هونين من هذه
الطائفة، ولبس الطربوش، كما أن أول من لقب بالبك من بني عمهم
حكام جبل تبنين ولبس الطربوش هو حمد البك، وكان الامراء منهم قبل
ذلك يلقبون بالمشايخ، وكذلك الامراء الصعبية والمناكرة وأمراء بلاد
صفد، ويلبسون العمائم والبنشات وكان الحرافشة والشهابية وغيرهم
يلقبون بالأمراء فبقيت ألقابهم لم تتغير وذلك في عهد السلطان عبد المجيد
فإنه أول من لبس الطربوش واللباس الإفرنجي من السلاطين العثمانية
وكان أسلافه يلبسون العمائم وما يشبه الجبب، وجرت في مدة حكمه عدة
حروب بينه وبين علي بك الأسعد حاكم تبنين وهو من عشيرته: مرة في
سهل تبنين ومرة في مرجعيون ثم عزل المترجم عن مديرية جبل هونين
وجعلت الدولة العثمانية بدلا عنه ناصيف آغا وهو رجل تركي، فذهب
المترجم إلى استانبول وذلك في عهد السلطان عبد العزيز، فلما كان يوم
الجمعة وخرج السلطان إلى السلاملك وقدم إليه جواده فركبه هتف ثامر بك
قائلا: (آفرين راعي الحصان) فاعجب السلطان ذلك وعرف جرأته
وشجاعته وقوة قلبه وكان الناس شأنهم في ذلك الموكب الصموت، فسأل
عنه فأخبر به وسأله عن سبب قدومه فأخبره فأمر بإعادته إلى المديرية، ثم
عزل وألغيت مديرية بنت جبيل وألحقت بصور، ثم أعيدت وعين لها أخوه
سلمان بك فبقي أربعة أشهر وتوفي سنة 1286، ولما كانت سنة 1281
وتوفي علي بك حاكم تبنين بدمشق الغي الحكم الاقطاعي في جميع بلاد
جبل عامل وقسمت إلى قائم مقاميات ومديريات.
وهو من آل علي الصغير امراء بلاد بشارة من جبل عامل، ويراد
ببلاد بشارة: البلاد الجنوبية من جبل عامل التي يفصل بينها وبين البلاد

20
الشمالية منه المعروفة ببلاد الشقيف وإقليم الشومر نهر ليطة (الليطاني).
آل علي الصغير
وهم من خيرة الامراء يكرمون العلماء والاشراف وتتجلى فيهم
الاخلاق العربية الكريمة من الشهامة والشجاعة والكرم والغيرة والوفاء
بالعهد وحفظ الجار، نبغ منهم غير واحد، وتأمروا في بلاد بشارة من جبل
عامل عدة قرون، وأعقابهم فيه حتى اليوم أهل أمرة ورياسة، وأجلهم
الأمير الشيخ ناصيف بن نصار المقتول في عهد الجزار - وتأتي تراجم النابهين
منهم في محالها (انش ء) - وقال الشيخ محمد آل مغنية في كتابه (جواهر
الحكم ودرر الكلم) في وصفهم: انهم عشاير كرام أهل ناموس وشهامة
وشيم وكرامة، أدركت أيام عزهم وجاههم فأدركت منهم حمد بك الشهير
الخطير وابن أخيه علي بك الأسعد والشيخ حسين السلمان وولده ثامر بك
(المترجم) انضاف لعزهم جميع سكان سوريا من أمراء وعشاير وانحاز
لفخارهم كل رجل واستجداهم الرفيع والوضيع، وكم قلدوا أعناق
الرجال مننا فكم أسير فكوه وسجين أطلقوه وديات تحملوها وكم غبروا في
وجه الزمن وكانت أفعالهم غرة في جبهة الدهر لهم الطول على كل طائل،
وكانوا رجال الدولة العثمانية إذا ادلهمت الخطوب وتفاقمت الأهوال نادتهم
فلبوها وطلبتهم فأطاعوها وبهم تكشف الغماء فكم أزاحوا نقاب الظلمة
المدلهمة عن وجه الاحكام وجلوا غياهب الأهوال وشمسوا ليل الزمن.
أياديهم وعطاياهم أثقلت كواهل الدهر لا ينكرها عدو ولا حسود. وقال في
مقام آخر: يمين الله أن عطاياهم وامدادهم لأهل الفضل وقيامهم بعمران
بيوتات العلم وأحياء الدرس والمدارس والبذل لطلابه أمر لا يحتاج إلى
برهان أغلب أهل البيوتات تبقى آثار نعمهم عليهم جيلا أو ما شاء الله،
هذا مع كثرة الوافدين من كل جهة حتى العراق والحجاز، وأما سكان
سورية من الحضر والبدو، فقل أحد إلا ولهم عليه الفضل واليد الطولى ا
ه واصلهم من عرب عنزة من بني سالم المعروفين بالسوالمة جاء جدهم إلى
جبل عامل وتحضر واتصل بالحكام وحارب معهم وصارت له عندهم مكانة
انتهت إلى الامارة في تلك البلاد إلا أن اسمه ومبدأ امارته فيها لا يزال
مجهولا أما ما يقوله بعض أفراد هذه العائلة من أن اسمه محمد بن هزاع وانه
جاء إلى بلاد عاملة والأمير عليها بشارة بن مقبل من قبل صلاح الدين
الأيوبي وهو الذي تنسب اليه بلاد بشارة فحاربه هزاع وغلبه وتزوج ابنة
بشارة وأجرى عليه معاشا حتى مات فلا يستند إلى مأخذ وما هو إلا نوع من
الأقاصيص التي تخرجها المخيلات والذي يظن كما قال بعضهم أن حكمهم
بعد بني سودون الذين كانوا من جهة نواب دمشق المنصوبين من ملوك مصر
المماليك الأتراك حوالي سنة 700 أما بشارة الذي تنسب اليه بلاد بشارة
فالظاهر أنه بشارة بن أسد الدين بن عامر العاملي السبئي الذي كان في
عصر صلاح الدين وحضر معه فتح هونين وأقطعه خيط بانياس وحضر معه
فتح السواحل الشامية، واستمر حكمهم في بلاد بشارة إلى ما بعد الألف
فتغلب عليهم الشكريون وهم سادة أشراف لا تزال ذريتهم في جبل عامل
إلى اليوم بعد حرب جرت بينهم وقتلوا رئيسهم ورجال عشيرته وهربت
زوجته التي كانت حاملا إلى بني عمها السوالمة وولدت ذلك الغلام عندهم
في البادية وسمته عليا باسم أخيها الغائب وعرف بالصغير تمييزا له عنه أو
عن آخر منهم كان قبله فلما بلغ علي الصغير الخامسة عشرة من عمره صار
له مقام سام بين القبائل وكان قد علم من والدته وقومه أن أباه كان أمير
بلاد بشارة وأن الشكريين قتلوه واستولوا على ملكه، فحركته همته إلى
الأخذ بثأره واستعادة ملك آبائه وأجداده، فسأل والدته عمن كان من
خواص أبيه من وجوه تلك البلاد، فأخبرته عن رجلين، فراسلهما
وأخبرهما عن عزمه، ففرحا بذلك واخبراه انهما ورجالهما طوع إشارته،
وأن أهل البلاد عموما يتمنون عوده إليهم ليخلصهم من ظلم الشكريين،
فإنهم كانوا قد ظلموا كثيرا وساءت سيرتهم، فنهض بشجعان قومه السوالمة
إلى أطراف البلاد وجاءه ذانك الرجلان ومن لف لفيفهما واخبراه أن
الشكريين مشغولون بإقامة أفراح وأعراس قسم منها في عيناثا والقسم الآخر
في قانا فقسم رجاله إلى فرقتين كل منهما تهاجم موقعا من الموقعين وكان قد
انضم إليه جمع كثير من أهل البلاد فهاجم رجاله الشكريين في البلدين حال
اشتغالهم بالأعراس وجرت بينهم حرب كانت فيها له الغلبة على الشكريين
فقتلهم وأبادهم وأخذ ثأره منهم وعادت أفراحهم أتراحا واستولى على البلاد
وكانت الوقعة سنة 1059 وأبلى في هذه الوقعة أبو شامة العاملي مع علي
الصغير بلاء حسنا وهو جد الطائفة المعروفة بآل شامي في بنت جبيل
وعثرون وإنما هم آل أبو شامة وإليه تنسب مطاحن أبو شامي في الحجير
وعلى نهر الليطاني وصوابه مطاحن أبو شامة والقبور التي في رأس العقبة بين
عيناثا وبنت جبيل هي من قبور من قتل في تلك الوقعة واستمروا في الامارة
إلى سنة 1281 ولا تزال الوجاهة والرياسة في أعقابهم إلى اليوم ومدة
ملكهم إذا صح انهم ملكوا حدود سنة 700 نحو 500 سنة لم يتخللها الا
ملك الشكريين وهو لا يصل إلى 20 سنة بل دونها وملك الجزار من سنة
1197 التي قتل فيها ناصيف إلى سنة 1219 التي هلك فيها الجزار وهو
نحو 22 سنة ثم عادوا بعد ذلك التاريخ إلى امارتهم. ولما استدعى والي
الشام الأميرين علي بك ومحمد بك إلى صيدا أشار عليهما ثامر بك بعدم
الذهاب اليه وان يعلنا الثورة في البلاد فلم يوافقاه على ذلك وذهبا اليه
فقبض عليهما.
ثبيت بن محمد أبو محمد العسكري صاحب أبي عيسى الوراق
(ثبيت) ضبطه العلامة في إيضاح الاشتباه بالتصغير.
قال النجاشي: متكلم حاذق من أصحاب العسكريين عليهما
السلام، وكان أيضا له اطلاع (اضطلاع ظ) بالحديث والرواية والفقه له
كتب منها كتاب توليدات بني أمية في الحديث وذكر الأحاديث الموضوعة
والكتاب الذي يعزى إلى أبي عيسى الوراق في نقض العثمانية له، وكتاب
الأسفار ودلائل الأئمة عليهم السلام، ثبيت ممن كان يروي عن أبي
عبد الله عليه السلام وله عنه أحاديث وما أعرفها مدونة، روى عنه أبو
أيوب الخزاز، قال أبو العباس بن سعيد حدثنا جعفر بن عبد الله قال حدثنا
ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبي بصير قال: حدثني ثبيت قال قال
معاذ بن كثير كنت مع أبي عبد الله عليه السلام ذات ليلة فقلت له: هل
كان أحد عند أبيك مثلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام لا، وذكر
الحديث اه. وروى الكليني في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي
الحسن موسى عليه السلام عن أبي أيوب الخزاز عنه. وفي لسان الميزان:
ثبيت بالتصغير ابن محمد العسكري ذكره ابن النجاشي في رجال الشيعة
اه..
التمييز
في رجال أبي علي عن مشتركات الكاظمي ثبيت بن محمد أبو المتكلم

21
الحاذق. عنه أبو أيوب الخزاز وأبو بصير اه وليس ذلك في مشتركاته في
نسختين عندي.
ثبيت بن نشيط الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي
مستدركات الوسائل يروي عنه أبو أيوب الخزاز اه. وفي لسان الميزان
ثبيت بن نشيط الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه إلا أن في النسخة
المطبوعة: ابن شط، وهو تحريف.
ثعلبة
هو ثعلبة بن ميمون الآتي:
ثعلبة بن إبراهيم الكوفي
في لسان الميزان: ذكره ابن أبي طي في رجال الشيعة وذكر أن له
تصنيفا حدث فيه عن جماعة من أهل السنة.
ثعلبة بن أبي مليك القرظي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هكذا سمى الشيخ
أباه أبا مليك وفي الطبقات والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وتهذيب
التهذيب ابن أبي مالك قال محمد بن سعد في الطبقات الكبير: ثعلبة بن أبي
مالك القرظي واسم أبي مالك عبد الله بن سام ويكنى ثعلبة أبا يحيى وقدم
أبو مالك من اليمن فقال نحن من كندة على دين يهود فتزوج إلى ابن سعية
من بني قريظة وحالفهم فقيل القرظي وقد روى ثعلبة عن عمر وعثمان
وكان يكنى أبا جعفر وكان ثعلبة امام بني قريظة حتى مات وكان كبيرا وكان
قليل الحديث اه وفي الإستيعاب ثعلبة بن أبي مالك القرظي ولد على عهد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسم أبي مالك عبد الله ويكنى - يعني ثعلبة - أبا يحيى من كندة
وقدم أبوه مالك من اليمن على دين اليهود فنزل في بني قريظة فنسب إليهم
ولم يكن منهم فاسلم روى عن عمر وعثمان وعن الصحابة أجمعين اه.
وفي تهذيب التهذيب: ثعلبة بن أبي مالك القرظي حليف الأنصار أبو مالك
ويقال أبو يحيى، له رؤية، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن عمر وعثمان وجابر
وحارثة بن النعمان وجماعة، وعنه إبناه أبو مالك ومنظور والزهري
والمسور بن رفاعة ومحمد بن عقبة بن أبي مالك القرظي وصفوان بن سليم
وغيرهم. وقال البخاري: كان كبيرا أيام (إمام ظ) بني قريظة على دين
اليهودية فتزوج امرأة من بني قريظة فنسب إليهم وهو من كندة، وكان
ثعلبة يؤم بني قريظة غلاما. وقال أبو حاتم هو من التابعين. وقال العجلي
تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثعلبة بن حاطب الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والميرزا في رجاله
الكبير ذكره ثعلبة بن خاطب بالخاء المعجمة وذكره بعد ثعلبة بن الحكم
ولكنه في الأوسط ذكره بالحاء المهملة وذكره قبل ثعلبة بن الحكم وهو
الصواب فكأنه استدرك ما وقع من السهو في الكبير، وفي أسد الغابة
ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي اه وفي الطبقات
الكبير أمه امامة بنت صامت بن خالد من بني عمرو بن عوف آخى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين معتب (بن) بن الحمراء من خزاعة شهد بدرا واحدا.
وفي الاستيعاب: هو مانع الصدقة فيما قال قتادة وسعيد بن جبير، وفيه
نزلت: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن)
(الآية). توفي في خلافة عمر وقيل في خلافة عثمان اه. وروى في أسد
الغابة بسنده أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادع الله أن يرزقني مالا،
فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم أتاه فطلب
منه ذلك فقال أمالك في أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير
الجبال معي ذهبا وفضة لسارت ثم أتاه فطلب منه ذلك وقال والذي بعثك
بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه فدعا له فاتخذ غنما
فنمت كما ينمي الدود فكان يصلي معه الظهر والعصر ويصلي في غنمه سائر
الصلوات ثم كثرت ونمت فصار لا يشهد إلا الجمعة ثم كثرت ونمت فصار لا يشهد جمعة
ولا جماعة فسال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا اتخذ غنما لا يسعها
واد فقال يا ويح ثعلبة ثلاثا وانزل الله اية الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مصدقين وقال مرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم فخذا صدقتهما،
فقال ثعلبة: ما هذه إلا جزية! ما هذه إلا أخت الجزية إذا فرغتما عودا
إلى. وعزل السلمي خيار أسنان أبله واستقبلهما بها فقالا ما هذا عليك
فقال خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، ورجعا إلى ثعلبة فقال قوله الأول ثم
قال إذهبا حتى أرى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يكلماه يا ويح ثعلبة ودعا
للسلمي بخير فنزلت (ومنهم من عاهد إلى قوله وبما كانوا يكذبون) وكان
رجل من أقارب ثعلبة حاضرا فذهب فأخبره فجاء ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وسأله أن يقبل منه صدقته فقال إن الله منعني من قبولها فجعل يحثو التراب
على رأسه (الحديث) اه. وفي الإصابة: ثعلبة بن حاطب بن عمرو إلى
آخر ما مر عن أسد الغابة ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق في البدريين
وكذا ابن الكلبي وزاد أنه قتل بأحد ثم ذكر ترجمة أخرى وهي ثابت بن
حاطب أو ابن أبي حاطب الأنصاري ذكره ابن إسحاق فيمن بني مسجد
الضرار ثم حكى عن جماعة أنهم رووا حديث الدعاء له بالرزق المتقدم في
ترجمة ثعلبة بن حاطب بن عمرو المتقدمة، ثم قال وفي كون صاحب هذه
القصة إن صح الخبر - ولا أظنه يصح - هو البدري المذكور قبله نظر وقد
تأكدت المغايرة بينهما بقول ابن الكلبي إن البدري استشهد بأحد وهذا مات
في خلافة عثمان اه وليس من شرط كتابنا وذكرناه لذكر الشيخ له.
ثعلبة بن الحكم الليثي
عن البخاري في الأوسط أنه ذكر في فصل من مات بين سنة 70 إلى
80.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الطبقات الكبير
ثعلبة بن الحكم الليثي أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنين اه وفي
الإستيعاب ثعلبة بن الحكم الليثي نزل البصرة ثم تحول إلى الكوفة روى
عنه سماك بن حرب قال كنت غلاما على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - الحديث اه
وفي أسد الغابة لم ينسبه واحد منهم وهو ثعلبة بن الحكم بن عرفطة بن
الحارث بن لقيط بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن
بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني ثم الليثي اه.
ثعلبة بن راشد الأسدي مولاهم كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.

22
ثعلبة بن زهدم الحنظلي التميمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال وافد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم اه‍ وعن تقريب ابن حجر حديثه في الكوفيين مختلف في صحبته وقال
العجلي تابعي ثقة اه وفي الاستيعاب ثعلبة بن زهدم الحنظلي له صحبة
روى عنه الأسود بن هلال بصري اه وفي الإصابة من بني ثعلبة بن
يربوع بن حنظلة قال البخاري قال الثوري له صحبة ولا يصح ذكره مسلم
والعجلي وغيرهما في التابعين اه وفي تهذيب التهذيب روى عن حذيفة وأبي
مسعود وعنه الأسود بن هلال اه. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثعلبة بن زيد
روى الشيخ في الاستبصار في باب (متى يجوز بيع الثمار) عن
أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة بن زيد قال: أمرت محمد بن مسلم
أن يسأل أبا جعفر عليه السلام - الحديث. هكذا في نسخ الإستبصار ومنها
نسخة مخطوطة عندي مصححة مقروءة على المشايخ. وعن جامع الرواة أنه
استظهر كونه سهوا من النساخ وان الصواب ثعلبة عن بريد بقرينة رواية
الحجال عن ثعلبة بن ميمون وروايته عن بريد بن معاوية العجلي وروايته
عن محمد بن مسلم كثيرا، فلا يكون لثعلبة بن زيد وجود أصلا اه.
ثعلبة بن صعير أبو عبد الله
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن تقريب - ابن
حجر ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير بمهملتين مصغرا العذري بضم
المهملة وسكون المعجمة، ويقال ثعلبة بن عبد الله بن صعير ويقال
عبد الله بن ثعلبة بن صعير مختلف في صحبته له. وفي الاستيعاب:
ثعلبة بن صعير. ويقال ابن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان بن
المهجر بن سلامان بن عدي بن صعير بن حزاز بن كاهل بن عذرة في قضاعة
حليف بني زهرة. روى عنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وابنه
عبد الله بن ثعلبة. قال الدارقطني لثعلبة هذا ولإبنه عبد الله صحبة اه.
وفي تهذيب التهذيب عن الدارقطني لثعلبة صحبة ولابنه عبد الله رؤية
اه. وفي أسد الغابة بعد ابن عذرة: ابن سعد بن هديم القضاعي
العذري، وقيل ثعلبة بن عبد الله بن ثعلبة اه. وفي الإصابة عن البخاري
في التاريخ ثعلبة بن أبي صعير ليس من هؤلاء اه. ولم يعلم أنه من شرط
كتابنا.
ثعلبة بن عمرو أبو عمرة الأنصاري
قتل بجسر أبي عبيد سنة 15 عن ابن شهاب ومات في خلافة عثمان
في الإستيعاب.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالعنوان المذكور
وقد ذكرنا في ج 7 م 8 ص 62 أن أبا عمرة الأنصاري يكنى به ثعلبة بن
عمرو وان الشيخ في رجاله في الكنى كناه أبو عمرو وذكرنا أنه يكنى به أيضا
عمرو بن محصن وذكرنا الاختلاف في اسم أبي عمرة الأنصاري النجاري
بين عمرو بن محصن وثعلبة بن عمرو بن محصن وبشير أو بشر بن عمرو بن
محصن ورشيد أو أسيد بن مالك لكن ظهر لنا أخيرا ان كون عمرو بن
محصن يكنى أبا عمرة غير معلوم كما ستعرف وذكرنا ان ابن سعد جعل أبا
عمرة كنية بشير بن عمرو بن محصن لم يذكر غيره واستصوبه ابن عبد البر وهو
صريح رواية نصر بن مزاحم في كتاب صفين حيث قال كما مر في ترجمة بشير هذا
أن عليا عليه السلام بعث بشر بن عمرو بن محصن الأنصاري مع آخرين إلى
معاوية إلى أن قال فدخلوا عليه فحمد أبو عمرة بن محصن الله وأثنى عليه. فقد
صرح بأن أبا عمرة هو بشير وقد مر في ترجمة بشير هذا أنه قتل مع علي عليه
السلام بصفين وثعلبة بن عمرو لم يذكر أحد انه قتل بصفين فيمكن أن
يكون المكنى بأبي عمرة اثنين أو أكثر أحدهما يسمى ثعلبة بن عمرو وهذا
قتل يوم جسر أبي عبيد أو مات في خلافة عثمان كما مر ويأتي والآخر
بشير بن عمرو بن محصن وهذا قتل مع علي عليه السلام بصفين كما مر في
ترجمته على أنه يمكن أن يكون المترجم يكنى أبا عمرو لا أبا عمرة كما ذكره
الشيخ في رجاله في باب الكنى، وظاهر اقتصار الشيخ في رجاله في حق المترجم
على كونه صحابيا أنه غير المقتول بصفين وإلا لذكر قتله بها كما أن
ابن سعد وابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر لم يذكروا في ثعلبة بن عمرو في
كلامهم الآتي أنه قتل بصفين بل ذكروا أنه مات أو قتل قبلها ومر لأبي عمرة
الأنصاري مدح في أبي ساسان وحيث أن المترجم غير المقتول بصفين فلا
شك ان ذلك المدح للمقتول بصفين لأنه هو المتهالك في حب أمير المؤمنين
علي عليه السلام فلا يليق ذلك المدح إلا به وفي الدرجات الرفيعة: أبو
عمرة الأنصاري اختلف في اسمه فقيل رشيد وقيل أسامة وقيل عمرو بن
محصن وقيل ثعلبة بن عمرو بن محصن وقيل اسمه عامر بن مالك بن النجار
قال ابن عبد البر وهو الصواب اه أقول هذا اشتباه من صاحب الدرجات
فإن ابن عبد البر قال أبو عمرة الأنصاري النجاري اختلف في اسمه فقيل
عمرو بن محصن وقيل ثعلبة بن عمرو بن محصن وقيل بشير بن
عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول واسمه عامر بن
مالك بن النجار وهو الصواب إن شاء الله تعالى اه فقوله واسمه عامر راجع
إلى مبذول لا إلى أبي عمرة وقوله وهو الصواب راجع إلى قوله وقيل بشير
الخ كما لا يخفى ثم قال في الدرجات الرفيعة والصواب عندي انه عمر بن
محصن لما ستراه في مرثية النجاشي له لقوله: لنعم فتى لحيين عمرو بن
محصن، قال وهو صحابي ذكره بعضهم في البدريين يروي عنه ابنه عبد
الرحمن بن أبي عمرة، وكان أبو عمرة من أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام
شهد معه الجمل وصفين واستشهد بها روى نصر بن مزاحم بإسناده عن
سليمان الحضرمي قال لما خرج علي عليه السلام من المدينة خرج معه أبو
عمرة بن عمرو بن محصن قال فشهدنا مع علي الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة
ثم سرنا إلى أهل الشام حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلني الشك
فقلت والله ما أدري على ما أقاتل وما أدري ما أنا فيه قال واشتكى رجل منا
بطنه من حوت أكله فظن أصحابه أنه طعين فقالوا من يتخلف على هذا
الرجل فقلت أنا أتخلف عليه والله ما أقول ذلك إلا مما دخلني من الشك
فأصبح الرجل ليس به بأس وأصبحت قد ذهب عني ما كنت أجد ونفذت
بصيرتي حتى إذا أدركنا أصحابنا ومضينا مع علي إذا أهل الشام قد سبقونا
إلى الماء فلما أردناه منعونا فصلتنا لهم بالسيف فخلونا وإياه، وأرسل أبو
عمرة إلى أصحابه: قد والله حزناهم فهم يقاتلوننا وهم في أيدينا ونحن
دونه إليهم كما كان في أيديهم قبل أن نقاتلهم فأرسل معاوية إلى أصحابه لا
تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه فيشربوا فقلنا لهم قد كنا عرضنا عليكم هذا أول
مرة فأبيتم حتى أعطانا الله وأنتم غير محمودين فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم
ولقد رأيت روايانا ورواياهم بعد وخيلنا وخيلهم ترد ذلك الماء جميعا حتى
ارتووا وارتوينا (قال) نصر وكان ابن محصن من أعلام أصحاب علي عليه
السلام قتل في المعركة بصفين وجزع علي عليه السلام لقتله اه (أقول):

23
الذي استظهره من أن اسم أبي عمرة عمرو بن محصن ينافيه قول نصر
نفسه، فإنه ذكر أولا كما سمعت أنه أبو عمرة بن عمرو بن محصن - كما في
نسخة كتاب صفين المطبوعة ونسخة الدرجات المخطوطة - وينافيه أيضا قول
نصر عند ذكر الأبيات التي رثى بها النجاشي أبا عمرة التي استشهد صاحب
الدرجات بشطر منها على أن اسمه عمرو بن محصن كما سمعت، ففي
كتاب صفين: قال النجاشي يبكي أبا عمرة بن عمرو بن محصن وقتل
بصفين: (لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن) وذكر الأبيات، فجعل أبا
عمرة هو ابن عمرو بن محصن لا عمرو بن محصن، لكن شطر البيت
صريح في أن المرثي عمرو بن محصن، والذي يظهر لي ان أبا عمرة كنية
بشير لا أبيه، وإن الأبيات في رثاء أبيه عمرو بن محصن لا في رثاء بشير لأن
عمرو بن محصن قتل أيضا في صفين كما صرح به الشيخ في رجاله في ترجمته
وإن كان ظاهر ما مر عن كتاب نصر انها في رثاء أبي عمرة بن محصن الذي
هو بشير، لكن حيث أن صريح الشطر الأول منها انها في رثاء عمرو،
فالظاهر أنه وقع اشتابه من نصر أو من الرواة عنه في جعلها في رثاء الأبن
بل هي في رثاء الأب، ويمكن على بعد كونها في رثاء الأبن بأن يكون وقع
فيها حذف للضرورة، فأراد أن يقول ابن عمرو بن محصن، فحذف لفظ
ابن وقال عمرو بن محصن والشعراء يتصرفون في الشعر للضرورة بمثل ذلك
أو أكثر ويبالي أن بعضهم قال عند ذكر الدرع (من نسج ابن داود) فزاد
كلمة ابن وهو ليس أقل محذورا من حذفها وقال أبو نواس (مع الشمس في
عيني أباع تغور) وإنما هي عين أباع، وقال (يؤممن أرض الغوطتين)
فثناها وإنما هي غوطة واحدة وقال (وأصبحن قد فوزن على نهر فطرس)
وإنما هو نهر أبي فطرس إلى غير ذلك مما لا يحصى ويتحصل ان أبا عمرة
يكنى به بشير بن عمرو بن محصن وثعلبة بن عمرو بن عبيد بن محصن وان
المقتول بصفين هو الأول. ومن ذلك يظهر ان أبا عمرة الذي كان من
أصفياء أمير المؤمنين عليه السلام وشهد معه الجمل وصفين واستشهد
بصفين وخرج معه لما خرج من المدينة والذي قال عنه نصر إنه كان من
أعلام أصحاب علي عليه السلام وقتل في المعركة بصفين وجزع علي عليه
السلام لقتله هو بشير بن عمرو بن محصن لا أبوه عمرو ولا ثعلبة بن عمرو و
إن كان أبوه عمرو بن محصن قد استشهد أيضا بصفين على ما ذكره الشيخ
في رجاله. نعم لا يكون وقع اشتباه من الرواة فنسبوا إلى بشير ما هو لأبيه
من كونه من أصفيائه عليه السلام ومن أعلام أصحابه وجزع لقتله وغير
ذلك ويرشد إليه ما مر عن أبي عمرة بن عمرو بن محصن من أنه دخله
الشك في المسير إلى حرب صفين، ثم ذهب عنه ونفذت بصيرته، فإن هذا
قد يتنافر مع كونه من الأصفياء ومن أعلام الأصحاب، والاشتباه بين الأب
والابن بإسناد ما لأحدهما للآخر غير مستبعد خصوصا مع اشتراكهما في
صحبته عليه السلام وشهادتهما معه والله أعلم، كما أن قوله يروي عنه ابنه
عبد الرحمن بن أبي عمرة ليس بصواب، فإن عبد الرحمن هو ابن بشير لا
ابن ثعلبة كما صرح به ابن سعد في الطبقات. ومر في ج 7 م 8 ص 633
وأشار إليه ابن عبد البر في كلامه الآتي. وفي مستدركات الوسائل ثعلبة بن
عمرو أبو عمرة الأنصاري قتل مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين. قال
وفي شرح الأخبار للقاضي نعمان بإسناده عن محمد بن سلام بإسناده عن
عون بن علي عن أبيه، وكان كاتبا لعلي عليه السلام أنه ذكر من كان معه
في حروبه، إلى أن قال: وثعلبة بن عمرو بدري، وهو الذي أعطى عليا
عليه السلام يوم الجمل مائة ألف درهم أعانه بها، قتل يوم صفين. قال:
وفي رجال الكشي مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال في حديث ثم
لحق أبو ساسان وعمارة وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة وفيه مسندا عن أبي
بصير قلت لأبي عبد الله عليه السلام خالف الناس إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد
وعمار! فقال وأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري اه. (أقول):
يظهر مما مر عدم صحة قوله وقول القاضي نعمان إن ثعلبة بن عمرو قتل
مع علي عليه السلام بصفين، فإنه قتل يوم الجسر سنة 15 أو مات في
خلافة عثمان كما مر، وكذا في قول القاضي إنه هو الذي أعطى عليا عليه
السلام يوم الجمل مائة ألف درهم أعانه بها، فان ذلك عمرو بن محصن
والد بشير كما صرح به الشيخ في رجاله في ترجمة عمرو بن محصن، وما في
روايتي الكشي المراد به بشير لا ثعلبة والله أعلم وفي الاستيعاب ثعلبة بن عمرو
ابن عبيد بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول وهو عامر الذي يقال
له سدن بن مالك بن النجار شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واختلف في وقت وفاته فقال الواقدي توفي في خلافة عثمان
بالمدينة وقال عبد الله بن محمد الأنصاري لم يدرك عثمان لكنه قتل يوم جسر
أبي عبيد في خلافة عمر روى عنه ابنه عبد الرحمن يقال إنه أبو عمرة
الأنصاري والد عبد الرحمن بن أبي عمرة وفي ذلك نظر اه ووجه النظر ان
أبا عمرة الأنصاري والد عبد الرحمن هو بشير بن عمرو كما استصوبه في
الكنى لا ثعلبة وإن قلنا إن كلا منهما يكنى أبا عمرة قال وثعلبة هذا هو الذي
قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قطع يد عمرو بن سمرة في السرقة وفي أسد الغابة
ثعلبة بن عمرو بن محصن شهد بدرا وقتل يوم الجسر مع أبي عبيد الثقفي
قاله موسى بن عقبة. وفي الإصابة ثعلبة بن عمرو بن محصن وساق نسبه
كما مر ثم قال ثعلبة بن عمرو وقيل هو اسم أبي عمرة الأنصاري حكاه
البغوي اه وفي تهذيب التهذيب ثعلبة بن عمرو بن عبيد بن محصن
الأنصاري النجاري شهد بدرا ويقال إنه عمرو والد عبد الرحمن وليس
بصحيح ذكر الطبراني في المعجم الكبير من طريق موسى بن عقبة عن ابن
شهاب إنه قتل بجسر أبي عبيد سنة 15 وقال ابن عبد البر مات في خلافة
عثمان. وتفرد ابن عبد البر بزيادة عبيد في نسبه بين عمرو ومحصن وخالفه
الجمهور فلم يذكروه وفرق ابن منده وأبو نعيم بين هذا الذي شهد بدرا
وبين راوي حديث السرقة وأظنه الصواب اه. وفي الطبقات الكبير:
ثعلبة بن عمرو بن محصن وساق نسبة كالاستيعاب لكنه لم يذكر عبيد بين
عمرو ومحصن وقال أمه كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت الشاعر
وشهد ثعلبة بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال
الواقدي: توفي في خلافة عثمان بالمدينة وليس له عقب وقال عبد الله بن
محمد بن عمارة الأنصاري لم يدرك ثعلبة خلافة عثمان وقتل يوم جسر أبي
عبيد شهيدا في خلافة عمر اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
ثعلبة بن عنمة بن عدي من بني سلمة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الإصابة عنمة
بفتح المهملة والنون وفي الاستيعاب وغيره وهو ثعلبة بن عنمة بن عدي بن
نائي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي
السلمي شهد العقبة في السبعين وشهد بدرا واحدا وهو أحد الذين كسروا
آلهة بني سلمة قتل يوم الخندق شهيدا قتله هبيرة بن أبي وهب المخزومي قاله
ابن إسحاق وقيل قتل يوم خيبر اه وفي أسد الغابة عن ابن عباس في قوله
تعالى (يسألونك عن الأهلة) قال نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة
وهما من الأنصار قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا ثم يزيد

24
حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما كان فنزلت
الآية اه. وفي الطبقات الكبير زاد ابن سنان بعد ابن عدي
ثعلبة بن قيظي بن صخر بن سلمة الأنصاري
في أسد الغابة ثعلبة بن قيظي، ثم روى بسنده: قال في حديث ابن أبي
رافع ثعلبة بن قيظي بن صخر بن سلمة بدري أخرجه أبو نعيم وأبو موسى
مختصرا اه وفي الإصابة: ثعلبة بن قيظي بن صخر بن سلمة الأنصاري
ذكره مطين الطبراني - وغيرهما من طريق عبيد الله بن أبي رافع فيمن شهد
صفين من أهل بدر والإسناد إلى عبيد الله ضعيف جدا اه وهو وإن لم يذكر
أنه شهد صفين مع علي عليه السلام إلا أن ذلك هو الظاهر فالبدريون
بعد ما قاتلوا معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر لم يكونوا ليقاتلوا مع معاوية
عليا يوم صفين والله أعلم.
ثعلبة بن ميمون مولى بني أسد ثم مولى بني سلامة منهم - أي من بني أسد -
أبو إسحاق النحوي
هكذا ترجمه النجاشي وقال: كان وجها في أصحابنا قاريا فقهيا
نحويا لغويا راوية وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد روى عن أبي
عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام له كتاب مختلف الرواية عنه قد رواه
جماعات من الناس قرأت على الحسين بن عبيد الله أخبركم أحمد بن محمد
الزراري عن حميد قال حدثنا أبو طاهر محمد بن تسنيم (نسيم) قال حدثنا
عبد الله بن محمد المزخرف الجحال عن ثعلبة بالكتاب ورأيت بخط ابن نوح فيما
كان وصي به إلي من كتبه حدثنا محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد بن سعيد
قال حدثنا علي بن حسن بن فضال عن علي بن أسباط قال لما ان حج
هارون الرشيد مر بالكوفة فصار إلى الموضع الذي يعرف بمسجد سماك
وكان ثعلبة ينزل في غرفة على الطريق فسمعه هارون وهو في الوتر وهو يدعو
وكان فصيحا حسن العبارة فوقف يسمع دعاءه ووقف من قدامه ومن خلفه
واقبل يتسمع ثم قال للفضل بن الربيع ما تسمع ما أسمع ثم قال إن
خيارنا بالكوفة اه وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام
فقال ثعلبة بن ميمون الأسدي من الكوفة وقال في رجال الكاظم عليه
السلام ثعلبة بن ميمون كوفي له كتاب روي عن أبي عبد الله عليه السلام
يكنى أبا إسحاق اه وفي منهج المقال واعلم أنه يقال له أبو إسحاق الفقيه
كما في ترجمة جميل وأبو إسحاق النحوي كما في رجال النجاشي اه وقال
الكشي في ثعلبة بن ميمون ذكر حمدويه عن محمد بن عيسى ان ثعلبة بن
ميمون مولى محمد بن قيس الأنصاري وهو ثقة خير فاضل مقدم معلوم
معدود من العلماء الفقهاء الآجلة من هذه العصابة اه وفي التعليقة هو من
أعاظم الثقات والزهاد والعباد والفقهاء والعلماء الأمجاد، وربما يتأمل في
وثاقته لعدم ذكرها بلفظها في رجال النجاشي، والمذكور بلفظها في رجال
الكشي يحتمل كونه من محمد بن عيسى - وربما يكون هذا هو الظاهر -
قال: وهذا التأمل في غاية الركاكة ونهاية السخافة، ولعمري ان النجاشي
لم يدر بأنه سيجئ من يقنع بمجرد ثقة، بل وبمجرد رجحانه ولا يكفيه جميع
ما ذكر على أن محمد بن عيسى من الثقات على أن ذكر الكشي ذلك ليس
مجرد القصة بل الظاهر أنه لأجل الانتفاع وانه في مقام الاعتداد والاعتماد.
ومر في أبان بن عثمان عند ذكر من أجمعت العصابة عليهم، قالوا وزعم أبو
إسحاق الفقيه ان أوجه هؤلاء جميل، والظاهر منه استنادهم اليه
واعتمادهم عليه. وبالجملة هو أجل من أن يحتاج إلى ذكر أمثال ذلك له اه.
وقيل إن الذي تأمل في وثاقته هو صاحب الذخيرة. وفي لسان الميزان:
ثعلبة بن ميمون الكوفي أبو إسحاق ذكره الكشي في رجال الشيعة، وقال
ابن النجاشي: كان كثير العبادة، و قال: روى عن جعفر وموسى بن
جعفر وصنف مختلف الرواية عن جعفر. روى عنه محمد بن المزخرف
وعلي بن أسباط والحسن بن علي الخزاز وطريف بن ناصح وغيره اه.
ومحمد بن عبد الله المزخرف صوابه عبد الله بن محمد، اما رواية الخزاز
وطريف عنه فلا أدري من أين اخذ ذلك؟! وكتاب مختلف الرواية الظاهر أن
المراد به الحاوي للروايات المختلفة الواردة عنه عليه السلام، وما في كثير
من الكتب من ابدال مختلف بيختلف أو تختلف تصحيف.
التمييز
في مشتركات الطريحي: باب ثعلبة المشترك بين ابن ميمون الممدوح
وبين غيره من الضعفاء ويمكن استعلام أنه هو برواية أبي محمد المزخرف
الحجال عنه، وروايته هو عن الصادق والكاظم عليهم السلام، وحيث
يعسر التمييز تقف الرواية. وفي مشتركات الكاظمي باب ثعلبة المشترك بين
ابن ميمون الثقة وغيره من الضعفاء ويمكن استعلام أنه هو برواية أبي محمد
عبد الله بن محمد المزخرف الحجال وابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل بن
بزيع عنه، وبروايته هو عن زرارة وأبي بكر الحضرمي والصادق والكاظم
عليهم السلام اه‍. وعن جامع الرواة أنه نقل زيادة على ذلك رواية
ظريف بن ناصح والحسن بن علي الوشا والحسن بن علي بن فضال
والحسن بن الجهم وأحمد بن محمد بن أبي عمير وعاصم بن حميد وأبي داود
المسترق وعلي بن أسباط والبرقي عنه اه‍.
ثعلبة بن يزيد الحماني الكوفي صاحب شرطة علي عليه السلام
(الحماني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم، وفي آخرها نون في
أنساب السمعاني نسبة إلى حمان قبيلة - من تميم - نزلت الكوفة.
في ميزان الاعتدال: ثعلبة بن يزيد الحماني صاحب شرطة علي
شيعي غال، قال البخاري في حديثه نظر. روى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ان
الأمة ستغدر بك. وعنه حبيب بن أبي ثابت لا يتابع عليه. وقال النسائي
ثقة. وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا اه. وفي تهذيب التهذيب:
ثابت بن يزيد الحماني الكوفي روى عن علي، وعنه حبيب بن أبي ثابت
وسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة، وقيل عن الحكم عن ثعلبة بن يزيد أو
يزيد بن ثعلبة بالشك. وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا في مقدار ما
يرويه. وقال ابن حبان: وكان على شرطة علي وكان غاليا في التشيع
لا يحتج باخباره إذا انفرد به عن علي، وبرواية حبيب بن أبي ثابت عنه فينظر
اه. وفي الطبقات الكبير لابن سعد ثعلبة بن يزيد الحماني من بني تميم
روى عن علي بن أبي طالب وكان قليل الحديث اه.
ثقاف بن عمرو بن سميط حليف بني عبد شمس
قتل يوم أحد سنة 3 وقيل يوم خيبر سنة 7
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب:
ثقف بن عمرو الأسلمي ويقال الأسدي حليف بني عبد شمس يكنى أبا
مالك ويقال ثقاف، شهد هو وأخواه مدلاج بن عمرو ومالك بن عمرو بدرا
وقتل يوم أحد شهيدا. وقال موسى بن عقبة قتل يوم خيبر شهيدا قتله أسير
اليهودي اه. وفي أسد الغابة: ثقف بن عمرو بن سميط من بني غنم بن

25
دودوان بن أسد استشهد يوم خيبر وقيل يوم أحد، عن ابن شهاب حليف
الأنصار. وقال ابن إسحاق من بني غنم حليف لهم. وقال عروة من قريش
من بني عبد مناف حليف لهم من بني أسد بن خزيمة، وقول عروة أصح
فإن بني غنم بن دودان كانوا حلفاء قريش وهاجروا إلى المدينة وهم على
حلفهم. وقال ابن منده وأبو نعيم من بني لوذان بن أسد باللام، وهو وهم
وإنما هو دودان بدالين مهملتين أجمع النسابون عليه ومتى جعل أوله لاما
فيكون بالذال المعجمة اه. وفي الإصابة: قال الواقدي ثقاف بن عمرو
فذكره وقال قتلة أسير بن رزام اه. وفي الطبقات الكبير لابن سعد
ثقاف بن عمرو بن سميط وهو أخو مالك ومدلاج قال محمد بن إسحاق
ومحمد بن عمر (الواقدي) هو ثقف بن عمرو. وقال أبو معشر ثقاف بن
عمرو وشهد ثقف بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وقتل بخيبر شهيدا
سنة 7 من الهجرة قتله أسير اليهودي اه. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
الثقفي
هو إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي.
ثلج بن أبي ثلج اليعقوبي من ولد داود بن علي اليعقوبي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه والسلام وفي لسان
الميزان ثلج بن أبي ثلج اليعقوبي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال علي بن
الحكم كان خصيصا بعلي بن موسى الرضا ولما مات لزم قبره حتى مات
اه.
الثمالي
هو أبو حمزة ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي السابق.
ثمامة بن عمرو أبو سعيد الأودي العطار الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان ثمامة بن عمرو الأزدي العطار الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة
وقال علي بن الحكم كان ورعا عالما مهيبا وله قصة مع سفيان الثوري اه
فأبدل الآودي بالأزدي.
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنى أبا عبد الله
توفي سنة 54 وقيل سنة 44 بحمص.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تهذيب التهذيب
ثوبان (1) بن بجدد (2) ويقال جحدر (3) أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن
الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل أصله من اليمن أصابه سبا فاشتراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فاعتقه وقال إن شئت تلحق بمن أنت منهم فعلت وإن شئت أن تثبت فأنت
منا أهل البيت، فثبت ولم يزل معه في سفره وحضره، ثم حضر إلى الشام
فنزل الرملة ثم حمص وابتنى بها دارا في إمارة عبد الله بن قرط، روى عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنه أبو أسماء الرحبي ومعدان بن أبي طلحة اليعمري وأبو حي
المؤذن وراشد (4) ابن أسعد وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن غنم وأبو عامر
الألهاني وأبو إدريس الخولاني وجماعة، قال صاحب تاريخ حمص بلغنا أن
وفاته كانت سنة 54 اه. وفي الطبقات الكبير لابن سعد: ثوبان مولى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكنى أبا عبد الله وهو من أهل السراة، قال: يذكرون أنه
من حمير أصابه سبا فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل معه حتى قبض رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحول إلى الشام فنزل حمص وله دار صدقة ومات بها سنة 54 في
خلافة معاوية اه. وفي خلاصة تذهيب الكمال: ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من أهل السراة وقيل من الحكم بن سعد العشيرة، له 127 حديثا. وزاد
فيمن روى عنه خالد بن معدان. وروى الحاكم في المستدرك ثوبان بن
بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يكنى أبا عبد الله، رجل من الألهان أصابه
السبي فاعتقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: يا ثوبان إن شئت أن تلحق بمن
أنت منه فأنت منه وإن شئت أن تثبت وأنت منا أهل البيت على ولاء رسول
الله! قابل بل أثبت على ولاء رسول الله، فمات بحمص في إمارة
عبد الله بن قرط سنة 54 اه.
ثور بن عمارة الأزدي الكوفي أبو الحسن
يأتي بعنوان ثوير مصغرا.
ثور بن عمرو بن عبد الله المرهبي الهمداني الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله وقال أسند عنه هكذا في بعض نسخ رجال
الشيخ. ويأتي ثوير مصغرا. وفي لسان الميزان: ثور بن عمرو بن عبد الله
المرهبي ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وأثنى عليه علي بن الحكم اه.
ثور بن الوليد الخثعمي الكوفي
في لسان الميزان: ذكره الكشي في رجال الشيعة، روى عن جعفر
الصادق اه. ولا أثر لذلك في رجال الكشي المطبوع ولا غيره.
ثوير بن أبي فاختة
يأتي بعنوان ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة
ثوير بن إسماعيل الحضرمي
في التعليقة: سنشير إليه في ذكر طرق الصدوق وعده خالي ممدوحا
لذلك اه. هكذا في النسخة المطبوعة بهامش منهج المقال ولا يوثق بصحتها
ولم أجد ذلك في غير التعليقة ولا نقله أحد عن التعليقة ولا وجدته في
الوجيزة ولا في طرق الصدوق، فليراجع.
ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة
عن تقريب ابن حجر (ثوير) مصغرا (وفاختة) بمعجمة مكسورة
ومثناه فوقانية (وعلاقة) بكسر العين المهملة. وفي التعليقة: ثوير قيل
ويقال ثور والظاهر أنه مذكور مكبرا ومصغرا معا كما سيجئ في الحسين بن
ثور وقوله ابن علاقة وقيل ابن حمران وسيجئ عن رجال الشيخ أن اسم
أبي فاختة سعيد ابن جهمان وسيجئ في هارون بن الجهم عن الخلاصة
والنجاشي موافقتهما للشيخ في كونه ابن جهمان قال ويحتمل أن يكون
حمران مصحف جهمان وكون علاقة وجهمان عبارتين عن شخص واحد
بأن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا ويمكن أن يكون أحدهما نسبة إلى الأب
والآخر إلى الجد وذكر في جهم ابن أبي جهم أنه لعل أبا الجهم هذا هو



(1) ثوبان بمفتوحة وسكون واو وبموحدة.
(2) بجدد بمضمومة فساكنة وضم دال مهملة.
(3) جحدر بفتح الجيم وسكون الحاء وفتح الدال المهملة اخره راء كذا عن المغني في الكل
(4) في خلاصة التذهيب: رشدين.
- المؤلف -
26
ثوير بن أبي فاختة وأبو فاختة اسمه سعيد بن جهمان واسم جهمان علاقة
اه‍.
قال النجاشي ثوير بن أبي فاختة أبو جهم الكوفي واسم أبي فاختة
سعيد بن علاقة يروي عن أبيه وكان مولى أم هانئ بنت أبي طالب قال ابن
نوح حدثني جدي حدثنا بكر بن أحمد حدثنا محمد بن عبد الله البزاز حدثنا
محمود بن غيلان حدثنا شبابة بن سوار قلت ليونس بن أبي إسحاق ما لك
لا تروي عن ثوير فان إسرائيل يروي عنه فقال ما أصنع به كان رافضيا اه
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام فقال:
ثوير بن أبي فاختة سعيد بن جهمان مولى أم هاني تابعي وذكره في أصحاب
الباقر عليه السلام مثله إلا قوله تابعي وذكره في أصحاب الصادق عليه
السلام فقال ثويبن أبي فاختة. سعيد بن جهمان الهاشمي مولى أم هانئ
كوفي وقال الكشي: في ثوير بن أبي فاختة. حدثني محمد بن قولويه القمي قال
حدثني محمد بن بندار القمي عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه محمد بن خالد
عن أحمد بن النضر الجعفي عن عباد بن بشير عن ثوير بن أبي فاختة قال خرجت
حاجا فصحبني عمر بن ذر القاضي وابن قيس الماصر والصلت بن بهرام
وكانوا إذا نزلوا قالوا انظر الآن فقد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر
منها عن ثلثين كل يوم وقد قلدناك ذلك قال ثوير فغمني ذلك حتى إذا
دخلنا المدينة فافترقنا فنزلت أنا على أبي جعفر عليه السلام فقلت له جعلت
فداك إن ابن ذر وابن قيس الماصر والصلت صحبوني وكنت أسمعهم
يقولون قد حررنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عنها فغمني ذلك فقال
أبو جعفر عليه السلام ما يغمك من ذلك فإذا جاؤوا فائذن لهم فلما كان من
غد دخل مولى لأبي جعفر عليه السلام فقال: جعلت فداك ان بالباب ابن
ذر ومعه قوم فقال لي أبو جعفر عليه السلام يا ثوير قم فائذن لهم فقمت
فأدخلتهم فلما دخلوا سلموا وقعدوا ولم يتكلموا فلما طال ذلك أقبل أبو
جعفر عليه السلام يستفتيهم الأحاديث واقبلوا لا يتكلمون فلما رأى ذلك
أبو جعفر عليه السلام قال لجارية له يقال لها سرحة هاتي الخوان فلما جاءت
به فوضعته قال أبو جعفر عليه السلام الحمد لله الذي جعل لكل شئ حدا
ينتهي إليه حتى أن لهذا الخوان حدا ينتهي إليه فقال ابن ذر وما حده قال إذا
وضع ذكر الله وإذا رفع حمد الله قال ثم أكلوا. ثم قال أبو جعفر عليه
السلام اسقيني فجاءته بكوز من آدم فلما صار في يده قال الحمد لله الذي
جعل لكل شئ حدا ينتهي إليه حتى أن لهذا الكوز حدا ينتهي إليه فقال ابن
ذر وما حده قال يذكر اسم الله عليه إذا شرب ويحمد الله إذا فرغ ولا يشرب
من عند عروته ولا من كسر ان كان فيه، قال فلما فرغوا أقبل عليهم
يستفتيهم الأحاديث فلا يتكلمون، فلما رأى ذلك أبو جعفر عليه السلام
قال يا ابن ذر ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ قال بلى يا ابن
رسول الله إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من
الآخر كتاب الله وأهل بيتي ان تمسكتم بهما لن تضلوا فقال أبو جعفر عليه
السلام يا ابن ذر إذا لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما خلفتني في الثقلين فماذا
تقول له قال فبكى ابن ذر حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته ثم قال أما
الأكبر فمزقناه وأما الأصغر فقتلناه. فقال أبو جعفر عليه السلام إذن تصدقه
يا ابن ذر لا والله لا تزول قدم يوم القيامة حتى تسأل عن ثلاث عن عمره
فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت، وقال
فقاموا وخرجوا. فقال أبو جعفر عليه السلام لمولى له اتبعهم فانظر ما
يقولون، قال فتبعهم ثم رجع فقال جعلت فداك قد سمعتهم يقولون لابن
ذر على هذا خرجنا معك؟، فقال ويلكم اسكتوا ما أقول إن رجلا يزعم
أن الله يسألني عن ولايته وكيف أسأل رجلا يعلم حد الخوان وحد الكوز
اه‍. وفي الخلاصة في القسم الأول: روى الكشي عن ثوير قال أشفقت
على أبي جعفر من مسائل هيأها له عمر بن ذر وابن قيس الماصر وابن بهرام،
وهذا لا يقتضي مدحا ولا قدحا فنحن في روايته من المتوقفين اه وقال
الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة: دلالة الخبر على القدح أظهر لأنه يدل
على عدم علمه بحقيقة الإمامة على ما ينبغي ثم على تقدير تسليمه لأوجه
للتوقف فيه لذلك بل لجهالة حاله كغيره من المجهولين ولا وجه لإدخاله
أيضا في هذا القسم المختص بمن يعمل على روايته كما شرطه اه وفي
التعليقة: قوله دلالة الخبر الخ لا تأمل في كونه من الشيعة ومن مشاهيرهم
وحكاية الإشفاق لا تضر بالنسبة إلى الشيعة الذين كانوا في ذلك الزمان كما
لا يخفى على المطلع اه ويمكن أن يكون إشفاقه من أمر آخر كمشقة تلحقه
من تعنتهم أو عدم تمكنه من إظهار الحق تقية أو شبه ذلك. وفيها أيضا في
جهم بن أبي جهم أن في ترجمة سفيان بن أبي الجهم ان آل أبي جهم بيت
كبير في الكوفة وفي ترجمة منذر بن محمد بن منذر أنه
من بيت جليل ومر قوله لعل أبا الجهم هذا هو ثوير بن أبي فاختة فيظهر من
ذلك جلالة ثوير. وفي الطبقات الكبير لابن سعد: ثوير بن أبي فاختة
ويكنى أبا الجهم وهو مولى أم هانئ بنت أبي طالب وله عقب وكان كبيرا
وقد بقي ثم روى بسنده عن ثوير انه شيع أباه إلى مكة ومعه علقمة والأسود
وعمرو بن ميمون فلم يتزود واحد منهم سوطا ولم يزموا رواحلهم اه.
وعن تقريب ابن حجر: ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة الكوفي أبو
الجهم ضعيف رمي بالرفض من الرابعة اه. وفي ميزان الاعتدال:
ثوير بن أبي فاختة أبو الجهم الكوفي مولى أم هانئ بنت أبي طالب وقيل
مولى زوجها جعدة بن هبيرة عن ابن عمر وزيد بن أرقم وعدة وعنه شعبة
وسفيان - الثوري -، قال يونس بن أبي إسحاق كان رافضيا. وقال ابن
معين: ليس بشئ. وقال مرة: ضعيف: وقال الدارقطني متروك. وعن
الثوري: ثوير ركن من أركان الكذب. وقال البخاري تركه يحيى وابن
مهدي وقال النسائي ليس بثقة اه. وفي تهذيب التهذيب: ثوير بن أبي
فاختة سعيد بن علاقة الهاشمي مولى أم هانئ أو مولى زوجها، وزاد روايته
عن أبيه وابن الزبير ومجاهد وأبي جعفر - الباقر - وغيرهم، وعنه الأعمش
وإسرائيل وشعبة وحجاج بن أرطأة وعدة. قال عمرو بن علي كان يحيى
وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، وكان سفيان يحدث عنه. وقال عبد الله بن
أحمد سئل أبي عن ثوير بن أبي فاختة ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي
سليم، فقال ما أقرب بعضهم من بعض. وعن يحيى: ضعيف. وقال
إبراهيم الجوزجاني: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: ليس بذلك
القوي. وقال ابن عدي: قد نسب إلى الرفض، ضعفه جماعة وأثر
الضعف على رواياته بين، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى غيره. وقال
البخاري في التاريخ الأوسط كان ابن عيينة يغمزه. وقال البزاز حدث عنه
شعبة وإسرائيل وغيرهما واحتملوا حديثه، كان يرمى بالرفض. وقال
العجلي هو وأبوه لا باس بهما. وفي موضع آخر يكتب حديثه وهو ضعيف.
وعن أيوب السختياني لم يكن مستقيم الشأن. وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي
عندهم. وقال يعقوب بن سفيان لين الحديث. وقال علي بن الجنيد
متروك. وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد حتى يجئ في روايته أشياء
كأنها موضوعة. وعن ابن مهدي أنه ضرب على حديثه. وعن الجوزجاني
ليس بثقة. وقال الحاكم في المستدرك لم ينقم عليه إلا التشيع، وذكره

27
العقيلي وجماعة في الضعفاء اه. (أقول): قد ظهر أن تضعيفه ليس إلا
لتشيعه - كما نبه عليه الحاكم في المستدرك -، وما حكى عن الثوري من أنه
ركن من أركان الكذب، ينافي قولهم: إنه كان يحدث عنه. ويرشد إلى أن
تضعيفه لتشيعه قول ابن عدي: أثر الضعف على رواياته بين!! وذلك
لروايته ما لم يألفوه، والله الهادي.
ثوير بن عمارة الأزدي الكوفي أبو الحسن
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي منهج
المقال في بعض النسخ ثور مكبرا اه.
ثوير بن عمرو بن عبد الله المرهبي الهمداني الكوفي
مضى بعنوان ثور بن عمرو مكبرا.
ثوير بن يزيد الشامي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام.
(حرف الجيم)
جابر بن أبجر النخعي الكوفي الصهباني
(أبجر) بالألف والباء الموحدة والجيم والراء من أسماء العرب هذا
هو الصواب وغيره تصحيف، فقد يوجد أبحر بالحاء المهملة، وفي نسخة
لسان الميزان المطبوعة بالخاء المعجمة، وكلاهما تصحيف.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جابر بن أبجر النخعي ويقال الصهباني كوفي ذكره الطوسي في
رجال الشيعة، وقال علي بن الحكم: كان عابدا ثقة روى عن جعفر
الصادق اه.
جابر أبو خالد
في تاريخ بغداد للخطيب: جابر أبو خالد من تابعي أهل الكوفة
شهد مع علي بن أبي طالب وقعة النهروان. روى عنه ابنه خالد. أخبرنا
أبو الصهباء ولاد بن علي الكوفي أخبرنا محمد بن علي بن دحيم الشيباني
حدثنا أحمد بن حازم أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا سكين بن عبد العزيز
قال حدثنا حفص بن خالد بن جابر عن أبيه عن جده قال: اني لشاهد عليا
يوم النهروان - لما ان عاين القوم - قال لأصحابه: كفوا فناداهم ان اقيدونا
بدم عبد الله بن باب! قال وكان عامل علي على النهروان - قالوا كلنا
قتله! فقال الله أكبر! قال: فقال لأصحابه: ارموا، فرموا، قال فقال:
احملوا فحملوا فقتلهم، ثم قال اطلبوا المجدع! فطلبوه فلم يجدوه، فقال
اطلبوه فاني والله ما كذبت ولا كذبت، ثم قال: يا عجلان ائتني ببغلة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاتاه بالبغلة فركبها ثم سار في القتلى، فقال اطلبوه
هاهنا! قال فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين له عضيدة مثل الثدي
تمدها فتمتد فتصير مثل الثدي وتتركها فتنخمص. قال الله أكبر والله لولا أن
تبطروا لحدثتكم ما وعدكم الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم اه.
جابر بن اسامة الجهني نزل المدينة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب:
جابر بن اسامة الجهني، وروى عنه معاذ بن عبد الله بن حبيب. وفي
الإصابة: جابر بن اسامة الجهني، يكنى أبا سعاد، نزل مصر ومات بها.
قاله ابن يونس في حديث ذكره الخ. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جابر بن إسماعيل
وقع في طريق الصدوق في الفقيه في روايته عنه عن جعفر بن محمد
عن أبيه في باب ثواب صلاة الليل وروى عنه أيضا محمد بن الليث ووقع في
طريق الصدوق في مشيخته، وليس له ذكر في كتب أصحابنا الرجالية،
واستظهر بعض انه جابر بن إسماعيل الحضرمي أبو عباد المصري مذكور في
كتب العامة، فعن تقريب ابن حجر مقبول، وفي تهذيب التهذيب: روى
عن عقيل وحي بن عبد الله المعاقري، وعنه ابن وهب، ذكره ابن حبان في
الثقات، قال واخرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه مقرونا بابن لهيعة،
وقال ابن لهيعة لا احتج به وانما أخرجت هذا الحديث لان فيه جابر بن
إسماعيل اه.
جابر بن أعصم المكفوف
في لسان الميزان: جابر بن أعصم المكفوف ذكره الكشي في رجال
الشيعة. وقال علي بن الحكم: كان شديدا على الناصبية. وقال
الطوسي: روى عن جعفر الصادق اه. والذي في رجال الكشي ورجال
الشيخ جابر المكفوف ولم يذكرا انه ابن أعصم كما سيأتي، وكأن ابن حجر
اطلع على أنه ابن أعصم من كلام علي بن الحكم الذي ينقل عنه كثيرا،
والظاهر أن كتابه كان عنده وهو من اجلاء علماء الشيعة مذكور في الرجال.
جابر الأنصاري
أورد له ابن شهرآشوب في المناقب الأبيات الآتية ولا يدري من هو
وليس هو الصحابي قطعا قال:
ان التختم في اليمين جلالة * لذوي العقول وفعل كل أديب
لا للنواصب بل لشيعة احمد * النصب شين عند كل لبيب
يا ذا الذي قاس الوصي بغيره * ثكلتك أمك كنت غير مصيب
جابر الأنصاري الصحابي
يأتي بعنوان جابر بن عبد الله الأنصاري.
السيد جابر بن طعمة النجفي
عالم فاضل من تلاميذ الشيخ صلاح الدين بن حسام الدين الطريحي
النجفي
جابر الجعفي
هو جابر بن يزيد الجعفي.
أبو المرجي جابر بن ناصر الدولة الحسين بن عبد الله بن حمدان بن حمدون
التغلبي.
قال ابن خالويه أوقع أبو المرجى جابر بعسكر معز الدولة وفيه وجوه
الديلم بسنجار فهزمهم وقتل ابن ملك الديلم ضربه اخوه أبو القاسم هبة
الله بن ناصر الدولة فقتله اه وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة
التي يذكر فيها مفاخر قومه:
ومنا أبو عدنان سيد قومه * ومنا قريعا العز جبر وجابر

28
فهذا لذي التاج المعصب قاتل * وهذا لذي البيت الممنع آسر
قال ابن خالويه اما ذو التاج فابن ملك الديلم اه ويأتي في ترجمة جبر
ابن أبي الهيجاء عم المترجم ان المراد بذي البيت الممنع هو عبد الله بن
مزروع الضبابي وان الذي اسره هو جبر، فيكون المراد بقاتل ذي التاج
المعصب هو جابر، وهذا ينافي قوله ان الذي قتل ابن ملك الديلم هو هبة
الله أبو القاسم أخو جابر. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 345: فيها
خرج روزبهان بن ونداد خرشيد الديلمي على معز الدولة وسار معز الدولة
عن بغداد لمحاربته وخرج الخليفة المطيع منحدرا إلى معز الدولة لان ناصر
الدولة لما بلغه الخبر سير العساكر من الموصل مع ولده أبي المرجى جابر
لقصد بغداد والاستيلاء عليها فلما بلغ الخليفة ذلك انحدر من بغداد ثم إن
معز الدولة انتصر على روزبهان وأسره وسير سبكتكين إلى أبي المرجى بن
ناصر الدولة وكان بعكبرا فلم يلحقه لأنه لما بلغه الخبر عاد إلى الموصل،
وقال في حوادث سنة 347 ان معز الدولة كان قد صالح ناصر الدولة على
الفي ألف درهم كل سنة فلما كان هذه السنة اخر ناصر الدولة حمل المال
فتجهز معز الدولة إلى الموصل ففارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وضاقت
الأقوات على معز الدولة وبلغه ان بنصيبين من الغلات السلطانية شيئا كثيرا
فسار نحوها فلما توسط الطريق بلغه ان أولاد ناصر الدولة أبا المرجى وهبة
الله بسنجار في عسكر فسير إليهم عسكرا فلم يشعر أولاد ناصر الدولة الا
والعسكر معهم فعجلوا عن اخذ أثقالهم فركبوا دوابهم وانهزموا ونهب عسكر
معز الدولة ما تركوه ونزلوا في خيامهم فعاد أولاد ناصر الدولة إليهم وهم
غارون فوضعوا السيف فيهم فقتلوا وأسروا وأقاموا بسنجار ثم اصطلح
ناصر الدولة ومعز الدولة على يد سيف الدولة، وقال السري الرفا يذكر
وقعة أبي المرجى مع عسكر معز الدولة، بسنجار من قصيدة:
لحظ عينيك للردى أنصار * وسيوف شفارها الأشفار
فتكت بالمحب من غير ثأر * فلها في فؤاده آثار
وقعة باللوى استباحت نفوسا * قمرتها عزاءها الأقمار
ومها تكتم البراقع منها * صورا هن للعيون صوار
أغرب البان بينهن فمن * أثماره الياسمين والجلنار
قصرت ليلة الخورنق حسنا * والليالي الطوال فيه قصار
بكر ترتعي جنى اللهو غضا * واللذاذات بينها ابكار
وجنات تحير الورد فيها * وثغور جرت عليها العقار
كلما كرت الجباه بصبح * عطفت ليلها عليه الطرار
فضحاه من الذوائب ليل * ودجاه من الخدود نهار
غنيت عن سحائب المزن ارض * هن من راحة الأمير تمار
ظلها سجسج وزهر رباها * عطر والحيا بها مدرار
حيث لا وردنا ثماد ولا الوعد * غرور ولا الهجوع غرار
يتصدى لظاهر البشر طلق * الوجه فيه سكينة ووقار
سائل الديلمي كيف رأى * سنجار لما تنمرت سنجار
إذ تلاقى بأرضها الحطب الجز * ل ونار يحثها اعصار
معشرا أصبحوا وجودا وأمسوا * عدما والخطوب فيها اعتبار
لم يسر حينهم إليهم ولكن * زجروا نحوه الجياد وساروا
في برار تكشف النقع عنها * وهي من رونق الحديد بحار
واشرأبت لك الديار فلو * تستطيع سيرا سرت إليك الديار
نعم للسيوف لا ينفذ الشكر * عليها أو تنفذ الاعمار
قد أطاعتك في العدو المنايا * وجرت بالمنى لك الاقدار
لا تقد جحفلا فأنت من النجدة * والبأس جحفل جرار
أملي في الملوك عسر ولكن * املي في أبي المرجى اليسار
وقال يمدحه أيضا ويذكر هذه الوقعة من قصيدة:
لله موقفنا بمنعرج اللوى * ومحارنا في لوعة ومحارها
نضت البراقع عن محاسن روضة * ريضت بمحتفل الحيا أنوارها
فمن الثغور المشرقات لجينها * ومن الخدود المذهبات نضارها
أغصان بان أغربت في حملها * فغرائب الورد الجني ثمارها
طالت ليالي الحب بعد فراقها * وأحبهن إلى المحب قصارها
لا تجبر الأيام كسر عصابة * كسرت وذل بجابر جبارها
رحلت فكان إلى السيوف رحيلها * وثوت فكان على الحتوف قرارها
برزت لها أسد الرها إذ حوصرت * والأسد تأنف ان يطول حصارها
مستعصمين من الأمير بهضبة * عدوية لا ترتقى أوعارها
من ذا ينازعكم كريمات العلى * وهي البروج وأنتم أقمارها
الحرب تعلم انكم آسادها * والأرض تعلم انكم أمطارها
هي وقعة لك عزها وسناؤها * وعلى عدوك نارها وشنارها
عمرت ديارك من قبور ملوكهم * وخلت من الانس المقيم ديارها
وردت بآساد الشري مبيضة * أفعالها محمرة أظفارها
فلتشكرنك دولة جددتها * فتجددت اعلامها ومنارها
حليتها وحميت بيضة ملكها * فغرار سيفك سورها وسوارها
وغريبة تجري عليك رياحها * ارجا، إذا لفحت عدوك نارها
ممن له غرر الكلام تفتحت * أبوابها وترفعت أستارها
تجري وتطلبه عصائب قصرت * عن شاوه فقصارها اقصارها
يحوي له الأمد البعيد نجاره * ويعوقها عما حواه نجارها
فتعيش بعد مماته اشعاره * وتموت قبل مماتها اشعارها
وللسري الرفا أيضا يمدحه وقد أصابه رمد:
شيم الأمير وفت لنا بعداتها * فجرت سحائب جوده لعفاتها
لا تعدم العلياء منه شمائلا * حسنات هذا الدهر من حسناتها
نفديه - ان كنا الفداء لنفسه - * من حادث الأيام أو نكباتها
شكت العلى لما شكته جفونه * فشكاته مقرونة بشكاتها
قد قلت للأعداء مهلا انها * نوب تجلى الصبح من ظلماتها
قالوا اشتكى رمدا حمى أجفانه * سنة الرقاد وغض من لحظاتها
فأجبتهم لم ترمد العين التي * تحمر بأسا يوم حرب عداتها
لكن رأته محاربا أمواله * بنواله فجرت على عاداتها
وله يتنجزه وعدا:
أمير الندى: ان الثناء خلود * وان القوافي السائرات جنود
إذا انقض من حول الملوك عديدها * فحولك منها عدة وعديد
فهن إذا ناضلن عنك صوارم * وهن إذا لاحت عليك عقود
ولي من ندى كفيك رسم تضاءلت * معالمه حتى تكاد تبيد
غدا خلقا والحمد فيه مجدد * ومنتقصا والشكر فيه يزيد
فلا يك رسمي من نوالك دارسا * فرسمك غض من ثناي جديد

29
وكتب أبو فراس إلى أبي المرجى المترجم:
لو لم تقلدني الليالي منة * الا مودته اذن لكفاها
جربت منه خلائقا وطرائقا * لا يطلب الأخ من أخيه سواها
فإذا تخيرت الجماعة كلها * امسى وأصبح شيخها وفتاها
يا نعمة في الدهر كانت غلطة * لو كان أولاها إذن والاها
اثني الضلوع على جوى وشفاؤها * اني أفاوضك الحديث شفاها
عل الزمان يعود وقتا عله * وعسى الليالي ان تديل عساها
ولما توفي جابر بالرحبة قال أبو فراس يرثيه:
بنفسي على جابر حسرة * تزول الجبال وليست تزول
له ما بقيت طويل البكاء * وحسن الثناء، وهذا قليل
وقال أيضا يرثيه:
الفكر فيك مقصر الآمال * والحرص بعدك غاية الجهال
لو كان يخلد بالفضائل فاضل * وصلت لك الآجال بالآجال
لو كنت تفدى لافتدتك سراتنا * بنفائس الأرواح والأموال
أعزز على سادات قومك ان ترى * فوق الفراش مقلب الأوصال
والسمر تخطر لم تدق صدورها * والخيل واقفة على الأطوال
والسابغات مصونة لم تبتذل * والبيض سالمة مع الأبطال
وإذا المنية أقبلت لم يثنها * حرص الحريص وحيلة المحتال
ما للخطوب وما لاحداث النوى * اعجلن جابر غاية الاعجال
لما تسربل بالفضائل وارتدى * برد العلى واعتم بالاقبال
وتشاهدت صيد الملوك بفضله * ورأى المكارم من مكان عالي
فلئن هلكت فما الوفاء بهالك * ولئن بليت فما الوداد ببالي
أ أبا المرجى غير حزني دارس * ابدا عليك وغير قلبي سالي
لا زلت مغدو الثرى مطروقه * بسحابة مجرورة الأذيال
وحجبن عنك السيئات ولم يزل * لك صاحب من صالح الاعمال
أبو عبد الله ويقال أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الطرسوسي الكوفي
المعروف بالصوفي
كناه بأبي عبد الله ابن النديم في الفهرست، ثم قال والرازي يقول في
كتبه المؤلفة في الصنعة: قال استاذنا أبو موسى جابر بن حيان، وكناه في
الفهرست في موضع اخر بابي موسى.
مولده ووفاته
في فهرست ابن النديم: قد قيل إن أصله من خراسان اه. وبذلك
يعلم أن مولده بخراسان (1) ولكن ابن خلكان وصفه بالطرسوسي. وفي
كشف الظنون: توفي سنة 160، وكذلك نقله صاحب تاريخ الفكر العربي
عن كشف الظنون ثم نقل عنه انه توفي سنة 180، وقال: ان خبر اتصاله
بالبرامكة وما ذكره الجلدقي في كتابه (نهاية المطلب) من أن جابر بن حيان
بقي إلى زمن المأمون يناقض ذلك، لأن البرامكة ظلوا متمتعين بثقة الرشيد
17 عاما: من سنة 170 - 188 ه‍.، والمأمون بويع بالخلافة سنة 198
اه‍ (أقول): على التاريخ الثاني - إذا صح - لا مناقضة، وبقاؤه إلى زمن
المأمون لا يقتضي بقاءه إلى زمن خلافته (2).
أقوال العلماء فيه
كان حكيما رياضيا فيلسوفا عالما بالنجوم طبيبا منطقيا رصديا مؤلفا
مكثرا في جميع هذه العلوم وغيرها: كالزهد والمواعظ، من أصحاب الإمام جعفر
الصادق عليه السلام واحد أبوابه ومن كبار الشيعة وما يأتي عند تعداد
مؤلفاته يدل على أنه كان من عجائب الدنيا ونوادر الدهر، وان عالما يؤلف
ما يزيد على 3900 كتاب في علوم جلها عقلية وفلسفية لهو حقا من عجائب
الكون، فبينا هو فيلسوف حكيم ومؤلف مكثر في الحيل والنيرنجات
والعزائم ومؤلف في الصنائع وآلات الحرب، إذا هو زاهد واعظ مؤلف
كتبا في الزهد والمواعظ. ومن يكون بهذه الإحاطة في العلوم، متى يتسع
وقته لتأليف 1300 كتاب في الحيل - كما يأتي -؟ ومن لا يكون متخصصا
بعلم الطب ولا مشهورا به، كيف يؤلف فيه 500 كتاب وأي شئ أغرب
من أن يكون - وهو فيلسوف - يؤلف 500 كتاب نقضا على الفلاسفة،
وان هذه الكتب التي تعد في العلم الواحد ب‍ 1300 كتاب و 500 كتاب
و 300 كتاب و 1300 رسالة مهما صغر حجمها لهي دالة على باع طويل
وهمة شماء. وهو مع ذلك يشتغل بصناعة الكيمياء حتى صار اشهر من
ينسب إليه هذا العلم، وذلك يحتاج إلى زمن طويل وجهد عظيم. ويكفي
في تفرد الرجل ان كتبه بقي كثير منها محفوظا في مكاتب الغرب والشرق،
وطبع جملة منها وترجم جملة منها. وقال علي بن يوسف القفطي في تاريخ
الحكماء: جابر بن حيان الصوفي الكوفي كان متقدما في العلوم الطبيعية
بارعا منها في صناعة الكيمياء، وله فيها تواليف كثيرة ومصنفات مشهورة.
وكان مع هذا مشرفا على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدا للعلم المعروف
بعلم الباطن - وهو مذهب المتصوفين من أهل الاسلام: كالحارث بن أسد
المحاسبي وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم. وذكر محمد بن سعيد
السرقسطي المعروف بابن المشاط الأصطرلابي الأندلسي انه رأى لجابر بن
حيان بمدينة مصر تأليفا في عمل الأصطرلاب يتضمن الف مسألة لا نظر له
اه وقال ابن خلكان في ترجمة الإمام الصادق عليه السلام: له كلام في
صناعة الكيمياء والزجر والفأل، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان
الصوفي الطرسوسي قد الف كتابا يشتمل على الف ورقة تتضمن رسائل
جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة اه. وقال السيد علي بن طاوس
الحسني الحلي في كتابه (فرج الهموم بمعرفة علم النجوم) عند ذكره لجماعة
من الشيعة كانوا عارفين بعلم النجوم: ومنهم جابر بن حيان صاحب
الصادق عليه السلام، وذكره ابن النديم في رجال الشيعة اه. وقد روى
الحسين بن بسطام بن سابور واخوه أبو عتاب أو غياب عبد الله بن
بسطام بن سابور الزيات عن جابر بن حيان عن الإمام الصادق عليه السلام
في كتابهما المعروف بطب الأئمة. وفي روضات الجنات: أبو موسى
جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي كان من مشاهير قدماء العلماء بالأفانين
الغريبة من الكيمياء والليمياء والهيمياء والسيمياء والريمياء وسائر علوم السر
والجفر الجامع وأمثال ذلك. وقال اليافعي في مرآة الجنان: الف جابر بن



(1) يرى الدمتور الاهواني ان (حيان) والد جابر من قبيلة الأزد وانه كان عطارا في الكوفة أو
عشابا يبيع الأعشاب وأنواع العطارة النافعة في الدواء. وأنه في خلال رحلة له إلى خراسان
ولد له فيها ولده جابر. وان والي خراسان قتل والده لاتهامه باتشيع ثم إن جابرا اليتيم قدر
له من ارسله إلى أهله الأزديين في الكوفة.
(2) هذا ما جاء في الطبعة الأولى وقد رأينا ونحن نعد الكتاب للطبعة الثانية ان الدكتور احمد فؤاد
الاهواني ذكر في مقال له في العدد 27 من السنة الرابعة لمجلة المجلة انه ولد سنة 120 وتوفي
سنة 190 (الناشر)
الناشر
30
حيان الصوفي تلميذ جعفر الصادق كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن
رسائله وهي خمسمائة رسالة اه. وفي عيون الانباء في ترجمة أبي بكر
محمد بن زكريا الرازي انه نقل كتاب الاس لجابر إلى الشعر. وفي ترجمة
عبد اللطيف البغدادي أنه قال: ورد إلى بغداد رجل مغربي قد أمعن في
كتب الكيمياء والطلسمات وما يجري مجراها، واتى على كتب جابر
بأسرها. ثم قال عبد اللطيف عن نفسه: وحصلت كثيرا من كتب
جابر بن حيان الصوفي اه. كل ذلك يدلنا على اشتهار جابر بن حيان
وكتبه واعتناء العلماء بها، ويعبر عنه الرازي بأستاذنا كما في فهرست ابن
النديم، وترجم بعض كتبه كما مر عن عيون الأنباء.
وقال ابن النديم في الفهرست: اخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه:
هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي.
واختلف الناس في أمره، فقال الشيعة انه من كبارهم واحد الأبواب -
يعني أبواب أئمة أهل البيت وحملة علومهم -، وزعموا أنه كان صاحب
جعفر الصادق وكان من أهل الكوفة، وزعم قوم من الفلاسفة انه كان
منهم وله في المنطق والفلسفة مصنفات وزعم أهل صناعة الذهب والفضة
ان الرياسة انتهت اليه في عصره وأن أمره كان مكتوما. قال وزعموا أنه
كان ينتقل في البلدان لا يستقر به بلد خوفا من السلطان على نفسه. وقيل إنه
كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليهم ومتحققا بجعفر بن يحيى، فمن
زعم هذا قال إنه عنى بسيده جعفر هو البرمكي، وقالت الشيعة انما عنى
جعفر الصادق. وحدثني بعض الثقات ممن تعاطى الصنعة - اي صنعة
الكيمياء - انه كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف بدرب الذهب
وقال لي هذا الرجل ان جابرا كان أكثر مقامه بالكوفة وبها كان يدبر الإكسير
لصحة هوائها ولما أصيب بالكوفة الازج (1) الذي وجد فيه هارون ذهب فيه
نحو مائتي رطل. ذكر هذا الرجل أن الموضع الذي أصيب ذلك فيه كان
دار جابر بن حيان فإنه لم يصب في ذلك الازج غير الهاون فقط وموضع قد
بني للحل والعقد في هذا في أيام عز الدولة ابن معز الدولة. وقال لي أبو
سبكتكين دستاردار انه هو الذي خرج ليستلم ذلك وقال جماعة من أهل
العلم وأكابر الوراقين ان هذا الرجل - يعني جابرا - لا أصل له ولا حقيقة
وبعضهم قال إنه ما صنف - ان كان له حقيقة - الا كتاب الرحمة وان هذه
المصنفات صنفها الناس ونحلوه إياها. وأنا أقول - اي ابن النديم - ان
رجلا فاضلا يجلس ويتعب فيصنف كتابا يحتوي على الفي ورقة يتعب قريحته
وفكره باخراجه ويتعب يده وجسمه بنسخه ثم ينحله لغيره اما موجودا أو
معدوما ضرب من الجهل وان ذلك لا يستمر على أحد ولا يدخل تحته من
تحلى ساعة واحدة بالعلم واي فائدة في هذا وأي عائدة، والرجل له حقيقة
وأمره اظهر واشهر وتصانيفه أعظم وأكثر ولهذا الرجل كتب في مذاهب
الشيعة وانا أوردها في مواضعها وكتب في معان شتى من العلوم قد ذكرتها في
مواضعها من الكتاب اه.
وقال إسماعيل مظهر في كتابه تاريخ الفكر العربي: لعل جابر بن
حيان اشهر من يذكره تاريخ العلم في العصر العربي من العلماء فإن اسمه
يقترن من حيث الشهرة ومن حيث الأثر النافع بأسماء العظماء من رواد
الحضارة والعمران ولقد قال فيه الأستاذ (برتيلو) المؤلف الفرنسي
صاحب كتاب تاريخ الكيمياء في القرون الوسطى ان اسمه ينزل في تاريخ
الكيمياء منزلة اسم أرسطوطاليس في تاريخ المنطق فكأن جابرا عند برتيلو
أول من وضع لعلم الكيمياء قواعد علمية تقترن باسمه في تاريخ الدنيا وقد
عرف جابر بن حيان في العالم اللاتيني باسم جبير (2) عاش جابر بن حيان في
بلاط هارون الرشيد في بغداد وكان على صلة حسنة بالبرامكة والظاهر من
سيرته انه كان أشد تعلقا بهم منه بخليفة المسلمين لأن البرامكة كانوا يعلقون
على علم الكيمياء شأنا كبيرا وكانوا يشتغلون بذلك العلم ويدرسونه درسا
عميقا ولقد ذكر جابر في كتابه الخواص كثيرا من المحاورات التي وقعت بينه
وبينهم في معضلات هذا العلم والظاهر أنه كان له نصيب من الاشتغال
بعلم الطب وطرق العلاج لأنه كان من الشائع في ذلك العهد ان يقترن
العلم الكيمياء بالعمل في صناعة الطب اه ثم حكى عن الجلدقي في كتابه
نهاية المطلب انه روى كثيرا مما عانى الكيماويون من العرب في أول اشتغالهم
بهذا العلم من الاضطهاد والمصاعب وذكر عن جابر بن حيان انه خلص من
الموت مرارا عديدة كما أنه قاسى كثيرا من انتهاك الجهلاء لحرمته ومكانته
وانهم كانوا يحسدونه على علمه وفضله وانه اضطر إلى الافضاء ببعض اسرار
الصناعة - اي الكيمياء - إلى هارون الرشيد والى يحيى البرمكي وابنيه
الفضل وجعفر وان ذلك هو السبب في غناهم وثروتهم ولما ساورت الرشيد
الشكوك في البرامكة عرف ان غرضهم نقل الخلافة إلى العلويين مستعينين
على ذلك بمالهم وجاههم وقتلهم عن اخرهم اضطر جابر بن حيان ان يهرب
إلى الكوفة خوفا على حياته حيث ظل مختبئا إلى أيام المأمون فظهر بعد
احتجاجه اه.
مقال الدكتور احمد فؤاد الاهواني
من مقال طويل نشره في مجلة المجلة المصرية: هو اشهر علماء العرب، وأول
من أرسى قواعد العلم التجريبي، وأول من اخرجه من السر إلى العلن،
فأسدى بذلك إلى العلم عامة وإلى حضارة العرب بوجه خاص فضلا
عظيما. فقد أباح العلم بعد أن كان مقصورا على أفراد يحتكرونه ويتداولونه
سرا، فعم بذلك النفع، وشمل جميع مرافق الحياة، وترتب على ذلك
ازدهار الحضارة العربية وتقدمها قرونا طويلة من الزمان. لأن المظهر
المحسوس للحضارة يتجلى في صناعاتها وفي ألوان الرفاهية التي يستخدمها
الإنسان في معيشته.
ومع أن جابرا كان على سنة مفكري العرب وفلاسفتهم مشاركا في
جميع العلوم من فلك ورياضيات وطب ومنطق وفلسفة، الا ان عنايته
الكبرى اتجهت إلى الكيمياء، وألف في هذا العلم، أو (الصنعة) كما
كانت تسمى عند العرب، التصانيف الغزيرة، وأجرى التجارب الكثيرة،
ورسم له منهجه، وحدد موضوعه، وحاول أن يرده إلى أصول نظرية،
فكان بذلك، وبحق، مؤسس علم الكيمياء. وقامت على أساس مباحثه
مدرسة، وظهر بعده تلاميذ، وأصبح علم الكيمياء ينسب إليه، وأضحى
جابر علما عليه، كما يقال (أبقراط) عنوانا على الطب، أو (بطليموس)
علما على الفلك. وحين اتجهت أوروبا إلى العرب تغترف من بحر
علومهم، لم تجد اماما في الكيمياء سوى جابر، فنقلت اسمه وكتبه
وعلمه، واشتهر عندهم باسم Geber وباللاتينية Geberus كما نقلوا عن
تلميذه الرازي. ونقل جيرار الكريموني في أكبر الظن، (كتاب السبعين)



(1) الازج البيت
(2) عني بتحقيق سيرة جابر من الأوروبيين الأستاذ هولميارد في مقالة له نشرها سنة 1923 وقد
كتب عنه في كتبه الأخرى، وفي كتاب له وهو (الكيمياء) الصادر سنة 1957 في سلسلة
بليكان الانكليزية.
- الناشر -
31
من مؤلفات جابر بن حيان إلى اللاتينية، وهو مجموعة تتألف من سبعين
كتابا.
وجدير بمن يظفر بمثل هذه الشهرة في العالمين - الشرقي والغربي - ان
تحاك حوله الأساطير، وان تنسب إليه الكتب، حتى ليبلغ بالمؤرخين
المحققين الذهاب إلى حد الشك في وجوده وفي حقيقة شخصيته، وفي أنه
هو صاحب تلك المؤلفات أو أن غيره هو الذي صنفها ونحلها إياه. وقد
كان جابر ومؤلفاته موضع شك القدماء، كما كان موضع شك المحدثين.
(ثم يشير الكاتب إلى أن ممن شك بحقيقة جابر، ابن نباتة فيقول:)
ويبدو أن الباعث الذي دفع ابن نباتة إلى ذلك الشك، هو انكاره
علم الكيمياء جملة، ذلك العلم الذي زعموا انه يقلب المعادن الخسيسة إلى
ذهب. وكان علماء المسلمين وفلاسفتهم قد انقسموا في أمر الكيمياء
فريقين: فريق يقول بامكان ذلك التحويل، وفريق ينكره. والمنكرون لم
تصح عندهم النظرية القائلة بإمكان خلق الإنسان مواد تشبه المواد
الطبيعية، وكان الكندي على رأسهم. وقد أشار ابن نباتة إلى ذلك، وهو
يشرح عبارة ابن زيدون التي يقول فيها: (وأظهرت جابر بن حيان على سر
الكيمياء)، وهي عبارة تدل على شهرة جابر، وان اسمه أصبح عنوانا على
هذا الفن. قال ابن نباتة في شرحه: (الكيمياء معروفة الاسم، باطلة
المعنى. وليعقوب الكندي رسالة بديعة سماها: ابطال دعوى المدعين صنعة
الذهب والفضة، جعلها مقالتين، يذكر فيها تعذر فعل الناس لما انفردت
الطبيعة بفعله، وخدع أهل هذه الصناعة وجهلهم. ويقال ان أبا بكر
الرازي رد عليه في رسالة له...) وللكيمياء في الواقع جانبان: جانب عملي تجريبي، وجانب
نظري، اما قائم على أصول نظرية سابقة على التجربة، واما مستمدة من
التجربة نفسها. وسنعرض للمنهج التجريبي فيما بعد وقيمته واثره لأهميته
بالنسبة للعلوم بوجه عام. ولكننا نقول الآن: ان حياة المسلمين منذ القرن
الثاني للهجرة بعد أن أصبحت الدولة الاسلامية متسعة الأطراف، وفي
أعلى درجة من الحضارة في ذلك الزمان، اقتضت ان ينظر الناس في أمور
معاشهم ورفاهيتهم ومدنيتهم، واقتضى ذلك منهم تدبير أمور كثيرة تحتاج
إلى عمليات كيميائية، مثل: صناعة الورق و الزجاج والأحبار والأصباغ
لتلوين الأنسجة وتقطير النباتات واستخراج العطور لمنافعها في الدواء وفي
التبرج، وصياغة المعادن وغير ذلك من الأمور التي تعتمد على عمليات
كيميائية من احتراق وتقطير وتصعيد، وتحتاج هذه العمليات إلى أجهزة
تدبر فيها كالبواتق والأنابيب والقدور وإشعال النيران القوية. وقد برع
العرب في هذه العمليات التجريبية، وابتكروا أجهزة جديدة، واستفادوا
من القدماء ومن شتى الدول المجاورة، وتقدموا بهذه الصناعة خطوات
واسعة إلى الامام. وهذا الجانب يسميه جابر، علوم الصنائع التي يحتاج
إليها في الكفاية. أما الجانب النظري، فقد نشب عليه الخلاف بين علماء العرب،
وانما الذي دفعهم إلى ذلك الخلاف، ما دخل على الكيمياء من سحر تحويل
الفضة أو الرصاص أو غير ذلك إلى ذهب، وهل يمكن ذلك أو لا يمكن،
وان كان ذلك ممكنا فعلى أي أساس، ولأي علة. وفي خلال هذه
المباحثات النظرية، اضطر العلماء إلى الخوض في الطبيعة التي تتركب منها
الجواهر المختلفة، مع تصنيف هذه الجواهر أو المعادن، ووصف مظاهرها
وخواصها، فظفر العلم بكثير من الثروة الجديدة. لقد وجد علم الكيمياء
اذن، وتقدم عند العرب، ونقله الأوروبيون عنهم، وكان أول كيمائي
بمعنى الكلمة هو جابر.
ويحكي جابر في بعض رسائله انه حين كان في بلاد العرب تعلم
القرآن والنحو والقراءة والكتابة والحساب على يد شخص يسمى (حربي
الحميري). وهذا الشخص قد نسجت حوله الأساطير حتى قيل إنه من
المعمرين الذين عاشوا أربعمائة سنة.
امضى جابر في الكوفة - في أكبر الظن - زمنا، واتصل بعد ذلك
بجعفر الصادق، ثم بالبرامكة الذين قدموه إلى بلاط الرشيد. اتصل
بيحيى البرمكي أولا، ثم بابنه جعفر بعد ذلك. ولندع جابرا يقص حكاية
اتصاله بيحيى لطرافتها قال في كتاب (الخواص الكبير) وهو يتحدث عن
الإكسير وكيف خلص به كثيرا من الناس وشفاهم ما نصه:
(ولقد كنت يوما من الأيام بعد ظهور أمري بهذه العلوم وبخدمة
سيدي - يريد جعفر الصادق - عند يحيى بن خالد. وكان له جارية نفيسة لم
يكن لاحد مثلها جمالا وكمالا وأدبا وعقلا وصنائع توصف بها. وكانت قد
شربت دواء مسهلا لعلة كانت بها، فعنف عليها بالقيام، ثم زاد عليها إلى أن
قامت ما لم يكن من سبيل لمثلها شفاء. ثم ذرعها مع ذلك القئ حتى لم
تقدر على التنفس ولا الكلام البتة، فخرج الصارخ إلى يحيى بذلك، فقال
لي: يا سيدي ما عندك في ذلك؟ فأشرت عليه بالماء البارد وصبه عليها،
لأني لم أرها، ولم اعرف في ذلك من الشفاء للسموم ولقطعه مثل ذلك.
فلم ينفعها شئ بارد ولا حار أيضا، وذلك اني كمدت معدتها بالملح
المحمى وغمرت رجليها. فلما زاد الأمر سألني ان أراها، فرأيت ميتة
خاملة القوة جدا. وكان معي من هذا الإكسير شئ، فسقيتها منه وزن
حبتين بسكنجبين (1) صرف مقدار ثلاث أواق. فوالله، وحق سيدي،
سترت وجهي عن هذه الجارية، لأنها عادت إلى أكمل ما كانت عليه في
أقل من نصف ساعة زمانية. فأكب يحيى على رجلي مقبلا لهما. فقلت له:
يا أخي لا تفعل. فسألني فائدة الدواء، فقلت له: خذ ما معي منه، فلم
يفعل. ثم إنه اخذ في الرياضة والدراسة للعلوم وأمثال ذلك، إلى أن
عرف أشياء كثيرة. وكان ابنه جعفر أذكى منه واعرف (2)).
وتطلعنا هذه القصة على أن جابرا كان طبيبا، وكان يستخدم في
العلاج دواء يسميه (الإكسير) يبدو أنه كان يشفي من كثير من العلل.
فلما اتصل جابر بيحيى وابنيه: الفضل وجعفر، قدمه هؤلاء البرامكة
إلى الرشيد. ويزعم الجلدكي في كتابه (نهاية الطلب) (3) ان جابرا كان
السبب الذي دعا الرشيد ان يرسل إلى ملك الروم يطلب كتب الحكمة،
فأرسل اليه منها جملة كثيرة عربها حنين بن إسحاق وابن بختيشوع وغيرهما.
ونحن نعرف ان أول نقل في الاسلام هو الذي أمر به خالد بن يزيد
الأموي، وكان ذلك بسبب رغبته في علم الكيمياء بالذات. وليس ثمة



(1) الكنجبين: مزيج من الخل والعسل.
(2) مختار رسائل جابر بن حيان، القاهرة 1354 هجرية، ص 303 - 304.
(3) الجلدكي: عالم بالكيمياء عاش في القرن الثامن الهجري، ولا يزال كتابه هذا مخطوطا.
32
تناقض بين الروايتين: الرواية القائلة بأن خالدا هو الذي أوعز بالترجمة،
والقائلة بأن الذي حث عليها هو جابر بن حيان بعد ما يقرب من سبعين
عاما، إذ الحق في ذلك ان حركة الترجمة بدأت مبكرة، ولكنها كانت
ضعيفة وفي نطاق ضيق، ثم اشتدت زمان الرشيد، ثم في عصر المأمون،
ولم ينقطع طلب الكتب اليونانية من مظانها ولا نقلها إلى عصر متأخر،
وكانت تلك الكتب تترجم أكثر من مرة.
ولما وقعت نكبة البرامكة وانزل الرشيد غضبه عليهم، فتك بهم
وبجميع من كان يلوذ بهم، فأصابه رشاش المحنة. وقيل في سبب محنته:
ان أهل الحسد والطغيان دسوا له الدسائس، حتى اشرف على القتل
مرارا، ومن جملة هذه الدسائس انه يخفي سر صنعته ويحتفظ به لنفسه
(فلم يسعه بعد ذلك الا ان باح ببعض شئ من الحكمة الصنعوية على
ترتيب الظاهر والأبواب البرانية للرشيد وليحيى بن برمك ولولديه الفضل
وجعفر وأوصلهم إلى غنى الدهر) حسب رواية الجلدكي. وفي هذه القصة
من التهافت ما لا يحتاج إلى دليل، لأن ثروة الرشيد والبرامكة لم تكن بسبب
هذه الصنعة، بل من خراج الولايات، وغلة الضياع الواسعة. ولكن
خيال الرواة يتسع للقول بأنه: (وبالجملة ان مكارم بني برمك لم تكن الا
من هذه الصناعة لا من أموال الدولة. ولم يكن لبني العباس هذا البذل
العظيم الا من هذه الصنعة. وكذلك أول الدولة الفاطمية لمصر والمغرب لم
يتم لهم ما تم من الملك والقوة الا بهذه الصناعة).
(عن الجلدكي بعد ذكر
النص السابق مباشرة).
وتدل رواية ابن النديم (1) على أن جابرا كان مستقرا بالكوفة،
وبخاصة بعد محنة البرامكة، وان لم تكن القصة (2) صحيحة في تفصيلاتها،
فلا ريب ان جابرا كان يقتني معملا كيميائيا يجري فيه العمليات من تقطير
وتطهير وتصعيد مما يحتاج اليه في التدبير.
ويزعم هولميارد: ان المصدر الذي استقى منه جابر علومه في
الكيمياء، وهو الأفلاطونية الحديثة، كانت تتجه نحوا صوفيا، وعن هذا
الطريق تأثر بالتصوف. ومن الغريب ان ذا النون المصري يذكر أيضا انه
كان يجمع بين الصنعة والتصوف، بدأ بالكيمياء، ثم عدل عنها إلى النزعة
الصوفية.
مقال الدكتور محمد يحيى الهاشمي
من مقال نشره في الجزء العاشر من المجلد 33 من مجلة العرفان:
لدى مطالعتنا للتراث الضخم الذي خلفه لنا جابر بن حيان عن
الكيمياء نرى اعترافا صريحا بان المعلم لهذه الصنعة هو الإمام جعفر
الصادق (3) وقد اطلع على هذه الحقيقة كثير من المستشرقين الغربيين،
فاعتقدوا ان في ذلك مبالغة عظيمة، وفي النقد الذي وجهه كل من روسكا
وباول كراوس (4) بأنه لمن المستحيل على جعفر ان يلم هذا الالمام العظيم
بالعلوم والفنون التي ذكرها جابر في المخطوطات التي وصلت الينا والتي
يوجد منها عدد غزير في القاهرة والتي لم تدرس الدراسة الكافية، ويقول
روسكا في هذا الصدد انه لمن المستحيل على جعفر ان يكون كيميائيا،
فليس من الممكن ان يتعاطى تلك الصنعة، سواء كان ذلك عمليا أو نظريا
وهو في المدينة. ولقد أعجب بحق كل من برتلو الافرنسي وهولميارد
الانكليزي بالمعلومات الغزيرة التي تسند إلى جابر.
وقد اقتفى أثر روسكا بأول كراوس مبينا في التقرير السنوي الثالث
لنشرات تاريخ العلوم الطبيعية التي تصدر في برلين العلاقة الشديدة بين
جابر والإسماعيلية.
هذه هي الملاحظات السطحية التي يذكرونها دون تمحيص أقوال جابر
نفسها المتعلقة بأستاذه جعفر ساعين لتحليل تلك الأقوال على ضوء العلم
الصحيح.
يذكر هولميارد في كتابه الذي الفه باللغة الإنكليزية عن صانعي
الكيمياء عن جعفر بأنه التقى مع جابر وحصلت بينهما صداقة قوية،
كالصلة التي تحصل بين المعلم الروحي وتلميذه بيد أنه لا يتطرق إلى ما
تطرق اليه روسكا من قبل، ويلاحظ إسماعيل مظهر في مقاله عن جابر من
كتاب تاريخ الفكر العربي بان في مذهب روسكا كثيرا من مواطن الشك
للأسباب الآتية:
1 - لم يستدل من التواريخ الموثوق بها أن جعفرا امضى كل حياته
بالمدينة لم يبرحها.
2 - إن قول الأستاذ روسكا في أنه لم يعرف أن المدينة كانت مركزا
لدراسة الكيمياء إن كان صحيحا فإن صحته لا تنافي مطلقا أن يكون الإمام جعفر
قد درس الكيمياء في مكان آخر
3 - ان علم الكيمياء لم ينتعش ويتحرر إلا بين أيدي الفارسيين أولا،
وأنهم كانوا يعكفون على الاشتغال به.
4 - إن الصوفيين غالبا ما كانوا يدخلون المصطلحات الكيميائية في
أشعارهم الباطنية.
5 - ولهذا نقول بان جعفرا إذا كان من عمد الشيعة وأئمتها الكبار،
وإذا كان على اتصال بشيعي فارسي، فلهذا لا يوجد من سبب ظاهر يحول
دون الاعتقاد بأنه كان يشتغل بعلم الكيمياء من طريق نظري على الأقل،
إن لم يكن من طريق عملي تجريبي.
6 - إن جابرا كان صوفيا كما هو مرجح من مقدمة كتاب السموم،
ومن ترجمة القفطي له في تاريخ الحكماء.
7 - إن العادة في الطريقة الصوفية ان يتبع كل صوفي منهم شيخا له
ولا يبعد أن يكون جابر قد تتلمذ بالفعل على جعفر في الصوفية، ولا يبعد
أن يكون قد سمع منه شيئا في الكيمياء.
يذكر إسماعيل مظهر هذه الاحتمالات دون أن يكلف نفسه عناء
البحث عن آثار جابر نفسها، وعما يذكره جابر عن إمامه الكبير وعن جواز هذه
الصلة حسبما وصلنا من الاخبار. ويجب أن نعرب عن أنفسنا بان الكتب
الموجودة بصفة مخطوطات في القاهرة والمكتبة الأحمدية في حلب حسب
اطلاعي لم تهيأ للنشر والمطالعة، ولا يمكننا أن نعطي حكما ينطبق على
الواقع أو يقاربه دون أن تكون جميع تلك الآثار في متناول اليد، قد نشرت



(1) تقدمت
(2) التي رواها لبن النديم فيما تقدم عن إصابة الازج
(3) يذكر بصورة مفثلة يوليوس روسكا
(4) سقوط خرافة جابر، نشرات تاريخ العلوم الطبيعية، التقرير الثالث برلين 1930
33
بطريقة علمية حسب قواعد علم اللغة الحديث (الفيولوجيا). وإننا في
هذه الدراسة سنقتصر على الاعتماد على كتاب هولميارد الأستاذ الأول في
علوم الكيمياء بمدرسة كلفتن في برستل بانكلترة المنشور في باريس عام
1928، وعلى مختار رسائل جابر بن حيان نشرت في القاهرة عام 1935
من قبل المستشرق التشيكوسلوفاكي ب. كراوس. ومما يؤسف له أن
رسائل جابر لم يتابع نشرها لأن فيها من العلوم مما تزيد في قيمة تراث
الاسلام، فالأمل من معاهدنا العلمية توجيه اهتمامها لمثل هذه القضايا
الهامة.
إذا طالعنا هذين الاثرين نجد أن الصلة بين الاثنين أعني جابرا
وجعفرا هي صلة رعاية وتوجيه ففي كتاب الرحمة من منشورات هولميارد
نقرأ ما يلي:
(... قال لي سيدي جعفر يا جابر، فقلت لبيك يا سيدي، فقال
هذه الكتب التي صنفتها جميعها وذكرت فيها الصنعة وفصلتها فصولا
وذكرت فيها من المذاهب وآراء الناس وذكرت الأبواب وخصصت كل
كتاب... وبعيد أن يخلص منها شئ إلا الواصل والواصل غير محتاج إلى
كتبك.
ثم وضعت كتبا كثيرة في المعادن والعقاقير، فتحير الطلاب وضيعوا
الأموال وكل ذلك من قبلك.
... والآن يا جابر استغفر الله وأرشدهم إلى عمل قريب سهل تكفر
به ما تقدم لك وأوضح.
... فقلت يا سيدي أشر علي أي الباب أذكر، فقال ما رأيت لك
بابا تاما مفردا إلا رموزا مدغما في جميع كتبك مكتوما فيها، فقلت له قد
ذكرته في السبعين وأشرت اليه في كتاب الملك من الخمسمائة وفي كتاب
صفة الكون وفي كتب كثيرة من المائة ونيف، فقال صحيح ما ذكرته من
ذلك في أكثر كتبك وهو في الجمل مذكور، غير أنه مدغم مخلوط بغيره، لا
يفهمه إلا الواصل، والواصل مستغن عن ذلك، ولكن بحياتي يا جابر،
افرد فيه كتابا بالغا بلا رمز واختصر كثرة الكلام بما تضيف اليه كعادتك،
فإذا تم فاعرضه علي فقلت السمع والطاعة).
يوجد لجابر ناحية أخرى لا نرى فيها أي أثر لجعفر وهذه الناحية هي
ناحية التجربة والعمل فمما يزيد اندهاشنا ان جابرا كسائر علماء العرب قد
قطع خطوة ابعد مما قطع اليونان في وضع التجربة أساس العمل لا اعتمادا
على التأمل الساكن فقط، فنراه يقول: (وملاك هذه الصنعة العمل،
فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشئ ابدا) وفي محل آخر يقول في الرسائل
المنشورة بالقاهرة: (أن الأصل كان من الطبائع لا من غيرها، فالوصول
إلى معرفتها ميزانها، فمن عرف ميزانها عرف كل ما فيها، وكيف تركبت،
والدربة تخرج ذلك. فمن كان دربا كان عالما حقا، ومن لم يكن دربا لم
يكن عالما. وحسبك بالدربة في جميع الصنائع، أن الصانع الدرب يحذق
وغير الدرب يعطل.
من أغرب ما يذكره جابر تأثير الطلسمات والقصد من ذلك تأثير
الكواكب على المادة، ويمكننا تفسيرها في الوقت الحاضر من وجهتين: 1 -
الاشعاعات البعيدة. 2 - القرابة بين العالم العلوي والعالم السفلي، وإننا
لنجد هذه القرابة في الوقت الحاضر حسبما ثبت للعلماء الذريين بالشبه
الموجود بين الذرة غير المرئية والعالم الشمسي الكبير.
وفي كتاب البيان منشورات هولميارد يقول جابر: (انه لما كان الكلام
في البيان أجل ما يحتاج إلى تقديمه في علوم مولانا عليه السلام - ويقصد
بذلك جعفر -، وكان طريقه أحد الطرق التي يجب أن يدرج المتعلم عليها
ويتغذى بها، وجب ان نذكره في هذا الكتاب ليعرفه الراغب في هذه العلوم
الشريفة بحقه وصدقه فيعظم انتفاعه به).
نستنتج اذن أن جابرا يعتقد بوجود طريقين لادراك الصنعة: طريق
ظاهري وذلك باقتفاء اثر الطبيعة والتداريب، وطريق باطني وذلك بمعرفة
الفرضيات الكبرى وتطهير النفس البشرية وان ما استقاه من معلمه الروحي
الطريق الثاني، لأنه نظرا للوثائق التي وصلت الينا ان هناك تجارب قام بها
جابر في عالم الكيمياء لم ينته الأخصائيون من دراستها بعد. وفرضيات
كبرى قد أدرجها في رسائله، وإذا كان الأخصائيون يجهلون مصادر
معلوماته عن العمليات الكيميائية الايجابية (بعد تقرير المنتحل والأصلي) فإنه لمن الواضح الجلي ان من أهم مصادر معرفته الالهامات الباطنية التي
اقتبسها عن إمامه جعفر الصادق وهي سوف تحتل مكانا ساميا في تاريخ
الفكر البشري يوم تدرس بامعان من قبل أخصائيين كرسوا حياتهم في سبيل
كشف الغطاء عن غوامضها.
أما سبب الاخفاق الذي بلي به الباحثون حتى اليوم، لعدم تفريقهم
بين منابع معرفة جابر في المعلومات الايجابية وبين التأملات الكونية العامة.
فإذا كان بعيدا كون جعفر ملهم التجارب في الكيمياء، فهو ولا شك ملهم
النظرات العالمية العميقة. ويمكننا الذهاب ابعد من ذلك فنقول حتى أننا لو
سلمنا جدلا بأن كتب جابر هي منتحلة أو هي ليست لمؤلف واحد بل لعدة
مؤلفين، كما حاول اثبات ذلك كل من روسكا وكرادس، فالاحتمال لا
يزال قويا في اقتباس منهج الفرضيات الكبرى من هذه الموسوعة المنسوبة
لجابر عن جعفر الصادق، وإلا لما ذكرت كتب جابر الامام في معرض
الحديث. هذا وإن لم يرد ذكره في التقطير والتصعيد والتكليس أو عند ذكر
الأحجار أو المعادن أو غير ذلك، بل ورد ذكره بما له علاقة بالروح. وإذا
كان ذلك من قبل الصدف والاتفاق فلماذا كان الاتفاق بالمعنويات التي لها
صلة قوية بجعفر ولم يكن هناك اتفاق بالماديات.
فجعفر على ما يظهر معلم جابر هذه الأمور وهو شيخه وإمامه
وموجهه وراشده وناصحه، وعلى وجود عدد لا يستهان به من فلاسفة
اليونان في كتب جابر، فلا يمنع أن يكون الامام قد حبذ هذه الدراسات
لان (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها).
نجد في رسائل جابر معلومات قد سبقت عصره بقرون، من ذلك
تلك الفكرة الهائلة التي أيدتها التجارب اليوم من أن الجوهر البسيط يشبه
العالم الشمسي.
يستفاد مما مر
يستفاد مما سلف أمور وهي تشيعه وعلمه بصناعة الكيمياء وتصوفه
وفلسفته وتلمذته على الصادق عليه السلام واشتهاره عند أكابر العلماء
واشتهار كتبه بينهم اشتهارا لا مزيد عليه، وعن صاحب رياض العلماء أنه
قال فيه في ترجمة جابر بن حيان المذكور: قال الحكيم: سلمة بن أحمد

34
المجريطي في كتاب غاية الحكم بعد نقل مهارة أبي بكر محمد بن زكريا
الرازي في علوم الطلسمات ونحوها من العلوم الحكمية بهذه العبارة: وأما
البارع في هذه الصناعة على الاطلاق فهو المقدم فيها الشيخ الأجل أبو
موسى جابر بن حيان الصوفي منشئ كتاب المنتخب في صنعة الطلسمات
وكتاب الطلسمات الكبير الذي جعله خمسين مقالة وكتاب المفتاح في صور
الدرج وتأثيراتها في الاحكام وكتاب الجامع في الأسطرلاب علما وعملا يحتوي
على ألف باب ونيف ذكر فيه من الاعمال العجيبة ما لم يسبقه إليه أحد وما
ظنك بكتابه الكبير في الطلسمات الذي جمع فيه من العلوم عجائب ما تشاح
القوم عليها ولم يتسامحوا بذكرها من علم الطلسمات والصور والخواص
وأفعال الكواكب وأفعال الطبايع وتأثيراتها وهو المنشئ لعلم الميزان
والمستنبط له بعد دثوره فبحق ما صيرت نفسي لهذا الرجل تلميذا على بعد
ما بيننا من المدة وأقول قد كان المجريطي المذكور إلى ما بعد ثلاثمائة وخمسين
أيضا فجابر بن حيان هذا من الأقدمين وقال بعض أفاضل هذه الصنعة في
ديباجة السفر الأول من كتاب المصباح في علم المفتاح وأعلم أن الحكماء
المتأخرين من أهل هذه الصنعة اجمعوا على الأصول المتقدم ذكرها أيضا
ولكنهم افترقوا في شرح كلام القوم على أنحاء كثيرة فكل منهم تكلم بكلام
فتح عليه من الرموز ووضع الأسماء والكنايات مثل الأمير خالد بن يزيد فإنه
أبدع في كتابه الفردوس ما لا يخفى على أهل التحصيل وله في المنثور كتب
أخرى ومصنفات عالية وقفنا عليها واستفدنا منها ومن بعده الأستاذ الكبير
جابر بن حيان فإنه الأستاذ العظيم الشأن هو أستاذ كل من وصل بعده إلى
هذه الصناعة الكريمة لكنه فرق العلم في كتب كثيرة فمن اطلع على كثير من
كتبه وكان من أهل الفهم والاشراق فإنه يستفيد منه ما قسم له من أسباب
الوصول، ثم من بعده الامام مؤيد الدين الطغرائي وأعلى كتبه المصابيح
والمفاتيح، والأستاذ الكبير العلامة سلمة المجريطي وله كتب جليلة في هذه
الصناعة، وكذلك الأستاذ الكبير العارف الصادق محمد بن أميل التميمي
وأجل كتبه كتاب مفتاح الحكمة العظمى، وكذلك الأستاذ الكبير صاحب
المكتسب - وأنه أخفى اسمه ولم نقف له على ترجمة، وقد شرحنا كتابه
المكتسب في كتابنا (نهاية الطلب) وبينا مقاصده، ولعله أوضح ما لم
يوضح من تقدمه، وحذونا حذوه في الايضاح والبيان - وأما الأستاذ الكبير
أبو الحسن علي بن موسى صاحب الشذور، فقد شرحنا صدر كتابه في عدة
كتب لنا، وشرحنا جميع ديوانه في كتابنا المسمى (غاية السرور) في أربعة
أجزاء، فمن تأملها بحسن نظر واعتبار فقد أدرك المعاني الغامضة المتعلقة
بعلم الحجر وعلم الميزان، وهو أيضا أربعة جزاء كبار، وذكرنا فيه أجزاء
كثيرة من العلم الطبيعي والإلهي على مقدمات أصول القوم، وشرحنا فيه
كتاب بليناس في الأصنام السبعة، وكتاب جابر في الأجساد السبعة،
وحللنا فيه غالب كتب الموازين لجابر، ووعدنا فيه بكتابنا هذا الذي سميناه
(المصباح في علم المفتاح) وجعلناه الخلاصة من جميع ما ألفناه لأنه الحاوي
لمفاتيح أبواب كنوز الصناعة وبه يحل الطالب جميع المشكلات من رموزهم،
فمن أوصله الله تعالى إلى كتابنا هذا فليحمد الله ويشكره، ويحسن فيه
النظر حتى يبلغ العلم ويتسلم المفتاح بإذن الله الملك الفتاح، إلى أن قال
فالله الله الله يا أخي في كتمان هذا العلم المصون عن غير أهله والسلام
وبالله التوفيق على الدوام. ثم ذكر في أواخر هذا الكتاب: ان من جملة
الأسباب لتأليفنا هذا أنه قد ثبت عندنا بطريق البرهان ثبوت الصناعة
الإلهية من طريق المادة الأصلية للحجر المكرم والإكسير الأعظم فيسر الله
تعالى علينا أن سلكنا الطريق الوسطى التي هي جادة القوم وعليها أكثر
الرموز وقد صورت صورها في المصاحف والكنوز، فثبت عندنا صحة
الطريق الوسطى، فتصورنا بالبرهان أنه لا سبيل لاحد إلى الوصول
للإكسير الأعظم إلا من هذا الطريق، وكنت أتعجب من أقوال جابر في
الباب الأعظم والأكبر الأصغر وأظن أن هذا من جملة رموزه، ثم اطلعت
للأمير خالد بن يزيد في كتبه على إشارات وطرق وعبارات مباينة لما نحن
عليه من سلوك تلك الجادة، فما زالت في حيرة من التناقض في ذلك ولم
يثبت عندي ان الرصاص الاسربي مستحيل ذهبا إلا في الإكسير الأوسط
المنصوص عليه بالبرهان أنه ينقلب فضة من غير الإكسير الحق المشاهد
المنصوص عليه بالبرهان، فأخذت في الرحلة إلى طلب العلم من صدور
الرجال حتى درت الآفاق وجمعت من الكتب الجابرية ما يزيد على ألف
كتاب، واطلعت بحمد الله تعالى على كتب غالب الحكماء في غالب
الأبواب، ولا زلت ارتاض بالعلم والعمل إلى أن اطلعني الله على علم
الميزان وعلى التراكيب الكثيرة من سائر الأركان، ورأينا من نتائج العلوم
العجائب والغرائب، وكنا قد أثبتنا في التصانيف الأولى ما علمناه من العلم
بالطريق الأوسط والجادة الأولى، ثم انفتح علينا الباب الأعظم وما دونه
من الأبواب فاستخرنا الله تعالى ووضعنا كتابنا المعروف (بنهاية الطلب)
وكتابنا المسمى (بالتقريب في اسرار التركيب) ثم المختصر المسمى
(بالبرهان) وشرحه المسمى (بسراج الأذهان)، وكتابنا المسمى
(بالشمس المنير والمصحف الكبير فيما يتعلق بالإكسير) وكتابنا المسمى
(بكنز الاختصاص في علم الخواص). ثم لما رأينا صعوبة الطريق على
الطلاب من كل وجه وباب فاستخرت الله تعالى وصنفت هذا الكتاب ولم
أترك عليه رمزا ولا حجابا إلا بعض ألفاظ علمت عليها ببعض الأقلام
حرصا على العلم لئلا يبتذل لمن لا يستحقه من الأرذال والعوام اه.
اما تشيعه
فيدل عليه عد ابن طاوس له في منجمي الشيعة، ورواية ابني بسطام
عنه عن الصادق عليه السلام، وروايته خمسمائة رسالة للصادق عليه السلام
كما ذكره اليافعي. ونقل ابن النديم عن الشيعة انه من كبارهم واحد
الأبواب، وأنه صاحب جعفر الصادق ومن أهل الكوفة المعروفين بالتشيع
وأنه إنما كان يعني بسيده جعفر هو الصادق لا جعفر البرمكي، ولا ينافيه
زعم الفلاسفة انه منهم فإنه لا تنافي بين كونه فيلسوفا وشيعيا، إذ المراد
الفلسفة الاسلامية لا فلسفة الحكماء القدماء التي قد تنافي الشريعة، وقول
ابن النديم أن له كتبا في مذاهب الشيعة كما تقدم ذلك كله.
وأما علمه بصناعة الكيمياء
فالمستفاد مما مر أنه كان عالما بصناعة الكيمياء متعاطيا لها فهو قد كان
كيماويا مولعا بذلك كما يدل عليه أسماء كتبه الآتية، وأما خبر الازج الذي
وجد فيه هاون الذهب كما مر إن صح فلا يدل على أنه من صناعته، بل
يجوز أن يكون قد وجد هذا الهاون في هذا الازج، فأرسل السلطان من
يقبضه الناس انه من صناعته وأن المحل الذي وجد فيه كان داره، ومثل
ذلك يقع كثيرا ولا أصل له، فمن اشتهر بشئ نسب الناس كل ما يتعلق
به إليه، وإلا فيبعد علمهم بمحل داره بعد مئات السنين والله أعلم وقد
أكثر الناس الكلام في صناعة الكيمياء وصحتها وعدمها حتى قال بعضهم:

35
إن مقامات الحريري وكتاب كليلة ودمنة وبرابي مصر رموز إلى صناعة
الكيمياء وهو قول لا يستند إلى أصل. وفي كشف الظنون قد كتب بعض
من جرب وتعب على مصنفات جابر تلميذ جعفر الصادق وشغل نفسه
بطلب الكيمياء فافنى بذلك عمره:
هذا الذي بمقاله * غر الأوائل والأواخر
ما كنت إلا كاسرا * كذب الذي سماك جابر
ثم قال في كشف الظنون: واعلم أنه - أي جابر بن حيان - فرقها -
أي الكيمياء - في كتب كثيرة، لكنه أوصل الحق إلى أهله ووضع كل شئ
في محله وأوصل من جعله الله سبحانه وتعالى له سببا في الايصال ولكن
أشغلهم بأنواع التدهيش و المحال لحكمة ارتضاها عقله ورأيه بحسب
الزمان، ومع ذلك فلا يخلو كتاب من كتبه عن فوائد عديدة اه.
تصوفه
وكان أيضا صوفيا معروفا بذلك كما يدل عليه قول ابن النديم
المعروف بالصوفي وقول القفطي ومتقلد العلم المعروف بعلم الباطن وهو
مذهب المتصوفين من أهل الاسلام ووصف المترجمين جميعا له بالصوفي.
وأما تلمذه على الصادق عليه السلام
فيدل عليه قول ابن طاوس انه صاحب الصادق عليه السلام ورواية
ابني بسطام عنه عن الصادق عليه السلام، وتصريح اليافعي وابن خلكان
بأنه تلميذه وأنه ألف كتابا يشتمل على خمسمائة رسالة من رسائله وقول ابن
النديم عن الشيعة أنهم زعموا أنه كان جعفر الصادق وأنه عنى بسيده جعفر
الصادق، وحكى أن نسخة كتاب السموم المحفوظة بالمكتبة التيمورية بمصر
مكتوب فيها يذكر أن مؤلفه جابر بن حيان الصوفي تلميذ جعفر الصادق اه
ويحكى عن بعض رسائله المطبوعة أنه قال فيها كنت يوما خارجا من منزلي
قاصدا دار سيدي جعفر صلوات الله عليه اه‍.
تلمذه على خالد بن يزيد بن معاوية
في كشف الظنون: أول من تكلم في علم الكيمياء ووضع فيها
الكتب وبين صنعة الإكسير والميزان ونظر في كتب الفلاسفة من أهل
الاسلام خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأول من اشتهر هذا العلم
عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد كما قيل:
حكمة أورثناها جابر * عن إمام صادق القول وفي
لوصي طاب في تربته * فهو كالمسك تراب النجف
وذلك لأنه وفي لعلي واعترف له بالخلافة وترك الامارة اه.
(أقول): في هذا الكلام من الخبط ما لا يخفى (أولا) الظاهر أن جابرا
المذكور في هذا الشعر هو جابر الجعفي من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام روى عنهما كثيرا من غوامض العلوم وغرائب الحوادث، فالحكمة
المذكورة هي حكمة النفس لا علم الكيمياء (ثانيا): يظهر أنه فسر ما في
الشطر الثاني من البيت الأول بخالد بن يزيد وأنه سماه وفيا لأنه وفي لعلي
واعترف له بالخلافة وترك الامارة، وظاهر أن المراد به جعفر الصادق وقوله
لوصي صفة لقوله حكمة لا متعلق بقوله وفي (ثالثا): أن خالد بن يزيد لم
ينقل عنه أنه كان يعترف بالخلافة لعلي عليه السلام ولا أنه ترك الامارة
لاعتقاده أنها ليست له وإنما الخلافة تركته فتركها مغلوبا على أمره (رابعا):
ان تلمذ جابر بن حيان على خالد بن يزيد لم يقم عليه برهان ولم يؤيده
تاريخ ولا أشار إليه أحد من المؤرخين فجابر بن حيان خراساني المنبت
عراقي المنشأ كوفي المسكن شيعي المذهب علوي النزعة، وخالد بن يزيد
شامي المنبت والمنشأ أموي النسب والنزعة، فلا علاقة تربطه بجابر بن
حيان وإنما يشتركان في صناعة الكيمياء، فخالد بن يزيد بعد فراغ يده من
الخلافة اشتغل بهذه الصنعة، وجابر بن حيان كان معروفا بها، فكأنه
لبعض المناسبات توهم تلمذ جابر على خالد.
تلامذته
قال ابن النديم: أسماء تلامذته. الخرقي الذي ينسب إليه سكة
الخرقي بالمدينة وابن عياض المصري والاخميمي اه وقال قبل ذلك:
والرازي يقول في كتبه المؤلفة في الصنعة: قال استاذنا أبو موسى جابر بن
حيان اه ومراده بقوله استاذنا أنه استفاد من مؤلفاته لا أنه تعلم منه لان
عصر الرازي متأخر عنه كما هو معلوم وصرح به في كشف الظنون حيث
قال: وأما من جاء بعد جابر من حكماء الاسلام مثل سلمة بن أحمد
المجريطي وأبي بكر الرازي وأبي الإصبع بن تمام العراقي والطغرائي
والصادق محمد بن أميل التميمي والامام أبي الحسن علي صاحب الشذور
فكل منهم قد اجتهد غاية الاجتهاد في التعليم والجلدكي متأخر عنهم اه
(أقول) الجلدكي أو الجلدقي اسمه ايدمر بن علي الجلدكي توفي سنة 762
ه‍. كان من أهل صناعة الكيمياء وشرح كتابا من كتب الكيمياء اسمه
(المكتسب في صناعة الذهب) وسمي شرحه (نهاية المطلب في شرح
المكتسب) لكنه لم يعرف اسم مؤلف المتن.
مؤلفاته
يقسم هولميارد مؤلفاته إلى أربع مجموعات:
أ - الكتب المائة والاثنا عشر. وهي التي اهدى بعضها إلى البرامكة،
ومعظم هذه المجموعة مأخوذة عن هرمس.
ب - الكتب السبعون، وقد ترجم معظمها إلى اللاتينية في القرن
الثاني عشر.
ج - المصححات العشر، والتي يصف فيها ما قام به القدماء في علم
الكيمياء مثل فيثاغورس وسقراط وغيرهم.
د - كتب الموازين وهي 114 كتابا يعرض فيها نظرية الميزان.
وقال الدكتور الاهواني:
لقد أغفل هولميارد من مؤلفات جابر ما كتبه في الطب والفلسفة
والمنطق وغير ذلك لان عنايته كانت بالجانب الكيميائي فقط.
ولم ينشر من هذا التراث الضخم إلا جزء ضئيل، بدأه برتيلوه
Berthlot بنشر كتاب (الرحمة)، وهو أول كتب جابر، وقد نشرت
الترجمة اللاتينية كذلك.
ثم نشر هولميارد سنة 1928 احدى عشرة رسالة لجابر، كما نشر
كراوس في القاهرة المختار من رسائل جابر بن حيان، وذلك في كتاب يقع
في 555 صفحة.

36
وآخر كتاب نشر له في ليبزغ هو رسالة دفع السموم ومضارها مع
ترجمة النص إلى الألمانية، وذلك في سنة 1959.
وقد يسر كراوس في المجلد الأول من بحثه العمل، فأحصى جميع
المخطوطات الموجودة في شتى مكتبات العالم من مؤلفات جابر، مع الإشارة
إلى ما طبع منها.
وليس صحيحا أن الفارابي هو أول صاحب (إحصاء العلوم)، لأن
جابر بن حيان - وكان أسبق منه - وضع تصنيفا أدخل فيه العلوم الشرعية
إلى جانب العلوم الفلسفية. كما أن الكندي ألف في سائر العلوم، وإنا
لنجد ابن النديم في الفهرست يضعها في سبعة عشر قسما، مثل كتبه
المنطقيات، والفلكيات، و السياسيات... الخ...
ولم يقصد جابر إلى وضع مؤلف خاص بتقسيم العلوم و إحصائها،
ولكنه عرض لهذا الأمر في رسالتين، أحداهما: (رسالة الحدود) أي
التعريفات، والأخرى: رسالة (إخراج ما في القوة إلى الفعل). وهو إنما
يقسم العلوم بحيث تخدم علم الكيمياء، أو الصنعة، بوجه خاص.
وقال ابن النديم: (أسماء كتبه في الصنعة) له فهرست كبير يحتوي
على جميع ما ألف في الصنعة وغيرها وله فهرست صغير يحتوي على ما ألف
في الصنعة فقط قال ونحن نذكر جملا من كتبه رأيناها وشاهدها الثقات
فذكروها لنا (أقول) أوردها ابن النديم بذكر لفظ كتاب في أول كل اسم
منها ونحن حذفنا لفظة كتاب اختصارا إلا قليلا وذكر إسماعيل مظهر في
تاريخ الفكر العربي بعض الخصوصيات المتعلقة بهذه المؤلفات فنحن
نذكرها كلا في موضعه قال ابن النديم فمن ذلك: 1 - اسطقس الأس
الأول إلى البرامكة، 2 - اسطقس الأس الثاني إليهم، 3 - الكمال هو
الثالث إليهم، نقلت هذه الثلاثة بالزنكوغراف في الهند سنة 1891
م، 4 - الواحد الكبير - ويقال الواحد الأول -، 5 - الواحد الصغير -
ويقال الواحد الثاني - من الكتابين نسختان في المكتبة الأهلية بباريس 6 -
الركن، 7 - البيان، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة 1891 م، 8 -
الترتيب 9 النور، نقل بالزنكوغراف في الهند سنة 1891 م، 10 - الصبغ
الأحمر، 11 - الخمائر الكبير، 12 - الخمائر الصغير، 13 - التدابير
الرائية، 14 - كتاب يعرف بالثالث، 15 - الروح، 16 - الزئبق طبع
برتيلو المؤلف الفرنسوي كتابين أحدهما باسم كتاب الزئبق الشرقي والآخر
باسم الزئبق الغربي نقلهما من مكتبة ليون، 17 - الملاغم الجوانية، 18 - الملاغم البرانية، والملاغم من مصطلحات أهل الكيمياء يراد بها خليط من
معدن وزئبق، 19 - العمالقة الكبير، 20 - العمالقة الصغير، 21 -
البحر الزاخر، 22 - البيض، 23 - الدم، 24 - الشعر - منه نسخة
بالمتحف البريطاني -، 25 - النبات 26 - الاستيفاء، 27 - الحكمة
المصونة، 28 - التبويب - منه نسخة بالمتحف البريطاني، 29 - الأملاح،
30 - الأحجار - نقل بالزنكوغراف في الهند سنة 1891، 31 - كتاب أبي
قلمون (أقول) أبو قلمون طائر من طير الماء يتراءى بألوان شتى - وثوب
رومي يتلون ألوانا شبه بالطائر، 32 - التدوير، 33 - الباهر، 34 -
التكرير، 35 - الدرة المكنونة، وفي المتحف البريطاني مخطوطة بهذا العنوان
ضمن مؤلفات جابر بن حيان، 36 - كتاب البدوح، (أقول) ب دوح
يقال إنه طلسم يفيد السرعة والإنجاز ولذلك يكتبونه على الرسائل وعلى
الحوامل عند عسر الولادة وقد يبدل بأرقام هذين بحساب الجمل
(8642)، 37 - الخالص، 38 - الحاوي، 39 - كتاب القمر - أي
كتاب الفضة -، 40 - كتاب الشمس - أي كتاب الذهب - قال إسماعيل
مظهر يرجح أنه مختصر عن كتاب الأحجار السبعة وقد ذكره الجلدقي في
نهاية المطلب منه نسخة في المكتبة الأهلية بباريس اه، 41 - التركيب - أو
التراكيب - منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس -، 42 - الفقه، 43 -
الأسطقس - قال إسماعيل مظهر يظهر أنه هو الجزء الثالث من كتاب
الأسطقس اه، 44 - الحيوان - وذكره الجلدقي بعنوان حياة الحيوان،
45 - البول، 46 - التدابير اخر، 47 - الأسرار - ولعله كتاب سر الأسرار
الذي منه نسخة بالمتحف البريطاني - أقول: يأتي في مؤلفاته سفر الأسرار
ولعله تصحيف سر الأسرار أو بالعكس، 48 - كيمان المعادن، 49 -
الكيفية، 50 - السماء أولى، 51 - وثانية، 52 - وثالثة، 53 - ورابعة،
54 - وخامسة، 55 - وسادسة، 56 - وسابعة، 57 - الأرض أولى،
58 - وثانية، 59 - وثالثة، 60 - ورابعة، 61 - وخامسة، 62 -
وسادسة، 63 - وسابعة، 64 - المجردات، 65 - البيض الثاني، 66 -
الحيوان الثاني، 67 - الأملاح الثاني، 68 - الباب الثاني، 69 - الأحجار
الثاني، 70 - الكامل، 71 - الطرح، 72 - فضلات الخمائر، 73 -
العنصر، 74 - التركيب الثاني - منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس -،
75 - الخواص منه نسخة مخطوطة بالمتحف البريطاني، 76 - التذكير - في
المتحف البريطاني مخطوطة بهذا العنوان ضمن مؤلفات جابر، 77 -
البستان، 78 - السيول، 79 - روحانية عطارد، 80 - الإستتمام - ذكر
الطغرائي بعض مقطوعات منه وذكره الجلدقي في نهاية المطلب، 81 -
الأنواع، 82 - البرهان، 83 - الجواهر الكبير، 84 - الأصباع، 85 -
الرائحة الكبير، 86 - الرائحة اللطيف، 87 - المني، 88 - الطين، 89 -
الملح، 90 - الحجر الحق الأعظم، 91 - الألبان، 92 - الطبيعة، 93 -
ما بعد الطبيعة، 94 - التلميح، 95 - الفاخر، 96 - الصارع، 97 -
الأفرند، 98 - الصادق، 99 - الروضة وذكره الجلدقي في الجزء الثامن من
نهاية المطلب، 100 - الزاهر 101 - التاج، 102 - الخيال، 103 -
تقدمة المعرفة، 104 - الزرانيخ، 105 - كتاب إلهي، 106 - كتاب إلى
خاطف، 107 - كتاب إلى جمهور الفرنجي، 108 - كتاب إلى علي بن
يقطين، 109 - مزارع الصناعة، 110 - كتاب إلى علي بن إسحاق
البرمكي، 111 - التصريف، 112 - الهدى، 113 - تليين الحجارة إلى
منصور بن أحمد البرمكي، 114 - أغراض الصنعة إلى جعفر بن يحيى
البرمكي، 115 - الباهت، 116 - عرض الأعراض - قال ابن النديم
وهذه الكتب مائة واثنا عشر كتابا (أقول) لا يخفى أنها 116 - فكأنه وقع
تكرير في بعضها قال: وله بعد ذلك سبعون كتابا منها: 117 -
اللاهوت، 118 - الباب، 119 - الثلاثون كلمة، 120 - المنى، 121 -
الهدى، 122 - الصفات، 123 - العشرة، 124 - النعوت، 125 -
العهد، 126 - السبعة، - وفي تاريخ الفكر العربي كتاب السبعين في
المتحف البريطاني فأما صحف أحدهما بالآخر أو هما اثنان، 127 - الحي،
128 - الحكومة، 129 - البلاغة، 130 - المشاكلة، 131 - خمسة عشر -
منه نسخة في مكتبة جامعة ترينتي باكسفورد، 132 - الكفؤ، 133 -
الإحاطة، 134 - الرواق، 135 - القبة، 136 - الضبط، 137 -
الأشجار، 138 - المواهب، 139 - المخنقة، 140 - الإكليل، 141 -

37
الخلاص، 142 - الوجيه - وفي تاريخ الفكر العربي الوجيه منه نسخة في
المتحف البريطاني وترجم إلى اللاتينية وطبعت الترجمة عدة مرات، 143 -
الرغبة، 144 - الخلقة، 145 - الهيأة، 146 - الروضة - وهذا قد تقدم
وكأنه غيره، 147 - الناصع - 148 - النقد، 149 - الطاهر، 150 -
كتاب ليلة، 151 - المنافع - وفي مكتبة برلين مخطوطة بعنوان كتاب منافع
الأحجار - 152 - اللعبة، 153 - المصادر، 154 - الجمع قال: فهذه
أربعون كتابا من السبعين كتابا (أقول): لا يخفى أنها 38: قال: ثم
يتلو ذلك رسائل في الحجر، 155 - أولى، 156 - ثانية، 157 - ثالثة،
158 - رابعة، 159 - خامسة، 160 - سادسة - 161 - سابعة، 162 -
ثامنة، 163 - تاسعة، 164 - عاشرة، ولا أسماء لها. قال وله بعد ذلك
عشر رسائل في النبات، 165 - أولى، 174 - إلى العاشرة. قال: وله في
الأحجار 184 - عشر رسائل على هذا المثال، فذلك سبعون رسالة - أي
هذه الثلاثون مع الأربعين المتقدمة - قال ويتلو ذلك عشرة كتب مضافة إلى
السبعين وهي 185 - التصحيح، 186 - المعنى، 187 - الإيضاح - نقل
بالزنكوغراف في الهند سنة 1891 - 188 - الهمة، 189 - الميزان، 190 -
الاتفاق، 191 - الشرط، 192 - الفضلة، 193 - التمام 194 -
الأعراض، قال وله بعد ذلك عشرة مقالات تتلو هذه الكتب وهي: 195 -
كتاب مصححات فيثاغورس، 196 - مصححات سقراط - منه نسخة في
مكتبة بودلي - 197 - مصححات أفلاطون - منه نسخة بالقسطنطينية بمكتبة
راغب باشا - 198 - مصححات أرسطاليس 199 - مصححات
أرسجانس، 200 - مصححات اركاغانيس، 201 - مصححات
أمورس، 202 - مصححات ديمقراطيس، 203 - مصححات حربي،
204 - مصححات نحن، قال ثم يتلو هذه عشرون كتابا بأسمائها وهي:
205 - الزمردة، 206 - الأنموذج، 207 - المهجة، 208 - سفر
الأسرار، 209 - البعيد، 210 - الفاضل، 211 - العقيقة 212 -
البلورة - 213 - الساطع، 214 - الإشراق، 215 - المخايل، 216 - المسائل،
217 - التفاضل، 218 - التشابه، 219 - التفسير، 220 - التمييز 221 - الكمال والتمام، قال ويتلوها أيضا ثلاثة كتب تتصل بها: 222 -
الضمير، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، وذكره الجلدقي في الجزء
الثاني من نهاية المطلب باسم كتاب الضمير في خواص الأكسير، 223 -
الطهارة، 224 - الأعراض، قال وبعد ذلك سبعة عشر كتابا، 225 -
أولها المبدأ بالرياضة، 226 - المدخل إلى الصناعة، 227 - التوقف،
228 - الثقة بصحة العلم، 229 - التوسط في الصناعة 230 - المحنة،
231 - الحقيقة، 232 - الاتفاق والاختلاف، 233 - السنن والحيرة،
234 - الموازين - طبعة برتيلو عن نسخة بليدن - 235 - السر الغامض
236 - المبلغ الأقصى، 237 - المخالفة، 238 - الشرح، 239 -
الاغراء في النهاية، 240 - الاستقصاء قال ثم يتلو ذلك ثلاثة كتب وهي:
241 - كتاب الطهارة آخر، 242 - التفسير، 243 - الأعراض قال
محمد بن إسحاق قال جابر في كتابه فهرسته ألفت بعد هذه الكتب ثلاثين
رسالة لا أسماء لها ثم ألفت بعد ذلك أربعة مقالات وهي: 274 - كتاب
الطبيعة الفاعلة الأولى المتحركة وهي النار، 275 - كتاب الطبيعة الثانية الفاعلة
الجامدة وهي الماء، 276 - كتاب الطبيعة الثالثة المنفعلة اليابسة وهي
الأرض 277 - كتاب الطبيعة الرابعة المنفعلة الرطبة وهي الهواء، قال جابر
ولهذه الكتب كتابان فيهما شرح ذلك وهما 278 - الطهارة، 279 -
الأعراض ثم ألفت بعد ذلك أربعة كتب وهي: 280 - الزهرة، 281 -
السلوة، 282 - الكامل 283 - الحياة وألفت بعد ذلك عشرة كتب على
رأي بليناس صاحب الطلسمات وهي: 284 - كتاب زحل، 285 -
المريخ، 286 - الشمس الأكبر، 287 - الشمس الأصغر، 288 -
الزهرة، 289 - عطارد، 290 - القمر الأكبر، 291 - الأعراض،
292 - كتاب يعرف بخاصية نفسه، 293 - المثنى وله أربعة كتب في
المطالب، 294 - الحاصل، 295 - ميدان العقل، 296 - العين، 297 -
النظم - قال أبو موسى ألفت ثلاثمائة كتاب في الفلسفة وألف وثلاثمائة كتاب
في الحيل على مثال كتاب تقاطر وألف وثلاثمائة رسالة في صنائع مجموعة
وآلات الحرب ثم ألفت في الطب كتابا عظيما وألفت كتبا صغارا وكبارا
وألفت في الطب نحو خمسمائة كتاب مثل 298 - كتاب المجسة، 299 -
والتشريح ثم ألفت كتب المنطق على رأي ارسطاليس 300 - ثم ألفت كتاب
الزيج اللطيف نحو ثلاثمائة ورقة، 301 - شرح أقليدس، 302 - شرح
المجسطي - ترجم إلى اللاتينية منه مخطوطة بجامعة كوريس كرستي
باكسفورد وأخرى بمكتبة بودلي وثالثة بمكتبة جامعة كمبردج، 303 -
المزايا، 304 - الجاروف الذي نقضه المتكلمون وقد قيل أنه لأبي سعيد
المصري ثم ألفت كتبا في الزهد والمواعظ وألفت كتبا في العزائم كثيرة حسنة
وألفت كتبا في النيرنجات وألفت في الأشياء التي يعمل بخواصها كتبا كثيرة
ثم ألفت بعد ذلك خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة، 305 - ثم ألفت
كتابا في الصنعة يعرف بكتاب الملك - وطبع برتيلو كتاب الملك عن نسخة
بليدن وتوجد نسخة أخرى مختلفة عما طبع برتيلو في المكتبة الأهلية بباريس
وهما مختلفتان عن نسخة نقلت بالزنكوغراف في الهند سنة 1891، ومن هنا
يمكن أن يكون الكتاب المذكور مؤلفا من عدة كتب باسم واحد، 306 -
وكتابا يعرف بالرياض - منه نسخة بمكتبة بودلي وأخرى بالمتحف البريطاني -
اه ما ذكره ابن النديم في فهرسته. وأنت ترى ان ما ذكره إجمالا من
الكتب ولم يذكر أسماءه يبلغ 3900 كتاب. وزاد إسماعيل مظهر على ما
ذكره صاحب الفهرست، 307 - تفسير الأسطقس - وهذا ما يضاف إلى
الكتب الثلاثة المتقدمة - 308 - الأركان الأربعة - ذكره جابر في كتابه نار
الحجر ونسب إليه كتاب الأركان، قال إسماعيل مظهر: ويرجح أنه بعينه
كتاب الركن المتقدم، وقد أخذت مقطوعات منه في القسم السابع من
كتاب رتبة الحاكم لأبي القاسم سلمة بن أحمد المجريطي. 309 - كتاب
أرض الأحجار - قال إسماعيل مظهر طبعه برتيلو مأخوذا من مجموعة
ليدن، ومنه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، كتب أخرى ذكرها إسماعيل
مظهر عن الفهرست والظاهر أن مراده فهرست كتب جابر لا فهرست ابن
النديم لعدم وجودها فيه، 310 - صندوق الحكمة 311 - إخراج ما في
القوة إلى الفعل، 312 - الحدود - منه نسخة بمكتبة القاهرة - 313 - كشف
الأسرار وهتك الأستار - منه نسخة بالمتحف البريطاني، وأخرى بمكتبة
القاهرة، وطبع في لوندرة مع ترجمة إنكليزية سنة 1892، 314 - رسالة
في الكيمياء - منها نسخة بمكتبة القاهرة، 315 - كتاب في علم الصنعة
الإلهية والحكمة الفلسفية - منه نسخة بمكتبة القاهرة، 316 - خواص إكسير
الذهب - منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، وترجم إلى الإنكليزية،
317 - المقابلة والمماثلة - بمكتبة برلين، 318 - الرحمة - طبعه برتيلو عن
نسخة بمكتبة ليدن، وقيل إن المطبوع من تاليف أبي عبد الله محمد بن
يحيى، ذكر فيه كثيرا من المقطوعات عن جابر، لأن مؤلفه ذكر نفسه في

38
عدة مواضع من الكتاب، 319 - الرحمة الصغير، طبعه برتيلو ومنه نسخة
بالمكتبة الأهلية بباريس، ونقل بالزنكوغراف في الهند سنة 1891، 320 -
التجميع - طبعه برتيلو عن نسخة في مكتبة ليون، 321 - التجريد - نقل
بالزنكوغراف في الهند سنة 1891، وذكر جابر أنه ألفه بعد 112 مؤلفا
له، وأنه يؤلف حلقة من سلسلة كتبه في الميزان، 322 - السهل - منه
نسخة بالمتحف البريطاني، 323 - الصافي - منه نسخة بالمتحف البريطاني،
324 - الإحراق، 325 - التلخيص، 326 - الابدال، 327 - زهر
الرياض هذه الأربعة الأخيرة ذكرها الجلدقي، 328 - الأصول - في
المتحف البريطاني وترجم إلى اللاتينية، 329 - مهج النفوس، 330 -
شرح كتاب الرحمة - ذكرهما الجلدقي في الجزء الثاني من نهاية المطلب 331 -
كتاب العفو ذكره الطغرائي - منه نسخة بالمتحف البريطاني، 332 - كتاب
الراحة، ذكره الطغرائي، 333 - السر المكتوم - ذكره الطغرائي، 334 -
العوالم - منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، 335 - الذهب، 336 -
الفضة 337 - النحاس، 338 - الحديد، 339 - الأسرب، 340 -
القصدير أو القالي - ومن هذه الكتب نسخ بالمكتبة الأهلية بباريس، 341 -
الخارصيني أو الخار الصيني من المعادن يرجح أنه مركب من الزنك
والحديد، منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، 342 - الايجاز، 343 -
الحروف، 344 - الكبير - ومن هذه الكتب الثلاثة نسخ بالمكتبة الأهلية
بباريس، 345 - نار الحجر - منه نسخة بالمكتبة الأهلية بباريس، وطبعه
برتيلو عن نسخة بمكتبة ليون، 346 - الأربعة، 347 - التصعيد، 348 -
الأطيان - 349 - التنقية! وهذه الأربعة ذكرها الجلدقي في نهاية المطلب،
350 - التنزيل، 351 - المنتهى - ذكرهما جابر نفسه في كتاب الخواص،
352 - الخمسون - ذكره جابر في كتاب الزئبق الغربي، 353 - الأدلة ذكره
جابر في كتاب الموازين، 354 - صفة الكون ذكره جابر في كتاب الرحمة
الصغير، 355 - تدبير الحكماء ذكره جابر في كتاب الموازين، 356 -
السموم من أشهر مؤلفات جابر بن حيان لأن السموم في الكيمياء وفي المادة
الطبية من أشد الأشياء علاقة بعلم الطب قال وعثرت في المقتطف على شئ
عن كتاب السموم قال ولجابر بن حيان كتاب اسمه السمو منه نسخة
بالمكتبة التيمورية بمصر يقال فيها ان مؤلف الكتاب هو أبو موسى
جابر بن حيان الصوفي تلميذ جعفر الصادق وإن هذه النسخة نسخت
بشيراز سنة 503 خراجية وهذه النسخة مبدوءة بالبسملة لكنها خلو من
الحمدلة والصلاة والتسليم والكتاب مقسوم إلى ستة فصول (الأول) في
أوضاع القوى الأربع وحالها مع الأدوية المسهلة والسموم القاتلة وحال تغير
الطباع والكيموسات المركبة منها أبدان الحيوانات. (الثاني) في أسماء
السموم ومعرفة الجيد منها والردئ وكمية ما يسقى من كل واحد منها
وكيف يسقى وأوجه إيصالها إلى الأبدان. (والثالث) في ذكر السموم
العامة الفعل في سائر الأبدان والتي تخص بعض أبدان الحيوان دون بعض
والتي تخص بعض الأعضاء دون بعض. (والرابع) في علامات السموم
المسقاة والحوادث العارضة عنها في الأبدان والإنذار فيها بالإخلاص
والمبادرة إلى علاجه والحكم بالإياس مما لا حيلة فيه (والخامس)
السموم المركبة وذكر الحوادث عنها. (والسادس) في
الاحتراس من أحد السموم قبل أخذها فإذا أخذت لم تكد تضر
وذكر الأدوية النافعة في السموم إذا شربت من بعد الاحتراس منها.
وقد قسم السموم إلى ثلاثة أنواع حيوانية ونباتية وحجرية فمثال الأولى مرارة
الأفاعي ومرارة النمر ولسان السلحفاة وذنب الأيل والأرنب البحري
والضفدع والذراريح - الدرانيح ظ - والعقارب والكلب الكلب ومثال الثانية
البيش وقرون السنبل والأفيون والبنج الأسود والشوكران والشليم والجوز
ماثل والكسيرة وبزر قطونا والفطر والكمأة وصمغ السذاب والبلاذر والدفلى
والخربق واللفاح والببروج وعنب الثعلب والحتليت. ومثال الثالثة - الزنجار
والزئبق والزرنيخ والنورة والزاج والشب والطلق وبرادة الحديد وبرادة
الذهب. وقد أكثر المؤلف من ذكر فلاسفة اليونان وأطبائهم كقوله قد
أطلق بقراط وجالينوس وأندروماخس وسائر أصحاب المهنة الطبية أنه لا
شئ في أجسام الحيوان من الأخلاط أكرم من الدم وأنه قاعدة البدن اه،
357 - أسرار البرانيات 358 - روح الأرواح، 359 - كتاب الخمسمائة،
360 - كتاب رسائل جعفر الصادق عليه السلام خمسمائة رسالة في ألف
صفحة طبعت في أوروبا مرتين ذكرها في كشف الظنون.
جابر بن خالد الأشهلي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جابر بن خالد بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارث - حارثة - ابن دينار بن
النجار الأنصاري شهد بدرا قال ابن عقبة لا عقب له وشهد
أحدا في قولهم جميعا اه. وفي أسد الغابة قال أبو نعيم وأبو موسى الأشهلي
ولا يقال هذا مطلقا في الأنصار إلا لبني عبد الأشهل رهط سعد بن معاذ
ومثل هذا يقال فيه من بني دينار ثم من بني عبد الأشهل ليزول اللبس اه
وفي الطبقات الكبير كان له من الولد عبد الرحمن بن جابر وشهد جابر بن
خالد بدرا وأحدا وتوفي وليس له عقب اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جابر بن سليم الهجيمي من بني تميم وقيل سليم بن جابر والصحيح الأول
يكنى أبا جري نزل البصرة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الترجمة وعن
تقريب ابن حجر أبو جري بالتصغير الهجيمي بالتصغير أيضا اسمه جابر بن
سليم وقيل سليم بن جابر صحابي معروف اه وفي الاستيعاب. جابر بن
سليم ويقال سليم بن جابر والأكثر جابر بن سليم أبو جري الهجيمي
التميمي من بلهجيم بن عمرو بن تميم وقال البخاري أصح شئ عندنا في
اسم أبي جري الهجيمي جابر بن سليم ثم روى بالإسناد عنه: قلت يا
رسول الله! علمني مما علمك الله، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو
أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط ولو أن تفرع من دلوك في إناء
المستسقي، وإذا عيرك رجل بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه فيكون
وبال ذلك عليه، وإياك وإسبال الإزار فإنه مخيلة والله لا يحب المخيلة، ولا
تسبن أحدا. قال فما سببت بعيرا ولا شاة ولا إنسانا اه.
جابر بن سمرة السوائي
توفي بالكوفة في ولاية بشر بن مروان عليها سنة 74 وقيل سنة 73
وقيل سنة 76 وصلى عليه عمرو بن حريث، وقيل توفي سنة 66 أيام
المختار.
عن تقريب ابن حجر (السوائي) بضم المهملة والمد.
في الإستيعاب: جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير بن

39
رئاب (1) بن حبيب بن سواءة، وقيل جابر بن سمرة بن جنادة (2) بن
جندب بن حجير بن رئاب السوائي. ومنهم من يسقط حبيبا من نسبه
فيقول جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير بن رئاب بن سواءة
السوائي من بني سواءة بن عامر بن صعصعة حليف بني زهرة يكنى أبا
عبد الله وقيل أبا خالد، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص أمه خالدة بنت
أبي وقاص نزل جابر الكوفة وابتنى بها دارا في بني سواءة، وتوفي في أمرة
بشر بن مروان عليها، وقيل توفي سنة 66 أيام المختار. روى عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم (المستشار مؤتمن) اه. وفي تهذيب
التهذيب: له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبيه وخاله سعد بن
أبي وقاص وعمر وعلي وأبي أيوب ونافع بن عتبة بن أبي وقاص، وعنه:
سماك بن حرب وتميم بن طرفة وجعفر بن أبي ثور وأبو عون الثقفي وعبد
الملك بن عمير وحصين بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعي وجماعة اه.
وجابر بن سمرة هو راوي حديث (لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا حتى يقوم
إثنا عشر خليفة كلهم من قريش) روى الحاكم في المستدرك - وهو كتاب
استدركه الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري على صحيحي مسلم
والبخاري مما هو على شرطهما، وقد خرجا عن راويه في كتابيهما أو على
شرط واحد منهما أو أداة اجتهاده إلى تصحيحه - وأقره الذهبي في تلخيص
المستدرك، روى بإسناده عن جابر بن سمرة، قال كنت عند رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول لا يزال أمر هذه الأمة ظاهرا حتى يقوم إثنا عشر خليفة
وقال كلمة خفيت علي وكان أبي أدنى إليه مجلسا مني فقلت ما قال فقال
كلهم من قريش اه. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جابر بن شمير الأسدي كوفي أبو العلاء
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال أسند
عنه اه. وشمير بالشين المعجمة كزبير تصغير شمر ككتف. وفي لسان
الميزان: جابر بن سميرة بالتصغير الأسدي الكوفي ذكره الطوسي في رجال
الشيعة، والكشي في الرواة عن جعفر الصادق وقال علي بن الحكم كان
صدوقا متشددا في الرواية جمع حديثه في كتاب فكان لا يحدث إلا منه اه.
هكذا في النسخة المطبوعة سميرة بالسين المهملة والهاء، والظاهر أنه تحريف
من النساخ، كما أنه لا ذكر له في رجال الكشي، وعلي بن الحكم هو من
علماء الشيعة الرجاليين له كتاب في الرجال كما ذكروه في ترجمته، ويظهر ان
هذا الكتاب كان عند صاحب لسان الميزان ونقل عنه مدح وتوثيق جماعة
أهمل الشيخ مدحهم وتوثيقهم وذكرناهم في مطاوي هذا الكتاب، وهو
يؤيد ما يقال: إن جميع من ذكرهم الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق
عليه السلام هم من الأربعة الآلاف الذين وثقهم ابن عقدة من الرواة عن
الصادق عليه السلام والله أعلم.
جابر بن طارق الأحمسي أبو حكيم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال وقال البخاري
جابر بن عوف اه. وفي الاستيعاب جابر الأحمسي ويقال
جابر بن عوف ويقال جابر بن طارق ويقال جابر بن أبي طارق وهو كوفي
روى عنه ابنه حكيم بن جابر اه وفي أسد الغابة جابر بن طارق بن عوف
وقيل جابر بن عوف بن طارق الأحمسي أبو حكيم وهو من بني أحمس بن
الغوث بن أنمار بطن من بجيلة نزل الكوفة وله صحبة وفي الإصابة جابر بن
طارق بن أبي طارق عوف الأحمسي بمهملتين البجلي وقد ينسب إلى جده
فيقال جابر بن عوف ويقال جابر بن أبي طارق قال البخاري له صحبة وفرق
ابن حبان بين جابر بن طارق وجابر بن عوف وكذا استدرك ابن فتحون
جابر بن طارق على أبي عمر وكل ذلك وهم وهو رجل واحد اه.
الشيخ جابر بن عباس النجفي
في أمل الأمل: كان من الفضلاء الصلحاء نروي عن مولانا محمد
باقر بن محمد تقي المجلسي عن أبيه عنه اه. وفي روضات الجنات: هو
مذكور في أسانيد محمد تقي المجلسي عن أبيه عنه اه. وفي روضات الجنات:
هو مذكور في أسانيد أيضا الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي صاحب
مجمع البحرين بواسطة ولده الشيخ محمد بن جابر. ويروي المترجم عن
الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، وعن صاحب المدارك والشيخ عبد النبي
الجزائري ونظرائهم اه.
الشيخ جابر الكاظمي الشاعر المشهور مخمس الأزرية.
هو أبو طاهر الشيخ جابر بن الشيخ عبد الحسين بن عبد الحميد
المعروف بحميد بن الجواد - وهو أبو قبيلة كبيرة تعرف بالجوادات في بلد بين
بغداد وسامراء - ابن أحمد بن عباس - الذي كان أبا تسعة أولاد يسكنون
بلد - ابن خضر بن عباس بن محمد بن المرتضى بن أحمد بن محمود بن
محمد بن الربيع الربعي ينتهي إلى ربيعة بن نزار المعروف بالشيخ جابر
الكاظمي.
وأمه العلوية هاشمية كانت جليلة معظمة مقدسة عابدة زاهدة
متهجدة، يحكى أن صاحبي الفصول والجواهر كانا إذا جاءا لزيارة
الكاظمين عليهما السلام يزورانها في دارها لجلالتها.
ولادته ووفاته
ولد سنة 1222 وتوفي في سفر سنة 1313 بالكاظمية ودفن في
الصحن الشريف، كذا في الطليعة، وفي بعض المجاميع المخطوطة: توفي
في ربيع الأول سنة 1312.
أقوال العلماء فيه
في اليتيمة: كان نادرة عصره في الشعر والحفظ وحسن الخط مع ورع
وتقوى وتعفف، له تخميس الهائية الأزرية، ووسوس في آخر عمره
وفسدت مخيلته وصار يوسوس في الألفاظ التي لمصحفها أو مقلوبها معنى
قبيح، وحتى سكن ستة أشهر تحت السماء في أعلى السطح مكشوف
الرأس، ولم يتكلم بكلمة، وصورت له مخيلته ان الشيخ محمد حسن آل
ياسين هو صاحب الزمان متسترا إلى أن عالجه الأطباء فحسنت حاله في
آخر عمره، وكان ينظم الشعر بالفارسية. وله ديوان شعر اسمه (سلوة
الغريب واهبة الأديب) وقد ذكر شرح نسبه أبا واما وأدبه وبعض ظرايفه في
مقدمة هذا الديوان اه. وفي الطليعة: كان أحد شعراء الزمن وأدبائه
ونديم ملوكه وأمرائه سافر إلى طهران في زمن فتح علي شاه سلطانها فامتدحه
بقصيدة فأجازه، ثم عاد إلى محله، وعاود في زمن محمد شاه، ومدحه
بقصيدة أولها:



(1) في تهذيب التهذيب ضبط العسكري في التصحيف اسم جده زباب بزاي وبائين الأولى مشددة
وكذا قال ابن ماكولا.
(2) عن تقريب ابن حجر جنادة بضم الجيم بعدها نون.
- المؤلف -
40
أنخ المطي فهذه طهران * هي جنة ومحمد رضوان
فأجازه، وعاد أيضا. وله ديوان شعر بالعربية ومجموع بالفارسية،
وله مطارحات مع أدباء زمنه موجود بعضها في ديوان عبد الباقي وله تخميس
الأزرية طبع مرارا، ولحقه مرض الماليخوليا في آخر عمره.
قال المؤلف: رأيته في الكاظمية وهو شيخ كبير، وينقل عنه انه لما
أصابته الماليخوليا كان يقول: ان الشيخ محمد حسن بن ياسين الفقيه
الكاظمي المشهور هو صاحب الزمان، فقيل له: إذا قال لك الشيخ محمد
حسن انه ليس صاحب الزمان هل ترجع عن ذلك؟ قال نعم! فسأله فقال
(انا مو صاحب الزمان) فقال: ان (مو) بلغة أهل شوشتر بمعنى (انا)
فهو يقول: (أنا أنا صاحب الزمان)!!...
أشعاره
من شعره قوله:
رب ليال بوصال أتت * كأنها غر لآل غلت
كم بردت غلة وجدي وكم * مراجل الآمال فيها غلت
كم طردت عنا الأسى مثلما * في القلب كم من طرب أو غلت
قد حسب الدهر على عهدي * الماضي سواها قلت هذا غلت (1)
فاستحسنت قولي ليالي الرضا * وبالغت في المدح حتى غلت
ولا سادس لها، ومن شعره قوله مخمسا قصيدة عبد الباقي في مدح
النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
نبي الهدى يا أبا القاسم * وعلة آدم والعالم
ويا أي مبتدأ خاتم * تخيرك الله من آدم
وآدم لولاك لم يخلق
بنورك لو لم يكن يستضئ * لما كان للرشد يوما يفئ
لأنك في الغيب قبل المجئ * بجبهته كنت نورا تضئ
كما ضاء تاج على مفرق
علاك وجودا له سببا * كذاك سجودا له أوجبا
ومن قد أبى بالشقاء احتبى * لذلك إبليس لما أبى
سجودا له بعد طرد شقي
براك الإله سنا ملكه * تشعشع كالعقد في سلكه
فأنقذت آدم من هلكه * ومع نوح إذ كنت في فلكه
نجا وبمن فيه لم يغرق
أضاء سنا نورك المستطيل * لمن في نواحي السما من قبيل
وجلل آدم فيه الجليل * وخلل نورك صلب الخليل
فبات وبالنار لم يحرق
لقد كنت أزكى نبي امين * وآدم ما بين ماء وطين
تقلبت في الذكر في الراكعين * ومنك التقلب في الساجدين
به الذكر افصح بالمنطق
رقيت لاعلى مقام العلاء * فجاوزت في فضلك الأنبياء
اما والذي شاء سمك السماء * سواك مع الرسل في ايلياء
مع الروح والجسم لم يلتق
لقد عقمت بعدك الأمهات * فما وضعت شبهك الحاملات
فان علقت في المدى المحصنات * بمثلك أرحامها الطاهرات
من النطف الغر لم تعلق
حبيت من الفضل في فذه * فكل النبيين لم تحذه
وقد أوثق العهد من نبذه * فجئت من الله في أخذه
لك العهد منهم على موثق
فأنت زعيم لواء الثناء * وفي ظل اعزازك الأنبياء
لهم عن لواء سواك التواء * وفي الحشر للحمد ذاك اللواء
على غير رأسك لم يخفق
ولما عرجت لمولى الأنام * إلى قاب قوسين كان المرام
لذلك لم تعد ذاك المقام * وعن غرض القرب منك السهام
لدى قاب قوسين لم تمرق
عن الحق كم قد كشفت الغطاء * وعن كل عين رفعت الغشاء
اما والذي فيك مد الضياء * لقد رمقت بك عين العماء
وفي غير نورك لم ترمق
خلقت لأجفانها مطبقا * فعدت بانسانها محدقا
ومثل المرايا صفت رونقا * فكنت لمرآتها زئبقا
وصفو المرايا من الزئبق
اما والذي فيك أولى السعود * وانشا وجودك للناس جود
لقد اظهر الدهر فيك الودود * فلولاك لانطم هذا الوجود
من العدم المحض في مطبق
ولولا وجودك ما اخضر عود * ولا قام للدين يوما عمود
ولا رأت الغيب عين الشهود * ولا شم رائحة للوجود
وجود بعرنين مستنشق
ولا قد أعدت لتمهيده * يد الصنع آباء تعديده
ولا الأمهات لتوليده * ولولاك طفل مواليده
بحجر العناصر لم يبعق
وان السما والثرى في الأزل * بك الله صانهما من خلل
برتق وفتق وعقد وحل * ولولاك رتق السماوات وال‍
أراضي لك الله لم يفتق
ولولاك ما صورت خلقنا * يد الصنع وابتدعت صنعنا
ولا خفضت من ثرى تحتنا * ولولاك ما رفعت فوقنا
يد الله فسطاط إستبرق
ولا خلقت لج يم يموج * ولا فلكا جزوه بالعروج
ولا نظمت فيك درا اجوج * ولا نثرت كف ذات البروج
دنانير في لوحها الأزرق
ولم تتراء السما بحر ماء * لآليه يسطع منها الضياء



(1) كل (غلط) يكتب بالطاء إلا (غلت) الحساب فإنه يكتب بالتاء.
- المؤلف -
41
ولا كالسفينة صارت ذكاء * ولا طاف من فوق موج السماء
هلال تقوس كالزورق
ولا الروض ماس بأسنى حلل * ولا الزهر مد فما للقبل
ولا رضع الطل تاج القلل * ولولاك ما كللت وجنة ال‍
بسيطة أيدي الحيا المغدق
ولا أرضعت درها الغاديات * بنات النبات بمهد الفلاة
ولم تنض ثوب الثرى الغانيات * ولا كست السحب طفل النبات
من اللؤلؤ الرطب في بخنق
ولا خيمت ديمة في ربى * ولا برزت حورها من خبا
ولا رقصت بنت نبت صبا * ولا اختال نبت ربى في قبا
ولا راح يرفل في قرطق
فلولاك ما كان ست الجهات * ولا دار قطب رحى الكائنات
ولا اخضر دوح رجاء العفاة * ولولاك غصن نقا المكرمات
وحق أياديك لم يورق
علوت السما فعلا هامها * وزاد بمرآك اعظامها
فشعت بجسمك أجسامها * وسبع السماوات اجرامها
لغير عروجك لم تخرق
فآدم فيك نجا إذ عصى * وعيسى بمعجزة خصصا
وداود فيك رمى بالحصا * ولولاك مثعنجر بالعصا
لموسى بن عمران لم يفلق
وكم للسماوات حجبا خرقت * وكم قد فتقت وكم قد رتقت
وجبريل بالسير كم قد سبقت * وأسرى بك الله حتى طرقت
طرائق بالوهم لم تطرق
نزلت بصلب رسول رسول * وفقت بأصلك أزكى الأصول
فأهبطك الله لا عن خمول * ورقاك مولاك بعد النزول
على رفرف حف بالنمرق
خلقت وذا الدهر لم يخلق * ونطفة آدم لم تعلق
فجاوزت سبقا مدى الأسبق * فيا لاحقا قط لم يسبق
ويا سابقا قط لم يلحق
صعدت على بالعلى حائطا * غدا عنه هام السما ساقطا
ومذ كنت عن هابط شاحطا * تصوبت من صاعد هابطا
إلى صلب كل تقي نقي
ومذ كان يشكو نواك الوجود * ويأمل في الغيب منك الشهود
هبطت فشرفته بالورود * فكان هبوطك عين الصعود
فلا زلت منحدرا ترتقي
وقال يرثي الشيخ حبيب بن طالب الكاظمي نزيل جبل عامل
الشاعر:
إلى كم ترينا المنايا الكروبا * وتدلي علينا الرزايا الخطوبا
وكم تزدرينا ليوث الردى * ونلقى لها كل يوم وثوبا
فترعب أسد الشري أسده * وتملأ قلب البرايا وجيبا
وكم للحوادث من فجعة * تكاد القلوب لها ان تذوبا
وكم نهشة للنوى سمها * يدب بروحي وجسمي دبيبا
وكم للزمان مقالي قلى * يقلب حزنا عليها القلوبا
سقانا على الكرب صاب المصاب * وجرعنا الخطب كوبا فكوبا
وفي كل يوم له أسهم * تصيب اللباب وتصمي اللبيبا
ليال تقلب في حالها * فيوما رخيا ويوما عصيبا
إذا أركبتنا جواد السرور * من الهم قادت الينا جنيبا
واما رأت باسما لحظة * تعيد التبسم دهرا نحيبا
واما نشقنا نسيم المنى * تهب المنون علينا هبوبا
وأهون ارزاء هذا الزمان * يكاد الوليد لها ان يشيبا
بمن أتسلى عقيب النوى * وقد ابعد البين عني الحبيبا
حبيب لروحي كان الحبيب * فأمسيت منه ومنها سليبا
فيا فجعة المجد امسى وحيدا * ويا ضيعة الفضل أضحى غريبا
لقد كان بيني وبين الأسى * حجاب وقلبي طريا طروبا
فأمسى فؤادي قطب الهموم * أعاني الزمان العبوس القطوبا
وعن لمتي قد مسحت الخضاب * وصيرت بالدم قلبي خضيبا
وصيرت من بعده مقلتي * ذنوبا وقلبي المعنى قليبا
وجسمي توقد لكنما * حمته دموعي من أن يذوبا
فمن للقوافي إذا راعها * مروع وشاهدن امرا مريبا
ومن ذا يداوي سقام القريض * وكان له ان تشكي طبيبا
وهل بهجة لرياض الكمال * وقد فقدت ذلك العندليبا
إذا قال اخرس نطق اللبيب * وان خرس الخطب كان الخطيبا
لقد أجدب النظم من بعده * وكان به قبل غضا خصيبا
بلى سوف تخصبه أدمعي * فتروي القريض وتسقي الشعوبا
ايا يم فضل يفيض القريض * وما زال يقذف درا رطيبا
لئن غبت في اللحد عن ناظري * وأمسيت عني بعيدا قريبا
فما زلت نصب عيون العلا * وشخصك عن عينها لن يغيبا
وله مقرظا تخميس الشيخ موسى ابن الشيخ شريف آل محيي الدين
النجفي لمقصورة ابن دريد:
القت لموسى الشعراء العصا * كما لموسى القى الساحرون
بشعره للشعرا معجز * مثل العصا تلقف ما يأفكون
وكساه الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف
الغطاء عباءة فاخرة، فأنشأ ارتجالا:
ان خير الورى محمد من في * مثله بعده عقمن النساء
شملتني منه العبا فحبتني * بفخار يدوم تلك العباء
انا من أهلها وقد شملتني * نسبة حيث جدتي الزهراء
وقال يمدح الشيخ محمد ابن الشيخ علي المذكور ويهنئه بعيد الفطر:
عيد الورى يوم وعيدي سرمد * ببقاك فابق وخلد الأعصارا
عيدي لقاء منير مجل حل في * فلك على قطب الفضائل دارا
بدر إذا ما أشرقت أنواره * بالسعد صيرت الظلام نهارا
ما لي أرى الشعراء تكسب ذلة * دون الأنام وتحمل الأوزارا
مدحوا الأخساء اللئام فأرخصوا * الأسعار إذ قد أرخصوا الأشعارا
ولكم دعا مدحي نوال معظم * أصدرت عنه همتي استكبارا

42
أرجو الرغائب من كريم لم يزل * معروفه يستعبد الأحرارا
من قد غدت يمناه يمنا للورى * ويساره للمعتفين يسارا
هو عيلم العلم الذي آراؤه * تسري بكل دجنة أقمارا
نجل الخضارمة الذين حماتهم * للدين كم آوت حمى وجوارا
نمت العلوم جميعها في ارضهم * وجنى الهدى من روضهم أثمارا
خلفاء حق في العلى باراهم * أبناء صدق لا تكاد تبارى
منهم ترى المهدي أكرم من حوى * فضلا وأفضل من حمى وأجارا
فلئن أقام ببلدة فصفاته * اخذت فجاج الأرض والأقطارا
أو جعفرا فاض الثرى من فيضه * فضلا، وأجرى جوده أنهارا
مأوى المعالي الغر من لو فصلت * لعلاه أثوابا لكن قصارا
أو محسنا حسن السجايا حلمه * يربي على الطود الأشم وقارا
يا أيها النور الذي من ضوئه * أهل الحقيقة تقبس الأنوارا
عش سالما عالي البناء مؤيدا * للمجد مأوى للمكارم جارا
ما عسعس الليل البهيم وأشرقت * شمس النهار وبدر فضلك سارا
وله يرثي الشيخ محمد ابن الشيخ علي المذكور:
سقى الله في أكناف كوفان مربعا * ورواه سحب الدمع مثنى ومربعا
وجاد ثراها واكف العفو والرضا * إذا ضن وكاف السحاب وأقلعا
تضمن بحرا بالمكارم قد طما * وحاز خضما بالنوال تدفعا
نعى باسمه الناعي فأفجع نعيه * وقرح أجفان المكارم إذ نعى
دعاه إلى دار النعيم إلهه * فلباه لما ان دعاه وأسرعا
ولولا أبو الندب التقي لما سلا * فؤاد بماضي الرزء حزنا تقطعا
هو الحسن الافعال والعلم الذي * غدا علما في الفضل والعلم مشرعا
فتى فرعه من دوحة أسدية * نمت فنما منها الهدى وتفرعا
فصبرا أرى ما نالكم آل جعفر * وان كان للقلب التصبر أوجعا
فليس ترى عين الأنام سواكم * شموس معال في البرية طلعا
وله يرثي السيد حسن ابن السيد علي الخرسان النجفي المتوفي سنة
1265:
دمن قضيت بربعها أوطاري * وخلعت فيها للشباب عذاري
ومرابع كانت مراتع للصبا * ما بالها ممحوة الآثار
سرعان ما أقوت وأقفر ربعها * وغدت برغم المجد أوحش دار
لم يبق منها الدهر الا أرسما * كانت مرابع سؤدد وفخار
واثافيا شعثا إذا خاطبتها * خاطبت صما من وراء جدار
قف بي على تلك الطلول لعلني * فيها إبل من الغليل أواري
ولكم أطلت بها الوقوف فلم يكن * فيها وقوفي غير لوث ازار
دارت بساحتها الدوائر فاغتدت * بعد المسرة دارة الأكدار
كم للردى نوب تخللت الثرى * ومشت بكل مفاوز وقفار
شنت علينا كل يوم غارة * أودت بكل سميذع مغوار
قد أوجعت منا القلوب وأفجعت * مضرا بفحل حروبها الهدار
أودى بكسرى غدرها وبقيصر * وبيعرب من قبله ونزار
ورمت ملوك الأرض بالسهم الذي * أودى بنفس محمد المختار
ونحت بوادرها عليا وابنه * الحسن الزكي بسالف الأوتار
فالحادثات خوالد من بعده * والمكرمات قصيرة الاعمار
اتخذت ليالينا عليه لباسها * أبد الزمان مدارعا من قار
امعثر الابطال في آجالها * يوم الوغى ومقيل كل عثار
ومؤسر الاقران في أوجالها * رعبا ومطلق قيد كل أسار
لم لا دفعت الموت عنك بحزمك * الماضي ومرهف عزمك البتار
ورددت محتوم القضاء بمبرم * جار على حكم القضاء الجاري
قصرت يداك عن النصير على الردى * وعن العلى أيديك غير قصار
لا تجزعن فرب ليث كريهة * أردته غدرة كاشح غدار
قسما بمجدك ما قضيت وان غدا * نوري شخصك في الثرى متواري
لكن قضى حسدا أعاديك الالى * ملئت قلوبهم من الأوغار
ما مات من ليمينه وجبينه * جدة من الأنواء والأنوار
ما مات من بين الأنام لفضله * نعم على الست الجهات جواري
ما مات من لهج الأنام بذكره * حتى غدا من اشرف الأذكار
فلئن أفلت وكان نورك مشرقا * ورحلت من دار لأشرف دار
فمن البدور طوالع واوافل * ومن النجوم ثوابت وسواري
ولكم غرست رياض فضل أثمرت * فجنى بها العلماء اي ثمار
فارقت حيدر وهو أكرم والد * فدعاك بعد تشوق لجوار
واتيته فحباك أشرف منزل * بجواره وقراك دار قرار
عجبا لقبرك لم تضق فيه الثرى * وبه سماء على وعرش فخار
بل فيه شمس ضحى وبدر دجى ونجم * هدى وبحر ندى وطود وقار
والجود قد عدم اليسار وأصبحت * يمنى النوال قرارة الاعسار
لن أقلع الغيث الهتون فبعده * سحب الجفون كثيرة الأمطار
أو أعسرت كف الندى فلجوده * في الأرض ما دام البقاء مجاري
يا ابن الخضارمة الذين فروعهم * تنمى لأشرف محتد ونجار
نوب لرزئك صيرت أكبادنا * مرمى الخطوب وملتقى الاخطار
لو لم تكن تطفى بإبراهيم ذو * الشرف القديم سلالة الأطهار
لورى بأرجاء البسيطة وقدها * ورمت إلى أقصى الفضا بشرار
ولنا التسلي والسلو على الأسى * بسليلك العباس حامي الجار
مغوار مضمار السباق إلى العلى * قدما وفارس ذلك المضمار
كشفت غواني العلم عنه غطاءها * وتجردت عن برقع وخمار
وبجعفر الفضل الذي من فيضه * عادت فجاج الأرض لج بحار
ذو غرة يهدي الهدى بضيائها * وبذلك الضوء الهدى للساري
وبخير سبط جامع شمل العلى * والعلم موسى صفوة الأبرار
هو بدر أفق الفضل الا انه * ما لاح الا لاح وجه نهار
آوى إلى دار البقاء مودعا * دار الفناء ونعم عقبى الدار
فعلى ثراه تحية أبد البقا * تترى ورحمة ربه الغفار
وكان معاصرا لعبد الباقي العمري الموصلي البغدادي أحد مشاهير
شعراء العراق في عصره - وبينهما مساجلات ومراسلات كثيرة ولما خمس عبد
الباقي همزية البوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المترجم مقرضا ذلك
التخميس:
أبدور بروجها الآراء * أم شموس بنورها يستضاء
أم لعبد الباقي عقود لآل * في البرايا لضوئها لالاء
درر إذا سما سناها الدراري * حسدتها على علاها السماء
بل هي السائغ الفرات الذي منه * أصابت حياتها الأشياء
فلروح الكمال منه غذاء * ولجسم الافضال فيه نماء

43
تتمنى من ذلك العذب لو يجدي * التمني مزاجها الصهباء
فلا فكارنا به قبسات * ولا رائنا به ابراء
يا اماما بالشعر نال مقاما * قصرت على بلوغه البلغاء
ان ما قد سمطت سمط لآل * زينت فيه كاعب عطلاء
كم ترجته زينة كل بكر * وتمنته حليها عذراء
انما ذاك الأصل جسم وذا التسميط * روح ووصفها إعياء
كم معان هتكت عن وجهها الحجب * كما يهتك الظلام الضياء
ثم قد صنتها عن الناس طرا * مثل ما صان ذات خدر حياء
وعن الفضل كم كشفت غطاء * فتبدى وما عليه غطاء
قد مدحت النبي والآل والصحب * لك الله والنعيم جزاء
وعلى بعض ذلك المدح كل المدح * نزر من الملا والثناء
قل وما أنت بالغ مدح ندب * بالغ في نظامه ما يشاء
وقال مقرظا كتاب عبد الباقي المسمى * بالباقيات الصالحات في مدائح النبي
وآله الأئمة الهداة عليهم أفضل الصلوات والتسليمات:
هل الروضة الغناء يانعة الزهر * أم الفلك الحالي بأنجمه الزهر
ولجة بحر راق باهر درها * وفاق الدراري فهو أنقى من الدر
أم الورد زاه فتحته يد الصبا * أم الأقحوان الغض مبتسم الثغر
وأغصان فضل أثمرت درر الثنا * فأبهرت الابصار بالنور والنور
أم الخرد البيض الحسان تمايلت * دلالا وقد مالت بها نشوة الخمر
أم السرب سرب الريم في لفتاتها * تفوق العذارى بارزات من الخدر
أم الحور قد أسفرن عن غر أوجه * والقين من فضل البراقع والخمر
تطوف من الخمر الحلال بأكؤس * ومن خمر ريق طاب من رشفه سكري
ووشي كلام أم من الزهر حلة * وحلي نظام أم عقود من الدر
لافصح أهل النظم من جاء أو مضى * واشعر خلق الله في صنعه الشعر
ترصع في مدح النبي وحيدر * وزوجته الزهراء فاطمة الطهر
وأبنائها الغر الالى جاء مدحهم * بنص من الرحمن في محكم الذكر
مدائح فاقت لا تليق لغيرهم * وما الدر الا للمعاصم والنحر
كواكب في الآفاق تسري وكم سرت * لأفلاكها شمس وكم سار من بدر
أيا من كسبت الحمد في مدح سادة * وحزت جميع الفخر والفضل والاجر
مدحت الكرام الأنجبين مدائحا * يقول لك الآزري اشدد بها أزري
لأنك يا بدء القريض وختمه * علا بك شعري مثلما قد غلا شعري
وكم لك فيهم من مراث شجونها * جلبن الأسى من حيث ندري ولا ندري
ومن عجب وهي الزلال عذوبة * تقلب أفلاذ القلوب على الجمر
ويمطر من أطرافها الحزن والأسى * ويقطر من أكنافها صيب الضر
تظلل وجه الأرض حزنا غيومها * فتنهل من صوب المصائب بالقطر
وبالباقيات الصالحات وسمتها * على أنها كالروح خالدة العمر
روت حكم السبع المثاني وأفصحت * فصاحتها عما حوى الذكر من سر
هي الفلك مشحون بكل دقيقة * بها جمل الأمثال بين الملا تسري
سفين جرت في كل بحر وانما * جرت دون مجرى السفن في البحر والبر
صحائف في أيدي الزمان نشرتها * وكم لي بعد الطي للفضل من نشر
لقد شربت ماء الحياة وأشربت * كروح المعاني روحها مشرب الخضر
قد انحصرت في كل حرف للفظها * دقائق شتى بعضها جل عن حصر
ومن عجب قد أبطل السحر آيها * ويجري بها السحر الحلال مع الحبر
فيا لكتاب حاز كل غريبة * أحاطت بجل الفضل من عالم الذر
ويا لسواد في بياض كمقلة * لذي غنج ملاى الجفون من السحر
لقد صنت خدر النظم في عضب فكرة * وأسكنت كلا من غوانيه في قصر
وزينت أبكار المعاني فأصبحت * مكللة من حسن لفظك بالدر
وقد صغت منها للزمان قلائدا * وقرطا يروق العين في اذن الدهر
أغرت عليها بالقوافي فأصبحت * وفي أسرها كالمجد عندك في الأسر
فراحت على الأبكار تفخر دائما * وتسحب أذيال التبختر والكبر
جبرت بها قلب القوافي وكم وكم * جبرت لقلب النظم والنثر من كسر
وكم حكمة للناس بان غموضها * بفكرك من بعد التحجب والستر
إذا طار نسر الفكر منك لغاية * فأقرب شئ عنده هامة النسر
على كل لفظ راق كم لك غارة * وفي كل معنى فاق كم لك من غور
أيا من هو البحر المحيط بما حوى * الورى ومميط الستر عن حكم غر
ومن قد حوى من كل مجد لبابه * ونال مزايا الفضل بالنائل الغمر
وحاز المعالي الغر والفضل والعلى * وفاق على من فاق في سالف العصر
بنظم لجيد النظم در قلائد * ونثر لهام المجد تاج وللفخر
فإن قيل دري فمن فلك العلى * وان قيل در فهو من لجة البحر
بقيت بقاء الدهر مهما تسلسلت * له دورة عاد التسلسل للدور
ودمت لاشتات الفضائل جامعا * وغر السجايا طوع نهيك والامر
وقد خمس عدة قصائد لعبد الباقي، منها قصيدته التي أولها:
علينا أهلة هذي الشهور * غدت تحصد العمر في منجل
وقصيدته التي أولها:
وعفراء سكرى المقلتين كأنما * سقتها الندامى من سلافة أشعاري
وقصيدته التي قالها لما بشره المترجم بقدوم مرتضى قلي خان بن نظام
الدولة التي أولها:
في مرتضى قلي خان بشر جابر * ولكم اتاني بالحبيب بشيرا
وهذه التخاميس موجودة في ديوان عبد الباقي المطبوع فأثرنا
الاختصار بتركها. وقال عبد الباقي يمدح المترجم والسيد راضي القزويني
بهذه القصيدة:
لجابر ولراض * قريحة هي نار
منها بجزل المباني * كم للمعاني استعار
توري لنا قبات * يطير عنها شرار
فالمرخ فكرة هذا * وذهن هذا عفار
والهام فلك دخان * به تشق البحار
لا سيما ان علاه * من افتكار نجار
به اصطكاك المعاني * شعاعه مستعار
يصيح في حجزتيه * بالمدلجين نهار
فتستضئ إذا ما * منه تعالى المنار
وينجلي بسناه * من الدياجي اعتكار
إلى سماء المعالي * من ذا وذا الابتكار
يمد كفا خضيبا * له الهلال سوار
بلطمه الأفق يلفى * بوجنتيه احمرار
ومنهما كل بدر * له إليها ابتدار
يسير للمجد لكن * لا يعتريه سرار

44
ونظم بمشاركة عبد الباقي قصيدة من شطر عربي وشطر فارسي
فالعربي لعبد الباقي والفارسي له أولها:
أحمد المولى على الفضل العميم * حمدي حد مر خداوند كريم
لم نر فائدة في نقلها. وهنأ عبد الباقي محمد أفندي الزهاوي بالافتاء
ببيتين، فترجمهما الشيخ جابر إلى الفارسية، وببيتين فترجمهما كذلك وببيتين
فترجمهما أيضا، وكلها موجودة في ديوان عبد الباقي المطبوع. وشطر عبد
الباقي وخمس الغزل الذي هو مطلع ديوان حافظ الشيرازي وأوله:
ألا أيها الساقي * أدر كأسا وناولها
فشاركه المترجم في ذلك بنظم فارسي، ولم نر فائدة في نقل ذلك.
الشيخ جابر بن عبد الله
في روضات الجنات: الشيخ الفاضل الاجل الأكمل جابر بن
عبد الله يروي عن الشيخ علي بن عبد العالي المحقق الكركي اه.
جابر بن عبد الله بن رياب السلمي سكن المدينة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وقال روى عن أنس حديثين كنيته أبو ياسر اه وفي الاستيعاب جابر بن
عبد الله بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة
الأنصاري السلمي شهد بدرا واحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله
صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو أول من أسلم من الأنصار قبل العقبة
الأولى بعام له حديث في قول الله عز وجل يمحو الله ما يشاء ويثبت لا أعلم
له غيره اه وفي أسد الغابة اسند إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم
غير حديث روى عنه ابن عباس اه وفي الإصابة أحد الستة الذين شهدوا
العقبة الأولى وقال إن له عدة أحاديث منها في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء
ويثبت قال يمحو من الرزق اه وفي الطبقات الكبير لابن سعد: أمه أم
جابر بنت زهير بن ثعلبة بن عبيد من بني سلمة ويجعل جابر في الستة النفر
الذين أسلموا من الأنصار أول من أسلم منهم بمكة وشهد جابر بدرا واحدا
والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد توفي
وليس له عقب، ثم روى بالاسناد عن جابر بن عبد الله بن رئاب
الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى يمحو الله ما
يشاء ويثبت قال يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الاجل ويزيد فيه
وبالاسناد عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذه الآية لهم
البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال هي الرؤيا الصالحة يراها العبد أو
ترى اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جابر العبدي
روى الكليني في الكافي في باب سيرة الامام في نفسه في المطعم
والمشرب عن ابن محبوب عن حماد عن جابر العبدي عن أمير المؤمنين عليه
السلام وذكر ابن سعد في الطبقات الكبير فيمن كان بالبحرين من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جابر بن عبد الله العبدي. وذكر أيضا
فيمن نزل البصرة من الصحابة ومن كان بها بعدهم من التابعين وأهل الفقه
والعلم جابر أو جويبر العبدي وذكر أيضا جابر بن عبد الله بن جابر العبدي
قال وكان في وفد عبد القيس ثم نزل بعد ذلك البصرة. وفي الاستيعاب:
جابر بن عبيد العبدي أحد وفد عبد القيس لم يرو عنه إلا ابنه عبد الله بن
جابر وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فقال فيه كان يكون بالبحرين روى عنه
ابنه عبد الله أنه قال وفد من البحرين إلى رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم اه‍ وفي أسد الغابة: جابر بن عبيد العبدي روى عنه ابنه عبد
الرحمن وقيل اسم ابنه اه وفي الإصابة جابر بن عبد الله ويقال ابن
عبيد بن جابر العبدي ثم ذكر رواية عن عبد الله بن جابر العبدي
قال كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
من عبد القيس ولست منهم إنما كنت مع أبي فنهاهم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن الشرب في الأوعية - الحديث وفيه
أنه حج مع أبيه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتى الحسن بن علي
فسلم عليه فرحب به فسأله رجل عن نبيذ الجسر (البسر ظ) فرخص فيه
فقال له أبي أبعد ما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم قد
كان بعدكم رخصة اه ويمكن كونه هو المذكور في رواية الكافي ويمكن كونه
من شرط كتابنا لا سيما أن عبد القيس معروفون بالتشيع والله أعلم.
جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي الخزرجي
نسبه
في الاستيعاب هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن عمر بن
سواد بن سلمة الأنصاري السلمي من بني سلمة ويقال جابر بن عبد الله بن
عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وفي أسد الغابة:
يجتمع هو والذي قبله - يعني جابر بن عبد الله بن رياب - في غنم بن
كعب وكلاهما أنصاريان سلميان وقال إن الأشهر في نسبه هو الثاني.
(وحرام) في تاج العروس في مادة حرم بالحاء والراء المهملتين قال
وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن سلمة
الأنصاري السلمي والد جابر اه وكذلك رسم في الكتب التي رأيناها
بالمهملتين وهو من أسماء العرب الشائعة ولكن في منهج المقال عن تقريب
ابن حجر أنه بمهملة وزاي اه لعله تحريف من الناسخ فأبدل راء بزاي
(والسلمي) بفتحتين.
وفاته ومدة عمره
في الاستيعاب توفي سنة 74 وقيل سنة 78 وقيل سنة 77 وصلى
عليه أبان بن عثمان وهو أميرها وقيل توفي وهو ابن 94 سنة اه وزاد في
الإصابة نقل القول بأنه مات سنة 73 وفي المستدرك للحاكم بسنده عن أبي
نعيم أنه مات سنة 79 وحكي في الإصابة عن علي بن المديني أنه أوصى أن
لا يصلي عليه الحجاج وقال إنه موافق للقول بأنه توفي سنة 74 قال وفي
الطبري وتاريخ البخاري ما يشهد له وهو أن الحجاج شهد جنازته اه
ويأتي في رواية الكشي انه كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وقال ابن عساكر كان آخر من مات من الصحابة بالمدينة
اه ومثله في تهذيب التهذيب وفي الإصابة روى البغوي من طريق أبي
هلال عن قتادة قال كان آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
موتا بالمدينة جابر قال البغوي: وهو وهم وآخرهم سهل بن سعد اه.
وسيأتي عن أسد الغابة أنه آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة،
وهذا هو الصواب.
أمه
في الاستيعاب: أمه نسيبة بنت عقبة بن عبدي بن سنان بن نابي بن

45
زيد بن حرام بن كعب بن غنم. وفي أسد الغابة: تجتمع هي وأبوه في
حرام.
كنيته
في الاستيعاب: اختلف في كنيته فقيل أبو عبد الرحمن وأصح ما قيل
أبو عبد الله. وفي الإصابة: يكنى أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن وأبا محمد ا
ه‍.
حليته
في أسد الغابة: عن الكلبي أنه عمي في آخر عمره، وكان يحفي
شاربه وكان يخضب بالصفرة اه. وفي الإصابة: روى البغوي من طريق
عاصم بن عمرو بن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبد الله وقد أصيب بصره
وقد مس رأسه ولحيته بشئ من صفرة.
أقوال العلماء فيه
كان من أجلاء المفسرين كما عن أبي الخير في طبقات المفسرين
والسيوطي، وشهد صفين مع علي عليه السلام، وكان منقطعا إلى أهل
البيت كما يأتي. وعده ابن عبد البر في الاستيعاب ممن فضل عليا على
غيره، ونص على تشيعه ابن شاذان وابن عقدة والكشي، هو أول زائر
للحسين عليه السلام. وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
فقال: جابر بن عبد الله بن حرام، نزل المدينة شهد بدرا وثماني عشرة
غزوة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مات سنة 78. وذكره في أصحاب علي عليه السلام
فقال: جابر بن عبد الله الأنصاري المدني العربي الخزرجي. وذكره في
أصحاب الحسن والحسين عليهما السلام فقال، جابر بن عبد الله
الأنصاري. وذكره في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام فقال،
جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكره في
أصحاب الباقر عليه السلام فقال: جابر بن عبد الله بن حرام أبو عبد الله
الأنصاري صحابي. وفي الخلاصة: جابر بن عبد الله من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد بدرا. وأورد الكشي في مدحه روايات كثيرة من غير أن يورد
ما يخالفها، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير. قال الفضل بن شاذان: إنه
من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. قال ابن عقدة:
ان جابر بن عبد الله منقطع إلى أهل البيت، وروى مدحه عن محمد بن
مفضل عن محمد بن سنان عن حريز عن الصادق عليه السلام اه‍. وفي
آخر الباب الأول من الخلاصة عن البرقي أنه كان من الأصفياء اه.
وقال الكشي في رجاله عن الفضل بن شاذان أنه قال: من السابقين الذين
رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وذكر جماعة إلى أن قال: وجابر بن
عبد الله الأنصاري، وقال أيضا: جابر بن عبد الله الأنصاري حمدويه
وإبراهيم ابنا نصير قالا: حدثنا أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن
عاصم بن حميد عن معاوية بن عمار عن أبي الزبير المكي قال: سألت
جابر بن عبد الله فقلت: أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال:
فرفع حاجبيه عن عينيه وقد كانا سقطا على عينيه قال: فقال ذلك خير
البشر! أما والله إن كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببغضهم
إياه. محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد بن يزيد القمي قال:
حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عبد الله أبو جابر بن عبد الله
من السبعين ومن الاثني عشر وجابر من السبعين وليس من
الاثني عشر (1) أحمد بن علي القمي السلولي قال: حدثني إدريس بن
أيوب القمي عن الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن عبد
العزيز العبدي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال جابر
واثنى عليه خيرا، قال: فقلت له وكان من أصحاب علي عليه السلام!
قال: كان جابر يعلم قول الله عز وجل (ان الذي فرض عليك القرآن
لرادك إلى معاد). أحمد بن علي قال: حدثني إدريس عن الحسين بن بشير
قال: حدثني هشام بن سالم عن محمد بن مسلم وزرارة قالا: سألنا أبا جعفر
عليه السلام عن أحاديث فرواها عن جابر، فقلنا ما لنا ولجابر؟ فقال:
بلغ من ايمان جابر أنه كان يقرأ هذه الآية (أن الذي فرض عليك القرآن
لرادك إلى معاد) أحمد بن علي القمي شقران السلولي قال: حدثني إدريس عن
الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل عن منصور بن أذينة عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت: ما لنا ولجابر تروي عنه؟ فقال يا
زرارة ان جابر قد كان يعلم تأويل هذه الآية (ان الذي فرض عليك القرآن
لرادك إلى معاد) محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد قال: حدثني
محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن المنقري (ابن التغلبي) عن علي بن
الحكم عن فضيل بن عثمان عن أبي الزبير قال: رأيت جابرا يتوكأ على
عصاه وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم ويقول (علي خير البشر فمن أبى
فقد كفر، معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي فمن أبى فلينظر في
شأن أمه). وفي مجالس المؤمنين نقلا عن أفضل المحققين الخواجة نصير
الدين محمد الحسن الطوسي في رسالته المسماة أوصاف الاشراف ما
تعريبه: أن جابر بن عبد الله لما ابتلي في آخر عمره بالضعف والكبر ذهب
الإمام محمد الباقر إلى زيارته وسأله عن حاله فقال أنا في حال الكبر أحب
إلي من الشباب، والمرض أحب إلي من الصحة، والموت أحب إلى من
الحياة، فقال الباقر عليه السلام: أما أنا فأحب إلى الحالة التي يختارها الله
لي من الشباب والكبر والمرض والعافية والحياة والموت، فلما سمع جابر
ذلك أخذ يد الباقر عليه السلام وقبلها وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الخبر)
وفي الاستيعاب شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير ولم يشهد الأولى ذكره
بعضهم في البدريين ولا يصح لأنه قد روي عنه أنه قال: لم أشهد بدرا و
لا أحدا منعني أبي وذكر البخاري أنه شهد بدرا وكان ينقل لأصحابه الماء يومئذ
ثم شهد بعدها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمان عشرة غزوة ذكر ذلك الحاكم أبو أحمد
وقال ابن الكلبي شهد أحدا وشهد صفين مع علي وروى أبو الزبير عن
جابر قال غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه احدى وعشرين غزوة شهدت منها معه
تسع عشرة غزوة وكان من المكثرين الحفاظ للسنن وكف بصره في آخر عمره
اه وفي أسد الغابة بسنده قال جابر لم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل
يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة قط وقال الكلبي: شهد
جابر أحدا وقيل شهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمان عشرة غزوة وشهد صفين
مع علي بن أبي طالب وهو آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة قال
وذكر ابن منده في اسمه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر الموسم وخرج نفر من
الأنصار منهم أسعد بن زرارة وجابر بن عبد الله السلمي وغيرهما
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعاهم إلى الاسلام، فظن أن
جابر بن عبد الله السلمي هو المترجم وليس كذلك وإنما هو جابر بن

46
عبد الله بن رباب - وقد تقدم قبل هذا - وقد كان المترجم أصغر من شهد
العقبة الثانية مع أبيه، فيكون في أول الأمر رأسا فيهم هذا بعيد، على أن
النقل الصحيح عن الأئمة انه جابر بن عبد الله وكان من المكثرين في
الحديث الحافظين للسنن. ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، فقيل لجابر
أن البراء يقول: اهتز السرير؟ فقال جابر: كان بين هذين الحيين الأوس
والخزرج ضغائن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن.
قلت: وجابر أيضا من الخزرج حمله دينه على قول الحق والانكار على من
كتمه اه. (قال المؤلف): توضيح ذلك أن سعد بن معاذ أوسي
والبراء خزرجي، فلما سمع البراء رواية جابر أن عرش الرحمن اهتز لموت
سعد بن معاذ، انكر هذه الرواية وقال: اهتز السرير، أي الذي حمل
عليه سعد أو نحوه تكذيبا للرواية، فأشار جابر إلى أن الذي حمل البراء على
ذلك أنه خزرجي وسعد أوسي وبين الأوس والخزرج ضغائن وأعاد رواية
الحديث مؤكدا أن الذي سمعه: اهتز عرش الرحمن. فقال ابن الأثير:
أن جابرا مع أنه خزرجي أيضا كالبراء حمله دينه على قول الحق والانكار
على البراء الذي كتمه. ثم روي في أسد الغابة بسنده إلى جابر قال:
استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة - يعني بقوله (ليلة
البعير) أنه باع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا واشترط ظهره إلى المدينة، وكان في
غزوة لهم اه. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن جابر قال:
استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وعشرين استغفارة كل ذلك أعدها بيدي
يقول: أديت عن أبيك دينه فأقول نعم فيقول يغفر الله لك. وفي
الإصابة: جابر أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى عنه جماعة من
الصحابة، وله ولأبيه صحبه. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد
العقبة، وروى البخاري في تاريخه باسناد صحيح عن أبي سفيان عن جابر
قال: كنت اميح (1) أصحابي الماء بدر، وأنكر الواقدي رواية أبي سفيان
عن جابر المذكور. وفي مصنف وكيع عن هشام بن عروة قال كان لجابر بن
عبد الله حلقة في المسجد يعني النبوي يؤخذ عنه العلم اه. وفي
المستدرك للحاكم بسنده عن محمد بن عمر (الواقدي) قال: شهد
جابر بن عبد الله العقبة في السبعين من الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عندها وكان من أصغرهم يومئذ، وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته
وكن تسعا وخلفه أيضا حين خرج إلى أحد وشهد ما بعد ذلك من المشاهد ا
ه‍. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: كان جابر يقول كنت أميح لأبي الماء
يوم بدر، قال محمد بن سعد: ذكرت لمحمد بن عمر - الواقدي - هذا
الحديث، فقال هذا وهم من أهل العراق، وانكر ان يكون جابر شهد
بدرا، وكان جابر يقول لم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي، ثم لم أتخلف
عن غزوة قط اه.
شئ من سيرته
قال ابن طاووس في كتاب الملهوف: ولما رجعت نساء الحسين وعياله
من الشام وبلغوا إلى العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء فوصلوا
إلى موضع المصرع، فوجدوا جابرا بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني
هاشم ورجالا من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام
فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة
للأكباد واجتمع عليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياما اه وعن
كتاب بشارة المصطفى وغيره بسنده عن الأعمش عن عطية العوفي قال
خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين
عليه السلم فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر
بازار وارتدى باخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة
الا ذكر الله تعالى حتى إذا دنا من القبر قال المسنيه فألمسته إياه فخر على القبر
مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما أفاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال
حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال إني لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على
اثباجك وفرق بين بدنك ورأسك اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد
المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن
سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النساء وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف
سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت
بالاسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا
شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد انك مضيت على ما
مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا. ثم جال ببصره حول القبر وقال:
السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين عليه السلام وأناخت
برحلة أشهد انكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن
المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين، والذي بعث
محمدا بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. قال عطية فقلت لجابر: فكيف
ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم
وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطية سمعت
حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل
قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق ان نيتي ونية أصحابي
على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه قال عطية: فبينما نحن
كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام، فقلت يا جابر هذا سواد قد
طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا السواد وائتنا بخبره
فان كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع الينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ وان
كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى. قال فمضى العبد فما كان
بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله هذا
زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته، فقام جابر يمشي حافي الاقدام
مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام فقال الامام:
أنت جابر فقال نعم يا ابن رسول الله فقال يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا
وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا اه.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 40 في هذه السنة بعث معاوية
بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف فسار حتى قدم المدينة إلى أن قال فأرسل
إلى بني سلمة فقال والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله،
فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها ما ذا ترين أن هذه بيعة
ضلالة وقد خشيت أن اقتل، قالت أرى أن تبايع فأتاه جابر فبايعه اه
وفي تاريخ اليعقوبي أنه قال لام سلمة اني خشيت أن اقتل وهذه بيعة
ضلالة، فقالت إذا فبايع فان التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا
يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم اه. وفي شرح النهج لابن
أبي الحديد عن إبراهيم بن هلال قال روى عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيى
في خبر ارسال معاوية بسرا إلى الحجاز واليمن ان بسرا فقد جابر بن عبد الله
فقال ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر

47
فعاذ جابر بأم سلمة فأرسلت إلى بسر بن أرطأة فقال لا أؤمنه حتى يبايع
فقالت له أم سلمة اذهب فبايع وقالت لابنها عمر اذهب فبايع فذهبا
وبايعا. قال إبراهيم: وروى الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قال
سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما خفت بسرا وتواريت عنه قال
لقومي لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني وقالوا: ننشدك الله لما
انطلقت معنا فبايعت فحقنت دمك ودماء قومك فإنك ان لم تفعل قتلت
مقاتلينا وسبيت ذرارينا فاستنظرتهم إلى الليل فلما أمسيت دخلت على أم
سلمة فأخبرتها الخبر فقالت يا بني انطلق فبايع احقن دمك ودماء قومك فاني
قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع وإني لأعلم انها بيعة ضلالة وفي تاريخ
دمشق لابن عساكر قدم جابر مصر أيام مسلمة بن مخلد وقال ابن منده:
قدم جابر الشام وأخرج ابن عساكر عن جابر أنه قال انطلقنا من غزوة
تبوك فمر بي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالليل وجملي قد قام وأنا أحط عنه فقال من هذا؟
قلت جابر قال ما لك؟ قلت جملي قد قام وأنا أحط عنه فقال أردد عليه
متاعك واركبه فدنا منه فمسه فقام بي الجمل فجعلت لا أضبطه في السير ثم
قال لي يا جابر تبيعني جملك قلت نعم فقال بكم قلت بدرهم قال لا
يكون جمل بدرهم قلت بدرهمين فقال لا اخذته منك إلا بأربعين درهما
وحملناك عليه في سبيل الله ثم قال يا جابر يوشك أن تأتي المدينة فتنام على
فراشك فقلت يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق ما لنا فراش ننام عليه إلا
أن أرضنا رملة فنرشها بالماء فننام عليها وروى ابن عساكر بسنده عن
جابر بن عبد الله قال لما انصرفنا راجعين - يعني من غزوة ذات الرقاع - فكنا
بالسفرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جابر ما فعل دين أبيك قلت يا رسول الله
هو عليه انتظر ان نجذ نخله فقال إذا جذذت فاحضرني واعزل العجوة على
حدتها وألوان التمر على حدتها وقال من صاحب دين أبيك قلت أبو الشحم
اليهودي له على أبي تبعة (بقية ظ) من تمر فجعلت الصيحاني على حدة
وأمهات الحداديق على حدة والعجوة على حدة ثم عمدت إلى جماع من التمر
على اختلاف أنواعه وهو أقل التمر فجعلته جبلا واحدا فلما نظر رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم إلى التمر مصنفا قال اللهم بارك له ثم انتهى إلى العجوة فمسها ومس
أصناف التمر ثم قال ادع غريمك فجاء أبو الشحم فاكتال حقه كله جبل
واحد وهو العجوة فقال يا جابر هل بقي على أبيك شئ قلت لا وبقي سائر
التمر فأكلنا منه دهرا وبعنا منه حتى أدركت الثمرة من قابل ولقد كنت أقول
لو بعت أصلها ما بلغت ما على أبي من الدين فلقد رأيتني والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول
لي ما فعلت في دين أبيك فقلت قد قضاه الله فقال اللهم اغفر لجابر
فاستغفر لي في ليلة خمسا و عشرين مرة. وقال قال جابر دخلت على
الحجاج فما سلمت عليه، وقال زيد بن اسلم ان جابرا كف بصره وذكر
امامه يوما ما يلبسه السلطان من الخز والوشي وما يصنع فقال ليت سمعه
قد ذهب كما ذهب بصره حتى لا يسمع من أحاديث السلطان شيئا ولا يبصره.
ودخل على عبد الملك بن مروان فرحب به وقربه فقال له جابر يا أمير
المؤمنين هذه طيبة إن رأيت أن تصل أرحام أهلها وتعرف حقهم فكره عبد
الملك ذلك منه واعرض عنه وجعل جابر يلح عليه فأومأه إليه فسكت فلما
خرج قال له قبيصة ان هؤلاء القوم صاروا ملوكا فقال له جابر ابلاك الله
بلاء حسنا، فإنه لا عذر لك وصاحبك يسمع فقال إنه لا يسمع إلا ما
يوافقه وقد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم فاستعن بها على
زمانك، فقبلها جابر. وأخرج ابن عساكر عن جابر قال عادني رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فوجدني مريضا لا أعقل فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي منه فأفقت فقلت
كيف اصنع في مالي يا رسول الله فأنزل الله تعالى يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين وفي لفظ فقلت يا رسول الله انه لا يرثني إلا كلالة
فنزلت اية الفرائض اه وقوله لا يرثني إلا كلالة ينافي ما رواه ابن عساكر
في آخر ترجمة جابر أن أبان بن عثمان ارسل إلى أولاد جابر يقول: إذا مات
أبوكم فلا تقبروه حتى أصلي عليه الحديث.
بعض ما روي من طريق جابر
عن مسند أحمد أنه روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هلاك بالرجل
يدخل عليه الرجل من اخوانه فيحتقر ما في بيته ان يقدمه له، وهلاك
بالقوم ان يحتقروا ما قرب إليهم اه. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق
بسنده عن جابر أنه قال: كانت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كان الظل
مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان الظل (للشئ) مثله ثم صلى
المغرب حين غابت الشمس ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى بنا
الفجر ثم صلى الظهر حين كان ظل كل شئ مثله ثم صلى العصر حين
كان ظل كل شئ مثليه قدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة العنق ثم صلى
المغرب حين غاب الشفق ثم صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل ثم صلى بنا
الفجر فأسفر فقيل له كيف نصلي مع الحجاج وهو يؤخر فقال ما صلاها
للوقت فصلوا معه فإذا اخر فصلوها لوقتها واجعلوها معه نافلة اه.
بعض ما روي عن جابر من الحكم
في تاريخ دمشق لابن عساكر كان جابر يقول تعلموا العلم ثم تعلموا
الحلم ثم تعلموا العلم ثم تعلموا العمل بالعلم ثم أبشروا.
التمييز
عن جامع الرواة أنه نقل رواية ابن الزبير وأبي حمزة وجابر بن يزيد
الجعفي وأبي إسحاق وسعيد بن المسيب وإسحاق بن عمار عنه وأنه نقل
رواية الأخير عنه عن أبي عبد الله عليه السلام مع أن جابرا لم يدرك الصادق
عليه السلام ولما كان هذا الناقل عن جامع الرواة لا يوثق بنقله لم يكن لنا
ثقة بوجود ذلك في جامع الرواة ويمكن كون رواية بعض ما من ذكر عنه
بالواسطة وعن الشيخ الفقيه أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي بن بابويه
القمي نزيل الري في كتابه نوادر الأثر بعلي خير البشر رواية عاصم بن عمرو
وعطية العوفي وسالم بن أبي الجعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي الزبير عنه
اه وفي أسد الغابة: روى عنه محمد بن علي بن الحسين وعمرو بن دينار
وأبو الزبير المكي وعطاء ومجاهد وغيرهم اه وفي مشتركات الطريحي باب
جابر المشترك بين جماعة لاحظ (لا حال) لهم في التوثيق ما عدى جابر بن
يزيد الجعفي ولا يخفى ما فيه أهو مثله بعينه في مشتركات الكاظمي كما أن
قوله ولا يخفى ما فيه موجود في كلا الكتابين لكن الظاهر أن وجودها في
عبارة الطريحي إلحاق من بعض الناس للإشارة إلى الرد عليه بكون جابر من
أجل الثقات وإنما هي عبارة الكاظمي فقط للرد على شيخه الطريحي إلا أنه
كان يلزم أن يذكر كل منهما مميزاته.
وفي تهذيب التهذيب: روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر وعمر وعلي
وأبي عبيدة وطلحة ومعاذ بن جبل وعمار بن ياسر وخالد بن الوليد وأبي
بردة بن نيارو أبي قتادة وأبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن أنيس وأبي حميد

48
الساعدي وأم شريك وأم مالك وأم مبشر من الصحابة وأم كلثوم بنت أبي
بكر الصديق وهي من التابعين. روى عنه أولاده عبد الرحمن وعقيل ومحمد
وسعيد بن المسيب ومحمود بن لبيد وأبو الزبير وعمرو بن دينار وأبو جعفر
الباقر وابن عمه محمد بن عمرو بن الحسن ومحمد بن المنكدر وأبو نضرة العبدي
ووهب بن كيسان وسعيد بن ميناء والحسن بن محمد بن الحنفية وسعيد بن
الحارث وسالم بن أبي الجعد وأيمن الحبشي والحسن البصري وأبو صالح
السمان وسعيد بن أبي هلال وسليمان بن عتيق وعاصم بن عمر بن قتادة
والشعبي وعبد الله وعبد الرحمن ابنا كعب بن مالك وأبو عبد الرحمن الحبلي
وعبيد الله بن مقسم وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير ومجاهد
والقعقاع بن حكيم وزيد الفقير واسمه سلمة بن عبد الرحمن وخلق كثير
اه.
وفي مروج الذهب مات جابر بن عبد الله الأنصاري في أيام عبد
الملك بالمدينة سنة 78 وقد ذهب بصره وهو ابن نيف وتسعين سنة وقد كان
قدم إلى معاوية بدمشق فلم يأذن له أياما فلما أذن له قال يا معاوية أما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من حجب ذا فاقة وحاجة حجبه الله يوم فاقته وحاجته
فغضب معاوية وقال لقد سمعته يقول لكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا
حتى تردوا علي الحوض أفلا صبرت قال ذكرتني ما نسيت وخرج فاستوى
على راحلته ومضى فوجه إليه معاوية بستمائة دينار فردها وكتب إليه:
إني لأختار القنوع على الغنى * وفي الناس من يقضى عليه ولا يقضي
والبس أثواب الحياء وقدارى * مكان الغنى أن لا أهين له عرضي
وقال لرسوله قل له والله يا أبن آكلة الأكباد لأوجد في صحيفتك
حسنة إنا سببها أبدا اه.
جابر بن عتيك المعاذي الأنصاري.
مات سنة 61 وهو ابن 91 سنة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن المدينة وله
ابن يكنى أبا يوسف روى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه‍. كذا المعاذي بالذال
المعجمة في النسخ التي بأيدينا ولا يبعد أن يكون الصواب المعاوي بالواو كما
يأتي عن الاستيعاب نسبة إلى معاوية أحد أجداده وليس في أجداده من
اسمه معاذ حتى ينسب إليه. وفي الاستيعاب جابر بن عتيك الأنصاري
العامري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ويقال جبر بن عتيك
كذا قال ابن إسحاق جبر ونسبه فقال جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن
هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن
عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري المعاوي مدني شهد بدرا وجميع المشاهد
بعدها يكنى أبا عبد الله وكانت معه راية بني معاوية عام الفتح اه وفي
الإصابة هيشة بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها معجمة وقال إن في
الصحابة ممن يسمى جابر بن عتيك غير هذا اثنين وهما جابر بن
عتيك بن النعمان بن عتيك الأنصاري وجابر بن عتيك بن قيس بن
الأسود بن مري وقال يشترك مع المترجم في اسمه واسم أبيه وجده ونسب
المترجم في جبر بن عتيك بأنه جابر بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك
من ولد زيد بن جشم بن قيس بن الحارث بن هيشة من بني عمرو بن عوف
اه‍ ولكنه لم يذكر ان جده الأسود.
جابر بن عمير الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان يجب أن يذكره
في أصحاب علي عليه السلام فإنه كان مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين
فيما رواه نصر بن مزاحم كما سيأتي، في الاستيعاب: مدني روى عنه عطاء
ابن أبي رباح جمعه مع جابر بن عبد الله في حديث اه وفي أسد الغابة له
صحبة عداده في أهل المدينة روى عنه عطاء بن أبي رباح ثم روى بسنده
عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرتميان فمل
أحدهما فجلس فقال له صاحبه كسلت قال نعم قال أما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل شئ ليس من ذكر الله فهو لعب إلا أن يكون أربعة ملاعبة
الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل بين الغرضين وتعلم
الرجل السباحة أخرجه الثلاثة اه وفي الإصابة قال البخاري له صحبة
وقال ابن حبان يقال له صحبة وروى النسائي بإسناد صحيح عن عطاء:
رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير يرتميان فمل أحدهما فجلس فقال له
الآخر كسلت قال نعم قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل شئ
ليس ذكرا لله فهو لعب إلا أربعة الحديث اه وروى نصر في كتاب صفين
عن عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال والله لكأني أسمع عليا
يوم الهرير حين سار إلى أهل الشام وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما
بيننا وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من
حيث استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة ثم إن عليا قال حتى متى
نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم أما تخافون مقت
الله ثم أنقتل إلى القبلة ورفع يديه إلى الله ثم نادى يا الله يا رحمن يا واحد يا
صمد يا الله يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت
الأيدي وامتدت الأعناق وشخصت الأبصار وطلبت الحوائج إنا نشكو إليك
غيبة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ربنا إفتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله والله أكبر
كلمة التقوى اه تهذيب التهذيب جابر بن عمير الأنصاري المدني روى عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضل الرمي وعنه عطاء بن أبي رباح وقال ابن حبان يقال إن له
صحبة اه.
الحاج جابر خان الكعبي شيخ كعب وأمير المحمرة من قبل دولة إيران
توفي سنة... في المحمرة ونقل إلى النجف الأشرف فدفن قريب
باب السور الشرقي على يسار الذاهب إلى الكوفة وبني بجانب قبره سقاية.
كان أول أمره فقيرا خامل الذكر قد وضعه الشيخ رحمة الله الكعبي
شيخ عشيرة كعب القاطنة في خوزستان وأمير الفلاحية من قبل الدولة
الإيرانية حارسا لبساتين النخل في المحمرة وكان يحمل زنبيل الرطب على
رأسه وهو حافي الأقدام لكنه كان ذكيا شجاعا عالي الهمة فترقت له الحال
شيئا فشيئا وعلا شأنه عند العشائر وتعرف إلى أمراء الدولة العثمانية في
البصرة ونواحيها وصار له عندهم شأن وأحبوه فاتفق أن زوجة الشيخ رحمة
الله أمير الفلاحية أرادت السفر لزيارة العتبات المشرفة فأرسل الشيخ رحمة
الله صنيعته الحاج جابر في خدمتها فكانوا وهم راكبون في السفينة كلما مروا
بجماعة من عمال الدولة العثمانية على ضفاف شط العرب حتى بغداد
يهتفون للحاج جابر ويقولون لا تعرضوا لهذا (البلم) لأنه يخص الحاج
جابر فرأت زوجة الشيخ رحمة الله من ارتفاع أمر الحاج جابر عندهم وعدم
ذكرهم لزوجها ما ساءها فلما رجعت أخبرت زوجها بذلك وخوفته من

49
توثب الحاج جابر عليه فأضمر رحمة الله له السوء وبلغ جبرا ذلك فاعتذر إلى
رحمة الله وطيب قلبه فرضي عنه وما زال أمر الحاج جابر يعلو حتى عصى
على رحمة الله واستقل بالمحمرة وضمنها من الدولة الإيرانية وتعهد بالمال
المرتب عليها من قبلها وذلك في عصر الشاه ناصر الدين القاجاري وبلغ من
جرأته وحضور جوابه أنه كان يوما بحضرة الشاه في جمع حافل فقال له الشاه
إنك من عمالنا فعليك أن تترك اللباس العربي وتلبس اللباس الإيراني فقال
له يا قبلة العالم أنت تريدني للطاعة ولا شغل لك بثيابي فأنا حر ألبس ما
شئت فضحك ناصر الدين من جوابه وعجب من جرأته وكان يوما بحضرة
ناصر الدين جماعة من الأمراء فجعل الشاه يوزع عليهم الدنانير فقبض
شرفيا وأومأ إلى الحاج جابر أن يتقدم ويأخذه فقبض على طرفي ثوبه وفتحه
وتقدم إلى الشاه وأجزل عطيته. وكانت الدولة العثمانية - تدعي ملكية
المحمرة ونواحيها وجرت لها مع الحاج جابر حروب كثيرة وفي بعضها
انتصرت عليه وفتحت المحمرة وكان الفاتح لها الوزير علي رضا حيدرة ومعه
العساكر النظامية وعرب زبيد بقيادة أميرها وادي وآل عقيل بقيادة سليمان
وعرب نجد بقيادة ابن مشاري وبنوطي وعرب السعدون بقيادة أميرهم
طلال وفي هامش ديوان عبد الباقي المطبوع أن المراد بطلالهم في البيت الآتي
هو شيخ بني الرشيد جاء معينا لهم اه وصريح البيت ينفي ذلك واستولى
علي رضا على الفلاحية وشيخها يسمى ثامر وأقام علي رضا في إمارة المحمرة
رجلا يدعى عبد الرضا وفي ذلك يقول عبد الباقي العمري الشاعر المشهور
من قصيدة:
فتحنا بحمد الله حصن المحمرة * فأضحت بتسخير الاله مدمره
بسيف علي ذي الفقار الذي لنا * لقد أخلصت صقلا يد الله جوهره
(وجابر) أورثناه كسرا (بكعبه) * وليس لعظم قد كسرناه مجبره
غدا هاربا يبغي النجاة بنفسه * وخلى قناطير التراث المقنطرة
ونخل أمانيه (بمكتوم) خبثه * عثا كلها في غدر (تأمر) مثمرة
على ساقها قامت لكعب قيامة * فزلت بهم أقدامهم متعثرة
غدوا طعمة للسيف إلا أقلهم * قد اتخذوا من شط (كارون) مقبره
فكارون يحكي النهران وهذه * الخوارج والغازي الغضنفر حيدره
سقى الرفض ساقي الحوض كأس منية * غداة وردنا بالمسرات كوثره
فيا عجبا من شيعة كيف تدعي * ولاء علي وهي عنه منفرة
وأمست (بنو النصار) والرفض دينها * على ما دهاها من علي مفكره
قطعنا من الدروند حبل وريدهم * بلى وأصبنا من طلي الرفض منحره
وآل زبيد صولجان رماحهم * دعا رؤسا كعب جماجمها كره
وقد سال (واديهم) وصال بجمعه * عليهم فأصبحن الجموع مكسره
وحفت به من آل حمير أسرة * فكانوا لنا عن قوم تبع تذكره
وآل عقيل مع سليمان شيخهم * على السور قد شاهدتها متسورة
وأقيال نجد لم نجد كطرادها * بيوم أثار ابن المشاري عثيرة
وفارس طي في جحافل خيله * أتى بمساع في الحروب موفره
وخيل بني السعدون كر (طلالهم) * إلى أهله والخيل بالمال موقره
وطار بسر (الباز) صيت عقابنا * لهم فغدت شيراز منهم مطيره
وعن (كعب) الأخبار متهمة سرت * ومنجدة فيها الرواة ومغوره
وفي مجمع البحرين آيات حربنا * عن الخضر يوريها الكليم مفسره
(وجابر) في حصن الكويت قد التجأ * إلينا وقاد الصافنات المضمره
وقد شملته من علي مراحم * وخلعه فخر فيه كمل مفخرة
علي رضا بالسيف حكم عبده * فقيل له عبد الرضا حين أمره
وطابت له سكنى فلاحية الهنا * وقد حاز من رستاق ثامر أكثره
وفر لنحوه الهنديان وقومه * لعبد الرضا انحازت وكرت مقهقره
وهذه القصيدة تنفي قول من يقول إن عبد الباقي كان شيعيا كما
يحكى عن عمنا السيد عبد الله رحمه الله إلا أن يكون تشيع بعدها أو قال
ذلك مداراة لسلطان زمانه. وفي القصيدة مما لم نذكره ما هو أشد تحاملا على
الشيعة مما ذكرناه والله العالم باسرار عباده. ولم يجسر العثمانيون على التوغل
في نواحي الأهواز فبقوا في المحمرة التي هي قطعة من الأهواز محل إمارة
شيوخ كعب، والأهواز قطعة من خوزستان التي تعم المحمرة والفلاحية
والحويزة وشوشتر ودزفول وغيرها، ثم أن الحاج جابر خان عاد فأخرج
العثمانيين منها وبقي أميرا فيها إلى أن توفي ثم ملكها بعده الشيخ مزعل ثم
قتله أخوه الشيخ خزعل وتولى الإمارة مكانه وبقي إلى أن نفته الدولة
الإيرانية إلى طهران فمات فيها منفيا في هذه السنين وسبحان من لا يدوم إلا
ملكه.
جابر بن محمد بن أبي بكر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام وفي
لسان الميزان جابر بن محمد بن أبي بكر الكوفي روى عن علي بن الحسين
ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه‍.
السيد جابر بن محمد بن جابر بن محمد بن جبل بن ملاعب بن سمار بن
ملاعب بن عبد الله ابن الأمير مهنا الأعرج ابن الحسين شهاب الدين ابن
الأمير مهنا الأكبر الحسيني المدني.
ذكره السيد ضامن بن شدقم الحسيني المدني في كتابه تحفة الأزهار
فقال: كان فيه سماحة نفس وعذوبة منطق ولديه فقاهة ومروة وتقوى،
جلس بعد أبيه بالمدينة المنورة قائما في الفقه بتدريس المعتمدين عليه متكفلا
بتعليم المستندين إليه وكانت قراءته على المؤلف طاب ثراهما في النافع ثم
توجه إلى الحسا وتملك بها ثم توجه إلى أصفهان ومات وقبر بهارون ولاية اه
ومراده بالمؤلف هو جده السيد حسن النقيب مؤلف زهر الرياض.
السيد جابر المدني ابن محمد بن جويبر الحسيني الأعرجي العبيدلي.
ذكره السيد ضامن بن شدقم في تحفة الأزهار وأثنى عليه وقال تلمذ
على جدي السيد حسن المؤلف النسابة ثم توجه إلى بلاد العجم فاشتغل
هناك برهة من الزمان ثم عاد إلى وطنه عن طريق الحسا فأقام بها ثم عاد إلى
أصفهان فأدركته المنية وقبره بإزاء قبر هارون ابن الإمام الكاظم عليه السلام
وخلف جابر محمدا وأحمد وحسنا والمرتضى وعليا اه ويحتمل اتحاده مع
سابقه.
جابر المكفوف الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال
الكشي: ما روي في جابر المكفوف. محمد بن مسعود قال حدثني علي بن
الحسن عن العباس بن عامر عن جابر المكفوف عن أبي عبد الله عليه السلام
قال دخلت عليه فقال أما يصلونك قلت بلى ربما فعلوا قال فوصلني بثلاثين
دينارا وقال يا جابر كم من عبد إن غاب لم يفقدوه وإن شهد لم يعرفوه في
أطمار لو أقسم على الله لأبر قسمه اه ومر أن ابن حجر في لسان الميزان

50
ذكره بعنوان جابر بن أعصم المكفوف نقلا عن علي بن الحكم وعن الكشي
والشيخ.
الشيخ جابر ابن الشيخ مهدي آل عبد الغفار الكشميري القزويني الكاظمي
البلدي المقيم ببلد.
توفي سنة 1322
كان شاعرا وله ديوان شعر
جابر بن ناصر الدولة الحمداني
مضى بعنوان جابر بن الحسين بن عبد الله
الشيخ جابر النجفي
هو الشيخ جابر بن عباس النجفي المتقدم وفاتنا أن نذكر هناك أنه
يروي عن الشيخ البهائي
جابر بن نوح التميمي الحماني الكوفي.
عن تقريب ابن حجر مات سنة 203 على الصواب وفي تهذيب
التهذيب قال محمد بن عبد الله الحضرمي مات سنة 183 وكان فيه أي
كتاب الكمال سنة 203 وهو خطأ قال صاحب تهذيب التهذيب قلت بل هو
الصواب كذلك هو في تاريخ الحضرمي فإنه قال وفي سنة 203 في جمادي
الآخرة مات جابر بن نوح الحماني وهذا من أعجب ما وقع للمزي في هذا
الكتاب من الوهم فجل من لا يسهو اه (والحماني) نسبة إلى حمان بكسر
الحاء المهملة وتشديد الميم بعدها ألف ونون قبيلة من تميم.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال كوفي.
وعن تقريب ابن حجر جابر بن نوح التميمي الحماني بكسر المهملة وتشديد
الميم أبو بشر - الكوفي ضعيف من التاسعة اه وفي ميزان الاعتدال جعل له
علامة (ت) أي أخرج له الترمذي وقال: جابر بن نوح الحماني عن
الأعمش وطبقته وعنه أحمد وأبو كريب قال ابن معين ليس بشئ وقال ما
أنكر حديثه وقال ابن حبان لا يحتج به وقال النسائي ليس بالقوى. محمد بن
جعفر العبدي حدثنا جابر بن نوح عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا أن من تمام الحج أن تحريم دويرة أهلك اه وفي تهذيب
التهذيب جعل له علامة (ت س) أي اخرج له الترمذي والنسائي وقال:
جابر بن نوح ويقال ابن المختار الحماني أبو بشر الكوفي روى عن الأعمش
وابن أبي ليلى والمسعودي ومحمد بن عمرو بن علقمة وإسماعيل بن أبي خالد
وعدة، وعنه أحمد بن حنبل وأحمد بن بديل اليمامي ومحمد بن طريف
البجلي ويحيى بن موسى خت وأبو كريب وجماعة عن ابن معين ليس حديثه
بشئ وكان حفص بن غياث يضعفه وقد كتب عن أبيه نوح وقال في موضع
آخر لم يكن نوح (1) بثقة كان ضعيفا وكان أبوه ثقة وعن يحيى لم يكن بثقة
وسئل يحيى عنه فضعفه وقال رأيت حفص بن غياث يهزأ به ثم قال يحيى
ليس بشئ قلت كتبت عنه شيئا قال لا وعن أبي داود ما أنكر حديثه وقال
أبو حاتم ضعيف الحديث اه.
أبو عبد الله جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي التابعي الكوفي
توفي سنة 127 أو 128 أو 132
قال النجاشي: جابر بن يزيد أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجعفي
عربي: قديم نسبه. ابن الحارث بن يغوث بن كعب بن الحارث بن معاوية
ابن وائل بن مرار بن جعفي لقي أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام، ومات
في أيامه سنة 128. روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا منهم عمرو بن
شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب، وكان في
نفسه مختلطا، وكان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله
ينشدنا أشعارا كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعا لذكرها،
وقلما يورد عنه شئ في الحلال والحرام له كتب منها التفسير أخبرناه أحمد بن
محمد بن هارون حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا محمد بن أحمد بن
خاقان النهدي حدثنا محمد بن علي أبو سمينة الصيرفي حدثنا الربيع بن
زكريا الوراق عن عبد الله بن محمد عن جابر به، وهذا عبد الله بن محمد
يقال له الجعفي ضعيف، وروى هذه النسخة أحمد بن محمد بن سعيد عن
جعفر بن عبد الله المحمدي عن يحيى بن حبيب الذراع عن عمرو بن شمر
عن جابر، وله كتاب النوادر أخبرنا أحمد بن محمد الجندي حدثنا محمد بن
همام حدثنا جعفر بن محمد بن مالك حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف
حدثنا محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل بن جميل عن جابر
به، وله كتاب الفضائل، أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون عن أحمد بن
محمد بن سعيد عن محمد بن أحمد بن الحسن القطواني عن عباد بن ثابت عن
عمرو بن شمر عن جابر به. وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب
النهروان، وكتاب مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، وكتاب مقتل الحسين
عليه السلام. روى هذه الكتب الحسين بن الحصين العمي، قال: حدثنا
أحمد بن إبراهيم بن معلى حدثنا محمد بن زكريا الغلابي وأخبرنا ابن نوح عن
عبد الجبار بن شيران الساكن بنهر خطى عن محمد بن زكريا الغلابي عن
جعفر بن محمد بن عمار عن أبيه عن عمرو بن شمر عن جابر بهذه الكتب
ويضاف اليه: رسالة أبي جعفر إلى أهل البصرة وغيرها من الأحاديث
والكتب، وذلك موضوع والله أعلم اه وفي الفهرست جابر بن يزيد
الجعفي له أصل أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن
أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن المفضل بن
صالح عنه، ورواه حميد بن زياد عن إبراهيم بن سليمان عن جابر، وله
كتاب التفسير أخبرنا به جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري عن أبي علي محمد بن همام عن جعفر بن محمد بن مالك
ومحمد بن جعفر الرزاز عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن
عمار بن مروان عن منخل بن جميل عن جابر وذكره الشيخ أيضا في رجال
الباقر عليه السلام فقال: جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي
توفي سنة 128 على ما قاله ابن حنبل. وقال يحيى بن معين: مات سنة
132 وقال القليبي: هو من الأزد، وذكره في رجال الصادق عليه السلام
فقال: جابر بن يزيد أبو عبد الله الجعفي تابعي اسند عنه روى عنهما ا
ه‍. وفي الخلاصة في القسم الأول: جابر بن يزيد. روى الكشي فيه
مدحا وبعض الذم، والطريقان ضعيفان ذكرناهما في الكتاب الكبير. وقال
السيد علي بن أحمد العقيقي العلوي روي عن عمار بن ابان عن الحسين بن
أبي العلاء أن الصادق عليه السلام ترحم عليه وقال: انه كان يصدق



(1) هكذا في النسخة المطبوعة ولا يبعد ان يكون الصواب ابن نوح.
51
علينا. وقال ابن عقدة: روى محمد بن أحمد البراء الصائغ عن أحمد بن
الفضل عن حنان بن سديرن عن زياد بن أبي الحلال أن الصادق عليه السلام
ترحم على جابر وقال إنه كان يصدق علينا، ولعن المغيرة وقال: انه كان
يكذب علينا. وقال ابن الغضائري جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في
نفسه ولكن جل من يروي عنه ضعيف، فممن أكثر الرواية عنه من الضعفاء
عمرو بن شمر الجعفي ومفضل بن صالح السكوني ومنخل بن جميل
الأسدي، وأرى الترك لما روى هؤلاء عنه والوقف في الباقي إلا ما خرج
شاهدا. وقال النجاشي: جابر بن يزيد الجعفي، لقي أبا جعفر وأبا
عبد الله عليهما السلام. وذكر ما مر إلى قوله ليس هذا موضعا لذكرها، ثم
قال: والأقوى عندي الوقف فيما يرويه هؤلاء عنه كما قال الشيخ ابن
الغضائري رحمه الله اه. وفي منهج المقال: قول العلامة في الخلاصة:
والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء مشعر بأنه يقبل ما يرويه عنه
الثقات ولعله الصواب فان تلك الاشعار ان كانت مما قيل فيه فلعل
ذلك لسخافة ما نقل عنه هؤلاء الضعفاء وان نقلت عنه أو مضمونها فلعل
ذلك أيضا من فعل هؤلاء، على أن قائل الاشعار غير معلوم الآن لنا.
وكان مستند نسبة الاختلاط إليه ليس إلا هذا والله أعلم اه وفي التعليقة
قول النجاشي: غمز فيهم الظاهر أنه إشارة إلى غمز ابن الغضائري ولم
يسند إلى نفسه. ويشير إلى أنه متأمل في ذلك أنه لم يطعن على خصوص
بعضهم في ترجمته، ومر في الفوائد حال غمز ابن الغضائري - اي أنه لا
يعتمد على تضعيفه - وعلق على قوله: كان شيخنا أبو عبد الله الخ بقوله:
لكن الظاهر من عبارته أي المفيد في رسالته في الرد على الصدوق وثاقته
حيث ذكر في جملة الروايات التي ادعى أنها صادرة من فقهاء أصحابهم
عليهم السلام والرؤساء الاعلام رواية جابر الجعفي (أقول) قال المفيد في
رسالته التي صنفها في الرد على أصحاب العدد في شهر رمضان: وأما رواة
الحديث بأن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوما ويكون ثلاثين فهم
فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام والاعلام الرؤساء
المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لا مطعن عليهم ولا
طريق إلى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات
المشهورة، ثم شرع في ذكرهم وذكر رواياتهم وذكر من جملة تلك الروايات
رواية جابر بن يزيد الجعفي. ثم قال في التعليقة: وقال جدي: والذي
يخطر ببالي من تتبع اخباره أنه كان من أصحاب أسرارهما عليهما السلام -
أي الباقر والصادق - وكان يذكر بعض المعجزات التي لا يدركها عقول
الضعفاء فنسبوا اليه ما نسبوا افتراء لا سيما الغلاة والعامة. وروى مسلم في
أول كتابه ذموما كثيرة في جابر والكل يرجع إلى الرفض والى القول
بالرجعة، وكان مشتهرا بينهم وعمل على اخباره جل أصحاب الحديث،
ولم نطلع على شئ يدل على غلوه واختلاطه سوى خبر ضعيف رواه الكشي
ووثقه خالى. وابن الغضائري مع اكثاره في الطعن على الأجلة قال فيه:
ثقة في نفسه ولكن جل من يروي عنه ضعيف وهذا ينادي بكمال وثاقته
وقوله - أي العلامة - كما قال الشيخ ابن الغضائري فيه شئ، إلا أن الامر
سهل. وفي الروضة عن جابر قال: حدثني محمد بن علي سبعين حديثا لم
أحدث بها قط أحدا فلما مضى محمد بن علي ثقلت على عنقي وضاق بها
صدري فأتيت الصادق عليه السلام إلى أن قال: دل رأسك فيها - اي
الحفرة - وقل حدثني محمد بن علي بكذا وكذا ثم طنه فان الأرض تستر
عليك، قال جابر فعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده. وفي الكافي في
باب ان الجن تأتيهم وتسألهم بسنده عن النعمان بن بشير قال: كنت مزاملا
لجابر بن يزيد الجعفي، فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه السلام
فودعه فخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الاخيرجة فصلينا الزوال فلما
نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فتناوله وقبله ووضعه على
عينيه فإذا هو من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد عليه طين أسود رطب فقال
متى عهدك بسيدي؟ قال له: قبل الساعة أو بعدها فقال بعد الصلاة.
ففك الخاتم واقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ثم أمسك
الكتاب فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتى وافي الكوفة، فلما وافينا ليلا بت
ليلتي فلما أصبحت اتيته اعظاما له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه كعاب قد
علقها وقد ركب قصبة وهو يقول أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور
الحديث قال والحديث الآتي عن الكشي الذي فيه اختلف أصحابنا في
أحاديث جابر في بصائر الدرجات نقل الرواية هكذا: أحمد بن محمد عن
علي بن الحكم عن زياد بن أبي الحلال قال اختلف الناس في جابر بن يزيد
وأحاديثه وأعاجيبه، وهذا يدل على أن منشأ الاختلاف نقل الأعاجيب
عنهم عليهم السلام أو صدورها منه، فيؤيد هذا ما ذكره جدي أن منشأ
الحكم بالغلو أمثال هذه وقول النجاشي: هذا حديث موضوع لعله من
مثل هذا يرمون أمثاله بالغلو كما يظهر منهم في غير واحد من التراجم ولا
يخفى فساده سيما بعد ملاحظة انه روى روايات صريحة في خلاف الغلو إذ
الروايات الصادرة عنه في خلاف الغلو من الكثرة بحيث لا تعد ولا
تحصى، ولا يمكن التوجيه لصراحتها كما لا يخفى على المطلع اه.
وصنف أحمد بن محمد بن عبد الله بن عياش صاحب كتاب مقتضب الأثر
وغيره كتابا في اخبار جابر الجعفي كما مر في ترجمته، وقال الكشي في
رجاله: في جابر بن يزيد الجعفي: حدثني حمدويه وإبراهيم ابنا نصير
قالا: حدثنا محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن ابن بكير عن
زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر فقال ما رأيته
عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط. حمدويه وإبراهيم قالا حدثنا
محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن زياد بن أبي الحلال قال: اختلف
أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي فقلت أنا أسال أبا عبد الله عليه السلام
فلما دخلت ابتدأني فقال: رحم الله جابر الجعفي كان يصدق علينا، لعن
الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا. حمدويه قال حدثنا يعقوب بن يزيد
عن ابن أبي عمير عن عبد الحميد بن أبي العلا قال: دخلت المسجد حين
قتل الوليد فإذا الناس مجتمعون فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز
حمراء وإذا هو يقول حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن
علي عليهما السلام فقال الناس جن جابر، جن جابر (آدم بن محمد
البلخي) حدثنا علي بن الحسن بن هارون الدقاق حدثنا علي بن محمد
حدثني علي بن سليمان حدثني الحسن بن علي بن فضال عن علي بن حسان
عن المفضل بن عمر الجعفي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تفسير
جابر فقال تحدث به السفلة فيذيعونه أما تقرأ في كتاب الله عز وجل فإذا
نقر في الناقور ان منا إماما مستترا فإذا أراد الله إظهار امره نكت في قلبه
فظهر فقام بأمر الله (جبريل بن أحمد) حدثني الشجاعي عن محمد بن
الحسين عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر قال دخلت على أبي
جعفر عليه السلام وأنا شاب فقال من أنت قلت من أهل الكوفة قال ممن
قلت من جعفي قال ما أقدمك إلى المدينة قلت طلب العلم قال ممن قلت
منك قال فإذا سألك أحد من أين أنت فقل من أهل المدينة قلت أسألك

52
قبل كل شئ عن هذا أيحل لي أن أكذب قال ليس هذا بكذب من كان في
مدينة فهو من أهلها حتى يخرج ودفع إلي كتابا وقال لي إن أنت حدثت به
حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي وإذا أنت كتمت منه شيئا بعد
هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ثم دفع إلي كتابا آخر ثم قال وهاك
هذا فان حدثت بشئ منه أبدا فعليك لعنتي ولعنة آبائي (جبرائيل بن
أحمد) حدثني محمد بن عيسى عن عبد الله بن جبلة الكناني عن ذريح
المحاربي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جابر الجعفي وما روى فلم
يجبني وأظنه قال سألته بجمع فلم يجبني فسألته الثالثة فقال يا ذريح دع ذكر
جابر فان السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا أو أذاعوا، (علي بن محمد)
حدثني محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن عمرو بن عثمان عن أبي
جميلة عن جابر قال رويت خمسين ألف حديث ما سمعها أحد مني
(جبرئيل بن أحمد) حدثني محمد بن عيسى عن إسماعيل بن مهران عن أبي
جميلة المفضل بن صالح عن جابر بن يزيد الجعفي قال حدثني أبو جعفر
عليه السلام بسبعين ألف حديث لم أحدثها أحدا قط ولا احدث بها أحدا
ابدا قال جابر فقلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك انك قد حملتني
وقرا عظيما بما حدثني به من سركم الذي لا أحدث به أحدا فربما جاش في
صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون قال يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى
الجبان فاحفر حفيرة ودل رأسك فيها ثم قل: حدثني محمد بن علي بكذا
وكذا، ومر عن الروضة سبعين حديثا (نصر بن صباح) حدثنا أبو يعقوب
إسحاق بن محمد البصري حدثنا علي بن عبد الله قال خرج جابر ذات يوم
وعلى رأسه قوصرة راكبا قصبة حتى مر على سكك الكوفة فجعل الناس
يقولون جن جابر جن جابر فلبثنا بعد ذلك أياما فإذا كتاب هشام قد جاء
يحمله إليه فسأل عنه الأمير فشهدوا عنده أنه قد اختلط وكتب بذلك إلى
هشام فلم يعرض له ثم رجع إلى ما كان من حاله الأولى. وروى عن
سفيان الثوري أنه قال: جابر الجعفي صدوق في الحديث إلا أنه كان
يتشيع. وحكي عنه أنه قال: ما رأيت أورع بالحديث من جابر. وعن
تقريب ابن حجر: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي،
ضعيف رافضي من الخامسة، مات سنة 127 وقيل سنة 132. وفي تاريخ
بغداد في ترجمة محمد بن إسحاق صاحب السيرة بسنده: قال شعبة: أما
محمد بن إسحاق وجابر الجعفي فصدوقان، زاد ابن حنبل في الحديث اه
وفي تاريخ بغداد أيضا في ترجمة محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة
بسنده أن الشافعي قال: لم يزل محمد بن الحسن عندي عظيما جليلا حتى
جمعني وإياه مجلس عند الرشيد فقال محمد بن الحسن يا أمير المؤمنين! إن
أهل المدينة خالفوا كتاب الله نصا و أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماع المسلمين.
فقلت: ألا أراك قد قصدت لأهل بيت النبوة ومن نزل القرآن فيهم
وأحكمت الاحكام فيهم وقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرهم عمدت
تهجوهم! أرأيتك أنت بأي شئ قضيت بشهادة امرأة واحدة قابلة حتى
تورثت ابن خليفة مالك الدنيا ومالا عظيما؟ قال: بعلي بن أبي طالب!
قلت إنما رواه عن علي رجل مجهول يقال له عبد الله بن نجي ورواه جابر
الجعفي وكان يؤمن بالرجعة سمعت سفيان بن عيينة يقول: دخلت على
جابر الجعفي فسألني عن شئ من أمر الكهنة (الحديث) وقال ابن الأثير في
حوادث سنة 128: وفيها توفي جابر بن يزيد الجعفي وكان من غلاة
الشيعة يقول بالرجعة اه. وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد: جابر بن
يزيد الجعفي أخبرنا الفضل بن دكين سمعت سفيان يقول - وذكر جابر ابن
يزيد الجعفي قال إذا قال لك حدثني أو سمعت فذلك وإذا قال قال فكأنه
يدلس. أخبرنا الفضل بن دكين قال توفي جابر بن يزيد سنة 128 وأخبرنا
محمد بن عمر - الواقدي - عن قيس بن الربيع بمثل ذلك قال وكان ضعيفا
جدا في رأيه وحديثه قال ابن عيينة كنت معه في بيت فتكلم بكلام ينقض
البيت أو كاد ينقض أو نحو هذا اه. وفي ميزان الاعتدال: ذكر له علامة (د
ت ق) إشارة إلى أنه أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة القزويني
ثم قال: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة قال
ابن مهدي عن سفيان كان جابر الجعفي ورعا في الحديث ما رأيت أورع
منه في الحديث. ابن مهدي سمعت سفيان يقول ما رأيت في الحديث أورع
من جابر الجعفي ومنصور وقال شعبة صدوق، وزاد في تهذيب التهذيب في
الحديث. وعن شعبة كان جابر إذا قال أنبأنا وحدثنا وسمعت فهو من أوثق
الناس وقال وكيع ما شككتم في شئ فلا تشكوا ان جابر الجعفي ثقة وقال
ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال سفيان الثوري لشعبة لئن
تكلمت في جابر الجعفي لأتكلمن فيك أنبأ كثير بن معاوية سمعت جابر بن
يزيد يقول عندي خمسون ألف حديث ما حدثت منها بحديث ثم حدث
يوما بحديث فقال هذا من الخمسين الألف وقال سلام بن أبي مطيع قال لي
جابر الجعفي عندي خمسون ألف باب من العلم ما حدثت بها أحدا فاتيت
أيوب فذكرت هذا له فقال اما الآن فهو كذاب وقال عبد الرحمن بن شريك
كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسالة وروى إسماعيل بن أبي
خالد عن الشعبي أنه قال يا جابر لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال إسماعيل فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب وعن أحمد بن
حنبل ترك يحيى القطان جابرا الجعفي وحدثنا عنه عبد الرحمان قديما ثم تركه
باخرة وترك يحيى حديث جابر باخرة وعن أبي حنيفة ما رأيت اكذب من
جابر الجعفي ما اتيته بشئ إلا جاءني فيه بحديث وزعم أن عنده كذا وكذا
ألف حديث لم يظهرها وفي تهذيب التهذيب عن أبي حنيفة ما لقيت فيمن
لقيت اكذب من جابر الجعفي ما اتيته بشئ من رأيي إلا جاءني بأثر فيه
وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث لم يظهرها. وعن ثعلبة اتيت جابرا
الجعفي فقال لي ليث بن أبي سليم لا تأته فإنه كذاب وقال النسائي وغيره
متروك وفي تهذيب التهذيب: قال النسائي: متروك الحديث وقال في
موضع آخر: ليس بثقة ولا يكتب حديثه اه وقال يحيى لا يكتب حديثه
ولا كرامة وقال أبو داود ليس عندي بالقوي في حديثه وقال عبد الرحمن بن
مهدي الا تعجبون من سفيان بن عيينة لقد تركت لجابر الجعفي - لما حكى
عنه - أكثر من ألف حديث ثم هو يحدث عنه وعن الأعمش أنه قال أليس
أشعث بن سوار يسألني عن حديث فقلت لا ولا نصف حديث الست أنت
الذي تحدث عن جابر الجعفي وقال جرير بن عبد الحميد لا استحل ان
احدث عن جابر الجعفي كان يؤمن بالرجعة وعن زائدة أنه طرح حديث
جابر الجعفي وقال هو كذاب يؤمن بالرجعة وفي تهذيب التهذيب قيل
لزائدة: ثلاثة لم لا ترو عنهم: ابن أبي ليلى وجابر الجعفي والكلبي قال أما
الجعفي فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة. وفي تهذيب التهذيب:
قال ابن قتيبة في كتاب مشكل الحديث كان جابر يؤمن بالرجعة
وكان صاحب نيرنجات وشبه اه. وعن يحيى بن معين لم يدع جابرا
ممن رآه إلا زائدة وكان جابر كذابا ليس بشئ وعن أبي الأحوص كنت
إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية وعن ابن عيينة تركت
جابرا الجعفي لما سمعت منه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فعلمه مما تعلم

53
(الخبر) روى ابن عيينة بالاسناد عن سفيان عن جابر الجعفي أنه قال:
انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي، ثم انتقل من علي إلى
الحسن، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا. وعن سفيان - ابن عيينة -: سمعت
من جابر الجعفي كلاما فبادرت خفت ان يقع على السقف. قال سفيان:
كان يؤمن بالرجعة. وقال الجوزجاني: كذاب سألت أحمد عنه فقال:
تركه عبد الرحمن فاستراح. إسحاق بن موسى: سمعت أبا جميلة يقول
لجابر الجعفي: كيف تسلم على المهدي؟ قال إن قلت لك كفرت:
الحميدي عن سفيان: سأل رجل جابرا الجعفي عن قوله تعالى (فلن أبرح
الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي)، قال لم يجئ تأويلها بعد. قال
سفيان: كذب! قلت وما أراد بهذا؟ قال الرافضة تقول: ان عليا في
السماء لا يخرج مع من يخرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء (اخرجوا
مع فلان) يقول جابر: هذا تأويل هذا لا ترو عنه كان يؤمن بالرجعة
كذب، بل كانوا اخوة يوسف قيل لشعبة: تركت رجالا ورويت عن جابر
الجعفي؟ قال: روى أشياء لم أصبر عنها وفي تهذيب التهذيب: لم طرحت
فلانا وفلانا ورويت عن جابر؟ قال: لأنه جاء بأحاديث لم نصبر عنها. أبو
داود: سمعت شعبة يقول: أيش جاءهم به جابر؟ جاءهم بالشعبي لولا
الشعر لجئناهم بالشعبي (1) ورأيت زكريا بن أبي زائدة يزاحمنا عند جابر فقال
لي سفيان: نحن شباب وهذا الشيخ ما له يزاحمنا. ثم قال لنا شعبة: لا
تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر. هل جاءكم بأحد لم
يلقه. قال ابن عدي: عامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة، وليس
لجابر الجعفي في سنن أبي داود والنسائي سوى حديث واحد في سجود
السهو. وقال ابن حبان: كان سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ، يقول إن
عليا يرجع إلى الدنيا. ثم روى بسنده عن الجراح بن مليح سمعت
جابرا يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كلها. وبسنده عن زائدة: جابر الجعفي رافضي يقول في أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله وسلم. سأل رجل سفيان: أرأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي
قوله (حدثني وصي الأوصياء) فقال سفيان هذا أهونه. وفي تهذيب
التهذيب: جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبو عبد الله
ويقال أبو يزيد وذكر ما مر عن الميزان في مدحه وقدحه وزاد عن زهير بن
معاوية كان جابر إذا قال سمعت أو سالت فهو من أصدق الناس وقال
معلى بن منصور قال لي أبو عوانة كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر
الجعفي وكنت أدخل عليه فأقول من كان عندك فيقول شعبة وسفيان وعن
يحيى بن سعيد، تركنا حديث جابر قبل ان يقدم علينا الثوري وقال
عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه كان عبد الرحمن
يحدثنا عنه قبل ذلك ثم تركه. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث وقال
أيضا: يؤمن بالرجعة اتهم بالكذب. وقال ابن عدي له حديث صالح،
وشعبة أقل رواية عنه من الثوري، وقد احتمله الناس وعامة ما قذفوه به
أنه كان يؤمن بالرجعة، وهو مع هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق.
وقال العقيلي في الضعفاء كذبه سعيد بن جبير وقال العجلي كان ضعيفا يغلو
في التشيع وكان يدلس وقال الساجي في الضعفاء كذبه ابن عيينة وقال
الميموني قلت لأحمد بن خداش: أ كان جابر يكذب؟ قال أي والله وذاك في
حديثه بين. وقال أبو العرب الصقلي في الضعفاء. سئل شريك عن جابر
فقال: ما له العدل الرضي ومد بها صوته. وقال أبو العرب: خالف
شريك الناس في جابر. وقال الشعبي لجابر ولداود بن يزيد: لو كان لي
عليكما سلطان ثم لم أجد إلا الإبر لشككتكما بها. وقال أبو بدر كان جابر
يهيج به مرة (2) في السنة مرة، فيهذي ويخلط في الكلام فلعل ما حكي عنه
كان في ذلك الوقت. وخرج أبو عبيد في فضائل القرآن حديث الأشجعي
عن مسعر: حدثنا جابر قبل ان يقع فيما وقع فيه، قال الأشجعي: ما كان
من تغير عقله. وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية
عنهم. وقال ابن حبان: فان احتج محتج بان شعبة والثوري رويا عنه،
قلنا، الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء، وأما شعبة وغيره
فرأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها، فربما ذكر أحدهم عنه
الشئ على جهة التعجب. واخبرني ابن فارس: ثنا محمد بن رافع
رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن
جابر الجعفي، فقلت: يا أبا عبد الله تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه؟
قال لنعرفه. وقال أحمد: كان ابن مهدي والقطان لا يحدثان عن جابر
بشئ، وكان أهل ذلك. وقال الأثرم: قلت لأحمد: كيف هو عندك؟
قال ليس له حكم يضطر إليه ويقول سألت سألت، ولعله سأل، فقال
أحمد بن الحكم: كتبت أنا وأنت عن علي بن بحر عن محمد بن الحسن
الواسطي عن مسعر قال: كنت عند جابر فجاءه رسول أبي حنيفة فقال:
ما تقول في كذا وكذا؟ قال: سمعت القاسم بن محمد وفلانا وفلانا حتى
عد سبعة، فلما مضى الرسول قال جابر: ان كانوا قالوا: قيل لأحمد: ما
تقول فيه بعد هذا؟ فقال هذا شديد، واستعجبه. نقل ذلك كله
العقيلي. ثم نقل عن يحيى بن المغيرة عن جرير قال: مضيت إلى جابر،
فقال لي هدبة رجل من بني أسد: لا تاته فاني سمعته يقول: الحارث بن
شريح في كتاب الله، فقال له رجل من قومه: لا والله ما في كتاب الله
الحارث بن شريح - يعني الحارث الذي كان خرج في آخر دولة بني أمية،
وكان معه جهم بن صفوان - اه (أقول): ظهر مما مر أن الرجل ثقة
صدوق ورع كما اعترف به شعبة وسفيان الثوري ووكيع و زهير بن معاوية
وشريك وغيرهم فيما مر: فقال شعبة صدوق من أوثق الناس، ورد على
الذين يقعون فيه بأنه لم يحدث عن أحد لم يلقه وسماهم مجانين، وقال
سفيان ما رأيت أورع منه، ودافع عنه بشدة، فقال لشعبة وتهدده لئن
تكلمت فيه لأتكلمن فيك، وبالغ وكيع في توثيقه فقال ما شككتم في
شئ فلا تشكوا انه ثقة، وعده زهير بن معاوية من أصدق الناس، وقال
شريك ما له؟! متعجبا من السؤال عنه، ووصفه بالعدل الرضا. وان
القدح فيه ليس الا لتشيعه ونسبة القول بالرجعة اليه كما صرح به ابن عدي
بقوله عامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة، وكذلك جرير وزائدة وأبو
أحمد الحاكم فيما مر عنهم. ولروايته من فضائل أهل البيت ما لا تحتمله
عقولهم، ولذلك تركه ابن عيينة لما سمع منه حديثا في فضلهم الباهر
واستنكروا تسميته الإمام الباقر وصي الأوصياء. وتدل رواية الكشي انهم
نسبوه إلى الجنون بسبب ذلك. ولادعائه ما استبعدته عقولهم من أن عنده
خمسين ألف حديث لم يحدث بها، أو خمسين ألف باب من العلم، أو
ثلاثين ألف حديث، وان عند شريك عنه عشرة آلاف مسالة، جهلا بمقام
أهل البيت وأصحابهم، ولهذا قال أيوب عندما سمعه: أما الآن فهو
كذاب كما مر. ولذلك بلغ الغيظ بالشعبي إلى أنه لو كان له عليه سلطان



(1) هكذا في النسخة ومعنى هذه الجملة غير ظاهر، وكأنه وقع فيها تحريف -
(2) المرة بكسر الميم بمعنى الصفراء: خلط من الأخلاط الأربعة - المؤلف -.
54
ولم يجد إلا الإبر لشكه بها. ولما رأوه منه من الغرائب حتى نسب إلى استعمال
السحر والنيرنجات، ونسبوه إلى اعتراء غياب العقل والهذيان، أما القول
بالرجعة فان السيد المرتضى فسرها بان الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي
قوما ممن كان قد مات من شيعته وقوما من أعدائه، وقد وردت بذلك اخبار
فمن صحت عنده اعتقد بها ومن لم تصح عنده أو لم يرها فهو في سعة من عدم
الاعتقاد بها، هذه هي الرجعة التي يطبل القوم بها ويزمرون، فإن كان
التشنيع على معتقدها بأنها محال أو مستبعدة فهو يشبه قول منكري البعث
حيث قالوا (أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمخرجون) ورد عليهم الله تعالى بقوله
(أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) وقوله تعالى (ألم تر
إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم
أحياهم). وأما قدحهم فيه لروايته من فضائل أهل البيت ما لا تحتمله
عقولهم فيدل عليه ما مر من ترك ابن عيينة له للحديث الذي رواه ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا فعلمه مما تعلم الخ... وهو من الغرابة بمكان،
وليس معنى الحديث الا ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا إليه عليا فعلمه مما تعلم، ثم
دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم، وهكذا. ويرشد اليه الحديث الذي رواه
الذهبي بعده انه انتقل العلم الذي كان في النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي،
ثم انتقل من علي إلى الحسن وهكذا حتى بلغ جعفرا ولعله
يرى هذا أيضا من الغلو ويستكبر ويستعظم أن تنتقل علوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلى أهل بيته وذريته دون غيرهم، ولاستعظام سفيان لمثل ذلك كان يبادر
خوفا من أن يقع عليه السقف أو قال عن كلامه انه ينقض البيت أو يكاد
ينقضه وهو استعظام واستكبار في غير محله. وأما ان عنده خمسين الف أو
ثلاثين الف حديث أو خمسين ألف باب من العلم، وان عند شريك عنه
عشرة آلاف مسألة فحاله كحال ما مر لا استبعاد فيه ولا استغراب ولا
استنكار، ومن العجيب قول الشعبي له: لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل كان عنده شئ من الوحي أو علم الغيب. وقول
إسماعيل: فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب. وكم من متهم
برئ، كما أن من العجب استدلال أبي حنيفة على كذبه بأنه ما اتاه بشئ
من رأيه إلا جاءه فيه بحديث، وزعم أن عنده ثلاثين ألف حديث، ولا
دلالة في ذلك على الكذب، فجابر قد اخذ أحاديثه عن أهل بيت النبوة عن
جدهم صلى الله عليه وآله وسلم ينابيع العلم والحكمة وأبواب مدينة العلم النبوي، وكل فتوى
من فتاوى الفقهاء يمكن الاستدلال على اثباتها أو نفيها بأحد الأحاديث
الواردة عنهم عليهم السلام في أصول الشريعة وأدلتها عموما أو خصوصا،
فأي شئ في ذلك يستلزم الكذب أو يستكبر معه رواية جابر ثلاثين الف
حديث أو أكثر منها، وقد حدث عنه السفيانان ووثقه الثوري منهما،
وتعجب ابن مهدي من رواية سفيان بن عيينة عنه مع أن ابن مهدي ترك
من حديث جابر أكثر من ألف حديث بما حكاه سفيان عنه في غير محله، إذ
يدل تحديث سفيان عنه على خطا ابن مهدي في فهمه لما حكاه ابن سفيان.
وقد صرح ابن معين ان كل من رأى جابرا فقد روى عنه وصحبه إلا زائدة
فإن كان كذابا فلما ذا لم يدعوه وتركه زائدة وحده، فكان من بينهم نسمة
زائدة اما سؤال أبي جميلة له عن كيفية السلام على المهدي وجوابه له فلا
يخلوان من غموض، ولعله يريد سؤاله عن السلام على المهدي المنتظر
فأجابه بأنه قال له لم يصدقه. اما آية (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي)
وتفسير سفيان لقول جابر فيها لم يأت تأويلها بعد بأن الرافضة تقول: ان
عليا في السماء لا يخرج مع فلان، فكذب وافتراء، فلم يقل أحد من
الشيعة ان عليا في السماء ولا أنه لا يخرج مع من يخرج من ولده حتى ينادي
مناد من السماء بذلك، ولا ان الآية جاءت في غير اخوة يوسف، وأما قول
ابن حبان: كان سبئيا، فكذب وافتراء، فعبد الله بن سبا كان يقول بألهية
علي بن أبي طالب لا بمجرد رجوعه إلى الدنيا، أما كونه رافضيا فلا شك انه
من شيعة علي عليه السلام وأهل بيته وأنه ممن يقدمهم ويفضلهم على من
سواهم. وليس أعجب من سفيان وشعبة اللذين كانا ينهيان أبا عوانة عنه
ويجالسانه ويرويان عنه. وأن ما نسبه سفيان والعجلي للتدليس اليه فلم يأتيا
عليه وكان ضعفه في رأيه عند ابن سعد هو تشيعه، وفي حديثه انه يروي ما
لم يقبله عقله، وضعفه عند العجلي غلوه في التشيع. وقول ابن خداش
الكذب في حديثه بين، لروايته ما لم يسعه تصديقه من الفضائل والكرامات
لأهل البيت. وقول أبي بدر: أنه كانت تهيج به مرة فيهذي ويخلط في
الكلام، كان سببه ما مر في روايات الكشي من اظهاره الجنون عندما طلبه
هشام ليخلص نفسه من القتل، واعتذار ابن حبان عن رواية الثوري عنه
بأن الثوري ليس من مذهبه ترك الرواية عن الضعفاء نوع من القدح في
الثوري وعن رواية شعبة وغيره بأنهم رأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها،
فذكروها عنه على جهة التعجب يؤيد ما قلناه من أن عقولهم لم تكن تحتمل
ما يرويه. وإرسال أبي حنيفة اليه يسأله، دليل على ما كان عليه من سعة
العلم، وقوله بعد ما نقل ما أجاب به رسول أبي حنيفة عن جماعة، وذهب
الرسول ان كانوا قالوا! مشيرا إلى أنه كذب عليهم لا يقبله عقل، إذ ما
الذي يدعوه إلى أن يكذب نفسه امام مسعر. وأما حكاية هدبة الأسدي
عنه أنه يقول الحارث بن شريح الذي كان خرج في آخر دولة بني أمية في
كتاب الله، فان صح فلا يريد انه مذكور باسمه بل إنه سمع من الباقر ان
في بعض الآيات إشارة اليه، وذلك ليس بمستنكر ولا مستبعد والله أعلم.
مشايخه
في ميزان الاعتدال: له عن أبي الطفيل والشعبي وخلق. وفي
تهذيب التهذيب روى عن أبي الطفيل وأبي الضحى وعكرمة وعطاء وطاوس
وخيثمة والمغيرة بن سبيل وجماعة.
تلاميذه
في ميزان الاعتدال: عنه شعبة وأبو عوانة عدة، وفي تهذيب
التهذيب: عنه شعبة والثوري وإسرائيل والحسن بن صالح بن حي وشريك
ومسعر ومعمر وأبو عوانة وغيرهم اه. ويأتي في التمييز رواية جماعة عنه.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب جابر المشترك بين جماعة لاحظ
لهم في التوثيق عدى جابر بن يزيد الجعفي. قال الكاظمي: ولا يخفى
ما فيه ومر وجهه في جابر بن عبد الله. قال: ويمكن استعلام أنه هو برواية
عمرو بن شمر عنه ورواية عبد الرحمن بن كثير عنه ورواية أبي جميلة
المفضل بن صالح السكوني عنه ورواية عبد الله بن محمد عنه ورواية
المنخل بن جميل الأسدي عنه وزاد الكاظمي: وروى عنه يوسف بن
يعقوب وإبراهيم بن سليمان اه.
جابر بن يزيد الفارسي
يكنى أبا القاسم ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب العسكري عليه
السلام. وفي لسان الميزان: جابر بن يزيد الفارسي ذكره الطوسي في رجال
الشيعة وقال:

55
يكنى أبا القاسم أخذ عن الحسن العسكري وكان فطنا عاقلا حسن العبارة
اه ولا يخفى أن قوله: وكان فطنا الخ ليس من كلام الشيخ ولا نعلم من
أين أخذه
جابر بن الحجاج مولي عامر نهشل التيمي تيم الله بن ثعلبة
ذكره صاحب أبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام من التيميين
وقال كان فارسا شجاعا ثم نقل عن صاحب الحدائق الوردية في أئمة
الزيدية أن جابرا حضر مع الحسين عليه السلام في كربلاء وقتل بين يديه
وكان قتله قبل الظهر في الحملة الأولى اه.
الجارود بن أبي بشر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه السلام. وفي لسان
الميزان الجارود بن أبي بشر ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال: روى
الحسن بن علي بن أبي طالب قلت: وأنا أظن أنه الجارود الصحابي المشهور
فإن اسمه بشر والجارود لقب فهو ابن أبي بشر لكنه استشهد في خلافة عمر
فيما قيل اه.
الجارود بن أبي سبرة سلمة الهذلي أبو نوفل البصري ويقال الجارود بن
سبرة.
توفي سنة 120
(سبرة) عن تقريب ابن حجر بفتح السين المهملة وسكون الباء
الموحدة.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وعن تقريب
ابن حجر صدوق من الثالثة مات سنة 120 وعن مختصر الذهبي صدوق ولم
يذكره في ميزانه فدل على أنه لا غمز فيه عنده وفي تهذيب التهذيب قال أبو
حاتم صالح الحديث وقال الدارقطني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وسئل
يحيى بن معين عن حديث حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن الجارود بن
أبي سبرة قال قال أبي بن كعب فقال مرسل وقال ابن خلفون روى عن أبي
وطلحة ولم يسمع عندي منهما اه. ومعنى قول ابن معين انه مرسل أن
الجارود روى عمن لم يلقه كما قاله ابن خلفون وهو شبه قدح فيه وقال
الجاحظ في البيان والتبيين ج 1 ص 262: الجارود بن أبي سبرة ويكنى أبا
نوفل من أبين الناس وأحسنهم حديثا وكان رواية علامة شاعرا مفلقا وكان
من رجال الشيعة ولما استنطقه الحجاج قال ما ظننت أن بالعراق مثل هذا
مشايخه
في تهذيب التهذيب روى عن أبي بن كعب وطلحة بن عبيد الله وأنس
ومعاوية
تلاميذه
في تهذيب التهذيب عنه ابنه ربعي بن عبد الله بن الجارود وعمرو بن
أبي الحجاج وقتادة وثابت البناني.
الجارودي بن السري التميمي السعدي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر وفي أصحاب الصادق عليهما
السلام ثم قال في أصحاب الصادق عليه السلام الجارود بن السري
التميمي الحماني الكوفي، ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال علي بن
الحكم: كان ثقة روى عن الصادق اه.
الجارود بن جعفر بن إبراهيم أبو المنذر الجعفي
في لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال: روى عن
أبي جعفر الباقر وحكى عن شريح القاضي اه. ولا يخفى أنه لم يذكره
الشيخ الطوسي في رجاله وإنما ذكر: الجارود بن المنذر الكندي أبو المنذر
روى عن الصادق عليه السلام. وذكر في رجال الباقر عليه السلام جارود
يكنى أبا المنذر كما يأتي.
الجارود بن عمرو بن حنش بن يعلى العبدي (1)
قتل سنة 21
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: من
الوافدين عليه عليه السلام اه‍ وفي الاستيعاب: الجارود العبدي هو
الجارود بن المعلى وقيل الجارود بن عمرو بن العلاء يكنى أبا غياث وقيل أبا
عتاب ذكره أبو أحمد الحاكم وأخشى أن يكون تصحيفا ولكنه ذكر له
الكنيتين، وقيل يكنى أبا المنذر ويقال الجارود بن المعلى بن حنش من بني
جذيمة وكان سيدا في عبد القيس قال ابن إسحاق قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - يعني
في سنة عشر - الجارود بن عمرو ابن حنش بن يعلى أخو عبد القيس في وفد
عبد القيس وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه ويقال اسم الجارود بشر بن
عمرو ولقب الجارود لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل فأصابهم
فجردهم وقد ذكر ذلك المفضل العبدي في شعره فقال:
ودسناهم بالخيل من كل جانب * كما جرد الجارود بكر بن وائل
قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع فأسلم وكان قدومه مع المنذر بن
ساري في جماعة من عبد القيس ومن قوله لما حسن إسلامه:
شهدت بأن الله حق وسامحت * بنات فؤادي بالشهادة والنهض
فأبلغ رسول الله عني رسالة * بأني حنيف حيث كنت من الأرض
وزاد في الإصابة:
فإن لم تكن داري بيثرب فيكم * فإني لكم عند الإقامة والخفض
واجعل نفسي دون كل ملمة * لكن جنة من دون عرضكم عرضي
ثم سكن البصرة وقتل بأرض فارس وقيل بنهاوند مع النعمال ابن
مقرن وقيل بعثه عثمان بن أبي العاصي في بعث نحو ساحل فارس فقتل
بموضع يعرف بعقبة الجارود وكان قبل ذلك يعرف بعقبة الطين وذلك سنة
21 وقد كان سكن البحرين لكنه يعد في البصريين روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أحاديث روى عنه مطرف بن الشخير وابن سيرين وأبو مسلم الجرمي
وزيد بن علي أبو القموص ومن الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص
وجماعة من كبار لتابعين كان سيد عبد القيس وأمه دريمكة بنت رويم من
بني قديد بن شيبان اه ويظهر أن الشيخ في رجاله نقل ترجمته من عبارة ابن
إسحاق المتقدمة ويأتي عن الإصابة في الجارود بن المنذر بن المعلى ان الذي



(1) في مستدركات الجزء 24 قال المؤلف ان اسمه بشر وان الجارود لقب له.
56
روى عنه ابن سيرين وأمثاله هو الجارود بن المنذر. وفي الإصابة حكى ابن
السكن أن سبب تلقيبه بالجارود ان بلاد عبد القيس أجدبت فتوجه ببقية
إبله إلى بني شيبان وهم أخواله فجردت (1) إبلهم فقال الناس جردهم بشر
فقيل الجارود فقال الشاعر فذكرهم وقدم سنة عشر في وفد عبد القيس
الأخير وسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامه وابنه المنذر بن الجارود كان من رؤساء عبد
القيس بالبصرة مدحه الأعشى الحرمازي وغيره وحفيده الحكيم بن المنذر
وهو الذي يقول فيه الأعشى هذا أيضا
يا حكم بن المنذر بن الجارود * سرادق المجد عليك ممدود
أنت الجواد بن الجواد المحمود * نبت في الجود وفي بيت الجود
والعود قد ينبت في أصل العود
فكان الحجاج يحسد الحكم على هذه الأبيات اه ويظهر أنه من شرط
كتابنا لان عبد القيس معروفة بالتشيع.
الجارود بن عمر الطائي الكوفي
توفي سنة 155
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام: وفي لسان
الميزان: الجارود بن عمرو الطائي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة
وقال علي بن الحكم: كان ورعا ثقة له أحاديث جيدة روى عنه صفوان بن
يحيى مات سنة 155 اه. هكذا في لسان الميزان عمرو بالواو. وفي رجال
الشيخ عمر بدون واو.
الجارود بن المعلى
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن البصرة
اه. وقد مر في الجارود بن عمرو بن حنش ما يدل على أنه هو وهذا
واحد والشيخ جعلهما اثنين وعلى فرض التعدد. لم يعلم أنه من شرط
كتابنا
الجارود بن المنذر العبدي
الذي في الاستيعاب: ممن اسمه الجارود رجل واحد هو الجارود بن
المعلى المتقدم في الجارود بن عمرو بن حنش. والذي في رجال الشيخ
اثنان: الجارود بن عمرو بن حنش والجارود بن المعلى كما مر. وفي أسد
الغابة ذكر اثنين لم يذكر غيرهما، ثم استصوب انهما واحد فذكر أولا
الجارود بن المعلى المتقدم، ثم ذكر الجارود بن المنذر وقال: روى عنه
الحسن وابن سيرين قاله ابن منده جعله ترجمة ثانية فذكر هذا والذي
قبله، وقال: قال محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الوحدان: هما
اثنان - وفرق بينهما - روى حديثه ابن مسهر عن أشعث عن ابن سيرين عن
الجارود وقال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إني على دين فان تركت ديني
ودخلت في دينك، لا يعذبني الله يوم القيامة؟ قال نعم! اخرجه ابن منده
وحده. قلت جعله ابن منده غير الذي قبله وهما واحد، ولا شك ان
بعض الرواة رأى كنيته أبو المنذر فظنها ابن اه. وفي الإصابة ذكر اثنين
الجارود ابن المعلى المتقدم، ثم قال الجارود بن المنذر العبدي آخر. فرق
البخاري بينه وبين الذي قبله في كتاب الوحدان، قاله ابن منده وقال هذا
هو الذي يروي عنه ابن سيرين وأما الحسن بن سفيان والطبراني وغيرهما
فأخرجوا حديث ابن سيرين عن الجارود في الذي قبله. والصواب انهما هما
الاثنان لأن الجارود بن المنذر قد بقي حتى أخذ عنه الحسن وابن سيرين.
وأما ابن المعلى فمات قبل ذلك، والمنذر كنيته لا أسم أبيه اه.
الجارود بن المنذر أبو المنذر الكندي النخاس
في إيضاح الاشتباه: النخاس بالنون والخاء المعجمة والسين المهملة
اه.
قال النجاشي: جارود بن المنذر أبو المنذر الكندي النخاس كوفي
روى عن أبي عبد الله عليه السلام ثقة ثقة، ذكره أبو العباس في رجاله،
له كتاب يختلف الرواة عنه. أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا أحمد بن
جعفر عن حميد عن الحسن بن سماعة حدثنا علي بن الحسن بن رباط عن
الجارودية. وفي الفهرست: جارود بن المنذر له كتاب أخبرنا به ابن أبي
جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن صفوان بن
يحيى عن جارود اه. وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه
السلام الجارود بن المنذر، ثم قال في رجال الباقر عليه السلام جارود
ويكنى أبا المنذر، وقال في رجال الصادق عليه السلام جارود بن المنذر
الكندي اه. وفي لسان الميزان الجارود بن المنذر الكندي ذكره الطوسي في
رجال الشيعة المصنفين وقال غيره كان من رواة أبي جعفر الباقر اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي: باب الجارود المشترك بين جماعة لا حال
لهم بالتوثيق إلا الجارود بن المنذر، ويمكن استعلام حاله برواية علي بن
الحسن بن رباط عنه، وروايته هو عن أبي عبد الله عليه السلام اه‍. وزاد
الكاظمي في مشتركاته: رواية محمد بن أبي حمزة عنه. ومر عن
الفهرست: رواية صفوان بن يحيى عنه. وعن جامع الرواة أنه زاد رواية
حماد، وعلي بن عقبة، وهشام بن الحكم. وعلي بن أسباط عن أبيه عنه
اه.
الشيخ جار الله بن عبد العباس بن عمارة الجزائري
في أمل الأمل: كان فاضلا عالما يروي عن أبيه عن الشيخ علي بن
عبد العالي العاملي اه.
جارية بن يزيد
في الاستيعاب جارية بن زيد ذكره ابن الكلبي فيمن شهد صفين من
الصحابة اه - يعني مع علي عليه السلام - ففي أسد الغابة قال أبو عمر
ذكره ابن الكلبي فيمن شهد صفين مع علي بن أبي طالب من الصحابة
أخرجه أبو عمر اه فكان مع علي سقط من نسخة الاستيعاب المطبوعة.
وفي الإصابة جارية بن زيد عده ابن الكلبي فيمن شهد صفين من الصحابة
مع علي اه.
جارية بن ظفر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن الكوفة
وأصله اليمامة اه. وعن تقريب ابن حجر جارية بن ظفر الحنفي والد
نمران صحابي مقل اه. وفي الاستيعاب جارية بن ظفر اليمامي والد



(1) في القاموس: الجرد (بالتحريك) عيب معروف بالدواب.
57
نمران بن جارية، سكن الكوفة روى عنه ابنه نمران، ومولاه عقيل بن
دينار. ثم روى بسنده عنه أن دارا كانت بين أخوين فحظرا في وسطها
حظارا ثم هلكا، فادعى عقب كل منهما أن الحظار له واختصما إلى رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل حذيفة بن اليمان ليقضي بينهما فقضى بالحظار لمن وجد
معاقد القمط تليه، ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أصبت أو أحسنت اه.
جارية بن قدامة السعدي
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: عم الأحنف
وقيل ابن عمه، نزل البصرة، ثم ذكره في أصحاب علي عليه السلام فقال:
جارية بن قدامة السعدي عم الأحنف هذا على بعض النسخ، وفي بعضها
في أصحاب علي عليه السلام حارثة بالحاء المهملة والراء والثاء المثلثة وهو
تصحيف قطعا، ووجد على كتاب رجال الشيخ بخط ابن إدريس هكذا
قال محمد بن إدريس هذا إغفال واقع في التصنيف وإنما هو جارية بن قدامة
السعدي التميمي أحد خواص علي عليه السلام صاحب السرايا والألوية
والخيل يوم صفين وكان ينبغي أن يكون في باب الجيم بغير شك اه والأمر
كما قال. وذكره الكشي في رجاله في ترجمة الأحنف بن قيس وفي جون بن
قتادة باسم حارثة بالحاء المهملة والراء والثاء المثلثة وهو تصحيف قطعا كما
مر والصواب جارية فإن أهل التاريخ لا يشكون في أنه جارية لا حارثة،
قال ابن الأثير: جارية بن قدامة بالجيم والياء تحتها نقطتان اه، قال
الكشي: جون بن قتادة وحارثة بن قدامة السعدي طاهر بن عيسى
الوراق وغيره قالوا: حدثنا أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب التاجر
السمرقندي ونسخت من خط جعفر قال: حدثني أبو جعفر محمد بن
يحيى بن الحسن قال جعفر ورأيته خيرا فاضلا قال: أخبرني أبو بكر
محمد بن علي بن وهب قال: حدثني عدي بن حجر قال: قال الجون وقيل
الحارث بن قتادة العبسي في حارثة بن قدامة السعدي حين وجهه أمير
المؤمنين عليه السلام إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الاسلام:
تهود أقوام بنجران بعدما * أقروا بآيات الكتاب وأسلموا
فصرنا إليهم - في الحديد - يقودنا * أخو ثقة ماضي الجنان مصمصم
خددنا لهم في الأرض من سوء فعلهم * أخاديد فيها للمسيئين منقم
وقال الكشي أيضا في ترجمة الأحنف: وروي أن الأحنف بن قيس وفد
إلى معاوية وحارثة بن قدامة اه، والصواب: جارية كما عرفت. وفي
الإستيعاب جارية بن قدامة التميمي السعدي يكنى أبا عمرو، وقيل أبا
أيوب، وقيل أبا يزيد نسبة بعضهم فقال: جارية بن قدامة بن مالك بن
زهير بن حصن، ويقال حصين بن رزاح (وقيل رباح) بن أسعد بن
بجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم السعدي التميمي،
يعد في البصريين. روى عنه أهل المدينة وأهل البصرة، وكان مع علي في
حروبه، وهو الذي حاصر عبد الله بن الحضرمي في دار سنبيل (1) ثم حرق
عليه، وكان معاوية بعث أبا الحضرمي ليأخذ البصرة وبها زياد خليفة لابن
عباس فنزل عبد الله بن الحضرمي في بني تميم، وتحول زياد إلى الأزد
وكتب إلى علي، فوجه إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقتل، فبعث
جارية بن قدامة روى عنه الأحنف بن قيس. ويقال إن جارية بن قدامة عم
الأحنف، وعسى أن يكون عمه لأمه وإلا فما يجتمعان إلا في سعد بن زيد
مناة. روى هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس أنه أخبره ابن عم
له وهو جارية بن قدامة أنه قال: يا رسول الله قل لي قولا ينفعني وأقلل
لعلي أعقله! قال: لا تغضب، فعاد له مرارا، فرجع إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
لا تغضب اه. وفي أسد الغابة: جارية بن قدامة التميمي السعدي
عم الأحنف بن قيس، وقيل ابن عم الأحنف، قاله ابن منده وأبو نعيم،
إلا أن أبا نعيم قال: وقيل ليس بعمه ولا ابن عمه أخي أبيه وإنما سماه
عمه توقيرا، وهذا أصح فإنهما لا يجتمعان إلا إلى كعب بن سعد بن زيد
مناة، فإن أراد بقوله ابن عمه إنهما من قبيلة واحدة، فربما يصح ذلك
اه. وفي الطبقات الكبير لابن سعد ذكره فيمن نزل البصرة من الصحابة
فقال: جارية بن قدامة السعدي، ثم روى بسنده عن الأحنف بن قيس
عن ابن عم له يقال له جارية بن قدامة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا
رسول الله قل لي قولا ينفعني وأقلل لي لعلي أعيه! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا
تغضب! ثم أعاده عليه فقال لا تغضب حتى أعاده عليه مرارا كل ذلك
يقول له لا تغضب (أقول): ومن هذه الرواية يفهم أن الصواب أنه ابن
عم الأحنف لا عمه - أي من عشيرته فإن العرب تسمي عشيرة الأب
أعماما وأبناء أعمام، وعشيرة الأم أخوالا وأبناء أخوال. ثم قال ابن
سعد: وجارية بن قدامة فيمن شهد قتل عمر بن الخطاب قال: وكنا من
آخر من دخل عليه فسألناه وصية ولم يسألها إياه أحد قبلنا.
ولجارية بن قدامة أخبار ومشاهد، كان علي بن أبي طالب عليه
السلام بعثه إلى البصرة وفيها عبد الله بن عامر بن الحضرمي خليفة
عبد الله بن عامر بن كريز فحاصره في دار سنيب رجل من بني تميم، وكان
معاوية بعثه إلى البصرة يبايع له اه وفي المستدرك للحاكم ذكر جارية بن
قدامة التميمي، ثم روى بسنده أنه جارية بن قدامة بن زهير بن حصين بن
رباح بن سعد بن يحيى بن ربيعة بن كعب يكنى أبا الوليد وأبا يزيد، له دار
بالبصرة في سكة البحارية اه. وفي تهذيب التهذيب: جارية بن قدامة بن
زهير ويقال: ابن مالك بن زهير بن الحصين بن رزاح التميمي السعدي أبو
أيوب وقيل أبو قدامة وقيل أبو يزيد البصري روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث
(لا تغضب) وعن علي بن أبي طالب، شهد معه صفين، روى عنه
الأحنف بن قيس والحسن البصري. قال العسكري: تميمي شريف لحق
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه، ثم صحب عليا، وكان يقال له محرق لأنه أحرق
ابن الحضرمي بالبصرة وكان شجاعا فاتكا، وقال ابن حبان في الثقات هو
ابن عم الأحنف مات في ولاية يزيد بن معاوية وقال العجلي تابعي ثقة قلت
قد بينت في معرفة الصحابة أنه صحابي ثابت الصحبة، وقال سيجئ في
ترجمة جويرية بن قدامة ذكر الخلاف هل هو هذا أو غيره ويقويه ما رواه ابن
عساكر في تاريخه من طريق سعيد بن عمرو الأموي: قال معاوية لآذنه ائذن
لجارية بن قدامة فقال له أيها يا جويرية اه ولم أجده في تاريخ ابن
عساكر المطبوع وكأنه سقط من النسخة فإنه قدم دمشق قطعا فكان يجب أن
يترجمه. وفي الإصابة جارية بن قدامة وقيل إنه جويرية بن قدامة الذي
روى عن عمه في البخاري اه وفي خلاصة تذهيب الكمال: جارية بن
قدامة السعدي التميمي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي وشهد معه صفين أميرا على
بني تميم وعنه الأحنف والحسن وكان شجاعا مقداما فاتكا فصيحا اه.



(1) كذا في النسخة، وفي أسد الغابة: ابن شبيل، وفي أكثر الكتب: ابن سنبيل وفي بعضها
سنبيل وكأنه الصواب.
المؤلف -.
58
أخباره
في مروج الذهب انه هو الذي أخذ البيعة لعلي عليه السلام بالبصرة
قال عند ذكر حرب الجمل وقد كان عبد الله بن عامر عامل عثمان على
البصرة هرب عنها حين اخذ البيعة لعلي بها على الناس جارية بن قدامة
السعدي وقال المسعودي عند ذكر حرب النهروان ان عليا عليه السلام كان
قد انفصل عن الكوفة في خمسة وثلاثين ألفا يريد الرجوع لقتال أهل الشام
واتاه من البصرة من قبل ابن عباس - وكان عامله عليها - عشرة آلاف فيهم
الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة السعدي وذلك في سنة 38 فنزل الأنبار
والتأمت اليه العساكر فخطب الناس وحرضهم وندبهم إلى المسير للشام فأبوا
الا ان يبدأوا بالخوارج وقال المسعودي أيضا عند ذكر ارسال معاوية بسر بن
أرطأة سنة 40 في ثلاثة آلاف إلى الحجاز واليمن وبلغ الخبر عليا فانفذ
جارية بن قدامة السعدي في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين ونما إلى يسر
خبر جارية بن قدامة السعدي فهرب وظفر جارية بابن أخي بسر مع أربعين
من أهل بيته فقتلهم اه. لأنهم كانوا مشاركين لبسر في الفساد في الأرض.
حضر جارية بن قدامة حرب الجمل وصفين مع علي عليه السلام قال
ابن الأثير في حوادث سنة 36 عند ذكره لحرب الجمل ما لفظه: واقبل
جارية بن قدامة السعدي وقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من
خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح انه قد كان لك
من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك انه من رأى قتالك يرى
قتلك، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وان كنت أتيتنا مكرهة
فاستعيني بالناس اه. وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان عليا عليه
السلام جعل على سعد البصرة وربابها جارية بن قدامة السعدي وقال نصر
أيضا ولما كان يوم صفين برز عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومعه لواء
معاوية الأعظم وهو يقول:
انا ابن سيف الله ذاكم خالد * اضرب كل قدم وساعد
بصارم مثل الشهاب الواقد * انصر عمي ان عمي والد
بالجهد لا بل فوق جهد الجاهد * ما انا فيما نابني براقد
فاستقبله جارية بن قدامة السعدي وهو يقول:
أثبت لصدر الرمح يا ابن خالد * أثبت لليث ذي فلول حارد
من أسد خفان شديد الساعد * ينصر خير راكع وساجد
من حقه عندي كحق الوالد * ذاكم علي كاشف الأوابد
وأطعنا مليا ومضى عبد الرحمن وانصرف جارية اه. ولكن في
مناقب ابن شهرآشوب: وخرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز اليه
جارية بن قدامة السعدي فقتله اه. والذي في النسخة حارثة وهو
تصحيف كما مر. ولما عزم أمير المؤمنين علي عليه السلام على الرجوع إلى
حرب أهل الشام بعد وقعة صفين وامر الحكمين كتب إلى ابن عباس ان
يشخص اليه الناس من البصرة فندبهم مع الأحنف بن قيس فشخص معه
ألف وخمسمائة ثم قال الا انفروا اليه مع جارية بن قدامة السعدي فخرج
جارية فاجتمع اليه ألف وسبعمائة فوافوا عليا وهم ثلاثة آلاف ذكره ابن
الأثير في حوادث سنة 37. وجارية بن قدامة هذا ارسله علي عليه السلام
إلى البصرة حين قدمها عبد الله الحضرمي الذي ارسله معاوية إليها فأوقع
بها فتنة قتل فيها أعين بن ضبيعة المجاشعي غيلة كما مر في ترجمته وكتب زياد
خليفة ابن عباس على البصرة إلى علي عليه السلام يخبره بذلك ومر الكتاب
في ترجمة أعين بن ضبيعة منقولا عن كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد بن
سعيد بن هلال الثقفي وفي آخره وقد رأيت أن رأى أمير المؤمنين ما رأيت أن
يبعث إليهم جارية بن قدامة فإنه نافذ البصيرة ومطاع في العشيرة شديد
على عدو أمير المؤمنين فان يقدم يفرق بينهم بإذن الله والسلام على أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته فلما جاء الكتاب دعا جارية بن قدامة فقال له يا
ابن قدامة تمنع الأزد عاملي وبيت مالي وتشاقني مضر وتنابذني وبنا ابتدأها
الله تعالى بالكرامة وعرفها الهدى وتدعو إلى المعشر الذين حادوا الله ورسوله
وأرادوا اطفاء نور الله سبحانه حتى علت كلمة الله وهلك الكافرون فقال يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم واستعن بالله عليهم قال قد بعثتك إليهم
واستعنت بالله عليهم اه. قال ابن الأثير في حوادث سنة 38 انه لما قتل
أعين بن ضبيعة ارسل علي إلى البصرة جارية بن قدامة السعدي وهو من بني
سعد بن تميم وبعث معه خمسين رجلا وقيل خمسمائة من تميم وكتب إلى زياد
يأمره بمعونة جارية والإشارة عليه، فقدم جارية البصرة اه. قال
إبراهيم بن هلال الثقفي فحدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني ابن أبي
السيف عن سليمان ابن أبي راشد عن كعب ابن أبي قعين قال خرجت مع
جارية من الكوفة إلى البصرة في خمسين رجلا من بني تميم ما كان فيهم يماني
غيري وكنت شديد التشيع، فقلت لجارية: ان شئت كنت معك وان
شئت ملت إلى قومي؟ فقال: بل معي! فوالله لوددت ان الطير والبهائم
تنصرني عليهم فضلا عن الانس. قال: وروى كعب بن قعين ان عليا
عليه السلام كتب مع جارية كتابا وقال اقرأه على أصحابك! قال فمضينا
معه فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحب به واجلسه إلى جانبه وناجاه ساعة
وساءله ثم خرج، فكان أفضل ما أوصاه به ان قال: احذر على نفسك
واتق ان تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك! وخرج جارية من عنده،
فقام في الأزد فقال: جزاكم الله من حي خيرا! ما أعظم غناءكم وأحسن
بلاءكم و أطوعكم لأميركم، لقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره ودعوتم
إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه! تم قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة
علي عليه السلام وغيرهم كتاب علي عليه السلام فإذا فيه: من عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين
والمسلمين! سلام عليكم، اما بعد فان الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة
قبل البينة ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة، ولكنه يقبل التوبة ويستديم
الأناة ويرضى بالأناة ليكون أعظم للحجة وأبلغ في المعذرة، وقد كان من
شقاق جلكم أيها الناس، ما استحققتم ان تعاقبوا عليه فعفوت عن
مجرمكم ورفعت السيف عن مدبركم وقبلت من مقبلكم واخذت بيعتكم،
فان تفوا ببيعتي وتقبلوا نصيحتي وتستقيموا على طاعتي اعمل فيكم بالكتاب
والسنة وقصد الحق وأقيم فيكم سبيل الهدى. فوالله ما أعلم ان واليا بعد
محمد صلى الله عليه وآله وسلم اعلم بذلك مني ولا أعمل بقوله. أقول قولي هذا صادقا غير ذام
لمن مضى ولا منتقصا لاعمالهم، وان خطت بكم الأهواء المردية - وصفه
الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي، فها أنذا قربت جيادي ورحلت
ركابي وأيم الله لئن الجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم
الجمل عندها. الا كلعقة لاعق، واني لظان ان لا تجعلوا إن شاء الله على
أنفسكم سبيلا، وقد قدمت هذا الكتاب إليكم حجة عليكم ولن اكتب
إليكم من بعده كتابا ان أنتم استغششتم نصيحتي ونابذتم رسولي حتى أكون
انا الشاخص نحوكم إن شاء الله تعالى والسلام. قال: فلما قرئ الكتاب

59
على الناس قام صبره بن شيمان فقال: سمعنا وأطعنا ونحن لمن حارب أمير
المؤمنين حرب ولمن سالم سلم، ان كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك،
وان أحببت ان ننصرك نصرناك، وقام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك
ونحوه، فلم يأذن لاحد منهم ان يسير معه. ومضى نحو بني تميم فقام زياد
في الأزد، فمدحهم وشكرهم وحرضهم، ثم قال في أثناء كلامه: وقد
قدم عليكم جارية بن قدامة وانما ارسله علي ليصدع امر قومه، والله ما هو
بالأمير المطاع، ولو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين ولكان لي تبعا
قال إبراهيم: فاما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه وخرج اليه منهم أوباش
فناوشوه بعد ان شتموه واسمعوه، فأرسل إلى زياد والأزد يستصرخهم
ويأمرهم ان يسيروا اليه، فسارت الأزد بزياد. وقال ابن الأثير: وسار
جارية إلى قومه وقرأ عليهم كتاب علي وواعدهم فأجابه أكثرهم، فسار إلى
ابن الحضرمي وعلى خيله عبد الله بن حازم السلمي، فاقتتلوا ساعة،
واقبل شريك بن الأعور الحارثي - وكان من شيعة علي عليه السلام وصديقا
لجارية بن قدامة - فقال: الا أقاتل معك عدوك؟ فقال: بلى! فما لبثوا بني
تميم ان هزموهم واضطروهم إلى دار سنبيل السعدي. وقال ابن الأثير:
فانهزم ابن الحضرمي فتحصن بقصر سنبيل (سنيبل) ومعه ابن حازم
(خازم) وكان قصر سنبيل لفارس قديما وصار لسنبيل السعدي وحوله
خندق اه. قال إبراهيم: فحصروا ابن الحضرمي وحدود مائتي رجل من
بني تميم ومعهم عبد الله بن حازم السلمي، فجاءت أمه - وهي سوداء
حبشية اسمها عجلى - فنادته فأشرف عليها، فقالت: يا بني انزل إلي!
فأبى، فكشفت رأسها وأبدت قناعها وسألته النزول فأبى، فقالت: والله
لتنزلن أو لأتعرين، وأهوت بيدها إلى ساقها، فلما رأى ذلك نزل،
فذهبت به، وأحاط جارية وزياد بالدار وقال جارية. علي بالنار فقالت
الأزد: لسنا من الحريق بالنار في شئ وهم قومك وأنت اعلم، فحرق
جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد
الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التميمي، وسمي جارية منذ ذلك
اليوم محرقا. وكتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام: اما بعد فان
جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي
بمن نصره واعانه من الأزد، ففضه واضطره إلى دار من دور البصرة في عدد
كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما، فقتل ابن الحضرمي
وأصحابه منهم من احرق بالنار، ومنهم من القي عليه جدار، ومنهم من
هدم عليه البيت من أعلاه، ومنهم من قتل بالسيف. وسلم منهم نفر أنابوا
ونابوا فصفح عنهم. وبعد المن عصى وغوى، والسلام على أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته. فلما وصل كتاب زياد قرأه علي عليه السلام على
الناس، وكان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة فسر علي عليه السلام بذلك وسر أصحابه واثنى على جارية وعلى زياد وعلى أزد البصرة اه وقال
ابن الأثير في حوادث سنة 38 انه لما خرج الأشهب بن بشر وقيل الأشعث
وهو من بجيلة في مائة وثمانين رجلا بعد وقعة النهروان وجه إليهم علي
جارية بن قدامة السعدي وقيل حجر بن عدي فاقتتلوا بجرجرايا من ارض
جوخى فقتل الأشهب وأصحابه في جمادي الآخرة سنة 38 ثم خرج أبو
مريم السعدي التميمي فاتى شهرزور وأكثر من معه من الموالي وقيل لم يكن
معه من العرب غير ستة هو أحدهم واجتمع معه مائة رجل وقيل أربعمائة
وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة فأرسل اليه علي يدعوه إلى بيعته
ودخول الكوفة فلم يفعل وقال ليس بيننا غير الحرب فبعث اليه علي
شريح بن هاني في سبعمائة فحمل عليهم الخوارج فانكشفوا وبقي شريح في
مائتين فانحاز إلى قرية وتراجع اليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة
فخرج علي بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي فدعاهم جارية
إلى طاعة علي وحذرهم القتل فلم يجيبوا ولحقهم علي أيضا فدعاهم فأبوا
عليه فقتلهم أصحاب علي ولم يسلم منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فأمنهم
وكان في الخوارج أربعون رجلا جرحى فأمر علي بادخالهم الكوفة ومداواتهم
اه. وجارية هو الذي أشار على أمير المؤمنين علي عليه السلام بتولية زياد
ابن أبيه بلاد فارس حين اضطربت عليه ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 39
وقال قيل أشار به ابن عباس اه. وذكر ابن الأثير في حوادث سنة 40 ان
معاوية بعث بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن في ثلاثة آلاف فاتى المدينة
وتهدد أهلها وهدم بها دورا واتى مكة فأكره أهلها على البيعة واتى اليمن فقتل
بها خليفة عبيد الله بن العباس وابنه وقتل طفلين صغيرين لعبيد الله وقتل في
مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن وبلغ عليا بالخبر فأرسل جارية بن
قدامة السعدي في الفين ووهب بن مسعود في الفين فسار جارية حتى اتى
نجران فقتل بها ناسا من شيعة عثمان - والصحيح: ان الذي قتلهم كانوا
قد ارتدوا، كما يأتي - وهرب بسر وأصحابه، واتبعه جارية حتى اتى مكة،
فقال: بايعوا أمير المؤمنين، فقالوا قد هلك فلمن نبايع؟ قال لمن بايع له
أصحاب علي، فبايعوا الحسن خوفا منه وسار حتى اتى المدينة وأبو هريرة
يصلي بالناس فهرب منه فقال جارية لو وجدت أبا سنبور لقتلته ثم قال
لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه واقام يومه ثم عاد إلى الكوفة
ورجع أبو هريرة يصلي بهم وقيل إن مسير بسر إلى الحجاز كان سنة 42 اه
وأبو هريرة كان قد استخلفه بسر على المدينة لما خرج منها إلى اليمن. واخر
الحديث يدل على أن ذلك كان بعد مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام وفي
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال الكلبي وأبو مخنف فندب علي عليه
السلام أصحابه لبعث سرية في اثر بسر فتثاقلوا واجابه جارية بن قدامة
السعدي فبعثه في الفين فشخص إلى البصرة ثم اخذ طريق الحجاز حتى
قدم اليمن وسال عن بسر فقيل اخذ في بلاد بني تميم فقال اخذ في ديار قوم
يمنعون أنفسهم وبلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة واخذ جارية بن
قدامة السير ما يلتفت إلى مدينة مر بها ولا أهل حصن ولا يعرج علي شئ
الا ان يرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته أو يسقط بعير
رجل أو تحفى دابته فيأمر أصحابه بان يعقبوه حتى انتهوا إلى ارض اليمن
فهرب شيعة عثمان حتى لحقوا بالجبال واتبعهم شيعة علي وتداعت عليهم
من كل جانب وأصابوا منهم وصمد جارية نحو بسر وبسر بين يديه يفر من
جهة إلى جهة أخرى حتى اخرجه من أعمال علي عليه السلام كلها فلما فعل
به ذلك أقام جارية بحرس نحوا من شهر حتى استراح وأراح أصحابه
ووثب الناس ببسر في طريقه لما انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته
وفظاظته وظلمه وغشمه اه. ومما مر يعلم أن جارية بن قدامة كان من
المخلصين في ولاء علي عليه السلام وكان من أعاظم الرجال المعدودين،
وان عليا عليه السلام كان يعده لكل مهم، فهو الذي أبلى معه في حروب
الجمل وصفين والنهروان، وبعثه علي عليه السلام إلى الخوارج بعد وقعة
النهروان وهو الذي أطفأ فتنة ابن الحضرمي بعدما استعرت نارها في البصرة
وكادت تفسد أهلها على أمير المؤمنين عليه السلام، فحاصر ابن الحضرمي
وأصحابه حتى قتلهم حرقا بالنار، وهو الذي لحق بسرا إلى اليمن فهرب
منه واتبعه حتى اخرجه من اعمال علي عليه السلام كلها بعد ما هرب منه
عبيد الله بن العباس واتى الكوفة وتحمل بذلك العار والشنار وبئس
العمل الفرار، ولم يكن مع بسر الا ثلاثة آلاف، وعبيد الله معه أهل اليمن

60
وهو الوالي عليها فاسلم عمله وولايته وأهله وأولاده ولاذ بالفرار غير مبال بما
يلحقه بذلك من العار حتى ذبح بسر ولديه الصغيرين على درج صنعاء،
وما كان أجدره بأن يثبت لبسر ويحاربه وهل هو الا الموت ورب حياة شر من
الموت، و الناس يتفاوتون كالتفاوت بين التراب والذهب، ثم أنظر إلى
سيرة جارية بن قدامة ومن معه في مسيره ذلك، فقد كان - كما سمعت - إذا
ارمل بعض أصحابه من الزاد يأمر أصحابه بمواساته، أو سقط بعير رجل أو
حفيت دابته يأمر أصحابه بان يعقبوه، اما بسر وأصحابه فكانوا على ما
ذكره المؤرخون كلما جاءوا إلى ماء من مياه العرب ركبوا جمال أهله وقادوا
خيلهم إلى المنهل الآخر، فيفعلون كذلك، فلم يكفهم انهم سائرون
ليفسدوا في الأرض حتى اغتصبوا جمال الاعراب وركبوها وتركوا خيولهم.
وروى المجلسي في البحار عن كتاب الغارات باسناده عن الكلبي ولوط بن
يحيى ان ابن قيس قدم على علي عليه السلام فأخبره بخروج بسر بن أرطأة
من قبل معاوية، فندب الناس فتثاقلوا عنه، إلى أن قال: فقام جارية ابن
قدامة السعدي وقال: انا أكفيكهم يا أمير المؤمنين! فقال: انك لعمري
لميمون النقيبة حسن النية صالح العشيرة، وندب معه ألفين وأمره ان يأتي
البصرة ويضم اليه مثلهم، فشخص جارية وخرج عليه السلام فلما ودعه
أوصاه بما أوصاه، إلى أن قال: فقدم البصرة وضم اليه مثل الذي معه،
ثم اخذ طريق الحجاز حتى قدم اليمن لم يغصب أحدا ولم يقتل أحدا الا
قوما ارتدوا فقتلهم وحرقهم اه. وفي خبر آخر انه لما رجع من سيره بعد
قتل علي عليه السلام دخل على الحسن عليه السلام فضرب على يده فبايعه
وعزاه وقال: ما يحبسك - يرحمك الله - سر إلى عدوك قبل ان يسار إليك!!
فقال: لو كان الناس كلهم مثلك سرت بهم اه. وفي الإصابة: ولجارية
هذا قصة مع معاوية يقول فيها: فقال له معاوية: سل حاجتك يا أبا
قندس! قال تقر: الناس في بيوتهم فلا توفدهم إليك
فإنما يوفدون إليك الأغنياء ويذرون الفقراء اه. ووفد جارية بن قدامة على معاوية مع
الأحنف بن قيس حين وفد عليه ذكره الكشي في ترجمة الأحنف وفي العقد
الفريد في مجاوبة الامراء والرد عليهم: قال معاوية لجارية بن قدامة: ما
كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية؟ قال: ما كان أهونك على أهلك
إذ سموك معاوية وهي الأنثى من الكلاب! قال: لا أم لك! قال: أمي
ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا! قال: انك لتهددني؟ قال: انك
انك لم تفتتحنا قسرا ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهدا وميثاقا،
وأعطيناك سمعا وطاعة، فان وفيت لنا وفينا لك، وان فزعت إلى غير
ذلك: فانا تركنا وراءنا رجالا شدادا والسنة حدادا. قال له معاوية:
لأكثر الله في الناس من أمثالك! قال جارية: قل معروفا وراعنا فان شر
الدعاء المحتطب. وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: انه قدم على علي
عليه السلام بعد قدومه الكوفة الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة
وحارثة بن بدر وزيد بن جبلة واعين بن ضبيعة فقام الأحنف بن قيس
وجارية بن قدامة وحارثة بن زيد، فتكلم الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين
ان تكن سعد لم تنصرك يوم الجمل، فإنها لم تنصر عليك، وقد عجبوا
أمس ممن نصرك وعجبوا اليوم من خذلك لأنهم شكوا في طلحة والزبير ولم
يشكوا في معاوية، وعشيرتنا بالبصرة فلو بعثنا إليهم، فقدموا الينا فقاتلنا
بهم العدو وانتصفنا بهم وادركوا اليوم ما فاتهم أمس! فقال علي لجارية بن
قدامة - وكان رجل تميم بعد الأحنف -: ما تقول يا جارية؟ فقال: أقول إن
هذا جمع حشره الله بالتقوى ولم تستنكره فيه شاخصا ولم تشخص فيه
مقيما، والله لولا ما حضرك فيه من الله، لغمك سياسته. وليس كل من
كان معك كان معك، ورب مقيم خير من شاخص، ومصرك خير لك
وأنت اعلم. فكأنه كره اشخاص قومه عن البصرة اه.
وذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء نقلا عن تاريخ ابن عساكر، ولكنها
غير موجودة في تاريخ ابن عساكر المطبوع إذ لم يذكر فيه جارية بن قدامة
أصلا ان النسخة المطبوعة، مع أنه قدم دمشق على معاوية قطعا. ومن
عادة ابن عساكر ان يذكر كل من قدم دمشق وان لم يكن من أهلها. فدل
ذلك على أن نسخة تاريخ ابن عساكر المطبوعة ناقصة كما أشرنا اليه فيما
تقدم قال السيوطي في تاريخ الخلفاء عند ذكر معاوية ما لفظه: اخرج ابن
عساكر عن عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على
معاوية فقال: هل أنت الا نحلة قال: لا تقل فقد شبهتني بها حامية
اللسعة حلوة البصاق والله ما معاوية الا كلبة تعاوي الكلاب وما أمية الا
تصغير أمة.
وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية
فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في
شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم قال جارية: يا معاوية دع عنك
عليا فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ولا غششناه منذ صحبناه قال: ويحك يا
جارية ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية قال: أنت يا معاوية
كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية قال لا أم لك قال: أم ما ولدتني
ان قوائم السيوف التي لقيناها لها بصفين في أيدينا قال: انك لتهددني قال:
انك لم تملكنا قسرة ولم تفتحنا عنوة ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق فان وفيت
وفينا وان ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأدرعا شدادا
وأسنة حدادا فان بسطت الينا فترا من غدر دلفنا إليك بباع من ختر. قال
معاوية: لا أكثر الله في الناس أمثالك اه.
بعض رواياته
في المستدرك للحاكم بسنده عن الأحنف عن جارية بن قدامة قلت يا
رسول الله قل لي قولا ينفعني واقلل لعلي أعيه! قال: لا تغضب، وأعادها
مرارا يقول لا تغضب اه.
اشعاره
مر له رجز يجيب به عبد الرحمن بن خالد، ونسب اليه ابن
شهرآشوب في المناقب هذا الرجز في أمير المؤمنين عليه السلام، وكأنه
مقتطع من السابق، وهو قوله: من حقه عندي كحق الوالد * ذاك علي كاشف الأوابد
خير امام راكع وساجد
وفي المناقب أيضا نسبة هذه الأبيات إلى قدامة السعدي هكذا في
النسخة المطبوعة، والظاهر أنه كان أصله ابن قدامة فسقط لفظ ابن من
النساخ، ووجدناها أيضا في بعض المجاميع العاملية المخطوطة منسوبة إلى
قدامة السعدي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام والصواب ابن قدامة
فهو الذي كان من أصحابه عليه السلام. قال:
رد الوصي علينا الشمس إذ غربت (1) * حتى قضينا صلاة العصر في مهل



(1) لنا الشمس التي غربت خ ل
61
فتلك أيته فينا وحجته * فهل له في جميع الناس من مثل
أقسمت لا أبتغي يوما به بدلا * وهل يكون لنور الله من بدل
حسبي أبو حسن مولى أدين به * ومن به دان رسل الله في الأزل
وفي مشتركات الكاظمي: باب جارية - ولم يذكره شيخنا - مشترك
بين صحابيين لم يوثقا اه.
الشيخ جاعد بن خميس بن مبارك الخروصي العماني.
(وجاعد) الظاهر أن أصله قاعد، ولكن عرب تلك النواحي
يقلبون القاف جيما كما يقولون جاسم في قاسم.
ذكره في حديقة الأفراح في أذكياء عمان فقال: أشهد أنه العلم المفرد
وأجل من ركع وسجد وهدى من ضل وأضل بعلومه وأرشد فهو اليوم زعيم
قومه وكبيرهم الذي صغرت أقرانه لقصورهم عن المقابلة في صلاته
وصومه، تصانيفه دلائل الإعجاز وتواليفه محشوة بمحاسن الحقيقة والمجاز.
ومن شعره قوله:
خذ هاك يا ابن الأكرمين كتابا * يحيي القلوب ويفتح الابوابا
وإذا أتيت إلى المدارس لا تكن * عند المعلم لاهيا لعابا
الجاموراني
في البحار هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي.
الجامي
اسمه عبد الرحمن بن أحمد بن محمد
جان بلاط (1)
قال محمد بن طولون الصالحي الدمشقي في كتابه أعلام الورى وهو
يتحدث عن وقائع شهر ذي القعدة سنة 906 في دمشق:
في هذه الأيام شاع بدمشق استقرار الأمير قانصوه - المعروف بنائب
البرج يعني الذي بناه السلطان قاتباي بالإسكندرية - في نيابة الشام، وكان
قد نفاه العادل إلى مكة، وهو الآن بها، وكان هو السبب في تسليم قلعة
مصر للعادل وله ثلاثة أخوة: خير بك الذي حبسه العادل بقلعة دمشق ثم
طلبه إلى مصر وأكرمه لأجل أخيه، والثاني جان بلاط الذي كان دوادارا
للسلطان الظاهر بدمشق ثم هرب من قصروه إلى حلب واستمر معزولا،
والثالث خضر بك الذي تولى نيابة القدس.
وفي يوم الاثنين رابع عشر ذي القعدة نودي بدمشق بأن الأمير جان
بلاط المذكور يكون هو الآن نائب الغيبة عن أخيه نائب الشام إلى أن يأتي
من مكة إلى دمشق.
وفي هذه الأيام وقف حال الناس وقطعت الطرق من كثرة العرب من
المفادجة وبين لام خارج دمشق وأطرافها وكثر الظلم والاختلاف والناس
مرتقبون الفتن.
وفي بكرة يوم الخميس سابع عشرة أمر جان بلاط نائب الغيبة بإشهار
المناداة للأمراء والأجناد بدمشق وأهل الجياد بها أن يهيئوا للجهاد في الله في
العرب المذكورين ثم بعد أيام رحل العرب عن الطرق وقل شرهم.
وبعد أن يسرد عدة أحداث يصل إلى شهر 5 المحرم 907 فيسرد
أحداث أيامه الأولى إلى أن يقول:
وفي يوم عاشوراء اجتمع جماعة من الأوباش والأعجام والقلندرية
بدمشق وأظهروا قاعدة الروافض من أدماء الوجودة وغير ذلك. وقام
عليهم بعض الناس وترافعوا إلى نائب الغيبة المذكور (جان بلاط) فنصر
أهل البدعة وشوش على القائم عليهم ولا قوة إلا بالله.
ميرجان الكبابي التبريزي نزيل حلب
توفي ظنا سنة 963
ذكره صاحب شذرات الذهب ووصفه بالشافعي وقال قال في
الكواكب كان عالما كبيرا سنيا صوفيا قصد قتله الشاه إسماعيل الصفوي
صاحب تبريز فأظهر الجنون ثم صار على أسلوب الدراويش وقال ابن
الحنبلي زرته بحلب في العشر الرابع من القرن (العاشر) وب وبحجرة
ليس فيها إلا حصيرة ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية.
وفي تاريخ ابن طولون المسمى مفاكهة الاخوان: وفي يوم الثلاثاء 16
شعبان يعني سنة 349 قدم دمشق علم الشرق ميرجان (الكبابي)
التبريزي الشافعي وقيل إنه كان إذا طلع من حل درسه نادى مناد في
الشوارع من له غرض في حل إشكال فليحضر عند المنلا فلان قال ووقفت
له على التفسير عدة آيات على طريقة نجم الدين الكبرى في تفسيره، قال
وعنده اطلاع اه. ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق
11 المحرم سنة 935 قال وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير
خف وأنه يقدم عليا وأنه استخرج ذلك من آية من آيات القرآن العظيم
اه.
جاهمة السلمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جاهمة السلمي والد معاوية بن جاهمة، ويقال هو جاهمة بن العباس بن
مرداس السلمي حجازي. ثم روى بسنده عن جاهمة قال: اتيت النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أستشيره في الجهاد، فقال: ألك والدة؟ قلت نعم، قال: إذهب
فأكرمها فإن الجنة تحت رجلها اه وذكره ابن سعد في الطبقات الكبير في
الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة فقال: جاهمة بن العباس بن مرداس
وقد أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنه أحاديث، ثم ذكر حديث
الغزو. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جبار بن الحارث السلماني
ذكره ابن الأثير في الكامل فيمن استشهد مع الحسين عليه السلام،
وأنه كان فيمن قاتل أول القتال مع جماعة، فلما وغلوا في أصحاب ابن
سعد عطفوا عليهم فقطعوهم عن أصحابهم، فحمل العباس بن علي
فاستنقذهم وقد جرحوا، فلما دنا منهم عدوهم حملوا عليهم فقاتلوا فقتلوا
في أول الأمر في مكان واحد اه.
أبو محمد الجبار بن علي بن جعفر المعروف بحدقة
عالم فاضل من أهل المائة السادسة يروي بالإجازة عن الشيخ علاء



(1) مما استدركناه على الكتاب - الناشر -
62
الدين أبي جعفر محمد بن القاسم علي بن محمد بن علي بن رستم الطبري
صاحب بشارة المصطفى.
جبار بن صخر
توفي بالمدينة سنة 30 وعمره 62 سنة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب: نسبه
ابن إسحاق جبار بن صخر بن أمية بن الخنساء بن سنان بن عبيد بن
عدي بن غنيم بن كعب بن سلمة السلمي الأنصاري، شهد بدرا وهو ابن
اثنتين وثلاثين سنة، ثم شهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وكان أحد
السبعين ليلة العقبة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين المقداد بن الأسود.
ونسبه ابن هشام جبار بن صخير بن أمية بن خناس وقيل: خناس وخنيس
وخنساء سواء، وقيل: هما إخوان، يكنى أبا عبد الله، توفي بالمدينة سنة
30. روى عنه شرحبيل بن سعد قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقمت
عن يساره فاخذني وجعلني عن يمينه. وروى بسنده عن جابر بن عبد الله
قال: قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذني وجعلني عن يمينه، وجاء
جبار بن صخر فدفعنا حتى جعلنا خلفه. قال ابن إسحاق: كان جبارا
خارصا بعد عبد الله بن رواحة اه. وفي الإصابة عن أبي نعيم: توفي
وعمره 62 سنة اه ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جبار بن القاسم الطائي
في ميزان الاعتدال: جبار بن فلان الطائي، عن أبي موسى -
الأشعري - ضعفه الأزدي. وفي لسان الميزان: قال ابن أبي حاتم:
جبار بن القاسم الطائي روى عن ابن عباس، روى عنه أبو إسحاق ولم
يذكر فيه حرجا. وكذا ذكره ابن حبان في الثقات بروايته عن ابن عباس.
وكذا ذكره البخاري في التاريخ. وأورد له النباتي في الحافل من طريق
الثوري عن ابن إسحاق عنه عن أبي موسى رفعه: إذا كان يوم القيامة كنت
أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في قبة تحت العرش اه. ومن ذلك قد
يظن تشيعه.
جبر بن أنس بن أبي زريق
في أسد الغابة: جبر بن أنس بدري قال أبو نعيم حدثنا سليمان بن
أحمد حدثنا الحضرمي قال في كتاب عبيد الله بن أبي رافع في تسمية من شهد
مع علي - يعني صفين -: وجبر بن أنس بدري من بني زريق قال أبو موسى
ويقال جزء بن أنس أخرجه أبو نعيم وأبو موسى اه. وفي الإصابة جبر بن
أنس بن أبي زريق ذكره الطبراني عن مطين بسنده إلى عبيد الله بن أبي رافع
فيمن شهد صفين مع علي من الصحابة وقال إنه بدري والاسناد ضعيف ولم
يذكره أصحاب المغازي في البدريين إنما ذكروا جبير بن أياس قلت وحكى
أبو موسى أنه يقال فيه جزء بن أنس وليس بصواب لأن جزء بن أنس سيأتي
أنه سلمي وهذا أنصاري اه.
جبر الجبري شاعر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
شاعر مجيد له قصيدة في مدح أهل البيت عليهم السلام من جيد
الشعر يظهر من بيت في آخرها جبر حيث يقول:
وأجبر بها الجبري جبرا وأبره * من ظالم لدمائهم سفاك
ولا نعلم من أحواله شيئا غير ذلك. وهذه القصيدة يستشهد ابن
شهرآشوب في المناقب بأبيات منها، فعلم من ذلك أنه متقدم
عليه، وابن شهرآشوب توفي سنة 588 وقد وجدناها في مجموعة نفيسة
مخطوطة وهي من كنوز هذا الكتاب ولست تجدها في غيره. وهذه صورة ما
وجدناه هكذا: الجبري شاعر آل محمد عليهم السلام: يا دار غادرني جديد بلاك * رث الجديد فهل رثيت لذاك
أم أنت عما اشتكيته من الهوى * عجماء مذ عجم البلى مغناك
ما بال ربعك لا يحل كأنما * يشكو الذي أنا من نحول شاكي
ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد * إلا تباريح الهموم قراك
ورسيس شوق تمتري زفراته * عبراتنا حتى تبل ثراك
طلت طلولك دمع عيني مثلما * سفكت دمي يوم الرحيل دماك
وأرى قتيلك لايديه قاتل * وفتور الحاظ الظباء ظباك
وكفت عليك سماء عيني صيبا * لو كف صوب المزن عنك كفاك
لما وقفت مسلما فكأنما * ريا الأحبة سفت من رياك
سقيا لربعك والهوى مقضية * أوطاره قبل احتكام هواك
أيام لا واش يطاع ولا هوى * يعصى فنقصى عنك إذ زرناك
وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما * رمنا القصاص من اقتناص مهاك
ولئن أصارتك الخطوب إلى بلى * ونحاك ريب صروفها فمحاك
فلطالما قضيت فيك مآربي * وأبحت ريعان الشباب حماك
مع كل حور بالنحور تزينت * منها القلائد للبدور حواكي
هيف الخصور من القصور بدت لنا * منها الآهلة لا من الأفلاك
يجمعن من شرخ الشبيبة خفة * المتغزلين وعفة النساك
ويصدن صائدة (صائدة ظ) القلوب * بأعين نجل كصيد الطير بالإشراك
من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا * جيدا وغصن البان لين حراك
هيفاء ناطقة النطاق تشكيا * من ظلم صامتة البرين ضناك
وكأنما في ثغرها من نحرها * در تبادره بعود أراك
عذب الرضاب كان حشو لثاثها * مسك يعمل به ذرى المسواك
تلك التي ملكت على بدلها * قلبي فكانت أعنف الملاك
إن الصبي يا نفس عز طلابه * ونهتك عنه واعظات نهاك
والشيب ضيف لا محالة مؤذن * برداك فاتبعي سبيل هداك
وتزودي من حب آل محمد * زادا متى أعددته نجاك
فلنعم زاد للمعاد وعدة * للحشران علقت يداك بذاك
وإلى الوصي مهم أمرك فوضي * تصلي بذاك إلى حظي مناك
وبه ادرئي في نحر كل ملمة * وإليه فيها فاجعلي شكواك
لا تعجلي وهواه دأبك فاجعلي * أبدا، وهجر عداه هجيراك
وبحبه فتمسكي أن تسلكي * بالزيغ عنه مسالك الهلاك
فسواء انحرف امرؤ عن حبه * أو بات منطويا على الإشراك
وتجنبي إن شئت أن لا تعطبي * رأي ابن سلمى فيه وابن صهاك
وتعوذي بالزهر من أولاده * من شر كل مضلل أفاك
لا تعدلي عنه ولا تستبدلي * بهم فتحظي بالخسار هناك
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى * والعروة الوثقى لذي استمساك
وهم الأدلة كالأهلة نورها * يجلو عمى المتحير الشكاك
وهم الأئمة لا إمام سواهم * فدعى لتيم وغيرها دعواك
يا أمة ضلت سبيل رشادها * إن الذي استرشدته أغواك
إني ائتمنت على البرية خائنا * للنفس ضيعها غداة رعاك

63
أعطاك إذ وطاك عشوة رأيه * خدعا بحبل غرورها دلاك
فتبعته وسخيف دينك بعته * مغترة بالنزر من دنياك
وأطعته وعصيت قول محمد * فيما بأمر وصيه وصاك
خلت اجتهادك للصواب مؤديا * هيهات ما أداك بل أرداك
لقد اجترأت على اجترام عظيمة * جعلت جهنم في غد مثواك
ولقد شققت عصا النبي محمد * وعصيت من بعد النبي أباك
وغدرت بالعهد المؤكد عقده * يوم الغدير له فما عذراك
فلتعلمن وقد رجعت له على * الاعقاب ناكصة على عقباك
ولتسألن عن الولاء لحيدر * وهو النعيم، ثناك عنه شقاك
أعن الوصي عدلت عادلة به * من لا يساوي منه شسع شراك
وإذا تشابهت الأمور فعولي * في حلها مشكلها على مولاك
خير الرجال وبعل خير نسائها * والأصل ذي الفرع النقي الزاكي
قست المحيط بكل علم مشكل * وعر مسالكه على السلاك
بالمعتريه - كما حكى - شيطانه * وكفاه عنه بنفسه من حاكي
والضارب الهامات في يوم الوغى * ضربا يقد به إلى الاوراك
إذ صاح جبريل به متعجبا * من بأسه وحسامه الفتاك
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي فاتك الفتاك
بالهارب الفرار من أقرانه * والحرب يذكيها قنا ومذاكي
والقاطع الليل البهيم تهجدا * بفؤاد ذي ورع وظرف باكي
بالتارك الصلوات كفرانا بها * لولا الرياء لطال ما راياك
أبعد بهذا من قياس فاسد * لم تأت فيه أمة مأتاك
أو ما شهدت له مواقف إذ هبت * عنه اعتراك الشك حين عراك
كدفاع أعظم ما عراك بسيفه * في كل يوم كريهة وعراك
ومقامه - ثبت الجنان - بخيبر * والخوف إذا وليت - حشو حشاك
والباب دحى به عن حصنهم * سبعين باعا في فضا دكداك
والصخرة العظمى وقد شف الظما * منها النفوس دحى بها فسفاك يا
آل أحمد كم يكابد فيكم * كبدي خطوبا للقلوب نواكي
كبدي بكم مقروحة ومدامعي * مسفوحة وجوى فؤادي ذاكي
وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى * لجفوني: اجتنبي لذيذ كراك
وأبكي قتيلا بالطفوف لأجله * بكت السماء دما، فحق بكاك
ان أبكهم في اليوم تلقهم غدا * عيني بوجه مسفر ضحاك
يا رب فاجعل حبهم لي جنة * من موبقات الإثم والأفاك
وأجبر بها الجبر جبرا وأبره * من ظالم لدمائهم سفاك
وبهم إذا أعداء آل محمد * غلقت رهونهم فجد بفكاك
الأمير أبو العطاف جبر بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون سيف
الدولة علي وناصر الدولة الحسن ابني عبد الله بن حمدان حمدون الحمداني التغلبي
مر في ترجمة أبي المرجي جابر بن ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن
حمدان من هذا الجزء انه أخو المترجم والصواب أنه ابن أخي المترجم، قال
ابن خالويه كان عبد الله بن مزروع الضبابي سيد بني كلاب أسره جبر بيده
وفيه وفي أبي عدنان محمد بن نصر بن حمدان وجابر بن ناصر الدولة يقول أبو
فراس الحمداني:
ومنها أبو عدنان سيد قومه * ومنا قريعا العز جبر وجابر
فهذا لذي التاج المعصب قاتل * وهذا لذي البيت الممنع آسر
وذو البيت الممنع هو عبد الله بن مزروع المذكور الذي أسره المترجم
وقال السري يمدح جبرا المترجم:
رفق الزمان بنا وكان عنيفا * وغدا لنا بعد القراع حليفا
ودنت ظلال المكرمات وذللت * أثمارها للطالبين قطوفا
أهلا بمن رعت المدايح روضه * فعرفن في أيامه المعروفا
وحنته رأفته على زواره * فأراهم خلق النوائب ريفا
قدمت بمقدمه المكارم فاغتدت * خضرا ترف على العفاة رفيفا
وزهت بلاد الحصن بالقمر الذي * أهدى إلى القمر المنير كسوفا
نظم الأمير لها قلائد سؤدد * أشرفن في لباتها وشنوفا
وغدا الفرات لبيته متضائلا * لا يستبين ضؤوله ونحوفا
فلو استطاع إليه قصدا لا نكفي * حتى يرى عن قصده مصروفا
لولا أبو العطاف لم تلق الندى * غضا ولم يكن الزمان عطوفا
ملك يراه عدوه متحننا * ويراه طالب رفده مألوفا
مغض وليس لحاظه إن بثها * إلا حياة غضة وحتوفا
وأغر يأنف أن يصد عن الوغى * حتى يذل معاطسا وأنوفا
وفتى إذا شغف الملوك بخفضهم * أضحى بخفض عدوه مشغوفا
سائل بصولته ابن مزروع وقد * ولى يشق من العجاج سجوفا
وأرته خيفة سيفه وسنانه * لين المهاد أسنة وسيوفا
أوفى عليه مقارعا حتى إذا * أعطى القياد أجاره ملهوفا
طوقته بالمن حين ملكته * طوقا ثقيلا في الرقاب خفيفا
والديلمي هفت به أمنية * غرر يفيد اللوم والتعنيفا
وأفاك كالمحتال يختل صيده * فأثار منك الأصيد الغطريفا
وأحق من يضحى فريسة ضيغم * من راح مقتحما عليه عريفا
وتركته ما أن يعاين ألفه * إلا خيالا في المنام مطيفا
وكذاك من شبت بأرضك ناره * أضحى بنارك طرفه مطروفا
لا تعدمنك ربيعة الفرس - التي * عمرت جنابك - مربعا ومصيفا
أحللتها للجود روضا معشبا * سهلا وطودا للفخار منيفا
فأسلم فكم شيدت من أكرومة * وهدمت تالد ثروة وطريفا
وتملها غراء لست بملبس * أفوافها إلا أغر شريفا
رقت ورق كلامها فكأنما * جلبت ربيع محاسن وخريفا
وكأن لابسها يعاين جوهرا * من لفظها أو يستشف شفوفا
لو صافحت سمع ابن أوس لم يقل * (أطلالهم سليت دماها الهيفا)
جبر بن عتيك
مات سنة 61 عن 71 سنة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جبر بن عتيك
أخو جابر نزل المدينة اه وفي الاستيعاب جبر بن عتيك ويقال جابر بن
عتيك قد تقدم ذكره في باب جابر. وفي الإصابة قال ابن منده: هو أخو
جابر بن عتيك وليس بشئ وإنما هو هو قيل فيه جابر وجبر اه وفي
الطبقات الكبير لابن سعد جبر بن عتيك آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين
خباب بن الأرت وشهد جبر بن عتيك بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت معه راية بني معاوية بن مالك في غزوة الفتح قال
محمد بن عمر - الواقدي - مات جبر بن عتيك سنة 61 في خلافة يزيد بن
معاوية وهو ابن 71 سنة اه وفي الإصابة عن الواقدي مات سنة 71 ولعله

64
تصحيف وفيها قال ابن سعد هم ثلاثة أخوة جابر وجبر وعبد الله وجبر
أكبرهم اه.
الشيخ جبر النجفي
من تلاميذ الشيخ راضي النجفي الفقيه المشهور له رسالة في المنطق
وتقريرات في الأصول في المفاهيم والعام والخاص وجد الجميع بخطه
جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد
نسبه إلى فارياب بلدة بخراسان من أعمال جوزجان بلخ وقد تسمى
فرياب.
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال كان مقيما
بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان اه وفي التعليقة عده
خالي ممدوحا والظاهر أنه لقوله كثير الرواية وأيضا هو معتمد الكشي حتى أنه
يعتمد على ما وجد من خطه وفيه أشعار بجلالته بل بوثاقته اه وعن
الشيخ عناية الله في ترتيب اختيار الكشي جبريل بن أحمد ضابط الأحاديث
وكاتبها يذكر كثيرا مؤخرا ومقدما اه وفي لسان الميزان: جبريل بن أحمد
الفاريابي أبو محمد الكشي قال أبو عمرو الكشي حدثنا عنه محمد بن مسعود
وغيره وكان مقيما بكش له حلقة كثير الرواية وكان فاضلا متحريا كثير
الأفضال على الطلبة وقال ابن النجاشي ما ذاكرته بشئ إلا مر فيه وكأنما
يقرأ من كتاب ما رأيت أحفظ منه وقال لي ما سمعت شيئا فنسيته ذكراه في
رجال الشيعة اه وليس لذلك أثر في رجال الكشي ولا النجاشي التي
بأيدينا.
جبلة بن أبي سفيان مضري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام. وفي لسان
الميزان جبلة بن أبي سفيان بصري ذكره الطوسي في رجال الشيعة فقال:
روى عن علي بن أبي طالب اه. والذي في رجال الشيخ مضري والذي في
الميزان بصري كما سمعت فقد صحف أحدهما بالآخر وفي بعض المواضع
مصري بالصاد وهو تصحيف.
جبلة بن الأزرق
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب
جبلة بن الأزرق الكندي روى عنه راشد بن سعد يعد في أهل الشام اه
وفي أسد الغابة: من أهل حمص روى عنه راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
صلى إلى جدار كثير الاحجرة فلدغته عقرب فغشي عليه فرقاه الناس فلما
أفاق قال إن الله عز وجل شفاني وليس برقيتكم اه.
جبلة بن أعين الجعفي مولاهم كوفي
توفي سنة 125 ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جبلة بن أعين الجعفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال مات
سنة 125 اه وليس للتاريخ ذكر في رجال الشيخ وهكذا ينقل ابن حجر في
لسان الميزان أشياء كثيرة عن الطوسي والكشي والنجاشي لا وجود لها فيما
بأيدينا من كتبهم وتطلع عليها في تضاعيف هذا الكتاب والله أعلم بسبب
ذلك.
جبلة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البياضي.
(والبياضي) نسبة إلى بني بياضة قبيلة من الأنصار. والظاهر أنه
بتخفيف الياء
في أسد الغابة: شهد بدرا، ذكر عبيد الله بن أبي رافع في تسمية من
شهد مع علي بن أبي طالب صفين: جبلة بن ثعلبة من بني باضة، أخرجه
أبو نعيم وأبو موسى، وقد أخرج أبو نعيم في التاريخ: جبلة بن خالد بن
ثعلبة، وهو هذا أسقط أباه اه. وفي الإصابة جبلة بن ثعلبة الأنصاري
الخزرجي البياضي، ذكره مطين بسنده إلى عبيد الله بن أبي رافع فيمن شهد
صفين مع علي من أهل بدر. وأورده الطبراني وأبو نعيم وغيرهما. وقال
ابن حبان: جبلة بن ثعلبة من بني بياضة بدري وذكر ابن الأثير أن صوابه
رخيلة بن خالد بن ثعلبة، فأسقطت الراء وصحف ونسب إلى جده اه.
(قلت): ويحتمل أن يكون غيره، نعم الذي شهد بدرا هو رخيلة، وقد
تكرر لنا أن الاسناد إلى عبيد الله بن أبي رافع ضعيف جدا اه.
جارية مؤيد الدين محمد القمي (1)
توفيت في 8 صفر سنة 602
فيما كتبه الدكتور مصطفى جواد في مجلة العرفان والظاهر أنه نقله من
تاريخ ابن الساعي أنها: أم أولاد الوزير الشهير أبي الحسن محمد بن محمد
عبد الكريم الفارسي القمي ولما توفيت كان هو في رتبة كتابة الإنشاء للناصر
لدين الله وكان لقبه مكين الدين وكانت وفاة جاريته هذه في 8 صفر سنة
602 وصلي عليها بالمدرسة النظامية وشيع جنازتها خلق كثير ودفنت في تربة
لبني القمي بمشهد موسى بن جعفر عليه السلام اه‍.
جارية بن المثنى
كان مع أمير المؤمنين علي عليه السلام يوم صفين ذكره نصر في كتاب
صفين عند ذكره لخبر عمار بن ياسر.
جبلة بن حارثة شرحبيل الكلبي أخو زيد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جبلة بن حارثة الكلبي أخو زيد بن حارثة. يأتي نسبه في زيد روى عنه أبو
إسحاق السبيعي وأبو عمرو الشيباني، وبعضهم يدخل بين أبي إسحاق
وبين جبلة فروة بن نوفل اه.
جبلة بن الحجاج الصيرفي كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان جبلة بن الحجاج الكوفي، ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه ووقع
في نسخة اللسان المطبوعة هنا سقط، فان فيها بعد لفظ الشيعة، هكذا
سماه عن أبي هريرة مجهول اه الخ. وهذه تتمة أخرى مذكورة في ميزان
الاعتدال وهي جبلة بن أبي خليسة عن إنسان سماه عن أبي هريرة مجهول،
نقلها صاحب اللسان وزاد عليها قوله: روى عن جعفر بن أبي جعفر عن
عكرمة ألخ.



(1) آخر والذي بعده سهوا
65
جبلة بن حيان بن أبجر الكناني الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال اسند
اليه: اه وقال النجاشي: جلبة كما يأتي. وفي لسان الميزان: جبلة بن
حيان بن أبجر الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة. وقال علي بن
الحكم: روى عن جعفر الصادق وجميل بن دراج، روى عنه ابنه عبد الله
اه. وعلي بن الحكم من علماء الشيعة الرجاليين ينقل عنه صاحب اللسان
كثيرا كما مر في عدة مواضع، وكان كتابه كان عنده.
جبلة الخراساني الذي حدث عنه يحيى بن سالم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام
أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي الرقاشي
قتل شهيدا بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام سنة 37 ذكره الشيخ
في رجاله في أصحاب علي عليه السلام فقال: جبلة بن عطية يكنى أبا
عرفاء اه وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن
البراء بن حيان الذهلي ان أبا عرفاء قال للحضين بن المنذر الرقاشي يوم
صفين وكان علي عليه السلام اعطى الحضين بن المنذر الرقاشي راية ربيعة -
هل لك ان تعطيني رأيتك احملها فيكون لك ذكرها ولي اجرها؟ فقال له
الحضين: وما غناي يا عم عن اجرها مع ذكرها؟ قال له: انه لا غنى بك
عن ذلك، ولكن اعرها عمك ساعة فما اسرع ما ترجع إليك! فعلم
الحضين انه قد استقتل وانه يريد ان يموت مجاهدا قال فما شئت فأخذ الراية
أبو عرفاء، فقال. يا أهل هذه الراية! ان عمل الجنة كره كله، وان عمل
النار خف كله وخبيث، وان الجنة لا يدخلها الا الصابرون الذين صبروا
أنفسهم على فرائض الله وأمره، وليس شئ مما افترض الله على العباد أشد
من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا عند الله، فإذا رأيتموني قد شددت
فشدوا، ويحكم اما تشتاقون إلى الجنة؟ اما تحبون ان يغفر الله لكم؟؟
فشد وشدوا معه فقاتلوا قتالا شديدا وأخذ حضين يقول:
شدوا إذا ما شد باللواء * ذاك الرقاشي أبو عرفاء
فقاتل أبو عرفاء حتى قتل اه. وفي لسان الميزان: جبلة بن عطية
عن مسلمة بن مخلد لا يعرف، والخبر منكر بمرة، وهو عن جبلة عن رجل
عن مسلمة بن مخلد - في الدعاء لمعاوية بالعلم والتمكين في البلاد - قال:
ولعل الآفة في الحديث من الرجل المجهول، فأما جبلة فنقل ابن أبي حاتم
توثيقه عن أبي معين. قال: وروى عنه هشام بن حيان، وحماد بن سلمة.
وروى هو عن يحيى بن الوليد بن عبادة، وابن محيريز. وفي رجال الشيعة
لأبي جعفر الطوسي جبلة بن عطية، يكنى أبا عرفاء، وقال: كان ثقة،
روى عن علي بن أبي طالب. فلعله آخر اه. ولا يخفى ان الشيخ لم
يوثقه.
جبلة بن علي الشيباني.
في ابصار العين: كان جبلة شجاعا من شجعان أهل الكوفة قام مع
مسلم أولا، ثم جاء إلى الحسين بن علي عليه السلام ثانيا. ذكره جملة من
أهل السير. قال صاحب (الحدائق الوردية في أئمة الزيدية): انه قتل في
الطف مع الحسين عليه السلام. وقال السروي: قتل في الحملة الأولى
اه. وفي كتاب لبعض المعاصرين لا يعتمد على نقله: شهد صفين مع
أمير المؤمنين عليه السلام، وقام مع مسلم بن عقيل فلما خذل مسلم فر
واختفى عند قومه، فلما جاء الحسين عليه السلام إلى كربلا اتى إليه،
وتقدم يوم الطف وقاتل حتى قتل. وله ذكر في زيارة الناحية المقدسة اه.
ولم يتيسر لي الآن التفحص عن حاله.
جبلة بن عمرو.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام.
جبلة بن عمرو الأنصاري الساعدي
في الاستيعاب ويقال هو أخو أبي مسعود الأنصاري وفي ذلك نظر يعد
في أهل المدينة روى عنه سليمان بن يسار وثابت بن عبيد قال سليمان بن
يسار كان جبلة بن عمرو فاضلا من فقهاء الصحابة وشهد جبلة بن عمرو
صفين مع علي وسكن مصر اه وفي أسد الغابة جبلة بن عمرو الأنصاري
أخو أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري قال ابن منده وأبو نعيم وقال أبو عمر
هو ساعدي وقال فيه نظر ثم قال قول أبي عمر انه ساعدي وانه أخو أبي
مسعود لا يصح فان أبا مسعود هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن
عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج وخدارة وخدرة
اخوان ونسب ساعدة هو ساعدة بن كعب بن الخزرج فلا يجتمعان الا في
الخزرج فكيف يكون أخاه فقوله ساعدي وهم اه (أقول) أبو عمر
صاحب الاستيعاب لم يقل انه اخوه وانما نسبه إلى القيل وتنظر فيه وكأن
مراد صاحب أسد الغابة ان الذي قيل إنه أخو أبي مسعود ليس الساعدي
بل هو جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة والساعدي هو جبلة بن عمرو بن
أوس وليس أخا أبي مسعود فقول أبي عمر عن الساعدي انه قيل هو أخو أبي
مسعود وهم فجبلة بن عمرو الأنصاري المذكور في الاستيعاب والموصوف
بالساعدي ينبغي ان يكون هو جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة لأنه هو
الذي شهد صفين مع علي عليه السلام والذي كان من فقهاء الصحابة
وسكن مصر وهو الذي قيل إنه أخو أبي مسعود وحينئذ يكون وصفه
بالساعدي وهما لأنه ليس ساعديا والساعدي هو جبلة بن عمرو بن أوس
الآتي وذاك لم يشهد صفين مع علي ولم يسكن مصر وليس أخا أبا مسعود.
جبلة بن عمرو بن أوس بن عامر بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن
الخزرج بن ساعدة الساعدي الأنصاري
في الإصابة: قال ابن السكن شهد أحدا قال وهو غير أخي أبي
مسعود لاختلاف النسبتين قلت هو كما قال وروى ابن شبة في أخبار المدينة
من طريق عبد الرحمن بن أزهر انهم لما أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع
منعهم من دفنه جبلة بن عمرو الساعدي فانطلقوا إلى حش كوكب ومعهم
معبد بن معمر فدفنوه فيه اه.
جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة الأنصاري
هو جبلة بن عمرو الأنصاري الساعدي المتقدم ولكن وصفه
بالساعدي ليس صوابا كما مر في الإصابة جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة
الأنصاري أخو أبي مسعود البدري ذكره الطبراني عن مطين بسنده إلى
عبيد الله بن أبي رافع فيمن شهد صفين مع علي من الصحابة وروى ابن
السكن من طريق هارون الهمداني عن ثابت بن عبيد، قالت دخلت على
جبلة بن عمرو أخي أبي مسعود الأنصاري وهو يقطع البسر من التمر وروى

66
البخاري في تاريخه وابن السكن من طريق بكير بن الأشج عن سليمان بن
يسار انهم كانوا في غزوة في المغرب مع معاوية - يعني ابن خديج - فنفل الناس
ومعه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرد ذلك غير جبلة بن عمرو الأنصاري
ورواه ابن منده من طريق خالد بن أبي عمران عن سليمان بن يسار انه
سئل عن النفل في الغزو فقال لم أر أحدا يعطيه غير ابن خديج - يعني
معاوية - نفلنا في إفريقية الثلث بعد الخمس ومعنا من الصحابة والمهاجرين
غير واحد منهم جبلة بن عمرو الأنصاري اه. ورده على معاوية بن خديج
يدل على فقهه، فتلخص ان المسمى بجبلة بن عمر ثلاثة أحدهم صاحب
أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي ذكره الشيخ في رجاله كما مر -
والثاني - جبلة بن عمرو بن أوس الساعدي الأنصاري الذي منع من دفن
عثمان في البقيع (والثالث) جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة الأنصاري
أخو أبي مسعود البدري وليس ساعديا.
جبلة بن عياض الليثي المدني أخو أبي ضمرة.
في لسان الميزان: ذكره ابن النجاشي في رجال الشيعة وقال: كان
جليل القدر قليل الحديث، وله كتاب رواه عنه هارون بن مسلم اه.
والنجاشي ذكره بعنوان: جلبة بتقديم اللام على الباء كما يأتي.
جبلة بن محمد بن جبلة الكوفي
في لسان الميزان: روى عن أبيه. وروى عنه محمد بن يحيى أظنه
الصولي ذكره الشريف المرتضى في رجال الشيعة. وفي مشتركات
الكاظمي: باب جبلة مشترك بين جماعة مهملين اه.
جبير
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال: جبير
روى عنه يونس بن يعقوب اه. وفي منهج المقال وغيره ذكر ذلك بعد ترجمة
جبير بن حفص الغمشاني. فيحتمل ان يكون تابعا لتلك الترجمة، ويحتمل
كونه ترجمة مستقلة والله أعلم.
جبير بن الأسود النخعي مولى عبد الرحمن بن عابس الصهباني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جبير بن الأسود النخعي يكنى أبا عبيد، ذكره الطوسي في رجال
الشيعة من الرواة عن جعفر الصادق اه.
جبير بن اياس الزرقي الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب:
جبير بن اياس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي،
شهد بدرا واحدا وقيل: هو جبر بن اياس اه. وزاد في أسد الغابة بعد
زريق: ابن عامر بن زريق الأنصاري الخزرجي الزرقي. وقال خلده
بسكون اللام واخره هاء ومخلد بضم الميم وفتح الخاء واللام المشددة اه.
جبير بن الحباب بن المنذر الأنصاري
في أسد الغابة: ذكره محمد بن عبد الله الحضرمي مطين في الصحابة
وقال: انه في سير عبيد الله بن أبي رافع في تسمية من شهد صفين مع
علي بن أبي طالب من الصحابة جبير بن الحباب بن المنذر لا يعرف له ذكر
ولا رواية الا هذه اه. وفي الإصابة اخرجه الباوردي والطبراني عن مطي
وابن منده عن الباوردي وأبو نعيم عن الطبراني. قال ابن حبان: يقال له
صحبة. وفي اسناده نظر اه.
جبير بن حفص الغمشاني الكوفي أبو الأسود
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال اسند
عنه اه. وفي منهج المقال والوسيط بعد هذه الترجمة نقلا عن رجال الشيخ
في أصحاب الصادق عليه السلام جبير روى عن يونس بن يعقوب اه.
والظاهر أنه تابع للترجمة الأولى. ويحتمل ان يكون ترجمة ثانية كما مر. وفي
لسان الميزان: جبير بن حفص الغمشاني أبو الأسود الكوفي، ذكره الطوسي
والكشي في رجال الشيعة. وقال علي بن الحكم: كان من أروع الناس،
روى عن جعفر الصادق اه وليس له ذكر في رجال الكشي.
جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف يكنى أبا محمد
توفي بالمدينة سنة 56 أو 57 أو 58 أو 59
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: مات سنة 58
وروى الكشي عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي
خلف حدثني علي بن سليمان بن داود الرازي حدثني علي بن أسباط عن
أبيه أسباط بن سالم عن أبي الحسن عليه السلام ان جبير بن مطعم من
حواري علي بن الحسين عليهما السلام اه‍. ومر في ترجمة جابر بن عبد الله
الأنصاري روايتان تدلان على مدحه. وفي النقد جبير بن مطعم: روى
الكشي بطريق ضعيف عن الكاظم عليه السلام انه من حواري علي بن
الحسين عليهما السلام. وحواري الرجل خلصاؤه. ثم روى بطريق مرسل
عن الصادق عليه السلام. وعن يونس عن حمزة بن محمد بن الطيار، وذكر
ما مر في ترجمة جابر بن عبد الله، والظاهر أن هذا هو الصحابي كما يأتي عن
مشتركات الكاظمي وفي الاستيعاب: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن
عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي يكنى أبا محمد وقيل أبا عدي، أمه أم
جميل بنت سعيد من بني عامر بن لؤي. وفي أسد الغابة، أمه أم حبيب
وقيل أم جميل بنت سعيد من بني عامر بن لؤي وقيل أم جميل بنت شعبة بن
عبد الله بن أبي قيس من بني عامر بن لؤي. وفي الاستيعاب: قال مصعب
الزبيري كان جبير بن مطعم من حلماء قريش وسادتهم، وكان يؤخذ عنه
النسب. وقال ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة: كان جبير بن مطعم من
انسب قريش لقريش وللعرب قاطبة. وفي الإصابة: كان من أكابر قريش
وعلماء النسب وفي الاستيعاب اسلم جبير بن مطعم فيما يقولون يوم الفتح
وقيل عام خيبر وفي الإصابة اسلم جبير بين الحديبية والفتح وقيل في الفتح
وقال البغوي اسلم قبل فتح مكة وروى عنه ابن المسيت انه اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
هو وعثمان فسألاه ان يقسم لهم كما قسم لبني هاشم والمطلب وقالا ان
قرابتنا واحدة اي ان هاشما والمطلب ونوفلا جد جبير وعبد شمس جد
عثمان اخوة فأبى وقال انما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وفي
الاستيعاب روي عن جبير قال اتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأكلمه في أساري بدر
فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء فسمعته وهو يقرأ وقد خرج
صوته من المسجد (ان عذاب ربك لواقع ما له من دافع) فكأنما صدع
قلبي وقيل أنه قال سمعته يقرأ (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون أم
خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) فكاد قلبي يطير. فلما فرغ من
صلاته كلمته في أساري بدر فقال: لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم

67
لشفعناه وفي رواية لو أن أباك كان حيا أو لو أن المطعم بن عدي كان حيا ثم
كلمني في هؤلاء لأطلقتهم له، وكان مطعم من أشراف قريش وكانت له
عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد لأنه الذي كان أجار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم من
الطائف من دعاء ثقيف وكان أحد الذين قاموا في شأن الصحيفة التي كتبتها
قريش على بني هاشم. وزاد في أسد الغابة وبني المطلب قال وإياه عني أبو
طالب بقوله:
أمطعم ان القوم ساموك خطة * واني متى أؤكل فلست بآكل
وفي الاستيعاب: كانت وفاة المطعم بن عدي في صفر سنة اثنتين من
الهجرة قبل بدر بنحو سبعة أشهر وذكر بعضهم جبيرا في المؤلفة قلوبهم
وفيمن حسن اسلامه منهم ويقال ان أول من لبس طيلسانا بالمدينة جبير بن
مطعم اه. وفي تهذيب التهذيب: روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنه سليمان بن
صرد وأبو سروعة وابناه محمد ونافع ابنا جبير وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن باباه وغيرهم وقال العسكري كان
جبير بن مطعم أحد من يتحاكم اليه وقد تحاكم اليه عثمان وطلحة في قضية
اه. وفي مشتركات الكاظمي، باب جبير ولم يذكره شيخنا مشترك بين
جماعة... الا ابن مطعم الصحابي فإنه من حواري علي بن الحسين عليه
السلام اه‍.
جحارة بن سعد الأنصاري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام في نسخة وفي
نسخة أخرى جعارة.
جحدر بن المغيرة الطائي الكوفي
في نضد الايضاح (جحدر) بفتح الجيم واسكان الحاء وفتح الدال
المهملتين ثم الراء اه.
قال النجاشي جحدر بن مغيرة الطائي كوفي روى عن جعفر بن محمد
ذكر ذلك الجماعة له كتاب قال ابن سعيد حدثنا أبو الأزهر سعيد بن
مالك بن عبد الله بن العلا بن حنظلة المهراني، حدثنا محمد بن إدريس
صاحب الكرابيس، حدثنا جحدر بن المغيرة بكتابه اه. وفي الخلاصة:
جحدر بن المغيرة الطائي الكوفي يروي عن أبي عبد الله عليه السلام، وله
عنه كتاب. قال ابن الغضائري انه كان خطابيا في مذهبه ضعيفا في
حديثه، وكتابه لم يرو الا من طريق واحد اه. وفي لسان الميزان:
جحدر بن المغيرة الطائي الكوفي، روى عن جعفر الصادق. وعنه ابن إدريس
صاحب الكرابيسي، ذكره ابن النجاشي، روى عن جعفر
الصادق اه وعنه الكرابيسي صوابه الكرابيس بدون ياء النسبة.
جحل بن عامر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام وفي بعض
النسخ: ابن عامل باللام.
جدار ولم ينسب
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جدار الأسلمي، وروى عنه يزيد بن شجرة حديثا مرفوعا في فضل
الجهاد، ليس اسناد بالقوي. وفي أسد الغابة: جدار الأسلمي، وذكر
الحديث مسندا. وفي الإصابة، جدار بكسر أوله وتخفيف الدال. وذكر
الحديث. وقول الشيخ (لم ينسب) أي إلى أب أو جد وان وصف
بالأسلمي. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا
الجذوعي
لم نعرف اسمه ولا من أحواله شيئا سوى ما في شذرات الذهب في
حوادث سنة 443 نقلا عن العبر في الفتنة التي وقعت بين السنة والشيعة في
هذه السنة انه نبشت عدة قبور للشيعة مثل العوني والناشي والجذوعي
اه. والأولان من شعراء الشيعة ولعل الجذوعي من شعرائهم والله أعلم
ووجدت قصيدة لبعض الاشراف الحسنيين ذكرناها في الجزء الخامس من
المجالس السنية نقلا عن خط الشهيد الأول وفي أواخرها هذا البيت:
نح بها أيها الجذوعي واعلم * ان انشادك الذي أنشأها
ولا يبعد ان يكون المراد بالجذوعي هو هذا وأن يكون من منشدي
الشيعة الذين ينشدون الاشعار في رثاء أهل البيت عليهم السلام.
(والجذوعي) لعله منسوب إلى بيع الجذوع أو نحو ذلك. وما وجد
من رسمه الخدوعي بالخاء المعجمة والدال المهملة لعله تصحيف. الجراح الأشجعي التميمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
الجراح الأشجعي، مذكور في حديث ابن مسعود. وفي أسد الغابة:
الجراح بن أبي الجراح الأشجعي، له صحبة، ثم ذكر حديث ابن مسعود
الذي له ذكر فيه. وفي الإصابة الجراح الأشجعي، ترجم له الطبراني ولم
يسق له نسبا ويقال أبو الجراح وذكر حديث ابن مسعود أيضا ولم يعلم أنه
من شرط كتابنا.
الجراح بن عبد الله المدني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. في لسان
الميزان جراح بن عبد الله المدايني ذكره الطوسي وابن النجاشي في رجال
الشيعة وله تصنيف يروي فيه عن جعفر الصادق رواه عنه النضر بن سويد
اه ولا يخفى ان النجاشي لم يذكره وانما ذكره الشيخ في رجاله والذي ذكره
الشيخ والنجاشي، وله تصنيف يروي فيه عن الصادق عليه السلام رواه
عنه النضر بن سويد هو الجراح المدايني، الآتي فكأنه اشتبه عليه الجراح بن
عبد الله المدني بالجراح المدايني أو وقع نقص في العبارة وعن جامع الرواة انه
نقل رواية عمرو بن سعيد عنه عن رافع بن سلمة في باب ما يفصل به بين
دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة من الكافي اه.
الجراح المدايني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام وقال
النجاشي جراح المدايني روى عن أبي عبد الله عليه السلام ذكره أبو العباس
له كتاب يرويه عنه جماعة منهم النضر بن سويد أخبرنا الحسين بن عبيد الله
حدثنا علي بن محمد حدثنا حمزة بن القاسم حدثنا علي بن عبد الله بن يحيى
حدثنا أحمد بن أبي عبد الله عن النضر بن سويد عن جراح به اه وفي
التعليقة جراح المدايني عده خالي من الممدوحين ولعله لان للصدوق طريقا
إليه أو لأنه كثير الرواية ورواياته متلقاة بالقبول ويؤيده قول النجاشي يرويه

68
عنه جماعة منهم النضر بن سويد اه وفي مستدركات الوسائل يمكن استظهار
الوثاقة من رواية النضر بن سويد عنه لما قيل في ترجمته من أنه صحيح
الحديث وقد مر بيان دلالة هذه الكلمة على وثاقة مشايخ من قيلت هذه
الكلمة في حقه وقول النجاشي روى الخ فيه إشارة إلى كونه من أصحاب
الأصول كما أشرنا إليه سابقا و عرف ذلك منه بالاستقراء وقوله ذكره إشارة
إلى كونه من الأربعة الآلاف الذين جمعهم أبو العباس ووثقهم وتلقاه
الأصحاب بالقبول اه وفي مشتركات الطريحي و الكاظمي باب جراح
المشترك بين جماعة لا حال لهم بالتوثيق ما عدا المدايني فان له كتابا يرويه
عنه جماعة منهم النضر بن سويد وانما ذكرناه لكثرة وروده ليتميز عن غيره
اه وعن جامع الرواة انه نقل رواية القاسم بن سليمان عنه اه.
الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي
توفي سنة 176 قاله في ميزان الاعتدال
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وعن تقريب
ابن حجر الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي بضم الراء بعدها واو بهمزة
وبعد الألف مهملة والد وكيع صدوق اه وفي الطبقات الكبير لابن سعد:
الجراح بن مليح بن عدي بن الفرس بن سفيان بن الحارث بن عمرو بن
عبيد بن رؤاس بن كلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وهو أبو
وكيع بن الجراح ولي بيت المال بمدينة السلام في خلافة هارون وكان عسرا
في الحديث ممتنعا به اه وفي ميزان الاعتدال الجراح بن مليح الرؤاسي والد
وكيع عن قيس بن مسلم وسماك وعدة وعنه ابن مهدي ومسدد وطائفة وكان
فيه ضعف وعسر في الحديث وثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى وقال
الدارقطني ليس بشئ كثير الوهم وقال النسائي وغيره ليس به بأس قال
البرقاني قلت للدارقطني يعتبر به قال لا وقال ثقة اه. وفي تهذيب
التهذيب: وضع له علامة (بخ م د ت ق) إشارة إلى أنه روى عنه
البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة القزويني وقال: الجراح بن
مليح بن عدي بن فرس بن جمحة بن سفيان بن الحارث بن عمرو بن
عبيد بن رؤاس وهو الحارث بن كلاب الرؤاسي الكوفي أبو وكيع. روى
عن أبي إسحاق السبيعي وعطاء بن السائب وأبي فزارة العبسي وسماك بن
حرب وعاصم الأحول وعمران بن مسلم والمسعودي وغيرهم. وعنه ابنه
وأبو قتيبة وسفيان بن عقبة وابن مهدي وأبو الوليد الطيالسي وأبو سلمة
التبوذكي ومنصور بن أبي مزاحم ومسدد وعثمان بن أبي شيبة وجماعة. قال
جعفر الطيالسي عن ابن معين ما كتبت عن وكيع عن أبيه ولا عن قيس
شيئا قط وقال ابن أبي خيثمة عنه ضعيف الحديث وهو أمثل من أبي يحيى
الحماني وقال عثمان الدارمي عنه ليس به باس وكذا قال ابن أبي مريم عنه
وزاد يكتب حديثه وقال في موضع آخر ثقة وكذا قال الدوري عنه وقال ابن
عمار ضعيف وقال أبو الوليد ثنا أبو وكيع وكان ثقة وقال أبو داود ثقة وقال
النسائي ليس به باس وقال البرقاني سألت الدارقطني عن الجراح فقال ليس
بشئ هو كثير الوهم قلت يعتبر قال لا وقال أبو أحمد بن عدي له أحاديث
صالحة وروايات مستقيمة وحديثه لا باس به، وهو صدوق لم أجد في
حديثه منكرا فاذكره وعامة ما يرويه عنه ابنه وكيع وقد حدث عنه غير وكيع
الثقات من الناس. قال خليفة مات بعد سنة 175 وقال ابن قانع سنة
176 قلت. وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال العجلي
لا باس به وابنه انبل منه وقال الأزدي يتكلمون فيه وليس بالمرضي عندهم
وقال الهيثم بن كليب سمعت الدوري يقول دخل وكيع البصرة فاجتمع
عليه الناس فحدثهم حتى قال حدثني أبي وسفيان فصاح الناس من كل
جانب لا نريد أباك حدثنا عن الثوري فأعاد وأعادوا فأطرق ثم قال يا
أصحاب الحديث من بلي بكم فليصبر. رواها الإدريسي في تاريخ سمرقند
وحكى فيه ان ابن معين كذبه وقال كان وضاعا للحديث وقال ابن حبان
كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل وزعم يحيى بن معين انه كان وضاعا
للحديث اه.
جراد بن مالك بن نويرة التميمي
في الإصابة ذكر سيف في الفتوح انه قتل مع والده ورثاه عمه متمم
اه.
جراد بن طهية بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب الكلابي
الوحيدي
في الإصابة: مخضرم أدرك الجاهلية والاسلام وكان ابنه شبيب مع
الحسين بن علي لما قتل ذكره المرزباني ويمكن ان يكون من شرط كتابنا بسبب
كون ابنه مع الحسين عليه السلام والله أعلم.
الجرجاني
هو ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني الغروي.
جرداء بنت سمير الكوفية
قال نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفين: كانت شيعة لعلي عليه
السلام.
جرموز الهجيمي سكن البصرة القريعي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الاستيعاب
جرموز الهجيمي من بلهجيم بن عمرو بن تميم ويقال جرموز القريعي
التميمي له حديث واحد مخرجه عن أهل البصرة عن جرموز القريعي أنه قال
يا رسول الله أوصني قال أوصيك ان لا تكون لعانا، روى عنه ابنه
الحارث بن جرموز وأبو تميمة الهجيمي اه وفي أسد الغابة القريعي بطن من
تميم أيضا وزاد في الإصابة فيمن روى عنه: عبيد الله بن هوذة وقال نسبه
ابن قانع جرموز بن أوس بن عبد الله بن جرير بن عمرو بن انمار بن
الهجين بن عمرو بن تميم اه وبلهجيم بني الهجيم كما يقولون بلعنبر اي بنو
العنبر وغير ذلك وهو شائع عندهم.
الجرمي النحوي
اسمه سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي
الجرمي
اسمه علي بن الحسن الطاطري. وفي منهج المقال: ولنا أيضا
إسماعيل بن عبد الرحمن الجرمي.
جرهم ويقال جرثوم بن ناشر ويقال ابن ناثب من اليمن ويقال عمر أبو
ثعلبة نزل الشام
في الاستيعاب مات في أول امرة معاوية وقيل في امرة يزيد وقيل في
امرة عبد الملك سنة 75 والأول أكثر.

69
ذكره الشيخ في رجاله بالعنوان السابق في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي
الاستيعاب اختلف في اسمه واسم أبيه فقيل جرثوم بن الأشتر بن النضر أبو
ثعلبة الخشني ونسبه في خشين إلى الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير وقيل
جرهم بن ناشر وقيل جرثوم بن ناشر وقيل ابن ناشم وابن ناشب وهو
مشهور بكنيته كان ممن بايع تحت الشجرة وضرب له بسهمه يوم خيبر
وأرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه فأسلموا نزل الشام اه ولم يعلم أنه من
شرط كتابنا.
جرهمة الأنصارية
أورد لها ابن شهرآشوب في المناقب هذه الأبيات في أمير المؤمنين علي
عليه السلام ولا نعلم من أحوالها شيئا غير ذلك:
صهر النبي فذاك الله أكرمه * إذ اصطفاه وذاك الصهر مدخر
لا يسلم القرن منه ان ألم به * ولا يهاب وان أعداؤه كثروا
من رام صولته آنت منيته * لا يدفع الثكل عن اقرانه الحذر
جروة ابنة مرة بن غالب التميمية.
في كتاب الوافدين والوافدات على معاوية عندنا منه نسخة مخطوطة
قال: اختجم معاوية يوما بمكة فلما امسى ارق أرقا شديدا، فأرسل إلى
جروة ابنة مرة وكانت مجاورة بمكة فلما دخلت عليه قال لها مرحبا يا ابنة مرة
أزعجناك! قالت: اي والله طرقت في ساعة ما طرق فيها الطير في وكره
فأرعب قلبي وارعب صبياني وأفزع عشيرتي وتركت بعضهم يموج في بعض
يتراجعون القول ويترددون الأمر ويرصدون الكلام خشية منك وخوفا علي.
فقال ليسكن روعك ويطب قلبك، فان الأمر على خلاف ما ظننت اني
احتجمت وقد أعقبني ذلك أرقا، فأرسلت إليك لتحدثيني عن قومك.
قالت عن اي قوم تسألني؟ قال عن بني تميم. قالت: يا أمير المؤمنين هم
أكثر الناس عددا وأوسعهم بلدا وابعدهم أمدا، الذهب الأحمر والحسب
الأفخر والعدد الأكثر. قال صدقت! فنزليهم لي. قالت اما بنو عمرو ابن
تميم فأصحاب بأس ونجدة وتحاشد وشدة لا يتحاذلون عند اللقاء ولا يطمع
فيهم الأعداء سلمهم فيهم وسيفهم على عدوهم. قال صدقت ونعم القوم
لأنفسهم قالت واما بنو سعد بن زيد مناة ففي العدد الأكثرون وفي النسب
الأطيبون يضرون ان غضبوا ويدركون ان طلبوا أصحاب سيوف وحجف
ونزال وزلف، على أن بأسهم فيهم وسيفهم عليهم. واما بنو حنظلة
فالبيت الرفيع والحسب البديع والعز المنيع المكرمون الجار والطالبون الثار
والرافعون الآثار (والناقضون الأوتار). فقال لها ان حنظلة شجرة تفرع.
قالت صدقت يا أمير المؤمنين واما البراجم فأصابع مجتمعة وأكف ممتنعة،
واما بنو طميعة (طهية) فقوم هوج وقرن لجوج، واما بنو ربيعة فصخرة
صماء وحية رقشاء عزهم لغيرهم ويفخرون بقومهم، وأما بنو يربوع
ففرسان الرماح وأسود الصباح يعتقون الاقران ويقتلون الفرسان، واما بنو
مالك فجمع غير مفلول وعز غير مجهول ليوث هرارة وخيول كرارة، وأما
بنو دارم فكرم لا يداني وشرف لا يسامى وعز لا يوازى. قال أنت اعلم
الناس بتميم فكيف علمك بقيس؟ قالت كعلمي بنفسي! قال فأخبريني
عنهم. قالت اما غطفان فأكثر سادة وامنع قادة، واما فزارة فبيتها المشهور
وحسبها المذكور، واما ذبيان فخطباء شعراء أعزة أقوياء، واما بنو عبس
فجمرة لا تطفى وعقبة لا تعلى وحية لا ترقى، واما هوازن فحلم ظاهر وعز
قاهر، وأما سليم ففرسان الملاحم واسود ضراغم وأما نمير فشوكة مسمومة
وهامة مكمومة وأرنة معلومة (وراية ملمومة)، وأما هلال فاسم فخم وعز
ضخم، وأما بنو كلاب فعدد كثير وفخر أثير وحلم كبير. قال لها معاوية لله
أنت، فما قولك في قريش؟ قالت اما قريش فهم ذروة السنام و سادة الأنام
والحسب القمقام. قال: فما قولك في علي بن أبي طالب؟ قالت جازوا لله
في الشرف حدا لا يوصف وغاية لا تعرف وبالله أسألك اعفائي مما أتخوف.
قال: قد فعلت. جرير بن احمر العجلي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان جرير بن زحر العجلي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة من رواة
جعفر الصادق اه فأبدل احمر بزحر وهو تصحيف.
جرير بن حكيم المدايني الازدري أخو مرأزم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي
التعليقة في الظن انه مصحف حديد وهو والد علي بن حديد وفي ترجمة
مرأزم ان له أخوين حديد ومحمد وفي محمد بن حكيم الساباطي له اخوة
محمد مرأزم وحديد وسيأتي حديد موثقا اه.
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي نزيل الري
ولد بالكوفة وقيل بقرية من قرى أصفهان سنة 107 وعن جرير
ولدت سنة 110 وتوفي بالري سنة 188 في شهر ربيع الاخر وله 71 أو 80
سنة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال
جرير بن عبد الحميد الضبي كوفي نزل الري اه. وفي الطبقات الكبير
لابن سعد. جرير بن عبد الحميد ويكنى أبا عبد الله ولد سنة 107 بالكوفة
ونشأ بها وطلب الحديث وسمع فأكثر ثم نزل الري فمات بها وكان ثقة كثير
العلم ترحل اليه اه وعن تقريب ابن حجر جرير بن عبد الحميد بن قرط
بضم القاف وسكون الراء بعدها مهملة الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها
ثقة صحيح مات سنة 188 وله 71 سنة اه وفي ميزان الاعتدال جرير بن
عبد الحميد الضبي عالم أهل الري صدوق يحتج به في الكتب قال أحمد بن
حنبل لم يكن بالذكي في الحديث اختلط عليه حديث أشعث وعاصم حتى
قدم عليه بهز فعرفه وقال أبو حاتم صدوق تغير قبل موته فحجبه أولاده كذا
نقل أبو العباس البناني هذا الكلام في ترجمة جرير بن عبد الحميد وانما
المعروف هذا عن جرير بن حازم كما قدمناه لكن ذكر البيهقي في سننه في
ثلاثين حديثا لجرير بن عبد الحميد قال قد نسب في اخر عمره إلى سوء
لحفظ. وقال ابن المديني: كان جرير بن عبد الحميد صاحب ليل كان له
رسن يقولون إذا أعيا تعلق به، وقال ابن عيينة قال لي ابن شبرمة: عجبا
لهذا الراوي - يعني جريرا - عرضت عليه ان أجري عليه مائة درهم في
الشهر من الصدقة فقال يأخذ المسلمون كلهم مثل هذا؟ قلت لا، قال فلا
حاجة لي فيها. قال ابن معين: قال جرير عرضت علي بالكوفة ألفا درهم
يعطوني مع القراء فأبيت ثم جئت اليوم اطلب ما عندهم. وقال أبو
حاتم: جرير يحتج به وقال سليمان بن حرب كان جرير وأبو عوانة،
يصلحان ان يكونا راعيي غنم كانا يتشابهان في رأي العين كتبت عنه انا

70
وابن مهدي وشاذان بمكة وقال أبو الوليد: كنت أجالس جريرا بالري
وكتب عني حديثين فقلت له حدثنا فقال لست احفظ وكتبي غائبة وانما أرجو
ان أؤتي بها قد كتبت في ذلك فبينا نحن إذ ذكر يوما شيئا من الحديث فقلت
احسب كتبك قد جاءت قال اجل، فقلت لأبي داود ان جليسنا جاءته كتبه
من الكوفة اذهب بنا ننظر فيها فاتيناه فنظرت في كتبه انا وأبو داود، قال
يعقوب السدوسي سمعت إبراهيم بن هاشم يقول ما قال لنا جرير قط
ببغداد حدثنا ولا في كلمة وكان ربما نعس ونام ثم يقرأ من موضع نعس
ونزل على ابن المسيب الضبي فلما جاء المد بالجانب الشرقي قلت لأحمد بن
حنبل: تعبر فقال أمي لا تدعني فعبرت انا فلزمته ولم يكن السدي الأمير
يدع أحدا يعبر - اي لكثرة المد - فكنت عنده عشرين يوما فكتبت عنه ألفا
وخمسمائة حديث قال السدوسي: وذكر لأبي خيثمة ارسال جرير وانه لا
يقول حدثنا فقال لم يكن يدلس لأنا كنا إذا اتيناه في حديث الأعمش أو
منصور أو مغيرة ابتدأ فأخذ الكتاب وقال حدثنا فلان ثم يحدث عنه عنهم في
حديث واحد ثم يقول بعد منصور منصور والأعمش أعمش حتى يفرغ.
وحدثني عبد الرحمن بن محمد سمعت الشاذكوني قال قدمت على جرير
فأعجب بحفظي وكان لي مكرما فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين
معه وانا ثم فرأوا موضعي فقال له بعضهم ان هذا بعثه ابن القطان وعبد
الرحمن ليفسد حديثك قال وكان جرير قد حدثنا عن مغيرة عن إبراهيم في
طلاق الأخرس ثم حدثنا به بعد عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم قال فبينا
انا عند ابن أخيه إذ رأيت على ظهر كتاب لابن أخيه عن ابن المبارك عن
سفيان بالحديث فقلت عمك يحدث به مرة عن مغيرة ومرة عن سفيان ومرة
عن ابن المبارك عن سفيان ينبغي ان نسأله ممن سمعه قال الشاذكوني وكان
هذا الحديث موضوعا فسألته فقال حدثنيه رجل خراساني عن ابن المبارك
فقلت له قد حدثت به مرة عن مغيرة ولست أراك تقف على شئ فمن
للرجل؟ قال رجل جاءنا من أصحاب الحديث، فوثبوا بي وقالوا ألم نقل
لك انما جاء ليفسد عليك حديثك؟ فوثب بي البغداديون وتعصب لي قوم
من أهل الري حتى كان بينهم شر شديد قال عبد الرحمن بن محمد فقلت
لعثمان بن أبي شيبة حديث طلاق الأخرس عمن هو عندك؟ قال عن جرير
عن مغيرة وانما كتبنا عنه من كتبه قال اللالكائي جرير مجمع على ثقته اه،
وفي تهذيب التهذيب جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله
الرازي القاضي ولد بقرية من قرى أصبهان قال حنبل بن إسحاق ولد سنة
107 ونشأ بالكوفة ونزل الري وكان ثقة يرحل إليه وقال ابن عمار
الموصلي: حجة كانت كتبه صحاحا وقال محمد بن عمر زنيح سمعت جريرا
قال رأيت ابن أبي نجيح وجابرا الجعفي وابن جريح فلم اكتب عن واحد
منهم فقيل له ضيعت يا أبا عبد الله فقال لا، اما جابر فكان يؤمن بالرجعة
واما ابن أبي نجيح فكان يرى القدر وأما ابن جريح فكان يرى المتعة وقال
حنبل سئل أبو عبد الله من أحب إليك جرير أو شريك فقال جرير أقل
سقطا من شريك وشريك كان يخطئ وكذا قال ابن معين نحوه وقال
العجلي كوفي ثقة نزل الري وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن أبي الأحوص
وجرير في الحديث حصين فقال كان جرير أكيس الرجلين جرير أحب إلي
قلت يحتج بحديثه قال نعم جرير ثقة وهو أحب إلي في هشام بن عروة من
يونس بن بكير وقال النسائي ثقة وقال ابن خراش صدوق قلت إن صحت
حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس وقد قيل ليحيى بن معين عقب حكاية
أحمد بن حنبل انه اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول: كيف
تروي عن جرير فقال أ لا ترى وقد بين لهم امرها وقال ابن حبان في الثقات
كان من العباد الخشن وقال أبو أحمد الحاكم هو عندهم ثقة وقال الخليلي في
الارشاد ثقة متفق عليه وقال قتيبة ثنا جرير الحافظ المقدم لكني سمعته يشتم
معاوية علانية اه - أقول - ما مر عنه من أنه لم يكتب عن جابر الجعفي لأنه
يؤمن بالرجعة وعن ابن جريح لأنه يرى المتعة لعله كان للخوف والمداراة
والله أعلم.
مشايخه
في تهذيب التهذيب روى عن عبد الملك بن عمير وأبي إسحاق
الشيباني ويحيى بن سعيد الأنصاري وسليمان التيمي والأعمش وعاصم
الأحول وسهيل بن أبي صالح وعبد العزيز بن أبي رفيع وعمارة بن القعقاع
وإسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المعتمر ومغيرة بن مقسم ويزيد بن أبي
زياد وأبي حيان التيمي وعطاء بن السائب وخلق كثير.
تلاميذه
في ميزان الاعتدال عنه أحمد وخلق في تهذيب التهذيب عنه
إسحاق بن راهويه وابنا أبي شيبة وقتيبة وعبدان المروزي وأبو خيثمة
ومحمد بن قدامة بن أعين المصيصي ومحمد بن قدامة الطوسي ومحمد بن
قدامة بن إسماعيل النجاري وعلي بن المديني ويحيى بن معين ويحيى
بن يحيى ويوسف بن موسى القطان و أبو القطان وأبو الربيع الزهراني وعلي بن
حجر وجماعة اه.
جرير بن عبد الحميد الكندي
في لسان الميزان جرير بن عبد الحميد الكندي عن أشياخ من قومه
عن سليمان رفعه وصيي وخليفتي في أهلي وخير من اخلف بعدي علي.
اخرجه الجوزقاني في كتاب الأباطيل من طريق إسماعيل بن موسى السدي
عن عمر بن سعد البصري عن إسماعيل بن زياد عن جرير وقال هذا
الحديث باطل، قال ابن حبان إسماعيل دجال وجرير وأشياخ من قومه
مجهولون وجرير هذا ليس هو جرير بن عبد الحميد كذا قال والله أعلم اه
ومن ذلك قد يظن تشيعه.
جرير بن عبد الله البجلي
توفي بقرقيسيا سنة 51 وقيل سنة 54 وقيل توفي بالكوفة سنة 51 قاله
الحاكم في المستدرك وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على
الكوفة قاله في الاستيعاب وغيره.
نسبه
في الاستيعاب هو جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن
نصر بن ثعلبة بن جشم بن عريف بن حزيمة بن عدي بن مالك بن سعد بن
نذير بن نسر وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث
البجلي يكنى أبا عمرو وقيل أبا عبد الله قال واختلف في بجيلة فقيل ما ذكرنا
وقيل إنهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب القبائل ولم يختلفوا أن
بجيلة أمهم نسبوا إليها وهي بجيلة بنت صعب بن علي بن سعد العشيرة قال
ابن إسحاق وبجيلة هو ابن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان اه وقول
صاحبي أسد الغابة والإصابة في نسبه يخالف هذا في مواضع، وفي أسد

71
الغابة - الشليل - بفتح الشين المعجمة وبلامين بينهما مثناة تحتية - وحزيمة -
بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي - ونذير - بفتح النون وكسر الذال المعجمة.
وفي المستدرك للحاكم جرير بن عبد الله بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن
جشم بن عوف بن شليل بن حزيمة بن سكن بن علي بن مالك بن زيد بن
قيس بن عبقر بن أنمار.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جرير بن
عبد الله أبو عمرو ويقال أبو عبد الله البجلي سكن الكوفة وقدم الشام
برسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية وأسلم في السنة التي قبض فيها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل إن طوله كان ستة أذرع ذكره محمد بن إسحاق اه، وذكره
الشيخ أيضا في أصحاب علي عليه السلام، وفي الخلاصة في القسم
الأول: جرير بن عبد الله البجلي قدم الشام برسالة أمير المؤمنين عليه
السلام إلى معاوية اه وفي حواشي الخلاصة للشهيد الثاني: - أقول - إن
ارسال علي عليه السلام وان دل على مدح أولا لكن مفارقته له عليه السلام
ولحوقه بمعاوية كما هو معلوم مشهور يدفع ذلك المدح ويخرجه من هذا
القسم وسيرته وتخريب علي داره بالكوفة بعد لحوقه بمعاوية مشهور اه وفي
منهج المقال بعد نقله - أقول - وكذا ما روي أن مسجده بالكوفة من المساجد
المحدثة فرحا بقتل الحسين عليه السلام وكذا ما روي أن مسجده بالكوفة من المساجد المحدثة فرحا بقتل الحسين عليه السلام وكذا انحرافه عن أهل
البيت وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رؤية الله سبحانه وتعالى وقد خلط في عقله
في أواخر عمره وفي التهذيب علي بن محمد بن محبوب عن علي بن
إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد
مباركة ثم قال فأما المساجد الملعونة فمسجد ثقيف ومسجد الأشعث
ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ومسجد سماك بن أبي خراشة اه.
ورواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عن
محمد بن أحمد عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان عن
محمد بن عذافر عن أبي حمزة الثمالي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه
السلام نحوه، وفي الخصال أيضا في الصحيح عن صفوان بن يحيى عمن
ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام نهى عن
الصلاة في خمسة مساجد بالكوفة مسجد الأشعث بن قيس الكندي ومسجد
جرير بن عبد الله البجلي ومسجد سماك بن مخرمة ومسجد شبت بن ربعي
ومسجد تميم - الحديث - ويأتي في آخر الترجمة ما يزيد سوء حاله وضوحا
وفي الطبقات الكبير لابن سعد: جرير بن عبد الله يكنى أبا عمرو أسلم في
السنة التي قبض فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذي الخلصة
فهدمه ونزل الكوفة بعد ذلك وابتنى دار في بجيلة وتوفي بالسراة في ولاية
الضحاك بن قيس على الكوفة وكانت ولاية الضحاك سنتين ونصفا بعد
زياد بن أبي سفيان اه هكذا يقول ابن سعد: زياد بن أبي سفيان ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي الاستيعاب: قال ابن
إسحاق جرير بن عبد الله البجلي سيد قبيلته يعني بجيلة قال أبو عمر كان
إسلامه في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جرير أسلمت قبل موت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأربعين يوما ثم روى بالاسناد عن جرير قال ما حجبني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أسلمت ولا رآني قط إلا ضحك وتبسم وقال فيه رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل وافدا عليه يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه
مسحة ملك فطلع جرير وبعثه رسول الله إلى ذي كلاع وذي رعين - ظليم -
في اليمن وفيه فيما روى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه
وروى أنه قال ذلك في صفوان بن أمية الجمحي وفي جرير قال الشاعر:
لولا جرير هلكت بجيلة * نعم الفتى وبئست القبيلة
فقال عمر ما مدح من هجي قومه وكان عمر يقول جرير بن عبد الله
يوسف هذه الأمة يعني في حسنه (وفي أسد الغابة وهو سيد قومه) وهو
الذي قال لعمر حين وجد في مجلسه رائحة من بعض جلسائه قال عزمت
على صاحب هذه الرائحة إلا قام فتوضأ فقال جرير بن عبد الله علينا كلنا يا أمير
المؤمنين فأعزم قال عليكم كلكم عزمت ثم قال يا جرير ما زلت سيدا في
الجاهلية والاسلام نزل جرير الكوفة وسكنها وكان له بها دارا ثم تحول إلى
قرقيسياء ومات بها وقيل مات بالسراة ثم روى بسنده عن جرير قال لي
رسول الله الا تكفيني ذا الخلصة فقلت يا رسول الله اني رجل لا أثبت على
الخيل فصك في صدري وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فخرجت في
خمسين من قومي فأتيناهم فأحرقناها وفي أسد الغابة: وهي بيت فيه صنم
لخثعم أرسله ليهدمه ثم ذكر في الاستيعاب أنه قدم على عمر من عند
سعد بن أبي وقاص فسأله عنه فأكثر الثناء عليه. ثم قال وجرير القائل:
الخرس خير من الخلابة والبكم خير من البذاء - الخلابة الخديعة باللسان -
وكان جرير رسول علي إلى معاوية فحبسه مدة طويلة ثم رده برق مطبوع غير
مكتوب وبعث معه من يخبر بمناجزته له في خبر طويل مشهور اه وفي أسد
الغابة كان لجرير في الحروب بالعراق القادسية وغيرها أثر عظيم وكانت
بجيلة متفرقة فجمعهم عمر بن الخطاب وجعل عليهم جريرا. ثم روى
بسنده عن محمد بن إسحاق قال لما انتهت إلى عمر مصيبة أهل الجسر قدم
عليه جرير بن عبد الله من اليمن في ركب من بجيلة وعرفجة بن هرثمة
وكان عرفجة يومئذ سيد بجيلة وكان حليفا لهم من الأزد فقال لهم عمر قد
علمتم ما كان من المصيبة في اخوانكم بالعراق فسيروا وأنا اخرج إليكم من
كان منكم في قبائل العرب واجمعهم إليكم فجمع إليهم بطونا من بجيلة و
أمر عليهم عرفجة بن هرثمة فغضب من ذلك جرير فقالت بجيلة
استعملت علينا رجلا ليس منا فقال عرفجة بن هرثمة صدقوا لست منهم
ولكني من الأزد فقال عمر فاثبت على منزلتك فدافعهم كما يدافعونك فأبى
وأمر عمر جريرا على بجيلة فسار بهم إلى العراق وأقام جرير بالكوفة ولما اتى
علي الكوفة وسكنها سار جرير عنها إلى قرقيسيا ثم روى عنه مسندا قال
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة البدر فقال إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما
ترون هذا لا تضامون في رؤيته قال وكان يخضب بالصفرة اه وفي الإصابة
اختلف في وقت اسلامه ففي الطبراني الأوسط من طريق حصين بن عمر الأحمسي عن جرير لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتيته فقال ما جاء بك قلت جئت
لاسلم فألقى إلي كساءه وقال إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه، حصين فيه
ضعف ولو صح يحمل على المجاز وجزم ابن عبد البر بأنه اسلم قبل وفاة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأربعين يوما وهو غلط ففي الصحيحين عنه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له
استنصت الناس في حجة الوداع وجزم الواقدي بأنه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
شهر رمضان سنة عشر وفيه عندي نظر لما عن جرير قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أن أخاكم النجاشي قد مات اخرجه الطبراني والنجاشي مات قبل سنة
عشر، سكن جرير الكوفة وأرسله علي رسولا إلى معاوية ثم اعتزل

72
الفريقين وسكن قرقيسيا حتى مات وروى الطبراني من حديث علي مرفوعا:
جرير منا أهل البيت اه وفي تاريخ بغداد ذكره في مشهوري الصحابة
الذين وردوا المدائن فقال جرير بن عبد الله وساق نسبه وذكر الاختلاف فيه
ثم قال وكان سيدا في قومه وبسط له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبا ليجلس عليه وقت
مبايعته وقال لأصحابه إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه ووجهه إلى الخلصة
طاغية دوس فهدمها ودعا له حين بعثه إليها وشهد جرير مع المسلمين يوم
المدائن وله فيها أخبار مأثورة ذكرها أهل السير ولما مصرت الكوفة نزلها
فمكث بها إلى خلافة عثمان ثم بدت الفتنة فانتقل إلى قرقيسيا فسكنها إلى أن
مات ودفن بها ثم روى بسنده عن علي بن أبي طالب لا تسبوا جرير بن
عبد الله أن جريرا منا أهل البيت اه وفي المستدرك للحاكم كان قد أقام في
الفتنة بقرقيسيا ثم انتقل منها إلى الكوفة وبها توفي اه ولم يذكر في تاريخ
دمشق لابن عساكر في النسخة المطبوعة ويظهر ان فيها نقصا في حرف الجيم
فإنه لم يذكر فيها جارية بن قدامة السعدي مع أنه ورد دمشق على معاوية
وهو من المشهورين وحكى بعض شيئا من أحواله عن تاريخ دمشق كما مر
وهذا يدل على حصول النقص في النسخة قطعا ولم يذكر فيها جرير بن
عبد الله مع وروده دمشق على معاوية وكونه من المشهورين والله أعلم.
أخباره
قال نصر في كتاب صفين: لما بويع علي عليه السلام وكتب إلى
العمال في الآفاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي وكان جرير عاملا
لعثمان على ثغر همذان فكتب اليه مع زحر بن قيس الجعفي فلما قرأ الكتاب
قام فقال أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو المأمون
على الدين والدنيا وقد كان من أمره وأمر عدوه ما نحمد الله عليه وقد بايعه
السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان ولو جعل هذا
الامر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها الا وان البقاء في الجماعة والفناء
في الفرقة وعلي حاملكم على الحق ما استقمتم فان ملتم أقام ميلكم فقال
الناس سمعا وطاعة رضينا، فأجاب جرير وكتب جواب كتابه بالطاعة وكان
مع علي رجل من طئ ابن أخت لجرير فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى
خاله جرير وهو:
جرير بن عبد الله لا تردد الهدى * وبايع عليا انني لك ناصح
فان عليا خير من وطئ الحصا * سوى أحمد والموت غاد ورائح
ودع عنك قول الناكثين فإنما * أولاك أبا عمرو كلاب نوابح
وبايعه أن ان بايعته بنصيحة * ولا يك معها في ضميرك قادح
فإنك ان تطلب به الدين تعطه * وان تطلب الدنيا فبيعك رابح
وان قلت عثمان بن عفان حقه * علي عظيم والشكور مناصح
فحق علي إذا وليك كحقه * وشكرك ما أوليت في الناس صالح
وان قلت لا نرضى عليا امامنا * فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح
أبى الله إلا أنه خير دهره * وأفضل من ضمت عليه الأباطح
وقال جرير في ذلك
أتانا كتاب علي فلم * نرد الكتاب بأرض العجم
ولم نعص ما فيه لما اتى * ولما نضام ولما نلم
ونحن ولاة على ثغرها * نضيم العزيز ونحمي الذمم
نساقيهم الموت عند اللقاء * بكأس المنايا ونشفي القرم
طحناهم طحنة بالقنا * وضرب سيوف تطير اللمم
مضينا يقينا على ديننا * ودين النبي مجلي الظلم
أمين الاله وبرهانه * وعدل البرية والمعتصم
رسول المليك ومن بعده * خليفتنا القائم المدعم
عليا عنيت وصي النبي * نجالد عنه غواة الأمم
له الفضل والسبق والمكرمات * وبيت النبوة لا يهتضم
وقال رجل:
لعمر أبيك والانباء تنمى * لقد جلى بخطبته جرير
وقال مقالة جدعت رجالا * من الحيين خطبهم كبير
بدا بك قبل أمته علي * ومخك ان رددت الحق زير
أتاك بأمره زحر بن قيس * وزحر بالتي حدثت خبير
فكنت بما أتاك به سميعا * وكدت اليه من فرح تطير
فأنت بما سعدت به ولي * وأنت لما تعد له بصير
ونعم المرء أنت له وزير * ونعم المرء أنت له أمير
فأحرزت الثواب ورب حاد * حدا بالركب ليس له بعير
ليهنك ما سبقت به رجالا * من العلياء والفضل الكبير
قال ثم أقبل جرير سائرا من ثغر همذان حتى ورد على علي عليه
السلام بالكوفة فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس من طاعة علي واللزوم
لامره. وروى نصر بسنده عن الشعبي ان عليا عليه السلام حين قدم
البصرة نزع جريرا عن همذان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد علي ان يبعث إلى
معاوية رسولا فقال جرير ابعثني اليه فإنه لم يزل لي مستنصحا وودا فآتيه
فأدعوه إلى أن يسلم لك هذا الامر ويجامعك على الحق على أن يكون أميرا
من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله واتبع ما في كتاب الله
وادعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك وجلهم قومي وأهل بلادي وقد
رجوت أن لا يعصوني فقال له الأشتر لا تبعثه ودعه ولا تصدقه فوا الله إني
لأظن هواه هواهم ونيته نيتهم فقال له علي دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا
فبعثه علي عليه السلام، وفي تاريخ اليعقوبي انه لما نهاه الأشتر عن إرساله
قال دعه يتوجه فان نصح كان ممن أدى أمانته وان داهن كان عليه وزر من
اؤتمن ولم يؤد الأمانة ووثق به فخالف الثقة ويا ويحهم مع من يميلون
ويدعونني فوا الله ما أردتهم إلا على إقامة حق ولا يريدهم غيري إلا على
باطل اه قال نصر وقال له حين أراد أن يبعثه ان حولي من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الدين والرأي من قد رأيت وقد اخترتك عليهم
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك أنك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي فان
دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ اليه واعلمه اني لا أرضى به أميرا
وان العامة لا ترضى به خليفة فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية
فدخل عليه فحمد الله واثنى عليه وقال اما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع
لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل
مصر وأهل العروض وعمان وأهل البحرين واليمامة فلم يبق إلا أهل هذه
الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد اتيتك
أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل ودفع اليه كتاب علي بن
أبي طالب الذي أوله اما بعد فان بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام فلما قرأ
الكتاب قام جرير فخطب خطبة قال في آخرها: أيها الناس إن أمر عثمان قد
أعيا من شهده فما أظنكم بمن غاب عنه وأن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا

73
موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث إلا أن
هذا الدين لا يحتمل الفتن الا وان العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة
أمس ملحمة ان يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت العامة عليا
ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره ومن خالف هذا استعتب فادخل يا
معاوية فيما دخل فيه الناس فان قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فان هذا
أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ. ما في يديه ولكن الله لم يجعل
للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة وحقوقا ينسخ بعضها
بعضا فقال معاوية انظر وننظر واستطلع رأي أهل الشام فلما فرغ جرير من
خطبته أمر معاوية فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر
وخطب خطبة قال في آخرها: أيها الناس قد علمتم اني خليفة أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب وخليفة عثمان بن عفان عليكم واني ولي عثمان وقد قتل
مظلوما والله يقول: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في
القتل انه كان منصورا وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان
فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان واستحثه جرير
بالبيعة، فقال: يا جرير انها ليست بخلسة وأنه امر له ما بعده فأبلعني
ريقي انظر ودعا ثقاته فأشار عليه اخوة عتبة بن أبي سفيان بعمرو بن العاص
وقال له أثمن له بدينه فإنه من عرفت فكتب معاوية إلى عمرو وهو بالسبع
من فلسطين انه كان من امر طلحة والزبير ما قد بلغك وقد قدم علينا
جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني فأتاه
عمرو وجعل له مصر طعمة على أن يساعده على حرب علي عليه السلام ثم
قال ما ترى في علم قال أرى فيه خيرا أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق
ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة
خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي - رئيس
اليمامة - وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل اليه ووطن له ثقاتك فليفشوا
في الناس ان عليا قتل عثمان فكتب إلى شرحبيل ان جرير بن عبد الله قدم
علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فأقدم ودعا معاوية جماعة فأمرهم
أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان وجاء شرحبيل فدخل على معاوية فقال
معاوية يا شرحبيل ان جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير
الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من
أهل الشام أرضى بما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل أخرج فانظر
فخرج فلقيه هؤلاء فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فغضب وقال لمعاوية
لئن بايعت عليا لنخرجنك من الشام، قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم
قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت
بصيرته في حرب أهل العراق وإن الشام كله مع شرحبيل وقال شرحبيل
للحصين بن نمير أبعث إلى جرير فبعث اليه فاجتمعا عنده قال شرحبيل يا
جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأرادت ان تخلط الشام
بالعراق وأطرأت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة
فقال جرير أما قولك اني جئت بأمر ملفف فكيف يكون ملففا وقد اجتمع
عليها المهاجرون و الأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأما قولك اني
ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته ألقيت نفسك وأما خلط الشام بالعراق
فخلطهما على حق خير من فراقهما على باطل وأما قولك ان عليا قتل عثمان
فوالله ما في يدك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت
إلى الدنيا وشئ كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ معاوية
قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وكتب جرير إلى
شرحبيل: شرحبيل يا ابن الصمت لا تتبع الهوى * فما لك في الدنيا من الدين من بدل
وقل لابن حرب ما لك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الامل
شرحبيل ان الحق قد جد جده * وأنك مأمون الأديم من النغل
فأورد ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل
ولا تك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل
وقال ابن هند في علي عضيهة * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل
وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل
وما كان إلا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الاجل
فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان قول الذي احتمل
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الحامي (الأولى) به يضرب المثل
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني
ودنياي، ولا والله لا أعجل في هذا الامر بشئ وفي نفسي منه فلفف له
معاوية الرجال يدخلون اليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به
عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا
عزمه اه وذلك لما سبق في علم الله من شقاثه وروى نصر أيضا بسنده عن
الشعبي ان شرحبيل قال لمعاوية ان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان
استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ثم جاهدنا معه حتى ندرك دم
عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم
الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك ان تفسد بين الناس
وأمسك عن هذا القول قبل ان يظهر منك قول لا تستطيع رده قال لا والله
لا أسره ابدا ثم قام فتكلم، فقال الناس صدق صدق القول ما قال والرأي
ما رأى فايس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. وروى
نصر أيضا ان معاوية اتى جريرا في منزله فقال يا جرير اني قد رأيت رأيا
قال: هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته
الوفاة لم يجعل لاحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الامر واكتب اليه
بالخلافة فقال جرير اكتب بما أردت واكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى
علي فكتب علي إلى جرير اما بعد فإنما أراد معاوية ان لا يكون لي في عنقه
بيعة وان يختار من امره ما أحب وأراد ان يريثك حتى يذوق أهل الشام وان
المغيرة بن شعبة كان قد أشار علي ان استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة
فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا فان بايعك الرجل
والا فاقبل. قال فخرج جرير يتجسس الاخبار فإذا هو بغلام يتغنى على
قعود له وهو يقول:
حكيم وعمار الشجا ومحمد * واشتر والمكشوح جروا الدواهيا
وقد كان فيها للزبير عجاجة * وصاحبة الأدنى أشاب النواصيا
فأما علي فاستغاث ببيته * فلا آمر فيها ولم يك ناهيا
وقل في جميع الناس ما شئت بعده * وان قلت أخطأ الناس لم تك خاطيا
وان قلت عم القوم فيه بفتنة * فحسبك من ذاك الذي كان كافيا
فقولا لأصحاب النبي محمد * وخصا الرجال الأقربين المواليا
أيقتل عثمان بن عفان وسطكم * على غير شئ ليس إلا تماديا
فلا نوم حتى نستبيح حريمكم * ونخضب من أهل الشنان العواليا
قال جرير يا ابن أخي من أنت قال انا غلام من قريش وأصلي من

74
ثقيف أنا ابن المغيرة بن الأخنس قتل أبي مع عثمان يوم الدار فعجب جرير
من قوله وكتب بشعره إلى علي فقال علي والله ما أخطأ الغلام شيئا، قال
نصر وفي حديث صالح بن صدقة قال أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه
الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ
على علي حتى ايس منه قال وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا:
وكتب علي إلى جرير بعد ذلك: أما بعد فإذا اتاك كتابي هذا فاحمل معاوية
على الفصل وخذه بالامر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فان
اختار الحرب فانبذ له وان اختار السلم فخذ بيعته، فلما انتهى الكتاب إلى
جرير اتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال يا معاوية انه لا يطبع على قلب إلا
بذنب ولا ينشرح إلا بتوبة ولا أظن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بين
الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك فقال معاوية ألقاك بالفيصل
أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير الحق
بصاحبك واكتب اليه بالحرب. وروى نصر باسناده انه لما رجع جرير إلى
علي كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والأشتر
عند علي فقال الأشتر أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية
لكنت خيرا من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام حتى لم يدع بابا يرجو
روحه إلا فتحه أو بابا يخاف غمه الا سده فقال جرير والله لو اتيتهم لقتلوك
وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم وقد زعموا انك من قتلة
عثمان فقال الأشتر لو اتيته والله يا جرير لم يعيني جوابها ولم يثقل علي
محملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر، قال فائتهم اذن
قال الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهما الشر. وروى أيضا بسنده عن الشعبي
قال اجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر أليس قد نهيتك يا أمير
المؤمنين ان تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الأشتر يشتمه
ويقول يا أخا بجيلة ان عثمان اشترى منك دينك بهمذان والله ما أنت بأهل
أن تمشي فوق الأرض حيا انما اتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم
رجعت الينا من عندهم تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم
ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون
منه حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين قال جرير وددت والله أنك
كنت مكاني بعثت إذا والله لم ترجع قال فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا
ولحق به أناس من قيس ويسير من قومه ولم يشهد صفين من قيس غير تسعة
عشر ولكن أحمس شهدها منهم سبعمائة رجل وخرج علي إلى دار جرير
فشعث منها وحرق مجلسه وخرج أبو زرعة بن عمرو بن جرير فقال أصلحك
الله ان فيها أرضا لغير جرير فخرج علي منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها
وهدم منها وكان ثوير رجلا شريفا وكان قد لحق بجرير وقال الأشتر فيما كان
من تخويف جرير إياه بعمرو وحوشب ذي ظليم وذي الكلاع:
لعمرك يا جرير لقول عمرو * وصاحبه معاوية الشآمي
وذي كلع وحوشب ذي ظليم * أخف علي من زف النعام
إذا اجتمعوا علي فخل عنهم * وعن باز مخالبه دوامي
فلست بخائف ما خوفوني * وكيف أخاف أحلام النيام
وهمهم الذي حاموا عليه * من الدنيا وهمي ما أمامي
فان اسلم أعمهم بحرب * يشيب طولها رأس الغلام
وان أهلك فقد قدمت امرا * أفوز بفلجه يوم الخصام
وقد زاروا إلى وأوعدوني * ومز ذا مات من خوف الكلام
وقال السكوني
تطاول ليلى يا لحب السكاسك * لقول اتانا عن جرير ومالك
أجر عليه ذيل عمرو عداوة * وما هكذا فعل الرجال الحوانك
فأعظم بها حزا عليك مصيبة * وهل يهلك الأقوام غير التماحك
فان تبقيا تبق العراق بغبطة * وفي الناس مأوى للرجال الصعالك
والا فليت الأرض يوما باهلها * تميد إذا ما أصبحا في الهوالك
فان جريرا ناصح لامامه * حريص على غسل الوجوه الحوالك
ولكن أمر الله في الناس بالغ * يحل منايا بالنفوس الشوارك
اه وقال ابن الأثير فخرج جرير إلى قرقيسيا وكتب إلى معاوية فكتب
اليه معاوية يأمره بالقدوم عليه وذكر ابن الأثير ان سبب العداوة بين
شرحبيل وجرير، ان شرحبيل كان قد سيره عمر بن الخطاب إلى العراق إلى
سعد بن أبي وقاص فقدمه سعد وقربه فحسده الأشعث بن قيس الكندي
لمنافسة بينهما فوفد جرير البجلي على عمر فقال له الأشعث ان قدرت ان تنال
من شرحبيل عند عمر فافعل فقال شعرا نال فيه من شرحبيل فاستقدمه عمر
وسيره إلى الشام فلما قدم جرير على معاوية بكتاب علي في البيعة انتظر
معاوية قدوم شرحبيل لما يعلم من عداوته لجرير فقال النجاشي:
شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا * ولكن لبغض المالكي جرير
وقولك ما قد قلت عن أمر أشعث * فأصبحت كالحادي بغير بعير
اه وقد ظهر من مجموع ما مر ان الرجل ختم اعماله بسيئها
بمفارقته عليا عليه السلام حتى هدم داره سواء أكان ذهب إلى معاوية أو أقام
بقرقيسيا وهي في ملك معاوية وإيماء الخطيب إلى الاعتذار عنه بقوله السابق
ثم بدت الفتنة فانتقل إلى قرقيسيا غير صواب، ومن خذل الحق كمن نصر
الباطل والله تعالى قد أوجب قتال الطائفة الباغية حتى تفئ إلى امر الله،
والرواية السابقة عن علي عليه السلام أنه قال جرير منا أهل البيت وأمثالها
يوجب الشك في صدقها انه لم يكن له مع أهل البيت عمل يوجب له هذا
سوى مفارقته إياهم إلى عدوهم. وعن شرح النهج روى يحيى البرمكي عن
الأعمش عن جرير والأشعث انهما خرجا إلى جبانة بالكوفة فمر بهما ضب
يعدو وهما في ذم علي فنادياه يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة فبلغ عليا
عليه السلام ذلك فقال إنهما يحشران يوم القيامة وأمامهما ضب اه وعن
شرح النهج أيضا قال جماعة من مشايخنا البغداديين كان جرير بن عبد الله
البجلي يبغض عليا عليه السلام وهدم علي دار جرير اه ومر في أوائل
الترجمة ما يزيد سوء حاله وضوحا فراجع.
من روى عن جرير
في الاستيعاب روى عنه انس بن مالك وقيس بن أبي حازم وهمام بن
الحارث والشعبي وبنوه عبيد الله والمنذر وإبراهيم وزاد في أسد الغابة أبا
وائل وأبا زرعة بن عمرو بن جرير وغيرهم اه.
جرير بن عثمان
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان جرير بن عثمان من أهل المدينة ذكره أبو عمر الكشي في رجال
الشيعة من الرواة عن جعفر الصادق وقال كان فقيها صالحا اعرف الناس
بالمواريث - قلت - وهذا شديد الالتباس بحريز بن عثمان الرحبي المخرج له
في الصحيح ذاك بالمهملة أوله ثم الزاي وهذا كالجادة وذاك ناصبي وهذا

75
رافضي اه وليس له ذكر في رجال الكشي ونعته بما ذكره ليس في رجال
الشيخ والله أعلم.
جرير بن عجلان الأزدي الكسائي كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان: جرير بن عجلان الأزدي ذكره الطوسي في رجال الشيعة من الرواة
عن جعفر الصادق اه.
جرير بن كليب الكندي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام. وفي منهج
المقال هذه نسخة لا تخلو من صحة وفي أخرى جرير بن كليب الندي اه
ويحتمل ان يكون هو جري بن كليب النهدي الكوفي وصحف جرير بجري
والنهدي بالندي في ميزان الاعتدال جري بن كليب النهدي عن رجل من
بني سليم له صحبه في التسبيح وعنه أبو إسحاق فقط وفيه أيضا جري بن
كليب السدوسي عن علي قال أبو حاتم لا يحتج به وقال ولم يرو عنه إلا
قتادة قلت قد اثنى عليه قتادة وحديثه نهى ان يضحى بعضباء الاذن والقرن
حديثه عند الكوفيين ثم قال جري بن كليب عن علي لا يعرف والظاهر أنه
السدوسي اه.
جريش السكوني
كان مع علي عليه السلام يوم صفين فقال لما هرب معاوية يذكر قتل
عبد الله بن بديل الخزاعي وهاشم بن عتبة وقتل ذي الكلاع وحوشب ذي
ظليم:
معاوي ما أفلحت إلا بجرعة * من الموت رعبا تحسب الشمس كوكبا
نجوت وقد أدميت بالسوط بطنه * لزوما على فاس اللجام مشذبا
فلا تكفرنه واعلمن ان مثلها * إلى جنبها مالا - والى ظ - بك الجري اوكيا
فان تفخروا بابني بديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
وانهما ممن قتلتم على الهدى * سواء فكفوا القول يجني التحوبا
فلما رأينا الامر قد جد جده * وقد كان مما يترك الطفل أشيبا
صبرنا لهم تحت العجاج سيوفنا * وكان خلاف الصبر جدعا موعبا
فلم نلف فيها خاشعين أذلة * ولم يك فيها حبلنا متذبذبا
كسرنا القنا حتى إذا ذهب القنا * ضربنا وفللنا الصفيح المجربا
فلم نر في الجمعين صارف حده * ولا ثانيا من رهبة الموت منكبا
ولم نرى الا قحف رأس وهامة * وساقا طنونا أو ذراعا مخضبا
الجزائري
هو السيد نعمة الله بن عبد الله الجزائري
الجزار الشاعر المصري
اسمه أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم.
علم الدين أبو عبد الله جسار ابن عبد الله بن علي العلوي الموسوي نائب
النقابة
في مجمع الآداب ومعجم الألقاب لعبد الرزاق بن الفوطي: كان من
السادات الموسوية قرأت بخط بعض الأفاضل أنشدنا علم الدين:
لا تسأل الناس واسأل رازق الناس * فاليأس منهم غنى فاستغن باليأس
واسترزق الله مما في خزائنه * فان ربك ذو فضل على الناس
السالار جستان بن المرزبان بن إسماعيل بن وهسوذان بن محمد بن مسافر
الديلمي
قتل سنة 349
كان من أمراء الديلم ومر جل ترجمته في ترجمة أخيه إبراهيم وذكرنا
هناك تشيع الديلم كلهم أو جلهم ونذكر ترجمته هنا وان لزم بعض التكرار
فنقول: قال ابن الأثير في حوادث سنة 346 في هذه السنة في رمضان توفي
السالار. المرزبان بأذربيجان وهو صاحبها فلما يئس من نفسه أوصى إلى
أخيه وهسوذان بالملك وبعده لابنه جستان بن المرزبان وكان المرزبان قد
تقدم أولا إلى نوابه بالقلاع ان لا يسلموها بعد الا إلى ولده جستان فان
مات فإلى ابنه إبراهيم فان مات فإلى ابنه ناصر فإن لم يبق منهم أحد فإلى
أخيه وهسوذان فلما أوصى هذه الوصية إلى أخيه عرفه علامات بينه وبين
نوابه في قلاعه ليتسلمها منهم فلما مات المرزبان انفذ اخوه وهسوذان خاتمه
وعلاماته إليهم فأظهروا وصيته الأولى فظن وهسوذان ان أخاه خدعه بذلك
فأقام مع أولاد أخيه، فاستبدوا بالامر دونه فخرج من أردبيل كالهارب إلى
الطرم فاستبد جستان بالامر وأطاعه اخوته وقلد وزارته أبا عبد الله النعيمي
واتاه قواد أبيه الا جستان بن شرمزن فإنه عزم على التغلب على أرمينية وكان
واليا عليها وشرع وهسوذان في الافساد بين أولاد أخيه وتفريق كلمتهم
وأطماع أعدائهم فيهم حتى بلغ ما أراد وقتل بعضهم، وقال في حوادث
سنة 349 في هذه السنة ظهر بأذربيجان رجل من أولاد عيسى بن المكتفي
بالله وتلقب بالمستجير بالله وبايع للرضا من آل محمد ولبس الصوف وأظهر
العدل وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وكثر اتباعه وكان السبب في ظهوره
ان جستان بن المرزبان صاحب أذربيجان ترك سيرة والده في سياسة الجيش
واشتغل باللعب ومشاورة النساء وكان جستان بن شرم مزن بأرمينية متحصنا
بها وكان وهسوذان بالطرم يضرب بين أولاد أخيه ليختلفوا ثم إن جستان بن
المرزبان قبض على وزيره النعيمي وكان بينه وبين وزير جستان بن شرمزن
مصاهرة وهو أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن حمدويه فاستوحش أبو الحسن
لقبض النعيمي فحمل صاحبه ابن شرمزن على مكاتبة إبراهيم بن المرزبان
وكان بأرمينية فكاتبه وأطمعه في الملك فسار اليه فقصدوا مراغة واستولوا
عليها فلما علم جستان بن المرزبان بذلك راسل ابن شرمزن ووزيره أبا الحسن
فأصلحهما وضمن لهما اطلاق النعيمي فعادا عن نصر إبراهيم وظهر
له ولأخيه نفاق ابن شرمزن فتراسلا واتفقا عليه ثم إن النعيمي هرب من
حبس جستان بن المرزبان وسار إلى موفان وكاتب ابن عيسى بن المكتفي
بالله وأطمعه في الخلافة وان يجمع له الرجال ويملك له آذربيجان فإذا قوي
قصد العراق فسار اليه في نحو ثلاثمائة رجل اتاه جستان بن شرمزن فقوي به
وبايعه الناس واستفحل امره فسار إليهم جستان وإبراهيم ابنا المرزبان
قاصدين قتالهم فلما التقوا انهزم أصحاب المستجير واخذ أسيرا فعدم فقيل إنه
قتل وقيل مات وأما وهوسذان فإنه لما رأى اختلاف أولاد أخيه وان كل
واحد منهم قد انطوى على غش صاحبه راسل إبراهيم بعد وقعة المستجير
واستزاره، فزاره فأكرمه عمه ووصله بما ملا عينه وكاتب ناصرا ولد خيه
أيضا واستغواه ففارق أخاه جستان وصارا إلى موقان فوجد الجند طريقا إلى
تحصيل الأموال ففارق أكثرهم جستان وصاروا إلى أخيه ناصر فقوي بهم على

76
أخيه جستان واستولى على أردبيل، ثم إن الأجناد طالبوا ناصرا بالأموال
فعجز عن ذلك وقعد عمه وهسوذان عن نصرته فعلم أنه كان يغويه فراسل
أخاه جستان وتصالحا واجتمعا وهما في غاية ما يكون من قلة الأموال
واضطراب الأمور وتغلب أصحاب الأطراف على ما بأيديهم فاضطر
جستان وناصر ابنا المرزبان إلى المسير إلى عمهما وهسوذان مع والدتهما فراسلاه في
ذلك واخذا عليه العهود وساروا اليه فلما حضروا عنده نكث وغدر بهم
وقبض عليهم وهم جستان وناصر و والدتهما واستولى على العسكر وعقد
الامارة لابنه إسماعيل وسلم اليه أكثر قلاعه واخرج الأموال وأرضى الجند
وكان إبراهيم بن المرزبان قد سار إلى أرمينية فتأهب لمنازعة إسماعيل
واستنقاذ أخويه من حبس عمهما وهسوذان، فلما علم وهسوذان ذلك ورأى
اجتماع الناس عليه بدر فقتل جستان وناصرا ابني أخيه وأمهما اه.
الجعابي
هو أبو بكر محمد عمر الجعابي.
جعارة بن سعد الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام وفي نسخة
حجارة كما تقدم
جعدة بن أبي عبد الله
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام. وفي لسان
الميزان جعدة عن أبي عبد الله ذكره الطوسي في رجال الشيعة من الرواة عن
أبي جعفر الباقر اه وصوابه جعدة بن أبي عبد الله.
جعدة الخثعمي نزل الكوفة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والذي في الاستيعاب
وأسد الغابة والإصابة: جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي وفي الاستيعاب
حديثه في البصريين ويقال الجمحي الجشمي مولى لهم وفي أسد الغابة من
بني جشم بن معاوية وفي الإصابة حديثه في البصريين قال ابن السكن ويقال
انه نزل الكوفة وسمي ابن قانع أباه معاوية اه. والظاهر أنه صحف في
عبارة الشيخ الجشمي بالخثعمي.
جعدة المخزومي من ولد أم هانئ وهو ابن ابنها
في تهذيب التهذيب روى حديث - الصائم المتطوع أمير نفسه، عن جدته
ولم يسمع منها بل سمعه من أبي صالح مولى أم هانئ
وأهله عن أم هانئ روى عنه شعبة وسماك بن حرب. قال البخاري لا اعرف له الا هذا
الحديث وفيه نظر وقال ابن عدي لا اعرف له الا هذا الحديث كما ذكره
البخاري. قال المؤلف يحتمل ان يكون هو جعدة بن يحيى بن جعدة بن
هبيرة وانه سمي باسم جده اه.
مظنون التشيع بان يكون ورثه من جده وجدته وقادته اليه الخؤولة.
جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي
هو ابن أخت أمير المؤمنين علي عليه السلام أمه أم هانئ بنت أبي
طالب واسمها فاختة.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال جعدة بن هبيرة
المخزومي يقال إنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليست له صحبة نزل الكوفة
وقال في أصحاب علي عليه السلام جعدة بن هبيرة المخزومي ابن أخت أمير
المؤمنين عليه السلام أمه أم هانئ بنت أبي طالب اه. وروى الكشي في
ترجمة محمد بن أبي بكر بسنده عن الصادق عليه السلام قال كان مع أمير
المؤمنين عليه السلام خمسة نفر وكانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية وعد من
الخمسة جعدة بن هبيرة المخزومي قال وكان أمير المؤمنين عليه السلام خاله
وهو الذي قال له عتبة بن أبي سفيان انما لك هذه الشدة في الحرب من قبل
خالك فقال له جعدة لو كان خالك مثل خالي لنسيت أباك اه. وقال
نصر بن مزاحم في كتاب صفين كان لجعدة في قريش شرف عظيم وكان له
لسان وكان من أحب الناس إلى علي عليه السلام اه‍. وفي الاستيعاب
جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عائد بن عمران بن مخزوم القرشي
المخزومي أمه أم هانئ بنت أبي طالب ولاه خاله علي بن أبي طالب على
خراسان قالوا كان فقيها. قال أبو عبيدة ولدت أم هانئ بنت أبي طالب من
هبيرة ثلاثة بنين أحدهم يسمى جعدة والثاني هانئا والثالث يوسف وقال
الزبير والعدوي ولدت أم هاني لهبيرة أربعة بنين جعدة وعمرا وهانئا ويوسف
وهو أصح إن شاء الله قال الزبير وجعدة بن هبيرة هو الذي يقول:
أبي من بني مخزوم ان كنت سائلا * ومن هاشم أمي لخير قبيل
فمن ذا الذي يبأى علي بخاله * كخالي علي ذي الندى وعقيل
روى عنه مجاهد بن جبر اه. يبأى يفخر - وفي أسد الغابة: قال
هشام الكلبي جعدة بن هبيرة ولي خراسان لعلي وهو ابن أخته أمه أم هانئ
بنت أبي طالب وقال ابن منده وأبو نعيم جعدة بن هبيرة بن أبي وهب ابن بنت
أم هانئ ثم قال قول ابن منده وأبي نعيم ان جعدة هو ابن بنت أم هانئ
وهم منهما وليس بابن بنتها انما هو ابنها لا غير على أن أبا نعيم تبع ابن
منده كثيرا في أوهامه وقال روى عنه مجاهد ويزيد عن عبد الرحمان الأودي
وسعيد بن علاقة وسكن الكوفة وقد اختلف في صحبته ثم روى عنه حديث
خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخر أردأ - الذي
يدل الوجدان على أنه حديث موضوع كما أشرنا اليه في الجزء الأول من هذا
الكتاب على أن بعضهم رواه عن جعدة بن هبيرة الأشجعي كما في تهذيب
التهذيب وغيره وفي الإصابة: ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم له رؤية بلا نزاع
فان أباه قتل كافرا بعد الفتح واختلف في صحبته وصحة سماعه، وقال ابن
منده مختلف في صحبته وقال البخاري له صحبة وذكره الأزدي وغيره فيمن
لم يرو عنه غير واحد من الصحابة وقال الحاكم في تاريخه يقال إن له رؤية
وقال ابن حبان لا أعلم لصحبته شيئا صحيحا اعتمد عليه وقال البغوي ولد
على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليست له صحبة وقال ابن السكن نحوه وقال الآجري
قلت لأبي داود وجعدة بن هبيرة له رؤية قال لم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا -
قلت - اما كونه له رؤية فحق لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن بنت عمه
وخصوصية أم هانئ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم شهيرة وروى الطبراني من طريق ابن جريح
عن أبي الزبير انه حدثه عن مجاهد انه حدثه عن جعدة بن هبيرة قال نهاني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان أتختم بالذهب - الحديث. اخرجه الحافظ الضياء في
المختارة من طريق الطبراني لان الباوردي قد رواه عن شيخ الطبراني بإسناده
عن جعدة فقال نهاني خالي علي، فذكره والحديث معروف برواية علي في

77
الصحيح من وجه آخر. قال البخاري: مات جعدة في خلافة معاوية
اه. وفي تهذيب التهذيب جعدة بن هبيرة له صحبة: قلت في جزم
المؤلف ان له صحبة نظر فقد ذكره في التابعين البخاري وأبو حاتم وابن
حبان و ذكره البغوي في الصحابة لكن قال يقال إنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وليست له صحبة، وعن أبي داود لم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا وقال العجلي
مدني تابعي ثقة. وذكره العسكري فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ولم
يلقه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال
جعدة أمه أم هانئ بنت أبي طالب ولها يقول هبيرة حين أسلمت:
أشاقتك هند ان اتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها
فان كنت قد تابعت دين محمد * وقطعت الأرحام منك حبالها
وقد أرقت في رأس حصن ممرد * بنجران كسرى بعد نوم خيالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ممنعة لا يستطاع تلالها
(قال) مصعب ومات هبيرة بنجران مشركا واما جعدة فإنه تزوج ابنة
خاله أم الحسن بنت علي وولدت له عبد الله بن جعدة بن هبيرة الذي قيل
فيه بخراسان:
لولا ابن جعدة لم يفتح هنبركم * ولا خراسان حتى ينفخ الصور
(قال) مصعب واستعمل علي على خراسان جعدة بن هبيرة
المخزومي وانصرف إلى العراق ثم حج وتوفي بالمدينة وقد روى عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا بصحة ما ذكر مصعب اه. ثم روى بسنده عن جعدة بن
هبيرة قلت لعلي يا خال قتلت عثمان قال لا والله ما قتلته ولا أمرت به ولكني
غلبت اه. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج كان جعدة فارسا شجاعا
فقيها ولي خراسان لأمير المؤمنين علي عليه السلام وهو من الصحابة الذين
أدركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح مع أمه أم هانئ بنت أبي طالب وهرب
هبيرة بن أبي وهب ذلك اليوم هو و عبد الله بن الزبعري إلى نجران وأقام
هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافرا اه.
اخباره
لما دخل علي عليه السلام الكوفة بعد رجوعه من حرب الجمل نزل
على جعدة بن هبيرة، وفي بعض خطب نهج البلاغة: خطبنا علي عليه
السلام وهو قائم على حجارة نصبها جعدة بن هبيرة المخزومي وقال ابن
الأثير في حوادث سنة 37 في هذه السنة بعث علي جعدة بن هبيرة المخزومي
إلى خراسان بعد عوده من صفين فانتهى إلى نيسابور وقد كفروا وامتنعوا
فرجع إلى علي فبعث خليد بن قره اليربوعي فحاصر أهلها حتى صالحوه
وصالحه أهل مروا اه. وقال أيضا انه لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليه
السلام تأخر علي وقدم جعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ يصلي بالناس
الغداة. وفي مجالس المؤمنين ان عليا عليه السلام في أول خلافته ولاه امارة
خراسان وأمره بفتح ما بقي منها اه. وقال ابن أبي الجديد في شرح النهج
عند شرح الخطبة التي يقول فيها أمير المؤمنين عليه السلام الا وان اللسان
بضعة من الانسان فلا يسعده القول إذا امتنع ولا يمهله النطق إذا اتسع وانا
لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه، قال اعلم أن هذا
الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام في واقعة اقتضت ان يقوله وذلك أنه
امر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي ان يخطب الناس يوما فصعد المنبر
فحصر ولم يستطع الكلام فقام أمير المؤمنين عليه السلام فتسنم ذروة المنبر
وخطب خطبة طويلة منها هذه الكلمات اه. وروى نصر بن مزاحم في
كتاب صفين قال حدثنا عمر بن سعد عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي
جحيفة قال: جمع معاوية كل قرشي بالشام يوم صفين ثم ذكر انه عاتبهم
وانبهم على عدم مبارزة أقرانهم من قريش فقال عتبة بن أبي سفيان اني لاق
بالغداة جعدة بن هبيرة قال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هانئ
بنت أبي طالب وأبوه هبيرة بن أبي وهب كفؤ كريم - إلى أن قال - وبعث
معاوية إلى عتبة فقال ما أنت صانع في جعدة قال ألقاه اليوم وأقاتله غدا
فغدا عليه عتبة فنادى: ايا جعدة فاستأذن عليا عليه السلام في الخروج
فأذن له واجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة يا جعدة انه والله ما أخرجك
علينا الا حب خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين وانا والله ما نزعم
ان معاوية أحق بالخلافة من علي لولا امره في عثمان ولكن معاوية أحق
بالشام لرضا أهلها به فاعفوا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرف الا وهو
أجد من معاوية في القتال وما بالعراق من له مثل جد علي في الحرب ونحن
أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم وما أقبح بعلي ان يكون في قلوب المسلمين
أولى الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا افنى العرب. فقال جعدة اما
حبي لخالي فوالله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك واما ابن أبي سلمة فلم
يصب أعظم من قدره والجهاد أحب إلي من العمل واما فضل علي على
معاوية فهذا ما لا يختلف فيه، واما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها
أمس فلم يقبل واما قولك انه ليس بالشام رجل الا وهو أجد من معاوية
وليس بالعراق لرجل مثل جد علي فهكذا ينبغي ان يكون مضى بعلي يقينه
وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل واما قولك
نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي فوالله ما نسأله ان سكت ولا نرد عليه ان قال
واما قتل العرب فان الله كتب القتل والقتال فمن قتله الحق فإلى الله.
فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه واعرض عنه وانصرفا جميعا
مغضبين. فجمع عتبة خيله فلم يستبق منها وجل أصحابه السكون والأزد
والصدف وتهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا وباشر جعدة
يومئذ القتال بنفسه وجزع عتبة فاسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له
فضحك جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها ابدا قال عتبة لا والله لا أعود
إلى مثلها ابدا ولقد أعذرت وما كان على أصحابي من عتب ولكن الله أبى ان
يديلنا منهم فما اصنع فحظي بها جعدة عند علي فقال النجاشي فيما كان من
شتم عتبة لجعدة:
ان شتم الكريم يا عتب خطب * فأعلمنه من الخطوب عظيم
أمه أم هانئ وأبوه * من معد ومن لؤي صميم
ذاك منها هبيرة بن أبي وهب * أقرت بفضله مخزوم
كان في حربكم يعد بألف * حين تلقى بها القروم القروم
وابنه جعدة الخليفة منه * هكذا تنبت الفروع الاروم
كل شئ تريده فهو فيه * حسب ثاقب ودين قويم
وخطيب إذا تمغرت الأوجه * يشجى به الألد الخصيم
وحليم إذا الحبى حلها الجهل وخفت * من الرجال الحلوم
وشكيم الحروب قد علم الناس * إذا حل في الحروب الشكيم
وصحيح الأديم من نغل العيب * إذا كان لا يصح الأديم
حامل للعظيم في طلب الحمد * إذا أعظم الصغير اللئم
ما أعسى ان تقول للذهب الأحمر * عيبا هيهات منك النجوم
كل هذا بحمد ربك فيه * وسوى ذاك كان وهو فطيم

78
وقال الأعور الشني في ذلك لعتبة:
وظلت تنظر في عطفيك أبهة * لا يرفع الطرف منك التيه والصلف
لا تحسب القوم الا فقع قرقرة * أو شحمة بزها شاو لها نطف
حتى لقيت ابن مخزوم وأي فتى * أحيا مآثر آباء له سلفوا
ان كان رهط أبي وهب جحاجحة * في الأولين فهذا منهم خلف
أشجاك جعدة إذ نادى فوارسه * حاموا على الدين والدنيا فما وقفوا
حتى رموك بخيل غير راجعة * الا وسمر العوالي منكم تكف
قد عاهدوا الله ان يثنوا أعنتها * عند الطعان ولا في قولهم خلف
لما رأيتهم صبحا حسبتهم * أسد العرين حمى أشبالها العرف
ناديت خيلك إذ غض النقاف بهم * خيلي إلي فما عاجوا ولا عطفوا
هلا عطفت على قتلى مصرعة * منها السكون ومنها الأزد والصدف
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع * يا عتب لولا سفاه الرأي والسرف
فاليوم يقرع منك السن من ندم * ما للمبارز الا العجز والنصف
وفي مشتركات الكاظمي: باب جعدة مشترك بين ثلاثة مهملين.
الشيخ جعفر الابادهي الاصفهاني
(الآبادهي) نسبة إلى آباده بألف ممدودة وباء موحدة وألف ودال
وهاء قرية من قرى أصفهان.
كان من فحول العلماء المجتهدين ذا قوة في الحافظة من أخص الناس
بالسيد محمد باقر الرشتي المسائل الجعفرية.
جعفر بن ابان المصري
في ميزان الاعتدال: هكذا يسميه ابن حبان سمعه يملي بمكة.
محمد بن رمح حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا من سر المؤمن
فقد سرني ومن سرني فقد سر الله الحديث وبه ينادي مناد يوم القيامة أين
بغضاء الله فيقوم سؤال المساجد فقلت يا شيخ اتق الله ولا تكذب على
رسول الله فقال لست مني في حل أنتم تحسدونني لاسنادي فلم أزايله حتى
حلف ان لا يحدث بمكة بعد ان خوفته بالسلطان مع جماعة وقد حدث
بنسخة ابن غنج عن عبد الله بن صبح عن الليث قال الحاكم الجعفر بن
ابان ضعيف اه. قال الحافظ عبد الغني وهم الحاكم اه. وفي لسان
الميزان: يعني والصواب الذي يأتي بعد اه. والمراد بالذي يأتي بعد هو
جعفر بن أحمد بن علي بن بيان الغافقي المصري فسيأتي فيه قول الذهبي
قلت هو شيخ بن حبان المذكور آنفا فمراده ان تسميته ابن ابان ليس بصواب
والصواب انه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان الآتي وسيأتي نصه على تشيعه.
جعفر بن إبراهيم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي عليه السلام وفي النقد
يحتمل ان يكون هو جعفر بن إبراهيم الحضرمي الآتي ويأتي عن التعليقة
احتمال ان يكون هو وابن إبراهيم بن محمد الهمداني والآتي رجال
العسكري واحدا.
جعفر بن إبراهيم الجعفري الهاشمي المدني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليه السلام وفي منهج
المقال كأنه جعفر بن إبراهيم بن محمد الآتي وفي رجال الصادق عليه
السلام وفي لسان الميزان جعفر بن إبراهيم الجعفري عن علي بن عمر عن
أبيه عن علي بن الحسين نسخة، وعنه زيد بن الحباب قال ابن حبان يعتبر
بحديثه من غير روايته عن أبيه. وأخرج أبو يعلى عن أبي بكر بن أبي شيبة
عن زيد بن الحباب بهذا السند عن علي بن الحسين حدثني أبي عن جدي
رفعه: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فان تسليمكم يبلغني أينما
كنتم. وفي الحديث قصة و أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن إسماعيل بن أبي أويس عن جعفر بن
إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر عمن أخبره من أهل بيته عن
علي بن الحسين فذكر القصة مطولة وفيها قال علي بن الحسين: هل لك ان
أحدثك حديثا عن أبي؟ قال نعم، قال أخبرني عن جدي فذكره وزاد بعد
قوله قبورا وصلوا علي وسلموا حيث ما كنتم فتبلغني صلاتكم وسلامكم.
فلعل إبراهيم نسبة إلى جده الاعلى جعفر ان كان الخبر لجعفر وقد اخرج
المتن ابن أبي عاصم في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق
سعيد بن أبي مريم عن محمد بن جعفر حدثني حميد بن أبي زينب عن
جسر بن الحسن اليمامي أبي عثمان عن أبيه رفعه قال حيث ما كنتم فصلوا
علي فان صلاتكم تبلغني. ومحمد بن جعفر هذا هو ابن أبي كثير لا قرابة بينه
وبين جعفر المذكور في سند إسماعيل ولا إبراهيم بن جعفر المذكور في سند
أبي يعلى. وذكره ابن أبي طي في رجال الشيعة وقال كان ثقة من رجال
علي بن الحسين عليهما السلام روى عنه عبد الله بن الحجاج اه‍.
جعفر بن إبراهيم الجعفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام.
جعفر بن إبراهيم الحضرمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام. وفي لسان
الميزان جعفر بن إبراهيم الحضرمي روى عن علي بن موسى الرضا ذكره
الطوسي في رجال الشيعة وقال كان من فرسان أهل الكلام والفقهاء اه.
وليس ذلك في كلام الشيخ كما سمعت.
جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
المدني.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال
النجاشي في ترجمة ابنه سليمان انه روى عن الرضا عليه السلام وروى أبوه
عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام وكانا ثقتين اه. وعن الحاوي
الظاهر أنه المعنون في بعض الأخبار بالجعفري كما ذكره الشهيد الثاني في
شرح الشرائع في باب تحريم الصدقة على بني هاشم ونحوه قال المحقق
الشيخ محمد سبط الشهيد الثاني ويأتي في ترجمة أخيه عبد الله بن إبراهيم بن
محمد قول النجاشي روى اخوه جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام ولم
تشتهر روايته اه.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب جعفر بن إبراهيم ولم يذكره شيخنا
مشترك بين جماعة مهملين الا ابن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار
فإنه ثقة ويعرف برواية عبد الرحمن بن الحجاج عنه وروايته عن الصادق
عليه السلام اه‍. وقد روى عنه ابنه سليمان وعن جامع الرواة انه روى

79
عبد الله بن المغيرة عنه عن الصادق عليه السلام.
جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمذاني.
في التعليقة روى الصدوق باسناده عنه وترضى عليه وترحم وأبوه
إبراهيم الوكيل الجليل وسيجئ في فارس بن حاتم ما يشير إلى اعتماد الأب
عليه - أقول - وهو ما ذكره الكشي من أن إبراهيم بن محمد الهمذاني كتب
مع جعفر ابنه يسأله - يعني الهادي عليه السلام - الخ... ثم قال في التعليقة
ويحتمل ان يكون هذا هو المذكور في رجال الهادي عليه السلام وكذا الآتي
عن رجال العسكري وان الكل واحد قال ولعله هو الظاهر قال ويروي عنه
محمد بن أحمد بن يحيى ولم تستثن روايته اه.
جعفر بن إبراهيم الموسوي
ذكره في لسان الميزان مع جماعة ممن سمي بإبراهيم ثم قال ذكرها
الطوسي وابن النجاشي في رجال الشيعة اه وليس له ذكر في كتب الشيخ
ولا كتاب النجاشي والله أعلم.
جعفر بن إبراهيم بن نوح
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب العسكري عليه السلام. وفي
لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
جعفر بن أبي جعفر السمرقندي
ذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام وقال
جعفر بن أبي جعفر السمرقندي وابنه يروي بعضهم عن بعض من أصحاب
العياشي اه.
السيد الميرزا جعفر ابن السيد أبي الحسن بن صالح بن محمد بن إبراهيم
شرف الدين ابن زين العابدين بن نور الدين علي أخي صاحب المدارك
الموسوي العاملي الطهراني.
ولد في النجف الأشرف يوم الجمعة بعد الزوال 18 ذي الحجة سنة
1246 وتوفي في طهران في شهر رمضان سنة 1297.
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا قرأ في النجف على الفقيه الشيخ
مهدي ابن الشيخ جعفر النجفي ثم سافر إلى طهران وسكنها وحسنت أحوال
دنياه وصار من أهل الثروة والخيل والعبيد وله عقب بكرمانشاه.
جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي
يفهم من الأغاني ج 11 ص 102 أنه يروي عنه أبو سفيان بن العلاء
ويروي هو عن أبيه عن جده ولا نعلم من حاله شيئا سوى هذا.
جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن الحارث عبد المطلب بن هاشم.
توفي في وسط معاوية حوالي سنة 50.
في المنتخب من ذيل المذيل لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري:
كان جعفر أبي سفيان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه ولم
يزل مع أبيه ملازما لرسول الله حتى قبض وتوفي في وسط خلافة معاوية..
اه. راجع المنتخب ص 24 طبعة مصر لتنظر ما كتب بعد اسم معاوية.
جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب
توفي سنة 736 عن 72 سنة
في شذرات الذهب في حوادث سنة 736 فيها توفي شيخ الشيعة
الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب روى عن ابن علان وتفقه
للشافعي وترض ومات عن 72 سنة.
جعفر بن أحمد
يروي عنه محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي الخطيب شيخ الصدوق
ويروي هو عن أبي يحيى محمد بن عبيد الله بن زيد المقري كما في بعض
أسانيد الصدوق في الأمالي لا يدري من هو. ومر جعفر بن أحمد من رجال
الهادي عليه السلام
جعفر بن أبي حمزة البطائني
يأتي بعنوان جعفر بن أبي حمزة سالم البطائني.
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.
يأتي بعنوان جعفر بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم.
جعفر بن أبي عثمان أبو سليمان الفزاري الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وذكر فيهم
قبله بلا فصل جعفر بن أبي عثمان الفزاري الكوفي.
السيد جعفر المعروف بأبي علي خان الحسيني الموسوي النبارسي ثم
الدهلوي.
من علماء الهند تلميذ ميرزا محمد الكامل صاحب النزهة الاثني
عشرية المتوفي سنة 1235 له كتاب كسر الصنمين فارسي وفيه الرد على
بعض أقوال صاحب التحفة الاثني عشرية وله شفاء المسلمين فارسي
نقض فيه كتاب تبصرة الايمان في الكلام لسلامة علي النبارسي وبرهان
الصادقين في الإمامة ومهجة البرهان ومعين الصادقين.
الأمير مجير الدين جعفر بن أبي فراس الحلي
توفي في آخر ذي الحجة سنة 626 ببغداد وصلي عليه في جامع القصر
وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن فيه.
هو أخو الشيخ ورام بن أبي فراس صاحب المجموعة المشهورة فان
ابن الأثير قال فيه ابنه أبي فراس بن جعفر إنه ابن أخي الشيخ ورام اه
كان جعفر هذا وابنه أبو فراس من الأمراء في الدولة العباسية وتولى ابنه
إمارة الحج عدة سنين كما مر في ترجمته ج 14. وفي الحوادث الجامعة في
حوادث سنة 626 فيها عاد الأمير مجير الدين جعفر بن أبي فراس الحلي إلى
بغداد وكان مقيما بمصر عند ولده، فلما وصل وقع الرضا عنه من الخليفة
المستنصر بالله، وكان سبب توجهه إلى مصر أن الخليفة الناصر كان قد أمره
وجعل إليه شحنكية واسط البصرة، ثم عزله من ذلك ولم يوله فانقطع إلى
التعبد وحج في إمارة ولده حسام الدين على الحاج، فلما فارق ولده وتوجه
إلى مصر مضى صحبته وأقام إلى الآن، وعاد إلى بغداد في غرة رجب وأقام
بداره فأدركته المنية في آخر ذي الحجة فصلي عليه في جامع القصر وحمل إلى

80
مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام اه‍.
جعفر بن أحمد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي عليه السلام.
أبو إبراهيم جعفر بن أحمد بن إبراهيم النوبختي
خال أبي نصر هبة الله بن محمد، روى عنه ابن أخته المذكور حديث
وصية أبي جعفر محمد عثمان العمري أحد السفراء إلى الحسين بن روح بن
أبي بحر النوبختي - ونوبخت - مر في إبراهيم بن إسحاق.
جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي أبو سعيد يقال له ابن العاجز
هكذا في رجال النجاشي وتبعه في الخلاصة وقال: العاجز بالجيم
والزاي. وفي رجال ابن داود جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي يقال له
ابن التاجر، كذا رأيته بخط الشيخ. وفي ترجمة جون بن قتادة التميمي في
سند حديث للكشي. حدثنا أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيوب
التاجر السمرقندي وحينئذ فما في رجال النجاشي والخلاصة الظاهر أنه
تصحيف. قال النجاشي كان صحيح - الحديث - والمذهب روى عنه
محمد بن مسعود العياشي ذكر أحمد بن الحسين رحمه الله أن له كتاب الرد
على من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان على دين قومه قبل النبوة، طريقنا إليه
شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن
عمر عبد العزيز الكشي عنه اه وعن المجمع أنه حكم بحذف الواسطة بين
الكشي وبين ابن التاجر في كلام النجاشي لأن الكشي لا يروي عن ابن
التاجر بغير واسطة وأجيب بأن ضمير عنه يرجع إلى محمد بن مسعود
العياشي لا إلى ابن التاجر، لكنه خلاف الظاهر وقال الشيخ في رجاله في
باب من لم يرو عنهم عليهم السلام جعفر بن أحمد بن أيوب يعرف بابن
التاجر من أهل سمرقند متكلم له كتب اه وفي بعض نسخ رجال الشيخ
جعفر بن محمد وهو غلط من الناسخ وجعله في الوجيزة حسنا كالصحيح
والكشي كثيرا ما يروي عنه على وجه ظاهره اعتماده عليه وسيجئ روايته
عنه في ترجمة جون بن قتادة، وفي المعالم جعفر بن أحمد بن أيوب ابن التاجر
السمرقندي متكلم وله كتاب اه وفي لسان الميزان:
جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي المعروف بابن التاجر ذكره الطوسي
وابن النجاشي في رجال الشيعة اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي يمكن استعلام أن جعفر هو ابن أحمد بن أيوب
برواية محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي عنه وزاد الكاظمي وبرواية
محمد بن مسعود العياشي عنه.
جعفر بن أحمد بن أيوب بن نوح بن دراج
ذكره في لسان الميزان مع جماعة وقال ذكرهم الطوسي وابن النجاشي
في رجال الشيعة ولا ذكر لهذا في كتب الطوسي ولا في كتاب النجاشي
جعفر بن أحمد البخاري رواية أبي عمرو الكشي
في لسان الميزان حمل عنه كتابه في معرفة رجال الشيعة وقال ابن أبي
طي كان فاضلا جليل القدر اه.
السيد جعفر بن السيد أحمد ابن السيد درويش الموسوي المعروف بالخرسان
النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن.
ولد في 17 ذي الحجة سنة 1216 وتوفي في 2 رجب سنة 1303 و -
الخرسان - بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة وسين مهملة وألف
ونون - وآل - الخرسان سادة اجلاء من أهل النجف بعضهم من سدنة
الروضة الشريفة العلوية وبعضهم من أهل العلم.
كان أبوه السيد أحمد محررا عند الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر
صاحب كشف الغطاء وكانت له اليد الطولى في الكتابة وسافر معه إلى
طهران.
نشأ المترجم منشأ حسنا فعاشر الأدباء والفضلاء واقتبس منهم
وكان فطنا ذكيا فاضلا أديبا شاعرا له مراسلات مع أدباء عصره وفضلائهم
وكان مقلا من النظم فمن شعره ما كتبه إلى السيد ميرزا جعفر القزويني
يطلب منه نشوقا:
يا ذا المفاخر والمعالي * ومن اغتدى رب الكمال
ضاقت علي ثلاثة * طرقي ورزقي واعتقالي
وفقدت عز ثلاثة * جاهي وسماري ومالي
وكسبت ذل ثلاثة * فقري ودهري والعيال
عز النشوق فلا أرى * منه انائي غير خالي
فكتب إليه الميرزا جعفر المذكور:
يا جعفر الفضل ومن فاق على * كل أديب في الزمان لوذعي
إني وإن أطريت ذكر المنحنى * فإنما أردت وادي لعلع
وإن مررت باللوى معرضا * فإنما إياك أعني فاسمع
وله:
أروم نهوضا للمعالي فلم أطق * حراكا وقد ضاقت علي المصادر
فكنت كباز قد تساقط ريشه * له حسرات كلما طار طائر
وله:
أروم من المعالي منتهاها * ولا أرضى بمرتبة دنيه
فأما أن أنال بها الأماني * وأما أن تفاجئني المنيه
وله:
يا فتية ما على الغبراء مثلهم * جدوا بأن لا يفوا بالوعد واجتهدوا
إذا افتخرتم بجد أو أب فلقد * قلنا صدقتم ولكن بئسما ولدوا
وله:
أهدى لنا طود العلى كوفية * كفيت عوادي الهم والبرحاء
فكأنما محمر نقش ورودها * توريد وجنة مجده الحمراء
ومن شعره قوله:
في الناس أوباش بلا مسكة * كأنهم أوعية فارغه
فلا تقس بالدب إنسانهم * فالدب في نسبته نابغة
وله مخاطبا الشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور:
إن النفايس تهديها الأنام إلى * مثوى الوصي أمير المؤمنين علي
وأنت يا صالح أتلفت عمرك ما * بين المعظم والمعروف بالجبلي
جعلت نفسك في أدنى الحضيض ولو * أنصفت نفسك كانت فوق كل علي

81
السيد جعفر الخلخالي
صنف بأمره المولى محمد جعفر الكاشاني كتابه في أصول الدين الذي
فرغ منه في رجب سنة 1223 وقال إنه كتبه لأمر السيد العالم العامل
والمهذب الكامل الطاهر المطهر السيد جعفر الخلخالي.
جعفر بن أحمد العلوي الرقي أبو القاسم العريضي مصنف كتاب الفتوح
في لسان الميزان روى عن علي بن أحمد العفيفي روى عنه أحمد بن
زياد بن جعفر وقال كان اماميا حسن المعارضة كثير النوادر اه.
جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة أبو الفضل الغافقي
المصري ويعرف بابن أبي العلاء.
توفي في حدود 304
في ميزان الاعتدال: قال ابن عدي كتبت عنه بمصر سنة 299 -
وسنة 304 وأظنه مات فيها فحدثنا عن أبي صالح وعبد الله بن يوسف
الكلاعي أبو محمد الدمشقي التنيسي وسعيد بن عفير وجماعة بأحاديث
موضوعة كنا نتهمه بوضعها بل نتيقن ذلك وكان رافضيا وذكره ابن يونس
فقال كان رافضيا يضع الحديث. قلت هو شيخ بن حبان المذكور آنفا -
يعني جعفر بن أبان المصري المذكور قبله - وحدثنا جعفر حدثنا سعيد بن
عفير انا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن داود بن أبي هند عن الشعبي
عن ابن عباس مرفوعا قال الفراعنة خمسة في الأمم وسبعة في أمتي -
الحديث -. وحدثنا جعفر أنبأنا نعيم بن حماد حدثنا سليمان بن حبان عن
حميد عن أنس مرفوعا من أبصر سارقا وكتم كان عليه مثلما على السارق،
ولا يسرق السارق حتى يخرج الايمان من قلبه - الحديث -. حدثنا جعفر
حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا الليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا يؤتى
بالسارق والمتطلع عليه فيجعل لهما السرقة في العرصة السابعة فيقال لهما
إذهبا فخذاها فإذا بلغاها ساخت بهما النار إلى الدرك الأسفل، ومن
أكاذيبه بسنده إلى علي وجابر بن فخانة إن الله خلق آدم من طين فحرم أكل
الطين على ذريته اه وفي لسان الميزان: قال عبد الغني الأزدي في تبيين
أوهام الحاكم: جعفر بن أبان كذا قال وهذا الرجل مشهور ببلدنا بالكذب
ترك حمزة الكتاني حديثه غير أنه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان يعرف بابن
الماسح اه وقال أبو سعيد النقاش حدث بموضوعات وقال الدارقطني لا
يساوي شيئا، وقال ابن عدي لا شك انه وضع حديث النخلة خلقت من
طينة آدم. وقال الدارقطني أيضا كان يضع الحديث ويحدث عن ابن عفير
بالأباطيل، وقال ابن عدي في ترجمة عمرو بن خالد عن أبي هشام عن
زاذان عن سلمان قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب فخذ علي بن أبي طالب
وصدره وسمعته يقول: محبك محبي ومحبي محب الله ومبغضك مبغضي
ومبغضي مبغض الله. قال ابن عدي كنا نتهم ابن جعفر وهذا بهذا الإسناد
باطل، ثم قال ابن عدي وعامة أحاديثه موضوعة وكان قليل الحياء في
دعاويه على قوم لم يلحقهم في وضع مثل هذه الأحاديث الركيكة وفيها ما لا
يشبه كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت عنده عن يحيى بن بكير أحاديث
مستقيمة لكن يشوبها بتلك الأباطيل ووصفه ابن يونس بالماسح اه.
أقول - تكذيبهم له لروايته مثل حديث محبك محبي الخ وحديث الفراعنة
وأمثاله ولا أعجب من رد الأحاديث بالحدس والتخمين بكونها ركيكة أو لا
تشبه كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري المشهور بابن الرازي
الإيلاقي.
الخلاف في اسم أبيه
اختلف في اسم أبيه فقيل هو جعفر بن أحمد بن علي وقيل جعفر بن
علي بن أحمد ذكر الأول ابن طاوس في الدروع الواقية في موضعين وفي
فلاح السائل وذكره الكراجكي في فهرسته، وذكر كذلك في أول تفسير
العسكري عليه السلام كما يأتي ذلك كله. وفي روضات الجنات أنه عثر
على كتبه الثلاثة: مسلسلات الأخبار. والغايات. والمانعات من دخول
الجنة في مجلدة عتيقة كتب على ظهرها اسم صاحب البحار بخطه وفي مفتتح
كل منها: قال الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل
الري مصنف هذا الكتاب، وقال المجلسي في مقدمات البحار والكتب الأربعة لجعفر بن أحمد ألخ - وذكر الثاني ابن داود في رجاله فقال جعفر بن
علي بن أحمد القمي المعروف بابن الرازي وذكره الشيخ في رجاله فيمن لم
يرو عنهم عليهم السلام أبو محمد ثقة مصنف اه ونسب في ذلك إلى
الاشتباه، وفي منهج المقال بعد نقله: لم أجده في رجال الشيخ فيمن لم يرو
عنهم عليهم السلام اه‍ وفي رجال أبي علي: في نسختين من عندي من
رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام جعفر بن محمد بن علي
المعروف بابن الرازي يكنى أبا محمد صاحب المصنفات وليس فيه التوثيق
لكن نقله في المجمع كما ذكره ابن داود ولم يذكر في الحاوي والوجيزة أصلا
اه ولم يذكر في منهج المقال في جعفر بن أحمد بن علي بل ذكر في جعفر بن
علي بن أحمد، ويظهر مما مر أنه موجود في رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم
عليهم السلام في بعض النسخ دون بعض، أما ان أبوه أحمد بن علي أو
علي بن أحمد فالظاهر أنه وقع قلب في إحدى العبارتين والله أعلم أيهما
الصواب أما ما مر عن رجال أبي علي أنه في نسختين من رجال الشيخ
جعفر بن محمد بن علي فهو تحريف بإبدال أحمد بمحمد لانفراده به وصحة
النسخة غير مضمونة فلعله تحريف من النساخ.
أقوال العلماء فيه
هو من أهل القرن الرابع وقد عرفت قول الشيخ وابن داود فيه.
وعن ابن طاوس في أواخر كتاب الدروع الواقية: ولقد ذكر أبو محمد
جعفر بن أحمد القمي في كتاب زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخوفه من الله تعالى ما فيه
بلاغ - إلى أن قال: - وهذا جعفر بن أحمد عظيم الشأن من الأعيان ذكر
الكراجكي في كتاب الفهرست أنه صنف مائتين وعشرين كتابا بقم
والري. وعنه في فلاح السائل في التكبيرات الثلاث عقيب الصلاة روى
ذلك الشيخ الفقيه السعيد أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتاب أدب
الإمام والمأموم. وفي أول تفسير العسكري وصفه بالشيخ الفقيه وعن
مقدمات البحار أنه قال والكتب الأربعة - وهي الثلاثة المارة مع كتاب
العروس - لجعفر بن أحمد بعضها في المناقب وبعضها في الأخلاق والآداب
والأحكام فيها أمور نادرة وأخبار طريفة غريبة ومؤلفها غير مذكور في كتب
الرجال لكنه من القدماء قريب من عصر المفيد أو في عصره والسيد ابن
طاوس يروي عن كتبه في كتب الاقبال وغيره وهذا مما يؤيد الوثوق
والاعتماد عليها وروى عن بعض كتبه الشهيد الثاني في شرح الإرشاد في
فضل صلاة الجماعة وغيره من الأفاضل اه. وفي تكملة الرجال:
جعفر بن علي بن أحمد القمي المعروف بالرازي هذا أحد شيوخ الصدوق كما

82
يظهر من كتاب معاني الأخبار وكان ابن داود أخذ توثيقه من وصف
الصدوق إياه بأنه فقيه قال في الكتاب المذكور حدثنا أبو محمد جعفر بن
علي بن أحمد الفقيه الرازي ثم الايلاقي رضي الله عنه اه. ويحتمل رجوع
الصفة والترضي إلى جده أحمد إلا أن الظاهر رجوعه إلى جعفر لأنه هو
المسوق له الكلام وإن رعاية تعظيم الشيوخ أولى وتعرضه لتعظيم أواسط
السند قليل إلا أن هذا غاية الحسن لا الوثاقة ولعل النسخة التي وقعت لديه
فيها بدل الفقيه بالثقة اه.
وفي رجال ابن داود جعفر بن علي بن أحمد القمي ذكره الشيخ في
رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال أبو محمد ثقة مصنف اه. وفي
رجال أبو علي: في نسختين عندي من رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم
عليهم السلام جعفر بن محمد بن علي المعروف بابن الرازي يكنى أبا محمد
صاحب المصنفات اه. وليس فيه التوثيق لكن عن المجمع أنه نقله عن
رجال الشيخ كابن داود وبعضهم قال إنه غير مذكور في كتب الرجال.
وهذا يدل على اختلاف نسخ رجال الشيخ بالزيادة والنقصان وفي
مستدركات الوسائل هذا الشيخ غير مذكور فيما وصل إلينا من كتب الرجال
لا في رجال ابن داود مع أنه من المؤلفين المعروفين وأجلة المحدثين ومؤلفاته
دائرة بين الأصحاب وهو في طبقة المفيد وابن الغضائري واضاربهما بل
وطبقة الصدوق ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنه كان من العلماء المعروفين الذين
لا يحتاجون إلى التزكية والتوثيق ثم نقل عبارة الشهيد الثاني في شرح الدراية
الدالة على أن مشايخنا المشهورين من عهد الكليني إلى زماننا لا يحتاج أحد منهم
إلى التنصيص على تزكيته الخ وعن ابن فهد الحلي في كتاب
التحصين: روى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري
في كتاب المنبي عن زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حدثنا أحمد بن علي بن بلال وفي
التعليقة جعفر بن علي بن أحمد القمي الظاهر أنه من مشايخ الصدوق وشيخ
إجازة على ما قيل ففيه إشعار بوثاقته وكثيرا ما يروي عنه الصدوق مترضيا
واصفا له بالفقه وهذا أيضا يشعر بالوثاقة وربما يصفه بالقمي الايلاقي
اه. ومما مر يعلم أنه لا ينبغي التأمل في وثاقته وجلالته لو لم يكن وصفه
بالفقه كافيا فيها كيف ووصفه بها دال على ذلك. ومن مؤلفاته زيادة على ما
مر نوادر الأثر وفي الذريعة نسب إليه شيخنا النوري في آخر الباب التاسع
من نفس الرحمن كتاب الاعتقادات حكاية عن ابن طاوس في عمل شهر
رمضان من الاقبال لكنه من سبق قلمه لأن ابن طاوس نقل عن كتاب
اعتقد أنه من تأليفه لا عن كتاب اعتقاداته اه.
مشايخه
يروي عن والده أحمد وعن الحسين بن أحمد الأسدي الكوفي وعن
محمد بن عبد الله الحميري وسهل بن أحمد بن الديباجي ومحمد بن مظفر بن
نفيس المصري وهارون بن موسى بن إسماعيل بن جعفر والحسن بن حمزة
العلوي المرعشي والقاسم بن علي العلوي وأحمد بن إسماعيل ومحمد بن
الحسن بن الوليد وعبد العزيز بن جعفر بن محمد ويروي عن الصدوق
ويروي الصدوق عنه ويروي عن الصاحب بن عباد وعن مقدمات البحار أنه
يروي عن الصفواني الراوي عن الكليني بواسطة. وفي الفوائد الرضوية
ففيه محدث متتبع من قدماء الأصحاب والعجب من علماء الرجال كيف
أهملوا ذكره مع كثرة مصنفاته ويظهر من كتبه أنه يروي عن الصاحب بن
عباد وعن السيد عبد العظيم الحسني المدفون بالري بثلاث وسائط اه..
مؤلفاته
مر عن الفهرست للكراجكي أن له مائتين وعشرين مصنفا ومن
مصنفاته (1) جامع الأحاديث فيه نحو ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتبة على
حروف المعجم مسندة غير مرسلة شبيه الجامع الصغير للسيوطي (2)
المسلسلات الأعمال (3) المانعات من دخول الجنة (4) العروس في خصائص
وآداب الجمعة وسماه بالعروس لما في أوله عن الصادق عليه السلام أنه قال
إذا كان يوم القيامة بعث الله الأيام في صور يعرفها الخلق أنها الأيام ثم
يبعث الجمعة كالعروس ذات جمال وكمال تهدي إلى ذي دين ومال (5)
كتاب فضل الجمعة ذكره في كتاب العروس (6) كتاب الغايات أي الأمور
البالغة إلى الغاية فيما اشتمل على أفعل التفضيل من الأخبار كقوله أحب
الأعمال، أفضل الأعمال، أعظم آية في كتاب الله، أفضل العبادة. خير
الدعاء أشد الأشياء وهكذا (7) كتاب دفن الميت (8) المنبي عن زهد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينقل عنه الشيخ ورام في مجموعته وأحمد بن فهد في التحصين
ونقل في عدة الداعي عن كتابه هذا حديث عرض أعمال العباد على الله
تعالى بعد العرض على ملائكة كل سماء (9) كتاب أدب الإمام والمأموم
ينقل عنه في فلاح السائل وروض الجنان. ومن جملة أحاديث المسلسلات
كما عن البحار ما رواه مسندا عن بكر بن أحنف قال حدثتنا فاطمة بنت
علي بن موسى الرضا عليه السلام قالت حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم
بنات موسى بن جعفر عليهما السلام قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد
عليهما السلام قالت حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي عليهما السلام قالت
حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين عليهما السلام قالت حدثتني فاطمة
وسكينة ابنتا الحسين بن علي عليهما السلام عن أم كلثوم بنت علي عليه
السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لما
أسري بي إلى السماء دخلت الجنة الحديث وهو يتضمن فضل شيعة علي عليه السلام.
جعفر بن أحمد الكوفي
ذكره في لسان الميزان مع جماعة وقال ذكرهم الطوسي وابن النجاشي
في رجال الشيعة اه. ولا يوجد ذلك في كتبهما.
ميرزا جعفر بن ميرزا أحمد بن لطفعلي خان ابن ميرزا صادق التبريزي.
توفي بالوباء في حياة أبيه سنة 1262
عالم فاضل قرأ على والده وعلى صاحب الجواهر له رسالة في العصير
العنبي وله شرح الشرائع يوجد منه مجلد في الأغسال وعليه إجازات
وتقاريض من صاحب الجواهر ومن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب
أنوار الفقاهة ومن الشيخ جواد نجف.
جعفر بن أحمد بن مثيل
روى الصدوق عن علي بن محمد بن متيل عن جعفر بن أحمد بن متيل
وفي التعليقة ربما يظهر من الرواية حسن حالهم اه. وفي لسان الميزان
جعفر بن أحمد بن مقبل وذكره مع جماعة ثم قال ذكرهم الطوسي وابن
النجاشي في رجال الشيعة اه. والظاهر أنه هو المترجم وصحف متيل
بمقبل مع أن النجاشي والشيخ الطوسي لم يذكراه.

83
نواب جعفر قلي خان بن أحمد خان الشهيد بن مرتضى قلي خان الثاني
ابن الأمير شهباز خان بن الأمير مرتضى قلى خان الأول ابن علي
خان بن بهروز خان الثاني ابن أيوب خان بن كنعان خليفة الأمير بهروز
الأول الملقب سليمان خليفة ابن الأمير رستم الملقب بشاه وردي بيك ابن
الأمير بهلول الملقب بحاجي بيك ابن الأمير قليج الدنبلي.
توفي سنة 1229 وحمل نعشه إلى سامرا فدفن هناك.
في آثار الشيعة الإمامية عن رياض الجنة المخطوط ما تعريبه.
لما قتل أبوه وأخوه وأعمامه القي هو عن ظهر سطح فسلم ولم يمت
وفر إلى روسية ولكن أتى به آقا محمد خان القاجاري هناك إلى عنده وفي
محاربة فارس وكرمان كان حاضرا ملازما للشاه وفي سفر قره باغ جعله قائد
العسكر ثم إنه بعد قتل الشاه اختفى بأطراف كوهستان فخافت منه
الدولتان الإيرانية والعثمانية وعزموا على إعدامه وبقي مدة عشر سنين يقاوم
عساكر الدولتين وفي سنة 1216 توجه فتح علي شاه بمائة ألف جندي
لمحاربة الروس فلما وصل إلى حوالي كوهستان في المكان المعروف بكوراغلي
أخبره جعفر قلي خان سرا أن قائد عسكر الروس بصدد تبييت الشاه وقتله
ففي أول الأمر لم يعبأ الشاه بهذا الخبر لكن ميرزا شفيع الصدر الأعظم أكد
خبر مريد الخير جعفر قلي خان فقبل الشاه كلام وزيره وخرج ليلا من الأردو
واتفق أن الروس حملوا على عسكر إيران في تلك الليلة ودولة الروس نظرا
لشجاعة جعفر قلي خان ورشادته استحضرته وأنعمت عليه بنيشان وأرسلت
له تاجا وأموالا من الذهب وأعطته حكومته مدينة شكي على سبيل الوراثة
وبقيت حكومة شكي بيد أولاده، ومن آثاره بناء مسجد صاحب الأمر في
تبريز وكثير من الأبنية الفاخرة في تبريز هي من بنائه اه.
جعفر بن أحمد المكفوف
روى الكليني في الكافي في باب الأشربة عن منصور بن العباس عنه
عن أبي الحسن الأول عليه السلام وروى أيضا فيه عن حمدان بن سليمان
عن علي بن الحسن عنه عن أبي الحسن عليه السلام.
جعفر بن أحمد بن وندك الرازي أبو عبد الله
قال النجاشي: من أصحابنا المتكلمين والمحدثين له كتاب في الإمامة
كبير اه و في الخلاصة (وندك) بالنون والدال المهملة والكاف اه وفي منهج
المقال: وما تقدم عن رجال الهادي عليه السلام يحتمله وقال أبو علي بعيد
لأن ظاهر النجاشي انه لم يرو عنهم عليهم السلام كما فهمه ابن داود اه
وعلم عليه ابن داود (لم) أي لم يرو عنهم عليهم السلام وفي منهج المقال لم
نجده فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام من رجال الشيخ اه والظاهر أن ابن
داود إذا جعل العلامة (لم) وحدها فمراده أنه لم يذكر في رجال الشيخ وإذا
جعلها لم جخ فمراده أنه في رجال الشيخ كما يظهر من تتبع كتابه والله
أعلم. وذكر في لسان الميزان جعفر بن أحمد الرازي مع جماعة وقال ذكرهم
الطوسي وابن النجاشي في رجال الشيعة اه والظاهر أن مراده المترجم.
السيد جعفر ابن السيد أحمد الملحوس الحسيني الحلي
عالم جليل له المنتخب فرع منه سنة 836 وله تكملة الدروس
والظاهر أنه حلي لوجود قبر ولده محمد في الحلة على ما قيل. وذكروا قوله في
مسألة موت الزوجة قبل الدخول.
جعفر بن أحمد بن يوسف الأودي أبو عبد الله
قال النجاشي شيخ من أصحابنا الكوفيين ثقة روى عن أحمد بن
محمد بن عقدة له كتاب المناقب أخبرنا أحمد بن جعفر التميمي حدثنا
محمد بن جعفر الذهلي عنه بكتابه اه وذكر في لسان الميزان جعفر بن أحمد بن
يوسف الأودي الكوفي مع جماعة وقال ذكرهم الطوسي وابن النجاشي في
رجال الشيعة اه وفي مشتركات الطريحي والكاظمي يمكن معرفة ان
جعفر بن أحمد هو الأودي الكوفي برواية محمد بن أبي عمير عنه اه.
جعفر الأحمسي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام.
جعفر الأزدي
قال الشيخ في الفهرست له كتاب أخبرنا عدة من أصحابنا عن أبي
المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن
جعفر الأزدي اه وفي معالم العلماء جعفر الأزدي أبو محمد له كتاب اه.
الشيخ جعفر الأسترآبادي الحائري
توفي في طهران ليلة الجمعة في 10 صفر سنة 1263 بالسل وذات
الجنب وعمره 66 سنة ونقلت جنازته إلى النجف ودفن قرب قبر العلامة
الحلي كذا في روضات الجنات عن الشيخ علي ولد المترجم.
ننقل ترجمته مقتطفة من روضات الجنات نقلا عن ولده المذكور قال:
هو فقيه ورع محتاط حتى أنه لشدة احتياطه قد ينسب إلى الوسواس مؤلف
محقق خشن في ذات الله غيور على الدين مهتم بهداية المؤمنين من أكابر
تلامذة السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض معاصر للكرباسي صاحب
الإشارات والمنهاج جاور في الحائر الحسيني وفي زمن محاصرة داود باشا
لكربلا وتخريبها انتقل إلى طهران وبقي فيها نحوا من عشر سنين مشتغلا
بالإمامة والتدريس والقضاء والفتيا إلى أن توفي وكان يباحث كل يوم درسين
أحدهما في الفقه والآخر في الأصول ويخطب قبل التدريس خطبة ويدعو بعد
الفراغ.
مؤلفاته
1 - أنيس الواعظين مشتمل على ثلاثين مجلسا. 2 - أنيس الزاهدين
في النوافل والتعقيبات. 3 - زينة الصلاة مختصر منه. 4 - شفاء الصدور
في تفسير آيات المواعظ والاخلاق. 5 - مظاهر الاسرار في بيان وجوه
الاعجاز في القرآن الكريم خرج منه تفسير الفاتحة وشئ من غيرها. 6 -
حل مشاكل القرآن. 7 - جامع الرسائل جمع فيه أكثر رسائل الأصحاب
مع فوائد منه. 8 - جامع الفنون تكلم فيه على العلوم الاثني عشر المشترطة
في الاجتهاد وهي النحو والصرف واللغة وعلم البلاغة والمنطق والرجال
والدراية والأصول والفقه والتفسير والكلام وعلم الاخبار. 9 - مدائن
العلوم يشتمل على خمس مدائن في اللغة والصرف والنحو وعلوم البلاغة
والمنطق. 10 - مائدة الزائرين في الزيارات. 11 - نخبة الزاد في أدعية
الأسابيع والشهور. 12 - كتاب آخر في الأدعية. تحفة العراق في علم
الاخلاق. 13 - سفينة النجاة في حقيقة الوباء والطاعون والأدعية المنجية
منهما. 14 - البراهين القاطعة في شرح المعالم. 15 - البراهين القاطعة في
شرح تجريد العقائد الساطعة. 16 - حاشية على التجريد. 17 - مصباح

84
الهدى في الكلام. 18 - المغنية مختصر يشبه كتاب واجب الاعتقاد. 19 -
أصول العقائد الدينية في الكلام. 20 - أصل الأصول رسالة فارسية في
الكلام. 21 - حياة الأرواح في الرد على الشيخ احمد البحراني واتباعه.
22 - المصابيح في أصول الفقه. 23 - المشارع الكبير في شرح المعالم.
24 - المشارع الصغير. 25 - موائد الفوائد. 26 - ملاذ الأوتاد في
تقريرات السيد الأستاذ صاحب الرياض. 27 - الخزائن مختصر منه.
28 - الشوارع في شرح قواعد العلامة. 29 - ينابيع الحكمة في شرح نظم
اللمعة. 30 - مشكاة الورى في شرح ألفية الشهيد. 31 - القواعد
الفقهية. 32 - نجم الهداية في متفرقات من مسائل الفقه بالفارسية. 33 -
مواليد الاحكام في فقه المذاهب الخمسة إلى كتاب الخمس. 34 - رسالة في
علم الهيئة وتشخيص القبلة. 35 - حاشية على حاشية السيد شريف على
شرح الشمسية في المنطق. 36 - الفلك المشحون فارسي. 37 - ايقاظ
النائم مشتمل على حكايات مضحكة وطرائف وله حواش وتعليقات على
كثير من المصنفات.
السيد جعفر بن إسحاق الموسوي العلوي الدارابي المعروف بالكشفي والد
آقا ريحان الله
توفي في بروجرد في حدود 1267.
عالم فاضل مؤلف وفي الذريعة تارة قال ابن إسحاق وتارة ابن أبي
إسحاق ونقل الثاني عن كتابه سنا برق وقد وصف في كتاب آثار العجم
بقدوة علماء العصر وزبدة فضلاء الدهر مشهور بالاجتهاد والفتوى ولا نظير
له في علم التفسير والحديث وفي كتاب المآثر والآثار كان من أجلة العلماء
الجامعين ما بين العلم والاتقان والذوق والعرفان ولا نظير له في فن التفسير
من مؤلفاته تحفة الملوك مطبوع وله من المؤلفات (1) أرجوزة في المنطق
(2) أرجوزة في النحو (3) سنا برق ولعله هو كتاب برق وشرق (4)
كتاب البلد الأمين في أصول الدين منظومة في العقائد تزيد على الف بيت
(4) ونثره إجابة المضطرين له، وشرحه الحصن الحصين في شرح البلد
الأمين لسبط الناظم الميرزا أبو الحسن المحقق الاصبهاناتي (5) كتاب برق
وشرق في شرح جملة من الأحاديث بطريق العرفان مسجع مقفى فارسي
يذكر الحديث بعنوان برق والشرح بعنوان شرق ويقال له أيضا شرق وبرق
(6) تحفة الملوك في السير والسلوك فارسي.
جعفر الأسطرلابي
مجهول العصر والأحوال انما وجد له كتاب في الأسطرلاب أسماه
أسطرلاب كشفي لأنه باستنباط فكره بغير رجوع إلى كتاب يشتمل على
عشرين بابا ويمكن استفادة تشيعه من قوله في أوله والصلاة على نبيه محمد
وآله وعترته.
جعفر بن إسماعيل المقري أو المنقري كوفي
في الخلاصة المقري وفي رجال النجاشي المنقري واختلفت نسخ رجال
ابن داود ففي بعضها المقري وفي بعضها المنقري وفي منهج المقال لعل الثاني
أصح. قال النجاشي جعفر بن إسماعيل المنقري له نوادر أخبرنا
الحسين بن عبد الله حدثنا أحمد بن جعفر عن حميد عنه بها اه وفي الخلاصة
جعفر بن إسماعيل المقري كوفي روى عنه حميد بن زياد وابن دراج وقال ابن
الغضائري انه كان غاليا كذابا اه. وفي لسان الميزان: جعفر بن إسماعيل
المنقري من رجال الشيعة ذكره النجاشي وله تصنيف سماه النوادر رواه عبد
الحميد بن زياد اه والصواب حميد بن زياد.
جعفر بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهم السلام
في مروج الذهب قتله ابن الأغلب بأرض المغرب.
جعفر الأودي كوفي
قال النجاشي له كتاب أخبرنا ابن نوح عن الحسن بن حمزة عن ابن
بطة حدثنا الصفار أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن جعفر
بكتابه ولا يبعد ان يكون هو الأزدي المتقدم صحف أحدهما بالآخر بقرينة
رواية ابن أبي عمير عنهما وليس هو أحمد بن يوسف الأودي المتقدم لذكر
النجاشي لهما ولاختلاف الطريق إلى كتابيهما، وفي مشتركات الطريحي يمكن
معرفة انه الأودي برواية محمد بن أبي عمير عنه اه.
جعفر بن اياس أبو بشر البصري
في بعض النسخ البصري بالباء الموحدة والصاد المهملة وفي بعضها
بالنون والضاد المعجمة أو الصاد المهملة.
توفي سنة 123 أو 124 أو 125 أو 126 أو 131.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وعن
مختصر الذهبي هو ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير والشعبي ولقي من
الصحابة صدوق توفي سنة 125 وعن تقريب ابن حجر: وحشية بفتح
الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة وتثقيل التحتانية اه. وفي ميزان
الاعتدال: جعفر بن اياس أبو بشر الواسطي أحد الثقات أورده ابن عدي
في كامله فأساء وهو بصري وسكن واسط وحدث عن سعيد بن جبير ومجاهد
وطبقتهما وكان من كبار العلماء معدود في التابعين فإنه روى عن عباد بن
شرحبيل اليشكري أحد الصحابة حديثا في السنن سمعه وعنه شعبة وهشيم
وجماعة وكان شعبة يضعف أحاديث أبي بشر عن حبيب بن سالم وقال احمد
أبو بشر أحب الينا من المنهال بن عمرو وقال أبو حاتم وغيره ثقة وقال
القطان كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد وقال لم يسمع منه شيئا
وقال أبو طالب سألت احمد عن حديث شعبة عن أبي بشر سمع مجاهدا
يحدث عن ابن عمر مرفوعا في التحيات فأنكره فقلت يرويه نصر بن علي
الجهضمي عن أبيه عنه وقال الأثرم حدثنا احمد أنبأنا يحيى كان شعبة
يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد في الطير هو حديث المنهال عن سعيد بن
جبير عن ابن عمر انه مر بقوم قد نصبوا طيرا يرمونه بالنبل فلعن من مثل
بالبهائم قال ابن عدي وأبو بشر له غرائب وأرجو انه لا بأس به قال غندر
أنبأنا شعبة عن أبي بشر سمعت عباد بن شرحبيل رجل منا من بني عنبر
يقول قدمت المدينة وقد أصابني جوع شديد فدخلت حائطا فأخذت من
سنبله فأكلت فجاء صاحب الحائط فضربني واخذ ما في ثوبي فانطلقنا إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما أعلمته إذ كان جاهلا ولا أطعمته إذ كان جائعا فأمر
بنصف وسق من شعير فهذا اسناد صحيح غريب وخرجه النسائي من
طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر اه وفي تهذيب التهذيب: جعفر بن
اياس وهو ابن أبي وحشية اليشكري أبو بشر وزاد فيمن روى عنهم عطاء
وعكرمة وأبا عمير بن انس بن مالك وأبا نضرة العبدي ويوسف بن ماهك

85
وحميد بن عبد الرحمن الحميري وعبد الرحمن بن أبي بكرة وجماعة وزاد في
الذين رووا عنه الأعمش وأيوب وهما من أقرانه وداود بن أبي هند
وغيلان بن جامع ورقبة بن مصقلة وأبو عوانة وخالد بن عبد الله الواسطي
وعدة. وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي والنسائي ثقة وقال
ابن عدي أرجو انه لا باس به وقال مطين مات سنة 123 وقال نوح بن
حبيب سنة 124 وكان ساجدا خلف المقام حين مات وقال ابن سعد وخليفة
وغيرهما سنة 125 وعن أبي المديني سنة 126 وقال ابن حبان في الثقات
مات في الطاعون سنة 131 وقال البرديجي كان ثقة وهو من أثبت الناس في
سعيد بن جبير اه.
جعفر بن أيوب
هو جعفر بن أحمد بن أيوب المتقدم.
السيد جعفر ابن السيد باقر القزويني النجفي ووالده صاحب القبة الزرقاء
في النجف ابن عم السيد مهدي القزويني
توفي سنة 1265 ورثاه الشعراء.
كان عالما فاضلا جليلا ذكره صاحب اليتيمة الصغيرة فقال رأس
وتقدم وكان من مشاهير علماء النجف وذكره صاحب تكملة أمل الأمل.
قال الشيخ محمد علي اليعقوبي:
الأسرة القزوينية
الأسرة الكريمة القزوينية المشهورة في النجف والحلة والهندية التي ذاع
لها من الصيت في العلم والأدب والشهامة والشرف والإباء والسخاء ما لا
يتسع المقام لذكر القليل منه فضلا عن الكثير، متفرعة من السيد احمد جد
المترجم منهم العلامة الشهير السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد
احمد ابن السيد محمد - ابن عم المترجم وقسيمه في تعدد النسب - صاحب
المؤلفات الممتعة في فنون شتى، والذي في أيامه وأيام أحفاده راجت سوق
الأدب العربي ونفقت بضاعته، ومن وقف على ديوان الحلبيين السيد حيدر
والسيد جعفر والنجفيين الحبوبي والطباطبائي وغيرهم من أدباء العراق عرف
صحة ذلك.
وصاحب الترجمة كان من نوابغ زمانه وأفاضل عصره، وفيه يقول
صديقه الحميم الشيخ عباس ابن الملا علي النجفي الشاعر الغرامي
صاحب - عديني وامطلي عدي وعديني -:
قد قلت لما قيل لي من سوى * جعفر يرعاك وترعاه
بلوت اخواني وجربتهم * فلم أجد في الضيق الاه
لم يتيسر لنا ضبط تاريخ ولادته ولم نقف على كثير من سيرته بيد اننا
علمنا من بعض الاعلام من أسرته انه قضى الدور الأول من حياته في
النجف يتخرج على علماء أسرته وأخوال أبيه وآل بحر العلوم، حتى إذا بلغ
سن الكهولة أحب ان يقضي الدور الثاني من حياته في الاسفار رغبة في
السياحة، فسافر من مسقط رأسه النجف إلى - مسقط - قاعدة عمان،
واتصل بأمرائها، ونال ما هو حري به من التعظيم والتكريم، ولكن
القضاء لم يمهله هناك الا برهة يسيرة فتوفي غريبا بعيدا عن وطنه نائيا عن
أهله وقومه، ليس عنده سوى عبد له كان يصحبه اسمه نصيب، فجهز
ونقل إلى النجف حوالي سنة 1265 ه‍ ودفن مع أبيه في مقبرتهم في محلة
العمارة تجاه مقبرة الجواهريين. ورثاه شاعر الفيحاء الشهير السيد حيدر
الحلي بقصيدة مثبتة في ديوانه مطلعها:
كذا يلج الموت غاب الأسود * ويدفن رضوى ببطن اللحود
كذا يستباح حريم العلى * وتهوى بدور العلى في الصعيد
احلف الندى وشقيق السماح * ليومك هول كيوم الورود
لقد دل مجدك هذا الطريف * على مجد قومك ذاك الثليد
بنو هاشم هم عقود وأنت * واسطة بين تلك العقود
فلا قلت بعدك للعيش طب * ولا قلت بعدك للسحب جودي
ومنها يعزي ابن عمه السيد مهدي الشهير:
عزاء أبا صالح لا فجعت * من بعد هذا المصاب الكئود
لئن ساءك الدهر في جعفر * فإن الإساءة شأن العبيد
وكأن مجموع شعره تلف معه في سفره هذا ولم نقرأ في المجاميع القديمة
المخطوطة من نظمه سوى بعض مقاطيع قالها في الفخر والحماسة وذم
الزمان ومطارحات الاخوان، منها هذه القصيدة:
أتعلم سلمى اي حر تعاتبه * واي عزيز للهوان تجاذبه
تحذرني غدر الزمان وما درت * بأني الذي ما لان للدهر جانبه
تقول تغرب للثراء فلم تضق * على الحر الا بالثواء مذاهبه
الست ترى ان المقل من الورى * تضيع معاليه وتبدو معايبه
وان قليل المال ما بين أهله * سواء له أعداؤه وأقاربه
فلا تخلدن للعجز يوما فإنما * أخو العجز ما زالت تذم عواقبه
فشمر وسر شرقا وغربا فقلما * أصاب الغنى من لم تشمر ركائبه
وقم واختبط جو الفلا بطمرة * لديها سواء قفره وسباسبه
الست من البيت الذي فخرت به * قريش وسارت في معد مناقبه
فقلت لها أسرفت في لوم ماجد * وتأنيب قرم لا تنال مراتبه
الا فاقصري عني فما الذي شيمتي * ولا كسب عندي فوق ما انا كاسبه
فما المال يا سلمى سوى الحظ فاعدلي * عن العذل ان العذل تؤذي عقاربه
وقد يقع التوهم والالتباس بين صاحب الترجمة وبين السيد ميرزا
جعفر القزويني لاتحادهما في الاسم والنسب والشهرة واللقب والنشأة في
عصر واحد فإن الأول هو ابن السيد باقر ابن السيد احمد والثاني ابن
المهدي بن الحسن ابن السيد احمد وتوفي سنة 1298 اه.
ورأينا في مجلة الحضارة نقلا عن بعض مجاميع الفاضل الشيبي انه
كان أديبا نابها من أدباء العراق رحل إلى مسقط وتوفي هناك بعيدا عن وطنه
ولرحلته قصة مثيرة وقد استوحاها كل من رثاه ثم ذكر ان من مراثيه قصيدة
من بحر يسمى المحدث وانها رويت في بعض مجاميع النجف للشيخ إبراهيم
قفطان وفي بعضها للشيخ محسن آل الشيخ خضر وهذا ما وجد منها:
صوبت وصعدت النظرا * في الدار فلم اعرف اثرا
ولمية اطلال درست * أمست عبرا لمن اعتبرا
أبكي وأناشدها عمن * نالوا دهرا منها وطرا
يا دار قطينك أين سرى * فتجيب قطينك اي سرى
خشعت للبين فلست ترى * الا الارزاء بها زمرا

86
فعلمت بأن مؤملها * الوى وتحققت الخبرا
يا مرتحلا عني ولكم * وهيت قوى وفصمت عرى
ومدير الطرف إلى اهليه * وليس يرى منهم اثرا
يا مسعر دائي من داوى * داء في أحشاك استعرا
اجل ناداك لمسقطه * ولو اثاقلت لما ظفرا
لم لا واسيتك مضطهدا * لم لا سليتك مفتكرا
لم لا جاورت أنينك منصدعا * للغربة منكسرا
لم لا عالجتك معتلا * لم لا شاهدتك محتضرا
واماما فاق بلاغته * وحساما في الهيجا ذكرا
لك عهد في عنقي ما * عشت يبث مراثيك الغررا
وثراك ترصعه عيناي * عقيقا أحمر أو دررا
الشيخ جعفر البديري النجفي
توفي في 24 شعبان سنة 1369 بالنجف وجرى له تشييع حافل
وأقيمت له عدة مجالس فاتحة في النجف.
والبديري نسبة إلى آل بدير قبيلة عراقية. كان عالما فاضلا كاملا،
سكن النجف ورأيناه هناك يوم وجودنا في النجف لطلب العلم ثم رأيناه
أيضا عند تشرفنا بالزيارة عام 1352.
جعفر بن بزار أو بزاز بن حيان الهاشمي مولاهم الصيرفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي منهج
المقال وفي نسخة: نزار.
جعفر بن بشير أبو محمد البجلي الوشا
توفي سنة 208
قال النجاشي: من زهاد أصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة وله
مسجد بالكوفة باق في بجيلة إلى اليوم وانا وكثير من أصحابنا إذا وردنا
الكوفة نصلي فيه مع المساجد التي يرغب في الصلاة فيها ومات جعفر رحمه
الله بالابواء سنة ثماني ومائتين، كان أبو العباس بن نوح يقول كان يلقب
فقحة العلم روى عن الثقات ورووا عنه له كتاب المشيخة مثل كتاب
الحسن بن محبوب الا انه أصغر منه وكتاب الصلاة وكتاب المكاسب وكتاب
الصيد وكتاب الذبايح أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون عن أحمد بن محمد بن
سعيد حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم حدثنا جعفر بن بشير وله نوادر
رواها ابن أبي الخطاب الزيات أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن الزراري
عن الحميري عن ابن أبي الخطاب بسائر كتبه اه. وفي الخلاصة جعفر بن
بشير بفتح الباء الموحدة وبعدها الشين المعجمة، كان يعرف بقفة العلم لأنه
كان كثير العلم. وقال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة قوله بقفة العلم
كذا وجدت في النسخ التي عندي والذي ذكره المصنف في ايضاح الاشتباه
فقحة العلم بالفاء و القاف والحاء المهملة ثم حكى عن السيد صفي الدين
محمد بن معد انه نفحة بالنون والفاء والحاء المهملة اه وذلك أن العلامة في
ايضاح الاشتباه بعد ما ضبط فقحة بما مر قال ورأيت بخط السيد السعيد
صفي الدين محمد بن معد الموسوي رحمه الله تعالى قال حدثني بعض العلماء
ممن قرأت عليه هذا الكتاب انه نفحة العلم بالنون والفاء والحاء المهملة اه
وعلى نسخة فقحة يكون المراد بها زهرة العلم ففي القاموس فقح النبات
أزهى وأزهر والفقحة من كل نبت زهرة وعلى نسخة النفحة تكون من نفح
الطيب إذا فاح والله أعلم. وفي الفهرست جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل
القدر له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن محمد بن الحسن
الصفار والحسن بن مثيل عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن
بشير وله كتاب ينسب إلى جعفر بن محمد عليه السلام رواية علي بن موسى
الرضا عليه السلام اه‍ وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه
السلام. فقال جعفر بن بشير البجلي اه وقال الكشي: ما روي في جعفر بن
بشير البجلي قال نصر اخذ جعفر بن بشير رحمه الله فضرب ولقي شدة حتى
خلصه الله ومات في طريق مكة وصاحبه المأمون بعد موت الرضا عليه
السلام. جعفر بن بشير مولى بجيلة كوفي مات بالابواء سنة 208 اه وفي
لسان الميزان جعفر بن بشير الكوفي البجلي قال ابن النجاشي كان يلقب
فقحة العلم وهو من مصنفي الشيعة روى عن علي بن موسى وابان بن
عثمان وإبراهيم بن نصر وغيرهم وروى عنه القاسم بن إسماعيل ومحمد بن
مفضل وأبو الخطاب وغيرهم اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي: باب جعفر المشترك بين من يوثق به وغيره
ويمكن استعلام انه ابن بشير الثقة برواية محمد بن مفضل بن إبراهيم عنه
ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه وروايته هو عن علي بن موسى عليه
السلام. وزاد الكاظمي في مشتركاته روايته هو عن أديم بن الحر وعن
ذريح اه وعن جامع الرواة انه زاد نقل رواية إبراهيم بن هاشم القمي
ومحمد بن إسماعيل بن بزيع وأبو عبد الله محمد بن خالد البرقي وصفوان بن
يحيى وموسى بن عمر بن يزيد ومحمد الهمذاني والحسن بن الحسين اللؤلؤي
وأحمد بن محمد والقاسم بن إسماعيل وسعد بن عبد الله وسهل بن زياد
وصالح بن السندي عنه اه.
جعفر بيك اصفخان
كان مساعدا لأحمد بن نصر الله التتوي المعروف بقاضي زاده في
تأليف التاريخ الألفي الذي الفه احمد المذكور لأكبر شاه في سنة 993.
جعفر الجوهري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الجواد عليه السلام.
جعفر بن الحارث أبو الأشهب النخعي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وقال اسند
عنه اه وفي ميزان الاعتدال: جعفر بن الحارث أبو الأشهب الكوفي نزيل
واسط روى عن نافع والأعمش روى عنه محمد بن يزيد وغير واحد قال ابن
معين لا شئ وقال مرة ضعيف وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي
وغيره ضعيف. محمد بن يزيد حدثنا أبو الأشهب عن نافع عن أبي هريرة
مرفوعا أول ما يحاسب به العبد صلاته قال ابن عدي لم أر في أحاديثه حديثا
منكرا أرجو انه لا بأس به وقال البخاري جعفر بن الحارث الواسطي عن
منصور في حفظه شئ يكتب حديثه اه وفي لسان الميزان: قال الحاكم في
التاريخ: جعفر بن الحارث بن جميع بن عمرو بن الأشهب النخعي من
اتباع التابعين ومن ثقات أئمة المسلمين ولد ببلخ ونشأ بواسط ثم سكن
نيسابور وللشاميين عنه أفراد وأكثر الافراد عنه لأهل نيسابور وكان أبو علي

87
الحافظ جمع حديثه وقرأه علينا. وقال ابن حبان كان يخطئ في الشئ بعد
الشئ ولم يكثر خطاؤه حتى صار من المجروحين في الحقيقة ولكنه ممن لا
يحتج به إذا انفرد وهو من الثقات يقرب ممن استخير الله فيه وليس هو بأبي
الأشهب العطاردي ذاك بصري وهذا من أهل واسط وهما جميعا ثقتان.
وقال أبو حاتم الرازي شيخ ليس بحديثه بأس. وقال أبو زرعة لا بأس به
عندي. وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم وقال الدولابي منكر
الحديث ليس بثقة وقال ابن الجارود ليس بثقة وقال أبو داود قال يزيد بن
هارون عنه انه ثقة صدوق وذكره ابن شاهين فيمن اختلف في توثيقه
وتجريحه وذكره الطوسي في رجال الشيعة اه.
جعفر بن حبيب الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
جعفر بن حذيفة
في ميزان الاعتدال جعفر بن حذيفة عن علي وعنه أبو مخنف لا يدرى
من هو وأبو مخنف اسمه لوط اه وفي لسان الميزان: في كتاب ابن أبي حاتم
جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين بن عامر بن قيس الجرمي كان
مع علي يوم صفين وروى عنه أبو مخنف سمعت أبي يقول هو مجهول كذا
أفردهما وهو صواب وكذا جعلهما النباتي في الحافل اثنين ونسبه لابن أبي
حاتم وذكره ابن حبان في الثقات شيخ الحسن بن سعد اه.
الشيخ زين الدين جعفر بن الحسام العاملي العيناثي
في أمل الآمال: فاضل زاهد عابد من المشايخ الاجلاء يروي عن
السيد حسن بن أيوب بن نجم الدين الحسيني عن الشهيد اه ويروي عنه
الشيخ جمال الدين أحمد بن الحاج علي العيناثي والشيخ شمس الدين
محمد بن خاتون العاملي.
السيد جعفر بن فخر الدين حسن بن أيوب بن نجم الدين الأعرج
الاطراوي العاملي
(الاطراوي) لا نعلم إلى أي شئ هذه النسبة.
في تكملة أمل الآمل انه من السادة الآجلة وكبراء الدين والملة وأبوه
من اجل العلماء وابنه الحسن وابن ابنه الميرزا حبيب الله ويأتي ذكرهم في
محالهم.
أبو الحسن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام
في عمدة الطالب أمه أم ولد رومية تدعى حبيبة وهي أم أخيه داود ثم
قال يكنى أبا الحسن وكان أكبر اخوته سنا وكان سيدا فصيحا يعد في خطباء
بني هاشم وله كلام مأثور وحبسه المنصور مع اخوته ثم تخلص منه وتوفي
بالمدينة وله سبعون سنة اه وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 121
كان زيد بن الحسين يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي في
وقوف علي، زيد يخاصم عن بني الحسين وجعفر يخاصم عن بني الحسن
فكانا يتبالغان كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما بينهما حرفا. وقال في حوادث
سنة 144 ان جعفر بن الحسن بن الحسن كان ممن حبسهم المنصور من
أولاد الحسن ثم حملهم إلى العراق، وقال إنه لم ينج منهم الا سليمان
وعبد الله ابنا داود بن الحسن بن الحسن بن علي وإسحاق وإسماعيل ابنا
إبراهيم بن الحسن بن الحسن وجعفر بن الحسن اه ولكن في مروج الذهب
ذكر من الذين حملوا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ولم يذكر أباه
جعفرا وكذلك القاضي أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة
الله بن أبي جرادة الحلبي في شرح ميمية الأمير أبي فراس الحارث الحمداني
المسماة بالشافية فإنه لم يذكر معهم الا حسن بن جعفر بن حسن بن حسن
ولم يذكر أباه جعفرا. ثم قال المسعودي وخلي منهم سليمان وعبد الله ابنا
داود بن الحسن بن الحسن وموسى بن عبد الله بن الحسن والحسن بن جعفر
وحبس الآخرون اه.
أبو القاسم جعفر بن الحسن الأطروش ابن علي بن الحسين بن علي بن عمر
الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
أمه أمة وكان أبوه الحسن يلقب بالناصر الكبير. قال ابن الأثير كان
له اي للناصر الكبير من الأولاد الحسن وأبو القاسم والحسين قال يوما كلاما
لابنه الحسن فأجابه بجواب بذئ فحقده عليه ولم يوله شيئا وولى ابنيه أبا القاسم
والحسين اه ويظهر من القاضي نور الله في مجالس المؤمنين ان له
ابنا آخر اسمه احمد ومرت ترجمته في ج 9 حيث قال إنه عند وفاة الناصر
الكبير كان أولاده أبو الحسن احمد وأبو القاسم جعفر ولاة طبرستان.
وفي عمدة الطالب اما أبو القاسم جعفر بن الناصر فلما مات أبوه
أرادوا ان يبايعوا ابنه أبا الحسين أحمد بن الحسن الناصر فامتنع من ذلك
وكانت ابنة الناصر تحت أبي محمد الحسن بن القاسم الداعي الصغير فكتب
إليه أبو الحسن أحمد بن الحسن الناصر واستقدمه وبايعه فغضب أبو القاسم
جعفر ناصرك ابن الناصر وجمع عسكرا وقصد طبرستان فانهزم الداعي ابن
الناصر يوم النيروز سنة 306 وسمى نفسه الناصر واخذ الداعي بدماوند
وحمله إلى الري إلى علي بن وهسوذان فقيده وحمله إلى قلعة الديلم فلما قتل
علي بن وهسوذان خرج الداعي وجمع الخلق وقصد جعفر بن الناصر فهرب
إلى جرجان وتبعه الداعي فهرب جعفر بن الناصر واجلى إلى الري. وملك
الداعي الصغير الحسن بن القاسم طبرستان إلى سنة 306 ثم قتله مرداويج
بآمل اه. وفي هذه العبارة خلل ظاهر ولا يبعد ان يكون فيها نقص
وصوابها فانهزم الداعي الحسن بن القاسم وظهر جعفر بن الناصر أو
أحمد بن الناصر الخ أو نحو ذلك يدل عليه ما ذكره صاحبا تاريخي طبرستان
ورويان مما حاصله انه غضب جعفر بن الناصر من مبايعة أخيه احمد
للحسن بن القاسم وجمع عسكرا وجاء إلى آمل فهرب الداعي الصغير
حسن بن قاسم إلى كيلان ثم جمع عسكرا وجاء إلى آمل وصالحه اصفهبد
شروين واصفهبد شهريار ثم عزم أبو الحسين أحمد بن الناصر الكبير على
مقاومته وذهب إلى كيلان وانضم إلى أخيه أبي القاسم جعفر وحين جاء
الداعي الصغير حسن بن القاسم إلى آمل جمع أهل خراسان عسكرا وجاءوا
إلى طبرستان فهرب الداعي الصغير والتجأ إلى اصفهبد محمد بن شهريار
فقبض عليه اصفهبد وأوثقه وأرسله إلى الري إلى علي بن وهسوذان فأرسله
علي إلى قلعة الموت فحبس هناك ولما قتل علي بن وهسوذان تخلص الداعي
الصغير وذهب إلى كيلان ووقعت الحرب بينه وبين أولاد الناصر فهرب أولاد
الناصر الخ وذكر النجاشي في رجاله في ترجمة الحسن بن سعيد الأهوازي
فيما رواه عن أبي العباس أحمد بن محمد الدينوري انه حدثهم عن
الحسين بن سعيد عند منصرفه من زيارة الرضا عليه السلام أيام جعفر بن
الحسن الناصر بآمل طبرستان سنة 300 اه. ويستشكل في هذا بان أباه

88
الناصر الكبير كان استيلاؤه على طبرستان سنة 302 ففي هذا التاريخ لم
يكن لجعفر دولة والله أعلم ومر في ترجمة أحمد بن الناصر الكبير ج 10 ما له
تعلق بالمقام ويأتي في الحسن بن القاسم الداعي الصغير ما له تعلق بالمقام
أيضا فراجع.
جعفر بن الحسن أو الحسين بن علي بن شهريار أبو محمد المؤمن القمي
توفي سنة 340
في الخلاصة ابن الحسن بغير ياء وفي رجال النجاشي والشيخ وابن
داود بن الحسين بالياء. وفي التعليقة سيجئ في محمد بن الحسن بن الوليد
انه ابن الحسن كما في الخلاصة لكن في كتب الحديث ابن الحسين وروى عنه
الصدوق ذاكرا ابن الحسين اه وفي الخلاصة: جعفر بن الحسن بن علي بن
شهريار بالشين المعجمة والهاء والراء والمثناة التحتية والألف والراء أبو محمد
المؤمن القمي شيخ من أصحابنا القميين ثقة انتقل إلى الكوفة ومات بها سنة
340 اه وفي التعليقة: سيجئ ذكره في محمد بن الحسن بن الوليد على
وجه يؤذن بجلالته وروى عنه الصدوق مترضيا وسيجئ عن رجال الشيخ
في محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد انه لم يلقه التلعكبري لكن وردت
عليه اجازته على يد صاحبه جعفر بن الحسن المؤمن اه وهذا المؤذن
بجلالته.
قال النجاشي شيخ من أصحابنا القميين ثقة انتقل إلى الكوفة واقام
بها وصنف كتابا في المزار وفضل الكوفة ومساجدها وله كتاب النوادر أخبرنا
عدة من أصحابنا رحمهم الله عن أبي الحسين بن تمام عنه بكتبه وتوفي جعفر
بالكوفة سنة 340 اه وذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم
السلام فقال جعفر بن الحسين روى عنه ابن بابويه رحمه الله اه وفي لسان
الميزان جعفر بن الحسين بن علي بن شهريار القمي سكن الكوفة ذكره ابن
النجاشي في مصنفي الشيعة وقال مات سنة 345 اه والذي في رجال
النجاشي وغيره سنة 340 كما مر.
الميرزا جعفر ابن الميرزا حسن علي اللواساني الطهراني الشهير بحكيم الهي
توفي سنة 1298
كان عالما فاضلا ولا نعرف من أحواله شيئا سوى هذا.
جعفر بن الحسن الكوفي
في لسان الميزان: روى عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
وروى عنه أبو جعفر بن بابويه في رجال الشيعة وقال كان كثير الرواية واثنى
عليه اه‍ وأبو جعفر بن بابويه هو الصدوق ولا يبعد ان يكون المترجم هو
ابن شهريار المتقدم فان الصدوق يروي عنه مترضيا كما مر وقد سكن الكوفة
ومات بها.
أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن
سعيد الهذلي الحلي المعروف بالمحقق وبالمحقق الحلي
مولده ووفاته
ولد سنة 602 وتوفي على قول ابن داود في رجاله في ربيع الاخر سنة
676 فيكون عمره 74 سنة. وفي توضيح المقاصد للشيخ البهائي انه توفي
في 23 من جمادى الثانية من تلك السنة اه وعن بعضهم ان تاريخ وفاته
يوافق بحساب الجمل - زبدة المحققين رحمه الله - وفي لؤلؤة البحرين: قال
بعض الاجلاء الاعلام من متأخري المتأخرين رأيت بخط بعض الأفاضل
ما صورته: في صبح يوم الخميس 13 ربيع الآخر سنة 676 سقط الشيخ
الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي من أعلى درجة في داره
فخر ميتا لوقته من غير نطق ولا حركة فتفجع الناس لوفاته واجتمع لجنازته
خلق كثير وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن مولده فقال
سنة 602 اه‍ وفي منهج المقال بعد نقله: الشائع ان قبره في الحلة وهو
مزور معروف وعليه قبة وله خدام يتوارثون ذلك أبا عن جد وقد خربت
عمارته منذ سنين فأمر الأستاذ العلامة دام علاه - هو البهبهاني - بعض أهل
الحلة فعمروها وقد تشرفت بزيارته قبل ذلك وبعده اه أقول يمكن ان
يكون دفن بالحلة أولا ثم نقل إلى النجف كما جرى للسيدين المرتضى
والرضي والله أعلم وحكى في اللؤلؤة أيضا عن بعض اجلاء تلامذة
المجلسي انه ولد سنة 638 وتوفي ليلة السبت في محرم الحرام سنة 726 اه‍
فعمره على هذا 88 سنة اه والظاهر أن تاريخ الوفاة اشتباه بتاريخ وفاة
العلامة الحلي فإنه توفي بهذا التاريخ والصواب في وفاته ما مر عن ابن داود
تلميذه والمعاصر والمواطن له الذي هو اعرف بوفاته من كل أحد اما تاريخ
ولادته فالظاهر أن صوابه 602 كما مر وان جعله 638 اشتباه والله أعلم.
أقوال العلماء فيه
قال ابن داود في رجاله: جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي
شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق الامام العلامة واحد عصره
كان السن أهل زمانه وأقومهم بالحجة وأسرعهم استحضارا قرأت عليه
ورباني صغيرا وكان له علي احسان عظيم والتفات وأجاز لي جميع ما صنفه
وقرأه ورواه وكل ما يصح روايته عنه توفي رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة
676 له تصانيف حسنة محققة محررة عذبة اه‍. قال العلامة في اجازته
لأبناء زهرة: كان أفضل أهل عصره في الفقه وقال الشيخ حسن ابن
الشهيد الثاني: لو ترك التقيد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا
مثله وفي توضيح المقاصد للشيخ البهائي: الشيخ المحقق المدقق سلطان
العلماء في زمانه نجم الدين جعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق قدس
الله روحه واليه انتهت رياسة الشيعة الإمامية وحضر مجلس درسه بالحلة
سلطان الحكماء والمتألهين الخواجة نصير الدين محمد الطوسي أنار الله برهانه
وسأله نقض بعض المتكلمين - كذا - اه وفي أمل الآمل الشيخ الأجل
المحقق جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي حاله في الفضل
والعلم والقدر والثقة والجلالة والتحقيق والتدقيق والفصاحة والشعر والأدب
والانشاء وجمع العلوم والفضائل والمحاسن أشهر من أن يذكر وكان عظيم
الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه. وله شعر جيد وانشاء
حسن بليغ وكان مرجع أهل عصره في الفقه وغيره اه وفي لؤلؤتي
البحرين عند ذكر العلامة الحلي قال: وقد تلمذ على جملة من الأفاضل
الذين لا يفاضلهم مفاضل منهم بل هو أشهرهم ذكرا وأعلاهم فخرا الشيخ
نجم الدين أبو القاسم جعفر بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي
الملقب بالمحقق كان محقق الفضلاء ومدقق العلماء وحاله في الفضل والنبالة
والعمل والفقه والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء اشهر من أن
يذكروا اظهر من أن يسطر اه وكفاه جلالة قدر اشتهاره بالمحقق فلم يشتهر
من علماء الإمامية على كثرتهم في كل عصر بهذا اللقب غيره وغير

89
الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي وما اخذ هذا اللقب الا بجدارة
واستحقاق وقد رزق في مؤلفاته حظا عظيما فكتابه المعروف بشرائع الاسلام
هو عنوان دروس المدرسين في الفقه الاستدلالي في جميع الأعصار وكل من
أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحا عليه كمسالك الافهام ومدارك
الاحكام وجواهر الكلام وهداية الأنام ومصباح الفقيه وغيرها وصنف بعض
العلماء شرحا لتردداته خاصة وعليه من التعليقات والحواشي عدد كثير
ونسخة المخطوطة النفيسة لا تحصى كثرة وطبع طبعات كثيرة في إيران ولا
يكاد يوجد واحد من العلماء أو طلبة العلوم الدينية ليس عنده منه نسخة،
وطبع في لندن عاصمة بلاد الانكليز ومختصره المسمى بالمختصر النافع عليه
شروح كثيرة مثل كشف الرموز لتلميذه الآبي اليوسفي والتنقيح الرائع
للمقداد السيوري والبرهان القاطع وغيرها وعليه من التعليقات والحواشي
شئ كثير لأجلاء العلماء.
اخباره
في لؤلؤتي البحرين: نقل غير واحد من أصحابنا ان المحقق
الطوسي الخواجة نصير الملة والدين حضر ذات يوم حلقة درس المحقق
بالحلة حين ورود الخواجة إليها فقطع المحقق الدرس تعظيما له واجلالا
لمنزلته فالتمس منه اتمام الدرس فجرى البحث في استحباب التياسر قليلا
لأهل العراق عن يمين القبلة فأورد المحقق الخواجة نصير الدين بأنه لا وجه
لهذا الاستحباب لان التياسر ان كان من القبلة إلى غير القبلة فهو حرام وان
كان من غيرها إليها فهو واجب فقال المحقق الحلي التياسر منها إليها فسكت
المحقق الطوسي اه وتوضيح هذا الجواب يرجع إلى أن ذلك مبني على أن
الكعبة قبلة من في المسجد والمسجد قبلة من في الحرم والحرم قبلة من في
الدنيا كما تدل عليه بعض الروايات ولما كان الحرم على يسار الكعبة أكثر منه
عن يمينها لأنه عن يسارها ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال استحب
التياسر قليلا لكونه أقرب إلى الظن باستقبال الحرم فالتياسر في الحقيقة
احتياط لتحصيل الظن بالاستقبال - قال - ثم إن المحقق الحلي الف رسالة
لطيفة في المسألة وأرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها وقد أوردها الشيخ
أحمد بن فهد في المهذب البارع في شرح المختصر النافع بتمامها اه وسيأتي
ذكرها قريبا، وفي مجلد الصلاة من البحار: قد جرى في ذلك مراسلات
بين المحقق صاحب الشرائع والمحقق الطوسي قدس الله روحيهما وكتب
المحقق الأول في ذلك رسالة ثم قال والذي يخطر في ذلك بالبال ان الامر
بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن
خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد
الرياضية كمسجد الكوفة فان انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه
القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس ولما كان
أكثر تلك المساجد مبنية في زمن خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية
فأمروا بالتياسر وعللوا بتلك الوجوه الخطابية لاسكاتهم وعدم التصريح
بخطأ خلفاء الجور وأمرائهم وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم لا
يجوز الانحراف عنه انما يثبت إذا علم أن الامام بناه ومعلوم أنه عليه السلام
لم يبنه وصلى فيه من غير انحراف وهو أيضا غير ثابت بل ظهر لنا من بعض
ما سنح من الآثار عند تعمير المساجد في زماننا ما يدل على خلافه مع أن
الظاهر من بعض الأخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير
المؤمنين عليه السلام. وقال في كتاب المزار ويؤيده ما ورد في وصف
مسجد غني وان قبلته لقاسطة فهو يومي إلى أن سائر المساجد في قبلتها شئ
على أنه لا يعلم بقاء البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام بل
يدل بعض الأخبار على هدمه وتغيره. وقال العلامة الحلي في اجازته الكبيرة
لبني زهرة: وكان الشيخ الأعظم الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن
الطوسي قدس الله روحه وزيرا للسلطان هلاكو خان فأنفذه إلى العراق
فحضر الحلة فاجتمع عنده فقهاؤها فأشار إلى الفقيه نجم الدين أبي القاسم
جعفر بن سعيد فقال من اعلم هؤلاء الجماعة فقال كلهم فاضلون علماء
وان كان واحد منهم مبرزا في فن كان الآخر منهم مبرزا في فن آخر فقال من
اعلمهم بالأصولين - أصول العقايد وأصول الفقه - فأشار إلى والدي
سديد الدين يوسف بن المطهر والى الفقيه مفيد الدين محمد بن جهم فقال
هذان اعلم الجماعة بعلم الكلام وأصول الفقه فتكدر الشيخ يحيى بن
سعيد (1) وكتب إلى ابن عمه أبي القاسم يعتب عليه وأورد في مكتوبه أبياتا
وهي:
لا تهن من عظيم قدر وان كنت * مشارا اليه بالتعظيم
فالكبير اللبيب ينقص قدرا * بالتعدي على اللبيب الكريم
ولع الخمر بالعقول رمى الخمر * بتنجيسها وبالتحريم
كيف ذكرت ابن المطهر وابن الجهم ولم تذكرني فكتب اليه يعتذر اليه
ويقول لو سألك الخواجة مسألة في الأصولين ربما وقفت وحصل لنا الحياء ا
ه‍.
رسالة المترجم في التياسر
قال أحمد بن فهد في المهذب البارع في شرح المختصر النافع: اعلم أنه
اتفق حضور العلامة المحقق خواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن
الطوسي قدس الله روحه مجلس المصنف طاب ثراه ودرسه فكان فيما قرئ
بحضوره درس القبلة فأورد اشكالا على التياسر فأجاب المصنف في الحال بما
اقتضاه في ذلك الزمان ثم عمل في المسألة رسالة وبعثها إليه فاستحسنها المحقق
حين وقف عليها وها انا موردها بلفظها:
بسم الله الرحمن الرحيم جرى في أثناء فوائد المولى أفضل علماء
الاسلام وأكمل فضلاء نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسن
الطوسي - أيد الله بهمته العالية قواعد الدين ووطد أركانه ومهد بمباحثه
السامية عقائد الايمان وشيد بنيانه - اشكال على التياسر - وحكايته - الامر
بالتياسر لأهل العراق لا يتحقق معناه لان التياسر امر إضافي لا يتحقق
الا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى الجهة وحينئذ اما ان يكون الجهة
محصلة وإما ان لا يكون ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه اليه وهو
خلاف مدلول الآية ومن الثاني عدم امكان التياسر إذ تحققه موقوف على
تحقق الجهة التي يتياسر عنها ثم يلزم من تحقق هذا الاشكال تنزيل التياسر
على التأويل أو التوقف فيه حتى يوضحه الدليل وهذا الاشكال مما لم تقع
عليه الخواطر ولا تنبه له الأوائل والأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطاء
لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وفرض من يقف على فوائد هذا المولى
الأعظم من علماء الأنام ان يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام وأن يكون
قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام فإنها شفاء أنفس الأنام



(1) هو يحيى الأصغر بن أحمد بن يحيى الأكبر بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي ابن عم المحقق
الحلي اشتهر بالنسبة إلى جده فقيل يحيى بن سعيد.
- المؤلف -
90
وجلاء الافهام غير أنه - ظاهر الله جلاله ولا اعدم أولياء فضله وافضاله -
سوغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي ان أورد ما يحضرني في الجواب ما
يكون صوابا أو مقاربا للصواب فأقول ممتثلا لامره مشتملا ملابس صفحه
وعفوه انه ينبغي ان يتقدم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين - الأول - لفقهائنا
قولان - أحدهما - ان الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه والتوجه
إليها متعين على التقديرين فعلى هذا لا تياسر أصلا. - والثاني - انها قبلة
لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن كان في الحرم والحرم قبلة لمن خرج عنه
وتوجه المصلي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتى أن
استقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذر لأن عنده جهة
كل واحد من المصلين غير جهة الآخر إذا لو خرج من وجه كل واحد
منهم خط موازن للخط الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك
الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في
الاستقبال ويعود الاستقبال مختصا باستقبال ما اتفق من الحرم - لا يقال -
هذا باطل بقوله تعالى - فول وجهك شطر المسجد الحرام - وبأنه لو كان كذا
لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحل ان يعدل عن الكعبة إلى
استقبال بعض الحرم - لأنا - نجيب عن الأول بان المسجد قد يطلق على
الحرم كما روي في تأويل قوله تعالى - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من
المسجد الحرام - وقد ورد انه كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب وهو
خارج عن المسجد ولأنا نتكلم عن التياسر المبني على قول من يقول بذلك.
ونجيب عن الثاني بان استقبال جهة الكعبة متعين لمن تيقنها وانما يقتصر على
الحرم من تعذر عليه التيقن بجهتها ثم لو ضويقنا جاز ان نلتزم ذلك تمسكا
بظاهر الرواية - البحث الثاني - من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا
تياسر عليه وكذا من تيقن جهتها على التعيين اما من فقد القسمين فعليه
البناء على العلامات المنصوبة للقبلة لكن محاذاة كل علامة من العلامات
بالعضو المختص بها من المصلي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا إذ قد
يتوهم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيفا خصوصا عند
مقابلة الشئ الصغير - إذا تقرر ذلك - رجعنا إلى الاشكال اما كون التياسر
امرا إضافيا لا يتحقق الا بالمضاف فلا ريب فيه وأما كون الجهة اما محصلة
أو غير محصلة فالوجه انها محصلة وبيان ذلك ان الشارع نصب علامات
أوجب محاذاة كل واحدة منها بشئ من أعضاء المصلي بحيث تكون الجهة
المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة هي جهة الاستقبال فالتياسر حينئذ
يكون عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلي، وأما انه إذا كانت محصلة كانت
هي جهة الكعبة والانحراف عنها يزيل التوجه إليها، فالجواب عنه انا قد
بينا ان الفرض هو استقبال الحرم لا نفس الكعبة فان العلائم قد يحصل
الخلل في مسافتها فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجه
اليه في كل من حالتي الاستقبال والمتياسر يكون متوجها إلى القبلة المأمور بها
اما في حال الاستقبال فلأنها جهة الاجزاء من حيث هو محاذاة لجهة من
جهات الحرم تغليبا مستندا إلى الشرع وأما في حال التياسر فيتحقق محاذاة
جهة الحرم ولهذا تحقق الاستحباب في طرفه لحصول الاستظهار به - ان
قيل - هنا ايرادات ثلاثة الأول النصوص خالية عن هذا التعيين فمن أين
صرتم اليه - الثاني - ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصب العلائم
عليها فان قلتم لأجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة ويسارها قلنا إن
أريد بالتياسر وسط الحرم فحينئذ يخرج المصلي عن جهة الكعبة يقينا وان
أريد تياسرا لا يخرج به عن سمت الكعبة فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقية
ثم لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق - الثالث - الجهة المشار إليها ان
كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها والتياسر عدول فلا يكون مأمورا به -
قلنا - اما الجواب عن الأول فإنه وان كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة
نطقا فإنها غير خالية من التنبيه عليه إذا لم يثبت وجوب استقبال الجهة التي
دلت عليها العلائم ويثبت الامر بالتياسر بمعنى انه عن السمت المدلول
عليه، وعن الثاني بالتغصي عن إبانة الحكمة في التياسر فإنه غير لازم في
كل موضع بل غير ممكن في كل تكليف ومن شان الفقيه تلقي الحكم مهما
صح المستند، أو نقول اما ان يكون الامر بالتياسر ثابتا، وأما ان لا يكون
فإن كان لزم الامتثال تلقيا عن صاحب الشرع وان لم يعط العلة الموجبة
للتشريع وان لم يكن ثابتا فلا حكمة ويمكن ان نتكلف إبانة الحكمة بان
نقول لما كانت الحكمة متعلقة باستقبال الحرم وكان المستقبل من أهل الآفاق
قد يخرج من الاستناد إلى العلامات عن سمته بان يكون منحرفا إلى اليمين
وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة فلو اقتصر على ما نظر انه جهة الاستقبال
أمكن ان يكون مائلا إلى جهة اليمين فيخرج عن الحرم وهو يظن استقباله
ومحاذاة العلائم على الوجه المحرر قد يخفى على المهندس الماهر فيكون التياسر يسيرا
عن سمت العلامة مفضيا إلى سمت المحاذاة، ويشهد لهذا التأويل ما روي
عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات
اليسار فقال إن الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال
فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حد القبلة وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن
خارجا عن حد القبلة وهذاة الحديث يؤذن بأن المقابلة قد يحصل معها
احتمال الانحراف - وأما الجواب - عن الثالث فقد مر في أثناء البحث،
وهذا كله مبني على أن استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة وليس
ذلك بمعتمد بل الوجه الاستقلال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب الظن
مع عدم الطريق إلى العلم سواء أ كان في المسجد أو خارجه فيسقط حينئذ
اعتبار التياسر والتعويل في استقبال الحرم انما هو اخبار آحاد ضعيفة وبتقدير
ان يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر بكون ورود الاشكال عليه
أتم. وبالله العصمة والتوفيق انه ولي الإجابة، قال ابن فهد: هذا آخر
رسالة المصنف قدس الله روحه ثم قال: واعلم أن غير المصنف أجاب عن
هذا الاشكال بمنع الحصر لأن حاصل السؤال ان التياسر اما إلى القبلة
فيكون واجبا لا مستحبا واما عنها فيكون حراما، والجواب منع الحصر بل
نقول التياسر فيها وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على
بعض أو حصول الاستظهار بالتوسط بسبب الانحراف اه.
مشايخه في القراءة والرواية
(1) نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي
الربعي (2) السيد فخار بن معد الموسوي (3) والده الحسن بن يحيى بن
الحسن بن سعيد وفي أمل الآمل يروي عن أبيه عن جده يحيى الأكبر (4)
الشيخ مفيد الدين محمد بن جهم الحلي وغيرهم.
تلاميذه
(1) الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة الذايع
الصيت وهو ابن أخت المحقق (2) الحسن بن داود الحلي صاحب الرجال
(3) السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوس صاحب فرحة
الغري (4) السيد جلال الدين محمد بن علي بن طاوس الذي كتب أبوه
لأجله كتاب البهجة لثمرة المهجة (5) جلال الدين محمد بن محمد الكوفي
الهاشمي الحارثي شيخ الشهيد (6) الشيخ عز الدين الحسن بن أبي طالب

91
اليوسفي الآبي صاحب كشف الرموز (7) الوزير شرف الدين أبو القاسم
علي بن الوزير مؤيد محمد بن العلقمي (8) الشيخ شمس الدين
محفوظ بن وشاح بن محمد الحلي (9) جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي
صاحب الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم (10) صفي الدين
محمد بن نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد وهو ابن
ابن عم المحقق لان أباه يحيى صاحب الجامع ابن عم المحقق (11)
شمس الدين محمد بن صالح السيبي القسيني (12) جمال الدين أبو جعفر
محمد بن علي القاشي (13) رضي الدين علي بن يوسف صاحب العدد
القوية أخو العلامة الحلي (14) فخر الدين محمد ابن العلامة الحلي كما
يستفاد من إجازة تلميذه الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي لأحمد بن فهد
الحلي (15) نجم الدين طمان بن أحمد العاملي الشامي، ففي إجازة
الشيخ حسن صاحب المعالم عند ذكر الشيخ طمان هذا أنه قال ورويت عن
الفقيه المعظم السعيد الشيخ نجم الدين جعفر بن سعيد جميع ما صنفه وألفه
ورواه وكنت في زمن قراءتي على شيخنا الفقيه نجيب الدين محمد بن نما
أتردد اليه أواخر كل نهار وحفظت عليه كتابه المسمى نهج الوصول إلى معرفة علم
الأصول في أصول الفقه وشرحه قال وقرأت كتاب الجامع في الشرايع
تصنيف الفقيه السعيد المعظم شيخ الشيعة في زمانه نجيب الدين أبي زكريا
يحيى بن أحمد بن سعيد عليه اجمع الخ..
مؤلفاته
(1) شرايع الاسلام مطبوع في إيران طبعات كثيرة وطبع في لندن
(2) النافع مختصر الشرايع (3) المعتبر في شرح المختصر اي مختصر
الشرايع لم يتم طبع في إيران مرتين (4) نكت النهاية - اي نهاية الشيخ
الطوسي في الفقه. مطبوع (5) المسائل العزية (6) المسائل المصرية
(7) المسلك في أصول الدين (8) المعارج في أصول الفقه (9) الكهنة
أو اللهنة في المنطق وفي روضات الجنات الظاهر أنها الكهانة بالفتح بمعنى
الصناعة لما يوجد من المؤلفات بهذا الاسم كثيرا في الكتب القديمة اه‍
وهذه التسعة ذكرها ابن داود في رجاله ثم قال وله كتب غير ذلك (10)
مختصر مراسم سلار الديلمي في الفقه (11) نهج الوصول إلى معرفة علم
الأصول (12) رسالة التياسر في القبلة.
نثره وشعره
في مجموعة الشهيد التي هي بخط الشيخ محمد بن علي العاملي
الجباعي جد الشيخ البهائي قال الشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي:
بسم الله الرحمن الرحيم: لما وقفت على ما أمر به الصاحب الصدر
الكبير العالم الكامل العارف المحقق بهاء الدنيا والدين غياث الاسلام
والمسلمين أدام الله أيامه في عز مؤيد وفخر ممهد ومجد مجدد ونعمة قارة
العيون باسقة الغصون دارة الحلب حميدة المنقلب محروسة الجوانب مرصونة
من الشوائب وتأملت ما برز عنه من الألفاظ التي هي أعذب من الماء الزلال
وأطيب من الغنى بعد الاقلال فهي التي يعجز الطامع ببديعها ويعجب
السامع حسن جمعها وترصيعها فكأن الشاعر عناه بقوله:
ولا ذنب للأفكار أنت تركتها * إذا احتشدت لم ينتفع باحتشادها
تنوء بايراد المعاني والفت * خواطرك الألفاظ بعد شرادها
فان نحن حاولنا اختراع بديعة * حصلنا على مسروقها أو معادها
وليس بمستغرب تفرده ببديع النثر والنظم مع ما وهبه الله سبحانه من
جودة القريحة وقوة الفهم نسأل الله ان يديم لفضلاء الآداب ورؤساء الكتاب
ما كنفهم من ظله وشملهم من فضله وأباحهم من مراتعه وسوغهم من
شرايعه ليستمر نفاق سوقهم ويشمروا للاجتهاد فيه عن سوقهم، دلت
ألفاظه الكريمة على استدعاء ما يكون تذكرة لأهل الوداد وعهدا يجدد به ما
اخلقته يد العباد فعند ذلك أحببت ان ادخل فيمن سارع إلى امتثال أوامره
لأكون في جملة من شرفه بذكره وتخطره بخواطره - فأقول - ان الشعر من
أفضل مشاعر الأدب وأجمل مفاخر العرب. به تستماح المكارم وتستعطف
الطباع الغواشم وتشحذ الأذهان وتستل الأضغان ويستصلح الرأي الفاسد
وتستثار الهمم الجوامد لكنه عسر المطلب خطر المركب لافتقاره إلى أمور
غريزية وأخرى كسبية وهي شديدة الامتناع بعيدة الاجتماع فالمعتذر عن
التعرض له معذور والمعترف بالقصور عنه مشكور وقد كنت زمن الحداثة
أتعرض لشئ منه ليس بالمرضي فكتبت أبياتا إلى والدي رحمه الله اثني فيها
على نفسي بجهل الصبوة وهي:
ليهنك اني كل يوم إلى العلى * اقدم رجلا لا تزل بها النعل
وغير بعيد ان تراني مقدما * على الناس طرا ليس في الناس لي مثل
تطاوعني بكر المعاني وعونها * وتنقاد لي حتى كأني لها بعل
ويشهد لي بالفضل كل مبرز * ولا فاضل إلا ولي فوقه فضل
فكتب رحمه الله فوق هذه الأبيات ما صورته: لئن أحسنت في
شعرك لقد أسأت في حق نفسك اما علمت أن الشعر صناعة من خلع العفة
ولبس الحرفة والشاعر ملعون وان أصاب ومنقوص وان اتى بالشئ العجاب
وكأني بك قد أوهمك الشيطان فضيلة الشعر فجعلت تنفق ما تلفق بين
جماعة لم يعرفوا لك فضيلة غيره فسموك به وكان ذلك وصمة عليك آخر
الدهر ألم تسمع:
ولست ارضى ان يقال شاعر * تبا لها من عدد الفضائل
فوقف خاطري عند ذلك حتى كأني لم أقرع له بابا ولم ارفع له حجابا
وأكد ذلك عندي ما رويته باسناد متصل ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد
وبه رجل قد أطاف به جماعة فقال ما هذا؟ قالوا علامة، فقال: ما
العلامة؟ قالوا عالم بوقائع العرب وأنسابها واشعارها فقال عليه الصلاة
والسلام ذلك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، ومن البين ان
الإجادة فيه تفتقر إلى تمرين الطبع وصرف الهمة إلى الفكر في تناسب معناه
ورشاقة ألفاظه وجودة سبكه وحسن حشوه تمرينا متكررا حتى يصير خلقا
وكما أن ذلك سبب الاستكمال فيه فالاهمال سبب القصور عنه وإلى هذا
المعنى أشرت من جملة أبيات:
هجرت صوغ قوافي الشعر مذ زمن * هيهات يرضى وقد أغضبته زمنا
وعدت أوقظ أفكاري وقد هجعت * عنفا وأزعج غربي بعد ما سكنا
ان الخواطر كالآبار ان نزحت * طابت وان يبق فيها ماؤها اجنا
فاصفح شكرت أياديك التي سلفت * ما كنت اظهر عيبي بعد ما كمنا
ولمكان اضرابي عن نظمه واعراضي حتى ذكر اسمه لم يبق الا ما هو
حقيق ان يرفض ولا يعرض ويضمر ولا يظهر لكني مع ذلك أورد ما ادخل
به في حيز الامتثال وان كان ستره انسب بالحال فمنه:
وما الاسراف من خلقي واني * لأجزأ بالقليل عن الكثير

92
ولا أعطي المطامع لي قيادا * ولو خودعت بالمال الخطير
وأغمض عن عيوب الناس حتى * اخال بأن يناجيني ضميري
واحتمل الأذى في كل حال * على مضض وأعفو عن كثير
ومن كان الاله له حسيبا * أراه النجح في كل الأمور
ومنه:
يا راقدا والمنايا غير راقدة
وغافلا وسهام الدهر ترميه
بم اغترارك والأيام مرصدة * والدهر قملا الاسماع داعيه
اما ارتك الليالي قبح دخلتها * وغدرها بالذي كانت تصافيه
رفقا بنفسك يا مغرور من لها * يوما تشيب النواصي من دواهيه
وحسب تحصيل الغرض بهذا القدر فنحن نقتصر عليه ونستغفر الله
سبحانه وتعالى من فرطات الزلل وورطات الخلل ونستكفيه زوال النعم
وحلول النقم ونستعتبه محل العثار وسوء المرجع في القرار ومن أفضل ما
يفتتح به النظام ويختتم به الكلام ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من سلك طريقا
إلى العلم سلك الله به طريقا إلى الجنة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا خير في الحياة الا
لعالم مطاع أو مستمع واع، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: تلاقوا وتذاكروا وتحدثوا فإن
الحديث جلاء القلوب ان القلوب ترين كما يرين السيف وقال صلى الله عليه وآله وسلم لا يزيد في
العمر مثل الصدقة ولا يرد البلاء مثل الدعاء ولا ينور العبد مثل الخلق
الحسن ولا يذهب الذنوب الا الاستغفار والصدقة ستر من النار وجواز على
الصراط وأمان من العذاب، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا الأرحام يغفر لكم وتعاهدوا
المساكين يبارك لكم في أموالكم ويزاد في حسناتكم. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ان الله
سبحانه يقول اطلبوا الحوائج عند ذوي الرحمة من عبادي فإن رحمتي لهم، ولا
تطلبوها عند القاسية قلوبهم فان غضبي فيهم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: صنايع المعروف
تقي مصارع السوء، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من اقتصر من الدنيا على ما أحل له سلم
ومن اخذ العلم من أهله وعمل به نجا ومن أراد به الدنيا فهو حظه،
وكتب جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي اه، وفي كتابة أبيه إليه بما
مر دلالة على ما لأبيه من الرصانة وقوة الايمان فان العادة جارية في مثل
المقام ان يفرح الإنسان بما يراه من ولده من شعر أو فخر وغيره ويرى قليله
كثيرا ولكن أباه حمله نظره الصائب وايمانه القوي على زجر ولده عن الفخر
ونظم الشعر.
المراسلة بينه وبين الشيخ محفوظ بن وشاح
قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني: رأيت بخط الشهيد الأول في
بعض مجاميعه ان الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد كتب إلى
الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد أبياتا من جملتها:
أغيب عنك وأشواقي تجاذبني * إلى لقائك جذب المغرم العاني
إلى لقاء حبيب مثل بدر دجى * وقد رماه باعراض وهجران
ومنها:
قلبي وشخصك مقرونان في قرن * عند انتباهي وبعد النوم يغشاني
يا جعفر بن سعيد يا امام هدى * يا واحد الدهر من ما له ثاني
انى بحبك مغرى غير مكترث * بمن يلوم وفي حبيك يلحاني
فأنت سيد أهل الفضل كلهم * لم يختلف ابدا في فضلك اثنان
في قلبك العلم مخزون بأجمعه * تهدي به من ضلال كل حيران
وفوك فيه لسان حشوه حكم * تروي به من زلال كل ظمآن
وفخرك الشامخ السامي وزنت به * رضوى فزاد على رضوى وثهلان
فأجابه المحقق بهذه الأبيات:
لقد وافت قصائدك العوالي * تهز معاطف اللفظ الرشيق
فضضت ختامهن فخلت اني * فضضت بهن عن مسك فتيق
وجال الطرف منها في رياض * كسين بناضر الزهر الأنيق
فكم أبصرت من لفظ بديع * يدل به على المعنى الدقيق
وكم شاهدت من علم خفي * يقرب مطلب الفضل السحيق
شربت بها كؤوسا من معان * غنيت بشربهن عن الرحيق
ولكني حملت بها حقوقا * أخاف لثقلهن من العقوق
فسر يابا الفضائل بي رويدا * فلست أطيق كفران الحقوق
وحمل ما أطيق به نهوضا * فان الرفق انسب بالصديق
وكتب بعدها نثرا من جملته: ولست أدري كيف سوع لنفسه الكريمة
مع حنوه على اخوانه وشفقته على أوليائه وخلانه أثقال كاهلي بما لا يطيق
الرجال حمله بل تضعف الجبال ان تقله حتى صيرني بالعجز عن مجاراته
أسيرا ووقفني في ميدان محاورته حسيرا اه.
رثاؤه
في أمل الآمل لما توفي رثاه جماعة منهم الشيخ محفوظ بن وشاح فرثاه
بقصيدة منها:
أقلقني الدهر وفرط الأسى * وزاد في قلبي لهيب الضرام
لفقد بحر العلم و المرتضى * في القول والفعل وفصل الخصام
أعني أبا القاسم شمس العلى * الماجد المقدام ليث الزحام
أزمة الدين بتدبيره * منظومة أحسن بذاك النظام
شبه به البازي في بحثه * وعنده الفاضل فرخ الحمام
قد أوضح الدين بتصنيفه * من بعد ما كان شديد الظلام
بعدك أضحى الناس في حيرة * عالمهم مشتبه بالعوام
لولا الذي بين في كتبه * لأشرف الدين على الاصطلام
قد قلت للقبر الذي ضمه * كيف حويت البحر والبحر طام
عليك مني ما حدا سائق * أو غرد القمري ألفا سلام
جعفر بن حسين
ذكره القاضي أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن
جرادة الحلبي في شرح قصيدة أبي فراس الميمية المعروفة بالشافية فإنه حكى
فيه عن مروان بن أبي حفصة أنه قال أنشدت المتوكل شعرا ذكرت فيه
الرافضة فعقد لي على البحرين واليمامة وخلع علي اربع خلع في دار العامة
والشعر هو هذا:
لكم تراث محمد * وبعد لكم تنفى الظلامة
يرجو التراث بنو البنات * وما لهم فيه قلامه
والصهر ليس بوارث * والبنت لا ترث الإمامة
ما للذين تنحلوا * ميراثكم الا الندامة
اخذ الوراثة أهلها * فعلام لومكم علامه
لو كان حقكم لها * قامت على الناس القيامة

93
ليس التراث لغيركم * لا والاله ولا كرامه
أصبحت بين محبكم * والمبغضين لكم علامه
فرد عليه رجل يقال له جعفر بن حسين بهذه الأبيات وهي:
قل للذي بفجوره * في شعره ظهرت علامه
ويبيع جهلا دينه * لمضلل يرجو حطامه
من أين أنت لعنت أو * من أين اسرار الإمامة
أظننتها ارث النبي * فما أصبت ولا كرامة
ان الإمامة بالنصوص * لمن يقوم بها مقامه
كمقاله في يوم خم * لحيدر لما اقامه
من كنت مولاه فذا * مولاه يسمعهم كلامه
سل عنه ذا خبر به * فلتذهبن إذا ندامه
فهو الذي بحسامه * للنقع قد جلى قتامه
في يوم بدر إذ شكا * سادات مالككم صدامه
وانين والدهم وقد * منع النبي به منامه
ان الامام لديننا * من شاده وبنى دعامه
في كل معترك إذا * شب الوغى اطفى ضرامه
فتاح خيبر بعد ما * فر الذي طلب السلامة
تا الله لو وزن الجميع * لما وفوا منه القلامه
والمترجم متأخر ولم يكن في عصر المتوكل والله العالم متى كان عصره.
السيد أبو القاسم جعفر الصغير بن الحسين بن أبي القاسم جعفر الكبير بن
الحسين بن قاسم بن محب الله بن قاسم بن المهدي الموسوي الخوانساري
توفي سنة 1240
عالم فاضل يروي إجازة عن السيد الميرزا محمد مهدي بن أبي
القاسم الموسوي الشهرستاني الاصفهاني الحائري ويروي أيضا بالإجازة عن
السيد مهدي بحر العلوم وهو حفيد السيد أبو القاسم الكبير المار ترجمته
السيد أبو القاسم جعفر الصغير بن الحسين بن أبي القاسم جعفر الكبير بن
الحسين بن القاسم بن محب الله بن القاسم بن المهدي الموسوي الخوانساري
توفي سنة 1340
هو جد صاحب روضات الجنات كان عالما فاضلا له رسائل.
جعفر بن الحسين بن حسكة أبو حسين القمي
يروي عنه الشيخ الطوسي ويروي هو عن الصدوق، في أمل الآمل
: فاضل روى عنه الشيخ الطوسي من رجال الخاصة اه وفي منهج
المقال جعفر بن الحسين بن حسكة أبو الحسين القمي روى عن أبي جعفر بن
بابويه وروى عنه الشيخ الطوسي اه وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست
في ترجمة محمد بن علي بن الحسين بن بابويه فقال بعد ذكر مصنفاته أخبرنا
بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا إلى أن قال وأبو الحسين جعفر بن
الحسن بن حسكة القمي عنه اه هكذا في الفهرست ابن الحسن بدون ياء
وفي غيره ابن الحسين بالياء.
السيد جعفر ابن السيد حسين ابن السيد حسن ابن السيد حبيب آل زوين
توفي سنة 1305 في حضرة العباس بن علي (ع) بكربلا فجأة بعد
فراغه من أداء مراسم الزيارة وعمره 45 سنة ورثاه جماعة منهم الشيخ طاهر
الدجيلي والشيخ عبود قفطان وغيرهما.
كان شاعرا أديبا كريم النفس وفيه نظم السيد محمد سعيد الحبوبي
قصيدته التي أولها:
طرز خديك العذاران * تطريزة الورد بريحان
وقد هنأه فيها بعرس ولده الشيخ عبد الحسين وفيها يقول:
يا جعفر الفضل وبحر الندى * كفاك للوارد بحران
اتحفت في سيبك كل الورى * جنسين من انس ومن جان
تخرج المترجم في الأدب على الشيخ عباس الأعسم، وكان مقلا في
نظم الشعر، توجد من شعره مجموعة متوسطة الحجم عند حفيده السيد
علي، وفيها طائفة من قصائده ومقاطيعه ومفرداته وجلها في أهل البيت
(ع) ومديح أسرته ومطارحات أصدقائه.
من شعره
قال:
انا من كرام لم تزل * بالمجد خافقة العلم
عاشت بوكف أكفهم * سكان طيبة والحرم
ملكوا بحد سيوفهم * عرب المفاوز والعجم
فتحوا بمفتاح الكرامة * كل باب للكرم
قاموا بأعباء النبوة * والخلافة في الأمم
وقال:
لنا الشرف السامي الرفيع رواقه * يكاد علا يسمو السهى بالتسنم
لنا النسب الصافي الذي ينتمي بنا * إلى خير جد من فصيح واعجم
ونحن وأكناف السدير كأننا * سماء المعالي الغر صينت بأنجم
إذا ما رد يدنو إليها تساقطت * مفاصله في كل ابيض مخذم
محرمة ان يسحب الضيم ذيله * عليها وهل ضيمت عرينة ضيغم
بنينا بها مجدا رفيعا ومفخرا * غنمنا به والفخر أكبر مغنم
فتسقيه أيدينا ويحلم رأينا * ونشتم بالافعال لا بالتكلم
ولو لم تكن تمشي النمائم بيننا * لكنا بهذا الدهر غرة أدهم
وقال من قصيدة:
ذريني عن ملامك واعذريني * وعن اثلات نجد خبريني
يحق علي ان بخلت عليها * عيون السحب أمطرها جفوني
فلا قرت بي الأحلام يوما * ولا أسرجن لي ملس المتون
ولا نظرت حسان الغيد عيني * ولا هدأت بطيب كرى جفوني
لعمر أبي الذي للضيف ابدى * لسان النار في الغسق الدجين
تؤم به الوفود خفاف ثقل * فترجع وهي مثقلة المتون
لئن أضحت تسابقني رجال * لنيل المجد لا هدأت عيوني
وله في رثاء الحسين (ع):
شمر لنيل العلا عن همة شمخت * وعزمة جاز أدناها ذرى الشهب

94
لا تسأم العضب الممدوح عاقبة * قد جاء ان لذيذ العيش بالنصب
خض لجة الحرب لا تحجم فان بها * مجد لكل شريف واضح النسب
واصبر على السيف ان العمر منصرم * والفخر باق بقاء الدهر والكتب
اما سمعت بيوم الطف إذ فخرت * به بنو هاشم البطحا على العرب
لما أبوا ان يحل الضيم ساحتهم * تنمروا للقاء الموت والنوب
كم لمة للمنايا شاب مفرقها * قد خضبوها دما لا بالدم الكذب
وغمرة أحجمت من دونها أسد * جثوا بلجتها غضبى على الركب
حتى حموا بمواضيهم رواق على * قد ضم بنت نبي أو وصي نبي
سل عنهم الطف هل زلت لهم قدم * عند الطعان بخطي القنا السلب
فاستقبلوا الموت زحفا لم يكن لهم * الا المنية والعلياء من ارب
لله تلك الوجوه المسفرات بها * يستدفع الخطب قد باتت على الترب
لم انس مذعورة كانوا الحجاب لها * ما بين أعدائها مهتوكة الحجب
نادت ويا ليت إذ نادتهم سمعوا * من عتبها ما رمى الأحشاء بالعطب
ايا حماة رواق العز نسوتكم * تطوي السباسب فوق الهزل النجب
عتبت لو أن غير الموت خان بكم * لكنما ليس بعد الموت من عتب
وله من حسينية أخرى:
حماة الحمى يا بني هاشم * إذا الخيل شنت عليه المغارا
واسد الكريهة ان أضرمت * بها شفرات المواضي شرارا
خباؤكم في عراس الطفوف * به أسعرت آل سفيان نارا
ونسوتكم فوق عجف المطا * تؤم ديارا وتطوى قفارا
وتدعوكم حيث لا سامع * يجيب نداء النساء الحيارى
وآل زوين من أشهر السلالات العلوية ينتهي نسبهم إلى عبد الله
الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الإمام زين العابدين (ع). وأول من انتقل
منهم إلى الحيرة وشرع في عمارتها وغرسها: السيد حسن، انتقل إليها من
الرماحية سنة 1217.
الشيخ جعفر بن الحسين بن الحسن بن علي الشوشتري النجفي
توفي ليلة 20 صفر سنة 1303 وكانت وفاته في كرند ويقال اكرنت
عائدا من إيران إلى النجف الأشرف فحمل نعشه من كرند إلى النجف فدفن
بها في الصحن الشريف في أول حجرة من الساباط مما يلي تكية البكتاشية
على يمين الداخل.
كان عالما من أعلام العلماء فقيها واعظا له شهرة واسعة واشتهر
بالوعظ والخطابة وكانت تجتمع الألوف تحت منبره لسماع مواعظه أصله من
شوشتر - تستر - وبها ولد وسكن أبوه الكاظمية وتوطنها وله بها دارا فقرأ
ولده الشيخ جعفر على علماء الكاظمية واختص أخيرا بالشيخ إسماعيل بن
الشيخ أسد الله التستري الكاظمي وشارك في الدرس الشيخ محمد حسن آل
ياسين الكاظمي الفقيه الشهير ويقول بعض أهل العصر كانا كفرسي رهان
وما أشبههما بصاحبي المدارك والمعالم اه وقرأ المترجم على الشيخ عبد النبي
الكاظمي علمي المعاني والبيان وكثيرا من العلوم العربية وقرأ على الشيخ
إسماعيل المذكور شرح المختصر للعضدي في أصول الفقه حتى إذا جاء
الطاعون سنة 1246 رحلا معا إلى ششتر فرارا من الطاعون ثم جاءوا إلى
كربلاء وحضرا على صاحب الفصول وشريف العلماء في علم الأصول وقرأ
المترجم على السيد إبراهيم الموسوي القزويني صاحب الضوابط ثم رحلا إلى
النجف الأشرف وقرءا على صاحب الجواهر وقرأ المترجم على الشيخ علي
ابن الشيخ جعفر، ثم توجه المترجم إلى تستر في حدود 1255 ثم رجع إلى
النجف وحضر درس الشيخ مرتضى الأنصاري مدة من الزمان ثم رجع إلى
تستر رئيسا مطاعا مرجعا في التقليد والاحكام وكتب رسالته المعروفة بمنهج
الرشاد بالفارسية واخذ في الوعظ في شهر رمضان وغيره ونبغ في ذلك بحيث
لم يعهد له نظير وترتب على وجوده اثار جليلة ولما ولي عربستان حشمة
الدولة ابن ناصر الدين شاه استجار أحد المجرمين بالحسينية التي بناها
الشيخ بتستر وكانت حمى فأمر الشاه زاده باخذ ذلك المجرم من الحسينية
فاخذ، فلما علم الشيخ غضب لله وأمر باغلاق الحسينية وخرج بأهله
وعياله إلى النجف فأقام به وكان له من المقام الأسنى فيه من حيث التدريس
وامامة الجماعة وطلب منه السلطان الرجوع إلى تستر وارسل الاشراف
والأعيان يطلبون منه ذلك فلما كانت سنة 1302 سافر لزيارة الرضا عليه
السلام فورد طهران واستقبل استقبالا عظيما وصلى بالناس في أعظم
مساجدها وصعد المنبر ووعظهم ومضى إلى خراسان وعاد إلى طهران وهو
كذلك يصلي ويعظ ويمشي بين يديه الامراء والوزراء يمنعون عنه ازدحام
الناس وحصل من وعظه هداية كثير من الناس ولم يقبل شيئا مما أهدي اليه
ثم خرج متوجها إلى العراق حتى ورد اكرنت من أعمال كرمانشاه فتوفي
هناك في 20 صفر سنة 1303 وحمل إلى النجف كما مر وفي تلك السنة توفي
عدد كثير من العلماء منهم ابن عم والدنا السيد كاظم الأمين العاملي والسيد
علي ابن عمنا السيد مهدي بالعراق والشيخ عبد الله آل نعمة العاملي في
جبل عامل.
مشايخه
علم مما مر انه قرأ في الكاظمية على الشيخ عبد النبي الكاظمي وعلى
الشيخ إسماعيل ابن الشيخ أسد الله التستري وفي كربلاء على صاحب
الفصول وشريف العلماء وصاحب الضوابط وفي النجف على الشيخ علي ابن
الشيخ جعفر، وصاحب الجواهر، والشيخ مرتضى الأنصاري.
تلاميذه
قرأ عليه الميرزا محمد بن عبد الوهاب بن داود الهمذاني الكاظمي
الملقب امام الحرمين واستجاز منه.
مؤلفاته
(1) الخصائص الحسينية مطبوع وترجمها إلى الفارسية السيد محمد
حسين الشهرستاني (2) منهج الرشاد في الفقه فارسي رسالة عملية مطبوعة
قال بعض من رآها لم يكتب مثلها تدل على تبحره في الفقه ومهارته (3)
مجالس البكاء خمسة عشر مجلسا (4) فوائد المشاهد ثمانون مجلسا فارسي
وهو مجموع مواعظه، كتبه من املائه المولى محمد بن علي الأشرف الطالقاني
النجفي ثم رتبه مجالس وهذبه وذكر في آخره طريق روايته مطبوع (5)
رسالة في أصول الدين (6) رسالة في واجبات الصلاة.
مراثيه
رثاه جماعة من الشعراء منهم السيد إبراهيم الطباطبائي الشاعر

95
المشهور رثاه بقصيدة أشار فيها إلى تناثر النجوم الذي حصل سنة وفاته
مطلعها:
ما للمنون تهب في قنواتها * أدرت بمن أردت بصدر قناتها
من زلزل الطود الأشم ودكه * دكا يحط الطير عن وكناتها
من غادر الاسلام منخفض الذرى * والمسلمين تعج في أصواتها
من غال شمس الأفق في آفاقها * من راع أسد الغاب في غاباتها
ومن استنزل النجم عن أبراجها * واستنزل الأقمار من هالاتها
فرست - باكرنت - القروس فحق لو * شاهت وجوه الفرس من شاهاتها
وفيها يقول:
لسب العقارب لا لسبق عداوة * ان العقارب لسب من ذاتها
وممن رثاه السيد جعفر الحلي بقصيدة أولها:
قف بالمنازل سائلا ما بالها * ذهبت بشاشتها وغير حالها
يقول فيها:
ولتسعدي يا عين ملة احمد * فلقد توارى حسنها وجمالها
فكأنما شفتاه كن كنانة * رميت فلم تخط القلوب نبالها
لمن المشالة والرقاب تقلها * عظمت مهابتها وعز جلالها
والى تناثر النجوم أيضا أشار بقوله:
أو ما رأيت الشهب كيف تهافتت * والأرض أفزع أهلها زلزالها
ذا صاحب الكف التي ديم الحيا * تمتار منها والأنام عيالها
تأتي وفود العلم باب جلاله * فيطول فيه جوابها وسؤالها
يتشاجرون بكل مشكلة فان * أعيت يرد لرايه اشكالها
السيد أبو القاسم جعفر الكبير بن الحسين بن قاسم بن محب الله بن المهدي
الموسوي الخوانساري
ولد بأصفهان سنة 1090 وتوفي في 13 ذي القعدة الحرام سنة
1158 بقرية قورجان من قرى جرفادقان من توابع خوانسار ودفن بظاهر
تلك القرية بجانب الطريق وكان يسكنها في حياته.
ذكره صاحب روضات الجنات فقال ما حاصله بعد حذف ما اعتاده
وعرفه الكل من عباراته: هو جد جد مؤلف هذا الكتاب من قبل أبيه -
لان صاحب الروضات هو محمد باقر بن زين العابدين بن أبي القاسم جعفر
الصغير بن حسين بن أبي القاسم جعفر الكبير بن الحسين بن القاسم بن
محب الله الخ - كان من العلماء العاملين والفقهاء الكاملين والأدباء الماهرين
والزهاد الأتقياء ونقاد الرجال والاخبار وحفاظ السير والآثار وكان جيد الخط
جدا قرأ بأصفهان على علمائها ولما حصلت فيها فتنة الأفغان انتقل إلى
حدود خوانسار وجرفادقان فالتمس منه أهلها الإقامة بينهم فأجابهم وكانت
بينه وبين السيد صدر الدين القمي شارح الوافية الأصولية مؤاخاة وصداقة
تامة يحكى انه كان إذا شرع أحدهما في الصلاة اقتدى به الآخر.
مشايخه
كان قد تلمذ في مبدأ امره مدة على العلامة المجلسي ويحكى انه كان
يريد حضور مجلس درسه فيمنعه الحياء لأنه غير ملتح فبلغ بعض حرم
الصفوية وكأنها المسماة مريم بيگم صاحبة المدرسة المعروفة بأصبهان
فأرسلت اليه دواء ينبت الشعر فاستعمله ونبتت لحيته وحضر مجلس درس
المجلسي ويعبر عن المجلسي بشيخي الأعظم وأستاذي الأفخم ويروي عنه
أيضا بواسطة وبغيرها وممن قرأ عليه كثيرا وروى عنه خاله الآقا حسين بن
الحسن الجيلاني المتكلم الفقيه ويعبر عنه بخالي العلامة وأستاذي ومن إليه
في جميع العلوم استنادي ويروي عن المولى محمد صادق ابن المولى محمد
التنكابني المعروف بسراب ويروي عن جماعة من فضلاء النجف الأشرف.
مؤلفاته
(1) مناهج المعارف كتاب كبير في أصول الدين (2) كتاب في
الزكاة مبسوط (3) آخر اخصر منه (4) كتاب في الحج مبسوط (5)
رسالة في عينية صلاة الجمعة في زمان الغيبة يرد بها على الآقا جمال
الخوانساري (6) مصباح مختصر في الأدعية النادرة المعتبر عنده المجربة له
عمله بالتماس كثير من فضلاء خوانسار ذكر أسماءهم في خطبته (7)
تعليقات لطيفة على الذخيرة في الفقه (8) تتميم الافصاح في ترتيب
الايضاح - اي ايضاح الاشتباه للعلامة (9) شرح دعاء السحر برواية أبي
حمزة الثمالي (10) قصيدة ميمية خالية عن الألف والهمزة تزيد على ثلاثة
آلاف بيت في الآداب والحكم الشرعية.
السيد الأمير جعفر الحسيني الهروي المشهدي
ذكره السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في ذيل
اجازته الكبيرة فقال: عالم فاضل لغوي نحوي كثير الحفظ والتتبع متوقد
الذهن يروي عن الميرزا عبد الله الأفندي واستجازه والدي فأجازه وذلك لما
قدم الينا سنة 1136 وهو شاب حدث السن ولبث عندنا مدة مديدة لا
أفارقه ليلا ولا نهارا مع جماعة من أترابنا المشتغلين ثم اجتمعت به في قصبة
بروجرد وكان مقيما بها إلى سنتنا هذه فحدثت فيها فتنة أجلت الناس من
المساكن والمرابع وتركت الديار من أهلها بلاقع وخرجوا هاربين على
وجوههم ومنهم الأمير جعفر ولا يدرى أين توجه سلمه الله أينما كان.
جعفر بن حكيم بن عباد الكوفي
في لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة من الرواة عن أبي
جعفر الباقر عليه السلام اه ولا ذكر له في كتب الطوسي وكأنه وقع تحريف
في اسمه والله أعلم.
جعفر بن حمدان الحضيني
في التعليقة يظهر من رواية في كتاب كمال الدين جلالة قدره. وذكر
الصدوق عن محمد بن أبي عبد الله الأسدي أن ممن رأى القائم عليه السلام
ووقف على معجزاته من أهل همذان جعفر بن حمدان اه وذكر أيضا من أهل
الأهواز الحضيني والرواية التي أشار إليها هي ما رواه الصدوق في كمال
الدين أن رسول القائم المنتظر الذي أخذ علي بن مهزيار وإبراهيم بن
علي بن مهزيار إلى القائم قال لابن مهزيار من أي البلاد أنت؟
فقال: رجل من أهل العراق. قال: من أي عراق؟ قال: من الأهواز
قال: مرحبا بلقائك هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحضيني؟ قال: دعي
فأجاب، قال: رحمة الله عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله وفي خبر آخر
ما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته اه.

96
السيد أبو يحيى جعفر بن أبي الحسين حمد بن محمد حسن بن أبي محمد
عيسى بن كامل بن منصور بن كمال الدين بن منصور بن زويع بن منصور بن
كمال بن محمد بن منصور بن أحمد بن نجم بن منصور بن شكر بن أبي
محمد الحسن الأسمر ابن النقيب شمس الدين أحمد ابن النقيب أبي الحسن
علي بن أبي طالب محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين النسابة ابن أحمد
المحدث ابن عمر بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الحسيني الحلي النجفي الشاعر
المعروف بالسيد جعفر الحلي.
ولد يوم النصف من شعبان سنة 1277 في قرية من قرى العذار
تعرف بقرية السادة وتوفي فجأة في النجف الأشرف في شعبان لسبع بقين منه
سنة 1315 ودفن هناك.
كان فاضلا مشاركا في العلوم الآلية والدينية أديبا محاضرا شاعرا قوي
البديهة حسن العشرة رقيق القشرة صافي السريرة حسن السيرة، مدح
السلاطين والعلماء فمن دونهم ونال جوائزهم وله ديوان شعر مطبوع اسمه -
سحر بابل وسجع البلابل - جمعه بعد وفاته أخوه السيد هاشم وقد ضاع
كثير من شعره الذي كان ينظمه على البديهة من الأبيات القليلة. رأيناه في
النجف وكان شريكنا في الدرس عند الفقيه الشيخ محمد طه نجف وقرأ
أيضا على الشيخ ميرزا حسين ابن ميرزا خليل وتوفي ونحن في النجف ورثاه
الشعراء ومنهم الشيخ محمد السماوي صاحب الطليعة بقوله من قصيدة:
أي فؤاد عليك ما احترقا * وأي دمع عليك ما اندفقا
يا راحلا والكمال يتبعه * ما أنت إلا الهلال قد محقا
بكى عليك القريض منفجعا * وانفجع الفضل فيك محترقا
قال واريته بعد موته في دارنا بالسماوة فقبضت على ابهام يده اليمنى
وسألته عن حاله فضج وقال: هذا وأنت تدعي المودة فتراخيت عن قبضها
إلى ظفرها وسألته ثانيا بخجل فقال أما نحن أصحاب السيد مهدي
القزويني فكلنا من أهل الجنة، أو الخير - الشك مني - وانتبهت. وفي
الطليعة أنه هنأ السيد إبراهيم الطباطبائي في عرس ولده السيد حسن
بقصيدة فريدة وهنأته أنا بقصيدة أولها:
أطلع ساقي الكاس والليل داج * شمس الحميا من سماء الزجاج
ثم سافرت أنا والسيد جعفر لزيارة الحسين عليه السلام فكتب إلي
السيد إبراهيم قصيدة يفضل فيها قصيدتي على قصيدة السيد جعفر أولها:
أهل أنت سقيت المنازل بلقعا * معاهد اقوت بالغميم وأربعا
يقول فيها:
ورب القوافي السائرات كأنما * أعاد بها عادا واتبع تبعا
فانى تجاري أو يشق غبارها * وقد وقفت عنها المجارون ظلعا
فأخفيتها عن السيد جعفر وكتبت له الجواب مجاريا بقولي:
إلا حي من أجل الأحبة مربعا * غدا بعد ما شطت اهاليه بلقعا
فاطلع السيد جعفر على القصيدتين من حيث لا أدري وكتب إلى
السيد إبراهيم يقول:
أيا أخوي السائلي حكومة * إذا كنتما حكمتماني فاسمعا
محمد قد جلى بحلبة شعره * سباقا وإبراهيم يشكو التظلعا
تخلف عن مجرى السماوي عاثرا * فلا دعدعا للعاثرين ولا لعا
وأصبح كالمبهوت في آخر المدى * إذا أبصر المجتاز يسأله الدعا
فغضب السيد إبراهيم وجعل يهجونا معا بأبيات في ديوانه - قلت ولم
أعثر عليها لأثبتها ولعلها أسقطت منه - قال وأخذت مسبحة يسر من
المترجم أعطاه إياها بعض الحجاج فكتب إلي:
محمد يا أخا ودي وأنسي * ويا من فيه هم القلب يسرى
تسير نحوكم غرر القوافي * فيدلج بالثناء لكم ويسرى
إذا ما الممحل استجدى نداكم * تيقن أن بعد العسر يسرا
أعد لي يا فداك أبي وكفر * يمينك سبحة سوداء يسرا
وما تبغي بسودا همت فيها * وكم قلبتها يمنى ويسرى
ومحاسنه ونوادره كثيرة اه.
وله مؤرخا ولادة السيد صالح ابن السيد مهدي البغدادي وليست في
ديوانه المطبوع:
الا بشراك يا مهدي بابن * يلوح على مخايله السعود
وآمل أن يسود الناس طرا * كما كانت أوائلكم تسود
به عم الأنام جديد خير * فارخنا أنى الخير الجديد
وقال مؤرخا ولادة أخيه السيد شمس الدين وليست في ديوانه
لك المنة العظمى على ما منحتنا * بقرة عين طاب فيه لنا المحيا
لقد سرت العليا بمولد سيد * بدا زاهيا كالخال في وجنة العليا
وأشرقت الأيام في شمس ديننا * سرورا فأرخنا أضاءت به الدنيا
وأرسل هذه الأبيات إلى إمام اليمن المتوكل على الله يحيى حميد الدين
ثم جعلها في مدح الميرزا الشيرازي وزاد عليها أبياتا كما فعل في كثير من
غيرها وهي هذه
مر وانه وأحكم فأنت اليوم ممتثل * والأمر أمرك لا ما تأمر الدول
عنك الملوك انثنوا وما علموا * أأنت زدت علوا أم هم سفلوا
نجاة ذي التاج أن يعطيك مقوده * لأمه أن عصاك الثكل والهبل
من كان في حكمه بالله منتصرا * فلا تقابله الأنصار والخول
فعش فريدا بلا مثل تقاس به * لكن بطشك فيه يضرب المثل
إن كان للناس أقوال بلا عمل * فأنت أسبق من أقوالك العمل
يمناك قد خصها الباري بأربعة * لها الدعا والندى والبطش والقبل
هي السحاب فنهنه بعض صيبها * تخشى إذا اتصلت أن تقطع السبل
ما الروس والفرس يوما كابن فاطمة * ولا كملته الأديان والملل
فكم له من يد في العين يشكرها * بها تحدثت الركبان والإبل
الدولة اليوم في أبناء فاطمة * بشرا فقد رجعت أيامنا الأول
قد جانب البخل حتى ما توهمه * كأن عقيدته لم يخلق البخل
لم تمحل الناس ما دامت مواهبه * وكيف يجتمع الوسمي والمحل
يهزنا أن سمعنا مدحه طرب * كأنما مدحه في سمعنا غزل
فأجاب امام اليمن بما صورته: الأخ الأديب العالم العلامة النحرير
السيد جعفر الحلي النجفي نفعنا الله تعالى بعلومه وتقواه وحفظه من فوقه
وقدامه.. ووراه نعم يا أخي قد وصلت أبياتكم الرائعة المشتملة على

97
المعاني الفائقة لله در قريحة نظمت ويد صاغت والتواصي بتقوى الله والدعاء
إلى الله والعلم الخالص لوجه الله مما يشوبه من التخليط لا سيما علم أصول
الدين والله يجمع القلوب على رضاه والسلام عليكم ورحمة الله. وفيها
يقول:
بيض الظبا وصدور الخيل والأسل * يصلحن ما أفسد الأوغاد والسفل
هبت لنا نسمات الشوق من نجف * حنت لها صافنات الخيل والإبل
يا ناظما من بني الزهراء هيج من * شوقي إلى نصر ما جاءت به الرسل
نظما يطاطئ سحبان لرقته * ويحتذي ما احتذاه المسك لا الجعل
وينثني عنه عجزا أن يماثله * كما النعامة لا طير ولا جمل
ذكرتنا من بني الزهراء أنهم * قوم لهم نصرة الاسلام والدول
لكنهم قعدوا عنها وما اجتهدوا * وطالما رقدوا فاعتاقهم دخل
وضيعوا سنن الآباء وادرعوا * درع السلامة وهو الحتف لو عقلوا
وشاركوهم على ظلم الحقير وطر * د المستجير وعن حكم الحجى غفلوا
ما كل ذي مخلب صقر ولا سبع * كلا ولا رجل يعتاضه رجل
لذاك واخيت وحش القفر منتصرا * بالله والجيش أثر الجيش متصل
يا غارة الله حثي السير مسرعة * لحل ما عقد الأوباش والسفل
وعن قريب وقد زال الصداء عن * القلوب وانبعثت أيامنا الأول
وأسلم ودم في نعيم لا يقاومه * شر ولا عاقه في نحسه زحل
وأرسل إلى السيد محمد القزويني مضمنا بعض شطور من قصيدة
السيد حيدر الحلي على سبيل الهزل وهي في ديوانه المطبوع سوى البيتين
الرابع والخامس
لي زوجة كان أخو أمها * يحسن في حالي وفي حالها
يهدي لنا العنبر من رزه * والجوع لا يخطر في بالها
والعام نالت زرعه حمرة * فاحترق العنبر من خالها
لما رأت قوتي لم يكفها * فرت لأهليها بأطفالها
كتبت أن زوري عليا فما * ردت جوابي وهي في آلها
إذا درت أنك واصلتني * زارت على رقبة عذالها
فأجابه السيد محمد القزويني يقول:
أكتب لها تقبل على سرعة * واقتبل العمر باقبالها
ماشية تطرب من مشيها * لكن على رنة خلخالها
والكل منا لك يحبو غنا * فاستغن من مالي ومن مالها
وقال:
لي قلم أخرس لكنه * ينطق عن معجم أفكاري
بريته حيا ولكنه * ما أحسن الشكر إلى الباري
حتى غدا رزقي به ضيقا * كأنه من شقه جاري
وقال:
ولست بشاعر بالشعر فخري * ولكن ليس لي عنه محيص
وبحر العلم يشهد أن فكري * على استخراج لؤلؤة يغوص
واتبع شاردات العلم وهنا * كما يتبع الصيد القنيص
وله رجل اسمه - مجهول - من شيوخ العرب المعروفين بالمعدان واحده
معيدي إضافة فلم يعرفه فلم يقم في ضيافته بما يجب فقال:
عن المغروز مجهول سمعنا * حديث الجود عن عمرو وزيد
فجئت فلم أجد من ذاك شيئا * فصح القول تسمع بالمعيدي
ولست بخازن عنه لساني * ولو قيدتني في ألف قيد
فأرسل إليه مقدارا عظيما من الأرز واعتذر إليه، ومن ملحه قوله:
إن عيشي بالحوبش * ضيق أقبح عيش
بين عباس خميس * وعلي بن رفيش
وقال يخاطب الفاضل الشرابياني ملا محمد وهو على المنبر بعد الفراغ
من الدرس ارتجالا على سبيل المطايبة:
أشيخ الكل قد أكثرت بحتا * بأصل براءة وباحتياط
وهذا فصل زوار وسرط * فباحثنا بتنقيح المناط
وقال فيه أيضا:
للشربياني أصحاب وتلمذة * تجمعوا فرقا من هاهنا وهنا
ما فيهم من له بالعلم معرفة * يكفيك أفضل كل الحاضرين أنا
وتزوج أحد أصدقائه فلم يزره مباركا له في العرس فكتب إليه
الصديق مداعبا:
شروط الحب نحن بها وفينا * وأنتم ما وفيتم بالشروط
صددت فلم تبارك لي بعرس * لخوفك سوء عاقبة النقوط
فأجابه بقوله:
الا قل للذي قد قال فينا * بانا ما وفينا بالشروط
ولم يعهد لنا ذنب إليه * سوى تأخير إرسال النقوط
نقوط الطفل إرسال الهدايا * له والشيخ إرسال الحنوط
ألا فاقنط فما لك يا ابن ودي * نقوط عندنا غير القنوط
وكتب إلى بعض المشايخ يشكو من عدم دعوته إلى وليمة:
أشكو إلى الشيخ اني ما دعيت إلى * وليمة حار فيها فكر بقراط قد
حلاوا الأسد الهدار واصطحبوا * من الورى كل عفاظ و...
أيديهم بالبواطي اليوم قد شغلت * والعبد أفرع من حجام ساباط
تدعوا الطهاة إذا ساطوا بقدرهم * هل لحمة عندكم يا خير سواط
لا در در الطفيلين أنهم * سعوا لحج البواطي سبع أشواط
وقال في رئيسي النجف: السيد محمد الطبطائي والسيد محمد
القزويني:
شتان بين محمد ومحمد * ذا طبطبائي وذا قزويني
أنا أعرف الرجل المهذب منهما * بالله لا تسأل عن التعيين
وقال يرثي ابن عم والدي السيد كاظم ابن السيد أحمد الحسيني
العاملي النجفي وقد توفي سنة 1303 في بغداد ونقل نعشه إلى النجف
الأشرف. ويعزي عنه السيد محمد والسيد علي ابني عمنا السيد محمود
وذكرناها وإن كانت في الديوان المطبوع لأن جامعه لم يشأ أن يصرح بمن
قيلت فيه لأمر نجهله واقتصر على قوله وله في رثاء بعض السادات
يا عيين أن تغر العيون ففوري * واسق البطاح بدمعك المهمور
فلقد فجعت بنور آل محمد * والعين يفجعها افتقاد النور
عصفت على الشرع الشريف ملمة * نسفت قواعد بيته المعمور

98
بكر النعي إلى الغري فراعنا * بل راع جانب حيدر يبكور
فترى الأنام لهول ما قد قاله * من عاش رعبا ومن مذعور
فكأن إسرافيل بكر معلما * وكأنما قد حان نفخ الصور
حلت بها شم نكبة لو أنها * بثبير لانثلت عروش ثبير
قاد الحمام أميرها الصعب الذي * مذ كان ما انقادت لحكم أمير
وتخاذلت عنه ولا من ذابل * يثنى ولا من صارم مشهور
وغدت تميل من الكآبة ارؤسا * لم تعط إلا نفثة المصدور
يا آل هاشم الذين سيوفهم * لم تثن إلا عن دم مهدور
نسر المنية كيف أنشب ظفره * فيكم فاقلع دامي الأظفور
يا غلب غالب قد عذرتك فانثني * ما دفعك المقدور بالمقدور
حي لها شم قد تداعى سوره * والحي مطمعة بدون السور
كسر الزمان جناحها فترعرعت * بنهوضها كترعرع المكسور
أودى أخو العزمات ناظم عقدها * فتناحبت عن لؤلؤ منثور
لو أن بنت طريف تفقد مثله * ما عاتبت شجرا على الخابور
مما أصاب فؤادها من محرق * يبقي نضير الدوح غير نضير
أعلي أن الكرخ بابنك كاظم * تالله قد ضاءت بأكمل نور
وترى قلوص الزائرين بحيه * تفري حشا البيدا لخير مزور
لم يلثم المحزون ترب جنابه * إلا وبدل حزنه بسرور
وتميت طلعته الدجى لكنه * يحييه بالتهليل والتكبير
لكن هذا الدهر خافر ذمة * لم يرضه إلا بوار الدور
أردى بنيك وغالهم بعميدهم * من كان عز لوائها المنثور
فلاعتبن على حماك وقربه * كم قد حوى من عالم نحرير
أفدي الذي بلغ العلى في مجده * و سمى السها في علمه الأكسير
ذا ميت نشرته كف محمد * طوبى له من ميت منشور
يهني المكارم أن في آفاقها * قمرين قد خلقا بغير نظير
فمحمد وعلي من أكفائها * خلقا لها وكلاهما من نور
الراقيان إلى العلى حتى لقد * نفذا وراء حجابها المستور
عبرا على نهر المجرة رفعة * وتخطيا شعري السما بعبور
يا سادة أمن الأنام بحبهم * في القبر صولة منكر ونكير
أنا في الخطايا موقر لكن أرى * حبي لكم ضربا من التكفير
يشفى لديغ الجهل بين بيوتكم * برقى التعلم لا رقى المسحور
فلتقبلوها من لساني قالة * تبدي لكم عذري من التقصير
إن لم أجد بنظامها فمصابكم * بقيت به الشعرا بغير شعور
جعفر بن حيان الصيرفي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. ثم ذكر
فيهم جعفر بن حيان الصيرفي أخو هذيل وفيهم أيضا جعفر بن حيان
الكوفي. وفي رجال الكاظم عليه السلام جعفر بن حيان واقفي هكذا عن
بعض النسخ وبعضها خال منه ولكن الذي في الخلاصة جهيم بالجيم
المضمومة ابن جعفر بن حيان واقفي وفي رجال ابن داود عن رجال الشيخ
جهيم بن جعفر بن حيان واقفي و ح ء فوجود جعفر بن حيان الواقفي
لم يتحقق وانما الواقفي ابنه. وفي التعليقة جعفر بن حيان أخو علي بن
حيان الصيرفي واخوه الآخر هذيل وسيجئ في ترجمته ما يشير إلى معروفيته حيث
اخذه الصدوق معرفا لأخيه هذيل وفي نسخة الفقيه حنان بالنون فلا يبعد ان
يكون الياء سهوا ومر جعفر بن بزاز بن حيان الهاشمي مولاهم الصيرفي
تأمل اه والذي أشار إليه هو أن الشيخ في رجاله قال في أصحاب الصادق
عليه السلام علي بن حيان الصيرفي وأخوه جعفر وذكر في التعليقة في هذيل بن
حيان ان الصدوق في الفقيه في باب الدين قال روى الحسن بن محبوب عن
هذيل بن حيان أخي جعفر بن حيان الصيرفي قال قلت لأبي عبد الله عليه
السلام إني دفعت إلى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفقته وأحج عنه
وأتصدق وقد سالت من عندنا فذكروا أن ذلك فاسد لا يحل وأنا أحب أن
أنتهي في ذلك إلى قولك، فقال إلى أن قال: فإذا قدمت العراق فقل
جعفر بن محمد أفتاني هذا. وفي التهذيب ابن محبوب عن هذيل بن حنان أو
أخيه جعفر بن حنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني دفعت الحديث
اه‍. وفي لسان الميزان: جعفر بن حيان الكوفي الصوفي روى عن جعفر
الصادق روى عنه أخوه هذيل بن حيان وأبو علي الحسن بن محبوب وغيرهما
ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه‍ والصوفي تصحيف الصيرفي وابن محبوب
إنما روى عن أخيه هذيل عنه ولم يرو عنه بلا واسطة كما سمعت. وفي
لسان الميزان أيضا: جعفر بن حيان الفارقي روى عن جعفر الصادق ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه والفارقي الظاهر أنه تصحيف الواقفي كما
يعلم مما مر وهو يؤيد أن الموجود في رجال الشيخ جعفر بن حيان لا
جهم بن جعفر بن حيان.
جعفر خان
في آثار الشيعة الإمامية عن كتاب تاريخ القطبشاهية انه عده من
الأمراء المعاصرين لعالمكيرشاه محمد أورنك زيب.
الميرزا جعفر خان
فاضل ماهر له بديع الحساب أو بديع البديع في الحساب مطبوع.
الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر ابن الشيخ يحيى المالكي الجناجي النجفي
الفقيه المشهور
ولد في النجف في حدود سنة 1154 أو 46 كما وجدنا كليهما في
بعض القيود وتوفي يوم الأربعاء عند ارتفاع النهار في 22 أو 27 رجب سنة
1228 كما في مستدركات الوسائل أو 27 كما في روضات الجنات ويدل عليه
ما قيل في تاريخ وفاته - العلم مات بيوم فقدك جعفر - سنة 1227 ودفن في
تربته المشهورة في محلة العمارة بالنجف.
(والمالكي) نسبة إلى بني مالك إحدى قبائل العراق وهم المعروفون
الآن بآل علي وهم طائفة كبيرة بعضهم الآن في نواحي الشامية وبعضهم في
نواحي الحلة وفي كتاب أنساب القبائل للسيد مهدي القزويني بنو مالك في
العراق اسم لبني زريق وبني علي والعوابد وبني الحسناء اه ويقال انهم
ينتسبون إلى مالك الأشتر وإلى ذلك أشار السيد صادق الأعرجي النجفي
المعروف بالفحام بقوله من قصيدة يرثي بها الشيخ حسين أخا المترجم:
يا أيها الزائر قبرا حوى * من كان للعلياء إنسان عين
يا منتمي فخرا إلى مالك * ما مالكي الاك في المعنيين
وقال الشيخ صالح التميمي من قصيدة يهنئ بها الشيخ محمد سبط
المترجم بتزوجه بإحدى بنات أحد رؤساء آل مالك الذين كانوا في الدغارة:
رأي درة بيضاء في آل مالك * تضئ لغواص البحار ركوب
رأي أنه أولى بها لقرابة * تضمنها أصل لخير نجيب

99
(والجناجي) نسبة إلى جناجية أو جناجيا بجيم مفتوحة ونون والف
وجيم مكسورة مثناة تحتية مفتوحة وهاء والف قرية من أعمال الحلة واصلهم
من آل علي المقيمين فيها وأصل اسمها قناقيا ويلفظها العرب جناجيا على
قاعدتهم في إبدال القاف جيما ولذلك نسبه السيد محمد الهندي في نظم
اللآلئ (القناقناوي)
أقوال العلماء فيه
قال تلميذه صاحب مفتاح الكرامة في مقدمة كتابه: الامام العلامة
المعتبر المقدس الحبر الأعظم وفي روضات الجنات: كان من أساتذة الفقه
والكلام وجهابذة المعرفة والأحكام معروفا بالبسالة والأحكام مروجا
للمذهب كما هو حقه وبيده رتقه وفتقه مقدما عند الخاص والعام معظما في
عيون الأعاظم والحكام غيورا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقورا عند الهزاهز والغير مطاعا عند العرب والعجم في زمانه مفوقا في الدنيا
والدين على سائر أقرانه ظهر من غير بيت العلم فصار علما كان شديد
التواضع واللين مع ما فيه من الصولة والوقار والهيبة والاقتدار فلم يكن يمتاز
في ظاهر هيأته عن سائر الناس أبيض الرأس واللحية في مشيبه كبير الجثة
رفيع الهمة سمحا شجاعا قويا في دينه كثير التعلق بأبواب الملوك والحكام
وكان يرى استيفاء حق الله تعالى من أموال الناس ولو بالقوة والقهر ويصرفه
إلى مستحقيه بدون تأخير ويحكى أنه كان في أول أمره في فقر شديد وانه آجر
نفسه لقضاء ثلاثين سنة من العبادة صرفها في أيام التحصيل اه
وفي مستدركات الوسائل: علم الأعلام وسيف الإسلام خريت التحقيق
والتدقيق مالك أزمة الفضل بالنظر الدقيق وهو من آيات الله العجيبة التي
تقصر عن دركها العقول وعن وصفها الألسن فان نظرت إلى علمه فكتابه
كشف الغطاء الذي ألفه في سفره ينبئك عن أمر عظيم ومقام علي في مراتب
العلوم الدينية أصولا وفروعا وكان الشيخ مرتضى الأنصاري يقول ما
معناه: من اتقن القواعد الأصولية التي أودعها الشيخ جعفر في كشفه فهو
عندي مجتهد - قال المؤلف: فإذا كان الأمر كذلك فلماذا بلى الشيخ
مرتضى الناس برسائله وكتب في دليل الانسداد وحده - الذي يعترف بعدم
الحاجة إليه - ما يزيد على ما كتبه الشيخ جعفر في مقدمة كشفه من مسائل
الأصول ومقام الشيخ مرتضى في التحقيق وفتح بابه لمن عاصره وتأخر عنه
أمر ملحق بالبديهيات وما اشتملت عليه رسائله من ذلك أمر لا ينكره إلا
جاهل أو مكابر لكننا نقول كان عليه أو على من بعده اختصاره وتهذيبه
وحذف ما لا لزوم له منه وإيضاح عبارة الباقي وإذا كان هو لم يتسع وقته
لذلك فكان على من جاء بعده أن يقوموا بهذا الأمر لا أن يضعوا لكتابه
الحواشي المطولة، فأوجب ذلك ضياع عمر الطلاب وصدهم عما يجب
صرف أعمارهم فيه من غير علم الأصول ولئن كان الشيخ ملا كاظم
الخراساني حاول ذلك في كفايته فقد أصاب لكن فاته انه كان يجب ان يكون
كتابه أكثر تهذيبا وأوضح عبارة وأحسن ترتيبا مما هو عليه وإن خلص
الطلاب من التطويل لكنه أوقعهم في صعوبة الفهم وقلة التحصيل إلا بعد
زمان طويل وعاد الأمر إلى الشروح والحواشي والقال والقيل ثم وقعنا اليوم
فيما هو أدهى وأعظم من انقراض العلماء وانصراف الناس عن طلب العلم
إلى طلب الدنيا المحضة الذي يؤذن بانقراض الدين ونسأله تعالى أن يتولاه
بلطفه - قال صاحب المستدركات: وحدثني الأستاذ - الشيخ عبد الحسين
الطهراني - قال قلت لشيخي صاحب جواهر الكلام: لم أعرضت عن شرح
كشف الغطاء ولم تؤد حق صاحبه وهو شيخك وأستاذك وفي كتابه من
المطالب العويصة والعبارات المشكلة ما لا يحصى فقال يا ولدي أنا عاجز
من أوات - الشيخ أي قوله أو كذا أو كذا - قال المؤلف: هذا كلام اقتضاه
السمر والمحادثة ولا يبتني على حقيقة راهنة فهو كسائر ما يتحدث به العلماء
الأعلام من الأمور الشعرية المحضة ثم ينقله عنهم كثيرون كحقيقة راهنة
وليس له من الحقيقة نصيب وهذا أمر قد اعتاده أهل هذه الأعصار لما
اعتادوه من المبالغات فالعجب من الشيخ عبد الحسين الطهراني كيف يعتقد
أن صاحب الجواهر كان يمكن أن يجعل كتابه شرحا لكشف الغطاء
والعجب من صاحب المستدركات كيف يظن أن صاحب الجواهر قصد من
هذا الجواب الحقيقة والواقع لا مجرد الاقناع فكشف الغطاء مع ما هو عليه
من الجودة في موضوعه ليس قابلا لأن يكون متنا لمثل كتاب الجواهر الذي
يراد به جمع جميع كتب الفقه وأدلة مسائله وكشف الغطاء لا يحوي جميع
كتب الفقه وهل أوات الشيخ أصعب في شرحها من ترددات المحقق، قال
وإن تأملت في مواظبته على السنن والآداب وعبادته ومناجاته في
الأسحار وبكائه وتذلله لرايته من الذين وصفهم أمير المؤمنين
عليه السلام من أصحابه للأحنف بن قيس مع ما اشتهر من كثرة
أكله وإن كان لم يكن يأكل إلا الجشب ولا يلبس إلا الخشن فلا تورثه
كثرة الأكل الملل والكسل عما كان عليه من التضرع والإنابة والسهر وإن
تفكرت في بذله الجاه العظيم الذي أعطاه الله إياه من بين أقرانه والمهابة
والمقبولية عند الناس على طبقاتهم من الملوك والتجار والسوقة للفقراء
والضعفاء من المؤمنين وحضه على طعام المسكين لرأيت شيئا عجيبا وقد نقل
عنه في ذلك مقامات وحكايات لو جمعت لكانت رسالة طريفة نادرة اه
وذكره صاحب نظم اللآل في أحوال الرجال فقال شيخ الطائفة في زمانه
وحاله في الثقة والجلالة والعلم أشهر من أن يذكر اه وقد انتهت إليه رياسة
الإمامية الدينية في عصره والزمنية في قطره فهو الفقيه الأكبر مفتي الامامية رجع إليه
الناس وأخذوا عنه ورأس بعد وفاة شيخه السيد مهدي بحر
العلوم الطباطبائي سنة 1212 واشتهر باعتدال السليقة في الفقه وقوة
الاستنباط من الأدلة فكان أعجوبة في الفقه ولقوة استنباطه اشتهر - من باب
الملح - أن الشيخ جعفر عنده دليل زائد وهو دليل الشم وكان مع ذلك أديبا
شاعرا وخرج إلى إيران فاحتفى به فتح علي شاه القاجاري ووزراؤه.
وصنف باسمه كتاب كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء
وقال في كتاب الجهاد من الكتاب المذكور: ولما كان الاستئذان من
المجتهدين - يعني في أمر الجهاد - أوفق بالاحتياط وأقرب إلى رضى رب
العالمين فقد أذنت - إن كنت من أهل الاجتهاد ومن القابلين للنيابة عن
سادات العباد - للسلطان ابن السلطان والخاقان ابن الخاقان المحروس بعين
عناية الملك المنان فتح علي شاه أدام الله ظلاله على رؤوس الأنام في أخذ ما
يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود ورد أهل الكفر والطغيان والجحود من
خراج أرض مفتوحة بغلبة الاسلام وزكاة متعلقة بالنقدين أو الغلات
الأربعة أو الأنعام الثلاث فإن ضاقت عن الوفاء جاز له الأخذ من أموال
أهل الحدود إذا توقف ما يدفع به العدو إلى آخر ما ذكره. وكان شديد
الغيرة على الطائفة عظيم العناية بأمورها كثير المناهضة لخصومها وقد انبرى
للرد على الوهابيين بيده ولسانه لما عظم خطرهم على العراق فرد غاراتهم عن
مدينة النجف وجمع الأسلحة والذخائر في داره ورتب المقاتلة على السور
وباشر العلماء القتال بأنفسهم وشجعوا المقاتلين بتحريضهم حتى ارتد

100
رئيسهم سعود وأصحابه عنها خائبين وفتحوا كربلاء عنوة ونهبوها وقتلوا
أهلها وهم أكثر من أهل النجف وأوفد رسالة خاصة إلى سعود بين له
فيها فساد ما ينتحلونه من تكفير المسلمين ورميهم بالشرك وشرع محمد حسن
خان الصدر الأصفهاني في بناء سور على النجف على يده وناهض الميرزا محمد
الأخباري أكبر خصوم علماء العراق الأصوليين بعد أن تمكن من نشر دعوته
واستلفت إليها أنظار الناس خصوصا في إيران حيث انتظر تغلب مذهب
الأخباريين فخرج المترجم من أجل ذلك إلى الري وبلاد الجبال وألف
رسائله الشهيرة في الرد عليهم وأهدى بعضها إلى فتح علي شاه القاجاري
سنة 1222 وكان شيخ الاخبارية المتقدم قد اتصل به وألف له الرسائل فلم
يزل المترجم إلى أن قضى على هذه الحركة.
تخرج به كثير من الفقهاء المشاهير واتفق له ما لم يتفق لغيره من تقدير
الكثرة في العلم والكفاءة في ذريته إلى عشرة أظهر.
شئ من سيرته
حج المترجم سنة 1198 فهناه أستاذه السيد مهدي بحر العلوم عند
قدومه بقصيدة. وله حكايات في محاسن النفس والمواعظ ونفع المحتاجين
مستملحة - منها -. أنه كان يحاسب نفسه ليلا - فيقول -: كنت في الصغر
تسمى جعيفرا ثم صرت جعفرا ثم سميت الشيخ جعفر ثم الشيخ على
الإطلاق فإلى متى تعصى الله ولا تشكر هذه النعمة - ومنها - أنه كان في
أصفهان من بلاد العجم فجعل يعظ الناس وقال من جملة موعظته أن بلدكم
هذه تشبه الجنة في أنهارها وجناتها وحورها وولدانها وفيها شبه أخر بالجنة
وهو كأن الله رفع التكليف عن أهلها كما رفعه عن أهل الجنة - ومنها - ما
في مستدركات الوسائل قال: حدثني الثقة العدل الصفي السيد مرتضى
النجفي وكان ممن أدركه في أوائل عمره أن الشيخ أبطا في بعض الأيام عن
صلاة الظهر فجعل الناس يصلون فرادى فلما دخل المسجد جعل يوبخهم
ويقول أما فيكم من تصلون خلفه. ثم رأى بعض التجار الأخيار يصلي
فقال دعونا نأتم بهذا العبد الصالح فائتم به هو والجماعة فخجل التاجر
خجلا شديدا ولا يمكنه قطع الصلاة ولما فرغ من الصلاة تأخر خجلا فقال
له الشيخ لا بد أن تؤمنا في الصلاة الثانية فامتنع فأصر عليه فقال هذا لا
يمكن قال إذا فافتد نفسك بمال تدفعه للفقراء فاخذ منه مائتي شامي أو
أزيد وفرقها على الفقراء وأعفاه من الإمامة.
بعض ما جرى له مع ميرزا محمد الاخباري
قد عرفت ان له رسالة في الرد على ميرزا محمد الاخباري وفي تلك
الرسالة ان الميرزا محمد نسب المترجم إلى الأموية ونسب إلى المحقق السيد
محسن الكاظمي أحد أعيان فقهاء ذلك العصر وعلمائه تحليل بعض
المنكرات فقال المترجم في تلك الرسالة كما في روضات الجنات مخاطبا
للميرزا محمد: اعلم والله أنك نقصت اعتبارك واذهبت وقارك وتحملت
عارك وأججت نارك. وعرفت بصفات خمس هي اخس الصفات وبها
نالتك الفضيحة في الحياة وتناولتك بعد الممات. أولها نقص
العقل، ثانيها نقص الدين، ثالثها عدم الوفاء، رابعها عدم الحياء،
خامسها الحسد المتجاوز للحد وعلى كل واحد منها شواهد ودلائل
لا تخفى عن العالم بل ولا الجاهل ثم ذكر من جملة شواهد نقص
العقل أمورا ثالثها: انك اتيت بالعجب حيث نسبت إلى بني أمية
شخصا من أهل عراق العرب وقد علم الناس ان عراق العرب محل بني
العباس ومن كان فيه من بني أمية فروا منه ولم يبق منهم أحد ولم يعرف أحد
من أهل العراق من أهل الصحاري والبلدان بهذا النسب وإنما ذكر أنهم
صاروا فرقتين هربت إحداهما إلى بعض سواحل البحر والأخرى إلى الهند
والحقوا أنفسهم ببني هاشم خوفا، ولما كان للهند طريقان أحدهما على
البحر والآخر على البر فيحتمل والله أعلم ان البريين ذهب منهم جمع على
طريق نيشابور فبقوا مختفين مدة ثم ذهبوا إلى الهند فصاروا هنديين
نيشابوريين فجنابكم أقرب إلى هذا النسب والآثار تدل على ذلك فان
الأوائل ناصبوا من قرنوا مع الكتاب وخزنة الحكمة وفصل الخطاب وأنت لما
لم تدرك الأئمة طعنت بسهمك النواب ثم جناجية من أدنى القرى وأهلها
من أفقر الناس فكيف عرفت أصلهم وما ظهر اسم جناجية إلا بظهور
والدي حيث خرج منها إلى النجف واشتغل بتحصيل العلم وعرف بالصلاح
والتقوى والفضيلة، وكان الفضلاء والصلحاء يتزاحمون على الصلاة خلفه،
والسيد السند الأوحد واحد عصره وفريد دهره العابد الزاهد والراكع
الساجد العالم العامل والفاضل الكامل المرحوم المبرور مولانا السيد هاشم
رحمه الله تعالى قال في حقه: من أراد ان ينظر إلى وجه من وجوه أهل الجنة
فلينظر إلى وجه الشيخ خضر ولما حضرت السيد الوفاة أوصى ان يقف على
غسله وكانت الكرامات تنسب اليه وجميع العلماء مطلعون على حاله ونسب
اليه ملاقاة صاحب الامر روحي له الفداء أو الخضر أو هما معا عليهما
السلام، وانه فتحت له باب سيد الشهداء عليه السلام وسائر الأئمة عليهم
السلام والله سبحانه وتعالى اعلم بالحقائق فلو كان لك عقل يدبرك لما
كذبت كذبا يفضحك بين الناس ولا يوافقك عليه أحد فلو أطعتني شربت
ماء الجبن وهيهات ان يؤثر معك - إلى أن قال - وأما شواهد نقص الدين
فأمور - أولها - انك شغلت اللسان والقلم وصرفت ما عندك من الهمم في
سب العلماء الذين جعلهم الله تعالى بمنزلة الأنبياء وجعل الراد عليهم كالراد
على الله وهو على حد الشرك بالله والطعن عليهم طعن على شريعة رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم ولهم أسوة بالأنبياء والقائمين مقامهم من الأئمة الأمناء، فقد
خرج مسيلمة الكذاب وأبو الحمار العنسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخوارج
على أمير المؤمنين عليه السلام وخرج عن دين الاثني عشرية في كل زمان
جمع قليل كالناووسية والفطحية والواقفية وغيرهم وكان الحق مع الكثير وهم
الاثنا عشرية وكل من المذاهب القليلة من المبدعين وما لبست به على العوام
من أن الحق مع القليل بديهي البطلان في حق الشيعة نعم في أول ظهور
الإمامة أو النبوة يظهر الواحد بعد الواحد، ففي قدحك على العلماء
وقصرك الحق على نفسك وشياطين آخرين معك طعن في دين الشيعة وربما
استند أهل الأديان الآخر في بطلان مذهب القائلين بامامة الاثني عشر إلى
قولك إذ لم يعلموا بكذبك وقبح فعلك فقالوا الامامية على ضلال إذ ليس
لهم علماء سوى بعض الجهال ثم إلى أن قال: - ثانيها - أنك استعملت الكذب
وادعيت انك تعمل بالعلم والمجتهدون يعملون بالظن وبالقياس وعندي
والله وعندك انك العامل بالقياس والعامل بالظن لأنك تتعدى في الاحكام
من غير استناد إلى أقوال الأئمة عليهم السلام وقد أردت اثبات ذلك عليك
كما أثبته على جميع المدخلين أنفسهم في الأخباريين حيث اجتمعوا في مجلس
الدرس في بلد الكاظميين عليهما السلام فقلت لهم لولا انكم تعملون
بالقياس لكنت منكم ولولا انكم تكذبون في ادعاء العمل بالعلم وعدم
الاخذ بظاهر القرآن من غير تفسير أهل البيت لكنت معكم وأثبت كل ذلك
عليهم بحضور جماعة من علماء الكاظمين فطلبوا المهلة إلى ثلاثة أيام وما

101
أجابوا، واما المجتهدون فبريئون من العمل بالظن من حيث إنه ظن بل
لرجوعه إلى العلم فهم عاملون بالعلم واتفق لي امر في مجيئي إلى أصفهان
فاني لما خرجت من كاشان أردت التوجه إلى طريق قهرود فاستخرت الله
عليه فنهاني فاستخرت على طريق نطنز وفيه زيادة منزلين فنهاني
فاستخرت على طريق اردستان وفيه زيادة اربع منازل فأمرني ونهاني عن
تركه فتعجبت لأني لم اعلم أن باطن المجتهدين وشريعة سيد المرسلين قضيا
بذلك فلما وردت اردستان أخبرت ان شخصا فاضلا من مريديك في البلد
فقلت ائتوني به فلما جاءوا به قلت له أنت تابع ميرزا محمد فقال من يكون
ميرزا محمد انا مستقل بنفسي فقلت له أنت تدعي علمية الاخبار فقال نعم
قلت نعم يا مسكين تدعي خلاف الضرورة والبديهة كيف يمكن حصول
العلم من خبر يتردد على لسان واحد من بعد واحد وكتاب بعد كتاب فيما
يزيد على الف سنة بأسانيد محتملة القطع محتملة اشتباه الراوي محتملة النقل
بالمعنى إلى غير ذلك من الوجوه فطفر إلى أصول الدين فقلت قف حتى
نتحقق ان ما أقوله بديهي أو لا، فإن كان بديهيا انقطع الكلام فلما تمت
الحجة وظهر امر الله قال الحق معك وقد كان في السابق تنقل عنه أمور من
أصناف العصيان مثل كتابة لعن العلماء المجتهدين على الجدران ولعن علماء
أصفهان وغيرهم من العلماء الأعيان وأقمت عليه الحجة بان المجتهدين
يعملون بالظن لرجوعه إلى العلم وأنتم تعملون بالظن من حيث إنه ظن
وان سميتموه علما فهم راجعون إلى العلم وأنتم غير راجعين اليه وهم
عاملون بالعلم وأنتم عاملون بالظن فأقر واعترف بذلك - ثالثها - انك
تصرفت في كتاب أهدي إلى حضرة ظل الله وكتبت عليه الحواشي من غير
اذنه وكيف يأذن لك في ذلك وهو دامت دولته يعلم بعداوتك مع العلماء
وانهم لو جاؤوا بالمعاجز لم تقبلها منهم عداوة وبغضا فما أجرأك على الله
وعدم مراعاتك حرمة ظل الله ثم لما عصيت وكتبت لم كتبت كتابة تنفضح
بها بين العالم ويضحك عليك بسببها الطلبة فضلا عن العلماء وما لك
والدخول في بحر متلاطم الأمواج واسع الفجاج إذا دخله مثلك جاهل لا
يستطيع الخروج منه لعدم معرفته بالساحل فلقد فضحتك نفسك الامارة
وحسدك وحقدك الكامن في صدرك - رابعها - ما اشتهرت به من الافعال
التي هي والله حقيقة بان تزول منها الجبال ان صحت الأقوال كتبديلك
الاخبار وتطبيقها على ما تهوى وتختار بحذف الصدر مرة وحذف العجز
أخرى للتدليس على الناس وايقاعهم في الاشتباه والالتباس وجلوسك مدة
عند ملوك بغداد لتوقع في دين الشيعة الفساد فلم ينفلوا منك وأخرجوك من
البلاد واعرضوا عنك وما قبلوا تلك الأكاذيب منك. - خامسها - افتاؤك
الناس على نحو ما يحبون وتبديلك الحكم على نحو ما يريدون فتقدم رضى
المخلوقين على رضى رب العالمين مع أنك لو كنت مصيبا في الفتوى لكنت
عاصيا وكنت مع من استفتاك في جهنم ثاويا لان فرضك الرجوع إلى العلماء
دون الاستقلال بالآراء لجهلك بالدين وتحريفك شريعة سيد المرسلين ثم
شرع في ذكر شواهد عدم وفائه وعدم شكره المنعمين عليه وأمثال ذلك إلى
آخر ما ذكره اه.
فتنة الزقرت والشمرت
وفي عصره حدثت فتنة الزقرت والشمرت وهما طائفتان من أهل
النجف تسمى إحداهما الزقرت أو الزكرت بزاي مضمومتين وراء ساكنة
والثانية الشمرت بشين معجمة وميم مكسورتين وراء ساكنة وتاء. والزقرت
هو الصقر ولعلهم كانوا يتصيدون بالصقور أو يصطادونها أو شبهوا أنفسهم
بالصقور. والشمرت لعله مصحف الشمردل وهو الفتى السريع، حدثت
بينهما فتنة وعداوة تبعها حروب كما كان بين القيسية واليمنية في هذه البلاد
ويقيم الزقرت في محلتي العمارة والحويش والشمرت في محلتي المشراق
والبراق وسبب هذه الفتنة انه كان في الرحبة بنواحي النجف رجل يدعى
السيد محمود الرحباوي أصله من بلاد العجم جاء آباؤه لطلب العلم
وتوطنوا النجف فأخبره بعض الاعراب ان بالمكان الذي يدعى اليوم بالرحبة
عين ماء طمها التراب فاستخرجها السيد محمود واحدث عليها مزارع
وبساتين وبنى عندها قصرا وسكنه وهي باقية إلى اليوم وبها ذريته يعرفون
بآل السيد فواز وكان السيد محمود رجلا سخيا فاشتهر عند الاعراب بسخائه
وكان يضع لهم الطعام في حوض بدل الأواني. وكان له أختان تسمى
إحداهما أم السعد وهي التي تنسب إليها خرابة أم السعد في محلة العمارة
بالنجف لأنها كانت دارا لها والثانية تسمى رخيثة وقد منعهما أخوهما من
التزوج ولهما أبناء عم يخطبونهما منه فلا يزوجهما فشكتا أمرهما إلى المترجم -
وكل شر في الدنيا أصله النساء - وكذلك أبناء عمه لما امتنع من تزويجهم
غضبوا وطلبوا منه القسمة فطردهم وانكر حقهم فشكوه إلى الشيخ وطلبوا
حضوره إلى مجلس الشرع ولعلم الشيخ بأنه لا يحضر لم يرسل
اليه فوسطوا في ذلك ولده الشيخ موسى فكلم
أباه ولم يزل به حتى ارسل جماعة من أهل العلم مسلحين مع آخرين من
أهل النجف وفيهم عباس الحداد أحد الشجعان وعدتهم سبعون
رجلا وكلهم بالسلاح وأمرهم باحضار السيد محمود طوعا أو كرها، فنهاه
تلميذه السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة عن ذلك وخوفه وقوع
فتنة لا تطفأ فلم يقبل لاعتقاده ان ذلك امر بالمعروف ونهي عن المنكر فلا
يجوز له تركه وهو قادر عليه وقد أشار إلى ذلك صاحب الجواهر في بعض
مجلداتها وغاب عني موضعه الآن، فجاءوا إلى القصر فلما اخبر بمجيئهم قال
أخرجوهم وأغلقوا باب القصر دونهم فتفرقوا عند أصحابه وباتوا عندهم
وأصبح السيد محمود مقتولا واتهم بقتله أبناء عمه وأصحاب الشيخ فتبرأ بنو
عمه من دمه فانحصر ثاره بأصحاب الشيخ وكان الحاكم في النجف الملا
محمد طاهر وهو سادن الروضة المطهرة وكانت بين السيد محمود وعشيرة الملا
محمد طاهر خؤولة فهو إذا المطالب بثاره فاستطال الملا محمد على أهل العلم
وقصدهم بالأذى ويقال انه كان يجلس على باب الصحن الشريف من جهة
باب الطوسي ويأمر بغلق باقي الأبواب وعبيده بين يديه عليهم السلاح فإذا
مر بهم من أهل العلم من يظنون أنه من أصحاب الشيخ يقول له: يا
ملعون يا زقرتي تمشي على الأرض بطولك آمنا وفي بطنك دم السيد محمود
فكانوا يتضرعون اليه ويحلفون له اننا لسنا من الزقرت ولا ممن حضر الوقعة
فينهرهم ويأمر عبيده فيوجعونهم ضربا وقصد الشيخ وابناءه بالأذى حتى
اضطر الشيخ موسى إلى الخروج من النجف، ثم إن أحد الزقرت رمى الملا
محمد طاهر برصاصة من بندقيته في الحرم المطهر فوقعت في فمه فمات
لساعته فاتسعت الفتنة وقام أصحاب محمد طاهر طالبين بدمه وانضم إليهم
من يطلب بثار السيد محمود وحملوا السلاح ولزموا الأماكن العالية من المآذن
والدور المرتفعة وأطلق عليهم الشمرت وقابلهم عباس الحداد وأصحابه
وكثير من أهل العلم وأطلق عليهم الزقرت وجعلوا يترامون بالبنادق
وبعد قتل الملا محمد طاهر بسبعة اشهر توفي الشيخ جعفر وكان قد ولي
السدانة والحكم في النجف الملا سليمان بن الملا محمد طاهر بعد قتل أبيه
واستمرت الفتن والحروب بين الفريقين فأمر داود باشا والي بغداد بعزل

102
الملا سليمان ونصب عباس الحداد سنة 1228، ويمكن ان يكون لوساطة أبناء
الشيخ جعفر اثر في ذلك ثم قتل عباس الحداد غيلة من قبل الشمرت سنة
1234 ورجع الامر إلى الملالي كما فصلناه في غير هذا الموضع من الكتاب
واستمرت هذه الفتنة ما يزيد على مائة عام من سنة 1228 إلى عهد
الاحتلال الانكليزي للعراق في عصرنا هذا ولكل واحد من الفريقين
شيوخ ورؤساء يتوارثون الرياسة خلفا عن سلف ومنهم من يأخذها بحقها
بدون سبق وراثة. فمن وقائعهم ما حدث سنة 1231 من الواقعة التي
أشار إليها الشيخ خضر بن شلال النجفي فيما حكي عن كتابه التحفة
الغروية من أنه حدثت واقعة في البلد الأشرف - النجف - بين طغام الزقرت
وفسقة الشمرت والبندق فوق رؤوسنا من الفئة الثانية كمخاطف النجوم
حتى قتل بها خلق كبير منهم جماعة لا نظير لهم في النسك والتقوى وبلغت
إلى حد التقت فيه حلقتا البطان فتفرق الناس في جميع الأمصار ثم ذكر
مجئ العساكر واضطهادهم أهل البلد وحبسهم الشيخ علي ابن الشيخ
جعفر المترجم وتفرق أهل البلد عند حبسه اه وحدثت أيضا بينهم وقعة
سنة 1234 وفي سنة 1269 قتل عبود الفيخراني واخوه مهدي وظاهر الملحة
وغيرهم وهم رؤساء الشمرت وذلك أن حكومة بغداد في هذه السنة جعلت
ترسل العساكر ليلا إلى النجف وتدخلها إلى القلعة التي بجانب السور من
جهة الشرق الشمالي - التي حولت اليوم إلى مدرسة - فكانوا يدخلون إليها
ليلا من الباب الخارج ولا يعلم بهم أحد من أهل البلد فلما تكاملت
العساكر جاء بعض رؤساء الدولة إلى النجف مظهرا انه جاء لبعض
الاصلاحات فزاره العلماء والرؤساء ثم في بعض الأيام عمل وليمة في الدار
التي كان نازلا بها قرب القلعة وشحن الدور التي كانت حولها بالعساكر ودعا
إلى وليمته علماء البلدة ورؤساءها وفيهم شيوخ الشمرت فلما تكامل عدد
المدعوين ووضعت الموائد نزع الطربوش عن رأسه وهي العلامة بينه وبين
العسكر فامتلأت الدار بالعساكر وقبض على كل واحد من شيوخ الشمرت
جماعة من العسكر وأوثقوهم فخاف العلماء وخرجوا حتى أن بعضهم خرج
حافيا فأمنهم الرئيس وطيب خاطرهم وضرب هؤلاء المقدم ذكرهم بالسياط
حتى ماتوا تحت الضرب والقى جثثهم خارج السور حتى بقيت أياما فسكنت
الفتنة بعد قتلهم مدة ثم عادت إلى الظهور ووقعت بينهم موقعة أخرى سنة
1292 وتعرف بحادثة الجنائز وأخرى تعرف بحادثة البركة في تلك السنة
وأخرى سنة 1293 قتل فيها عبد الله وهب من رؤساء الشمرت، وفي مدة
إقامتنا بالنجف الأشرف من شهر ذي الحجة سنة 1308 إلى شهر جمادى
الثانية سنة 1318 حدث بينهم وقعتان لست أتذكر تاريخهما على التحقيق
إحداهما كان سببها ان جاء الشمرت من خارج البلدة ليدفنوا جنازة لهم في
وادي السلام فوصلوا قريب الفجر وخرج الزقرت لمنعهم فقتل من الزقرت
شاب تعلقت به أمه لما أراد الخروج فانفلت منها فاصابته رصاصة فقتل
ورجع الزقرت ودفن الشمرت ميتهم وعادوا ثم إن الشمرت عادوا وهجموا
على مقهى في النجف كان فيه أحد رؤساء الزقرت المدعو السيد محمد
علي بن طبار الهوا فهرب منهم وعادوا، والثانية كانت أشد من الأولى تجمع
فيها الشمرت وتحصنوا في معاقلهم وكذلك الزقرت وأغلق سادن الحضرة
الشريفة أبواب الصحن الشريف قبل ان يتمكن أحد الفريقين من احتلاله
لان من سبق إلى احتلاله كانت له الغلبة حيث يصعد المآذن التي هي أعلى
مكان في البلد ويرمي منها بالبنادق فتكون له الغلبة وأغلقت الأسواق ولزم
الناس بيوتهم ودخل العسكر القلعة واغلقوا أبوابها وكذلك الدرك اغلقوا
باب دار الحكومة وهذه عادتهم وارسل حاكم البلد برقية إلى بغداد وكان
أزيز الرصاص يسمع من فوق رؤوس الناس فبقي ذلك أياما ثم خرج
الشمرت من البلد وهدأت الحال وفتحت الأسواق سوى ان الصحن لا
تزال أبوابه مقفلة فحضر ميرالاي اسمه شعبان باشا ومعه عساكر ومدافع
ففتح الصحن يوم وصوله وبقي في النجف أياما عزل فيها الحاكم وارسل
العسكر إلى بيوت الشمرت يفتشون على الرجال فلم يجدوا أحدا غير النساء
ومع العسكر بعض رؤساء الزقرت فجعل النساء يشتمنه ثم قال له شعبان
باشا اختر من أصحابك الشجعان الأنجاد واذهب بهم مع العسكر للتفتيش
على الشمرت، ففعل فطافوا في عدة أماكن من نواحي العراق فلم يجدوا
أحدا فلما توسطوا بلدان العراق قبض عليهم المعسكر الذي معهم وعلى
رئيسهم السيد محمد علي بن طبار الهوا، وأطلقوا البنادق التي مع الزقرت
المسماة في العراق بالمطبق وفي الشام بالجفت دفعة واحدة في الفضاء فكان
لها دوي عظيم ثم نفوا الرؤساء وجماعة إلى سوريا وغيرها واطلقوا السيد
محمد علي وجعلوه وكيل مدير في الكوفة ثم مأمورا على تعداد النخل في
شفاثا وهي موبوءة الهواء فحم ومات ودفن بباب الصحن الغربي المعروف
بباب الفرج تحت اقدام الزائرين المجتازين بوصية منه ومن رؤساء الزقرت
أبو تركي الحاج عطية من آل أبو كلل وهو حي يرزق إلى اليوم وكان قد بنى
دارا أسماها الدرعية فجرت له وقعة مع الشمرت فقال أحدهم في تلك
الوقعة زجلا:
لا بد ما نصلي الدرعيه * ونصبغ يشماغ بن عطية
ونيتم تركي وتركيه * ونرد العشرة على المية
فأجابه أحد أصحاب الحاج عطية يقول:
هذي الدرعية المعروفة * واليصليها يلقى احتوفه
ويقول في آخر الدور * وترد الألف على الميه
وفي أحدهم وقد قتل في بعض الوقائع تقول الملا وحيدة نائحة
النجف من أهل هذا العصر:
منين اجتك هذه الطركاعة * يا صخر مرمر صعب مشلاعه
يا صخر مرمر صعب ما ينشلع * ما حلالي أعلى التفك مثلك جرع
اصواب ابن كيوان ها لحدر الضلع * وأنت بو جاسم يسم الساعة
وآخر وقعة بينهم كانت سنة 1320 انتصر فيها الزقرت على الشمرت وتعرف
بوقعة أولاد عزيز - بقر الشام - أبو باقر شام وهما صكبان ومحمد من رؤساء
الشمرت وكانا من الشجعان المعروفين وقتل في هذه الحادثة أبوهما عزيز بعد
ان قتل رجالا مشهورين بالنجدة والشجاعة من الزقرت وعند قتله خمدت
الفتنة.
مشايخه
اخذ أولا عن أبيه ثم عن الشيخ محمد تقي الدورقي من فقهاء
النجف والسيد صادق الفحام وغالب تلمذه على الشيخ محمد مهدي الفتوني
العاملي النجفي وقرأ في كربلاء على الآقا محمد باقر البهبهاني وفي النجف
على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي وغيرهم.
تلاميذه
تخرج به كثير من الفقهاء المشاهير مثل أولاده الثلاثة الفحول
المعروفين وهم: (1) الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر الذي كان المترجم

103
يفديه بنفسه وصنف جملة من مصنفاته بالتماسه وباسمه (2) الشيخ
علي بن الشيخ جعفر (3) الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر، وأصهاره الثلاثة
على بناته وهم (4) الشيخ أسد الله التستري الكاظمي صاحب المقاييس
(5) الشيخ محمد تقي الرازي صاحب حاشية المعالم (6) السيد صدر
الدين العاملي (7) السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة (8)
الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (9) السيد محمد باقر صاحب الأنوار
(10) الحاج محمد إبراهيم الكرباسي صاحب الإشارات (11) الشيخ
قاسم محيي الدين العاملي النجفي (12) الملا زين العابدين السلماسي (13) الشيخ عبد الحسين الأعسم (14) السيد باقر القزويني (15)
الآقا جمال (16) الشيخ حسين نجف وغيرهم من العرب والفرس.
مؤلفاته
(1) كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء مطبوع
مرارا فيه أبواب الأصولين والعبادات إلى آخر الجهاد ثم الحق به كتاب
الوقف وتوابعه كتبه واهدا إلى فتح علي شاه. وفي نظم اللآل لم يعمل مثله
في كثرة الفروع والإحاطة بها ونحو ذلك وفي روضات الجنات صنفه في
بعض الاسفار ولم يكن عنده من كتب الفقه سوى قواعد العلامة كما نقله
الثقات اه‍ (2) شرح قواعد العلامة في بعض أبواب المكاسب كبير
مشتمل على قواعد فقهية وفقاهة عجيبة رأينا منه مجلدا في مكتبة الشيخ عبد
الحسين الطهراني بكربلاء - وقد شرح في هذا الكتاب كتاب البيع إلى أول
الخيارات بشرح مزجي وأتمه ولده الشيخ حسن (3) كتاب كبير في الطهارة
كتبه في أول امره لجمع أقوال الأصحاب والأحاديث من أول الطهارة إلى
خشبة الأقطع (4) رسالة عملية في الطهارة والصلاة سماها بغية الطالب
شرحها ولده الشيخ موسى (5) مناسك الحج (6) العقائد الجعفرية في
أصول الدين والظاهر أنها هي الموجودة في مقدمات كشف الغطاء (7)
غاية المأمول في علم الأصول (8) شرح الهداية للطباطبائي خرج منه
كتاب الطهارة (9) مختصر كشف الغطاء (10) الحق المبين في تصويب
المجتهدين وتخطئة الأخباريين مطبوع (11) رسالة لطيفة في الطعن على
الميرزا محمد بن عبد النبي النيسابوري الشهير بالاخباري سماها كشف
الغطاء عن معايب ميرزا محمد عدو العلماء أرسلها إلى فتح علي شاه ابان فيها
قبائح افعال ذلك الرجل واعتقاداته الكفرية وذلك حين التجأ الميرزا محمد
إلى فتح علي شاه خوفا على نفسه من علماء العراق وقد أرخها بقوله مخاطبا
أهل طهران: ميرزا محمدكم لا مذهب له - (12) رسالة منهج الرشاد لمن
أراد السداد في رد الوهابيين مطبوع وهي جواب كتاب ورد اليه من سعود
امامهم ولعلها أول رسالة كتبت في هذا الموضوع اللهم الا ان يكون سبقها
كتاب سليمان بن عبد الوهاب أخي محمد بن عبد الوهاب وقد دلت على سعة
اطلاعه ووفور علمه وقوة حجته وحوت كثيرا مما لم يحوه بعض ما تأخر عنها
مع أن الامر على المتأخر أسهل فهي من مفاخر ذلك العصر وطبعت في هذا
العصر في النجف لكنها مع الأسف لم تصحح تصحيحا مفيدا بل حوت من
الأغلاط المطبعية ما يوجب عدم الانتفاع بها مع وجود الجم الغفير من ذريته
من العلماء والفضلاء والأدباء فكيف لم يقف أحدهم على تصحيحها مع أنها
لم تطبع الا باذنهم واخذت نسخة أصلها منهم على الظاهر.
أشعاره
كان شاعرا أديبا وله أشعار ومطارحات مشهورة مع أدباء عصره
وعلمائه ومن شعره مادحا السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي:
إليك إذا وجهت مدحي وجدته * معيبا وان كان السليم من العيب
إذ المدح لا يحلو إذا كان صادقا * ومدحك حاشاه من الكذب والريب
وله من أبيات أرسلها إلى الشيخ محمد رضا النحوي:
يكلفني صحبي القريض وانما * تجنبت عنه لا لعجز بدا مني
ألم يعلموا ان الكمال بأسره * غدا داخلا في حوزتي صادرا عني
ألم تر مولانا الرضا نجل احمد * إذا قال شعرا لم يحكم سوى ذهني
على أنه للفضل قطب وللنهى * مدار وفي الآداب فاق ذوي الفن
غدا في الورى ربا لكل فضيلة * وحاز جميل الذكر في صغر السن
وله في رثاء الشيخ أحمد النحوي ومدح ابنه الشيخ:
مات الكمال بموت أحمد واغتدى * حيا بأبلج من بنيه زاهر
فأعجب لميت كيف يحيا ظاهرا * بين الورى من قبل يوم الآخر
فأجاب الشيخ محمد رضا يقول:
الا أيها المولى الذي سار ذكره * مسير الصبا قد عبق السائر المدني
ومن كلما اعتاصت وندت عويصة * واعيت على الافهام كان لها مدني
إذا نحن أثنينا عليك فإنما * يعود علينا ما عليك به نثني
ونعنيك بالذكر الجميل فينتهي * الينا كأنا فيه أنفسنا نعني
أتاني نظام منك ضمن الوكة * يفوق نظيم الدر في النظم والحسن
نظمت النجوم الزاهرات قلائدا * وقلدتنيها منك منا بلا من
ألذ على الاسماع من مطرب الغنا * وأحلى على ذي الخوف من وارد الامن
فكان سروري عند كل مساءة * أسري به همي وأجلو به حزني
وكان دليلي حيث ضلت مسالكي * علي ومصباحي بكل دجى دجن
فخذها كما تهوى نسيجة وحدها * مقدرة في السرد محكمة الوضن
على أنها لم تحك درا نظمته * وان شاكلته في الروي وفي الوزن
وكان الشيخ جعفر هو والسيد محمد زيني على مائدة فسقط اللحم إلى
جهة الشيخ جعفر فقال - عرف الخبر أهله فتقدم - فقال السيد محمد
زيني: - نبش الشيخ تحته فتهدم -. وقال يمدح السيد مهدي بحر العلوم:
لساني عن احصاء فضلك قاصر * وفكري عن ادراك كنهك حاسر
جمعت من الاخلاق كل فضيلة * فلا فضل الا عن جنابك صادر
يكلفني صحبي نشيد مديحكم * لزعمهم اني على ذاك قادر
فقلت لهم هيهات لست بقائل * لشمس الضحى يا شمس ضوؤك ظاهر
وما كنت للبدر المنير بناعت * له ابدا بالنور والليل عاكر
ولا للسما بشراك أنت رفيعة * ولا للنجوم الزهر هن زواهر
وقال مؤرخا شفاءه السيد مهدي المذكور من مرض ألم به:
الحمد لله على عافية * كافية لخلقه شافيتك
قد ذاب قلب الوجد في تاريخها * شفاء داء الناس في عافيتك
وقال يرثيه من قصيدة:
ان قلبي لا يستطيع اصطبارا * وقراري أبى الغداة القرارا
غشى الناس حادث فترى الناس * سكارى وما هم بسكارى
وكسا رونق النهار ظلاما * بعد ما كانت الليالي نهارا
ثلم الدين ثلمة ما لها سد * وأولى العلوم جرحا جبارا

104
لمصاب العلامة العلم المهدي * من بحر علمه لا يجارى
خلف الأنبياء زبدة كل * الأصفياء الذي سما ان يبارى
واحد الدهر صاحب العصر ماضي * الأمر في كنه ذاته الفكر حارا
كيف يسلوه خاطري وبه قمت * مقامي وفيه ذكري طارا
كيف ينفك مدحه عن لساني * وهو لولاه في فمي ما دارا
وارتضاني أخا له منة والرق * شأني إذا أردت اعتبارا
خصني بالجميل من بعد ان * عمم البرايا - وطبق الأقطارا
وحباني عزا به بعد ذل * وكساني جلالة ووقارا
ما هديت الرشاد لولاه والأحكام * لم أدرها ولا الاخبارا
من ترى يدفع الملمات أو يصرف * صرف الزمان ان هو جارا
سيدي ماتت العلوم ووارى الدين * في الرمس من لك اليوم وارى
من يرد اليهود ان ابرزوها * مشكلات بردها الكل حارا
كنت تتلو توراتهم فيردون * عن الغي للهدى استبصارا
من لاعلام مكة وجماهير * الحجاز انتحوا إليك بدارا
طالبين الحجاج والكل قد ثقف * للبحث املدا خطارا
فحججت الجميع بالحجج الغر * فدانت لك الخصوم صغارا
ولكم معجز بهرت به الخلق * به حالك الظلام أنارا
صدني ان أقول أنت نبي * أودع الله كنهه الأسرارا
ان رب العباد قد ختم الرسل * بطه المختار جل اختيارا
سيدي نجلك الرضا مستطار * القلب لا يستطيع قط قرارا
كيف أزمعت غيبة قبل ان * يأتي فيطفى كل بكل اوارا
وقعة الخميس
وهي مساجلة أدبية حصلت في عهد السيد مهدي بحر العلوم
الطباطبائي ونظم فيها شعراء ذلك العصر وسميت باسم وقعة الخميس التي
جرت بصفين - زيادة في الظرف والمطايبة - وذلك لقول المترجم في أبياته
الآتية - يريك بأيام الخميس مودة - البيت ونقلها فضلاء ذلك الزمان في
مجاميعهم من العراقيين والعامليين وغيرهم واشتهر امرها وشاع ذكرها وقد
رأيناها في بعض المجاميع العاملية المخطوطة التي كتبت في ذلك العصر كما
رأيناها في عدة مجاميع عراقية مخطوطة واثار هذه الوقعة المترجم وهذا
تفصيلها: كان بين الشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محيي الدين
العاملي النجفي وبين السيد محمد بن السيد زين الدين الحسيني المعروف
بالسيد محمد زيني النجفي - وكلاهما من أدباء ذلك العصر - مودة تامة أكيدة
ثابتة وكان المترجم في بغداد فأرسل هدية إلى السيد محمد زيني وكتب معها
رقعة فيها هذه الأبيات معتذرا عن الهدية ومعرضا بالشيخ محمد ابن الشيخ
يوسف طالبا من السيد محمد زيني - على سبيل المطايبة - العدول عن صحبة
ابن محيي الدين ومصادقته إلى صحبته هو ومصادقته والا فإلى صحبة الشيخ
محمد رضا النحوي أحد شعراء ذلك العصر ومصادقته وهذه هي أبيات
المترجم:
لساني اعيا في اعتذاري وما جرى * وان نال حظا في الفصاحة أوفرا
ولو انني أهديت مالي بأسره * ومال الورى طرا لكنت مقصرا
ولكنني شفعت في مودتي * ومحضي للاخلاص سرا ومجهرا
فدع عنك شيخا يدعي صفو وده * فما كل من يرعى الاخلاء جعفرا
يريك بأيام الخميس مودة * وفي سائر الأيام ينسخ ما أرى
فلا تصحبن غيري فإنك قائل * بحقي كل الصيد في جانب الفرا
ولو رمت من بعدي وحاشاك صاحبا * فإياك ان تعدو الرضا خيرة الورى
فتى شارع للصحب أوضح منهج * وجار مع المصحوب من حيث ما جرى
وان تهجر المجموع منتظرا لنا * لبست من الأثواب ما كان أفخرا
فلما وقف الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف على الأبيات كتب في
الجواب إليه مستنجدا السيد مهدي الطباطبائي وطالبا المحاكمة مع الشيخ
جعفر عنده فقال:
الا من لخل لا يزال مشمرا * لجلب وداد الخلق سرا ومجهرا
أحاط بود الجن والإنس وانثنى * بأبهى سنا الاملاك ودا وأبهرا
ونال من الرحمن أسنى مودة * فيا لك ودا ما أجل وأكبرا
يجاذبني ود الشريف ابن هاشم (احمد) * سلالة زين الدين نادرة الورى
وهيهات ان يحظى بصفو وداده * وان كان بحرا في العلوم وجعفرا
أمستجلبا ود ا لرجال لسانه * أظنك ألهمت الطماعة أصغرا
تروم محالا في طلابك رتبة * بها خصني الباري وأكرم من برا
فمهلا أبا موسى سيحكم لي الرضا * وتكسب بالالحاح انك لن ترى
الا فاجتهد ما شئت في نقض خلتي * فمحكم ابرامي يريك المقصرا
فيا أيها المولى الخليط الذي بغى * سينصفني المهدي منك فتحصرا
فقم سيدي للحكم انك أهله * فديتك أنصفني فقد أحوج المرا
فقال السيد مهدي الطباطبائي في الجواب:
اتاك كوحي الله أزهر أنورا * قضاء فتى باريه للحكم قد برى
فتى ليس يخشى فيه لومة لائم * إذا ما رعى عرفا وانكر منكرا
يوازر مجنيا عليه إذا شكا * وينصره في الله نصرا مؤزرا
محمد يا ذا المجد لا تبتئس ولا * يروعن منك القلب شيخ تذمرا
فما ذاك الا من نوادره التي * عرفن له مذ كان أصغر أكبرا
وانك أولى الناس كهلا ويافعا * بحبك نجل الطاهرين المطهرا
سمي وفي صادق الود والهوى * خصيص به قد قسم الود في الورى
كفتك شهادات الخميس على الولا * ترد خميسا عنك ما كر أدبرا
وليس ببدع ذاك فالخلطاء كم * جرى بينهم من بغيهم مثلما جرى
وفي مثل هذا الحكم داود قد قضى * على صاحبيه إذ عليه تسورا
وما كان هذا بالذي يمترى به * وللنص حكم لا يدافع بالمرا
فخذ يا سمي الطهر جعفر صادقا * من القول حقا غير منفصم العرى
وانك أنت النفس مني وانما * تعاظمها ما كان عندي ليصغرا
ولست أخال الحق ثقلا على فتى * لنصرته مذ كان كان مشمرا
فإن كان ما جئنا كبيرا فإننا * رأينا جهاد النفس في الله أكبرا
وقال السيد صادق الأعرجي المعروف بالفحام في ذلك:
جرى ما جرى بن الخليلين وانتهى * وان كان معروفا لما كان منكرا
فاحفظ مولى لم يزل ذا حفيظة * لمخلصه عن ساعد الجد شمرا
فأغرى حكيما بانتصار فالبا * عليه من التأنيب واللوم عسكرا
كلام له ظهر وبطن ولم يكن * سوى محض ود بطن ما كان أظهرا
مداعبة الاخوان تدعى عبادة * لعمرك ما هذا الحديث بمفترى

105
فلا يستفز الشيخ برق غمامة * بدا خلبا في عارض ليس ممطرا
ولا يصرف المهدي عن عادل القضا * شقاشق ما كانت بجد لتهدرا
قضى فتعاطى مذهب الشعر في القضا * فكان قضاء عادلا قاطع المرا
ولو يتعاطى مذهب الشرع لم يكن * ليقضي ان الصبح لم يك مسفرا
واقترح السيد مهدي بحر العلوم على الشيخ محمد رضا ابن الشيخ
احمد النحوي وأمره ان يجري معهم في هذا المضمار فقال ممتثلا لأمره
العالي:
لعري لقد ثارت إلى أفق السما * عجاجة حرب حولت نحوها الثرى
وجاءت بميدان الخصام فوارس * تماروا على أمر وليس بهم مرا
وذلك أن الشيخ شيخ زمانه * عنيت به بحر المعارف جعفرا
هو البحر من اي النواحي اتيته * تجد منهلا في كل ناحية جرى
فرده ولا تعدل به ري غيره * ترد موردا لا تبتغي عنه مصدرا
تعمد من بغداد انفاذ رقعة * تضمن معنى يخجل الروض مزهرا
بنظم حكى الدر النظيم مفصلا * بنثر حكى الروض الوسيم منورا
واعرب عن دعوى وداد محمد * سلالة زين الدين نادرة الورى
ولا غرو في دعوى وداد هو المنى * فيا لك ودا ما اجل وأكبرا
ولكنه قد قارب الجور وادعى * اختصاص هوى كل له قد تشطرا
فكان عظيما ما ادعى سيما على * ذوي وده من كل ذمر تذمرا
ولا سيما الشيخ الذي خلصت له * مودته مذ كان أصغر أكبرا
فتى أشرقت في وجهه غرة الهدى * ومن نوره صبح الحقائق أسفرا
فقال إلى كم ذا تحاول رتبة * بها خصني الباري وأكرم من برا
كبرت ولم تقنع بما يكتفى به * أظنك ألهمت الطماعة أصغرا
تجاذبني الود القديم ولبس من * تقدم في ود كمن قد تأخرا
فقال نعم لكن قضت لي مودتي * ومحضي للاخلاص سرا ومجهرا
واني أرعى منه للود خلة * وما كل من يرعى الاخلاء جعفرا
واني أمت اليوم في صدق قوله * بحقي كل الصيد في جانب الفرا
ولست كمن يرميه بالهجر حقبة ژ وما كان ذو ود بحال ليهجرا
يريه بأيام الخميس مودة * وفي سائر الأيام ينسخ ما أرى
فطال نزاع منهما فتشاجرا * معا واقلا من نزاع وأكثرا
ومذ سئما طول النزاع ترافعا * إلى حكم باريه للحكم قد برا
هو الحجة المهدي من نور حكمه * اتاك كوحي الله أزهر أنورا
فتى ينصف المظلوم في شد أزره * وينصره في الله نصرا مؤزرا
فتى عن أبيه المرتضى ورث القضا * فكان لما يخفى من الحق مظهرا
واتاه رب العرش مذ شب حكمة * وعلمه فصل الخطاب وبصرا
فأضحى بنور الله ينظر ما هفا * بحكم ولا في معضل قد تحيرا
فيا ليت شعري ما أقول وكلما * أطلت أراني في علاه مقصرا
هنالك قصا ما عليه تنازعا * عليه وبثا عنده كلما جرى
وكل غدا يدلي بحجته وما * الا في احتجاج منه جهدا وقصرا
واجلب كل خيله ورجاله * على خصمه والكل للكل شمرا
فلما رأى المهدي والهدى ما رأى * وابصر من ذي الحال ما كان أبصرا
درى ان ذا لا عن خصام وكم وكم * لسر خفي مثل ذا قبل ذا درى
وأيقن ان الشيخ زيد علاؤه * أراد اختبار الشيخ فيما له انبرى
ليظهر ما أخفاه من صفو وده * وما كان ذاك الود يخفى فيظهرا
وأيقن ان ليست لذاك حقيقة * ولكن كلام واللسان به جرى
وقال هما خصمان في البغي اشبها * خصيمين للمحراب قبل تسورا
جرى حكمه وفقا لداود إذ جرى * وقرر ما قد كان داود قررا
وما كان هذا الحكم الا مشاكلا * لدعواهما عن امرئ قد تبصرا
فلا الشيخ مقضي عليه حقيقة * ولا الشيخ مقضي له لو تفكرا
كفى شاهدا في الصدق لي قول صادق * فتى قد سما في مجده شامخ الذرى
وأعلى له الرحمن فوق عباده * مقاما يرد الحاسدين إلى ورا
مداعبة الاخوان تدعى عبادة * لعمرك ما هذا الحديث بمفترى
وحررتها طوعا لامر أخي على * لخدمته مذ كنت كنت محررا
وذي حلبة جلت جميع جيادها * ولكنني كنت السكيت المقصرا
وقال السيد محمد بن السيد زين الدين الحسني مجيبا أيضا:
اتاني كتاب مستطاب بطيه * خطاب كنشر المسك فاح معطرا
خطاب سرى في كل قلب سروره * خطاب بما تهوى الأماني بشرا
وذاك كتاب الشيخ جعفر الذي * لديه يود البحر لو كان جعفرا
تضمن نظما يخجل العقد دره * ونثرا لديه زاهر الروض يزدرى
فشاهدت قسا باقلا عند نطقه * وان نال حظا في الفصاحة أوفرا
يصرح تصريح الغمام بوده * فروض عافي منزل القلب ممطرا
وقد خصني بالود من دون غيره * وان كان هذا الود قد ثمل الورى
وانكر ود الشيخ أعني محمدا * حميد السجايا أطيب الناس عنصرا
يزر على حسن السجايا قميصه * كما هو بالمجد ارتدى وتأزرا
وقال بأن الشيخ لم يرع خلة * وما كل من يرعي الاخلاء جعفرا
ومن خص في يوم الخميس وداده * نراه بان يعزى إلى الهجر أجدرا
وما لقديم الود عندي مرية * وكم من قديم ساده من تأخرا
وكم جريا في حلبة الشوق والهوى * واحرز كل غاية السبق إذ جرى
هناك استفز الشيخ أعني محمدا * فجلى مجيبا حين نظم جوهرا
دعى شوقي يا ناصر الشوق دعوة * فلباه ذو امر من الله امرا
مجيب الندا مردي العدا أيد القوى * قريب الندى نائي المدى سامق الذرى
هو السيد المهدي بورك هاديا * بنور سناه يهتدي من تحيرا
فازره بالحكم بل كان عونه * وناصره في الله نصرا مؤزرا
بنظم بحبات القلوب مفصل * تخال نثير النجم منه تنثرا
جريت على النهج القويم مجاوبا * وقد سألوني عن حقيقة ما جرى
فقلت أراني ان أزيد مسرة * واحمد رب العالمين وأشكرا
لي الفخر اني قد عززت عليهما * وحسبي عزا في الأنام ومفخرا
ولكنما الاسلام دين محمد * وطاعته فيما عن الله أخبرا
ولي مذهب ما زلت أبديه قائلا * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا
تخذتهما للعين نورا وللحشى * سرورا وللأيام درعا ومغفرا
فهذا حسامي حين أسطو على العدى * وهذا سناني إذ أقابل عسكرا
فكانا وقد أصبحت اعزى اليهما * هما سيدا مولى له قد تشطرا
فبعتهما صافي المودة خالصا * ومحضي للاخلاص سرا ومجهرا
فنلنا بسوق الشوق ربحا معجلا * فيا نعم ما بعنا ويا نعم من شرى
أدامهما الرحمن لي ولمعشري * وللناس طرا ما حديثهما طرا
فقال المترجم:
جرى الحكم من مولاي في حق رقه * ولست لما أمضاه مولاي منكرا

106
ولكنها في البين تعرض شبهة * يزيد دقيق الفكر فيها تحيرا
إذا كنت نفسا منك ادعى ومهجة * فكيف أراني الكيد أصغر أكبرا
وكيف يدانيني الرجال بمفخر * وقد نلت من علياك ما كان أفخرا
فلست أرى في النفس عذرا موجها * سوى ان كسر النفس امر تقررا
فدع سيدي ذا الحكم في مداعبا * بل احكم بمر الحق يا خيرة الورى
فأجابه الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف يقول:
عذيري من شيخ ألح به المرا * فعاد إلى أن بات لا يألف الكرى
يخاصمني كل الخصام فارتأى * وأثبت بعد الرأي حجة ما أرى
يحاول نقض الحكم بعد نفوذه * وهل ينقض الحكم المسجل ان جرى
ويلهج ان الحكم كان دعابة * ولكنه الجد المصمم أزهرا
أيحكم لي المهدي اعدل من قضى * فيثقل حكم الحق فيه ويكبرا
وحكم الرضا والصادق القول قبله * صريح بنصري لو تأمل أو درى
فأيها بغاة الحق اني لحائر * لما قد دهى الإنصاف من حادث عرا
الشيخ جعفر الخطي
يأتي بعنوان جعفر بن محمد بن الحسن.
الشيخ جعفر عاصي العاملي الأنصاري
نسبة إلى قرية أنصار
كان عالما فاضلا قرأ في جبل عامل ثم ذهب إلى العراق في السنة التي
ذهب فيها الشيخ موسى شرارة فتوفي هناك.
الشيخ جعفر بن عبد الله
عالم فاضل من تلاميذ الشيخ علي بن الحسين بن محيي الدين بن عبد
اللطيف بن جامع العاملي الجامعي نزيل خلفاباد كتب بخطه كتاب أستاذه
المذكور المسمى بالإفادة السنية في فهم الصلوات اليومية وكتب له أستاذه
المذكور إجازة على ظهر كتابه المذكور وقال إنه قرأ عليه قراءة بحث وتحقيق
وتدقيق في مجالس آخرها 23 المحرم سنة 1107.
المولى جعفر بن عبد الله التستري
توفي سنة 1325
عالم نحوي صرفي له مختصر النحو وبيان الصيغ في الصرف
أميرك جعفر بن عبد الله بن الحسين بن محمد بن الحسين غضارة بن عيسى
مؤتم الأشبال بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام.
لا نعرف من أحواله شيئا سوى تلقيب صاحب عمدة الطالب له
بأميرك ومعناه أمير وزيادة الكاف للتصغير.
جعفر بن عبد الله الحمداني.
في ج 5 م 18 ص 210 من مجلة المجمع العلمي بدمشق نقلا عن
كتاب اعلام الكلام للقشيري ان كشاجم كان من المعجبين بآل حمدان ونظم
قصيدة بليغة في جعفر بن عبد الله الحمداني اه. ولم نعثر لجعفر على ذكر
في غير هذا الموضع ولا نعلم من أحواله شيئا.
أبو محمد بن عبد الله الاصفهاني بن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب.
توفي سنة 334
وصفه في عمدة الطالب بالعالم النسابة شيخ شبل بن تكين النسابة
وقال له عقب كانوا بحلب وبيروت ومصر.
جعفر بن خلف
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام وذكره أيضا
في أصحاب الصادق عليه السلام فقال: جعفر بن خلف الكوفي اه وقال
الكشي في رجاله: - في جعفر بن خلف -: جعفر بن أحمد بن يونس بن
عبد الرحمن عن جعفر بن خلف: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول:
سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلفا، وقد أراني ابني هذا خلفا وأشار بيده
اليه دلالة على خصوصه اه وفي التعليقة: جعفر بن خلف في الوجيزة فيه
مدح عظيم وفي البلغة فيه مدح ولعل المدح غير ما ذكره الكشي هنا أو لم
افهمه إذ غاية ما يستفاد منه انه روى الإشارة إلى ابنه الرضا عنه بالإمامة
ورجوع الإشارة والضمير اليه بعيد اه ولكن المنقول عن البلغة ان فيه
مدحا ما وعن الوجيزة فيه مدح ضعيف فكأنه سقط من نسخته لفظ ما في
عبارة البلغة وأبدل ضعيف بعظيم في عبارة الوجيزة. وفي لسان الميزان:
جعفر بن خلف الكوفي روى عن جعفر الصادق وموسى الكاظم اه‍.
جعفر بن داود اليعقوبي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الجواد عليه السلام والظاهر أنه
أخو إبراهيم بن داود اليعقوبي المتقدم الذي ذكره الشيخ في أصحاب الجواد
والهادي عليهما السلام. وفي لسان الميزان جعفر بن داود اليعقوبي روى عن
محمد بن علي الجواد ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه.
جعفر بن تمام بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي (1)
في الطبقات الكبير لابن سعد: أمه العالية بنت نهيك بن قيس بن
معاوية من بني هلال بن عامر بن صعصعة، ولد جعفر بن تمام يحيى واحمد
وعلية لام ولد وأم حبيب أمها الرعون بنت سليمان من كندة وأم جعفر
وأمها أم عثمان من بني عامر بن لؤي، وقد انقرض ولد جعفر، ولم يبق
منهم أحد. وقد روي عن جعفر بن تمام - الحديث اه.
جعفر بن رزق الله
من أصحاب أبي الحسن الثالث علي الهادي عليه السلام روى عنه
محمد بن أحمد بن يحيى الثقة الجليل، روى الكليني في الكافي في باب ما
يجب على أهل الذمة من الحدود عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عنه
عن أبي الحسن عليه السلام وكذا روى عنه في الفقيه، وروى الشيخ في
التهذيب في باب حدود الزنا عن محمد بن أحمد بن يحيى عنه عن أبي الحسن
الثالث عليه السلام.
جعفر بن زياد الأحمر أبو عبد الله الكوفي
توفي سنة 165 أو 167 وله 67 سنة.



(1) آخر عن محله سهوا
107
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وعن مختصر
الذهبي جعفر بن زياد الكوفي الأحمر صدوق شيعي ونحوه عن تقريب ابن
حجر. وفي تاريخ بغداد للخطيب: جعفر بن زياد أبو عبد الله وقيل أبو عبد
الرحمن الأحمر الكوفي حدث عن بيان بن بشر ومنصور بن المعتمر وأبي
إسحاق الشيباني. روى عنه سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وعبيد الله بن
موسى وأبو غسان النهدي وأسود بن عامر شاذان. وكان قد خرج إلى
خراسان فبلغ أبا جعفر المنصور عنه أمر يتعلق بالإمامة وأنه ممن يرى رأي
الرافضة فوجه إليه بمن قبض عليه وحمله إلى بغداد فأودعه السجن دهرا
طويلا ثم أطلقه. ثم روى بسنده عن حسين بن علي بن جعفر الأحمر قال
كان جدي من رؤساء الشيعة بخراسان فكتب فيه أبو جعفر إلى هراة
فأشخص إليه في ساجور مع جماعة من الشيعة فحبسوا في المطبق دهرا
طويلا ثم أطلقوا. ثم روى بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت
لأبي: جعفر بن زياد الأحمر أهو ثقة قال هو صالح الحديث وقال عبد الله في
موضع آخر سألت أبي عن جعفر بن زياد الأحمر فقال حدثنا عنه عبد الرحمن
ووكيع وكان يتشيع - وبسنده - سأل يحيى بن معين الأزرق بن علي بن حكيم
عن جعفر الأحمر فقال كان ثقة وكان من الشيعة - وبسنده - قال يحيى بن
معين: جعفر الأحمر ثقة شيعي - وبسند - آخر عن يحيى بن معين جعفر
الأحمر الكوفي ثقة - وبسند آخر - عن يحيى بن معين أنه سئل عن جعفر
الأحمر فقال بيده لم يثبته ولم يضعفه - وبسنده - عن ابن عمارة - عمار -
جعفر الأحمر ليس هو عندهم حجة كان رجلا صالحا كوفيا وكان يتشيع -
وبسنده - عن عبيد الله: جعفر الأحمر كوفي ثقة - وبسنده - عن أبي إسحاق
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال جعفر الأحمر مائل عن الطريق - قال
الخطيب - قلت يعني في مذهبه وما نسب إليه من التشيع - وبسنده - عن أبي
داود سليمان بن الأشعث جعفر الأحمر هو ابن زياد صدوق شيعي حدث
عنه عبد الرحمن بن مهدي. عن أبي نعيم مات جعفر الأحمر سنة 165 وعن
دبيس بن حمير مات جعفر الأحمر سنة 167 وله 67 سنة وعن محمد بن
عبيد الله بن سليمان الحضرمي مات أبو عبد الرحمن جعفر بن زياد الأحمر
سنة 167 اه وفي ميزان الاعتدال جعفر بن زياد الأحمر الكوفي عن
بيان بن بشر وعطاء بن السائب. وعنه ابن مهدي ويحيى بن بشر الحريري
قال ابن عدي هو صالح شيعي وقال مطين مات سنة 167 اه وفي تهذيب
التهذيب: زاد أنه روى عن عبد الله بن عطاء والأعمش ومغيرة بن مقسم
ويزيد بن أبي زياد وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد الأنصاري
وخلق. وعنه ابن إسحاق وموسى بن داود وإسحاق بن منصور السلولي
وعدة. قال يعقوب بن سفيان ثقة وقال أبو زرعة صدوق وقال النسائي
ليس به بأس وقال يعقوب الفسوي كوفي ثقة وقال ابن عدي هو صالح
شيعي وقال الأزدي مائل عن القصد فيه تحامل وشيعية غالية وحديثه
مستقيم وقال عثمان بن أبي شيبة صدوق ثقة وقال العجلي كوفي ثقة وقال ابن
حبان في الضعفاء كثير الرواية عن الضعفاء وإذا روى عن الثقات تفرد عنهم
بأشياء في القلب منها شئ وقال الدارقطني يعتبر به وقال العقيلي: يقال هو
الذي حمل الحسن بن صالح على ترك صلاة الجمعة قال له الحسن أصلي
معهم ثم أعيدها فقال له يراك إنسان فيقتدي بك اه ومما مر يعلم صدقه
ونبالته وإن الغمز فيه منهم إن كان فللتشيع لا سيما أنه لا يبعد كما قاله غير
واحد من الأفاضل ان يكون الذين ذكرهم الشيخ في رجاله في أصحاب
الصادق عليه السلام كلهم من الأربعة الآلاف الذين ذكرهم الحافظ بن
عقدة في أصحابه عليه السلام ووثقهم وفي الطبقات الكبير لابن سعد: قال
جعفر بن زياد الأحمر مولى مزاحم بن زفر من تيم الرباب. سمعت أبا نعيم
قال: مات جعفر بالكوفة سنة 117 في خلافة هارون اه. ومر عن تاريخ
بغداد عن أبي نعيم أنه مات سنة 165 والله أعلم.
وفي ذيل المذيل كان عمار بن زريق الضبي وسليمان بن قرم الضبي
وجعفر بن زياد الأحمر وسفيان الثوري أربعة يطلبون الحديث وكانوا
يتشيعون ثم قال: وجعفر بن زياد الأحمر مولى مزاحم بن زفر من تيم
الرباب من ساكني الكوفة وبها كانت وفاته في سنة 167 وكان كثير الحديث
شيعيا اه.
جعفر بن سارة الطائي كوفي مولي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان جعفر بن سارة الطائي روى عن جعفر الصادق ذكره الطوسي في
رجال الشيعة اه
جعفر بن أبي حمزة سالم البطائني أخو علي بن أبي حمزة
ذكره النجاشي في ترجمة أخيه علي بن أبي حمزة سالم البطائني فقال وله
أخ يسمى جعفر بن أبي حمزة اه.
السيد جعفر السبزواري المشهدي ابن أخت السيد محمد السبزواري إمام
الجمعة
في كتاب مطلع الشمس توفي في المشهد المقدس ودفن فيما يلي
الرجلين.
قال كان في عصر محمد شاه - القاجاري - الشهيد وكان مجاورا في
الروضة المقدسة الرضوية اه وفي فردوس التواريخ مولده - بسبزوار وهاجر إلى
المشهد المقدس لتحصيل العلم وهو ابن أخت مولانا السيد محمد
السبزواري إمام الجمعة كان المترجم في كمال الزهد والورع والتقوى وكان
طول عمره في جوار الآستانة المقدسة مشغولا بترويج العلوم الدينية ونشر
الأحكام الشرعية له تحقيقات فريدة وتصنيفات مفيدة ووقف نحو مائتي مجلد
على طلاب المشهد المقدس الرضوي وجعل توليتها لملا أحمد الهراتي وكان
معاصرا لميرزا مهدي الشهيد وتوفي في زمانه ودفن في المشهد المقدس
الرضوي في الصحن الجديد من طرف الرجلين اه.
مؤلفاته
في كتاب مطلع الشمس وفردوس التواريخ أن له من المؤلفات (1)
رياض الأنوار في أحوال الأئمة الأطهار وإثبات عصمتهم (2) أسرار
الصلاة في حكمة تشريعها وأجزائها (3) رسالة في إثبات حرمة تدخين
التتن والتنباك (4) رسالة في علم القراءة ورسائل آخر.
جعفر بن سعد الأسدي
في التعليقة سيجئ في أبيه على وجه يومئ إلى معروفيته اه وذلك
لأن الشيخ قال في رجال الصادق عليه السلام: سعد والد جعفر بن سعد
الأسدي فجعل جعفر معرفا لوالده مما يدل على معروفيته.
المحقق جعفر بن سعيد الحلي
هو جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المتقدم.

108
جعفر بن سلمة
مذكور في سند الفقيه ويحتمل أن يكون هو ابن محمد بن سلمة أبو
جعفر نسب إلى جده والله أعلم.
جعفر بن سليمان
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم وفي أصحاب الهادي
عليهما السلام ويمكن كونهما اثنين ويمكن كونه هو جعفر بن سليمان القمي
الآتي وعن جامع الرواة أنه نقل رواية علي بن النعمان عن القاسم بن محمد
عن جعفر بن سليمان عمه عن أبي الحسن موسى عليه السلام في باب مسح
الرأس والقدمين من الكافي وفي باب صفة المؤمن من التهذيب. وفي لسان
الميزان: جعفر بن سليمان الكوفي روى عن علي بن محمد بن علي بن موسى
ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه فيكون هو الذي ذكره الشيخ في رجاله
في أصحاب الهادي عليه السلام ولكن لم ينقل أحد عن الشيخ أنه وصفه بالكوفي غيره والله أعلم.
الشريف جعفر بن سليمان الحسيني أمير المدينة المنورة
يظهر من صبح الأعشى أنه ولي المدينة مرتين حيث قال ج 4 ص
304: ذكر يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمل
من الشام حتى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله
على سوق المدينة الخ.
الأمير جعفر الثاني ابن الأمير سليمان ابن الأمير شيخ أحمد بك بن الأمير
موسى الملقب بملك طاهر ابن الأمير عيسى الملقب بملك طاهر بن الأمير
موسى أول ملوك الشامات ابن يحيى وزير هارون الرشيد بن قباذ بن
برمك بن أردوان برمك بن شاهنشاه أنوشيروان الدنبلي
توفي سنة 441 ودفن في مقبرة جده الأمير موسى بقلعة باي -
والدنبلي - نسبة إلى دنبل قبيلة من الأكراد.
وصف المترجم بالثاني لأن جعفر الأول منهم هو جعفر بن يحيى بن
برمك وجعفر الثالث هو حفيد المترجم أبو المظفر جعفر شمس الملك، ففي
آثار الشيعة الإمامية نقلا عن تاريخ بخش الفارسي أنه قال: أبو المظفر
جعفر شمس الملك ابن الأمير عيسى الملقب بسلطان صلاح الدين يحيى
كرد بن الأمير يحيى ابن الأمير جعفر الثاني ابن الأمير سليمان وساق النساب
كما مر إلى أنوشيروان وفي آثار الشيعة أيضا ملك المترجم ما ملكه آباؤه وفي
أيامه اكتشف معدن الذهب في جبل سنجران وسمي بزر جعفر وزر
بالفارسية الذهب قال في البرهان القاطع الموضوع في شرح اللغات الفارسية
اكتشف في جبال سنجران اليزدنية جنب قلعة دنبل أيام الأمير جعفر
وضربت السكة منه مات سنة 441 ودفن في مقبرة جده الأمير موسى اه.
أبو سليمان جعفر بن سليمان الضبعي الحرشي مولاهم البصري من أهل
اليمامة
توفي في رجب سنة 178
النسبة
(الضبعي) نسبة إلى بني ضبيعة كجهينة بضم ففتح قبيلة نزلت
البصرة وبها محلة تنسب إليهم والمترجم نزل فيهم فنسب إليهم قاله
السمعاني في الأنساب وقال ياقوت في معجم البلدان أنه منسوب إلى المحلة
لا إلى القبيلة كما يأتي وفي القاموس ضبيعة كجهينة محلة بالبصرة وابن
ربيعة بن نزار وابن أسد بن ربيعة وابن قيس بن ثعلبة وابن عجل بن لجيم
اه وفي معجم البلدان ضبيعة محلة بالبصرة سميت بالقبيلة وهما ضبيعتان،
ضبيعة بن قيس بن ثعلبة إلى آخر ما يأتي عن الأنساب وضبيعة بن ربيعة بن
نزار ولا أدري أيتهما نزلت بهذا الموضع فسمي بها والظاهر إن الأولى نزلته
لأنها أكثر وأشهر وقد نسب المحدثون إلى هذا الموضع قوما دون القبيلة منهم
أبو إسماعيل جعفر بن سليمان الضبعي وكان ثقة متقنا إلا أنه كان يبغض
الشيخين اه والقياس في النسبة إلى ضبيعة ضبيعي لكنهم حذفوا الياء بين
العين والباء تخفيفا كما قالوا جهني في النسبة إلى جهينة اه ففي تاج العروس
إن النسبة إلى ضبيعة ضبعي كجهني إلى جهينة واختلف في الضبعي هل هو
بضم الضاد أو فتحها فقيل إنه بضم الضاد وفتح الباء والظاهر أنه اشتباه.
فعن تقريب ابن حجر: الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة، وعن
لب اللباب الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى
ضبيعة بن قيس بطن من بكر بن وائل أو ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن
معد بن عدنان اه وقيل إنه بفتح الضاد والباء وهو قول الأكثر فإن النسبة
قد توجب التغيير فكما حذفوا الياء من جهينة وضبيعة عند النسبة فقالوا
جهني وضبعي كذلك أبدلوا ضمة الدال والجيم فتحة عندها تخفيفا، ففي
رجال ابن داود الضبعي بالضاد المعجمة والباء المفردة المفتوحتين والمهملة
اه وفي انساب السمعاني - الضبعي بفتح الضاد المعجمة وفتح الباء
الموحدة والعين المهملة هذه النسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن
عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن
دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن سعد بن نزار بن معد بن عدنان نزل
أكثرهم البصرة وكانت بها محلة تنسب إليهم يقال لهم بنو ضبيعة ثم قال وأبو
سليمان جعفر بن سليمان الضبعي (1) الحرشي البصري من أهل اليمامة
وإنما قيل له الضبعي لأنه كان ينزل في بني ضبيعة فنسب إليها، ثم حكى
عن ابن حبان أن الضبعي نسبة إلى بني ضبيعة نزل فيها ولم يكن منها اه
ويمكن أن يكون المترجم منسوبا إلى ضبيعة كسفينة في القاموس بلدة باليمامة
وفي معجم البلدان ضبيعة بالفتح ثم الكسر قرية باليمامة لبني قيس بن ثعلبة
اه ويرشد إلى ذلك كون المترجم من أهل اليمامة والله أعلم. -
والحرشي - نسبة إلى بني الحريش لأنه مولاهم كما صرح به غير واحد، وفي
أنساب السمعاني الحرشي بفتح الحاء المهملة والراء وفي آخرها الشين
المعجمة هذه النسبة إلى الحريش بن كعبة بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن
قيس وأكثرهم نزل البصرة ومنها تفرقت إلى البلاد ثم عد من المشهورين
بهذه النسبة جعفر بن سليمان الحرشي قال هو الضبعي الزاهد كان ينزل في
بني ضبيعة اه.
أقوال العلماء فيه
في رجال ابن جعفر بن سليمان الضبعي البصري في رجال الشيخ
من أصحاب الصادق عليه السلام ثقة اه وقال الميرزا في رجاله الكبير لم أجده
في رجال الصادق أصلا اه وكذا في نقد الرجال وقال أبو علي إنه موجود في



(1) في النسخة المطبوعة الضبيعي بالياء بعد الباء مكررا وهو غلط لما صرح به أولا أنه بغير ياء.
109
نسخته من رجال الشيخ كما نقله ابن داود - أقول - بعد عدم وجوده في
نسختي الميرزا والتفرشي لا يبقى وثوق بوجوده في رجال الشيخ إذ لعله
زيادة من بعضهم لما رأى ابن داود نقله وكتاب ابن داود كثير الأغلاط كما
ذكروه وان كان صاحبه ثقة والله أعلم. وفي الأغاني عن محمد بن أبي بكر
المقدمي سمعت جعفر بن سليمان الضبعي ينشد شعر السيد الحميري -
وفيه - أيضا بسنده عن إبراهيم بن الحسن الباهلي قال: دخلت على جعفر
ابن سليمان الضبعي ومعي أحاديث لأسأله عنها وعنده قوم لم أعرفهم وكان
كثيرا ما ينشد شعر السيد فمن انكر عليه لم يحدثه فسمعته ينشدهم:
ما تعدل الدنيا جميعا كلها * من حوض أحمد شربة من ماء
ثم جاءه خبر فقام فقلت للذين كانوا عنده من يقول هذا الشعر قالوا
السيد الحميري. وفي تاريخ بغداد في ترجمة أحمد بن المقدام أبي الأشعث
العجلي البصري أنه قال رأيت جعفر بن سليمان الضبعي أبيض الرأس
واللحية لا يخضب اه وعن تقريب ابن حجر جعفر بن سليمان الضبعي أبو
سليمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع مات سنة 178 وعن مختصر
الذهبي زاهد ثقة فيه شئ ومع كثرة علومه كان أميا وهو من زهاد الشيعة
توفي سنة 178 اه وقال ابن سعد في الطبقات الكبير: جعفر بن سليمان
الضبعي وهو مولى لبني الحريش ويكنى أبا سليمان وكان ثقة وبه ضعف
وكان يتشيع ومات في رجب سنة 178 ذكر ذلك عبيد الله بن محمد القرشي
وغيره اه وفي أنساب السمعاني: أبو سليمان جعفر بن سليمان الضبعي
الحرشي البصري من أهل اليمامة مات سنة 178 وكان يبغض الشيخين.
قال جرير بن يزيد بن هارون بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت
بلغنا إنك تسب الشيخين فقال اما السب فلا ولكن البغض ما شئت، وإذا
هو رافضي مثل الحمار قال أبو حاتم بن حبان كان جعفر بن سليمان من
الثقات المتقين في الروايات غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن
بداعية إلى مذهبه وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق
المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها ان الاحتجاج بأخباره جائز فإذا
دعا إلى بدعته سقط الإحتجاج بأخباره ولهذه العلة تركنا حديث جماعة ممن
كان ينتحل البدع ويدعو إليها وان كانوا ثقات واحتججنا بأقوام ثقات
انتحالهم سوء غير أنهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون وانتحال العبد بينه
وبين ربه إن شاء عذبه عليه وإن شاء عفا عنه، وعلينا قبول الروايات عنهم
إذا كانوا على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتابنا اه وفي تذكرة
الحفاظ وصفه بالإمام وقال من ثقات الشيعة وزهادهم وثقه يحيى بن معين
وكان راوية ثابت البناني وأحسن ابن سعد حيث يقول كان ثقة فيه
ضعف وقد روى له جماعة سوى البخاري اه وفي تهذيب التهذيب: قال
أبو طالب عن أحمد لا بأس به. قيل له ان سليمان بن حرب يقول لا يكتب
حديثه فقال إنما كان يتشيع وكان يحدث بأحاديث في فضل علي. وأهل
البصرة يغلون في علي قلت عامة حديثه رقاق قال نعم كان قد جمعها وقد
روى عنه عبد الرحمن وغيره إلا أني لم أسمع من يحيى عنه شيئا فلا أدري
سمع منه أم لا وقال الفضل بن زياد عن أحمد قدم جعفر بن سليمان
عليهم بصنعاء فحدثهم حديثا كثيرا وكان عبد الصمد بن معقل يجئ
فيجلس إليه وقال ابن أبي خيثمة وغيره عن ابن معين ثقة وقال عباس عنه
ثقة كان يحيى بن سعيد لا يكتب حديثه وقال في موضع آخر كان يحيى بن
سعيد لا يروي عنه وكان يستضعفه وقال ابن المديني أكثر عن ثابت وكتب
مراسيل وفيها أحاديث مناكير عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال أحمد بن سنان
رأيت عبد الرحمن بن مهدي لا ينبسط لحديث جعفر بن سليمان قال
أحمد بن سنان استثقل حديثه وقال البخاري يقال كان أميا وقال جعفر
الطيالسي عن ابن معين سمعت من عبد الرزاق كلاما يوما فاستدللت به
على ما ذكر عنه من المذهب - يعني التشيع - فقلت له: إن أساتيذك الذين
أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة فعمن أخذت هذا المذهب؟ فقال:
قدم علينا جعفر بن سليمان فرأيته فاضلا حسن الهدي فأخذت هذا عنه.
وقال ابن ضريس سألت محمد بن أبي بكر المقدمي عن حديث لجعفر بن
سليمان فقلت روى عنه عبد الرزاق فقال فقدت - 1 - عبد الرزاق وما
أفسد جعفرا غيره يعني في التشيع. وقيل لجعفر بن سليمان بلغنا أنك تشتم
الشيخين فقال أما الشتم فلا ولكن بغضا يا لك. قال ابن عدي عن زكريا
الساجي إنما عنى به جارين كانا له قد تأذى بهما يسميان باسمي الشيخين
سئل عنهما فقال ذلك ولم يعن به الشيخين قال أبو أحمد ولجعفر حديث
صالح وروايات كثيرة وهو حسن الحديث معروف بالتشيع وجمع الرقاق
وأرجو أنه لا باس به وقد روى أيضا في فضل الشيخين وأحاديثه ليست
بالمنكرة وما فيه منكر فلعل البلاء فيه من الراوي عنه وهو عندي ممن يجب أن
يقبل حديثه وقال يزيد بن زريع من أتى جعفر بن سليمان وعبد الوارث فلا
يقربني وكان عبد الوارث ينسب إلى الاعتزال وجعفر إلى الرفض، وقال
البخاري في الضعفاء يخالف في بعض حديثه وقال الأزدي كان فيه تحامل
على بعض السلف وكان لا يكذب في الحديث ويؤخذ عنه الزهد والرقائق
وأما الحديث فعامة حديثه عن ثابت وغيره فيها نظر ومنكر وقال ابن المديني
هو ثقة عندنا وقال أيضا أكثر عن ثابت وبقية أحاديثه مناكير وقال الدوري
كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه وإذا ذكر عليا قعد يبكي، وقال يزيد بن
هارون كان جعفر من الخائفين وكان يتشيع وقال ابن شاهين في المختلف
فيهم إنما تكلم فيه لعلة المذهب وما رأيت من طعن في حديثه إلا ابن عمار
بقوله جعفر بن سليمان ضعيف وقال البزار لم نسمع أحدا يطعن عليه في
الحديث ولا في خطاء فيه إنما ذكرت عنه شيعية وأما حديثه فمستقيم اه وفي
ميزان الاعتدال: جعفر بن سليمان الضبعي مولى بني الحارث وقيل مولى
لبني الحريش نزل في بني ضبيعة وكان من العلماء الزهاد على تشيعه. وقال
ابن المبارك لجعفر بن سليمان رأيت أيوب قال نعم ورأيت ابن عون قال
نعم، قال فرأيت يونس قال نعم قال فكيف لم تجالسهم وجالست عوفا والله
ما رضي عوف ببدعة حتى كانت فيه بدعتان، كان قدريا شيعيا وقال
أحمد: حماد بن يزيد لم يكن ينهى عنه وقال بعد نقل انه كان له جاران
يسميان باسم الشيخين الخ قلت ما هذا ببعيد فان جعفرا قد روى أحاديث
من مناقب الشيخين وهو صدوق في نفسه وينفرد بأحاديث عدت مما ينكر
واختلف بالاحتجاج بها ثم ذكر جملة منها ثم قال وغالب ذلك في صحيح
مسلم ثم روى عن جعفر بن سليمان بسنده عن عمران بن حصين قال
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية استعمل عليهم عليا - الحديث -. وفيه ما
تريدون من علي علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي قال ابن عدي
أدخله النسائي في صحاحه ثم روى عن جعفر بن سليمان بسنده عن أبي
سعيد قال مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستخلف أحدا قال فما حدث به إلا
وعنده أن عليا ليس بوصي. ثم روى عن جعفر بن سليمان بسنده عن



(1) في بعض المواضع وجدت بدل فقدت
- المؤلف -
110
عمار بن ياسر أنه قال أمرت بقتال القاسطين والمارقين ثم روى عن
جعفر بن سليمان بسنده عن أنس بن مالك فذكرت حديث الطير قال ابن
عدي جعفر شيعي أرجو أنه لا بأس به قد روى في فضائل الشيخين
وأحاديثه ليست بالمنكرة وهو عندي ممن يحمد أن يقبل حديثه مات في رجب
سنة 178 اه - قال المؤلف - فظهر أن الرجل كان ثقة زاهدا عابدا صدوقا
متقنا وأن القدح فيه كله يرجع إلى التشيع وعلى ذكر قولهم: وعنه أخذ
بدعة التشيع ذكرت قول الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى أورده في معاهد
التنصيص:
حب علي بن أبي طالب * هو الذي يفضي إلى الجنة
إن كان تفضيلي له بدعة * فلعنة الله على السنة
والعجب ممن يقبل رواية عمران بن حطان الخارجي مادح عبد
الرحمن بن ملجم على قتله عليا عليه السلام كيف يتوقف في الرواية عن
جعفر لميله إلى أهل البيت وتشيعه لهم. وتفرقة ابن حبان بين من يكون
داعية وغيره لا تستند إلى دليل مع أن ابن حطان كان داعية وقبل وكفى في
دعايته شعره المشهور في ابن ملجم. والتفرقة التي ذكرها بان انتحال العبد
بينه وبين ربه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه لا يرجع إلى محصل فإن
الاعتقاد الذي يظهره إن شاء عذبه عليه وإن شاء عفا عنه وكل منهما معصية فإن
كانت المعصية تضر بقبول الرواية أضرت في الموضعين وإن كانت لا تضر
مع الاشتهار بالصدق لم تضر في المقامين، والغريب عدم تعرض الشيعة
لهذا الرجل مع فضله إلا ما كان من احتمال تعرض الشيخ له كما مر
وأطناب أهل السنة في ذكر أحواله.
مشايخه
يستفاد مما مر عن أنساب السمعاني وتذكرة الحفاظ وميزان الاعتدال
وتهذيب التهذيب أنه يروي عن ثابت البناني وأبي عمران الجوني ويزيد
الرشك ومالك بن دينار وفرقد السبخي والجعد أبي عثمان والجريري
وحميد بن قيس الأعرج وابن جريح وعوف الأعرابي وعطاء بن السائب
وكهمس بن الحسن وجماعة.
تلاميذه
يستفاد مما مر أنه روى عنه الثوري ومات قبله وابن المبارك
وإسحاق ابن أبي إسرائيل وعبد الله بن عمر القواريري وعبد الرحمن بن
مهدي وسيار بن حاتم ويحيى بن يحيى النيسابوري وعبد السلام بن مطهر
وقتيبة بن سعيد وصالح بن عبد الله الترمذي وبشر بن هلال الصواف
وقطن بن نسير ومسدود محمد بن سليمان لوين وعبد الرزاق وفي تذكرة
الحفاظ وعنه أخذ بدعة التشيع - أي عبد الرزاق عن جعفر كما يدل عليه
قول عبد الرزاق المتقدم قدم علينا جعفر فأخذت هذا عنه ولإن التلميذ
يأخذ عن أستاذه ويحتمل العكس لقول المقدمي المتقدم فقدت عبد الرزاق ما
أفسد جعفرا غيره وروى عنه أهل العراق وجماعة.
جعفر بن سليمان القمي أبو محمد
قال النجاشي ثقة من أصحابنا القميين له كتاب ثواب الأعمال أخبرنا
علي بن أحمد بن أبي جيد حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد عنه وقال الشيخ
في رجال الكاظم وفي رجال الهادي عليهما السلام جعفر بن سليمان اه
ويحتمل أنه القمي هذا وفي منهج المقال: ذكره في هذه الترجمة. وفي رجال
ابن داود جعفر بن سليمان القمي أبو محمد لم. جش: ثقة اه - لم -
إشارة إلى أنه لم يرو عنهم عليهم السلام و - جش - إشارة إلى النجاشي.
وفي منهج المقال لم نجده فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام من رجال الشيخ
اه ولكن الظاهر أن ابن داود اصطلح أن يذكر من لم يرو عنهم عليهم
السلام بعلامة لم وحدها إذا لم يذكره الشيخ وبعلامة لم جخ إذا ذكره الشيخ
وهذا من القسم الأول. وعن جامع الرواة أنه نقل رواية المعلى بن محمد
البصري عن جعفر بن سليمان القمي عن عبد الله بن الحكم اه وفي لسان
الميزان: جعفر بن سليمان القمي ذكره النجاشي في رجال الشيعة روى عنه
محمد بن الحسن بن الوليد كتابه في ثواب الأعمال اه وفي مشتركات
الطريحي والكاظمي باب جعفر بن سليمان المشترك بين ثقتين ويمكن
استعلام أنه القمي برواية محمد بن الحسن بن الوليد عنه وحيث لا تمييز فلا
إشكال لاشتراكهما في معنى هو التوثيق اه‍
جعفر بن سليمان الكوفي
مر في جعفر بن سليمان ما قاله فيه صاحب لسان الميزان
جعفر بن سماعة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وذكره في
أصحاب الكاظم عليه السلام أيضا وقال واقفي. وفي تكملة الرجال
سماعة هذا غير سماعة بن مهران المشهور بل هو ابن موسى كما سيجئ
في ابن محمد بن سماعة وفي كشف الرموز ضعف رواية جعفر بن سماعة
لكونه واقفيا وفي التنقيح الرواية ضعيفة السند لان في طريقها جعفر بن
سماعة وهو واقفي ومثلها عبارة الصيمري والمجمع اه. وفي رجال ابن
داود جعفر بن سماعة - م جخ - واقفي اه. هكذا في نسخة صحيحة -
م - علامة لرجال الكاظم عليه السلام و - جخ - علامة لرجال الشيخ ولكن
في منهج المقال في النسخة المطبوعة عن رجال ابن داود أنه قال جعفر بن
سماعة - م - جخ - نزل ثقيف كوفي واقفي ثم قال في منهج المقال: والحق انه
جعفر بن محمد بن سماعة كما يأتي موثقا اه. وفي النقد الظاهر أن يكون
هذا والذي سيجئ بعنوان جعفر بن محمد بن سماعة واحدا اه. وعن
الحاوي والمجمع انهما واحد وعن الوجيزة للمجلسي انه حكم بأنهما واحد
ثم قال وقيل الضعيف غيره وليس بذلك البعيد اه. وفي تكملة الرجال
واعلم أن المصنف - يعني صاحب النقد - حكم باتحاد جعفر هذا وجعفر بن
محمد بن سماعة الآتي وحكم المجلسي بالمغايرة قال فيما وجدته بخطه معلقا
على العبارة - اي عبارة المجمع - بقوله: بل الظاهر مغايرتها لما ذكره الكليني
في كتاب المواريث من باب ان النساء لا يرثن من العقار شيئا حيث قال عن
الحسن بن محمد بن سماعة عن عمه جعفر بن سماعة اه. والنجاشي فإنه
ذكر في ترجمة محمد بن سماعة انه والد الحسن وإبراهيم وجعفر ثم ذكر في
ترجمة جعفر بن محمد بن سماعة انه أخو أبي محمد الحسن وإبراهيم أبي محمد
وكان جعفر أكبر اخوته اه. فذكر صريحا وجود جعفر بن محمد بن سماعة
وقد ثبت وجود جعفر بن سماعة بعبارة الكليني صريحا بقرينة إضافة العم
وهذا غاية ما يدل على وجود جعفر بن سماعة نفسه ويبقى الشك في وجود
جعفر بن محمد بن سماعة وهذه العبارة تدل عليه فلا بد من تتميمه بشاهد
آخر فيدل عليه كلام النجاشي اه. وفي التعليقة: جعفر بن محمد بن
سماعة أخو الحسن بن محمد بن سماعة فكيف يكون من أصحاب الصادق
عليه السلام وأيضا يأتي في محمد بن سماعة والد جعفر انه من أصحاب

111
الرضا فكيف يكون ابنه من أصحاب الصادق والكاظم عليهم السلام وفي
الاخبار عن الحسن بن محمد بن سماعة عن صفوان عن جعفر بن سماعة
فتأمل ويشير هذا إلى وثاقته كما مر في الفوائد اه. وفي رجال أبي علي ضرر
كونه أخا الحسن غير مفهوم لأنه من أصحاب الكاظم وهذا من أصحاب
الصادق مع أنه يأتي انه أكبر اخوته واما كون والده من أصحاب الرضا عليه
السلام فكيف يكون الابن من أصحابهما - الصادق والكاظم - فربما يقال لا
يستلزم من ذكر الأب في أصحاب الرضا عدم دركه غيره بل الظاهر من ذكر
الراوي في أصحاب الإمام روايته عنه ومن عدم ذكره عده روايته عنه وان
عاصره يشير اليه قول الشيخ في بعض التراجم عاصره ولا أدري روى عنه
أم لا وقوله في أول رجاله ومن لم يرو عنهم عليهم السلام - لم - ينادي بذلك
وهذا الحسن بن محمد بن سماعة لم يذكره الا في رجال الكاظم عليه السلام
مع أنه أدرك الرضا والجواد بل والهادي والعسكري عليهم السلام أيضا كما
يأتي تاريخ وفاته وأيضا كما ينافي وجود الأب في أصحاب الرضا وجود الابن
في أصحاب الصادق والكاظم ينافي ذلك وجوده في أصحاب الكاظم أيضا
وسيأتي ذكر الحسن في أصحاب الكاظم مع ذكر الأب في أصحاب الرضا
اه‍. وفي لسان الميزان جعفر بن سماعة روى عن جعفر الصادق ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه.
جعفر بن سهيل الصيقل وكيل أبي الحسن وأبي محمد وصاحب الدار عليهم
السلام
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب العسكري عليه السلام.
وفي الخلاصة من أصحاب أبي محمد العسكري وكيل أبي الحسن عليهما
السلام اه‍. وفي التعليقة قوله وكيل هذا يشير إلى الجلالة بل الوثاقة كما
ذكرناه في الفائدة الثالثة اه. وفي لسان الميزان جعفر بن سهل بن ميمون
الصيقل روى عن علي بن موسى الرضا ذكره الطوسي في رجال الشيعة
فأبدل سهيل بسهل وزاد ميمون وجعله راويا عن الرضا وكل ذلك ليس في
رجال الشيخ والله أعلم.
جعفر بن سويد بن جعفر بن كلاب
روى الشيخ في التهذيب في باب تلقين المحتضر من أبواب الزيادات
عن محمود بن ميمون عنه عن جعفر بن محمد عليهما السلام ويحتمل كونه
الجعفري الآتي.
جعفر بن سويد الجعفري القيسي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان جعفر بن سويد الجعفري ذكره الطوسي في رجال الشيعة فيمن روى
عن جعفر الصادق اه.
جعفر بن سويد مولى بني سليم كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
جعفر بن شبيب النهدي يعرف بالبرذون الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان جعفر بن شبيب النهدي وروى عن جعفر الصادق ذكره الطوسي في
رجال الشيعة اه. وفي التعليقة سيجئ في أخيه محمد ما يومئ إلى
معروفيته اه. حيث قال الشيخ: محمد بن شبيب النهدي أخو جعفر بن
شبيب فجعله معرفا لأخيه. الشيخ جعفر شرع الاسلام الحويزي النجفي
أصله من الحويزة واقام في النجف وحصل وتقدم، له مؤلفات
عديدة في الفقه والأصول أعقب ولده الشيخ محمد شرع الاسلام.
الشيخ جعفر الشروقي
يأتي بعنوان جعفر بن محمد حسن.
جعفر بن الشريف الجرجاني
قال القطب الراوندي في الخرايج والجرايح روى أحمد بن محمد عن
جعفر بن الشريف الجرجاني قال حججت سنة فدخلت على أبي محمد بسر
من رأى وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا فأردت ان اسأله إلى من ادفعه
فقال قبل ان قلت ادفع ما معك إلى المبارك خادمي ففعلت ثم ذكر حديثا
طويلا يشتمل على معجزات وكرامات للحسن العسكري عليه السلام
ويظهر من ذلك كونه اماميا حسن الحال.
جعفر بن شريك بن ميمون الصيقل
في لسان الميزان روى عن علي بن موسى الرضا
الشيخ جعفر الشوشتري
مضى بعنوان جعفر بن الحسين.
ميرزا جعفر صاحب المدرسة بالمشهد المقدس الرضوي
لا نعلم من أحواله شيئا سوى ان في المشهد المقدس الرضوي مدرسة
تعرف بمدرسة ميرزا جعفر وهي احدى مدارس المشهد المشهورة طريقها من
الصحن الشريف وبناؤها عال ومزين بالكاشي المعرق الممتاز ولكنها أشرفت
على الخراب فرممها وجددها محمد ناصر خان ظهير الدولة أيام ولايته في
خراسان وكتب على إيوان باب المدرسة على الكاشي أحاديث في فضل العلم
مثل، اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، مداد العلماء كدماء الشهداء،
كتبه محمد حسين الشهيد المشهدي وعلى دور الإيوان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة الاثني عشر عليهم السلام كتبه مدرس هذه المدرسة محمد رحيم
وكتب فوق الإيوان على الكاشي قد وفق لعمارة هذه المدرسة بعد ما درست
آثارها امتثالا لامر السلطان الأعظم والخاقان الأفخم أدام الله أيام دولته
نصير الملة السنية الملقب بظهير الدولة العلية محمد ناصر خان والي مملكة
خراسان كتبه احمد ابن الشهيد سنة 1285 وآيات قرآنية وأحاديث في فضل
العلم وكتب أيضا قد امر بعمارة هذه المدرسة السلطان ناصر الدين شاه
قاجار كتبه في جمادي الأولى احمد ابن الشهيد 1285.
الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر
ولد سنة 1272 في كربلاء وتوفي في سنة 1345 بكربلاء ودفن بها
هكذا في الطليعة والذي كتبه الينا ولده الشيخ موسى انه توفي غرة جمادي
الثانية سنة 1347 ودفن في الرواق الشريف الحسيني قريبا من قبر صاحب
الرياض وعمره ثمانون سنة وعليه فيكون مولده سنة 1267 ولا شك ان
الأبناء اعرف بمواليد آبائهم ووفياتهم.

112
تخرج في كربلاء بالشيخ زين العابدين المازندراني والشيخ محمد حسين
الأردكاني والميرزا محمد حسن الشهرستاني وانفرد بعدهم بالتدريس تخرج به
جماعة وله شعر. وقال ولده الشيخ موسى فيما كتبه الينا: كان أحد علماء
العرب المبرزين القاطنين في كربلا معاصر للميرزا جعفر الطباطبائي والسيد
إسماعيل الصدر والسيد باقر الطباطبائي قرأ أولا على الشيخ صادق خلف
الحائري وبعده على السيد علي اليزدي الحائري والملا حسين الأردكاني كان
فقيها مجدا محالفا لتدريسه ومحرابه ومن تلاميذه السيد محمد مهدي ابن السيد
إسماعيل الصدر واخوه السيد صدر الدين والميرزا جعفر ابن السيد محمد
حسين الشهرستاني والسيد محمد صادق الطباطبائي والسيد حسين بن الميرزا
جعفر الطباطبائي والشيخ محمد علي خلف والسيد عبد الوهاب آل وهاب
والسيد مهدي آل النقيب اه. له من الأولاد الشيخ موسى عالم فاضل
شاعر اقتفى سيرة والده قرأ على أبيه وعلى الشيخ عبد الحسين المرندي وعلى
الميرزا محمد تقي الشيرازي رأيناه في سفرنا إلى العراق سنة 1352 وفي
الطليعة فاضل مشارك جامع وأديب شاعر بارع هو اليوم في كربلا مدرس
أهلها فكم تخرج عليه فاضل وامام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس
عليه السلام وتزدحم عليه الأماثل ومن شعره قوله:
زارني والليل قد أرخى الستارا * بدر تم غادر الليل نهارا
فارسي ليس يدري ذمما * لا ولا يرعى عهودا وذمارا
فإذا حاولت منه قبلة * هز لي الجيد دلالا ونفارا
وإذا ما قلت صلني قال لي * قد عددنا صلة الاعراب عارا
يوسفي الحسن لما ان بدا * قطع الأيدي يمينا ويسارا
وقوله مشطرا البيتين المنسوبين إلى قيس العامري:
امر على الديار ديار ليلى * ونار الشوق تستعر استعارا
أشم ترابها طورا وطورا * اقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي * ولا أضر من في جنبي نارا
ولا ربع الغوير وساكنيه * ولكن حب من سكن الديارا
قال ومن شعره ما أنشدنيه من لفظه من حسينية:
ولم انس غداة فرت * إلى نعش الشهيد ابن الشيد
فقل ببنات نعش قد أقامت * مناح جوى على بدر السعود
تقبل هذه وتشم هذي * خضيب الكف أو ورد الخدود
إذا أم تنوح تقول أخت * - أعيدي النوح معولة أعيدي -
فهن على البكا متساعدات * الا فاعجب لذي ثكل سعيد
وله غيرها اه.
جعفر خان ابن الصادق خان ابن ايناق الزندي
توفي سنة 1203
(والزندية) كما في آثار الشيعة الإمامية اسم قبيلة من الوار قلمر
وعليشكر توطنت ملاير وبريه من العراق العجمي وكان نادر شاه قد خاف
قوتها فأمر بابا خان جابشلو بتشتيت شملها فقتل قسما منها وانزل قسما آخر
في دره جز وابيورد من لواحق خراسان وبعد انقراض سلطنة نادر عادت إلى
منازلها الأولى وكان زعيمها في تلك الأيام كريمخان ابن ايناق وهو أول من
ملك منهم واخبارهم مذكورة في التواريخ الفارسية والف فيها أيضا
كتب مستقلة مثل تاريخ الزندية لميرزا صادق من معاصريهم ومثله لميرزا علي رضا
عبد الكريم الشيرازي طبع الأخير في لندن سنة 1888 م، وسنأتي على
تراجم من ملك منهم في أبوابها إن شاء الله تعالى. والمترجم هو الخامس من
ملوكهم جلس على سرير الملك سنة 1199 فملك أربع سنين وتوفي
بالتاريخ المتقدم.
جعفر بن صالح
جعله الإمام موسى بن جعفر ع من شهود وصيته كما يأتي
في العباس بن موسى بن جعفر.
جعفر بن صالح البحراني
في تكملة أمل الآمل انه فاضل صالح ورع فقيه محدث شاعر معاصر
السيد جعفر بن أبي البشر الضحاك بن الحسين بن سليمان بن علي بن
عبد الله بن محمد المعروف بتغلب بن عبد الله الأكبر بن محمد الثائر ابن
موسى الثاني ابن عبد الله بن موسى الجون ابن عبد الله المحض ابن الحسن ابن الإمام
الحسن المجتبى عليه السلام.
توفي سنة 666
في عمدة الطالب: السيد الفاضل النسابة امام الحرم وهو صاحب
الحكاية مع التقي بن اسامة الحسني حدثني الشيخ النقيب تاج الدين أبو
عبد الله محمد بن معية الحسني باسناده إلى السيد العالم عبد الحميد بن
التقي بن اسامة النسابة قال حدثني أبو التقي عبد الله بن اسامة قال
حججت انا وجدك عدنان بن المختار فبينما نحن ذات ليلة في المسجد الحرام
وإذا بجماعة مجتمعة على شخص ورأينا الناس يعظمون ذلك الشخص
ويجتمعون عليه فسألنا عنه من هو قيل جعفر بن أبي البشر امام الحرم فقال
لي السيد عدنان وكان رجلا مسنا قد ضعف اني لأضعف عن الذهاب اليه
والسلام عليه فقم أنت فسلم عليه فقمت فاتيته وسلمت عليه وقبلت رأسه
وقبل صدري لأنه كان رجلا قصيرا ثم قال لي من أنت؟ فقلت بعض بني
عمك بالعراق، فقال: أعلوي أنت؟ فقلت: نعم، فقال: احسني أم
حسيني أم محمدي أم عباسي أم عمري؟ فقلت: حسيني، فقال: ان
الحسين الشهيد أعقب من زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام وحده
وأعقب زين العابدين من ستة رجال محمد الباقر وعبد الله وزيد الشهيد
وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلي الأصغر فمن أيهم أنت؟ فقلت من
ولد زيد الشهيد، فقال إن زيدا أعقب من ثلاثة رجال الحسين ذي الدمعة
وعيسى ومحمد فمن أيهم أنت؟ فقلت انا من ولد الحسين ذي الدمعة، قال
فان الحسين ذي الدمعة أعقب من ثلاثة يحيى والحسين القعدد وعلي فمن
أيهم أنت؟ فقلت: انا من ولد يحيى، قال: فان يحيى بن ذي الدمعة
أعقب من سبعة رجال القاسم والحسن الزاهد وحمزة ومحمد الأصغر وعيسى
ويحيى وعمر فمن أيهم أنت؟ فقلت: انا من ولد عمر بن يحيى قال فان
عمر بن يحيى أعقب من رجلين احمد المحدث وأبي منصور محمد فلأيهما
أنت؟ قلت لأحمد المحدث قال فان احمد أعقب من الحسين النسابة النقيب
وأعقب الحسين النسابة من رجلين زيد ويحيى فمن أيهما أنت قلت من
يحيى بن الحسين قال فان يحيى أعقب من رجلين أبي علي عمر وأبي محمد

113
الحسن فمن أيهما أنت؟ قلت من ولد أبي علي عمر بن يحيى قال فان أبا علي
عمر بن يحيى أعقب من ثلاثة أبي الحسين محمد وأبي طالب محمد وأبي
الغنائم فمن أيهم أنت؟ قلت من ولد أبي طالب محمد بن أبي علي عمر بن
يحيى قال فكن ابن اسامة قال فقلت انا ابن اسامة قال وهذه الحكاية تدل
على حسن معرفة هذا الشريف بأنساب قومه واستحضاره لاعقابهم
وللشريف جعفر بن أبي البشر عقب اه‍.
الشيخ جعفر أو محمد جعفر بن طاهر الخراساني
كان حيا سنة 1151
ترجم نفسه في حاشيته على منهج المقال فقال إنه اتفق تأليفها في زمن
استيلاء الأفاغنة على بلاد إيران حيث هربت من أصفهان واختفيت في
بعض الجبال من ناحية كوبا سنة 1134 ووقت التأليف لم يحضرني من
الكتب الا عدة قليلة وذكر من مؤلفاته كتاب الطباشير قال وفيه ذكرت
تاريخ تولدي وتاريخ وفاتي وقال في الحاشية كتاب الطباشير ألفته في بلدة يزد
سنة 1151 في كراريس يشتمل على عدة من الصحف الإدريسية وعلى عدة
صحف مني وفيه تاريخ تولدي وتاريخ ما سيغيب المتصرف في قالبي
والحمد لله على ما جعلني من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم اه‍. وكأنه استنبط تاريخ
وفاته من بعض الحسابات أو غيرها الله يعلم ولا يعلم الغيب غيره وما ضره
لو ذكر تاريخ ولادته بدون إحالة على كتاب الطباشير فاه ليس عليه في ذلك
كلفة.
مؤلفاته
(1) إكليل المنهج في تحقيق المطلب حاشية على منهج المقال في
الرجال للسيد ميرزا محمد بن علي الأسترآبادي المعروف برجال الميرزا الكبير
في مجلدة حسنة الفوائد رأيناها بخط المصنف في طهران في مكتبة الشيخ
فضل الله النوري الشهيد وقد ترجم نفسه فيها كما مر (2) فوائد الأخبار
(3) نوادر الأخبار (4) الطباشير ذكرها كلها في إكليل المنهج.
السيد جعفر الطباطبائي
ولد في شوال سنة 1238 كما في بعض المجاميع ولم نعرف تاريخ وفاته
وكان حيا سنة 1260
أخذ عن صاحب الجواهر والشيخ حسن بن الشيخ جعفر وصاحب
الفصول صنف نخبة المقال في الرجال أرجوزة أورد فيها أسماء المشاهير من
العلماء وأعمارهم ووفياتهم بالتاريخ اللفظي المعروف وهو شئ لم يسبق
إليه، عدد أبياتها 1313 فرع من نظمها سنة 1260 هكذا في بعض
المجاميع المخطوطة.
الشيخ جعفر الطهراني النجفي
من علماء النجف ذكره صاحب اليتيمة الصغرى.
الملا جعفر ويقال محمد جعفر الطهراني المعروف بجالميداني
توفي في طهران سنة 1295
كان من أكابر العلماء والفقهاء أرسله لسيد محمد باقر إلى الهند
بحسب طلب مسلمي تلك البلاد وتوفي بعد رجوعه لطهران بالتاريخ المقدم.
السيد الشريف جعفر بن الجبار بن حسين العلوي الموسوي البحراني
من أجلاء سادات البحرين جمع الحسن بن محمد الغنوي الهذلي راوية
الشيخ جعفر الخطي البحراني الشاعر الشهير بأمره ديوان الشيخ جعفر
المذكور
الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحسن ابن الشيخ راضي ابن الشيخ محمد ابن
الشيخ محسن ابن الشيخ خضر النجفي
ولد سنة 1281 وتوفي يوم الخميس 14 ذي القعدة سنة 1344
كان عالما فاضلا حاد الذهن معتدل السليقة على جانب عظيم من
مكارم الأخلاق رأس بعد أبيه في النجف وأخذ عن علمائها وأخذ جماعة
رأيناه في النجف وعاشرناه وعاصرناه له مؤلف في الفقه. وهو حفيد الشيخ
راضي الفقيه النجفي المشهور.
جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. وقال
النجاشي جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي أخبرنا ابن نوح حدثنا الحسين بن
علي حدثنا حميد سمعت من جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي نوادر له عن
الرجال اه وفي المشيخة لصاحب الذريعة: لم يصف النجاشي من كتب
النوادر البالغة نحو المائتين بقوله عن الرجال سوى هذا ونوادر أبي بشر
أبان بن محمد المعروف بسندي قال ووجه تقييدهما بأنهما من الرجال شبههما
بالمشيخة في أن مؤلفيهما يتعرضان لترجمة الرجال الذين يرويان عنهم ما ذكر
روايتهم اه وفي الفهرست جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي له نوادر أخبرنا
أحمد بن عبدون عن أبي طالب الأنباري عن حميد عنه اه.
وذكر الشيخ في رجاله أيضا فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام
جعفر بن عبد الرحمن وقال يروي عنه حميد والظاهر أنه هو هذا بقرينة رواية
حميد عنه وكونه ممن لم يرو عنهم عليهم السلام واتحاد الاسم واسم الأب ولا
ينافي ذلك ذكر الشيخ لهما فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام لأن مثل ذلك
تكرر منه وفي لسان الميزان: جعفر بن عبد الرحمن الكاهلي ذكره الطوسي
في رجال الشيعة وقال روى عنه حميد بن زياد اه.
الشيخ جعفر بن عبد الله بن إبراهيم الحويزي الكمرئي الأصفهاني القاضي
بأصفهان.
توفي سنة 1115 ودفن في الحائر وقيل توفي آيبا من الحج قبل وصوله
إلى النجف بفرسخين فحمل إليها ودفن في جنب العلامة الحلي.
(الكمرئي) بالكاف والميم الساكنة والراء والهمزة وياء النسبة نسبة
إلى كمرة بالفتحات الثلاث اسم لناحية من نواحي بروجرد ذات قرى
ومزارع كثيرة، كان أرسله إليها الآغا جمال الدين الخوانساري
بعد بلوغه درجة عالية من العلم فاستوطنها هو وسائر أهل بيته،
فمن وجد الآن في قرية كوشة من قرى تلك الناحية من العلماء والفضلاء
هم من سلسلته، كما في روضات الجنات.
كان تلميذ المحقق الخوانساري ومعاصرا للعلامة المجلسي له ذخائر
العقبى كتبه بأمر الشاه حسين الصفوي، وفي جامع الرواة الشيخ جعفر بن
عبد الله بن إبراهيم الكمرئي جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة دقيق

114
الفطنة ثقة ثبت عين عارف بالأخبار والتفسير والفقه والأصول والكلام
والحكمة والعربية جامع لجميع الكمالات وليس له في جامعيته وحدة حدسه
وحضور جوابه وذكائه ورقة طبعه في عصره نظير ولا قرين وكان أستاذنا
ومعتمدنا وبه في جميع العلوم استنادنا مد الله تعالى في عمره وزاد في تأييده
ورتبته اه وفي اللآلئ الثمينة تأليف السيد حسن بن السيد إبراهيم بن
معصوم القزويني: هو من مشايخ الوالد العلامة وكان يصف فضله ودقة
ذهنه وغاية احتياطه في القضايا والأحكام ونهاية أنصافه له رسائل متفرقة
وتعليقات على الروضة البهية اه وهذه التعليقات مطبوعة مع الروضة على
الهامش.
وكان المترجم من مشايخ الإجازة وله ذكر في سلسلة أكثر الإجازات
وفي تتمة أمل الآمل للشيخ عبد النبي القزويني تلميذ بحر العلوم: الشيخ
محمد جعفر بن عبد الله الكمرئي ختن آقا محمد حسين الخوانساري، توفي
بأصبهان. أقول: مر أنه دفن بالحائر، ومر قول بأنه توفي آيبا من الحج
ودفن بالنجف وهو الصواب كما تدل عليه مرثيته الآتية وما مر من أنه توفي
بأصبهان ودفن بالحائر سهو قال ولأستاذنا ميرزا قوام الدين محمد القزويني
فيه مرثية ذكر فيها تاريخ وفاته كان قاضي أصبهان وشيخ الاسلام فيها
فاضل أحاط بأفق الفضيلة، خاض في بحار العلوم فاخرج منها درا
ومرجانا، أعظم الأفاضل شانا وأنورهم برهانا، كان له تحرير فائق وتعبير
عن المطالب رائق وإحاطة تامة بأنواع العلوم، له من كل فن سهام عالية،
حقق كل مسالة من مسائل العلوم بما لا مزيد عليه، واستنبط في مقاله
الحق بحيث يظهر لكل أحد ما له وما عليه وبالجملة لا مماثل له ولا معادل
كان في أوائل أمره معتزلا عن المناصب ثم ولي القضاء فباشره مراعيا
للكتاب والسنة فأتعب نفسه وأراضها تمام الرياضة وبالغ في إبطال الباطل
وإحقاق الحق. حكي أنه رقي المنبر في المسجد الجامع وكان من جملة ما
تكلم به: أيها الناس من حكمت عليه ولم يرض فلا أبالي لأني ما حكمت
على أحد إلا وقد قطعت أنه يقينا حكم الله، ومن ضاع حقه بسبب تدقيقي
في الشهود وكان الحق له في الواقع فليحلني. له حاشية على شرح اللمعة
إلى أواسط كتاب الطهارة، ثم كتب بعد ذلك على كتاب الإقرار، وله
حواش متفرقة على ذلك الكتاب، ورسالة فارسية في الطبيعي والإلهي من
الحكمة النظرية اه وفي روضات الجنات: الشيخ قوام الدين جعفر بن
عبد الله بن إبراهيم الحويزي الأصل الكمرئي المولد الأصفهاني المسكن
النجفي المدفن انتهت إليه رياسة الفئة الناجية في عصره بأصفهان وعليه
مدار الحكومة والقضاء والفتيا والتدريس وكان الآقا حسين الخوانساري
شديد التعلق به حسن الاعتقاد فيه مقدما له على سائر رجاله الآجلة في
ارجاع عظائم الأمور اليه، كما وجدناه في مجاميع بعض معاصريه. وكان
من اشهر مناصبه القضاء بأصفهان طول حياته بحيث قد عرف به بين
الأصحاب.
مشايخه
في روضات الجنات: الظاهر أن غالب تلمذه في المعقول والمنقول
والفروع والأصول على المولى محمد باقر السبزواري صاحب الذخيرة
والكفاية، وعلى الآقا حسين الخوانساري، وقرأ في الحديث على المولى محمد
تقي المجلسي ويروي عنه إجازة.
تلاميذه
في روضات الجنات: تلمذ عليه جماعة - الأول - محمد أكمل والد
الآقا محمد باقر البهبهاني - الثاني - الحاج محمد الأردبيلي صاحب جامع
الرواة - الثالث - السيد صدر الدين القمي شارح الوافية - الرابع - الميرزا
قوام الدين محمد بن محمد مهدي الحسني السيفي القزويني
مؤلفاته
يعلم مما مر أن له (1) ذخائر العقبى في التعقيبات في روضات
الجنات لم يكتب مثله (2) حواشي الروضة وليس فيها مزيد تحقيق (3)
رسالة فارسية في الحكمة الطبيعية والآلأهية (4) رسالة وجيزة في حكم
ولاية الوصي على نكاح الصغيرين كتبها بالتماس بعض فضلاء عصره في
الروضات: وكأنه الآقا حسن الخوانساري أو ولده الآقا جمال الدين.
رثاؤه
رثاه تلميذه السيد قوام محمد المقدم ذكره بقوله من قصيدة:
الدهر ينعي الينا المجد والكرما * والعلم والحلم والأخلاق والشيما
ولا تطيق الجبال الشم داهية * دهياء دك لها الاسلام وانثلما
يا صبر هذا فراق بيننا ومتى * تطاق والدهر أوهى الركن فانهدما
يا عين جودي فعين الجود غائرة * تبكي عليها العيون الساهرات دما
أين الذي بسط الإحسان منبسطا * قد عم فيض نداه العرب والعجما
أين الذي فسر الآيات محكمة * أين الذي هذب الأحكام والحكما
وباطل كان بالتحقيق يدمغه * كأنه بقدوم يكسر الصنما
لله أيامنا اللاتي مضين لنا * إذ نحن من نوره نستكشف البهما
كانت هي العمر مرت وهي مسرعة * وهل سمعت بحي عمره انصرما
وأخوة بصفاء الود رافقهم * فجمعهم بعده عقد قد انفصما
إن - الإشارات - بعد الشيخ مبهمة * كما - الشفاء - عليل يشتكي السقما
بات - الصحاح - سقيما منذ فارقه * - عين الخليل - أصيبت عينه بعمى
تبكي عليه عيون العلم تسعدها * شروحها وحواشيها وما رقما
تمضي الليالي ولا تفنى مآثره * يبقى على صفحة الأيام ما رسما
طوبى له من وفى في مهاجره * من بيته وهو يرجو الله معتصما
والنفس في عرفات الشوق والهة * والقلب منه بنار اللوعة اضطرما
وإذ أناف على وادي السلام رأى * من جانب القدس نورا يكشف الظلما
فحل في مجمع الأرواح يصحبهم * بالجسم والروح لا يلقى به سأما
مقربا في منى التسليم مهجته * أبدى من الحب ما في صدره انكتما
فالناظرون إلى اشراق جبهته * يرون ثغر الرضا في وجهه ابتسما
والعاكفون على أطراف مضجعه * يستنشقون نسيم الخلد قد نسما
قف بالسلام على أرض الغري وقل * بعد السلام على من شرف الحرما
مني السلام على قبر بحضرته * أهمى عليه سحاب الرحمة الديما
تاريخ ما قد دهانا غاب نجم هدى * والله يهدي بباقي نوره الأمما - 1115
جعفر بن عبد الله رأس المذري ابن جعفر الثاني بن عبد الله بن
جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام أبو عبد الله
(رأس المذري) وفي بعض النسخ - رأس المذاري - هذه النسبة لم
يظهر لنا إلى أي شئ هي بعد مزيد التفتيش والتنقيب في مظان ذلك -
والمذار - في أنساب السمعاني عن السدامي الحافظ قرية بأسفل أرض
البصرة وفي معجم البلدان المذار في ميسان بين واسط والبصرة وفي البلدان
لليعقوبي هي مدينة ميسان على دجلة اه ويغلب على الظن أن رأس المذري

115
نسبة إليها وإن بها مكانا يسمى رأس المذار وإن لم نره كلام أحد، فقيل في
النسبة إليه رأس المذاري على الأصل أو رأس المذري بحذف الألف تخفيفا
والله أعلم، وقيل له جعفر الثاني بمقابلة جعفر الأول وهو جده وهو الآتي
ترجمته بعد هذا وجعفر الثالث وهو المترجم وقيل إنه يظهر من مراجعة كتب
الأنساب أن المترجم يوصف تارة العلوي نسبة إلى أمير المؤمنين علي عليه
السلام وأخرى بالمحمدي نسبة إلى محمد بن الحنفية فان محمد بن علي بن
أبي طالب الذي في نسبه هو محمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين علي عليه السلام وثالثة
بالمحدث لكونه من المحدثين. قال النجاشي أمه آمنة بنت عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن
علي بن الحسين كان وجها في أصحابنا وفقيها وأوثق الناس في حديثه وروى
عن أخيه محمد عن أبيه عبد الله بن جعفر وله عقب بالكوفة والبصرة وابن
ابنه أبو الحسن العباس بن أبي طالب علي بن جعفر روى عنه هارون بن
موسى وروى جعفر عن جلة أصحابنا مثل الحسن بن محبوب ومحمد بن أبي
عمير والحسن بن علي بن فضال وعبيس بن هشام وصفوان وابن جبلة، قال
أحمد بن الحسين رحمه الله رأيت له كتاب المتعة يرويه عنه أحمد بن محمد بن
سعيد بن عبد الرحمن الهمذاني وقد أخبرنا جماعة عنه اه وفي منهج المقال
يقال له جعفر بن عبد الله المحمدي كما يأتي في ابن ابنه أبي الحسن
العباس بن أبي طالب علي اه وعن التعليقة والمجمع يأتي في محمد بن
الحسن وصفه بالمحدث وفي رجال أبي علي عن ولد الآقا البهبهاني أن كونه
المحمدي سهو واضح فان الذي يقال له المحمدي هو جد المذري وجد
العباس بن علي فيكون العباس المذكور ابن عم المذري لا ابن ابنه، ورده
بأن النجاشي صرح بكون العباس ابن ابنه اه وفي لسان الميزان جعفر بن
عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي العلوي ذكره ابن
النجاشي في رجال الشيعة وقال كان وجها من وجوه الامامية ثقة في الحديث
روى عن أبيه وأخيه محمد بن عبد الله وعن الحسن بن محبوب والحسن بن
علي بن فضال وغيرهم روى عنه أحمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني
وغيره. وله كتاب المتعة جوده اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب جعفر بن عبد الله المشترك
بين جماعة لاحظ لهم في التوثيق ما عدا ابن عبد الله رأس المذري الممدوح
في الجملة ويمكن استعلام حاله برواية أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد
الرحمن بن عقدة عنه وحيث لا تميز فالوقف. وعن الكاظمي في مشتركاته
أنه زاد روايته عن الحسن بن محبوب ومحمد بن أبي عمير والحسن بن علي بن
فضال وعبيس بن هشام وصفوان وابن جبلة اه وليس ذلك في نسختين
عندي من مشتركات الكاظمي والظاهر أنه الحق ببعض النسخ وهو مأخوذ
من النجاشي، وعن جامع الرواة أنه نقل رواية أحمد بن محمد بن سعيد
عن جعفر بن عبد الله المحمدي العلوي في باب فضل الجهاد من التهذيب ورواية عبد الله بن علي بن القاسم بن عبيد الله القطيعي اه وفي رجال أبي
علي يأتي في سماعة رواية ابن عقدة عن جعفر بن عبد الله المحمدي اه ثم
أن قول الطريحي والكاظمي الممدوح في الجملة غريب بعد قول النجاشي
كان وجها في أصحابنا وفقيها وأوثق الناس في حديثه البالغ أعلى درجات
التوثيق.
جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وقال أسند
عنه اه‍ وهو جد الذي قبله.
جعفر بن عبد الله بن الحسين بن جامع قمي حميري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي عليه السلام وفي لسان
الميزان: جعفر بن عبد الله بن الحسين بن جامع القمي ذكره الطوسي في
رجال الشيعة اه‍
السيد جعفر بن السيد عبد الله آل شبر
عالم فاضل مؤلف كان في أصفهان له شرح شرائع الاسلام برز منه
أربعة مجلدات مبسوطة ولا نعلم من أحواله غير ذلك.
جعفر بن عبد الله بن عطاء
ذكره ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة 145 فيمن خرج مع
محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
جعفر بن علي بن جعفر المشهدي
هو والد الشيخ محمد بن جعفر المشهدي مؤلف المزار المشهور وجد
بخطه كتاب الاستبصار للشيخ الطوسي إلى آخر كتاب الصلاة فرع من
كتابته في 8 ذي القعدة سنة 573 وكتب بخطه على عدة مواضع منه بلغ
قراءة وعرضا بخط مصنفه
السيد جعفر القزويني من ذرية السيد جواد القزويني
في المآثر والآثار قال إنه اليوم يعد في قزوين من رؤساء العلماء وأجلة
الفقهاء ومجلسه عامر بالقضاء ومسجده بالإمامة والفقه والاجتهاد والرياسة
قديمة في بيتهم ومكتبتهم إلى الآن باقية وهي في يد المترجم.
الشيخ جعفر بن محمد باقر بن حسن علي بن عبد الله بن رضا بن شرف الدين
التستري
ولد في شوشتر حدود 1250 أو 53 وتوفي سنة 1335 في شوشتر
وغسل في مغتسل البراء بن مالك الأنصاري حسب وصيته وصلى عليه ولده
الشيخ محمد ودفن في مقبرة والده غربي مسجد شرف الدين.
كتب الينا ترجمته حفيده الشيخ محمد مهدي بن محمد بن جعفر
المذكور قال: ان جدهم شرف الدين كان من العلماء له ولدان محمد رضا
ومحمد أمين - اما ملا محمد رضا - فكان من العلماء وكان مرجع أهل شوشتر
في الأمور الدينية وله حواش على دعائي مكارم الأخلاق والتوبة من أدعية
الصحيفة السجادية وعلى زاد المعاد تدل على فضله وله خط نسخي جيد -
واما ملا محمد امين - فكان من العلماء ومن الخطاطين المعروفين وجد بخطه
صحيفة سجادية تاريخ كتابتها سنة 1124 وولد لمحمد رضا ولده - ملا
عبد الله - حكى جدي عنه انه مع كونه من أهل العلم ومن عائلة شرف
وعزة يذهب في الصباح الباكر إلى أبواب الفقراء والأرامل فيقضي حوائجهم
بنفسه ويسعى في بناء المساجد وترميمها ومما بناه المسجد القريب من السوق
المعروف سابقا بمسجد ملا محمد رضا الكبابي الذي هو من علماء شوشتر
ومن عائلة ملا عبد الله والآن يعرف بمسجد موهى وبنى المدرسة المقابلة لهذا

116
المسجد المعروفة سابقا بمدرسة الآخوند الكبابي التي هي الآن خراب وقد
أشار إلى ذلك السيد نعمة الله بن محمد التستري في كتابه فائق البيان فقال إن
الحاج عبد الله بن شرف الدين الذي كان من أهل الصلاح والورع
والتقوى سعى في تعمير عدة مساجد في شوشتر كانت خرابا من زمان طويل
فعمرها بما جمعه من أهل الخير واحدا بعد واحد واحدث مساجد أخرى وعلم من
خاتمة هذا الكتاب ان ملا عبد الله كان حيا سنة 1230 - وأما ملا حسن علي -
ابن عبد الله فكان من أهل العلم والفضل والزهد والتقوى مختارا للعزلة
وكان له ولدان ملا احمد وملا محمد باقر - أما ملا أحمد - فكان من أهل العلم
والفضل ومن الخطاطين المعروفين خطه بغاية الجودة ووجد بخطه عدة
كتب له حواش وتعليقات على شرح ابن الناظم لألفية والده كان حيا سنة
1251 - واما ملا محمد باقر بن حسن علي فتأتي ترجمته في بابها.
اما ملا جعفر صاحب الترجمة فكان عالما فاضلا واعظا قال حفيده
المذكور فيما كتبه الينا والعهدة عليه: بعد ما فرع من تعلم القراءة بالفارسية
شرع في تحصيل العلوم العربية مع تعذر الوسائل عليه في ذلك الوقت وكان
يقول إنه في أيام التحصيل لم تكن عنده الكتب اللازمة ولا يتمكن من
شرائها فكان يستعير الكتاب من بعض رفقائه ويكتب درس الغد والف
السيد علي أصغر ابن السيد حسين ابن السيد علي الشوشتري في أحواله كتابا
أسماه الدر الثمين في أحوال ملا جعفر شرف الدين. قال فيه ما تعريبه:
لما انتهت نوبة هداية عباد الله وارشادهم إلى العالم العامل شمس فلك
الزهد والتقوى ناشر آثار أئمة الهدى الفقيه النبيل ملا جعفر شرف الدين
بذل مساع جميلة ومتاعب زائدة الوصف ومشاق فوق العادة في احياء آثار
السنة السنية واعلاء الكلمة الحقة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر
فضائل ومناقب الأئمة الأطهار وآثار واخبار أهل بيت أحمد المختار ولم يترك
ذلك في آن من الآنات وعكف من عنفوان شبابه على اكتساب العلوم
وتكميل مراتب السنن والآداب والاستضاءة بأنوار معارف العلماء المتقين
والفقهاء المحققين ومصاحبة ذوي البصائر ومجالسة السالكين طرق
الصديقين.
مشايخه
عن الدر الثمين المقدم انه عد مشايخه هكذا (1) السيد احمد
المعروف بمعلم المتوفي سنة 1290 قرأ عليه الصرف والنحو والمنطق
والأصول والفقه وبعض كتب الكلام والتجويد (2) السيد عبد الكريم
الشوشتري (3) الشيخ محمد طاهر الدزفولي المتوفي غرة جمادى الثانية سنة
1315 ويروي عنه إجازة (4) الشيخ جعفر الشوشتري العالم الواعظ
الشهير (5) السيد عبد الصمد التستري الجزائري المتوفي 10 جمادى الثانية
سنة 1337 وأشار إلى ذلك في منظومتي الرضاع والمواريث فقال في منظومة
الرضاع:
فريد الأيام وحيد العصر * ومرجع الاعلام أهل الفخر
السيد الأستاذ عبد الصمد * أديم ظله دوام الأبد
وقال في منظومة الرضاع:
مسترضع من ثدي بحر العلم مع * معرفة بل الكمالات جمع
منبع عين الفضل والجود ومن * قد نشر العلوم منه في الزمن
سيدنا العلام عبد الصمد * لا زال ظله دوام الأبد
(6) وأدرك في أوائل شبابه مجلس درس الشيخ مرتضى الأنصاري
في النجف لكنه لم يبق كثيرا (7) ويروي بالإجازة عن آقا نجفي
الاصفهاني (8) وعن السيد كاظم اليزدي.
مؤلفاته
كتب الينا أسماءها حفيده المقدم الذكر والحكم عليها جميعهما محتاج إلى
رؤيتها (1) أرجوزة في الإرث أولها:
الحمد لله الذي قد صدقا * عباده وعدا له محققا
أورثهم جميع ارضه وذل * جميع الأشياء لهم من الأزل
أورثهم جنات عدن حيثما * شاؤوا مبوءا لهم مسلما
هم محمد وجل الآل * فإنهم نهاية الآمال
وهذه منظومة مختصرة * في الإرث قد نظمتها ميسرة
(2) أرجوزة في الرضاع أولها:
الحمد لله الذي قد أرضعا * من ثدي مزنة النبات الرضعا
فتصبح الأرض بها مخضره * مزهرة مطربة محمره
ثم الصلاة والسلام الأكمل * على الذي رضع منه الأزل
محمد وصهره اللذين قد * كانا رضيعي لبن إلى الأبد
وبعد هاك قطرة من بحر ما * حرر في الرضاع مما سلما
ومما نقلناه من ابيات الأرجوزتين يمكنك ان تعرف مقدار مكانتهما.
(3) شرح الخصائص الحسينية (4) البدائع الجعفرية مجموع من مقالات
وانشاءات ومراث ومدايح وغيرها وفيه قضية نهب العرب من أتباع الشيخ
خزعل بلدة تستر حدود سنة 1329 والرد على رسالة في المنع عن الجهاد
وفيه رسالة الجبر والاختيار للوقائي التستري وأوثق الوسائل للسيد علي
أصغر ابن السيد حسين الطبيب (5) خلاصة السؤال في الأغسال (6)
رسالة في أعمال الحج (7) رسالة في القصاص (8) رسالة في الجهاد
(9) في علة حرمة الزكاة على السادات (10) في الخمس (11) في فضل
الخضاب وعلة استحبابه (12) في تشييع الجنازة ولم يذكره المعاصر (13)
في الصبر (14) في الكفن (15) في حرمة النظر إلى الأجنبية (16)
تفسير سورة الواقعة ولم يذكره المعاصر (17) في فصاحة القرآن واعجازه
(18) في موانع الإرث (19) في الزكاة (20) الأجوبة عن اشكال
الضال المضل ولم يذكره المعاصر (21) حاشية على رياض السالكين
(22) حاشية على نجاة العباد (23) على تصريف الزنجاني (24) على
ألفية بن مالك (25) على اليهجة المرضية (27) على شرح الرضي
(28) على مختصر التلخيص (29) على الروضة (30) على البحار
(31) على مناقب ابن شهرآشوب (32) على حياة القلوب (33) على
جلاء العيون (34) على الاقبال (35) على مجمع البحرين (36) على
زاد المعاد (37) على اسرار الشهادة (38) تضمين ألفية ابن مالك فيه
مواعظ وأخلاقيات ومدائح أهل البيت فيأتي بشطر من الألفية وشطر أو أكثر
منه وهو التزام ما لا يلزم بغير فائدة مع أن ما يختار منه لم يأت بالغرض
الأتم وهذا بعض ما يختار منه ومنه تعرف شأن الباقي.
قال:
حمدا كثيرا ومصليا على * محمد خير نبي أرسلا
السابق الخاتم أعني المصطفى * واله المستكملين الشرفا
لا سيما على الوصي الأكمل * فلم يفوا الا امرؤ الا علي

117
يا نفس ان خفت القبور المظلمة * فلم تكوني لترومي مظلمه
ما أنت والدنيا وطول الامل * والحرص فانبذها وكن بمعزل
عليك بالترك ودعها جازما * ثلاثهن تقض حكما لازما
يا طائر القدس علام تلتزم * لزوم افعال السجايا كنهم
تعيش في دنياك عيشا مرا * بشبر أرضا وقفيز برا
تستبدل الدني بالرضي * وليس ان يبدل بالمرضي
والنفس بالميثاق والعهد وقت * ان كان مما قيدت به خلت
يشغلك الدهر عن الذي رجح * فما أبيح افعل ودع ما لم يبح
وكل ما تملك عنك ذهبا * ان مثل ملئ الأرض ذهبا
يأتي زمان فيه قدما لزما * منع تصرف بحكم حتما
لولا التقى فلا تقدم نسبا * واخرن ذا ان سواه صحبا
والعلم ان يعمل به ويقتفى * فالعلى نعم المقتني والمقتفي
وجئ من اللفظ بما تحصلا * به جواب كنعم وكبلى
لا تتبع سوى النبي أحدا * فما لنا الا اتباع احمدا
وغير حجة العزيز العالم * مهديهم وناظم العوالم
بل هو في الصفات حتما * دائما كالمصطفى والمرتقي مكارما
وكونه المرئي والمشار له * قل ومن يمنعه فانصر عاذله
قدمه الله بعلمه فما * كان أصح علم من تقدما
ولا تخف لديه في الهيجاء * ولو توالت زمر الأعداء
ان كنت تستهدي بمن عليه دل * فجد كل الجد وافرح الجذل
شبيه جده علا فوق الصفة * حقيقة القصد به منكشفة
ويظهر العدل وجوده فلا * يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا
يقال في رجعته يا قوم ذا * لقد سما على العدى مستحوذا
لا يحصى عشر مدحه ما قد اتى * في النظم والنثر الصحيح مثبتا
يسمع راجيه نداءه فمن * يصل الينا يستعن بنا يعن
هذا هو مختار ذلك التضمين وهو ليس بمكان مكين فضلا عما تركناه
وقد ذكر عدة تقاريظ لهذا النظم أحدها للشيخ محمد حسن الدزفولي من
جملته قوله:
فهو إذا في بابه يكون فذ * - وعن سبيل من قاس انتبذ -
- ثانيها - للشيخ محمد رضا الدزفولي يقول فيه:
وجدت من أفكار مولانا الاجل * نظما على جل المهمات اشتمل
أحسن كل الحسن فيه وبذا * لقد سما على العدى مستحوذا
فلن ترى عداه فيمن عرفا * قابل فضل تم غير ذي انتفا
وهو بما انهجه سبيلا * مستوجب ثنائي الجميلا
- ثالثها - للسيد هبة الدين الشهرستاني نثرا عندما أهداه الحفيد الشيخ
محمد مهدي مجموعة فيها هذا التضمين فكتب:
شكرت يا مولاي المهدي هديتك القيمة فيا لها مجموعة لطائف أدبية.
ومعارف أخلاقية نظمت لآليها يد جدك الأمجد والواعظ الأوحد مولانا
الشيخ جعفر شرف الدين وصل الله حبل وده بأجداده الميامين اه. قال
حفيده ومن أراد زيادة الاطلاع على أحواله فليرجع إلى كتاب الدر الثمين
المار ذكره والى كتاب البدائع الجعفرية والعوائد المهدوية اه.
السيد جعفر الخرسان النجفي (1)
- آل خرسان - سادة اجلاء يسكنون النجف ولهم وظيفة في السدانة
والمترجم شاعر أديب وجاء في مجلة العرفان من شعره قوله ارتجالا لما وردت
برقية بعزل تايه بك والي لبغداد وكان يبغضه
كم تايه بولاية * وبعزلة جاء البريد
الله قلب حاله * والله يفعل ما يريد
وقوله:
تجنى بلا ذنب علي وسامني * هو أنا واني والهوى غير مذنب
وما زلت ألقاه على كل حالة * ببشر ويلقاني بوجه مقطب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وسلم تسليما ورضي الله عن أصحابه الأخيار الصالحين والتابعين لهم
باحسان وتابعي التابعين وعن العلماء والصلحاء من سلف منهم ومن غبر إلى
يوم الدين.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد
عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق الشام عامله الله بفضله
ولطفه وعفوه: هذا هو الجزء السادس عشر من كتابنا (أعيان الشيعة) في
بقية حرف الجيم وفقنا الله تعالى لاكماله ومنه تعالى نستمد المعونة والهداية
والتوفيق والتسديد ونسأله العصمة من خطأ القلم واللسان وخطل الجنان انه
هو الكريم المنان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أبو محمد جعفر بن عبد الله الأصفهاني بن أبي القاسم عقيل
ابن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي
طالب.
توفي سنة 334
في عمدة الطالب العالم النسابة شيخ شبل بن تكين النسابة مات سنة
334 وله عقب كانوا بحلب وبيروت ومصر اه.
أبو عبد الله جعفر بن أبي طالب عبد مناف ابن عبد المطلب شيبة
الحمد بن هاشم عمرو بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي ابن
عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
استشهد بمؤتة من ارض البلقاء بالشام في جمادي الأولى سنة 8 من
الهجرة وفي عمدة الطالب وقبل سنة 7 اه والأكثر على أنه استشهد سنة 8
وكأن القائل بأنه استشهد سنة 7 أخذه مما جاء في بعض الروايات من أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسله إلى مؤتة في السنة التي جاء فيها من الحبشة بعد فتح خيبر
ومعلوم ان مجيئه من الحبشة كان سنة 7 وان غزوة خيبر كانت سنة 7 في جمادي
الأولى وقيل في المحرم ولكن أقوال المؤرخين تكاد أن تكون متفقة على أن
شهادته سنة 8 والله أعلم وفي أسد الغابة عن ابن إسحاق عن محمد بن
جعفر بن الزبير قال قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عمرة القضاء المدينة في ذي
الحجة فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادي سنة ثمان اه وكانت



(1) آخر عن محله سهوا
118
عمرة القضاء سنة 6 من الهجرة فإن كان بعث إلى مؤتة في جمادي من تلك
السنة فهي سنة 7 وان كان من قابل فهي سنة 8 وقبره بمؤتة مزور مشهور
وفي عمدة الطالب دفن هو وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في قبر واحد
وعمي القبر اه وكان عمره يوم استشهد 41 سنة حكاه في الاستيعاب عن
الزبير بن بكار، وفي مقاتل الطالبيين بسنده عن بعض أحفاد جعفر ان
جعفرا قتل وهو ابن ثلاث أو اربع وثلاثين سنة قال أبو الفرج: وهذا
عندي شبيه بالوهم لأنه قتل سنة 8 من الهجرة وبين ذلك الوقت وبين
المبعث 21 سنة وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
بعشر سنين وكان لعلي حين اسلم سنون مختلف فيها فالمكثر يقول كانت 15
والمقلل يقول 7 سنين وكان اسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لا خلاف في ذلك وعلى اي الروايات قيس امره علم أنه كان عند مقتله قد
تجاوز هذا المقدار من السنين اه فعلى فرض ان يكون علي (ع) وعمره
سبع سنين يكون عمر جعفر 38 سنة.
كنيته
يكنى أبا عبد الله كما في الاستيعاب وفي مقاتل الطالبيين يكنى أبا عبد
الله فيما يزعم أهله وروي عن أبي هريرة قال كان جعفر بن أبي طالب
يكنى أبا المساكين اه وفي أسد الغابة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسميه أبا المساكين
اه وفي عمدة الطالب كان جعفر يكنى أبا عبد الله وأبا المساكين لرأفته
عليهم واحسانه إليهم اه.
أمه
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهي أم اخوته
طالب وعقيل وجعفر وعلي وأم هانئ واسمها فاختة أكبرهم طالب
وأصغرهم علي وكل واحد أسن من الآخر بعشر سنين كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بمنزلة الأم سبقت إلى الاسلام وهاجرت إلى المدينة ولما حضرتها الوفاة
أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبل وصيتها ولما توفيت كفنها في قميصه ولما بلغوا
لحدها حفره بيده واضطجع فيه وهي أول هاشمية تزوجها هاشمي وولدت
له.
أولاده
في الطبقات لابن سعد: كان لجعفر من الولد عبد الله وبه كان
يكنى وله العقب ومن ولد جعفر محمد وعون لا عقب لهما ولدوا جميعا
لجعفر بأرض الحبشة في المهاجرة إليها وأمهم أسماء بنت عميس ثم روى
بسنده عن محمد بن عمر بن علي قال: ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله
وعون ومحمد بنو جعفر وأخواهم لأمهم يحيى بن علي ومحمد بن أبي بكر
وأمهم الخثعمية أسماء بنت عميس اه وفي عمدة الطالب: أولاد جعفر بن
أبي طالب ثمانية بنين عبد الله وعون ومحمد الأكبر ومحمد الأصغر وحميد
وحسين وعبد الله الأصغر وعبد الله الأكبر وأمهم اجمع أسماء بنت عميس
الخثعمية قتل محمد الأكبر مع عمه علي (ع) بصفين وقتل عون ومحمد
الأصغر مع ابن عمهما الحسين (ع) يوم الطف اه.
اسلامه
في أسد الغابة: اسلم بعد اسلام أخيه علي بقليل روي أن أبا طالب
رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليا يصليان وعلي عن يمينه فقال لجعفر صل جناح ابن
عمك وصل عن يساره - أقول - كيف يجتمع هذا مع كون أبي طالب كافرا
وفي الطبقات لابن سعد عن الواقدي بسنده اسلم جعفر بن أبي طالب قبل
ان يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ويدعو فيها اه، وأخرج الفقيه أبو
جعفر محمد بن علي عليهما السلام أول جماعة كانت ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه إذ مر أبو طالب به
وجعفر معه فقال يا بني صل جناح ابن عمك فلما أحسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا وهو يقول:
ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب
والله لا اخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
قال فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم اه. وقال ابن إسحاق:
اسلم جعفر بعد خمسة وعشرين رجلا وقيل بعد واحد وثلاثين اه‍.
(أقول) بل لم يسبقه أحد سوى أخيه علي أمير المؤمنين (ع) بيوم أو
نحوه كما مر عن أسد الغابة انه اسلم بعد اسلام أخيه بقليل مستدلا برواية
صل جناح ابن عمك وصل عن يساره وكما مر عن أمالي الصدوق وما كان
ليسبقه أحد وثلاثون ولا خمسة وعشرون وهو ابن أبي طالب ناصر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم والمحتمل الأذى في نصره والذي كان يوصي ولديه عليا وجعفرا
بنصره ويقول لجعفر: صل جناح ابن عمك وابن فاطمة بنت أسد مربية
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي كانت له اما بعد أمه والسابقة إلى الاسلام والهجرة
وأخو علي بن أبي طالب الذي لم يسبقه رجل إلى الاسلام.
وفي كتاب تحية القاري لصحيح البخاري للشيخ محمد علي آل
عز الدين العاملي ان جعفرا على التحقيق ثاني المسلمين أو المصلين من
الرجال، مر أبو طالب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي وعلي إلى جنبه
وخديجة خلفه فقال له يا جعفر صل جناح ابن عمك فوقف على يسار رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلى اه وذلك لأن المستحب في صلاة الجماعة إذا كان المأموم
رجلا واحدا ان يقف عن يمين الامام متأخرا عنه فإن كان معه امرأة وقفت
خلف الرجل فان كانوا اثنين وقفا خلفه والمرأة خلفهما فلما كان علي يصلي
مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عن يمينه وخديجة خلف علي فلما جاء جعفر وأمره أبوه ان
يصل جناح ابن عمه وقف عن يسار علي والى يسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
تختمه
روى ابن سعد في الطبقات الكبير بسنده عن جعفر بن أبي طالب انه
تختم في يمينه.
مؤاخاته
في الطبقات عن الواقدي قال محمد بن إسحاق آخى رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم
بين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قال الواقدي هذا وهل وكيف يكون
هذا وانما كانت الموآخاة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وقبل بدر فلما كان
يوم بدر نزلت آية الميراث وانقطعت الموآخاة وجعفر غائب يومئذ بأرض
الحبشة اه والمؤاخاة قبل الهجرة انما كانت بين المهاجرين ومعاذ أنصاري،
وفي السيرة الحلبية جمع بينهما بأنه آخى بينه وبين معاذ وهو غائب بأرض
الحبشة.

119
خصامه في ابنة حمزة
ذكر ابن سعد في الطبقات بسنده ما حاصله ان ابنة حمزة لتطوف بين
الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها فاختصم فيها علي
وجعفر وزيد بن حارثة فقال علي ابنة عمي وانا أخرجتها وأنا أحق بها وقال
جعفر ابنة عمي وخالتها عندي وقال زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لجعفر وقال الخالة والدة فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (دار عليه) فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما هذا قال شئ رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم. خالتها أسماء
بنت عميس وأمها سلمى بنت عميس اه.
أقوال العلماء فيه
في الاستيعاب: جعفر بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن
عبد المطلب بن هاشم كان جعفر أشبه الناس خلقا وخلقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وكان من المهاجرين الأولين هاجر إلى ارض الحبشة وقدم منها على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فتح خيبر فتلقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتنقه - وزاد في أسد الغابة وقبل
بين عينيه وقال ما أدري بأيهما انا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر
وكان قدوم جعفر وأصحابه من أرض الحبشة في سنة 7 من الهجرة واختط له
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنب المسجد اه‍. وفي أسد الغابة: ابن عم رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخو علي بن أبي طالب لأبويه خلقا وخلقا وله هجرتان هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة
روى عنه ابنه عبد الله وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وفي
الإصابة: ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد السابقين إلى الاسلام وأخو علي شقيقه
اه وفي مقاتل الطالبيين: أول قتيل من ولد أبي طالب في الاسلام جعفر بن
أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب وهو شيبة بن هاشم
وهو عمرو بن عبد مناف، اه وفي تاريخ ابن كثير: اسلم جعفر قديما
وهاجر إلى الحبشة وكانت له هناك مواقف مشهودة ومقامات محمودة وأجوبة
سديدة وأحوال رشيدة وقد قدمنا ذلك في هجرة الحبشة، إلى أن قال:
وكان كريما جوادا ممدحا وكان لكرمه يقال له أبو المساكين لاحسانه إليهم اه
وفي الدرجات الرفيعة: كان رضي الله عنه يحب المساكين ويجلس إليهم
ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسميه أبا المساكين، قال وروي انه كان يقول
لأبيه أبي طالب يا أبة اني لأستحي ان أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على
مثله فكان يقول له أبوه اني لأرجو ان يكون فيك خلف من عبد المطلب قال
وله رضي الله عنه فضل كثير وقد ورد في شانه أحاديث كثيرة اه.
وفي كتاب تحية القاري لصحيح البخاري في التعليق على الحديث
(الرابع والسبعين) في باب مناقب جعفر بن أبي طالب باسناده عن أبي
هريرة: ان الناس يقولون أكثر أبو هريرة، واني كنت الزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يشبع بطني لا آكل الخمير ولا البس الحبير ولا يخدمني فلان ولا فلان وكنت
الصق بطني بالحصباء من الجوع وان كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي
كي ينقلب بي فيطعمني وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب
وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إذا كان ليخرج الينا العكة التي
ليس فيها شئ فيشقها فنعلق ما فيها. قال قلت اما ما ذكره أبو هريرة في
حق جعفر رضي الله عنه فهو قليل في حق جعفر فإنه كان من الايمان
والكرم والشهامة وحسن الأخلاق بمكان عظيم (إلى أن قال): ولما كثر
المسلمون في مكة وأخذ المشركون يؤذونهم بأنواع الأذيات الا من له عشيرة
تحميه امره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جماعة لم يسعهم البقاء في مكة وأمره بالمهاجرة
إلى الحبشة فتلقاهم النجاشي بالرحب والسعة وبقي في بلاد الحبشة إلى أن
تمكن الاسلام في المدينة فهاجر إليها (إلى أن قال) وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يتبعه في حضره وسفره إلى يوم مؤتة فأمره على الجيش غازيا فقتل في ذلك
الوجه هو وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجملة من المسلمين واخبر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتلهم وان الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة.
قال: وخطب علي (ع) يوما فقال متأسفا على حمزة وجعفر ما معناه: كان
لي عضدان أتقوى بهما فذهبا يعني حمزة وجعفرا وبقيت في ضعيفين يعني
عباسا وعقيلا. قال: وبالجملة فمناقب جعفر ومآثره تكبر عن الاحصاء.
قال: واما ما ذكره أبو هريرة في حق نفسه فقد كرره البخاري مرارا بأسانيد
متعددة مرجعها في الكل اليه وألفاظ مختلفة لم يتيقن منها الا انه كان فقيرا
معدما يلحس العكك ويلهو عن كل شئ ليشبع بطنه ومن كانت هذه
صفته يوشك ان لا يلتفت إلى حكم ولا يحفظ رواية ومن ثم كان في زمانه
متهما بالكذب كما يفيده مضمون هذا الحديث وغيره اه.
أخباره
روى أصحاب السير والتواريخ ما معناه انه أصابت قريشا في بعض
السنين أزمة فقال بنو هاشم امضوا بنا نخفف عن أبي طالب فأخذ
العباس جعفرا وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وبقي عقيل عند أبي طالب وفي الدرجات
الرفيعة: روي عن الباقر (ع) أنه قال كان أمير المؤمنين (ع) دائما يقول
والله لو كان حمزة وجعفر حيين ما طمع فيها فلان وفلان ولكني ابتليت
ب‍... عقيل والعباس، وروى الكليني في الكافي عن ابن مسكان
عن سدير قال: كنا عند أبي جعفر (ع) فذكرنا ما أحدث الناس بعد
نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم و استذلالهم أمير المؤمنين (ع) فقال رجل من القوم أصلحك الله
فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد فقال أبو جعفر (ع)
من كان بقي من بني هاشم انما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان
ضعيفان ذليلان حديثا عهد باسلام عباس وعقيل وكانا من الطلقاء اما والله
لو أن حمزة وجعفرا كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا اليه ولو كانا
شاهديه لأتلفا أنفسهما، قال صاحب الدرجات: دل هذان الحديثان على أن
حمزة وجعفرا عليهما السلام كانا يعتقدان استحقاق علي صلوات الله
عليه الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه صاحبها دون غيره وانهما لو كانا حيين
يوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يطمع فيها غيره ولم يصل إليها أحد سواه ولذلك
ذكرناهما في طبقات الشيعة اه.
هجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة
هاجر جعفر رضوان الله عليه هجرتين أولاهما إلى الحبشة والثانية من
الحبشة إلى المدينة ولذلك سمي ذا الهجرتين، وهاجر المسلمون إلى الحبشة
دفعتين هاجر منهم أولا عشرة ثم سمعوا بان قريشا أسلمت فعادوا فوجدوا
الأمر على خلاف ما بلغهم ثم هاجروا ثانيا وأميرهم جعفر وكانوا 75 رجلا
و 12 امرأة وذلك في السنة الرابعة وقيل الخامسة من النبوة قال ابن كثير في
تاريخه وكان جعفر هو المقدم عليهم والمترجم عنهم - أي المتكلم - عند
النجاشي وغيره اه روى ابن هشام في سيرته بسنده عن محمد بن إسحاق
المطلبي قال لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه
من العافية لمكانه من الله ومن عمه أبي طالب وانه لا يقدر على أن يمنعهم مما
هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة فان بها ملكا لا يظلم
عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج

120
عند ذلك المسلمون إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله بدينهم
فكانت أول هجرة في الاسلام. ثم عد الذين هاجروا فيها فكانوا عشرة
قال فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة وكان
عليهم عثمان بن مظعون. ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون
حتى اجتمعوا بأرض الحبشة منهم من خرج بأهله ومنهم من خرج بنفسه لا
أهل معه اه وقال محمد بن سعد في الطبقات الكبير: قال محمد بن عمر
(الواقدي) هاجر جعفر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء
بنت عميس وولدت له هناك عبد الله وعونا ومحمدا فلم يزل بأرض الحبشة
حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ثم قدم عليه جعفر من أرض الحبشة
وهو بخيبر سنة سبع قال محمد بن عمر وقد روي لنا ان أميرهم في الهجرة
إلى أرض الحبشة جعفر بن أبي طالب اه وفي تاريخ ابن كثير: ثم إن ابن إسحاق
ذكر الخارجين صحبة جعفر - وعدهم ابن كثير - وحسبناهم نحن في
تاريخ ابن كثير فكانوا 87 رجلا وامرأة والرجال منهم خاصة 75 والنساء
12 قال ابن إسحاق وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من
المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارا أو ولدوا بها ثلاثة
وثمانين رجلا ان كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه قال وخرج من بني
مخزوم بن يقظة بن مرة أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن
عمر بن محزوم، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم، وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن
إسحاق ان أبا طالب قال أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوار المسلمين
والدفع عنهم:
ليعلم خيار الناس ان محمدا * نظير لموسى والمسيح بن مريم
اتانا بهدي مثل ما اتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وانكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المرجم
وانك ما تأتيك منا عصابة * بفضلك الا ارجعوا بالتكرم
(أقول) وهو صريح في اسلام أبي طالب وفيه أقواء (وروى) ابن إسحاق
بسنده عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم المؤمنين
زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار
النجاشي أمننا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذي كما كنا نؤذى بمكة ولا نسمع
شيئا نكرهه اه فلما بلغ ذلك قريشا ارسلوا عمرو بن العاص ليكيد جعفرا
وأصحابه عند النجاشي، وأعلم ان عمرو بن العاص سافر إلى الحبشة
مرتين بعد البعثة مرة مع عمارة بن الوليد بن المغيرة أخي خالد بن الوليد
وهو الذي جاءت به قريش إلى أبي طالب وقالوا جئناك بفتى قريش جمالا
ونسبا يكون لك نصره وميراثه وتدفع الينا ابن أخيك نقتله فقال والله ما
أنصفتموني تعطوني ابنكم اغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه، ومرة مع
عبد الله بن أبي ربيعة (1) وفي المرة الثانية كان المرسل لهما قريش ليكيدا جعفرا
وأصحابه اما المرة الأولى فليس في كلام ابن إسحاق ما يدل على أن المرسل
لهما قريش أو أنهما ذهبا من قبل أنفسهما ولا ان ذهابهما في اي شئ كان.
وبعض المؤرخين - غاب عني اسمه - صرح بأن سفرهما أولا كان للتجارة،
والحاكم في المستدرك وابن عساكر في تاريخه والإمام أحمد وأبو نعيم في
الدلائل صرحوا بأنه كان ليكيد جعفرا وأصحابه عند النجاشي، وانا أظن أنه
قد وقع اشتباه من بعض المحدثين والمؤرخين فذكروا بدل عبد الله بن
أبي ربيعة عمارة بن الوليد، ويمكن ان يكونا ذهبا في المرة الأولى للتجارة
ثم بدا لهما بعد ما وصلا إلى الحبشة ان يكيدا المسلمين لكن الظاهر خلافه لما
سمعت من تصريح بعض المؤرخين ولما ظهر من ابن إسحاق فلم يشر في
قصة عمرو وعمارة إلى أن ارسالهما كان من قبل قريش أو انهما تعرضا لكيد
المسلمين ولو كان ذلك واقعا لما أهمله، ونحن نذكر أولا خبر ذهاب عمرو
مع عمارة إلى الحبشة ما ذكر فيه انه لكيد المسلمين وما لم يذكر ثم نذكر خبر
ذهابه مع عبد الله بن أبي ربيعة لكيد المسلمين.
(اما خبر ذهاب عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى الحبشة)
فروى ابن إسحاق في المغازي قال: كان عمارة بن الوليد ابن المغيرة
وعمرو بن العاص بن وائل بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرجا إلى أرض
الحبشة على شركهما وكان عمارة رجلا جميلا تهواه النساء فركبا البحر ومع
عمرو بن العاص امرأته فأصابا من خمر لهما فلما انتشى عمارة قال لامرأة
عمرو قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته وجعل عمارة يراودها عن
نفسها فامتنعت منه. وجلس عمرو على منجاف السفينة يبول فدفعه عمارة
في البحر فسبح حتى اخذ بمنجاف السفينة فقال له عمارة والله لو علمت أنك
سابح ما طرحتك ولكني ظننت انك لا تحسن السباحة فضغن عمرو
عليه وعلم أنه كان أراد قتله فلما وصلا أرض الحبشة كتب عمرو إلى أبيه
العاص ان اخلعني وتبرأ من جريرتي وخشي على أبيه ان يتبع بجريرته
فمشى العاص إلى رجال بني المغيرة وبني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد
خرجا وكلاهما فاتك صاحب شر واني أبرأ إليكم من عمرو وجريرته فقد
خلعته فقالوا وأنت تخاف عمرا على عمارة ونحن فقد خلعنا عمارة وتبرأنا
إليك من جريرته ولم يلبث عمارة ان دب إلى امرأة للنجاشي وجعل إذا
رجع من عندها يخبر عمرا بما كان من امره فيقول عمرو لا أصدقك ان شأن
هذه المرأة أرفع من ذلك وهو يعلم صدقه ولكنه كان يريد ان يأتيه بشئ لا
يستطاع دفعه ان هو رفع شأنه إلى النجاشي فقال له ان كنت صادقا فقل لها
فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فاني اعرفه وائتني بشئ
منه فسألها ذلك فدهنته منه وأعطته شيئا في قارورة فلما شمه عمرو عرفه
فسكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي فقال أيها الملك ان معي سفيها
من سفهاء قريش وأردت ان أعلمك بشأنه وان لا أرفع ذلك إليك حتى
أثبته انه قد دخل على بعض نسائك وهذا دهنك قد أعطته إياه وادهن به
فلما شمة النجاشي قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون الا عند نسائي
فدعا بعمارة ودعا نسوة اخر فجردوه من ثيابه (إلى اخر ما ورد في الخبر) هذه
رواية ابن إسحاق وليس فيها كما ترى ان سفرهما كان لكيد المسلمين.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي موسى قال أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ان ننطلق إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا فبعثوا إلى عمرو بن
العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدايا فقدمنا وقدموا على
النجاشي فأتوه بهدية فقبلها وسجدوا له ثم قال عمرو بن العاص ان قوما
منا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك فقال لهم النجاشي في ارضي قال نعم
فبعث الينا، فقال لنا جعفر لا يتكلم منكم أحد انا خطيبكم اليوم فانتهينا
إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون من الرهبان جلوس سماطين فقال له عمرو وعمارة انهم
لا يسجدون لك فلما انتهينا اليه زبرنا (بدرنا) من عنده من القسيسين
والرهبان اسجدوا للملك فقال جعفر لا نسجد الا لله، فقال له النجاشي
وما ذاك قال إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى بشر



(1) في سيرة ابن هشام وغير ها ابن أبي ربيعة. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ابن ربيعة وفي
كامل ابن الأثير ابن أبي أمية.
المؤلف
121
برسول يأتي من بعده اسمه احمد - فأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئا
ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر.
فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو قال: له أصلح الله
الملك انهم يخالفونك في عيسى بن مريم، فقال النجاشي لجعفر ما يقول
صاحبك في ابن مريم؟ قال يقول فيه قول الله هو روح الله وكلمته اخرجه
من البتول العذراء لم يقربها بشر (ولم يفرضها ولد) فتناول النجاشي عودا من
الأرض فرفعه فقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما
تقولون (ما نقول) في ابن مريم ما يزن هذه (ولا وزن هذه) مرحبا بكم وبمن
جئتم من عنده (إلى آخر الخبر) اه وفي تاريخ ابن كثير عن الحافظ أبي نعيم
في الدلائل بسنده عن أبي موسى مثله، وزاد وكان عمرو بن العاص رجلا
قصيرا وكان عمارة رجلا جميلا وكانا أقبلا في البحر فشربا ومع عمرو امرأته
فقال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلني فقال له عمرو الا تستحي فأخذ
عمارة عمرا فرمى به في البحر فجعل عمرو يناشد عمارة حتى ادخله
السفينة فحقد عليه عمرو في ذلك فقال عمرو للنجاشي انك إذا خرجت
خلفك عمارة في أهلك فدعا النجاشي بعمارة الخ... وهكذا رواه الحافظ
البيهقي في الدلائل من طريق أبي علي الحسن بن سلام السواق عن
عبيد الله بن موسى فذكر باسناده مثله قال وهذا اسناد صحيح اه وفي تاريخ
ابن كثير عن الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
النجاشي ونحن نحوا من ثمانين رجلا وبعثت قريش عمرو بن العاص
وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن
يمينه وعن شماله ثم قالا له ان نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا
وعن ملتنا فبعث إليهم فقال جعفر انا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم
يسجد فقالوا له ما لك لا تسجد للملك قال انا لا أسجد الا لله عز وجل قال
وما ذاك قال إن الله بعث الينا رسولا ثم أمرنا ان لا نسجد لأحد الا لله عز
وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة قال عمرو فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم
قال فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه قال نقول كما قال الله هو كلمته
وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسسها بشر ولم يفرضها ولد، قال
فرفع عودا من الأرض ثم قال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان والله ما
يزيدون على الذي نقول فيه ما ساوى هذا مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده
أشهد انه رسول الله وانه الذي نجد في الإنجيل وانه الرسول الذي بشر به
عيسى بن مريم انزلوا حيث شئتم والله لولا ما انا فيه من الملك لأتيته حتى
أكون انا الذي احمل نعليه وامر بهدية الآخرين فردت اليهما اه وفي تاريخ
ابن كثير أيضا: واما قصة جعفر مع النجاشي فان الحافظ ابن عساكر رواها
في ترجمة جعفر بن أبي طالب من تاريخه من رواية جعفر نفسه ومن رواية
عمرو بن العاص وعلى يدهما جرى الحديث ومن رواية ابن مسعود كما تقدم
وأم سلمة كما سيأتي فاما رواية جعفر فإنها عزيزة جدا رواها ابن عساكر
بسنده عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال بعثت قريش عمرو بن العاص
وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي فقالوا له - ونحن عنده -
قد صار إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فادفعهم الينا قال لا حتى اسمع
كلامهم فبعث الينا رسولا فآمنا به وصدقناه فقال لهم النجاشي أعبيدهم
لكم قالوا لا فقال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم فخرجنا من
عنده فقال عمرو بن العاص ان هؤلاء يقولون في عيسى غير ما تقول قال إن
لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في ارضي ساعة من نهار فأرسل
الينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى قال ما يقول صاحبكم في
عيسى بن مريم قلنا يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول فقال
ادعوا لي فلان القس وفلان الراهب فأتاه ناس منهم فقال ما تقولون في
عيسى بن مريم قالوا أنت أعلمنا فما تقول قال النجاشي - واخذ شيئا من
الأرض -: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا ثم قال أيؤذيكم أحد قالوا
نعم فنادى مناد من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم
قلنا لا فأضعفها (الحديث). وليس لجعفر ذكر في تاريخ ابن عساكر المطبوع
وهو يدل على أنه نقص منه كما ذكرناه في ترجمة جارية بن قدامة السعدي.
ثم إن مضامين هذه الروايات التي ذكر فيها عمرو وعمارة موافق للتي ذكر
فيها عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وهذا يدل على أن ذكر عمارة سهوا أبدل
به عبد الله بن أبي ربيعة.
وأما ارسال قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي ومعه عبد الله بن
أبي ربيعة ليكيدا جعفرا وأصحابه فقد رواه ابن إسحاق وغيره قال ابن أبي
الحديد: وأما خبر عمرو بن العاص في شخوصه إلى الحبشة ليكيد جعفر
ابن أبي طالب والمهاجرين فقد رواه كل من صنف في السيرة اه ونحن
ننقله من رواية ابن إسحاق وربما نقلنا من رواية غيره قال ابن إسحاق فيما
حكاه ابن هشام في سيرته فلما رأت قريش ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد
أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة وانهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ائتمروا بينهم
ان يبعثوا فيهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي فيردهم عليهم
ليفتنوهم عن دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وامنوا فيها فبعثوا
عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وجمعوا لهما هدايا للنجاشي
ولبطارقته ثم بعثوهما اليه فيهم فقال أبو طالب حين رأى ذلك من رأيهم وما
بعثوا به فيهم أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم:
الا ليت شعري كيف في النأي جعفر * وعمرو وأعداء العدو الأقارب
فهل نال افعال النجاشي جعفرا * وأصحابه أو عاق ذلك شاغب
تعلم أبيت اللعن انك ماجد * كريم فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بان الله زادك بسطة * وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة * ينال الأعادي نفعها والأقارب
وروى ابن إسحاق بسنده عن أم سلمة ان قريشا ائتمروا بينهم ان
يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منه جلدين وان يهدوا للنجاشي هدايا مما
يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الادم فجمعوا له ادما
كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا اهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك
عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص فأمروهما بأمرهم وقالوا لهما
ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل ان تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى
النجاشي هداياه، ثم سلاه ان يسلمهم اليكما قبل ان يكلمهم قالت
فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق
من بطارقته بطريق الا دفعا اليه هديته قبل ان يكلما النجاشي وقالا لكل
بطريق منهم انه قد ضوي - اي اوى - إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء
فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن
ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم اشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا
الملك فيهم فأشيروا عليه بان يسلمهم الينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم
عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قدما هداياهما إلى
النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا أيها الملك انه قد ضوي إلى بلدك منا
غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا
نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم اشراف قومهم من آبائهم

122
وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا
عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن شئ أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة
وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله
صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم اليهما
فليردانهم إلى بلادهم وقومهم فغضب النجاشي ثم قال لاها الله إذا لا
أسلمهم اليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من
سواي حتى ادعوهم فاسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كان كما يقولون
أسلمتهم اليهما ورددتهم إلى قومهم وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهم
وأحسنت جوارهم ما جاوروني ثم ارسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون
للرجل إذا جئتموه، قال جعفر نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في
ذلك ما هو كائن. قال ابن كثير عن موسى بن عقبة: فلما دخلوا عليه
سلموا ولم يسجدوا له فقال أيها الرهط أ لا تحدثونني ما لكم لا تحيونني كما يحييني
من اتانا من قومكم فأخبروني ماذا تقولون في عيسى وما دينكم أنصارى
أنتم؟ قالوا لا قال أفيهود أنتم قالوا لا قال فعلى دين قومكم قالوا لا قال فما
دينكم قالوا الاسلام، قال فما الاسلام فوصفوه له قال جعفر واما التحية
فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا ان تحية أهل الجنة السلام وأمرنا بذلك فحييناك
بالذي يحيي به بعضنا بعضا واما عيسى بن مريم فعبد الله ورسوله وكلمته
ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول فأخذ عودا وقال والله ما زاد ابن
مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة والله لئن سمعت الحبشة
لتخلعنك فقال والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع الله الناس في
حين رد علي ملكي فأطيع الناس في دين الله معاذ الله من ذلك. وقال ابن إسحاق
في روايته: فلما جاؤوا - وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا
مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم
تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل فكان الذي كلمه جعفر بن أبي
طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة
ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف
فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته
وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من
دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق
الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم
والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة
وكل ما يعرف من السيئات وأمرنا ان نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا
بالصلاة والزكاة والصيام والصدقة وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة
- فعدد عليه أمور الاسلام - وتلا شيئا لا يشبهه شئ فصدقناه وآمنا به
واتبعناه وعرفنا ان ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله وحده فلم
نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا واحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا
فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وان نستحل
ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا
وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك
ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك فقال له النجاشي هل معك مما جاء به
عن الله من شئ؟ فقال له جعفر نعم، فقال له النجاشي فاقرأه علي فقرأ
عليه صدرا من (كهيعص) قالت أم سلمة فبكى والله النجاشي حتى
اخضلت لحيته وبكى أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم حين
سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي ان هذا والذي جاء به عيسى
ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم اليكما ولا يكادون.
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأتينه غدا بما استأصل به
خضراءهم فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان اتقى الرجلين فينا - لا تفعل
فان لهم أرحاما وان كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه انهم يزعمون أن
عيسى بن مريم عبد ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك انهم يقولون في
عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه فأرسل
إليهم ليسألهم عنه قالت أم سلمة ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم
قال بعضهم لبعض ما ذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه فقال
جعفر نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما
هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم ما ذا تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال
جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله
وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فضرب النجاشي بيده إلى
الأرض فأخذ منها عودا بين إصبعيه ثم قال والله ما عدا عيسى بن مريم مما
قلت هذا العويد فتناخرت بطارقته حوله حين قال جعفر ما قال، فقال وان
نخرتم والله وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون -
من سبكم غرم. من سبكم غرم. من سبكم غرم. ما أحب ان لي دبرا أو
دبرا من ذهب قال ابن هشام ويقال زبرا - واني آذيت رجلا منكم - والزبر
بلسانهم الذهب والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا
حاجة لي بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة
فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه وليخرجا من بلادي قالت فخرجا من
عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
فوالله انا لعلى ذلك إذ نزل به رجل الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمتنا
حزنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا ان يظهر ذلك
الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف
منه قالت فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده
وأرسل المسلمون الزبير ليأتيهم بخبره فظفر النجاشي بعدوه فوالله ما علمتنا
فرحنا فرحة قط مثلها.
وقال ابن أبي الحديد: روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه
السلام أنه قال لقد كاد عمرو بن العاص عمنا جعفرا بأرض الحبشة عند
النجاشي وعند كثير من رعيته بأنواع الكيد فردها الله تعالى عنه بلطفه (إلى أن
قال): وما زال ابن الجزار عدوا لنا أهل البيت اه.
وفي الدرجات الرفيعة عن جابر لما قدم جعفر من أرض الحبشة أعطاه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامرأته أسماء بنت عميس من غنائم خيبر وقال اشبهت
خلقي وخلقي اه‍.
مقتله
قتل جعفر (ع) شهيدا في غزوة مؤتة وكانت في جمادي الأولى سنة 8
من الهجرة (ومؤتة) بضم الميم وهمزة ساكنة ومثناة فوقية ويقال موتة بسكون
الواو وحذف الهمزة موضع معروف عند الكرك بأدنى البلقاء. وكان سببها
فيما رواه الواقدي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي سنة 8
إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني
فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق
رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره فبلغ ذلك

123
رسول الله فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث فأسرعوا
وخرجوا وعسكروا بالجرف فأمر عليهم جعفر بن أبي طالب فان قتل فزيد بن
حارثة فان قتل فعبد الله بن رواحة، هذا في رواية أبان بن عثمان عن
الصادق (ع) ويدل عليه شعر حسان بن ثابت وشعر كعب بن مالك
الآتيين من رثاء جعفر وأصحابه حيث يقول حسان:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة اصعر
ويقول كعب:
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم ونعم الأول
والاعتبار يقتضي ذلك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليؤمر عليهم غير
جعفر مع كفاءته وكونه اهلا للامارة وتفوقه على الآخرين في الشجاعة
والاخلاص كما يدل عليه ما في الاستيعاب قال ذكر عبد الرزاق عن ابن
عيينة عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال مثل لي
جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت
زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود
قال فسألت أو قيل لي انهما حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا
بوجوههما واما جعفر فإنه لم يفعل اه ومع ذلك فيقول ابن أبي الحديد:
اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول فان قتل فجعفر
فان قتل فعبد الله، قال: وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر بن
أبي طالب هو الأمير الأول فان قتل فزيد فان قتل فعبد الله ورووا في ذلك
روايات وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب
المغازي ما يشهد لقولهم ثم ذكر قصيدة حسان وأبيات كعب الآتية.
أقول: يوشك ان يكون رواية ان الأمير الأول كان زيد بن حارثة
سببها كان العداوة لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام فلم يشأ
أعداؤه ان يتركوا له شيئا مما يمكنهم دفعه الا دفعوه وأنكروه وبذلوا الأموال
لمن يروي لهم ذلك كما أنكروا اسلام أبي طالب ورووا فيه الأحاديث وجاء
من بعدهم فرأى هذه الأحاديث فأودعها في الصحاح وقبلها الناس لظنهم
صدقها مع أنها مصادمة للضرورة، قال الواقدي ودفع اللواء إلى أميرهم
وهو لواء ابيض ومشى الناس إلى جعفر وأصحابه يودعونهم وكانوا ثلاثة
آلاف وروى الواقدي بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج مشيعا لأهل مؤتة حتى
بلغ ثنية الوداع وانه خطبهم وأوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن
معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا
تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى
احدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم واكفف عنهم ادعهم إلى
الدخول في الاسلام فان فعلوا فاقبل واكفف ثم ادعهم إلى التحول عن
دارهم إلى دار المهاجرين فان فعلوا فأخبرهم ان لهم ما للمهاجرين وعليهم
ما على المهاجرين وان دخلوا في الاسلام واختاروا دارهم فأخبرهم انهم
يكونون كاعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفئ
ولا في الغنيمة شئ الا ان يجاهدوا مع المسلمين فان أبوا فادعهم إلى اعطاء
الجزية فان فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم فان أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
وأوصاه إذا طلبوا ان تستنزلوا لهم على حكم الله فلا تفعل بل تستنزلهم على
حكمك فلعلك لا تصيب حكم الله وان أرادوا ان تجعل لهم ذمة الله وذمة
رسوله فلا تفعل ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وأصحابك فإنكم ان
تخفروا ذممكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وقال إنكم
ستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ولا تقتلن امرأة
ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعن نخلا ولا شجرا ولا تهدمن بناء. قال
الواقدي ومضى المسلمون فنزلوا وادي القرى وأقاموا به أياما وساروا حتى
نزلوا بمؤتة وبلغهم ان هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر
وبهرأ ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف مقاتل وعليهم رجل من بلى. قال
ابن إسحاق في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف من العرب عليهم
رجل من بلى يقال له مالك فأقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا
نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخبره الخبر فاما ان يردنا أو يزيدنا فشجعهم
عبد الله بن رواحة وقال والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة ولا كثرة سلاح
ولا كثرة خيل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد والله
رأيتنا يوم بدر وما معنا الا فرسان انما هي احدى الحسنيين اما الظهور عليهم
فذاك ما وعدنا الله ورسوله وليس لوعده خلف واما الشهادة فشجع الناس
على قوله قال ابن إسحاق: ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء
لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها
مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس
عندها قال ابن إسحاق وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين: وتعبأ المسلمون
فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم
رجلا من الأنصار يقال له عبادة أو عباية بن مالك قال ابن إسحاق ثم التقى
الناس فاقتتلوا واخذ اللواء جعفر بن أبي طالب وقاتل قتالا شديدا حتى إذا
الحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها أو عرقبها فكان أول رجل
عقر فرسه في الاسلام ثم قاتل وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
علي إذ لاقيتها ضرابها
وفي عمدة الطالب: لما رأى جعفر الحرب قد اشتدت والروم قد
غلبت اقتحم عن فرس له أشقر ثم عقره وهو أول من عقر في الاسلام
وقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل إلى أن قطعت
اليسرى أيضا فاعتنق الراية وضمها إلى صدره حتى قتل ووجد به نيف
وسبعون وقيل نيف وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية قال الواقدي: قيل إنه
ضرب رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك
فوجد فيه ثلاثون أو بضعة وثلاثون جرحا قال وروى نافع عن ابن عمر انه
وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف
والرماح وفي الطبقات الكبير في رواية الفضل بن دكين عن نافع عن ابن
عمر: وجد فيما اقبل من بدن جعفر بن أبي طالب ما بين منكبيه تسعون
ضربة بين طعنة رمح وضربة بسيف وقال الواقدي اثنتان وسبعون ضربة وفي
الطبقات بسنده عن نافع عن ابن عمر وجدنا جعفر بن أبي طالب وبه طعنة
ورمية بضع وتسعون فوجدنا ذلك فيما اقبل من جسده وقال عبد الله بن أبي بكر
وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحا و وجد به طعنة قد أنفذته اه.
وفي الاستيعاب روينا عن ابن عمر أنه قال وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي
طالب ومنكبيه وما اقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة
بالرمح وقد روي اربع وخمسون جراحة والأول أثبت اه قال البلاذري



(1) في تاريخ ابن كثير نزل مآب من ارض البلقاء.
124
قطعت يداه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد أبدله الله بهما
جناحين يطير بهما في الجنة ولذلك سمي الطيار اه وفي الاستيعاب عن الزبير بن بكار قاتل
جعفر رحمه الله حتى قطعت يداه جميعا ثم قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله
أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء فمن هناك قيل له جعفر ذو
الجناحين، ثم روى بسنده انه أرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم جعفر بن أبي طالب
ذا جناحين مضرجا بالدم اه.
قال ابن إسحاق: وقاتل زيد حتى قتل طعنا بالرماح وقاتل
عبد الله بن رواحة حتى قتل وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة تراجعوا فاخذ
اللواء ثابت بن أرقم ثم أعطاه خالد بن الوليد فحمل به ساعة وجعل
المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز بالمسلمين وانكشفوا
راجعين، قال الواقدي: وقد روى أن خالدا ثبت والصحيح انه انهزم
بالناس حتى عيروا بالفرار وتشاءم الناس به فلما سمع أهل المدينة بهم
تلقوهم بالجرف فجعلوا يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا فرار أفررتم
في سبيل الله حتى أن الرجل ينصرف إلى بيته وأهله فيدق عليهم فيأبون ان
يفتحوا له وجلس الكبراء في بيوتهم استحياء من الناس فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم كرار إن شاء الله اه وروى الواقدي بسنده
عن أسماء بنت عميس قالت: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر
وأصحابه فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد منأت (اي دبغت) أربعين منا من ادم
وعجنت عجيني واخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم فدخلت على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم اليه فضمهم وشمهم ثم
ذرفت عيناه فبكى، فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شئ، قال
نعم انه قتل اليوم فقمت أصيح. واجتمع إلي النساء، فجعل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي صدرا ثم خرج حتى دخل
على ابنته فاطمة وهي تقول: وا عماه، فقال: على مثل جعفر فلتبك
الباكية. ثم قال اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا بأنفسهم اليوم.
وروى الواقدي بسنده عن عبد الله بن جعفر أنه قال: انا احفظ حين دخل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمي فنعى إليها أبي فانظر اليه وهو يمسح على رأسي ورأس
أخي وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال اللهم ان جعفرا قدم
إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في
ذريته، ثم قال يا أسماء الا أبشرك، قالت بلى بأبي وأمي قال فان الله جعل
لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت بأبي وأمي فاعلم الناس ذلك. فقام
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقى على المنبر وأجلسني
امامه على الدرجة السفلى وان الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال إن المرء كبير
بأخيه وابن عمه الا ان جعفرا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير
بهما في الجنة ثم نزل فدخل بيته وادخلني وأمر بطعام فصنع لنا وارسل إلى
أخي فتغدينا عنده غداء طيبا، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته ثم
نشفته ثم أنضجته وآدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا فتغديت انا وأخي معه
وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا. وأتاني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك وانا أساوم في شاة فقال اللهم بارك له في صفقته
فوالله ما بعت شيئا ولا اشتريت الا بورك فيه اه وفي عمدة الطالب: حزن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقتل جعفر حزنا شديدا، اه وفي الطبقات الكبير لابن
سعد بسنده عن عبد الله بن جعفر في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما استشهد
جعفر امهل آل جعفر ثلاثا ان يأتيهم ثم اتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد
اليوم ثم قال: ائتوني ببني أخي فجئ بنا كأنا أفراخ فقال ادعوا لي الحلاق
فدعي فحلق رؤوسنا و قال اما محمد فشبيه عمنا أبي طالب واما عبد الله
- وفي كتاب ابن معروف موضع عبد الله عون - فشبيه خلقي وخلقي ثم
اخذ بيده فأشالها وقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في
صفقة يمينه ثلاث مرات، ثم جاءت امنا فذكرت يتمنا، فقال العيلة تخافين
عليهم وانا وليهم في الدنيا والآخرة؟ (اه‍) وفيه بسنده عن عامر قال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قتل جعفر، اللهم اخلف جعفرا في أهله خير ما خلفت أو
كأفضل ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين وفي رواية: اللهم ان جعفرا
قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بخير ما خلفت عبدا من
عبادك الصالحين.
وقد ذكرنا في ترجمة أسماء انها تزوجت بعد جعفر بأبي بكر وبعد أبي بكر
بعلي بن أبي طالب وفاتنا ان ننبه هناك على دقيقة وهي انه لم يتزوجها
علي بعد شهادة أخيه جعفر وأولاد أخيه أولاده وذلك أن فاطمة الزهراء
كانت يومئذ حية فلم يكن ليتزوج في حياتها فلما توفي أبو بكر كانت فاطمة
قد توفيت فتزوج أسماء.
ما روي في فضل جعفر
في شرح النهج لابن أبي الحديد وقد روي في الحديث عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سادة أهل المحشر سادة أهل الدنيا انا وعلي وحسن وحسين
وحمزة وجعفر. وفي مقاتل الطالبيين بسنده عن أبي سعيد الخدري: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الناس حمزة وجعفر وعلي صلوات الله عليهم أجمعين،
اه‍ وفي مقاتل الطالبيين بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلق الناس من أشجار شتى وخلقت انا وجعفر من طينة
واحدة. وبسنده عن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن
جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول الناس من شجر شتى وانا وجعفر
من شجرة واحدة (وبسنده) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر اشبهت خلقي وخلقي اه‍ (وبسنده) عن علي (ع)
ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر بن أبي طالب اشبهت خلقي وخلقي (وفي
رواية) انك شبيه خلقي وخلقي (وعن الزمخشري) في ربيع الأبرار: كان
جعفر أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلقا وخلقا وكان الرجل يرى جعفر
فيقول السلام عليك يا رسول الله يظنه إياه فيقول لست برسول الله انا
جعفر اه.
وفي الدرجات الرفيعة روي عن علي بن يونس المدني قال: كنت عند
مالك فإذا سفيان بن عيينة بالباب يستأذن فقال مالك رجل صاحب سنة
أدخلوه فدخل فقال السلام عليكم ورحمة الله فردوا عليه السلام ثم قال
سلامنا خاص وعام ثم قال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته
قال مالك وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته فصافحه مالك ثم
قال يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقناك فقال سفيان بن عيينة عانق خير منك
ومنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال مالك جعفرا قال نعم ذاك حديث وما يخصه يخصنا
فتأذن لي ان احدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله بن
طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من
أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بي
خلقا وخلقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة؟ قال يا رسول الله
بينا انا امشي بين أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل
على دابته فوقع مكتلها وتنثر برها وأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول ويل

125
للظالم من ديان يوم الدين ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا
وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقدس الله أمة لا يأخذ
ضعيفها من قويها حقه غير متعتع اه ومما ورد في فضل جعفر الحديث
المروي عن أبي هريرة وألفاظه مختلفة. وقد رواه كل من ذكر أحوال جعفر
ففي مقاتل الطالبيين بسنده عن عكرمة عن أبي هريرة قال ما ركب المطايا
ولا الكور ولا انتعل ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من
جعفر بن أبي طالب (ع) وروى ابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك
باسنادهما عن عكرمة عن أبي هريرة ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب
المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب
قال الحاكم في المستدرك صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه اه في
الطبقات ولا لبس الكور وفي المستدرك ولا ركب الكور وروى أحمد بن
حنبل بسنده عن عكرمة عن أبي هريرة ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب
المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي
طالب قال ابن كثير بعد نقله: وهذا اسناد جيد إلى أبي هريرة اه وفي
الاستيعاب بسنده عن أبي هريرة: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا
وطئ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب اه‍ وهذا
المتن الذي حكاه صاحب الاستيعاب أصحها لفظا والباقي لا يخلو من
تكرير. قال ابن كثير في تاريخه بعد نقل رواية أحمد بن حنبل: وكأنه انما
يفضله في الكرم فاما في الفضيلة الدينية فمعلوم ان فلانا وفلانا بل وعثمان
أفضل منه واما اخوه علي فالظاهر أنهما متكافئان أو علي أفضل منه وانما أراد
أبو هريرة تفضيله في الكرم بدليل ما رواه البخاري ثم ذكر الحديث المتقدم
عن البخاري الذي في آخره وكان خير الناس للمساكين جعفر الخ.
(أقول): فضل جعفر اظهر من الشمس لا يحتاج فيه إلى شهادة أبي
هريرة وأمثاله وكفاه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشبهت خلقي وخلقي وقد هاجر
الهجرتين وكانت له في هجرة الحبشة المقامات المشهودة وثباته يوم مؤتة مقابل
مائتي الف من الروم والعرب حتى قطعت يداه ولم يترك الراية وحتى جرح ما
يزيد على تسعين جراحة في مقدم بدنه فأي شهادة تعدل شهادته واي جهاد
يماثل جهاده وأفضل الأعمال بعد الايمان الجهاد في سبيل الله وكيف يفضل
عليه من لم يسمع له اثر في جهاد أو من فر يوم أحد ورجع بعد ثلاث. اما
عدم مساواته لعلي (ع) في الفضل فلا يحتاج إلى بيان حتى يستظهر ابن كثير
المساواة ثم يتردد وما حمله على ذلك الا جهله أو تجاهله بمقام علي (ع)
ومنزلته، واما فلسفته الباردة ومنطقه المعكوس بأن أبا هريرة انما فضله في
الكرم فلا يساعده لفظ ولو أراد ذلك أبو هريرة لقال أكرم بدل أفضل، اما
جعله حديث لعق العكة شاهدا فلا شاهد فيه لأن كونه خير الناس
للمساكين لا ينافي كونه أفضل الناس فيما سوى الكرم. انها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وروى الحاكم في المستدرك
في حديث قصة بنت حمزة بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اما أنت يا جعفر
فأشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي انا منها قال قد رضيت يا
رسول الله بذلك فكان أبو هريرة يقول ما أظلت الخضراء على وجه أحب
إلي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جعفر بن أبي طالب لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشبهت
خلقي وخلقي، هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اه.
وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: قد روى كثير من المحدثين ان أمير
المؤمنين (ع) عقيب يوم السقيفة تألم وتظلم واستنجد واستصرخ حيث
ساموه الحضور والبيعة وانه قال وهو يشير إلى القبر يا ابن أم ان القوم
استضعفوني وكادوا يقتلونني وانه قال وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم وا حمزتاه
ولا حمزة لي اليوم. وفي شرح النهج أيضا حكاية عن النقيب أبي جعفر
يحيى بن محمد بن أبي زيد العلوي نقيب البصرة في أثناء كلام له قال وقد
كانت لجعفر خصائص ومناقب كثيرة، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشبهت
خلقي وخلقي فحجل فرحا، ثم قال لزيد أنت مولانا وصاحبنا فحجل
أيضا، ثم قال لعلي أنت أخي وخالصتي قالوا فلم يحجل، قالوا: كأن
ترادف التعظيم له وتكرره عليه لم يجعل عنده للقول ذلك الموضع وكان غيره
إذا عظم عظم نادرا فيحسن موقعه عنده، واختلف الناس في اي المدحتين
أعظم اه.
وفي الاستيعاب روى عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن جعفر
يقول: كنت إذا سألت عمي عليا (ع) شيئا ويمنعني أقول له بحق جعفر
فيعطيني اه.
مراثيه
في مقاتل الطالبيين بسنده عن محمد بن إسحاق ان كعب بن مالك
الأنصاري قال يرثي جعفر بن أبي طالب ومن استشهد معه، وزيد فيها في
شرح النهج ثلاثة أبيات نقلا عن محمد بن إسحاق في كتاب المغازي:
هدت العيون ودمع عينك يهمل * متحاكما وكف الرباب المخضل
وكأنما بين الجوانح والحشا * مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا * قتلا بمؤتة اسندوا لم ينقلوا
صلى الاله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للاله نفوسهم * عند الحمام حفيظة ان ينكلوا
ساروا امام المسلمين كأنهم * طود يقودهم الهزبر المشبل
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم ونعم الأول
حتى تقوضت (1) الصفوف وجعفر * حيث التقى جمع الغواة (2) مجدل
فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قوم علا بنيانهم من هاشم * فرع أشم وسؤدد متأثل (3)
قوم بهم نظر الاله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل
قوم بهم عصم الاله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
فضلوا المعاشر عفة وتكرما * وتغمدت أخلاقهم من يجهل
وقال حسان بن ثابت فيما حكاه في شرح النهج عن محمد بن إسحاق
في المغازي جعفرا وصاحبيه:
تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبد الله حين تتابعوا * جميعا وأسياف المنية تقطر
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة اصعر



(1) تفرقت خ ل.
(2) وعث الصفوف خ ل.
(3) ما ينقل خ ل. - المؤلف -
126
فطاعن حتى مال غير موسد * بمعترك فيه القنا متكسر
فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدايق اخضر
وكنا نرى في جعفر من محمد * وقارا وامرا حازما حين يأمر
وما زال في الاسلام من آل هاشم * دعائم صدق لا ترام ومفخر
هم جبل الاسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يطول ويقهر
بها ليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم احمد المتخير
وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر
بهم تفرج الغماء من كل مأزق * غماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
هم أولياء الله انزل حكمه * عليهم وفيهم والكتاب المطهر
جعفر بن عبيد الله
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام فقال
جعفر بن عبيد الله روى عن الحسن بن محبوب وروى عنه ابن عقدة اه.
جعفر بن عبيد الله بن جعفر
في الخلاصة: له مكاتبة اه هكذا في نسخة وفي منهج المقال في
نسخة منسوبة إلى ولد المصنف مكانة على ما نقل عن الشهيد الثاني اه
(أقول) في نسخة عندي مقابلة على نسخة ولد ولد المصنف له مكانة
ويحتمل اتحاده مع سابقه. وفي مشتركات الطريحي والكاظمي باب جعفر بن
عبيد الله المشترك بين رجلين لاحظ لهما في التوثيق مع امكان الاتحاد والله
أعلم اه.
جعفر حجة الله بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
في صبح الأعشى: كانت الرياسة بالمدينة آخر لبني الحسين بن علي
وكان منهم أبو جعفر عبيد الله بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين بن
الحسين السبط ابن علي بن أبي طالب وكان من جملة ولده جعفر حجة الله
اه وفي تاريخ ابن خلدون: جعفر ويسمى عند الشيعة حجة الله بن عبيد
الله بن الحسين الأصغر ابن زين العابدين اه وفي غاية الاختصار: جعفر
الحجة كان من سادات بني هاشم فضلا وورعا ونسكا وحلما وشرفا كان يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر والشيعة يسمونه حجة الله في أرضه قالوا كان
جعفر بن عبيد الله يشبه زيد الشهيد وكان زيد يشبه بعلي بن أبي
طالب (ع) في البلاغة والبراعة اه. وفي عمدة الطالب: اما جعفر
الحجة بن عبيد الله الأعرج وفي ولده الإمرة بالمدينة ومنهم ملوك بلخ
ونقباؤها وجعفر بن عبيد الله من أئمة الزيدية وكان له شيعة يسمونه الحجة
وكان القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا يقول جعفر بن عبيد الله من أئمة
آل محمد وكان فصيحا وكان أبو البختري وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة
ثمانية عشر شهرا فما أفطر الا في العيدين ه‍.
جعفر بن عثمان الدارمي
وقع في سند كتاب من لا يحضره الفقيه وليس له ذكر في كتب
الرجال.
جعفر بن عثمان بن زياد الرواسي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال الكشي في
رجاله: في جعفر بن عثمان بن زياد الرواسي أخي حماد. حمدويه قال
سمعت أشياخي يذكرون ان حمادا وجعفرا والحسين بني عثمان بن زياد
الرواسي - وحماد يلقب بالناب - كلهم فاضلون أخيار ثقات. وفي لسان
الميزان جعفر بن عثمان الرواسي الكوفي الأحول ذكره الطوسي في رجال
الشيعة وقال روى عن الأعمش وغيره وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني
ونهم ابن بهلول وقال علي بن الحكم كان جليل القدر عند العامة اه وليس
لما نقله عن الطوسي اثر في كتبه ولعله وقع في النسخة سقط وهذا من ترجمة
رجل آخر، وعلي بن الحكم هو من علماء الشيعة له كتاب في الرجال فيظهر
انه كان عند صاحب لسان الميزان وليس له وجود اليوم كما نبهنا على ذلك في
عدة مواضع من هذا الكتاب.
جعفر بن عثمان بن شريك بن عدي الكلابي الوحيدي ابن أخي عبد الله بن
شريك
(الوحيدي) كأنه نسبة إلى بني الوحيد قوم من بني كلاب ابن
ربيعة بن عامر بن صعصعة ذكره الجوهري والفيروز آبادي (والوحيد)
لقب عامر بن الطفيل بن مالك من بني جعفر بن كلاب قال النجاشي: هو
واخوه الحسين بن عثمان رويا عن أبي عبد الله (ع) ذكر ذلك أصحاب
الرجال له كتاب رواه عنه جماعة أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون حدثنا
أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن يوسف الجعفي حدثنا يعقوب بن
يزيد حدثنا ابن أبي عمير عن جعفر بن عثمان به اه وفي منهج المقال:
وليس في رجال الكشي الا ما تقدم في الرواسي اه مشيرا بذلك إلى قوة
احتمال اتحاده مع الرواسي وفي التعليقة: لعل ظاهر العلامة في الخلاصة
هنا وما سيذكره في الحسين بن عثمان بن شريك اتحاد هذا مع جعفر بن
عثمان الرواسي السابق (أقول) وذلك لأنه في الخلاصة ذكر الرواسي ولم
يذكر هذا ثم ذكر الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي
ثم نقل فيه ما مر عن الكشي في الرواسي فدل على أن الرواسي عنده هو
الوحيدي ويؤيده ان بني رواس حي من عامر بن صعصعة وهو رواس بن
الحارث بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة لكن يبقى ان الرواسي
هو ابن عثمان بن زياد وهذا ابن عثمان بن شريك الا ان يكون أحدهما
نسبة إلى الأب والآخر إلى الجد ولا دليل عليه والتعدد مع كون كل منهما من
قبيلة واحدة ممكن فبطل التأييد والعلامة لم يظهر دليله على الاتحاد حتى يتابع
عليه ثم قال في التعليقة: وقال جدي - يعني المجلسي الأول -: جعفر بن
عثمان مشترك بين الثقة وغيره وظني انهما واحد اه وفي رواية ابن أبي عمير
عنه ما يشير إلى وثاقته - وذلك لأنه لا يروي الا عن ثقة - وقال خالي - يعني
المجلسي الثاني ابن عثمان الرواسي ثقة ويطلق - يعني جعفر بن عثمان -
على مجهولين والغالب هو الثقة اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي باب جعفر بن عثمان المشترك بين رجلين
أحدهما ابن عثمان الرواسي الثقة والآخر ابن عثمان بن شريك ويمكن
استعلام حاله برواية ابن أبي عمير عنه مع ما يحتمل من الاتحاد اه وزاد
الكاظمي ورواية محمد بن خالد البرقي عنه اه ومن ذلك يظهر جزما باتحاد
صاحب أبي بصير الآتي مع الرواسي فجعلاهما اثنين لا ثلاثة.
جعفر بن عثمان صاحب أبي بصير
قال الشيخ في الفهرست له كتاب رويناه عن عدة من

127
المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن جعفر بن عثمان
اه وفي منهج المقال واحتمال الاتحاد لا يخفى اه والظاهر أن أبا بصير هو
ليث بن البختري المرادي لأن: حماد بن عثمان الرواسي: أخا جعفر بن عثمان
الرواسي يروي عن أبي بصير ليث المرادي فيستشعر منه ان صاحب أبي
بصير هو الرواسي ويتحد هذا مع الرواسي المتقدم وبضميمة ما مر في ابن
شريك يظهر احتمال اتحاد الثلاثة.
جعفر بن عثمان الطائي
هكذا ذكره الكشي ابن عثمان بالثاء المثلثة ويأتي في الذي بعده ان
صوابه جعفر بن عفان بالفاء لا ابن عثمان بالثاء مع أن العلامة في الخلاصة
نقله عن الكشي بالفاء لا بالثاء.
أبو عبد الله جعفر بن عفان الطائي
توفي في حدود سنة 150
في رجال الكشي المطبوع جعفر بن عثمان وفي تلخيص اخبار الشيعة
للمرزباني كما في نسخة مخطوطة جعفر بن غفار وكلاهما تصحيف والظاهر أن
الثاني من الناسخ مع أن العلامة في الخلاصة كما في نسخة عندي مقابلة على
نسخة ولد ولد المصنف نقله عن الكشي جعفر بن عفان لا عثمان، قال
الكشي في رجاله: في جعفر بن عثمان (صوابه عفان) الطائي حدثني
نصر بن الصباح حدثني أحمد بن محمد بن عيسى عن يحيى بن عمران حدثنا
محمد بن سنان عن زيد الشحام قال كنا عند أبي عبد الله (ع) ونحن جماعة
من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله (ع) فقربه وأدناه ثم
قال يا جعفر قال لبيك جعلني الله فداك، قال بلغني انك تقول الشعر في
الحسين (ع) ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته (الخبر) وهو
أحد الجماعة الذين وجدنا تراجمهم في المجموعة النفيسة المشار إليها في
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب المنقولة من كتاب تلخيص اخبار
شعراء الشيعة للمرزباني وهو السادس والعشرون من الرجال المذكورين في
تلك المجموعة قال: أبو عبد الله جعفر بن عفان كان من شعراء الكوفة
وكان مكفوفا وله أشعار كثيرة في معان مختلفة ومن شعره في أهل البيت
عليهم السلام قوله:
الا يا عين فابكي الف عام * وزيدي ان قدرت على المزيد
إذا ذكر الحسين فلا تملي * وجودي الدهر بالعبرات جودي
فقد بكت الحمائم من شجاها * بكت لأليفها الفرد الوحيد
بكين وما درين وأنت تدري * فكيف تهم عينك بالجمود
أتنسى سبط احمد حين يمسي * ويصبح بين اطباق الصعيد
قيل إن السيد الحميري اجتمع به فقال له ويحك أنت تقول في آل
محمد صلى الله عليهم:
ما بال بيتكم يهدم سقفه * وثيابكم من أرذل الأثواب
فقال له فما أنكرت؟ فقال له: إذا لم تحسن مدحهم فاسكت أيوصف
آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا ولكني أعذرك هذا طبعك وعلمك ولكني قد قلت ما أرجو
ان يمحى به درن مدحك وانشد السيد:
اقسم بالله وآلائه * والمرء عما قال مسؤول
ان علي بن أبي طالب * على التقى والبر مجبول
وانه الهادي الامام الذي * له على الأمة تفضيل
يقول بالحق ويقضي به * وليس تلهيه الأباطيل
كان إذا الحرب مرتها القنا * وأحجمت عنها البهاليل
مشى إلى القرن وفي كفه * ابيض ماضي الحد مصقول
مشى العفرني بين أشباله * أبرزه للقنص الغيل
ذاك الذي سلم في ليلة * عليه ميكال وجبريل
ميكال في الف وجبريل في * الف ويتلوهم سرافيل
ليلة بدر مددا انزلوا * كأنهم طير أبابيل
فسلموا لما اتوا حذوه * وذاك اعظام وتبجيل
قال فقبل رأسه ابن عفان وقال له: يا أبا هاشم أنت رأس شكر الله
لك سعيك واجتهادك واني انما قلت ما قلت لأعلم الناس ما اتي إليهم من
عدوهم وما غصبوه من حقهم اه وقد مر أول هذه القصيدة في ترجمة السيد
الحميري (أقول) رحم الله السيد الحميري عاب على جعفر بن عفان شعره
لركته وسقوط معانيه وقال إنه استدرك بشعره الجيد ما في شعر جعفر من
معنى ساقط ومحا درنه. ولكن أهل البيت عليهم السلام بحلمهم وشفقتهم
وعطفهم وحنانهم على شيعتهم قبلوا شعر جعفر واستجاده امامهم
الصادق (ع) وبكى لسماعه فلا يضره بعد ذلك عدم قبول السيد الحميري
له وان كان محقا في انتقاده، ومن شعر جعفر بن عفان في الحسين عليه
السلام قوله:
ليبك على الاسلام من كان باكيا * فقد ضيعت احكامه واستحلت
غداة حسين للرماح دريئة * وقد نهلت منه السيوف وعلت
وغودر في الصحراء لحما مبددا * عليه عتاق الطير باتت وظلت
فما نصرته أمة السوء إذ دعا * لقد طاشت الأحلام منها وضلت
الا بل محوا أنوارهم بأكفهم * فلا سلمت تلك الأكف وشلت
وناداهم جهدا بحق محمد * فان ابنه من نفسه حيث حلت
فما حفظوا قرب الرسول ولا رعوا * وزلت بهم اقدامهم واستزلت
أذاقته حر القتل أمة جده * هفت نعلها في كربلاء وزلت
فلا قدس الرحمن أمة جده * وان هي صامت للإله وصلت
كما فجعت بنت الرسول بنسلها * وكانوا كماة الحرب حين استقلت
(وفي الأغاني): في أثناء ترجمة السيد الحميري: أخبرني الحسن بن
علي حدثني عبد الله بن أبي سعد قال: قال جعفر بن عفان الطائي الشاعر
اهدى إلي سليمان بن علي مهرا أعجبني وزعمت تربيته فلما مضت علي
اشهر عزمت على الحج ففكرت في صديق لي أودعه المهر ليقوم عليه فاجمع
رأيي على رجل من أهلي يقال له عمر بن حفص فصرت اليه فسألته ان يأمر
سائسه بالقيام عليه وخبرته بمكانه من قلبي ودعا بسائسه فتقدم اليه في ذلك
ووهبت للسائس دراهم وأوصيته به ومضيت إلى الحج ثم انصرفت وقلبي
متعلق به فبدأت بمنزل عمر بن حفص قبل منزلي لأعرف حال المهر فإذا هو
قد ركب حتى عبر ظهره وعجف من قلة القيام عليه فقلت له يا أبا حفص
أهكذا أوصيتك في هذا المهر؟ فقال وما ذنبي لم ينجح فيه العلف فانصرفت
عنه وقلت:
من عاذري من أبي حفص وثقت به * وكان عندي له في نفسه خطر
فلم يكن عند ظني في أمانته * والظن يخلف والانسان يختبر

128
أضاع مهري ولم يحسن ولايته * حتى تبين فيه الجهد والضرر
عاتبته فيه في رفق فقلت له * يا صاح هل لك من عذر فتعتذر
فقال داء به قدما أضر به * وداؤه الجوع والاتعاب والسفر
قد كان لي في اسمه عنه وكنيته * لو كنت معتبرا ناه ومعتبر
فكيف ينصحني أو كيف يحفظني * يوما إذا غبت عنه واسمه عمر
لو كان لي ولد شتى لهم عدد * فيهم سميوه ان قلوا وان كثروا
لم ينصحوا لي ولم يبقوا علي ولو * ساوى عديدهم الحصباء والشجر
وروى أبو الفرج في الأغاني باسناده عن محمد بن يحيى بن أبي مرة
التغلبي قال مررت بجعفر بن عفان الطائي فرأيته على باب منزله فسلمت
عليه فقال مرحبا بك يا أخا تغلب اجلس فجلست اليه فقال الا تعجب من
مروان بن أبي حفصة حيث يقول:
انى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الأعمام
فقلت والله اني لأتعجب منه وأكثر لعنه لذلك فهل قلت في ذلك شيئا
فقال نعم قلت فيه:
لم لا يكون وان ذاك لكائن * لبني البنات وراثة الأعمام
للبنت نصف كامل من ماله * والعم متروك بغير سهام
ما للطليق وللتراث وانما * صلى الطليق مخافة الصمصام
جعفر الأكبر ابن عقيل بن أبي طالب
استشهد مع الحسين عليه السلام سنة 61 ولا عقب له
في الطبقات الكبير لابن سعد: أمه أم البنين بنت الثغر وهو
عمر بن الهصار بن كعب بن عامر بن عبيد بن أبي بكر وهو عبيد بن
كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة اه وفي مقاتل الطالبيين: أمه أم
الثغر بنت عامر بن الهصار العامري من بني كلاب. قال: ويقال أمه
الخوصاء بنت الثغر واسمه عمرو بن عامر بن الهصار بن كعب بن عبد بن
أبي بكر بن كلاب العامري اه وما في النسخة المطبوعة من ابدال الهصار
بالهصان تصحيف والهصار الأسد، وفي تاريخ ابن الأثير: أمه أم البنين
ابنة الثغر ابن الهصار اه وما في النسخة المطبوعة. من ابدال الهصار
بالعضاب تصحيف (قلت) لا منافاة بين هذه الأقوال فاسمها الخوصاء
وكنيتها أم البنين أو أم الثغر وهي بنت الثغر عمرو بن عامر بن الهصار قال
ابن الأثير: لما كانت ليلة العاشر من المحرم قال الحسين (ع) لبني عقيل:
حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: وما نقول
للناس؟! نقول: تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم
معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا
لا والله لا نفعل ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد
موردك فقبح الله العيش بعدك. ثم قال عند ذكر الحرب في عاشوراء:
ورمى عبد الله بن عروة الخثعمي جعفر بن عقيل. ثم عند ذكر أسماء من
قتل مع الحسين عليه السلام قال: وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب قتله
بشر بن الخوط الهمداني اه وفي مناقب ابن شهرآشوب ثم برز جعفر بن
عقيل قائلا:
انا الغلام الأبطحي الطالبي * من معشر في هاشم من غالب
ونحن حقا سادة الذوائب * هذا حسين أطيب الأطايب
فقتل رجلين وفي قول خمسة عشر فارسا قتله بشر بن خوط الهمداني
اه‍.
جعفر الأصغر ابن عقيل بن أبي طالب
في الطبقات الكبير لابن سعد أمه أم ولد اه وفي عمدة الطالب العقب
من عقيل بن أبي طالب ليس الا في محمد بن عقيل اه فإذا هو منقرض.
جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام
قتل مع أخيه الحسين (ع) بكربلا سنة 61 وهو ابن 19 سنة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين (ع). وقال: اخوه قتل
معه، أمه أم البنين اه. وهي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن
الوحيد وهو عامر بن كلاب بن صعصعة وهي أم اخوته العباس وعبد الله
وعثمان أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قتلوا كلهم مع أخيهم
الحسين (ع). قتل أولا عبد الله وعمره 25 سنة ثم جعفر وعمره 19 سنة
ثم عثمان وعمره 21 سنة ثم العباس وعمره 35 سنة وهو أكبرهم ويأتي
ذكرهم في محالهم (إن شاء الله) وفي ابصار العين: روى أن أمير
المؤمنين (ع) سماه باسم أخيه جعفر لحبه إياه. وفي مقاتل الطالبيين:
أخبرني أحمد بن سعيد حدثنا يحيى بن الحسن حدثنا علي بن إبراهيم حدثني
عبيد الله بن الحسن وعبد الله بن العباس قالا قتل جعفر بن علي بن أبي
طالب وهو ابن 19 سنة. قال نصر بن مزاحم: حدثني عمرو بن شمر عن
جابر عن أبي جعفر محمد بن علي ان خولي بن يزيد الأصبحي قتل جعفر بن
علي (ع) اه وفي مناقب ابن شهرآشوب انه برز جعفر بن علي وهو
يقول:
اني انا جعفر ذو المعالي * ابن علي الخير ذي النوال
ذاك الوصي ذو الثنا والوالي * حسبي بعمي شرفا وخالي
فرماه خولي الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينه اه وقال ابن الأثير
وغيره حمل عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله وجاء برأسه اه ويمكن ان
يكون خولي رماه وهانئ أجهز عليه وجاء برأسه.
ولما ارسل ابن زياد شمرا إلى ابن سعد بجواب كتاب له كان معه عند
ابن زياد ابن خالهم عبد الله بن أبي المحل بن حزام - وقيل جرير بن
عبد الله هذا - وكانت أمهم أم البنين بنت حزام عمة عبد الله هذا، فقال
لابن زياد ان رأيت أن تكتب لبني أختنا أمانا فافعل، فكتب لهم أمانا،
فبعث به مولى له إليهم، فلما رأوا الكتاب قالوا لا حاجة لنا في أمانكم أمان
الله خير من أمان ابن سمية. ولما كان اليوم التاسع من المحرم جاء شمر
فدعا العباس بن علي واخوته فخرجوا اليه فقال أنتم يا بني أختي آمنون،
فقالوا لعنك الله ولعن أمانك لئن كنت خالنا أ تؤمننا وابن رسول الله لا أمان
له. ذكر ذلك كله ابن الأثير وغيره. وفي رواية ان شمر جاء يوم التاسع
حتى وقف على أصحاب الحسين (ع) فقال أين بنو أختنا - يعني العباس
وجعفرا وعبد الله وعثمان أبناء علي (ع). فقال الحسين (ع) أجيبوه وان
كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم، فقالوا له ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني
أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد فقالوا
له لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له.
ولما جمع الحسين (ع) أصحابه ليلة العاشر من المحرم وخطبهم فقال

129
في خطبته: الا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني
ذمام وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا
الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري. فقال له اخوته
وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر ولم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا
أرانا الله ذلك ابدا. بدأهم بهذا القول العباس ابن أمير المؤمنين واتبعه
الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.
وكانت أم البنين أم هؤلاء الإخوة الأربعة تخرج إلى البقيع كل يوم
وترثي أولادها فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة فيبكون ويبكي مروان.
ذكره أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل للمبرد فمن قولها:
لا تدعوني ويك أم البنين * تذكريني بليوث العرين
كانت بنون لي ادعى بهم * واليوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الربى * قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهم * فكلهم امسى صريعا طعين
يا ليت شعري اكما أخبروا * بان عباسا قطيع اليمين
جعفر بن علي بن أحمد القمي نزيل الري المشهور بالرازي الايلاقي
مر الخلاف في أنه جعفر بن أحمد بن علي أو جعفر بن علي بن أحمد ومرت
ترجمته مفصلة في جعفر بن أحمد بن علي.
جعفر بن علي البجلي
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام. وقال روى
عنه حميد وفي التعليقة الظاهر أنه ابن حسان الآتي اه.
الشيخ جعفر ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير ابن الشيخ خضر
الجناجي النجفي
توفي في أوائل جمادي الأولى سنة 1290 بالنجف ودفن في مقبرة آبائه
ورثاه أكابر شعراء العراق.
في الطليعة: كان ذكيا لسنا فاضلا حفظة أديبا شاعرا. وفي مجموعة
لبعض فضلاء العراق: العالم الحافظ الأديب يدخل في جملة ما يحفظه ديوان
المتنبي وكان معنيا به مفضلا له قيما باء قرائه ودراسته وهو من الآحاد في
جودة الفهم وحدة الفؤاد وملاحة النادرة وحضور الجواب له من هذا القبيل
أشياء مشهورة اخذ عن الشيخ مرتضى الأنصاري والشيخ محسن خنفر وعن
أخويه الشيخ محمد والشيخ مهدي وكان فقيها أصوليا قام بعد أخيه الشيخ
مهدي مقامه اخذ عنه جماعة منهم السيد محمد ابن السيد محمد تقي
الطباطبائي والشيخ جواد آل محيي الدين والشيخ حسين ابن والحاج ثامر
والشيخ علي بن يونس وابن أخيه الشيخ صالح وغيرهم وله شعر كثير لو
عني بحفظه لصار ديوانا ولكنه امر بغسله وله من قصيدة:
ان قلبا اخفى الغرام زمانا * عاد فيه الهوى كما قد كانا
حركت ساكن التياعي بدور * ركب الله تحتها أغصانا
بي شموسا بدت بنعمان ليلا * فكست حلة الضحى نعمانا
شمت من بينهن ظبية خدر * سحبت للردى بنا أردانا
كنت من قبلها عزيزا ولكن * ذقت ذلا من حبها وهوانا
وله أيضا:
أهم بأمر الحزم في كل موطن * فينبو ويكبو صارمي وجوادي
وما زلت أسعى للمعالي واقتني * وقد حيل ما بيني وبين مرادي
وله:
وهبني جلست على مسند * وترمقني عين من يحسد
حقيق به دون كل الأنام * انا وحقيق بي المسند
وله في الشيخ إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى:
ان ابن يحيى وان فاق الورى كرما * وحاز ما حاز من علم ومن أدب
لكن إذا قيس بي يوما تلوت له * وفي الحمية معنى ليس في العنب
ومن شعره قوله فيمن اسمه ستار:
رام العذول بان ابدي الهوى سفها * ودون ما رامه حجب واستار
أخفي هواه ويبديه ومن عجب * يذيعه يا لقومي وهو ستار
وأطرى السيد محمد القطيفي الشاعر المقيم في الحائر مرثية له في
الحسين (ع) وفضلها على مراث كثيرة واقترح عليه انشادها وذلك في دار
آل الشيخ جعفر وهي التي يقول فيها:
بكتك الضيوف وبيض السيوف * وسود الحتوف أسى والقطار
وخاب الملمون والوافدون * وضاع المشيرون والمستشار
فقال له الشيخ جعفر وهو يومئذ حدث السن ان المشير والمستشار
واحد واعترضه في غير هذا البيت أيضا بان فيه من الزحاف الكف وهو
حذف السابع الساكن من مفاعيل وهو قبيح في بحر الطويل كما أن القبض
في مفاعيل في عروض الطويل واجب وقد اتى القطيفي به في قصيدته غير
مقبوض فانتقده بمثل هذه القواعد العروضية حتى أفحمه فقال له القطيفي
كأنك يا ولدي عروضي قال نعم قال فقطع لنا هذا البيت:
حولوا عنا كنيستكم * يا بني حمالة الحطب
وكأنه ظن أنه لا خبرة له بقصة الأعرابي مع المرأة التميمية حيث إن
بني تميم يكسرون أول المضارع فقال لها أتكتنون فأجابته فاخجلها فقالت له
أتحسن العروض قال نعم قالت قطع هذا البيت: حولوا عنا كنيستكم
(البيت) فقطعه وأخجلته وكان الشيخ جعفر يعرف القصة فارتجل على الفور
بيتا وقال للقطيفي ان قطعت البيت الذي قبله قطعته لك قال ما هو قال:
كل من تجلى طبيعته * ذاك امرؤ من ذوي الحسب
فقطعه كل من تج فاعلات * لا طبي فاعل فاخجله.
ومن شعره قوله في أمير المؤمنين علي (ع).
إذا كنت تخشى منكرا وحسابه * وتفزع من لقيا نكير وترهب
فلذ بالذي لو أذنب الناس كلهم * ولاذوا به لم يبق في الناس مذنب
وله غير ذلك في المدح والرثاء في الأئمة عليهم السلام ومن شعره
قوله:
وخيرية جاءت من الهند بغتة * وخص بها ظلما أهيل النمارق
جرى قلم فيها وجف وقد جرت * على نهجة أقلام كل منافق

130
تخلف بولد اسمه الشيخ محمد سافر في حدود سنة 1302 إلى الهند
وسكن في التيبت وهو باق فيها إلى تاريخ 1325.
السيد أبو إبراهيم جعفر بن علي بن جعفر الحسيني
في فهرست منتجب الدين ثقة محدث قرأ على شيخنا الموفق أبي
جعفر اه.
جعفر بن علي بن حازم
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال روى عنه
حميد بن زياد اه. وفي لسان الميزان جعفر بن علي بن حازم ذكره الطوسي
في رجال الشيعة اه.
جعفر بن علي بن حسان البجلي
قال الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام جعفر بن
علي بن حسان وقال في الفهرست جعفر بن علي بن حسان البجلي له نوادر
وروايات روى عنه حميد بن زياد اه وقال النجاشي جعفر بن علي بن حسان
أخبرنا ابن نوح حدثنا الحسين بن علي حدثنا حميد قال سمعت في بجيلة من
جعفر بن علي بن حسان نوادر اه وفي منهج المقال كأنه السابق والله أعلم
ومر عن التعليقة استظهار اتحاد جعفر بن علي البجلي المتقدم معه ويظهر
وجهه مما مر ولاشتراكهما في عدم الرواية عنهم عليهم السلام وفي رواية حميد
عنهما وكون كل منهما بجليا. وفي لسان الميزان علي بن حسان البجلي ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي يعرف جعفر انه ابن علي بن حسان برواية
حميد بن زياد عنه ورواية ابن نوح عنه اه.
جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي
في التعليقة يروي عنه الصدوق مترضيا وهو طريقه إلى جده
الحسن بن علي وفي بعض النسخ جعفر بن محمد بن علي ولعله الظاهر
وجعفر بن علي الكوفي اه وهذا الرجل وكذا جعفر بن محمد الكوفي الآتي.
الشيخ جعفر بن علي بن حسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن
أحمد بن محمد بن أبي جامع الحارثي الهمداني العاملي النجفي
توفي سنة 1150.
ذكره الشيخ جواد بن محيي الدين المعاصر في كتيبه ملحق أمل الآمل
من علماء آل أبي جامع.
الشيخ جعفر بن علي بن سليمان البحراني
ذكره الشيخ يوسف في لؤلؤة البحرين فقال كان شديدا في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر اماما في الجمعة والجماعة بعد أخيه الشيخ
صلاح الدين اه.
جعفر بن علي بن سهل بن فروخ الدقاق الدوري الحافظ
توفي سنة 330 أو 335
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال بغدادي
يكنى أبا محمد سمع منه التلعكبري سنة 328 وما بعدها له من إجازة اه.
وفي التعليقة: قوله له منه إجازة فيه إشعار بالوثاقة كما مر في الفوائد اه.
وفي ميزان الاعتدال جعفر بن علي بن سهل الحافظ أبو محمد الدوري الدقاق
عن أبي إسماعيل الترمذي وإبراهيم الحربي وعنه الدارقطني وابن جميع وجمع
قال حمزة السهمي سمعت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجاني يقول: ليس
بمرضي في الحديث ولا في دينه كان فاسقا كذابا اه وذكره الخطيب في تاريخ
بغداد وزاد في مشايخه محمد بن زكريا الغلابي وفي الذين رووا عنه
عبد الله بن إبراهيم بن ماسي وأبو احمد الغطريفي الجرجاني وعلي بن عمر
والحريري ثم قال قرأت في كتاب أبي القاسم بن الثلاج بخطه توفي أبو محمد
جعفر بن علي بن سهل الدقاق الحافظ الدوري سنة 330 اه. وفي لسان
الميزان: يقال إنه مات سنة 335 وذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال كان
ثقة اه وليس في رجال الشيخ توثيقه كما سمعت. ثم ذكر في لسان الميزان
جعفر بن علي بن فروخ الدقاق البغدادي يعرف بالحافظ وقال ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه والحال انه هو ابن سهل الدوري فهما واحد لا
اثنان.
السيد جلال الدين جعفر بن علي ابن صاحب دار الصخر الحسيني
في أمل الآمل عالم فاضل جليل يروي عنه ابن معية اه.
الشيخ جعفر ابن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الميسي
في أمل الآمل كان عالما محققا فقيها شريك الشهيد الثاني في الدروس
والإجازة من أبيه اه.
السيد عماد الدين أبو القاسم جعفر بن علي بن عبد الله بن أحمد الجعفري
الدبيسي نزيل دهستان
في فهرست منتجب الدين بن بابويه فقيه فاضل وكان يتحنف ويفتي
على مذهب أبي حنيفة تقية اه وفي جامع الرواة في نسخة غير مأمونة الغلط
الزيبي بدل الدبيسي. وفي لسان الميزان جعفر بن علي بن عبد الله الجعفري
نزيل دهستان ذكره ابن بابويه في الامامية وقال كان يفتي على مذهب أبي
حنيفة اه.
الشيخ جعفر بن علي بن محمد بن علي بن حسن بن حسين بن محمود بن
محمد آل مغنية العاملي
توفي بعد سنة 1283 في مدينة صور ونقل إلى طيردبا فدفن فيها
كان عالما فاضلا مشهورا في العلوم العربية ماهرا في طريقة التعليم،
ذكره ابن عمه الشيخ محمد آل مغنية في كتابه جواهر الحكم ونفائس الكلم
وقال ما حاصله: انه كان من العلماء الفضلاء الأتقياء الا أنه كان قليل
الحظ خمل اسمه في جبل عامل مع أن الذين لهم أسماء وشهيرون فيها دونه
في الفضل لكنها حظوظ قسمت بين الناس وكان من الأفاضل في علم
المقدمات أما في تربية الطلبة المبتدئين فليس له نظير، كان إذا بحث
الأجرومية للطلبة تغني عن بقية كتب النحو لحسن أسلوبه وتفننه في تعليم
التلاميذ وتهذيبهم وملازمة تدريسهم تخرج على يده واستفاد منه كثيرون
منهم الشيخ موسى ابن الشيخ أمين شرارة وكان ورعا تقيا محتاطا بارعا قرأ في
طيردبا على عمه الشيخ مهدي آل مغنية فلما توفي عمه المذكور انتقل مع ابن
عمه الشيخ حسين بن مهدي إلى جبع فقرءا في مدرسة الفقيه الشيخ
عبد الله آل نعمة ثم عادا إلى وطنهما ولما حضر الفقيه الشيخ محمد علي آل عز
الدين من العراق إلى جبل عامل وتوطن كفرة ذهب المترجم وأبناء عمه
الشيخ محمد وأخوه الشيخ حسين وابن أخيه الشيخ علي ابن الشيخ حسن
والد الفقيه المعاصر الشيخ حسين مغنية المتوفي سنة 1359 إلى كفرة فقرأوا

131
عنده نحو ثمانية أشهر ثم عادوا إلى وطنهم واستقر الرأي على أن يتوجه
الشيخ حسين وابن أخيه الشيخ علي إلى العراق ويبقى الشيخ محمد في
طيردبا لمزاولة أمر المعاش أما المترجم فاستدعاه الشيخ محمد علي ابن الشيخ
يوسف خاتون من أجلاء علماء جبل عامل وكان ذا جاه طويل عريض
لاتصاله بأمير جبل عامل حمد البك مع كونه من بيت علم كبير قديم فأراد أن
يفتح مدرسة في جويا على طريقة آبائه وأسلافه فاستدعى المترجم ورتب له
معاشا سنويا لما اشتهر به من الفضل وحسن الأسلوب في التعليم فاجتمع
عليه طلبة كثيرون واستفادوا منه والهيأة بجملتها لا يشذ منها فرد كان يفيدها
ثم استدعاه أمير جبل عامل علي بك الأسعد إلى قلعة تبنين لتعليم أولاده
وتهذيبهم وهم: شبيب باشا وناصيف باشا ونجيب بك ومعهم جماعة من
الطلبة منهم الشيخ موسى آل شرارة فبقي على تلك الحال إلى أن اصابتهم
النكبة وأخذوا إلى صيدا ثم إلى بيروت ثم إلى دمشق وتوفي علي بك وابن
عمه محمد بك في دمشق بالوباء سنة 1282 فعاد المترجم إلى وطنه ثم طلبه
سيد عاملة الشهير الخطير المرحوم السيد محمد أمين الأمين (عم المؤلف) وهو
يومئذ الاعتبار والاحتفال له بعاملة وكل اعتبار مضاف لاعتباره شمس عاملة
وبدرها الكامل فتوجه اليه لتعليم أولاده لكن المقصود ولده السيد حسن لأنه
كان أنجب أولاده وله القابلية التامة فلازمه مدة قليلة وانتقل السيد حسن
ابن السيد لرحمة الله وكانت حرقة وغصة حيث توفي وغصن شبابه رطيب
فعاد المترجم إلى وطنه، قال صاحب الكتاب وكنت سنة 1283 سكنت
صور وتزوجت بها فرتبت له من مالي معاشا سنويا ووضعت عنده
ابن شقيقتي السيد نجيب ابن السيد محيي الدين فضل الله الحسني وابن ابن
أخي الشيخ حسين وولدي سليمان ومحمودا ولم يكن في جبل عامل كلها من
يقرأ درسا أو يذاكر بمسألة لأنه بعد نكبة العشائر انقلب موضوع العلماء
خصوصا حينما جددت رواتب على الأرض وحصلت التسوية بين الجميع
وكان قبل ذلك يوجد اقطاعات كثيرة للعلماء وذوي البيوت فأهل البيوت
التزموا أمر معاشهم وهجروا الدرس وصار نسيا منسيا خصوصا جبع فبعدما
كان سوق الدرس فيها عامرا وإليها الرحلة أصبحت هي وغيرها كأن لم
تكن ثم التمس مني أن يكون معلما بمدرسة صور الرشدية بمعاش شهري
فسعيت باستجلاب أمر له من المتصرفية في بيروت فوفقت لذلك وانتقل إلى
صور وعمرت المدرسة وقبل أن تتم السنة انتقل إلى رحمة الله تعالى فحملت
جنازته إلى طيردبا باجتماع حافل حضره أكثر أهل القرى ومشيت أمام
الجنازة حتى القرية، وجرت بينه وبين الشيخ محمد اللاذقاني محاورة في
التفضيل بين الشعراء ففضل صاحب الترجمة بديع الزمان والصاحب بن
عباد وأطنب في مدحهما فعارضه اللاذقاني فقال ابن الخازن وابن منير أشعر
منهما واحتكما إلي فقلت البديع أفضل في الشعر والنثر من ابن الخازن وابن
منير والصاحب أشعر الثلاثة اه ملخص ما نقلناه عن جواهر الحكم ومنه
يعلم أن المترجم كان مجدودا سيئ الطالع فلما استدعاه العشائر لتعليم
أولادهم نكبوا بعد مدة يسيرة ولما استدعاه السيد محمد الأمين لتعليم أولاده
فجع بنجيبهم وصفوتهم، ولما تم له أمر المدرسة الرشدية بصور جاءه أجله
ولله أمر هو بالغه أما تفضيل صاحب الكتاب الصاحب على الثلاثة في الشعر
فخطأ فالصاحب كاتب وليس بشاعر وشعره لا يلحق بشعر ابن منير وابن
الخازن وأما تفضيله البديع على ابن الخازن وابن منير فكذلك فالبديع مقدم
في الكتابة لا في الشعر، خلف عدة أولاد والنجابة والفضل فيهم لولده
الشيخ موسى المتوفي سنة 1358 وتأتي ترجمته في بابه (إن شاء الله).
الشيخ جعفر بن علي المشهدي
في أمل الآمل الشيخ الجليل عالم فقيه يروي عنه ولده محمد اه
هكذا في نسخة مخطوطة منقولة عن نسخة الأصل وما في النسخة المطبوعة
من أنه جعفر بن محمد المشهدي خطأ.
السيد ميرزا جعفر ابن الميرزا علي نقي ابن السيد حسن
المعروف بالحاج آقا ابن السيد محمد المجاهد ابن السيد علي صاحب
الرياض الطباطبائي الحائري.
ولد في 12 ربيع الآخر سنة 1258 كما وجد بخطه نقلا عن خط
والده وتوفي يوم السبت عند الزوال في 22 صفر سنة 1321 عن ثلاث
وستين سنة ودفن مع أبيه في المقبرة المعروفة بكربلاء مقابل مقبرة السيد محمد
المجاهد.
كان عالما فاضلا كاملا رئيسا وفي بعض مؤلفات أهل العصر كان
عالما فاضلا فقيها أصوليا وفي بعض المجاميع المخطوطة العراقية لبعض
فضلاء العصر خرج من كربلاء إلى النجف على عهد أبيه فأخذ عن الميرزا
عبد الرحيم النهاوندي وخاله السيد علي الطباطبائي والسيد حسين الترك
وأخذ عن أبيه أيضا وتصدر في كربلا لما يتصدر له أمثاله عادة من القضاء
وفصل الحكومات وتمشية الأحكام الشرعية بما لأهله من السوابق اه.
مشايخه في القراءة
علم مما مر أنه قرأ على جماعة (1) والده الميرزا علي نقي (2) الميرزا
عبد الرحيم النهاوندي (3) خاله السيد علي الطباطبائي صاحب البرهان
القاطع (4) السيد حسين الكوهكمري المعروف بالسيد حسين الترك.
مشايخه في الإجازة
يروي بالإجازة عن الشيخ زين العابدين المازندراني وتاريخ الإجازة
28 صفر سنة 1290 وعن الملا محمد الإيرواني وتاريخها سنة 1299 وعن
الشيخ جعفر التستري النجفي وتاريخها سنة 1291 وعن الشيخ أبي تراب
الشهير بميرزا آقا وتاريخها غرة رجب 1292 وعن الشيخ محمد حسن آل
ياسين الكاظمي وتاريخها في ذي الحجة سنة 1301 وعن الحاج ميرزا
حسين بن ميرزا خليل الطهراني وتاريخها 10 ذي الحجة سنة 1313 وعن
السيد حسين سبط بحر العلوم وتاريخها 21 ذي القعدة سنة 1297 وعن
السيد علي صاحب البرهان القاطع وتاريخها 24 ذي الحجة سنة 1296
وعن السيد زين العابدين ابن السيد حسين آل صاحب الرياض وتاريخها في
ربيع الأول سنة 1292 وعن السيد مهدي القزويني وتاريخها سنة 1296
وعن المولى محمد حسين الأردكاني وتاريخها 26 ربيع الثاني سنة 1292 وعن
الميرزا محمد هاشم الموسوي الخوانساري وتاريخها 15 رجب سنة 1309
ومن ذلك يعلم اكثاره من الإجازات.
مؤلفاته
له مؤلفات كلها رسائل: (1) في الحبوة (2) في حجب ابن العم
للأبوين العم للأب وحده (3) في حكم الاعراض عن الملك (4) في معنى
أجمعت العصابة (5) في منجزات المريض (6) في اقرار المريض (7) في نكاح
المريض (8) في طلاق المريض (9) في أن السلام جزء من الصلاة ومخرج
عنها لا غيره (10) في معنى شرطية المسافة للتقصير (11) في وجوب التقصير

132
على من قصد أربعة فراسخ وان لم يرجع ليومه (12) في سقوط الوتيرة في
السفر (13) في القضاء عن الميت (14) في كراهية لبس السواد مطلقا وفي
خصوص الصلاة (15) في الماء المشكوك الكرية بلا حالة سابقة (16) في
حكم أهل الكتاب (17) في طهارة عرق الجنب من الحرام (18) في طهارة
العصير العنبي والزبيبي (19) في طهارة ولد الزنا (20) في اجتماع المحدث
والجنب والميت على ماء لا يكفي الا أحدهم (21) في حكم المقيم الخارج
إلى ما دون المسافة في أثناء الإقامة (22) في قضاء الفائتة وقت الفريضة
(23) في جواز التطوع في وقت الفريضة (24) في الغسالة. ومن شعره
الموجود في اخر المجالس النظامية قوله:
واني جعفر المعروف ذكرا * سليل الخمس من آل العباء
علي والدي وبه انتسابي * إلى جدي الزكي طباطبائي
الشيخ زين الدين جعفر بن علي بن يوسف بن عروة الحلي
في آمل الآمل: فاضل فقيه صالح يروي عنه ابن معية اه.
جعفر بن عمارة الهمداني الخارقي الكوفي أبو عمارة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع)، وفي لسان الميزان
جعفر بن عمارة الخارقي الهمداني الكوفي ذكره الطوسي في رجال
الشيعة اه.
جعفر بن عمرو بن ثابت بن أبي المقدام بن هرمز الحداد العجلي مولاهم
كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر (ع).
جعفر بن عمرو المعروف بالعمري
في القسم الأول من الخلاصة: روى الكشي عن محمد بن إبراهيم
ابن مهزيار ان أباه لما حضره الموت دفع اليه مالا وأعطاه علامة لمن يسلم
اليه المال فدخل اليه شيخ فقال انا العمري فأعطاه المال. وسند الرواية
ذكرناه في كتابنا الكبير وفيه ضعف اه وتقدم ذلك في إبراهيم بن مهزيار
وعن حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة قوله وفيه ضعف لأن في طريقه
أحمد بن كلثوم عن إسحاق بن محمد البصري وهما غاليان ومع ذلك ففيه نظر
من وجه اخر وهو ان الظاهر كون المال المذكور للإمام (ع) وان العمري
الآخذ وكيله لأن أحد نوابه في الغيبة الأولى عثمان بن سعيد العمري
فيناسب ان يكون هو القابض وأما جعفر العمري هذا فإنه وان وافقه في
النسب لكنه ليس من نوابه كما سيأتي فلا وجه لحمله عليه بمجرد كونه
العمري وأقل ما فيه انه مشترك وبالجملة فليس في هذه الرواية شئ يوجب
تعديله اه وفي منهج المقال لا يخفى ان المراد بالعمري هنا حفص بن عمرو
لا جعفر كما صرح به الكشي بعد الرواية كما يأتي وكأن جعفر تصحيف له
فلا تغفل اه وحينئذ فوجود من اسمه جعفر بن عمرو المعروف بالعمري
غير محقق ان لم يكن محقق العدم فضلا عن ورود الرواية فيه.
جعفر بن عمر
روي الكليني في الكافي في باب الدخول على النساء عن هارون ابن
الجهم عنه عن أبي عبد الله (ع).
جعفر بن عمر النخعي
روى الصدوق في الفقيه في باب الدين والقرض عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن أبي عبد الله (ع).
جعفر بن عنبسة بن عمرو الكوفي أبو محمد
في لسان الميزان روى عن عمر بن حفص المكي ومحمد بن الحسين
القرشي روى عنه الأصم وعبد الله بن محمد بن الحسن بن أسيد الأصبهاني
شيخ الطبراني وعبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزاز شيخ الدارقطني قال
ابن القطان لا يعرف وقال البيهقي في اسناد هو فيه اسناد مجهول (قلت)
وذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال ثقة روى عن سليمان بن يزيد عن
علي بن موسى الرضا رحمهما الله تعالى اه ولا وجود له في كتب الشيخ
الطوسي وذلك غريب ولا ندري من أين اخذه ولعل اسمه مصحف أو في
العبارة نقص وهذا التعريف لغيره.
جعفر بن عيسى بن عبيد بن يقطين
ذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا (ع) جعفر بن عيسى بن
عبيد. وفي الخلاصة: جعفر بن عيسى بن يقطين روى الكشي عن حمدويه
وإبراهيم قالا حدثنا أبو جعفر محمد بن عيسى العبيدي عن هشام بن
إبراهيم الختلي المشرقي وهو أحد من اثنى عليه في الحديث أن
أبا الحسن (ع) قال فيه خيرا اه وقال الكشي في رجاله: ما روي في
هشام بن إبراهيم المشرقي وجعفر بن عيسى بن يقطين وموسى بن صالح
وأبي الأسد ختن علي بن يقطين. حمديه وإبراهيم قالا حدثنا أبو جعفر
محمد بن عيسى العبيدي قال سمعت هشام بن إبراهيم الختلي وهو المشرقي
يقول استأذنت لجماعة على أبي الحسن (ع) في سنة 199 فحضروا
وحضرنا ستة عشر رجلا على باب أبي الحسن الثاني (ع) فخرج مسافر
فقال ليدخل آل يقطين ويونس بن عبد الرحمن والباقون رجلا رجلا، فلما
دخلوا وخرجوا خرج مسافر فدعاني وموسى وجعفر بن عيسى ويونس
فأدخلنا جميعا عليه والعباس قائم ناحية بلا حذاء ولا رداء وذلك في سنة أبي
السرايا فسلمنا ثم أمرنا بالجلوس، فلما جلسنا قال له جعفر بن عيسى:
أشكو إلى الله و إليك ما نحن فيه من أصحابنا فقال وما أنتم فيه منهم؟ فقال
جعفر: هم والله يزندقوننا ويكفروننا ويبرأون منا فقال هكذا كان
أصحاب علي بن الحسين ومحمد بن علي وأصحاب جعفر وموسى عليهم
السلام ولقد كان أصحاب زرارة يكفرون غيرهم وكذلك غيرهم كانوا
يكفرونهم، فقلت له يا سيدي نستعين بك على هذين الشيخين: يونس
وهشام وهما حاضران وهما أدبانا وعلمانا الكلام فان كنا يا سيدي على هدى
فقرناوان كنا على ضلال فهذان أضلانا فمرنا بتركه ونتوب إلى الله منه يا
سيدي فادعنا إلى دين الله نتبعك، فقال (ع) ما أعلمكم الا على هدى
جزاكم الله خيرا على النصيحة القديمة والحديثة فتأولوا القديمة علي بن يقطين
والحديثة خدمتنا له والله أعلم، فقال جعفر جعلت فداك ان صالحا وأبا
الأسد ختن علي بن يقطين حكيا عنك انهما حكيا لك شيئا من كلامنا فقلت
لهما ما لكما والكلام يثنيكم إلى الزندقة، فقال ما قلت لهما ذلك أأنا قلت
ذلك؟! والله ما قلت لهما، وقال يونس: جعلت فداك انهم يزعمون انا
زنادقة وكان جالسا إلى جنب رجل وهو متربع رجلا على رجل وهو ساعة
بعد ساعة يمرغ وجهه وخديه على بطن قدمه اليسرى، قال له أرأيتك ان لو

133
كنت زنديقا فقال لك مؤمن ما كان ينفعك من ذلك ولو كنت مؤمنا فقال
هو زنديق ما كان يضرك منه وقال المشرقي له والله ما نقول الا ما يقول
آباؤك عليهم السلام وعندنا كتاب سميناه كتاب الجامع فيه جميع ما يتكلم
الناس عليه من آبائك عليهم السلام وإنما نتكلم عليه فقال له جعفر شبيها بهذا
الكلام، فأقبل على جعفر فقال فإذا كنتم لا تتكلمون بكلام آبائي عليهم
السلام فبكلام فلان وفلان تريدون ان تتكلموا (الحديث). وفي التعليقة:
قوله جعفر بن عيسى عد ممدوحا لما ذكر والظاهر أنه من متكلمي أصحابهم
واجلائهم واخوه الجليل محمد بن عيسى كثيرا ما يروي عنه ولهما أخ آخر
اسمه موسى وموسى المذكور في رواية المشرقي في التحرير الطاووسي انه
موسى بن صالح وسيجئ عن المصنف أيضا ولعله أيضا يلقب بالمشرقي كما
سيجئ في هشام بن الحكم قال ثم إنه يظهر من هذه الترجمة وكثير من
التراجم مثل تراجم يونس بن عبد الرحمن وزرارة والمفضل بن عمر وغير
ذلك ان أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا يقعون بعضهم في بعض
بالانتساب إلى الكفر والزندقة والغلو وغير ذلك بل وفي حضورهم عليهم
السلام أيضا وربما كانوا يمنعون وربما كانوا لمن يمنعوا لمصالح وان هذه
النسب كلها لا أصل لها فإذا كانوا في زمان الحجة بل وفي حضوره يفعلون
أمثال هذه فما ظنك بهم في زمان الغيبة بل الذي نرى في زماننا انه لم يسلم
جليل مقدس وان كان في غاية التقديس عن قدح جليل فاضل متدين فما
ظنك بغيرهم ومن غيرهم وقد أشير اليه في أحمد بن نوح حتى آل الأمر إلى أنهم
لو سمعوا من أحد لفظ الرياضة وأمثال ذلك اتهموه بالتصوف وجمع
منهم يكفرون معظم فقهائنا رضي الله عنهم لاثباتهم اسلام بعض الفرق
الاسلامية حتى أن فاضلا متدينا ورعا منهم يعبر عن مولانا احمد الأردبيلي
قدس سره بالكودني المركل مع أن تقدسه اجل واشهر من أن يذكر حتى
صار ضربا للأمثال، وغيرهم ربما ينسبون هؤلاء إلى الغلو، وبالجملة كل
منهم يعتقد امرا انه من أصول الدين بحيث يكفر غير المقربة، بل آل الأمر
إلى أن المسائل الفرعية غير الضرورية ربما يكفرون من جهتها، والأخباريون
يطعنون على المجتهدين رضوان الله عليهم بتخريب الدين والخروج عن
طريقة الأئمة الطاهرين ومتابعة فقهاء غيرنا بل ربما يفسقون من قرأ كتب
الأصوليين بل ربما يقولون فيهم ما لا يقصر عن التكفير ومن هذا يظهر
التأمل في ثبوت الغلو والتفويض واضطراب المذهب بأمثال ما ذكر من مجرد
رمي علماء الرجال في الرجال قبل تحقيق الحال اه وفي لسان الميزان:
جعفر بن عيسى بن يقطين ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه.
التمييز
يعرف جعفر بن عيسى بأنه ابن عبيد بن يقطين برواية أخيه محمد بن
عيسى بن عبيد ومحمد بن إسماعيل وأحمد بن محمد والحسين بن سعيد عنه
كذا في كتاب لبعض المعاصرين.
الأمير أبو المظفر جعفر شمس الملك ابن الأمير عيسى بن موسى بن
يحيى الدنبلي الخوئي وباقي النسب مر في جعفر بن سليمان الدنبلي
في آثار الشيعة الإمامية توفي سنة 535 وعن مجلة كنز الفنون الفارسية
انه توفي (555) قال ودفن في مقبرته التي بناها خارج خوي والمنارة الموجودة
اليوم هناك المعروفة بمنارة شمس على قبره والعوام لعدم اطلاعهم ينسبون
ذلك القبر إلى الشمس التبريزي.
عن المجلة المذكورة من مشاهير الأمراء الدنابلة في خوي وكان يلقب
من قبل خليفة العصر بشمس الملك وكان صاحب بصيرة واطلاع مدحه
الخاقاني الشاعر الفارسي المشهور بعدة قصائد ذكر فيها حسبه ونسبه
وعقيدته وطريقة آبائه وأجداده منها القصيدة الرائية التي عارض بها قصيدة
السنائي تبلغ قريب 200 بيت وجاء الخاقاني غير مرة رسولا اليه من قبل
سلاطين شروان اه وفي آثار الشيعة الإمامية كان حازما مرتاضا تسلط على
كوهستان والأرمن وآذربايجان إلى الشام وكان معاصرا لمنوجهر شيروان شاه
مدحه الخاقاني الشيرواني الشاعر الفارسي المعروف بجملة قواف.. قيل إنه
اصطاد يوما عددا جما من بقر الوحش وبنى منه اربع منارات رفيعة وامر ببناء
مقبرة وخانقاه حولها ورتب لها الرواتب والأوقاف والمزارع وهي إلى الحال
باقية تعرف بباغ شاه مات سنة 535 ودفن في المقبرة المذكورة اه.
جعفر بن عيسى بن يقطين
مر بعنوان جعفر بن عيسى بن عبيد بن يقطين.
جعفر بن غالب الأسدي
وقع في طريق الصدوق في الفقيه في باب الحيل في الأحكام وفي
بعض النسخ حفص بن غالب وكلاهما غير مذكور في كتب الرجال.
جعفر بن الفرات
المسمى بجعفر في بني الفرات اثنان (أحدهما) جعفر بن الفضل بن
جعفر بن محمد الآتي (والثاني) جده جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن
الآتي أيضا فيراد بجعفر بن الفرات أحدهما.
أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن
الفرات المعروف بابن حنزابة
ولد 3 وقيل 8 ذي الحجة سنة 308 وتوفي يوم الأحد 13 صفر وقيل
13 ربيع الأول 391 بمصر في تذكرة الحفاظ ونقل فدفن بالمدينة النبوية في
دار اشتراها قريبة جدا من المسجد وقال المسبحي لما غسل أبو الفضل جعل
في فيه ثلاث شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها بمال عظيم وكانت عنده في
درج ذهب مختوم بمسك اه وقال ابن خلكان توفي بمصر وصلى عليه القاضي
حسين بن محمد بن النعمان (قاضي الفاطميين) ودفن بالقرافة الصغرى
وتربته بها مشهورة رايتها بالقرافة وعليها مكتوب: هذه تربة أبي الفضل
جعفر بن الفرات، ثم حكى عن الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه قال
: اشترى المترجم بالمدينة دارا بالقرب من المسجد ليس بينها وبين
الضريح النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام سوى جدار واحد
وأوصى ان يدفن فيها ولما مات حمل تابوته من مصر إلى الحرمين ودفن بالدار
المذكورة، قال وهذا خلاف ما ذكرته أولا، ثم حكى عن خط أبي القاسم
ابن الصوفي انه دفن في مجلس داره الكبرى ثم نقل إلى المدينة اه ولو صح
قول ابن الصوفي انه دفن في مجلس داره ثم نقل إلى المدينة لأمكن ان يكون
دفن بالقرافة أولا ثم نقل إلى المدينة ويمكن أن تكون تربة القرافة لمدفن
عشيرته فنسبت اليه والله أعلم.
(وحنزابه): قال ابن خلكان بكسر الحاء المهملة وسكون النون وفتح
الزاي وبعد الألف باء موحدة مفتوحة ثم هاء ساكنة وهي أم أبيه الفضل
ابن جعفر هكذا ذكره ثابت بن قرة في تاريخه، والحنزابة في اللغة المرأة

134
القصيرة الغليظة هكذا في نسخة ابن خلكان المطبوعة ولكن في تذكرة
الحفاظ ان حنزابة هي أم جعفر المترجم كانت أم ولد أبيه الفضل اه ولعل
هذا هو الصواب فان ابن حنزابة لقب له لا لأبيه كما صرح به ابن الأثير
نفسه في كلامه الآتي وغيره ومن ذلك قد يستظهر وقوع تحريف في عبارة ابن
خلكان من النساخ وان أصلها وهي أم ولد أبيه أو نحو ذلك والله أعلم
وهي أمة رومية.
(وبنو الفرات)، في الفخري: قال الصولي هم من صريفين من
اعمال دجيل قال وبنو الفرات من اجل الناس فضلا وكرما ونبلا ووفاء
ومروءة اه وكانوا شيعة وتقلد منهم الوزارة جماعة في العراق ومصر (فمنهم)
أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن الحسن ابن الفرات وزر للمقتدر
(وأبو الفضل أو أبو الخطاب جعفر بن محمد بن موسى جد المترجم وزر
للمقتدر أيضا وقيل عرضت عليه الوزارة فأباها كما يأتي في ترجمته (وأبو
الفتح) الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى وزر للمقتدر ثم للراضي
(والمترجم) وزر لبني الإخشيد بمصر (وأبو العباس) أحمد بن محمد بن موسى
كان من الكتاب، (والعباس) بن محمد بن موسى أخو علي وزير المقتدر كان
كاتبا حاسبا متفوقا في ذلك.
أقوال العلماء فيه
قال ابن الأثير في حوادث سنة 391 فيها توفي جعفر بن الفضل بن
جعفر بن محمد بن الفرات المعروف بابن حنزابة الوزير ومولده سنة 308
وكان سار إلى مصر فولي وزارة كافور وروى حديثا كثيرا اه وقال ابن
خلكان كان عالما محبا للعلماء وكان يملي الحديث بمصر وهو وزير وقصده
الأفاضل من البلدان الشاسعة وبسببه سار الحافظ أبو الحسن علي المعروف
بالدارقطني من العراق إلى الديار المصرية وكان يريد ان يصنف مسندا فلم
يزل الدارقطني عنده حتى فرع من تأليفه قال وذكره الحافظ ابن عساكر في
تاريخ دمشق وقال كان كثير الاحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة
دارا وأوصى ان يدفن فيها وقرر ذلك مع الاشراف ولما مات حمل تابوته من مصر
إلى الحرمين وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاء بما أحسن إليهم فحجوا به
وطافوا ووقفوا بعرفة ثم ردوه إلى المدينة ودفنوه بالدار المذكورة اه (أقول) لم
يذكر ذلك في نسخة تاريخ ابن عساكر المطبوعة وهو يدل على نقصانها كما
ذكرناه في جعدة بن هبيرة وغيره وذكره ابن شهرآشوب في المعالم فقال أبو
الفضل جعفر بن الفرات المعروف بابن حنزابة له الغرر اه وفي تاريخ بغداد
جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات أبو الفضل المعروف بابن
حنزابة الوزير نزل مصر وتقلد الوزارة لأميرها كافور وكان أبوه وزير المقتدر
بالله وكان يملي الحديث بمصر وبسببه خرج أبو الحسن الدارقطني إلى هناك
فإنه كان يريد ان يصنف مسندا فخرج أبو الحسن اليه واقام عنده مدة
يصنف له المسند وحصل له من جهته مال كثير وروى عنه الدارقطني في
كتاب المدبج وغيره أحاديث اه وفي تذكرة الحفاظ: ابن حنزابة الوزير
الكامل الحافظ المفيد أبو الفضل جعفر ابن الوزير الكبير أبي الفتح
الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن حسن بن الفرات البغدادي نزيل
مصر. وقال السلفي: كان من الحفاظ الثقات المحتجين بصحة الحديث
مع جلالة ورياسة يملي ويروي في حال الوزارة، عندي من أماليه ومن
كلامه على الحديث وحسن تصرفه الدال على حدة فهمه ووفور علمه وقد
روى عنه حمزة الكتاني مع تقدمه.
أخباره
قال ابن خلكان: كان وزير بني الأخشيد بمصر مدة امارة كافور ثم
استقل كافور بملك مصر واستمر على وزارته ولما توفي كافور استقل بالوزارة
وتدبير المملكة لأحمد بن علي بن الأخشيد بالديار المصرية والشامية وقبض
على جماعة من أرباب الدولة بعد موت كافور وصادرهم وقبض على
يعقوب بن كلس وزير العزيز العبيدي الآتي ذكره وصادره على أربعة آلاف
دينار وخمسمائة واخذها منه ثم اخذه من يده أبو جعفر مسلم بن عبيد الله
الشريف الحسيني واستتر عنده، ثم هرب مستترا إلى بلاد المغرب ولم يقدر
ابن الفرات على رضا الكافورية والأخشيدية والأتراك والعساكر ولم تحمل
اليه أموال الضمانات وطلبوا منه ما لا يقدر عليه واضطرب عليه الأمر
فاستتر مرتين ونهبت دوره ودور بعض أصحابه ثم قدم إلى مصر أبو محمد
الحسين بن عبيد الله بن طغج صاحب الرملة فقبض على الوزير المذكور
وصادره وعذبه واستوزر عوضه كاتبه الحسن بن جابر الرياحي ثم اطلق
الوزير جعفر بوساطة الشريف أبي جعفر الحسيني وسلم اليه الحسين امر
مصر وسار عنها إلى الشام مستهل ربيع الآخر سنة 358 اه وقال أيضا:
ذكر الخطيب أبو زكريا التبريزي في شرحه ديوان المتنبي ان المتنبي لما قصد
مصر ومدح كافورا مدح الوزير أبا الفضل المذكور بقصيدته الرائية التي
أولها: (باد هواك صبرت أو لم تصبرا) وجعلها موسومة باسمه فتكون احدى
القوافي جعفرا وكان قد نظم قوله في هذه القصيدة:
صغت السوار لأي كف بشرت * بابن الغميد واي عبد كبرا
(بشرت بابن الفرات) فلما لم يرضه صرفها عنه ولم ينشده إياها فلما
توجه إلى عضد الدولة قصد ارجان وبها أبو الفضل بن العميد وزير ركن
الدولة بن بويه والد عضد الدولة فحول القصيدة اليه ومدحه بها وبغيرها
وهي من غرر القصائد. وذكر الخطيب أيضا في الشرح المذكور ان قول
المتنبي في القصيدة المقصورة التي يذكر فيها مسيره إلى الكوفة ويصف منزلا
منزلا ويهجو كافورا:
وماذا بمصر من المضحكات * ولكنه ضحك كالبكا
بها نبطي من أهل السواد * يدرس انساب أهل الفلا
وأسود مشفره نصفه * يقال له أنت بدر الدجى
وشعر مدحت به الكركدن * بين القريض وبين الرقى
فما كان ذلك مدحا له * ولكنه كان هجو الورى
ان المراد بالنبطي أبو الفضل المذكور والأسود كافور، وبالجملة فهذا
القدر ما غض منه، فما زالت الأشراف تهجى وتمدح، وذكر الوزير أبو
القاسم المغربي في كتاب أدب الخواص: كنت أحادث الوزير أبا الفضل
جعفر المذكور وأجاريه شعر المتنبي فيظهر من تفضيله زيادة تنبه على ما في
نفسه خوفا ان يرى بصورة من ثناه الغضب الخاص عن قول الصدق في
الحكم العام وذلك لأجل الهجاء الذي عرض له به المتنبي اه وفي تذكرة
الحفاظ: قيل إنه وزر بعد موت كافور وصادر وفعل ثم اضطربت عليه
الأمور فاختفى ونهبت داره ثم صودر وبرح إلى الشام سنة 358 ثم بعد مدة
رجع إلى مصر وروى عنه الحافظ عبد الغني وبلغنا ان أبا الفضل كان يفطر
وينام نومة ثم ينهض ويتوضأ ويصلي إلى الغداة وانفق أموالا عظيمة في البر
اه. ويرى الأب انستاس ماري الكرملي ان أول متحف للهوام والحشرات
هو الذي أنشأه المترجم.

135
مشايخه
قال الخطيب في تاريخ بغداد حدث أبو الفضل عن محمد بن هارون
الحضرمي وطبقته من البغداديين، وعن محمد بن سعيد الترخمي الحمصي
ومحمد بن جعفر الخرائطي والحسين بن أحمد بن بسطام ومحمد بن زهير
الابليين والحسن بن محمد الداركي ومحمد بن عمارة بن حمزة الأصبهاني،
وكان يذكر انه سمع من عبد الله بن محمد البغوي مجلسا ولم يكن عنده فكان
يقول: من جاءني به أغنيته اه.
مؤلفاته
مر انه الف مسندا وان الدارقطني لم يزل عنده حتى فرغ من تأليفه،
وقال ابن خلكان له تواليف في أسماء الرجال والأنساب وغير ذلك ومر عن
ابن شهرآشوب ان له الغرر. ومر عن السلفي ان عنده من أماليه وفي
تذكرة الحفاظ قال ابن طاهر المقدسي رأيت عند الحبال كثيرا من الأجزاء
التي خرجت لابن حنزابة وفيها الجزء الموفي الف من مسند كذا والجزء الموفي
خمسمائة من مسند كذا اه.
شعره
قال ابن خلكان أورد الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق من شعره
قوله:
من أخمل النفس أحياها وروحها * ولم يبت طاويا منها على ضجر
ان الرياح إذا اشتدت عواصفها * فليس ترمي سوى العالي من الشجر
وقال غيره ولا نعلم له غيره.
جعفر بن القاسم
في التعليقة: للصدوق طريق اليه وعده خالي (المجلسي) ممدوحا لذلك اه.
السيد جعفر ابن السيد قاسم ابن السيد محمد ابن السيد احمد ابن السيد عبد
العزيز ابن السيد احمد الموسوي النجفي
توفي بالطاعون سنة 1347.
قرأ على السيد باقر القزويني النجفي وكان مؤهلا للزعامة لولا أن
عاجلته المنية، كذا قاله جامع ترجمة السيد عبد العزيز وأحفاده.
الشيخ جعفر القاضي بأصبهان
هو قوام الدين جعفر بن عبد الله بن إبراهيم الحويزي الكمرئي
الأصفهاني المتقدم في محله.
جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب
ذكره ابن النديم في الفهرست في ترجمة ولده قدامة بن جعفر صاحب
نقد النثر وغيره وقال كان أبوه جعفر ممن لا يفكر فيه ولا علم عنده، ونقل
ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة ولده قدامة عين عبارة ابن النديم ولكن
الخطيب في تاريخ بغداد قال: جعفر بن قدامة بن زياد أحد مشايخ الكتاب
وعلمائهم وافر الأدب حسن المعرفة وله مصنفات في صنعة الكتابة وغيرها
وحدث عن أبي العيناء الضرير وحماد بن إسحاق الموصلي ومحمد بن مالك
الخزاعي ونحوهم روى عنه أبو الفرج الأصبهاني اه ومن ذلك قد يشك في أنهما
واحد (أولا) لقول ابن النديم في الأول انه لا يفكر فيه ولا علم عنده
وقول الخطيب انه من مشايخ الكتاب وعلمائهم الخ (ثانيا) ان جميع
المترجمين نسبوا ولده قدامة بن جعفر بن قدامة بدون ذكر ابن زياد والخطيب
قال جعفر بن قدامة بن جعفر بن قدامة بدون ذكر ابن زياد، وذلك
يوقع الشبهة في الاتحاد، (ثالثا) ذكروا في ولده قدامة انه كان نصرانيا
واسلم على يد المكتفي وظاهر ذلك ان أباه كان باقيا على نصرانيته ولو كان
اسلم لتبعه ولده ولم يحتج ان يسلم على يد المكتفي وظاهر قول الخطيب في
الثاني انه في مشايخ الكتاب وعلمائهم وانه يروي عن أبي العيناء وغيره
ويروي عنه أبو الفرج انه كان مسلما والله أعلم وهذه كلها توجب نوعا من
الشك وان كان يمكن دفعها وعلى كل حال فإذا ثبت الاتحاد والاسلام
فالظاهر أنه من شرط كتابنا لأن ولده قدامة ظاهر التشيع كما يأتي في ترجمته
والولد على سر أبيه لكن الشأن في ثبوت ذلك.
جعفر بن قرط المزني كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
السيد جعفر القزويني النجفي
هو السيد جعفر ابن السيد باقر صاحب القبة والشباك في النجف ابن
السيد احمد جد الأسرة القزوينية الشهيرة في العراق ابن السيد محمد الحسيني
النجفي وقد ترجم جد السيد احمد وأبوه السيد باقر في بابيهما وترجم هو في
بابه في الجزء الخامس عشر.
جعفر القطاع المدعو بالسديد البغدادي
توفي يوم السبت 16 ربيع الآخر سنة 602 ببغداد ودفن في داره
بقراح ظفر وقد جاوز السبعين.
في تاريخ الحكماء لابن القفطي: كانت له معرفة تامة بالكلام والمنطق
والهندسة واطلاع على علوم الأوائل وأقوالهم ومذاهبهم وله يد طولى في
قسمة الأدور وعمارتها وكان متظاهرا بالتشيع اه وذكر تاريخ وفاته وكيفية
دفنه كما مر.
جعفر بن قعنب بن أعين
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) ثم ذكر فيهم أيضا
جعفر بن قعنب الكوفي وفي بعض النسخ قعيب بالمثناة التحتية والظاهر أنه
تصحيف وفي لسان الميزان: جعفر بن قعنب بن أعين الكوفي ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه.
جعفر بن القلانسي
روى الكليني في الكافي في باب الولائم من كتاب الأطعمة عن
إبراهيم بن عقبة عنه عن أبي عبد الله (ع).
الميرزا جعفر قلي ابن الميرزا موسى خان القاجاري
له تحفة الشيعة في فضائل الأئمة عليهم السلام ومناقبهم في مجلدين
فارسي صنفه باسم ناصر الدين شاه القاجاري.
الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني نزيل حيدرآباد
توفي سنة 1088 وقيل سنة 1091 بحيدرآباد.
في أمل الآمل: فاضل عالم صالح ماهر شاعر معاصر رأيته بمكة توفي
بحيدرآباد اه وفي كشكول الشيخ يوسف البحراني كان علما علامة فقيها
محدثا نحويا عروضيا قارئا اه وفي روضات الجنات كان ماهرا في الحديث
والتفسير والرجال والقراءة والعربية وغير ذلك وهو من جملة مشايخ الإجازة

136
وفي مستدركات الوسائل: في مجموعة شريفة كالتاريخ لبعض المعاصرين
له من العلماء والظاهر أنها للفاضل الماهر المولى محمد مؤمن الجزائري
صاحب طيف الخيال وخزانة الخيال وغيرهما قال ما لفظه: ثلم ثلمة في
الدين بموت الشيخ الجليل والمولى النبيل الذي زاد به الدين رفعة فشاد
دروس العلم بعد دروسها وأحيى موات العلم منه بهمة يلوح على الاسلام
نور شموسها في تأله وتنسك وتعلق بالتقدس والتمسك وعفة وزهادة
وصلاح وطد به مهاده وعمل زان به عمله ووقار حلى به حلمه وسخاء
يخجل به البحار وخلق يزهو على نسائم الأسحار باهت به أعيان الأكابر
العالم العامل الرباني الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني وكان ذلك في
أواخر السنة الحادية والتسعين بعد الألف انتقل في عنفوان شبابه وقبل بلوغ
نصابه إلى بلاد فارس الطيبة المفارع والمغارس وتوطن فيها بشيراز صينت
عن الأعواز واشتغل على علمائها بالتحصيل وتهذيب النفس بالمعارف
والتكميل حتى فاق أترابه وأقرانه فرقي من المكارم ذراها وبرع في الأصول
والفروع فتمسك من المحامد بأوثق عراها ثم انتقل منها إلى حيدرآباد من
البلاد الهندية لا برحت ارضها ما دامت السماوات والأرض مخضرة ندية
ووفد على سلطانها عبد الله قطب شاه فاشتهر بها امره وعلا بمساعدة الجد
ذكره فصار فيها رئيس الفضلاء وملجأ الأعاظم والأمراء فجمع الله له شمل
الدين والدنيا و شيد أركانهما وشاد واخذ لسان حاله يتمثل بقول من أنشد
وأجاد:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا * وأقبح الكفر والافلاس بالرجل
وفد عليها والدي الماجد مد ظله سنة 1087 من الهجرة فأوصل اليه
من السلطان الوفا وجعل ذلك في مسامع الفياضين وآذانهم قروطا وشنوفا
حسب ما اقتضته القرابة القريبة اه وفي هذه العبارات فضلا عما حذفناه
منها ما يخرجها عن حوزة البلاغة وفي لؤلؤة البحرين الشيخ الجليل جعفر
ابن كمال الدين البحراني أخبرني والدي ان المترجم والشيخ صالح بن
عبد الكريم الكرزكاني البحراني خرجا من البحرين لضيق المعيشة إلى بلاد
شيراز وبقيا فيها برهة من الزمان وكانت مملوءة بالفضلاء الأعيان ثم إنهما
اتفقا على أن يمضي أحدهما إلى الهند ويقيم الآخر في بلاد العجم فأيهما اثرى
أولا أعان الآخر فسافر الشيخ جعفر إلى بلاد الهند واستوطن حيدرآباد
وبقي الشيخ صالح في شيراز فكان من التوفيقات الربانية ان كلا منهما صار
علما للعباد ومرجعا في تلك البلاد وانقادت لهما أزمة الأمور وحازا سعادة
الدنيا والدين، وقد توفي الشيخ جعفر في حيدرآباد سنة 1088 وكان منهلا
عذبا للوراد لا يرجع القاصد اليه الا بالمطلوب والمراد اه، وقال في
الكشكول وبعد وقت يسير ارتفع شأن كل منهما في محله وصار هو المشار اليه
بالبنان من بين من فيها من الاجلاء والأعيان ولنا اليهما طرق في الإجازة اه
وفي أنوار البدرين العالم العامل الرباني العلامة الفهامة الشيخ جعفر بن
كمال الدين البحراني كان من العلماء الأعلام والفقهاء الأجلاء الكرام
أركان الايمان والاسلام ثم قال وهذا الشيخ الجليل من كبار العلماء العاملين
وأساطين الملة والدين ومن جملة مشايخ السيد الجليل السيد نعمة الله
الجزائري في شيراز ذكره في الأنوار النعمانية وكشكوله زهر الربيع ومن
مشايخ السيد علي خان الشيرازي شارح الصحيفة ويعبر عنه في السلافة
بشيخنا العلامة كثيرا اه وفي كشكول البحراني عن السيد نعمة الله
الجزائري أنه قال في كتاب شرح غوالي اللآلي ان شيخنا صاحب التفسير
الموسوم بنور الثقلين المشتمل على تفسير القرآن المجيد بالأحاديث وحدها لما
ألفه في شيراز كنت اقرأ عنده في أصول الكافي فأتيت يوما إلى الأستاذ
المحدث الشيخ جعفر البحراني فقلت له ان كان تفسير الشيخ عبد علي
مفيدا نافعا استكتبته والا فلا، فأجابني ان هذا التفسير ما دام مؤلفه في
الحياة فلا تعادل قيمته فلسا واحدا وإذا مات أول من يكتبه انا ثم انشد:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى * ما دام حيا فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتة * يكتبها عنه بماء الذهب
(أقول): هذه مبالغة فالكتب النفيسة تشتهر وتنتشر في حياة مؤلفيها
كما هو مشاهد والتي بخلافها تهجر في حياتهم وبعد مماتهم، نعم لا شك ان
للحسد الذي تضطرم ناره في الحياة وتخبو نوعا ما بعد الممات بعض التأثير
في ذلك.
مشايخه
في لؤلؤة البحرين يروي عن جملة من المشايخ منهم السيد نور
الدين بن أبي الحسن العاملي أخي صاحب المدارك ومنهم الشيخ علي بن
سليمان البحراني.
تلاميذه
منهم السيد نعمة الله الجزائري قرأ عليه في شيراز والسيد علي خان
صاحب السلافة كما مر وفي اللؤلؤة يروي عنه الشيخ سليمان بن علي بن
أبي ظبية البحراني.
مؤلفاته
قال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين: لم أقف على شئ
من المصنفات. ولكن في مستدركات الوسائل عن المجموعة الآنفة الذكر
وله تصانيف شتى وتعليقات لا تحصى في علمي التفسير والحديث وعلوم
العربية وغيرها إلى أن عد منها اللباب الذي أرسله إلى تلميذه السيد علي
خان الشيرازي وجرى بينهما ابيات فيه اه.
مدايحه
في لؤلؤة البحرين: وللشيخ عيسى بن صالح عم جدي الشيخ
إبراهيم قصيدة في مدحه لما وفد عليه وأكرمه وهي في كتابنا الكشكول وقال
في الكشكول انه وفد عليه إلى الهند ومدحه بقصيدة فأجازه جائزة سنية
والقصيدة كما ترى ليست من جيد الشعر وأولها:
الهند بعد صلاة الليل في القدم (1) * يا ضيعة العمر بل يا زلة القدم
وبعد تعفير خد وابتهال يد * بين الحطيم وبين الحجر والحرم
وبعد ما عرفت واستشعرت ورمت * وآثرت في منى من أعظم النعم
وبعد ما وقفت واستأذنت ودنت * من حجرة حل فيها أفضل الأمم
وبعد ما عطرت بالعفو تربتها * في داره بين طواف ومستلم
وبعد ما جددت عقد الولاء لمن * حل البقيع ونالت أوفر القسم
قالت لدي حديث ان صغوت له * كفيت من خطرات الهم والألم
اني لأوردك الكهف الذي قصرت * عن دون محتده الأملاك في القدم
فقلت من ذا فقالت جعفر فغدا * يسوقني الشوق للمستكمل الشيم
حتى أنخت بواديه الكريم فيا * بشرى لما وقف الرحمن في القسم



(1) اسم بلدة في البحرين.
137
رأيت شخصا كأن الله قلده * أعباء وحي تلاها الروح بالحكم
فتى إذا المرء عاداه الزمان دعا * بجاهه جاءه في جملة الخدم
ابن الأكابر والسادات من هجر * شم الأنوف سقاة المحل بالديم
أعطى الاله يمينا في خلائقه * فلم يقل لا ولا يلوي لها بفم
أمسى يمير عشار المزن وابله * ليضحك البحر والأشجار في الأجم
لا غرو ان أخجل الأنوار نائله * فالأرض لولا ندى كفيه لم تقم
وافيته فسمعت الجود ينشدني * من أم باب جواد فاء بالنعم
أبواب غيرك ما فيها لنا إرب * ولا لغيرك تثنى العيس بالرمم
خذ يا أخا الدهر فيما سدت محمدة * فابعد الله من لم يجز بالنعم
صلى الاله على المبعوث من مضر * وآله ما حذا الحادي بذي سلم
جعفر الكوفي
هو جعفر بن محمد الكوفي
الشيخ جعفر بن لطف الله العاملي
من تلامذة الشيخ البهائي كان عالما فاضلا تقيا صفيا أنموذج السلف
وزبدة الخلف وكتب له أستاذه الشيخ البهائي إجازة وصفه فيها بالفاضل
التقي النقي الزكي ذو الذهن الوقاد والطبع النقاد تاريخها 11 شوال سنة
1020.
جعفر بن مازن الكاهلي الطحان أبو عبد الله
توفي يوم الثلاثاء 7 ربيع الآخر سنة 264.
قال النجاشي: أخبرنا ابن نوح حدثنا الحسين بن علي بن سفيان
حدثنا حميد بن زياد قال سمعت من أبي عبد الله جعفر بن مازن الكاهلي
الطحان في بني كاهل ومات أبو عبد الله يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر
ربيع الآخر سنة 264 وصلى عليه محمد بن إبراهيم بن محمد العلوي اه
وفي لسان الميزان جعفر بن مازن الكاهلي الطحان الكوفي ذكره ابن النجاشي
في رجال الشيعة وقال أقدمه المأمون بغداد واجازه، وقال وكان راوية
للحديث والشعر يروي عنه حميد بن زياد وغيره مات سنة 264 اه وبعض
ما ذكره ليس في كلام النجاشي كما سمعت.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر انه ابن مازن الكاهلي
الطحان برواية حميد بن زياد عنه اه.
الشيخ جعفر المازندراني
عالم فاضل له حاشية على تهذيب العلامة فرع منها سنة 985 وجدنا
منها نسخة في كرمانشاه في مكتبة الشيخ حيدر قلى خان الكابلي حين دعانا إلى
منزله العامر في طريقنا إلى زيارة الرضا (ع) سنة 1352.
جعفر بن مالك
في لسان الميزان روى عن حمدان بن منصور روى عنه محمد بن يحيى
العطار ذكره علي بن الحكم في رجال الشيعة واثنى عليه خيرا. اه وعلي بن
الحكم من قدماء رجال الشيعة له كتاب في الرجال والظاهر أنه جعفر بن
محمد بن مالك الفزاري الآتي.
جعفر بن مالك أبو عبد الله الفزاري
في التعليقة هو جعفر بن محمد بن مالك الآتي.
جعفر بن مبشر
توفي سنة 234
في التعليقة: سيجئ في أخيه حبيش ما يظهر منه معروفيته وشهرته
بل نباهة شأنه في الجملة اه وذلك حيث جعل معرفا لأخيه حبيش فقيل
حبيش بن مبشر أخو جعفر بن مبشر، وفي تاريخ بغداد جعفر بن مبشر بن
أحمد بن محمد الثقفي المتكلم أحد المعتزلة البغداديين له كتب مصنفة في
الكلام وهو أخو حبيش بن مبشر الفقيه الذي يروي عن محمد بن مخلد
العطار، وحدث جعفر عن عبد العزيز بن ابان القرشي روى عنه عبيد بن
محمد اليزيدي، ثم روى بسنده عن عبيد الله بن محمد اليزيدي عن
جعفر بن مبشر عن عبد العزيز بن ابان وساق السند إلى عبد الأعلى عن
نوف البكالي قال بايت عليا فأكثر الدخول والخروج والنظر إلى السماء ثم
قال لي: أنائم أنت يا نوف؟ قلت: رامق أرمقك بعيني منذ الليلة يا أمير
المؤمنين. قال فقال لي: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في
الآخرة، أولئك قوم اتخذوا ارض الله بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا
والكتاب شعارا، والدعاء دثارا، ثم قرضوا الدنيا قرضا قرضا على منهاج
المسيح بن مريم. يا نوف ان الله أوحى إلى عبده المسيح، ان قل لبني
إسرائيل لا تدخلوا بيتا من بيوتي الا بقلوب طاهرة، وابصار خاشعة،
واكف نقية وذكر باقي الحديث. أخبرنا الحسين بن علي الصميري حدثنا
أبو عبيد الله المرزباني. قال: مات جعفر بن مبشر في سنة 234 اه وبما
ظهر من صدر الترجمة من كونه من رجال الشيعة يمكن القول بان نسبة
الاعتزال اليه هي كنسبته إلى جملة من أعاظم علماء الشيعة يراد بها الموافقة
للمعتزلة في بعض الأصول المعروفة والله أعلم.
جعفر بن المثنى الخطيب مولى لثقيف
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا (ع) كوفي واقفي اه وفي
لسان الميزان بعد ذكر جعفر بن المثنى بن عبد السلام الآتي قال جعفر بن
المثنى اخر يقال له الخطيب مولى ثقيف ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال
علي بن الحكم لم يكن مرضيا اه.
جعفر بن المثنى بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي العطار
قال النجاشي ثقة من وجوه أصحابنا الكوفيين ومن بيت آل نعيم له
كتاب نوادر أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا حميد
حدثنا القاسم بن محمد بن الحسين بن حازم عن جعفر بن مثنى به اه وفي
التعليقة قوله من بيت آل نعيم إشارة إلى أنهم من بيت جليل كما مر في
بكر بن محمد الأزدي اه ومر في ج 5 انهم آل نعيم الأزدي الغامدي وانهم
بيت كبير جليل بالكوفة وفي لسان الميزان جعفر بن المثنى بن عبد السلام
بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي العطار ذكره الطوسي وقال روى عن حسين
ابن عثمان الرواسي روى عنه الحسن بن المثنى ومحمد بن الحسن بن عبد الله
وليس ما ذكره موجودا في كلام الشيخ كما سمعت.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي باب جعفر بن المثنى المشترك بين

138
رجلين ويمكن استعلام انه ابن عبد السلام الثقة برواية القاسم بن محمد عنه
وحيث لا تميز فالوقف اه.
الشيخ جعفر ابن الشيخ محسن صاحب كشف الظلام ابن الحاج مرتضى
ابن الحاج قاسم الأعسم الزبيدي النجفي
توفي بكربلاء في حدود سنة 1287 وكان قد سكنها
كان عالما فاضلا مؤلفا له شرح على الشرائع استدلال وجدنا منه
مجلدا في الطهارة لم يخرج إلى البياض فرع منه في صفر سنة 1279 وكتاب
الزكاة فرع منه في جمادي الأولى سنة 1260 وكتاب الخمس فرغ منه في
ربيع الثاني سنة 1256 ولكن مجلدي الزكاة والخمس لم نجد عليهما اسم
المؤلف وانما أخبرنا بعض الأعسميين انهما له والله أعلم وهما لم يخرجا من
المسودة وقيل لنا ان له شرحا على بعض الصلاة والتجارة ويأتي في الشيخ
محمد علي الأعسم الكلام على هذه النسبة الأعسم.
السيد جعفر الأمين ابن السيد محسن الأمين (1)
هو الابن الأوسط لمؤلف الكتاب. ولد في شقرا (جبل عامل) سنة
1325 وتوفي في صيدا بعد نقله إلى مستشفاها ودفن في شقرا سنة 1401.
كان شاعرا أديبا على غاية من الظرف والنباهة وحدة الذهن عطوفا
على الناس مشاركا لهم في مشاعرهم، يتوخى الاصلاح العام. وقد نجح
في ذلك حيث تولى إدارة عدة مدارس تكميلية في لبنان فجعل منها طريقا
لمنهجه الاصلاحي إذ يتخذ من ذلك سبيلا لتطوير البلدة كلها وتوجيهها
التوجيه السليم، وقد ربى أجيالا عدة تخرجوا على يديه وانتشروا في كل
مكان حلوه مؤثرين في محيطهم العام والخاص تأثيرا بارزا.
وقد استقر أمره أخيرا في بلدته شقرا حيث ظل في إدارة مدرستها حتى
قرر ان يتقاعد عن العمل قبل موعد تقاعده، فانصرف إلى دراسة المحيط
العاملي ودراسة تقاليده التي اخذت بالانقراض ومن ذلك جمعه للأمثال
العاملية، وشرحها وبيان قصة كل مثل وأصله والتعليق عليه، مما كان
يمكن ان يؤلف تاريخا عامليا فريدا، ولكنه توفي وهو في بداية عمله، فلم
يبرز من ذلك الا القليل.
كان يميل في شعره إلى الفكاهة والظرف فترك من ذلك قدرا صالحا
هو طرفة من الطرف لا سيما مراسلاته مع صديقه نور الدين بدر الدين في
النبطية وغيره من أصدقائه.
من شعره
قال:
شكت نفسي إلي ظلام نفسي * ويأسا فيه أصبحها وأمسي
تقول: قتلتني كمدا فحالي * وحالك مثل ميت ضمن رمس
ولم أدر لهذا اليأس سرا * ولا لغريب شؤمك اي اس
وفي هذي الحياة لمبتغيها * رغائب نوعت من كل جنس
غضبت على الوجود بحالتيه * ولم تجنح لقدس أو لرجس
فلا الرحمن ترضيه بنجوى * ولا إبليس تغريه بكأس
يعز علي أن ألقاك دوما * حليفة غصة وظلام يأس
وان ربيع هذا العمر ولى * وأوراق الشباب دنت ليبس
ولم أرو غليلا في حياتي * ولم أنعم بجارحة وحس
ولي فيه أمان ليس تحصى * وفي آفاق فكري ألف شمس
فكرهي العيش لا لعظيم نسك * ولا لعميق فلسفة ودرس
واني ان جهلت فلست أشري * جميع فلاسف الدنيا بفلس
ففلسفة الوجود وما حواه * برعشة مبسم وصرير ضرس
وددت بأن أعيش فحال بيني * وبين أطايب اللذات نحسي
وجدت كأنني تمثال سوء * وعز علي ما فيه التأسي
إذا ذكر الثراء نفضت جيبي * وان ذكر الجمال خفضت رأسي
وما بي من مواهب تدريني * ولا لي زند عنترة بن عبس
فإن فاء الأنام وريق عيش * ولذة مغنم وبهيج عرس
فما أنا غير عود لاحتطاب * وحظي منجل وشفار فأس
وقال:
كيف التفت مصارع ودماء * وفوادح غلابة وشقاء
وبكل قلب للزمان فجيعة * وبكل عين صورة نكراء
حرق على حرق فهل من بعدها * للنفس يوما سلوة وعزاء
اني وهذا الكون سفر كل ما * في دفتيه محنة وبلاء
عسف إلى عسف يضاف كأنما * جادت به عقلية خرقاء
وتداولته فوضة وحشية * وتعهدته حكمة عمياء
يا منشدا يسر الحياة وبشرها * لا تخدعنك بلطفها الأسماء
واحذر فرب يد نعمت بلمسها * كمنت بها لك طعنة نجلاء
هذا الوجود وما به من رقة * تغري حواسك - صخرة صماء
وقال:
حياتي كلها شوم بشوم * وحظي حظ خفاش وبوم
استعضت عن الجمال بقبح وجه * وبالتنعاب عن صوت رخيم
وباليأس المميت عن الأماني * وعن طيب البشاشة بالوجوم
إذا طلع النهار يطير قلبي * ويسكن في حمى الليل البهيم
فليس بخادعي لألاء فجر * إذا ما لاح عن جرح أليم
تصفح ان في وجهي كتابا * تنبأ فيه عما في صميمي
فإن الله لما ان براني * تصور شكل شيطان رجيم
فكان كما أراد وكنت عدلا * بما آتيه من طبع أثيم
فمن حمم ومن لهب كياني * وروحي بعض أنفاس الجحيم
وفي نفسي من الأهواء سيل * يحيل العالمين إلى هشيم
تهيم بكل كأس حرموها * ولو ملئت شرابا من حميم
وتكره كل ما ظنوه رشدا * وما نعتوه بالنهج القويم
وما طبعي الدمامة غير اني * بليت بكل مكروه ذميم
فكيف يطيب لي دهر سقيم * امرع فيه في عيش سقيم
وكيف تقر بالاحرار ارض * تعج بكل ذي رأي عقيم
وقال:
لا تأملن بتبديل وتغيير * فلن تغير في مجرى المقادير



(1) مما استدركناه على الكتاب (ح).
139
وكيف تأمل في انهاض من خلقوا * مجوفين خلوا من كل تفكير
عدوا على الناس ناسا انما لهم * (جسم البغال وأحلام العصافير)
مخبلون فلا شئ يحركهم * من عاطفات ومن حسن وتقدير
وما يدغدغ هذا الكون من أمل * ومن ترقب آفاق من النور
تحيي الوجود بفيض من مراحمها * وتظهر الكون في أبهى التصاوير
فيغمضون على الاقذاء أعينهم * ويرضخون لحمل القيد والنير
ويهربون إذا ما أبصروا قبسا * كأنهم بعض جرذان المجارير
ويفزعون إلى الماضي وظلمته * ويؤمنون بمكذوب الأساطير
كيما يزحزح عنهم من نذالتهم * خيال مستقبل جم المحاذير
وما يكلف من بذل وتضحية * وما يحمل من جد وتشمير
وكم يعز عليهم ان يجردهم * أثواب لؤم وبهتان وتزوير
قد ألبسوها صغارا منذ نشأتهم * فأصبحت تتحدى كل تأثير
ومن تكون على الأقذار عيشته * فلن يطيب له عرف الأزاهير
دعهم وشأنهم لا ترج منقلبا * فلن توفق في هدي وتبشير
ومن تجرد من وعي وعاطفة * لن يستجيب لتنبيه وتحذير
أيأملون ببعث بعد موتهم * وفي حياتهم عاشوا كمقبور
لا أحسنوا عملا كالمحسنين ولا * قلوبهم أوجعتها حال موتور
ولا تحلوا بفضل أو بمكرمة * ولم يكن سعيهم يوما بمشكور
لينعموا في غد من فضل ربهم * بالطيبات وبالولدان والحور
كلا ولا ظلموا ظلما يكلفهم عقاب * من امعنوا في الظلم والجور
ولا أصابوا من اللذات آثمها * ولا استباحوا جهارا أي محظور
كانوا ثعالى فضالات الأسود لهم * يحلو لهم نبشها بين الأحافير
خرس مع الغير نباحون بينهم * ساحات مجدهم حول التنانير
وهل يعد سلاحا يستطال به * ناب الكلاب وأظفار السنانير
فليطمئنوا فلن يحظوا بمنزلة * مهما أطالوا بتهليل وتكبير
فالله يعلم ما تخفي سرائرهم * وليس يخدعه كذب الأسارير
ولن يكون غدا في دار نعمته * ودار نقمته حظ لمغمور
سيصطفي كل كفو كي يجاوره * من الميامين من بر وشرير
لذا الجنان فحتما سوف تلفظهم * وفي جهنم لن يحظوا بتنور
وسوف يبقون في أجداثهم رمما * ولا يقومون يوم النفخ في الصور
وقال يرثي أحد أصدقائه:
زهو الفتوة والشباب * وفتون أحلام التصابي
والثائرات من الرغائب * والأماني العذاب
كيف ارتضيت لها الركود * ولم تثرها لانسياب
وتركتها نهب الفناء * رهينة الأرض اليباب
من بعد ما كانت تجيش * بأفق صدرك كالعباب
وا حسرتاه على شبابك * يستحيل إلى تراب
ويغيب نجمك في الظلام * وأنت في شرخ الشباب
ويعفر الوجه الجميل * وكان يسطع كالشهاب
يا ليث معترك الحياة * يجوس في أكناف غاب
والزهرة الفيحاء ما * بين الأحبة والصحاب
وغياث أهلك في * الشدائد والملمات الصعاب
قد كنت آمل ان أراك * وأنت في أسنى أهاب
ويعود يزهو عيشنا * بلذيد قرب مستطاب
من بعد ما شطت بنا * دنيا الجريمة والكذاب
وسعت أفاعيها لدس * السم في صافي الشراب
يا بؤس ما أملته * كيف استحال إلى اكتئاب
فذهبت تمعن في البعاد * ولا تفكر في الاياب
وحرمت حتى من وداعك * قبل مشئوم الغياب
وتواعد مرة مع السيد نور الدين بدر الدين ان يذهب كل منهما
فيلتقوا على نهر الليطاني، ولكن المترجم اضطر لاخلاف الموعد فأرسل اليه
السيد نور الدين قصيدة قال في مطلعها:
لم لم تف فيما وعدت وتحضر * وتحيد عن سنن الوفا يا جعفر
وختمها بقوله:
ولقد هجوتك دون خوف ساخطا * وحكمت بالاجماع انك (ازعر)
فأجابه المترجم بقوله:
ما كنت كذابا ولا انا (ازعر) * تنفي الحقيقة ما تقول وتنكر
تأبى لي السوآت نفس عفة * وسريرة بيضا وقلب أطهر
لو كان يدري الناس بعض فضائلي * لغدوت (أرقى) عندهم (وأبخر)
ولو انني قد عشت في زمن مضى * صلوا علي مع النبي وكبروا
ولكان لي فوق البسيطة منبر * أرقى اليه وفي القيامة منبر
ولعشت (ديكا) في الحياة وبعدها * حور وولدان ودف ينقر
لكنما وهنا يتعتع مقولي * حظ (الحقير) بذي الحياة معثر
ما رحت اطلب من زماني بغية * الا وراح لما أروم يؤخر
ولو أن عنتر مثل حظي حظه * قسما لما قهر الفوارس عنتر
قد كنت ارغب في لقاك وانما * حكم القضا وصروفه لا تقهر
فاستبدل الطقس الجميل بعكسه * وتأججت نار وهبت صرصر
مع ذاك دمت على المسير مصمما * ولو أنه الموت الزؤام الأحمر
ايهاب من حر الهجير ولفحه * من في غد وسط الجحيم سيحشر
أم هل يخاف من الشموس تغيرا * من وجهه في الظل أسود أغبر
لكنني غيرت رأيي بعد ذا * علما بأنك للمواعد تخفر
لا سيما والطقس غير ملائم * فالعذر أهون ما يكون وأيسر
وعرفت انك ذو مزاج ناعم * ضوء السراج على البياض يؤثر
ان هبت النسمات خلت بأنها * جاءت لقامتك الرشيقة تهصر
أتقول عني (ازعر) و (مشفط) * مهما جريت فعن لحاقك اقصر
ان كنت (نوريا) فإنك (أنور) * أو كنت طبالا فأنت مزمر
وكذا المكارم ان جهلت وراثة * فأبوك قبلك ذو المآثر حيدر
وعند ما تزوج السيد نور الدين بدر الدين في أواخر الحرب العالمية
الثانية أرسل اليه المترجم هذه القصيدة:

140
في حواشي الآفاق خفق بنود * وبنائي المجال رجع نشيد
احبس القلب روعة وجلالا * وأدر ناظريك عبر الحدود
تتراءى على المشارف نار * وجنود تنساب أثر جنود
تزحم الأفق عدة وعديدا * فكان الآفاق جدر حديد
ان هذي جحافل الحرب تمشي * نحو أهدافها بعزم وطيد
تتخطى الأبعاد نجدا فنجدا * وتلف الصعيد تلو الصعيد
كالأعاصير فوق متن خضم * وكطاغي اللهيب فوق حصيد
أيها الشاعر الذي كنت دوما * رافعا بيننا لوا التجديد
بينما نحن في سبات عميق * ومجاري تفكيرنا في جمود
نقبل الهون من دعي ووغد * ونحابي اسفاف كل بليد
ان ما كان في ضميرك حلما * أصبح اليوم مشرقا للوجود
وانطوت صفحة العهود السود * وانجلى الليل عن صباح مجيد
فصروح الطغيان تهوي سراعا * وجموع اللئام في تبديد
وغدا يصبح الحبيس طليقا * بعد ما كان مثقلا بالقيود
وتكون الافعال مقياس فضل * والكفاءات موضع التمجيد
أيها الشاعر أنعم الآن نفسا * وتهاد بظل عيش رغيد
وأقم للجديد بيتا جديدا * عابقا جوه بعرف الورود
فيه بعد الكفاح سلوان هم * بين زوج محبوبة ووليد
وارسل هذه القصيدة إلى صديق له كان يستشفي في أحد
المستشفيات:
يعز علي لبثك في السرير * طريح السقم والألم المرير
بعيد الدار عن وطن وأهل * وعن صحب بهم جلو الصدور
فلا (جبشيت) تبصرها بعين * ولا شاي (تعاليه بقوري)
ولا شيخ تجادله بغسل * وبالحدث الصغير وبالكبير
فيرفع صوته يبدي اعتراضا * وتأخذ بالصياح وبالهدير
ويغلي في فؤادكما حماس * كما تغلي مياه في قدور
ويشتد النقاش فكل حبر * يريد الفوز بالنصر الأخير
فخوفا منك من سوء المصير * ومعركة تدور على الحصير
يزاح بها عن العورات ستر * كعورة بعضهم يوم الهرير
تغير من حديثكما اتجاها * لتبعد عن حديثكما المثير
تذكر شيخنا عهدا تقضي * ولم يك بعد ذا شأن خطير
فكيف يريد خدعك بعد هذا * بكبر عمامة وكلام زور
فتسكن حدة منه ويمسي * وقد بدل التجهم بالحبور
وتضحك وهو يضحك من زمان * يجيز الخلط في كل الأمور
ولا أدباء حولك ترتجيهم * لتحليل الفرزدق أو جرير
فتنسى ميت الاحياء منا * وتبعث ملحدا طي القبور
فهل ان ساء منا الحال يوما * ستصلحه مقامات الحريري
وهل ان فاتنا في العيش لب * ستنفعنا تلال من قشور
وما يجدي بربك عرش شعر * تعطره مجامر من بخور
إذا ما ساء حكم في بلاد * وصار يدير أمر القوم (نوري)
ولا من ساسة للبحث عما * روته الصحف في العدد الأخير
عن (النحاس) كيف أقيل قسرا * وكيف الملك يعبث بالوزير
إذا ضل الطريق ولم يحاب * ولم يسجد لأصنام القصور
ولم يلثم لرب العرش كفا * ولم يحفل بذي شنب كبير
فنشبع ذلك المسكين لوما * ويتهم بالتكبر والغرور
ونلعن عهده إذ كان عهدا * مليئا بالمخازي والشرور
كأنا قد نسينا حين كنا * نرى فيه الرجاء لمستجير
وحققنا اتحاد العرب طرا * فحل الانس في كل الصدور
ولم يبق لاكمال الأماني * سوى وضع المليك على السرير
سأطلب من اله العرش دوما * وأدعو بالعشي وبالبكور
بأن يعطيك ما تصبو اليه * ويسرع بالشفاء وبالسرور
عساك تعود في وقت قريب * وترجع سالف العهد النضير
فتفلقني بذكر سخيف قوم * وامنى بالعشاء أو الفطور
وماتت للمترجم (معزاة) فرثاها السيد نور الدين بدر الدين بقصيدة
قال في مطلعها: جارت بعينيك دمعة خرساء * مذ فارقتك (العنزة) الجرباء
فأجابه المترجم بهذه القصيدة:
أزرى بحالي شيمة سمحاء * وتعفف وتجمل وإباء
وتعشق طاغ بكل محبب * حملته أرض أو حوته سماء
نعمت بتحناني وصدق مودتي * الناس والحيوان والأشياء و
تقاسمت قلبي وما ملكت يدي * فبكل أفق منهما أجزاء
يا ويح قلبي كم يكلفني عنا * ولكم أضام بحكمه وأساء
الأشقياء حملت ثقل همومهم * وحرصت ان يهنأ بي السعداء
وغفلت عن نفسي وعن حاجاتها * وكبت ما توحي به الأهواء
حتى غدوت بكل ناد مضغة * وبحادثي يتسامر الجلساء
وعزوا إلي بلادة وتصوروا * خفضي الجناح كأنه استخذاء
فأنا صريع فضائلي وشمائلي * حظ به يتفرد الشرفاء
خلق نشأت عليه منذ حداثتي * لم تمحه السراء والضراء
خلق مع اللبن الطهور رضعته * وقد اصطفته بطهرها الصحراء
ما شوهته على الزمان حضارة * أو أفسدته شريعة خرقاء
كل المصائب قد تزول وتنجلي * ولشرداء في الحياة دواء
الا التجسس فهو داء مزمن * هيهات منه ان يكون شفاء
يا زهرة العمر التي ضيعتها * عظم المصاب بها وجل عزاء
مر الربيع بها فألقى عودها * يبسا فلا ماء ولا خضراء
ذهبت ضحية لؤم أشقى شارع * وخبيث ارث خلف القدماء
وجنى عليها في الورى ايثارها * فقضى عليها الجهد والاعياء

141
وتلمست سندا تلوذ بظله * فإذا مها وحولها وعراء
فقضت شهيدة نبلها وحفاظها * وسمت بما يسمو به الشهداء
عجبا أأتهم بعد ذلك بالمنى * وبأن عندي لا يزال رجاء
فمتى وكيف أنال ما قد فاتني * والدهر يلعب في كيف يشاء
وإذا تصفحت الحياة فلا أرى * الا شقاء يقتفيه شقاء
أفلست تخطئ إذ تظن بأنني * ما زلت أرجو ان يحل هناء
ويعود يبسم بعد طول تجهم * ثغري ويعلوه سنا وضياء
وتزول من قلبي حماقة رحمة * ويحل فيه الحقد والايذاء
وأريح نفسي من عناء صراحة * فأقول ما يستحسن السفهاء
وأساير الأيام حسب ظروفها * فلكل يوم جبة ورداء
وأبيع بالدينار كل مقدس * ان كان فيه متعة ورخاء
لا تخطئن فقد تقلصت المنى * واحتل قلبي ظلمة سوداء
وعلمت ان السعي ليس بنافعي * وبأن حظي والدواب سواء
جهد بلا أجر وسوء طوية * بهما منيت وخسة وجفاء
فلذاك طلقت الأنام وعيشهم * وبعدت عمن خلفت حواء
وحصرت بالحيوان كل محبتي * فحلت بعيني (العنزة) الجرباء
ودجاجة معطاء اسقط ريشها * من ضعفها (وبسينة) برشاء
وألذ نطق صار عندي حينما * تعوي بقربي الكلبة العرجاء
فإذا رثيت لحالها ورحمتها * ولها بذلت فلن يضيع سخاء
تجزي الجميل بمثله فلكم بدا * منها لحاضنها رضى وثناء
وعلى تواضع ما تجود به فلا * يسمو اليه في الحياة ثراء
يا راثي المعزاة أرضيت الحجى * فيما رثيت واغضب السخفاء
لا فض فوك فتلك أول مرة * يسمو بها الأدباء والشعراء
ويرى على وجه البسيطة ناطق * لم تخل منه كرامة وحياء
يقف القريض على اجتلاء حقيقة * لا المال يغريه ولا الأسماء
لو أن أهل الشعر مثلك أنصفوا * لا زيل مدح واستزيد هجاء
ولما رثى من آل آدم ميت * ولما أقيم لمدعين عزاء
فاحق منهم بالمراثي والبكا * رغم الأنوف بهيمة خرساء
وعاد صديقه من المستشفى فأرسل اليه هذه القصيدة معتذرا عن
تأخره في زيارته:
تهاني المخلصين من الصحاب * اقدمها بميمون الاياب
اقدمها إليك ولا أراها * ستذهب ما بنفسك من عتاب
على من كنت تحسبهم كراما * وكنت تجلهم عن كل عاب
وكنت تظن اما ساء حال * وراح البوم ينعب بالخراب
لعهد الود لن ينسوا حقوقا * ولن تلهيهم متع الشباب
فهم للقلب في البلوى عزاء * وهم سلواك في يوم اكتئاب
نعم قد كنت تأمل ان يقوموا * بما تملي الصداقة من طلاب
وما توحيه أمجاد عظام * ظفرت بها بتأليف (الكتاب)
رفعت به لمجد العرب صرحا * تعالى فوق طيات السحاب
وأخزى للفرنج عريض اسم * وهدم ما بنوه من قباب
فصار ذليلنا يختال تيها * ويمشي مشية الأسد المهاب
ويبصر نفسه كالفيل كبرا * ويعتبر الخلائق كالذباب
ولا هم لديه يبيت فيه * ولا خوف عليه من عذاب
فكل هواه في تحريك ناب * وفي وضع (المهند في القراب)
فلا عجب إذا من بعد هذا * إذا ما رحت تطمع بالثواب
وترغب بعد ان أسديت فضلا * ونعمى طوقت كل الرقاب
بأن يحبوك قومك كل شكر * وان يفدوا على عالي الجناب
كما وفدت خيار الناس سعيا * وراء الحج تطمع بالثواب
فيمتطي النعال البعض منهم * ويعلو بعضهم ظهر الدواب
ليكتحلوا برؤية المعي * ويغترفوا من البحر العباب
أبيت اللعن مهلا بالتجافي * ولا تقس علينا بالحساب
ولا تدع اللسان يثور غيظا * وتأخذ بالشتيمة والسباب
وتهتك حرمة الأجداد منا * وتنثر ما عليهم من تراب
فما كان القصور وليد سوء * وما كنا بفضلك في ارتياب
ولكن الزمان قسا علينا * وجرعنا المصاب على المصاب
فما نلقي صديقا نصطفيه * ولا نحظى بعيش مستطاب
وهل في الأرض أشقى من كريم * يعيش فلا يداجي أو يحابي
رماه الدهر في أوطان سوء * وأسلمه إلى قوم ذئاب
فهذا أيقظ الوجدان منا * وصيرنا الطليعة لانقلاب
يسد على اللئام طريق غش * ويرجعهم إلى الدرب الصواب
ولم نبق كما كنا سواما * فتلهينا القشور عن اللباب
نقضي العمر في اعراب بيت * ونترك بيتنا رهن الخراب
ونقرأ عن لحوم الخلد آيا * ونحن يشوقنا لحم الكلاب
نعم لم يبق يخدعنا كلام * إذا لم يأت بالعجب العجاب
لذلك رحمة بك قد كرهنا * بأن نأتيك في جو اضطراب
فلا تلقى من الاقبال شيئا * إذا ما رحت تمعن في خطاب
وتنظر الجواب على سؤال * فيبقى ما سألت بلا جواب
مع العلم الأكيد بأن ما في * جرابك لم يزل ضمن الجراب
وما غيرت موضوعا قديما * ولا حاولت تجديدا لباب
نريدك أن تكون رسول حق * تشمر للجهاد وللغلاب
وتهجر برجك العاجي حتى * تحس بما يحس ابن التراب
وتشعر كم يعاني من رزايا * وكم يسقى المرير من الشراب
فتجعل علمك الموقور وقفا * على حل المشاكل والصعاب
وترسل من صراخ الحق شعرا * يخفف لوعة القلب المذاب
قلوب الكادحين من البرايا * يضرسها الشقاء بكل ناب
فما صيغ البيان لقول زور * ولا الوجدان قدس للتغابي
وما نفع الثقافة من أناس * إذا لم يسلكوا طرق الصواب
وما رفعوا ثقافتهم منارا * لهذا الجيل يسطع كالشهاب
ولا مدوا إلى المظلوم كفا * لترفع عنه أسواط العذاب
وما يجدي بربك عذب ماء * إذا لم يسع يوما لانسياب
ويقتحم المفاوز باندفاع * ليحيي تربة الأرض اليباب
وهل يجدى ركود الماء الا * وباء يستحيل إلى تباب
وأرسل هذه القصيدة إلى السيد نور الدين بدر الدين:

142
أرأيت عودة فارس مكسور * من ساحة الهيجا بشر مصير
بأمض ما يلقى الكريم إذا انبرى * لصراع أهل تعسف وفجور
ذهب العدو برحله وبماله * وبسيفه لعبت يد التكسير
وتفرق الأشياع عنه فأصبحوا * ما بين مقتول وبين أسير
فمشى يفتش عن أسى لجراحه * وعن السلو لقلبه الموتور
وأتى الحمى فإذا الذين لأجلهم * لاقى من الأيام كل مرير
وسعى لخيرهم واجهد نفسه * في رد مظلمة ودفع شرور
وأحب ان يشقى لينعم عيشهم * وينار أفقهم بساطع نور
لا يحمد العمل الكريم لديهم * ويبادل التكريم بالتحقير
عقبان جوان دعوا لدنيئة * وبساحة العليا بغاث طيور
وسيوف ظالمهم إذا ما استظلموا * ونصيرهم فيهم بغير نصير
فمضى يتابع سيره في مهمه * قفر وفي أفق من الديجور
سلواه من دنياه نفس عفة * ما مسها زيغ وطهر ضمير
علما بأن لكل ليل منتهى * ولكل فجر موعد لظهور
فلينعم الأنذال عيشا وليطب * لهم التقلب في فراش حرير
وتقر أعينهم ويخلو بالهم * مما يحمله رقيق شعور
ويجر من تعب لأهل حمية * قول بمعروف وعون فقير
يهنيهم مات الضمير لديهم * وخلوا من الاحساس والتفكير
لا يألمون إذا أصابوا بلغة * من هضم حق أو شهادة زور
ويطيب عندهم تزاحمهم على * أبواب ذي حول ورب قصور
ليشنف الاسماع باطل نطقه * وتدغدغ الآناف ريح قدور
يهنيهم لا يأبهون لمنكر * أو يحفلون بمسلك محظور
فنفوسهم ترتاد آسن مورد * وطعامهم للهام غير طهور
وإذا استمعت لهم فمنطق ضفدع * وإذا نظرت فسمنة الخنزير
بان الطريق لمن يريد رفاهة * ويعيش مغمورا بجو سرور
وينال بين الناس ارفع منزل * ويحاط بالتطبيل والتزمير
يا ليتني من قبل كنت سلكته * وعملت قبل اليوم ضد ضميري
ماذا جنت لي رأفتي وحميتي * من بعد أعوام مضت وشهور
في الكد والاجهاد غير تحسر * مر على عهد الصبا المهدور
يا ضيعة الاخلاق يذهب ريحها * وتغيب خلف غياهب وستور
وشقاء من علقت به أسبابها * في عالم الاجرام والتزوير
سأسير بعد اليوم خلف غوايتي * متتبعا آثار كل غرير
همي تطلب لذة وسرور * وتحذلق سمج وحب ظهور
لا سائلا عما يدنس ذمة * أو عابئا بمحرم منكور
فلقد عرفت اليوم بعد تجاربي * اي المسالك انتحي بمسيري
كيما أكون بذي الحياة منعما * وأفوز بالاجلال والتقدير
فالاثم يمكن ان يرى كفضيلة * ويكافأ المأثوم كالمأجور
ما زالت الدنيا نصيب مخادع * والعيش حظ الفاتك الشرير
والدين والأخلاق لغو في الورى * والناس بين ثعالب وحمير
فمع الثعالب سوف أصبح ثعلبا * احتال في سعيي وفي تدبيري
وأجد كي أغدو كأمكر ماكر * قذف الوجود به ظلام وكور
أعطي القوي من اللسان حلاوة * وأسير بين يديه كالمأسور
وأكون من أنصاره أما طغى * واشتط في زيف به وغرور
حتى يصادقني ويصبح ناصري * في كيد جاري أو شقاء نظيري
ويصير يشركني بلامع جاهه * وينيلني من ماله الموفور
وهناك أصبح مثل سبع كاسر * عنه (الحمير) فيرهبون زئيري
فأنال من أموالهم ونفوسهم * ما تستقيم به جميع أموري
لكنما وهنا المصيبة لم يعد * لي الحول في التبديل والتغيير
إذ سوف يقعدني اختمار عقيدتي * عن أن أحول خامري لفطير
وسيستحيل علي بعد تحرري * احراز حظ الخائن المأجور
وأرسل إلى صديق له يستقضيه ارسال كيس من التبن كان قد وعد
بارساله:
ما كنت يوما في وعودك تخلف * بل كنت دوما للوعود تشرف
فالوعد منك كحكم ربي ناجز * والقول يحكيه الحسام المرهف
تعطي فتفتح للمكارم بابها * (تلجي) بها بالراحتين (وتقحف)
وكأنها البحر الذي لا ينتهي * وكأنها الأفق الذي لا يكشف
وإذا الخلائق أنكرت ما ادعي * وخلا من الناس المقر المنصف
فلينكروا أو يشهدوا ما ضرني * (سل الخيار) (1) بصدق قولي اعرف
وكفا بذلك شاهدا اني أرى * ريق الحسود بذي الشهادة ينشف
فلنعصر الليمون في عين العدى * وعلى ذقون المنكرين نتفتف
ولكم عذلت وقيل لي أين الوفا * وهناك حادثة لها يتأسف
تسعى لتسترها وان بسترها * لتكاد نعجتك الظريفة تتلف
وتضيع أوقات عليك قضيتها * في حالك الليل البهيم تعلف
اما (الخيار) فقد صنعت مخللا * (للفنطزية) منه يا متفلسف
لتزيد نفسك بالمآكل شهوة * فتروح لا يرويك الا المنسف
والجوع في كل الزوايا رابض * والناس من ضيق بها تتأفف
فيكون يقصد بالوفاء بوعده * تمزيق جيبك أو لبيتك ينسف
ولو أن عندك من ذكاء ذرة * لكشفت عن نياته ما نكشف
أو ما تراه قد تناسى وعده * لما رأى انجازه لك يسعف
فإذا بقيت بوعده متعلقا * فلسوف عمر الشاة حتما يقصف
ويزول حلمك (بالقورما) في الشتا * وترى كلاب الحي نحوك تزحف
سعت العواذل ان تفرق بيننا * ليزول عهد بالمودة يوصف
ورأوا بكيس التبن خير وسيلة * للدس (فانبسطوا لذاك وكيفوا)
لا تفرحوا يا عاذلين (فعزت) * ما كان يوما بالتهرب يعرف
لكن هناك مشاكل ومشاغل * تنسي ومنها واضح وملفلف
فمتى تذكر سوف ينجز وعده * والى جنابي الكيس سوف يشرف
ولسوف تملأ منه شاتي بطنها * وعلى لحاكم ما يزيد سأنعف



(1) هدية سابقة من الصديق.
143
طلب أحد الشعراء لنفسه امارة الشعر فأرسل يبايعه بهذه الأبيات:
أبا معن لقد أصبحت فخرا * لأهل الفن في المعمور أجمع
فما من بلدة في الأرض الا * ونجمك في سماها بات يسطع
من البحر المحيط بأرض صور * إلى الجبل المقيم عليه (يوشع)
لأنك أشعر الشعرا جميعا * وأكرم من فتى عيسى وأشجع
وخصك فوق ذلك رب موسى * بحسن نلته مذ كنت ترضع
فصرت حديث السنة العذارى * إذا ما راح يجمعهن مخدع
وان يوما رأينك في طريق * تكاد ظهورهن لذاك تخلع
وتجمد أعين ويسيل ريق * ويخفق نابض ضمته أضلع
وأنت بهن لا تبدي اعتناء * كأن أخت الغزال لديك ضفدع
وما في (خرجك) المدلى ارتخاء * ولا (المعلوم) جار عليه مبضع
ولكن قد شغلت عن الغواني * بنظم قصيدة وبقذف مدفع
إلى أن صرت اشعر من جرير * ومن سبع الفلاة غدوت أشجع
ونلت امارة الشعراء طرا * وصرت لهم مدى الأيام مرجع
وارسل إلى السيد نور الدين هذه القصيدة في بلدته النبطية:
إليك أبا الخطاب ترجع بي الذكرى * وتبعث بالأطياف حالمة سكرى
تعود إلى ماض حبيب حييته * واخوة صدق عشت بينهم دهرا
فكانوا لآلامي المريرة بلسما * وفي أفق عيشي اطلعوا أنجما زهرا
سراة كرام كلهم أريحية * بطيبهم فاضت ديارهم سحرا
نسيت لديهم كل حيف لقيته * وأنقذت نفسي من جهنمي الحمرا
وصرت أحس القلب يعمر بالرضا * وان نواحي النفس قد ملئت بشرا
فيا طيبه عهدا لديهم قضيته * غنيت به عن أن أفكر بالأخرى
فروح وريحان وصحبة ماجد * وألوان فن لا أطيق لها حصرا
بها خصني ربي فأسرى بعبده * إلى دار نعماه تبارك من أسرى
وبورك مسريا به دون غيره * ليبدل بالاعسار من عيشه يسرى
علي لكم دين أود وفاءه * تحملته دهرا ونؤت به ظهرا
وقد آن لي رد الجميل لأهله * ولم يعد الانصاف يقبل لي عذرا
فلو كان بالامكان صهر عواطفي * ملأت سماكم من تفتقها عطرا
ولو انني أستطيع عصرا لمهجتي * لكنت أسلت الأرض من تحتكم خمرا
ولو أظهرت لي ليلة القدر مرة * لطالبتها ان لا تشيب لكم شعرا
ولكنني والحمد لله عاجز * فلا نفع عندي ترتجيه ولا ضرا
أيمنح شعرا أصلع الرأس أقرع * ويحمي سواه من بلحيته جرا
ويعطي نوالا من إذا ما بلوته * تأملت سوس الفقر ينخره نخرا
فلم يبق لي والحال ما قد علمته * سوى أضعف الايمان أرسله شعرا
لأجل بني (الأنباط) أبدلت قبلتي * وحولت وجهي نحو أرضك يا (بترا) (1)
وعفت لأجل الأريحية موطني * وأبناءه من نسل سيدتي الزهراء (2)
أولي المجد من عليا نزار وهاشم * بموكبهم تمشي بأبطالها (شقرا)
فيا واقفا في الدرب انج فبأسهم * يريك نجوم الليل طالعة ظهرا
ويا ارض ميدي يا جبال تدكدكي * فقد زحف الايمان يقتلع الكفرا
وهذا هو التاريخ يرجع نفسه * فأجدادهم من قبل قد سحقوا كسرى
وليس بعيدا ان يجدد عهدهم * ويستملكوا الأجواء والبر والبحرا
فكيف لمثلي ان يشق طريقه * وقد قامت الدنيا قيامتها الكبرى
وما لي من بأس أخيف به امرئا * ولا همة قعساء تقتلع الصخرا
ولا لي وجه يكسف الشمس نوره * ولا لحية شقرا ولا عمة خضرا
فما انا الا غلطة في صحيفة * يمر بها القراء مرا ولا تقرا
ولست إذا ما المجد عد قطيعه * سوى عنزة من بعض (معزته العرا)
فما لي والأمجاد تنفخ معدتي * وتجعلني كالطبل تشبعه نقرا
وتفرغ قلبي من طباع رضية * وتجعل مني الرأس من سخفه قفرا
فلا ارتضي الا المجرة مسكنا * وغير رفيع النجم لا اعتلي مهرا
وابصر نفسي محور الكون كله * وأوسع من في الأرض قاطبة فكرا
أديب لبيب فيلسوف محنك * خطيب يسيل القول من فمه درا
مكر مفر مدبر مقبل معا * إذا ما رآني الفيل من خوفه فرا
بدوني لا يرجى صلاح لامة * ولا ترتضي غيري يدير لها أمرا
وأمضي وشيطان الغرور يقودني * يطبل لي طورا ويرقص لي طورا
وتحملني الأوهام فوق أكفها * كما تحمل الأرياح في متنها قشرا
فأغفو كما يغفو معاقر خمرة * وقد عب منها دون ما (مازة) لترا
وتأخذني غيبوبة مضرية * فأحلم ان الكون قد دان لي طرا
وقد أعشت الابصار أنوار عزتي * وسجل لي التاريخ في سفره سطرا
(دخيلك) نور الدين يا بدر ديننا * وأكرم بدين نصطفيك له بدرا
أعود إليك اليوم أبدي ندامتي * وارفع من بعد العقوق لك العشرا
والقي العصا كي يستقر بي النوى * واكسب بعد الاثم في قربك الأجرا
فقد ضل سعيي حين رحت ميمما * بلادا ترى سهل الحياة بها وعرا
يود أخو الاحساس لو أن اذنه * اصمت بها أو ان مقلته عورا
فلا عين تبكي أو جوارح تشتكي * ويسكن قبل الموت في بيته قبرا
فدعني يا مولاي ألتمس الرضا * وأغرف من أنوار طلعتك الغرا
وألثم يمناك الطهور تبركا * واشفع بالتقبيل راحتك اليسرى
وما زلت كالماضي رسول هداية * بتقواك نستشفي ونستنزل القطرا
ومثلك من يرجى لمن ضل دربه * وفي خدمة الشيطان قد ضيع العمرا
فأيقن ان الحب خير شريعة * وغير طريق الحق لم ينتح مسرى
وراح بعيدا عنك تشغله المنى * ويغرق في الآمال تحسبها بحرا
والهته ألوان الجمال بسحرها * فأسرف بالامعان في أثرها سيرا
وأهمل اعطاء الفضيلة حقها * فلم يستغب زيدا ولم ينتقد عمرا
وأبعد عنه البغض والحقد والأذى * وظن بكل الناس من جهله خيرا
وأرسل إلى السيد نور الدين هذه القصيدة بانتهاء شهر رمضان:
حكم نعالك في رقاب الحسد * حيث التقيت بهم ولا تتردد
نازلهم لا تخش فعل نعالهم * ان قاوموك وفي المنازلة أصمد
وابعث عليهم من لسانك عاصفا * يلقي بهم في بحر غيظ مزبد
(لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى) * اما سكت وكنت مكتوف اليد



(1) البتراء عاصمة النبطيين ويقصد بها هما (النبطية) حيث يقال إنها تنسب إلى الأنباط كما يزعم
بعضهم.
(2) بلدة المترجم.
144
فاستعجل (الزحف المقدس) ولتكن * في (مستوى الاحداث) ولتستأسد
فعلى خصائصك الفريدة سيدي * تبنى مداميك العلى والسؤدد
وكفاك منها ان عددت ثلاثة * القبح والافلاس والأصل الردي
أمنارتي في الحالكات وفرقدي * ومقلدي في المشكلات ومرشدي
اني لتابعك الأمين وانه * لعلى خطى الهادي يسير المهتدي
فاعر لساني من لدنك سفاهة * ويدي بنعل من نعالك زود
فأخوض معركة النعال مجاهدا * بعزيمة الشهر الأجل الأمجد
وأرد عنك الحاسدين وكيدهم * وأكون بين يديك خير مجند
مستأثرا بالنصر رغم أنوفهم * ليشع مجدك بالسنا المتوقد
فأروح أخطر (كالمشير) مهابة * وتروح تزهو (كالزعيم الأوحد)
لا تعجبن إذا بليت بحاسد * ما من عظيم في الورى لم يحسد
أو لم تنل كنز السعادة دونه * وعددت بين الناس شبه مخلد
بقناعة لم يرض غيرك حملها * وبفضل طول تصبر وتجلد
كم راودتك النفس تبغي متعة * فأجبتها دوما - مكانك تحمدي
وقنعت بالذكر الحميد عن الغنى * وعن اللذائذ بالسلوك الجيد
وبقيت رغم المغريات معلما * وعلى جحيم الكبت لم تتمرد
أترى سواك يطيق هدر حياته * ما بين طاولة ولوح أسود
وبغرفة كالقبر أو هي دونه * في وضع مشلول وجلسة مقعد
متحملا كابوس (صعفص) ليله * ونهاره تشقيه صحبة (أبجد)
(يا حامل الآلام عن هذا الورى) * يهنيك قد بوئت اسمى مقعد
وعلتك من نور الرسالة هالة * فكأن وجهك قطعة من فرقد
وتركت خلفك حاسديك بحرقة * يتقلبون كأنهم في موقد
خاب الذي يهجوك دوما قائلا * بوقاحة الجلف الجهول المعتدي
(ومعلم الأولاد أصقع لحية * من حائك ومسكف ومنجد)
أو ما درى ان ابن أكبر قحبة * يخشاك ان تبرق وان لم ترعد
كم مرة بالسوط رحت تناله * ودموعه تجري على الخد الندي
لا سائلا عن قامة ميادة * أو عابئا بتألق وتورد
وهو الذي لو كان مر بعابد * للطى له حتما بباب المسجد
ولعاف من شوق اليه حياته * وقضى الليالي في جوى وتنهد
ومخنث غث السليقة تافه * لا للندى أهل ولا لمهند
أغراه من دنياك فرط هزالها * فانسل ينسج عدة المتصيد
تخذ (العقيدة) كالغطاء لنقصه * كحديدة طليت بزائف عسجد
وكأنه الوطواط لون جسمه * متلمسا بعثا جمال الهدهد
كيما يقال بأنه متفوق * ويعد رائد نهضة وتجدد
رام العقيدة كي يفكك عقدة * في نفسه فازداد سوء تعقد
وإذا به يقتات من أشلائه * كالهر يطعم من حديد المبرد
وبقيت أنت على حجاك مثابرا * وعن التزهد خطوة لم تبعد
لم تسع يوما أن تكون مصدرا * لعقيدة كلا ولم تستورد
وحرصت ان لا يستبيك تدمشق * ان أن تجن فتبتلى بتبغدد
وتركت غيرك للمطامع طعمة * وسلمت لم تسحل ولم تستشهد
يا من بدنياه استخف فعدها * ثوبا معارا لا يدوم لمرتد
وانساق خلف صلاته وصيامه * متبتلا يرجو الشفاعة في غد
أهنأ فشوال أطل هلاله * وأفرح بمقدمه السعيد وعيد
وارتح فنفسك قد أطلت عناءها * بتضرع وتهجد وتعبد
ماذا عليك إذا فككت عقالها * ورحمتها بعد الصيام المجهد
وأذقتها بعض الذي ستناله * يوم القيامة في النعيم السرمدي
ولها الرصيد الضخم عند آلها * نهر من اللذات عذب المورد
فاطلب لها منه لعيدك سلفة * وعلى الحساب كما يشأ ليقيد
وانعم ولو في العمر يوما واحدا * وأدر قفاك لعاذل ومندد
وقال جوابا على قصيدة وردته من الأستاذ محمد فلحة:
سفهت كل تعارك وهراش * وعصمت نفسي عن عقيم نقاش
ونزعت من صدري الضمير ودسته * ومشيت كالأعمى وكالمتعاشي
وتركت سلمي الذي حملته * بالعرض ضد منافق أو واشي
وانسقت في قلب القطيع على رضى * جحشا تحيط به ألوف جحاش
ورغبت إذ (عياش) (1) مهد طفولتي * في أن أكون بمستوى (عياش)
يا ربة الأمجاد أنت شفيعتي * وعليك بات معلقا انعاشي
لا تحسبيني قد جفوت فطالما * شوقا إليك أطلت بالاجهاش
هذي ثمار شبيبتي قد عفتها * وتركتها تذوي بغير حواش
واتيت يا (عياش) نحوك ضارعا * ومددت فوق ثراك فضل فراشي
تدعو ابن (شقرا) يا ابن (ميس) للتقى * متوسلا بالعرب والأحباش
سمعا (أبا ذر) الزمان وطاعة * هذا (بلال) في طريقك ماشي
فأقم لذقنك للفراشي مصنعا * وابن لرأسك معملا للشاش
ان كان كنه الدين بعض مظاهر * والعبقرية فيه متر قماش
لكن سألتك ما تقول بما مضى * من فعل آثام ومن أفحاش
اني لأخجل حين تذكر كربلا * من أبرياء مسلبين عطاش
والمؤمنون على جديد هداهم * ما بين آكل رشوة أو راشي
هل تنفع الأقوال من متفلسف * ان لم يكن في الحق بالبطاش
لا أحسب الماضي تغير سيره * بل زيد فوق الطين بعض رشاش
واليوم تأتينا (العقائد) شرعا * وكأنها سرب من الأحناش
تنسل ما بين الصفوف لعلها * تبني لها عشا من الأعشاش
من لا يقول بقولها هو ناكر * للعبقرية أو عميل فاشي
أترى يجوز بأن نظل خوارحا * ومحل حقد عندها نهاش
قم نبغ أيضا توبة عصرية * وتعال نتبع ركبها ونماشي
لا تخش زحفا فيه تقضي باسلا * بقذيفة من مدفع رشاش
يكفيك من عدد القتال مقالة * وقليل حذلقة وبعض هواش
حتى تصير من المشار إليهم * وتشال فوق مناكب الأوباش
ولم الجهاد ببذل ماء أو دم * وجهاد غيرك جاءه (ببلاش)

145
فغدا (مشيرا) غازيا مع أنه * بالأمس كان أقل من (انباشي)
شبنا وما زلنا نعد عجائبا * ونرى صنوف ثعالب ومواشي
مما سمعت وما رأيت لديهم * كم شاقني ان لا أكون بناشي
ولكم أسفت لجعل نفسي والدا * يا ليتني من قبل كنت (طواشي)
ماذا يشوق من الحياة وحلوها * كالسم ينفثه فم الرقاش
فإذا رغبت (ببصمة) و (محاشي) * وصباك فاخر منزل ورياش
فدع المواعظ يا ابن (فلحة) جانبا * ما فاز في الدنيا سوى الغشاش
وإذا أردت الزهد فيها مخلصا * فطريقه اركيلة الحشاش
وأرسل إلى الأستاذ محمد فلحة هذه القصيدة في أواخر شهر رمضان:
إليك أخا المفاخر والمعالي * وليث الغاب في ساح النزال
اتيت اليوم أرجو منك عونا * ليحسن بعد سوء الحال حالي
ومن مثل الهمام (أبي وحيد) * لاعطاء النوال لدى السؤال
فتى أجداده كانوا شموسا * ومفخرة القرون بلا جدال
وقد ورث المكارم عن نزار * وعن قحطان مأثور الفعال
فكان كما يليق به أمينا * على ارث كمكنون اللآلي
وفرخ البط عوام ويمضي * سليل النبل في اثر الأوالي
فته عزا وحق لك التباهي * بعم ماجد وكريم خال
فما في الكون من يعلوك أصلا * فأصلك شامخ صعب المنال
كبار الناس في شرق وغرب * ومن أقصى الجنوب إلى الشمال
إذا قيسوا بمجدك لم يكونوا * لدى علياك الا كالنمال
وهذي الأرض من بر وبحر * وما تحويه من شم الجبال
تضيق لدى طموحك حيث تبدو * لعينك شبه حبة برتقال
فدع من يدعي ان المعالي * بعلم أو بذوق أو بمال
ولا يشغل فديتك منك بالا * و لكن بل عليه ولا تبالي
ولقنه بذلك خير درس * به يغنيك عن ألفي مقال
فيا من زق حب المجد زقا * وأولع بالتشامخ والتعالي
أنلني بعض ما في الكأس مما * تعاطيه من الفخر الزلال
عصارة ما جناه بقول شعر * وأورثه أبو زيد الهلالي
فإني منذ أعوام أغني * وأنت بعب كأسك في انشغال
تعب ولا تخاف سداد قلب * ولا تخشى التورم في الطحال
فتضخم عزة واباء نفس * وتبقيني بقربك في هزال
وتعلم أنني ما بين قوم * عراض من مناقبهم طوال
إذا بلغ الفطام لهم صبي * رأيت عليه هيبة (مارشال)
وان يمشي فنجم في سماء * وكالغندول في عرض القنال
وان حم القضاء ولم تسارع * اليه الأم من ضيق المجال
تمطى ثم أرخاها مريئا * فتحسبها كريم (الإيديال)
وان ينطق فما أحلاه لحنا * وأعظم بالنشيد (الناسيونال)
وان يضحك فيا دنيا أطلي * فذي أجواء عيد الكرنفال
جلال في دلال في جمال * وبورك بالصبي ابن الحلال
وحق له بأن يدعى افتخارا * بغاز أو جهاد أو نضال
وليل بته سهران مضنى * كأني في لظى داء عضال
وغيري غارق في لجر نوم * وفي إسبانيا يبني العلالي
تبدت فيه نفسي شبه ليث * توثب لانقضاض بانفعال
تقول وقولها جحر تلظى * ومثل القوس يقذف بالنبال
علام تعيش في ظل انزواء * وعن دنيا التطلع في انعزال
وتبقيني لصدر شبه قبر * كأني مجرم رهن اعتقال
وحولك عصبة ملئت نشاطا * ففي حل تراها وارتحال
لها في كل عرس خير قرص * وصدر الدار في كل احتفال
إذا فاتها فعل لخير * وكانت والمروءة في اقتتال
ليقصر عن مداها كل فحل * إذا اخذت بقيل أو بقال
فلا تبقى على سر غطاء * وتنشر ما انطوى فوق الحبال
وتمضي النفس في لوم مرير * وتبقي النار دوما في اشتعال
تؤنبني وتمعن في عتابي * وتكشف عن غبائي واختبالي
وتعجب كيف اني بين قومي * أقيم بلا حراك (كالشوال)
فلو قام الجدال وكان جحش * مدار البحث في احدى الليالي
وكل يدعي وصلا بليلى * ودار لأجله ضرب النعال
عن البحث الجليل أصم اذني * وأبعد ما استطعت عن الجدال
واتركهم وجحشهم وامضي * أفكر (بالحياصة والجلال)
فحق إذا لنفسي ان تغالي * بشكواها لضعفي وانحلالي
فلو كان الرجال على مثالي * (لفضلت النساء على الرجال)
وقد فات الأوان لرتق فتق * فذا صوت يجلجل في الأعالي
(تودع من ظلال عرار نجد * فما بعد العشية من ظلال)
فمن لم يبلغ العليا فتيا * فليس ينالها والجسم بال
ومن لم ينم فيه كبرياء * كأتراب له لحم الجمال
فلا يرجو وقد خارت قواه * بلوغ المجد من لحم السخال
وذا شهر الصيام وقد تدانت * أواخره وآذن بالزوال
فلا تتركه يمضي دون بذل * لمستعط شكا من سوء حال
فأدركني وسارع في انتشالي * وبادر في مسيرك كالغزال
وأشركني بعزك بعض وقت * وأفلتني بجودك من عقال
فتغنم فوق أجر الصوم أجرا * وتخلد في جنائن ذي الجلال
وأرسل إلى السيد نور الدين بدر الدين هذه القصيدة:
في القلب من ذكرى الأحبة نار * ما جن ليل أو أطل نهار
تمضي بي الأيام وهي مقيمة * ويشفني الاعياء وهي أوار
قدسية ما شاب زيت سراجها * مين ولم يسقط عليه غبار
من سلسل الوجدان صفو عصيره * ومن المروءة ريحه المعطار
أوقدته نارا على ومضاتها * تتراقص الأحلام والأفكار
وتعود بي عبر الزمان إلى حمى * كأس الهنا والصفو فيه يدار
نضرت جوانبه بأوجه فتية * فكأنهم لدروبه أزهار
لانوا فلم تقس الحياة عليهم * وعنت لهم بصروفها الاقدار
ذكرى الأحبة لاعدمتك موئلا * ان ساء دار أو تخابث جار

146
عفوا أبا الخطاب ان انا شاقني * مع من أحب على البعاد حوار
واتيت من منفاي ابعث زفرة * من مهجتي وكأنها اعصار
فتقبل النجوى ولا تك لاحيا * ان ساء مني الورد والاصدار
وغفلت عما أنت فيه من العنا * وبما تنوء بعبئه وتحار
ورميت أثقالي عليك لحملها * وكأنما للشحن أنت قطار
فاصبر أخا أيوب كالسبع الذي * وفي العلى لما اعتلاه حمار
وأبى التهرب من قضاء نازل * لو مد في غار لسد الغار
وتحمل البلوى ولو من حملها * قد قطعت من شرجه الأوتار
فجنى الخلود لذكره بابائه * وعلا قفاه من الصمود وقار
فلنبق قطبي نخوة وحمية * وليحي فينا الصدق والايثار
أيكون سبع الغاب أوفى ذمة * ممن نماه إلى الفخار نزار
لأكنت من عليا نزار ان انا * لم يعل رأسي من قفاي الغار
واعز مني عند ذلك أرنب * وأجل مني القط بل والفار
ها ان نوارا مضت أيامه * فهل اصطفاك بمتعة نوار
يا شهر نوار وثغرك باسم * ورحيب صدرك بالهوى موار
وخدينك النهر المصفق ماؤه * ولدانك الأزهار والأطيار
لا لامست قدماك أرضا أهلها * عمي العيون قلوبهم أحجار
ما أنت الا نفحة من جنة * فانجح بنفسك انهم كفار
وعلى ذرى جبل (الرويس) (1) وسفحه
حط الرجال فتلك نعم الدار
فهناك أهل الدين والدنيا معا * منهم بحسنك تأنس الانظار
وتهيج أفئدة لهم من روعة * ويفيض فكر فيهم ويثار
ويسود روحهم التصوف فالدنا * بسنا التجلي والصفار تنار
فعلى المآذن والجلال يلفها * تتردد الصلوات والأذكار
وعلى منابع (شقحة) (2) ورياضها * العشق والصهباء والمزمار
فاجعل أيا نوار دربك دائما * في أرضهم ان الكريم يزار
وعلى أبي الخطاب مر فإنه * هو صورة ولها الجميع اطار
يا من تغنى بالجمال وبالهوى * وكأنه بين الأنام هزار
أطلقت للقلب الجموح عنانه * فجرى وضاق بجريه المضمار
الحق والذوق السليم كلاهما * هدف له في سعيه وشعار
فأعدت لابن أبي ربيعة ذكره * وعلى خطاه حلا لك التسيار
في كل روض ناضر لك وقفة * ووراء كل مليحة مشوار
لم تدخل الشحناء قلبك مرة * أو خالطت أفكارك الأوتار
لو كان كل الناس مثلك رقة * لاستؤصلت من أرضنا الأوزار
لكنهم ظنوا الحياة تناطحا * من سخفهم وكأنهم أبقار
فإلى الذي جعل القرون سلاحه * وبها يظن بأنه مغوار
لا بد يوما من لقاء غضنفر * منه تمزق جلده الأظفار
ولرب يسر قد تليه عقدة * كأداء يسلح عندها النجار
وقال جوابا عن أبيات اتته من جماعة من أصدقائه:
أبعد الصالحات من السنين * وما طبع السجود على جبيني
وما أهرقت من ماء نمير * على عطشي ليطهر (بنطلوني)
أبيعكم لساعات يقيني * واخسر بعد طول الجهد ديني
استعنت عليكم بالله مما * لديكم للغواية من فنون
ومن عشق لتضليل البرايا * كعشق القرد بعثرة الطحين
فكعوا عن ملاحقتي فإني * غليظ القلب ذو ذهن ثخين
ولست بفاهم منكم حديثا * عن ابن بطوطة أو افلطون
وعن اعجاز رحلة (كاكرين) * وأمجاد لوقعة ميسلون
وآيات على الحيطان خطت * بتفضيل اليسار على اليمين
وعن سحر المباسم والعيون * وطير صادح في كرم تين
وعن كأس من الخمر المصفى * تضوع منه عطر اليانسون
فكم من قبلكم إبليس قاسى * وحاول جهده كي يصطفيني
فعاد يحك من فشل قفاه * وهج بفعل ايماني المتين
أيحرقني المشير أبو نعيم * وأركان القيادة في العرين
وماذا في عرينكم فيرجى * وجل طعامكم (دحروب) تين
لئن تستهزئوا مني فإني * (متى أضع العمامة تعرفوني)
وقد أحسنت صنعا دون شك * بركضي خلف فروج سمين
فما في المضغ للأخيار عيب * ولا في البلع من فعل مشين
(ويا اخواننا بالله) كونوا * على ثقة وجزم من يقيني
وحاشا ان تخامركم شكوك * بأن البعض عنكم أبعدوني
وانهم أضافوني إليهم * وفي بئر الغواية دندلوني
فمن كان الرغيف لديه نجما * وبحر محيطه (لكن العجين)
يطيب له بهذا اليوم طبعا * صدى وقع الملاعق في الصحون
فكم طربت لرنتها ضلوعي * وكم رقصت لمرآها عيوني
ويا أسفي عليك (أبا وحيد) * تساق بسوط شيطان لعين
وتجري لا يصدك نصح هاد * كأنك في مسيرك (كالترين)
(أبو عدنان) لا يعنيه أمري * ولا يعنيه ما بك من شجون
ولا تحسب بأن (أبا نعيم) * ستبقى منه في حصن حصين
فمن لم يخش ربا قد براه * فليس على ودادك بالأمين
تعال إلي يا ابن الخال نمضي * إلى ركن الهداية واليقين
لتنزع من فؤادك كل شك * وتمسح عنه آثار الظنون
وتشفى فيه من جوع عتيق * تعاني منه كالجرح الدفين
(فإسماعيل) يحشو المخ وعظا * وليس بحشو بطنك بالضنين
فعيب أن تظل على ضلال * (وقد جاوزت حد الأربعين)
وتترك للزميل أبي فؤاد * فخار الفوز في نصب الكمين
وقال جوابا عن قصيدة للسيد نور الدين بدر الدين:
صبح محل وليل كله ضجر * فالقلب في محنة والسمع والبصر
كأنما الكون لا شمس تدغده * ولا يفتق أحلاما له قمر



(1) الرويس جبل أخضر مظل على النبطية.
(2) شقحة واد متصل بسهل الميذنة قرب النبطية يعمر في الربيع لمباهه وخضرته.
147
وهذه الأرض لا راح ولا وتر * ولا نسيم ولا ماء ولا شجر
ولا عطاء لفكر من روائعه * تجمل العيش فيه وازدهت صور
فانسي الحس مأساة الوجود وما * قد يبتليه به في غفلة قدر
وراح ينعم في أحلامه سحرا * ولا يخالجه من صحبه حذر
لكنما وبلاء الناس أكثره * يأتي به منهم من طبعه الضرر
من لا تطيب حياة قربه أبدا * ولا يدار له من فسقه دبر
فافقه رغم نور الشمس في غسق * وماؤه دائما من خبثه عكر
يا من إلى دوحة الأنباط قد نسبوا * يتهوا بمن شيد البتراء وافتخروا
ما كان أجدادكم الا عباقرة * مدى الزمان شذا ذكراهم عطر
في بلقع موحش لا الطير تعبره * ولا يمر به جن ولا بشر
كم بالأزاميل من صرح لهم رفعوا * وفي حشا الصخر كم بئر لهم حفروا
فكان ما كان من أعجوبة حدثت * فالقفر مخضوضر والعيش مزدهر
وللمحبة في افيائهم عبق * وللعدالة عين دأبها السهر
وللرجاء على درب الحياة سنا * فلا يتيه لهم في سعيهم نظر
وما أظنك يوما كنت مقتنعا * بأن جدك فيما قد مضى مضر
فأين أنت من الأفذاذ ان حضروا * وراح در من الأفواه ينتثر
وقال قائلهم والتيه ينفخه * وشعلة المجد في عينيه تستعر
(انا الذي نظر الأعمى إلى أدبي) * فلا عمى بعد في الدنيا ولا عور
(والخيل والليل والبيداء تعرفني) * والسيف يشهد اني في الوغى نمر
بالأمس كان بنو الاسبان لي خدما * والروم من حشمي والفرس والتتر
واليوم سخر لي الأمريك أنفسهم * ورهن أمري صار الروس والمجر
فمن هنا خبرة تأتي واعتدة * ومن هناك شهي القمح و (الدلر)
كذا الخراج أعدت اليوم سيرته * والعلج عاد بأمري اليوم يأتمر
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * انا الهزبر واشتات الورى بقر
ويوم أبعث فالجنات لي سكن * والغير حتما ستشوي جلدهم صقر
تلك الأصالة في الابداع ما برحت * وان تغير منها الشكل والأثر
ان كان قد سقط الازميل من يدكم * وغاب عن عينكم في المقلع الحجر
وغير الفكر مجراه فلا صعدا * قد ظل يسمو ولكن راح ينحدر
إلى صعيد اليه سار قبلكم * قوم نزلتم عليهم طبعهم قذر
فكان لا بد من ابراز فنكم * في جولة معهم فيما به اشتهروا
وهل يهاب لذيذ النقر في جسد * من قاسي الصخر في ماضيهم نقروا
وكنتم في انسجام مع أصالتكم * ففقتموهم وفي ميدانهم دحروا
وقال جوابا على قصيدة جاءته من الشيخ محمد مزرعاني أرسلها من
بلدته (حولا):
ذكرى تعاودني حينا فأبتسم * ويطرب القلب لا يأس ولا سأم
وقد نعد نعيما غفوة سنحت * لمن تؤرقه الآلام والسقم
وربما لذ في بيداء مظلمة * بصيص نور بأقصى الأفق يرتسم
ذكراكم متعة فيها يطالعني * حفظ الذمام وجود الكف والشمم
فتنجلي من أمامي كل شائبة * يمجها الذوق والأعراف والذمم
واستريح إلى حين ويوقظني * على المرارة كف غادر وفم
أعيذكم أن تكونوا كالذين مضوا * ولم يزل بيننا في السوء شبههم
(قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم * قالوا لامهم من فرط شحهم
بولي على النار في ضيق وفي وجل * كأن ريب المنايا دق بابهم
فخيبت سؤلهم بخلا ببولتها * وغير بضع نقاط لم تبل لهم)
(ومن تميم لهم في لؤمها سلف * وفي المكارم لا اسلاف عندهم)
ما همهم أو عناهم غير أنفسهم * وليس يشغلهم ما فيه غيرهم
فلا يهش لهم وجه لمغتبط * ولا ترق لذي بلوى قلوبهم
ويغمضون على الأقذاء أعينهم * ان جاء من يشتري منهم ضميرهم
كأنهم لم تكن يوما لهم نظم * ولم تنر مرة آفاقهم قيم
ان يزعم البعض عن حقد وموجدة * بأنكم معشر صعب مراسهم
وان طبعكم قاس وقسوته * كاللون والطعم في مغلي شايكم
وانكم ما مشيتم مرة ابدا * الا وكان بعكس السير سيركم
فلا اليسار يسار في يساركم * ولا اليمين يمين في يمينكم
وانكم يوم حشر البعض في سقر * ستحشرون بها في القعر وحدكم
وظن ذا البعض ان الدس ينجحهم * فيشمتون ولكن خاب ظنهم
فكنتم قدوة في الانفتاح لهم * وصرتم قادة والتابعون هم
وكم تبجح فيما قد مضى نفر * بأنهم خير خلق الله كلهم
وإن انسانهم ما مثله أحد * وان أشرف حيوان بعيرهم
وحقروا الغير من وحش ومن بشر * وبالخلائق طرا ساء قولهم
وإذ بهم بعد حين يلجؤون إلى * من كان أبغض خصم في خصومهم
فيصبح الدب خير الوحش قاطبة * ومقتنوه نجوما يهتدي بهم
وليس ذلك عن درس وتوعية * لكن ذلك رغما عن أنوفهم
فبعضهم لنكايات ببعضهم * وآخرون لكي تحشى جيوبهم
ودبكم كم تجافوه وقد علموا * بأنه يعربي الأصل مثلهم
ما لان يوما له عود لمغتصب * ولم تسر خلف دجال له قدم
وقد نسوا وقفة منه مشرفة * في مهرجان أقاموه لبيكهم
أدباب كل القرى من خوفها رقصت * الا الرفيق أبي الضيم دبكم
فكان رمز التصدي والصمود لنا * من قبل أن تخلق الجبات والعمم
(الخيل والليل والبيداء تعرفه * والسيف والرمح والقرطاس والقلم)
فقدس الله حرشا ضم أضلعه * وعظم الله بالمرحوم أجركم
وقال جوابا على قصيدة جاءته من الشيخ جعفر همدر:
يا شيخ جعفر آل همدر الذي * اشتهر اسمه بالعاملي اللبناني
بعد السلام وبعد نفخك ساعة * أشكو إليك لواعج الأشجان
وأقول من فرط التشوق والهوى * قد صرت أنحف من قضيب البان

148
نصفي إلى الزنار في صرمايتي * وبداخل الطربوش نصفي الثاني
لو كان عرزائيل يعلم موضعي * لزيارة الفردوس كان دعاني
ولكنت في ذا الحين ارتع في السما * متمتعا بالحور والولدان
ولو أن كل الشوق مثل تشوقي * لأتى به التحريم في القرآن
وكأنه لم يكف ما بي ربنا * حتى ابتلاني في هوى الاخوان
مع ذاك أحمده فلولا لطفه * لخسرت أيضا طابقي الفوقاني
قد لا تصدق ذا وتحسب انه * عن قلة أو عارض جسماني
فاسأل فعندي صحة لم يحوها * لا جسم انسان ولا حيوان
وانظر إلى شغلي تجده بأنه * من عند عشي إلى حلواني
كيف اتجهت وكيف سرت فدائما * ترنو إلي لواحظ النسوان
ويقلن من هذا وهل هو أعزب * ويحطنني من أعين الشيطان
وترى جيوبي دائما ملآنة * لم يخل منها القرش والقرشان
مهما طلبت تراه عندي حاضرا * ولو أنه من أرض هندستان
لو كنت أنت وحق ربك موضعي * لغدوت مثل دعائم الحيطان
هل بعد هذا لا تزال مشككا * يا صاحب الايمان والوجدان
فاحكم وأيقن ان ما بي كله * متسبب عن حبك الروحاني
خبر صديقك كيف أنت فإنه * نهب الأسى والوجد منذ زمان
يقضي الليالي ساهرا متحرقا * فكأنه يقلى على النيران
من أجل تحرير يكلف (آنة) (1) * يا ضيعة الأصحاب والخلان
وتنام لا يلهيك عن طيب الكرى * ما يعتري النائين من أحزان
أترى يجوز بدين إبليس كذا * أم يا ترى بديانة الرحمن!
فعسى تكون كما أريد وأشتهي * من صحة في الجسم و (الجزدان))
وتكون في انس تروح وتغتدي وجميع أهل البيت في اطمئنان وتكون تدعى بعد اسمك وحده بأبي فلان أو أبي فليتان
أما انا فلقد غدوت معلما * بقيادتي جيش من الصبيان
الحال أحسن انما أخشى على * عقلي من التخريب والنقصان
وأخاف من بعد التأستذ في غد * ان اغد تلميذا بمارستان
لكنني راض لأن خسارتي * في خدمة الأهلين والأوطان
فغدا سألحقهم وأعلي شأنهم * بالراعي والزبال والطحان
الوقت ضاق وفي ذكاك كفاية * وعن الكتاب عسى يقوم لساني
ولو انني أبديت كل خواطري * لم يكفني إذ ذاك ماعونان
فاسلم ودم في غبطة وهناءة * لأخيك جعفر الأقل الجاني
ومن شعره الظريف في أيام الصبا هذه القصيدة التي نظمها بعد نزهة
له مع بعض أصدقائه إلى قلعة (دوبيه) قرب بلد شقرا:
يا من يقضي عمره * ويضيع منه أكثره
بين الدفاتر والمحابر * قل ان لا تنظره
حب القراءة دأبه * أقصى مناه (الشحبره)
ماذا يفيد تعلم * العلم عندي مسخره
لا سيما النحو الذي * ما فيه الا النحوره
اشجى فؤادي درسه * وكداك قلبي مرمره
لو جئت احدى السيدات * وقد لزمت القنعره
أدمتك من قبقابها * وعلتك منها (الكندره)
ربح الذي دوما غدا * في غير انس لم تره
قل للذي لا يرعوي * لنصيحتي ما أحمره
لو كنت تبصرنا وقد * سرنا بقصد (الكزدره)
نبغي مكانا لائقا * بجنابنا كي نعبره
كان المقام بقلعة * مهجورة ومكركره
فيها أقمنا يومنا * من انسه ما أقصره
ان كنت تسأل ما الطعام * أقول كان (مجدره)
لكنها ممتازة * محمرة ومذرذره
وكثيرة أيضا وقد * ملأت فناء الطنجره
والكل منا جائع * والحال منه مكدره
أسناننا مسنونة * وكذا الكروش مهيره
حتى إذا نضج الطبيخ * علت لذاك الهوبره
وكذا النفوس استبشرت * من بعد عوف التذكرة
ما كنت تسمع حين نأكل * غير صوت الشخورة
حتى حسبنا انه * بلغ الطعام الحنجره
ثم انكفأنا راجعين * كما أتينا القهقره
هذا حديث ذهابنا * أغناك عن أن تحضره
ان كنت فيه مقصرا * فإلى الرفاق المعذرة
وارسل هذه الأبيات إلى الشيخ عبد الحسين جواد من (حولا) وقد
عزم على السفر إلى المهجر:
بلغ المحب بأنكم أزمعتم * سيرا إلى (تمبكتو) أو (كركاس)
وبأنكم ستفارقون بلادكم * هربا من الاملاق والافلاس
وبأن أيام الفراق قريبة * وقد استعذت برب كل الناس
لكنني راجعت فكري بعد ذا * فوجدت لا ضر ولا من باس
لا سيما ان ابتم بسلامة * ووضعتم الأموال في الأكياس
لولا الذي قدمت كان يحق لي * تمزيق طربوشي وفتق لباسي
أرجوكم ان لا تكونوا مثل من * قنعوا بعيش العود والمساس
ومن الأواني كلها ما عندهم * خير من (القصعات والجنطاس)
هذي مدينة بيروت تناشدكم * فاختر لنفسك بابورا بها رأسي
وقال عندما أنشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية:
لبنان ما أنت بعد اليوم لبنان * إذ قيدوك فلا حكم ولا شان
كانت أمانيك قبل اليوم زاهرة * وعودها كم تثنى وهو ريان
وكم أقمت على الأحلام شاهقة * وهل يقام على الأحلام بنيان
مذ كنت تأمل ان يوفوا بوعدهم * لم يصدقوك بما قالوا وقد خانوا
مضى عليه زمان كنت منتظرا * وسوف تمضي عليه بعد أزمان
كان الوفاء بما قالوا بأن خلقوا * حكومة ما لها في الكون اقران
كيما تعظم جمهورية دعيت * لولا قليل لكان اليوم تيجان
فيها من الناس من قد وظفوا أمما * فليس يحصيهم في العد انسان
في كل دائرة (مسيو) يديرهم * فما لهم في تولي الحكم سلطان
اما النوائب أو نوابنا فهم * طوع الأوامر للأذلال قد دانوا
قد أتقنوا (نعما) من دون (لا) فلذا * منهم لكل اقتراح صار اذعان
كيما لأنفسهم يرضوا بفعلهم * لبنان قد أغضبوا والأرز غضبان
تلك الحكومة والنواب كلهم * قد ضيعونا فلا كانت ولا كانوا



(1) عملة عراقية قديمة.
149
وقال جوابا عن أبيات:
منكم أتتني أبيات منمقة * قد صغتموها تحاكي اللؤلؤ الرطبا
منها شممت شذا أنفاسكم عطرا * حتى توهمت فيها مندلا وكبا
ان صح ما قلتموه بي فلا عجب * تلك الخلائق منكم طيبها اكتسبا
منكم أخذت الذي قلتم فإنكم * في كل ما في كنتم أنتم السببا
فلست غيركم في الناس مصطحبا * وليس يندم من إياكم صحبا
لا زال عيشكم تصفو مشاربه * ولا لقيتم مدى أيامه كربا
ومن ظرائفه أيام الصبا قوله معارضا قصيدة عمرو بن كلثوم:
الا هبي بصحنك فاطعمينا * ومن لحم الدجاج فاشبعينا
ومن كل المآكل أم عمرو * فانا نشتهي ما تشتهينا
دعينا من (مجدرة) و (فول) * ومن (بو مليح) يا هذي دعينا
دعينا نأكل الحلوى دعينا * ومن أكل (الفشافيش) امنعينا
كفانا ما أكلنا منه قبلا * فانا نشتهي كبشا سمينا
فانا الشاربون متى سقينا * وانا الآكلون متى دعينا
وانا نورد الأجفان ملأى * ونصدرها فوارغ قد خلينا
ومأدبة يحار العقل فيها * وفخذا قد جننت به جنونا
فصالوا صولة مما يليهم * وصلنا صولة مما يلينا
فآبوا بالعظام وبالبقايا * وابنا باللحوم مكردسينا
نطاعن في الموائد ما قدرنا * ونأكل بالملاعق ما يلينا
نشق بها صحون الرز شقا * ونخرج من أواسطه الدفينا
متى ننقل إلى قوم رحانا * يكونوا في اللقاء لنا طحينا
ومن ظرائفه أيام الصبا:
(ببنتجبيل) في ذا الوقت طابت * لساكنها الإقامة والحياة
بجوق لو رآه (أبو حشيش) * ومن في سلكه ضحكا لماتوا
تجمع شمله من كل فج * ولم تسع لجمعهم الدعاة
ولكن ضمهم توحيد ذوق * وأهداف لهم متشابهات
يجوبون الدروب وهم حفاة * ويلقون الأنام وهم عراة
ويسمع ان مشوا لهم صهيل * كأنهم الخيول الحايلات
أناس ربهم (دروين) أضحى * وأصحاب الضلال لهم هداة
فلا حل لديهم أو حرام * ولا صوم لديهم أو صلاة
فيا أهل الديانة أين أنتم * الا فلتهر جلدهم العصاة
أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي
المصري.
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال روى عنه
التلعكبري وكان سماعه منه سنة 340 بمصر وله منه إجازة اه وهو من
مشايخ الإجازة يروي عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك ويروي عنه القاضي
أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي أحد مشايخ النجاشي
صاحب الرجال وعبر عنه القاضي بالشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن
محمد بن إبراهيم كما في ترجمة محمد بن أبي عمير ومحمد بن يوسف الصنعاني
وبأبي القاسم جعفر بن محمد كما في ترجمة الحسين بن مهران وبأبي القاسم
جعفر بن محمد الشريف الصالح كما في ترجمة حذيفة بن منصور وداود بن
سرحان وبأبي القاسم جعفر بن محمد بن عبد الله الموسوي في ترجمة حريز
وقال القاضي أبو الحسين كما في ترجمة عبد الله بن أحمد بن نهيك، اشتملت
إجازة أبي القاسم بن محمد بن إبراهيم الموسوي واراناها على سائر ما رواه
عبيد الله بن أحمد بن نهيك وقال كان بالكوفة وخرج إلى مكة يعني ابن
نهيك اه وعن السيد نعمة الله انه يروي عنه ابن بابويه.
التمييز
وفي مشتركات الطريحي والكاظمي فيمن اسمه جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي المصري الشريف الصالح أبو القاسم
برواية التلعكبري عنه اه وزاد بعضهم رواية جعفر بن محمد بن قولويه
عنه ورواية حريز بن عبد الله عنه اه.
جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب الحيري.
(الحيري) نسبة إلى الحيرة المكان المعروف قرب المكان الذي كان به
المناذرة ملوك الحيرة.
قال الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: روى عنه
التلعكبري وسمع منه سنة 360 وله منه إجازة روى عن حميد اه وعن بعض
النسخ تكنيته أولا أبا عبد الله وفي منهج المقال عند بعض الأصحاب روايته
في الحسان ولا باس به وكذا الذي قبله بل أولى اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد بن إبراهيم
الموسوي الحيري برواية التلعكبري عنه وبروايته هو عن حميد اه.
جعفر بن محمد أبو عبد الله
قال الكشي في ترجمة سلمان الفارسي شيخ من جرجان عامي اه
فهو ليس من شرط كتابنا وذكرناه لذكر أصحابنا له حتى لا يفوتنا شئ مما
ذكروه.
جعفر بن محمد يكنى أبا القاسم الشاشي
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال من
غلمان العياشي.
جعفر بن محمد أبو محمد
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال روى عنه
محمد بن علي بن محبوب. وفي الفهرست جعفر بن محمد يكني أبا محمد له
كتاب أخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن
محمد بن علي بن محبوب عن جعفر بن محمد اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد المكنى بابي محمد برواية محمد بن علي بن محبوب عنه اه.
جعفر بن محمد بن أبي يزيد
روى أحمد بن محمد بن عيسى عنه عن الرضا (ع).

150
الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن صالح
في أمل الآمل فاضل فقيه يروي عن علي بن موسى بن طاوس اه.
أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد وفي رياض العلماء
ابن العباس بن الفاخر العبسي الدوريستي
نسبته
(العبسي) نسبة إلى بني عبس قبيلة حذيفة بن اليمان لأنه من ذريته
(والدوريستي) نسبة إلى دوريست، في معجم البلدان: بضم الدال
وسكون الواو والراء يلتقي فيه ساكنان ثم الياء المثناة التحتانية المفتوحة
والسين المهملة الساكنة والتاء المثناة الفوقانية من قرى الري اه وفي مجالس
المؤمنين وتعليقة البهبهاني على منهج المقال انه يقال لها الآن درشت بدال
وراء مهملتين مفتوحتين وشين معجمة ساكنة اه.
أهل بيته
هو من بيت علم خرج منه جماعة كثيرة يقال لهم مشايخ دوريست في
مستدركات الوسائل عند ذكره قال العالم الجليل المعروف بيته اباء وأبناء
بالفقاهة والفضل، وفي مجالس المؤمنين: انه من بيت جليل أهل علم
وعفة وامامة خلفا عن سلف اه ويأتي في عبد الله بن جعفر بن محمد بن
موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد حفيد المترجم قول منتجب الدين فيه فقيه
صالح يروي عن اسلافه فقهاء دوريست فقهاء الشيعة اه (منهم) أبوه
محمد بن أحمد بن العباس (ومنهم) حفيده أبو جعفر محمد بن موسى بن
جعفر بن محمد بن أحمد (ومنهم) حفيده الآخر أبو محمد خواجة جعفر بن
محمد المذكور (ومنهم) نجم الدين خواجة عبد الله بن جعفر المذكور واخوه
خواجة حسن بن جعفر المذكور وكلهم علماء فضلاء وتراجمهم مذكورة في
أبوابها.
أقوال العلماء في حقه
قال الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام: جعفر بن
محمد الدوريستي أبو عبد الله ثقة اه كما حكاه في منهج المقال عن نسخة قال إنها
لا تخلو من صحة وفي رجال ابن داود جعفر بن محمد الدوريستي قال
الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام ثقة اه وفي التعليقة:
كذا نقله جدي - المجلسي الأول - أيضا وزاد روى عن المفيد وروى عنه
ابن إدريس وكان معمرا اه وفي أمل الآمل جعفر بن محمد بن أحمد بن
العباس الدوريستي ثقة عين عظيم الشأن معاصر للشيخ الطوسي وقد ذكره
في رجاله ووثقه يروي عنه المفيد اه وذكره منتجب الدين في فهرسته فقال
الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي ثقة عين عدل قرأ على
شيخنا الموفق أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي البغدادي
المعروف بابن المعلم المفيد وعلى الأجل المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي
وله تصانيف ثم ذكر كتبه الآتية وقال أخبرنا بها الشيخ الامام جمال الدين أبو
الفتوح الحسين بن علي الخزاعي عن الشيخ المفيد عبد الجبار المقري الرازي
عنه اه وفي مجموعة الجباعي الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمد
الدوريستي ثقة عين عدل قرأ على المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم وعلى المرتضى علم الهدى له تصانيف منها
- وذكرها - وفي احتجاج الطبرسي حدثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله
جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي اه ووصفه ابن طاوس في الاقبال
بالشيخ الفاضل، وفي مجالس المؤمنين نقلا عن الشيخ عبد الجليل بن محمد
القزويني في بعض رسائله في الإمامة عند ذكر هذا الشيخ قال إنه كان
مشهورا في جميع الفنون مصنفا كثير الرواية من أكابر هذه الطائفة وعلمائها
معظما في الغاية عند نظام الملك الوزير وكان يذهب في كل أسبوعين مرة من
الري إلى قرية دوريست وهي على فرسخين من الري لسماع ما كان يريده
من بركات أنفاسه ويرجع اه وذكره ابن شهرآشوب في المعالم وقال له
كتاب الرد على الزيدية وذكره الكفعمي في حواشي كتابه المعروف بالمصباح
فقال الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن العباس قدس سره له كتاب
الحسنى اه وهو الدوريستي المترجم، وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد
الدروبشتي ذكره أبو جعفر بن بابويه في رجال الشيعة اه فصحف
الدوريستي بالدروبشتي هو أو النساخ.
مشايخه
قرأ على المفيد وتلميذه المرتضى كما مر عن فهرست منتجب الدين بن
بابويه ومجموعة الجباعي وفي مستدركات الوسائل انه يروي عن جماعة
وعدهم سبعة وعد منهم الشيخ المفيد والسيدين المرتضى والرضي والشيخ
الطوسي وعن والده محمد بن أحمد عن الصدوق ولكنه كرر ذكر والده مرتين
ويروي عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم
الجوهري صاحب مقتضب الأثر كما عن إجازة الشيخ كمال الدين علي بن
الحسين بن حماد الواسطي من علماء عصر العلامة الحلي، وعن الطبرسي في
الاحتجاج في جملة سنده حدثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن
محمد بن أحمد الدوريستي رحمه الله قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر يعني
ابن بابويه اه وهذا يدل على روايته عن الصدوق بغير واسطة أبيه كما يروي
عنه بواسطة أبيه.
تلاميذه
يروي عنه جماعة كثيرة من اجلاء الأصحاب: (1) السيد أبو جعفر
مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي (2) الشيخ الحاكم أبو منصور علي بن
عبد الله الزيادي إجازة في أواخر ذي الحجة سنة 474 كلاهما عن أبيه
محمد بن أحمد عن الصدوق عن أبيه (3) فضل الله بن محمود الفارسي
صاحب رياض الجنات في الأخبار. عن رياض العلماء يظهر من بعض
أسانيده انه كان تلميذ الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد
الدوريستي (4) السيد علي بن أبي طالب السليقي من مشايخ القطب
الراوندي (5) المفيد عبد الجبار بن عبد الله المقري الرازي من كبار تلامذة
الشيخ الطوسي (6) السيد المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني الشريف
شيخ منتجب الدين صاحب الفهرست (7) امين الدين المرزبان بن
الحسين بن محمد (8) حفيده أبو جعفر محمد بن موسى بن جعفر الدوريستي
(9) شاذان بن جبرائيل القمي كما يفهم من إجازة العلامة الكبيرة فإنه ذكر
انه يروي كتب المفيد ورواياته بالاسناد عن شاذان بن جبرائيل القمي عن
الشيخ بن عبد الله الدوريستي عن الشيخ المفيد وذكر أيضا انه يروي
مصنفات علي بن بابويه والد الصدوق بهذا الاسناد عن شاذان بن جبرائيل
عن جعفر بن محمد الدوريستي عن أبيه عن الصدوق عن أبيه، وفي
مستدركات الوسائل هذا صريح في أن شاذان يروي عن أبي عبد الله

151
جعفر بن محمد الدوريستي بلا واسطة سبطه أبي محمد الحسن بن حسولة
وهو مع مخالفته لسائر الإجازات من ذكر الواسطة بعيد في الغاية لذلك تنظر
فيه صاحب المعالم اه وقال صاحب المعالم في اجازته الكبيرة: عندي في هذا
الطريق نظر وبين ذلك بما حاصله ان السيد محيي الدين بن زهرة يروي عن
ابن إدريس عن عبد الله بن جعفر الدوريستي عن جده أبي جعفر محمد بن
موسى بن جعفر عن جده أبي عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي عن المفيد
وابن إدريس في طبقة السيد محيي الدين وشاذان بن جبرائيل يروي عنهما
فكيف تكون رواية ابن إدريس عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي
بواسطتين هما ابن ابنه أبو جعفر محمد بن موسى وابن ابنه عبد الله بن جعفر
وتكون رواية شاذان عن أبي عبد الله جعفر بغير واسطة، وان منتجب
الدين صاحب الفهرست من طبقة ابن إدريس وشاذان وقد روى أبو
عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي عن أبي الفتوح الخزاعي عن عبد الجبار
المقري عنه فقد وافقت روايته رواية ابن إدريس في اثبات الواسطتين ويشهد
له ان جعفر بن نما يروي عن أبيه عن أبي الحسن علي بن يحيى الخياط عن
عربي بن مسافر عن عبد الله جعفر بن محمد عن جده أبي جعفر محمد بن
موسى عن جده أبي عبد الله بن محمد عن السيد المرتضى، وعربي بن
مسافر عاصر منتجب الدين صاحب الفهرست وهو أعلى طبقة من ابن إدريس
لأنه يروي عنه شاذان اما في طبقته أو دونها وربما يرجع الثاني بان
منتجب الدين لم يذكره في فهرسته وذكر عربي بن مسافر ورواية عربي في هذا
الطريق عن أبي عبد الله جعفر بالواسطتين اللتين روى بهما ابن إدريس وذكر
ابن نما أيضا مكررا انه يروي عن والده عن علي بن يحيى الخياط عن
شاذان بن جبرائيل عن الحسن بن حسولة بن صالحان القمي عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي عن أبيه عن
الصدوق وقد أثبت في هذا الطريق مع تكرره الواسطة بين شاذان والمترجم
و ح ء ففي البين واسطة متروكة والظاهر أن المتروك أحد الدوريستيين
لاستبعاد ان يحصل التوهم في غيرهم وقد ذكر ابن نما انه يروي عن والده
عن محمد بن جعفر المشهدي عن الشيخين أبي محمد عبد الله بن جعفر
الدوريستي وأبي الفضل شاذان بن جبرائيل عن جده عبد الله عن جده عن
المفيد وهذا صريح في الواسطة مبين لهما كما قلناه فتكون رواية شاذان عن
أبي جعفر محمد بن موسى بن جعفر بن محمد الدوريستي عن جده أبي
عبد الله جعفر بن محمد عن المفيد فوقع التوهم بين أبي جعفر إلى جعفر ولم
يتفق لهذا التوهم متدبر يكشفه وقد بان بحمد الله وجه الصواب والله
الموفق اه وفي مستدركات الوسائل بعد نقل محصله قال وهو كلام متين
ويؤيد ان الذين يروون عن أبي عبد الله الدوريستي كلهم في طبقة مشايخ
شاذان كالسيد مهدي ابن أبي حرب الحسيني شيخ صاحب الاحتجاج
والسيد علي بن أبي طالب السليقي شيخ رواية القطب الراوندي وعبد الجبار
المقري الرازي تلميذ الشيخ الطوسي والسيد المرتضى ابن الداعي شيخ
منتجب الدين وأمثالهم (قال) ورام صاحب الروضات ان يصحح كلام
العلامة فأتعب نفسه ولم يأت بشئ قابل للنقل والايراد اه والذي ذكره
صاحب الروضات انه يمكن ان يكون معمرا بحيث يمكن رواية شاذان عنه
(أقول) ان صح ما ذكره المجلسي الأول من أنه كان معمرا قرب هذا
الاحتمال ولم يكن مانع من روايته عن الجد وعن الأبناء وأبناء الأبناء
ويؤيده ما سيأتي عن بعض الإجازات القديمة من رواية ابن إدريس عنه
وأيده في الروضات أيضا بما عن الحموئي صاحب فرائد السمطين انه روى
عن الشيخ نجم الدين عبد الله بن جعفر الدوريستي عن الصدوق وقال بعد
ذكر عبد الله بن جعفر الدوريستي انه عاش 118 سنة باحتمال ان يرجع
ضمير عاش إلى جعفر اه.
(أقول) احتمال رجوع الضمير إلى جعفر سخيف غير قابل للنقل كما
قال في المستدركات ولكن الظاهر أن الصواب أبو عبد الله جعفر لأنه هو
الذي يروي عن الصدوق لا عبد الله بن جعفر لبعد طبقته عن الصدوق ولا
يبعد ان يكون المجلسي الأول اخذ كونه من المعمرين من كلام الحموئي
(10) محمد بن إدريس الحلي صاحب السرائر كما في الروضات عن بعض
الإجازات المعتبرة القديمة وما مر على المجلسي الأول من أنه روى عن المفيد
وروى عنه ابن إدريس وكان معمرا اه وبذلك يرتفع استبعاد روايته عن
المفيد ورواية ابن إدريس عنه مع تباعد عصريهما ورواية ابن إدريس عن
حفيده عبد الله بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن
عباس كما عن الشهيد في بعض أسانيد أربعينه كما يرتفع ما ظنه صاحب
المعالم من سقوط الواسطة بينه وبين شاذان كما عرفت ويأتي في عبد الله بن
جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر الدوريستي انه يروي عن جده أبي جعفر
محمد بن موسى بن جعفر عن جده أبي عبد الله جعفر بن محمد عن المفيد
ومن ذلك يعلم أن المترجم هو والد موسى المذكور وعليه فيمكن ان يكون
الراوي عنه ابن إدريس هو جعفر بن محمد بن موسى الذي له ولد يسمى
عبد الله ويمكن ان يكون يكنى به وليس هو أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد
الراوي عن المفيد وعن أبيه محمد عن الصدوق الا ان يكون هناك
قرائن تعين انه الثاني وقد عرفت ما حكي عن المجلسي الأول من أن الراوي عن المفيد هو الراوي عنه ابن إدريس وانه كان معمرا.
مؤلفاته
ذكر له في أمل الآمل (1) كتاب الكفاية في العبادات (2) كتاب يوم
وليلة (3) كتاب الاعتقادات (4) كتاب الرد على الزيدية وذكر له هذه
الكتب منتجب الدين والجباعي عدا الأخير واقتصر عليه ابن شهرآشوب في
معالم العلماء (5) كتاب الحسني ينقل عنه ابن طاوس في الاقبال ولعله أحد
المذكورات قال في الاقبال ومما نذكره من فضل احياء ليلة القدر ما ذكره
الشيخ الفاضل جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد الدوريستي
رحمه الله في كتاب الحسني قال حدثني أبي عن محمد بن علي (يعني الصدوق)
الخ.
جعفر بن محمد بن إسحاق بن رباط أبو القاسم البجلي.
قال النجاشي شيخ ثقة كوفي من أصحابنا له كتاب الرد على الواقفة
كتاب الرد على الفطحية كتاب نوادر أخبرنا ابن نوح عن أبي عبد الله
الصفواني عن جعفر بن محمد بن إسحاق بكتبه اه.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد بن إسحاق الثقة برواية أبي عبد الله الصفواني عنه اه.
السيد أبو عبد الله جعفر بن أبي النصر محمد بن أبي علي إسماعيل بن
أحمد بن أبي جعفر المجدي.
كان سيدا جليلا نقيبا بطوس.

152
جعفر بن محمد بن إسماعيل بن الخطاب
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي (ع) وعن جامع الرواة انه
نقل رواية علي بن سليمان عنه في باب لحوق الأولاد بالآباء من التهذيب.
جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي
كان واليا للرشيد على خراسان وكان من المقربين عنده قال ابن الأثير
في الكامل في حوادث سنة 171 فيها قدم أبو العباس الفضل بن سليمان
الطوسي من خراسان واستعمل الرشيد عليها جعفر بن محمد بن الأشعث
فلما قدم خراسان سير ابنه العباس إلى كابل فقاتل أهلها حتى افتتحها ثم
افتتح سانهار وغنم ما كان بها و قال الطبري في تاريخه في سنة 171 كان
قدوم أبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي مدينة السلام منصرفا من
خراسان وكان خاتم الخلافة حين قدم مع جعفر بن محمد بن الأشعث فلما
قدم أبو العباس الطوسي اخذه الرشيد منه فدفعه إلى أبي العباس ثم قال:
ذكر ولاة الأمصار في أيام هارون الرشيد ولاة خرسان أبو العباس الطوسي
جعفر بن محمد بن الأشعث، العباس بن جعفر ومثله قال ابن الأثير وقال
ابن الأثير في حوادث سنة 173 فيها استقدم الرشيد جعفر بن محمد بن
الأشعث من خراسان واستعمل عليها ابنه العباس بن جعفر اه وفي عيون
الأخبار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني حدثنا محمد بن يحيى
الصولي حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن سليمان
النوفلي - إلى أن قال - قال علي بن محمد النوفلي فحدثني أبي انه كان سبب
سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة
- الملقب بالأمين - في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فساء ذلك يحيى وقال
إذا مات الرشيد وأفضت الخلافة إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدي
وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده - (ولكنه لم يعلم أن
الحذر لا يدفع القدر وان من حفر لأخيه بئرا أوقعه الله فيها فقد زالت دولته
ودولة ولده قبل ان تفضي الخلافة إلى محمد).
وكان جعفر المذكور وأبوه وأهل بيته يقولون بالإمامة وكان سبب
تشيعهم امر ذكرناه في ترجمة أبيه محمد بن الأشعث الخزاعي فنقلنا هناك عن
صفوان بن يحيى أنه قال: قال لي جعفر بن محمد بن الأشعث أتدري ما
كان سبب دخولنا في هذا الأمر؟ وذكر سبب تشيع أبيه محمد بن الأشعث
الذي كان أول من تشيع منهم، فاحتال يحيى على جعفر (قال صاحب
الحديث) وكان قد عرف مذهبه في التشيع فأظهر له يحيى انه على مذهبه
فسر به جعفر وانس به وأفضى اليه بجميع أموره وذكر له ما هو عليه في
موسى بن جعفر، فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد وكان يكثر
غشيانه في منزله فيقف على امره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه فكان الرشيد
يرعى لجعفر موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في امره
ويؤخر ويحيى لا يالو ان يحطب عليه إلى أن دخل جعفر يوما إلى الرشيد
فأظهر له اكراما وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه فأمر له
الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فامسك يحيى عن أن يقول فيه
شيئا حتى امسى، ثم قال للرشيد قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه
فتكذب عنه وهاهنا امر فيه الفيصل، قال وما هو؟ قال إنه لا يصل اليه
مال من جهة من الجهات الا اخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر
ولست أشك انه قد فعل ذلك في العشرين الف الدينار التي أمرت له بها
فأرسل الرشيد إلى جعفر ليلا - وكان قد عرف سعاية يحيى به فتباينا واظهر
كل واحد منهما لصاحبه العداوة - فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل
خشي ان يكون قد سمع فيه قول يحيى وانه انما دعاه ليقتله فاغتسل وتحنط
بمسك وكافور ولبس بردة فوق ثيابه واقبل إلى الرشيد، فلما شم رائحة
الكافور ورأى البردة عليه قال ما هذا؟ فقال يا أمير المؤمنين قد علمت أنه
سعي بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن ان يكون قد قدح
في قلبك ما يقال علي فأرسلت إلي لتقتلني، قال كلا ولكن قد خبرت انك
تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصل إليك بخمسه وانك قد فعلت
ذلك في العشرين الألف الدينار فأحببت ان اعلم ذلك، فقال جعفر: الله
أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها فقال
الرشيد لخادم له خذ خاتم جعفر وانطلق به لتأتيني بها فأعطاه جعفر خاتمه
وسمى له جاريته التي عندها المال فدفعت اليه البدر بخواتيمها فأتى بها إلى
الرشيد، فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك،
قال صدقت، انصرف آمنا فاني لا اقبل فيك قول أحد.
وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر فقال يوما لبعض ثقاته وهو
يحيى بن أبي مريم أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال له
رغبة في الدنيا فأوسع له منها فيعرفني ما احتاج اليه من أحوال موسى بن
جعفر وأراد بذلك ان يتعرف منه أحوال الكاظم (ع) ليتوصل بذلك إلى
معرفة اتصال جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي به فيجعل ذلك وسيلة
إلى الوشاية به عند الرشيد فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد
فأرسل اليه يحيى فقال أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل اليه
فقال له عندي الخبر وسعى بعمه - ومر في سيرة الكاظم (ع) ان يحيى بن
خالد حمل إلى علي بن إسماعيل مالا وارسل اليه يرغبه في قصد الرشيد
فأجاب فبلغ ذلك الكاظم (ع) فسأله عن سبب خروجه، فقال: علي
دين، فقال: انا أقضي دينك وأكفيك أمر عيالك فلم يقبل، فقال له اتق
الله ولا تؤتم أولادي وامر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ثم قال:
والله ليسعين في دمي وليؤتمن أولادي، فقيل له تعلم هذا من حاله وتصله
قال نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الرحم إذا قطعت
فوصلت فقطعت قطعها الله فخرج حتى اتى يحيى فتعرف منه خبر موسى بن
جعفر فرفعه إلى الرشيد ثم أوصله إلى الرشيد فسعى بعمه اليه وقال إن
الأموال تحمل اليه من المشرق والمغرب وانه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار
فسماها اليسيرة واحضر المال فقال له البائع لا آخذ الا نقد كذا فرد المال
وأعطاه من النقد الذي طلب. فأمر له الرشيد بمائتي ألف درهم (ولكن
وصله المال وهو في النزع الأخير فرد إلى خزانة الرشيد). وقبره ببغداد في
الجانب الشرقي معروف إلى اليوم ولا تزوره الشيعة ويزوره غيرهم (وفي
رواية) ان الذي وشى بالامام (ع) هو محمد بن إسماعيل بن جعفر وفي
أخرى انه اخوه محمد بن جعفر ويمكن ان يكونوا كلهم سعوا به.
ولا نعلم ما ذا جرى لجعفر بن محمد بن الأشعث بعد ذلك ولا نعلم
من حاله غير ما مر. وذكر في الرجال محمد بن محمد بن الأشعث بن محمد
الكوفي راوي كتاب الأشعثيات أو الجعفريات لإسماعيل بن موسى بن
جعفر عن ولده موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ولكن الطبقة لا
توافق ان يكون هو أخا جعفر هذا لأن التلعكبري قال إن والدي اخذ لي
إجازة من محمد بن محمد بن الأشعث سنة 313 والرشيد مات سنة 193
وذكر ابن النديم في الفهرست عند ذكر أسماء البلغاء: جعفر بن محمد بن
الأشعث.

153
جعفر بن محمد بن الأشعث الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع). ويحتمل كونه
السابق عليه ويبعده ان ذاك من أصحاب الصادق وهذا من أصحاب
الكاظم عليهم السلام والله أعلم.
جعفر بن محمد الأشعري
في منهج المقال هو جعفر بن محمد بن عبد الله الآتي الذي يروي عن
ابن القداح كثيرا أو جعفر بن محمد بن عيسى الأشعري أخو أحمد بن
محمد اه وفي الوسيط اقتصر على الأول وفي التعليقة الراجح هو الأول
وروى عنه محمد بن حمد بن يحيى ولم تستثن روايته من رجاله وفيه دليل على
ارتضائه وحسن حاله بل مشعر بوثاقته مضافا إلى كونه كثير الرواية وقد
أكثروا من الرواية عنه اه وفي لسان الميزان جعفر بن محمد الأشعري القمي
ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه.
جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام
ولد بسر من رأى سنة 224 وتوفي في ذي القعدة سنة 308
قال النجاشي: كان وجها في الطالبيين متقدما روى الحديث وكان
ثقة في أصحابنا سمع وأكثر وعمر وعلا اسناده له كتاب التاريخ العلوي
وكتاب الصخرة والبئر مات في ذي القعدة سنة 308 وله نيف وتسعون سنة
ذكر عنه أنه قال: ولدت بسر من رأى سنة 224 اه وفي الخلاصة نحوه
على عادته في نقل كلام النجاشي الا انه مات في ذي القعدة سنة 380 وله
96 سنة اه والظاهر أنه ابدل ثمانية بثمانين لتقارب رسم الكلمتين ولكن
على قول النجاشي في تاريخ مولده ووفاته يكون عمره 84 سنة لا نيف
وتسعون كما نبه عليه في الدرجات الرفيعة وعلى قوله العلامة ان صح تاريخ
الولادة يكون عمره 156 سنة وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد بن
جعفر بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي قال ابن النجاشي في شيوخ
الشيعة كان وجها في الطالبيين مقدما ثقة وكان مولده سنة 224 ومات سنة
358 وكان سمع من عيسى بن مهران وعلي بن عديل وغيرهما روى عنه ابنه
الحسن وابنه الآخر أبو قيراط يحيى والجعابي ومحمد بن أحمد ابن أبي الثلج
ومحمد بن العباس بن علي بن مروان واخرون اه فاسقط الحسن بعد جعفر
الثاني وجعل تاريخ الوفاة 358 مع أنه 308 ولو فرض سقوط 50 من
النسخ فلا يتم قوله وله نيف وتسعون سنة لأنه يكون عمره 134 سنة. وفي
تاريخ بغداد جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن
الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله حدث عن عمرو بن علي الفلاس
ومحمد بن علي بن خلف العطار، وأحمد بن عبد المنعم، ومحمد بن مهدي
الميموني، ومحمد بن علي بن حمزة العلوي وأيوب بن محمد الرقي،
وإدريس بن زياد الكفرتوثي. روى عنه أبو بكر الشافعي، وأبو طالب
محمد بن أحمد بن إسحاق البهلول، وبو بكر بن الجعابي وعمر بن بشران
السكري وأبو المفضل الشيبابي وغيرهم أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب
الفقيه قال قرأنا على أبي حفص بن بشران حدثكم أبو عبد الله جعفر بن
محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي
طالب حدثنا محمد بن مهدي الميموني حدثنا عبد العزيز بن الخطاب حدثني
شعبة بن الحجاج أبو بسطام قال سمعت سيد الهاشميين زيد بن علي بن
الحسين بالمدينة في الروضة قال حدثني أخي محمد بن علي انه سمع جابر بن
عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (سدوا الأبواب كلها، الا باب
علي) وأومأ بيده إلى باب علي. تفرد به أبو عبد الله العلوي الحسني بهذا
الاسناد. أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد أخبرنا علي بن عمر بن
محمد السكري قال وجدت في كتاب أخي: مات أبو عبد الله العلوي
الحسني في سنة ثمان وثلاثمائة يوم الأربعاء أول يوم من ذي القعدة ودفنوه
يوم الخميس اه.
السيد جعفر بن محمد بن جعفر ابن السيد راضي ابن السيد حسن الحسيني
الأعرجي والسيد راضي هو أخو السيد محسن الأعرجي الكاظمي
توفي ببشت كوه سنة 1332
عالم فاضل نسابة مؤلف له الدر المنتظم في انساب العرب والعجم
وله رياض الأقحوان ألفه سنة 1308 وله الدرة الغالية في اخبار القرون
الخالية ويسمى عبر أهل السلوك في تواريخ الأمراء والملوك كتاب كبير
عناوينه فائدة فائدة وفيه تعيين المدفونين في القبتين بصحن الكاظمين وان
أحدهما قبر إسماعيل بن علي النوبختي المكنى بأبي سهل المتكلم الجليل ولديه
عون ومعين من ولد أمير المؤمنين (ع) المقتولين بالنهروان كما ذكره السيد
مهدي القزويني وفيه اثبات نقل الرضي والمرتضى بعد الدفن في دارهما
ببغداد إلى الحائر وان المنسوب اليهما في الكاظمية ليس قبرهما بل المرتضى من
أولاد الإمام الكاظم والرضي هو الحسن بن الحسين الذي توفي سنة 216
والله العالم وله البحر الزخار في انساب آل قاجار ومناهل الضرب وانساب
آل أبي طالب والأساس في انساب الناس والأنساب المشجرة.
جعفر بن محمد بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي
في لسان الميزان عن يزيد بن هارون وأبي نعيم وغيرهم روى عنه
شريح بن عبد الكريم وغيره قال الجوزقاني في كتاب الأباطيل مجروح اه.
جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه يكنى أبا القاسم
توفي سنة 368 كما في رجال الشيخ أو 369 كما في الخلاصة وقال ابن
داود الأظهر الأول اه والظاهر أن ما في الخلاصة مأخوذ من القصة التي
رواها الراوندي في الخرايج وفيها إن المترجم اعتل سنة 367 ومات ولكنه
حصل ابدال سبع بتسع لتقارب الكلمتين في الرسم ومن هنا صحح بعض
ان وفاته سنة 367 والله أعلم ودفن ببغداد في مقابر قريش وقبره في مشهد
الكاظمين عليهما السلام مشهور مزور بجنب قبر تلميذه المفيد ونقل ذلك
المجلسي في البحار عن خط الشهيد، وفي رياض العلماء: قبره الآن في قم
معروف وقيل إنه دفن ببغداد في مقابر قريش اه وفي الروضات: والظاهر أن
ذلك اشتباه منه بقبر أبيه أو أهل بيته المدفونين بها اه.
(وقولويه) في الايضاح بضم القاف واسكان الواو الأولى وضم اللام
والواو بعدها كان أبوه يلقب مسلمة بفتح الميم واسكان السين اه.
قال النجاشي: كان أبوه يلقب مسلمة من خيار أصحاب سعد وكان
أبو القاسم من ثقات أصحابنا واجلائهم في الحديث والفقه روى عن أبيه
وأخيه عن سعد وقال ما سمعت من سعد الا أربعة أحاديث وعليه قرأ
شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل وكل ما يوصف به الناس من جميل وفقه
فهو فوقه له كتب حسان (1) كتاب مداواة الجسد (2) الصلاة (3) الجمعة

154
والجماعة (4) قيام الليل (5) الرضاع (6) الصداق (7) الأضاحي
(8) الصرف (9) الوطء بملك اليمين (10) بيان حل الحيوان من محرمه
(11) قسمة الزكاة (12) العدد (13) العدد في شهر رمضان (14) الرد على
ابن داود في عدد شهر رمضان (15) الزيارات (وهو المشهور بكامل الزيارة)
(16) الحج (17) كتاب يوم وليلة (18) القضاء وآداب الحكام
(19) الشهادات (20) العقيقة (21) تاريخ الشهور والحوادث فيها
(22) النوادر (23) كتاب النساء ولم يتمه قرأت أكثر هذه الكتب على
شيخنا أبي عبد الله وعلى الحسين بن عبيد الله اه وذكره العلامة في
الخلاصة بنحو ما ذكره النجاشي الا أنه قال من جميل وثقة وفقه وقال توفي
سنة 369 وقال الشيخ في الفهرست جعفر بن محمد بن قولويه القمي يكنى
أبا القاسم ثقة له تصانيف كثيرة على عدد كتب الفقه منها كتاب مداواة
الجسد لحياة الأبد الجمعة والجماعة (24) الفطرة، الصرف، الوطء بملك
اليمين، الرضاع الأضاحي، جامع الزيارات وما روي في ذلك من الفضل
عن الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين (أقول) وهو المعروف بكامل الزيارة
وهو اسمه الذي سماه به مؤلفه والذي سماه النجاشي فيما مر كتاب
الزيارات وهو كتاب مشهور معروف بين الأصحاب نقل عنه جل من الف
في هذا الباب منهم مشتمل على 106 أبواب وفي مستدركات الوسائل ان
الخبر الطويل المعروف بخبر زائدة الذي نقله المجلسي في البحار عن كامل
الزيارة ليس من أصل الكتاب وانما أدرجه فيه بعض تلامذته وغفل
المجلسي عن ذلك اه ثم ذكر ما يوضح ذلك قال في الفهرست وغير ذلك
وهي كثيرة وله (25) فهرست ما رواه من الكتب والأصول أخبرنا برواياته
وفهرست كتبه جماعة من أصحابنا منهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون وغيرهم عن جعفر بن
محمد بن قولويه وقال الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام
جعفر بن محمد بن قولويه يكنى أبا القاسم القمي صاحب مصنفات قد
ذكرنا بعض كتبه في الفهرست روى عنه التلعكبري وأخبرنا عنه محمد بن
محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون وابن عزور مات
سنة 368 اه وفي التعليقة يأتي في أخيه علي ان والد موسى هذا مسرور وان
أباه يلقب مملة اه وفي رجال أبي علي لعل مملة محرف مسلمة. وفي رياض
العلماء الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه
القمي المعروف بابن قولويه هو صاحب كتاب كامل الزيارة المشهور بالمزار
وغيره كان أستاذ المفيد وتلميذ الكليني اه وفي الخرايج والجرايح للقطب
الراوندي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال لما وصلت بغداد
سنة 337 وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت ثم
ذكر خبرا يتضمن دلالة على جلالة قدر المترجم، وفي مستدركات
الوسائل: روى المشايخ العظام مشايخ الإجازات بأسانيدهم عن أبي
القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال حدثني جماعة مشايخي منهم أبي
ومحمد بن الحسن وعلي بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف
عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن عبد الله بن زكريا المؤمن عن ابن
مسكان عن زيد مولى ابن أبي هبيرة قال قال أبو جعفر عليه السلام قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذوا بحجزة هذا الأنزع فإنه الصديق الأكبر والهادي لمن
اتبعه من سبقه مرق عن الدين ومن خذله محقه الله ومن اعتصم به اعتصم
بحبل الله ومن اخذ بولايته هداه الله (الحديث) وفي لسان الميزان: جعفر بن
محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم القمي (1) الشيعي من كبار
الشيعة وعلمائهم المشهورين منهم وذكره الطوسي وابن النجاشي وعلي بن
الحكم في شيوخ الشيعة وتلمذ له المفيد وبالغ في اطرائه وحدث عنه أيضا
الحسين بن عبيد الله الغضايري ومحمد بن سليم الصابوني سمع منه بمصر
مات سنة 368 اه.
مشايخه
في مستدركات الوسائل: اعلم أن المهم في ترجمة هذا الشيخ المعظم
استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف - كامل الزيارة - فان فيه فائدة
عظيمة لم تكن فيما قدمناه من مشايخ الأجلة فإنه رحمه الله قال في أول
الكتاب وانا مبين لك أطال الله بقاءك ما أثاب الله به الزائر لنبيه وأهل بيته
صلوات الله عليهم أجمعين بالآثار الواردة عنهم إلى أن قال وسألت الله تبارك
وتعالى العون عليه حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة صلوات الله عليهم ولم
اخرج منه حديثا روي عن غيرهم إذ كان فيما رويناه عنهم من حديثهم
صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم وقد علمنا انا نحيط
بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا غيره ولكن ما وقع لنا من جهة
الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا مما روي عن
الشذاذ من الرجال يأثر ذلك عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين
بالحديث والعلم اه فتراه رحمه الله نص على توثيق كل من روى عنه فيه بل
كونه من المشهورين بالحديث والعلم ولا فرق في التوثيق بين النص على أحد
بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاص وكفى بمثل هذا الشيخ
مزكيا ومعدلا فنقول والله المستعان الذين روى عنهم فيه جماعة (1) والده
محمد بن قولويه الذي هو من خيار أصحاب سعد بن عبد الله وأكثر الكشي
النقل عنه في رجاله (2) أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن الحسين الزعفراني
العسكري المصري نزيل بغداد وأجاز التلعكبري في سنة 325 (3) أبو
الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان الجعفي الكوفي المعروف
بالصابوني وبأبي الفضل الصابوني صاحب كتاب الفاخر في الفقه النقول
فتاويه في كتب الأصحاب (4) ثقة الاسلام الكليني رحمه الله (5) محمد بن
الحسن بن الوليد شيخ القميين وفقيههم (6) محمد بن الحسن بن علي بن
مهزيار (7) أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن الحسن القرشي اليزاز
المتولد سنة 233 المتوفي سنة 314 كما في رسالة أبي غالب الزراري وفيها انه
خال والد أبي غالب وانه أحد رواة الحديث ومشايخ الشيعة قال وكان من
محله في الشيعة انه كان الوافد عنهم إلى المدينة عند وقوع الغيبة سنة ستين
ومائتين واقام بها سنة وعاد وقد ظهر له من امر الصاحب (ع) ما أصاخ
اليه (8) الشيخ الجليل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي صاحب
المسائل التي أرسلها إلى الحجة عليه السلام فأجاب عنه والتوقيعات بين
السطور رواها مسندا شيخ الطائفة في كتاب الغيبة (9) الحسن بن عبد الله بن
محمد بن عيسى ويروي عنه عن أبيه عن الحسن بن محبوب وفي بعض
النسخ الحسين (10) أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
العالم الجليل المعروف (11) اخوه علي بن محمد بن قولويه (12) أبو القسم
جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن موسى بن جعفر الموسوي العلوي
والظاهر أنه المصري الذي أجاز التلعكبري وسمع منه بمصر سنة 340
(13) أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة الرقي بن هاشم بن
غالب بن محمد بن علي الرقي الأنصاري الذي يروي عن أبيه عن
الرضا (ع) وسمع منه التلعكبري سنة 340 (14) محمد بن عبد المؤمن



(1) في النسخة المطبوعة السهمي بدل القمي وهو تصحيف.
155
المؤدب القمي الثقة صاحب كتاب النوادر الذي فيه سبعمائة حديث
(15) أبو الحسن علي بن حاتم بن أبي حاتم القزويني صاحب الكتب
الكثيرة الجيدة المعتمدة الذي روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة 326
(16) علي بن محمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار الصيرفي الكسائي
الكوفي العجلي المتوفي سنة 332 الذي روى عنه التلعكبري وله منه إجازة
وسمع منه سنة 325 (17) مؤدبه أبو الحسن علي بن الحسين السعد آبادي
القمي الذي يروي عنه الكليني والزراري وعلي بن بابويه ومحمد بن موسى
المتوكل (18) أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب البغدادي شيخ
الطائفة ووجهها المولود بدعاء العسكري (ع) المتوفي سنة 332 وقد أكثر
الرواية عند التلعكبري وسمع منه سنة 323 وهو مؤلف كتاب التمحيص
(19) أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعد التلعكبري
الشيباني العظيم القدر والشأن والمنزلة الواسع الرواية العديم النظير الذي
روى جميع الأصول والمصنفات ولم يطعن عليه في شئ المتوفي سنة 385
(20) القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم الهمذاني وكيل الناحية المقدسة
بهمذان بعد أبيه محمد الذي كان وكيلا بعد أبيه علي وكلاء مشهورون
مشكورون وكفاهم بها فخرا ومدحا (21) الحسن بن زبرقان الطبري
(22) أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي بكر الأشعري
القمي الثقة الذي أكثر الكليني من الرواية عنه في الكافي ويروي عنه
محمد بن الحسن بن الوليد وعلي بن بابويه وابن بطة وهو الراوي غالبا عن
عمه عبد الله بن عامر (23) أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعري
القمي الفقيه الجليل وهو من اجلاء مشايخ الكليني ويروي عنه ابنه الحسين
وابن الوليد وابن أبي جيد ومحمد بن الحسين بن سفيان البزوفري وأبو
الحسين وأحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري وعلي بن محمد بن قولويه
والصفار وأبو محمد الحسن بن حمزة العلوي توفي سنة 306
(24) أبو عيسى عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري وفي بعض
النسخ عبد الله وفي من لم يرو عنهم عليهم السلام من رجال الشيخ
عبيد الله الخ يكنى أبا عيسى المصري خاصي روى عنه التلعكبري قال
سمعت منه بمصر سنة 341 (25) حكيم بن داود بن حكيم يروي عن
سلمة بن خطاب (26) محمد بن الحسين وفي بعض المواضع الحسن بن مت
الجوهري (27) محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب (28) أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار (29) أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن يعقوب ويحتمل اتحاده مع سابقه بل اتحاد الثلاثة ويحتمل كونه ابن
يعقوب بن شيبة المذكور في ترجمة جده الراوي عنه فلاحظ (30) أبو عبد الله
الحسين بن علي الزعفراني حدثه بالدير (31) أبو الحسين أحمد بن عبد الله بن
علي الناقد (32) أبو الحسن محمد بن عبد الله بن علي اه (33) ابن عقدة
ففي معالم ابن شهرآشوب انه يروي عن الكليني وابن عقدة اه.
تلاميذه
يروي عنه الشيخ المفيد وهو من تلاميذه في القراءة والحسين بن
عبيد الله الغضائري والتلعكبري وأحمد بن عبدون وابن عزور.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن قولويه الثقة (المكنى بابي القاسم)
برواية التلعكبري عنه والفارق بينه وبين جعفر بن محمد بن إبراهيم الذي
يروي عنه أيضا التلعكبري القرينة ان وجدت برواية محمد بن محمد بن
النعمان عنه والحسين بن عبيد الله عنه وأحمد بن عبدون عنه وابن عزور
عنه اه.
الشيخ نجم الدين جعفر ابن الشيخ نجيب الدين أبي إبراهيم محمد بن
جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي الربعي المشهور
بابن نما
في الطليعة توفي سنة 680 تقريبا.
وبنو نما مر ذكرهم في ج 9 في أحمد بن محمد بن جعفر أخي المترجم
وقلنا هناك ان الظاهر أن هبة الله لقب والد جعفر واسمه محمد. لكننا لم
نجد ما يؤيد ذلك.
وفي أمل الآمل: الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن
هبة الله بن نما الحلي عالم جليل يروي عنه الشيخ كمال الدين علي بن
الحسين بن حماد ويأتي جعفر بن نما اه ثم قال: جعفر بن نما كان فاضلا
جليلا اه ويحتمل ان يريد بالثاني جد المترجم جعفر بن هبة الله الآتي والله أعلم
هكذا في نسخة مخطوطة من أمل الآمل منقولة عن خط المؤلف فما في
النسخة المطبوعة منه وتبعها في روضات الجنات ان المترجم يروي عن ابن
حماد غلط والصواب ان ابن حماد يروي عنه في اللؤلؤة الشيخ جعفر بن
نجيب الدين بن نما فاضل له مقتل الحسين (ع) جيد الوضع ذكره صاحب
أمل الآمل فقال جعفر بن محمد بن هبة الله إلى آخر ما مر وفي كتاب
الإجازات من البحار: وجدت على ظهر الاستبصار بخط ابن نما يقول
جعفر بن محمد بن هبة الله بن نما اروي هذا الكتاب عن أبي عن جدي
هبة الله الخ فلم يذكر جعفر بين محمد وبين هبة الله ويمكن ان يكون اكتفى
بالنسبة إلى هبة الله. وفي روضات الجنات هو من مشايخ العلامة كما في
إجازة ولده الشيخ فخر الدين محمد للشيخ شمس الدين محمد بن صدقة
يروي عن أبيه عن جده عن جد جده عن الياس بن هشام الحائري عن ابن
الشيخ الطوسي وكذا عن والده عن ابن إدريس عن الحسين بن رطبة عنه
وله كتاب مثير الأحزان وكتاب اخذ الثأر في أحوال المختار وان احتمل انهما
لحفيده الشيخ نجم الدين جعفر ابن الشيخ الامام الأعلم شيخ الطائفة
وملاذها شمس الدين محمد بن جعفر بن نما المعروف بابن الإبريسمي كما
ذكره الشهيد الثاني في اجازته المعروفة بهذه الأوصاف وكان حفيده المذكور
من المتأخرين عن الشهيد وله منهج الشيعة في فضائل وصي خاتم الشريعة
ثم ذكر طبقات آل نما وطبقات من روى عنهم مما لا حاجة لنا إلى ذكره وفي
هذا الكلام خبط ظاهر فان مثير الأحزان واخذ الثار هما للمترجم كما صرح
به في مستدركات الوسائل وغيره لا لحفيده بل وجود حفيد له بهذا الاسم
غير معلوم ومن تخيله حفيدا للمترجم هو المترجم بنفسه والأوصاف المذكورة
لأبيه لا تنطبق الا على أبي المترجم واسم أبيه وجده مطابق لاسم أبي المترجم
وجده نعم المترجم هو حفيد جعفر بن هبة الله أبي البقاء بن نما فكأن
الاشتباه حصل من هنا بان يكون رأى أن المثير واخذ الثار ليسا لجعفر بن
هبة الله بل لحفيده جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله فتوهم ان الحفيد هو
حفيد المترجم. والمترجم له نجد من ذكره في مشايخ العلامة.
شعره
عن مجموعة الشيخ محمد الجباعي جد البهائي التي هي في الحقيقة

156
مجموعة الشهيد الأول نقلا عن خط الشهيد محمد بن مكي قال كتب ابن نما
الحلي - المترجم - إلى بعض الحاسدين له:
انا ابن نما اما نطقت فمنطقي * فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما
وان قبضت كف امرئ عن فضيلة * بسطت لها كفا طويلا ومعصما
بنى والدي نهجا إلى ذلك العلى * وأفعاله كانت إلى المجد سلما
كبنيان جدي جعفر خير ما جد * فقد كان بالاحسان والفضل مغرما
وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقا * فما زال في نقل العلوم مقدما
يود أناس هدم ما شيد العلى * وهيهات للمعروف ان يتهدما
يروم حسودي نيل شأوي سفاهة * وهل يقدر الانسان يرقى إلى السما
منالي بعيد ويح نفسك فاتئد * فمن أين في الأجداد مثل التقي نما
ومن شعره قوله:
ان كنت في آل الرسول مشككا * فاقرأ هداك الله في القرآن
فهو الدليل على علو محلهم * وعظيم فضلهم وعظم الشان
وهم الودائع للرسول محمد * بوصية نزلت من الرحمن
وقوله:
وقفت على دار النبي محمد * فألفيتها قد أقفرت عرصاتها
وأمست خلاء من تلاوة قارئ * وعطل فيها صومها وصلاتها
فاقوت من السادات من آل هاشم * ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها
فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتي * على فقدهم ما تنقضي زفراتها
وقوله:
أضحت منازل آل السبط مقوية * من الأنيس فما فيهن سكان
باؤا بمقتله ظلما فقد هدمت * لفقده من ذرى الاسلام أركان
رزية عمت الدنيا وساكنها * فالدمع من أعين الباكين هتان
لم يبق من مرسل فيها ولا ملك * الا عرته رزيات وأشجان
واسخطوا المصطفى الهادي بمقتله * فقلبه من رسيس الوجد ملآن
وقوله:
يصلي الإله على المرسل * وينعت في المحكم المنزل
ويغزى الحسين وأبناؤه * وهم منه بالمنزل الأفضل
ألم يك هذا إذا ما نظر * ت اليه من المعجب المعضل
وقوله في أصحاب الحسين (ع):
إذا اعتقلوا سمر الرماح ويمموا * أسود الشري فرت من الخوف والذعر
كماة رحى الحرب العوان فإن سطوا * فأقرانهم يوم الكريهة في خسر
وان أثبتوا في مأزق الحرب أرجلا * فوعدهم منه إلى ملتقى الحشر
قلوبهم فوق الدروع وهمهم * ذهاب النفوس السائلات على البتر
وله غير ذلك ضمنه كتابه مثير الأحزان وغيره وترجمه غير واحد وله
حفيد اسمه جعفر بن محمد بن جعفر هذا يعاصر الشهيد وذوو رحم ينتمون
لآل نما.
جعفر بن محمد بن جندب يكنى أبا محمد من أهل قزوين
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام.
الشيخ أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد بن حسن بن علي
ابن ناصر بن عبد الامام العبدي من عبد القيس بن شن بن أفصى بن
دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الخطي
البحراني الشهير بالشيخ جعفر الخطي.
توفي سنة 1028 بفارس.
والخطي نسبة إلى الخط بفتح الخاء المعجمة وتكسر وبالطاء المهملة
المشددة قرية من قرى البحرين وفي القاموس مرفأ السفن بالبحرين واليه
تنسب الرماح الخطية لأنها تباع به لا أنه منبتها اه شاعر مطبوع جزل
الألفاظ حسن السبك من شعراء المئة الحادية عشرة في أوائلها مدح أمراء
البحرين وساداتها ووفد على الشيخ بهاء الدين العاملي بأصفهان حين زار
الرضا (ع) ومدحه بقصيدة فريدة ونال عنده حظوة ونوه البهائي باسمه وله
ديوان شعر كبير حاو لجميع فنون الشعر جمعه في حياته راويته ومنشده
الحسن بن محمد الغنوي الهذلي بأمر السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن
حسين العلوي الموسوي وصدره بخطبة طويلة مسجعة مجنسة على عادة أهل
ذلك العصر، عثرنا منه على نسخة مخطوطة قديمة في جبل عامل قد ذهب
منها أول الخطبة ويسير من آخر الديوان لكنها مغلوطة. وذكره السيد علي
خان في السلافة واثنى عليه بالاسجاع المعروفة في ذلك العصر فمما قاله:
ناهج طرق البلاغة والفصاحة الزاخر الباحث الرحيب المساحة الحكيم
الشعر الساحر البيان فأتى بكل مبتدع مطرب ومخترع في حسنه مغرب ومع
قرب عهده فقد بلغ ديوان شعره من الشهرة المدى وقد وقفت على فرائده
التي جمعت فرأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وكان قد دخل الديار
العجمية فقطن منها بفارس حتى اختطفته أيدي المنون وكانت وفاته سنة
1028 ولما دخل أصبهان اجتمع بالشيخ بهاء الدين محمد العاملي وعرض
عليه أدبه فاقترح عليه معارضة قصيدته الرائية المشهورة فعارضها بقصيدة
طنانة - وذكرها - اه وذكره صاحب سلك الدرر فلم يزد على ما نقله عن
صاحب السلافة شيئا وفي أمل الآمل الشيخ أبو البحر جعفر بن محمد بن
حسن بن علي بن ناصر بن عبد الامام الخطي البحراني عالم فاضل أديب
شاعر صالح جليل معاصر روى عن شيخنا البهائي له ديوان شعر حسن
ذكره السيد علي خان في سلافة العصر وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب
وأورد له شعرا كثيرا اه وفي الطليعة كان فاضلا مشاركا في العلوم أديبا
شاعرا جزل اللفظ والمعنى فخم الأسلوب قوي العارضة اه‍.
شعره
ها نحن نختار من شعره القسم الأوفر ناقلين له من ديوانه الذي
عندنا مرتبا على الأبواب:
حسنت غيه له وفساده * واستباحت صلاحه ورشاده
وأتاحت له الشقاوة خود * سميت - وهي كاسمها - بسعاده
ذات وجه اهدى سناه إلى البدر * وفرع اعدى الظلام سواده
فهو ليل أطل فوق نهار * وعلا فرع بانة مياده
وثنايا كأنها في انتظام * ما على صفح جيدها من قلادة
أترى قتله يحل بلا ذنب * وينسى اقراره بالشهادة
ويعاني ما قد علمت من الوجد * ويقضي ولا ينال مراده
وقال سنة 1005:
قل لمن فاقت البدور كمالا * واستطالت على الغصون اعتدالا
وأعارت مها الفلا النظر * الفاتر والجيد أتحفته الغزالا

157
وأفادت سلافة الخمر لونا * عندميا ومرشفا سلسالا
وقضى حسنها الذي فتن الناس * بان لا يروا لها أمثالا
انني بالذي ينادي بيا * رب ابتهالا سبحانه وتعالى
لمشوق إليك شوقا يذيب * الحجر الصلد أو يهد الجبالا
اقطع الليل ساهرا لا أرى * الغمض ولا بالنهار أنعم بالا
لا تسيئي يا أحسن الناس وجها * لفتى أسوأ البرية حالا
يا خليلي لا تلوما على الحب * امرأ لا يطاوع العذالا
أبلغا ربة الملاحة اني * في هواها لا اسمع الأقوالا
كيف أمسى وصلي الحلال حراما * عندها والدم الحرام حلالا
وله في الدو بيت وهو من أوزان العجم سنة 1001:
يا من جرحت حشاشة المشتاق * ظلما بشبا صوارم الأحداق
لم يبق هواك في الا رمقا * ردي الماضي أو اذهبي بالباقي
يا من بهواه سيط لحمي ودمي * لا نالك ما تراه بي من ألم
ان لم تهب الحياة في وصلك لي * فامنن كرما وردني للعدم
يا محرق مهجتي بنار الصد * هل عن خطأ قتلك لي أم عمد
ان كنت أمنت من دمي طالبه * فالله مطالب بثار العبد
وقال معارضا بيتي الحماسي:
ولما رأيت الكاشحين تتبعوا * هوانا وأبدوا دوننا نظرا شزرا
جعلت وما بي من صدود ولا قلى * أزوركم يوما وأهجركم شهرا
بقوله وذلك سنة 999 وهو في القطيف قبل هجرته إلى البحرين:
لما رأيت وشاة الحي ترصدنا * باعين لا عداها غائل الرمد
جعلت لا عن قلى مني أزوركم * آنا وأهجركم بضعا من الأبد
وقال في تلك السنة:
كتمت سر هواه ما استطعت فما * أفاد كتمانه والدمع يهتكه
ثم انثنى معرضا والقلب في يده * هلا جفاني وقلبي كنت أملكه
وقال في تلك السنة:
كأنه غصن بان تحت بدر دجى * على نقى من رمال الابرقين نشا
بتنا وبات يعاطينا مروقة * من ريقه لو حساها الميت لانتعشا
وقال بعد ما هاجر إلى البحرين سنة 1000:
أما لفراقنا هذا اجتماع * ولا لمدى تقاطعنا انقطاع
حملنا بعدكم يا أهل نجد * من الأشواق ما لا يستطاع
مننتم آنفا بالقرب منكم * فهل لزمان وصلكم ارتجاع
رحلتم بالنفوس فليت شعري * أكان لكم بأنفسنا انتفاع
وخلفتم جسوما باليات * على جمر الغرام لها اضطجاع
وأكبادا وأفئدة مراضا * بها من لاعج الشوق انصداع
وأجفانا دوامي ساهرات * لها عن خاطب الغمض امتناع
كأن قلوبنا لما استقلت * ركائبكم ضحى ودنا الوداع
فراخ قطا تخطفها بزاة * وعرج ظبا تعاورها سباع
أهيم بكم أسى وأضيق وجدا * وما بيني وبينكم ذراع
فكيف وبيننا آذي بحر * وبيد في مفاوزها اتساع
الا حيا الحيا احياء قوم * اراعوا بالفراق ولم يراعوا
وظبي من ظباء الإنس حال * يروع القانصين ولا يراع
يبارزني بالحاظ مراض * فتصرعني له وأنا الجشاع
ذكرت جماله والخيل حسرى * عوابس قد أضر بها القراع
وسمر الخط مركزها التراقي * وبيض الهند مغمدها النخاع
فما لبس الخمار على محيا * كغرته ولا عقد القناع
وقال سنة 1005:
لو تمرضون وحوشيتم لعدتكم * سعيا فما لي مريضا لم تعودوني
ان لم تروني أهلا ان أزار فمن * احسانكم شرفوا قدري فزوروني
ما بي وحقكم حمى ولا مرض * بل من هوى في صميم القلب مكنون
لو أن بالراسيات الشم أيسره * ذابت فكيف بشخص صيغ من طين
وقال في هذه السنة:
يا خليلي احبسا الركب إذا ما * جئتما عن أيمن الحي الخياما
أبلغا سعدى عن الصب - الذي * غادرته غرض السقم - السلاما
واسألاها وارفقا جهدكما * عجبا واستفهماها لا ملاما
ما لها تحمل أعباء دمي * وهي لا تستطيع من ضعف قياما
وبريق لاح وهنا بعد ما * هدأ الطائر في الوكر فناما
بت أرنوه بعين ثرة * تكف الأدمع سحا وانسجاما
وهو يفري حلل الليل كما * جرد الفارس في الحرب حساما
وصبا هبت سحيرا فروت * خبرا أوقع في القلب كلاما
حدثت ان عريبا باللوى * نقضوا العهد ولم يرعوا ذماما
واستحلوا من دم الصب ولم * يرقبوا الا ولم يخشوا آثاما
يا عريبا حللوا سفك دمي * انما حللتمو شيئا حراما
نمتمو عن سهري ليلا بكم * ومنعتم جفن عيني ان يناما
ما لكم بدلتموني بالرضا * منكم سخطا وبالوصل انصراما
فارحموا مضنى له بعدكم * كبد حرى وصبا مستهاما
كلما عن له ذكركم * أسبلت أجفانه الدمع سجاما
وإذا غنت حمامات الحمى * حمت النوم وأهدته الحماما
لا يلذ العيش في يقظته * لا ولا يألف بالليل المناما
فهو بين الياس منكم والرجا * ميت حي فداووه لماما
وكان جالسا في بعض الليالي القمرة في دهليز المشهد ذي المنارتين من
البحرين في فتيان لهم انس بالأدب فمر بهم غلام راكب حين طر شاربه
اسمه إبراهيم فسألوه ان يقول فيه فقال بديها:
مر سمي الخليل راكب * كأنه البدر في الكواكب
ويلاه من آس عارضيه * والويل من خضرة الشوارب
فقال بعض الفتيان:
لا يحذر الله في اختلاس * النفوس ظلما ولا يراقب
فقال هو:
كأنما قده قضيب * وسود الحاظه قواضب
تفعل اصداغه بقلبي * اضعاف ما تفعل العقارب

158
فقال الفتى:
فإن دنا فالسرور دان * وان نأى فالعذاب واصب
وله:
وشادن مرضت أجفانه فغدا * قلبي لها عائدا فانصاع معلولا
فمات قلبي وما ماتت لواحظه * ليقضي الله أمرا كان مفعولا
وله:
خذ بالبكا ان الخليط مقوض * فمصرح بفراقهم ومعرض
وأذب فؤادك فالنصير على الهوى * عين تفيض ومهجة تتقضض
هاتيك احداج تشد وهذه * أطناب أخبية تحل وتنقض
ووراء عيسهم المناخة عصبة * أكبادهم - وهم وقوف - تركض
يتخافتون ضني فمطلق انة * ومطامن من زفرة ومخفض
قبضوا بأيديهم على أكبادهم * والشوق ينزع من يد ما تقبض
فإذا هم أمنوا المراقب صرحوا * بشكاتهم وان استرابوا عرضوا
وقال وهو بمحروسة شيراز سنة 1010:
وليل اشبنا طرتيه بأوجه * يريك سناهن الأهلة سودا
وجوه لو استجلي سناهن أكمه * ثنى الطرف مكشوف الغطاء حديدا
فيا لك يوما لو أشار بيمنه * لأيام عاد لانقلبن سعودا
وقال وهو بشيراز وضمنه قول أمير المؤمنين علي (ع) من أحبنا أهل
البيت فليستعد للفقر جلبابا:
اني لأعجب من هواي وجعلكم * هجري على عكس القضية دابا
وكأنكم قلتم الا من حبنا * فليستعد هجرنا جلبابا
واجتاز ببعض حوانيت شيراز فرأى غلاما اسمه عيسى يبيع القند
فقال:
الا تستخبر العلق النفيسا * ومن أهدى لكل حشا رسيسا
ومن سمي بعيسى وهو ممن * أمات من النفوس بضد عيسى
ليترك بيع قند وليبعنا * لماه ونحن ننقده النفوسا
المديح والتهاني
قال يشكر انعام الشريف العلوي السيد ناصر بن سليمان الحسيني
القاروني وكان له به مزيد خصوصية وذلك سنة 1008:
يا موردا لا يغيض النزح جمته * ولا يلم بصافي ورده كدر
ودوحة ما زكت أعراقها ونمت * الا وقد طاب منها الظل والثمر
ما ذا عسى يبلغ المثني بمدحته * على امرئ أبواه الشمس والقمر
لقد رفعت أبا حسان منزلة * شماء يخسا عن ادراكها البصر
وكان للشريف العلوي أبي عبد الرؤوف حسين بن قاضي القضاة أبي
جعفر عبد الرؤوف الحسيني الموسوي من حسن الصنيع لديه ما يوجب
الشكر فقال يشكره ويثني عليه ويعتذر اليه من تأخير، مدحه سنة 1009:
حتام امطل سيدي شكر اليد * والام يمهلني التقاضي سيدي
فلأشكرن له وأشكر بعده * دهرا أرانيه وبل به يدي
ولأحمدن ملمة صرفت له * وجهي ومهما جر نفعا يحمد
ولأجلون عليه كل خريدة * عذراء تهزأ بالعذارى الخرد
ولأفرغن على مقلد مجده * دررا يهش لهن كل مقلد
ما زال يكنفني بغر صلاته * حتى أنار ظلام حظي الأسود
ويرم من حال لوى بصلاحها * دهر تعاورها بكفي مفسد
فسما بصنع فتى أسف بعزمه * ذل الخمول إلى الحضيض الأوهد
واعز بالاكرام نفسا طالما * كانت تروح على الهوان وتغتدي
اسدى إلي يدا يضيق بها الثنا * ذرعا ولم أبسط يد المسترفد
كرم أراح من السؤال عفاته * حتى ابتدأ بالعرف من لم يجتد
قد قلت للساعي لادراك الغنى * يتبرض الأوشال عن أمل صدي
يطوي المفاوز داخلا في فدفد * بيد المطي وخارجا من فدفد
طورا تخب به القلاص وتارة * يرمي به آذي بحر مزبد
هذي وفود الحمد صادرة فخذ * بطريقها تبلغك أعذب مورد
يدعو الظماة اليه صفو جمامه * وتقول للصادي عذوبته رد
حاشى ندى العلوي ان طلب امرؤ * معه الثراء ومد كف المجتدي
هو من إذا فوقت سهمك راميا * غرض المنى وذكرته لم يصرد
ومتى جمعت يديك مفتدحا به * زند الرجا أورى ولما يصلد
ومتى أظللك ليل نحس فاستنر * بوضئ غرته صباح الأسعد
يا أيها الساعي ليدرك شأوه
أسرفت في اخفاق سعيك فاقعد
أو يمكن الساعي المجد لحوق من * يجري باقدام النبي محمد
من دوحة بسقت فناجى فرعها * هام السماك وحك فرق الفرقد
ومضت مخايله لنا فسفرن عن * نفس مؤيدة وعزم أيد
ويد صناع بالجميل وهمة * طماحة لسداد ثغر السؤدد
ومعاطف تفتر عند المدح عن * حركات مطرد الكعوب مسدد
يا غلطة الدهر التي ما عودت * يد جوده بعطية المتعمد
فههتني فأنا العيي وانني * لينوب عن عمل الصوارم مذودي
أمعاشر الشعراء ضاق أخوكم * بمديح سيده فهل من مسعد
يا أيها المدلي بوفر ثنائه * قابل به نعمى حسين ينفد
والشكر يقصر عن مطاولة امرئ * ان يشكروا ماضي نداه يجدد
لا زلت محسودا على ما فيك من * نيل وما قدر امرئ لم يحسد
ان العلى أفق متى استجليتها * ألفيت أنجمها عيون الحسد
لا عذر للعلوي ان أبصرته * بعد الفطام يشب غير محسد
فليهن والدك الخلود وان قضى * فالمرء ما أدلى بمثلك يخلد
وقال في أخيه عبد القاهر بن عبد الرؤوف وهو يومئذ بالقطيف وبعث
بها إليه بالبحرين يتشوق اليه ويذكر غرضا في نفسه وذلك في سنة 1012:
يا نسيم الشمال اد رسالاتي * وبلغ تحيتي وسلامي
واحتقب عبأ ما أبثك من فرط * اشتياق ولوعة وغرام
لفتى هاشم أخي السؤدد العواد * رب الهبات والإنعام
ان دهرا قضى ببعدي عن * نادية أولى مقصر بملام
ومحبا عانى الفراق ولم يقض * لاقوى امرئ على الآلام
أشخصتني عنه النوى بعد ما * طال ثوائي بجوه ومقامي
وصلتني بغيره وأخو الصحة * يدري ما قدرها في السقام
يا أخا هاشم بن عبد مناف * دعوة من أخي رجال كرام
أي غبن تراه لي غير مكثي * بين قوم لا يفهمون كلامي
ما مقامي فيهم وحاشاك الا * كمقام اليقظان بين النيام

159
تجتلي العين منهم صور الأنس * وهم من عوامل الإنعام
ليت اني بدلتهم وهم البيض * لسام بالسود من نسل حام
من غبي لا يملك الفرق فيما * بين وسطى يديه والابهام
ولئيم واهي المروة لا يفرق * بين الاكرام والايلام
غير أن السراة من هاشم الغر * رعوا حرمتي وحاطوا ذمامي
أوسعوني كرامة ألحقتني * بهم مع تباين الأرحام
معشر آثروا السماح على المال * وحاطوا اعراضهم بالحطام
ألفوا بذلة النفايس في السلم * وبذل النفوس في الاقدام
فهم المطعمون والعام حام * وهم المانعون واليوم دامي
اخذوا عن (عليهم) حين تنبو البيض * قط الطلا وقد الهام
من كعبد الحميد ان نكص الذمر * وحرت مواطئ الاقدام
بطل يسخن العيون القريرات * بضرب يقر عين الحمام
يوجر القرن كل فوهاء تبدي * لك ما خلف ظهره من أمام
غير أن لا سلو عن تلكم الدار * ولا عن أولئك الأقوام
يا أخا الفضل والنباهة والسؤدد * والذكر والأيادي الجسام
لا تكلني إلى انتقالي ومكثي * في أناس سواكم ومقامي
فعلوقي بكم وان نأت الدار * علوق الأرواح بالأجسام
انها خطة اجاء لها الحظ * فعفوا عن زلة الأيام
قال الغنوي راويته وجامع ديوانه في سنة 1016 دخل أصفهان
واتصل بحضرة شيخ مشايخ الاسلام سفير الأئمة عليهم السلام بهاء الملة
والدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي الهمداني وعرض
عليه أدبه فاقترح عليه إجازة قصيدته المسماة بروح الجنان في مدح صاحب
الزمان عليه السلام ومطلعها:
سرى البرق من نجد فهيج تذكاري * عهودا بحزوي والعذيب وذي قار
فقال أبو البحر (أقول) ويقال انه استمهله ثلاثا ثم لم يقبل لنفسه
ذلك فقال ارتجالا وتخلص في آخرها إلى مدح صاحب الزمان (ع):
هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري * فسقيا فاجدى الدمع ما كان للدار
فلا تستضع دمعا تريق مصونه * لعزته ما بين نوءي وأحجار
فأنت امرؤ قد كنت بالأمس جارها * وللجار حق قد علمت على الجار
عشوت إلى اللذات فيها على سنا * شموس وجوه ما يغبن وأقمار
فأصبحت قد أنفقت أطيب ما مضى * من العمر فيها بين عون وأبكار
نواصع بيض لو أفضن على الدجى * سناهن لاستغنى عن الأنجم الساري
حرائر ينصرن الأصول بأوجه * تغص بأمواه النضارة أحرار
معاطير لم تغمس يد في لطيمة * لهن ولا استعبقن جونة عطار
ابحنك ممنوع الوصال نوازلا * على حكم ناه كيف شاء وامار
أذابت تستسقي الثغور مدامة * أتتك فحيتك الخدود بأزهار
أموسم لذاتي وسوق مآربي * ومجنى لباناتي ومنهب أوطاري
سقتك برغم المحل اخلاف مزنة * تلف إذا جاشت سهولا بأوعار
وفج كما شاء المجال حشوته * بعزمة عواد على الهول كرار
تمرس بالاسفار حتى تر كنه * لدقته كالقدح أرهفه الباري
إلى ماجد يعزى إذا انتسب الورى * إلى معشر بيض أماجد أخيار
ومضطلع بالفضل زر قميصه * على كنز آثار وعيبة أسرار
سمي النبي المصطفى وأمينه * على الدين في إيراد حكم وإصدار
به قام بعد الميل وانتصبت به * دعائم قد كانت على جرف هار
فلما أناخت بي على باب داره * مطاياي لم أذمم مغبة أسفاري
نزلت بمغشي الرواقين داره * مثابة طراق وكعبة زوار
فكان نزولي إذ نزلت بمغدف * على المجد فضل البرد عار من العار
أساع على رغم الحوادث مشربي * وأعذب ورد العيش لي بعد امرار
وأنقذني من قبضة الدهر بعدما * ألح بأنياب علي وأظفار
جهلت على معروف فضلي فلم يكن * سواه من الأقوام يعرف مقداري
قال الغنوي راويته وجامع ديوانه: لما أنشد الشيخ هذا البيت وكان
عنده جماعة من أعيان البحرين وسادتهم قال الشيخ وهؤلاء يعرفون مقدارك
انشاء الله وأشار إلى القوم بيده اه‍.
على أنه لم يبق فيما أظنه * من الأرض قطر لم تطبقه أخباري
ولا غرو فالإكسير أكبر شهرة * وما زال من جهل به تحت أستار
متى بل بي كفا فليس بآسف * على درهم ان لم ينله ودينار
فيا ابن الأولى اثنى الوصي عليهم * بما ليس تثني وجهه يد انكار
بصفين إذ لم يلف من أوليائه * - وقد عض ناب للوغى - غير فرار
وأبصر منهم جن حرب تهافتوا * على الموت أسراع الفراش إلى النار
سراعا إلى داعي الحروب يرونها * - على شربها الأعمار - مورد أعمار
أطاروا غمود البيض واتكلوا على * مفارق قوم فارقوا الحق فجار
وأرسوا وقد لاثوا على الركب الحبا * بروكا كهدي أبركوه لجزار
قال الغنوي جامع ديوانه: ورد في الاخبار أن همدان وهم حي من
اليمن - ينتهي إليهم نسب الممدوح - كانوا ممن صبر يوم صفين فروى أنهم
في بعض أيامها حين استحر القتل ورأوا فرار الناس عمدوا إلى أغماد
سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم بعمائهم وبركوا للقتل (والحبا) جمع حبوة
وهو سبته يشد بها الظهر والركب (وهمدان) بسكون الميم والدال المهملة
القبيلة وفتح الميم البلد وهي أول عراق العجم اه‍.
فقال وقد طابت هنالك نفسه * رضى وأقروا عينه أي اقرار
فلو كنت بوابا على باب جنة * كما أفصحت عنه صحيحات آثار (1)
* * *
لأثقلت ظهري بالصنيع فلم أكد * أنوء بأعباء ثقلن وأوقار
وروضت فكري بعد ما صاح نبته * بمنبعق من ماء فضلك مدرار
وكلفتني جريا وراءك بعدما * بلغت مكانا دونه يقف الجاري
فجشمتنيها خطة لا ينالها * توثب مستوفي الجناحين طيار
وأين مجاراة السكيت مجليا * تناول شأو السبق في كل مضمار
وألزمتني مدح امرئ لو مدحته * بشعر بني حواء دع عنك أشعاري
لقصرت عن مقدار ما يستحقه * علاه فاقلالي سواء واكثاري
امام هدى طهر نقي إذا انتمى * إلى سادة غر الشمائل أطهار
وبر لبر ما نسبت فصاعدا * إلى آدم لم ينمه غير أبرار
ومنتظر ما أخر الله وقته * لشئ سوى ابراز حق واظهار



(1) هذا تضمين لقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين فعلوا ما فعلوا كما مر:
لهمدان اخلاق ودين يزينها * وبأس إذا لاقوا وحسن كلام
ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
المؤلف
160
له عزمة تثني القضاء وهمة * تؤلف بين الشاة والأسد الضاري
وعضب أغبته الغمود وينتضى * لادراك ثارات سبقن وأوتار
أبا القاسم انهض واشف غل عصابة * قضى وطرا من ظلمها كل كفار
إلام وحتام المنى وانتظارنا * سحائب قد أظللتنا دون أمطار
ذوت نضرة الصبر الجميل وآذنت * بيبس لاهمال تمادى وانظار
أبح حرم الجور المنيع جنابه * بجر خميس يملأ الأرض جرار
به كل مسجور العزيمة مظهر * - على خشية الجبار - هيبة جبار
إذا حطم الرمح انتضى السيف معملا * لاسمر عسال وأبيض بتار
أزرتك منزور الثناء فلم يكن * جزائي على مقدار شعري ومقداري
ودونكها عذراء لم تجل مثلها * على أحد الاك أستار أفكاري
ولا زال تسليم المهيمن واصلا * إليك به سيرا عشي وأبكار
قال الحسن بن محمد الغنوي الهذلي منشد الخطي وراويته: كنت قد
توليت انشاد هذه القصيدة على الشيخ المشار اليه بداره المحروسة بأصفهان
في شهر رجب في السنة السادسة عشرة بعد الألف للالتماس الصادر عن أبي
البحر فاستحسنها واستجادها وكتب له رقعة بيده المباركة ما هذا لفظه:
أيها الأخ الأعز الفاضل الألمعي بدر سماء أدباء الأعصار وغرة سيماء
بلغاء الأمصار أيم الله إني كلما سرحت بريد نظري في رياض قصيدتك
الغراء ورويت رائد فكري من حياض خريدتك العذراء زاد بها ولعي
وهيامي واشتد إليها ولهي وأوامي فكأنه عناها من قال:
قصيدتك الغراء يا فرد دهره * تنوب عن الماء الزلال لمن يظمأ
فنروي متى نروي بدايع لفظها * ونظمى إذا لم نرو يوما لها نظما
ولعمري لا أراك إلا آخذا فيها بازمة أوابد اللسن تقودها حيث أردت
وتوردها أنى شئت وارتدت حتى كان الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى
لسانك والمعاني تتغاير في الانثيال على جنانك والسلام.
وذكر له أن سلطان صحار مهنا بن هديف ينتمي إلى بني تغلب بن
وائل من نسل عمر بن كلثوم صاحب المعلقة فقال فيه رعاية لجانب النسب
وأرسلها اليه من القطيف إلى صحار:
انا إذا جار الزمان وسامنا * ظلما وجشمنا ركوب الحيف
لذنا على بعد الديار بجانب * أمسى يجير على الشتا والصيف
دف ء إذا ما القر عض وناسم * صرد إذا ما فار وهج الصيف
وندا إذا ما كان عام مجدب * واستثقل الطائي ذكر الضيف
يعتد اعطاء المئين كواملا * نقصا فيكمل عدهن بنيف
لا يطلب العلات ان تنزل به * في دفع نائبة بلم وبكيف
وردى إذا ما كان يوم كريهة * ودعي بحي على قراع السيف
مولى موالي تغلب ابنة وائل * وحسام يمناها الفتى ابن هديف
وسبيكة النسب التي لم ترم في * مصفاتها أيدي الوصوم بزيف
من لي بحضرته التي من زارها * فكأنما قد زار وادي الخيف
يا رب ان لم تقض لي بلقائه * في يقظة فامنن بها في الطيف
وكان بينه وبين بعض ذوي الشهرة من أهل القطيف من المعرفة ما
دعاه إلى طلب عمامة منه وهناه بعيد الفطر ولم يصرح باسمه ابقاء على
الشيمة عن الإشادة بذكر من قعد به جده ونهض به وجده وذلك سنة
1017:
هلا سألت الربع من سيهات * عن تلكم الفتيان والفتيات
ومجر ارسان الجياد كأنها * فوق الصعيد مسارب الحيات
ومجد فات السفن أدنى برها * من بحرها ومبارك الهجمات
حيث المسامع لا تكاد تفيق من * ترجيع نوتي وصوت حداة
ان القطيف وان كلفت بحبها * وعلت على استيطانها زفراتي
إذ حيث جزت رأيت فيها مدرجي * طفلا وأترابي بها ولداتي
لأجل ملتمسي وغاية منيتي * اني أقيم بتلكم الساحات
فسقى الغمام إذا تحمل ركبه * تلك الرحاب الفيح والعرصات
واجتازت المزن العشار فطبقت * بالسقي من عتك إلى نبكات
حتى توشح بالجميم (1) وتكتسي * ربواتها بنواجم الزهرات
أفلان اني قد بدا لي عندكم * غرض يهجن بذكره أبياتي
فوصلته بك وهو بعث عمامة * فضية ذهبية العذبات
واصفح وعد عن الإساءة انما * شيم الكرام تجاوز الهفوات
إذ من يكلفك اليسير كمن يسوم * الغيث واحدة من القطرات
اني وان عض الزمان بغاربي * أو فلت الأيام حد شباتي
لاصون عن مدح اللئام ترفعا * شعري واقصر دونهم خطواتي
واستجلها عذراء بنت سويعة * من حر ما جادت به كلماتي
لو تنشد الطائي ألغى عندها * (أحبب إلي بطيف سعدى الآتي)
واستقبل العيد المبارك من قرا * رمضان من صوم ومن صلوات
وقال يمدح بعض الاشراف:
عذيري من هذا العذول المفند * يردد وجدي بالملام المردد
فهب ان هذا اللوم منك نصيحة * فاقبلها لو كان قلبي في يدي
واهيف ما الغصن الرطيب ببالغ * مدى قده في نضرة وتأود
يعرض للتقبيل خدا كما جلت * يدا صيقل متن الحسام المهند
ويبسم عن اصفى من الدر كارع * بأعذب من ماء الغمام وأبرد
وقال اسل عني بعدما قد تعرضت * لواحظه بيني وبين تجلدي
سقى منحنى الدارات من سفح عاقل * حيا مبرق داني الشابيب مرعد
لعمر أبي والفضل يعزى لأهله * لقد بخل الطائي جود محمد
فتى ان ثقل هاتيك خطة سؤدد * على النجم أو أعلى من النجم يصعد
وذي نائل ما الغيث في ناقع الصفا * بانقع يوما منه للأمل الصدي
متى تاته مسترفدا تلق مصدرا * ركاب الغنى منه على أثر مورد
فما سود النساب وجه صحيفة * بأبيض منه وجه أصل ومحتد
كلا طرفيه حين تنسبه إلي * علي وخير المرسلين محمد
لعمري لقد أولى الجميل تبرعا * وما سيم شيئا من نداه المجدد
ووالاه حتى ضقت ذرعا بشكره * وأكثرت من قولي لزائره قد
وشتان فينا باخل بعد موعد * ومبتدئ بالعرف من غير موعد
فما عارض كل على الريح مشيه * على سوقها إياه سوق المقيد
أجش إذا ما كف عن سيله طغى * وان رد من ريعان طاغيه يزبد
لجوج كان الأرض إذ تستكفه * - وغصت بسقياه - تقول له زد
بأغزر منه يوم صوب سماحه * إذا أهوأ خبا ناره كل موقد
يمينا بأيديهن تدرع الفلا * كما صيح في أعقاب رجل مشرد



(1) الجميم النبت الكثير أو الناهض المنتشر. المؤلف
161
نجائب مقطوع بها كل شقة * تروح بها الأرواح حسرى وتغتدي
نواحل كالقسيان مما تعسفوا * بها كل تيهاء المعالم فدفد
نوافر من أفيائهن ترى لها * على الأين أجفال النعام المطرد
عوامد للبيت الحرام بفتية * ثقال الاداوي من تقى وتعبد
لا عوز ان يأتي أب بشبيهه * سماحة نفس في طهارة مولد
فتى بذ أرباب الكهولة يافعا * وطال ذوي الأسنان في سن أمرد
أبي غير من أدعوه ان لم اكافه * بما طاب من نشر الثناء المخلد
مدائح لم يسمح بها فكر شاعر * ولا أفتر عن أمثالها فم منشد
أنا الكوكب الوقاد والعلم الذي * به كل من غمت مساريه يهتدي
متى أدع عاصي القول يأت مطاوعا * وان يدع غيري طائع القول يقعد
وقال يمدح بعض الاشراف:
خليلي مرا بي على جانبي قبا * بحيث ظباء الإنس تحجبها الظبا
وعوجا على حي بمنعرج اللوى * لعلي أرى في ذلك الحي زينبا
لئن حجبت خلف الخباء فاعين * لنا ابدا صور إلى ذلك الخبا
هوى منع اللوام فضل قياده * وقيد بالحاظ الحسان فأصحبا
أمستجلبا ود الرجال بعتبها * أظنك علمت الطماعة أشعبا
لك الخير ان لم تدر ما خلق الورى * تعال فسل عما جهلت المجربا
أنبئك اني ما شكوت لصاحب * فأشكي ولا استعتبت خلا فاعتبا
جزى كل شخص منهم عن اخائه * بأسوأ ما جوزي مسئ وعوقبا
ترى كل مولود على اللؤم لم يكن * ليعرف أما غير ذاك ولا أبا
بني هاشم ماذا لكم عند حاتم * دعوه فقد غادرتم جوده هبا
متى ما يطاوله حباء وليدكم * يطله وما دانى النهوض وما حبا
تأخر قليلا عن أبيك تأدبا * فمثلك من راعى أباه تأدبا
فلست بمسبوق على الفضل انه * لكم دون من في الأرض شرقا ومغربا
متى تطلبوه موجفين فإنما * توافونه يسعى لكم متطلبا
وقال يمدح السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن حسين العلوي
الموسوي وهو الذي جمع ديوان الخطي برسمه وذلك سنة 1024:
بعثت طيفها فزار طروقا * فشجا وامقا وهاج مشوقا
يا خليلي ولا سبيل إلى نصري * ولكن يدعو الصديق الصديقا
أولم يأن للذي أسكرته * حدق البيض ساعة ان يفيقا
أوقفتني الأيام في قبضة الحب * وما كنت للبلاء مطيقا
وبنفسي خريدة لا أرى الوصف * يؤدي مما حوته حقوقا
تملأ السور والخلاخيل أعضادا * تقض البرى ملأ وسوقا
وتسوم الأزر الملاثة سوم القلب * ما لا يطيقه ان يطيقا
منظر مبهج أفيض عليه الحسن * من كل جانب وأريقا
لا ترى الزهر عنده باسم الثغر * ولا منظر الرياض أنيقا
لخط عين كالسهم رشت أعاليه * وأصلحت نصله والفوقا
فوقه حاجب كما حقق الكاتب * نونا في طرسه التحقيقا
وفم كاستدارة الميم يبدي * لك درا مفصلا وعقيقا
وخدود شرقن بالحسن حمر * لا ترى عندها الشقيق شقيقا
أيها الغادة التي لا أرى المرزوق * من غير وصلها مرزوقا
ان عينا تراك يوما من الدهر * لعين لا تعدم التوفيقا
لي عين ما ان تفيق بكاء * وفؤاد ما ان يقر خفوقا
أفلا يستمد قلبك في الرقة * لفظا أسمعتنيه رقيقا
لا أرى للرجاء فيك مجالا * لا ولا للسلو عنك طريقا
كلما قلت آن أن يقضي الدهر * حقوقي قضى علي عقوقا
ان أولى الورى بخالص ودي * جعفر قد غدا بذاك خليقا
وكريم اعتد منه على اللأواء * كفا طلقا ووجها طليقا
سار ما سار أولوه فاعلى السمك * مما بنوا وسد الفتوقا
وحما ما حموا وزاد وأعطى * فوق ما قد أعطوا وأدى الحقوقا
فسما لم يعقه شئ وجاز الأفق * سعيا واستخم العيوقا
يا ابن عبد الجبار ان طبت فرعا * فلقد طبت بعد ذاك عروقا
لو مدحناك بالذي فيك سمنا * سعة العمر لا القراطيس ضيقا
لست أدري ماذا أقول وان كنت * أعد المفوه المنطيقا
فاستمعها لو أنشدوها أبا الطيب * ما كاد ان يسيغ الريقا
وقال يشكر أنعام بعض العلويين:
يا أكرم الناس أعماما وأخوالا * وأحسن الناس أقوالا وأفعالا
ومن إذا قلت حسبي من عطائك لي * وحسن صنعك عندي قال لي لالا
نفسي فداؤك من مولى جوائزه * تأتي بلا طلب للناس ارسالا
ان زين المال أقواما سواك فقد * زينته والفتى من زين المالا
الرثاء
قال يرثي الحسين (ع):
معاهدهم بالابرقين هوامد * سقين عهاد المزن تلك المعاهد
أسائلها عن أهلها وهي لم تحر * جوابا وهل يستنطق العجم ناشد
لك الخير لا تذهب بحلمك دمنة * محاها البلا واستوطنتها الأوابد
فما هي ان خاطبتها بمجيبة * وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد
ولكن هلم الخطبة في رزء سيد * قضى ظمأ والماء جار وراكد
كأني به في ثلة من رجاله * كما حف بالليث الأسود والحوارد
إذا اعتلقوا سمر الرماح وجردوا * سيوفا اعارتها البطون الأساود
فليس لها الا الصدور مراكز * وليس لها الا النحور مغامد
يلاقون شدات الكماة بأنفس * إذا غضبت هانت عليها الشدائد
إلى أن ثووا في الترب صرعى كأنهم * نخيل أمالتهن أيد عواضد
أولئك أرباب الحفاظ سمت بهم * إلى الغاية القصوى النفوس المواجد
ولم يبق الا واحد الناس واحدا * يكابد من أعدائه ما يكابد
يكر فينثالون عنه كأنهم * مها خلفهن الضاريات شوارد
يحامي وراء الطاهرات مجاهدا * باهلي وبي ذاك المحامي المجاهد
فما الليث ذو الأشبال هيج على الطوى * بأشجع منه حين قل المساعد
ولا سمعت أذني ولا أذن سامع * بأثبت منه في اللقا وهو واحد
إلى أن أسال الطعن والضرب نفسه * فخر كما أهوى إلى الأرض ساجد
فلهفي له والخيل منهن صادر * خضيب الحوامي من دماء ووارد
فأي فتى ظلت خيول أمية * تعادي على جثمانه وتطارد
وأعظم شئ أن شمرا له على * جناجن صدر ابن النبي مقاعد
فشلت يداه حين يفري بسيفه * مقلد من تلقى اليه المقالد
وان قتيلا أحرز الشمر شلوه * لاكرم مفقود يبكيه فاقد
لقى بمحاني الطف شلوا ورأسه * ينوء به لدن من الخط مائد
ولهفي على أنصاره وحماته * وهم لسراحين الفلاة موائد

162
مضمخة أجسادهم فكأنما * عليهن من حمر الدماء مجاسد
تضئ بهم أكناف عرصة كربلا * وتظلم منهم أربع ومشاهد
فيا كربلا طلت السماء وربما * تناول عفوا حظ ذي السعي قاعد
لانت وان كنت الوضيعة نلت من * جوارهم ما لم تنله الفراقد
سررت بهم مذ آنسوك وساءني * محاريب منهم أوحشت ومساجد
بذا قضت الأيام ما بين أهلها * مصائب قوم عند قوم فوائد
ليهنك ان أمسي ثراك لطيبه * تعطر منه في الجنان الخرائد
وان أنس لا أنس النساء كأنها * قطا ريع من أوكاره وهو هاجد
خوارج من أبياتها وهي بعدها * لأرجاس حرب بالحريق مواقد
نوادب لو أن الجبال سمعنها * تداعت أعاليهن فهي سواجد
إذا هن أبصرن الجسوم كأنها * نجوم على ظهر الفلاة رواكد
وشمن رؤساء كالبدور تقلها * رماح كاشطان الركي موائد
تداعين يلطمن الخدود بعولة * تصدع منها القاسيات الجلامد
ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها * دنانير أبلاهن بالحك ناقد
وظلن يرددن المناح كأنما * تعلم منهن الحمام الفواقد
فيا وقعة ما احدث الدهر مثلها * يبيد الليالي ذكرها وهو خالد
لالبست هذا الدين أثواب ذلة * ترث لها الأيام وهي جدائد
واتفق خروج أعيان القطيف منها لأمر وسكنوا البحرين سنة 999
وبقوا مدة توفي فيها شيخهم الأكبر أبو علي عبد الله بن ناصر بن حسين بن
المقلد من بني وائل سنة 1001 ودفن بمقبرة الشيخ راشد في جبانة أبي عنبرة
فقال يرثيه من قصيدة أنشدها سابع موته:
خليلي من أبناء بكر ووائل * قفا واندبا شيخا به فجعت بكر
لئن بليت أكفانك البيض في الثرى * فما بلي المعروف منك ولا الذكر
(افال) سقيت صوب كل مجلجل * من المزن هام لا يجف له قطر
ليهنك فخرا ان ظفرت بتربة * يعفر خدا دون ادراكها الغفر
ثوى فيك من آل المقلد سيد * هو الذهب الابريز والعالم الصفر
فتى كرمت آباؤه وجدوده * وطابت مساعيه فتم له الفخر
عفيف نقي البرد من كل زلة * وفي أذنه عن كل فاحشة وقر
ويا بلد الخط اعتراك لفقده * مدى الدهر كسر لا يرام له جبر
ولو خلد المعروف في الناس واحدا * لخلد عبد الله نائله الغمر
بنية اصبروا فالصبر أجمل * حلة تردى بها من مس جانبه الضر
ودونكم من لجة الفكر درة * منظمة يعنو لها النظم والنثر
وعذراء من حر الكلام خريدة * بأمثالها في الشعر يفتخر الشعر
وما مهرها الا قبولكم لها * لقد كرمت ممهورة وغلا المهر
وقال يرثي الشريف العلوي أبا الحسين محمد بن سلمان القاروني سنة
1008 من قصيدة وأنشدت بمسجد ماثنا من كتكتان أوال من البحرين:
يا للرزية لم يسمع بها أحد * الا وأجهش من حزن لها وبكى
تبت يد الدهر لم يعلم باي فتى * أودى وأي همام سيد فتكا
شهادة الله في التنزيل كافية * في فضلهم ما رواه جابر وحكى
ما مد يوما إلى الدنيا وزينتها * طرفا ولا كان في اللذات منهمكا
لو سامنا فيك محتوم القضا بدلا * فداك كل امرئ منا وقل لكا
وطلب منه شئ يكتب على قبر زوجة السيد عبد الرؤوف المتقدم
ذكره فقال سنة 1019:
ان نقلت من شوامخ الشرف * إليك يا قبر درة الشرف
فغير بدع فالدر أكثره * حسنا وأنقى ما كان في الصدف
وقال يرثي العقيلة الكريمة ملوك بنت السيد الشريف عبد الرؤوف
زوجة الشريف العلامة ماجد بن هاشم وقد توفيت بعد عودها من الحج
بيوم واحد ودفنت بشيراز بمدفن السيد أحمد بن موسى الكاظم (ع) سنة
1020 من قصيدة:
بكيتك لو أن الدموع تذيل * من الحزن أو يطفى بهن غليل
له الله من دهر كان صروفه * لها أبدا عند الأنام ذحول
أبى أن يرينا وجه يوم وما به * على اثر ماض رنة وعويل
الا في سبيل الله أقمار أوجه * لها أبدا تحت التراب أفول
ولا كالتي أمسى بها الترب آنسا * وأوحش منها منزل ومقيل
وعائدة من حجها لم يكن لها * على غير أصحاب القبور نزول
كان لم تؤب بعد المغيب ولم يكن لها * بعد ازماع الرحيل قفول
وقد أذهب البشرى المصاب وقبحت * يد الحزن وجه البشر وهو جميل
فيا ابنة من لو كان بعد محمد * رسول لما أمسى سواه رسول
وزوجة من لو فتش الخلق لم يكن * ليلفى له في العالمين مثيل
وأخت الذين استفرغوا الجهد في العلى
فأثرى بهم عاف وعز نزيل
وأم الذي - والسن خمس - جرى
إلى مدى لذوي الخمسين عنه نكول
لئن قل بعد العود لبثك فالأسى * عليك وان طال الزمان يطول
ويا أصبر الناس الذين نراهم * واحملهم للعب ء وهو ثقيل
عزاء ولا أرضاه لكن مقالة * بها أبدا يوصي الخليل خليل
ودونكما كالروض باكره الحيا * وهبت جنوب فوقه وقبول
واني للخل الذي لا ترونه * يميل مع النعماء حيث تميل
لسانكم الطلق الذي ان رميتم * به قائلا لم يدر كيف يقول
وسيفكم العضب الذي ان ضربتم * به لم يصافح مضربيه فلول
وان كان فيكم من يناجيه ظنه * علي بشئ ما عليه دليل
خلا ان مدحا سار لي فيه لم تزل * شوارده في الخافقين تجول
وقال يرثي العلوية خديجة بنت السيد عبد الرؤوف وتوفيت عقيب
أختها ملوك ومريم بنت الخواجة علي بن منصور الهزمية والسيد جمال
الدين بن سليمان بن عبد الرؤوف وتوفي بعد رجوعه من الحج سنة 101
الا يا قوم ما للدهر عندي * لأسرف في الإساءة والتعدي
تخرم أسرتي فبقيت فردا * أبارز نائبات الدهر وحدي
إذا استعظمت فقد أخ كريم * رماني من أخ ثان بفقد
مصائب هان عند الناس فيها * عظيم الرزء في مال وولد
أناخت بركها ببني علي * نزول أخي قرى فيهم ورفد
قروهن النفوس وليس بشئ * أعز من النفوس قرى لو فد
فاضحوا بعد جمعهم فرادى * كما نثرت يد خرزات عقد
فيا الله ما رمت الليالي * به السادات من سلفي معد
سقى الأجداث شرقي المصلى * وان رفعت إلى جنات خلد
حيا متهزم الأطباء ان لم * يكن دمعي على الأجداث يجدي
وجر بها نسيم الريح ذيلا * يمر به على بان ورند
فكم حملت إلى ساحاتها من * قنا خطية وسيوف هند
كهول كالرماح اللدن شيب * وأغلمة كبيض الهند مرد

163
وكل كريمة الأبوين ليست * كهند في النساء ولا كدعد
عفيفة ما يكن الخدر ملاى الملاءة * من صلاحية وزهد
ولا مثل التي بالأمس أودت * طهارة مولد وسمو جد
قضت نحبا على آثار أخرى * توافي ساعيين معا لوعد
فيا لكريمتي حسب ودين * ويا لعقيلتي شرف ومجد
ونال الصهر ثالثة فأودت * خلالهما كان الرزء يعدي
ثلاث ما سمت علياء بيت * بغور في مناكبها ونجد
على مثل لهن تقى ودينا * وطيب مغارس ووفور رشد
أولئك خير من وراه ستر * وأكرم من سحبن فضول برد
سجاياها إذ ذم السجايا * ضوارب دون غيبتها بسد
ولم يعرفن غير البيت دارا * سوى لحد سكن به ومهد
اما لو كن للعرب الأولى قد * نظرن إلى البنات بعين زهد
إذا كرمت بناتهم عليهم * وما أودت لهم أنثى بوأد
اما لو كان غير الموت مدت * يداه لهن والآجال تردي
لكادت ان تسوخ الأرض مما * تظل بها جياد الخيل تردي
عليها الشوس من عليا قريش * اولي النجدات والعزم الأشد
إذا استصرختهم وافوا غضابا * كما هجهجت في غابات أسد
بكل مثقف الأنبوب لدن المهز * وكل مصقول الفرند
كأنك تستكف الخطب منهم * بذي الحرمين أو عمرو بن ود
بني عبد الرؤوف وكل حي * لمصرعه أخو سير مجد
عزاءكم فأوفى الناس اجرا * أخو ضراء قابلها بحمد
فداكم من يكاشركم ويخفي * لكم تحت الضلوع غليل
حقد أنبئكم وما في ذاك بأس * فهذا الناس من هاد ومهدي
بأني خير من أرعيتموه * لكم ودا وأوفاة بعهد
فقد جربتم الاخوان غيري * وأكثرتم فهل سدوا مسدي
ودونكم بلا من عليكم * ثناء مبرز في النظم فرد
يجيد الحفر عن ماء المعاني * فينبطه وحفر الناس يكدي
تشاركني الورى في الشعر دعوى * على اني المبرز فيه وحدي
وقال يعزي بعض الأعيان عن طفل سنة 1023:
عزيز أمرنا لك بالتعزي * غداة أصبت بالولد الأعز
لعمر أبي لقد رمت الليالي * بحز في الحلوق واي حز
لبدر غاب قبل تمام نور * وغصن جب قبل تمام درز
وسيف فل قبل أوان سل * ورمح دق قبل أوان هز
فغادرنا بحزن مستقر * نكابده وعقل مستفز
عجبت لقرب ما جئنا نهني * أباه به وما جئنا نعزي
فيا ابن مبارك بن حسين صبرا * فشيطان الأسى بالصبر مخزي
فمثلك لا تلين له قناة * لعجم في الخطوب ولا لغمز
بذا حكم القضاء فمن معزى * على ما فات منه ومن معزي
هي الأيام لا تبقي كبيرا * لعظم جلالة ولفرط عز
ولا تبقي صغير السن بقيا * لجامعة عليه ولا لحرز
وعذري في التأخر عنك حمى * أكابد حرها وأذى شكنز
وها أنا ذا أخو جفن قريح * لرزئكم وقلب مشمئز
انا الخل الذي لا عيب فيه * سوى اخلاص ود وهو مجزي
فان قدمت فضلك عند غيري * وبار فإنني لك في المحز
وقال يرثي بعض أعيان القطيف وهو السيد حسن بن محمد بن
جعفر بن علي بن أبي سنان وقد أرسله أبوه قبل وفاته في سفر فاعترضهم
قوم من الاعراب فعاثوا فيهم نهبا وسلبا وقتلا فاصابته جراحات قاتلة وبقي
ملقى في البر بين الأحساء والقطيف فنقل بعد يومين وبه رمق وعولج فما
برئ حتى شلت يداه وسقط بعض أنامله وجرت عليه بعد ذلك مصادرات
من حاكم القطيف الجاته إلى الهجرة إلى أوال فقبض الحاكم ضياعه وأملاكه
واستغلها مدة ثم استأمن له الشريف العلامة ماجد بن هاشم الحسيني فامنه
فرجع إلى وطنه فمات ابنه في أثناء قدومه وكان بين أبي البحر وبينه صحبة
أكيدة فكتب اليه يعزيه وبعث بها اليه في القطيف سنة 1028:
الا تستنطق الدمن الخوالي * فتسألها عن الحي الحلال
عواطل بعد ما كانت زمانا * بأنس القاطنين بها حوالي
دعاهم ريب دهرهم فبانوا * سراعا والمقيم إلى ارتحال
ولا تبقى على الحدثان شم * الهضاب ولا منيفات القلال
غداة نعي لنا حسن وقالوا * هوى من أفقه نجم المعالي
سل الأجداث ماذا من جميل * بها قد أودعوه ومن جمال
الا قولوا لحمير حيث كانت * أولي العزمات والهمم العوالي
وفرسان الحروب إذا تداعت * فوارسها بحي على النزال
أصابكم الحمام فلم يهبكم * بأشرف أول فيكم وتالي
على حين استتب له علاه * وقيل قد استوى ضوء الهلال
اما لو كان ثار عند غير المنية * والنفوس إلى زوال
لا وجفنا عليه الخيل شعثا * تعادى في الأعنة كالسعالي
عليها كل ضرغام إذا ما * استطال السلم حن إلى القتال
واجلبنا ببيض الهند تدمى * مضاربها وبالسمر الطوال
خليلي ازجرا السحب الغوادي * على ما تشتكيه من الكلال
إذا جاوزن سيف أوال صبحا * وشارفن القطيف مع الزوال
فصبا ما حملن من الروايا * على قبر بجرعاء الشمال
أرى الأيام تقسم ظالمات * فتبدلنا الأسافل بالأعالي
فتترك من تراه الناس كلا * على المولى وتذهب بالموالي
فيا ابن أبي سنان وكل ثاو * وان طال المدى فإلى انتقال
عزاء فالنفوس إلى فناء * وصبرا فالقطين إلى زيال
فمثلك تستمد الصبر منه * على الباساء أعيان الرجال
على ما ناب في نفس وآل * كما شمت العدو به ومال
فلستم في القطيف أشد حزنا * عليه اليوم منا في أوال
أما والراقصات بكل فج * تعادى في الأزمة كالسعالي
إذا شارفنا مكة كدن شوقا * يطرن وان عقلن مع العقال
عليها كل عريان الضواحي * كنصل السيف حودث بالصقال
لقد عقدت لك الأيام مني * وفاء غير منصرم الحبال
وعد عن استماعك شعر غيري * فأين حصى الطريق من اللئالي
ونعي اليه السيد الشريف ناصر بن عبد الجبار الحسيني الموسوي وكان
قادما من شيراز إلى الحويزة فقضى بقرب بهبهان من فارس وأبو البحر يومئذ
بشيراز فقال يرثيه:
هتفت بدمع العين وهو سجوم * دمن حبس على البلى ورسوم
من كل شاخصة الطلول كأنها * مما جلت عنها السيول رقوم

164
فكأن قامة كل أشعت ماثل * ألف ودارة كل نؤي ميم
تلك المنازل ما لطارقها قرى * الا بلابل أنفس وهموم
لله ما تركوا غداة وداعهم * لمتيم في القلب منه كلوم
مستعبر يصل الدموع بزفرة * كادت لمعوج الضلوع تقيم
أأحبتي ان طاب عندكم الكرى * ليلا فلي عين عليه تحوم
فسلوا بي الليل الطويل فإنه * بالساهرين وبالنيام عليم
هل زار بعدكم الرقاد محاجري * أومر مجتازا بها التهويم
ذوي الرقاد هبوا القليل لناظري * من ذاك فهو السائل المحروم
يا دارهم والعهد مسؤول ومن * لم يرع ذمة صاحب مذموم
وسمتك حالية الربيع ففي الحشا * مما محتك يد الخطوب وسوم
ونحتك أنفاس الرياح مريضة * وأتى ثراك الريح وهو نسيم
كم راح في أكناف دوحك جؤذر * يعطو إلى الأغصان منه وريم
فمتى تمد لحاجة فتنا لها * كفي وأطول ساعدي جذيم
فليحس مر الضيم ثاكل ناصر * فالمرء ما فقد النصير مضيم
ولئن حسدت به فها انا ذا كما
شاء الحواسد بعده مرحوم
أفتى الفتوة والمروءة والحجى * بعدا ليومك انه لمشوم
فلئن تبوأت النعيم فعندنا * مما نكابده عليك جحيم
وكأنما الأيام آلى صرفها * ان لا يدوم على الزمان كريم
لشربت شرب الهيم أعمار الورى * هلا صدرت كما صدرن الهيم
لم ينج منك أزل ينطف ماؤه * علقا ولا جهم اللقاء شتيم
وطويل قادمة الجناح له إذا * سيم الهوان بجوه تدويم
ماض يشيعه إلى أوطاره * هجن بهن من الدماء وشوم
وأثيث عرعرة السنام كأنها * نبت على بعض الهضاب عميم
يتخبط الاحياء حتى لم يكد * ليسيم خشيته السوام مسيم
تتناذر الاحياء صولته فما * حي وليس له عليه هجوم
ارجاله واخص منكم جعفرا * ولشأنكم ولشأنه التعظيم
قمر المحافل لا يشك بأنه * للبدر في حسن الرؤي قسيم
المرتضى الشيم التي لو قسمت * في الناس ما كان امروء مذموم
وذوي مودته وأولكم فتى * الدنيا أبو إسحاق إبراهيم
قلم الخلافة والذي لقضائه * في أهلها التأخير والتقديم
قلم تحاط به البلاد ويحفظ * الإقليم فالإقليم فالإقليم
حاجاتنا في الدهر ان تبقوا لنا * فابقوا بقاء النيرات ودوموا
وأنا أبو الكلم اللواتي روضها * أبدا على رعي الخطوب جميم
من كل معلمة كما نشرت من * طي البرود يزينه الشبهيم
هن النجوم فان سما متمرد * لسمائهن فإنهن رجوم
وأتاه نعي السيد الشريف عبد القاهر بن عبد الرؤوف الحسيني
الموسوي من البحرين وهو يومئذ بشيراز فقال يرثيه وبعث بها إلى البحرين
سنة 1028:
ما بال عينك لا تجود بمائها * والنفس قد طويت على غمائها
وتكرهت نفسي البقاء وانني * لأرى النفوس تحوم حول بقائها
مرضت بصحتها فلم أر قبلها * نفسا دواء الخلق اقتل دائها
أو تشتهي النفس الحياة وغارة * الأيام من قدامها وورائها
وشجا يغاديها إذا هي أصبحت * وأسى يراوحها لدى امسائها
واستدرجت قومي فالحق كهلها * بغلامها ورجالها بنسائها
ممن يقيل الحمد بين بروده * أو من يبيت الصون ملء ملائها
ومجاهر بالنعي ما حابى به * نفسي بما يبقي على حوبائها
القى على الاسماع من انبائه * ما يمنع الأجفان من إغفائها
لنعت إلى المعروف بيت قصيدة * ولسورة الاحسان آية آئها
نفسا لو انتظر الفداء بها افتدت * بنفيس ما تحوي بنو حوائها
واخا المروة ان يعد سواه من * أجنادها عدته من أمرائها
لتغض أبناء العلى ابصارها * من بعده وتكف من خيلائها
فلقد اطار الدهر أجمل حلة * عنها وغير من جميل روائها
الهجاء
بلغه عن بعض فتيان القطيف انه يقول الشعر فاستنشد منه شيئا فلم
يرتضه فبلغ ذلك الفتى فوقع فيه ببعض الكلمات في معرض الشكاية فقال
أبو البحر وذلك سنة 1007:
يا خليلي من ذؤابة شيبا * ن ويدعى لما ينوب الخليل
ان هذا الفتى الذي وسم الشعر * بعار ما ان نراه يزول
قد نضا مدية الجهالة يفري * ودج الفضل فهو منه قتيل
يا حماة القريض هبوا لأخذ الثأر * فالخطب لو علمتم جليل
وخذوا بالتراث من قاتل الشعر * فما الحزم ان تضاع الذحول
وأكول عرضي فما ساعة حتى * غدا بعد ذاك وهو أكيل
مد لي ساعدا قصيرا فلم يلبث * إلى أن ثناه باع طويل
وإذا ما العزيز حاول ذلي * وأبى الله فالعزيز ذليل
وقال فيه أيضا وبنى قصيدته على مطلع لراويته الغنوي وهو هذا:
اعمل لنفسك مثقالا ومعيارا * وأسرر أباك بأن يلقاك عطارا
فقال أبو البحر:
أو فاتخذ لك سندانا ومطرقة * واعمل متى شئت سكينا ومسمارا
أو فاتخذ لك منشارا وقشترة * وكن على مدد الأيام نجارا
أو فاتخذ لك مزمارا ودبدبة * وعش لك الخير طبالا وزمارا
أو كن فديتك صفارا فليس على * علياك باس إذا أصبحت صفارا
أو كن كصاحبك الأدنى أبي حسن * أعني عليا فتى عمران زرارا
أو فأبلغ ابن مهنى في بزازته * أو فامش خلف فتى شنصوه قصارا
أو فاسال ابن مهنى علم صنعته * مما يفيدك بالدينار قنطارا
أو عالج الاتن من أدوائهن وكن * شروى خميس بن خضاموه بيطارا
أو فاقتلع من (رشالا) الطين متخذا * ضع الجرار وعش في (الخط) جرارا
أو فاقتن الاتن وأحمل فوقها حطبا * فخير شئ إذا أصبحت حمارا
أو فاحمل الفخ فيها حيث شئت فصد * به لصبية أهل الخط اطيارا
وان سمعت مقالي فامض متكلا * على إلهك في الابوام بحارا
وان ترفعت عن هذا فحي على * استغفار ربك تلق الله غفارا
أو قيما في بيوت الله تسمعنا * إذ انك العذب آصالا وأسحارا
أو منشدا مدح مولى الناس حيدرة * أو قارئا في نواحي السوق أخبارا
ولا تلم بربع الشعر ان له * ظعنا تأخرت عن مسراه إذ سارا



(1) هو رجل من القطيف يعمل الازرار بينه وبين هذا المتشاعر الفة. - المؤلف -
165
قد حلقت بنفيس الشعر طائرة * عنقاء مغرب فاقعد عنه إذ طارا
وهاكها كشواظ النار لافحة * أثناء قلبك لا تألوه أسعارا
وقال:
يا راحلا للقبور علك ان * تسأل فيها هنالك ابن حجر
هل أحرقت غيره صواعقه * أو ألقمت واحدا سواه حجر
الحنين إلى الأهل والأوطان
كان سبب اتصاله بشيراز انه بعد ما فتح الأمير الكبير كمال الدين بن
يحيى الكردي الفيروزآبادي البحرين وكشف عنها من كان فيها من الإفرنج
ومن انضم إليهم من الاعراب وقفل الأمير راجعا فتوجه معه الشريف أبو
عبد الله الحسين بن عبد الرؤوف ومعهما أبو البحر لعرض ما جرى من
الأمور إلى الجهة الخانية فوصلوا شيراز وعرضوا إلى الحضرة الخانية ذلك
فبلغهم السؤول وأنالهم المأمول وتوجه الشريف إلى ناحية الدورق وتأخر أبو
البحر فتشوق إلى سكنه ونزع إلى وطنه فقال:
سلام يغادي جوكم ويراوحه * ونشر ثناء تنتحيكم روائحه
أأحبابنا والمرء يا ربما دعا * أخا الناي ان ضاقت عليه منادحه
هل الدهر مدنيني إليكم فمبرد * لهيب اشتياق يرمض القلب لافحه
ومجمد دمع كلما هتفت به * دواعي هواكم أقرح الجفن سافحه
كفى حزنا أني بشيراز مفرد * أباكر ما يضني الحشا وأراوحه
وحلف هموم لو تضيفن يذبلا * تضاءل واستعلت عليه أباطحه
وأشياء ضاق النظم عنها وبعضها * يلوذ بظل الاستقالة شارحه
أحن فلا ألفي سوى هاتف الضحى * يطارحني شكوى النوى وأطارحه
يقطع آناء النهار بنوحه * إلى أن يرى وجه الظلام يصافحه
وان له بعد الهدو لعولة * وأخرى وأشجى النوح مالج نائحه
شكا وحشتي سجن ونأي فأجهشت * له رقة مما يحن جوارحه
يكاد إذا هز الجناح فخانه * تقض بترجيع الحنين جوانحه
خلا انه ذو رفعة فمتى دعا * تجبه على قرب المكان صوادحه
واني إذا ما اشتقتكم حال دونكم * ودوني غيطان الفلا وصحاصحه
وملتطم الأمواج ما عبثت به * يد الريح الا وامتطى النجم طافحه
يشن علي البعد غارات جوره * وتهتف بي من كل فج صوائحه
سقى (جد حفص) الغيث سحا ولو سما لها الدمع أغناها عن الغيث راشحه
ولا زال خفاق النسيم إذا سرى * عليلا يماسي جوها ويصابحه
بلاد أقام القلب فيها فلم يزل * وان طوحت بالجسم عنها طوائحه
هل الله مستبق ذمامي بعودة * إليها تريني العيش قد هش كالحه
ويصبح هذا البعد قد ريض صعبه * وأمكن من فضل المقادة جامحة
وقال وهو بشيراز سنة 1012 حين عاد متوجها إلى خراسان وبعث بها
إلى أهله بالبحرين:
يا من نأت بهم الديار فأصبحوا * مستوطنين على النوى الألبابا
ان تكسب الألقاب من يدعى بها * شرفا فقد شرفتم الألقابا
فارقتكم فجعلت زقوم الأسى * زادا وغساق الدموع شرابا
أكذاك كل مفارق أم لم يكن * قبلي محب فارق الأحبابا
يا منتهى الآراب هذي مهجتي * قد قطعت من بعدكم آرابا
وتأسفي أني غداة وداعكم * لم اقض من توديعكم آرابا
ما ذقت عذب القرب الا رده * وشك التفرق والبعاد عذابا
يا هل ترون لنازح قذفت به * أيدي البعاد لجد حفص ايابا
لا تحسب (البحرين) اني بعدها * متبوئ دارا ولا أصحابا
ما أصبحت (شيراز) وهي حبيبة * عندي بأبهج من (أوال) جنابا
ما كنت بالمبتاع دارة سروها * يوما بفاران ولا بمقابا
لئن اقتعدت مطا البعاد وعزني * وشك التلاقي والدنو طلابا
لأسيرن لكم وان طال المدى * مارق من محض الثناء وطابا
وقال وبعث بها إلى القطيف:
يا ساكني (الخط) في قلبي لكم خطط * معمورة بمعانيكم مغانيها
يا هل ترون لمحني الضلوع على * ذكر الديار وقوفا في محانيها
وزفرة لو ثوى اليوم الخليل بها * أودى ولم يغن عنه برده فيها
وعبرة لو دعي نوح ليسلكها * بفلكه قال بسم الله مجريها
ومقلة ألفت فرط السهاد فلو * رد الرقاد إليها كان يؤذيها
ماذا على الطير إذا بلى الضنا جسدي * فخف لو حملتني في خوافيها
ان يقعد الطير عن حملي لكم وسرت * ريح الصبا فاطلبوني في مساريها
تلقي لكم جسدا لو أن علته * يدعى المسيح لها ما كان يبريها
لقد تضاءل حتى لو قذفت به * في مقلة ما أحسته مآقيها
ومستريح إلى ترجيع نغمته * أضحى يبث صباباتي ويبديها
فما تثنت به اعطاف بانته * الا ثنا وجه سلواني تثنيها
ومستطير كأن الريح تلهبه * إذا استمر عليه خفق ساريها
أشيمة خلبا والعين تبصره * بعبرة سال حتى غص واديها
ومستميت السرى لو مر ناسمه * بشعرة لم يكد مسراه يثنيها
سرى فأسرى الكرى عني وأنزل بي * صبابة بت تخفيني وأخفيها
يا ويح نفسي أما شئ يعن لها * الا وظل لبلواها يعنيها
ان أومض البرق أشجاها وان هتفت * ورق الحمى بات حر الشوق يحميها
وان تنسم علوي الرياح لها * ألفيته لقصي الوجد يدنيها
لقد منيت بما اخترت المنون له * يا قوم لو أعطيت نفس أمانيها
وقال على لسان الشريف العلوي أبي أحمد عبد القاهر بن عبد
الرؤوف الحسيني وهما يومئذ مع جماعة من أشراف البحرين وكبرائها
بمحروسة شيراز متوجهين إلى الحضرة الشاهية بناحية شماخير وبعث بها
الشريف إلى أهله بالبحرين سنة 1016:
يا نازلين على نأي المحل بهم * بحيث يجمع شمل الجسم بالروح
لو كان في وسع جهدي أن أبثكم * شوقي وأشكو لكم جهدي وتبريحي
أضقت متسع الأوراق عنه ولو * حملته الريح أو هي قوة الريح
لا شئ أسعد مني ان تراجع بي * إليكم طول تبكيري وترويحي
لولاكم ما أعرت السمع صادحة * ان أقصرت قلت من وجد لها نوحي
ناحت ولو وجدت وجدي بكم لبكت * مثلي بدمع على الخدين مسفوح
وقال أيضا على لسان هذا الشريف وقد التمس منه ذلك بعد دخولهما
أصفهان حين توجهوا صاعدين وبعث بها إلى أهله بالبحرين:
لي بعدكم زفرة لو يستضئ بها * سار لاغنته عن ضوء المصابيح
وأدمع ان جرت حمرا فلا عجب * فقد مررن بأجفان مجاريح
فهل يبل إذا استسقى لقاءكم * غليل ظام دوين الورد مطروح

166
وهل إذا عز قرب ان يزوركم * عني بفرط اشتياقي ناسم الريح
وقال وهو بشيراز وبعث بها إلى أهله بالبحرين:
ما لي وما لصوادح الأوراق * يكثرن جنح الليل من اقلاقي
ملأت حشاي أسى لما أملته من * قصص الغرام علي والأشواق
أنزلن بي أحزان يعقوب لما * اسمعنه لي من غنا إسحاق
لو كان عن حزن بكاؤك لانبرت * فوق الخدود مدامع الآماق
ولما خضبتن الأكف وزينت * أعناقكن بحلية الأطواق
ولما افترشتن الغداة نواعم الا * غصان بين نواعم الأوراق
شوقي إلى القوم الذين محلهم * قلبي وان بعدوا على أحداقي
فارقتهم لم الو من جيد * لتوديع ولم اعطف يدا لعناق
وقال أيضا بشيراز وبعث بها إلى أهله بالبحرين:
حمامات شيراز رفقا بنا * لهجتن بالنوح ما عندنا
علام وانتن عند القرين * في بارد الظل داني الجنا
تجاورن فاكهة غضة * وآونة غضا لينا
ننوح اشتياقا وتغريدكن * غناء فشتان ما بيننا
لحا الله أبطلنا في الغرام * دعوى واكذبنا السنا
وأكثرنا عند الآفة * مبيتا واجمدنا أعينا
الا قل لساكن وادي المحل * هل وردوا في الهوى وردنا
فيا هل علمتم وأنتم هناك * ما عندنا منكم ها هنا
يمينا بكل امون العثار * أفضى مني من عليها منا
لسكان ظهر مني من أوال * أول مطلبنا والمنى
فيا صاحبي والفتى ربما * أحال على خله ما عنا
سألتك ألا طرقت الخيام * وقلت لسكانها معلنا
أأنتم على حفظ تلك العهود * أم نقض البعد ذاك البنا
الا رب قوم أباحوا لنا * من الوصل أطيب ما يجتنى
وفيهم من الحسن ما فيهم * فلم نر ذلك مستحسنا
يريدون سلواننا عنكم * وان كان ذلك لم يسلنا
فلا تنكرن علينا الرحيل * غداة نأى الركب عنكم بنا
فبالرغم ان يستقل المحب * عمن يحب وان يظعنا
وقال أيضا وأرسل بها إلى أهله بالبحرين:
يا نزولا بين أجراع الحمى * بعدكم عن عيني النوم حمى
هل تعيرون جفوني هجمة * أم ترون النوم شيئا حرما
أرسلت من دمعها في حبكم * عارضا يهمي وتيارا طما
واسالت ذاك دمعا فإذا * طال هذا البعد أجرته دما
ان عينا لا تراكم لا ترى * فرق ما بين هداها والعمى
وكذاك السمع يشكو بعدكم * عارض الوقر به والصمما
سادتي أسلمت في الحب لكم * أفينجو سالما من أسلما
ان أكن أذنبت في حبكم * فأقيلوني ذنوبي كرما
وقال أيضا وأرسلها إلى أهله بالبحرين:
يا من نأى فجعلت بعد فراقه * اسم الوجوه بنظرة المستبدل
ما ان وجدت لقرب غيرك لذة * الا وكنت على البعاد الذلي
سأقول والأمثال يرسلها الفتى * فيما يشاء مقالة المتمثل
(نقل فؤادك حيث شئت فإنه * ما الحب الا للحبيب الأول)
(كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل)
وقال أيضا وأرسلها إلى أهله بالبحرين:
صاح ما وجدي بسكان المحل * بالذي تحويه أرقام السجل
غير اني ابعث الريح لهم * بسلام ان تعده لا يمل
وكلام يستمل الوجد من * خاطر ملآن من ذاك ويملي
كلما أعطشني اليأس * بهيهات من وصل تعللت بعلي
لئن استحللتم قتلي فما * أنتم في سعة منه وحل
واستشفتني يد الشوق فلو * قمت في الشمس لما أبصرت ظلي
يا نسيما هب من نحوهم * هات بالله عن الحي فقل لي
أعلى العهد هم أم ضيعوا * ما لنا من ذمة فيهم وآل
ما تسلينا بشئ حسن * عن هواهم فرأينا ذاك يسلي
قل لسكان الحمى عن نازح * قذف الدهر به نائي المحل
ان ترامى البعد بي عنكم فلم * أراكم الا بكتب أو برسل
فلأنتم نصب عيني أينما * كنت مجموعا بكم في البعد شملي
وقال:
عج بالمطي على معالم بوري * بمحل لذاتي وربع سروري
واستنس (كذا) رياها ففي عرصاتها
عند العبور بهن نشر عبير
لم تجعل العبرات خدي معبرا * الا على مري بها وعبوري
هل لي إلى تلك المنازل عودة * يخبو بها وجدي وفرط زفيري
وكريمة الطرفين جر على التقى * والدين فاضل ذيلها المجرور
ومهفهف زرت غلائله على * غصن يميل به النسيم نضير
رشا جراحاتي جبار عنده * أبدا وكسري ليس بالمجبور
أنا أسعد الثقلين ان أدناهم * مني رواحي نحوهم وبكوري
فأما وفتلاء المرافق جسرة * تخدي بمشبوح الذراع جسور
ان يعي عيدي النجار بكوره * نهضت فطار بها جناح الكور
يرمي بها الميقات غير مقصر * حتى يتم النسك بالتقصير
لأجشمن الناجيات إليهم * والسفن قطع مفاوز وبحور
ولألقين بحر وجهي نحوهم * حرين حر هوى وحر هجير
فعسى ابتذال الصون يفضي بي إلى * من صين تحت اكلة وستور
فأبيت قد ألقيت أعباء السرى * وأرحت ظهر مطيتي وبعيري
اني إذا هاب الزيارة مدع * يدلي بدعوى في المحبة زور
خاطرت بالنفس النفيسة في هوى * ظبي كلفت به هناك غرير
ان حار دون لقائه عزمي فلا * متعت منه بالعيون الحور
يا من أسير كل يوم نحوهم * كتبي إذا أعيا علي مسيري
وأقول معتذرا إذا سيرتها * لا يسقط الميسور بالمعسور
آه وقل على (أوال) تأوهي * فإذا جننت بها فغير كثير
هيهات ما (شيراز) وافية بما * في تلك لي من نعمة وحبور
بلد تعادل صيفها وشتاؤها * في الطيب للمقرور والمحرور
يتكأد الرزق العباد وانه * فيها على باغيه غير عسير
ان طبق المحل البلاد فإننا * في روضة من خصبها وغدير
ان انس لا انس الربيع بها وما * يجلوه من نواره والنور

167
يلقي لمجتاز النسيم كرامة * أنماط ديباج وفرش حرير
أملى السحاب عليه من انشائه * فأتاك بالمنظوم والمنثور
والماء منه مطلق ومقيد * يلقاك بالممدود والمقصور
يستوقف الاسماع بين تدفق * كرجيع قهقهة وبين خرير
تتلو بلابله عليك وورقه * أسفار إنجيل وصحف زبور
فكأنما اطرح الغناء عليهما * قيس وقد غنى بشعر جرير
لا شئ أبهج منظرا من صحوه * والشمس فيه كدارة البلور
هذي مزاياها وكم علقت يدي * فيها بذمة صاحب وعشيري
هذا على سري الأمين وذاك ان * خذل النصير على الخطوب نصيري
يا جادها الهتن الملث وأصبحت * عرضا لمحلول النطاق غزير
وافر أحزاني بهم وأباتني * معهم بطرف في الدنو قرير
وقال وهو بشيراز وبعث بها إلى أهله بالبحرين ومر منها سبعة أبيات
في الغزل سهوا، وفي البيت الرابع هكذا (ووراء عيسهم المناخة) صوابه
(المثارة) بدل المناخة وهذا ما بقي منها:
لي بالعقيق سقى العقيق حشاشة * طاحت وراء الركب ساعة قوضوا
لم تلو راجعة ولم تلحق بهم * حتى وهت مما تطيح وتنهض
ردوه أحيى برده أو فالحقوا * كلي به فالكل لا يتبعض
من ناشد لي بالعقيق حشاشة * طاحت وراء الركب ساعة قوضوا
اني رضيت بما أراقوا من دمي * عمدا على سخط القبيل فهل رضوا
فهناهم صفو الزلال وان هم * بالريق يوم وداعهم لي اجرضوا
باتوا أصحاء الجسوم وعندنا * منهم على النأي المصح الممرض
ولقد دعوت ووجه شوقي مقبل * بهم ووجه الصبر عني معرض
الصفات
وقال يصف بلدة شيراز 1012:
ان شيراز بلدة لا يكاد * الوصف يأتي وان تناهى عليها
لو رآها امروء وادخل عدنا * سال الله ان يعود إليها
وكتب إلى صاحبه الغنوي بعدما سافر إلى شيراز يصف صعوبة
الطريق ويصف بلدة شيراز فقال من جملة كلام:
جبال ما انتقلت فيها من التخوم حتى تعممت بالنجوم، وأحجار
توهي قوى الحديد، وتلوي بصبر الجليد وسموم يشوي الأحجار، ويشوه
الأبشار، (إلى أن قال): فرأينا بلدة هي ثانية الجنان، في طيب المكان وراحة
الجنان، ورفاهة السكان ما سلكت جهة الا ورأيت ما يفرج الكروب من
الطرق اللحبة، والميادين الرحبة والحدائق الأنيقة، والقدود الرشيقة،
والمدارس المنيفة، والمزارات الشريفة، والحمامات النظيفة والأسواق العامرة
المهدية لكل عين قرة، ولكل قلب مسرة، والجوامع الجامعة، والمنابر
اللامعة، والمنارات الشاهقة وأما عذوبة مائها ولطيف هوائها فلا يزال
يبرزهما التمثيل على مقر التخييل.
وقال يصف بعض الجواد بين بربغي وسلما أباد:
وطرق سلكناها فما زال ضيقها * يجور بنا حتى ضللنا بها القصدا
فلو ان ذا القرنين أدرك بعضها * لصيره من دون يأجوجه سدا
وقال يصف حلواء البرشتوه وهو رطب ينزع قشره ونواه ويجعل فيه شئ
من الدقيق المقلو والسمن سنة 1013:
باءت حنيفة بالخسران إذ عكفت * دون الأنام من الحلوا على صنم
لو أنه من (برشتوه) وقد عكفت * عليه لاتبعتها سائر الأمم
حلواء لو جعلت مثقالها دية * بكر لما طالبتها تغلب بدم
ولو تكرم منها مادر بقرى * ضيف لما وصف الطائي بالكرم
ولو أتيح لأهل النار فاشتغلوا * باكلها ما رأوا للنار من ألم
قال الغنوي: ركبت أنا وأبو البحر يوما للصيد فأرسلت الكلاب على
الأرانب فكانت عقلا لشواردها وقيودا لأوابدها فقال أبو البحر يصفها:
ولم أر كالكلاب ذوات عدو * على أثر الأرانب والظباء
متى أرسلتهن وراء صيد * فجاذبهن أهداب النجاء
علقن به ولو كانت يداه * تشد بذيل عاصفة الهواء
وقال في دولاب القميعيات بالجنينة سنة 1023:
يا غاديات السحب لا تتجاوزي * في السقي دولاب القميعيات
سقيا يفي بحقوق ماضي عيشنا * فيه ويسلفنا فيها حقوق الآتي
لم أنس أياما جنيت مبكرا * ثمر المنى فيها ولا ليلات
روض كما فرشت مطارف سندس * تذكو عليه نواجم الزهرات
يستوقف الأبصار بين شقيقة * حمراء ياقوتية الورقات
وعرارة صفراء أنهت صقلها * شمس الضحى ذهبية الصفحات
لا شئ أبهج منظرا من صحوة * والشمس فيه صقيلة المرآة
تعدي على حر القلوب ببردها * نسماته مسكية النفحات
ألفت بلابله الصفير فرد ذا * ما قال ذاك تسابب الجارات
وتناوحت فيه الحمام كما * تداولت اليهود قراءة التوراة
والماء ترسله جداوله كما * جاريت بين الخيل في الحلبات
وزهت عناقد كرمه لما غدت * بنواضر الأوراق ملتحفات
تبدو فتسترها كما واريت في * خضر البراقع أوجه الفتيات
وخريدة الحاظها يسرعن في * قتل النفوس بطيئة الحركات
بانية الاعطاف كثبانية * الأرداف هاروتية النظرات
أوقات لذات مضت فسقى الحيا * ما فات عن هاتيكم الأوقات
لا شئ أوجع للحشا وأمض من * عيش مضت لمضيه لذاتي
ذهبت بشاشته وبات شجاه لي * في الحلق بين ترائبي ولهاتي
وكان أتيا من قرية كتكتان توبلي في جزيرة أوال من البحرين وتعرف
قديما بمري بكسر الميم وتشديد الراء ثم الياء والمثناة التحتية متوجها لمنزله
بقرية البلاد ومعه ابنه حسان وبينهما خليج من البحر وهو في حال الجزر فلما
توسطه وثب بعض الحيتان وتعرف بالسبيطية طافرا في وجهه فشق وجنته
اليمنى فأنشأ هذه القصيدة يصف بها تلك الحال.
برغم العوالي والمهندة البتر * دماء أراقتها سبيطية البحر
الا قد جنا بحر البلاد وتوبلي * علي بما ضاقت به ساحة البر
فويل بني شن بن أفصى وما الذي * رمتهم به أيدي الحوادث من وتر
دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى * على حد ناب للعدو ولا ظفر
تحامته أطراف القنا وتعرضت * له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر

168
لعمر أبي الأيام ان باء صرفها * بثار امرئ من كل صالحة مثري
ولا غرو فالأيام بين صروفها * وبين ذوي الاخطار حرب إلى الحشر
الا أبلغ الحيين بكرا وتغلبا * وما الغوث الا عند تغلب أو بكر
أيرضيكما ان امرأ من بنيكما * وأي امرئ للخير يدعى وللشر
يراق على غير الظبا دم وجهه * ويجري على غير المثقفة السمر
وتنبو نيوب الليث عنه وينثنى * أخو الحوت عنه دامي الفم والثغر
أنا الرجل المشهور ما من محلة * من الأرض الا قد تخللها ذكري
فان أمس في قطر من الأرض ان لي * بريد اشتهار في مناكبها يسري
تولع بي صرف القضاء ولم تكن * لتجري صروف الدهر الأعلى الحر
توجهت من مري ضحى فكأنما * توجهت من مري إلى العلقم المر
تلجلجت جزر القريتين مشمرا * وشبلي معي والماء في أول الجزر
فما هو الا ان فجئت بطافر * من الحوت في وجهي ولا ضربة الفهر
لقد شق يمنى وجنتي بنطحة * وقعت لها دامي المحيا على قطري
فخيل لي ان السماوات أطبقت * علي وأبصرت الكواكب في الظهر
وقمت كهدي ند من يد ذابح * وقد بلغت سكينه ثغرة النحر
يطوحني نزف الدماء كأنني * نزيف طلا مالت به نشوة الخمر
ووافيت بيتي ما رآني امروء ولم * يقل ان هذا جاء من ملتقى الكر
فها هو قد أبقي بوجهي علامة * كما اعترضت في الطرس اعرابة الكسر
فان يمح شيئا من محياي أثرها * بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر
فلا غرو فالبيض الرقاق أدلها * على العتق ما لاحت به سمة الأثر
وقل بعد هذا للسبيطية افخري * على سائر الشجعان بالفتكة البكر
ولو هم غير الحوت بي لتواثبت * رجال يخوضون الحمام إلى نصري
فاما إذا ما عز ذاك ولم يكن * لأدرك ثاري منه ما مد في عمري
فلست بمولى الشعر ان لم أزجه * بكل شرود الذكر اعدى من العر
أضر على الأجفان من حادث العمى * وابلى على الآذان من عارض الوقر
يخاف على من يركب البحر شرها * وليس بمأمون على سالك البر
تجوس خلال البحر تطفح تارة * وترسو رسو الغيص في طلب الدر
لعمر أبي الخطي ان بات ثاره * لدى غير كفو وهو نادرة العصر
فثار علي بات عند ابن ملجم * واعقبه ثار الحسين لدى شمر
وبلغه عن بعض الأوداء من أهل الاشتغال بتحصيل المعارف الدينية
وهو أبو الحسين الشيخ زاهر بن علي بن يوسف انه جعل يتصيد هذا النوع
من السمك بسيف (دمستان) فشكر صنعه وأرسل اليه بهذه الأبيات:
جزى الله عنا زاهرا في صنيعه * بنا خير ما يجزي على الخير منعم
تتبع أقصى ثارنا فأصابه * فما طل منا عند نصرته دم
درى ان عند الحوت بعض دمائنا * فخاض اليه البحر والبحر مفعم
فأصبح صيادا وما كان قبلها * بشئ سوى صيد الفضائل يعلم
فحياه عني ما حط رحله * من الأرض محلول النطاقين مرزم
وقال يجيب الشريف العلوي ناصر بن سليمان القاروي عن قصيدة
يصف فيها الكسكوس وهو سمك صغار دقاق يشبه أنامل النساء والناس
تستملحه:
يا أخا هاشم أهلا * بالذي قلت وسهلا
وجزاك الله عما * قلت فوق الفضل فضلا
لبس الكسكوس من * مدحك ثوبا ليس يبلى
فهو أشهى كل * مأكول وأعلاه وأغلى
وهو أشهى لي من * الكنعد والميد المقلي
لا ترى الآكل منه * ألف رطل يتملى
ما تراءى من بعيد * لي يوما قط إلا
سلم القلب عليه * وعليه البطن صلى
كثغور البيض لونا * وبنان البيض شكلا
يا بديع الوصف هلا * زدت في وصفك هلا
فملأت السمع وصفا * حين فات الفم أكلا
ولعل الله أن يجعل * هذا القول فعلا
خمرياته
وقال وهو مع روايته الغنوي في بيته بقربة سار من أوال لاملاء شعره
عليه والغنوى مشتغل بكتابة ديوان الخطي:
أخي نطق القمري بعد سكوت * وهبت صبا الأسحار بعد خفوت
فبادر بها ضوء الصباح فإنها * شرابي الذي أحيا عليه وقوتي
فإنك لو وليتني الحكم لم يكن * مقيلي الا عندها ومبيتي
كميتا إذا استوصفتنيها وجدتها * ترفع عن وصفي لها ونعوتي
كأنك تستذكي بها نشر عنبر * شديخ ومسك في الكؤوس فتيت
على وجه ممشوق القوام كأنه * إذا ما ثنته الريح طاقة توت
وصيف ولكن الجمال أحله * من العز فيما شاء والجبروت
وأفرغه في قالب الحسن ربه * فجاء به أعجوبة الملكوت
اقيمة الدن اصنعي عندنا يدا * وقومي فسقينا المدام سقيت
وحكمك فيها فاطلبي وتحكمي * بسومك تعطي ما أردت وشيت
فأهون شئ يا لك الخير عندنا * إذا غضبت عذالنا ورضيت
ويا ربة العود ابسطي من نفوسنا * عليه بشئ من غناه غنيت
وله:
عاطنيها قبل ابتسام الصباح * فهي تغنيك عن سنا المصباح
أنت تدري ان المدامة نار * فاقتدحها بالصب في الاقداح
فهي تمحو بضوئها صبغة الليل * فيغدو وجه الدجى وهو ضاحي
وإذا ما أحاط بي وفدهم * مهديا لي طرائف الأتراح
فأهداها لي وردية كدم * الكبش أسالته مدية الذباح
فهي تقصي اما دنت وارد الهم * وتدني شوارد الأفراح
الحفت في السوآل من فكاك * لا سير ما ان له من براح
مزجوها فقيدوها فلو تترك * صرفا طارت بغير جناح
الكتب والرسائل
وقال عن لسان شخص بعث بها لاخ له غائب يتشوقه ويشكو بعده:
سادتي ان نأت الدار بكم * فلكم في ساحة القلب مقام
ما حمام الايك لما بنتم * عن محاني الربع لي الاحمام
كلما رجع في تغريده * راجعتني صبوات وغرام
فهو مثلي في معاطاة الجوى * فكلانا حلف شجو مستهام
غير اني لا أرى أجفانه * أبدا تندى ولي دمع سجام
ساهرا لم أدر ما النوم إذا * ضم هذا الناس في الليل المنام

169
وعليكم من كئيب مدنف * طلقت أجفانه النوم السلام
وقال وهو بشيراز وصدر بها كتابا به إلى الامام الشريف العلامة أبي
علي ماجد بن هشام الحسيني البحراني إلى البحرين سنة 1010:
أهدي ثناء متى فضت لطائمه * ضاعت فضاع زكي المسك والعود
لسيد لو دعتني بعض أنعمه * لشكرها ضاق عنه وسع مجهوي
لو ساع ان تعبد الناس امرءا لعلى * جعلته لعلاه الدهر معبودي
جلت فلم يشك ظهري ثقل محملها * حتى تخاذل عن اطواقها جيدي
فاسال الله ان يدني المزار به * برغم ما حال من يم ومن بيد
وقال وصدر بها كتابا بعثه لولده أبي الفرج حسان جوابا عن كتاب
بعثه اليه فيه بيتان أنشأهما ولم يكن له أنس بالنظم قبل ذلك وهو يومئذ
بشيراز سنة 1022:
يا من يبل بما يقول أوأمي * وتبوخ نار صبابتي وغرامي
بيتان جاءا منك كانا نعمة * رجحت بما عندي من الإنعام
ان الهلال تراه أصغر ما ترى * جرما ويبدو بعد بدر تمام
ولربما أخذاك طيب نشره * زهر الحدائق وهو في الأكمام
ان طال بالاباء غيري انني * بك ما أطول مفاخرا وأسامي
لا زلت مكلوءا على منآك عن * عيني بعين الواحد العلام
وقال وصدر بها رسالة إلى الشيخ المقدس المبرور أبي محمد ناصر بن
عطاء الله الناوري السعدي:
سلام يفوق الراح لطفا ورقة * تخلص عن قلب امرئ مخلص الود
ونشر ثناء مثلما هبت الصبا * فجاءت وفي أنفاسها نفحة الورد
إلى المنتمي فخرا إلى خير دوحة * سمت وزكت أعراقها في بني سعد
وانك قد قدمت عندي صنائعا * تجل مكافاة عن الشكر والحمد
فأصبح غصني من نوالك مورقا * وكفي بما أوليتها من جدي تجدي
وقال وصدر بها رسالة بعث بها لبعض أعيان القطيف وهو الحاج
الرضي محمد بن جعفر بن علي بن أبي سنان:
سلام على مولى تملك بره * واحسانه رقي فصرت له عبدا
وسوغني ما ضاق ذرعي بشكره * عوارف فضل لا أطيق لها عدا
أبا جعفر اني ومن ضربت له * بطون المطايا تحمل الشيب والمردا
لا رعى لك الود الذي أنت أهله * على حين لا يرعى امروء لامرئ ودا
واستهدى شقيقه في الفنون الأدبية ورفيقه في أودية اللغة العربية حسن
بن محمد بن ناصر بن علي بن غنية خلا فبعث به اليه فقال يشكره:
جزى الله عني ابن الغنية ضعف ما * جزى محسنا من خلقه بفعاله
لعمري لقد أولى الجميل تبرعا * وبادر بالمعروف قبل سؤاله
واعجب ما لاقيته منه بعثه * إلي بجسم الشنفري بعد خاله
يشير القول الشنفري يرثي خاله تأبط شرا واسمه ثابت بن جابر
الفهمي:
حلت الخمر وكانت حراما * وبلأى ما المت تحل
فاسقنيها يا سواد بن عمرو * ان جسمي بعد خالي لخل
وما أحسن ما قاله بعضهم في خمر استحالت خلا:
الا في سبيل اللهو كأس مدامة * اتتنا بلون طعمه غير ثابت
حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة * وأمست لجسم الشنفري بعد ثابت
يشير إلى الصهباء بنت بسطام بن قيس بن مسعود من بني ذهل بن
شيبان أحد مشاهير العرب في الشجاعة.
وكتب اليه يستهديه تمرا سنة 1016:
الأقل لاحفى الناس بي وأبرهم * وأرغبهم فيما لدي من الشكر
أخي الخلق السهل الذي لو أحاله * على الدهر لم يشك امرؤ قسوة الدهر
وذي الشيم الغر التي لو أفاضها * على الليل لاستغنى عن الأنجم الزهر
ومبتكر المعروف لو جاء غيره * بعون الايادي جاء منهن بالبكر
لك الخير بيت أقفرت حجراته * من التمر يستهديك شيئا من التمر
فبادر به فالوقت كاد لقربه * يريك على قنوانه يانع البسر
وقال:
يا طرس قل لأخي السماحة والندا * وفتى المروءة والكريم المنعم
يا من إذا جرح الأنام زمانهم * رجعوا اليه رجوعهم للمرهم
أصبحت منذ اليوم ضيقة يدي * فابعث إلي ولو بعثت بدرهم
انا غرس أنعمك التي لا عذر لي * إن لم أواصل غرس تلك الأنعم
فلأشكرنك ما حييت فان أمت * فلتشكرنك بعد موتي أعظمي
الاعتذار
وكان قد رقي عليه إلى بعض خواص الديوان بعض الهناة فبعث اليه
بشئ من عتاب على يد بعض أصحابه من أهل البحرين فكتب يعتذر
اليه:
خليلي من عليا لؤي بن غالب * أمدكما ربي بأسنى المواهب
ولا زلتما خدني سمو ورفعة
تنيف على هام النجوم الثواقب
الا أبلغا عني خميس بن ناصر * مقال امرئ في وده غير كاذب
لقد جاءك الأعداء عني بفرية * فلست لها ما دمت حيا بصاحب
وما ذاك الا انني كنت غائبا * وما حاضر عند الخصوم كغائب
ولو شاهدوني لم يفيضوا بكلمة * وللأسد خوف في قلوب الثعالب
فلا تطمع الأعداء في فإنما * أتوك بأقوال - كرمت - كواذب
فما ذم أوغاد الرجال بمنطقي * فكيف بأرباب العلى والمناصب
ألست الذي قومت سكة دارنا * وقد رميت ممن يقص بحاصب
فبارت فما المرزوق منها بظافر * وهانت فما المحروم منها بخائب
وأكملتها من بعد نقصان وزنها * وسيرتها في شرقها والمغارب
و أنت الذي لولا سماحة كفه * لما مد للمعروف راحة طالب
فقد جاءني عنك المكرم جمعة * أخو الفضل والاحسان في زي عاتب
واستزاره صديقه حسن بن محمد بن ناصر بن علي بن غنية فقعد به
عنه مرض الزكام فقال يعتذر اليه عن تأخره عنه سنة 1016:
سلام إذا استعبقت رياه اجلبت * عليك مساريه برائحة العطر
وخالص شكر لا يغب كما صفت * ورقت على راووقها نطف الخمر
يؤديهما مولى وقفت ثناءه
عليك فلم يهتف بزيد ولا عمرو
تملكت بالبر المضاعف رقه * فأصبح عبدا وهو في جلدة الحر
وينهو إليك الحال أن قعوده * على فرط ما استسعيته لك من عذر

170
توخى دماغي لا يزايل ساعة * كما عكفت أم الفراخ على الوكر
ولولاه لم أقعد ولو حال بينكم * وبيني أطراف المثقفة السمر
وأغب زيارته للمذكور واستزاره فأقعده عنه عذر وبعث اليه بهذه
الأبيات وأصحبها شيئا من زهر الرازقي في هذه السنة:
سقى الوسمي ربع أبي علي * وعاقر داره صوب الولي
ولا برحت رياح البشر تسري * اليه بالغداة وبالعشي
فتى ما زلت أدعوه وليا * حميما عند خذلان الولي
حملت به على الأيام حتى * أراني طاعة الدهر العصي
وكان أشاب ناصيتي ولكن * رآه فرد لي سن الصبي
هل الأيام مؤذنة بضرب * الخباء بذلك الكنف الوطي
ومنعشتي بغرته التي من * رآها فاز بالحظ السني
وما الأمد الذي قد حال بيني * وبين حماه بالأمد القصي
فيحوجني لاجراء المذاكي * اليه ولا لاعمال المطي
ولكني منيت بدهر سوء * على ضعفي له حكم القوي
ولما لم أزر ناديه عجزا * بعثت له بزهر الرازقي
بعثت به لخدمته لعلي * أراه باعين الزهر الجني
وقال يعتذر إلي الشريف العلوي عبد الرؤوف بن ماجد بن سليمان
الحسيني القاروني سنة 1012:
قل لمن يرجع الحوائج للخلق * ويرجو نوافل المعروف
ان لي حاجة إلى خالق الخلق * ومولى الشريف والمشروف
حاجتي ان يمد سبحانه لي * في بقاء الشريف عبد الرؤوف
فبقاء الشريف خير لمثلي * من مئين انالها وألوف
عنده مجتنى الندى ولديه
شجر المكرمات داني القطوف
فلئن قلت فيه ما قلت بالأمس * فهذي الأيام ذات صروف
ولئن ساءه هجائي فهذا البدر * يرمى في تمه بالخسوف
ثم يستقبل الضياء كما كان * وينجاب عنه ثوب الكسوف
وحدود السيوف تمهى لتمضي * حيث ما وجهت حدود السيوف
والقنا اللدن لا يسدد للطعن * بغير التقويم و التثقيف
وكذاك الأقلام يرهفها الكاتب * حتى تجيد وضع الحروف
هكذا توقظ الكرام بواخز القول * من نومهم عن المعروف
يا أخا هاشم بن عبد مناف * أنت دف ء الشتا وبرد المصيف
لا تكلني إلى ثناي فما عندك * موف على الثناء الموفي
يا فديناك بالنفوس وبالأموال * من تالد لنا وطريف
خلنا من خلائق سبقت منك * دعتنا للوم والتعنيف
واقتبل ودنا وخذ من ثنانا * حبرا كالبرود في التفويف
وعوتب من بعض الجهات على الانقطاع عن مألوف اتصاله وتردده
فقال يعتذر سنة 1007:
قل لاحفى الأنام بي يا كتابي * وتقاضاه لي برد الجواب
والتثم راحتيه عني ويا بشراي * ان نبت يا كتابي منابي
ذي المعالي التي ارتنا المسامي * ناكصا دونها على الاعقاب
والفعال التي نطقن فأفصحن * بما طبن عن أصول طياب
فهي مما جلته من كرم الأنساب * تدعى شواهد الأنساب
فلو اني استعنت بالناس في حصر * مساعيه ضاق عنها حسابي
ما وقوفي عن أن ألم بمغناه * لهجر يظنه واجتناب
ولعندي إلى الوقوف بهاتيك * النواحي وتلكم الأبواب
مثلما عند ذي المخافة للأمن * وما عند ذي الصدا للشراب
غير أني سمعت من السن الناس * كلاما فرى علي اهابي
ودعاني إلى مفارقة الدار * وهجر الأهلين والأصحاب
فلعمري لقد منيت بأمر * شاب رأسي له أو أن شبابي
قسما بالركاب تهفو إلى البيت * بركب تراهقوا للثواب
حلفة ان كذبت فيها رماني الله * من عنده بصوت عذاب
انني واليمين جهدي وبالمرصاد * ربي للحالف الكذاب
لبرئ مما تعاطاه أهل الزور * عني وطاهر الأثواب
فأسلموا وأنعموا وان رغم * الأعداء في رفعة وعز جناب
وقال يعتذر إلى الشريف أبي عبد الله بن عبد الرؤوف الحسيني
العلوي حين أنكر منه ما كان يألفه من أنسه وعنايته وتوسم فيه المكافاة على
ما يجن فقال يعتذر عن هذا الوهم وبعث بها اليه سنة 1019:
يا سيدا عظمت مواقع * فضله عندي وجلت
هذي مواهبك التي * سقت الورى نهلا وعلت
ما بالها كثرت على * غيري وعني اليوم قلت
لم أدر أي خطيئة * عثرت بها قدمي وزلت
خطب لعمر أبي تضيق * به السماء وما أظلت
والأرض تعجز عن * تحملها جفاك وما أقلت
وسيوف عتبك يا أعز * العالمين علي سلت
أحسين اني والذي * عنت الوجوه له وذلت
لعلى الوفاء كما علمت * وان جفت نفس وملت
تربت يد علقت بغيرك * أو بفضل سواك بلت
هذا وان مدت يدي * لسواك تسأله فشلت
وكتب إلى الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عبد المحسن إلى القطيف
يعتذر عن تأخير مراسلته وقد عاتبه في ذلك سنة 1018:
ألا قل لعبد الله عني مقالة * تدل على ودي وصدق ولائي
وحقك ما تركي مديحك ظنة * عليك بتقريظي ولا بثنائي
ولا مدح من كلفتني بامتداحه * وان كان ممن يستحق هجائي
فاني وان أصبحت والشعر حرفتي * وكنت امرأ في عدة الشعراء
لا ملك نهجا في الوفاء يريك من * تقدم من أهل الوفاء ورائي
وان يدا أوليتنيها وان مضى * بها الدهر باق ذكرها ببقائي
أراك بعيني عاجزا عن جزائها * فيصرف وجهي عن لقاك حيائي
ولست امرأ ان غاب غاب وفاؤه * ولكنني ان أنا يدن وفائي
رويدا فلو غولبت لم تأخذ الورى * بغلبك في أكرومة وسخاء
ولولا وجوه في القطيف أخافها * لما طال بالبحرين عنك ثوائي



(1) كان الناس في سنة 1004 قد تحونوا الدراهم قصا حتى تركت على نحو من زنة أربعة دوانيق
وكانت زنة الدرهم سبعة دوانيق فمشى خميس المشار اليه إلى الحضرة الديوانية في ذلك فأمر
الديوان بإبطال ما نقص وأمر بضرب سكة جديدة ثم استعمل الوزن في كل درهم فلا يؤخذ
الا موزونا فانتشر في سائر البلدان كذا في هامش ديوانه - المؤلف -
171
وقال يعاتب الشريف السيد ناصر بن سليمان العلوي القاروني على
أمر بينهما سنة 1004:
ما كنت أحسب والأيام مولعة * بخفض شان أخي العلياء والحسب
اني أمد لأندى العالمين بدا * يدي لأعلق ما أوتيه من نشب
ولو غدا وهو أعلى من أبي كرب * شانا وأصبحت من فقر أخا كرب
حتى سألتك يا أحنى الأنام على * ضعفي قويت ويا أحفى البرية بي
فظلت توسعني مطلا يضيق به * صدري ويضطرني كرها إلى الغضب
اني لأعجب والأيام ما خلقت * الا لتحدث أطوارا من العجب
من ضامن لي ان لو غبت عن وطني * أو مت أعقبني بالخير في عقبي
وانني في مجال العمر أساله * ما لا يقال له شيئا فلم يهب
أما الوفاء فشئ قد سمعت به * ولن تراه ولو أمعنت في الطلب
وقال يعاتبه أيضا:
نبت بي أرضكم فرحلت عنها * فخير من إقامتي الرحيل
إذا ذل العزيز بأرض قوم * وطال على العزيز بها الذليل
فليس يسوع فيها المكث الا * لمن أودى بهمته الخمول
فمكة وهي أشرف كل أرض * تحمل ظاعنا عنها الرسول
فيا ابن الناهضين بكل عب ء * من العلياء محمله ثقيل
ومن مدحوا بوحي الله فيهم * ففيه لهم غنى عما أقول
أعيذك ان يحيف علي دهر * وأنت بسد خلاتي كفيل
فصافحك الغدو بصفو ودي * وخالصتي وناجاك الأصيل
ودونكها كما رقت شمال * وراقت في زجاجتها شمول
وقال يعاتب العلامة الشريف ماجد البحراني سنة 1021:
يا ذا الذي ألف الثواء وذكره * قطع البلاد مغربا ومشرقا
أهدي إليك على الدنو تحية * أذكى من المسك الفتيق وأعبقا
وأطيل عتبي في تأخر موعد * لي يا أبر القائلين وأصدقا
حاشاك ان رجع امرؤ أعلقته * حبل الرجاء من المطالب مخفقا
لا شئ أبرح غلة من وارد * أدلى بادوام الدلاء وما استقى
من يستعن فيما يروم بماجد * لم يرم حاجته بسهم افوقا
العالم العلم البعيد المرتقى * والمورد العذب القريب المستقى
شمس العلى نجم الهدى طود النهى * بحر الندى ركن الرجا كنز التقى
اثنى الثناء علي حين صرفته * لأحق مولى بالثناء وأخلقا
ذكر جرى مجرى الرياح وشهرة * أخذت على القمرين أن لا يشرقا
يا منتقى الأخلاق أي وسيلة * أدلي بها بعد الكلام المنتقى
لولا وداد أحكمت أسبابه * ما بيننا وسائل لن تخلقا
ما فهمت بالشكوى إليك ولم أكن * يوما بحرف في العتاب لأنطقا
قم غير مأمور عليك وجد في * تقصير عمر الوعد طال بك البقا
وكان قد طلب من رجلين من اخوانه تتنا فأبطأ عليه فكتب اليهما
يعاتبهما:
يا طرس قل لخليلي اللذين هما * كالعين في اختلاف النفع والاذن
يمنا يدي ويسراها ومن ملكا * رقي بما أسلفا عندي من المنن
السيد الندب درويش وصاحبه * جمال عطارة الأمصار والمدن
أنس المجالس نجم الدين أطرب من * شدا ومن بمراعاة اللحون عني
هداكما الله اني ما صحبتكما * الا وأرجوكما عونا على الزمن
ولألبستكما في كل نائبة * الا لأنكما من أحسن الجنن
فما لي اليوم أستعطيكما (تتنا) * وهان لابارك الرحمن في التتن
فتجبهاني برد لا يقوم له * صبري ولا ينقضي عنده حزني
ما كان عذركما قولا لأسمعه * فان فتنتكما من أعظم الفتن
لو سمتمانيه بيعا كنت جئتكما * سعيا بما شئتما فيه من الثمن
اني لأنشد إذ خيبتما أملي * بيتا لبعض ذوي الألباب والفطن
(ما كنت أول سار غره قمر * ورائد أعجبته خضرة الدمن)
وقاكما الله عتبي ان أيسره * لا يستقر عليه الروح في البدن
وسلم الله ربي كل شارقة * عليكما ما شدت ورقاء في غصن
وقال يعاتب بعض أشراف البحرين سنة 1022:
أمولى كل من يولي الهبات * وأطولهم يدا في المكرمات
وانداهم إذا ما كان عام * تجف به ضروع الغاديات
يمينك لا تشل لها بنان * تحل عرى الأمور المشكلات
وأنت أحق هذا الناس طرا * بفضل ثنا وأبعد عن هنات
علام تعم هذا الناس فضلا * واحسانا وتعرض عن صلاتي
ولم يكشف لغيرك حر وجهي * ولم تفتح بمسالة لهاتي
الملح والنوادر
وقال وأرسلها إلى بعض أودائه المسمى براشد يستهديه ارزا
قل لأعلى الورى محلا ورتبه * واجل الأنام قدرا وانبه
والكريم الذي بنى لذوي * الآمال في ساحة (المنامة) (1) كعبه
وأبوه من قد علمنا واما * أمه فهي بالبتولة أشبه
خير بين خيرين تربى * طاهر العرض عن خني ومسبه
رحم الله والديه وأبقاه * بقاء الدنيا واعلى كعبه
ان قوما من الأحبة عندي * واعز الورى علي الأحبه
وببيتي ما شئت والحمد لله * ولكن ما فيه حبة شنبة (2)
ودعاني إلى استماحتك الود * الذي قد علمته والصحبة
فلئن جاء ما التمست فشكرا * ولئن كان غير ذاك فغضبه
فرمى الله من يعاديك يا * راشد اما بحبة أو بجربه
فلئن تاب بعد ذاك والا * فرماه بطعنة أو بحربه
ومن اغتاظ من دعائي ولم * يرض بما قلت فيك فهو ابن قحبه
المواعظ والمناجاة
قال وهو مريض:
يا من إذا وقف الوفود ببابه * ولووا أكفهم على أسبابه
رجعوا وقد ملأوا حقائب عيسهم * ما لا يهم الفقر أن يحظى به
ارحم غريبا أفردته يد النوى * فشكا إليك وأنت تعلم ما به
وقال وفيه الغزل وذكر الشيب والشباب والموعظة:
الجفن أرقتموه هجود * أو لدمع أرقتموه جمود
أجميل اني أبيت على * الجمر غراما بكم وأنتم رقود



(1) المنامة بلد بالبحرين. - المؤلف -
(2) الشنبه بوزن حربة نوع من الأرز. - المؤلف -
172
وأسيغ الشجى وأنتم على الماء * كما تشتهي العطاش ورود
أوجه ما الحليم حين يراهن * حليم ولا الرشيد رشيد
كل من أعطيت من الحسن حظا * ما عليه لمستزيد مزيد
وتراءت لو تعبد الناس وجها * لم يكن غير وجهها معبود
فالأمان الأمان من نظرات * لا يقينا من باسهن الحديد
عجب عيثهن فينا ولا * عدة الا مجاسد وبرود
أو كما تنظر الظباء عيون * وكما تنثني الغصون قدود
صاح ما للبيض الغواني عن البيض * اللواتي في عارضي تحيد
أو للبيض عن سناهن أو ما * كان ناش عن صدورهن صدود
مذهب جائر عن القصد منقوض * وحكم مستهجن مردود
يا رعى عني الصبا ولياليه * وأيامه اللدان الغيد
يوم حظي من المسرة واف * وشرابي صاف وعيشي رغيد
من عذيري من طالعات يريك * العمر رثا لباسهن الجديد
كلما ذدتهن عدن كما عاد * لورد الحياض سرح طريد
لا أرى صفقة بأخسر للمرء * ويجري القضا بما لا تريد
من هجوم المشيب وهو ذميم * وتولي الشباب وهو حميد
ان من لا يرى البياض * بفوديه ولو مات قبله لسعيد
* * *
يا عبيد الدنيا رويدا فان * الحظ مما تعطيكموه زهيد
وحياء من ربكم فكم السيد * يعفو وكم تسئ العبيد
وحذارا من موقف تخرس * الألسن فيه فذو البيان بليد
واشتروا هذه النفوس من الموت * فما ان على العذاب جليد
الأغراض المختلفة
والتمس منه بعض الصدور أبياتا تنقش على باب داره فقال:
انا ارفع الأبواب الا انني * أدنى لباغي العرف مما دوني
ما أغلقوني دون طالب حاجة * كلا ولا في وجهه ردوني
انا غوث منتجع وعصمة خائف * راج وموئل طالب مسكين
لم تفخر الأبواب الا طلتها * فخرا لأني باب شمس الدين
واستفسر السيد الشريف الفاضل رضي الدين بن عبد الله الحسيني
القاروني إلى الشريف العلامة ماجد البحراني في بعض المطالب فأبطأ عليه
فقال يتقاضاه:
الا قولوا لسيدنا الرضي * أخي المعروف والخلق الرضي
علام جرى فلم يستول يوما * على الأمد القصي ولا الدني
فلم ينعته واصفه بشئ * فما هو بالسريع ولا البطي
وما الأمد الذي اجرى اليه * فقصر عنه بالأمد القصي
ولم أكدى وما القت يداه * بآلتها إلى حسي بكي
وما طرح المزادة حين القى * بها الا على السيل الآتي
وقال:
أبا هاشم ان التي كنت واصفا * لها أمس والأحوال سوف تحول
وقفت على أشياء منها تريبني * وقد يستصح الجسم وهو عليل
مخايل دلتني ظواهرها على * بواطن طرفي دونهن كليل
وما انا عن سر الأنام بباحث * ولا عن أمور العالمين سؤول
شيخ جعفر الشروقي النجفي
هو الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد حسن ابن الشيخ موسى ابن الشيخ
حسن بن راشد بن نعمة بن حسن زعيم الفراغنة الشهير بالشيخ جعفر
الشروقي أو الشرقي.
ولد سنة 1259 وتوفي سنة 1309 في النجف الأشرف ودفن به
وعمره خمسون عاما.
(والشروقي) أو الشرقي نسبة إلى بلاد العراق الجنوبية الشرقية الواقعة
بين البصرة والكوفة. والفراغنة هم بيت الزعامة للعميرة العراقية المعروفة
بعشائر خيقان ينزل قسم منهم في نبر نهر الغراف قريبا من قرى حطامان
وينزل الجمهور الكبير على فرات سوق الشيوخ وتنزل طوائف منهم على
فرات الحلة واشتهر آل بيت الشيخ جعفر في النجف التي كانت مدرسة لهم
ودار هجرة ببيت الشروقي لأن النجفيين اعتادوا ان يطلقوا على أهل جنوب
العراق لفظ الشروقية.
أقوال العلماء فيه
كانت في النجف غضون القرن الثالث عشر للهجر بيوت علمية
مشهورة فنشأ الشيخ جعفر بين بيتين عظيمين من تلك البيوتات بيت
الشروقي وهو بيت أبيه وعمومته وعميد ذلك البيت أبوه الشيخ محمد حسن
الشروقي من أكابر علماء العراق وبيت آل صاحب جواهر الكلام وهو بيت
أمه و خؤولته وعميد ذلك البيت الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر جد
المترجم أبو أمه فنشأ نشأة علمية وأدبية رفعته إلى مقام الزعامة وحاز شهرة
واسعة في العلم و الأدب حتى أصبح يعد في طليعة العلماء والأدباء من
العرب فكان عالما فقيها متميزا شاعرا أديبا متفوقا ذكي الفؤاد قوي الفكر
رقيق الطبع حسن العشرة معروفا بالفضل والعلم بين علماء العراق ومن
يشار إليهم بالبنان وله شعر كثير، رأيناه بالنجف ومات بعد دخولنا إياها
بسنة واحدة. وفي الطليعة: كان فاضلا دقيق الفكرة عظيم الخبرة من بيت
علم وفضل وتقي وله شعر رقيق أكثره في الغزل وقال صاحب الحصون
المنيعة في طبقات الشيعة ما ملخصه: الشيخ جعفر الشروقي كان عالما وابن
عالم نال الشرف من أبيه وأمه موسوما بالفضل موصوفا بالاجتهاد دقيق الفكر
كثير التأمل عظيم الخبرة ذا رأفة وحنان تركه أبوه وهو ابن التاسعة من عمره
ولما شب أعطاه الله الحكمة وتزعم الحركة الأدبية في عصره فكان ناديه
ضمامة من شتى ورود الأدب ومجلسه حديقة للفضل استكن إلى ظله الأدباء
ونبغوا وتفيأ ظلاله العلماء ولم تحدث في النجف مشكلة أدبية أو لغوية أو
عويصة علمية الا وكان قوله الفصل وكان مرشحا للزعامة العامة ولكن
اخترمه الأجل اه‍ وذكره صاحب كتاب نقباء البشر في القرن الثالث عشر
فقال: الشيخ جعفر ابن الشيخ العلامة المقلد المشهور الشيخ محمد حسن
الشروقي برع حتى أصبح يشار اليه بالبنان وله ديوان شعر عام وقد شاهدت
بعض الرجال المسنين الذين أدركوه يحفظون قسما يسيرا من شعره فكان ذا
جزالة ورصانة وابتكار ومعظم ما سمعته في الغزل والوصف وكانت له
زعامة ذلك العصر وقد كان السيد الحبوبي والسيد حيدر الحلي والحاج محمد
حسن كبة والشيخ عباس الأعسم يراجعونه ويأخذون عنه لباب الأدب وقد
صرح لي الحاج محمد حسن كبة انه كان من المجتهدين الذين يستحقون
التقليد (انتهى باختصار).

173
مشايخه
قرأ على عظماء العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا
كاظم الخراساني وسائر علماء النجف كالشيخ عبد الحسين الطريحي في أول
أمره.
مؤلفاته
ألف كتابين جليلين في علم الأصول وكتابا في علم الفقه وديوانا
عامرا من الشعر وقد فقدت كل مخلفاته.
أولاده
ترك خمسة أولاد ذكور وبقيته اليوم ولده الوحيد الشيخ علي الشرقي.
شعره وأدبه
في أواخر القرن الثالث عشر للهجرة كانت في النجف دائرة علم
وأدب تنتظم من الشيخ جعفر المترجم والسيد محمد سعيد الحبوبي (النجفي)
والحاج محمد حسن كبة البغدادي والشيخ عباس الأعسم (النجفي) وعنها
تأخذ تلامذة الأدب وطلاب الفضيلة ولم يكن أدب الأفذاذ باطل الحمد
ومكذوب الثناء بل مجموعة ملح ونوادر ومداعبة بريئة وغزل محتشم، منادمة
أو مطارحة على كأس الأدب وبساط الفضل وآثار أولئك الأجلاء طافحة
بالتقدير والاحترام للشيخ جعفر والإكبار لآرائه والاهتمام بكل كلمة تصدر
منه، واليك طرفا مما يشعر بذلك وهي المراجعة أو المساجلة التي جرت بين
السيد حسين القزويني وبين الحاج محمد حسن كبة في قهوة البن حيث
يختلفان في الاختيار ويحكمان الشيخ جعفر قال السيد القزويني من أبيات:
ودع عني السلافة ليس شئ * أعل لغلتي من شرب قهوة
أدرها واسقنيها لا دهاقا * ولكن حسوة من بعد حسوه
فيرد عليه الحاج محمد حسن من أبيات:
فواعجبا لمثلك اريحيا * يشف لطافة ويذوب صبوه
يبيع سلاف ريقتها المصفى * لآجن مرة تدعى بقهوه
هلم نحكم الخريت فينا * فذاك السيف لا تعروه نبوة
وخريتهم المحكم هو الشيخ جعفر فرد عليهما بنتيجة التحكيم:
عجبت وأنتما ماء وخمر * قد استرضعتما در الأخوة
فكيف يبين بينكما خلاف * برشف سلافة راقت وقهوه
عذرتكما فقدما كل صب * تحيل لمن يهواه صبوه
ولكني إذا حكمتماني * سعين لذاك بين صفا ومروه
فان تكن السلافة فهي روح * وجدت بشربها فرحا ونشوه
وان تك قهوة بالمسك فاحت * فمن يده وان مرت لحلوه
وما ذهب السواد لها بشئ * فان الخال زاد الخد حظوه
ويقول في مقام آخر ومن مطاوي قوله تظهر لك مكانته بين
أصحابه:
هذه القهوة هذي * هذه المنهي عنها
كيف تدعى بحرام * وأنا أشرب منها
ومن آثاره في القهوة مطلع قصيدة قد اشترك في وضعها هو والحاج
محمد حسن كبة ونحن نذكر هنا الأبيات المختصة بالشيخ جعفر:
اسقني مرة لتحلو لديا * أن تكون حلوة فما جئت شيا
اي وجنب عن خمر جفنيك قلبي * فهو لا يستطيع تلك وذيا
فاسقنيها ومر بالكاس عني * أتراني يحلو سواه لديا
ان أجدها وكل خمر سواء * فلما ذا خلقت خلقا سويا
ان للراح شعلة تجتليها * هي فيها وشعلة الريق فيا
يا لها الله كيف شبت بقلبي * وروت وجنتيه بالخد ريا
يا بخيلا لو رام مني روحي * لتفديه كنت فيها سخيا
كم جلونا وكم جنينا ولكن * من حميا خديك وردا جنيا
وعهدنا كالروض منك انبساطا * ما شربنا الا عليه الحميا
غرني وجهك الطليق زمانا * بالغريين لا عدمنا الغريا
راح في راحتيك قلبي فمالي * غير أني صفقت في راحتيا
يا مطلا دمي بخديه عمدا * لأقودن عن دمي عندميا
غالطتني نفسي وأكذبني الظن * عليه فما لذاك وليا
ومما يدل على مكانة الشيخ جعفر بين أكابر عصره القصيدة الرائية
التي يشترك فيها هو والحاج محمد حسن كبة في مدح الشيخ جابر الكاظمي
الشاعر المشهور ولكن الحاج محمد حسن تخلص في تلك القصيدة لمدح
الشيخ جعفر فيقول:
وحسبك فخرا ما يفصل جعفر * جواهر قد باهى بهن المفاخر
جحافل من حص الجمان يسوسها * بفكرته ملك على الفضل قادر
وليس ببالي وهو أسطع حجة * أبحرا يباهي أم سماء يفاخر
فتى بأبيه العلم راقت رياضه * ومن جده انثالت علينا الجواهر
فخلفك لا تغررك رقة طبعه * إذا رام امرا دونه النجم قاصر
تحز السيوف البيض وهي رقيقة * وتردي العيون السود وهي فواتر
تعهد احياء العلوم بفكرة * تريك عيانا ما تسر السرائر
فقيه جفون الدين ملأى من الكرى * غدت وعيون الشرك منه سواهر
وللحاج محمد حسن كبة في مدح الشيخ جعفر مقرضا قصيدته الرائية
في تشييد صحن الكاظمية ومدح الإمامين موسى والجواد عليهما السلام من
جملة أبيات:
أشعرا رأيت اليوم أم حكما تترى * ودرا لنا رصفت أم أنجما زهرا
أم السحر لكن ما يروق حلاله * وان جل فوك العذب ان ينفث السحرا
بل الآية الكبرى بموسى تجللت * وكم لك في الاعجاز من آية كبرى
وما الشعر ما يزهيك لولا ثناؤه * وقد عبرت عليا أبيك على الشعرى
من شعره
شفني شوقك والشوق يشف * كلما يبرق في أذنيك شنف
عجبا من ناحل الخصر الذي * كاد من مر الصبا يعروه قصف
جؤذر تعبث في أجفانه * سنة الحسن إلى أن كاد يغفو
في يد الشمال أو كف الصبا * غصن منه لنا اهتز وحقف
قد تشكى ثقل زنار له * وعليه حمل ردفيه يخف
ريم رمل نافر عن صبه * ومن المألوف ان ينفر خشف
قلت يا غصن النقا عطفا على * صبك المضني فللأغصان عطف

174
تلك في كفك رهن كبدي * وعلى حبك ذا قلبي وقف
فاسقني من فيك لا كأس الطلى * خمرة يحلو لها في في رشف
واسق ندمانك راحا قرقفا * بكؤوس ملؤها روح ولطف
مثقلات بدم الزق وكم * برؤوس القوم قد راحت تخف
ومن نظمه:
قد قطعنا باليعملات فجاجا * نبتغي مربع الرواق معاجا
أترانا حجيج دير النصارى * قد طلبنا عند الكنائس حاجا
نرتجي ان نزور منها شموسا * أغلقوا دونهن بابا رتاجا
فلنا من جعودها الليل لو لم * تغد للسائرين فيه سراجا
كم سبتنا منها مليكة حسن * عقدت فوق رأسها الشعر تاجا
رسمت جذوة لقلبي منها * وجنات وما خلفن زجاجا
ما شهدنا لمشيها خطوات * بل شهدنا تمايلا وارتجاجا
كم عدلت الأحشاء فيها فلجت * ثم عنفتها فزادت لجاجا
قد لوينا الأعناق للكرخ شوقا * أن نناجي من نبتغي أو نناجي
يا سراج الركاب مرأى وذكرا * لا عدمنا سراجك الوهاجا
بهج القلب ذكرك العذب لكن * هاج فيه من غلتي ما هاجا
ان ماء سقيتنيه فراتا * قذفته العيون ملحا أجاجا
وله من قصيدة في كرخ بغداد:
أعد لي في صباحي من صبوح * بدجلة انها ذهبت بروحي
لقد ذهبت كناس الكرخ عنا * فيا نفسي عليها الدهر نوحي
أعارت للصبا روحي وقالت * إلى من قد حباك الحب روحي
أأختي يا حمامة دير سلمى * سألتك بالصبابة أن تبوحي
فما اختارت بقائي الدار الا * لا وحي بالهوى عنها وتوحي
وناسكة أرى الإنجيل فيها * يترجم لي بقرآن فصيح
أقول لجفنها إذ رام قتلي * أفدني ويك بالخبر الصحيح
أقتل المسلمين يجوز عمدا * فقال نعم على دين المسيح
وله في وصف الترامواي الذي كانت تجرة الخيل وقد شن بين
الكاظمية وبغداد:
وسارية تحن بغير قلب * وتعلن بالعويل بلا لسان
تحن لمعهد منها قريب * ويسكت واجد نائي المكان
تسنمنا لها أعلى سنام * يسابقنا عليه الفرقدان
ترانا قبض كف الجو فيها * وقد ولت بها فرسا رهان
وكم حملت ولم تعقد نكاحا * بمن شابا عليه العارضان
وما حملته في الأحشاء الا * وقد وضعته فهو لها ابن آن
وله في أخيه الشيخ أحمد الذي كان متنزها في بغداد:
لعمرك ان الأرض تشقى وتسعد * وأسعدها قصر به حل احمد
حواشيه من بلورة وسماؤه * فروع غصون الكرم والأرض عسجد
ومن طرب فيه المزاهر هلهلت * وغنى نداماه الهزار المغرد
وكم نثرت أيدي السحاب لآلئا * تقاصر عن منثورهن المنضد
تطوف عليه للنصارى كواعب * أكان لها فيه مزار ومعبد
وله في بغداد:
حي أقمار النصارى * تخذت في الكرخ دارا
وظباء في كناس * ما تألفن النفارا
تحسب البذلة صونا * وتعد الستر عارا
وكذا الأنجم طرا * لعلى دين النصارى
بي غريرات جفون * هي كالسيف غرارا
لم تزل سكرى صواحي * وبها الناس سكارى
ذات قد ان تثنى * حقر الغصن احتقارا
ومحيا ان تبدى * بهر العقل انبهارا
خلت ماء الحسن فيه * شب في الخدين نارا
فبرغمي اليوم عنها * مدلجا ركبي سارا
كبدي شكواك هذي * من فمي طارت شرارا
لم أكن للبيض أخشى * قبل جفنيها انكسارا
قد رأينا لك وجها * فيه جالينوس حارا
جال ماء الحسن فيه * فإذا الناس حيارى
قلت إذا قالت سواري * ما له عني توارى
معصم يدعو عليه * كل من صاع السوارا
عذب الصاغة في الذوق * فصاغته مرارا
أنت يا آية عيسى * بك أصبحنا نصارى
أين خلخالك قالت * غاص في الساق وغارا
كم وكم تحيين ميتا * بثرى العشق توارى
فهو ان يجن ورودا * فشقيقا وبهارا
أو يشا ينشق طيبا * شم شيحا وعرارا
وبنا من ناظريك * ملك يبدي اقتدارا
لو رآها الظبي يوما * لثنى الطرف وسارا
حي بالكرخ كناسا * اتخذناها مزارا
نهبت مني قلبي * سلبت مني القرارا
وله في تشييد مشهد الامامين موسى والجواد عليهما السلام قصيدته
الرائية المشهورة ومطلعها:
الا ليت شعري ما تصوع بنو كسرى * أسوار منيعا أم سوارا على الشعرى
لعمر العلى هذا هو الطود في الورى * وذا صعقا موسى لساحته خرا
وما دجلة الخضراء يمنى ويسرة * سوى يده البيضا جرت مننا حمرا
وتلك عصى موسى أقيمت بجنبه * وقد طلبت أقصى جوانبها بشرا
فكيف بها فذا تراءت ثمانيا * أسحرا وحاشا انها تلقف السحرا
أم العرش يغشى الطود فوق قوائم * كما عدها في الذكر فاستنطق الذكرا
وحسب ابن لاوي بابن جعفر في العلى * إذا ما حكاه ان ينال به فخرا
فان يك في هارون قد شد أزره * فقد شد موسى بالجواد له ازرا
جواد يمير السحب فيض يمينه * على أن فيض البحر راحته اليسرى
ضمين بعلم الغيب ما ذر شارق * ولا بارق الا وكان به أدرى
تظل العقول العشر من دون كنهه * حيارى كان الله أودعه سرا
أجل هو سر الله والآية التي * بها نثبت الاسلام أو نكفر الكفرا
امام يمد الشمس نورا فان تغب * كسا بسنا أنواره الأنجم الزهرا
وهي طويلة.
ومن قصيدته الغزلية فيمن اسمه شمران مطلعها:

175
شب الهوى شبة نيران * والفجر قد فجر أجفاني
ومنها قوله
ما فعل الشمر على كفره * ما فعلت أجفان شمران
لو لم يكن ثناه في حسنه * اخوه ما كان له ثان
وله:
ترقرق جدول في عارضيه * يلقب بالملاحة وهو عذب
وحار النمل لما دب فيه * فلا يدري أيسبح أم يدب
ولم أر قبل هذا الماء ماء * على أمواجه نار تشب
الثائر بالله أبو الفضل جعفر بن محمد بن الحسن الشاعر
المحدث بن أبي الحسن علي العسكري بن أبي محمد الحسن بن علي
الأصغر المحدث بن عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام.
توفي 345 ذكره صاحب البحر الزخار.
في تاريخ طبرستان للسيد ظهير الدين المرعشي: ويقال له السيد
الأبيض وهو ابن أخي (1) الناصر الكبير لأن الناصر الكبير هو الحسن بن علي
العسكري وكان لعلي المذكور ولد آخر اسمه الحسين المحدث، وأبو الفضل
جعفر الثائر بالله ابن الحسين المحدث وحين خروج الثائر بالله وقعت محالفة
بينه وبين ملك الجبال اصفهبد شهريار فانضم اليه اصفهبد واستولى على
طبرستان فلما رأى ذلك استندار صالح الثائر وطلبه إلى كيلان فلما توجه اليه
الثائر استقبله اصفهبد في جالوس فأقام فيها واجتمع عليه أهل تلك الولاية
ولما وصل الخبر إلى الحسن بن بويه ارسل ابن العميد في عسكر إلى آمل
ووقع المصاف بينه وبين الثائر فانهزم عسكر آل بويه وجاء الثائر إلى آمل
وبعد مدة وقعت مخالفة بين استندار والثائر فلم يتمكن الثائر من الإقامة في
آمل واضطر إلى الذهاب لكيلان ومقامه كان في قرية في كيلان في وسط جبل
تسمى (ميانده) في ولاية (سياه كله رود) وآثار عمارات هذا السيد من
المدارس والمساجد والخانقاهات إلى الآن في ذلك الموضع ظاهرة وقبره في
طرف هذه القرية ولهذا المشهد أوقاف ثابتة موجودة إلى الآن والمؤلف الحقير
عمر هذه الروضة المباركة وكتب عليها الكاتب ونصب لها متوليا في أيام دولة
السلطان الأرفع العادل صاحب الجبل والديلم السيد شمس الملة والدين
السلطان محمد خلد ملكه وسلطانه والمؤلف الحقير كان داروغة (2) تلك
الولاية وباهتمام وعناية حضرة صاحب السلطنة تيسر هذا المهم الخيري
وثوابه عائد إلى حضرة ولي النعمة خلد سلطانه والمقصود ان سادات كيلان
ودبلمان كانوا متفقين مع السيد لكن حيث كان للسيد غلام اسمه عمير
وكان صاحب اختيار أي مطلق الإرادة فعصى على السيد وارجع سادات
ورجال كيلان عن الثائر بالله واجتمعوا مع عمير ونهبوا أموال الثائر وأولاده
وفي ذلك يقول الشاعر:
يا آل ياسين أمركم عجب * بين الورى قد جرت مقاديره
لم يكفكم في حجازكم عمر * حتى بجيلان جاء تصغيره
ولما كان السادات لا يسلكون طريق الصلاح فسد اعتقاد الناس
فيهم، يحكى ان سيدا ذهب إلى ملك من ملوك رويان وطلب منه حاجة فلما
لم يقضها له غضب السيد وقال للملك آباؤك وأجدادك قبلوا امامة آبائي
وبذلوا لهم أرواحهم وأموالهم وأنت لا تقضي لي هذه الحاجة فما هو
السبب؟ فقال له الملك حقا تقول ولكن لما كان آباؤك يدعون آباءنا كان
آباؤك أهل دين وإسلام وآباؤنا في الكفر والجهل وحيث رأوا طريقة آبائكم
في مقام العدل والإنصاف والاستقامة علموا أن هذا هو الطريق المستقيم
فقبلوا منهم الاسلام وأطاعوهم وفدوهم بأنفسهم وأموالهم واليوم حيث
أنكم على خلاف سنة آبائكم الحسنة ونحن على هذه الطريقة التي قبلناها
من آبائكم لم نتركها فيلزم أن تتبعونا، وتوفي الثائر بالله ودفن فيها اه‍ وذكر
ابن أبي الحديد في شرح النهج فيما نقله عن الجاحظ من مفاخرة بني هاشم
وبني أمية قال ونحن نعد من رهطنا رجالا لا تعدون أمثالهم أبدا فمنا
الأمراء بالديلم الناصر الكبير وهو الحسن الأطروش ابن علي بن الحسن بن
عمر الأشرف بن زين العابدين والناصر الأصغر أحمد بن يحيى بن
الحسن بن القاسم بن إبراهيم طباطبا (إلى أن قال) ومن ولد الناصر الكبير
الثائر وهو جعفر بن محمد بن الحسن الناصر الكبير وهم الأمراء بطبرستان
وجيلان وجرجان ومازندران وسائر ممالك الديلم ملكوا تلك الأصقاع مئة
وثلاثين سنة وضربوا الدنانير والدراهم بأسمائهم وخطب لهم على المنابر
وحاربوا الملوك السامانية وكسروا جيوشهم وقتلوا أمراءهم اه‍ (أقول) في
هذا خلل والظاهر أنه من النساخ إذ يبعد وقوعه من الجاحظ وابن أبي
الحديد مع كمال المعرفة فقوله ومن ولد الناصر الكبير الثائر وهو جعفر بن
محمد الخ ليس بصواب فالثائر بالله هو المترجم جعفر بن محمد بن الحسين
الكبير ولي في أولاده من اسمه جعفر بن محمد بل له ولد لصلبه اسمه جعفر
ناصرك بن الحسن الناصر وهو لا يلقب بالثائر وعليه فما مر في مفتتح ج 15
من هذا الكتاب من أن الثائر في الله اسمه جعفر بن محمد بن الحسن
الناصر الكبير ليس بصواب والظاهر أننا أخذناه مما مر عن شرح النهج والله
أعلم. وفي تاريخ رويان:
(هو برادار زاده ناصر كبير) وبرادر زاده يطلق في الفارسية على ذرية
الأخ وإن نزلوا فلا ينافي ذلك كونه ابن ابن أخي الناصر لا ابن أخيه وقال إنه
خرج في كيلان ويلمان بعد قتل الداعي الصغير وضعف حال السادات
العلوية وأنه يقال له سيد البيض. ومر انه يقال له السيد الأبيض فالصواب
سيد أبيض وقال إنه وقعت مخالفة في ذلك الوقت بين اصفهبد شهريار ملك
الجبال واستندار أبي الفضل فانضم اصفهبد إلى الحسن بن بويه حاكم
الري وتلك النواحي وبواسطة ذلك استولى على طبرستان استيلاء تاما فسلم
الحسن بن بويه طبرستان إلى علي بن كأمة وذهب إلى العراق فاتى استندار
أبو الفضل بالثائر العلوي من كيلان تعصبا منه على أصفهبد وأجلسه في
شالوس فأقام بها واجتمع عليه الناس فوصل الخبر إلى الحسن بن بويه
فأرسل ابن العميد في عسكر إلى آمل وقع المصاف بينهم وبين عسكر الثائر
جعفر فانهزم عسكر آل بويه وهرب علي بن كأمة فجاء الثائر إلى آمل ونزل
في دار السادات بالمصلى ونزل استندار أبو الفضل في آمل أيضا وبعد مدة
وقع خلاف بين الثائر العلوي واستندار أبو الفضل فلم يستطع الثائر الإقامة
في أمل واضطر للذهاب إلى كيلان وخرج السادات من أولاد الناصر والثائر



(1) هكذا في مسودة الكتاب ولا يخفى انه ابن ابن أخيه وكذا قوله الآتي: وأبو الفضل جعفر الثائر
بالله ابن الحسين المحدث وما مر يقتضي انه ابن ابنه لا ابنه ولم يتيسر لنا الآن مراجعة تاريخ
طبرستان المذكور.
(2) الداروغة بمنزلة رئيس الشرطة.
(3) ج 3 ص 486 من الطبعة المصرية. - المؤلف -
176
من كيلان وديامان إلى حد أنه كان للثائر غلام اسمه عمير فبعد ما قهر
الكيل والديلم السادات وأخذوا منهم طبرستان عصى عمير على الثائر وجاء
إلى كيلان ودعا الناس اليه ونهب أموال الثائر وسلب أولاده ثم قتل أهل
كيلان الثائر بأمر عمير هذا اه‍. وفيه بعض المخالفات لما تقدم.
جعفر بن محمد بن حكيم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم (ع). وقال الكتبي:
سمعت حمدويه بن نصير يقول: كنت عند الحسن بن موسى اكتب عنه
أحاديث جعفر بن محمد بن حكيم إذ لقيني رجل من أهل الكوفة أسماه لي
حمدويه وفي يدي كتاب فيه أحاديث جعفر بن حكيم فقال هذا كتاب من
فقلت كتاب الحسن بن موسى عن جعفر بن محمد بن حكيم فقال أما
الحسن فقل فيه ما شئت وأما جعفر بن حكيم فليس بشئ اه‍ وفي لسان
الميزان: جعفر بن محمد بن حكيم الكوفي ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال
الشيعة اه‍ وأبوه محمد بن حكيم يوصف بالخثعمي فيكون هو خثعميا وفي
التعليقة في الوجيزة ضعيف والحكم به بمجرد ما ذكر ضعيف مع أنه يأتي عن
النجاشي في أبيه أن جعفرا يروي كتاب أبيه من دون طعن في الطريق أو
تأمل مع أن طريقته التأمل في مثله كان يقول مظلم أو ضعيف أو نحوه
اه‍.
جعفر بن محمد حمزة
روى الكليني في الكافي في باب صفات الذات عن سهل بن زياد عنه
عن الرجل (ع).
جعفر بن محمد بن رباح
قال ابن داود رباح بالباء المفردة اه‍.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
جعفر بن محمد بن زيد
في لسان الميزان: ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولا
ذكر له في كتب الشيخ أبي جعفر الطوسي وكأنه مصحف ويحتمل كونه
تصحيف جعفر بن محمد بن سماعة بن زويد.
جعفر بن محمد بن سليمان
في لسان الميزان ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولا ذكر
له في كتب الشيخ أبي جعفر الطوسي وانما فيه جعفر بن سليمان كما مر.
جعفر بن محمد بن سماعة بن موسى بن زويد بن نشيط الحضرمي مولى
عبد الجبار بن وائل الحضرمي حليف بني كندة أبو عبد الله أخو محمد
الحسن وإبراهيم بن محمد
في نضد الايضاح (زويد) بالزاي والواو الساكنة والتحتانية والمهملة
(ونشيط) بفتح النون وكسر المعجمة ثم التحتانية والمهملة اه‍.
قال النجاشي كان جعفر أكبر اخوته ثقة في حديثه واقف له كتاب
النوادر كبير أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا أحمد بن جعفر بن سفيان
حدثنا أحمد بن زياد حدثنا الحسن بن محمد عن أخيه اه‍ وفي التعليقة
سنذكر في الحسن بن حذيفة عن الشيخ ما يدل على كونه من فقهاء القدماء
لأن جعفر بن سماعة في عبارته هو هذا لا الذي ذكر في ترجمته ولعل ظهور
كونه من فقهاء وأرباب الرأي والمذهب في كلامهم في غير واحد من
المواضع اه‍ (أقول) مر في جعفر بن سماعة احتمال اتحاده مع هذا والكلام
على ذلك مفصلا فراجع، وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد بن سماعة بن
موسى الحضرمي ذكره ابن النجاشي في رجال الشيعة اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن سماعة الموثق برواية الحسن بن محمد أخيه عنه اه‍ وعن جامع
الرواة انه زاد رواية الحسن بن موسى الخشاب عنه عن كرام في الكافي في
باب انه إذا لم يبق في الأرض الا رجلان كان أحدهما الحجة اه‍.
جعفر بن محمد السنجاري
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال يروي
عنه حميد وقال النجاشي جعفر بن محمد السنجاري لم يسمع منه حميد الا
حديثا واحدا أخبرنا بذلك ابن نوح عن الحسين بن علي عن حميد اه‍ وفي
لسان الميزان: جعفر بن محمد السنجاري ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال
الشيعة اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد السنجاري برواية حميد عنه.
جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي
قال الشيخ في الفهرست له كتاب رويناه عن عدة من أصحابنا عن
أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري عن أبي علي بن همام عن حميد عن
أحمد بن زيد عن جعفر الأزدي البزاز عن محمد بن أمية بن القاسم
الحضرمي عن جعفر بن محمد بن شريح اه‍ وفي منهج المقال في بعض
النسخ زاد عن رجاله، وفي لسان الميزان: جعفر بن شريح الحضرمي ذكره
أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولكنه صحف شريح بسريج.
وفي خاتمة مستدركات الوسائل ان نسخة كتابه عنده وان سنده في
تلك النسخة. وفي نسخة المجلسي هكذا: الشيخ أبو محمد هارون بن
موسى بن أحمد بن إبراهيم التلعكبري أيده الله قال حدثنا محمد بن همام
حدثنا حميد بن زياد الدهقان حدثنا أبو جعفر أحمد بن زيد بن جعفر الأزدي
حدثنا محمد بن المثنى بن القاسم الحضرمي حدثنا جعفر بن محمد بن شريح
الحضرمي عن حميد شعيب السبيعي عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر
(ع) الخبر. قال صاحب المستدركات والظاهر أن أمية في سند الشيخ
مصحف والصواب كما في سند الكتاب المثنى وأشار إلى ذلك في البحار
ومحمد ابن أمية غير مذكور في الرجال ولا في أسانيد الأخبار وأحمد بن زيد
هو الخزاعي المذكور في الفهرست انه يروي كتاب آدم بن المتوكل وكتاب أبي
جعفر شاه طاق عن جماعة عن أبي المفضل عن حميد عن أحمد بن زيد
الخزاعي عنه قال وظهر مما نقلناه أنه من مشايخ الإجازة وان حميدا اعتمد
عليه في رواية الكتب المذكورة وكتاب محمد بن المثنى ومشايخ الإجازة لا
يحتاجون إلى التزكية والتوثيق مع أن رواياته في الكتاب سديدة مقبولة ومما
يشهد على حسن حاله اعتماد محمد بن مثنى عليه فان جل روايات كتابه عنه
اه‍.

177
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي في باب جعفر بن محمد يعرف
جعفر بن محمد بن شريح برواية محمد بن أمية عنه اه‍.
جعفر بن محمد الشيرازي
في لسان الميزان قال ابن القطان لا يعرف حاله حديثه في سنن
الدارقطني قلت وذكره الطوسي في رجال الشيعة وكرره المؤلف بعد ذلك
اه‍ ولا ذكر له في كتب الشيخ الطوسي ولم أجده في ميزان الاعتدال
فلينظر.
الشيخ جعفر بن محمد العاملي
في إجازات البحار ما لفظه: صورة إجازة الشيخ جعفر بن محمد
العاملي للسيد أمير علي كيا قدس سره بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
الذي أمر بالتعلم والتعليم في محكم الآيات والقرآن الحكيم وأرشد إلى
التفقه في الدين في الكتاب المبين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم
النبيين محمد المبعوث بالشرع المنير وعلى آله وعترته المعصومين الحافظين
لقواعد الشرع والهادين إلى الصراط المستقيم المرشدين لكل حال من أهل
السماوات والأرضين إلى يوم الدين وبعد فان حضرة السيد الأيد الجليل
صاحب الفضل والافضال الغني عن المبالغة والاطناب في الألقاب الغالب
على اسمه الشريف بأمير علي كيا قد قرأ علي معظم الكتاب الجليل الذي لم
يصنف مثله لمؤالف ولا لمخالف أعني الموسوم بقواعد الأحكام على مذهب
الفرقة المحقة والكتاب الموسوم بارشاد الأذهان في أحكام الايمان قراءة مهذبة
منقحة تشهد بفضله وعلو فهمه ومقدار ذهنه في أكثر المسائل المشكلة
والأماكن المغلقة وقد أوضحت له في ذلك ما وصل اليه جهدي وكان مع
ذلك إفادته تزيد على الاستفادة وقد أجزت له رواية الكتابين عني وعن
مشايخي بالطريق المعهود بعد ان شرطت عليه الاحتياط في النقل والتأمل في
المعنى وكتب جعفر بن محمد العاملي عومل بلطفه وكرمه ليلة الخميس الموافقة
ليلة أول العشر الثالث من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة تسع
وخمسين تسع مائة والحمد لله على نعمائه وحسن بلائه وصلى الله على محمد
وآله وسلم اه‍.
جعفر بن محمد بن العباس
هو الدوريستي المتقدم بعنوان جعفر بن محمد بن أحمد.
جعفر بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم ابن عمر بن سليمان بن
إدريس بن يحيى المعتلي بن علي العالي بن محمود بن ميمون بن عبد الله بن
الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب. أبو عبد الله بن أبي جعفر
الإدريسي الغاوي المحتد القاهري المولد
ولد بالقاهرة مستهل شوال سنة 611 وتوفي سنة 696.
ذكره صاحب الطالع السعيد في علماء الصعيد فقال: سمع من أبي
بكر بن باقا وأبي الحسن علي الحميري وأبي المحاسن بن شداد وأبي القاسم
ابن المقير ومن أبيه الحافظ محمد وانفرد بإجازة أبي الربيع سليمان بن يسين
وأبي محمد عبد الخالق بن صالح بن شداد وحامد الأهوازي روى عنه
المقشراني وقال: كان شيخنا مختارا لنشر العلم، حسن المحاضرة، كريما.
روى عنه الأبيوردي والحافظ الدمياطي وشيخنا أثير الدين وذكره الحافظ
الدمياطي وقال أنشدنا لنفسه:
الا يا ضريحا ضم نفسا زكية * عليك سلام الله في القرب والبعد
عليك سلام الله ما هبت الصبا * وما ناح قمري على البان والرند
وما سجعت ورق وغنت حمامة * وما اشتاق ذو وجد إلى ساكني نجد
وما لي سوى حبي لكم آل أحمد * أمرع من شوقي على بابكم خدي
ومدح قاضي القضاة ابن بنت الأعز بقصيدة اه‍.
جعفر الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر الأطرف ابن علي بن أبي
طالب
في عمدة الطالب: وأما جعفر الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد
ابن الأطرف فكان قد خاف بالحجاز فهرب في ثلاثة عشر رجلا من صلبه
فما استقرت به الدار حتى دخل الملتان فلما دخلها فزع اليه أهلها وكثير
من أهل السواد وكان في جماعة قوي بهم على البلد حتى ملكه وخوطب بالملك
وملك أولاده هناك وأولد 364 وفي نسخة 464 قال ابن خداع أعقب من
28 ولدا وقال شيخ الشرف العبيدلي أعقب من نيف وخمسين رجلا وقال
البيهقي أعقب من ثمانين رجلا قال الشيخ أبو الحسن العمري بعد أن ذكر
المعقبين من ولد الملك الملتاني 24 رجلا قال لي الشيخ أبو اليقظان عمار وهو
يعرف طرفا كثيرا من أخبار الطالبيين وأسمائهم ان عدتهم أكثر من هذا
ومنهم ملوك وأمراء وعلماء ونسابون وأكثرهم على رأي الإسماعيلية لسانهم
هندي وهم يحفظون أنسابهم وقل من يعلق عليهم ممن ليس منهم هذا كلامه
وقال الشيخ أبو نصر البخاري وبشيراز ولد جعفر بن محمد بن عمر بن
علي وبالسند من ولد جعفر جماعة على ما يقال اه‍.
جعفر بن محمد عبيد الله
قال الشيخ في الفهرست له كتاب رويناه عن عدة من أصحابنا عن
أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله اه وفي التعليقة فيه ما مر
في جعفر بن محمد الأشعري اه‍ ومر هناك ترجيح اتحادهما وفي لسان
الميزان: جعفر بن محمد بن عبيد الله ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال
الشيعة اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد انه ابن عبيد
الله برواية أحمد بن أبي عبد الله عنه اه‍.
جعفر بن محمد بن عبيد الله العلوي
في التعليقة: الظاهر أنه جعفر بن محمد بن إبراهيم الملقب بالشريف
الصالح اه‍ وقد تقدم.
جعفر بن محمد العلوي الحسيني من ولد علي بن عبد الله بن الحسين بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يكنى أبا هاشم
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال روى عنه
التلعكبري وقال كان قليل الرواية وسمع منه شيئا يسيرا اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد انه العلوي
برواية التلعكبري عنه والفارق بينه وبين من سبق القرينة اه‍ وعن جامع
الرواة أنه زاد نقل رواية محمد بن أحمد بن أبي الثلج ومحمد بن عبد الله ابن
المطلب أبو المفضل الشيباني وأحمد بن محمد بن سعيد والبرقي عنه عن أبي

178
الحسن الرضا (ع) اه‍ وهو ينافي عد الشيخ له فيمن لم يرو عنهم عليهم
السلام.
جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب ومحمد هو ابن الحنفية
قتل يوم الحرة سنة 63.
في عمدة الطالب: أما جعفر بن محمد بن الحنفية وقتل يوم الحرة
حين أرسل يزيد بن معاوية مسرف بن عقبة المري لقتال أهل المدينة المشرفة
ونهبهم اه‍.
جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة
مضى في ترجمة جعفر بن علي بن الحسن الخ اتحاد معه.
السيد جعفر بن السيد أبو الحسن محمد ابن السيد علي شاه الرضوي النسب
القمي الكشميري اللكهنوئي
توفي في حياة أبيه وأبوه توفي سنة 1316.
كان غاية في حدة الذهن وسلامة القريحة ودقة النظر قرأ في بلاد الهند
على أبيه وهاجر إلى العراق فقرأ على علماء النجف حتى بلغ رتبة الاجتهاد ثم
رجع إلى لكهنوء وتوفي في حياة والده قبل ان يشتهر بين الناس هكذا قال
السيد علي نقي النقوي الهندي في كتيبه.
جعفر بن محمد بن عون الأسدي
قال العلامة في الخلاصة: وجه روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى
ومثله في رجال ابن داود وزاد أنه لم يرو عن أحدهم عليهم السلام ولا يخفى
أن كونه وجها مأخوذ من قول النجاشي في ترجمة ابنه محمد بن جعفر وكان
أبوه وجها، واقتصر في منهج المقال على نقل كلام العلامة وابن داود، وقال
في التعليقة لاحظ ترجمة ابنه محمد فان ما يظهر منها أولى مما ذكر هنا اه‍.
جعفر بن محمد بن عيسى الأشعري أخو محمد أحمد بن محمد الأشعري
في منهج المقال روى عن علي بن يقطين وعنه أحمد أخوه في باب
الشهادات على النساء اه‍ وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد بن عيسى ذكره
أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولا ذكر له في كتاب الشيخ
الطوسي.
الوزير أبو القاسم جعفر بن أبي الفرج محمد بن العباس بن فسانجس (1)
ولد ببغداد سنة 355 وتوفي سنة 419 باربق قاله ابن الأثير
(فسانجس) ببالي اني رأيت في بعض المواضع انها بسكون النون وهي لفظة
غير عربية ولا أعرف معناها.
والمترجم من أهل بيت كان فيهم الوزراء والكبراء منهم أبوه أبو
الفرج محمد بن العباس بن فسانجس توفي سنة 370 وعمه أبو محمد علي بن
العباس بن فسانجس وزير شرف الدولة بن بويه. والمترجم كان وزير
سلطان الدولة بن بويه، وابنه أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن
العباس بن فسانجس كان وزير الملك أبي كاليجار البويهي، ويدل على
تشيعهم ما رأيته في بعض كتب التواريخ وغاب عني الآن موضعه ان
بعضهم حمل بعد موته فدفن بالكوفة. قال ابن الأثير في حوادث سنة 408
وفيها هرب ابن سهلان من سلطان الدولة إلى هيت وولى سلطان الدولة
موضعه أبا القاسم بن أبي الفرج ابن فسانجس وقال في حوادث سنة 409
في هذه السنة قبض سلطان الدولة على وزيره ابن فسانجس واخوته وولى
وزارته ذا السعادتين أبا غالب الحسن بن منصور اه‍.
أبو الحسن جعفر بن محمد بن فطير الكاتب الوزير المشهور
في مجالس المؤمنين ما ترجمته: ذكره ابن كثير الشامي في تاريخه فقال إنه
أحد وزراء وكتاب العراق وكان شيعيا صلبا مشيد النطاق ولما كان تشيعه
شائعا جاءه يوما رجل وقال له اني رأيت البارحة أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب في المنام وأمرني فقال اذهب إلى عند ابن فطير وقل له يعطيك عشرة
دنانير ولما كان هذا الشخص مظنة للكذب في هذا المنام بقصد التسول أراد
الوزير تحقيق حاله فسأله فقال: في أي وقت من الليل رأيت هذا المنام؟ قال
في أول الليل فقال أبو الحسن اني رأيته في المنام في آخر تلك الليلة وقال لي
إذا جاءك شخص من صفته كذا وكذا وطلب منك فلا تعطه شيئا فلم يلح
عليه ذلك الرجل في السؤال وتوجه راجعا إلى داره فلما رأى الوزير تأني هذا
الرجل وسكونه وتركه الالحاح في المسالة شم منه رائحة الصدق فطلبه
وأعطاه ومن شعره هذه الأبيات:
ولما سبرت الناس اطلب منهم * أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
و فكرت في يومي سروري وشدتي * وناديت في الاحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت * ولم أر فيما سرني غير حاسد
جعفر بن محمد الفقيه
في ميزان الاعتدال فيه جهالة قال مطين حدثنا جعفر حدثنا أبو معاوية
عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: انا مدينة العلم وعلي بابها هذا موضوع اه‍ وفي لسان الميزان
هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها ان يكون
الحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع اه‍ ومن ذلك قد
يظن تشيعه، وفي تاريخ بغداد: جعفر بن محمد أبو محمد الفقيه أخبرني
بحديثه الحسين بن علي الصيمري حدثنا أحمد بن محمد بن علي الصيرفي
قال حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين حدثنا محمد بن عبد الله - أبو
جعفر الحضرمي - حدثنا جعفر بن محمد البغدادي أبو محمد الفقيه - وكان في
لسانه شئ - حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم
فليأت الباب) قال أبو جعفر لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات
أحد، رواه أبو الصلت فكذبوه اه‍ وقد سمعت ما قاله ابن حجر ومنه تعلم
أن تكذيبهم له محض عصبية وتحامل.
جعفر بن محمد القلانسي
في التعليقة من أصحاب أبي محمد (ع) يظهر من الاخبار حسن
عقيدته وعدم كونه مخالفا اه‍.
جعفر بن محمد بن قولويه
مضى بعنوان جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه.
جعفر بن محمد الكرجي القلانسي
في لسان الميزان: ذكره أبو جعفر بن بابويه في رجال الشيعة اه‍
والكرجي كان صوابه الكرخي والمراد بأبي جعفر هو صاحب الفهرست
وليس له ذكر فيه والظاهر أنه وقع في اسمه تحريف: نعم مر جعفر بن محمد
القلانسي ومر قول صاحب التعليقة فيه، والظاهر أنه هو هذا.



(1) آخر عن محله سهوا.
179
الشيخ جعفر ابن المولى محمد الكرمانشاهي
كان عالما فاضلا فقيها أصوليا جمع تقريرات بحثه في الأصول بعض
تلاميذه.
جعفر بن محمد الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام وقال
روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى اه‍ وفي منهج المقال: وفيه نظر لأنه يروي
أبو جعفر بن بابويه عنه كتاب عبد الله بن المغيرة وأبو جعفر يروي عن أبيه
عن محمد بن أحمد بن يحيى ولا تناسب رواية محمد بن أحمد عنه بل ينبغي
رواية أحمد بن محمد بن يحيى عنه فإنه في رتبة أبي جعفر بن بابويه نعم لا
يبعد أن يكون المراد بجعفر بن محمد الكوفي جعفر بن محمد الأسدي فإنه
كوفي أيضا ويناسب رواية محمد بن أحمد عنه كأحمد بن محمد بن عيسى
اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد انه الكوفي
برواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه وقال الكاظمي قال الميرزا في كتابه الكبير
وذكر ما مر اه‍ وعن جامع الرواة أنه نقل رواية محمد بن يعقوب عن
علي بن محمد عن جعفر بن محمد الكوفي في باب الإشارة والنص على أبي محمد
(عليه السلام) من الكافي ورواية علي بن محمد عنه أيضا في باب
النص على صاحب الدار (عليه السلام) وباب من رآه من الكافي ورواية
محمد بن يعقود عن محمد بن يحيى والحسن بن محمد جميعا عنه في مواضع ثم
تنظر في روايته عن الحسن بن محمد وجعل الصواب عن الحسين بن محمد
بقرينة روايته عن الحسين بن محمد بن عمران الأشعري كثيرا وعن جامع
الرواة أيضا رواية الحسن بن علي عن جعفر بن محمد الكوفي عن يوسف
الابزاري اه‍.
جعفر بن محمد بن الليث الكوفي
ذكره النجاشي في طريقه إلى كتب محمد بن الحسن بن أبي سارة في
ترجمة المذكور.
جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور مولى أسماء بن خارجة بن
حصين الفزاري أبو عبد الله كوفي
قال النجاشي كان ضعيفا في الحديث قال أحمد بن الحسين كان يضع
الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل وسمعت من قال كان أيضا فاسد
المذهب والرواية ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي ابن
همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله وليس هذا موضع
ذكره له كتاب غرر الاخبار وكتاب أخبار الأئمة ومواليدهم عليهم السلام
وكتاب الفتن والملاحم أخبرنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن إبراهيم ابن أبي
رافع عن محمد عنه بكتبه وأخبرنا أبو الحسين ابن الجندي عن محمد بن همام
عنه (اه‍) وقال الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم (عليهم السلام) جعفر
ابن محمد بن مالك كوفي ثقة ويضعفه قوم وروى في مولد القائم عليه
السلام أعاجيب (اه‍) وقال في الفهرست جعفر بن محمد بن مالك له كتاب
النوادر أخبرنا به جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري عن أبي علي
ابن همام عن جعفر بن محمد بن مالك اه وفي الخلاصة ذكر ما قاله النجاشي
ثم قال: قال ابن الغضائري انه كان كذابا متروك الحديث جملة وكان في
مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء مجتمعة
فيه وقال الشيخ الطوسي وذكر ما مر عنه في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم
السلام إلى قوله أعاجيب ثم قال والظاهر أنه هذا المشار اليه فعندي في
حديثه توقف ولا أعمل بروايته اه‍ وعن كتاب الاستغاثة حدثنا جماعة من
مشايخنا الثقات منهم جعفر بن محمد بن مالك الكوفي اه‍ وفي التعليقة:
قوله جعفر بن محمد بن مالك سيأتي في محمد بن أحمد بن يحيى استثناء ابن
الوليد والصدوق إياه من رجال محمد بن أحمد بن يحيى وبناؤه على عدم
الوثاقة وقوله روى عنه شيخنا الخ ويروي عنه أيضا البزوفري وابن عقدة
وهو كثير الرواية وقد أكثر من الرواية عن المشايخ وقول الشيخ بكونه ثقة
ونقله التضعيف عن قوم دليل على تأمل منه فيه وعدم قبوله إياه ثم في قوله
روى مولد القائم الخ بعد توثيقه ونقله التضعيف لعله إشارة منه إلى أن
سبب تضعيفهم إياه رواية الأعاجيب في مولده (ع) وانه ليس منشأ
للتضعيف وان الأمر على ما ذكره فان رواية الأعاجيب وأمثالها لعله منشأ
للتضعيف عند كثير من القدماء كما لا يخفى على المتتبع المطلع ولا يخفى انه
ليس كذلك. قال جدي - المجلسي الأول -: لا شك في أن أموره (ع)
كلها أعاجيب بل معجزات الأنبياء كلها أعاجيب ولا عجب من ابن
الغضائري في أمثال هذه والعجب من الشيخ لكن الظاهر أن الشيخ ذكر
ذلك لبيان وجه تضعيف القوم لا للذم ثم قال والعجب من النجاشي انه
مع معرفته هذه الاجلاء وروايتهم عنه كيف سمع قول جاهل مجهول فيه
والظاهر أن الجميع نشا من قول ابن الغضائري كما صرح به النجاشي
حيث قال كان ضعيفا في الحديث قال أحمد بن الحسين الخ. فانظر متى يجوز
نسبة الوضع إلى أحد لرواية الأعاجيب والحال أنه هو لم يروها فقط بل
رواها جماعة من الثقات اه‍ أقول قوله والظاهر أن الجميع نشا من قول ابن
الغضائري فيه شئ لا يخفى على المطلع بأحوال النجاشي وطريقته - يعني
من عدم استناده إلى تضعيف ابن الغضائري - مع أنه قد أشرنا إلى استثناء
ابن الوليد والصدوق الخ نعم لا يبعد أن يكون منشا قولهم وتضعيفهم
رواية الأعاجيب ومنشأ قول النجاشي تضعيفهم أو مع روايته الأعاجيب
والظاهر أن من جملة المنشأ روايته عن المجاهيل ونسبة الارتفاع اليه ولعل
هذه النسبة أيضا من روايته الأعاجيب ومما يدل على عدم غلوه ما رواه في
الخصال عنه بسنده إلى الصادق (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال صنفان من أمتي لا
نصيب لهما في الاسلام الغلاة والقدرية اه‍ وقد اتضح من جميع ما تقدم
وثاقة الرجل لتوثيق الشيخ له وكونه كثير الرواية وقد أكثر الثقات والمشايخ
من الرواية عنه فروى عنه الشيخ الجليل النبيل الثقة أبو علي محمد بن همام
والشيخ الجليل الثقة أبو غالب الزراري وأكثر الصدوق من الرواية عنه في
كتبه وروى عنه البزوفري وابن عقدة وهما من اجلاء المشايخ اما استثناء
الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد إياه من رجال محمد بن أحمد بن
يحيى فلم يعلم وجهه ولا ينحصر أمره في عدم الوثاقة وعلى فرضه فالظاهر أنه
لتشدد القميين في أمر الغلو وعدهم نسبة جملة من المعجزات وخوارق
العادات غلوا حتى عد الصدوق تنزيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السهو والنسيان أول
الغلو ويدل على أن مجرد الاستثناء المذكور لا يوجب عدم الوثاقة وجود الثقة
فيمن استثني على أن الصدوق مع اتباعه في ذلك وغيره شيخه ابن الوليد قد
أكثر الرواية عن الرجل ولم يعبأ بهذا الاستثناء وابن الغضايري لا عبرة
بتضعيفه لأنه لم يسلم منه أحد من الثقات كما هو معلوم ونقل الشيخ
التضعيف عن قوم ظاهر ظهورا بينا في تأمله فيه وعدم قبوله إياه وكذلك
قوله روى في مولد القائم (ع) الأعاجيب ظاهر ظهورا بينا في الإشارة إلى أنه
منشا التضعيف وعدم قبوله له وإلا لما وثقه. والنجاشي وإن كان لا

180
يستند إلى تضعيف ابن الغضايري دائما فقد يستند اليه في بعض المواضع.
والمتأمل يجزم بان منشا التضعيف ونسبة الوضع والكذب وانه متروك
الحديث ونسبة الارتفاع في المذهب - أي الغلو - وفساد المذهب والرواية
واجتماع كل عيوب الضعفاء فيه منشا ذلك كله رواية المعجزات التي كانوا
يعدونها غلوا فنسب إلى فساد المذهب والغلو لذلك ونسب إلى الوضع
والكذب وفساد الرواية لأن من يروي الغلو فهو كاذب فاسد الرواية ونسب
إلى اجتماع كل عيوب الضعفاء فيه لروايته مع ذلك عن الضعفاء والمجاهيل
فان ذلك عندهم أيضا من أسباب القدح وعدم قبول الرواية وإذا ثبت ان
ذلك هو المنشأ ظهر بطلان كل ما بني عليه ورواية الخصال تدل على أن
الغلو والارتفاع المنسوب اليه لا يراد به الغلو الذي يضر اعتقاده وصدر
الرواية قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) أدنى ما يخرج به
الرجل من الايمان ان يجلس إلى غال فيستمع إلى حديثه ويصدقه على قوله
ان أبي حدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله ص قال صنفان من أمتي الخ
وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد بن مالك بن محمد بن جعفر الفزاري
ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولا يخفى اختلاف الترجمة عما
في فهرست الشيخ أبي جعفر الطوسي كما سمعت.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد بن مالك
برواية محمد بن همام عنه اه‍ وعن جامع الرواة انه نقل رواية جماعة عنه
منهم أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان والحسين بن علي البزوفري
وأخوه الحسن وأحمد بن سعيد ومحمد بن يحيى العطار وأبو الحسين بن أبي
طاهر والحسين بن محمد اه‍.
الشيخ جعفر بن أبي الفضل محمد بن محمد بن شعرة
في أمل الآمل: فاضل جليل يروي الشهيد عن محمد بن جعفر
المشهدي عنه اه‍.
جعفر بن محمد بن مروان
قال الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام جعفر بن
محمد بن مروان عن إسماعيل بن إبراهيم النجاري روى عنه أبو عبد الله
محمد بن محمد بن رباط الخزاز الكوفي روى عنه ابن نوح اه‍. وفي ميزان
الاعتدال: جعفر بن محمد بن مروان القطان الكوفي قال الدارقطني لا
يحتج بحديثه اه‍ وفي لسان الميزان: وذكره أبو جعفر الطوسي في رجال
الشيعة وقال كان ورعا اه‍ والشيخ كما سمعت لم يصفه بالقطان الكوفي ولم
يقل كان ورعا والله أعلم.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد بن مروان
برواية ابن نوح عنه وزاد الكاظمي أنه روى عنه أبو عبد الله محمد بن
محمد بن رباط الخزاز الكوفي وروى هو عن إسماعيل بن إبراهيم النجار
(النجاري) اه‍.
جعفر بن محمد المروزي
في لسان الميزان: ذكره أبو جعفر بن بابويه في رجال الشيعة اه‍
ومراده بأبي جعفر بن بابويه هو منتجب الدين كما يفهم من تتبع كلامه ولا
ذكر له في فهرسته.
جعفر بن محمد بن مسرور
في التعليقة: كثيرا ما يروي عنه الصدوق مترضيا وسيشير اليه
المصنف في ذكر طريق الصدوق إلى إسماعيل بن الفضل ويحتمل كونه ابن
قولويه لأن اسم قولويه مسرور وهو في طبقة الكشي إلى زمان الصدوق وعلى
أي تقدر الظاهر أنه من المشايخ اه‍ فيكون قد نسبه إلى جده كما قالوا
جعفر بن محمد بن قولويه فنسبوه إلى جده ولا ينافي ذلك ان الشيخ قد عنون
كلا منهما لوقوع مثل ذلك منه كثيرا وعلى فرض التعدد فاكثار الصدوق من
الرواية عنه مترضيا في قوة التوثيق. ومما يدل على الاتحاد ان جعفر بن
محمد بن قولويه يروي عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله
وجعفر بن مسرور يروي عنه عن عمه في طريق الصدوق إلى إسماعيل بن
الفضل ويأتي عن التعليقة في محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور انه ابن
قولويه المشهور فقد بان أنه لا شبهة في الاتحاد.
جعفر بن محمد بن مسعود العياشي
ذكره الشيخ في رجاله في من لم يرو عنهم عليهم السلام وقال فاضل
يروي عن أبيه جميع كتب أبيه روى عنه أبو المفضل الشيباني اه‍.
التمييز
عن جامع الرواة انه نقل رواية المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي
وجعفر بن محمد بن قولويه عنه وروايته عن إسماعيل بن إبراهيم النجار
اه‍.
الشيخ الجليل جعفر بن محمد المشهدي
في أمل الآمل: عالم فقيه يروي عنه ولده محمد اه‍.
جعفر بن محمد بن المظفر بن محمد بن أحمد بن محمد ويعرف
بزبارة بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب أبو إبراهيم النيسابوري.
ولد في شوال سنة 386 ومات بنيسابور سنة 448.
في تاريخ بغداد: قدم علينا بغداد سنة 440 وحدث بها عن أحمد بن
محمد بن عمر الخفاف: ويحيى بن إسماعيل بن يحيى الحربي، ومحمد بن
أحمد بن عبدوس المزكى، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن الرومي والحاكم
أبي عبد الله بن البيع، وأبي عبد الرحمن السلمي النيسابوريين، وعن جده
المظفر بن محمد العلوي. كتبت عنه وكان سماعه صحيحا، وكان يعتقد
مذهب الرافضة الامامية ولقيته بمكة في آخر سنة 445 فسمعت منه أيضا
هناك أخبر أبو إبراهيم العلوي ببغداد وساق السند إلى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم
يدخر شيئا لغد سألته عن مولده فقال ولدت في شوال سنة 386 وبلغني
أنه مات بنيسابور سنة 448 اه‍ وفي فهرست منتجب الدين: السيد أبو
إبراهيم جعفر بن محمد بن المظفر الحسيني الواعظ ثقة ورع اه‍ وفي لسان
الميزان جعفر بن محمد بن المظفر بن محمد بن أحمد بن المظفر بن محمد بن
أحمد بن محمد زبارة (1) بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسيني
الواعظ أبو إبراهيم ذكره أبو جعفر بن بابويه في مصنفي الشيعة وقال كان
ورعا صالحا حدثني عنه الشيخ محمد بن علي الموصلي قال وكان له قبول
عند الخاصة والعامة اه‍ وأبو جعفر بن بابويه هو صاحب الفهرست ومر أنه



(1) في النسخة المطبوعة ابن زيادة الله والصواب زبارة بالباء الموحدة والراء وحذف ابن وحذف
لفظة الجلالة كما مر عن تاريخ بغداد لأن زبارة لقب محمد. - المؤلف -
181
لم يزد في ترجمته على ثقة ورع ولعل نسخ الفهرست مختلفة ثم ذكر في لسان
الميزان ترجمة أخرى هكذا جعفر بن محمد بن المظفر بن محمد العلوي
ويعرف بزبارة (1) عن جده وأبي الحسن الخفاف والحاكم وأبي عبد الرحمن
السلمي وغيرهم قال الخطيب كتبت عنه وكان سماعه صحيحا وكان معتقده
مذهب الإمامية من الرافضة بلغني انه مات بنيسابور سنة 448 اه‍ ولا
يخفى انه هو المذكور قبله.
الأمير أبو محمد جعفر بن محمد الأمين بن محمد الثائر ابن موسى الثاني بن
عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض ابن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام
توفي سنة 370
في عمدة الطالب: هو أول من ملك مكة من بني موسى الجون وهم
مبدأ تمكن الاشراف من حكومتها وكان ذلك سنة 340 وكان حاكم مكة
انكجوار التركي من قبل العزيز بالله الفاطمي فقتله الأمير أبو محمد جعفر
وقتل من الطلحية والهذلية والشكرية خلقا كثيرا واستوت له تلك النواحي
وبقيت في يده نيفا وعشرين سنة وأرسل ابنه عبد الله القود إلى مصر بعد ان
قتل انكجوار يفاديه فعفى عنه اه‍. وفي خلاصة الكلام في امراء البلد
الحرام ان أول من ملك مكة من الأشراف الحسنيين جعفر بن محمد بن
الحسين وقيل ابن الحسين بن محمد الثائر بن موسى الثاني ابن عبد الله بن موسى
الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي
طالب تغلب جعفر بن محمد المذكور على مكة زمن الإخشيدية قبل ان يملك
مصر العبيديون وكان ذلك بعد موت كافور الإخشيدي وكان موت كافور
سنة 356 وتغلب جعفر على مكة سنة 358 وقيل 56 وقيل سنة 360
وسبب ذلك أنه وقت فتنة بين بني حسن وبني حسين أصحاب المدينة وكان
جعفر بالمدينة فبادر وملك مكة ولما ملك العبيديون مصر دعا جعفر للمعز
العبيدي فكتب له المعز بولاية مكة اه‍. وهو مخالف لما مر عن عمدة
الطالب كما ترى فالعمدة تنص على أن ملكه مكة كان في زمن العبيدين وانه
قتل حاكمها من قبل العزيز والخلاصة على أن ملكه لها كان زمن الإخشيدية
قبل ملك العلويين مصر وعمدة الطالب كانت عند صاحب الخلاصة فهو
ينقل في كتابه عنها. وانما ذكرنا هذا الشريف في كتابنا دون أكثر أهل بيته
من امراء مكة لتظاهرهم بالتسنن خوفا على ملكهم فدام والله أعلم
بضمائرهم بخلاف امراء المدينة الذين تظاهروا بالتشيع فلم يدم ملكهم اما
هذا الشريف فكان في مبدأ أمرهم قبل ان يتظاهروا بالتسنن.
أبو عبد الله جعفر نقيب حلب بن أبي إبراهيم محمد الحراثي ممدوح
المعري بن أحمد الحجازي ابن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن ابن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وصفه صاحب عمدة الطالب بنقيب حلب واخوه أبو سالم محمد ابن
أبي إبراهيم محمد هو جد بني زهرة الحلبيين. في عمدة الطالب ولأعقابهما
توجه وعلم وسيادة اه‍.
الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد علي ابن الشيخ يحيى القبيسي العاملي
هو سبط الشيخ حسن القبيسي العاملي العالم المشهور، ولد في
الكوثرية ثم انتقل إلى زبدين ثم إلى الشرقية من قرى الشقيف وتوفي في
سبزوار بطريقه إلى مشهد الرضا (ع) وكان قد رأى في منامه قبل ذلك
بسنين انه صاعد إلى سطح عليه الإمام الرضا فبقيت بينه وبين السطح
درجات قليلة فقال له الإمام الرضا تعبت يا جعفر قال نعم فتناوله بيده
وأصعده السطح فلم يعلموا تأويل ذلك حتى توفي في طريق المشهد حدثني
بذلك ولده الشيخ موسى عن جده الشيخ محمد علي. كان عالما فاضلا في
جبل عامل ثم ذهب إلى العراق في السنة التي هاجر فيها الشيخ موسى
شرارة وهو والد الشيخ موسى القبيسي الفاضل المعاصر الذي هو حي الآن
يسكن النباطية الفوقا.
وآل القبيسي أصلهم من العراق فيمكن ان يكونوا من القبيسة (2)
البلدة التي بقرب هيت ويقال انهم من آل أبي الجهم القابوسي من الكوفة
والقبيسي تصغير القابوسي فإنهم قالوا في النعمان بن المنذر أبو قابوس وقالوا
فيه أبو قبيس قال الشاعر:
لقد خلط الأسافل بالأعالي * وماج اللؤم واختلط النجار
وصار العبد مثل أبي قبيس * وسيق مع المهجنة العشار
بل قيل آل قبيس اي آل أبي قبيس قال الشاعر:
فسل الناس أين آل قبيس * طحطح الدهر قبلهم سابورا
وآل القبيسي أصلهم ثلاثة اخوة قدموا من العراق إلى جبل عامل
وسكنوا قرية أنصار وكثر نسلهم بها ولم يزالوا بها إلى أن صارت وقعة أنصار
مع الدروز. وكانت الغلبة على أهلها بسبب ان الدروز جاءوهم على غرة
فمن سلم منهم ذهب إلى قرية زبدين وسكن بعضهم مزرعة ابصفور ولم
يبق في أنصار الا القليل منهم. وتخرج منهم جماعة من العلماء في مدرسة
النجف الأشرف منهم الشيخ احمد القبيسي المدفون في أنصار والشيخ...
المدفون في الكوثرية والشيخ محمد علي المدفون في الشرقية. ومنهم الشيخ
محمد أخو الشيخ حسن المذكور توفي في النجف مهاجرا لطلب العلم ومنهم
الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد علي المذكور.
جعفر بن محمد بن عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب الملقب بالأبله
في عمدة الطالب لجعفر هذا حكاية تدل على أن أمه أم ولد يلقب
الأبله لتلك الحكاية وحكاها الشيخ العمري عن ابنه عمر بن جعفر وقيل إن
الأبله محمد بن جعفر ورواها المبرد في الكامل عن أبيه جعفر قال كنت عند
سعيد بن المسيب فسألني عن نسبي فأخبرته وسألني عن أمي فقلت فتاة
وكأني نقصت من عينه فأكثرت من الجلوس عنده حتى جاءه يوما سالم بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب فلما نهض من عنده سألته من هذا فقال أما
تعرفه أمثل هذا من قومك يجهل هذا سالم بن عبد الله فقلت من أمه فقال
فتاة ثم اتاه بعد ذلك القاسم بن محمد بن أبي بكر فقلت من هذا فقال سعيد
هذه أعجب من الأولى هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر قلت فمن أمه قال
فتاة ثم جاءه بعد أيام علي بن الحسين فقلت له من هذا فقال هذا الذي لا
يسع مسلما ان يجهله هذا علي بن الحسين قلت فمن أمه قال فتاة قلت يا عم
رأيتني نقصت من عينك فما لي بهؤلاء من قومي أسوة فقال سعيد بن
المسيب انه لأبله يريد غاية الذكاء على العكس ويقال لولد جعفر هذا بنو
الأبله اه‍.



(1) في النسخة المطبوعة ويعرف بزيادة والصواب زبارة كما مر.
(2) البلدة التي قرب هيت في العراق تعرف باسم الكبيسة، بالكاف لا بالقاف - الناشر -.
182
السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد محمد تقي ابن السيد رضا ابن
السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي
توفي سنة 1334
كان عالما فاضلا له شرح الصلاة والإرث من نجاة العباد.
الشيخ جعفر بن محمد علي النوري أصلا الطهراني موطنا
في كتاب المآثر والآثار: كان من أجلة المجتهدين ومروجي الدين
تتلمذ في الفقه على الفقيه الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر حتى حاز
درجة عليا وكان يؤم الجماعة في طهران في مسجد السيد عزيز الله وتوفي في
طهران ودفن في الحجرة التي على يمين الداخل إلى صحن الصدوق.
النقيب امين الدين جعفر بن محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني
توفي سنة 724
في شذرات الذهب في حوادث سنة 714 فيها توفي نقيب الأشراف
امين الدين جعفر بن شيخ الشيعة محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني توفي
في حياة أبيه فولي النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان وخلع عليه بطرحة
وهو شاب طري قاله في العبر اه‍.
الميرزا جعفر بن موسى خان القاجاري
فاضل له كتاب تحفة الشيعة في فضائل الأئمة عليهم السلام ومناقبهم
فارسي ألفه باسم السلطان ناصر الدين شاه سنة 1275 في مجلدين
الشيخ الامام الخطيب الحافظ أبو العباس جعفر بن أبي علي محمد بن أبي بكر
المعير بن محمد بن المستغفر النسفي السمرقندي المستغفري صاحب
كتاب طب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ولد سنة 350 وتوفي سلخ جمادي الأولى سنة 432.
(المستغفري) في انساب السمعاني بضم الميم وسكون السين المهملة
وفتح التاء المثناة وسكون الغين المعجمة وكسر الفاء وفي آخرها الراء المهملة
هذه النسبة إلى المستغفر اه‍.
ربما احتمل تشيعه لقول المجلسي في أول البحار عند تعداد الكتب
المأخوذ منها: وكتاب طب النبي للشيخ أبي العباس المستغفري ثم قال
وكتاب طب النبي وان كان أكثر اخباره من طرق غيرنا لكنه مشهور متداول
بين علمائنا اه‍ وقال نصير الدين الطوسي في أواخر كتاب المتعلمين: ولا
بد من أن يتعلم شيئا من الطب ويتبرك بالآثار الواردة في الطب الذي جمعه
الشيخ الإمام أبو العباس المستغفري في كتابه المسمى بطب النبي اه‍ وابن
طاوس ينقل عن كتابه الدعوات كما يأتي ولكن هذا الاحتمال ضعيف جدا
وظاهر الرجل انه من علماء الحنفية وإنما ذكرناه في كتابنا بمجرد هذا
الاحتمال الضعيف لئلا يظن عدم عثورنا عليه في انساب السمعاني أبو
العباس جعفر بن محمد بن المعتر - 1 - بن محمد بن المستغفر النسفي خطيب
نسف كان فقيها فاضلا ومحدثا مكثرا صدوقا يرجع إلى فهم ومعرفة واتقان
جمع الجموع وصنف التصانيف ورحل إلى خراسان وأقام بسرخس ومرو مدة
وأكثر عن أبي علي زاهر بن أحمد السرخسي سمع بنيسابور أبا سهل
هارون بن أحمد الأسترآبادي وغيره وببخارى أبا عبد الله محمد بن أحمد
العنجار الحافظ. وبمرو أبو الهيثم محمد الكشحهي وجماعة كثيرة سواهم.
روى عنه جدي الأعلى القاضي أبو منصور السمعاني وأبو علي الحسن بن
عبد الملك القاضي وجمع كثير لا يحصون وكانت ولادته سنة 350 ووفاته
سلخ جمادي الأولى سنة 432 اه‍ وفي تذكرة الحفاظ المستغفري الحافظ
العلامة المحدث أبو العباس جعفر بن محمد بن المعير بن المستغفر ابن الفتح
صاحب التصانيف ولد بعد سنة 350 ومات سنة 432 ثم ذكر مشايخه
وتلاميذه وقال كان صدوقا في نفسه لكنه يروي الموضوعات في الأبواب ولا
يوهنها له (1) معرفة الصحابة (2) تاريخ نسف (3) تاريخ كش
(4) الدعوات (5) المنامات (6) الخطب النبوية (7) دلائل النبوة
(8) فضائل القرآن (9) الشمائل (10) كتاب طب النبي ولم يذكره مع
اشتهاره وقد أورده المجلسي بتمامه في البحار (11) كتاب الشعر والشعراء
كما عن السمعاني في تاريخه، وكتاب الدعوات ينقل عنه ابن طاوس في
رسالة الاستخارات كما قيل، وذكره قاسم قطلوبغا صاحب تاج التراجم في
طبقات الحنفية الذي هو التكملة لتذكرة الحنفية لأحمد بن علي المقريزي فقال
صاحب الأصل: جعفر بن محمد بن المعتز بن المستغفر النسفي المستغفري
خطيب نسف لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله كان فقيها محدثا فاضلا
مكثرا حافظا صدوقا وله مصنفات مولده سنة 450 بنسف اه‍ وذكر صاحب
التكملة مصنفاته كما في تذكرة الحفاظ فقط وكان جعل مولده سنة 450 سهو
وصوابه سنة 350 كما مر والله أعلم.
السيد تاج الدين أبو عبد الله النقيب جعفر بن محمد بن معية الحسني
من هو المعروف بابن معية
مر في ج 6 ان ابن معية اسمه أبو عبد الله محمد بن القاسم بن معية
ابن سعيد الحسني الديباجي ولكن صاحب عمدة الطالب قال إن المعروف
بابن معية هو جده أبو القاسم علي بن الحسن أي أن هذا أول من عرف
منهم بابن معية لأنها أمه.
من هي معية
وهي معية بنت محمد بن حارثة بن معاوية بن إسحاق بن زيد بن
حارثة بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن
عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس كوفية ينسب إليها ولدها وقال أبو
عبد الله بن طباطبا هي أم أولاده ولعمري ان آل معية اعرف بنسبهم من
غيرهم وقد صرح النقيب تاج الدين (هو المترجم) في كثير من تصانيفه انها
أم علي بن الحسن بن الحسن والشيخ العمري قال إن أمه يعني عليا معية
الأنصارية بها يعرف ولده وذكره ابن خداع ان أصلها من بغداد اه‍.
ما معنى معية
معية كسمية في لسان العرب هي تصغير معاوية عند أهل
البصرة اه‍.
ولعل التسمية بها من باب التسمية بأسماء الحيوانات عند
العرب كما سموا كلبا وغيره.
أقوال العلماء فيه
في عمدة الطالب المطبوع: ذكر سادات بني معية وهم علماء حلماء



(1) هكذا في النسخة المطبوعة بالتصوير الشمسي المعتر بالعين والتاء الراء ويأتي عن تذكرة
الحفاظ المعير بالعين والياء والراء ويأتي عن تاج التراجم المعتز بالتاء والزاي ولا شك ان
الصواب أحدها والباقي تصحيف من النساخ - المؤلف -
183
اجلاء منهم السيد تاج الدين النسابة اه‍. ويفهم من عمدة الطالب انه
كان عالما فاضلا مؤلفا نقيبا نسابة شاعرا فصيحا حيث قال: أما محمد بن
الزكي الثالث فأعقب ولده النقيب تاج الدين جعفر الشاعر الفصيح لسان
بني حسن بالعراق وأضر في آخر عمره ثم قال وانقرض النقيب تاج الدين
جعفر.
اخباره
في عمدة الطالب حدثني الشيخ تاج الدين محمد (وفي نسمة السحر
تاج الدين بن محمد) وقال حدثني أبي - القاسم بن معية - عن خاله النقيب تاج
الدين جعفر المذكور انه حدثه قال لهجت بقول الشعر وأنا صبي فسمع
والدي بذلك فاستدعاني وقال يا جعفر قد سمعت انك تهذي بالشعر فقل
في هذه الشجرة حتى اسمع وكان هناك شجرة نارنج فقلت ارتجالا:
ودوحة تدهش الأبصار ناضرة * تريك في كل غصن جذوة النار
كأنما فصلت بالتبر في حلل * خضر تميس بها قامات ابكار
فاستدناني وقبل ما بين عيني وامر لي بفرس وثياب نفيسة ودراهم امر
باحضارها في الحال ووهب لي ضيعة من خاصة ضياعه وقال يا بني استكثر
من هذا فانا نقصد دار الخلافة ومعنا من الخيل وغيرها وأنواع التكلفات
والهدايا ومما لا يتمكن من مثله ويجئ ابن عامر بدواته وقلمه فتقضى حوائجه
قبلنا ويرجع إلى الكوفة ونحن مقيمون بدار الخلافة لم تقض لنا بعد حاجة
قال وكان للنقيب تاج الدين جعفر وظائف على الديوان تحمل اليه في كل
سنة وكان أضر وبنى موضعا سماه الزوية واعتكف فيه دائما فأرسلوا اليه في
بعض السنين - وحاكم بغداد يومئذ الصاحب علاء الدين عطا ملك
الجويني - بفرس كبير السن أعور فكتب إلى صاحب الديوان بهذين البيتين:
أهديتم الجنس إلى جنسه * بزرك أسب لبزرك وكور
وما لكم في ذاك من حيلة * سبحان من قدر هذي الأمور
(بزرك) بالفارسية الكبير (واسب) الفرس (وكور) الأعمى قال فركب
صاحب الديوان اليه وقاد اليه فرسا آخر واعتذر اليه (ولما كان الحاكم
أعجميا نظم هو هذا الشطر بالفارسية) قال ومن حكاياته ان شاعرا مدحه
فلم يعطه شيئا فهجاه بقوله:
أعرق والأعراق دساسة * إلى خردل (1) كخليع الدلا
مدحته والنفس امارة * بالسوء الا ما وقى ذو العلا
فكنت كالمودع بطيخة * من عنبر حقة بيت الخلا
فلما بلغته هذه الأبيات امر للشاعر بجائزة فجاء الشاعر معتذرا وقال
كيف أجازني النقيب على الهجو ولم يجزني على المدح فقال النقيب: انا لا
أعرف ما تقول ولكنك لما قلت شعرا أثبتك عليه فعرف الشاعر انه لم يجزه
لاسترذال القصيدة وركاكة الشعر اه‍. وفي نسمة السحر: وأورد ابن عنبة
- يعني صاحب عمدة الطالب - له أيضا:
قدمت سبعين واتبعتها * عاما فكم أطمع في المكث
وهبك عمري قد مضى ثلثه (2) * أليس نكث العمر في الثلث
قال ابن عنبة فعاش بعد ذلك سنة ثم مات واتبع اثره شيخنا تاج
الدين بن محمد فقال:
قدمت سبعين واتبعتها * عاما كما اتبعها خالي
فالحمد لله على حاله * والحمد لله على حالي
قال ابن عنبة ولم يكن خاله وانما كان خال والده السيد جلال الدين
القاسم بن الحسين اه‍. قال المؤلف لم أجد ذلك في عمدة الطالب ولعله
في غيره من مؤلفاته. وفي أمل الآمل عالم جليل يروي عنه ابن أخته
القاسم بن معية اه‍. وفي خلاصة الكلام في امراء البلد الحرام انه في سنة
639 كان الأمير على مكة الشريف راجح بن قتادة من قبل ملك اليمن
وكان ملك اليمن وملك مصر يتنازعان في أمير مكة دائما فإذا نصب أحدهما
بها أميرا من الأشراف يخطب له نصب الآخر غيره وارسل معه عسكرا
لحرب الأول واخراجه ففي هذه السنة ارسل صاحب مصر عسكرا إلى مكة
فلما بلغ صاحب اليمن تجهز وخرج إلى مكة بجيش كثير فهرب المصريون،
فدخل السلطان نور الدين علي بن رسول مكة وصام رمضان بها واعرض
عن ولاية الشريف راجح. وأرسل بطلب الشريف حسن بن علي بن قتادة
فذهب الشريف راجح إلى المدينة واستنجد أخواله من بني حسين على ابن
أخيه الحسن بن علي بن قتادة فانجدوه فخرج راجح معهم من المدينة ومعه
سبعماية فارس قاصدا مكة ومعهم الأمير عيسى الملقب بالحرون كان فارس
بني حسين في زمانه فبلغ ذلك الشريف أبا سعد الحسن بن علي بن قتادة،
وكان ابنه أبو نمي في ينبع فأرسل اليه يطلبه، وعمر أبي نمي يومئذ 17 أو
18 سنة، فخرج في أربعين رجلا من ينبع قاصدا مكة فصادف القوم
سائرين فحمل عليهم بالأربعين الذين معه فهزمهم ورجعوا إلى المدينة
مغلوبين وفي ذلك يقول السيد جعفر بن محمد بن معية الحسني وهو إذ ذاك
لسان بني حسن بالعراق من قصيدة يذكر فيها تلك الواقعة ويمدح أبا نمي
ويحسن فعله:
ألم يبلغك شأن بني حسين * وفرهم وما فعل الحرون
فيا لله فعل أبي نمي * وبعض الفعل يشبهه الجنون
يصف بأربعين على مئين * وكم من كثرة طلبت تهون
جعفر بن محمد بن مفضل
في الخلاصة كوفي يروي عنه الغلاة خاصة قال ابن الغضائري ما
رأيت له رواية صحيحة وهو متهم في كل أحواله اه وتضعيف ابن
الغضائري حاله معلوم كنسبة الغلو عند القدماء.
أبو الخطاب جعفر بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات أخو علي بن
محمد بن موسى وزير المقتدر
هكذا كناه ابن خلكان أبا الخطاب فقال في ترجمة أبي الحسن علي بن
محمد بن موسى وأما أخوه أبو الخطاب جعفر بن محمد فإنه عرضت عليه
الوزارة فأباها وتولاها ابنه أبو الفتح الفضل بن جعفر قلده المقتدر الوزارة
اه‍ وكناه في الفخري أبا الفضل فقال عند تعداد وزراء المقتدر: وزارة أبي
الفضل جعفر بن الفرات لم تطل أيامه ولم تكن له سيرة مأثورة وقتل المقتدر
وهو وزيره فاستتر اه‍ وبين كلامهما من التنافي ما لا يخفى ويوشك ان يكون
الصواب ما قاله ابن خلكان فان أبا الفضل كنية حفيدة جعفر بن الفضل
المقدم ذكره، وأن يكون ما في عبارة الفخر من تحريف الكتاب وأن يكون



(1) لعله من المخردل بمعنى المصروع -
(2) هكذا في النسخة ولعل الصواب بقي بدل مضى. - المؤلف -
184
الصواب فيها كذا: وزارة أبي الفتح بن جعفر بن الفرات. والله أعلم.
وفي كتاب تجارب الأمم لمسكويه جملة من أخبار أبي الخطاب بن أبي العباس
ابن الفرات والظاهر أن المراد به المترجم فقد عرفت ان ابن خلكان كناه أبا
الخطاب. وله أخ يسمى العباس فالظاهر أن أباه محمدا يكنى أبا العباس
ولكن في حاشية تجارب الأمم عن تاريخ الاسلام انه في سنة 338 توفي
العباس بن أحمد بن محمد بن الفرات أبو الخطاب والد المحدث أبي الحسن
وكان صدرا نبيلا أريد على الوزارة فامتنع تدينا اه‍ فكناه أبا الخطاب وذكر
امتناعه عن الوزارة وهما من مميزات المترجم فلعله وقع خطأ في النقل
وتحريف أو هذا رجل آخر، قال مسكويه في تجارب الأمم في حوادث سنة
321 كان أبو علي بن مقلة يعادي أبا الخطاب بن أبي العباس بن الفرات ولم
يكن يجد إلى القبض عليه طريقا ديوانيا لأنه كان ترك التصرف عشرين سنة
ولزم منزله وقنع بدخل ضيعته وكان سبب عداوة أبي علي له انه كان
استسعفه أيام نكبته فاعتذر بالإضافة ولم يسعفه، ثم أن أبا الخطاب
طهر أولاده فتجمل كما يتجمل مثله ودعا أولاد أبي علي بن
مقلة فشاهدوا مروة تامة وآلات جليلة وصياغات كثيرة وكان بعضها عارية
فانصرفوا وحدثوا أباهم الحديث وعظموا وكثروا وصار أبو الخطاب بن أبي العباس
ابن الفرات إلى الوزير أبي علي بن مقلة على رسمه يوم الموكب للسلام عليه
فقبض عليه وارسل الوزير أبو علي بن مقلة إليه وسائط وطالب بثلاثمائة ألف دينار
فقال أبو الخطاب بما ذا يتعلق الوزير علي وقد تركت التصرف منذ عشرين سنة ولما
تصرفت كنت عفيفا سليما ما آذيت أحد ولي على الوزير حقوق وليس يحسن
به ان يتناساها مع اشتهاره بالكرم فقولوا له هل طالبتك برعايتها أو بالمجازاة
على ما أسلفتك في أوقات انحراف الزمان عنك أو سالتك ولاية أو احسانا
في معاملة وهل من الجميل إذا رفهتك من هذا كله ان لا أجد عندك سلامة
في نفسي فيما قد ركبته مني مما إذا صدقت نفسك خفت العقوبة من الله عز
وجل ثم قبح الأحدوثة من الناس اما ما ظننته عندي فما الأمر كما وقع لك
لأن هذا المال ان كان موروثا عن أبي رحمه الله فلست وارثه وحدي ولو كان
لاقتسمناه ونحن عدة فلم يكن بد من أن يشيع ويعرف خبره وان ظننته من
كسبي فتصرفي وما وصل إلي منه معروف وما خفيت عنك نزارته وان ظننته
من استغلال فما استغله مقسوم بين الورثة وان رجعت إليهم بالمسألة لم تجد
ما يخصني في زمان تصرفي الا بعض ما أتصرف إلى مؤونتي ومروءتي وقد
خلف الوزراء الأكابر أولادا مثلي في كفايتي ودوني فهل رأيتني الا في طريق
التسليم وراضيا بامتداد ستر الله تعالى والزهد في هذه الدنيا؟ فأي شئ
تقول لله تبارك اسمه ثم لعباده إذا أساءت إلي؟ فلما أعيد هذا الكلام على
ابن مقلة خجل وتبلد وتحير ثم قال: هذا يدل علي بالفراتية وأمير المؤمنين
ليس يمكنني من رعاية حقوق أمثاله وانا أنفذه إلى الخصيبي فإنه اعرف
بدوائه، والخصيبي هو أحد الوزراء الذين كانوا قبله ثم إن أبا علي بن مقلة
استدعى الخصيبي وسلمه اليه بعد ان اضطره إلى كتب خطه بثلاثمائة ألف
دينار يصححها في مدة عشرين يوما فاحضر له الخصيبي صاحب الشرطة
وجرده وضربه عشر درر وخلع تخليعا يسيرا ثم ضربه بالمقارع فأقام على أنه
لا مال له وان ضياعه قد وقفها ولا يمكنه بيعها فاستعفى الخصيبي منه ورده
إلى دار ابن مقلة فحبسه ثم سلمه إلى المعروف بابن الجعفري النقيب
واحضره له غلاما من غلمان القاهر وذكر له انه قد امر بضرب عنقه ان لم
يؤد صدرا من المال فما زال يعللهم إلى آخر الوقت ولم يؤد شيئا، فلما حضر
الوقت احضره السيف وشد رأسه وعينيه فقال له أبو الخطاب: وجهني
رحمك الله إلى القبلة فوجهه فبادر بالخبر ابن الجعفري إلى ابن مقلة فقال ابن
مقلة: لا يجوز ان يكون بعد هذا شئ فاخذه ابن مقلة وسلمه إلى حاجبه
وأمره ان يعتقله فأقام فيه يومين وحضر أبو يوسف البريدي فشكا اليه ابن
مقلة ما أقام عليه أبو الخطاب من التجلد ووسطه بينه وبينه فصار اليه أبو
يوسف وقرر امره على عشرة آلاف دينار فحلف أبو الخطاب الا يؤدي منها
درهما ولو قتل أو يطلق إلى منزله فوجه اليه ابن مقلة بخلعه من ثيابه وحمله
على دابة بمركب واستدعاه ووثب اليه حتى كاد ان يقوم له ثم قال له: كثر
علي الخليفة في امرك وعزيز علي ما لحقك فامض مصاحبا إلى منزلك.
فانصرف وأدى المال في مدة عشرة أيام وأطلق ضياعه وأملاكه اه‍ فانظر إلى
اي حد بلغت حالة الخلافة الاسلامية وحالة وزرائها.
الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد الملقب بالديزي ابن الشيخ موسى ابن الشيخ
عيسى ابن الشيخ حسين ابن الشيخ خضر النجفي
ولد سنة 1252 وتوفي في كرمانشاه (قرميسين) سنة 1301 أو 1302
ونقلت جنازته إلى النجف.
وهو قسيم آل الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء في قعدد
النسب فان جد جده الشيخ حسين هو أخو الشيخ جعفر الكبير والدهما معا
الشيخ خضر ويعرف هؤلاء بال الملقب ونسب نفسه كما وجدناه بخطه كما
يأتي هكذا جعفر بن محمد بن عيسى أخي الشيخ جعفر النجفي اه‍ وفيه
اختصار كان أديبا شاعرا انفذ أكثر عمره في الأسفار إلى بلاد إيران يأتي إلى
مسقط رأسه النجف ثم يسافر منها وفي احدى سفراته إلى كرمانشاه تزوج بها
وأقام فيها إلى أن مات ولم يخلف غير بنت واحدة وسافر مرة إلى تبريز ونزل
في دار الميرزا أحمد امام الجمعة المعروف بالمجتهد فدعي الميرزا أحمد إلى
وليمة عند بعض التجار ومعه المترجم فلما جلسوا جاء التاجر بشطب من
عود الياسمين للتدخين وفي رأسه قطعة من الكهرباء ثمينة تسمى في العراق
امامة فوقع نظر المترجم عليها وفكر في طريقة توصله إلى استيهابها فلما
وضعت المائدة وأكلوا أنشد المترجم بيتين نظمهما فقال:
ومائدة أكلناها فكانت * لنا عيدا مدى أمد البقاء
ومجتهد الزمان بنا كعيسى * فانزلها الاله من السماء
فاستحسنهما المجتهد وأمر التاجر للمترجم بجائزة فقال جائزتي الإمامة
فوهبها له مع الشطب. وفي بعض المسودات على ظهر ترجمة الشيخ جعفر
هذا وأخيه الشيخ محسن الآتي لبعض أفاضل العراق ان السيد حيدر الحلي
رثى أحد علماء آل القزويني وجاء مع أدباء الحلة إلى النجف وقد جودوا
قصائدهم واستفرغوا الروية فيها لمكان المنافسة بين أدباء المصرين فأنشدت
قصيدة السيد حيدر التي أولها:
وجدك ما خلت الردى منك يقرب * لأنك في صدر الردى منه أهيب
وذلك في ناد انعقد على أشهر أئمة الأدب في العراق وكان أدباء
النجف لم يستعيدوا أبيات القصيدة كثيرا فامتعض لذلك أدباء الفيحاء
فنهض المترجم وقال مخاطبا السيد حيدر وأنشد:
أخرستني وتقول ما لك صامتا * وأمتني وتقول ما لك لا تعي
فسري عن أدباء الفيحاء وحفظ له هذا الصنيع الا ان الذي يظهر
من المسودة أن هذه الحكاية مع الشيخ محسن ومن شعره قوله من قصيدة
يهنئ بها أخاه الشيخ محسن ابن الشيخ محمد بعرس أخيه الشيخ حسن ابن
الشيخ محمد هكذا استفدناه من نسخة لم تستثبت صحتها:

185
قسما بارام الغوير وثهمد * ما الخمر الا من ثنايا الأغيد
وبما حوى وادي العقيق ولعلع * من قاصرات الطرف خود خرد
ان اتهموا يوما فاني متهم * أو انجدوا فسبيل نجد مقصدي
أحمامة الوادي باكناف النقا * ان كنت ذاكرة الأراك فغردي
سقيا لأيام الصبابة كم بها * للهو أوطارا قضيت بثهمد
حيث السرور بها تبلج صبحه * ابد المدى أنواره لم تخمد
زاه كليل زف في ديجوره * شمس لنجل أخي السداد محمد
الماجد الحسن الزكي ومن رقى * رتبا تسامت فوق هام الفرقد
ملك تربى في حجور أماجد * من غيرهم سبل الهدى لم تنشد
علماء أمة أحمد وأئمة * طابت عناصرهم لطيب المولد
يقول فيها:
رب المكارم محسن من طوقت * كفاه أجياد الأنام بعسجد
ورث الرياسة عن أبيه وجده * موروثة من أوحد عن أوحد
أمست مواهبه الجسام كأنها * شهب تسير بجنح ليل أسود
ورقى مراتب لم تزل تعنو لها * شم الأنوف وكل قرم أصيد
وهي طويلة وله:
كم بت من ليل اقلب باليد * قلبا يحن إلى العقيق وثهمد
قد طال من وجدي علي فلم أجد * أثرا لنور صباحه المتوقد
والشهب ما بين الظلام كأنها * سنن تلوح ببدعة المتمرد
جريا زمان فما عليك ملامة * أنقص من الجور المبرح أو زد
قسما بربات الحجال وما حوى * ذاك المخيم من أغن أغيد
لأطوف في شرق البلاد وغربها * من فوق موار الملاط عمرد
وأجوب أوعار العراق وسهلها * وألف منها فدفدا في فدفد
وأكابد الأهوال فيها علني * احظى بصحبة صالح للسؤدد
ووجدنا بخطه على ظهر كتاب الحقايق للفيض في كرمانشاه ما
صورته: لمحرره جعفر بن محمد ابن الشيخ عيسى أخي الشيخ جعفر
النجفي وذلك ما أمر به علامة العلماء الأعلام ومرجع الخاص والعام مجتهد
العصر الشيخ عبد الرحيم دام ظله العالي:
الله أكبر أي خطب مظلم * داجي المحيا صبحه لا يسفر
أوهى قوى المجد الأثيل وكورت * شمس الهدى فيه وغاب المبدر
لا غرو وقد أودى الامام المرتضى * صنو النبي أبو الأئمة حيدر
فبكيت حتى انني بمدامعي * لولا الصيام غرقت إذ هي أبحر
مثل العلى لما أصيب بكت له * بدم فجاء من المحاجر جعفر
وأمرني أيضا فقلت:
وذي حيرة امسى يخاطب نفسه * وأعيا جوابا عن مسائله الفكر
(لقد قال قوم فيك والستر دونهم * بأنك رب كيف لو كشف الستر)
الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن صالح (1)
في أمل الآمل: فاضل فقيه يروي عن علي بن موسى بن طاوس.
الشيخ أبو محمد جعفر أو الخواجة جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر بن
محمد بن أحمد بن العباس بن محمد العبسي الدرويستي الرازي
من نسل حذيفة بن اليمان العبسي الصحابي.
تقدم وجه النسبة إلى دوريست، وضبطها في جده جعفر بن محمد بن
أحمد بن العباس.
في مجالس المؤمنين: ذكر الشيخ الأجل عبد الجليل الرازي في كتاب
نقض الفضائح ان الخواجة جعفر المذكور كان مشهورا في جميع فنون العلم
مصنفا كثير الرواية من أكابر هذه الطائفة وكبراء علمائها معظما عند الوزير
نظام الملك وكان يذهب في كل أسبوعين مرة من الري إلى قرية دوريست
ليسمع منه ثم يرجع اه‍ ووهم صاحب روضات الجنات فنقل عن مجالس
المؤمنين أنه قال هذا الكلام في حق أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد
والحال انه ذكره في حق حفيده المترجم جعفر بن محمد بن موسى اما الجد
فلم يذكره أصلا.
جعفر بن محمد بن موسى بن قولويه
مضى بعنوان جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه.
جعفر بن محمد بن موسى النوفلي
في التعليقة: في العيون باسناده عنه قال اتيت الرضا (ع) وهو
بقنطرة اربق فسلمت عليه ثم جلست فقلت جعلت فداك ان أناسا يزعمون أن
أباك حي فقال كذبوا لعنهم الله إلى أن قال: قلت ما تأمرني قال عليك
بابني محمد من بعدي وأما أنا فذاهب في الأرض (الخبر).
جعفر بن محمد الهاشمي صيرفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الجواد (ع).
التمييز
عن جامع الرواة انه نقل رواية علي بن مهزيار وبكر بن صالح عنه
اه‍.
جعفر بن محمد الهمذاني
هو جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمذاني المتقدم.
جعفر بن محمد بن ورقاء الشيباني
هكذا ترجمه ابن شاكر في فوات الوفيات، والصواب انه جعفر بن
ورقاء كما يأتي. وفي نسخة رجال ابن داود: كان في الأصل جعفر بن
ورقاء، ثم صحح بين السطور جعفر بن محمد وليس بصواب. وذكره ابن
داود بين جعفر بن محمد السنجاري وجعفر الوراق فليس في وضعه ما يدل
على أنه عنده ابن محمد أو ابن ورقاء، ولم يلتزم في كتابه بترتيب الآباء على
حروف المعجم حتى يقال إن وضعه قبل ابن جعفر الوراق يدل على أنه ابن
محمد لا ابن ورقاء، فتنبه.
جعفر بن محمد بن يحيى
في التعليقة: روى عنه صفوان بن يحيى، وفيه إشعار بوثاقته كما مر
في الفوائد اه‍. وعن جامع الرواة أنه نقل رواية علي بن الحسن بن فضال
عنه ونبه على أن ما في بعض الأخبار جعفر بن محمد ابن رباط تصحيف،
وان الصواب جعفر بن محمد عن ابن رباط اه‍.



(1) اخر عن محله سهوا. - المؤلف -
186
الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف ابن الشيخ جعفر ابن
الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محي الدين ابن الشيخ عبد
اللطيف بن أبي جامع العاملي النجفي
توفي بطاعون سنة 1247
قال الشيخ جواد آل محيي الدين في ملحق أمل الآمل: كان عالما
فاضلا كاتبا جليلا عظيما محترما، مات قبل أخيه الشيخ شريف هو وجميع
أولاده وأكثر عياله بالطاعون اه‍.
جعفر بن محمد بن يونس الأحول
في الخلاصة: من أصحاب الرضا (ع) ثقة اه‍ وفي منهج المقال لم
أجده في أصحاب الرضا (ع) من رجال الشيخ اه‍ وقال الشيخ في رجاله
في أصحاب الجواد (ع) جعفر بن محمد بن يونس الأحول ثقة، وفي
الفهرست جعفر بن محمد بن يونس له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن
أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن جعفر بن
محمد بن يونس اه‍ وقال النجاشي جعفر بن محمد بن يونس الأحول
الصيرفي مولى بجيلة روى عن أبي جعفر الثاني (ع) روى عنه أحمد بن
محمد بن عيسى له كتاب نوادر أخبرنا ابن نوح حدثنا الحسن بن حمزة حدثنا
ابن بطة عن أحمد بن محمد بن خالد حدثنا جعفر اه‍ وفي رجال ابن داود
جعفر بن محمد بن يونس الأحول ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب
الجواد (ع) ثقة لغوي فاضل اه‍ وفي لسان الميزان: جعفر بن محمد بن
يونس ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ثم ذكر ترجمة أخرى
فقال جعفر بن محمد بن موسى الأحول البجلي ذكره ابن النجاشي في رجال
الشيعة اه‍ ولا يخفى انه ليس في رجال النجاشي ولا غيره جعفر بن
محمد بن يونس الأحول البجلي وانما هو ابن يونس ابدل فيه يونس بموسى
فظنهما ابن حجر رجلين وهما رجل واحد.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف جعفر بن محمد بن يونس
برواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه ورواية أحمد بن محمد بن خالد عن
أبيه عنه وزاد الكاظمي رواية إبراهيم بن هاشم عنه اه‍ وعن جامع الرواة
انه نقل رواية محمد بن الحسن بن علان عنه أيضا.
أبو الفضل جعفر بن محمد الإسكافي
وزير المعتز بالله في الفخري: أول وزراء المعتز بالله أبو الفضل جعفر بن محمود
الإسكافي لم يكن له علم ولا أدب ولكنه كان يستميل القلوب بالمواهب
والعطايا، وكان المعتز يكرهه، وكانوا ينسبونه إلى التشيع ومال اليه الأتراك
وكرهه البعض الآخر وثارت بسببه فتنة فعزله المعتز. وقتل المعتز سنة 255
وملك بعده المهتدي بالله فلما بويع بالخلافة أقر جعفر بن محمود الإسكافي
على وزارته، ثم عزله واستوزر سليمان بن وهب اه‍.
جعفر بن مروان الزيات
في لسان الميزان ذكره أبو عمرو الكشي في رجال الشيعة اه‍ ولا أثر
لذلك في اختيار رجال الكشي المطبوع ولا غيره وانما يوجد جعفر بن
محمد بن مروان، وتقدم.
جعفر بن معروف السمرقندي أبو الفضل
في الخلاصة في القسم الثاني: جعفر بن معروف قال ابن
الغضايري: جعفر بن معروف أبو الفضل السمرقندي، يروي عنه
العياشي كثيرا كان في مذهبه ارتفاع، وحديثه نعرفه تارة وننكره أخرى
والوجه عندي التوقف في روايته لقول هذا الشيخ ابن الغضايري عنه اه‍
وتضعيف ابن الغضايري وان كان ضعيفا لا سيما بالغلو الا ان الرجل
مجهول، لكن رواية العياشي عنه كثيرا تشهد بحسن حاله.
جعفر بن معروف الكشي
قال الشيخ في رجاله: فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام جعفر بن
معروف أبو محمد من أهل كش وكيل وكان مكاتبا اه‍ وفي الخلاصة في
القسم الأول جعفر بن معروف يكنى أبا محمد من أهل كش كان مكاتبا لم
يرو عن الأئمة عليهم السلام قاله الشيخ رحمه الله والظاهر أنه ليس
جعفر بن معروف السمرقندي الذي قال عنه ابن الغضايري انه مرتفع
المذهب يعرف حديثه تارة وينكر أخرى لأن ابن الغضايري قال إنه يكنى أبا
الفضل قال وكان يروي عنه العياشي كثيرا اه‍ وفي التعليقة جعفر بن
معروف يروي عنه الكشي على وجه ظاهره اعتماده عليه وابن طاوس جزم
باتحاده مع السمرقندي وفيه ما في الخلاصة وقوله وكيل فيه ايماء إلى جلالته
بل وثاقته كما أشرنا اليه في الفوائد اه‍ وفي لسان الميزان جعفر بن معروف
الكشي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال علي بن الحكم كان كثير العبادة
اه‍ وعلي بن الحكم من علماء الشيعة له كتاب في الرجال.
السيد جعفر بن معصوم الحسيني الأشكوري أخو السيد أبي القاسم
الأشكوري
قال السيد شهاب الدين فيما كتبه الينا: كان من نوابغ عصره في
الفقه والكلام وله تآليف رشيقة، تلمذ لدى الميرزا حبيب الله الرشتي
الجيلاني وغيره ويروي عنه، ويروي عن السيد جعفر المترجم جماعة منهم
والدي السيد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النسابة المتوفي سنة 1338.
جعفر بن أبي سفيان المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم
توفي سنة 50
قال ابن سعد في الطبقات الكبير: أمه جمانة بنت أبي طالب وأمها
فاطمة بنت أسد بن هاشم فولد جعفر بن أبي سفيان أم كلثوم ولدت
لسعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وليس لجعفر بن أبي سفيان
عقب، وكان جعفر بن أبي سفيان مع أبيه حين اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلما
جميعا، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وحنين وثبت يومئذ حين ولى الناس
منهزمين فيمن ثبت من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ولم يزل مع
أبيه ملازما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضه الله تعالى، وتوفي في وسط من خلافة
معاوية بن أبي سفيان اه‍. وهذه منقبة واكرومة لجعفر في ثباته مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين حين فر الناس عنه وهم عشرة آلاف ولم يثبت معه غير
عشرة أنفس تسعة من بني هاشم والعاشر أيمن ابن أم أيمن فقتل أيمن وثبت
التسعة منهم أبو سفيان وابنه جعفر هذا كما مر في الجزء الثاني من هذا
الكتاب. وفي الاستيعاب: جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد
المطلب بن هاشم، ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر ذلك

187
ابن هشام وغيره، ولم يزل مع أبيه ملازما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبض،
وتوفي جعفر في خلافة معاوية وفي أسد الغابة اسم أبي سفيان المغيرة وهو
بكنيته أشهر ذكر الواقدي انه أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد معه حنينا وبقي إلى أيام
معاوية وتوفي أوسط أيامه وقال أبو نعيم هذا وهم لأن الذي شهد حنينا هو
أبو سفيان ولم يشهدها جعفر اه‍. وفي الإصابة قال ابن سعد ذكر أهل بيته
انه شهد حنينا وكذا ذكره ابن شاهين عن محمد بن يزيد عن رجاله وظن أبو
نعيم ان ابن منده انفرد بذلك فتعقبه بأنه وهم وان الذي شهد حنينا هو أبوه
أبو سفيان ولا حجة لأبي نعيم في ذلك فقد جزم ابن حبان انه اسلم مع أبيه
وانه شهد حنينا وانه مات بدمشق سنة 50 وقال الجعابي في كتاب من روى
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبوه جعفر بن أبي سفيان لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبوه بالابواء
فاسلم وسيأتي في ترجمة أبيه أبي سفيان انه لما استأذن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأذن
له قال لئن لم يأذن لي لآخذن بيد ابني هذا فنتوجه في الأرض (اه‍).
وذكره صاحب الدرجات الرفيعة وزاد على شهوده حنينا انه شهد وقعة بئر
معونة ثم ذكر ما يدل على أن بني هاشم عموما لم يبايعوا حتى بايع علي عليه
السلام مكرها واستدل على ذلك بقوله عليه السلام: فنظرت فليس لي رافد ولا
ذاب ولا مساعد الا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى
وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من
العلقم وآلم للقلب من حز الشفار. وبما رواه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز
الجوهري في كتاب السقيفة بسنده قال: لما جلس أبو بكر على المنبر كان
علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال
والذي نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج الزبير مصلتا
سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فندر السيف، فصاح
به أبو بكر وهو على المنبر: اضرب به الحجر. قال أبو عمرو بن حماس:
فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة ويقال: هذه ضربة سيف الزبير. قال
أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم. وبما نقله أحمد بن عبد ربه في كتاب
العقد الفريد أن أبا بكر بعث إليهم عمر ليخرجهم من بيت فاطمة فقال إن
أبوا فقاتلهم، فاقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم النار، فلقيته
فاطمة فقالت: أجئت لتحرق دارنا؟ فقال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه
الأمة. وفي حديث عروة الزهري: فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه
ضرع إلى المصالحة، فقال رجل للزهري فلم يبايع علي ستة أشهر! فقال:
لا والله ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي. قال: ولهذا ذكرنا بني
هاشم في طبقات الشيعة (اه‍).
الشيخ نجم الدين جعفر بن مليك الحلبي
في أمل الآمل: فاضل جليل فقيه قارئ زاهد يروي عنه والد
العلامة اه‍.
الميرزا جعفر ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد احمد ابن السيد
محمد الحسيني المعروف بالقزويني
توفي فجأة في الحلة في حياة أبيه غرة المحرم سنة 1298 وقيل
1297، وحمل إلى النجف على الرؤوس فدفن في الصحن الشريف عند
الرأس الشريف، ورثاه الشعراء كالسيد حيدر الحلي والسيد محمد سعيد
الحبوبي والسيد إبراهيم الطباطبائي والسيد جعفر الحلي وغيرهم، ورثي
بشعر كثير جمعه السيد حيدر الحلي في كتاب أسماه (الأحزان في خير انسان).
(وآل القزويني) من أجل بيوتات العراق في عصرنا علما وحسبا ونسبا
وشرفا ورياسة وأخلاقا يقطنون النجف والحلة وطويريج كما أشرنا إلى ذلك
في ترجمة السيد باقر ابن السيد أحمد وفي ترجمة أبيه السيد أحمد ابن السيد
محمد. وكان السيد مهدي القزويني والد المترجم قد صاهر الشيخ علي ابن
الشيخ جعفر على احدى بناته فولد له منها عدة أولاد كلهم علماء ورؤساء
أجلاء وهم السيد محمد والسيد حسين الميرزا صالح والميرزا جعفر المترجم
وقد أدركنا الأولين منهم ورأيناهما في النجف وحضرنا بعض مجالسهما
الحافلة.
كان المترجم عالما أديبا وجيها رأس في الحلة وتقدم عند الولاة ومشى
في مصالح الناس وطار ذكره وانتشر فضله ومدحه شعراء عصره وخاصة
شعراء الحلة وكثير من ديوان السيد حيدر الحلي فيه وفي أقربائه. ويظهر من
رسائله انه كان أديبا كاتبا بليغا شاعرا ضليعا بالآداب واللغة ملما ببعض
اجزاء الحكمة كثير النظر في الكتب وله شعر ونثر ومطارحات ومراسلات
كثيرة. وفي الطليعة: كان فاضلا مصنفا أديبا شهما غيورا رئيسا مطاعا
محترم الجانب عند الحكام بلغه ان بعض الجند ضرب أحد طلبة العلم في
النجف على وجهه فغضب ثم مضى إلى دار الحكومة فدعا بالجندي
وبالطالب فامره ان يقتص منه بمثل ضربته. وكان شاعرا يجمع شعره الرقة
والمتانة والسهولة والانسجام اه‍ وربما يشتبه بان عمه السيد جعفر ابن السيد
باقر ابن السيد أحمد ابن السيد محمد القزويني الذي ترجمناه في بابه وأشرنا
اليه في السيد جعفر القزويني فيما مر من هذا الجزء.
مشايخه وتلاميذه
تخرج في النجف بخاله الشيخ مهدي ابن الشيخ علي ابن الشيخ
جعفر صاحب كشف الغطاء في الفقه وبالملا محمد الإيرواني في الأصول
وأخذ عن الشيخ مرتضى الأنصاري وأخذ عن والده في الحلة واخذ عنه
جماعة.
مؤلفاته
(1) التلويحات الغروية في أصول الفقه مختصر (2) الاشراقات (3)
مختصر في المنطق.
شعره ونثره
كانت أمه المقدم ذكرها قد كلفت أخاها الشيخ عباس ابن الشيخ علي
ان يهيئ لها مكان قبرها فهياه وأكمل بناءه فكتبت إلى ولدها ميرزا جعفر ان
يشكر خاله المذكور على صنيعه فكتب اليه:
كريمة الشيخ ربيبة التقى * أم البنين الأتقياء البررة
من قد حوت مزايا جعفر * والشرف الأقصى لها من حيدره
توسمت وما أراها أخطات * أنك لا تغني لغير المقبرة
فقلدتك عملا لو أنها * قد قلدته (جمعة) لدبره
فقمت بالأمر قيام ناصح * لا يستطيع أحد ان ينكره
و (جمعة) هذا رجل من سقاط العامة. ومن شعره قوله في حسينية:
هي الدار ما بين اللوى فالنوائح * سقتها مصونات الدموع السوافح
وقفت بها صحبي أسائل ربعها * متى عهده من شاحط الدار نازح
فمن بائح في حبه غير كاتم * ومن كاتم من شوقه غير بائح
خبير بها ان لا جواب لسائل * ولكن وجدا هاج بين الجوانح
فيا دارهم أين استقلت يد النوى * بهم فغدوا ما بين غاد ورائح

188
فمالي والدنيا ينال بها الغنى * دني وكدحي عندها غير رابح
وينعم فيها كل أرعن جاهل * وأمنع منها بعد طي الصحاصح
تمر الليالي ليس أمري بنافذ * ولا مطلبي يوما لديها بناجح
ولا زمني عز ولا العيش لي به * أنيق ولا ما أرتجيه بصالح
ولم أر من صحبي بها غير حاسد * ولم ألف لي من خلتي غير كاشح
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا جد في نيل العلا والمدائح
واقتادها ظماى النفوس إلى العلا * على سابح بحر الوغى اثر سابح
فلا رمت أسباب المعالي ولا رقا * بي الشرف الأقصى على كل طامح
إذا لم أقف مرمى الأسنة مثلما * غدا ابن علي بين بيض الصفائح
يصول بعزم ما الحسام ببالغ * مداه ولا سمر القنا بملامح
وأبيض مثل البرق لو شاهد الردى * لارداه واجتاحته أيدي الجوائح
وقوله من أخرى:
سل عن أهيل الحي سكان النقى * أمغربا قد يمموا أم مشرقا
يقدح زند الشوق في قلبي إذا * ذكرت في زرود ما قد سبقا
ما أومض البرق بأكناف الحمى * بأرضهم الا وقلبي خفقا
ولا انبرت ريح الصبا من نحوهم * الا شممت من شذاها عبقا
من ناشد لي بالركاب مهجة * قد تبعث يوم الرحيل الاينقا
أبقيتم مضناكم لا يرتجى * له الشفا ولا تسليه الرقا
لو يحمد الدمع على غير بني * أحمد منه الدمع حزنا مارقا
الباذلين في الاله أنفسا * لأجلها ما في الوجود خلقا
إذا ذكرت كرب يوم كربلا * تكاد نفسي حزنا أن تزهقا
جل فهان كل رزء بعده * يأتي وأنسى كل رزء سبقا
ما سئموا ورد الردى ولا اتقوا * بأس العدا ولا تولوا فرقا
غص بهم فم الردى من بعدما * كان بهم وجه الزمان مشرقا
وله في رثاء الحسين (عليه السلام). بكر الخليط عن الديار فودعا * ودعا به داعي الفراق فاسرعا
سرعان ما هجروا فؤادك بغتة * واستبدلوا بعراص أرضك أربعا
فأرسل فؤادك بالبكا أو فاستعر * ببكاء أيام الأحبة أدمعا
أعلمتما من قد رمى سهم القضا * فدعته أرواح الخلائق مذنعى
خير الورى شرفا وأكرم سيد * كأس الردى يوم الطفوف تجرعا
فهوى بمستن النزال على الثرى * ظام وغلة صدره لم تنقعا
بأبي سراة بني لؤي أقدموا * لا يطلبون عن المنية مدفعا
والصبح مختبط الجوانب مظلم * والنقع يمنع شمسه ان تطلعا
فجلا ظلام دجى القتام بأوجه * في الحرب تحسبها بدورا طلعا
وسرى بعزم لو يصادف وقعه * جبلا لأصبح خاشعا متصدعا
حتى إذا شاء الاله لقاءه * وافاه داعيه فلبى مسرعا
يا مدرك الأوتار طال بك المدى * فالأم نبقى في انتظارك خشعا
أترك رقاب القوم نهبا للظبا * حتى تعود الأرض منهم بلقعا
وأرسل اليه خاله الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر
صاحب كشف الغطاء فروة فكتب اليه المترجم عن لسان الفروة:
يا أيها المولى الذي * فاق الأوائل والأواخر
والعالم العلم الذي * لعلاه تنعقد الخناصر
والجوهر الفرد الذي * من نيله يهب الجواهر
رب الفضائل والفواضل * والمحامد والمفاخر
كشاف كل عويصة * عنها يعود الفكر حاسر
وابن الألى ورثوا الرياسة * كابرا من بعد كابر
وبهم زهت بل أزهرت * للدين أعواد المنابر
الضاربين رواق مكرمة * على العيوق زاهر
والحافظين لشراع آل * محمد من كل فاجر
ومؤسسين قواعدا * قد أظهروا فيها السرائر
وممهدين شرائعا * كم وارد منها وصادر
مولاي يا من فيض بحر * نواله للخلق وافر
عطفا على من مزقت * كف الأسى منه الضمائر
ما شاهدت من راحة * مذ خلطتها كف جازر
وافتك ترجو عتقها * وأمنت من سطوات جائر
فأرسل اليه خاله الشيخ مهدي عباءة عوض الفروة فكتب الميرزا
جعفر اليه رسالة ينبؤه فيها بوصول العباءة وصدرها بهذه الأبيات:
انهي إلى المولى الذي * فاق الأواخر والأوائل
رب المآثر والمفاخر * والفواضل والفضائل
من قد أنار ظلام ليل * المشكلات من المسائل
وأبان منهاج الهدى * بالواضحات من الدلائل
جيد الزمان به تحلى * بعدما قد كان عاطل
انه بينما أنا حبيس الهموم والأحزان إذ دخل علي غلام فرددت عليه
بعد ما حياني بالسلام وقلت ما وراءك يا عصام فالقى بين يدي ثقلا وقال
هذا ما أرسله إليك المولى ففتحته فإذا هو مشتمل على العبا فسكرت
لورودها طربا حيث أزاحت عن فكري من المشكلات مسائل جمة فدلت
على قدم العالم ورجحت القول بقيام الأعراض بالأعراض وأبانت عن بقاء
الأرواح بعد فناء الأبدان وأرغمت انف القائل بتعلق الجعل بالماهية وأبطلت
دعوى المدعي ان للأشياء اعمارا طبيعية وأيدت قول من يقول ببقاء الأكوان
والغت دليل القائل باحتياج الباقي إلى المؤثر في أجزاء الزمان وسددت
مذهب أهل التصوف القائلين بان وجود الممكنات وهم وأفسدت قول من
يقول إن كل مرئي جسم أخبرتنا عن الأمم الماضية والقرون الخالية وحدثتنا
عن يوم الطوفان وكيف اكلت الأرضة عصا سليمان وعلمتنا أسماء أهل
الكهف لنجعلها في الرقى وروت لنا من اخبار كسروية ما لم يحط بعلمه أبو
البقا فتأملتها مليا وسألتها عن نفسها سؤالا حفيا فأقسمت بمن انحل
جسمها وأهرم شبابها وأعارها ضعف الهمة وتركها سدى بلا لحمة انها لم
تزل تتنقل من مكان إلى مكان وفي زمان بعد زمان وشاهدت ما لم يشتمل
عليه تاريخ ابن خلكان وأكل الدهر عليها وشرب حتى انتهت نوبتها إلى
اخر خلانها الحاج ملا قلي فتجلببها في ليله ونهاره وصحبها معه على طول
أسفاره فلما قرب منه الأجل وانقطع عنه الأمل أوصى بها إلى اولي الأرحام
من قومه ان يجعلها في صلاته وصومه وحيث علم أولئك الأقوام ان ذمة
الوصي لا تفرع الا بالدفع إلى نائب الامام بادروا بارسالها قبل التلف إلى
أفضل علماء النجف قالت فلما وقعت بيده تحقق اني احدى العبر وان وجودي
من أشراط الساعة والساعة أدهى وأمر فرام ان يلبسك خرقة
التصوف ويريحك من المشقة والتكلف ويعلمك ان الزهد في هذه الدنيا
الدنيا كالفرض ويكسر سورة النفس منك بلباس الخفض ويجعلك ترابي
المزاج في جميع الأمور ويرفع عنك بهذه العلامة ما يزعمه الناس فيك من

189
التكبر والغرور الا انه لما علم بأنك عاجز عن صلاتك المكتوبة ضرب على
شماله بيمينه وأخذ بالحائطة لدينه واستقر رأيه على أن يشتريني لنفسه فجمع
الدلالين ومن لهم معرفة بالخرص والتخمين فوقع الجدال وكثر القيل والقال
فمن قائل انها تعدل درهمين وقائل انها تساوي ثلاثة من الدراهم حتى ابتدأ
اعرف الجمهور وأشدهم تعمقا بالأمور فقال إن الأوفق للمولى ان يأخذ
بالاحتياط ويوطن على أحمس الاعمال منه النفس ويعطي بدلها من الدراهم
عدد الحواس الخمس فعندها فتح المزادة وأعطى بدلي من خالص ماله اجرة
نصف سنة من العبادة فلما تحققت منها الصدق في هذه الأمور إذ على كل
حق حقيقة وعلى كل صواب نور ورمت ان افعل بها فعل ديك الجن بغلامه
الوحيد أو أبي مسلم بكتاب عبد الحميد واستشرت في ذلك اخواني فابتدر
أحدهم وقال لا تبع الموجودة بالمفقودة ولا تترك هذه البيضة المنقودة واشكر
مولاك على ما أولاك وأنت معه على دعواك.
يا أيها المولى الذي أصبحت * الأوهام عن ادراكه قاصره
ومن غدا في الفضل والعلم ما * بين البرايا نقطة الدائرة
لم يقطع اليأس رجائي بما * أملته من خرقة وافره
فاسلم لتنقيح مناط الهدى * مؤيدا بالعترة الطاهرة
وكتب إلى حسام الدين أفندي قائم مقام الحلة:
الطرف بعدك لا ينفك في سهر * والقلب بعدك لا ينفك في شغل
يعقوب حزنك أبلاه الضنى فعسى * من رد يوسف لطفا أن يردك لي
وكتب إلى نعمان الآلوسي:
الطرف بعدك لا ينفك في سهر * والعيش بعدك لا يصفو من الكدر
يا غاديا وفؤادي بعد فرقته * قد عاد حيران بين الورد والصدر
وكتب اليه اخوه السيد حسين في مرض أصابه:
بنفسي وقل بها أفتديك * لو أن مولى بعبد فدي
ويفديك ما منك قد نلته * جميعا وما ملكته يدي
وجودك علة هذا الوجود * وجودك بلغة من يجتدي
وشخصك انسان عين الزمان * و لولاك ضل فلم يهتد
على مضض قد طويت الضلوع * بليلة ذي العائر الأرمد
وما بين جنبي ذات الوقود * يشب سناها إلى الفرقد
فلو انها أضرمت للخليل * ونودي يا نار لم تبرد
فما عبر الغمض في ناظري * ولا لذ لي العذب من موردي
فلولا عقيلة بيت الفخار * وأم المكارم والسؤود
لما لان للمكث لي جانب * ولا أخذ الصبر في مقودي
فكتب الميرزا جعفر في جوابه:
أبا المرتضى قد غبت عني بساعة * بها الموت أدنى من جبيني إلى نحري
فكم ليلة قد بتها متيقنا * بأني ألاقي في صبيحتها قبري
أكابد من طول الليالي شدائدا * كان الليالي قد خلقن بلا فجر
على حالة لم أدر من كان عائدي * هناك ولم أشعر بزيد ولا عمر
وما طلبت نفسي سوى ان أراكم * وليس سوى ذكراكم مر في ذكري
وكتب الميرزا جعفر إلى أخويه السيد محمد والسيد حسين:
أيا أخوي اللذين هما * أعز على النفس من ناظري
عذرتكما حيث لم تحضرا * ولم يك من غاب كالحاضر
لقد بطشت بي كف السقام * على غفلة بطشة القادر
فغودرت في لهوات المنون * ولست بناه ولا آمر
يخيل لي كل آن يمر * أنقل فيه إلى قابري
فكم ليلة بتها والضنا * ضجيعي كليلة ذي العائر
على أن نفسي تشتاقكم * كشوف الربى للحيا الماطر
تداركني الله من لطفه * فأصبحت في فضله الوافر
وكتب أيضا لأخويه:
بلغا حييتما والهة * لم تزل تكثر عني بالسؤل
قد براني الله من نازلة * تركتني ناحلا مثل الهلال
كدت لولا لطفه بي عاجلا * أن تراني فوق أكتاف الرجال
ما لنفسي أسفت نفسي وان * كنت لا أقضي عليها بزوال
بل عليها وهي أولى الناس بي * ترقد الليل ولم تدر بحالي
فكتب اليه أخواه جوابا الأصل للسيد حسين والتشطير للسيد محمد:
(نسيم صبا الفيحاء أهديت لي نشرا) * فأنعشت نفسا فيك وألهة حيرى
وأسكرني ساري شذاك على ضني * (فأصبحت نشوانا ولم أعرف السكرا)
(أجر برودي لا دلال يهزني) * وأختال لا تيها أروم ولا كبرا
ولا لعبا مني ولا طاش لي حجى * (ولكنني قد طرت من فرحي بشرا)
(إذا ما أبو موسى اكتسا حلل الشفا) * وأرغم انف الحاسدين به قسرا
وأصبح في دست الرياسة آمرا * (فلسن أبالي بعد أن أقدر العمرا)
(فضوعت أرجاء الغري بطيبه) * وزدت على نشر الحمى في الحمى نشرا
ولولا شذاه لم تكن تعرف الشذا * (ولا كنت لولا خلقه تحمل العطرا)
(خليلي مرا بي بمعناه ساعة) * بها الق من زاهي محياه لي بدرا
والا خذا خلف الركائب ناظري * (لعلي ألاقي منه طلعته الغرا)
(على منزل شح الزمان بقربه) * وقد كان شملي فيه مستجمعا دهرا
وربع به حل الشباب تميمتي * (وقد كان في عصر الشبيبة لي عصرا)
(تحلى به من شيبة الحمد نير) سنا مجده قد طبق البر والبحر
ومن هاشم مقدامها وعميدها * (ومن مضر الحمراء آيتها الكبرى)
(غمام على الدنيا أطل بنائل) * فامطر لما ان أطل بها تبرا
وعم جميع الأرض شرقا ومغربا * (فأنبت في أقطارها الحمد والشكرا)
(فما ضرها فقد الربيع وجعفر) * بطلعته الغراء يستنزل القطرا
ولا ساءها جدب وبين ربوعها * (يداه الربيع الخصب في الشتوة الغبرا)
(يعز علينا ان تبيت بليلة) * بها تشتكي حوشيت من علة ضرا
ولما بها قاسيت لا مر مثلها * (نود بان الصبح شق لها فجرا)
(وما بين أكناف الغريين فتية) * طوت لك في أكناف أضلعها جمرا
وتأمل من لقياك ما لا تناله * (فتمكث ترعى النجم في مقلة سهرا)
(سقيمة أكباد سواهر أعين) * رميضة أحشاء تحن إلى المسرى
تهم بأمر الحزم لا تستطيعه * (فتوشك ان تقضي بحسرتها جهرا)
(ويحسب كل ساورته ضئيلة) * إذا نفثت في الصخر فلقت الصخرا
أو ان حشاه للسيوف ضريبة * (أو ان المنايا فيه قد أحكمت ظفرا)
وارسل هذه الأبيات ضمن رسالة:
فكم أهاجت في الأسى لي مهجة * إلى حمى الزوراء ما أشوقها
كم أذلت في الهوى لي مقلة * إلى جناب الكرخ ما أرمقها
وكم روت لي عنه في اسنادها * مودة في الدهر ما أصدقها
وكم دعت بالفضل من ذي لهجة * عليك بالثناء ما أنطقها

190
السيد جعفر الموسوي الجزائري
يأتي في المستدركات بعنوان جعفر بن أبي طالب.
جعفر بن ناجية بن أبي عمار الكوفي مولى
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي
التعليقة عده خاله - المجلسي - ممدوحا لان للصدوق طريقا اليه، هذا
ويروي عنه جعفر بن بشير وفيه أشعار بوثاقته لما مر في الفوائد اه‍ وفي لسان
الميزان جعفر بن ناجية بن أبي عمار الكوفي قال أبو عمرو الكشي كان من
رجال الشيعة ممن روى عن جعفر الصادق وروى عنه علي بن الحكم وغيره
اه‍ وليس له ذكر في رجال الكشي وانما ذكره الشيخ في رجاله كما سمعت.
أبو قاسم جعفر ناصرك بن الناصر الكبير الحسن بن أبي الحسن علي
العسكري بن أبي محمد الحسن بن علي الأصغر المحدث بن عمر
الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام.
توفي سنة 312.
والكاف في ناصرك الظاهر أنها للنسبة أو لغيرها وهي كثيرة عندهم
كما قالوا أميرك ومصنفك وغير ذلك.
في عمدة الطالب: كان للحسن بن علي الناصر الكبير خمسة أولاد
وهم -: زيد وأبو علي محمد المرتضى وأبو القاسم جعفر ناصرك وأبو الحسن
علي الأديب المحل وأبو الحسين أحمد صاحب جيش أبيه أما أبو القاسم
جعفر ناصرك بن الناصر فلما مات أبوه أرادوا ان يبايعوا ابنه أبا الحسين احمد
ابن الحسن الناصر فامتنع من ذلك وكانت ابنة الناصر تحت أبي محمد
الحسن بن القاسم الداعي الصغير فكتب اليه أبو الحسن أحمد بن الحسن
الناصر واستقدمه وبايعه فغضب أبو القاسم جعفر ناصرك بن الناصر وجمع
عسكرا وقصد طبرستان فانهزم الداعي ابن الناصر يوم النيروز سنة 306
وسمى نفسه الناصر وأخذ الداعي بدماوند وحمله إلى الري إلى علي بن
وهسوذان فقيده وحمله إلى قلعة الديلم فلما قتل علي بن وهسوذان خرج
الداعي وجمع الخلق وقصد جعفر بن الناصر فهرب إلى جرجان وتبعه
الداعي فهرب ابن الناصر إلى الري وملك الداعي الصغير طبرستان إلى
سنة 306 ثم قتله مرداويج بامل وأعقب جعفر بن الناصر من أبي جعفر
محمد وأبي محمد الحسن لهما أعقاب وكان منهم ببغداد فخذ يقال لهم بنو
الناصر لم يكن بالعراق من بني عمر الأشرف غيرهم وهم ولد يحيى الأشل
ابن شجاع محمد بن خليفة بن أحمد بن الحسن بن جعفر ناصرك المذكور
(اه‍).
جعفر بن نجيح المدني جد علي بن المثنى
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال اسند
عنه وفي لسان الميزان: جعفر بن نجيح المدني ذكره أبو جعفر الطوسي في
رجال الشيعة اه‍.
الشيخ جعفر النعامي الطرشاني
في كتاب صفوة الصفوية للسيد علي بن عبد الله خان المشعشعي
المقدم ذكره وصفه بالنحرير المحقق وقال إنه قاضي أصفهان في عهد الشاه
سليمان الصفوي وهو نعم الفاضل الكامل اه‍.
جعفر بن نعيم الشاذاني
في التعليقة يروي عنه الصدوق مترضيا وكثيرا ما يقول حدثنا الحاكم
أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان رضي الله عنه وفي العيون عنه عن عمه
أبي عبد الله الشاذاني محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان والظاهر أن أبا
عبد الله هذا هو محمد بن أحمد بن نعيم فيكون الفضل عما لعم جعفر اه‍.
الشيخ نجم الدين جعفر بن نما الحلي
مر بعنوان جعفر بن محمد جعفر بن هبة الله بن نما
جعفر بن هارون الزيات
روى صاحب بصائر الدرجات عن علي بن حسان عن جعفر بن
هارون الزيات قال كنت أطوف بالبيت فرأيت أبا عبد الله عليه السلام
فقلت هذا هو الذي يتبع والذي هو كذا وكذا قال فما علمت به حتى ضرب
يده على منكبي ثم أقبل علي وقال أبشرا منا واحدا نتبعه انا إذا لفي ضلال
وسعر اه‍ ويظهر ان قوله هذا هو الذي يتبع كان على وجه الإنكار فلذلك
اجابه عليه السلام بقراءة الآية اي لا تكن كالذين قالوا هذا القول والله
أعلم.
جعفر بن هارون الكوفي يكنى أبا عبد الله
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال ثقة اه‍
وفي لسان الميزان: جعفر بن هارون الكوفي ذكره أبو جعفر الطوسي في
رجال الشيعة اه‍.
جعفر بن هاشم بن أبي الحسن محمد بن أبي جعفر محمد بن علي العلوي
العبيدي
روى عن جده أبي الحسن وهو شيخ ابن كلبون النسابة شيخ السيد
عبد الحميد بن التقي شيخ شمس الدين فخار بن معد الموسوي شيخ ابنه
جلال الدين عبد الحميد شيخ ابنه علم الدين المرتضى علي شيخ شيخنا
السيد تاج الدين محمد بن معية الحسن النسابة كذا في مسودة الكتاب.
الشيخ جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي الربعي
هو والد الفقيه الجليل محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله شيخ
المحقق وشيخ والد العلامة المعروف بابن نما والذي اليه ينصرف اطلاق ابن
نما يروي عن جعفر المترجم ولده محمد المذكور ويروي جعفر المذكور عن
الحسين بن رطبة السوراوي وتقدم جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن
نما.
جعفر الهذلي
في الفهرست له نوادر أخبرنا أحمد بن عبدون عن أبي طالب الأنباري
عن حميد عنه.
جعفر بن الهذيل
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال روى عنه
حميد اه‍ وقال النجاشي جعفر بن الهذيل له نوادر أخبرنا ابن نوح حدثنا
الحسين بن علي بن سفيان حدثنا حميد بن زياد بن هوار قال سمعت منه
نوادره وسمعت منه كتاب عبد الله بن بكير اه‍ وفي تهذيب التهذيب
جعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي أبو عبد الله القناد ابن بنت أبي اسامة روى
عن عاصم بن يوسف اليربوعي وأبي نعيم محمد بن الصلت الأسدي
وعمرو بن حماد بن طلحة القناد وعدة وعنه النسائي وأحمد بن سلام

191
وإسحاق بن أحمد القطان وأبو بكر بن أبي داود وغيرهم قال النسائي ثقة
وقال مطين مات في جمادي الأولى سنة 260 وقال كوفي صاحب حديث
كيس اه‍ ويحتمل ان يكون هو المترجم. وفي لسان الميزان: جعفر بن
الهذيل بن هشام ذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة اه‍ ولفظة ابن
هشام ليست في رجال الشيخ الطوسي.
جعفر بن هشام
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي عليه السلام
ميرزا جعفر الهمذاني
له كتاب رياض الأدب وهو مقامات كمقامات الحريري والبديع
الهمذاني وهي احدى وعشرون مقامة وجدنا منه نسخة بخط المؤلف في
مكتبة السيد نصر الله المعروف (بسادات أخوي) في طهران فرع منها سنة
1269 ووجدنا في المكتبة المذكورة نسخة أخرى فرع منها كاتبها في غرة
صفر سنة 1297 بقلم السيد جواد الموسوي وعباراتها عربية بليغة وفيها
أشعار كثيرة يستشهد بها المؤلف وهي من نظمه منها:
ناهيك من منتدى الأفراح أندية * خفت بوفر من النعمى مغانيها
تقري الضيوف صنوفا من مآدبها * تسقي الشنوف فنونا من أغانيها
تاهت على وشيها في مشيها قضب * تثنيك عند التثني عن مثانيها
ومنها:
حيا المهيمن معشرا * قد أصبحوا خير المعاشر
ما مثلهم من ناشر * للفضل أو للخير حاشر
يا سادتي اني امرؤ * طاوي الخنا للعرف ناشر
لم أغتمض مذ تسعة * أطأ الفلا واليوم عاشر
كما قد طويت بوطاتي * طرقا كأسنان المناشر
أن عفتموني صحبة * فانا لخدمتكم مباشر
وله من المؤلفات كنج شايكان يحذو فيه حذو كلستان للشيخ سعدي
الشيرازي وله ديوان فارسي في الغزل بخطه وديوان آخر فارسي في المديح
وغيره وجدتها في المكتبة المذكورة.
جعفر بن ورقاء بن محمد بن ورقاء بن صلة بن المبارك بن صلة بن عمير بن
جبير بن شريك بن علقمة بن حوط بن سلمة بن سنان بن عامر بن تيم بن
شيبان بن ثعلبة بن عكامة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو محمد.
في فوات الوفيات: ولد بسامراء سنة 292 وتوفي في شهر رمضان
سنة 352.
هكذا ساق نسبه النجاشي في رجاله وتبعه العلامة في الخلاصة وابن
داود وقال ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات انه جعفر بن محمد بن ورقاء
وتبعه بعض المعاصرين وليس بصواب بل الصواب ما ذكره النجاشي الذي
هو أعرف بالأنساب من كل أحد وكذلك هو في تاريخ ابن الأثير في عدة
مواضع. وفي ديوان أبي فراس في عدة نسخ: جعفر بن ورقاء، ويدل
عليه قول أبي فراس الآتي: (من ظلم عمك يا ابن عم) وقول المترجم
الآتي: (وجور ما قد قال عم) لدلالته على أن أبا احمد عبد الله بن
محمد بن ورقاء عم جعفر بن ورقاء، ولو كان جعفر بن محمد بن ورقاء كما
يقوله الكتبي لكان أخاه لا عمه.
قال النجاشي: أمير بني شيبان بالعراق ووجههم وكان عظيما عند
السلطان وكان صحيح المذهب له كتاب في أمامة أمير المؤمنين عليه السلام
السلام وتفضيله على أهل البيت عليهم السلام سماه كتاب حقائق التفصيل
في تأويل التنزيل أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال حدثنا أبو أحمد إسماعيل
ابن يحيى بن أحمد العبسي قال: قرأت على الأمير أبي محمد اه‍ وفي فوات
الوفيات كان من بيت امرة وتقدم وآداب وكان المقتدر يجريه مجرى بني حمدان
وتقلد عدة ولايات وكان شاعرا كاتبا جيد البديهة والروية وكان يأخذ القلم
ويكتب ما أراد من نثر ونظم كأنه عن حفظه وكان بينه وبين سيف الدولة
مكاتبات بالشعر والنثر مشهورة اه‍ وفي تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة
312 في هذه السنة دخل أبو طاهر القرمطي إلى الكوفة وسبب ذلك أنه
اطلق من كان عنده من اسرى الحجاج وأرسل إلى المقتدر يطلب البصرة
والأهواز فلم يجبه إلى ذلك فسار من هجر يريد الحاج وكان جعفر بن ورقاء
الشيباني متقلدا أعمال الكوفة وطريق مكة فلما سار الحجاج من بغداد سار
جعفر بين أيديهم خوفا من أبي طاهر ومعه ألف رجل من بني شيبان وسار
مع الحجاج جماعة من أصحاب السلطان في ستة آلاف رجل فلقي أبو طاهر
جعفر الشيباني فقاتله جعفر فبينا هو يقاتله إذ طلع جمع من القرامطة عن
يمينه فانهزم من بين أيديهم فلقي القافلة الأولى وقد انحدرت من العقبة
فردهم إلى الكوفة ومعهم عسكر الخليفة وتبعهم أبو طاهر إلى باب الكوفة
فقاتلهم فانهزم عسكر الخليفة الخبر. وذكر في حوادث سنة 325 أن
محمد بن رائق وهو أمير الامراء ببغداد أشار على الراضي الخليفة بالانحدار
معه إلى واسط ليقرب من الأهواز ويراسل أبا عبد الله بن البريدي وكان قد
عظم امره في الأهواز واستبد بها فان أجاب إلى ما يطلب منه والا كان
قصده ومحاربته قريبا عليه، فانحدر الراضي وابن رائق نحو الأهواز وارسل
اليه ابن رائق في معنى تأخير الأموال وإفساد الجنود وحملهم على العصيان فان
حمل المال وسلم الجند أقر على عمله والا قوبل بما يستحق. فلما سمع
الرسالة جدد ضمان الأهواز بثلاثمائة وستين ألف دينار مقسطة وأجاب إلى
تسليم الجيش إلى من يؤمر بتسليمه اليه فقبل ذلك منه. فاما المال فما حمل
منه دينارا واحدا، واما الجيش فان ابن رائق انفذ جعفر بن ورقاء ليتسلمه
منه وليسير بهم إلى فارس لقتال ابن بويه فلما وصل جعفر إلى الأهواز لقيه
ابن البريدي في الجيش جميعه ولما عاد سار الجيش مع البريدي إلى داره
واستصحب معه جعفرا وقدم لهم طعاما كثيرا فاكلوا وانصرفوا وأقام جعفر
عدة أيام ثم إن البريدي أمر الجيش فطالبوا جعفرا بمال يفرقه فيهم
ليتجهزوا به إلى فارس فلم يكن معه شئ فشتموه وتهددوه بالقتل فاستتر
منهم ولجأ إلى البريدي فقال له البريدي ليس العجب ممن أرسلك وانما
العجب منك كيف جئت بغير شئ فلو ان الجيش مماليك لما ساروا الا بمال
ترضيهم به ثم اخرجه ليلا وقال انج بنفسك فسار إلى بغداد خائبا، وقال
في حوادث سنة 326: في هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم في ذي
القعدة وكان القيم به ابن ورقاء الشيباني وكان عدة من فودي من المسلمين
6300 من بين ذكر وأنثى وكان الفداء على نهر البدندون اه‍ ومن ذلك
يعلم أن الامراء والخلفاء كانوا يعدونه لكل مهم من تسلم الجيوش ومفاداة
الاسرى وغير ذلك، وفي الطليعة: أبو محمد جعفر بن محمد بن ورقاء
الشباني (والصواب جعفر بن ورقاء بن محمد بن ورقاء كما مر) كان فاضلا
أديبا مصنفا وكان أمير بني شيبان وله مع سيف الدولة مكاتبات ومن شعره
قوله في الحسين عليه السلام:
رأس ابن بنت محمد ووصيه * للناظرين على قناة يرفع

192
والمسلمون بمنظر وبمسمع * لا جازع منهم ولا متخشع
كحلت بمنظرك العيون عماية * وأصم رزؤك كل أذن تسمع
أيقظت أجفانا وكنت لها كرى * وأنمت عينا لم تكن بك تهجع
ما روضة الا تمنت انها * لك تربة ولخط قبرك موضع
وله:
الحمد لله على ما قضى * في المال لما حفظ المهجه
ولم يكن من ضيقة هكذا * الا وكانت بعدها فرجه
(أقول) الأبيات العينية السابقة ان كانت له فليست في الحسين عليه
السلام ففي كتاب الملهوف: ويحق لي ان أتمثل بأبيات لبعض ذوي العقول
يرثي بها قتيلا من آل الرسول (رأس ابن بنت محمد) الأبيات، وفي فوات
الوفيات ومن شعره:
ولما عبثن بأوتارهن * قبيل التبلج أيقظنني
جسس البهرم وابتعنها * بنقر المثاني فهيجني
عمدن لاصلاح أوتارهن * فأصلحنهن وأفسدنني
وله:
هززتك لا اني عملتك ناسيا * لحقي ولا أني أردت التقاضيا
ولكن رأيت السيف من بعد سله * إلى الهز محتاجا وان كان ماضيا
وله:
قالوا تعز لقد أسرفت في جزع * فالموت كأس عميم مر مشربه
فقلت ان غرامي والفقيد معا * بانا فما انا مشغول بمطلبه
قالوا فعينك أحميها فقد رمدت * من فيض دمع ملث القطر مسكبه
فقلت ما لي فيها بعده أرب * هل يحفظ المرء شيئا غير مأربه
ما كنت أدخرها يوما لرؤيته * وللبكاء عليه إذ فجعت به
قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كان أبو أحمد بن ورقاء
وهو عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني قال قصيدة يهنئ بها سيف الدولة
ببعض غزواته ويفاخر مضر بأيام بكر وتغلب في الجاهلية والاسلام
أولها:
أرسما بسابروج أبصرت عافيا * فاذكرك العهد الذي كنت ناسيا
فلما سمع أبو فراس ما عمل فيها عمل قصيدة على هذا الشرح يذكر
فيها أسلافهم ومناقبهم أولها:
لعل خيال العامرية زائر * فيسعد مهجور ويسعد هاجر
وهي طويلة مشهورة موجودة في ديوانه وهي من غرر الشعر قال ابن
خالويه قال لي أبو فراس: لما وصلت هذه القصيدة إلى أبي أحمد عبد الله بن
محمد بن ورقاء ظن اني عرضت به في البيتين اللذين ختمت بهما القصيدة
وهما:
يسر صديقي ان أكثر واصفي * عدوي وان ساءته تلك المفاخر
وهل تجحد الشمس المنيرة ضوءها * ويستر نور البدر والبدر زاهر
فكتب إلي قصيدة تصرف فيها في التشبيب ومطلعها:
أشاقتك بالخال الديار الدواثر * روائح مجت آلها وبواكر
قال وكتب أبو فراس إلى أبي محمد جعفر بن ورقاء وجعله حكما بينه
وبين أبي أحمد عبد الله بن ورقاء فقال:
انا إذا اشتد الزمان * وناب خطب وأدلهم
ألفيت بين بيوتنا * عدد الشجاعة والكرم
للقا العدا بيض السيوف * وللندا حمر النعم
هذا وهذا دأبنا * يودي دم ويراق دم
قل لابن ورقا جعفر * حتى يقول بما علم
اني وان شط المزار * ولم تكن دار أمم
أصبو إلى تلك الخلال * واصطفي تلك الشيم
وألوم عادية الفراق * وبين احشائي ألم
ولعل دهرا ينثني * ولعل شعبا يلتئم
هل أنت يوما منصفي * من ظلم عمك يا ابن عم
أبلغه عني ما أقول * فأنت من لا يتهم
اني رضيت وان كرهت * أبا محمد الحكم
فكتب أبو جعفر محمد جعفر بن ورقاء مجيبا له:
أنتم كما قد قلت بل * أعلى وأشرف يا ابن عم
ولكم سوابق كل فخر * واللواحق من أمم
لم يعل منكم شاهق * فوق الشوامخ والعلم
الا ولاحقه يلوح * على ذراه كالعلم
ودعوت شيخك وابن * عمك جعفرا فيما أهم
من حلو قولك حين قلت * وجود ما قد قال عم
فقضى عليه وقد قضى * بالحق لما ان حكم
في دهرهم وزمانهم * ولهم قديم في القدم
ليسوا كمن لن يبلغوا * العلياء الا بالرمم
هذا قضائي ان نحا * للحق عمي والتزم
أحسنت والله العظيم * نظام بيتك حين تم
فيما ذكرت به السيوف * وما ذكرت به النعم
وشكوت أشواقا إلي * يحس قلبك بالألم
أفديه قلبا عاليا * فوق الفضائل والهمم
قد فاض فيضا بالسماح * وقد تدفق بالكرم
فسيول جدواه تدفقها * الشهامة عن ضرم
ولقد بدا متنعما * يا طيب ذلك في النعم
وأزل لي من بره * أزكى وأطيب ما قسم
فلأشكرن صنيعه * حتى تغيبني الرجم
ولأبي فراس في بني ورقاء من قصيدة أولها:
اللوم للعاشقين لوم * لأن خطب الهوى عظيم
وكيف ترجون لي سلوا * وعندي المقعد المقيم
ومقلتي ملؤها دموع * وأضلعي حشوها كلوم
يا قوم اني امرؤ كتوم * تصحبني مقلة نموم
برملتي عالج رسوم * يطول من دونها الرسيم
أنخت فيهن يعملات * ما عهد ارقالها ذميم
أجدبها قطع كل واد * أخصبه نبته العميم
تلك سجايا من الليالي * للبؤس ما يخلق النعيم
بين ضلوعي هوى مقيم * لآل ورقاء لا يريم
يغير الدهر كل شئ * وهو صحيح لهم سليم

193
امنع من رامه سواهم * منه كما يمنع الحريم
وهل يساويهم قريب * أم هل يساميهم حميم
ونحن من عصبة وأهل * يضم أصليهما أروم
لم تتفرق بنا خؤول * في العز منا ولا عموم
سمت بنا وائل وفازت * بالعز أخوالنا تميم
ودادهم خالص صحيح * وعهدهم ثابت مقيم
ذاك لنا منهم حديث * وهو لآبائنا قديم
نراعاه ما طرقت بحمل * أنثى وما أطفلت بغوم
ندني بني عمنا الينا * فضلا كما يفعل الكريم
أيديهم عند كل خطب * يثنى بها الحادث الجسيم
والسن دونهم حداد * لدا إذا قامت الخصوم
لم تنأ عنا لهم قلوب * وان نأت منهم جسوم
ولا عدمنا لهم ثناء * كأنه اللؤلؤ النظيم
لقد نمتنا لهم أصول * ما مس اعراقها لوم
نبقى ويبقون في نعيم * ما بقي الركن والحطيم
وقال المسعودي في مروج الذهب عند الكلام على مقصورة ابن دريد
وذكر جماعة عارضوها: ولابن ورقاء في المقصورة أيضا:
ما شئت قل هي المهى هي المنى * جواهر بكين أطراف الدمى
ولم يذكر غير هذا البيت وهو غير ظاهر المعنى وكان فيه تحريفا والظاهر أن
مراده بابن ورقاء هو المترجم ويحتمل ان يريد عمه أبا أحمد عبد الله بن
محمد بن ورقاء الآتي في بابه فهو شاعر أيضا والله أعلم.
وفي اليتيمة أبو محمد جعفر وأبو أحمد عبد الله أبناء ورقاء الشيباني من
رؤساء عرب الشام وقوادها المختصين بسيف الدولة وما منهما الا أديب
شاعر جواد ممدح وبينهما وبين أبي فراس مجاوبات وإليهما ارسل أبو فراس
يقول من قصيدة:
أتاني من بني ورقاء قول * الذجنا من الماء القراح
ولو اني اقترحت على زماني * لكنتم يا بني ورقا اقتراحي
ثم قال وكتب أبو محمد جعفر عند حصوله ببغداد بعد وفاة سيف
الدولة إلى أبي إسحاق الصابي وكانت بينهما مودة وتزاور فانقطع عنه أبو
إسحاق لبعض العوائق (وذكر انه يعول على صفاء الطوية في المودة) فكتب
اليه جعفر:
يا ذا الذي جعل القطيعة دأبه * ان القطيعة موضع للريب
ان كان ودك في الطوية كامنا * فاطلب صديقا عالما بالغيب
فاجابه أبو إسحاق بهذه الأبيات:
قد يهجر الخل السليم الغيب * للشغل وهو مبرأ من ريب
ويواصل الرجل المنافق مبديا * لك ظاهرا مستبطنا للعيب
لا تفرحن من الصديق بشاهد * حتى يكون موافقا للغيب
وتأمل المسود من شعر الفتى * أهو الشبيبة أم خضاب الشيب
وإذا ظفرت بذي وداد خالص * فاغفر له ما دون غش الجيب
وكتب اليه أبو إسحاق قصيدة طويلة فاجابه بقصيدة منها:
ومشمولة صرف صرفت بشربها * وجوه لحاتي قاطبات الحواجب
إذ جال فيها المزج خلت حبابها * عيون الأفاعي أو قرون الجنادب
وعاذلة في بذل ما ملكت يدي * رددت لها المسعى بصفقة خائب
فان زئير الأسد من كل جانب * ليشغل سمعي عن صياح الثعالب
أفي الحق ان قايست غير محقق * فظاظة جندي إلى ظرف كاتب
ولا سيما أنت الذي نشرت له * محاسن كالاعلام فوق المراقب
وما زلت بين الناس صدر محافل * وعين مقامات وقلب مواكب
جعفر بن يحيى الخزاعي
عن جامع الرواة: رواية محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عنه
وإبراهيم بن الفضل عنه عن أبي عبد الله ع في عدة مواضع من
الكافي والتهذيب والاستبصار وروايته عن الحسين بن عاصم عن يونس.
جعفر بن يحيى بن سعد الأحول خال الحسين بن سعيد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الجواد عليه السلام.
جعفر بن يحيى بن العلاء أبو محمد الرازي
قال النجاشي ثقة وأبوه أيضا روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام
وهو أخلط بنا من أبيه وأدخل فينا وكان أبوه يحيى بن العلاء قاضيا بالري
وكتابه مختلط بكتاب أبيه لأنه يروي كتاب أبيه عنه فربما نسب إلى أبيه وربما
نسب اليه أخبرنا محمد بن محمد بن النعمان حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه
حدثنا محمد بن أحمد بن سليم الصابوني بمصر حدثنا موسى بن الحسين بن
موسى حدثنا جعفر بن يحيى بن العلاء. اه‍ وفي لسان الميزان جعفر بن
يحيى بن العلاء الرازي روى عن أبيه وكان قاضي الري وعن غيره روى
عنه موسى بن الحسن بن موسى وذكره ابن النجاشي في رجال الشيعة. اه‍.
الجعفري
هو سليمان بن جعفر الجعفري ويوصف به داود بن القاسم الجعفري
وجعفر بن إبراهيم الجعفري وجعفر بن إبراهيم بن محمد ويمكن كونهما
واحدا. وفي مشتركات الطريحي ومنهم الجعفري المشترك بين داود وغيره
وكلاهما لم نظفر لهما بما يوجب القبول فامرهما واحد اه‍ وفي مشتركات
الكاظمي ومنهم الجعفري المشترك بين داود بن القاسم بن إسحاق الثقة
ويعرف بما سبق - يعني في اسمه - وبين سليمان بن جعفر بن إبراهيم الثقة
ويعرف بما تقدم اه‍.
الجعفي
هو أبو الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم أو سليمان الجعفي
الكوفي ثم المصري المعروف بالصابوني وبأبي الصابوني وبابن أبي المغافري
عده الشيخ في الفهرست أولا ممن لم يقف له على اسم ثم ذكر اسمه وهو
المشهور بين الفقهاء بالجعفي وصاحب الفاخر كذا في مقدمة المقابيس.
جعيد الهمداني الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي وأصحاب
الحسن وأصحاب الحسين وأصحاب علي بن الحسين عليهم السلام سوى أنه قال في أصحاب
علي والسجاد (عليهما السلام) جعيد همداني كوفي وفي أصحاب الحسن
والحسين عليهما السلام جعيد الهمداني اه‍ وفي آخر القسم الأول من
الخلاصة فيما نقله عن رجال البرقي في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام
قال وأصحابه من اليمن وعد جماعة ثم قال وجعيد بضم الجيم والياء بعد

194
العين المهملة اه‍ وفي رجال ابن داود جعيدة بضم الجيم وفتح العين وتاء
التأنيث الهمداني من أصحاب علي عليه السلام في رجال الشيخ من خواصه
اه‍ وفي منهج المقال بعد نقل ما في الخلاصة وقد يراد بهم الخواص كما في
رجال ابن داود والله أعلم اه‍ (أقول) لما نقل العلامة في آخر القسم الأول
من الخلاصة كلام البرقي في رجاله قال: أبو ليلى من أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام من الأصفياء ذكره البرقي وكذا قال عن فلان وفلان وذكر
جماعة ثم قال: ومن خواص أمير المؤمنين عليه السلام من مضر وذكر
جماعة ثم قال وأصحابه من ربيعة وذكر جماعة ثم قال وأصحابه من اليمن
وذكر جماعة وعد منهم جعيدا هذا ثم قال ومن المجهولين من أصحابه وعد
جماعة فيحتمل ان يكون أراد ان جعيدا من خواصه بدليل ذكر المجهولين
بعده إذ المراد بهم المجهولي الحال والله أعلم. وفي التعليقة: قوله جعيد في
الكافي بسنده عنه عن علي بن الحسين عليهما السلام سألته أي حكم
تحكمون قال بحكم آل داود فان أعيانا شئ تلقانا به روح القدس، وفي
الخصال بسنده عنه عن علي عليه السلام ان في التابوت الأسفل من النار
اثنا عشر الحديث اه‍. وفي لسان الميزان: جعيدة الهمداني كوفي من رجال
الشيعة ذكره الكشي وقال إنه تابعي روى عن الحسن بن علي، وذكره
الطوسي لكن سماه جعيدا وقال روى عن الحسين بن علي وعن ولده زين
العابدين اه‍ وليس له ذكر في اختيار رجال الكشي الموجود.
وفي هامش تكملة الرجال للمصنف ما صورته: في مختصر البصائر حمران
ابن أعين عن جعيد الهمداني وكان جعيد ممن خرج مع الحسين بن علي عليهما
السلام فقتل بكربلاء اه‍. وهو قد ينافي ما مر من أنه كان من أصحاب
علي والحسنين والسجاد عليهم السلام الا ان يراد من كونه من أصحاب
السجاد مجرد ادراكه لزمانه والله أعلم.
التمييز
في مشتركات الكاظمي في بعض النسخ باب جعيد ولم يذكره شيخنا
مشترك بين الهمداني من أصحاب علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين
عليهم السلام والأشجعي الصميري الصحابي اه‍ ولا يخفي ان الأشجعي
الصحابي جعيل باللام لا بالدال كما يأتي على أن الصيمري غير الأشجعي
وان جعلهما ابن حجر في التقريب واحدا.
جعيفران بن علي بن اصفر بن السري بن عبد الرحمن البغدادي الأنباري
السامرائي المعروف بجعيفران الموسوس واسمه جعفر
أقوال العلماء فيه
كان أديبا شاعرا مطبوعا شيعيا صاحب نوادر وأخبار طريفة من عقلاء
المجانين وكان له لسان يتقى وقول مأثور يتقى وكان الامراء والأكابر يكرمونه
ويحتفون به لظرافته وفصاحته أدرك أيام الإمام الكاظم وابنه الرضا عليهما
السلام. ذكره أبو الفرج في كتاب الأغاني فقال هو جعيفران بن علي بن
أصفر بن السري بن عبد الرحمن الأنباري من ساكني سر من رأى ومولده
ومنشؤه ببغداد وكان أبوه من أبناء الجند الخراسانية، وكان يتشيع ويكثر
لقاء أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر أخبرني بذلك أبو الحسن علي بن
العباس بن أبي طلحة الكاتب عن أبيه وأهله. وكان جعيفران أديبا شاعرا
مطبوعا وغلبت عليه المرة السوداء فاختلط وبطل في أكثر أوقاته ومعظم
أحواله ثم كان إذا أفاق ثاب اليه عقله وطبعه فقال الشعر الجيد، وكان
أهله يزعمون أنه من العجم ولد اذين، وذكره الجاحظ في كتاب البيان
والتبيين فقال: جعيفران الموسوس الشاعر كان يتشيع قال له قائل أتشتم
فاطمة وتأخذ درهما قال لا بل اشتم فلانة وآخذ نصف درهم.
اخباره
في الأغاني بسنده أنه كان لجعيفران قبل ان يختلط عقله أب يقال له
علي بن الأصفر وكان دهقان الكرخ ببغداد وكان يتشيع فظهر على ابنه أنه
خالفه إلى جارية له سرية فطرده عن داره وحج فشكا إلى موسى بن جعفر
فقال له موسى ان كنت صادقا عليه فليس يموت حتى يفقد عقله وان كنت
تحققت ذلك عليه فلا تساكنه ولا تطعمه شيئا من مالك في حياتك وأخرجه
من ميراثك بعد وفاتك. فقدم فطرده وسال الفقهاء عن حيلة يخرجه بها من
ميراثه فدلوه فاشهد به وأوصى إلى رجل فلما مات أبوه منع الوصي جعيفران
من الإرث فاستعدى عليه أبا يوسف القاضي فاحضر الوصي وأقام
جعيفران البينة على نسبه وتركة أبيه وأحضر الوصي بينة على ما احتال به
أبوه فلم ير أبو يوسف ذلك شيئا وعزم على أن يورثه فسأله الوصي أن
يسمع منه منفردا فأبى أن يسمع منه إلا بحضرة خصمه فكتب الوصي رقعة
وأرسلها إلى أبي يوسف وفيها خبره وما أفتى به موسى بن جعفر فدعا
الوصي واستحلفه انه قد صدق في ذلك فحلف باليمين الغموس فقال له
اغد علي غدا مع صاحبك فحضر فحكم للوصي على جعيفران فوسوس
جعيفران واختلط منذ يومئذ.
قال واخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب عن عبد الله بن
عثمان الكاتب عن أبيه عثمان بن محمد قال كنت يوما برصافة مدينة السلام
جالسا إذ جاءني جعيفران وهو مغضب فقال: (استوجب العالم مني القتلا)
فقلت ولم يا أبا الفضل فنظر إلي نظرة منكرة خفت منها وقال: لما شعرت
فرأوني فحلا، ثم سكت هنيهة وقال:
قالوا علي كذبا وبطلا * اني مجنون فقدت العقلا
قالوا المحال كذبا وجهلا * أقبح بهذا الفعل منهم فعلا
ثم ذهب لينصرف فخفت ان يؤذيه الصبيان فقلت اصبر فديتك حتى
أقوم معك فإنك مغضب واكره ان تخرج على هذه الحال فقال سبحان الله
أتراني أنسبهم إلى الكذب والجهل وأستقبح فعلهم وتتخوف مني مكافأتهم
ثم ولى وهو يقول:
لست براض من جهول جهلا * ولا مجازيه بفعل فعلا
لكن أرى الصفح لنفسي فضلا * من يرد الخير يجده سهلا
وقال سلمة بن محارب مررت ببغداد فرأيت قوما مجتمعين على
جعيفران فقلت قل بيتا بنصف درهم قال هاته فأعطيته فقال:
لج ذا الهم فاعتلج * كل هم إلى فرج
ثم قال زد ان شئت حتى أزيدك. وقال الجاحظ في البيان والتبيين
شهدت رجلا أعطاه درهما وقال قل شعرا على قافية الجيم فأنشأ يقول:
عادني الهم فأعتلج * كل هم إلى فرج
سل عنك الهموم بالكأس * والراح تنفرج

195
وفي الأغاني: قال علي بن العباس حدثني عبد الله بن عثمان عن أبيه
قال غاب عنا جعيفران أياما ثم جاءنا والصبيان يشدون خلفه فلما بلغ إلي
وقف وتفرقوا عنه فقال يا أبا عبد الله:
رأيت الناس يدعوني * بمجنون على حالي
وما بي اليوم من جن * ولا وسواس بلبال
ولكن قولهم هذا * لافلاسي واقلالي
ولو كنت أخا وفر * رخيا ناعم البال
رأوني حسن العقل * أحل المنزل العالي
وما ذاك على خير * ولكن هيبة المال
فأدخلته منزلي وأطعمته ثم قلت له تقدر على أن تغير القافية فقال نعم
ثم قال بديهة غير مفكر ولا متوقف.
رأيت الناس يرموني * أحيانا بوسواس
ومن يضبط يا صاح * مقال الناس في الناس
فدع ما قاله الناس * ونازع صفوة الكاس
فتى حرا صحيح الود * ذا بر وايناس
فان الخلق مغرور * بأمثالي وأجناسي
ولو كنت أخا مال * أتوني بين جلاسي
يحيوني ويحبوني * على العينين وا لرأس
ويدعوني عزيزا * غير أن الذل افلاسي
ثم قام يبول فقال بعض من حضر: أي شئ معنى عشرتنا هذا
المجنون والله ما نأمنه وهو صاح، وفطن جعيفران للمعنى فخرج الينا وهو
يقول:
وندامى اكلوني * إذ تغيبت قليلا
زعموا اني مجنن * أرى العري جميلا
كيف لا اعري وما * ابصر في الناس مثيلا
ان يكن قد ساءكم قربي * فخلوا لي سبيلا
وأتموا يومكم * سركم الله طويلا
فرققنا له واعتذرنا اليه وقلنا له والله ما نلتذ الا بقربك واتيناه بثوب
فلبسه. وفي الأغاني بسنده: تقدم جعيفران إلى أبي يوسف الأعور القاضي
بسر من رأي في حكومة في شئ كان في يده من وقف له فدفعه عنه وقضى
عليه فقال له أراني الله أيها القاضي عينيك سواء فاخذه إلى داره وأطعمه
وأعطاه دراهم وقال ماذا أردت بدعائك أردت ان يرد الله علي ما ذهب من
بصري؟ فقال والله لئن كنت وهبت لي هذه الدراهم لأسخر منك لأنت
المجنون لا أنا، أخبرني كم من أعور رأيته عمي؟ قال كثير، فهل رأيت
أعور صح فقط؟ قال لا قال فكيف توهمت علي الغلط فضحك وصرفه.
وبسنده عن علي بن يوسف قال كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى
العجلي فاستأذن عليه حاجبه لجعيفران الموسوس فقال اي شئ اصنع
بموسوس، قضينا حقوق العقلاء وبقي علينا حقوق المجانين؟ فقلت له
جعلت فداء الأمير، موسوس أفضل من كثير من العقلاء، وان له لسانا
يتقى وقولا مأثورا يتقى، فالله الله أن تحجبه فليس عليك منه أذى ولا ثقل
فاذن له فلما مثل بين يديه قال:
يا أكرم العالم موجودا * ويا أعز الناس مفقودا
لما سالت الناس عن واحد * أصبح في الأمة محمودا
قالوا جميعا انه قاسم * أشبه آباء له صيدا
لو عبدوا شيئا سوى ربهم * أصبحت في الأمة معبودا
لا زلت في نعمى وفي غبطة * مكرما في الناس معدودا
فامر له بكسوة وبألف درهم، فلما جاء بالدراهم أخذ منها عشرة
وقال: تأمر القهرمان ان يعطيني الباقي مفرقا كلما جئت لئلا يضيع مني،
فقال للقهرمان اعطه المال، وكلما جاءك فاعطه ما شاء حتى يفرق الموت بيننا
فبكى جعيفران وقال:
يموت هذا الذي أراه * وكل شئ له نفاد
لو غير ذي العرش دام شئ * لدام ذا المفضل الجواد
ثم خرج فقال أبو دلف: أنت كنت أعلم به مني. قال وغبر عني
مدة ثم لقيني وقال يا أبا الحسن ما فعل أميرنا وسيدنا وكيف حاله؟ فقلت
بخير وعلى غاية الشوق إليك فقال وانا والله يا أخي أشوق ولكني أعرف
أهل العسكر (سامراء) وشرههم والحاحهم، والله أراهم يتركونه من
المسالة ولا يتركه كرمه ان يخليهم من العطية حتى يخرج فقيرا ولكن أسمع ما
قلته في وقتي هذا قلت هاته يا أبا الفضل فأنشأ يقول:
أبا حسن بلغن قاسما * باني لم اجفه عن قلا
ولا عن ملال لاتيانه * ولا عن صدود ولا عن عنا
ولكن تعففت عن ماله * وأصفيته مدحتي والثنا
أبو دلف سيد ماجد * سني العطية رحب الفنا
فأبلغتها أبا دلف وحدثته الحديث، فقال لي قد لقيته منذ أيام فلما
رأيته وقفت له وسلمت عليه وتحفيت به فقال لي سر أيها الأمير على بركة الله
ثم قال لي:
يا معدي الجود على الأموال * ويا كريم النفس في الفعال
قد صنتني عن ذلة السؤال * بجودك الموفي على الآمال
صانك ذو العزة والجلال * من غير الأيام والليالي
ولم يزل يختلف إلى أبي دلف ويبره حتى افترقا بالموت. وفي الأغاني
بسنده عن أبي العيناء، قال اجتمع جعيفران الموسوس ومحمد بن بشير في
بستان فنظر إلى محمد بن بشير وقد انفرد ناحية لقضاء الحاجة ثم قام عن
شئ عظيم فقال جعيفران:
قد قلت لابن بشير * لما رمى من عجانه
في الأرض تل سماد * علا على كثبانه
طوبى لصاحب ارض *... في بستانه
فجعل ابن بشير يشتمه اه‍. ووقف جعيفران الموسوس على ابن علي
ابن إسماعيل الهاشمي فقال له أعطني درهما فامر الغلمان بطرده فطردوه
فولى وهو ينشد:
قد زعم الناس ولم يكذبوا * انك من غير بني هاشم
فقال لغلمانه ردوه وأعطوه درهمين فاخذهما وانصرف وهو ينشد
قد كذب الله أحاديثهم * يا هاشمي الأصل من آدم
وفاته
في الأغاني بسنده عن عثمان بن محمد عن أبيه قال كنت أشرف مرة

196
من سطح لي على جعيفران وهو في دار وحده وقد اعتل وتحركت عليه
السوداء فهو يدور في الدار طول ليلته ويقول:
طاف به طيف من الوسواس * نفر عنه لذة النعاس
فما يرى يأنس بالأناسي * ولا يلذ عشرة الجلاس
فهو غريب بين هذي الناس
حتى أصبح وهو يرددها ثم سقط كأنه بقلة ذابلة.
جعيل الأشجعي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جعيل الأشجعي كوفي روى عنه عبد الله بن أبي الجعد حديثا حسنا في
أعلام النبوة وذكر الحديث ومضمونه انه كان في بعض الغزوات على فرس
ضعيفة عجفاء فضربها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال بارك الله لك فيها فصارت في
أول الخيل وباع من بطنها باثني عشر ألفا وفي أسد الغابة جعيل بن زياد
الأشجعي كوفي له صحبة وقيل فيه جعال وأما أبو عمر وأبو نعيم فلم ينسباه
بل قالا جعيل الأشجعي اه‍ ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جفير بن الحكم العبدي أبو المنذر
في نضد الايضاح: جفير بفتح الجيم ثم الفاء ثم التحتية ثم الراء
وقيل جيفر بفتح الجيم وسكون التحتية والفاء. أقول: القول الأخير
أحرى بالركون اليه كما اثره بعض من يوثق به ويعتمد عليه، ثم العلامة
أثبت اسم أبيه في ترجمة ابنه المنذر بالياء قبل الميم كما يأتي ولعله الصواب
وهو المثبت في عامة كتب الأصحاب اه‍.
قال النجاشي عربي ثقة روى عن جعفر بن محمد له كتاب أخبرنا
أحمد بن محمد بن هارون حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا محمد بن
أحمد بن الحسن القطواني حدثنا منذر بن جفير عن أبيه به اه‍ وفي الخلاصة
جفير بالفاء بعد الجيم اه‍ وذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه
السلام جيفر بن الحكم العبدي الكوفي والظاهر أنهما واحد وقع تصحيف
أحدهما بالآخر وجيفر من أسماء العرب منهم جيفر بن الجلندي العماني
مذكور في الصحابة. وفي لسان الميزان جفير مصغرا ابن الحكم العبدي أبو
المنذر روى عن جعفر الصادق وروى عنه ولده منذر ذكره ابن النجاشي في
رجال الشيعة وقال: كان ثقة. وقال أبو عمرو الكشي: جمع كتابا عن
جعفر كله صحيح معتمد عليه اه‍ ولم نجده في كتاب الكشي.
السيد جلال جد الطائفة البخارية
في مجالس المؤمنين عند ذكر البخارية قال إنهم طائفة كبيرة من
السادات أصحاب السعادات يسكنون بلاد الهند مثل ملتان ولاهور ودهلي
وغيرها وجدهم الاعلى السيد جلال الأول ذهب من العراق إلى بخارى
فحصل عليه ضيق هناك فذهب إلى كابل فرأى أهلها كاهل بخارى فذهب
إلى الهند والتزم التقية والمداراة وصار معظما عند سلاطينها.
جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة فناخسرو بن
ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي.
ولد سنة 383 وتوفي في 5 أو 6 شعبان سنة 435 ليلة الجمعة ودفن
بدار السلطنة ثم نقل بعد سنة إلى مقابر قريش.
لم يتيسر لنا الآن معرفة اسمه بعد مزيد التفتيش ولا شك ان جلال
الدولة لقب له وله اسم غيره فترجمناه بلقبه (1).
قال الشيخ البهائي في توضيح المقاصد: الخامس من شعبان توفي فيه
السلطان جلال الدولة الديلمي سنة 435 وكان رحمه الله شديد التصلب في
التشيع اه‍ وقال ابن الأثير في حوادث سنة 435 في هذه السنة 6 شعبان
توفي الملك جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه
ببغداد وكان مرضه ورما في كبده وبقي عدة أيام مريضا وتوفي وكان مولده
سنة 383 وملكه بغداد 16 سنة و 11 شهرا ودفن بداره ومن علم سيرته
وضعفه واستيلاء الجند والنواب عليه ودوام ملكه إلى هذه الغاية علم أن الله على
كل شئ قدير يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء وكان يزور الصالحين
ويقرب منهم وزار مرة مشهدي علي والحسين عليهما السلام وكان يمشي
حافيا قبل ان يصل إلى كل مشهد منهما نحو فرسخ يفعل ذلك تدينا اه‍ وفي
شذرات الذهب في حوادث سنة 435 فيها اتفق موت جلال الدولة
السلطان ببغداد بالخوانيق وكان ملكا جليلا سليم الباطن ضعيف السلطنة
مصرا على اللهو والشرب مهملا لامر الرعية عاش 52 سنة وكانت دولته
17 سنة وخلف عشرين ولدا بنين وبنات ودفن بدار السلطنة ببغداد ثم نقل
إلى مقابر قريش اه‍ وفي النجوم الزاهرة في حوادث سنة 435 فيها توفي
السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه
صوابه فناخسرو بن ركن الدولة الحسن بن بويه ولد سنة 383 وكان
ملكا محبا للرعية حسن السيرة وكان يحب الصالحين ولقي في سلطنته من
الأتراك شدائد ومات ليلة الجمعة 5 شعبان وغسله أبو القاسم بن شاهين
الواعظ وأبو محمد عبد القادر بن السماك ودفن بداره في دار المملكة في بيت
كان دفن فيه عضد الدولة وبهاء الدولة قبل نقلهما إلى الكوفة ثم نقل بعد
سنة إلى مقابر قريش وكان عمره لما مات 51 سنة وشهرا ومدة ولايته على
بغداد 16 سنة و 11 شهرا وجلال الدولة هذا أحسن بني بويه حالا ان لم
يكن رافضيا على قاعدتهم النجسة اه قال هذا جريا على قاعدته النجسة في
النصب وفي التاريخ الفارسي المخطوط الذي أشرنا اليه غير مرة في هذا
الكتاب: جلال الدولة بن بهاء الدولة كان أولا حاكم البصرة من قبل
اخوته وبعدهم تولى الامارة في بغداد ولم يكن لأمره رواج ومدة امارته 25
سنة وتوفي سنة 435 اه‍ ومر عن غيره ان مدة امارته دون 17 سنة وقال
ابن الأثير في حوادث سنة 407 ان جلال الدولة كان واليا على البصرة من
قبل أخيه سلطان الدولة فلما جرت الحرب بين سلطان الدولة وأخيه أبي
الفوارس وأنهزم أبو الفوارس وعاد بأسوأ حال ولحق بمهذب الدولة صاحب
البطيحة انفذ اليه اخوه جلال الدولة من البصرة مالا وثيابا وعرض عليه
الانحدار اليه فلم يفعل وقال في حوادث سنة 409 انه لما هرب أبو
محمد بن سهلان من سلطان الدولة انحدر إلى البصرة فاتصل بجلال
الدولة، وفي حوادث سنة 410 في هذه السنة قبض الملك جلال الدولة أبو
طاهر بن بهاء الدولة على وزيره أبي سعد عبد الواحد بن علي بن ماكولا وفي حوادث
سنة 411 في هذه السنة ملك مشرف الدولة ابن بهاء الدولة العراق وأزال
عنه أخاه سلطان الدولة وأتفق مشرف الدولة هو وأخوه جلال الدولة وفي
حوادث سنة 416 انه فيها توفي مشرف الدولة وخطب ببغداد لأخيه أبي



(1) ذكر المؤلف بعد ذلك في المستدركات ان اسمه فيروز جرد كما في شذرات الذهب فينبغي ان
يترجم في حرف الفاء. - المؤلف -
197
طاهر جلال الدولة وهو بالبصرة وطلب إلى بغداد فلم يصعد إليها وانما بلغ
إلى واسط وأقام بها ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب لابن أخيه أبي
كاليجار بن سلطان الدولة فلما سمع جلال الدولة بذلك أصعد إلى بغداد
فانحدر عسكرها ليردوه عنها فلقوه بالسيب من أعمال النهروان فردوه فلم
يرجع فرموه بالنشاب ونهبوا بعض خزائنه فعاد إلى البصرة ولما أصعد جلال
الدولة كان وزيره أبا سعد بن ماكولا قال وفيها قبض جلال الدولة على
وزيره أبي سعد بن ماكولا واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا وقال في
حوادث سنة 418 في هذه السنة في جمادي الأولى خطب للملك جلال
الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة ببغداد وأصعد إليها من البصرة فدخلها
ثالث شهر رمضان وكان سبب ذلك ان الأتراك لما رأوا ان البلاد تخرب وأنه
ليس عندهم سلطان يجمع كلمتهم قصدوا دار الخلافة وأرسلوا يعتذرون إلى
الخليفة من انفرادهم بالخطبة لجلال الدولة أولا ثم برده ثانيا والخطبة لأبي
كاليجار وقالوا ليس عندنا الآن من يجمع كلمتنا ونسأل ان ترسل إلى جلال
الدولة ليصعد إلى بغداد ويملك الامر ويجمع الكلمة ويخطب له فيها
ويسألون ان يحلفه الرسول السائر لاحضاره لهم فأجابهم الخليفة إلى ما سألوا
وراسله هو وقواد الجند في الإصعاد واليمين للخليفة والأتراك فحلف لهم
وأصعد إلى بغداد وانحدر الأتراك اليه فلقوه في الطريق وأرسل الخليفة اليه
القاضي أبا جعفر السمناني فأعاد تجديد العهد عليه للخليفة والأتراك ففعل ولما وصل
إلى بغداد نزل النجمي فركب الخليفة في الطيار وانحدر يلتقيه فلما رآه جلال الدولة
قبل الأرض بين يديه وركب في زبزبه ووقف قائما فامره الخليفة بالجلوس
فخدم وجلس ودخل إلى دار المملكة بعد ان مضى إلى مشهد موسى بن جعفر فزار
وقصد الدار فدخلها وأمر بضرب الطبل أوقات الصلوات الخمس فراسله الخليفة
في منعه فقطعه غضبا حتى أذن له في اعادته، ففعل، وأرسل جلال الدولة
مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم، وهو عند قرواش
يعرفه اعتضاده به واعتماده عليه وصحبته له ويعتذر اليه عن الأتراك
فعذرهم وقال هم أولاد واخوة اه وقال في حوادث سنة 419 في هذه السنة
ثار الأتراك ببغداد على جلال الدولة وشغبوا وطالبوا الوزير أبا علي بن
ماكولا بمالهم من العلوفة والادرار ونهبو داره ودور كتاب الملك وحواشيه حتى
المغنين والمخنثين ونهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة لتضرب دنانير
ودراهم وتفرق فيهم وحصروا جلال الدولة في داره ومنعوه الطعام والماء
حتى شرب أهله ماء البئر وأكلوا ثمرة البستان فسألهم ان يمكنوه من الانحدار
فاستأجروا له ولأهله وأثقاله سفنا فجعل بين الدار والسفن سرادقا لتجتاز
حرمه فيه لئلا يراهم العامة والأجناد فقصد بعض الأتراك السرادق فظن جلال
الدولة انهم يريدون الحرم فصاح بهم يقول لهم بلغ أمركم إلى
الحرم وتقدم إليهم وبيده طبر فصاح صغار الغلمان والعامة جلال الدولة يا
منصور ونزل أحدهم عن فرسه وأركبه إياه وقبلوا الأرض بين يديه فلما رأى
قواد الأتراك ذلك هربوا إلى خيامهم بالرملة وخافوا على نفوسهم وكان في
الخزانة سلاح كثير فأعطاه جلال الدولة أصاغر الغلمان وجعلهم عنده ثم
ارسل إلى الخليفة ليصلح الامر مع أولئك القواد فأرسل إليهم الخليفة
القادر بالله فاصلح بينهم وبين جلال الدولة وحلفوا فقبلوا الأرض بين
يديه ورجعوا إلى منازلهم فلم يمض غير أيام حتى عادوا إلى الشغب فباع
جلال الدولة فرشه وثيابه وخيمه وفرق ثمنها فيهم حتى سكنوا اه‍ وقال في
حوادث سنة 420 في هذه السنة اصعد الملك أبو كاليجار إلى مدينة واسط
فملكها وسببه ان نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد كان بينه وبين المقلد بن
الحسن بن مزيد عداوة فاجتمع هو ومنيع أمير خفاجة وأرسلا إلى بغداد إلى
جلال الدولة يبذلان مالا يتجهز به العسكر لقتال نور الدولة فخطب نور
الدولة لأبي كاليجار وراسله يطمعه في البلاد، واتفق ان أبا كاليجار ملك
البصرة، فسار من الأهواز إلى واسط فملكها، وأرسل أبو كاليجار إلى
قرواش صاحب الموصل يطلب منه ان ينحدر إلى العراق ليبقى جلال الدولة
بين الفريقين، فانحدر إلى الكحيل وجمع جلال الدولة عساكره واستنجد أبا
الشوك فارس بن عناز الكردي وانحدر إلى واسط ولم يكن بين العسكرين
قتال، وتتابعت الأمطار حتى هلكوا، واشتد الامر على جلال الدولة لقلة
الأموال عنده فاستشار أصحابه فأشاروا ان يقصد الأهواز ويأخذ ما بها من
أموال أبي كاليجار، فسمع بذلك أبو كاليجار فاستشار أصحابه فقال
بعضهم: ما عدل جلال الدولة عن القتال الا لضعفه، والرأي ان تسير
إلى العراق فتأخذ من أموالهم ببغداد اضعاف ما يأخذون منا فاتفقوا على
ذلك، فأتاهم جاسوس من أبي الشوك يخبر بمجئ عساكر محمود بن
سبكتكين إلى طخار يريدون العراق ويشير بالصلح واجتماع الكلمة على
دفعهم عن البلاد، فانفذ أبو كاليجار الكتاب إلى جلال الدولة فلم يلتفت
جلال الدولة إلى ذلك ومضى إلى الأهواز فنهبها وأخذ من دار الامارة مائتي
ألف دينار وأخذوا ما لا يحصى، فسار أبو كاليجار ليلقى جلال الدولة،
فتخلف عنه دبيس خوفا على حاله من خفاجة، والتقى أبو كاليجار وجلال
الدولة آخر ربيع الأول سنة 421 فاقتتلوا ثلاثة أيام وأنهزم أبو كاليجار وعاد
جلال الدولة واستولى على واسط وجعل ابنه العزيز بها وأصعد إلى بغداد،
ومدحه المرتضى ومهيار وغيرهما، وهناوه بالظفر اه‍. وقال في حوادث سنة
420 أيضا ان علي بن عيسى الربعي النحوي كان يوما على شاطئ دجلة
ببغداد والملك جلال الدولة والمرتضى والرضي كلاهما في سمارية ومعهما
عثمان بن جني النحوي فناداه الربعي: أيها الملك ما أنت صادق في
تشيعك لعلي بن أبي طالب، يكون عثمان إلى جانبك وعلي - يعني نفسه -
هاهنا؟ فامر بالسمارية فقربت إلى الشاطئ وحمله معه. وقيل: ان هذا
القول كان للشريف المرتضى وأخيه الرضي ومعهما عثمان بن جني، فقال
ما أعجب أحوال الشريفين! يكون عثمان معهما وعلي يمشي على الشط.
قال: وفيها كان أبو المسك عنبر الملقب بالأثير قد أصعد إلى الموصل مغاضبا
لجلال الدولة وكان خصيا لبهاء الدولة بن بويه وكان قد بلغ مبلغا عظيما
لم يخل أمير ولا وزير في دولة بني بويه من تقبيل يده والأرض بين يديه - فلقيه
قرواش وأهله وقبلوا الأرض بين يديه، وكان اتفق مع قرواش وأبي كاليجار
ان يصعد أبو كاليجار من واسط وينحدر الأثير وقرواش من الموصل لقصد
جلال الدولة، فانحدر الأثير فلما وصل الكحيل توفي. وقال في حوادث
سنة 421: فيها في شوال سير جلال الدولة عسكرا إلى المذار وبها عسكر
أبي كاليجار واقتتلوا وانهزم عسكر أبي كاليجار واستولى أصحاب جلال
الدولة على المذار، فسير أبو كاليجار إليهم عسكرا كثيفا فاقتتلوا فانهزم
عسكر جلال الدولة وعاد من سلم من المعركة إلى واسط. ولما استولى
جلال الدولة على واسط وجعل ولده فيها سير وزيره أبا علي بن ماكولا إلى
البطايح والبصرة ليملكها فملك البطايح وسار إلى البصرة في الماء وأكثر من
السفن والرجال وكان بالبصرة أبو منصور بختيار بن علي نائبا لأبي كاليجار،
فجهز جيشا في 400 سفينة وجعل عليها أبا عبد الله الشرابي الذي كان
صاحب البطيحة، فلما التقوا هبت ريح شمال كانت على البصريين ومعونة
للوزير، فانهزم البصريون وعادوا إلى البصرة، فعزم بختيار على الهرب إلى

198
عبدان فمنعه من سلم من عسكره فأقام متجلدا وأشار جماعة على الوزير أبي
علي ان يعجل الانحدار ويغتنم الفرصة قبل ان يعود بختيار يجمع فلما قاربهم
وهو في ألف وثلاثمائة عدد من السفن سير بختيار ما عنده من السفن وهي
نحو ثلاثين قطعة وفيها المقاتلة، وكان قد سير عسكرا آخر في البر وله في فم
نهر أبي الخصيب نحو خمسمائة قطعة فيها ماله ولجميع عسكره من المال
والأثاث والأهل فلما تقدمت سفنه صاح من فيها وأجابهم من في السفن التي
فيها أهلوهم وأموالهم ورد عليهم العسكر الذين في البر، فقال الوزير لمن
أشار عليه بمعاجلة بختيار: ألستم زعمتم انه في خف من العسكر وأرى
الدنيا مملوءة عساكر، فهونوا عليه الامر، فغضب وأمر بإعادة السفن إلى
الشاطئ إلى الغد ويعود إلى القتال، فلما أعاد سفنه لحقه من في سفن
بختيار وصاحوا: الهزيمة الهزيمة، وأجابهم من في البر من العسكر ومن في
السفن التي فيها عيالهم وأموالهم فانهزم أبو علي وتبعه أصحاب بختيار وأهل
السواد ونزل بختيار في الماء واستصرخ الناس وسار في آثارهم يقتل ويأسر
فلم يسلم من السفن أكثر من خمسين قطعة واسر أبو علي وأحضر عند بختيار
فأكرمه وطلب ان يرسله إلى الملك أبي كاليجار فأرسله اليه فاطلقه فأتفق ان
غلاما له وجارية فعلا ما يخافانه بسببه وعرفا انه قد علم حالهما فقتلاه بعد
اسره بنحو من شهر ولما قتل أبو علي تجهز الأجناد البصريون الذين مع
جلال الدولة ببغداد وانحدروا إلى البصرة وقاتلوا من بها من عسكر أبي
كاليجار ودخل عسكر جلال الدولة البصرة واجتمع عسكر أبي
كاليجار بالابله يستعدون وكتبوا إلى أبي كاليجار يستمدونه فأمدهم بعسكر
كثير مع وزيره ذي السعادات أبي الفرج بن فسانجس فقدموا إلى الأبلة فسير
بختيار جمعا كثيرا من السفن فقاتلوا أصحاب جلال الدولة فهزمهم أصحاب
جلال الدولة فوبخهم بختيار وسار من وقته في العدد الكثير والسفن الكثيرة
فاقتتلوا واشتد القتال فانهزم بختيار وقتل من أصحابه جماعة كثيرة وأخذ هو
فقتل من غير قصد لقتله وعزم الأتراك من أصحاب جلال الدولة على مباكرة
الحرب وإتمام الهزيمة فاختلفوا وتنازعوا في الاقطاعات ففسد امرهم واستأمن
بعضهم إلى ذي السعادات وقد كان خائفا منهم فجاءه ما لم يقدره فدخل
عسكره البصرة وأرادوا نهبها فمنعهم. قال: وفي سنة 421 استوزر جلال
الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم بعد ابن ماكولا ولقبه عميد الدولة. وفيها
ظهر متلصصة ببغداد من الأكراد فكانوا يسرقون دواب الأتراك فنقل
الأتراك خيلهم إلى دورهم ونقل جلال الدولة دوابه إلى بيت في دار المملكة
وقال في حوادث سنة 422 في ربيع الأول فيها تجددت الفتنة ببغداد بين
السنية والشيعة إلى أن قال فقطع الجسر ليفرق بين الفريقين واظهر الجند
كراهة الملك جلال الدولة وأرادوا قطع خطبته ففرق فيهم مالا وحلف لهم
فسكتوا ثم عاودوا الشكوى إلى الخليفة منه وطلبوا ان يأمر بقطع خطبته لم
يجبهم إلى ذلك فامتنع حينئذ جلال الدولة من الجلوس وضربه النوبة أوقات
الصلاة ودامت هذه الحال إلى عيد الفطر فلم يضرب بوق ولا طبل ولا
أظهرت الزنية واعترض أهل باب البصرة قوما من قم أرادوا زيارة مشهد
علي والحسين عليهما السلام فقتلوا منهم ثلاثة نفر وامتنعت زيارة مشهد
موسى بن جعفر. قال وفيها اجتمع أصاغر الغلمان إلى جلال الدولة وقالوا
له قد هلكنا فقرأ وجوعا وقد استبد القواد بالدولة والأموال عليك وعلينا وهذا
(بارسغان) و (يلدرك) قد أفقرانا وأفقراك، فلما بلغهما ذلك امتنعا من
الركوب إلى جلال الدولة واستوحشا وطالبهما الغلمان بمعلومهم فاعتذرا
بضيق اليد وسارا إلى المدائن، فندم الأتراك على ذلك، وارسل اليهما
جلال الدولة مؤيد الملك الرخجي والمرتضى وغيرهما فرجعا، وزاد تسحب
الغلمان على جلال الدولة إلى أن نهبوا من داره فرشا وآلات ودوابا وغير
ذلك، فركب وقت الهاجرة إلى دار الخلافة ومعه نفر قليل من الركابية
والغلمان وجمع كثير من العامة وهو لا يعقل، فانزعج الخليفة من
حضوره، فلما علم أحال ارسل اليه يأمره بالعود إلى داره ويطيب قلبه،
فقبل قربوس سرجه ومسح حائط الدار بيده وأمرها على وجهه وعاد إلى داره
والعامة معه. قال وفيها في رجب اخرج الملك جلال الدولة دوابه من
الإصطبل وهي خمس عشرة دابة وسيبها في الميدان بغير سائس ولا حافظ ولا
علف لعدم العلف عنده، ولأن الأتراك كانوا يلتمسون دوابه ويطلبونها
كثيرا فضجر منهم فأخرجها وقال: هذه دوابي منها خمس لركوبي والباقي
لأصحابي، ثم صرف حواشيه وفراشيه وأتباعه وأغلق باب داره لانقطاع
الجاري له، فثارت لذلك فتنة بين العامة والجند. قال وفيها عزل عميد
الدولة وزير جلال الدولة ووزر بعده أبو الفتح محمد بن الفضل بن اردشير
فبقي أياما ولم يستقم امره فعزل ووزر بعده أبو إسحاق إبراهيم بن أبي
الحسين، فبقي في الوزارة 55 يوما وهرب. وقال في حوادث سنة 423:
فيها في ربيع الأول تجددت الفتنة بين جلال الدولة والأتراك، فاغلق بابه
فجاءت الأتراك ونهبوا داره وسلبوا الكتاب وأرباب الديوان ثيابهم وطلبوا
الوزير فهرب وخرج جلال الدولة إلى عكبرا في ربيع الآخر، وخطب
الأتراك ببغداد للملك أبي كاليجار وأرسلوا اليه يطلبونه وهو بالأهواز،
فمنعه العادل بن مافنة عن الاصعاد إلى أن يحضر بعض قوادهم فلما رأوا
امتناعه من الوصول إليهم أعادوا خطبة جلال الدولة وساروا اليه وسألوه
العود إلى بغداد واعتذروا فعاد إليها بعد 43 يوما، ووزر له أبو القاسم بن
ماكولا ثم عزل، ووزر بعده عميد الدولة أبو سعد بن عبد الرحيم فبقي
وزيرا أياما ثم استتر لان جلال الدولة تقدم اليه بالقبض على أبي المعمر
إبراهيم بن الحسين البسامي طمعا في ماله فقبض عليه وجعله في داره،
فثار الأتراك وأرادوا منعه وقصدوا دار الوزير وأخرجوه من داره حافيا
وضربوه ومزقوا ثيابه وقطعوا عمامته وأخذوا خواتيمه من يده فدميت
أصابعه، وكان جلال الدولة في الحمام فخرج مرتاعا وركب فأكب الوزير
يقبل الأرض ويذكر ما فعل به، فقال جلال الدولة: انا ابن بهاء الدولة
وقد فعل بي أكثر من هذا، ثم اخذ من البسامي ألف دينار وأطلق واختفى
الوزير. وقال في حوادث سنة 424: في هذه السنة سارت عساكر جلال
الدولة مع ولده الملك العزيز فدخلوا البصرة في جمادي الأولى، وسبب ذلك أنه
لما قتل بختيار متولي البصرة. كما مر - قام بعده ظهير الدين أبو القاسم
خال ولده لجلد كان فيه وكفاية وهو في طاعة الملك أبي كاليجار، فقيل لأبي
كاليجار: ليس لك من طاعته الا الاسم ولو رمت عزله لتعذر عليك،
وبلغه ذلك فاستعد للامتناع، وأرسل أبو كاليجار اليه ليعزله فامتنع وأظهر
طاعة جلال الدولة وخطب له وأرسل إلى ابنه الملك العزيز وهو بواسط
يطلبه، فانحدر اليه بعساكر واسط وبقي الملك العزيز بالبصرة مع أبي
القاسم إلى سنة 425 وليس له معه امر والحكم لأبي القاسم، ثم إنه أراد
القبض على بعض الديلم، فهرب ودخل دار الملك العزيز مستجيرا،
فاجتمع الديلم اليه وشكوا من أبي القاسم فصادفت شكواهم صدرا موغرا
فأجابهم إلى ما أرادوا من اخراجه عن البصرة وعلم أبو القاسم بذلك فامتنع
بالابله وجمع أصحابه، وجرى بين الفريقين حروب كثيرة أجلت عن خروج
العزيز عن البصرة إلى واسط وعود أبي القاسم إلى طاعة أبي كاليجار.
قال: وفيها في رمضان شغب الجند على جلال الدولة وقبضوا عليه ثم

199
أخرجوه من داره، ثم سألوه ليعود إليها فعاد، وسبب ذلك أنه استقدم
الوزير أبا القاسم من غير أن يعلموا فلما قدم ظنوا انه انما ورد للتعرض إلى
أموالهم ونعمهم، فاستوحشوا واجتمعوا إلى داره وهجموا عليه وأخرجوه إلى
مسجد هناك فوكلوا به فيه، ثم إنهم أسمعوه ما يكره ونهبوا بعض ما في
داره، فلما وكلوا به جاء بعض القواد في جماعة من الجند ومن انضاف اليه
من العامة والعيارين فأخرجه من المسجد وأعاده إلى داره، فنقل جلال
الدولة ولده وحرمه وما بقي له إلى الجانب الغربي وعبر هو في الليل إلى
الكرخ فلقيه أهل الكرخ بالدعاء فنزل بدار المرتضى وعبر الوزير أبو القاسم
معه، ثم أن الجند اختلفوا فقال بعضهم: نخرجه من بلادنا ونملك غيره،
وقال بعضهم: ليس من بني بويه غيره وغير أبي كاليجار وذلك قد عاد إلى
بلاده ولا بد من مداراة هذا. فأرسلوا اليه يقولون له: نريد ان تنحدر عنا
إلى واسط وأنت ملكنا وتترك عندنا بعض أولادك الأصاغر، فأجابهم إلى
ذلك وارسل سرا إلى الغلمان الأصاغر فاستمالهم والى كل واحد من الأكابر
وقال: انما أثق بك واسكن إليك واستمالهم أيضا، فعبروا اليه وقبلوا
الأرض بين يديه وسألوه العدو إلى دار الملك، فعاد وحلف لهم على اخلاص
النية والاحسان إليهم وحلفوا له على المناصحة، واستقر في داره. قال:
وفيها استوزر جلال الدولة عميد الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم وهي
الوزارة الخامسة، وكان قبله في الوزارة ابن ماكولا، ففارقها وسار إلى
عكبرا فرده جلال الدولة إلى الوزارة وعزل أبا سعد، فبقي أياما ثم فارقها إلى
اوانا. وقال في حوادث سنة 426: في هذه السنة انحل امر الخلافة
والسلطنة ببغداد حتى أن بعض الجند خرجوا إلى قرية يحيى فلقيهم أكراد
فاخذوا دوابهم فعادوا إلى قراح الخليفة القائم بأمر الله فنهبوا شيئا من ثمرته
وقالوا للعاملين فيه: أنتم عرفتم حال الأكراد ولم تعلمونا فسمح الخليفة
الحال فعظم عليه، ولم يقدر جلال الدولة على اخذ أولئك الأكراد لعجزه
ووهنه، واجتهد في تسليم الجند إلى نائب الخليفة فلم يمكنه ذلك، فتقدم
الخليفة إلى القضاة بترك القضاء والامتناع عنه والى الشهود بترك الشهادة
والى الفقهاء بترك الفتوى فلما رأى جلال الدولة ذلك سال أولئك الأجناد
ليجيبوه إلى أن يحملهم إلى ديوان الخلافة، ففعلوا فلما وصلوا إلى دار
الخلافة أطلقوا وقال في حوادث سنة 427: في هذه السنة ثار الجند ببغداد
بجلال الدولة وأرادوا اخراجه منها، فاستنظرهم ثلاثة أيام فلم ينظروه
ورموه بالآجر فأصابه بعضهم، واجتمع الغلمان فردوهم عنه فخرج من
باب لطيف في سمارية متنكرا وصعد راجلا منها إلى دار المرتضى بالكرخ
وخرج من دار المرتضى وسار إلى رافع بن الحسين بن مقن بتكريت، وكسر
الأتراك أبواب داره ودخلوها ونهبوها وقلعوا كثيرا من ساجها وأبوابها،
فأرسل الخليفة اليه وقرر امر الجند وأعاده إلى بغداد قال: وفيها في رجب
قبض على الوزير أبي سعد بن عبد الرحيم وزير جلال الدولة، وهي
الوزارة السادسة. وفيها مات رافع بن الحسين بن مقن، وخلف بتكريت
ما يزيد على خمسمائة ألف دينار، فملكها ابن أخيه خميس بن ثعلب وكان
طريدا في أيام عمه، فحمل إلى جلال الدولة ثمانين ألف دينار فاصلح بها
الجند. وقال في حوادث سنة 428 فيها كانت الفتنة بين جلال الدولة
وبارسطفان وهو من أكابر الامراء ويلقب حاجب الحجاب وسبب ذلك ان
جلال الدولة نسبه إلى فساد الأتراك والأتراك نسبوه إلى اخذ الأموال فخاف
على نفسه والتجأ إلى دار الخلافة وترددت الرسل بين جلال الدولة والقائم
بأمر الله في امره فدافع الخليفة عنه وبارسطغان يراسل الملك أبا كاليجار،
فأرسل أبو كاليجار جيشا، فوصلوا إلى واسط واتفق معهم عسكر واسط
واخرجوا الملك العزيز ابن جلال الدولة فاصعد إلى أبيه وكشف بارسطغان
القناع فاستتبع أصاغر المماليك ونادوا بشعار أبي كاليجار فأخرجوا جلال
الدولة من بغداد فسار إلى اوانا ومعه البساسيري وارسل بارسطغان إلى
الخليفة يطلب الخطبة لأبي كاليجار فاحتج بعهود جلال الدولة فأكره الخطباء
على الخطبة لأبي كاليجار ففعلوا وتنقلت الحال بين جلال الدولة وبارسطغان
فعاد جلال الدولة إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وخطب لجلال الدولة به
وبالجانب الشرقي لأبي كاليجار وأتى الخبر إلى بارسطغان بعود الملك أبي
كاليجار إلى فارس ففارقه الديلم الذين جاءوا نجدة له فضعف امره فدفع
ماله وحرمه إلى دار الخلافة وانحدر إلى واسط وعاد جلال الدولة إلى بغداد
وأرسل البساسيري والمرشد وبني خفاجة في اثره وتبعهم جلال الدولة
ودبيس بن علي بن مزيد الأسدي فلحقوه بالخيزرانية فقاتلوه فسقط عن فرسه
فأخذ أسيرا وحمل إلى جلال الدولة فقتله وسار جلال الدولة إلى واسط
فملكها وأصعد إلى بغداد وضعف امر الأتراك. قال وفيها ترددت الرسل
بين جلال الدولة وابن أخيه أبي كاليجار سلطان الدولة في الصلح فاتفقا على
الصلح وحلف كل واحد من الملكين لصاحبه ووقع العقد لأبي منصور بن
كاليجار على ابنة جلال الدولة وكان الصداق خمسين ألف دينار قاسانية.
وقال في حوادث سنة 429 فيها سال جلال الدولة الخليفة القائم بأمر الله
ليخاطب بملك الملوك فامتنع ثم أجاب اليه إذا أفتى الفقهاء بجوازه فكتب
فتوى إلى الفقهاء في ذلك فأفتى القاضي أبو الطيب الطبري والقاضي أبو
عبد الله الصيمري والقاضي ابن البيضاوي وأبو القاسم الكرخي بجوازه
وامتنع منه قاضي القضاة أبو الحسن الماوردي وجرى بينه وبين من أفتى
بجوازه مراجعات وخطب لجلال الدولة بملك الملوك، وكان الماوردي من
أخص الناس بجلال الدولة، وكان يتردد إلى دار المملكة كل يوم، فلما
أفتى بهذه الفتيا انقطع ولزم بيته خائفا وأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم
عيد النحر فاستدعاه جلال الدولة فحضر خائفا فأدخله وحده وقال له قد
علم كل أحد انك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما
خالف هواي ولم تفعل ذلك الا لعدم المحاباة منك واتباع الحق، وقد بان لي
موضعك من الدين ومكانك من العلم، وجعلت جزاء ذلك اكرامك بان
أدخلتك إلي وحدك وجعلت أذن الحاضرين إليك ليتحققوا عودي إلى ما
تحب، فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر بالخدمة والانصراف. وقال في
حوادث سنة 431: فيها شغب الأتراك على الملك جلال الدولة ببغداد
واخرجوا خيامهم إلى ظاهر البلد، ثم أوقعوا النهب في عدة مواضع،
فخافهم جلال الدولة فعبر خيامه إلى الجانب الغربي وترددت الرسل بينهم في
الصلح، وأراد الرحيل عن بغداد، فمنعه أصحابه، فراسل دبيس بن
مزيد وقرواشا صاحب الموصل وغيرهما، وجمع عنده العساكر، فاستقرت
القواعد بينهم وعاد إلى داره. وقال في حوادث سنة 432: فيها اختلف
جلال الدولة ملك العراق وقرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل،
وسبب ذلك ان قرواشا كان قد انفذ عسكرا فحصر خميس بن ثعلب
بتكريت، فأرسل خميس ولده إلى الملك جلال الدولة وبذل بذولا كثيرة
ليكف عنه قرواشا فأرسل إلى قرواش يأمره بالكف عنه، فغالط وسار
بنفسه وحاصره فتأثر جلال الدولة منه، ثم ارسل كتبا إلى الأتراك ببغداد
يفسدهم على جلال الدولة، فأرسل جلال الدولة البساسيري ليقبض على
نائب قرواش بالسندية فرأى في طريقه جمالا لبني عيسى، فاخذ الذين

200
معه من الأتراك والعرب منها قطعة، وبلغ الخبر إلى العرب، فركبوا وتبعوا
الأتراك وجرى بينهم حرب انهزم فيها الأتراك، وأخبروا البساسيري بكثرة
العرب فعاد، وسار طائفة من بني عيسى فكمنوا بين صرصر وبغداد،
فوصل بعض أكابر القواد الأتراك فقتلوه وجماعة من أصحابه وحملوا إلى
بغداد، فارتج البلد واستحكمت الوحشة بين جلال الدولة وقرواش،
فجمع جلال الدولة العساكر وسار إلى الأنبار وهي لقرواش فأغلقت
وقاتلهم أصحاب قرواش، وقلت عليهم العلوفة فسار جماعة من العسكر
إلى الحديثة ليمثاروا، فخرج عليهم جمع من العرب فأوقعوا بهم فأرسلوا
يطلبون النجدة فسار إليهم الملك بعسكره فوصلوا وقد عجز العرب عن
الوصول إليهم وعادوا عنهم، ثم اختلفت عقيل على قرواش فراسل جلال
الدولة وطلب رضاه وبذل له بذلا أصلحه به وعاد إلى طاعته فتحالفا وعاد
كل إلى مكانه. وفيها استنجد حسام الدولة أبو الشوك جلال الدولة لما
اختلف مع اخوته فسير اليه عسكرا امتنع بهم. وقال في حوادث سنة
433: فيها قصد أبو نصر ابن الهيثم اصليق من البطايح فملكها ونهبها،
ثم استقر امرها على مال يؤديه إلى جلال الدولة. وفيها نهب الغز بلد
الموصل فأرسل صاحبها إلى الملك جلال الدولة يستنجده فلم ينجده لزوال
طاعته عن جنده الأتراك وقال في حوادث سنة 434 فيها افتتحت الجوالي في
المحرم ببغداد فانفذ الملك جلال الدولة فاخذ ما تحصل منها وكانت العادة
ان يحمل ما يحصل منها إلى الخلفاء لا تعارضهم فيها الملوك فعظم الامر على
القائم بأمر الله واشتد عليه وارسل مع أقضى القضاة المارودي في ذلك
وتكررت الرسائل فلم يصغ جلال الدولة لذلك فجمع الخليفة الهاشميين
بالدار والرجالة وتقدم باصلاح الطيار والزبازب وارسل إلى أصحاب
الأطراف والقضاة بما عزم عليه وأظهر العزم على مفارقة بغداد فاستقر الامر
ان يترك الملك معارضة نواب الخليفة فيها في السنة الآتية.
الشيخ جلال الدين الأسترآبادي
في روضات الجنات: الصدر الذي كان في أوائل دولة الشاه
طهماسب وله الحاشية على الحاشية القديمة الجلالية اه‍.
السيد جلال الدين الطباطبائي الزواري
له ترجمة كتاب توقيعات كسروي ترجمه إلى الفارسية عن العربية التي
هي ترجمة عن الأصل البهلوي في بيان الاحكام العادلة التي أجراها الملك
العادل أنوشيروان ترجمه لبعض أبناء الملوك الصفوية مطبوع بالهند.
السيد الأمير جلال الدين أو جمال الدين ابن الأمير تاج الدين
ذكره صاحب نجوم السما بعنوان جلال الدين ثم لما حكى إجازة
الشيخ البهائي له ذكره بعنوان جمال الملة والحق والدين ومنشأ ذلك قلة
الضبط. ففي نجوم السمار ما تعريبه: الأمير جلال المذكور كان عالما
فاضلا محققا مدققا من تلاميذ الشيخ بهاء الدين العاملي وله منه إجازة قال
فيها على ما في الشذور:
الإجازة
بعد الحمد والصلاة: وبعد فقد قرأ علي هذا الكتاب (ولم يسمه)
قراءة فهم وتدقيق واتفان وتحقيق المولى السيد المرتضى الاجل العامل العالم
الناسك المتورع الحسيب النسيب المدقق شارح الأحاديث المصطفوية وناقد
الاخبار النبوية ذو الاخلاق السنية الرضية والافعال الحميدة المرضية
جامع الفضائل والمناقب ومجمع الآثار والمناصب جمال الملة والحق والدين ابن
المرتضى الأعظم والمجتبى الأكرم الأعلم الأفخم الأمجد الأقدم مهبط
الأنوار القدسية مجمع الصفات الملكية والإنسية ذي المكرمات والمفاخر
والسجايا العليا والمآثر سلطان المفسرين والمذكورين ناصح أعاظم الملوك
والسلاطين كهف الضعفاء والمساكين راحة البرية أجمعين.
هو البحر من اي النواحي اتيته * فلجته المعروف والجود ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه * أراد انقباضا لم تطعه أنامله
تاج الملة والحق والدين نقاوة أولاد خاتم النبيين وذرية الأئمة
المعصومين أدام الله تعالى ظلاله وأبد اجلاله وأجزت له أيده الله تعالى ان
يروي عني ما يصح عنده من مسموعاتي ومروياتي ومجازاتي ومناولاتي
ومؤلفاتي إلى آخر الإجازة. ووجدت في مسودة الكتاب ولا أدري الآن من
أين نقلته ان السيد جمال الدين بن المرتضى بن تاج الدين يروي بالإجازة
عن السيد حسين بن حيدر بن قمر الكركي الاصفهاني. والظاهر أنه هو
هذا وان لفظة ابن زائدة بين المرتضى وتاج الدين ويمكن عدم الزيادة.
السيد جلال الدين بن المهني العلوي
له كتاب ترجمان الزمان قال الصفدي في أوائل كتابه الوافي بالوفيات:
التواريخ الجامعة وعد منها تاريخ ابن جرير الطبري والكامل لابن الأثير
وغيرهما ثم قال ترجمان الزمان لجمال الدين بن المهنى العلوي اه‍ وسماه
صاحب كشف الظنون ترجمان الزمان لا الزمان فقال ترجمان الزمن لجلال
الدين المهني العلوي.
جلال الدين بن مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير
لم نعرف اسمه
في الحوادث الجامعة لابن الفوطي في حوادث سنة 662 فيها وصل
جلال الدين بن مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير وقبض على نجم الدين
أحمد بن عمران الباجسري واخرج مكتوفا راجلا إلى ظاهر بغداد وقد
نصبت هناك خيمة بها صاحب الديوان علاء الدين وخواجة نصير الدين
الطوسي وابن الدويدار وجماعة من الامراء فعمل له يارغو (1) وقوبل على
أمور نسبت اليه فوجب عليه القتل فقتل واخذ ابن الدويدار مرارته ثم
طيف برأسه على خشبة ونهبت داره وكان حسن السيرة ذا مروءة كان من
متصرفي السواد ببغداد فلما وصل السلطان هولاكو خان العراق توصل حتى
مثل في حضرته وانهى اليه من الأحوال ما أوجب الإنعام عليه وتقديمه حتى
صار من جملة الحكام ببغداد وشارك في تدبير الاعمال وخوطب بالملك فقال
في حق علاء الدين صاحب الديوان وعاداه، فأفضت حاله إلى ما جرى
عليه - نعوذ بالله من سوء التوفيق - ثم إن ابن الدويدار شرع في بيع ماله
من الغنم والبقر والجواميس وغير ذلك، واقترض من الأكابر والتجار مالا
كثيرا واستعار خيولا وآلات السفر، وأظهر انه يريد الخروج إلى الصيد
وزيارة المشاهد، وأخذ والدته وقصد مشهد الحسين عليه السلام ثم توجه
إلى الشام، فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم فلما عادوا
اخذهم قرابوغا شحنة بغداد وقتلهم، وقبض على كل من كان ببغداد
وواسط وغيرهما من الجند فقتلهم اه‍ ومن اظهاره انه يريد زيارة المشاهد
واخذه والدته وقصده مشهد الحسين عليه السلام يستظهر انه من شرط
كتابنا.
السيد جلال الدين الحسيني
في أمل الآمل: كان فاضلا محدثا له كتاب منهج الشيعة في فضائل



(1) اليارغو بلغة المغول شبه المحاكمة واليارغوجي الحاكم. - المؤلف -
201
وصي خاتم الشريعة من المتأخرين عن الشهيد اه‍.
مجد الاشراف السيد جلال الدين الحسيني الشريفي الذهبي الشيرازي
عالم حكيم عارف له تحفة الوجود في الحكمة والعرفان مطبوع
بإيران.
جلال الدولة الدواني
اسمه محمد بن أسعد.
جلال الدين الرومي
اسمه محمد.
جلال الدين الشيرازي
من شعراء الفرس له ديوان شعر فارسي مطبوع.
الشيخ جلال الدين الطريحي النجفي
عالم فاضل من جملة علماء الطريحيين لا نعرف من أحواله سوى ذلك
القاضي جلال الملك بن عمار
اسمه علي بن محمد بن أحمد بن عمار الطرابلسي.
جلبة بن حيان الابجر الكناني
في رجال ابن داود جلبة بالجيم المضمومة والباء المفردة ابن حيان ابن
الابجر بالباء المفردة والجيم الكناني اه قال النجاشي له نوادر وهو أيضا
يروي عن جميل بن دراج كتابه أخبرنا ابن نوح حدثنا الحسن بن علي بن
سفيان حدثنا حميد بن زياد حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة عن
عبد الله بن جبلة عنه به اه‍ وفي رجال الشيخ في أصحاب الصادق عليه
السلام: جبلة بن حنان بن أبجر الكوفي اسند عنه كما سبق والظاهر أنه
جلبة المذكور.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب جلبة ولم يذكره شيخنا مشترك بين رجلين
أحدهما جلبة حيان ويعرف برواية عبد الله بن جلبة عنه وروايته هو عن
جميل بن دراج والثاني جلبة بن عياض ويأتي.
جلبة بن عياض أبو الحسن الليثي
أخو أبي ضمرة في الخلاصة عياض بالعين المهملة والياء المثناة تحت والضاد المعجمة اه‍
قال النجاشي ثقة قليل الحديث له كتاب أخبرنا ابن نوح وغيره عن
أبي محمد الحسن بن حمزة الحسيني حدثنا ابن بطة حدثنا ماجيلويه والصفار
ومحمد بن علي بن محبوب عن هارون بن مسلم عنه اه‍ وقال الشيخ في
الفهرست في باب الكنى: أبو الحسن الليثي له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد
عن محمد بن الحسن عن عبد الله بن جعفر عن هارون بن مسلم عنه اه‍.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب جلبة ولم يذكره شيخنا المشترك بين رجلين
ويعرف انه ابن حيان بما مر وانه ابن عياض الثقة برواية هارون بن مسلم
عنه وحيث يعسر التمييز فالوقف اه‍.
الجلودي
هو عبد العزيز بن يحيى البصري
الشيخ جليل التبريزي ربما كان اسمه عبد الجليل
قتل حدود 1325
في كتاب شهداء الفضيلة كان شديدا في الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر وله مواقف مشهودة في اعلاء كلمة الدين زاهدا ورعا قرأ المقدمات في
تبريز ثم هاجر إلى النجف وقرأ على مشايخها ثم عاد إلى وطنه تبريز فمر
ببلدة سنقر فطلب منه أهلها الإقامة عندهم فأجاب وبقي فيها إلى أن
استشهد بيد سفلة الناس في باب داره حدود سنة 1325 ورثاه الشيخ محمد
علي بن يعقوب الأردوبادي النجفي بقصيدة منها:
قد عضل الداء وجل الفادح * فغص منه البيد والصحاصح
اردى شواظ البندقي ضيغما * يزور عنه الأسد المكافح
آثرهم بالنصح حتى قوبلت * بالغدر منهم تلكم النصائح
هو القضاء ليس يثنيه إذا * أقبل يوما جامح أو جانح
وليس ينجو من أعاصير الردى * من البرايا صالح أو طالح
سقى ثرى الجليل من صوب الرضا * غاد ومن سح الغمام رائح
القاضي الجليس بن حباب المصري
أورد ابن شهرآشوب له في المناقب الأبيات الآتية ولا نعلم من
أحواله شيئا ونسخة المناقب المطبوعة لا يعتمد على صحتها قال:
هم الصائمون القائمون لربهم * هم الخائفون خشية وتخشعا
هم القاطعو الليل البهيم تهجدا * هم العامروه سجدا فيه ركعا
هم الطيبو الاخبار والخبر في الورى * يروقون مرأى أو يشوقون مسمعا
بهم تقبل الاعمال من كل عامل * بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا
هم القائلون الفاعلون تبرعا * هم العالمون العاملون تورعا
أبوهم وصي المصطفى حاز علمه * وأودعه من قبل ما كان أودعا
الأمير عز الدين أبو سند جماز بن شيحة بن هاشم الحسيني أمير المدينة
المشرفة.
توفي في ربيع الأول أو صفر سنة 704 أو 705.
نسبه
هو الأمير جماز ابن الأمير شيحة ابن الأمير هاشم ابن الأمير أبي فليتة
قاسم ابن الأمير المهنا الأعرج ابن الأمير شهاب الدين الحسين ابن الأمير
أبي عمارة المهنا واسمه حمزة بن أبي هاشم داود ابن الأمير أبي احمد
القاسم بن أبي علي عبيد الله ابن الأمير طاهر بن يحيى النسابة ابن الحسن بن
جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر ابن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهم السلام، هكذا يستفاد نسبه من عمدة الطالب
ومثله في الدرر الكامنة مع بعض الاختلاف على ما في النسخة المطبوعة فقال
جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن حسين ابن مهنا بن داود بن
القاسم بن عبيد الله بن عامر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني عز الدين أبو سند أمير المدينة
الشريفة اه‍ فأبدل طاهر والحسن بن جعفر بالحسين بن جعفر ولعله من
تحريف الناسخ ثم إنه في صبح الأعشى وغيره وقع مخالفة لهذا والظاهر أنه
اشتباه. ففي صبح الأعشى. انه لما عزل جماز بن هبة بن جماز ولي نعير بن
منصور بن جماز إلى أن قال وولي ثابت بن نعير وهو ثابت بن جماز بن هبة بن
جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن قاسم بن جماز بن قاسم بن

202
مهنأ بن الحسين بن داود إلى آخر ما مر وفي هذا الكلام خلل ظاهر (أولا)
ثم إنه صرح بان نعيرا هو ابن منصور بن جماز ومن المعلوم ان جماز والد منصور هو جماز
بن شيحة المترجم ثم قال ولي ثابت بن نعير وهذا يقتضي
ان يكون نسبة ثابت بن نعير بن منصور بن جماز بن شيحة إلى آخر ما مر
فكيف يقول إنه ثابت بن جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز ابن شيحة
(ثانيا) مع التصريح فإنه ثابت بن نعير لم يذكر أبوه نعير في هذا النسب وهو
ينادي بوقوع خلل فيه (ثالثا) أنه قال جماز بن شيحة بن سالم بن قاسم بن
جماز بن قاسم بن مهنا وانما هو شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا كما في
عمدة الطالب وغيره فأبدل هاشم بسالم وزاد جماز بن قاسم والصواب ان
سالم بن قاسم ليس هو أبا شيحة بل يلتقي هو وجماز في تعدد النسب
وجدهما معا قاسم بن المهنا وسالم بن قاسم جده جماز بن قاسم بن المهنا الآتي
وليس في أجداد جماز بن شيحة من اسمه جماز والذي أوقع في الاشتباه ما في
صبح الأعشى وتاريخ ابن خلدون عن ابن سعيد عن الزنجاري مؤرخ
الحجاز فإنه ذكر من ملوك المدينة من ولد الحسين: القاسم بن جماز بن
القاسم بن المهنأ وأنه ولي بعده ابنه سالم بن قاسم وان سالما هذا جاء مع
المعظم عيسى ابن العادل يشكو من قتادة أمير مكة فرجع معه ومات سالم في
الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولي بعده ابنه شيحة كما يأتي قريبا اه‍ ومن
هنا نشا الخلل فشيحة ليس ابن سالم هذا فقوله وولي بعده ابنه شيحة غلط
والصواب فولي بعده شيحة وكأنه لما رأى أن شيحة ولي بعد سالم ظنه ابنه.
أقوال العلماء فيه
في عمدة الطالب: أما الأمير قاسم بن المهنا الأعرج فأعقب من
رجلين الأمير هاشم يقال لولده الهواشم والأمير جماز يقال لأولاده الجمامزة
فمن الهوائم الأمير شيحة بن هاشم أعقب من سبعة رجال وهم الأمير أبو
سند جماز أمير المدينة ثم ذكر الستة الباقية ثم قال وفي أولاده الإمرة بالمدينة
إلى الآن كثرهم الله تعالى اه‍ وفي تاريخ ابن خلدون عن ابن سعيد عن
الزنجاري مؤرخ الحجاز انه في سنة 601 جاء المعظم عيسى بن العادل
فجدد المصانع والبرك وكان معه سالم بن قاسم أمير المدينة يشكو من قتادة
فرجع معه ومات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولي بعده ابنه شيحة -
والصواب وولي بعده شيحة لان شيحة ليس ابنه كما مر - وكان سالم قد
استخدم عسكرا من التركمان فمضي بهم جماز بن شيحة إلى قتادة وغلبه
وفر إلى ينبع وتحصن بها قال وفي سنة 647 قتل صاحب المدينة شيحة وولي
ابنه عيسى ثم قبض عليه اخوه جماز سنة 649 وملك مكانه قال ابن سعيد
وفي سنة 659 كان بالمدينة أبو الحسن ابن شيحة بن سالم - كأنه عيسى بن
شيحة، وشيحة ليس ابن سالم كما مر - وقال غيره كان بالمدينة سنة 653 أبو
مالك منيف بن شيحة ومات سنة 657 وولي اخوه جماز وطال عمره ومات
سنة 704 وولي ابنه منصور اه‍ وفي صبح الأعشى عن تاريخ أبي الفدا انه
لما قتل شيحة سنة 644 ولي ابنه عيسى ثم قبض عليه اخوه جماز سنة 649
وملك مكانه وهو الذي ذكر المقر الشهابي ابن الفضل الله في (التعريف) ان
الإمرة في بيته إلى زمانه قال ابن سعيد وفي سنة 651 كان بالمدينة أبو
الحسين بن شيحة بن سالم وقال غيره كان بالمدينة سنة 653 وولي اخوه جماز
فطال عمره وعمي ومات سنة 704 أو 705 اه‍ وفيه مخالفات لما مر في
التواريخ ونقص في العبارة ثم قال في صبح الأعشى: وأمرتها الآن
متداولة بين بني عطية وبين بني جماز وهم جميعا على مذهب الإمامية الرافضة
يقولون بامامة الاثني عشر اماما وغير ذلك من معتقدات الامامية وأمراء مكة
الزيدية أخف في هذا الباب شانا منهم اه‍ وفي الدرر الكامنة جماز بن
شيحة وساق نسبه كما مر ثم قال ولي المدينة قديما بعد قتل أبيه وقدم مصر
(692) فأكرمه الأشرف خليل وعظمه وتوسط في أمر أمير الينبع حتى أفرج
عنه وتوسط أيضا في امر أبي نمى صاحب مكة حتى رضي عنه السلطان وكان
قد غاب عن ملاقاة الركب المصري فأرسل السلطان يتهدده بتجهيز العساكر
فلما رضي عنه بوساطة جماز كتب اليه بالرضا فأذعن وخطب للسلطان بمكة
وضرب الدنانير والدراهم باسمه وكتب بذلك محاضر وجهزها صحبة شرف
الدين ابن القسطلاني فرضي السلطان بذلك ورد عليه اقطاعه وشكر جمازا
على ما كان منه واستمر جماز في امرة المدينة حتى كف من السلطان في ربيع
الأول سنة 702 وطعن في السن إلى أن صار كالشن واضر فقام بالامر في
حياته ولده أبو غانم منصور ومات جماز في ربيع الأول أو صفر سنة 704
بعد ان أضر وكان ربما شارك جمازا في الإمرة أحيانا غيره قال الذهبي وكان
فيه تشيع ظاهر وكان قتل والده شيحة سنة 646 وكان جده قاسم أمير
المدينة في دولة صلاح الدين بن أيوب وكانت مدة ولاية جماز مع ما تخللها
بضعا وخمسين سنة اه‍. وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 704 فيها
مات صاحب المدينة المنورة جماز بن شيحة العلوي الحسيني وقد شاخ واضر
وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي اه‍ وذكره السيد
ضامن بن زين الدين علي ابن السيد حسن النقيب بن علي بن الحسين بن
علي بن شدقم المدني في كتابه تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء
الأئمة الأطهار. وكأنه تكملة لكتاب جده السيد حسن المسمى بزهر
الرياض حيث يعبر عنه في تحفة الأزهار بالمؤلف أو بجدي حسن المؤلف
فقال الأمير أبو سند جماز بن أبي عيسى شيحة بن هاشم بن القاسم ابن المهنأ
الأعرج بن الحسين شهاب الدين بن المهنأ الأكبر قال جدي حسن المؤلف
طاب ثراه والفاسي في تاريخه كان ذا همة عالية ومروة وشهامة وحزم وعزم
وجزم ومهابة ورأي سديد وحماسة وبأس شديد وصلابة مقداما صنديدا قد
وازر أخاه أبا الحسين منيفا في الامارة ثم اختص بها بعد وفاته في شهر صفر
سنة 657 فبنى الحصن الذي تتحصن به الامراء الحال على جبل سليع
بالتصغير مقابل سلع وكان عليه بيوت أسلم بن قصي وموضعه اليوم القلعة
الرومية العثمانية التي بناها السلطان العثماني وفي بعض السنين امره وجهزه
الملك المظفر ابن الملك المنصور بمائتي فارس مقدمهم علي بن الحسين بن
برطاش ليأخذ مكة المشرفة من الشريف أبي نمي محمد بن نجم الدين أبي
سعد حسن بن علي بن قتادة النابغة الحسني الأمير بها من قبل صاحب
اليمن فأقام بالمدينة بنو هاشم مالكا ابن أخيه منيف نائبا عنه ومضى متوجها
إلى مكة فاخذها بعد محاصرة وقتل من قومه ثلاثة رجال وأقام بها أميرا إلى
سنة 663 ومن ذلك يعلم أن امارة مكة كانت من قبل ملك اليمن، وامارة
المدينة من قبل ملك مصر وانه كان يقع بينهما كثيرا التنازع على امارة مكة
وكذا مما تقدم في جملة من التراجم، فاستغابه مالك وخطب لنفسه ولم يعرج
على اسم عمه جماز فاستنجد جماز الجموع وأغار بهم عليه فلم يمكنه انتزاع
الامارة منه، قال وفي سنة 667 رحل جماز عن مكة فاستغابه أبو نمي محمد
فدخلها ومعه إدريس ابن عمه حسن بن قتادة فركب جماز عليهما فاقتتلوا
قتالا عظيما حتى سالت الدماء بالمسجد الحرام والحجر والمقام واسر علي بن
الحسين بن برطاش ففدى نفسه بأجزل الأموال وخرج بمن لاذ به من الأهل
والعيال وأنهزم جماز إلى المدينة وفي شهر صفر سنة 670 أغار جماز على أبي

203
نمى محمد وغانم بن إدريس (مر انه إدريس) فأخرجهما منها وفي شهر ربيع
الأول سنة 673 عاد إليها أبو نمي محمد وفي شهر شعبان أغار جماز على أبي
نمى محمد فلم يمكنه المهاجمة الا انه استحسن المهادنة ببذل الأموال الجزيلة
والخيل الثمينة الشهيرة لجماز فاخذ ذلك وانصرف عنه وفي سنة 681 امر
الملك المنصور وابنه الملك الصالح الأمير جماز وسير معه الحكاكي ليأخذ
مكة من أبي نمى محمد فغلبا عليه وأخرجاه منها وخطب وضرب السكة
للمنصور وابنه وتزوج جماز بخزيمة أخت أبي نمي محمد نجم الدين في التاسع
عشر من شهر جمادي الآخرة ثم حصل من الحكاكي خيانة ومراسلة إلى أبي
نمى محمد فأوحي بها إلى جماز فقبض عليه وأرسله للمنصور مغلولة يداه إلى
عنقه ثم رحل جماز إلى المدينة زائرا معلولا من سم سقته إياه هجرس أمة
لخزيمة فعند ذلك اسند امر الامارة إلى ابنه أبي عامر منصور وتوفي في شهر
صفر سنة 704 وخلف جماز أبو سند تسعة بنين سندا وبه يكنى وأبا مزروع
ووديا وحسنا ومسعودا ومباركا وقاسما وراجحا ومقبلا اه‍ وفي خلاصة
الكلام في سنة 629 أو 627 اتصل راجح بن قتادة بنور الدين عمر بن
رسول صاحب اليمن وحسن له اخذ مكة - وكانت بيد نواب بني أيوب -
فبعث معه جيشا إلى مكة فأخرجوا نائب الملك الكامل يوسف بن محمد بن
أبي بكر بن أيوب صاحب مصر، ثم جاء جيش من الملك الكامل فأخرجوا
راجحا، ثم وليها راجح مع عسكر من صاحب اليمن سنة 630 ثم وليها
عسكر الملك الكامل في آخر هذه السنة وخرج منها راجح ثم صفا الامر
للشريف راجح بن قتادة ودامت ولايته إلى آخر ذي الحجة سنة 651.
وقال الرضا في تاريخه - وهو يخالف ما مر في بعض التواريخ - في سنة 626
وصل جيش من مصر ودخل مكة وكان فيها نور الدين عمر بن رسول ففر
إلى اليمن واستمر بها جيش مصر إلى سنة 627 فوصل جيش من صاحب
اليمن نور الدين وصحبته الشريف راجح بن قتادة فاستولوا على مكة فجهز
صاحب مصر الملك الكامل جيشا كبيرا فقاتلوا الشريف راجحا فانكسر
واستولوا على مكة، ثم عاد الشريف راجح بجمع عظيم وأمده صاحب
اليمن بعسكره فقدم مكة وطرد أمير صاحب مصر، فجهز صاحب مصر
عسكرا مع الحاج سنة 630 فلما بلغ الشريف راجحا ذلك خرج من مكة
ودخل عسكر مصر من غير محاربة وفي سنة 631 جهز صاحب اليمن
عسكرا ومعهم الشريف راجح فدخلوا مكة واخرجوا أمير صاحب مصر،
فلما وصل الحاج بلغ الشريف راجحا ان صاحب مصر واصل بنفسه على
النجائب، فخرج الشريف راجح، فجاء صاحب مصر وحج، فلما رجع
عاد الشريف راجح إلى مكة. وفي سنة 632 وصل عسكر من مصر
واخرجوا الشريف راجحا فتوجه إلى اليمن فبعث معه صاحبها عسكرا،
فخرج اليه عسكر مصر واقتتلوا قتالا كبيرا انكسر فيه عسكر راجح هذا كله
إلى سنة 634 وفي سنة 635 قدم السلطان نور الدين بن علي بن رسول
صاحب اليمن في ألف فارس فتلقاه الشريف راجح في ثلاثمائة فارس ودخلوا
مكة وخرج عسكر مصر، وأقام الشريف راجح في ولاية مكة إلى سنة 637
فأرسل صاحب مصر ألف فارس مع الشريف شيحة بن قاسم أمير المدينة
فخرج الشريف راجح من مكة ودخلها الشريف شيحة فجهز صاحب
اليمن عسكرا إلى مكة مع الشريف راجح، فهرب الشريف شيحة من مكة
وأخلاها. وفي سنة 639 أرسل صاحب مصر عسكرا إلى مكة فتجهز
صاحب اليمن وخرج إلى مكة بجيش كثير، فهرب المصريون فدخل
صاحب اليمن مكة وأعرض عن ولاية الشريف راجح وأرسل يطلب
الشريف أبا سعد الحسن بن علي بن قتادة وولاه مكة، فذهب الشريف
راجح إلى المدينة واستنجد أخواله من بني حسين على ابن أخيه الحسن بن
علي بن قتادة فأنجدوه فخرج معهم من المدينة في 700 فارس قاصدا مكة
فأرسل الشريف سعد إلى ولده أبي نمى محمد يطلبه - وكان بينبع - وعمر أبي
نمى 17 أو 18 سنة فخرج من ينبع في أربعين فارسا قاصدا مكة فصادف
القوم فحمل عليهم بالأربعين فهزمهم ورجعوا إلى المدينة مغلوبين وأقام
الحسن بن علي بن قتادة على ولاية مكة أربع سنين وفي سنة 651 جاء
الشريف جماز بن حسن بن قتادة بجيش من دمشق واستولى على مكة وقتل
الشريف حسن بن علي بن قتادة، فقدم عمه الشريف راجح بن قتادة
بجيش واستولى على مكة وخرج منها جماز بن الحسن بلا قتال، واستمر
راجح فيها إلى ربيع الأول سنة 652 فهجم ابنه غانم بن راجح على مكة
وأنتزع الملك من أبيه، وتوفي الشريف راجح سنة 654 واستمر غانم بن
راجح إلى شوال من هذه السنة فانتزعها منه أبو نمى وعمه إدريس بن
علي بن قتادة بعد قتال بينهم واستمر الحال إلى 25 ذي القعدة فجاء
المبارز بن علي بن حسن بن برطاس بجيش من صاحب اليمن فجمع
إدريس وأبو نمي جموعا فقاتلوا ابن برطاس وهزموه وأسروه، ثم افتدى
نفسه ورجع. وفي سنة 654 تنازع إدريس وأبو نمى ثم اصطلحا واستمرا
إلى سنة 667 فتنازعا وانفرد بها أبو نمى وأخرج عمه إدريس وخطب
لصاحب مصر السلطان بيبرس وحج بيبرس تلك السنة وأصلح بينه وبين
عمه إدريس ثم توجه إلى بلده فانفرد بها إدريس وأخرج أبا نمى، فجمع
أبو نمى جموعا وقصد مكة، فخرج اليه إدريس والتقيا بخليص فقتل إدريس
وذلك سنة 669 فاستنجد غانم بن إدريس بجماز بن شيحة صاحب المدينة
فجمع جموعا وقصد مكة واخرج أبا نمى، ثم عاد أبو نمى بعد أربعين يوما
ومعه جموع فأخرجهما. ثم في سنة 688 ولى السلطان قلاوون صاحب
مصر على مكة جماز بن شيحة الحسيني صاحب المدينة واعانه بعسكر،
فخرج منها أبو نمى، ودخلوا مكة ثم عاد أبو نمي وأخرجهم منها اه‍.
الأمير جماز أمير المدينة ابن قاسم بن المهنا بن الحسين بن المهنا حمزة بن داود
ابن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى النسابة بن الحسن بن جعفر
الحجة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب عليهم السلام.
في عمدة الطالب: أما الأمير قاسم بن المهنأ الأعرج فأعقب من
رجلين الأمير هاشم يقال لولده الهواشم والأمير جماز يقال لولده الجمامزة
فمن الهواشم الأمير شيحة بن هاشم اه‍ فالمترجم هو عم أبي جماز بن
شيحة بن هاشم بن قاسم المتقدم وصريح عمدة الطالب ان المترجم ولي
امارة المدينة ولسنا نعلم من أحواله شيئا سوى ذلك.
الأمير جماز ابن الأمير أبي عامر منصور ابن الأمير جماز بن شيحة بن
هاشم بن قاسم بن المهنا بن الحسين بن المهنا حمزة بن داود بن القاسم بن
عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قتل حوالي سنة 763
في صبح الأعشى: انه ولي امارة المدينة بعد مانع من عقب جماز ثم
قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون اه‍
وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 780 قال فيها توفي ضياء الدين

204
محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصغاني نزيل المدينة ثم
مكة الفاضل الحنفي صاحب الفنون كان سبب تحوله من المدينة انه كان
كثير المال فطلب منه الجماز أميرها شيئا فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق
أنهما اجتمعا بالمسجد فوقع من جماز كلام في حق الشيخين فكفره الضياء
وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله
إلى مصر فشنع على جماز فامر السلطان بقتله فقتل في الموسم فنهب آل جماز
دار الضياء فتحول إلى مكة فتعصب له يلبغا فقرر له درسا للحنفية سنة
763 فاستمر مقيما بمكة إلى أن مات وكان شديد التعصب للحنفية كثير
الوقيعة في الشافعية اه‍ ومن تعصبه على الشافعية وإكثاره الوقيعة فيهم يعلم أنه
كان ذا نفس شريرة مطبوعة على الشر بعيدة عن الخير. وهبه تعصب
على الأمير جماز لأنه شيعي حتى تسبب إلى قتله فكان بعيدا عن شفاعة
جده صلى الله عليه وآله وسلم فما ذنب الشافعية حتى يكثر الوقيعة فيهم ويتعصب عليهم.
ويظهر ان جماز المذكور في هذه القصة هو المترجم والله أعلم.
الشريف جماز بن مهنا بن قاسم بن المهنا إلى آخر ما مر في جماز بن
قاسم
ذكره في عمدة الطالب في ذرية جماز بن قاسم المذكور المعروفين
بالجمامزة كما يعرف بنو عمهم الأمير هاشم بن قاسم بالهواشم ولم يذكر من
أحواله شيئا وقال إن المترجم واخاه هاشما لهما أعقاب اه‍.
الأمير جماز ابن الأمير هبة ابن الأمير جماز ابن الأمير أبي عامر منصور ابن
الأمير جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن المهنا بن الحسين بن المهنا
حمزة بن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن
جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليه السلام
قتل سنة 812
في صبح الأعشى: انه ولي امرة المدينة بعد موت عطية بن منصور
ابن جماز ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز ثم قتل فوثب جماز بن هبة
على امارة المدينة واستولى عليها فعزله السلطان وولي ثابت بن نعير وهو بها
إلى الآن في سنة 799 اه‍ وفي كتاب وفاء الوفاء باخبار دار المصطفى:
اتفق على ما ذكره الحافظ بن حجر في سنة 811 ان فوض السلطان الناصر
فرج لحسن بن عجلان سلطنة الحجاز فاتفق موت ثابت بن نعير أمير
المدينة - وقرر حسن مكانه أخاه عجلان بن نعير المنصوري فثار عليهم
جماز بن هبة بن جماز الجمازي الذي كان أمير المدينة فوصل إلى الخدام
بالمدينة يستدعيهم فامتنعوا من الحضور اليه فدخل المسجد الشريف واخذ
ستارتي باب الحجرة وطلب من الخدم تسعة آلاف درهم على أن لا يتعرض
لحاصل الحرم فامتنعوا فضرب شيخهم وكسر قفل الحاصل هكذا رأيته في
(انباء الغمر) للحافظ بن حجر (والذي) رأيته في محضر عليه خطوط غالب
أعيان المدينة الشريفة ما حاصله ان جماز بن هبة المذكور كان أمير المدينة
فبرزت المراسيم الشريفة بتولية ثابت بن نعير امرة المدينة وأن يكون النظر في
جميع الحجاز لحسن بن عجلان ولم يصل الخبر بذلك الا بعد وفاة ثابت بن
نعير فاظهر جماز بن هبة الخلاف والعصيان وجمع جموعا من المفسدين وأباح
نهب بعض بيوت المدينة ثم حضر مع جماعة إلى المسجد الشريف وأهان من
حضر معه من القضاة والمشايخ وشيخ الخدم باليد واللسان وشهر سيفه
عليهم وكسر باب القبة حاصل الحرم الشريف وأخذ جميع ما فيها من
قناديل الذهب والفضة التي تحمل على تعاقب السنين من سائر الآفاق تقربا
إلى الله ورسوله وأشياء نفيسة وختمات شريفة وزيت المصابيح وشموع
التراويح وأكفان ودراهم يوارى بها الطرحاء وقطع مكاتيب الأوقاف وغسلها
وقصد الحجرة الشريفة وأحضر السلم لانزال كسوة الضريح الشريف
والقناديل المعلقة حوله فلم يقدر له ذلك ومنعه الله منه وأخذ ستر أبواب
الحجرة الشريفة من خزانة الخدام وتعطل في ذلك اليوم وليلته والذي يليها
المسجد الشريف من الأذان والإقامة والجماعة وأخذ جماعته وأقاربه في نهب
بيوت الناس ومصادرتهم وأخذ جمال السواني وارتحل هاربا عقيب ذلك.
قال وذكر الحافظ بن حجر انه اخذ من الحاصل المذكور احدى عشر
خوشخانه وصندوقين كبيرين وصندوقا صغيرا بما في ذلك من المال وخمسة
آلاف شقة من البطاين وصادر بعض الخدام ونزح عنها قلت ورأيت بخط
شيخنا العلامة ناصر الدين المراغي قائمة ذكر انه نقلها من خط قاضي طيبة
الزين عبد الرحمن بن صالح صورتها الذي كان في القبة وأخذه جماز بن هبة
هو من القناديل الفضة ثلاثة وعشرون قنطارا وثلث قنطار غير الذي في
الرفوف والصندوقين الذهب ثم ذكر تفصيل ذلك في ثمان عشرة وزنة ثم
كتب ما صورته خوشخانة مختومة لم تفتح والظاهر أنها ذهب وزنة القناديل
التي في الرفوف أربعة قناطير الا ثلث وتسعة قناديل ذهب بالعدد في صندوق
وصندوق صغير مقفول اه‍ وبلغنا انه دفن غالب ذلك ثم اخذه الله اخذا
وبيلا فقتل هو ومن اطلع معه على دفن ذلك فلم يعلم مكانه إلى اليوم وقد
ذكر الحافظ بن حجر قتله في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة فقال وفيها قتل
جماز بن هبة بن جماز بن منصور الحسيني أمير المدينة وقد كان اخذ حاصل
المدينة ونزح عنها فلم يمهل وقتل في حرب جرت بينه وبين أعدائه اه‍ قلت
انما بيته بعض عرب مطير فاغتاله وهو نائم اه‍ وفاء الوفا.
جماعة بن سعد الجعفي الصايغ
عن ابن الغضائري: روى عن أبي عبد الله (ع) وخرج مع أبي
الخطاب وقتل وهو ضعيف في الحديث ومذهبه ما ذكرت اه‍. وذكره
العلامة في الخلاصة بعين هذه العبارة، لكنه لم ينسبها إلى ابن الغضائري.
وقال ابن داود: جماعة بن سعد الجعفي الصايغ قال ابن الغضائري ليس
بشئ له عدة أحاديث، خرج مع أبي الخطاب وقتل اه وليس من شرط
كتابنا.
جماعة بن عبد الرحمن الصايغ الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع). وفي لسان
الميزان: جماعة بن عبد الرحمن الصايغ الكوفي ذكره الطوسي في رجال
الشيعة، وقال الكشي: كان صدوقا وله رواية عن جعفر الصادق ومعرفة
بحديث أصحابه وكانت له حلقة وصحب أبان بن تغلب وغيره اه‍. ولا أثر
لذلك في كتاب الكشي الموجود ولعله اشتباه بترجمة أخرى. وفي مشتركات
الكاظمي باب جماعة ولم يذكره شيخنا مشترك بين ابن سعد الجعفي الصايغ
الضعيف الحديث وبين ابن عبد الرحمن الصايغ الكوفي المجهول
الحال اه‍.
الآقا جمال الدين والآقا كمال الدين ابنا الميرزا أبي المعالي بن الميرزا إبراهيم
الكرباسي
كان في النجف سنة 1329 للتحصيل وتوفي في الأول سنة 1350.

205
له من المؤلفات تلخيص الهيئة فيه مهمات مسائل الهيئة القديمة ومعرفة
التقويم والأسطرلاب ومن تلاميذه السيد شهاب الدين الحسيني النجفي
النسابة نزيل قم.
الشيخ جمال الدين بن أحمد الحلي
حكي عن المفيد في الارشاد انه أورد له شعرا يشير به إلى مضمون
حديث فذكر في سيرة الباقر (ع) (ولكن لم أجده فيها) انه سئل عن
الحديث ترسله ولا تسنده، فقال إذا حدثت الحديث فلم أسنده فسندي
عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عن الله عز وجل
قال والى ذلك أشار الشيخ جمال الدين بن أحمد الحلي رحمه الله بقوله:
قل لمن حجنا بقول سوانا * حيث فيه لم يأتنا بدليل
ان دعاك الهوى إلى نقل ما لم * يك عند الثقات بالمقبول
نحن نروي إذا روينا حديثا * بعد آيات محكم التنزيل
عن أبينا عن جدنا ذي المعالي * سيد المرسلين عن جبرئيل
وكذا جبرئيل يروي عن * الله بلا شبهة ولا تأويل
فتراه بأي شئ علينا * ينتمي غيرنا إلى التفضيل
آقا جمال الدين بن ملا أسد الله البروجردي
توفي سنة 1302.
في كتاب المآثر والآثار كان من المسلم مقام فقاهته وتبحره في الحديث
والتفسير ودرجة فضله وتتبعه في جميع العلوم الشرعية والفنون الاسلامية وفي
أواخر أيامه تشرف بالمشهد الرضوي ثم جاء إلى طهران وبقي فيها عدة
سنين مشغولا بترويج الشريعة وارشاد العباد وقلما يوجد نظير فصاحة لسانه
حينما يخطب على المنبر ولم يسمع بأحد صار له
قبول عند العامة كما صار له
في طهران.
السيد جمال الدين بن عيسى بن محمد علي الموسوي العاملي الاصفهاني.
عالم فاضل يروي إجازة عن الميرزا حسين النوري صاحب
مستدركات الوسائل.
القاضي جمال الدين بن فتح الله بن صدر الدين الشيرازي نزيل حيدرآباد
الهند
عالم فاضل له ترجمة مصباح الكفعمي الذي اسمه جنة الأمان الواقية
ترجمه باسم السلطان محمد قطب شاه المتوفي سنة 1035.
الشيخ جمال الدين ابن الشيخ إسكندر بن جمال الدين الجزائري
ذكره السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في ذيل
اجازته الكبيرة فقال: كان عالما ذكيا ورعا اجتمعت به في الدورق وكنا
كثيرا نتفاوض في المغالطات والنكات التي يخوض فيها المبتدئون واستفدت
منه رحمة الله عليه.
السيد جمال الدين ابن السيد حسين الكلبايكاني
ولد في سعيدآباد قرية من قرى كلبايكان سنة 1296 وتوفي في
النجف سنة 1377.
اشتغل في صباه بتحصيل السطوح ومات والده الذي كان من كبار
علماء كلبايكان وهو في السنة الثانية عشرة من عمره فانكب على الدرس عند
علماء كلبايكان حتى بلغ السادسة عشرة فرحل إلى أصفهان وقرأ المعقول على
جهانكيرخان الذي كان من فحول هذا الفن وقرأ القوانين على حاجي
ميرزا بديع وسطح الرسائل والمكاسب عند الشيخ عبد الكريم الجزي وباقي
السطوح عند السيد الدرجيئيتي والشيخ محمد علي ثقة الاسلام.
ثم رحل إلى النجف الأشرف سنة 1319 فقرأ الأصول على الشيخ
ملا كاظم الخراساني ثم على الآخوند ملا علي النهاوندي والفقه على السيد
محمد كاظم اليزدي ثم على الشيخ ميرزا حسين النائيني. ثم استقل
بالبحث والدرس.
وقد تتلمذ عليه كثير من العامليين والنجفيين والإيرانيين وأكثرهم
بلغوا درجة الاجتهاد. له من المؤلفات تقريرات بحث الآخوند في الأصول
دورة وبعض مباحث الفقه وتقريرات بحث النائيني في الأصول ودورة كاملة
في الفقه وحاشية على المكاسب وحاشية على الرسائل ورسالة كتاب الصلاة
كاملة ورسالة منجزات المريض ورسالة في لا ضرر ولا ضرار. وله كتب
ورسائل متفرقة أخرى.
جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن مشرف العاملي الجبعي
أحد أجداد الشهيد الثاني كان من أفاضل عصره وأتقيائه.
الآقا جمال الدين بن الآقا حسين بن جمال الدين الخوانساري
اسمه محمد بن حسين بن محمد واشتهر بلقبه.
السيد جمال الدين ويقال محمد جمال الدين ابن السيد صفدر الحسيني
الهمذاني الأسدآبادي الشهير بالسيد جمال الدين الأفغاني
ولد في شعبان سنة 1254 في أسدآباد من توابع همذان وتوفي في
شوال سنة 1314 أو سنة 1315 في استانبول وصلي عليه في جامع
التشويقية ودفن في مقبرة شيخلر مزارلغي اي مقبرة المشايخ التي تختص
بقبور الأولياء والعلماء على مقربة من الجامع المذكور.
(والأسد آبادي) نسبة إلى أسدآباد قرية على بعد سبعة فراسخ من
مدينة همذان إلى جهة العراق بين همذان وكرمانشاه فيها نحن 800 بيت
وعدد سكانها نحو 4000 نسمة.
سبب وفاته
اختلف في سبب وفاته على أقوال لا يرجع أكثرها إلى مستند فتلميذه
صادق خان البروجردي الآتي ذكره يقول فيما نقله عنه السيد صالح
الشهرستاني في مجلة العرفان: لما وصلت إلى الآستانة علمت أنه مات
مسموما في فنجان قهوة، وجرجي زيدان والشرقاوي يقولان انه توفي بمرض
السرطان الذي أصابه في فكه، والشيخ مصطفى عبد الرزاق المصري يقول إنه
لقح في شفته بمادة سامة سببت له حالة تشبه السرطان، والسيد هبة
الدين الشهرستاني يقول في بعض مذكراته: اتهم السلطان عبد الحميد
بالايعاز إلى الطبيب الذي اجرى له في حلقه عملية جراحية فقطع منه
الوريد. ويقول الأمير شكيب أرسلان فيما علقه على كتاب حاضر العالم
الاسلامي انه ظهر في حنكه مرض السرطان فامر السلطان عبد الحميد كبير
جراحي القصر قمبور زاده إسكندر باشا وهو مقرب عند السلطان عبد

206
الحميد جدا ان يجري له عملية جراحية لم تنجح ومات بعد أيام قلائل فقيل إن
العملية لم تعمل على الوجه اللازم لها عمدا وقيل لم تلحق بالتطهيرات
الواجبة فنا، وينقل عن صديقه الكونت لاون استروروع المستشرق انه
حدثه في لوزان ان المترجم كان صديقه فدعاه اليه بعد اجراء العملية
الجراحية وقال له ان السلطان أبى ان يتولى العملية الا جراحه الخاص وانه
هو رأى حاله ازدادت شدة بعد العملية فيرجو منه ان يرسل اليه جراحا
فرنسويا طاهر الذمة لينظر في عقب العملية فأرسل اليه الدكتور (لاردي)
فوجد أن العملية لم تجر على وجهها ولم تعقبها التطهيرات اللازمة وان
المريض قد أشفى، قال: وقال لي واحد ممن كانوا في خدمة عبد الحميد
وقد رويت له هذه القصة ان قمبور زاده إسكندر باشا كان أطهر وأشرف
من أن يرتكب مثل تلك الدناءة لكن كان رجل عراقي اسمه جارح طبيب
أسنان يتردد كثيرا على جمال الدين ويعاين له أسنانه وكانت نظارة الضابطة
قد جعلت جارحا هذا جاسوسا على المترجم، قال لي صاحب هذه الرواية
فأردت ان امنع جارحا من الاختلاط بجمال الدين فأشار إلي ناظر الضابطة
ان أتركه ولم تمض أشهر حتى ظهر السرطان في فك المترجم من الداخل
وأجريت له عملية جراحية فلم تنجح، وجارح هذا ملازم للمريض، وبعد
موته كنا نراه دائما حزينا كئيبا كاسف البال واجم الوجه خزيان بما جعلنا
نشتبه في أن يكون ذا يد في إفساد الجرح أو في توليد المرض نفسه، لا أجزم
بكونه هكذا فعل لكنني أجزم بأنه كان جاسوسا على المترجم اه‍ وكل هذه
الأقوال المتضاربة حدس وتخمين لا يستند واحد منها إلى دليل ويقع مثلها
من الناس في أمثال هذه المقامات والظاهر أنه مات حتف انفه بمرض
السرطان أو غيره.
هو إيراني لا أفغاني
أما نسبته إلى الأفغان واشتهاره بالأفغاني فمن المشهورات التي لا
أصل لها - ورب مشهور لا أصل له - وسبب اشتهاره بذلك انه نسب نفسه
إلى الأفغان في مصر وخلافها لا إلى إيران تعمية للأمر، ولولا ذلك لما سمي
بحكيم الاسلام وفيلسوف الشرق، ولا كانت له هذه الشهرة الواسعة،
ولا انزله الصدر الأعظم علي باشا في استانبول منزلة الكرامة، ولا اقبل
عليه بما لم يسبق لمثله، ولا عظمه الوزراء والأمراء ولا عين عضوا في مجلس
المعارف ولا اجرت له حكومة مصر ألف قرش مصري مشاهرة ولا عكف
عليه الطلبة للتدريس في مصر، ولا تمكن الشيخ محمد عبده ان يصاحبه
ويأخذ عنه ويتخذه مرشدا وصديقا حميما إلى غير ذلك مما يأتي. ومع
ذلك فقد انتدب بعض المصريين لذمه في كتاب مطبوع رأيت اسمه ولم أره سماه
فيه بكلب العجم.
ويقال انه سئل عن سبب قوله انه أفغاني فأجاب بان ذلك للتخلص
من مضايقة مأموري إيران في الخارج ولكن الصواب ما مر. ومن هنا يلزم
ان لا يعتمد على المشهورات دينية كانت أو عادية قبل البحث والتنقيب
والتحقيق والتمحيص، خصوصا ما يوافق الميول المذهبية والعقائد
الخاصة. فهذا الرجل قد ترجمه تلميذه وخريجه الشيخ محمد عبده المشهور في
صدر رسالة المترجم في الرد على الدهرية، وبالطبع قد تلقى هذه المعلومات
من أستاذه المذكور كما يدل عليه قوله الآتي: وانا نذكر مجملا من خبره
نرويه عن كمال الخبرة وطول العشرة قال في جملة ما قال: هو من بيت
عظيم في بلاد الأفغان يتصل نسبه بالسيد علي الترمذي المحدث المشهور
ويرتقي إلى سيدنا الحسين بن علي. وآل هذا البيت عشيرة وافرة العدد تقيم
في خطة (كنر) من اعمال كابل تبعد عنها مسيرة ثلاثة أيام ولهذه العشيرة
منزلة علية في قلوب الأفغانيين لحرمة نسبها وكانت لها سيادة على جزء من
الأراضي الأفغانية تستقل بالحكم فيها وانما سلب الامارة من أيديها دوست
محمد خان أحد امراء الأفغان وامر بنقل السيد جمال الدين وبعض أعمامه
إلى مدينة كابل وانه ولد السيد جمال الدين في قرية (أسعدآباد) الصواب
أسدآباد - من قرى (كنر) وانتقل بانتقال أبيه إلى مدينة كابل وانه دخل في
سلك رجال الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان ولما زحف الأمير إلى
هراة ليفتحها على السلطان احمد شاه صهره وابن عمه سار السيد جمال
الدين معه في جيشه ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير وفتحت المدينة
وتقلد الامارة ولي عهدها شير علي خان سنة 1280 وأشار عليه وزيره محمد
رفيق خان ان يقبض على اخوته وكان منهم في الجيش ثلاثة محمد أعظم
ومحمد اسلم ومحمد امين وكان هوى السيد جمال الدين مع محمد أعظم
فأحسوا بذلك وفروا كل إلى ولايته التي كان يليها أيام أبيه وبعد مجالدات
عنيفة عظم امر محمد أعظم وابن أخيه عبد الرحمن وتغلبا على عاصمة
المملكة وأنقذا محمد أفضل والد عبد الرحمن من سجن غزنة وسمياه أميرا
على أفغانستان ومات بعد سنة وقام في الامارة بعد شقيقه محمد أعظم
وارتفعت منزلة السيد جمال الدين عنده فاحله محل الوزير الأول وعظمت
ثقته به فكان يلجأ لرأيه في العظائم وما دونها - على خلاف ما تعوده امراء
تلك البلاد من الاستبداد المطلق وعدم التعويل على رجال حكومتهم -
وكادت تخلص حكومة الأفغان لمحمد أعظم بتدبير السيد جمال الدين لولا
سوء ظن الأمير بالأغلب من ذوي قرابته الذي حمله على تفويض مهمات
الأعمال إلى أبنائه الأحداث فساق الطيش أحدهم وهو حاكم قندهار على
منازلة عمه شير علي في هراة، فلما تلاقى مع جيش عمه دفعته الجرأة
على الانفراد عن جيشه في مائتي جندي واخترق بها صفوف أعدائه فأوقع
الرعب في قلوبهم وكادوا ينهزمون لولا أن يعقوب خان قائد شير علي التفت
فوجد ذلك الغر المتهور منقطعا عن جيشه فكر عليه واخذه أسيرا وتشتتت
جند قندهار وحمل شير علي على قندهار واستولى عليها وبعد حروب هائلة
تغلب شير علي وانهزم محمد أعظم وابن أخيه عبد الرحمن فذهب عبد
الرحمن إلى بخارى وذهب محمد أعظم إلى إيران ومات بعد أشهر في نيسابور
وبقي السيد جمال الدين في كابل ولم يمسه الأمير بسوء احتراما لعشيرته الا
انه لم ينصرف عن الاحتيال للغدر به فرأى السيد جمال الدين خيرا له ان
يفارق بلاد الأفغان فاستأذن للحج فاذن له على شرط ان لا يمر ببلاد إيران
كيلا يلتقي فيها بمحمد أعظم فارتحل عن طريق الهند سنة 1285 إلى أن
قال: اما مذهبه فحنيفي حنفي طبعا لأن الغالب على الأفغانيين المذهب
الحنفي قال وهو وان لم يكن في عقيدته مقلدا لكنه لم يفارق السنة
الصحيحة مع ميل إلى مذهب الصوفية (انتهى محل الحاجة).
وكل ذلك لا نصيب له من الصحة بل يشبه قصص ألف ليلة وليلة
والظاهر أن جمال الدين كان يملي هذه القصص على تلميذه الشيخ محمد
عبده مبالغة في تعمية الأمر وإغراقا في اثبات انه أفغاني. فالرجل إيراني
أسدآبادي همذاني لا أفغاني ولا كابلي ولا كنري بل لعله لم ير الأفغان ولا
كابل في عمره، وعشيرته في أسدآباد حتى اليوم لم تكن لها سيادة على جزء
من ارض الأفغان ولا دخل الأفغان واحد منها.

207
قال السيد صالح الشهرستاني فيما كتبه في مجلة العرفان ج 24: لا
يزال يوجد في أسدآباد من أفراد قبيلة وأولاد وأعمام وعمات واخوان
وأخوات السيد جمال الدين ما ينيف على الخمسين نسمة بين ذكر وأنثى
ومنهم أحد أحفاد أخي السيد جمال الدين وهو السيد محمود ابن السيد كمال
ابن السيد مسيح المتوفي عام 1300 أخي السيد جمال الدين ابن السيد
صفدر. وهو مدرس مدرسة القرية عام 1351 قال ولا تزال الغرفة التي
ولد فيها السيد جمال الدين في دار والده الواقعة في محلة (سيدان) اي
السادات على حالها حتى اليوم، وتعرف أسدآباد عند أهل القرى المجاورة
بقرية السيد جمال الدين. وقال: ان السيد محمود المذكور أهداه نسخة من
كتاب فارسي فيه تاريخ حياة السيد جمال الدين منذ ولادته حتى وفاته بقلم
ابن أخت السيد جمال الدين الميرزا لطف الله الأسدآبادي، وأمه هي
السيدة طيبة بيگم بنت السيد صفدر أخت جمال الدين وهو صاحب
المذكرات عن خاله المذكور بالفارسية المطبوعة في برلين اه‍.
وكل ما بني على كونه أفغانيا من دخوله في سلك رجال الحكومة
الأفغانية وحضوره بعض حروبها وميله إلى بعض أمرائها وحلوله عند محل
الوزير وإرادة بعضهم الغدر به وخروجه منها بحجة الحج كله لا أصل له
أريد به تكميل القصة المخترعة تمهيدا لكيفية وصوله إلى مصر وغيرها وبيانا
لسببها المخترع ولعله كان لا يحب ان يظهر انه منفي من قبل شاه إيران أو
كان يريد ان يبالغ في تحقيق أفغانيته التي البس نفسه إياها، ومذهبه شيعي
كما هو مذهب آبائه وأجداده وعشيرته وأهل بلده، حنيفي جعفري لا
حنفي، فانظر إلى هذا الأمر الذي اشتهر وشاع بين الناس في كل صقع
وقطر ودون في الكتب المطبوعة التي طبع منها الألوف وانتشرت في أقطار
الدنيا في عصر المترجم وليس له أصل، تعلم صدق القول بأنه رب مشهور
لا أصل له مع كون رب للتكثير لا للتقليل، هذا في امر لا أهمية له فما
ظنك بما يكون له نصيب مما يسمونه السياسة والملك ونصرة العقيدة والنحلة
وأمثال ذلك. ولعلها إذا مضت مدة طويلة يصبح كونه إيرانيا أو أفغانيا من
الأمور المختلف فيها وينتصر لكل فريق.
ولا ندري هل كان الشيخ محمد عبده يعرف حقيقة حاله ويخفيها
لخوفه مما خاف منه جمال الدين بصحبته له واخذه عنه أو كان يجهلها، الله
اعلم. وفي كتاب حاضر العالم الاسلامي تأليف (لوتروت ستودارد)
الأميركي وتعريب عجاج نويهض ج 11 ص 135 ان السيد جمال الدين ولد
في (أسدآباد) بالقرب من همذان في بلاد فارس وهو أفغاني الأرومة لا فارسي
ينحدر نسبا - كما يدل عليه لقبه هذا - من العترة النبوية الطاهرة ويجري في
عروقه الدم العربي البحت الكريم اه‍.
فتراه قد نطق بالصواب من كونه ولد في بلاد إيران في أسدآباد
بالقرب من همذان وجمع بين ذلك وبين كونه أفغانيا كما يدل عليه لقبه بأن
أصل آبائه من الأفغان والذي دعاه إلى ذلك اعتقاده ان هذا اللقب لقب
صحيح. اما بعد ما عرفت عدم صحة هذا اللقب فتعرف فساد هذا
الجمع.
وقال الأمير شكيب أرسلان فيما علقه على كتاب حاضر العالم
الاسلامي: ان كل من عرفوا السيد جمال الدين علموا منه انه من
أفغانستان، وانه من سادات كنر الحسينية المشهورين في تلك الديار ووالده
السيد صفتر وكان مولده في أسدآباد بقرب كنر سنة 1254 هجرية وفق
1838 ميلادية وكذلك عرف به كبير تلاميذه الأستاذ الامام الشيخ محمد
عبده مفتي الديار المصرية في صدر رسالة رد الدهريين تأليف السيد جمال
الدين. ولقد لقيت في المدينة المنورة قبل الحرب العامة بأشهر السيد حسينا
أحد ولاة أفغانستان، ومن سادات كنر المشار إليهم ومن أفاضلهم وعلمت
منه ان السيد جمال الدين رحمه الله هو منهم، كما اني سمعت ذلك من جميع
رجال الدولة الأفغانية وسفرائها الذين جمعتنا بهم التقادير في أوروبا بعد
تأسيس سفاراتهم بها، فلا اعلم كيف تتفق كل هذه الروايات من أهل
تلك الديار على كون المترجم أفغاني الدار علويا حسينيا من أسرة نسبتهم
كالشمس ومقامهم في بلاد الأفغان أشهر من أن ينوه به، ويكون في الحقيقة
من همذان ومولودا بها اه‍ (ونقول) هكذا ينشأ من الأخبار التي لا صحة لها
إذا جمعت مع الأخبار الصحيحة تناقضات يعجز الافهام توجيهها أو توجه
بتوجيهات باردة فاسدة وشواهد ذلك كثيرة للمتتبع لو أمكنتنا الفرصة لأشرنا
إلى جملة منها. اما ما ذكره الأمير شكيب من أنه علم من السيد حسين أحد
ولاة أفغانستان ومن سادات كنر ان السيد جمال الدين منهم وأنه سمع ذلك
من جميع رجال الدولة الأفغانية وسفرائها في أوروبا فيشبه خبر (كذبت
سمعي وبصري وصدقت القرآن) والظاهر أن هؤلاء الجماعة أرادوا
الافتخار بانتساب السيد جمال الدين إلى بلادهم فصدقوه بدون علم ولم
يشاؤوا ان يتبروا من هذه المنقبة مع عدم جزمهم بفسادها لجهلهم حقيقة
الحال.
أقوال المترجمين فيه
كان السيد جمال الدين ذكيا متوقد الذكاء فصيح الكلام بليغه عالي
الهمة قليل النوم كثير التفكير سريع البديهة حسن الاخلاق يتقن اللغات
العربية والفارسية والإنكليزية وآدابها وقليلا من التركية والفرنسية، له
جاذبية لكل من حادثه وجالسه، ميالا بطبعه إلى الحركة ومعارضة الحكام
والدعوة إلى الاصلاح وترك القديم جريئا. ويكشف عن بعض
نفسيته، تلونه في لباسه فقد رأينا صورته في مجلة العرفان تارة بالعمامة
الإيرانية السوداء الكبيرة والعباءة وأخرى بالكفية - أو الكوفية - والعقال
اللف وثالثة بالعمامة البيضاء والطربوش والجبة ورابعة بالطربوش بدون
عمامة.
وقال السيد صالح الشهرستاني فيما كتبه في مجلة العرفان ولعله أخذه
من الكتاب الفارسي الذي قال إن فيه ترجمته: ان السيد صفدر والد السيد
جمال الدين جاء إلى طهران مع ولده جمال الدين أوائل عام 1266 وبعدما
مكثا فيها ما يزيد على خمسة أشهر سافرا إلى العراق ودخلا النجف في عصر
الشيخ مرتضى الأنصاري فاعتنى الأنصاري بجمال الدين وبقي السيد
صفدر في النجف مدة شهرين ثم عاد إلى أسدآباد وبقي جمال الدين في
النجف اربع سنوات درس في السنتين الأوليتين منها العلوم الأولية والمتوسطة
من دينية وعربية وفي السنتين الأخيرتين العلوم العالية من التفسير والحديث
والفقه والأصول والكلام والمنطق والحكمة الإلهية والرياضيات والطبيعيات
ومقدمات الطب والتشريح والهيئة والنجوم وغيرها اه‍ والذي يعرفه المتأمل
ان من أراد ان يدرس كل هذه العلوم في ضمن اربع سنوات يكون قد
أضاع الأربع السنوات من عمره مهما بلغ في الذكاء والفطنة والذي نظنه انه
قرأ في هذه المدة العلوم العربية والمنطق وشيئا من الكلام والهيئة. والرجل

208
كان ذكيا منطقيا استطاع بذكائه وفطنته وفصاحة لسانه وقوة بيانه ان ينخرط
في سلك العلماء الكبار بعلم قليل حصله في هذه المدة. ثم يقول الشهرستاني ان
الشيخ مرتضى كان يوليه لطفا وعطفا وحبا ويبشر أباه في رسائله اليه بحسن
مستقبله فحسده على ذلك بعض الطلاب من زملائه واضمر له السوء فاطلع
الأنصاري على ذلك فأرسل جمال الدين إلى الهند مع بعض خواصه المسمى
البير فأوصله إلى بمبئي وهو لم يتجاوز الخمسة عشر عاما اه‍ وهذا كسابقه لا
يساعد عليه النظر الصادق والذي يلوح انه بعد ما بقي في النجف أربع سنين
تاقت نفسه إلى السفر بما طبع عليه من حب الأسفار. وفي كتاب
حاضر العالم الاسلامي تأليف لوثروت ستودارد الأميركي وترجمة عجاج
نويهض ج 1 ص 135 كان جمال الدين سيد النابغين الحكماء، وأمير
الخطباء البلغاء وداهية من أعظم الدهاة دامغ الحجة قاطع البرهان ثبت
الجنان متوقد العزم شديد المهابة كان في ناسوته اسرار المغنطيسية فلهذا كان
المنهاج الذي نهجة عظيما. وكانت سيرته كبيرة فبلغ من علو المنزلة في
المسلمين ما قل ان يبلغ مثله سواه. وكان سائحا جوابا، طاف العالم
الاسلامي قطرا قطرا وجال غربي أوروبا بلدا فاكتسب من هذه
السياحات الكبرى ومن الاطلاع العميق والتبحر الواسع في سير العالم
والأمم علما راسخا واكتنه اسرار خفية واستبطن غوامض كثيرة، فاعانه
ذلك عونا كبيرا على القيام بجلائل الأعمال التي قام بها. وكان جمال الدين
بعامل سجيته وطبعه وخلقه داعيا مسلما كبيرا فكأنه على وفور استعداده
ومواهبه انما خلقه الله في المسلمين لنشر الدعوة فحسب فانقادت له نفوسهم
وطافت متعاقدة من حوله قلوبهم فليس هناك من قطر من الأقطار الاسلامية
وطئت ارضه قدما جمال الدين الا وكانت فيه ثورة فكرية اجتماعية لا تخبو
نارها ولا يبرد أوارها وكان يختلف عن السنوسي منهاجا فجمال الدين كان
أول مسلم أيقن بخطر السيطرة الغربية المنتشرة في الشرق الاسلامي وتمثل
عواقبها فيما إذا طال عهدها وامتدت حياتها ورسخت في تربة الشرق قدمها
وأدرك شؤم المستقبل وما سينزل بساحة الاسلام والمسلمين من النائبة
الكبرى إذا لبث الشرق الاسلامي على حال مثل حاله التي كان عليها،
فهب جمال يضحي نفسه ويفني حياته في سبيل ايقاظ العالم الاسلامي
وانذاره بسوء العقبى، ويدعوه إلى اعداد ذرائع الدفاع لساعة يصيح فيها
النفير. فلما اشتهر شأن جمال خشيت الحكومات الاستعمارية امره وحسبت
له ألف حساب، فنفته بحجة انه هائج المسلمين ولم تخف دولة جمالا
وتضطهده مثل ما خافته واضطهدته الدولة البريطانية، فسجنته في الهند مدة
ثم أطلقت سراحه. فجاء إلى مصر حوالي سنة 1880 وكانت له يد في
الثورة العرابية التي أوقدت نارها في وجه الغربيين فلما احتل الإنكليز مصر
1882 نفوا جمالا للحال، فزايل مصر وأنشأ يسيح في مختلف البلدان حتى
وصل إلى القسطنطينية فتلقاه عبد الحميد بطل الجامعة الاسلامية بالمبرة
والكرامة، وقربه منه ورفع منزلته، فسحر جمال السلطان الداهية بتوقد
ذكائه ونفسه الكبيرة فقلده رياسة العمل في سبيل الدعوة للجامعة
الاسلامية، ويغلب ان ما ناله السلطان عبد الحميد من النجاح في سياسته
في سبيل الجامعة الاسلامية انما كان على يد جمال الدين المتوقد الهمة المشتعل
العزم، والتحق جمال الدين بالرفيق الأعلى سنة 1896 شيخا وعاملا كبيرا
في سبيل النهضة الاسلامية حتى النفس الأخير من أنفاسه اه‍.
وقال الأمير شكيب فيما علقه على كتاب حاضر العالم الاسلامي:
السيد محمد بن صفتر صوابه صفدر من أعاظم رجال الاسلام في القرن
التاسع عشر، كان بحسب رأي براون فيلسوفا كاتبا خطيبا صحفيا، وقبل
كل شئ كان رجلا سياسيا يرى فيه مريدوه وطنيا كبيرا، وأعداؤه مهيجا
خطيرا. وقد كان له تأثير عظيم في حركات الحرية والمنازع الشوروية التي
جدت في العشرات الأخيرة من هذه السنين في الحكومات الاسلامية وكانت
حركته ترمي إلى تحرير هذه الممالك من السيطرة الأوروبية وانقاذها من
الاستغلال الأجنبي والى ترقية شؤونها الداخلية بتأسيس إدارات حرة.
وكذلك كان يفكر في جمع هذه الحكومات بأجمعها ومن جملتها إيران الشيعية
حول الخلافة الاسلامية لتتمكن بذلك الاتحاد من منع التدخل الأوروبي في
أمورها، فجمال الدين بقلمه ولسانه أصدق ممثل لفكرة الجامعة
الاسلامية اه‍.
وقال الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في ترجمته التي صدر بها
رسالة السيد جمال الدين في الرد على الدهرية بعد حذف ما يتعلق بكونه
أفغانيا مما مر: يحملنا على ذكر شئ من سيرة هذا الرجل الفاضل ما رأيناه
من تخالف الناس في امره وتباعد ما بينهم في معرفة حاله وتباين صوره في
مخيلات اللاقفين لخبره حتى كأنه حقيقة كلية تجلت في كل ذهن بما يلائمه أو
قوة روحية قامت لكل نظر بشكل يشاكله والرجل في صفاء جوهره وزكاء
مخبره لم يصبه وهم الواهمين ولم يمسه ضرر الخراصين وانا نذكر مجملا من
خبره نرويه عن كمال الخبرة وطول العشرة هو السيد محمد جمال الدين ابن
السيد صفتر - الصواب صفدر - ولد في أسعدآباد - الصواب أسدآباد -
سنة 1254 هجرية وفي السنة الثامنة من عمره اجلس للتعلم وعني والده
بتربيته وأيد العناية به قوة في فطرته وإشراق في قريحته وذكاء في مدركته فاخذ
من بدايات العلوم ولم يقف دون نهاياتها تلقى علوما جمة برع في جميعها
فمنها العلوم العربية من نحو وصرف ومعان وبيان وكتابة وتاريخ عام
وخاص ومنها علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وأصول فقه وكلام
وتصوف ومنها علوم عقلية من منطق وحكمة عملية سياسية ومنزلية وتهذيبية
وحكمة نظرية طبيعية والاهية ومنها علوم رياضية من حساب وهندسة وجبر
وهياة أفلاك ومنها نظريات الطب والتشريح اخذ جميع تلك الفنون عن
أساتذة ماهرين على الطريقة المعروفة في تلك البلاد وعلى ما في الكتب
الاسلامية المشهورة واستكمل الغاية من دروسه في الثامنة عشرة من سنه ثم
عرض له سفر إلى البلاد الهندية فأقام بها سنة وبضعة أشهر ينظر في بعض
العلوم الرياضية على الطريقة الأوروبية الجديدة اما مقصده السياسي الذي
قد وجه اليه أفكاره وأخذ على نفسه السعي اليه مدة حياته وكل ما أصابه
من البلاء أصابه في سبيله فهو انهاض دولة اسلامية من ضعفها وتنبيهها
للقيام على شؤونها حتى تلحق الأمة بالأمم العزيزة والدولة بالدول القوية
فيعود للاسلام شانه وللدين الحنيفي مجده ويدخل في هذا تنكيس دولة
بريطانيا في الأقطار الشرقية وتقليص ظلها عن رؤوس الطوائف الاسلامية
وله في عداوة الإنكليز شؤون يطول بيانها.
اما منزلته من العلم وغزارة المعارف فليس يحدها قلمي الا بنوع من
الإشارة إليها: لهذا الرجل سلطة على دقائق المعاني وتحديدها وابرازها في
صورها اللائقة بها كان كل معنى قد خلق له، وله قوة في حل ما يعضل
منها كأنه سلطان شديد البطش فنظرة منه تفكك عقدها، كل موضوع
يلقى اليه يدخل للبحث فيه كأنه صنع يديه فيأتي على أطرافه ويحيط بجميع

209
أكنافه ويكشف ستر الغموض عنه فيظهر المستور منه وإذا تكلم في الفنون
حكم فيها حكم الواضعين لها ثم له في باب الشعريات قدرة على الاختراع
كأن ذهنه عالم الصنع والابداع وله لسن في الجدل وحذق في صناعة الحجة
لا يلحقه فيهما أحد الا ان يكون في الناس من لا نعرفه وكفاك شاهدا على
ذلك أنه ما خاصم أحدا الا خصمه ولا جادله عالم الا ألزمه وقد اعترف له
الأوروبيون بذلك بعد ما أقر له الشرقيون وبالجملة فاني لو قلت إن ما آتاه
الله من قوة الذهن وسعة العقل ونفوذ البصيرة هو أقصى ما قدر لغير الأنبياء
لكنت غير مبالغ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
اما أخلاقه فسلامة القلب سائدة في صفائه وله حلم عظيم يسع ما
شاء الله ان يسع إلى أن يدنو منه أحد ليمس شرفه أو دينه فينقلب الحلم إلى
غضب تنقض منه الشهب فبينما هو حليم أواب إذا هو أسد وثاب. وهو
كريم يبذل ما بيده قوي الاعتماد على الله لا يبالي ما تأتي به صروف الدهر
عظيم الأمانة سهل لمن لاينه صعب على من خاشنه طموح إلى مقصده
السياسي الذي قدمناه إذا لاحت له بارقة منه تعجل السير للوصول اليه
وكثيرا ما كان التعجل علة الحرمان وهو قليل الحرص على الدنيا بعيد من
الغرور بزخارفها ولوع بعظائم الأمور عزوف عن صغارها شجاع مقدام لا
يهاب الموت كأنه لا يعرفه الا انه حديد المزاج وكثيرا ما هدمت الحدة ما
رفعته الفطنة الا انه صار اليوم في رسوخ الأطواد وثبات الأفناد فخور بنسبه
إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم لا يعد لنفسه مزية ارفع ولا عزا امنع من كونه سلالة
ذلك البيت الطاهر وبالجملة ففضله كعلمه والكمال لله وحده.
اما خلقه فهو يمثل لناظره عربيا محضا من أهالي الحرمين فكأنما قد
حفظت له صورة آبائه الأولين من سكنة الحجاز حماه الله. ربعة في طوله
وسط في بنيته قمحي في لونه عصبي دموي في مزاجه عظيم الرأس في
اعتدال، عريض الجبهة في تناسب، واسع العينين عظيم الأحداق ضخم
الوجنات رحب الصدر جليل في النظر هش بش عند اللقاء قد وفاه الله من
كمال خلقه ما ينطبق على كمال خلقه.
بقي علينا ان نذكر له وصفا لو سكتنا عنه سئلنا عن إغفاله وهو انه
كان في مصر يتوسع في اتيان بعض المباحات كالجلوس في المتنزهات
العامة، والأماكن المعدة لراحة المسافرين، وتفرج المحزونين، لكن مع
غاية الحشمة وكمال الوقار. وكان مجلسه في تلك المواضع لا يخلو من
الفوائد العلمية، فكان بعيدا عن اللغو منزها عن اللهو، وكان يوافيه فيها
كثير من الأمراء وأرباب المقامات العالية وأهل العلم. وهذا الوصف ربما
عده عليه بعض حاسديه، لكن الله يحب ان تؤتى رخصه كما يحب ان تؤتى
عزائمه، واي غضاضة على المرء المؤمن في أن يفرج بعض همه بما أباح الله
له. هذا مجمل من أحوال السيد جمال الدين الأفغاني اتينا به دفعا لما افتراه
عليه الجاهلون، ولو سلكنا في تاريخه مسلك التفصيل لأدى بنا إلى
التطويل اه.
ثم اتبع الشيخ محمد عبده ذلك بما كتبه سليم العنحوري تخطئة
لنفسه فيما نقله في شرح سحر هاروت قال: والمطلع ما كتبناه يعلم خطأه في
جل ما رواه، وهذا ما نشره العنحوري في جريدة لسان الحال وغيرها
بحروفه، قال:
لا يخفى اننا كنا اتينا في حاشية كتابنا (سحر هاروت) على شئ من
ترجمة الحكيم الشرقي الغزير المادة السيد جمال الدين الأفغاني الطائر الصيت
وأبنا في عرض قصصنا لمحة مما تلقيناه عن بعض المصريين والسوريين من
سوء عقيدته ووهن دينه، مما كان مدعاة أسفنا وباعث استغرابنا، ثم
أسعدنا البخت بان التقينا هاته الأيام بصديقنا المحلي بحلية الفضل الحائز
قصب السبق في مضماري العقل والنقل الشيخ محمد عبده أعز اخلاء
الحكيم المشار اليه فجال بيننا حديث أفضى إلى البحث بما يرويه عنه بعض
الناس ورويناه نحن عنهم فأوضح لنا بدلائل ناهضة وبراهين داحضة ان ما
تتناقله الألسن من هذا القبيل ما كان الا من آثار ما رماه بعض من غمرتهم
أياديه فجازوه بالكنود يعني بهم قوما كفرة تزلفوا اليه فاغتر ببراقيش
ألسنتهم، ووطأ لهم جانب الأنس، سالكا في سبيل اسعادهم كل سبيل،
فلما دارت عليه الدوائر وتحولت الأحوال اخذوا يتحججون بالتلمذة عليه،
وينسبون ما اشربوا من الكفر اليه. وبين لنا بأجلى أسلوب ان المباحث التي
كان يدور بها لسانه أثناء مناظرته الجدلية في بيان عقائد المعطلين كان المراد
منها اظهار حقائق النحل والبدع بمعزل عن الاعتقاد بها والجنوح إليها بل
مع تعقيبها بالرد عليها وإقامة الحجج على بطلانها، ثم تأييدا لمقالة هذا
وقفنا على رسالة منسوجة بقلم السيد المشار اليه سواء بها أصحاب المبادئ
المعطلة من اي فريق كانوا، وبين قبح طريقتهم بعبارة حنيف عريق
بالاسلام، نثبت هنا منها مبحثه في طريقة اعتقاد الألوهية لسعادة
الانسان. قال بعد بيان وجوه زعموها كافية لصلاح النوع البشري، ورد
ما زعموا: (فاذن لم يبق للشهوات قامع ولا للأهواء رادع الا الايمان بان
للعالم صانعا عالما بمضمرات القلوب ومطويات الأنفس سامي القدرة واسع
الحول والقوة، مع الاعتقاد بأنه قد قدر للخير والشر جزاء يوفاه مستحقه في
حياة بعد هذه الحياة السرمدية.) ثم قال: (فلم تبق ريبة في أن الدين هو
السبب الفرد لسعادة الإنسان، فلو قام الدين على قواعد الأمر الإلهي الحق
ولم يخالطه شئ من أباطيل من يزعمونه ولا يعرفونه، فلا ريب يكون سببا
في السعادة التامة والنعيم الكامل ويذهب بمعتقديه في جواد الكمال
الصوري والمعنوي ويصعد بذويه إلى ذروة الفضل الظاهري والباطني،
ويرفع اعلام المدنية لطلابها، بل يفيض على المتمدنين من ديم الكمال
العقلي والنفسي ما يظفرهم بسعادة الدارين.) ثم اتى بعد هذا في مزايا
الدين الاسلامي خصوصا بما يطول بيانه، ويعلمه من اطلع على تلك
الرسالة هذا كله بعد ما قال في وصف الماديين: (انهم كيفما ظهروا وفي اي
صورة تمثلوا وبين اي قوم نجموا كانوا صدمة شديدة على بناء قومهم
وصاعقة مجتاحة لثمار أممهم وصدعا متفاقما في بنية جيلهم، يميتون القلوب
الحية بأقوالهم وينفثون السم في الأرواح بآرائهم ويزعزعون راسخ النظام
بمساعيهم، فما رزئت بهم أمة ولا مني بشرهم جيل الا انتكث فتله وتبددت
آحاده وفقد قوام وجوده.) ثم أطال في بيان ذلك إلى حد لم يبق معه محل
للريبة في كمال اعتقاده وجلاء يقينه، فأخذتنا لذلك خفة الطرب،
وسارعنا لإذاعته بلسان الصحف شان المؤرخ العادل وقياما بحق الأدب
وضنا بفضل هذا الرجل الخطير من أن تتناوله السنة من لا يعرفه خطأ
وافتراء، والله يتولى الصادقين اه‍.
أخباره
قال الشيخ محمد عبده في ترجمته المتقدمة إليها الإشارة: انه سافر إلى
الهند وعمره 18 سنة اي سنة 1272، فأقام بها سنة وبضعة اشهر، وأتى
بعد ذلك الأقطار الحجازية لأداء فريضة الحج، وطالت مدة سفره إليها

210
نحو سنة وهو ينتقل من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر حتى وافى مكة المكرمة
سنة 1273 فوقف على كثير من عادات الأمم التي مر بها في سياحته واكتنه
أخلاقهم وأصاب من ذلك فوائد غزيرة، ثم رجع بعد أداء فريضة الحج
إلى بلاده. وفي سنة 1285 سافر إلى الحج على طريق الهند فلما وصل إلى
التخوم الهندية تلقته حكومة الهند بحفاوة في اجلال الا انها لم تسمح له
بطول الإقامة في بلادها، ولم تأذن للعلماء في الاجتماع عليه الا على عين
من رجالها، فلم يقم أكثر من شهر، ثم سيرته من سواحل الهند في أحد
مراكبها على نفقتها إلى السويس فجاء إلى مصر واقام فيها نحو أربعين يوما
تردد فيها على الجامع الأزهر وخالطه كثير من طلبة العلم السوريين ومالوا
اليه كل الميل وسألوه ان يقرأ لهم شرح الإظهار، فقرأ لهم بعضا منه في
بيته، ثم تحول عزمه عن الحجاز، وسارع بالسفر إلى الآستانة، وبعد أيام
من وصوله إليها أمكنته ملاقاة الصدر الأعظم عالي باشا، ونزل منه منزلة
الكرامة وعرف له الصدر فضله وأقبل عليه بما لم يسبق لمثله وهو مع ذلك
بزيه الأفغاني قباء وكساء وعمامة عجراء، وحومت عليه لفضله قلوب
الأمراء والوزراء، وعلا ذكره بينهم وتناقلوا الثناء على علمه ودينه وأدبه،
وهو غريب عن أزيائهم ولغتهم وعاداتهم، وبعد ستة أشهر سمي عضوا في
مجلس المعارف، فأدى حق الاستقامة في آرائه، وأشار إلى طرق لتعميم
المعارف لم يوافقه على الذهاب إليها رفقاؤه. ومن تلك الطرق ما احفظ
عليه قلب شيخ الاسلام لتلك الأوقات حسن فهمي أفندي لأنها كانت تمس
شيئا من رزقه، فأرصد له العنت حتى كان رمضان سنة 1287 فرغب إلى
مدير دار الفنون تحسين أفندي ان يلقي فيها خطابا للحث على الصناعات،
فاعتذر اليه بضعفه في اللغة التركية فالح عليه تحسين أفندي، فأنشأ خطابا
طويلا كتبه قبل القائه وعرضه على وزير المعارف، وكان صفوة باشا وعلى
شرواني زاده وكان مشير الضابطية وعلى دولتلو منيف باشا ناظر
المعارف - وكان عضوا في مجلس المعارف - واستحسنه كل منهم وأطنب في
مدحته، فلما كان اليوم المعين لاستماع الخطاب تسارع الناس إلى دار
الفنون واحتفل له جمع غفير من رجال الحكومة وأعيان أهل العلم وأرباب
الجرائد وحضر في الجمع معظم الوزراء وصعد السيد جمال الدين على منبر
الخطابة وألقى ما كان أعده وأرسل حسن فهمي أفندي أشعة نظره في
تضاعيف الكلام ليصيب منه حجة للتمثيل به وما كان يجدها لو طلب حقا
ولكن كان الخطاب في تشبيه المعيشة الإنسانية ببدن حي وان كل صناعة
بمنزلة عضو من ذلك البدن يؤدي من المنفعة في المعيشة ما يؤديه العضو في
البدن فشبه الملك مثلا بالمخ الذي هو مركز التدبير والإرادة. والحدادة
بالعضد والزراعة بالكبد والملاحة بالرجلين ومضى في سائر الصناعات
والأعضاء حتى اتى على جميعها ببيان ضاف واف ثم قال هذا ما يتألف منه
جسم السعادة الإنسانية ولا حياة لجسم الا بروح وروح هذا الجسم اما
النبوة واما الحكمة ولكن يفرق بينهما بان النبوة منحة إلهية لا تنالها يد
الكاسب يختص الله بها من يشاء من عباده والله أعلم حيث يجعل رسالاته.
اما الحكمة فمما يكتسب بالفكر والنظر في المعلومات وبأن النبي معصوم من
الخطا، والحكيم يجوز عليه الخطا بل يقع فيه وان احكام النبوات آتية على
ما في علم الله لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فالاخذ بها من
فروض الايمان، اما آراء الحكماء فليس على الذمم فرض اتباعها الا من
باب ما هو الأولى والأفضل على شريطة ان لا تخالف الشرع الإلهي. هذا
ما ذكرناه متعلقا بالنبوة وهو منطبق على ما اجمع عليه علماء الشريعة
الاسلامية الا ان حسن فهمي أفندي أقام من الحق باطلا ليصيب غرضه
من الانتقال فأشاع ان الشيخ جمال الدين زعم أن النبوة صنعة واحتج
لتثبيت الإشاعة بأنه ذكر النبوة في خطاب يتعلق بالصناعة (وهكذا تكون
حجج طلاب العنت)، ثم أوعز إلى الوعاظ في المساجد ان يذكروا ذلك
محفوفا بالتفنيد والتنديد، فاهتم السيد جمال الدين للمدافعة عن نفسه
واثبات براءته مما رمي به، ورأى أن ذلك لا يكون الا بمحاكمة شيخ
الاسلام (وكيف يكون ذلك) واشتد في طلب المحاكمة واخذت منه الحدة
مبلغها وأكثرت الجرائد من القول في المسالة، فمنها نصراء الشيخ جمال
الدين، ومنها أعوان لشيخ الاسلام، فأشار بعض أصحاب السيد عليه
ان يلزم السكون ويغضي على الكريهة وطول الزمان يتكفل باضمحلال
الإشاعات وضعف اثرها، فلم يقبل ولج في طلب المخاصمة فعظم الأمر،
وآل إلى صدور امر الصدارة اليه بالجلاء عن الآستانة بضعة أشهر حتى تسكن
الخواطر ويهدأ الاضطراب، ثم يعود ان شاء، ففارق الآستانة مظلوما في حقه مغلوبا
لحدته (1) وحمله بعض من كان معه على التحول إلى مصر، فجاء إليها في



(1) قال الأستاذ أبو رية في مجلة العربي:
لما ضاق الظالمون والمستعمرون به ذرعا، بعد ان سعرها عليهم نارا تلظى، لم يجدوا مناصا
من أن يأتمروا به، ليستريحوا منه، فدبر لهم الطغيان ممثلا في شخص عبد الحميد الذي كان
سلطانا على الدولة العثمانية، وامامه الأكبر (أبي الهدى الصيادي) شيخ الطريقة الرفاعية،
وصاحب الكلمة العليا في بلاط السلطان.
وقد نشأ التفكير في تدبير هذه المؤامرة عندما كان السيد جمال الدين في باريس يحرر هو
والأستاذ الإمام محمد عبده صحيفة (العروة الوثقى)، إذ علم السلطان عبد الحميد ان
السيد جمال الدين متصل بأعضاء جمعية (تركيا الفتاة) التي كانت تعمل على خلعه، وتخليص
تركيا من طغيانه وبخاصة لما رأى أن العروة الوثقى تنوه بهذه الجمعية، وان السيد جمال
الدين يسميها (الجمعية الصالحة) ويباركها ويدعو الله لها بالتوفيق في عملها.
ثم ازداد مقت السلطان وغضبه عليه عندما جاءته شكوى من شاه إيران بان السيد جمال
الدين يشهر بأعماله الظالمة في بلاده ويؤلب صحف أوروبا عليه، ويطلب من السلطان عبد
الحميد ان يعمل ما استطاع على إزالة هذا الكابوس الذي يجثم على صدر كل حاكم ظالم،
وانه إذا لم يتدارك الأمر اليوم فان النار ستندلع حتى تصل إلى الآستانة.
ولم تكد هذه الشكوى تصل إلى السلطان عبد الحميد حتى تولاه الذعر والهلع، واخذ هو
وهامانه أبو الهدى، وحاشيته، في تنفيذ ما ائتمروا به. وكان أول شئ فعلوه ان سعوا في
اجتذاب السيد جمال الدين إلى الآستانة - وكان حينئذ في لندن - حتى يكون أدنى إلى
المقصلة، فبعث اليه السلوان بخطاب خلاب طلب فيه ان يأتي إلى الآستانة. فأبى السيد
في أول الأمر ان يستجيب له. فعاد السلطان وعزز خطابه الأول بخطاب أكثر مداهنة
واستعطافا، ووعده فيه بان يعود إلى أوروبا بعد (الحظوة) بالمقابلة! فخدع السيد وأجاب
الدعوة وهو لا يعلم ما خبأه له القدر من كيد السلطان وحزبه! وما كاد يصل إلى الآستانة،
حتى وضعوه في قفص من ذهب - كما وصف ذلك سائح ألماني - ولم يمكنوه من مغادرة
البلاد.
ولبثوا بعد ذلك يتحينون فرصة يهتبلونها للفتك به إلى أن جرت مقابلة بين السيد الأفغاني
وبين خديوي مصر، الخديوي عباس حلمي، فتذرعوا بها للوصول إلى ما يضمرون، فزعموا أن
وراء هذه المقابلة مؤامرة خطيرة هي خلع الخلافة عن السلطان عبد الحميد، واعطاؤها
إلى عباس حلمي خديوي مصر، وبذلك تصبح عباسية، بعد ان كانت عثمانية. وجعلوا
ثالث المتآمرين في ذلك السيد عبد الله نديم إذ عزوا اليه انه هو الذي جمع بين الخديوي عباس
وبين السيد جمال الدين.
وقد روى هذا الأمر احمد شفيق باشا، المصري، في كتابه (مذكراتي في نصف قرن) فقال:
(ان الخديوي عباس حلمي الثاني لم زار الآستانة في سنة 1893 للمرة الأولى بعد ولايته كان
شديد الرغبة في مقابلة السيد جمال الدين الأفغاني، لما كان يسمع عنه في مصر، فأرسل اليه
مصطفى أفندي الحصري المصري لتحديد موعد المقابلة، فأفهمه السيد جمال الدين، ان
هذه المقابلة لن تكون الا بعد اذن السلطان! فاستأذن الخديوي السلطان غير مرة دون
جدوى).
(وذات يوم بينما كان الخديوي ممتطيا جواده متنزها في الكاغد خانة قابل السيد جمال الدين،
وعرفه بنفسه، ومكثا نحو ساعة يتجاذبان أطراف الحديث. فوصل الخبر إلى السلطان،
211
أول محرم سنة 1288. هذا مجمل امره في الآستانة، وما ذكره سليم
العنحوري في شرح شعره المسمى (سحر هاروت) مما يخالف ذلك خلط من
الباطل لا شائبة للحق فيه. مال السيد جمال الدين إلى مصر على قصد
التفرج بما يراه من مظاهرها ومناظرها، ولم تكن له عزيمة على الإقامة بها
حتى لاقى صاحب الدولة رياض باشا، فاستمالته مساعيه إلى المقام
وأجرت عليه الحكومة وظيفة الف قرش مصري كل شهر (1) نزلا أكرمته به
لا في مقابلة عمل واهتدى اليه بعد الإقامة كثير من طلبة العلم واستوروا
زنده فاورى واستفاضوا بحره ففاض درا وحملوه على تدريس الكتب فقرأ
من الكتب العالية في فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية طبيعية وعقلية
وفي علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم أصول الفقه الاسلامي وكانت
مدرسته بيته من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم ولم يذهب إلى الأزهر مدرسا
ولا يوما واحدا نعم كان يذهب اليه زائرا وأغلب ما كان يزوره يوم
الجمعة. عظم امر الرجل في نفوس طلاب العلوم واستزجلوا فوائد الأخذ
عنه وأعجبوا بدينه وأدبه وانطلقت الألسن بالثناء عليه وانتشر صيته في
الديار المصرية ثم وجه عنايته لحل عقل الأوهام عن قوائم العقول فنشطت لذلك
الباب واستضاءت بصائر وحمل تلامذته على العمل في الكتابة وانشاء
الفصول الأدبية والحكمية والدينية، فاشتغلوا على نظره وبرعوا وتقدم فن
الكتابة في مصر بسعيه، وكان أرباب القلم في الديار المصرية القادرون على
الإجادة في المواضيع المختلفة منحصرين في عدد قليل وما كنا نعرف منهم
الا عبد الله فكري باشا وخيري باشا ومحمد باشا وسيد احمد، على ضعف
فيه ومصطفى باشا وهبي، على اختصاص فيه، ومن عدا هؤلاء فاما
ساجعون في المراسلات الخاصة، واما مصنفون في بعض الفنون العربية أو
الفقهية وما شاكلها. ومن عشر سنوات ترى كتبة في القطر المصري لا يشق
غبارهم ولا يوطأ مضمارهم وأغلبهم احداث في السن شيوخ في الصناعة،
وما منهم الا من اخذ عنه أو عن أحد تلامذته أو قلد المتصلين به، ومنكر
ذلك مكابر وللحق مدابر. هذا ما حسده عليه أقوام واتخذوا سبيلا للطعن
عليه من قراءته بعض الكتب الفلسفية، اخذا بقول جماعة من المتأخرين في
تحريم النظر فيها، على أن القائلين بهذا القول لم يطلقوه، بل قيدوه
بضعفاء العقول قصار النظر خشية على عقائدهم من الزيغ، اما الثابتون في
ايمانهم فلهم النظر في علوم الأولين والآخرين من موافقين لمذاهبهم أو
مخالفين، فلا يزيدهم ذلك الا بصيرة في دينهم وقوة في يقينهم، ولنا في
أئمة الملة الاسلامية الف حجة تقوم على ما نقول، ولكن تمكن الحاسدون
من نسبة ما أودعته كتب الفلاسفة إلى رأي هذا الرجل وأذاعوا ذلك بين
العامة، ثم أيدهم أخلاط من الناس من مذاهب مختلفة كانوا يطرقون
مجلسه فيسمعون ما لا يفهمون، ثم يحرفون في النقل عنه ولا يشعرون، غير أن
هذا كله لم يؤثر في مقام الرجل من نفوس العقلاء العارفين بحاله، ولم
يزل شأنه في ارتفاع والقلوب عليه في اجتماع إلى أن تولى خديوية مصر
حضرة خديويها المغفور له توفيق باشا، وكان السيد من المؤيدين لمقاصده
الناشرين لمحامده، الا ان بعض المفسدين ومنهم (مستر فيفيان) قنصل
انكلترا الجنرال سعى فيه لدى الجناب الخديوي ونقل المفسد عنه ما الله
يعلم أنه برئ منه حتى غير قلب الخديوي عليه، فأصدر امره باخراجه من
القطر المصري هو وتابعه أبو تراب، ففارق مصر إلى البلاد الهندية سنة
1296 وأقام بحيدرآباد الدكن، وفيها كتب هذه الرسالة في نفي مذهب
الدهريين، ولما كانت الفتنة الأخيرة بمصر دعي من حيدرآباد إلى كلكتة
وألزمته حكومة الهند بالإقامة فيها حتى انقضى امر مصر وفثأت الحرب
الانكليزية، ثم أبيح له الذهاب إلى اي بلد فاختار الذهاب إلى أوروبا،
وأول مدينة اصعد إليها مدينة لوندرة أقام بها أياما قلائل ثم انتقل منها إلى
باريز وأقام بها ما يزيد على ثلاث سنوات وافيناه في أثنائها، ولما كلفته جمعية
العروة الوثقى ان ينشئ جريدة تدعو المسلمين إلى الوحدة تحت لواء
الخلافة الاسلامية أيدها الله، سألني ان أقوم على تحريرها، فأجبت، ونشر
من الجريدة ثمانية عشر عددا، وقد اخذت من قلوب الشرقيين عموما
والمسلمين خصوصا ما لم يأخذه قبلها وعظ واعظ ولا تنبيه منبه، ثم قامت
الموانع دون الاستمرار في إصدارها حيث قفلت أبواب الهند عنها،
واشتدت الحكومة الانكليزية في اعنات من تصل إليهم فيه. ثم بقي بعد
ذلك مقيما بأوروبا أشهرا في باريز وأخرى في لندرة إلى أوائل شهر جمادي
الأولى سنة 1303، وفيه رجع إلى البلاد الإيرانية اه. وفي تعليق الأمير
شكيب أرسلان على حاضر العالم الاسلامي قد زعم (ويلفريد سكافن
بلوتت) وهو مما لم يذكره غيره من مترجميه ان جمال الدين ذهب من الهند إلى
أمريكا، وانه منها جاء إلى لندرة سنة 1883 قال: وذكر (غولد سيهر)
مناقشة جمال الدين مع رنان في امر قابلية الاسلام للعلم، فقال ما يأتي
بالحرف:
(وقد فتحت له أشهر الجرائد وأعظمها نفوذا أبواب المراسلة فنشر فيها
مقالات ممتعة عظيمة القيمة على السياسة الشرقية التي كانت تتنازعها
انكلترة وروسيا، وعلى أحوال تركيا ومصر، وعلى معنى حركة المهدي
السوداني. وفي ذلك الوقت جرت بينه وبين أرنست رنان المناظرة التي
أساسها محاضرة ألقاها رنان في السور بون على الاسلام والعلم، فجمال
الدين الذي أراد تفنيد مزاعم رنان بعدم قابلية الاسلام للتوليد العلمي،
وذلك في مقالة في جريدة (الدبا) ترجمت إلى الألمانية. ثم بعد ذلك بقليل
عربت محاضرة رنان. - مصحوبة برد من قلم حسن أفندي
عاصم) الخ.. وقال الأمير شكيب أيضا: وأول أثر ظهر لجمال الدين في
ميدان السياسية هو الحركة التي هبت في أواخر أيام الخديوي إسماعيل باشا،
و آلت إلى خلعه من الخديوية، وكان للسيد اليد الطولى فيها، ولما جلس
توفيق باشا على كرسي مصر شكر لجمال الدين مساعيه، لكن لم يطل الامر
حتى دبت عقارب السعاية في حقه، وجاء من دس إلى الخديوي الجديد
ان السيد لم يقف عند هذا الحد، وقد تحدثه نفسه بثورة ثانية وبإقامة حكم
جمهوري وما أشبه ذلك، فصدر الامر فجأة بنفي جمال الدين، وأخرج إلى
السويس ومنها ذهب إلى الهند، ولم يدخل بعدها مصر. وجرت الحركة



فأحضر لديه السيد جمال الدين وقال له: أتريد ان تجعلها عباسية؟؟ (اي يسند الخلافة إلى
عباس)، فرد عليه جمال الدين بان الخلافة ليست خاتما في إصبعه يضعه في اي مكان
بريد!!
ولكي يحكم المتآمرون تدبير مكيدتهم نشروا بين الناس هذين البيتين، وارجفوا بان السيد
جمال الدين قد أنشدهما للخديوي، وهما
شاد الخلافة في بني العباس * عباس لكن نعته السفاح
ولانت خير مملك ستشيدها * بالبشر يا عباس يا صفاح
ولم يكد السيد عبد الله نديم يسمع هذين البيتين حتى عارضهما ببيتين على لسان أبي الهدى
وهما:
هي الخلافة أرجوها وبرجوني * فأين وعدكما في خان شيخون
(1) في تعليق الأمير شكيب أرسلان على كتاب حاضر العالم الاسلامي: فأجرت الحكومة المصرية
عليه معاشا شهريا 13 الف قرش اه‍ ولعل الصواب معاشا سنويا بدل شهريا لتنفق
الروايات.
212
العرابية في غيابه، وأحتل الإنكليز مصر. ثم يقول: وفي سنة 1885
ذهب جمال الدين إلى أوروبا، وأول مدينة صعد إليها لندرة، ثم تحول منها
إلى باريز حيث وافاه الشيخ محمد عبده أكبر تلاميذه، وأكمل وعاة علومه،
فأصدر فيها (العروة الوثقى) التي بلغت من أيقاظ الشرق وهز أعصاب
العالم الاسلامي ما لم تبلغه صحيفة سيارة قبلها ولا بعدها، ولكن لم
يسعفهما الوقت ان يصدرا منها الا بضعة عشر عددا، فعاد الشيخ محمد
عبده إلى بيروت حيث كان منفاه على اثر الحادثة العرابية، وبقي جمال
الدين في أوروبا يجول في مدنها ويجالس أهل العلم فيها، ثم عاد إلى
إيران.
وهنا اختلفت الرواية فيما علقه الأمير شكيب على الكتاب المذكور في
سبب عوده إليها، فعلى رواية ان الشاه اجتمع به في (ميونخ) عاصمة
(بافاريا)، فدعاه الشاه ان يكون بمعيته لما شاهده من وفرة علمه
وفضله، وتقدم اليه في الذهاب معه إلى طهران، فلبى السيد دعوته.
وعلى رواية أخرى ان الشاه ناصر الدين دعاه بالبرق سنة 1886 م إلى
حاضرة ملكه طهران، فأكرم مثواه وبالغ في الاحتفاء به، ولكن خشية
الرقباء حملت جمال الدين على الاستئذان من الشاه والذهاب إلى الروسية
حيث أقام مدة وصارت له علاقات كثيرة اه.
ويفهم مما كتبه السيد صالح
الشهرستاني في مجلة العرفان نقلا عن الميرزا صادق خان البروجردي - أحد
أصحاب السيد جمال الدين - ان خروجه إلى الروسية كان بأمر من ناصر
الدين شاه سنة 1304 والله أعلم. وقال الميرزا صادق: وفي أواخر عام
1307 وأوائل عام 1308 عاد إلى طهران من روسية ونزل في دار الحاج
محمد حسن كمباني امين دار الضرب، وكان في جميع مجالسه وأحاديثه ينتقد
السلطان ناصر الدين ووزيره يومئذ ميرزا علي أصغر خان الملقب امين
السلطان، ويدعو إلى الاصلاح ومقاومة الاستبداد، وبلغ ذلك الوزراء
فأبلغوه الشاه وأقنعوه باصدار أوامره سرا إلى الحاج محمد حسن كمباني
ليعتذر من السيد جمال الدين بعذر مشروع في مفارقته ليخرج من داره فأخبر
صاحب الدار بان أخاه التاجر في أوروبا مريض ويضطره ذلك إلى السفر
لملاحظته، فعرف المترجم مقصوده وأجابه بأنني أيضا لا ارغب في البقاء في
طهران، وسافر في اليوم الثاني إلى مشهد السيد عبد العظيم الذي يبعد عن
طهران نحوا من فرسخ، فبقي فيه ما يزيد عن سبعة أشهر لا يفتر فيها عما
كان يبثه في طهران، وبالطبع كان ذلك كله يبلغ مسامع ناصر الدين
ووزرائه، فأمر بابعاده إلى كرمانشاه ومنها إلى خارج إيران - العراق - وفي
ليلة من ليالي شعبان سنة 1308 جاء اليه المدعو آقا باقر خان سردار مع
ستة من أهل البلد وأخبره بان الشاه لا يرى صلاحا في بقائه بإيران وان
الحصان حاضر فليتفضل ويركبه، فأجابه بأني أنا كنت غير راغب في
المجئ إلى طهران والبقاء فيها، ولكن الشاه نفسه هو الذي أصر علي
بالمجئ إليها، ولا تزال كتبه الكثيرة التي يدعوني فيها للعودة إلى إيران
محفوظة عندي، وطلب ان يسمح له بزيارة عبد العظيم فسمح له بذلك،
فلما دخل المشهد أطال المكث فيه، فأمر باقر خان من معه باخراجه قهرا،
فأخرج بصورة قبيحة، وقد صادفوه خارجا.
هذه رواية تلميذه الميرزا صادق البروجردي التي رواها عنه السيد
صالح الشهرستاني، والذي يلوح انه احتمى بمشهد عبد العظيم وامتنع عن
الخروج فأخرج قهرا بتلك الصورة وكتابه إلى الميرزا الشيرازي الآتي يصرح
بذلك، حيث يقول فيه: امر بسحبي من حضرة عبد العظيم،
وأما غير ميرزا صادق من مؤرخي الإيرانيين وغيرهم فيقولون: ان
الشاه أرسل خمسمائة فارس من الجنود فقبضوا عليه وساقوه إلى قم،
وصحبه منهم هناك خمسون فارسا إلى كرمانشاه ثم إلى ما وراء الحدود
الإيرانية. والذي يلوح ان رواية الخمسمائة الفارس مبالغ فيها مبالغة يراد
بها تعظيم امره، والا فلا نظن أن مثل ذلك يحتاج إلى أكثر من عشرة
جنود، فان زاد فإلى خمسين، والذي يظهر ان الذين أخرجوه من المشهد
هم الستة من أهل البلد وأخذوه من هناك إلى دار الحكومة، ومنها اصحبوه
ببعض الجند والله أعلم. ثم أوصلوه إلى خانقين، ومن هناك استلمته
الشرطة العثمانية حتى أوصلته إلى بغداد ثم ارسل إلى البصرة. وكان ذلك
في سنة ورودنا إلى النجف لطلب العلم وهي سنة 1308. وكتب وهو في
البصرة كتابا إلى الميرزا الشيرازي بالعربية الفصيحة - مما يدل على أنه كان قد
اتقنها، وذلك دليل علو همته - يستفزه فيه ويستصرخه ويحمسه ويستنجده
بأنواع العبارات المهيجة المؤثرة في النفوس، وشاع هذا الكتاب في ذلك
الوقت وجاءت نسخته إلى النجف وقرأناه وقرأه الناس، ولكن الميرزا
الشيرازي لم يظهر منه شئ في هذا الباب من أجل هذا الكتاب، وهذه
صورته:
كتاب السيد جمال الدين للميرزا الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم. حقا أقول: ان هذا الكتاب خطاب إلى
روح الشريعة المحمدية أينما وجدت وحيثما حلت، وضراعة تعرضها الأمة
على نفوس زكية تحققت بها شؤونها كيفما نشأت، وفي اي قطر نبغت، الا
وهم العلماء فأحببت عرضه على الكل وان كان عنوانه خاصا.
حبر الأمة، وبارقة أنوار الأئمة، دعامة عرش الدين، واللسان
الناطق عن الشرع المبين، الحاج الميرزا حسن الشيرازي صان الله به حوزة
الاسلام، ورد به كيد الزنادقة اللئام.
لقد خصك الله بالنيابة عن الحجة الكبرى، واختارك من العصابة
الحقة وجعل بيدك أزمة سياسة الأمة بالشريعة الغراء. وحراسة حقوقها
بها، وصيانة قلوبها عن الزيغ والارتياب فيها، وأحال إليك من بين الأنام
وأنت وارث الأنبياء مهام أمور تسعد بها الملة في دارها الدنيا، وتحظى بها في
العقبى، ووضع لك أريكة الرياسة العامة على الأفئدة والنهى، إقامة
لدعامة العدل، وإنارة لمحجة الهدى، وكتب عليك بما أولاك به من السيادة
على خلقه حفظ الحوزة، والذود عنها والشهادة دونها على سنن من مضى،
وان الأمة قاصيها ودانيها، وحاضرها وباديها، ووضيعها وعاليها، قد
أذعنت لك بهذه الرياسة السامية الربانية، جاثية على الركب، خارة على
الأذقان تطمح نفوسها إليك في كل حادثة تعروها، وتطل بصائرها عليك
في كل مصيبة تمسها وهي ترى ان خيرها وسعدها منك، وان فوزها
ونجاتها بك، وان أمنها وأمانيها فيك، فإذا لمح منك غض نظر، أو
نأيت بجانبك لحظة، وأهملتها وشأنها لمحة، ارتجفت أفئدتها، وانتكثت
عقائدها وزغات ابصارها، وانهدت دعائم ايمانها، نعم لا برهان للعامة فيما
دانوا، الا استقامة الخاصة فيما أمروا، فان وهن هؤلاء في فريضة أو قعد
بهم الضعف عن إماطة منكر، اعتور أولئك الظنون والأوهام ونكص كل
على عقبيه مارقا عن الدين القويم، حائدا عن الصراط المستقيم. وبعد
هذا وذاك أقول: ان الأمة الإيرانية بما دهمها من عراقيل الحوادث التي آذنت باستيلاء

213
الضلال على بيت الدين، وتطاول الأجانب على حقوق المسلمين، ووجوم
الحجة الحق (إياك أعني) عن القيام بناصرها، وهو حامل الأمانة
والمسؤول عنها يوم القيامة، قد طارت نفوسها شعاعا، وطاشت عقولها
وتاهت أفكارها، ووقفت موقف الحيرة وهي بين انكار واذعان، وجحود
وايقان، لا تهتدي سبيلا وهامت في بيداء الهواجس، في عتمة الوساوس،
ضالة عن رشدها لا تجد اليه دليلا، واخذ القنوط بمجامع قلوبها، وسد
دونها أبواب رجائها وكادت تختار - يأسا منها - الضلالة على الهدى،
وتعرض عن محجة الحق وتتبع الهوى، وان آحاد الأمة لا يزالون يتساءلون
شاخصة أبصارهم عن أسباب قضت على حجة الاسلام (إياك أعني)
بالسبات والسكوت وحتم عليه ان يطوي الكشح عن إقامة الدين على
أساطينه واضطره إلى ترك الشريعة وأهلها إلى أيدي زنادقة يلعبون بها كيف
ما يريدون ويحكمون فيها بما يشاؤون، حتى أن جماعة من الضعفاء زعموا
ان قد كذبوا، وظنوا في الحجة ظن السوء. وحسبوا ان الامر أحبولة
الحذق، وأسطورة المذق، وذلك لأنها ترى - وهو الواقع - ان لك الكلمة
الجامعة، والحجة الساطعة، وان امرك في الكل نافذ، وليس لحكمك في
الأمة منابذ، وانك لو أردت ان تجمع آحاد الأمة بكلمة منك وهي كلمة
تنبثق من كيان الحق إلى صدر أهله لترهب به عدو الله وعدوهم وتكف
عنهم شر الزنادقة، وتزيح ما حاق بهم من العنت والشقاء، وتنشلهم من
ضنك العيش إلى ما هو أرغد وأهنأ فيصير الدين بأهله منيعا حريزا،
والاسلام بحجته رفيع المقام عزيزا هذا هو الحق انك رأس العصابة الحقة،
وانك الروح الساري في آحاد الأمة، فلا يقوم قائم الا بك، ولا تجتمع
كلمتهم الا عليك لو قمت بالحق نهضوا جميعا ولهم الكلمة العليا، ولو
قعدت تثبطوا وصارت كلمتهم هي السفلى، ولربما كان هذا السير والدوران
حينما غض حبر الأمة طرفه عن شؤونهم، وتركهم هملا بلا راعي، وهمجا
بلا رادع ولا داع يقيم لهم عذرا فيما ارتابوا، خصوصا لما رأوا ان حجة
الاسلام قد اتقى فيما أطبقت الأمة خاصتها وعامتها على وجوبه، وأجمعت
على حظر الاتقاء فيه خشية لغوبه، الا وهو حفظ حوزة الاسلام، الذي به
بعد الصيت، وحسن الذكر، والشرف الدائم والسعادة التامة، ومن
يكون أليق بهذه المزايا وأحرى بها ممن اصطفاه الله في القرن الرابع عشر،
وجعله برهانا لدينه وحجة على البشر.
أيها الحبر الأعظم! ان الملك قد وهنت مريرته فساءت سيرته
وضعفت مشاعره فقبحت سريرته، فعجز عن سياسة البلاد وإدارة مصالح
العباد، فجعل زمام الأمور كلها وجزئيها بيد... أثيم غشوم، ثم بعد
ذلك... يسب الأنبياء في المحافل جهرا، ولا يقيم لشريعة الله امرا،
ولا يرى لرؤساء الدين وقرا، يشتم العلماء، ويقذف الأتقياء، ويهين
السادة الكرام، ويعامل الوعاظ معاملة اللئام، وانه بعد رجوعه من البلاد
الإفرنجية قد خلع العذار وتجاهر... وموالاة الكفار ومعاداة
الأبرار هذه أفعاله الخاصة في نفسه ثم إنه باع الجزء الأعظم من البلاد
الإيرانية ومنافعها لأعداء الدين المعادن والسبل الموصلة إليها والطرق
الجامعة بينها وبين تخوم البلاد والخانات التي تبنى على جوانب تلك المسالك
الشاسعة التي تتشعب فروعها إلى جميع ارجاء المملكة وما يحيط بها من
البساتين والحقول نهر كارون والفنادق التي تنشأ على ضفتيه إلى المنبع وما
يستتبعها من الجنائن والمروج والجادة من الأهواز إلى طهران وما على أطرافها
من العمران والفنادق والبساتين والحقول والتنباك وما يتبعه من المراكز
ومحلات الحرث وبيوت المستحفظين والحاملين والبائعين انى وجد وحيث
نبت وحكر العنب للخمور وما يستلزمه من الحوانيت والمعامل والمصانع في
جميع أقطار البلاد والصابون والشمع والسكر ولوازمها من المعامل والبنك وما
ادراك ما البنك وهو اعطاء الأهالي كلية بيد عدو الاسلام واسترقاقه لهم
واستملاكه إياهم وتسليمهم له بالرياسة والسلطان، ثم إن الخائن البليد
أراد ان يرصي العامة بواهي برهانه فحبق قائلا، ان هذه معاهدات زمانية
ومقاولات وقتية، لا تطول مدتها أزيد من مائة سنة، يا لله من هذا
البرهان الذي سوله خرق الخائنين، وعرض الجزء الباقي على الدولة
الروسية حقا لسكوتها لو سكتت مرداب رشت وأنهر طبرستان والجادة من
انزلي إلى خراسان وما يتعلق بها من الحدود والفنادق والحقول، ولكن الدولة
الروسية شمخت بأنفها وأعرضت عن قبول تلك الهدية، وهي عازمة على
استملاك خراسان والاستيلاء على آذربيجان ومازندران ان لم تنحل هذه
المعاهدات ولم تنفسخ هذه المقاولات القاضية بتسليم المملكة تماما بيد ذلك
العدو هذه هي النتيجة الأولى لخيانة هذا الأخرق، وبالجملة ان هذا المجرم
قد عرض اقطاع البلاد الإيرانية على الدول ببيع المزاد وانه يبيع ممالك
الاسلام ودور محمد وآله عليهم السلام للأجانب ولكنه لخسة طبعه ودناءة
فطرته لا يبيعها الا بقيمة زهيدة ودراهم بخسة معدودة، نعم هكذا يكون
إذا امتزجت اللامة والشره بالخيانة والسفه.
وانك أيها الحجة ان لم تقم بناصر هذه الأمة ولم تجمع كلمتهم ولم
تنزع السلطة بقوة الشرع من يد هذا الأثيم، لأصبحت حوزة الاسلام
تحت سلطة الأجانب يحكمون فيها ما يشاؤون، ويفعلون فيها ما يريدون،
وإذا فاتتك هذه الفرصة أيها الحبر ووقع الامر وأنت حي لما أبقيت ذكرا
جميلا بعدك في صحيفة العالم وأوراق التواريخ وأنت تعلم أن علماء إيران
كافة والعامة بأجمعهم ينتظرون منك - وقد حرجت صدورهم وضاقت
قلوبهم - كلمة واحدة ويرون سعادتهم بها ونجاتهم فيها، ومن خصه الله
بقوة كيف يسوغ له ان يفرط فيها ويتركها سدى. ثم أقول للحجة قول
خبير بصير: ان الدولة العثمانية تتبجح بنهضتك على هذا الامر وتساعدك
عليه لأنها تعلم أن مداخلة الإفرنج في الأقطار الإيرانية واستيلاءها عليها
تجلب الضرر إلى بلادها لا محالة، وان وزراء إيران وأمراءها كلهم
يبتهجون بكلمة تنبض بهذا الشأن، لأنهم بأجمعهم يعافون هذه
المستحدثات طبعا ويسخطون من هذه المقاولات جبلة، ويجدون بنهضتك
مجالا لابطالها وفرصة لكف الشره الذي رضي بها وقضي عليها، ثم إن
العلماء - وان كان كل صدع بالحق وجبه هذا الأخرق الخائن بسوء اعماله -
ولكن ردعهم للزور وزجرهم عن الخيانة ونهرهم المجرمين ما قرت كسلسلة
المعدات قرارا ولا جمعتها وحدة المقصد في زمان واحد، وهؤلاء لتماثلهم في
مدارج العلوم وتشاكلهم في الرياسة وتساويهم في الرتب غالبا عند العامة،
لا ينجذب بعضهم إلى بعض، ولا يصير أحد منهم لصقا للآخر ولا يقع
بينهم تأثير الجذب وتأثر الانجذاب، حتى تتحقق هيأة وحدانية وقوة جامعة
يمكن بها دفع الشر وصيانة الحوزة، كل يدور على محوره وكل يردع الزور
وهو في مركزه هذا هو سبب الضعف عن المقاومة، وهذا هو سبب قوة
المنكر والبغي.
وانك وحدك أيها الحجة بما أوتيت من الدرجة السامية و المنزلة الرفيعة
علة فعالة في نفوسهم، وقوة جامعة لقلوبهم، وبك تنتظم القوى المتفرقة
الشاردة وتلتئم القدر المتشتتة الشاذة، وان كلمة تأتي منك بوحدانية تامة،

214
يحق لها ان تدفع الشر المحدق بالبلاد، وتحفظ حوزة الدين، وتصون بيضة
الاسلام، فالكل منك وبك واليك، وأنت المسؤول عن الكل عند الله
وعند الناس.
ثم أقول إن العلماء والصلحاء في دفاعهم فرادى عن الدين وحوزته قد
قاسوا من ذلك... شدائد ما سبق لها منذ قرون مثيل وتحملوا لصيانة
بلاد المسلمين عن الضياع وحفظ حقوقهم عن التلف كل هوان وكل صغار
وكل فضيحة! ولا شك ان حبر الأمة قد سمع ما فعله أدلاء الكفر وأعوان
الشرك بالعالم الفاضل الصالح الواعظ الحاج ملا فيض الله الدربندي،
وستستمع قريبا ما فعله الطغاة الجفاة بالعالم المجتهد التقي البار الحاج
السيد علي أكبر الشيرازي، وستحيط علما بما فعله بحماة الملة والأمة من
قتل وكي وضرب وحبس ومن جملتهم الشاب الصالح الميرزا محمد رضا
الكرماني الذي قتله ذلك... في الحبس، والفاضل الكامل البار الحاج
سياح، والفاضل الأديب النيجب الميرزا محمد علي خان، والفاضل المتفنن
اعتماد السلطنة وغيرهم.
وأما قصتي وما فعله ذلك... الظلوم معي، فمما يفتت أكباد أهل
الأيمان ويقطع قلوب ذوي الايقان، ويقضي بالدهشة على أهل الكفر
وعبدة الأوثان، ان ذلك اللئيم امر بسحبي وانا متحصن بحضرة عبد
العظيم عليه السلام في شدة المرض على الثلج إلى دار الحكومة بهوان وصغار
وفضيحة لا يمكن ان يتصور مثلها في الشناعة، هذا كله بعد النهب
والغارة، إنا لله وإنا إليه راجعون ثم حملتني زبانيته الأوغاد وانا مريض على
برذون مسلسلا في فصل الشتاء وتراكم الثلوج والرياح الزمهريرية،
وساقتني جحفلة من الفرسان إلى خانقين، وصحبني جمع من الشرطة إلى
بغداد، ولقد كاتب الوالي من قبل والتمس منه ان يبعدني إلى البصرة علما
منه انه لو تركني ونفسي لاتيتك أيها الحبر وبثثت لك شأنه وشأن الأمة
وشرحت لك ما حاق ببلاد الاسلام من شر هذا... ودعوتك أيها
الحجة إلى عون الدين، وحملتك على إغاثة المسلمين وكان على يقين اني لو
اجتمعت بك لا يمكنه ان يبقى على دست وزارته المؤسسة على خراب
البلاد، وإهلاك العباد، واعلاء كلمة الكفر، ومما زاده لؤما على لؤمه
ودناءة على دناءته انه دفعا لثرثرة العامة وتسكينا لهياج الناس نسب تلك
العصابة التي ساقتها غيرة الدين وحمية الوطن إلى المدافعة عن حوزة
الاسلام، وحقوق الأهالي بقدر الطاقة والإمكان إلى الطائفة البابية كما
أشاع بين الناس أولا قطع الله لسانه اني كنت غير مختون، وا اسلاماه! ما
هذا الضعف، ما هذا الوهن؟ كيف أمكن ان صعلوكا دنئ النسب،
ووغدا خسيس الحسب، قدر ان يبيع المسلمين وبلادهم بثمن بخس
دراهم معدودة، ويزدري العلماء ويهين السلالة المصطفوية ويبهت السادة
المرتضوية البهتان العظيم، ولا يد قادرة تستأصل هذا الجذر الخبيث،
شفاء لقلوب المؤمنين، وانتقاما لآل سيد المرسلين عليه السلام، ثم لما
رأيت نفسي بعيدا عن تلك الحضرة أمسكت عن بث الشكوى، ولما قدم
العالم المجتهد القدو الحاج السيد علي أكبر إلى البصرة طلب مني ان اكتب
إلى الحبر الأعظم كتابا أبث فيه هذه الغوائل والحوادث والكوارث،
فبادارت اليه امتثالا وعلمت ان الله تعالى سيحدث بيدك امرا، والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته.
السيد الحسيني
ويقول الأمير شكيب في تعليقه على حاضر العالم الاسلامي فكان هذا
النداء من أعظم أسباب الفتوى التي أفتاها ذلك الامام ببطلان هذا
الامتياز، واضطرت الحكومة الفارسية خوف انتقاض العامة إلى الغائه
اه‍.
ولكن الحقيقة ان الميرزا الشيرازي أفتى بتحريم تدخين التنباك حينما
بلغه اعطاء الامتياز إلى الدولة البريطانية قبل ان يرسل له السيد جمال الدين
هذا الكتاب ولم يكن افتاؤه بتأثير كتاب جمال الدين، ولو لم يكن له مؤثر
ديني من نفسه عظيم لم يؤثر فيه كتاب جمال الدين، ولكن الناس اعتادوا
إذا مالوا إلى شخص ان يسندوا كل وقائع العالم اليه.
وجاء في بعض أسفاره إلى البحرين ولعله ذهب إليها من البصرة
فنزل في دار بعض تجارها وذهب إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أمير
البحرين ثم عاد من مجلسه وسافر بعد يومين. وكان يذم الشيخ ويتأسف
على رئاسة أمثاله على المسلمين. (قال) الأمير شكيب وكان السلطان عبد
الحميد قد دعا السيد جمال الدين إلى الآستانة وذلك في سنة 1892 فجاءها
وكانت هذه المرة الثانية لدخوله هذه العاصمة. إذ كان قد عرف الآستانة
مرة قبلها في زمن السلطان عبد العزيز اه (أقول) ان صح انه دخل
الآستانة مرة قبلها في زمن عبد العزيز كانت هذه المرة الثالثة لدخوله إياها
فإنه قد دخلها في زمن عبد الحميد مرتين يقينا ففي المرة الأولى جاءها من
الهند فأقام بها بين سنة ونصف وسنتين والمرة الثانية دخلها بعد رجوعه من
مصر إلى إيران ونفي ناصر الدين له سنة 1308 واستدعاء عبد الحميد له
ربما كان في المرة الثانية قال: ولما ورد السيد جمال الدين الآستانة أنزله
السلطان منزلا كريما في دار ضيافة خصه بها في نشاش طاش، وأجرى عليه
الأرزاق الوافرة، وكان يدخل على السلطان ويصلي صلاة الجمعة معه.
وقال: ومضت مدة وجمال الدين حظي عند السلطان عبد الحميد وكان الجو
لم يصف بينه وبين الشيخ أبي الهدى الصيادي فأنشأ ذلك اجل القصص
والوشايات بحقه إلى السلطان ولكن السلطان بحسب قول جمال الدين - لم
يحفل بهذه الوشاية. وهذا الخلاف مع أبي الهدى لم يزعزع مكانة جمال
الدين من السلطان وربما زاد لديه زلفى، وانما أدى إلى وحشة السلطان منه
استمراره في مجالسه التي كانت تنتابها الناس دائما على القدح في شاه العجم
فحمل ذلك سفير إيران على رفع الشكوى إلى السلطان فاستدعى السلطان
اليه جمال الدين وقال له ان السفير سألني ان أتكلم معك في الكف عن
الوقيعة في الشاه وانا بناء على املي فيك وعدته بأنك تكف عنه، قال
شكيب: وقد روى لي السيد هذه القصة عندما رجعت من أوروبا إلى
الآستانة في أواخر سنة 1892 فقال لي هكذا بالحرف: (فقلت للسلطان ما
كنت ناويا ان اترك شاه العجم حتى أنزله في قبره، ولكن بعد ان امر أمير
المؤمنين بالكف عنه فلا بد من طاعته).
ثم ذكر الأمير شكيب ان رجلا إيرانيا بأبي المذهب اسمه آقا رضا خان
وجد مع جمال الدين في حبس قزوين وتأكدت بينهما المودة فبعد مجئ جمال
الدين إلى الآستانة زاره هذا الرجل فيها وان جمال الدين حمله على قتل الشاه
فذهب فقتله وقال له ما ترجمته: خذها من يد جمال الدين، فسر جمال
الدين لقتل الشاه في كلام طويل هذا حاصله، فغضب السلطان عبد
الحميد غضبا شديدا لقتل الشاه وشدد المراقبة على المترجم، فأرسل إلى

215
فيس موريس مستشار سفارة انكلترة يلتمس منه ايصاله إلى باخرة ليخرج
من الآستانة فتعهد له بذلك وان السلطان ارسل إلى جمال الدين يناشده
بأسم الاسلام ان لا يمس كرامة الخليفة بطلب حماية أجنبية، فثارت في
نفسه الحمية الاسلامية وارسل إلى المستشار انه عدل عن السفر، وبعد
اشهر ظهر في حنكه مرض السرطان وجرى ما قدمناه عند ذكر سبب وفاته
اه‍.
بعض ما يؤثر عنه من الكلمات القصار
ذكرها الشهرستاني فيما كتبه في العرفان: من لا معاش له لا معاد
له. اعرف ربك. حب وطنك. فكر في شؤون حياتك. وله كلمات
بالفارسية هذه ترجمتها: أعظم ركن في بقاء الإنسانية معرفة حقوق ذوي
الحقوق. أطلب الراحة لرفقائك وتحمل المشاق في سبيلهم ان وطننا العزيز
إيران يسير في سياسته في طريق معوج وفي ديانته في طريق معوج. أيها
الناس تمسكوا بحقائق الدين المحمدي ان الذي تتمسكون به الآن هو
شريعة الملالي وهي غلط فقد كتب كل ملا كتابا على مقدار تفكيره وليس
ذلك الملا مقصرا فيما كتب إذ ان مقدار تفكيره ومعلوماته كانت محدودة إلى
هذه الدرجة ولو اننا جمعنا كل هذه الكتابات وأضفناها إلى بعضها لما تمكنت
ان تزيد في عظمة الاسلام بل بالعكس تصغره اه‍ وإذا تأملت في هذا
الكلام الأخير وجدته خاليا من المعنى فحقائق الدين المحمدي اما ضرورية
أو نظرية والضرورية لا تؤخذ من الذين سماهم الملالي والنظرية لا سبيل
إلى معرفتها الا من العلماء فقوله الذي تتمسكون به هو شريعة الملالي وهي
غلط غلط.
مؤلفاته
(1) تاريخ الأفغان (2) انتقاد الفلاسفة الطبيعيين، طبعا بمصر
غير مرة (3) رسالة الرد على الدهريين ألفها في حيدرآباد الدكن بالفارسية
ونقلها من الفارسية إلى العربية الشيخ محمد عبده بمساعدة أبي تراب
صاحب جمال الدين الذي سماه عارف أفندي الأفغاني أبا تراب، والظاهر أن
أفغانيته كأفغانية جمال الدين، فكان أبو تراب يترجمها من الفارسية إلى
العربية ومحمد عبده يضع عباراتها، مطبوعة بمصر (4) مجموعة جريدة
العروة الوثقى بمشاركة الشيخ محمد عبده مطبوعة في مجلد (5) حقائق
جمالي (الحقائق الجمالية) فارسي، يقول السيد صالح الشهرستاني عن
الميرزا صادق خان البروجردي انه فقد بعض ابعاده من مشهد عبد العظيم
وكان يلقي منه دروسا على خواص تلاميذه الذين كنت انا أحدهم.
تلاميذه
أشهرهم الشيخ محمد عبده الشهير مفتي الديار المصرية فهو قد تخرج
به وصحبه وكان صديقه الحميم وصاحبه في السراء والضراء ومن تلاميذه
السيد عبد الله نديم. ومنهم الميرزا صادق خان البروجردي كما حكاه عنه
السيد صالح الشهرستاني وغيرهما كثيرون من المشاهير.
الشيخ جمال الدين الطبرسي
في روضات الجنات: فاضل فقيه نسب اليه الشهيد الثاني في رسالة
الجمعة كتابا سماه (نهج العرفان) وينقل عنه اه‍.
الشيخ جمال الدين الطريحي النجفي
يأتي بعنوان جمال الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح.
السيد جمال الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح بن عبد القادر الحسيني
البحراني
في أمل الآمل، فاضل صالح شاعر أديب ماهر معاصر ومن شعره
ما كتبه إلي من ابيات:
أمولاي ها أنذا عبدكم * ومن بأياديك طوقته
وأغنيته بجزيل العطاء * وللبر واللطف عودته
وأعلنت من فضله كامنا * واعليت قدرا ووقرته
وعدت جميلا وأنجزته * وأوليت وواليته
فكيف بك الان أبعدته * وقد كنت من قبل قربته
السيد جمال الدين بن عبد الله بن محمد بن الحسن الحسيني الجرجاني
عن رياض العلماء: فاضل عالم محقق مدقق، له مؤلفات منها:
شرح على تهذيب الأصول للعلامة ممتزج بالمتن رايته في أسترآباد وفي تبريز
فرغ منه أواسط ربيع الآخر سنة 929 وأظن أنه من تلامذة الشيخ علي
الكركي فلاحظ اه. وفي الفوائد الرضوية: عالم فاضل مدقق محقق له
شرح تهذيب العلامة فرع منه سنة 929 والظاهر أنه معاصر للمحقق
الكركي بل من تلامذته وهو غير جمال الدين المحدث الهروي صاحب
روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب وكتاب الأربعين من
أحاديث سيد المرسلين في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام اه‍ وفي روضات
الجنات شرحه هذا على التهذيب معروف بين الأصوليين ينقلون عنه كثيرا،
وهو كتاب تحقيق واتقان عندنا منه نسخة، وعليه حواش منه عديدة
جيدة، ولعله من أحسن شروح التهذيب الموجودة بين أيدينا كالعميدي
والضياء والفخري والمنصوري وشرح الشيخ عبد النبي الجزائري وشرح
السيد مجد الدين عباد بن أحمد بن إسماعيل الحسيني وغيرها وفي النظر ان
شيخنا الشهيد الثاني ينقل عنه في بعض المواضع وفي بعض إجازات السيد
حسين بن حيدر العاملي الكركي الراوي عن شيخنا البهائي: وحدثني
الأمير أبو الولي ابن السيد المحقق الشاه محمود الانجوئي الحسيني الشيرازي
آدام الله أيامه سنة 1005 عن السيد السند الجليل الأمير صفي الدين محمد
ابن السيد العلامة جمال الدين الأسترآبادي صاحب شرح تهذيب الأصول
عن قطب المحققين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، وعليه فلا يبعد
كونه بعينه هو المذكور في بعض التراجم بعنوان السيد الصدر الأمير الكبير
جمال الدين الأسترآبادي من تلامذة المولى جلال الدين الدواني لأني رأيت
رواية أبي الولي المتقدم عن المولى المحقق مولانا خواجة جمال الدين محمود
عن العلامة الدواني. وعن المولى المحقق المدقق الشيخ منصور الشهير
براست كو شارح تهذيب الأصول أيضا عن رجل عنه، وحينئذ فلا ضرر
في تلمذ المترجم عنده أيضا ثم إنه نقل عن بعض تواريخ المتأخرين من
العجم ان السيد جمال الدين المذكور قدم هراة وقرأ هناك على المولى الشيخ
حسن الحساني في شرح اللوامع وغيره. ثم صار صدرا في دولة الشاه
إسماعيل الأول الكبير، فأراد الوزير ان يشرك معه في الصدارة الأمير
غياث الدين منصور الشيرازي المشهور لشئ جرى بينهما فلم يتفق له
ذلك، وجرى بينه وبين الأمير غياث الدين المذكور مباحثات كثيرة الا انه
لما غلب الهزل والمزاح على طبع الأمير جمال الدين كان يحصل بينهما انقطاع
دائما ولكن بالخير، ونقل أيضا عن ذلك التاريخ ان هذا السيد كان معاصرا

216
للمحقق الشيخ علي الكركي لا تلميذا له. وان الشيخ علي الكركي لما
توجه إلى حضرة السلطان من ديار العرب أول مرة كان الأمير جمال الدين
هذا صدرا فحصل بينهما مودة في الظاهر واتفقا على أن يقرأ الكركي عليه
أسبوعا في شرح القوشجي بشرط أن يقرأ هو أيضا على الكركي
أسبوعا في قواعد العلامة، وقدم نوبة التدريس لنفسه بحجة ان الساعة
النجومية لا تساعد في هذا الأسبوع الا على الشروع في علم الكلام فلما قرأ
عليه الكركي دروسا من الأمور العامة ودخل الأسبوع الثاني تمارض السيد
عن حضور درس القواعد ليصدق تلمذ الكركي عليه من غير عكس،
ويقال ان هذه الواقعة كانت للكركي مع الأمير غياث الدين منصور المقدم
ذكره اه‍. (أقول) قد اعتاد الكثيرون نقل أمثال هذه الحكايات في حق
أفاضل العلماء، ولسنا نطمئن بصحة أمثالها ولو صحت لكانت إلى القدح
أقرب منها إلى المدح على أنها من الأمور التافهة كما لا يخفى، ولم يستبعد
صاحب الروضات كون المترجم هو السيد جمال الدين عبد الله بن محمد بن أحمد
الحسيني النيسابوري الذي ذكره صاحب طبقات النحاة. ونقل عن
ابن حجر أنه قال في حقه. كان بارعا في الأصول والعربية درس بالأسدية
بحلب، وكان أحد أئمة المعقول حسن الشيبة يتشيع مات سنة 776 بناء
على تصحيف تسعمائة بسبعمائة (وأقول) ما نفى عنه البعد كالمقطوع
بفساده فهذا اسمه عبد الله ولقبه جمال الدين كان مدرسا بحلب وتوفي سنة
776 وذاك اسمه جمال الدين، ولو كان اسمه عبد الله ولقبه جمال الدين
لذكر، وكان بلاد العجم فما الذي جاء به إلى حلب، وكان حيا سنة
929.
السيد جمال الدين ابن السيد نور الدين علي بن علي بن الحسين بن أبي
الحسن الموسوي العاملي الجبعي وأبوه أخو صاحب المدارك.
توفي سنة 1098 في حيدرآباد الدكن من بلاد الهند.
في أمل الآمل: السيد جمال الدين ابن السيد نور الدين علي بن
علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي عالم فاضل محقق مدقق ماهر
أديب شاعر كان شريكنا في الدرس عند جماعة من مشايخنا سافر إلى مكة
وجاور بها ثم إلى مشهد الرضا عليه السلام ثم إلى حيدرآباد وهو الآن
ساكن بها مرجع فضلائها وأكابرها اه‍. وذكره في روضات الجنات في آخر
ترجمة السيد جمال الدين الحسيني الجرحاني وقال إنه ابن السيد نور الدين
أخي صاحب المدارك لأبيه وصاحب المعالم لامه من شركاء درس شيخنا
الحر العاملي كان يدور في البلاد غالبا وله أشعار كثيرة اه وذكره ابن أخيه
السيد عباس بن علي بن نور الدين الحسيني الموسوي العاملي المكي في
رحلته التي سماها (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس المطبوعة بمصر)
فقال على عادة ذلك العصر في التسجيع: امام الأفاضل ودرة تاج السادة
الأماثل عين ذوي البلاغة واللسن صاحب الذكر الجميل والثناء الحسن
السيد جمال الدين بن نور الدين بن أبي الحسن فاضل له في سائر العلوم
الباع الأطول وهمام عليه في كل المهمات المعول ان تكلم في سائر العلوم
شنف المسامع وأحيى القلوب أو لفظ إلى ساحله جواهر الألفاظ شهد له بأنه
بحر البلاغة الجوهري وأقر له ابن يعقوب و أما في النظم والنثر فإليه يشار
بالأكف بين بلغاء العصر تغرب عن وطنه مكة المشرفة إلى الهند حيث لا
ليلى ولا سعاد ولا هند ثم أقام بالدكن واختارها مقرا وسكن وما زال بها
مقيما بعز وسؤدد وجاه ومكان مكين في جانب سلطانها أبي الحسن قطب
شاه يقصده العفاة من كل مكان فيعمهم بالفضل والاحسان وما برح في
دولة ورياسة واكرام وكرم يخجل قطر الغمام إلى أن دعاه إلى قربه رب العباد
فنقله إلى الجنة من حيدرآباد اه وذكره المحبي في خلاصة الأثر فقال:
السيد جمال الدين بن نور الدين بن أبي الحسن الحسيني الدمشقي الأديب
الشاعر الذي كان الطف أبناء وقته دماثة خلق وخلق وحسن معاشرة لطيف
الصحبة شهي النكتة والنادرة قرأ بدمشق وحصل وحضر مجلس العلامة
السيد محمد بن حمزة نقيب الاشراف فأخذ عنه من المعارف ما تنافست عليه
به الآراء ثم هاجر إلى مكة وأبوه ثمة في الاحياء فجاور بها مدة ثم دخل
اليمن أيام الإمام أحمد بن الحسن فعرف حقه من الفضل وراجت عنده
بضاعته ثم فارق اليمن ودخل الهند فوصل إلى حيدرآباد وصاحبها يومئذ
الملك أبو الحسن فاتخذه نديم مجلسه وأقبل عليه بكليته وهذا الملك كما بلغني
في هذا العصر الأخير من أفراد الدنيا وفور كرم وميلا للأدب وأهله فأقام
عنده في بلهنية عيش وصفاء عشرة حتى طرقت أبا الحسن النكبات من
طرف سلطان الهند الأعظم السلطان محيي الدين محمد الشهير بارونك زيب
وقبض عليه وحبسه وأحسب انه إلى الآن لم يزل محبوسا هناك فانقلب الدهر
على السيد جمال الدين فبقي مدة في حيدرآباد وقد ذهب انسه إلى أن مات
كما أخبرني بذلك اخوه روح الأدب السيد علي بمكة المشرفة حرسها الله
تعالى اه وفي بغية الراغبين انه قرأ على أبيه وجماعة وروى عن أبيه وعن
جده لأمه الشيخ نجيب الدين واختار السياحة فأقام مدة بدمشق ثم ارتحل
إلى مكة المعظمة وأبوه ثمة بها علم اعلامها ثم دخل اليمن ثم ارتحل إلى
مشهد الرضا عليه السلام ثم ارتحل إلى الهند فدخل حيدرآباد فأرجع اليه
الملك أبو الحسن كافة الشيعة في مملكته وكان هذا السلطان كريما ميالا إلى
العلم وأهله مخلصا لأهل البيت عليهم السلام وذريتهم فأقام عنده أعز مقام
حتى قبض عليه مفتتح عام 1083 اه‍.
وفي أمل الآمل: له شعر كثير من معميات وغيرها وله حواش وفوائد
كثيرة ومن شعره قوله:
قد نالني فرط التعب * وحالتي من العجب
فمن اليم الوجد في * جوانحي نار تشب
ودمع عيني قد جرى * على الخدود وانسكب
وبان عن عيني الحمى * واستحكمت أيدي النوب
يا ليت شعري هل ترى * يعود ما كان ذهب
يفدي فؤادي شادنا * مهفهفا عذب الشنب
بقامة كأسمر * بها النفوس قد سلب
ووجنة كأنها * جمر الغضا إذا التهب
وقوله من قصيدة يمدح بها عمي الشيخ محمد بن الحر:
سوى حر تملك رق قلبي * هواي به منوط والضمير
وباب القول فيه ذو اتساع * تضيق بعد أيسره السطور
وقوله من قصيدة يمدحه أيضا:
فتى أضحى لكل الناس ركنا * لدفع ملمة الخطب المهول
شديد البأس ذوي رأي سديد * جبان الكلب مهزول الفصيل
وقوله من ابيات كتب بها إلي:
سلام كمثل الشمس في رونق الضحى * تؤم علاكم في مغيب ومطلع
فأوله نور لديكم مشعشع * وآخره نار بقلبي وأضلعي
وقوله من أبيات كتب بها إلي:
أبث من الأشواق ما لو تجسمت * لضاق بأدنى بعضها كل فدفد

217
وأهدي سلاما قد تناثر عقده * فأصبح يرزي بالجمان المنضد
إليك الورى القت مقاليد امرها * فابل الليالي والأنام وجدد
ودم سالما في طيب عيش ونعمة * مطاعا معا في طيب اليوم والغد
وان تسألوا عنا فانا بنعمة * وعافية فيها نروح ونغتدي
ونرجو من الله المهيمن انكم * تكونون في خير وعز مؤبد
قال وقد كتبت اليه باثنين وأربعين بيتا أذكر منها أبياتا ولكننا اعرضنا عن
ذكرها وجاء في آخرها:
وفي صفر تاريخه عام ستة * وسبعين بعد الألف بالخير عقباه
اه‍ وأورد له ابن أخيه في نزهة الجليس قصيدة يعارض بها قصيدة البهائي
التي أولها:
يا نديمي بمهجتي أفديك * قم وهات الكؤوس من هاتيك
فقال:
اسقنيها ممزوجة من فيك * بالذي أودع المحاسن فيك
وأجل كاساتها علي وقل * (يا نديمي بمهجتي أفديك)
وأنتهز فرصة الزمان بها * واغتنم صفوها فما يدريك
فهي راحي وراحتي والى * حانها رحلتي بلا تشكيك
ان أكن مغرما بها فلقد * فتنت كل عابد نسيك
رب شمس في الليل طالعة * بسنا نور كاسها تهديك
لست انسى لياليا سلفت * نلت فيها المنى بغير شريك
وسميري مهفهف غنج * أحور الطرف للحسان مليك
غصن بان إذا بدا وإذا * ما شدا عن حمامها يغنيك
يتثنى كأنه الف * عجبا وهو رائد التحريك
ان يمناي واليسار معا * احكما عند ضمه التشبيك
يا مليكا قد عز جانبه * صل ذليلا قد حل في ناديك
ان بدر الدجى ولا عجب * كاد لولا مغيبة يحكيك
كيفما شئت كن فلا حرج * انا راض بكل ما يرضيك
لست اصغي إلى الملام ولو * شن غارات حربه شانيك
وأورد له المحبي قصيدة يمدح بها امام اليمن أحمد بن الحسن وهي هذه:
خليلي عودا لي فيا حبذا المطل * إذا كان يرجى في عواقبه الوصل
خليلي عودا وأسعداني فأنتما * أحق من الاهلين بل أنتما الأهل
فقد طال سيري واضمحلت جوارحي * وقد سئمت فرط السرى العيس والإبل
فعادا وقالا صح ما بك من جوى * وفي بعض ما لاقيته شاهد عدل
ولكن طول السير ليس بضائر * وغايته كنز الندى أحمد الشبل
أبانت به الأيام كل عجيبة * يسير بها الركب اليماني و القفل
فنيران باس في بحار مكارم * ومن فعله وصل وفي قوله فصل
أقول وقد طفت البلاد وأهلها * بلوتهم قولا يصدقه الفعل
إذا ما جرى ذكر البلاد وحسنها * فتلك فروع والغراس هي الأصل
وان عد ذو فضل ومجد مؤثل * فاحمد من بين الأنام له الفضل
فلا غرو ان قصرت طول مدائحي * ففي البعد قصر الفرض جاء به النقل
إليك صفي الدين مني خريدة * فريدة حسن لا يصاب لها مثل
فحقق رجاها وأحل عاطل جيدها * بما أنت يا نجل الكرام له أهل
وأمثال هذه الأشعار وان كان جلها لا يستحق الذكر الا اننا رأينا
المترجمين نقلوها فأثبتنا شيئا منها وتركنا بعضها و سبب اثباتنا لما أثبتناه اننا
أحببنا ان يكون كتابنا حاويا من كل نوع ولان اثبات مثلها يشبه ما يسمونه
الأحماض.
وله ملغزا في قبان: ما اسم رباعي الحروف ان حذفت منه حرفين
بقي واحد وان ابنت رأسه بان باقيه أوله جبل عظيم وآخره في البحر مقيم
وطرفاه سورتان من القرآن ومجموع عدده يساوي مفرد الأكفان ومعكوس
وسطيه في أسماء الشهور ومشددهما نبات في القرآن مذكور وعكس نصفه
نوع من الهوام وان نقصت منه حرفا فهو فرع من الشجر وأزيدك وضوحا له
وتبيان انه لجميع الأشياء كالميزان اه‍.
الحكيم جمال الدين أبو سعد بن الفرخان نزيل قاشان
في مجموعة الجباعي فاضل له كتب منها الشامل وكتاب القوافي وكتاب
النحو اه.
الشيخ جمال الدين بن محمد علي بن أحمد بن علي بن طريح الرماحي
المسيلمي النجفي أخو فخر الدين الطريحي ووالد حسام الدين الطريحي
(طريح) بوزن زهير (والرماحي) بتشديد الميم نسبة إلى الرماحية
بلدة بالعراق معروفة والمسيلمي نسبة إلى مسيلم قبيلة من العرب وآل طريح
طائفة علمية تقطن النجف نبغ فيهم علماء فضلاء ولا يزال العلم في بيتهم
إلى اليوم وأول من نبغ منهم واشتهروا به فخر الدين الطريحي صاحب
مجمع البحرين أخو المترجم ثم ولده صفي الدين وحسام الدين ولد المترجم
وصلاح الدين ولد حسام الدين والشيخ محيي الدين وغيرهم وتأتي تراجمهم
في محالها (انش)، وفي رياض العلماء في ترجمة أخيه فخر الدين: كان هو
وولده الشيخ صفي الدين وأولاد أخيه وأقرباؤه كلهم علماء فضلا
صلحاء أتقياء اه‍ اما المترجم فلا نعلم من أحواله شيئا بل وليس عندنا ما
يدل على أنه كان من أهل العلم والذين ذكروه اقتصروا على أنه والد حسام
الدين ولم يصفوه بعلم ولا فضل ولم يذكره صاحب أمل الآمل مع ذكره
لأخيه فخر الدين وولده صفي الدين وللشيخ محي الدين. وأعطانا بعض
الطريحيين أوراقا فيها تراجم علماء آل طريح وفيها الشيخ جمال الدين
الطريحي والد حسام الدين. احتمل بعض ان جمال الدين وفخر الدين
ومحيي الدين اخوة. ولكن حسام الدين بن جمال الدين شارح فخرية فخر
الدين هو ابن أخي المصنف كما صرح به حسام الدين في اجازته للشيخ
يونس ابن الشيخ ياسين النجفي ووالده جمال الدين أخو فخر الدين قطعا
وقد وجد تمام نسبه بخطه في آخر شرح المقاصد واما محيي الدين ففيه
احتمال آخر يأتي في محله ويظهر من عبارة الرياض ان محيي الدين أيضا ابن
جمال الدين وانه أخو حسام الدين لأنه قال في ترجمة الشيخ فخر الدين انه
وولده الشيخ صفي الدين وأولاد أخيه الشيخ حسام الدين والشيخ محيي
الدين وأقرباؤه كلهم علماء صلحاء أتقياء زهاد ابرار اه والظاهر أن فخر
الدين له أخ واحد ولأخيه ولدان حسام الدين ومحي الدين اه (أقول)
قوله وقد وجد تمام نسبه بخطه في آخر شرح المقاصد مرجع الضمير فيه هو
الشيخ جمال الدين فهو الذي النسب بخطه ولم يعلم المراد بشرح المقاصد
ما هو وما نقله عن رياض العلماء فيه زيادة عما نقلناه ونحن أخذناه من
نسخة مخطوطة عندنا والله أعلم.

218
الشيخ جمال الدين الوارميني
عن رياض العلماء كان من أكابر متقدمي علمائنا بورامين ونقل عنه
صاحب المجالس في بعض هوامشه هذين البيتين:
العدل والتوحيد دين المصطفى * لا الجبر مذهب ولا الاشراك
لكن خصوم الحق عمي كلهم * ومع العمى يتعذر الادراك
الجمالي
هو آقا جمال الدين محمد بن آقا حسين الخونساري.
جمانة بنت أبي طالب بن عبد المطلب أخت أمير المؤمنين علي عليه السلام شقيقته
قال محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير: جمانة بنت أبي
طالب بن عبد المطلب وأمها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي تزوجها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي فولدت له جعفر بن أبي سفيان وأطعمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
خيبر ثلاثين وسقا اه‍ وقال في ترجمة فاطمة بنت أسد انها ولدت لأبي طالب
طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانئ وجمانة وريطة بني أبي طالب. وفي
الاستيعاب: جمانة بنت أبي طالب ذكر ابن إسحاق ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها
من خيبر ثلاثين وسقا ولم يكن ليعطيها الا وهي مسلمة. وفي أسد الغابة:
جمانة بنت أبي طالب قسم لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثين وسقا من خيبر رواه
عمار عن سلمة عن ابن إسحاق وقال أبو أحمد العسكري في ترجمة
عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أمه جمانة بنت أبي طالب
قال وهو الذي تزوج امامة بنت أبي العاص بن الربيع والصحيح ان الذي
تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم عبد الله
اه‍ وفي الإصابة: جمانة بضم أوله وتخفيف الميم وبعد الألف نون بنت أبي
طالب وأخرج الفاكهي في كتاب مكة من طريق عبد الله بن عثمان بن جشم
قال أدركت عطاء ومجاهدا وابن كثير وأناسا إذا كان ليلة سبع وعشرين من
رمضان خرجوا إلى التنعيم واعتمروا من خيمة جمانة وهي بنت أبي طالب
اه‍.
الجماني
اسمه علي بن محمد بن جعفر الشاعر العلوي المشهور كان ينزل في
بني جمانة بالكوفة فنسب إليهم وهو بالجيم والميم والنون وما يوجد في بعض
المواضع من رسمه بالحاء المهملة تصحيف ويأتي في محله (انش).
السيد غياث الدين جمشيد الزواري المفسر
لا نعلم من أحواله شيئا سوى ان له كتاب تفسير القرآن
المعروف بتفسير جمشيد.
السلطان جمشيد قلي قطبشاه الثاني وقد يسمى يار قلي جمشيد
توفي بمرض السرطان سنة 957 ه‍ 1550 م ودفن مع أبيه.
في مآثر ذكن: لا يعلم تاريخ ولادته جلس على سرير الملك بعد قتل
أبيه السلطان قلي قطبشاه الأول سنة 950 ه‍ 1543 م وملك مدة سبع سنين
ثم توفي بالتاريخ المذكور وهو ثاني أولاد أبيه وكانوا ستة فراجع ترجمة أبيه
السلطان قلي قطبشاه الأول، كان المترجم ذا جرأة واقدام وسياسة لا سيما مع
الملوك المعاصرين له الذين هم حوالي مملكته اه وفي تاريخ القطبشاهية:
السلطان جمشيد قلي قطبشاه الثاني ابن السلطان قلي قطب الملك لم يذكر
تاريخ ولادته جلس على سرير الملك سنة 950 ه‍ 1543 م وتوفي سنة
957 ه‍ 1550 م. ولكن في كتاب آثار الشيعة الإمامية رسم اسم أبيه
سلطانعلي بالعين لا سلطانقلي بالقاف وأرخ وفاته سنة 907 والظاهر أنه
اشتباه وقال اطاعه الامراء وخرج عليه اخوه إبراهيم قطبشاه فأراد قبضه
فانهزم إلى ملك بريد فأكرمه ثم إن ملك بريد توجه بجيش جرار وحصر
جمشيد في قلعة كولكندة فنصره برهان نظامشاه ورفع الحصار عنه ولما
توطدت دولته واظب على اللهو وساءت طباعه وكان أديبا فاضلا وذكر له
نظما بالفارسية.
الميرزا غياث الدين جمشيد بن مسعود بن محمود بن محمد الكاشاني
توفي سنة 832 أو 840
كان عالما رياضيا فقيها له (1) رسالة استخراج نسبة القطر إلى المحيط
(2) مفتاح الحساب (3) تلخيص المفتاح المذكور (4) جام جمشيد
(5) نزهة الحدائق فإنه اخترع أولا آلة طبق المناطق وسماها جمشيد
ثم الف نزهة الحدائق لبيان كيفية العمل بآلة طبق المناطق (6) الالحاقات
العشر بذيل نزهة الحدائق مطبوع (7) استخراج جيب درجة واحدة أو
رسالة الوتر والجيب في استخراجها مطبوع (8) الابعاد والاجرام مطبوع
(9) زيج التسهيلات (10) زيج الخاقاني (11) شرح ارشاد العلامة.
المولى جمشيد بن محمد زمان الكسكري الجبلي
من تلاميذ المجلسي ويروي عنه إجازة وله منه اربع إجازات اثنتان
بتاريخ 1096 و 1097 واثنتان بتاريخ 1098.
جمهور بن أحمر العجلي مولاهم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
جميع بن عبد الرحمن العجلي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في بعض النسخ من أصحاب الصادق عليه
السلام. وفي ميزان الاعتدال: جميع بن عبد الرحمن العجلي كوفي عن
بعض التابعين، فسقه أبو نعيم الملائي اه ثم قال: جميع بن عمر العجلي
هو الذي قبله، قال أبو نعيم: جميع بن عبد الرحمن هو الذي يروي
حديث سعفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فاسقا، وقال سفيان بن وكيع حدثنا جميع
املاء حدثني رجل من ولد أبي هالة، وقال أبو داود جميع بن عمر راوي
حديث هند بن أبي هالة أخشى ان يكون كذابا ووثقه ابن حبان اه‍ وفي
لسان الميزان بعد ذكر جميع بن محمد الموصلي أبو الحسن قال: ولهم شيخ
آخر يقال له الجميع الكوفي من الرواة عن جعفر الصادق. وذكر ابن عقدة
انه كان ورعا كثير التلاوة والصلاة، وذكره الطوسي في رجال الشيعة
اه‍ وفي تهذيب التهذيب: جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي ثم الضبعي
أبو بكر الكوفي روى عن مجالد وداود بن أبي هند ورجل من ولد أبي هالة
يكنى أبا عبد الله وغيرهم وعنه أبو غسان النهدي وأبو هشام الرفاعي
وسفيان بن وكيع بن الجراح ويحيى بن عبد الحميد الحماني وعمرو بن محمد
المنقري وعدة قال أبو نعيم الفضل بن دكين كان فاسقا وذكر ابن حبان في
الثقات وقال العجلي جميع لا بأس به يكتب حديثه وليس بالقوي. وذكره
ابن عدي في الكامل لكن نسبه إلى جده فقال جميع بن عبد الرحمن العجلي
ثم نقل قول أبي نعيم فيه وساق له حديث ابن أبي هالة. وحدثنا عن
الحسين بن علي بمنام رآه وقال لا اعرف له غيرهما اه‍.

219
جميع بن عمير
روى الكليني في باب معاني الأسماء من الكافي عن مروك بن عبيد عنه
عن أبي عبد الله عليهم السلام
جميع بن عمير بصري
في تهذيب التهذيب: روى عن معتمر بن سليمان وعنه أحمد بن
محمد بن يحيى الجعفي وعصام بن الحكم العكبري ذكر للتمييز وهو متأخر
عن الأول - يعني جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي - قلت له في
الموضوعات لابن الجوزي حديث باطل في شيعة علي اه وفي ميزان
الاعتدال جميع بن عمير (1) عن سوار متروك عن ابن جحادة عن الشعبي
عن علي مرفوعا قال يا علي أنت وشيعتك في الجنة، ذكره ابن الجوزي في
الموضوعات اه‍ ومن ذلك قد يظن تشيعه.
جميع بن عمير بن عفلق التيمي أبو الأسود الكوفي من تيم الله بن ثعلبة
في تهذيب التهذيب: روى عن عائشة وابن عمر وأبي بردة بن نيار،
وعنه الأعمش وأبو إسحاق الشيباني وابنه محمد بن جميع وحكيم بن جبير
وعدة منهم العوام بن حوشب، ولكن قال عن جامع بن أبي جميع وقال
مرة أخبرني ابن عم لي يقال له مجمع قال البخاري فيه نظر وقال أبو حاتم
كوفي تابعي من عتق الشيعة محله الصدق، صالح الحديث. وقال ابن
عدي هو كما قاله البخاري في أحاديثه نظر وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه
أحد. قلت وروى عن هشيم عن العوام بن حوشب عن عمير بن جميع قال
الخطيب في رافع الارتياب قلب أبو سفيان الحميري اسمه عن هشيم وقد
رواه عمر بن عون عن هشيم عن العوام عن جميع بن عمير على الصواب
اه‍ وله عند الأربعة ثلاثة أحاديث وقد حسن الترمذي بعضها وقال ابن نمير
كان من اكذب الناس كان يقول إن الكراكي تفرخ في السماء ولا يقع فراخها
رواه ابن حبان في كتاب الضعفاء باسناده وقال كان رافضيا يضع الحديث.
وقال الساجي: له أحاديث مناكير وفيه نظر وهو صدوق، وقال العجلي
تابعي ثقة، وقال أبو العرب الصقلي: ليس يتابع أبو الحسن على هذا اه‍
وفي ميزان الاعتدال: جميع بن عميرة (2) التيمي تيم الله بن ثعلبة الكوفي
قال البخاري سمع من ابن عمر وعائشة وعنه العلاء بن صالح وصدقة
بن المثنى فيه نظر. علي بن صالح بن حي عن حكيم بن جبير عن جميع بن
عمير عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة
قلت له في السنن ثلاثة أحاديث وحسن الترمذي له، وقال أبو حاتم كوفي
صالح الحديث من عتق الشيعة، وقد بان من مجموع ذلك ان الرجل ثقة
صدوق وتضعيفه ليس الا لروايته أمثال أنت أخي في الدنيا والآخرة. مما لم
يناسب عقائدهم.
جميل
هو جميل بن دراج الآتي.
جميل بن دراج
في الخلاصة: دراج بالدال المهملة والراء المشددة والجيم اه‍.
قال النجاشي: جميل بن دراج ودراج يكنى بأبي الصبيح بن عبد الله
أبو علي النخعي قال ابن فضال أبو محمد شيخنا ووجه الطايفة ثقة روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن عليهم السلام أخذ عن زرارة وأخوة نوح بن دراج
القاضي كان أيضا من أصحابنا وكان يخفي امره وكان أكبر من نوح وعمي
في آخر عمره ومات في أيام الرضا عليه السلام له كتاب رواه عنه جماعات
من الناس وطرقه كثيرة وأنا على ما ذكرت في هذا الكتاب لا أذكر الا طريقا
أو طريقين حتى لا يكبر الكتاب إذا الغرض غير ذلك: قرأته على الحسين
ابن عبيد الله حدثكم أحمد بن محمد الزراري عن جده عن علي بن
الحسن بن الفضال عن أيوب بن نوح عن أبي عمير عن جميل وله كتاب
اشترك هو ومحمد بن حمران فيه رواه الحسن بن علي ابن بنت الياس عنهما
أخبرنا محمد بن جعفر التميمي عن أحمد بن محمد بن سعيد عن أحمد بن
يوسف بن يعقوب الجعفي من كتابه وأصله في رجب سنة 209 قال حدثنا
الحسن بن علي ابن بنت الياس عنهما به وله كتاب اشترك هو ومرازم بن
حكيم فيه أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى حدثنا
أسعد بن عبد الله حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد
عنهما اه‍ وفي الفهرست: جميل بن دراج له أصل وهو ثقة أخبرنا به
الحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن الحسن بن
الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وصفوان عن
جميل بن دراج اه‍ ووقع في الخلاصة ومات دراج في أيام الرضا عليه السلام
الخ وصوابه مات جميل. وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه
السلام فقال: جميل بن دراج مولى النخع كوفي وفي رجال الكاظم عليه
السلام فقال جميل بن دراج روى عن أبي عبد الله عليه السلام وقال الكشي
في جميل بن دراج ونوح أخيه. حمديه وإبراهيم ابنا نصير قالا حدثنا
أيوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة قال حدثنا محمد بن حسان قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يتلو هذه الآية فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها
قوما ليسوا بها بكافرين ثم اهوى بيده الينا ونحن جماعة فينا جميل بن دراج
وغيره فقلنا اجل والله جعلت فداك لا نكفر بها، محمد بن مسعود قال
حدثني علي بن محمد حدثني أحمد بن محمد بن عيسى عن عمر بن عبد
العزيز عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي يا جميل
لا تحدث أصحابنا بما لم يجمعوا عليه فيكذبوك، قال محمد بن مسعود سألت أبا
جعفر حمدان بن أحمد الكوفي عن نوح بن دراج فقال كان من الشيعة
وكان قاضي الكوفية فقيل له لم دخلت في اعمالهم فقال لم ادخل في اعمال
هؤلاء حتى سألت أخي جميلا يوما فقلت لم لا تحضر المسجد فقال ليس لي
ازار وقال حمدان مات جميل عن مائة ألف قال حمدان كان دراج بقالا وكان
نوح مخارجه من الذين يقتتلون في العصبية التي تقع بين المجالس قال وكان
يكتب الحديث وكان أبوه يقول لو ترك القضاء لنوح (نوح ظ) أي رجل
كان ثقة نصر بن الصباح قال حدثني الفضل بن شاذان قال دخلت على
محمد بن أبي عمير وهو ساجد فأطال السجود فلما رفع رأسه ذكر له الفضل
طول سجوده فقال كيف لو رأيت جمل بن دراج ثم حدثه انه دخل على
جميل بن دراج فوجده ساجدا فأطال السجود جدا فلما رفع رأسه قال له
محمد بن أبي عمير أطلت السجود فقال وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ
اه‍ ثم قال تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبيد الله عليه السلام جمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم بما يقولون وأقروا لهم
بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ستة نفر جميل بن



(1) الذي في النسخة المطبوعة: جميع بن عمر والذي في تهذيب التهذيب ابن عمير فكأنه صحف
أحدهما بالآخر.
(2) هكذا في النسخة المطبوعة عميرة بالهاء ومر عن تهذيب التهذيب جميع بن عمير بدون هاء
فأحدهما تحريف - المؤلف -
220
دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عثمان وحماد بن
عيسى وابان بن عثمان قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون
ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم احداث أصحاب أبي عبد الله عليه
السلام اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي باب جميل المشترك بين الثقة وغيره
ويمكن استعلام انه ابن دراج الثقة برواية ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى
والحسن بن علي بن فضال وعمر بن عبد العزيز عنه زرارة عنه وروايته هو
عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام وعن زرارة بن أعين اه‍ وزاد
الكاظمي وروايته هو عن سدير بن حكيم وقال إنه روى عنه فضالة والحسن
ابن علي ابن بنت الياس وعلي بن حديد والنضر بن شعيب وأحمد بن أبي
نصر وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب قال وفي التهذيب عن النضر
ابن سويد عن جميل بن دراج قال في المنتقى وفي الاستبصار عن النضر ابن
شيعب وهو الأظهر والتصحيف إلى ما في التهذيب أقرب ووقع في اسناد
للشيخ في كتاب الحج رواية موسى بن القاسم عن جميل بن دراج قال في
المنتقى موسى بن القاسم يروي في الأسانيد المتكررة عن جميل بن دراج
بواسطة أو اثنتين ورعاية الطبقات قاضية أيضا بثبوت أصل الواسطة، وفي
جملة من يتوسط بينهما إبراهيم النخعي وهو مجهول، والعلامة مشى على
طريقه في الاخذ بظاهر السند وصحح الحديث اه، ووقع في الاستبصار
رواية الحسين بن سعيد عن جميل بن دراج، وهو خلاف المعهود المتكرر،
فان الغالب توسط ابن أبي عمير بينهما، وقد يكون هو مع فضالة، قال
بعض المحققين: ومع فرض الانحصار فيهما لا يقدح سقوطها في صحة
الحديث اه‍. وعن جامع الرواة انه نقل رواية خليل بن عمرو اليشكري
وموسى بن القاسم ويونس بن عبد الرحمن ومحمد بن يحيى وعبد الرحمن بن
حماد والحكم بن مسكين ومحمد بن عمرو الزيات وحمزة بن عبد الله الجعفري
ومنصور بن يونس بزرج والحسن بن علي بن فضال وصالح بن عقبة
وعبد الله بن جبلة والحسن بن الجبلي وابن أبي نجران والحجال وأحمد بن
الريان عن أبيه وفضالة وحماد بن عثمان وعبد الله بن حماد وأبي بكر
الحضرمي والحسن بن علي الوشاء وجعفر بن سماعة وصالح بن خالد
والحسن بن رباط ومحمد بن أبي حمزة والحسن بن حذيفة ودرست وعلي بن
الحكم عنه، وزاد روايته هو عن إسماعيل الجعفي والفضيل بن يسار اه‍.
جميل الرواسي صاحب السابري مولى جهم بن حميد الرواسي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
جميل بن زياد الجملي المرادي الكوفي أبو حسان
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جميل بن زياد الجملي يكنى أبا حسان، ذكره الطوسي في رجال
الشيعة ووثقه اه‍. ولم يوثقه كما مر.
جميل بن شعيب الهمداني
في لسان الميزان: روى عن جابر الجعفي، وعنه جعفر بن محمد
الموسوي، ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه‍. ولا اثر له في كتب
الطوسي فيما علمنا.
جميل بن صالح الأسدي
قال النجاشي: ثقة وجه، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما
السلام، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال: روى عنه سماعة وأكثر ما
يروي عنه نسخة رواية الحسن بن محبوب أو محمد بن أبي عمير، طريق
القميين اليه ما أخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن جعفر عن أحمد
ابن إدريس عن عبد الله بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عنه به،
وأما رواية الكوفيين فأخبرنا محمد بن عثمان عن جعفر بن محمد بن إبراهيم
عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير عنه به، وقد رواه عنه
علي بن حديد أخبرنا ابن نوح عن الحسن بن حمزة قال: حدثنا محمد بن
جعفر بن بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن جميل به
اه‍. وفي الفهرست: جميل بن صالح له أصل أخبرنا به ابن أبي جيد عن
ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن غير واحد
عن جميل بن صالح اه‍. وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه
السلام: جميل بن صالح الكوفي اه‍. وفي التعليقة: جميل بن صالح يعد
من الثقات لتوثيق النجاشي والعلامة. وفي البلغة: ثقة في المشهور، وفي
النفس منه شئ اه‍. ولعل وجهه احتمال رجوع ضمير ذكره إلى مجموع
الكلام حتى التوثيق، وهو في المقام لا يخلو عن بعد وان كان بملاحظة ما
ذكرناه في بسطام ابن شابور، لعله يحصل له قرب على ما ذكرنا هناك ان
الظاهر أنه معتمد على قوله: حاكم به بالتوثيق، وان أبا العباس هو ابن
نوح فلا وجه للتأمل، ومما يشير إلى وثاقته رواية ابن أبي عمير عنه، ويقويه
رواية ابن محبوب، وكذا رواية غير واحد من الأصحاب عنه كما ذكرنا في
الفوائد اه‍. وفي لسان الميزان: جميل بن صالح الربعي عن جعفر بن
محمد وبريد بن معاوية العجلي (1) وعنه الحسن بن محبوب وعلي بن جنيد،
ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه‍. ولم ينسبه أحد بالربعي، وانما نسبوه
الأسدي.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: يعرف جميل المشترك بين الثقة
وغيره انه ابن صالح الثقة برواية الحسن بن محبوب عنه، ورواية ابن أبي
عمير عنه، ورواية علي بن حديد عنه، ورواية سماعة عنه. وزاد
الكاظمي: وبروايته هو عن ذريح المحاربي، وحيث يعسر التمييز تقف
الرواية اه‍. وعن جامع الرواة انه زاد: رواية علي بن رئاب وسعد بن
عبد الله وعمار بن موسى الساباطي ومحمد بن عمر وحماد بن عثمان والنضر
ابن شعيب والقاسم بن محمد الجوهري والقاسم بن سليمان والحارث بن
محمد بن النعمان الأحول صاحب الطاق اه‍. وذكر بعضهم ان في أصول
الكافي بعد باب نسب الاسلام من كتاب الايمان والكفر رواية عن جميل بن
صالح عن عبد الملك بن غالب، وليس لعبد الملك هذا ذكر في الرجال.
جميل بن عبد الرحمن الجعفي أبو الأسود مولاهم كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جميل بن عبد الرحمن الجعفي، ذكره الطوسي في رجال الشيعة.



(1) الذي في النسخة المطبوعة: ويزيد بن معاوية والعجلي، والصواب ما ذكرناه.
221
جميل بن عبد الله بن نافع الخثعمي الحناط الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وقال ابن
داود في رجاله: حكى ابن عقدة عن ابن نمير توثيقه. وفي الخلاصة: لم
أر فيه مدحا من طرق أصحابنا، غير أن ابن عقدة روى عن محمد بن
عبد الله بن أبي حكيمة، وقال سالت ابن نمير عن محمد بن جميل بن
عبد الله بن نافع الحناط، فقال ثقة قد رأيته، وأبوه ثقة. وهذه الرواية لا
تقتضي عندي التعديل لكنها من المرجحات اه. وعن حواشي الشهيد
الثاني التي بخطه على الخلاصة: لان راويها ابن عقدة وهو زيدي عن
محمد بن عبد الله وهو مجهول اه‍. وفي التعليقة التأمل من جهة ابن نمير
الموثق أولى لأنه من العامة، مع أن له خصوصية تامة بنا وبأصحابنا كما ذكر
في ترجمته، ويظهر من كثير من المواضع مضافا إلى اعتمادهم عليه اه.
وفي لسان الميزان: جميل بن عبد الله الخثعمي، ذكره الطوسي في رجال
الشيعة اه‍.
جميل بن عياش أبو علي البزاز الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال: اسند
عنه. وفي لسان الميزان: جميل بن عياش، ذكره الطوسي في رجال الشيعة
اه‍.
جميل بن وقاص الغفاري أبو نصرة
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: جميل بن وقاص
الغفاري سكن مصر أبو نصرة وقيل جميل عبد أبي ذر رحمه الله اه‍. والموجود
في النسخ نصرة بالنون والذي في كتب أسماء الصحابة بصرة بالباء. وذكره في
الاستيعاب في باب الحاء المهملة فقال: حميل بن بصرة أبو بصرة الغفاري
ويقال حميل وجميل، والصواب حميل. قال علي ابن المديني: سالت شيخا
من بني غفار فقلت جميل بن بصرة تعرفه؟ فقال: صحفت صاحبك والله
انما هو حميل بن بصرة وهو جد هذا الغلام - لغلام كان معه -. وكذلك قال
فيه زيد بن اسلم حميل، ثم روى بسنده عن أبي هريرة عن حميل الغفاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تضرب أكباد الإبل الا إلى
ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس، قال
وهذا يشهد بصحة قول من قول في هذا الحديث عن أبي هريرة فلقيت أبا
بصرة ومن قال فيه فلقيت بصرة بن أبي بصرة فليس بشئ اه‍. وفي أسد الغابة
: جميل بن بصرة الغفاري وقيل حميل بضم الحاء وفتح الميم وهو
أكثر،! وقيل بصرة بن أبي بصرة، سكن مصر وله بها دار. قال ابن
ماكولا: وأما حميل بضم الحاء المهملة وفتح الميم فهو أبو بصرة الغفاري
حميل بن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار اه. وفي الإصابة: جميل
بالتصغير بن بصرة بن أبي بصرة الغفاري، قال علي بن المديني: سالت
شيخا من بني غفار هل يعرف فيكم جميل بن بصرة قلته بفتح الجيم؟
فقال: صحفت يا شيخ انما هو حميل. بالتصغير والمهملة. وقال مصعب
الزبيري لحميل وبصرة وجده أبي بصرة صحبة. وقال ابن السكن: شهد
جده أبو بصرة خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجميل يكنى أبا بصرة أيضا اه‍.
والذي في النسخة المطبوعة: نصرة بالنون في الجميع، لكن يظهر مما ذكره
في بصرة انه تصحيف من النساخ ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جميل بن كعب الثعلبي
في مروج الذهب: كان من سادات ربيعة وشيعة علي وأنصاره قال
ولعلي في ربيعة كلام كثير يمدحهم فيه ويرثيهم شعرا ومنثورا وقد كانوا
أنصاره وأعوانه والركن المنيع من أركانه فمن بعض ذلك قوله يوم صفين:
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما
فيوردها في الصف حتى يعلها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
جزى الله قوما قاتلوا في لقائه * لدى الموت قدما ما أعز وأكرما
وأطيب اخبارا وأكرم شيمة * إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة عني انهم أهل نجدة * وباس إذا لاقوا خميسا عرمرما
قال وذكر المدائني ان معاوية أسر جميل بن كعب الثعلبي فلما وقف
بين يديه قال الحمد لله الذي أمكنني منك أ لست القائل يوم الجمل
أصبحت الأمة في امر عجب * والملك مجموع غدا لمن غلب
قد قلت قولا صادقا غير كذب * ان غدا تهلك اعلام العرب
قال لا تقل ذلك فإنها مصيبة قال معاوية وأي نعمة أكبر من أن يكون
الله قد أظفرني برجل قد قتل في ساعة واحدة عدة من حماة أصحابي اضربوا
عنقه فقال اللهم اشهد ان معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي ولكن
قتلني على حطام الدنيا فان فعل فافعل به ما هو أهله وان لم يفعل فافعل به
ما أنت أهله فقال معاوية قاتلك الله لقد سببت فأبلغت في السب ودعوت
فبالغت في الدعاء ثم امر به فاطلق وتمثل معاوية بأبيات للنعمان بن المنذر لم
يقل النعمان غيرها فيما ذكر ابن الكلبي وهي:
تعفو الملوك عن الجليل * من الأمور بفضلها
ولقد تعاقب في اليسير * وليس ذاك لجهلها
الا ليعرف فضلها * ويخاف شدة نكلها (1)
جميلة بنت ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ابن حمدون التغلبي
توفيت حدود سنة 373
كانت هي واخوها أبو تغلب فضل الله وأبو البركات أولاد ناصر
الدولة من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية وكانت من الجلالة والكرم على
جانب عظيم وحجت سنة 366 أو 367 فعملت من التجمل ما لم يعمله
ملك ومن الكرم والعطاء ما لم يفعله أمير ولا ملك وما انسى جود حاتم ففي
كتاب أحسن القصص تأليف أحمد بن أبي الفتح الشريف الحائري
الاصفهاني (2) في سنة 367 ه‍ حجت جميلة ابنة ناصر الدولة بن حمدان والي
الموصل وكركوك وديار بكر وذكر ابن كثير ان جميلة في هذا السفر كان معها
أربعمائة محمل ذهب مزينة بأنواع الزينة لا يعلم في أيها هي وكان في كل
واحد منها جارية وخادم فلما وصلت إلى مكة نثرت على الفقراء عشرة آلاف
دينار من الذهب الأحمر وأحسنت كثيرا إلى الموالي وأهل الحرمين بحيث صار
ذلك مشهورا إلى اليوم اه‍. وفي مجموع الغرائب للكفعمي: ذكر حجة
جميلة ابنة ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان. وأقامت من المروءة ما
لا يحكى مثله عن ملك وملكة فأفردت للرجال المنقطعين ثلاثمائة جمل،



(1) لا يخفى ان جميلا هذا وقع أسير حرب بين يدي معاوية، وجميع شرائع الدنيا لا تبيح قتل
الاسرى، ولكن معاوية امر بقتل هذا الأسير، لو لم ينج منه بطلاقة لسانه. ومع ذلك قام
معاوية يستشهد بشعر الملوك متبجحا بأنه لم يقتل الأسير - الناشر -
(2) مر في بعض الأجزاء السابقة ان صاحب الذريفة إلى مؤلفات الشيعة قال إن الحائري هذا هو
كاتب النسخة لا مؤلفها، لكن النسخة التي رأيناها في الخزانة الرضوية تشهد بأنه المؤلف
كما ذكره طابع فهرستها. المؤلف
222
ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلاثمائة عبد وثلاثمائة
جارية، وسقت جميع أهل الموسم السويق. وفي تاريخ اليافعي المسمى
(بمرآة الجنان) في حوادث سنة 366 في نسخة مخطوطة رأيتها بطهران سنة
1353 في مكتبة محتشم السلطنة، والذي في النسخة المطبوعة فيه نقصان
عنها قال: فيها حجت جميلة بنت الملك ناصر الدولة بن حمدان ابن
حمدون، وصار حجها يضرب به المثل فإنها أغنت المجاورين وقيل كان معها
أربعمائة كجاوة فيها ثمانمائة وصيفة لا يدري في أيها هي لكونهن كلهن في
الحسن والزينة يشبهنها، ونثرت على الكعبة لما دخلتها عشرة آلاف دينار.
وفي مسودة الكتاب - ولا أعلم الآن من أين نقلته -: جميلة بنت ناصر
الدولة الحمداني كانت من أشهر نساء زمانها بالجود والسخاء، وقد بذلت
من الأموال في سفر حجها ما أنست به جود حاتم وحج أم جعفر زبيدة،
وقد بذلت في يوم واحد في البيت عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلاثمئة
عبد ومئتي جارية، ووهبت خمسمائة راحلة إلى مشاة الحج، وسقت
الحاج كله أحسن اقسام المشروبات، وفعلت من الخيرات وأفعال البر ما
يعجز البيان عن وصفه حتى صار عامها يضرب به المثل فيقال: عام جميلة
اه‍. وذكر ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة 367: ان عضد الدولة لما
طرد ابن عمه بختيار عن بغداد حلفه ان لا يقصد ولاية أبي تغلب بن ناصر
الدولة بن حمدان لمودة ومكاتبة كانت بينهما، وكان حمدان أخو أبي تغلب مع
بختيار، فحسن له حمدان قصد الموصل، فنكث وقصدها فلما صار إلى
تكريت ارسل اليه أبو تغلب ان يقبض على أخيه حمدان ويسلمه اليه وإذا
فعل سار معه بعساكره وقاتل عضد الدولة فقبض على حمدان وسلمه اليه،
وسار أبو تغلب بعشرين ألف مقاتل مع بختيار لقتال عضد الدولة وخرج
عضد الدولة فقاتلهما وهزمهما، واسر بختيار فقتله وسار إلى الموصل فملكها
وولى عليها أبا الوفاء طاهر بن محمد، وسير سرية في طلب أبي تغلب عليها
أبو الوفاء، فانتهت الهزيمة بأبي تغلب إلى آمد، وعاد عنه أبو الوفاء ونازل
ميافارقين وبث سراياه في الحصون المجاورة لها فافتتحها، فلما سمع أبو
تغلب بذلك سار عن آمد نحو الرحبة هو وأخته جميلة، وأرسل إلى
عضد الدولة يسأله الصفح، فأحسن جوابه وبذل له اقطاعا يرضيه على أن يطأ
بساطه فلم يجبه أبو تغلب إلى ذلك. وفي سنة 369 قتل أبو تغلب بالرملة
في حرب بينه وبين الفضل من قواد العزيز صاحب مصر ودغفل بن
المفرج الطائي، وكانت معه أخته جميلة وزوجته بنت عمه سيف الدولة فلما
قتل حملهما بنو عقيل إلى حلب إلى سعد الدولة ابن سيف الدولة، فاخذ
أخته وسير جميلة إلى الموصل - وبئسما فعل - فسلمت إلى أبي الوفاء نائب عضد
الدولة فأرسلها إلى بغداد فاعتقلت في حجرة في دار عضد الدولة (انتهى
ملخص ما ذكره ابن الأثير) ولم يذكر ما جرى لها بعد ذلك، ولا شك ان
عضد الدولة بما جبل عليه من جميل الصفات والاخلاق - صانها
واحترمها، وأول دليل على ذلك أنه اعتقلها في حجرة في داره، ولئن أساء
ابن عمها سعد الدولة فلم يحفظها وأرسلها إلى الموصل وفعل ما تأباه الشيمة
العربية، ودل بفعله هذا على سقوط نفسه، فلقد كان الأولى بعضد الدولة
ان لا يقبل ارسالها اليه ويأمر بردها إلى أهلها مكرمة فعل الكرماء في
الاحسان إلى النساء، ولكنه اخذها بجريرة أخيها أبي تغلب الذي قابل
احسان عضد الدولة بالإساءة، فبينما عضد الدولة يحلف ابن عمه بختيار
ان لا يقصد ولاية أبي تغلب حفظا لمودته، إذا بأبي تغلب يجرد العساكر
ويسير مع بختيار الأحمق لقتال عضد الدولة الملك العظيم الذي ليس
باستطاعته مقابلته، وربما كانت هي تساعده في الحرب، وكيفما كان الامر
فما رواه ابن الأثير هين محتمل، انما الأنكى من ذلك كله الذي لا يستطاع
سماعه ما رواه صاحب كتاب أحسن القصص المقدم ذكره: من أن نائب
عضد الدولة قبض على جميلة بنت ناصر الدولة وأرسلها إلى عضد الدولة
فامر بسبب عدم إطاعة أخيها أبي غالب (كذا) بن ناصر الدولة ان تركب
على بعير عارية ينادي عليها: هذه قبيحة أخت أبي مغلوب، ثم امر ان
تغرق في دجلة. قال: وكان عضد الدولة خلاصة آل بويه، وفي كل حال
كان في مقدمة سلاطين الزمان، لا عيب فيه سوى ما فعله من قلة المروءة
بحق جميلة، وتوفي عضد الدولة بعد هذه الواقعة اه‍. ومع عدم ذكر ابن
الأثير وغيره من المؤرخين المعتمدين لذلك واقتصاره على ما مر، لا يظن
بصحة هذا الذي ذكره، وان صح فهو لطخة سوداء في سيرة عضد
الدولة، والله أعلم.
وفي النجوم الزاهرة انها حجت سنة 366 ومعها أخواها إبراهيم وهبة
الله ولما رأت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار وسقت جميع أهل الموسم
السويق بالسكر والثلج وقتل أخوها هبة الله في الطريق (لأنه جرى قتال بين
أصحابها وبين الحجاج الخراسانيين على الماء فأصابه سهم فقتله وفي نسخة
ان المقتول إبراهيم) وأعتقت ثلاثمائية عبد ومائتي جارية وفرقت المال في
المجاورين حتى أغنتهم وخلعت على كبار الناس خمسين ألف ثوب ثم ضرب
الدهر ضرباته واستولى عضد الدولة بن بويه على أموالها وحصونها فإنه كان
خطبها فامتنعت ولم يدع لها شيئا إلى أن احتاجت وافتقرت فانظر إلى هذا
الدهر كيف يرفع ويضع اه‍.
جناب بن عائذ الأسدي مولى عامر بن عداس
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال اسند
عنه. وفي لسان الميزان: جناب بن عائذ الأسدي ذكره الطوسي في رجال
الشيعة ووثقه علي بن الحكم.
وفي كتاب العتب الجميل ص 101: ذكر ابن حجر في تهذيب
التهذيب جناب الأسدي فقال: قال الدوري عن ابن معين رجل سوء كان
يقول في عثمان وقال الساجي صدوق في الحديث تكلموا فيه من جهة رأيه
السوء قال أحمد بن حنبل كان خبيث الرأي وقال ابن حبان لا تحل الرواية
عنه وقال الدارقطني كان رجل سوء فيه شيعية مفرطة كان يتكلم في عثمان
وقال الحاكم أبو أحمد - ورحم الله الحاكم فأمثاله قليل -: تركه يحيى وعبد
الرحمن واحسنا في ذلك لأنه كان يذم عثمان ومن سب أحدا من الصحابة
فهو أهل ان لا يروي عنه اه فلعل هذا هو المترجم. ثم اني راجعت
تهذيب التهذيب في حرف الجيم فلم أجده ذكر أحدا اسمه جناب أصلا لا
هذا ولا غيره ولعله ذكره في أثناء بعض التراجم أو وقع في اسمه تحريف
وإذا كان من سب أحدا من الصحابة أهلا لان لا يروى عنه فكيف بمن سب
ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم السنين الطوال وجعله كفرض من فروض الصلاة وقتل
جملة من الصحابة وسبهم أ هو أهل لان يروى عنه أم يحمل على
الاجتهاد؟!
جناب بن نسطاس أبو علي الجنبي العرزمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، وقال اسند
عنه. وفي لسان الميزان: جناب بن نسطاس الجنبي عن الأعمش، ذكره

223
الطوسي في رجال الشيعة وقال إنه من الرواة عن جعفر الصادق وكذا ذكره
علي بن الحكم.
الحاج جناب بن هداية الله الساوجي المتخلص بشهاب
توفي بالنجف سنة 1331
كان شاعرا أديبا معمرا جيد الخط له ديوان شعر
جناج بن رزين مولى مفضل بن قيس بن رمانة الأشعري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: جناح بن زربي أبو سعيد الأشعري. روى عن الخليل بن أحمد
وأبي عمرو الشيباني وأدرك اجلاء التابعين وذكره الطوسي في رجال الشيعة
وقال علي بن الحكم كان عارفا بالتفسير صحب جعفر الصادق وروى عنه
وكان صالحا واسع الفضل ثقة اه فجعل أباه زربي والشيخ جعله رزين
وكلاهما قد سمى به ويظهر انه قد صحف أحدهما بالآخر وعلي بن الحكم
من علماء الشيعة له كتاب في الرجال يظهر انه كان عند ابن حجر.
جناج بن عبد الحميد الكوفي
ذكره: الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان: جناج بن عبد الحميد الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة ووثقه
أبو عمرو الكشي اه وليس لذلك اثر في اختيار رجال الكشي الموجود.
جنادة بن أبي أمية الأزدي
توفي سنة 80 ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن مصر اه‍
وفي تاريخ ابن الأثير: جنادة بن أبي أمية توفي سنة 80 وكان على غزو
البحر أيام معاوية كلها وله صحبة اه‍ وفي المستدرك للحاكم: جنادة بن أبي
أمية الأزدي ثم روى بسنده انه توفي سنة 80 ثم روى بسنده عن جنادة بن
أبي أمية قال دخلت فعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من الأزد يوم الجمعة
فدعانا إلى طعام بين يديه فقلنا انا صيام فقال صمتم أمس قلنا لا قال
أفتصومون غدا قلنا لا قال فافطروا ثم قال لا تصوموا يوم الجمعة منفردا،
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اه‍ وفي الطبقات الكبير
لابن سعد: جنادة بن أبي أمية الأزدي لقي أبا بكر وعمر ومعاذا وحفظ
عنهم وكان ثقة صاحب غزو قال محمد بن عمر (الواقدي) توفي سنة 80
في خلافة عبد الملك بن مروان. وذكر أيضا جنادة الأزدي ثم روى عنه
الحديث المار عن المستدرك. وزاد ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجمعة فلما
جلس على المنبر دعا باناء فيه ماء فشرب والناس ينظرون ليعلمهم انه لا
يصوم يوم الجمعة اه‍ وفي الاستيعاب جنادة الأزدي ذكره ابن أبي حاتم بعد
ذكره جنادة بن مالك الأزدي جعله آخر فقال جنادة الأزدي له صحبة
بصري وقد وهم ابن أبي حاتم فيه وفي جنادة بن أبي أمية ثم قال في
الاستيعاب جنادة بن أبي أمية الأزدي ثم الزهراني من بني زهران و اسم أبي أمية
مالك كذا قال خليفة وغيره كان من صغار الصحابة وقد سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وروى عنه وروى عن أصحابه عنه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه جنادة بن أبي
أمية الدوسي واسم أبي أمية كبير (وفي أسد الغابة كثير) لأبيه أبي أمية
صحبة وهو شامي. وقال البخاري: اسم أبي أمية كبير. قال محمد بن سعد
كاتب الواقدي: جنادة بن أبي أمية غير جنادة بن مالك. يعني المتقدم
ذكره، وهو كما قال هما اثنان عند أهل العلم بهذا الشأن، وكان جنادة بن
أبي أمية على غزو الروم في البحر لمعاوية زمن عثمان إلى أيام يزيد، وشتى
في البحر سنة 59، فخرج حديثه عن أهل مصر، وروى عنه من أهل
المدينة، ثم روى بالاسناد عن جنادة بن أبي أمية ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا
تنقطع الهجرة ما كان الجهاد. قال: وجنادة بن أبي أمية شهد فتح مصر
مع عبادة بن الصامت. قال أبو عمر: ولجنادة ابن أبي أمية حديث في
صوم يوم الجمعة، وتوفي بالشام سنة 80. وفي أسد الغابة: جنادة بن أبي
أمية، قال محمد بن إسماعيل - البخاري -: أسم أبي أمية كثير توفي سنة
67. وفي الإصابة: جنادة بن أبي أمية الأزدي، ثم ذكر له حديث يوم
الجمعة السابق. ثم قال: ومنهم من قال جنادة الأزدي ولم يقل ابن أبي
أمية. ثم قال: وجنادة الأزدي لم يصح عندي اسم أبيه. قال: وأخرج
ابن السكن وتبعه ابن منده وأبو نعيم حديث صوم يوم الجمعة المتقدم في
ترجمة جنادة بن مالك الأزدي والظاهر أنه وهم وفرق ابن سعد وابن عبد
البر وغير واحد بين جنادة بن أبي أمية الأزدي وجنادة بن مالك الأزدي ولهم
جنادة بن أبي أمية آخر اسم أبيه كبير بموحدة، وهو مخضرم أدرك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرج له الشيخان وغيرهما عن عبادة بن الصامت، وسكن
الشام ومات بها سنة 67 اه والظاهر أن جنادة بن أبي أمية الأزدي الذي
ذكره الشيخ هو صاحب خبر الحسن عليه السلام. ففي البحار عن كتاب
كفاية النصوص ما لفظه: محمد بن وهبان عن داود بن الهيثم عن جده
إسحاق بن بهلول عن أبيه بهلول بن حسان عن طلحة بن زيد الرقي عن
الزبير بن عطاء عن عمير بن ماني العبسي عن جنادة بن أبي أمية قال:
دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب في مرضه الذي توفي فيه وبين
يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه
معاوية فقلت يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال يا عبد الله بماذا
أعالج الموت؟ قلت إنا لله وإنا إليه راجعون (الخبر) ويمكن ان يستفاد من
ذلك تشيعه.
جنادة بن الحارث السلماني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه السلام. وهو نفس
جبار بن الحارث السلماني المذكور في الجزء 15
جنادة السلولي ويقال أبو جنادة
في لسان الميزان روى عن أبي حمزة الثمالي وعنه حصين بن مخارق
ذكروه في رجال الشيعة نقله ابن أبي طي اه.
جنادة بن كعب بن الحارث الأنصاري الخزرجي
ذكره صاحب ابصار العين وقال كان ممن صحب الحسين عليه السلام
من مكة وجاء معه هو وأهله فلما كان يوم الطف تقدم إلى القتال فقتل في
الحملة الأولى اه‍ ولم يذكر مستنده ثم ذكر ابنه عمر وقال إنه هو الذي قال
فيه الحسين عليه السلام هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعل أمه تكره
قتاله - الحديث.
جنان الطائي
في ميزان الاعتدال حدث بحديث باطل لكنه من وضع المتأخرين اه‍
وفي لسان الميزان: وهذا من الاختصار المجحف وقد ذكر الحديث في جبار
بموحدة ثقيلة أقول مر في ج 15 بعنوان جبار بن القاسم الطائي.

224
جندب أبو علي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
جندب بن أم جندب
قال الشيخ في رجاله له صحبة وقال محمد بن حنبل ليس له صحبة
قديمة كنيته أبو عبد الله كان بالكوفة ثم صار بالبصرة ثم خرج منها اه وهو
جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي الآتي جعلهما الشيخ اثنين وهما
واحد كما ستعرف.
جندب بن أيوب
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم عليه السلام وقال واقفي
اه‍.
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري وفي الاستيعاب ويقال أبو الذر والأول
أكثر
توفي بالربذة سنة 31 أو 32 وقيل سنة 24 والأول أصح صلى الله عليه وآله وسلم ابن
مسعود ومات بعده في ذلك العام وقيل صلى عليه مالك بن الحارث
الأشتر.
(والربذة) بفتح الراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة على وزن
قصبة في القاموس هي مدفن أبي ذر الغفاري قرب المدينة. وفي المصباح
المنير: هي قرية كانت عامرة في صدر الاسلام وبها قبر أبي ذر الغفاري
وهي في وقتنا هذا دراسة لا يعرف لها رسم وهي من المدينة في جهة الشرق
على طريق الحاج نحو ثلاثة أيام، هكذا أخبرني به جماعة من أهل المدينة
سنة 723 اه‍ وفي الخلاصة (جندب) بالجيم المضمومة والنون الساكنة
والدال المهملة المفتوحة والباء الموحدة (وجنادة) بالجيم المضمومة والنون
والدال المهملة بعد الألف اه‍ (والغفاري) بكسر الغين وتخفيف الفاء نسبة
إلى غفار قبيلة.
الخلاف في اسمه
في الاستيعاب: اختلف في اسمه اختلافا كثيرا فقيل جندب بن
جنادة وهو أكثر وأصح ما قيل فيه إن شاء الله تعالى وقيل بدر بن جندب
ويقال برير بن عشرقة وبرير بن جنادة ويقال برير بن جنادة كذا قال ابن
إسحاق وقيل بر بن جندب أيضا عن ابن إسحاق ويقال جندب بن عبد الله
(أو جندب بن عبد) ويقال جندب بن سكن والمشهور المحفوظ جندب بن
جنادة اه وزاد في باب الكنى وقيل برير بن عبد الله وفي الطبقات الكبير
لابن سعد بسنده عن عبد الله المجمر قال اسم أبي ذر جندب بن جنادة قال
وكذلك قال محمد بن عمر (الواقدي) وهشام بن محمد بن السائب الكلبي
وغيرهما من أهل العلم قال محمد بن عمر سمعت أبا معشر نجيحا يقول
اسم أبي ذر برير بن جنادة اه‍ وفي رجال ابن داود قيل اسمه برير بالباء
المفردة المفتوحة والراء المكسورة والياء المثناة تحت والراء أخيرا اه‍ وفي أسد الغابة
المشهور انه جندب بن حنادة وقيل اسمه بر وقيل بالتصغير وقيل اسمه
السكن بن جنادة اه‍ وفي المستدرك للحاكم باسناده عن أبي عبيدة معمر بن
المثنى أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة الخ قال ابن سلام ويقال اسمه يزيد
وبسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير قال أبو ذر جندب بن جنادة الخ واما
ما ذكر من أن اسمه يزيد فقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماه به اه‍ وفي
الدرجات الرفيعة: أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة على الأصح
اه‍.
نسبته
في الاستيعاب: اختلف فيما بعد جنادة أيضا فقيل جندب بن جنادة
ابن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار وقيل جندب بن
جنادة بن صعير بن عبيد بن حرام بن غفار وقيل جندب بن جنادة بن
سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار اه‍ وزاد في الكنى: وقيل جندب بن
سفيان بن جنادة بن عبيد بن الواقفة بن حرام بن غفار بن مليل بن
ضمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار الغفاري اه‍
وفي طبقات ابن سعد الكبير أبو ذر واسمه جندب بن جنادة بن كعيب بن
صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن
مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
الياس بن مضر اه‍ وفي أسد الغابة المشهور انه جندب بن جنادة بن سكن
وقيل ابن عبد الله والاختلاف في أبيه كالاختلاف في اسمه الا في السكن
قيل يزيد بن عرفة (عشرقة) وقيل اسمه هو السكن بن جنادة بن قيس بن
بياض بن عمرو بن مليل بلامين مصغرا ابن صعير بمهملتين مصغرا ابن
حرام بمهملتين ابن غفار وقيل اسم جده سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار
قال ووقع في رواية لابن ماجة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لأبي ذر يا جنيدب
بالتصغير وهذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه أسنده كله ابن عساكر إلى
قائليه وقال هو ان بريرا تصحيف بريق وكذا زيد ويزيد وعرفة اه‍ ولا وجود
له في تاريخ ابن عساكر المطبوع مع أنه ورد الشام وذلك يدل على نقصان
النسخة المطبوعة كما ذكرناه في جارية بن قدامة وغيره، وفي المستدرك بسنده
عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة ابن سفيان بن عبيد بن حرام (وبسنده) عن محمد بن عبد الله بن نمير قال أبو
ذر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن صعير بن حرام بن غفار اه
وفي الدرجات الرفيعة اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن ربيعة
ابن حرام بن غفار وقيل اسم أبيه برير بموحدة مصغرا وبكسر أو عشرقة
أو عبد الله أو السكن اه ويأتي ما ذكره أصحابنا من الخلاف في اسمه.
أمه
في الاستيعاب: أمه رملة بنت الرفيعة - أو الوقيعة - من بني غفار بن
مليل أيضا اه وفي الإصابة يقال إنه أخو عمرو بن عبسة لامه اه‍ وأسلمت
أمه معه لما اسلم واخوه أنيس. وفي المستدرك للحاكم أمه رملة بنت الوقيعة
من بني غفار اه‍.
صفته
في أسد الغابة في الأسماء: كان أبو ذر آدم طويلا أبيض الرأس
واللحية وفي باب الكنى كان أبو ذر طويلا عظيما اخرجه أبو عمر اه ولم
أجده في الاستيعاب. وفي الطبقات الكبير بسنده عن الأحنف بن قيس
رأيت أبا ذر رجلا طويلا آدم البيض الرأس واللحية وفي الإصابة كان طويلا
أسمر اللون نحيفا وفيها عن رجل من بني عامر دخلت مسجد منى فإذا
شيخ معروق آدم عليه حلة قطري فعرفت انه أبو ذر بالنعت.
خبر اسلامه
في الاستيعاب في باب الكنى: له في اسلامه خبر حسن يروى من

225
حديث ابن عباس عنه ومن حديث عبد الله بن الصامت عنه ثم ذكر سنده
من حديث ابن عباس أنه قال لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قال
لأخيه أنيس: اركب إلى هذا الوادي واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه
يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ حتى قدم
مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال رأيته يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر ويأمر بمكارم الاخلاق وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر فقال ما
شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فاتى المسجد
فالتمس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعرفه وكره ان يسال عنه حتى أدركه الليل فاضطجع
فرآه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقال كان الرجل غريب قال نعم
قال انطلق إلى المنزل فانطلقت معه لا يسألني عن شئ ولا أسأله قال فلما
أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت وسرت إلى
مضجعي فمر بي علي فقال أ ما آن للرجل ان يعرف منزله فأقامه وذهب به
معه وما يسال واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا كان اليوم الثالث
فعل ذلك فأقامه علي معه ثم قال له أ لا تحدثني ما الذي أقدمك
هذا البلد؟ قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت ففعل
فأخبره (علي رضي الله عنه) انه نبي وان ما جاء به حق وانه رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وسلم فإذا أصبحنا فابتغي فاني رأيت شيئا قمت كأني أريق الماء
فان مضيت فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي. قال فانطلقت ودخلت معه
وحييت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحية الاسلام فقلت السلام عليك يا رسول الله
فكنت أول من حياه بتحية الاسلام فقال وعليك السلام من أنت قلت رجل
من بني غفار فعرض علي الاسلام فأسلمت وشهدت ان لا إله إلا الله وان
محمدا رسول الله فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راجع إلى قومك فأخبرهم
وأكتم امرك عن أهل مكة فاني أخشاهم عليك فقلت والذي نفسي بيده
لأصوتن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى اتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد
ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فثار القوم اليه وضربوه حتى
أضجعوه واتى العباس فأكب عليه وقال ويلكم ألستم تعلمون انه من بني
غفار وان طريق تجارتكم إلى الشام عليهم وأنقذه منهم ثم عاد من الغد إلى
مثلها وثاروا عليه فضربوه فأكب عليه العباس فأنقذه ثم لحق بقومه فكان
هذا أول اسلام أبي ذر. ورواه الحاكم في المستدرك بسنده نحوه ثم روى في
الاستيعاب بسنده عن يزيد بن أبي حبيب قال: قدم أبو ذر على النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة فاسلم ثم رجع إلى قومه فكان يسخر بآلهتهم ثم إنه قدم
على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة (الحديث) وفي المستدرك للحاكم بسنده عن
أبي ذر قال كنت ربع الاسلام اسلم قبلي ثلاثة نفر وانا الرابع اتيت النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت السلام عليك يا رسول الله أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد ان
محمدا رسول الله فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اه‍.
مؤاخاته
في الطبقات الكبير لابن سعد قال محمد بن إسحاق آخى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وانكر
محمد بن عمر. الواقدي - هذه المؤاخاة بين أبي ذر والمنذر بن عمرو وقال لم
تكن المؤاخاة الا قبل بدر فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة وأبو ذر
حين اسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة بعد ذلك اه وفي رجال بحر العلوم:
آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية وهي
مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين وكانت بعد الهجرة بثمانية أشهر اه وروى
الكشي في ترجمة سلمان الفارسي بسنده عن جعفر عن أبيه في حديث ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي ذر وسلمان. وروى الكليني في روضة الكافي
بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سلمان
وأبي ذر واشترط على أبي ذر ان لا يعصي سلمان (اه).
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جندب بن
جنادة الغفاري أبو ذر رحمه الله وقيل جندب بن السكن وقيل اسمه
برير بن جنادة مهاجري مات في زمن عثمان بالربذة وذكره في
أصحاب علي عليه السلام فقال جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن
يكنى أبا ذر أحد الأركان الأربعة وفي الفهرست جندب بن جنادة ويقال أبو
ذر الغفاري رحمه الله أحد الأركان الأربعة له خطبة يشرح فيها الأمور بعد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا بها الحسين بن عبيد الله عن الدرري عن الحسن بن علي
البصري عن العباس بن بكار عن الأشهب عن أبي رجاء العطاردي قال
خطب أبو ذر وذكرها بطولها اه‍ وفي الخلاصة جندب بن جنادة الغفاري أبو
ذر وقيل جندب بن السكن وقيل اسمه يزيد بن جنادة مهاجري أحد
الأركان الأربعة روي عن الباقر عليه السلام انه لم يتغير مات في زمن
عثمان بالربذة، له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه وقال الشهيد
الثاني في حواشي الخلاصة قوله مات في زمن عثمان توفي أبو ذر سنة 32
وصلى عليه ابن مسعود وقدم المدينة فأقام عشرة أيام فمات عاشرها، قوله
أحد الأركان الأربعة وهم سلمان والمقداد وأبو ذر وحذيفة اه وقال ابن
داود في رجاله جندب بضم الدال وفتحها ابن جنادة أبو ذر الغفاري وقيل
جندب بن السكن بالفتحتين وقيل اسمه برير بالباء المفردة المفتوحة والراء
المكسورة والياء المثناة تحت والراء أخيرا اه‍ ومراده بذلك الرد على العلامة
في قوله ان جندب بفتح الدال وفي قوله وقيل اسمه يزيد فان أحدا لم يقل
ان اسمه يزيد وانما قيل اسمه برير وفي منهج المقال في رجال الكشي
أحاديث كثيرة في مدحه الا انه لشهرته بالكنية نذكره في باب الكنى
إن شاء الله ونورد تلك الأحاديث هناك وقال في باب الكنى أبو ذر رحمه
الله اسمه جندب وقيل برير تقدم اه‍ فكأنه لما وصل إلى باب الكنى نسي انه
لم يذكرها في باب الأسماء ففاته ذكرها في البابين، وفي الاستيعاب في باب
الأسماء: كان اسلام أبي ذر قديما يقال بعد ثلاثة ويقال بعد أربعة وقد روي
عنه أنه قال انا ربع الاسلام وقيل كان خامسا ثم رجع إلى بلاد قومه بعدما
اسلم فأقام بها حتى مضت بدر وأحد و الخندق ثم قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فصحبه إلى أن مات ثم خرج بعد وفاة أبي بكر إلى الشام فلم يزل بها حتى
ولي عثمان ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية فنفاه وأسكنه الربذة
فمات بها، روي عنه جماعة من الصحابة وكانوا أوعية العلم المبرزين في
الزهد والورع والقول بالحق. وفي باب الكنى: كان من كبار الصحابة قديم
الاسلام يقال اسلم بعد أربعة فكان خامسا ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام
بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة اه‍ وفي أسد الغابة: هو أول من حيا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحية الاسلام وكان يعبد الله قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث
سنين وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا تأخذه في الله لومة لائم وعلى ان يقول
الحق وان كان مرا اه‍ وفي الإصابة: أبو ذر الغفاري الزاهد المشهور
الصادق اللهجة كان من السابقين إلى الاسلام ثم ذكر خبر اسلامه عند
مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر وفي أوله صليت قبل ان
يبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث وجهني الله اه وهذا معنى ما مر عن أسد الغابة انه
صلى قبل البعثة بثلاث سنين. وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن

226
عبد الله بن الصامت الغفاري عن أبي ذر في حديث أنه قال: وقد صليت يا
ابن أخي قبل ان القى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين فقالت لمن؟ قال لله
فقلت أين توجه قال أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من
آخر السحر ألفيت كأني خفاء (1) حتى تعلوني الشمس (الحديث) ورواه في
حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر مثله وروى في حلية الأولياء أيضا بسنده عن
أبي ذر: صليت قبل الاسلام بأربع سنين قيل له من كنت تعبد قال اله
السماء قيل فأين كانت قبلتك قال حيث وجهني
الله عز وجل. وروى ابن سعد في الطبقات - بسنده كان أبو ذر رجلا
يصيب الطريق وكان شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق ويغير على الصرم في
عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق الحي ويأخذ
ما اخذ ثم إن الله قذف في قلبه الاسلام (الحديث) (أقول) هذا ينافي ما
ذكره ابن سعد في طبقاته أيضا قال أخبرنا محمد بن عمر حدثني نجي أبو
معشر قال كان أبو ذر يتاله في الجاهلية ويقول لا إله إلا الله ولا يعبد
الأصنام الحديث فمن يكون متألها لا يكون من قطاع الطريق. نعم روى
ابن سعد باسناده في حديث ان أبا ذر بعد ما اسلم قال يا رسول الله اني
منصرف إلى أهلي وناظر متى يؤمر بالقتال فالحق بك فاني أرى قومك عليك
جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أصبت! فانصرف فكان يكون بأسفل ثنية
غزال فكان يعترض لعيرات قريش فيقتطعها فيقول: لا أرد إليكم منها شيئا
حتى تشهدوا ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، فان فعلوا رد عليهم
ما اخذ منهم وان أبوا لم يرد عليهم شيئا، فكان على ذلك حتى هاجر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومضى بدر وأحد ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى أيضا بسنده في آخر الحديث الذي فيه انه كان يتأله: انه بعدما
اسلم رأى امرأة تطوف بالبيت وتدعو بأحسن دعاء في الأرض وتقول:
أعطني كذا وكذا، ثم قالت في آخر ذلك يا اساف ويا نائلة! فقال أبو ذر
انكحي أحدهما صاحبه فتعلقت به وقالت أنت صابئ، فجاء فتية من
قريش فضربوه وجاء ناس من بني بكر فنصروه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال
يا رسول الله اما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ضربوني، فخرج حتى
أقام بعسفان، وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ينفر بهم على ثنية
غزال فتلقي أحمالها فجمعوا الحنط قال يقول أبو ذر لقومه: لا يمس أحد
حبة حتى يقولوا لا إله إلا الله، فيقولون لا اله إلا الله ويأخذون الغرائر.
وروى في الطبقات أيضا باسناده عن أبي ذر: كنت في الاسلام
خامسا، وباسناده عن حكام بن أبي الوضاح البصري: كان اسلام أبي ذر
رابعا أو خامسا. وبسنده عن أبي ذر في حديث أنه قال: ما زال في الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ما ترك لي الحق صديقا. وفي المستدرك
للحاكم: ذكر مناقب أبي ذر الغفاري ثم روى بسنده عن مصعب بن
عبد الله الزبيري قال أبو ذر جندب بن جنادة وقيل يزيد بن جنادة، توفي
بالربذة سنة 32 واختلفوا فيمن صلى عليه فقيل عبد الله بن مسعود وقيل
جرير بن عبد الله البجلي اه‍. وعن ابن حجر في التقريب: تقدم اسلامه
وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا، ومناقبه كثيرة جدا اه. وفي الدرجات
الرفيعة: وقال غير ابن حجر اسلم خامس خمسة ثم رجع أي ارض قومه
وقدم بعد الهجرة، وكان من أكابر العلماء والزهاد كبير الشأن، كان
عطاؤه في السنة أربعمائة دينار، وكان لا يدخر شيئا اه‍. ثم قال: كان
أبو ذر من أعاظم الصحابة وكبرائهم الذين أوفوا بما عاهدوا عليه الله وهو
أحد الأركان الأربعة وكفاه شرفا ما رواه في وصيته المشهورة التي أوصاه بها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له يا رسول الله بأبي أنت وأمي أوصني بوصية
ينفعني الله بها! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم وأكرم بك يا أبا ذر! انك منا أهل البيت
، واني موصيك بوصية فاحفظها، ثم ذكر الوصية قال: ولولا طولها
وما اشترطناه على أنفسنا من الاختصار لأوردناها اه‍ وسنذكرها بتمامها
(انش) عند ذكر وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وفي حلية الأولياء: ومنهم العابد
الزهيد، القانت الوحيد، رابع الاسلام، ورافض الأزلام قبل نزول
الشرع والاحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيا
الرسول بتحية الاسلام، لم تكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه
سطوة الولاة والحكام أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت على
المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا،!
واعتزل مخالطة البرايا، إلى أن حل بساحة المنايا. أبو ذر الغفاري رضي
الله عنه. خدم الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول. وقد قيل: ان
التصوف التأله والتدله، عن غلبات التوله. ثم قال وكان أبو ذر رضي
الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ملازما وجليسا، وعلى مسألته والاقتباس منه
حريصا، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا سأله عن الأصول والفروع،
وسأله عن الايمان والاحسان، وسأله عن رؤية ربه تعالى، وسأله عن
أحب الكلام إلى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم
تبقى، وسأله عن كل شئ حتى عن مس الحصا في الصلاة تخلى من
الدنيا وتشمر للعقبى وعانق البلوى إلى أن لحق بالمولى اه‍. وأراد بمس
الحصا ما رواه هو بسنده عن أبي ذر: سالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل
شئ حتى سألته عن مس الحصا فقال: مسه أو دع اه ثم روى بسنده عن
أبي ذر كنت رابع الاسلام اسلم قبلي ثلاثة وانا الرابع اه‍.
وفي رجال بحر العلوم: جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري رابع
الاسلام وخادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحد الحواريين الذين مضوا على منهاج سيد
المرسلين ثم ذكر بدء اسلامه وذهابه إلى بلاد قومه ثم هجرته إلى المدينة
ومؤاخاته وقال ثم شهد مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولزم بعده أمير المؤمنين عليه
السلام وكان من المجاهرين بمناقب أهل البيت عليهم السلام ومثالب
أعدائهم لم تأخذه في الله لومة لائم عند ظهور المنكر وانتهاك المحارم ثم ذكر
ما قاله فيه النبي والوصي عليهما السلام ثم قال وكان بينه وبين عثمان
مشاجرة في مسالة من مسائل الزكاة فتحا كما عند رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم فحكم لأبي
ذر على عثمان. قال وذكر ابن شهرآشوب انه ثاني اثنين صنفا في
الاسلام. قال: وروي انه لما اشتد انكار أبي ذر على عثمان نفاه إلى الشام
واخذ في النكير عليه وعلى معاوية، وكان يقول: والله اني لأرى حقا يطفى
وباطلا يحيى وصادقا مكذبا وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه، فكتب
معاوية إلى عثمان: ان أبا ذر قد صرف قلوب أهل الشام عنك وبغضك
إليهم، فلا يستفتون غيره ولا يقضي بينهم الا هو. فكتب إلى معاوية ان
أحمل أبا ذر على ناب صعبة وقتب ثم ابعث به مع من ينخش به نخشا عنيفا
حتى يقدم به علي. فلما قدم به على عثمان كان مما أنبه به ان قال إنه يقول إنه
خير من الشيخين! فقال أبو ذر: اجل والله لقد رأيتني رابع أربعة مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما اسلم غيرنا ولا أسلما! فقال علي: والله لقد
رأيته وهو ربع الاسلام. ثم إن عثمان نفاه إلى الربذة فلم يزل بها حتى
مات سنة 32 من الهجرة، وقبره بالربذة معروف اه‍.



(1) الخفاء الكساء وزنا ومعنى - المؤلف -
227
ما ورد فيه من الروايات
قال الكشي في رجاله: أبو ذر أبو الحسن محمد بن سعد بن مزيد
ومحمد بن أبي عوف قالا حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي
المروزي رفعه قال أبو ذر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأنه: ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده
ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده، وهو الهاتف بفضائل
أمير المؤمنين عليه السلام، ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلافه إياه. فنفاه
القوم عن حرم الله وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا
وطاء (إلى أن قال): فقتلوه فقرأ وجوعا وذلا وضمرا (وضرا) وصبرا.
وفي الاستيعاب في باب الأسماء: سئل علي رحمه الله عن أبي ذر فقال ذاك
رجل وعى علما عجز عنه الناس ثم اوكا عليه ولم يخرج شيئا منه اه‍.
أقول: معنى قوله (عجز عنه الناس) - والله أعلم -: انه وعى علما كثيرا
عجز غيره عن أن يعي مثله لكثرته، وحاصله انه كان شديد الطلب للعلم
ولم يقدر غيره ان يطلب من العلم ويحفظ منه بقدر ما طلب هو وحفظ من
العلم لشدة رغبته في اخذ العلم ووعيه، وقوله (ثم أوكأ عليه ولم يخرج
شيئا منه): دال على أن ذلك العلم كان مما لا تطيق عقول الناس حمله ولا
تقبل نفوسهم التصديق به، فلذلك كتمه عنهم، وأوكأ عليه كالذي يوكئ
على مال أو غيره. والا فليس يخفي علي أبي ذر ما جاء من الذم في حق
كاتم العلم، ويحتمل ان يراد بعجز الناس عنه عجز عقولهم عن حمله وقبوله
ونفوسهم عن التصديق به، وما في هذا الحديث يفسر ما في الحديث الذي
رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن زاذان قال: سئل علي عن أبي ذر فقال
وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصا شحيحا على دينه حريصا على
العلم وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع اما انه قد ملئ له في وعائه حتى
امتلأ. فلم يدروا ما يريد بقوله (وعى علما عجز فيه: اعجز عن كشف
ما عنده من العلم؟ أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه‍.
فان الحديث المروي في الاستيعاب صريح في أن الناس عجزوا عن هذا
العلم لا هو، وحينئذ فالظاهر أن يقرأ عجز فيه بالبناء للمجهول اي عجز
الناس فيه، ويمكن ان يكون أصله عجز عنه فصحف من النساخ،
وقوله: (فلم يدروا الخ...) غير بعيد ان يكون المراد به ان من تأخر عن
ذلك العصر لم يدر ما يريد به ولو كان الذين سمعوه لم يدروا ما أراد لسألوه
عن مراده، والله أعلم. ولا يخفى ما في هذه الأحاديث من المدح العظيم
لأبي ذر بالعلم من أنه وعى من العلم ما عجز عنه الناس، وانه ملئ له في
وعائه حتى امتلأ، وأي فضل أفضل من العلم واي درجة أعلى من درجة
العلم. وفي الاستيعاب في الأسماء: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: في أمتي
أبو ذر شبيه عيسى بن مريم في زهده وبعضهم يرويه: من سره ان ينظر إلى
تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. ومن حديث ورقاء وغيره عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ومن سره ان ينظر إلى تواضع
عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر اه. وفي أسد الغابة: روي أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو ذر يمشي على الأرض في زهد عيسى بن مريم. وفي
الاستيعاب في الأسماء: وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن
حوشب عن عبد الرحمان بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل رجل
من أهل المدينة فسأله فقال أين تركت أبا ذر قال بالربذة فقال أبو الدرداء:
إنا لله وإنا إليه راجعون لو أن أبا ذر قطع مني عضوا ما هجته لما سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه (وفيه) في باب الكنى بسنده عن أبي الدرداء أن
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي
ذر قال: وقال أبو ذر لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يحرك طائر جناحيه في
السماء إلا ذكرنا منه علما اه وفي الإصابة اخرج الطبراني من حديث أبي
الدرداء كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ويتفقده إذا غاب اه‍
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبد الله بن عمر سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي
ذر. وبسنده عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر من سره أن ينظر إلى تواضع
عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. وبسنده عن مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال أيكم يلقاني على الحال التي أفارقه عليها فقال أبو ذر أنا فقال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقت ثم قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة
أصدق من أبي ذر من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي
ذر وبسنده عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر وبسنده عن محمد بن سيرين قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من
أبي ذر، وبسنده عن علي أنه قال لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم
غير أبي ذر ولا نفسي ثم ضرب بيده إلى صدره (قوله) ولا نفسي ان صح
حمل على التواضع وهضم النفس والا فمن الذي لا يخشى في الله لومة لائم
مثل علي (ع). وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مالك بن مرثد عن
أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تقل الغبراء وما تظل الخضراء
من ذي لهجة أصدق لا أوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم فقام عمر بن
الخطاب فقال يا رسول الله فنعرف ذلك له قال نعم فاعرفوه له، قال هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وبسنده عن عبد الله بن عمر
سمعت عن أبي الدرداء قال: قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت
الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وفي الدرجات
الرفيعة روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أراد أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم
فلينظر إلى زهد أبي ذر قال: وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن زيد بن
وهب وأبو علي المحمودي المروزي في أماليه أنه قال صلوات الله عليه ما
أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر وفي رواية
الترمذي أصدق وأوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم ثم قال عمر بن
الخطاب يا رسول الله أفنعرف ذلك له فقال نعم فاعرفوه وفي رواية
المحمودي يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده و يدخل الجنة وحده.
(وروى) الصدوق في العيون باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي صلوات
الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو ذر صديق هذه الأمة اه‍ وقال ابن
أبي الحديد في شرح النهج: قد جاء في الأخبار الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم
قال إن الجنة لتشتاق إلى أربعة علي وعمار وأبي ذر والمقداد اه‍.
زهده
قال الكشي في رجاله: حدثني علي بن محمد القثيبي حدثنا الفضل
ابن شاذان حدثني أبي عن علي بن الحكم عن موسى بن بكير قال: قال أبو
الحسن (ع) قال أبو ذر من جزى الله عنه الدنيا خيرا فجزاها الله عني مذمة
بعد رغيفي شعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي صوف اتزر

228
بإحداهما وارتدي بالأخرى قال وقال إن أبا ذر بكى من خشية الله حتى
اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك فقال إني
عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له وما شغلك عنهما قال العظيمتان
الجنة والنار قال وقيل له عند الموت يا أبا ذر ما مالك قال عملي قالوا أنا
نسألك عن الذهب والفضة قال ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح
لنا كندوج (1) ندع فيه خير (حر) متاعنا سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول
كندوج المرء قبره، وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن عبد الله بن
خراش رأيت أبا ذر في مظلة وفي رواية في مظلة شعراء وتحته امرأة سحماء.
وبسنده عن محمد سالت ابن أخت لأبي ذر ما ترك أبو ذر فقال ترك تأنين
وعفوا وأعنزا وركائب فقال العفو الحمار الذكر وبسنده عن جعفر بن برقان
عن غالب بن عبد الرحمن لقيت رجلا قال كنت أصلي مع أبي ذر في بيت
المقدس فكان إذا دخل خلع خفيه فإذا بزق أو تنخع تنخع عليهما ولو جمع
ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته قال جعفر
فذكرت هذا الحديث لمهران بن ميمون فقال ما أراه كان ما في بيته يسوى
درهمين وفي الاستيعاب روى إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كان
قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعا من تمر فلست بزائد عليه حتى القى الله
وفي الطبقات بسنده عن عطاء بن أبي مروان أنه رأى أبا ذر في نمرة مؤتزرا
بها قائما يصلي قال فقلت يا أبا ذر أمالك ثوب غير هذه النمرة قال لو كان لي
لرأيته علي قال فاني رأيت عليك منذ أيام ثوبين فقال يا بن أخي أعطيتهما
من هو أحوج اليهما مني قلت والله انك لمحتاج اليهما قال اللهم غفرا انك
لمعظم الدنيا أليس ترى علي هذه البردة ولي أخرى للمسجد ولي اعنز
نحلبها ولي أحمرة نحتمل عليها ميرتنا وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا
فأي نعمة أفضل مما نحن فيه (وبسنده) عن أبي شعبة قال جاء رجل من
قومنا أبا ذر يعرض عليه نفقة فأبى أبو ذر أن يأخذ وقال لنا أحمرة نحتمل
عليها وأعنز نحلبها ومحررة تخدمنا وفضل عباءة عن كسوتنا واني لأخاف ان
أحاسب بالفضل. وبسنده عن عيسى بن عميلة الفزاري قال أخبرني من
رأى أبا ذر يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه ولقد رأيته ليلة
حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شئ الا مصره وقرب إليهم تمرا وهو
يسير ثم تعذر إليهم وقال لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به قال:
وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئا. وبسنده عن خالد بن حيان قال: كان أبو
ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق. وبسنده عن عبد الله بن
خراش الكعبي قال: وجدت أبا ذر في مظلة شعر بالربذة تحته امرأة سحماء
فقلت يا أبا ذر تزوج سحماء؟ قال أتزوج من تضعني أحب إلي ممن ترفعني -
الحديث. وبسنده: كسي أبو ذر بردتين فائتزر بإحداهما وارتدى بشملة
وكسا إحداهما غلامه ثم خرج على القوم فقالوا له: لو كنت لبستهما جميعا
كان أجمل! قال أجل، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أطعموهم مما
تأكلون وألبسوهم مما تكسون. وفي حلية الأولياء بسنده عن عبد الله بن
الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع عمي على عثمان! إلى أن قال:
ثم قام - يعني أبا ذر - فقال اعزموا دنياكم ودعونا وربنا وديننا، وكانوا
يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف، وكان عنده كعب، فقال عثمان
لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويعطي في السبل
ويفعل ويفعل؟ قال إني لأرجو له خيرا. فغضب أبو ذر ورفع العصا على
كعب وقال: وما يدريك يا ابن اليهودية! ليودن صاحب هذا المال يوم
القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه اه‍. وفي الدرجات
الرفيعة: روي أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف قال أناس من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك! فقال كعب: وما
تخافون عليه؟ كسب طيبا وأنفق طيبا. فبلغ ذلك أبا ذر رحمة الله عليه،
فخرج مغضبا يريد كعبا فمر فلحق عظم بعير فاخذه بيده ثم انطلق يطلب
كعبا فقيل لكعب أن أبا ذر يطلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان
يستغيث به وأخبره الخبر فاقبل أبو ذر يقتص الخبر في طلب كعب حتى
انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي
ذر رحمه الله فقال أبو ذر ههنه يا ابن اليهودية تزعم أنه لا باس بما ترك
عبد الرحمن لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو أحد وانا معه فقال: يا أبا ذر
فقلت لبيك يا رسول الله فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة الا من قال
هكذا وهكذا عن يمينه وشماله وفوقه وخلفه وقدامه وقليل ما هم ثم قال يا
أبا ذر قلت نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال ما سرني أن لي مثل أحد
أنفقه في سبيل الله أموت ثم أموت ولا أترك منه قيراطين ثم قال يا أبا ذر
أنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد هذا وأنت تقول يا
ابن اليهودية لا باس بما ترك عبد الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال
فلم يرد عليه حرفا حتى خرج (وفي حلية الأولياء) بسنده عن عبد الله ابن
خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، له امرأة سحماء، وهو
جالس على قطعة جوالق فقيل له انك امرؤ ما يبقى لك ولد. فقال: الحمد
لله الذي يأخذهم في دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء. قالوا يا أبا ذر لو
اتخذت امرأة غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة
ترفعني. فقالوا له لو اتخذت بساطا ألين من هذا، قال اللهم غفرا، خذ مما
خولت ما بدا لك وبسنده عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو
بالربذة، وعنده امرأة له سوداء شعثة ليس عليها أثر المجاسد والخلوق، قال
فقال الا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السوداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا
أتيت العراق مالوا علي بدنياهم، وان خليلي عهد إلي ان دون جسر جهنم
طريقا ذا دحض ومزلة، وانا ان نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار، أحرى ان
ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير، وبسنده عن أبي بكر بن المنكدر قال
بعث حبيب بن مسلمة - وهو أمير الشام - إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار وقال
استعن بها على حاجتك. فقال أبو ذر: ارجع بها اليه، أما وجد أحدا أغر
بالله منا، ما لنا الا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا
تصدقت علينا بخدمتها ثم اني لأتخوف الفضل وبسنده عن محمد بن
سيرين. قال: بلغ الحارث - رجلا كان بالشام - من قريش - ان أبا ذر به
عوز، فبعث اليه بثلاثمائة دينار. فقال: ما وجد عبد الله تعالى هو أهون
عليه مني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من سأل وله أربعون فقد الحف)
ولآل أبي ذر أربعون درهما وأربعون شاة (وبسنده) عن أبي ذر قال: كان
قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعا، فلا أزيد عليه حتى القى الله عز وجل
(وبسنده) عن أبي ذر قيل له أ لا تتخذ ضيعة كما اتخذ فلان وفلان؟ قال وما
أصنع بان أكون أميرا، وإنما يكفيني كل يوم شربة ماء - أو لبن - وفي الجمعة
قفيز من قمح (وبسنده) عن ثابت ان أبا ذر مر بأبي الدرداء وهو يبني بيتا
له. فقال: لقد حملت الصخر على عواتق الرجال؟ فقال: إنما هو بيت
ابنيه. فقال له أبو ذر رضي الله تعالى عنه: مثل ذلك، فقال يا أخي لعلك

229
وجدت علي في نفسك من ذلك. قال: لو مررت بك وأنت في عذرة أهلك
كان أحب إلي مما رأيتك فيه (وبسنده) عن أبي ذر أنه قال يولدون للموت،
ويعمرون للخراب ويحرصون على ما يفنى، ويتركون ما يبقى، الا حبذا
المكروهان الموت والفقر. وبسنده عن أبي ذر أنه قال: في المال ثلاثة شركاء:
القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث
ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم. فإن استطعت أن لا تكون
أعجز الثلاثة فلا تكونن فان الله عز وجل يقول: (لن تنالوا البر حتى
تنفقوا ما تحبون) الا وان هذا الجمل مما كنت أحب من مالي، فأحببت ان
أقدمه لنفسي. وبسنده عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا
صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه
فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة! فقال: يا
بنية ضعيها فان أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء الا
أفلسه هذه. وبسنده عن أبي ذر قال: ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي
الدرهم. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي ذر أنه قال: اني
لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وذلك اني سمعته يقول:
أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيأة ما تركته فيها، وانه
والله ما منكم من أحد الا وقد تشبث منها بشئ غيري. وفي البحار عن
كتاب الحسين بن سعيد عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (ع)
قال: أتى أبا ذر رجل يبشره بغنم له قد ولدت فقال: يا أبا ذر أبشر فقد
ولدت غنمك وكثرت! فقال: ما يسرني كثرتها وما أحب ذلك، فما قل
وكفى أحب إلي مما كثر وإلهي! اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على حافتي
الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مر عليه الوصول للرحم المؤدي
للأمانة لم يتكفأ به في النار اه‍.
عبادته
روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي عثمان النهدي قال رأيت
أبا ذر يميد على راحلته وهو مستقبل مطلع الشمس فظننته نائما فدنوت منه
فقلت أنائم أنت يا أبا ذر قال لا بل كنت أصلي (وفي حلية الأولياء) بسنده
عن محمد بن واسع ان رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر
يسألها عن عبادة أبي ذر فقال جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر قالت كان
النهار أجمع خاليا يتفكر. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن الصادق
عليه السلام قال كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر.
شدة خوفه من الله
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال والله لو تعلمون ما أعلم ما
انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددت ان الله عز
وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها. وروى الصدوق في
الخصال بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: بكى أبو ذر من
خشية الله عز وجل حتى اشتكى بصره، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله ان
يشفي بصرك! فقال: اني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي! قالوا وما
يشغلك عنه؟ قال: العظيمان الجنة والنار اه‍. وفي البحار عن كتاب
الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن الثمالي عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام قال: إن أبا ذر عير رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمه فقال له:
يا ابن السوداء - وكانت أمه سوداء - فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعيره بأمه يا أبا
ذر! فلم يزل أبو ذر يمرع وجهه في التراب ورأسه حتى رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عنه اه‍.
بعض فتاواه
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر ان رجلا أتاه فقال: ان مصدقي
عثمان ازدادوا علينا أ نغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال لا قف ما لك
وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه، فما تعدوا عليك
جعل في ميزانك يوم القيامة وعلى رأسه فتى من قريش. فقال: أما نهاك أمير
المؤمنين عن الفتيا؟ فقال: أرقيب أنت علي، فوالذي نفسي بيده لو
وضعتم الصمصمامة ههنا، ثم ظننت اني منفذ كلمة سمعتها من رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان تحتزوا لأنفذتها اه‍.
موالاته لعلي (ع)
في كشف الغمة عن أحمد بن مردويه في كتاب المناقب عن محمد بن
علي بن رحيم عن الحسن بن الحكم الخيري عن سعد بن عثمان الخزاز عن
أبي مريم عن داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال: الا
أحدثك بحديث لم يختلط؟ قلت بلى! قال: مرض أبو ذر فأوصى إلى علي
(ع) فقال بعض من يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان كان أجمل
لوصيتك من علي! قال والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين!
والله انه للربيع الذي يسكن اليه ولو قد فارقكم، لقد أنكرتم الناس
وأنكرتم الأرض، قال قلت يا أبا ذر انا لنعلم ان أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أحبهم إليك! قال اجل! قلنا فأيهم أحب إليك؟ قال هذا الشيخ المظلوم
المضطهد حقه، يعني علي بن أبي طالب.
وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي قال روى
محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال أتيت أبا ذر
بالربذة أودعه، فلما أردت الانصراف قال لي ولأناس معي: ستكون فتنة
فاتقوا الله وعليكم بالشيخ: علي بن أبي طالب فاتبعوه.
بعض اخباره
روى الكليني في روضة الكافي عن شعيب العقرقوفي قلت لأبي
عبد الله (ع) شئ يروى عن أبي ذر رضي الله عنه انه كان يقول ثلاث
يبغضها الناس وأنا أحبها أحب الموت وأحب الفقر وأحب البلاء. فقال إن
هذا ليس على ما ترون انما عنى بالموت في طاعة الله أحب إلي من الحياة في
معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله،
والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله اه‍.
وروى الكليني في روضة الكافي بسنده عن أبي عبد الله (ع) قال:
كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم آنس وحشتي
وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم
عليه وقال له من أنت يا عبد الله فقال أنا أبو ذر فقال الرجل الله أكبر الله
أكبر فقال أبو ذر ولم تكبر يا عبد الله فقال إني دخلت المسجد فدعوت الله عز
وجل أن يؤنس وحشتي وان يصل وحدتي وان يرزقني جليسا صالحا فقال له
أبو ذر انا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول انا وأنتم على ترعة يوم القيامة حتى يفرع الناس من الحساب
ثم يا عبد الله فقد نهى السلطان عن مجالستي اه‍.

230
وفي لباب الآداب: أورد الإمام أبو الحسن يحيى بن نجاح في كتاب
سبل الخيرات ان عثمان بن عفان أرسل إلى أبي ذر الغفاري صبرة فيها نفقة
على يد عبد له وقال إن قبلها فأنت حر فأتاه بها فلم يقبلها فقال اقبلها
يرحمك الله فان فيها عتقي فقال إن كان فيها عتقك فان فيها رقي وأبي أن
يقبلها اه‍ وروى الحميري في المحاسن بسنده عن الصادق (ع) وقال رؤي
أبو ذر يسقي حمارا له بالربذة فقال له بعض الناس أما لك يا أبا ذر من
يسقي لك هذا الحمار فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من دابة الا
وهي تسأل كل صباح اللهم ارزقني مليكا صالحا يشبعني من العلف ويرويني
من الماء ولا يكلفني فوق طاقتي فأنا أحب أن أسقيه بنفسي اه‍.
خبره في غزوة تبوك
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن مسعود قال لما سار
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون يا رسول الله
تخلف فلان فيقول دعوه ان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير
ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوه ان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير
ذلك فقد أراحكم الله منه فتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه
فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشي على
الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو
والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده
ويبعث وحده. وفي تفسير علي بن إبراهيم: كان أبو ذر تخلف عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام وذلك أن جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيام ووقف
عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر
المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركوه بالماء فإنه عطشان فأدركوه بالماء ووافى أبو ذر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر معك ماء
وعطشت فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها
ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي
رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر رحمك الله تعيش وحدك وتموت
وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم يتولون غسلك
وتجهيزك ودفنك (الحديث).
ما روي عنه من الاخبار
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال ليأتين عليكم زمان يغبط
الرجل فيه بخفة الحاذ كما يغبط اليوم فيكم أبو عشرة اه‍. الحاذ الظهر كني
به عن قلة المال والولد. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن المنتصر بن
عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا
اقترب الزمان كثر لبس الطيالسة وكثرت التجارة وكثر المال وعظم رب المال
بماله وكثرت الفاحشة وكانت امارة الصبيان وكثر النساء وجار السلطان
وطفف في المكيال والميزان ويربي الرجل جرو كلب خير له من أن يربي ولدا
له ولا يوقر كبير ولا يرحم صغير ويكثر أولاد الزنا حتى أن الرجل ليغشى
المرأة على قارعة الطريق فيقول أمثلهم في ذلك الزمان لو اعتزلتما عن الطريق
ويلبسون جلود الضان على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك الزمان المداهن.
ما رواه من المواعظ والحكم
(عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
في أسد الغابة بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل
(ع) عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي اني قد حرمت الظلم على
نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار
وانا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي كلكم
جائع الا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار الا من
كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم
وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئا يا
عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل
منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم
وجنكم كانوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل انسان ما سأل لم ينقص
ذلك من ملكي شيئا الا كما ينقص البحر ان يغمس فيه المخيط غمسة
واحدة يا عبادي انما هي اعمالكم احفظها عليكم فمن وجد خيرا فليحمد
الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه اه (وروى) الحاكم في
المستدرك بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالقوا الناس بأخلاقهم
وخالفوهم في اعمالهم. (وبسنده) عن صدقة بن أبي عمران بن حطان قال
اتيت أبا ذر فوجدته في المسجد محتبئا بكساء اسود وحده فقلت يا أبا ذر ما
هذه الوحدة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الوحدة خير من جليس
السوء والجليس الصالح خير من الوحدة واملاء الخير خير من السكوت
والسكوت خير من املاء الشر.
وفي الطبقات الكبير بسنده عن أبي ذر: أوصاني خليلي بسبع امرني
بحب المساكين والدنو منهم وأمرني ان انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من
هو فوقي وأمرني ان لا أسأل أحدا شيئا وأمرني ان أصل الرحم وان اذبرت
وأمرني ان أقول الحق وان كان مرا وأمرني ان لا أخاف في الله لومة لائم
وأمرني ان أكثر من لا حول ولا قوة الا بالله فإنهن من كنز تحت العرش.
وبسنده عن أبي ذر قال إن خليلي عهد إلي ان اي مال ذهب أو فضة أو كي
عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله. وبسنده عن أبي ذر أنه قال
ليس من وعى ذهبا أو فضة يوكي عليه الا وهو يتلظى على صاحبه وفي
حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر ان خليلي صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلي أنه أيما ذهب أو
فضة أو كئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى ينفقه في سبيل الله عز وجل.
وبسنده عن أبي ذر: نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلو علي هذه الآية: * (ومن يتق الله يجعل
له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا
ذر اني لأعلم آية لو اخذ الناس بها لكفتهم * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ويرزقه من حيث لا يحتسب) * فما زال يقولها ويعيدها علي.
وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر
روى الصدوق في الخصال ومعاني الأخبار بسنده عن عتبة بن عمير
الليثي عن أبي ذر، ورواه أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بأسانيده عن
أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر واللفظ بحلية الأولياء قال أبو ذر دخلت
المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس وحده فجلست اليه فقال (يا أبا ذر ان
للمسجد تحية وان تحيته ركعتان فقم فاركعهما) فقال فقمت فركعتهما ثم
عدت فجلست اليه فقلت يا رسول الله انك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟
قال (خير موضوع استكثر أو استقل) قلت يا رسول الله فأي الأعمال

231
أفضل؟ قال: (ايمان بالله عز وجل، وجهاد في سبيله) قال قلت يا رسول
الله فأي المؤمنين أكملهم ايمانا؟ قال: (أحسنهم خلقا) قال قلت يا رسول
الله فأي المؤمنين اسلم؟ قال (من سلم الناس من لسانه ويده) قال: قلت
يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: (من هجر السيئات) قال: قلت يا
رسول الله فأي الصلاة أفضل؟ قال (طول القنوت) قال قلت يا رسول الله
فما الصيام؟ قال (فرض مجز وعند الله اضعاف كثيرة) قال: قلت يا رسول
الله فأي الجهاد أفضل؟ قال (من عقر جواده وأهريق دمه) قال: قلت يا
رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال (أغلاها ثمنا وأنفسها عند ربها) قال:
قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: (جهد من مقل يسر إلى فقير)
قلت يا رسول الله أوصني! قال (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله)
قلت يا رسول الله زدني! قال (عليك بتلاوة القرآن فان نور لك في الأرض
وذكر لك في السماء) قلت يا رسول الله زدني! قال (إياك وكثرة الضحك فإنه
يميت القلب ويذهب بنور الوجه) قلت يا رسول الله زدني! قال (عليك
بالجهاد فإنه رهبانية أمتي) قلت يا رسول الله زدني! قال (أحب المساكين
وجالسهم) قلت: يا رسول الله زدني! قال (انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى
من فوقك فإنه أجدر ان لا تزدري نعمة الله عندك) قلت زدني يا رسول
الله! قال (صل قرابتك وان قطعوك) قلت يا رسول الله زدني قال (لا تخف
في الله تعالى لومة لائم) قلت يا رسول الله زدني قال: (قل الحق وان كان
مرا) قلت يا رسول الله زدني، قال: (يردك عن الناس ما تعرف من
نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى به عيبا ان تعرف من الناس ما
تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي). ثم ضرب بيده على صدري
فقال (يا أبا ذر! لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن
الخلق). وروى الحميري في قرب الإسناد بسنده عن أبي ذر قال: أوصاني
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع: أوصاني ان لا انظر إلى من هو فوقي، وأوصاني
بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني ان لا أسال أحدا شيئا، وأوصاني ان
أقول الحق وان كان مرا، وأوصاني ان أصل رحمي وان أدبرت، وأوصاني
ان لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني ان استكثر من قول لا حول ولا
قوة الا بالله العلي العظيم فإنها من كنوز الجنة.
وصية النبي الطويلة بي ذر
وهذه الوصية رواها الطبرسي في مكارم الأخلاق والشيخ الطوسي في
أماليه باسنادهما إلى أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه، وأوردها ورام
في مجموعته مرسلة عن أبي حرب عن أبيه، وقد كرر لفظ يا أبا ذر في أول
كل جملة من هذه الوصية ونحن حذفناه اختصارا فليعلم ذلك. قال أبو
الأسود الدؤلي: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضي
الله عنه فحدثني أبو ذر قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده فلم أر في المسجد أحدا من الناس الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وعلي إلى جانبه، فاغتنمت خلوة المسجد فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي
أوصني بوصية ينفعني الله بها! فقال نعم وأكرم بك يا أبا ذر انك من
أهل البيت واني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير
وسبله فإنك ان حفظتها كان لك بها كفل: اعبد الله كأنك تراه فان كنت
لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به انه الله الأول قبل كل
شئ فلا شئ قبله والفرد فلا ثاني له والباقي لا إلى غاية فاطر السماوات
والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل
شئ قدير، ثم الايمان به والاقرار بان الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس
بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين
اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واعلم أن الله عز وجل جعل
أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ومثل
باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا. احفظ ما أوصيك به تكن
سعيدا في الدنيا والآخرة. نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة
والفراغ. اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك
وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك. إياك والتسويف
بأملك فإنك بيومك ولست بما بعده فان يكن غد لك فكن في الغد كما كنت
في اليوم وان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم، كم مستقبل
يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يبلغه، لو نظرت إلى الأجل ومصيره لا
بغضت الأمل وغروره، كن كأنك في الدنيا كعابر سبيل وعد نفسك من
أصحاب القبور. إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا
تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل
موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا، إياك ان تدركك الصرعة عند العثرة
فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت بما تركت ولا
يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به، كن على عمرك أشح منك على
درهمك ودينارك، هل ينتظر أحدكم الا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا
مفسدا أو هرما منفذا أو موتا محيرا أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر أو الساعة
فالساعة أدهى وامر، ان شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع
بعلمه ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس اليه لم يجد ريح الجنة، من
ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة، إذا سئلت عن علم لا
تعلمه فقل لا اعلمه تنج من تبعته ولا تفت بما لا علم لك به تنج من
عذاب الله يوم القيامة. يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون
ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم فيقولون
انا كنا نأمر بالخير ولا نفعله. ان حقوق الله جل ثناؤه أعظم من أن يقوم
بها العباد وان نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد ولكن أمسوا وأصبحوا
تائبين. انكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة واعمال محفوظة والموت
يأتي بغتة من يزرع خيرا يوشك ان يحصد خيرا ومن يزرع شرا يوشك ان
يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع، ولا يسبق بطئ بحظه ولا يدرك
حريص ما لم يقدر له، ومن أعطي خيرا فان الله أعطاه ومن وقي شرا فان
الله وقاه. المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة، ان المؤمن ليرى
ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف ان تقع عليه، وان الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب
مر على انفه. ان الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين
عينيه ممثلة الاثم عليه ثقيلا وبيلا وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه. لا تنظر
إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت، ان نفس المؤمن أشد
ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه. من وافق قوله
فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه.
ان الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه. دع ما لست منه في شئ ولا تنطق
فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك. ان الله جل ثناؤه ليدخل
قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا
إليهم عرفوهم فيقولون ربنا اخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا؟
فيقال هيهات هيهات انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمأون حين
تروون ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تحفظون. جعل الله ثناءه
قرة عيني في الصلاة وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام والى

232
الظمآن الماء وان الجائع إذا اكل شبع وان الظمآن إذا شرب روي وانا لا
أشبع من الصلاة. أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة سوى
المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة. ما دمت في الصلاة فإنك تقرع
باب الملك الجبار ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له. ما من مؤمن يقوم
مصليا الا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي: يا بن
آدم لو تعلم ما لك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت، طوبى لأصحاب
الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة الا وهم السابقون إلى
المساجد بالأسحار وغير الأسحار. الصلاة عماد الدين واللسان أكبر.
والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر والصوم جنة من النار والجهاد نباهة
واللسان أكبر. الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض وان العبد ليرفع
بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك فيقول ما هذا فيقال هذا
نور أخيك فيقول أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا
فيقال له انه كان أفضل منك عملا ثم يجعل في قلبه الرضى حتى يرضى.
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وما أصبح فيها مؤمن الا حزينا فكيف لا
يحزن المؤمن وقد أوعده الله جل ثناؤه انه وارد جهنم ولم يعده انه صادر
عنها وليقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر يبتغي ثوابا
من الله تعالى فما يزال فيها حزينا حتى يفارقها فإذا فارقها أفضى إلى الراحة
والكرامة. ما عبد الله عز وجل بمثل طول الحزن. من أوتي من العلم ما لا
يبكيه لحقيق ان يكون قد أوتي علم ما لا ينفعه لأن الله نعت العلماء فقال
جل وعز: * (ان الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان
سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان
يبكون ويزيدهم خشوعا) *. من استطاع ان يبكي فليبك ومن لم يستطع
فليشعر قلبه الحزن وليتباك ان القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا
تشعرون. ما من خطيب الا عرضت عليه خطبته يوم القيامة وما أراد بها.
يقول الله تبارك وتعالى: لا اجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له آمنين فإذا
آمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة. لو أن
رجلا كان له كعمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي ان لا ينجو من شر يوم
القيامة. ان العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمر بذنب من ذنوبه
فيقول اما اني كنت مشفقا فيغفر له. ان الرجل يعمل الحسنة فيتكل عليها
ويعمل المحقرات حتى يأتي الله عليه وهو عليه غضبان، وان الرجل ليعمل
السيئة فيفرق منها فيأتي الله تعالى عز وجل آمنا يوم القيامة. ان العبد
ليذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنة، فقلت وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا
رسول الله؟ قال يكون الذنب ذلك نصب عينيه تائبا منه فارا إلى الله عز
وجل حتى يدخل الجنة. ان الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد والعاجز
من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل الأماني. أول شئ يرفع من
هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا، والذي نفس محمد
بيده لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر
والفاجر منها شربة من ماء. الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ما ابتغى به
وجه الله، ما من شئ أبغض إلى الله تعالى من الدنيا خلقها ثم اعرض
عنها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة، وما من شئ أحب
إلى الله تعالى من ايمان به وترك ما امر بتركه. ان الله تبارك وتعالى أوحى
إلى أخي عيسى (ع): يا عيسى لا تحب الدنيا فاني لست أحبها وأحب
الآخرة فإنما هي دار القرار. ان جبرائيل اتاني بخزائن الدنيا على بغلة
شهباء فقال لي يا محمد هذه خزائن الدنيا ولا ينقصك من حظك عند
ربك! فقلت يا حبيبي جبرائيل لا حاجة لي فيها إذا شبعت شكرت ربي
وإذا جعت سألته. إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده
في الدنيا وبصره بعيوب نفسه، ما زهد عبد في الدنيا الا أثبت الله الحكمة
في قلبه وانطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها
سالما إلى دار السلام. إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه
يلقي إليك الحكمة، فقلت يا رسول الله من ازهد الناس؟ قال من لم ينس
المقابر والبلى وترك فضل زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا
من أيامه وعد نفسه في الموتى. ان الله تبارك وتعالى لم يوح إلي ان اجمع المال
ولكن أوحى إلي ان سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى
يأتيك اليقين. اني البس الغليظ وأجلس على الأرض والعق أصابعي
واركب الحمار بغير سرج واردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس
مني. حب المال والشرف اذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زربة
الغنم فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها! قلت يا رسول الله الخائفون
الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا هم يسبقون الناس إلى الجنة
فقال لا ولكن فقراء المسلمين فإنهم يتخطون رقاب الناس فيقول لهم خزنة
الجنة كما أنتم تحاسبون فيقولون بم نحاسب فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل
ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط، ولكنا عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا. ان
الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان وان الله تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في
حلاله فكيف بما نعمنا في حرامه. اني قد دعوت الله جل ثناؤه ان يجعل
رزق من يحبني الكفاف وان يعطي من يبغضني كثرة المال والولد. طوبى
للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة الذين اتخذوا ارض الله بساطا وترابها
فراشا وماءها طيبا، واتخذوا كتاب الله شعارا ودعاءه دثارا يقرضون الدنيا
قرضا. حرث الآخرة العمل الصالح وحرث الدنيا المال والبنون. ان ربي
أخبرني فقال: وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء واني لأبني لهم
في الرفيق الأعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد، قال قلت يا رسول الله اي
المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا وأكثرهم له استعدادا. إذا
دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع، قلت: فما علامة ذلك بأبي
أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار
الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله. اتق الله ولا تر الناس انك تخشى
الله فيكرموك وقلبك فاجر. ليكن لك في كل شئ نية حتى في النوم
والأكل. ليعظم جلال الله في صدرك فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند
الكلب اللهم اخزه وعند الخنزير اللهم اخزه ان لله ملائكة قياما من خيفته
ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة فيقولون جميعا:
سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك ان تعبد ولو كان لرجل عمل
سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ، ولو أن دلوا صبت من
غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها، ولو زفرت جهنم
زفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل الا خر جاثيا لركبتيه يقول رب
نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام يقول: يا رب انا
خليلك إبراهيم فلا تنسني. لو أن المرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من
سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضئ القمر ليلة
البدر، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض، ولو أن ثوبا من ثياب أهل
الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم. اخفض
صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن. إذا اتبعت جنازة فليكن
عقلك فيها التفكر والخشوع واعلم انك لاحق به. اعلم أن كل شئ إذا

233
فسد فالملح دواؤه وإذا فسد الملح فليس له دواء. (قال الشيخ هذا المثل لعلماء
السوء) واعلم أن فيكم خصلتين الضحك من غير عجب والكسل من غير
سهر. ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه. الحق
ثقيل مر والباطل خفيف حلو، ورب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا. لا
يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس كلهم في جنب الله تبارك وتعالى
أمثال الأباعر ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها. لا تصيب
حقيقة الايمان حتى ترى الناس كلهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم.
حاسب نفسك قبل ان تحاسب فهو أهون لحسابك غدا وزن نفسك قبل ان
توزن وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفي على الله خافية. استح من
الله فاني والذي نفسي بيده لأظل حين اذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي
استحي من الملكين اللذين معي. أتحب ان تدخل الجنة؟ قلت نعم فداك
أبي! قال: فاقصر الأمل واجعل الموت نصب عينيك، واستح من الله حق
الحياء، قال: قلت يا رسول الله كلنا نستحي من الله، فقال ليس كذلك
الحياء، ولكن الحياء ان لا تنسى المقابر والبلى والجوف وما وعى والرأس وما
حوى، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذلك أصبت
ولاية الله. يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح. مثل
الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر. ان الله يصلح بصلاح
العبد ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم. ان
ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر رجل في ارض قفر فيؤذن ثم يقيم
ثم يصلي، فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد
غيري، فينزل سبعين ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من
ذلك اليوم، ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد
فيقول الله تعالى انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد،
ورجل في زحف يفر أصحابه وثبت وهو يقاتل حتى يقتل. ما من رجل
يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض الا شهدت له بها يوم القيامة، وما
منزل ينزله قوم الا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم. ما من
صباح ولا رواح الا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: يا جارتي هل مر
بك ذاكر لله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله، فمن قائلة لا
ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم اهتزت وانشرحت وترى ان لها الفضل على
جارتها. ان الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا. إذا كان
العبد في ارض قي - يعني قفر - فتوضأ أو تيمم ثم أذن فأقام وصلى امر الله
عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يري طرفاه يركعون بركوعه
ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه. من أقام ولم يؤذن لم يصل معه
الا ملكاه اللذان معه. ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في
طاعة الله الا أعطاه الله اجر اثنين وسبعين صديقا. الذاكر في الغافلين
كالمقاتل في الفارين. الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من
جليس السوء واملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من املاء
الشر. لا تصاحب الا مؤمنا ولا يأكل طعامك الا تقي ولا تأكل طعام
الفاسقين أطعم طعامك من تحبه في الله وكل طعام من يحبك في الله عز
وجل. ان الله عز وجل عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ وليعلم ما
يقول. اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.
كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما يسمع. ما من شئ أحق بطول السجن
من اللسان. ان من اجلال الله تعالى اكرام ذي الشيبة المسلم واكرام حملة
القرآن العاملين واكرام السلطان المقسط. ما عمل من لم يحفظ لسانه. لا
يزال العبد يزداد من الله بعدا ما سئ خلقه. الكلمة الطيبة صدقة وكل
خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة. من أجاب داعي الله وأحسن عمارة
مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله
كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها
بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل
فلا تلومن يوم القيامة الا نفسك ان الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في
المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة
وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر
سيئات. أتعلم في اي شئ أنزلت الآية (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله لعلكم تفلحون)؟ قلت: لا فداك أبي وأمي! قال في انتظار الصلاة
خلف الصلاة (كذا) اسباغ الوضوء في المكارة من الكفارات وكثرة
الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط. يقول الله تبارك وتعالى ان أحب
العباد إلي المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد و المستغفرون بالاسحار
أولئك إذا أردت باهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم. كل
جلوس في المسجد لغو الا ثلاثة: قراءة مصل أو ذاكر لله أو سائل عن
علم. كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقبل عملا الا
بالتقوى، وكيف تقل عمل يتقبل يقول الله عز وجل انما يتقبل الله من
المتقين. لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة
الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه امن
حل ذلك أم من حرام. من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز
وجل من أين ادخله النار. من سره ان يكون أكرم الناس فليثق الله عز
وجل. ان أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له و أكرمكم عند الله عز
وجل أتقاكم له وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا. ان المتقين الذين
يتقون الله عز وجل من الشئ الذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في
الشبهة. من أطاع الله عز وجل فقد ذكر الله وان قلت صلاته وصيامه
وتلاوته القرآن. أصل الدين الورع ورأسه الطاعة. كن ورعا تكن اعبد
الناس وخير دينكم الورع. فضل العلم خير من فضل العبادة واعلم انكم
لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم الا
بورع. ان أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقا. من لم يأت
يوم القيامة بثلاث فقد خسر قلت وما الثلاث فداك أبي وأمي قال ورع يحجزه
عن ما حرم الله عز وجل عليه وحلم يرد به جهل السفيه وخلق يداري به
الناس. ان سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله وان سرك أن تكون
أكرم الناس فاتق الله وان سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز
وجل أوثق منك بما في يديك. لو أن الناس كلهم اخذوا بهذه الآية لكفتهم
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على
الله فهو حسبه ان الله بالغ امره. يقول الله جل ثناؤه وعزتي وجلالي لا
يؤثر عبدي هواي على هواه الا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته
وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت عليه ضيعة (كذا) وكنت له من وراء
تجارة كل تاجر. لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما
يدركه الموت. الا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟ قلت بلى يا رسول
الله! قال احفظ الله تجده امامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة،
وإذا سألت فأسأل الله عز وجل وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى القلم بما هو
كائن إلى يوم القيامة فلو ان الخلق كلهم جهدوا ان ينفعوك بشئ لم يكتب
لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا ان يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك ما
قدروا عليه، فان استطعت ان تعمل لله عز وجل بالرضى واليقين فافعل

234
وان لم تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وان النصر مع الصبر
والفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. استغن بغنى الله يغنك الله،
فقلت ما هو يا رسول الله؟ قال غداء يوم وعشاء ليلة فمن قنع بما رزقه الله
فهو أغنى الناس. ان الله عز وجل يقول: اني لست كلام الحكيم أتقبل
ولكن همه وهواه فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي
ووقارا وان لم يتكلم. ان الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى
أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. التقوى ههنا التقوى ههنا - وأشار إلى
صدره. اربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع
لله سبحانه، وذكر الله تعالى على كل حال، وقلة الشئ - يعني قلة المال - هم
بالحسنة وان لم تعملها لكي لا تكتب من الغافلين. من ملك ما بين فخذيه
وبين لحييه دخل الجنة، قلت: يا رسول الله انا لنؤخذ بما تنطق به ألسنتنا!
فقال وهل يكب الناس على مناخرهم في النار الا حصايد ألسنتهم، انك لا
تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك. ان الرجل يتكلم
بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء
والأرض. ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له.
من صمت نجا فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة ابدا، قلت يا
رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ فقال: الاستغفار وصلاة
الخمس تغسل ذلك. ايا والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا، قلت يا رسول
الله ولم ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله
عليه، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها. سباب المسلم فسوق وقتاله
كفر واكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه، قلت يا رسول
الله وما الغيبة؟ قال ذكرك أخاك بما يكره! قلت يا رسول الله فإن كان فيه
ذاك الذي يذكر به؟ قال اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا
ذكرته بما ليس فيه بهته. من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله
عز وجل ان يعتقه من النار. من اغتيب عنده اخوه المسلم وهو يستطيع
نصره فنصره نصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فان خذله - وهو
يستطيع نصره - خذله الله في الدنيا والآخرة. لا يدخل الجنة قتات، قلت
وما القتات قال النمام. صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل
في الآخرة. من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار.
المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس
العشيرة (الشعيرة). تعرض اعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى
الجمعة في يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن الا عبدا كان بينه
وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا. ايا
وهجران أخيك فان العمل لا يتقبل مع الهجران. أنهاك عن الهجران وان
كنت لا بد فاعلا فلا تهجره ثلاثة أيام كملا فمن مات فيها مهاجرا لأخيه
كانت النار أولى به. من أحب ان يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من
النار. ومن مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة الا ان
يتوب قبل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله اني ليعجبني الجمال حتى
وددت ان علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب علي ذلك؟ قال كيف
تجد قلبك؟ قال أجده عارفا للحق مطمئنا اليه، قال: ليس ذلك بالكبر،
ولكن الكبر ان تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى ان
أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك. أكثر من يدخل النار المستكبرون،
فقال رجل وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله؟ قال نعم من لبس
الصوب وركب الحمار وحلب العنز وجالس المساكين. ومن حمل بضاعته
فقد برئ من الكبر - يعني ما يشتري من السوق -. من جر ثوبه خيلاء لم
ينظر الله عز وجل اليه يوم القيامة. من كان له قميصان فليلبس أحدهما
وليكس الآخر أخاه. سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به
همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول أولئك شرار أمتي. من ترك
لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عز وجل فقد لبس حلة
الكرامة. طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة وأذل نفسه في غير
مسكنة وانفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط
أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن
الناس شره، طوبى لمن عمل بعمله وانفق الفضل من ماله وامسك الفضل
من قوله. البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر
فيك مسلكا. يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف صيفهم وشتاءهم
يرون ان لهم الفضل بذلك على غيرهم أولئك يلعنهم ملائكة السماوات
والأرض. الا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله قال كل أشعث
اغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو اقسم على الله لأبره.
مواعظه وحكمه
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر أنه قال: من أراد الجنة فليصمد
صمدها (وبسنده) عن أبي ذر هل ترى الناس ما أكثرهم ما فيهم خير الا
تقي أو تائب. (وبسنده) ان رجلا رأى أبا ذر وهو يتبوء مكانا فقال له ما
تريد يا أبا ذر فقال اطلب موضعا أنام فيه نفسي هذه مطيتي ان لم ارفق بها
لم تبلغني (ومن مواعظه) ما في حلية الأولياء والدرجات الرفيعة وبينهما شئ
من التفاوت ونحن نجمع بين لفظي الروايتين فنذكر ما في الحلية ونزيد عليه
ما في الدرجات وما لا يمكن جمعه نذكره في الحاشية (ففي الحلية) بسنده
المتصل إلى سفيان الثوري قال قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال (وفي
الدرجات الرفيعة) روي عن أبي جعفر (ع) قال قام أبو ذر بباب الكعبة
فقال أيها الناس انا جندب بن جنادة الغفاري هلموا إلى الأخ الناصح
الشفيق فاكتنفه الناس (فقالوا دعوتنا فانصح لنا) فقال أرأيتم لو أن أحدكم
أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه قالوا بلى، قال فسفر
طريق القيامة ابعد ما تريدون فما بالكم لا تتزودون له ما يصلحكم فيه قالوا
وما يصلحنا (1) قال حجوا حجة (2) لعظام الأمور صوموا يوما شديدا حره
لطول يوم النشور (3) صلوا (4) ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور (5) كلمة
خير تقولها أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم تصدق بما لك لعلك
تنجو من عسيرها اجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الآخرة ومجلسا في
طلب الحلال والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده (6) (واجعل الكلام كلمتين
كلمة للآخرة وكلمة في التماس الحلال والثالثة تضرك) اجعل المال درهمين
درهما تنفقه على عيالك من حله ودرهما تقدمه لآخرتك والثالث يضرك ولا
ينفعك لا تريده (واجعل الدنيا ساعة من ساعتين ساعة مضت بما فيها
فلست قادرا على ردها وساعة آتية لست على ثقة من ادراكها والساعة التي



(1) قالوا وكيف نتزود لذلك (د).
(2) يحج الرجل منكم حجة.
(3) ويصوم يوما شديدا الحر للنشور - د -.
(4) ويصلى - د -.
(5) ويتصدق على مسكين للنجاة من يوم عسير ويتكلم بكلمة حق فيجيره الله بها يوم
يستجير ويسكت عن كلمة باطل ينجو بذلك من عذاب السعير (د).
(6) مجلسا في طلب الحلال ومجلسا للآخرة، ولا ترد الثالث فإنه لا ينفعك (د) المؤلف
235
أنت فيها ساعة عملك فاجتهد فيها لنفسك واصبر فيها عن معاصي ربك
فإن لم تفعل فقد هلكت) ثم نادى بأعلى صوته يا أيها الناس قد قتلكم
حرص لا تدركونه (وفي رواية الدرجات) قتلني هم يوم لا أدركه اه) وفي
الدرجات الرفيعة: (روي أنه قال قتلني هم يوم لا أدركه قيل وكيف ذلك
يا أبا ذر قال إن املي جاوز أجلي). قال وعن أبي عبد الله عن أبيه عليهما
السلام أنه قال في خطبة أبي ذر رضي الله عنه يا مبتغي العلم لا يشغلك
أهل ومال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت إلى
غيرهم. الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين البعث والموت
الا كنومة نمتها ثم استيقظت منها يا جاهل العلم تعلم العلم فان قلبا ليس
فيه شرف العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له (قال) وعن أبي
جعفر (ع) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال يا باغي العلم قدم لمقامك
بين يدي الله فإنك مرتهن بعملك كما تدين تدان يا باغي العلم صل قبل ان
لا تقدر على ليل ولا نهار تصلي فيه انما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل
دخل على ذي سلطان فانصت له حتى فرغ من حاجته وكذلك المرء المسلم
بإذن الله عز وجل ما دام في الصلاة لم يزل الله عز و جل ينظر اليه حتى يفرغ
من صلاته يا باغي العلم تصدق من قبل ان لا تعطى شيئا ولا جمعه انما
مثل الصدقة وصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم لا تقتلوني اضربوا
لي اجلا أسعى في رجالكم كذلك المرء المسلم بإذن الله تعالى كلما تصدق
بصدقة حل بها عقدة من رقبته حتى يتوفى الله عز وجل أقواما وهو عنهم
راض ومن رضي الله عز وجل عنه فقد امن من النار يا باغي العلم ان هذا
اللسان مفتاح خير ومفتاح شر فاختم على فمك كما تختم على ذهنك وعلى
ورقك يا باغي العلم ان هذه الأمثال ضربها الله عز وجل للناس وما يعقلها
الا العالمون اه‍ (وفي حلية الأولياء) بسنده كان أبو ذر يقول يا أيها الناس
اني لكم ناصح، اني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور،
صوموا في الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير. يا أيها الناس
اني لكم ناصح، اني عليكم شفيق (وفي الدرجات) من كلام أبي ذر:
الدنيا ثلاث ساعات ساعة مضت، وساعة أنت فيها، وساعة لا تدري
أتدركها أم لا فلست تملك بالحقيقة الا ساعة واحدة إذ الموت من ساعة إلى
ساعة، وروى الكليني في الكافي بسنده عن أبي عبد الله (ع) قال كان أبو
ذر يقول في خطبته يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا الا ما
ينفع خيره ويضر شره الا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا
مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى
غيرهم و الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث
الا كنومة نمتها ثم استيقظت منها يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله
عز وجل فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم (وبسنده) عن
أبي عبد الله (ع) قال: جاء رجل إلى أبي ذر فقال يا أبا ذر ما لنا نكره
الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون ان تنتقلوا
من عمران إلى خراب! فقال له: كيف ترى قدومنا على الله؟ فقال اما
المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله و اما المسئ فكالآبق يرد على
مولاه! قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال اعرضوا اعمالكم على
الكتاب، ان الله يقول * (ان الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم) * قال
فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال رحمة الله قريب من المحسنين. قال أبو
عبد الله (ع): وكتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر اطرفني
بشئ من العلم فكتب اليه: ان العلم كثير ولكن ان قدرت على أن لا
تسئ إلى من تحبه فافعل! فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسئ إلى
من يحبه؟ فقال: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فان أنت عصيت الله فقد
أسأت إليها. وروى الشيخ في الأمالي باسناده انه قيل لأبي ذر: كيف
أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال أصبحت بين نعمتين بين ذنب مستور
وثناء من اغتر به فهو مغرور. وفي كتاب البخلاء: قال أبو ذر لمن بذل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخضمون ونقضم والموعد الله ان الله قد فضلك
فجعلك انسانا فلا تجعل نفسك بهيو لا سبعا، واحذر سرعة الكظة
وسرف البطنة اه‍.
كلامه لما مات ابنه
روى الكليني في الكافي بسنده عن علي بن إبراهيم رفعه قال: لما
مات ذر بن أبي ذر مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال: رحمك الله يا ذر والله ان
كنت بي بارا ولقد قبضت واني عنك لراض، اما والله ما بي فقدك وما علي
من غضاضة، وما لي إلى سوى الله من حاجة، ولولا هول المطلع لسرني
ان أكون مكانك، ولقد شغلني الحذر لك عن الحذر عليك، والله ما
بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري ما ذا قلت وما ذا قيل لك.
ثم قال: اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما
افترضت عليه من حقك، فأنت أحق بالحق مني. ورواه علي بن إبراهيم
في تفسيره نحوه فقاله لما سير أبو ذر إلى الربذة مات بها ابنه ذر، فوقف على
قبره فقال: رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين وما علي في
موتك من غضاضة، وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام
لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لأحببت ان أكون مكانك،
فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم. ثم قال: اللهم انك فرضت لك
عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا، فاني قد وهبت له ما فرضت عليه من
حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم
(والكرم) مني اه‍.
نفيه إلى الشام
قال الحاكم في المستدرك: محنة أبي ذر. قد صحت الرواية من أوجه
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل. ثم روى
الحاكم بسنده عن أبي عثمان النهدي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة وشبك بين أصابعه؟
قلت يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: اصبر اصبر اصبر، خالقوا الناس
بأخلاقهم وخالفوهم في اعمالهم - هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه اه‍. وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال:
بينا انا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا أبا ذر أنت رجل صالح
وسيصيبك بلاء بعدي، فقلت في الله؟ ان بني أمية تهددني بالفقر والقتل،
ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها وللفقر أحب إلي من الغنى فقال له
رجل: يا أبا ذر ما لك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ قال: لأني
أنهاهم عن الكنوز اه‍. وقد مضى في بعض الكلمات ان أبا ذر خرج إلى
الشام بعد وفاة أبي بكر، وليس ذلك بصواب وما كان أبو ذر ليترك المدينة
مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسجده ومجاورة قبره اختيارا ويذهب إلى الشام
فيجاور بني أمية، وانما خرج إلى الشام منفيا. قال ابن أبي الحديد في شرح
النهج: اعلم أن الذي عليه أكثر أرباب السيرة وعلماء الأخبار والنقل ان

236
عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه
معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل
بالشام اه‍.
سبب نفيه إلى الشام
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: واصل هذه الواقعة ان عثمان لما
اعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال، واختص زيد بن ثابت بشئ
منها جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع (بشر الكافرين
بعذاب اليم) ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالى * (والذين يكنزون
الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) *. فرفع
ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت، ثم إنه ارسل اليه مولى من مواليه ان
انته عما بلغني عنك! فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى
وعيب من ترك امر الله تعالى فوالله لأن ارضي الله بسخط عثمان أحب إلي
وخير لي من أن أسخط الله برضى عثمان، فاغضب عثمان ذلك واحفظه
فتصابر وتماسك، إلى أن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للامام ان
يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا باس
بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين أتقلمنا ديننا! فقال عثمان قد كثر
أذاك وتولعك بأصحابي الحق بالشام، فأخرجه إليها فكان أبو ذر ينكر على
معاوية أشياء يفعلها، فبعث اليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر
لرسوله: ان كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا اقبلها، وان
كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردها عليه. ثم بنى معاوية الخضراء
بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية ان كانت هذه من مال الله فهي الخيانة،
وان كانت من مالك فهي الاسراف، وكان أبو ذر يقول بالشام: والله لقد
حدثت اعمال ما أعرفها والله ما هي في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
اني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيا وصادقا مكذبا واثرة بغير تقى وصالحا
مستأثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: ان أبا ذر لمفسد
عليكم الشام فتدارك أهله ان كان لك فيه حاجة. قال وروى شيخنا أبو
عثمان الجاحظ في كتاب السفيانية عن جلام بن جندل الغفاري قال: كنت
عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت اليه يوما اسأله
عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول: أتتكم القطار
بحمل النار اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين
عن المنكر المرتكبين له: فازبار معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف
الصارخ من هو؟ فقلت اللهم لا! قال من عذيري من جندب بن جنادة
يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت، ثم قال أدخلوه علي
فجئ بأبي ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه، فقال له معاوية يا عدو
الله وعدو رسوله أتأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع، اما اني لو كنت قاتل
رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك،
ولكني استأذن فيك. قال جلام: وكنت أحب ان أرى أبا ذر لأنه رجل من
قومي، فالتفت اليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين في
ظهره حناء، فاقبل على معاوية وقال ما انا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت
وأبوك عدوان لله ولرسوله أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا عليك مرات ان لا تشبع، فقال معاوية ما انا ذلك الرجل،
فقال أبو ذر بل أنت ذلك الرجل، أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعته
يقول وقد مررت به اللهم العنه ولا تشبعه الا بالتراب، فأمر معاوية
بحبسه. وروى المفيد في المجالس عن علي بن بلال عن علي بن عبد الله
الاصفهاني عن الثقفي عن محمد بن علي عن الحسين بن سفيان عن أبيه
عن أبي جهضم الأزدي عن أبيه - وكان من أهل الشام - قال: لما سير
عثمان أبا ذر من المدينة إلى الشام كان يقص علينا فيحمد الله ويشهد شهادة
الحق ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: اما بعد فانا كنا في جاهليتنا قبل ان
ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول ونحن نوفي بالعهد ونصدق الحديث
ونحسن الجوار ونقري الضيف ونواسي الفقير، فلما بعث الله تعالى فينا
رسول الله وانزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله،
وكان أحق بها أهل الاسلام وأولى ان يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن
يلبثوا، ثم إن الولاة قد أحدثوا اعمالا قباحا لا نعرفها: من سنة تطفى
وبدعة تحيى وقائل بحق مكذب واثرة لغير تقى وامين مستأثر عليه من
الصالحين، اللهم ان كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا
مغير. وكان يعيد هذا الكلام ويبديه، فاتى حبيب بن مسلمة معاوية بن
أبي سفيان فقال: ان أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله كيت وكيت. فكتب
معاوية إلى عثمان بذلك فكتب عثمان اخرجه إلي، فلما صار إلى المدينة نفاه
إلى الربذة اه‍. وعن المجالس أيضا بهذا الاسناد عن أبي جهضم عن أبيه
قال: لما اخرج عثمان أبا ذر الغفاري من المدينة إلى الشام كان يقوم في كل
يوم فيعظ الناس ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله ويحذرهم من ارتكاب
معاصيه، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه
وعليهم السلام ويحضهم على التمسك بعترته: فكتب معاوية إلى عثمان:
اما بعد فان أبا ذر يصبح إذا أصبح ويمسي إذا امسى وجماعة من الناس كثيرة
عنده فيقول كيت وكيت فإن كان لك حاجة في الناس قبلي فاقدم أبا ذر
إليك فاني أخاف أن يفسد الناس عليك والسلام. فكتب إليه عثمان:
اما بعد فاشخص إلي أبا ذر حين تنظر في كتابي هذا والسلام. فبعث
معاوية إلى أبي ذر فدعاه واقرأه كتاب عثمان وقال له: النجاء
الساعة. فخرج أبو ذر إلى راحلته فشدها بكورها وانساعها، فاجتمع اليه
الناس فقالوا يا أبا ذر رحمك الله أين تريد؟ قال أخرجوني إليكم غضبا
علي، وأخرجوني منكم إليهم الآن عيثا بي ولا يزال هذا الأمر فيما أرى
شانهم فيما بيني وبينهم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ومضى وسمع
الناس بمخرجه فاتبعوه حتى خرج من دمشق فساروا معه حتى انتهى إلى دير
المران فنزل ونزل معه الناس فاستقدم فصلى بهم، ثم قال أيها الناس اني
موصيكم بما ينفعكم وتارك الخطب والتشقيق احمدوا الله عز وجل، قالوا
الحمد لله، قال أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله فأجابوه بمثل
ما قال فقال أشهد ان البعث حق وان الجنة حق وان النار حق وأقر بما جاء
من عند الله واشهدوا علي بذلك، قالوا نحن على ذلك من الشاهدين قال
ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله وكرامته ما لم يكن
للمجرمين ظهيرا أو لأعمال الظلمة مصلحا أو لهم معينا أيها الناس اجمعوا
مع صلاتكم وصومكم غضبا لله عز وجل إذا عصي في الأرض ولا ترضوا
أئمتكم بسخط الله وان أحدثوا ما لا تعرفون فجانبوهم وازروا عليهم وان
عذبتم وحرمتم وسيرتم حتى يرضى الله عز وجل فان الله أعلى وأجل لا
ينبغي ان يسخط برضى المخلوقين غفر الله لي ولكم استودعكم الله واقرأ
عليكم السلام ورحمة الله، فناداه الناس ان سلم الله عليك ورحمك يا أبا
ذر يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا نردك ان كان هؤلاء القوم أخرجوك الا
نمنعك؟ فقال لهم: ارجعوا رحمكم الله فاني أصبر منكم على البلوى وإياكم

237
والفرقة والاختلاف. فمضى حتى دخل على عثمان فلما دخل عليه قال له:
لأقرب الله بعمرو عينا! فقال أبو ذر والله ما سماني أبواي عمرا، ولكن لا
قرب الله من عصاه وخالف امره وارتكب هواه! فقام اليه كعب الأحبار
فقال له الا تتقي الله يا شيخ تجبه أمير المؤمنين بهذا الكلام! فرفع أبو ذر
عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب ثم قال له: يا ابن اليهوديين ما
كلامك مع المسلمين فوالله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد! فقال عثمان
والله لا جمعتني وإياك دار قد خرفت وذهب عقلك، أخرجوه من بين يدي
حتى تركبوه قتب ناقة بغير وطاء ثم انجوا به وتعتعوه حتى توصلوه الربذة
فتنزلوه بها من غير أنيس حتى يقضي الله فيه ما هو قاض. فأخرجوه متعتعا
ملهوزا بالعصا، وتقدم ان لا يشيعه أحد من الناس، فبلغ ذلك أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فبكى حتى بل لحيته بدموعه ثم قال:
أهكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم نهض
ومعه الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن عباس والفضل وقثم
وعبيد الله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه، فلما بصر بهم أبو ذر رحمه الله حن
إليهم وبكى عليهم وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وشملتني البركة برؤيتها ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أحبهم
ولو قطعت اربا اربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة،
فارجعوا رحمكم الله والله أسال ان يخلفني فيكم أحسن الخلافة. فودعه
القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه اه‍.
وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد بسنده عن الأحنف بن قيس قال
اتيت المدينة ثم اتيت الشام فجمعت فإذا انا برجل لا ينتهي إلى سارية الا
خر أهلها (1). يصلي ويخف صلاته، فجلست اليه فقلت له يا عبد الله من
أنت؟ قال أنا أبو ذر فأنت من أنت؟ قلت انا الأحنف بن قيس! قال قم
عني لا أعدك بشر! فقلت له: كيف تعدني بشر؟ قال: ان هذا - يعني
معاوية - نادى مناديه ان لا يجالسني أحد اه‍.
ومن المشهور ان تشيع أهل جبل عامل كان على يد أبي ذر وانه لما
نفي إلى الشام وكان يقول في دمشق ما يقول اخرجه معاوية إلى قرى الشام
فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت عليهما السلام، فتشيع أهل تلك
الجبال على يده، فلما علم معاوية بذلك اعاده إلى دمشق ثم نفي إلى
المدينة، وهذا وان لم يرد به خبر مسند لكنه قريب غير مستبعد ويؤيده
وجود مسجدين في جبل عامل يسمى كل منهما مسجد أبي ذر أحدهما في
ميس والآخر في الصرفند، والله أعلم.
نفيه من الشام إلى المدينة
قال الطبري في تاريخه في حوادث سنة 30 فيها كان ما ذكر من خبر
أبي ذر ومعاوية واشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب
اشخاصه إياه أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها اه وقال ابن أبي الحديد في تتمة
كلامه السابق المحكي عن الجاحظ وأمر معاوية بحبسه: وكتب إلى عثمان
فيه فكتب عثمان إلى معاوية ان احمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره
فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها الا قتب
حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث اليه
عثمان: الحق باي ارض شئت قال بمكة، قال لا! قال ببيت المقدس!
قال لا! قال: بأحد المصرين قال لا، ولكني مسيرك إلى ربذة. فسيره
إليها فلم يزل بها حتى مات. قال وفي رواية الواقدي ان أبا ذر لما دخل على
عثمان قال له: لا أنعم الله بقين عينا * نعم ولا لقاه يوما زينا
تحية السخط إذا التقينا
فقال أبو ذر ما عرفت اسمي قينا قط. قال وفي رواية أخرى: لا
أنعم الله بك عينا يا جنيدب! فقال أبو ذر أنا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عبد الله فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سماني به على اسمي، فقال له
عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول (يد الله مغلولة وان الله فقير ونحن
أغنياء) فقال أبو ذر لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده،
ولكني أشهد اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص
ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دخلا، فقال عثمان لمن
حضر أسمعتموها من رسول الله؟ قالوا لا! قال عثمان: ويلك يا أبا ذر
أتكذب على رسول الله؟ فقال أبو ذر لمن حضر: اما تدرون اني صدقت؟
قالوا: لا والله ما ندري! فقال عثمان ادعوا لي عليا فلما جاء قال عثمان لأبي
ذر أقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فأعاده، فقال عثمان لعلي
(ع) أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال لا وقد صدق أبو ذر! فقال
كيف عرفت صدقه؟ قال لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر! فقال من حضر
اما هذا فسمعناه كلنا من رسول الله، فقال أبو ذر: أحدثكم اني سمعت
هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتهمونني ما كنت أظن اني أعيش حتى اسمع هذا
من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال وروى الواقدي في خبر آخر باسناده عن
صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان، فقال
له: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذر نصحتك فاستغششتني ونصحت
صاحبك فاستغشني! قال عثمان كذبت ولكنك تريد الفتنة وتحبها قد انغلت
الشام علينا، فقال له أبو ذر اتبع سنة صاحبيك لا يكن لاحد عليك كلام
فقال عثمان ما لك وذلك لا أم لك؟ فقال أبو ذر والله ما وجدت لي غدرا إلا
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فغضب عليه عثمان وقال أشيروا علي في
هذا الشيخ الكذاب اما ان أضربه أو احبسه أو اقتله فإنه قد فرق جماعة
المسلمين أو أنفيه من أرض الاسلام؟ فتكلم علي (ع) - وكان حاضرا -
فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون (فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن
يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف
كذاب) فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي (ع) بمثله. ولم نذكر
الجوابين تذمما منهما اه‍.
نفيه من المدينة إلى الربذة
قال ابن أبي الحديد: قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر على الناس
ان يقاعدوا أبا ذر ويكلموه، فمكث كذلك أياما ثم أتي به فوقف بين يديه
فقال أبو ذر ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأيت أبا بكر وعمر
هل هديك كهديهم أما أنك لتبطش بي بطش جبار، فقال عثمان أخرج عنا
من بلادنا فقال أبو ذر ما أبغض إلي جوارك فإلى أين أخرج؟ قال حيث
شئت، قال أخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ قال انما جلبتك من الشام لما قد
أفسدتها أفأردك إليها، قال أفأخرج إلى العراق؟ قال لا انك ان تخرج إليها
تقدم على قوم اولي شقة وطعن على الأئمة والولاة، قال أفأخرج إلى مصر؟
قال لا، قال فإلى أين اخرج؟ قال إلى البادية قال أبو ذر أصير بعد الهجرة



(1) لعل المراد انهم يصلون خلفه. - المؤلف -
238
اعرابيا؟ قال نعم قال أبو ذر فاخرج إلى بادية نجد؟ قال عثمان بل إلى
الشرق الأبعد أقصى فأقصى امض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة، فخرج
إليها. قال ابن أبي الحديد: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في
كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال لما
أخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس ان لا يكلم أحد أبا ذر
ولا يشيعه وأمر مروان بن الحكم ان يخرج به فتحاماه الناس الا علي بن أبي
طالب (ع) وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا عليهما السلام وعمارا، فإنهم
خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن (ع) يكلم أبا ذر، فقال مروان بن
الحكم أيها يا حسن الا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلا هذا الرجل
فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل علي (ع) على مروان فضرب
بالسوط بين اذني راحلته وقال تنح لحاك الله إلى النار، فرجع مروان مغضبا
إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على علي (ع)، ووقف أبو ذر فودعه القوم،
ومعه ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب، قال ذكوان فحفظت كلام القوم
- وكان حافظا - فقال علي (ع) يا أبا ذر انك غضبت لله ان القوم خافوك
على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا والله لو
كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا،
يا أبا ذر لا يؤنسنك الا الحق ولا يوحشنك الا الباطل. ثم قال لأصحابه
ودعوا عمكم وقال لعقيل ودع أخاك. فتكلم عقيل فقال ما عسى أن نقول
يا أبا ذر وأنت تعلم أنا نحبك وأنت تحبنا فاتق الله فان التقوى نجاة واصبر
فان الصبر كرم واعلم أن استثقالك الصبر من الجزع واستبطاءك العافية من
الياس فدع الياس والجزع. ثم تكلم الحسن فقال يا عماه لولا أنه لا ينبغي
للمودع ان يسكت وللمشيع ان ينصرف لقصر الكلام وان طال الأسف وقد
أتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها وشدة ما اشتد منها
برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنك راض. ثم تكلم
الحسين (ع) فقال يا عماه ان الله تعالى قادر ان يغير ما قد ترى والله كل
يوم هو في شان وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك فما أغناك عما منعوك
وأحوجهم إلى ما منعتهم فاسال الله الصبر والنصر واستعذ به من الجشع
والجزع فان الصبر من الدين والكرم وإن الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا
يؤخر أجلا ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا فقال لا آنس الله من أوحشك
ولا آمن من أخافك أما والله لو أردت دنياهم لآمنوك ولو رضيت أعمالهم
لأحبوك وما منع الناس ان يقولوا بقولك الا الرضا بالدنيا والجزع من الموت
ومالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم
ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة الا ذلك هو الخسران المبين
فبكى أبو ذر وكان شيخا كبيرا وقال رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا
رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم اني
ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام وكره ان أجاور أخاه
وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر
ولا دافع الا الله والله ما أريد الا الله صاحبا وما أخشى مع الله وحشة
ورجع القوم إلى المدينة (الخبر).
وقال المرتضى في كتاب (الفصول): قال الشيخ رحمه الله قال أبو
مخنف وأخبرني عبد الملك ابن نوفل عن أبي سعيد المقبري قال: لما انصرف
علي من تشييع أبي ذر استقبله الناس فقالوا: يا أبا الحسن غضب عليك
عثمان لتشييعك أبا ذر! فقال علي (ع): (غضب الخيل على صم
اللجم) اه‍. وروى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال عن موسى بن
ميسرة أن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب
خروجه إلى الربذة فجئته فقلت له الا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا أم
أخرجت كرها؟ قال كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلى
المدينة فقلت دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى.
ثم تكلم ابن أبي الحديد على الاخبار المروية في أنه خرج إلى الربذة
باختياره وقال إنها وان كانت قد رويت لكنها ليست في الاشتهار والكثرة
كتلك الاخبار اه. وقال المرتضى في الشافي قال قاضي القضاة عبد الجبار
الباقلاني في الجواب عن الطعن على عثمان في نفيه أبا ذر إلى الربذة ان
شيخنا أبا علي - الجبائي - قال: ان الناس اختلفوا في أمر أبي ذر رحمه الله
تعالى. وروي انه قيل لأبي ذر أعثمان أنزلك الربذة فقال لا بل اخترت
لنفسي ذلك. روي أن معاوية كتب يشكوه وهو بالشام، فكتب عثمان اليه
ان صر إلى المدينة فلما صار إليها، قال ما أخرجك إلى الشام؟ قال لأني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها
فلذلك خرجت، فقال فأي البلاد أحب إليك بعد الشام؟ قال الربذة، فقال
سر إليها.
وقد روي عن زيد بن وهب قال قلت لأبي ذر رحمه الله تعالى وهو
بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال أخبرك اني كنت بالشام في أيام معاوية
وقد ذكرت هذه الآية (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) فقال معاوية: هذه في أهل الكتاب،
فقلت هي فيهم وفينا وكتب معاوية إلى عثمان في ذلك، فكتب إلي ان اقدم
علي فقدمت عليه، فانثال الناس إلي كأنهم لم يعرفوني، فشكوت ذلك إلى
عثمان، فخيرني وقال: انزل حيث شئت، فنزلت الربذة. وقد ذكر الشيخ
أبو الحسين الخياط قريبا مما تقدم من أن اخراج أبي ذر إلى الربذة كان
باختياره، وروى في ذلك خبرا قال: وأقل ما في ذلك ان تختلف الاخبار
فتطرح، ونرجع إلى الأمر الأول في صحة امامة عثمان وسلامة أحواله.
اعترض المرتضى رحمه الله تعالى هذا الكلام فقال: أما قول أبي علي أن
الأخبار في سبب خروج أبي ذر إلى الربذة متكافئة فمعاذ الله ان تتكافأ في
ذلك، بل المعروف والظاهر أنه نفاه أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما
شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، وقد روى جميع أهل السير
على اختلاف طرقهم وأسانيدهم ان عثمان لما اعطى مروان بن الحكم ما
أعطاه وأعطى الحرث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى
زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول (بشر الكافرين بعذاب
أليم) ويتلو قول الله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في
سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل
إلى أبي ذر نائلا مولاه ان انته عما يبلغني عنك! فقال أينهاني عثمان عن
قراءة كتاب الله، وذكر ما مر سابقا إلى قوله فقال حبيب بن مسلمة ان
كانت لكم حاجة فيه، ثم قال: فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب
عثمان إلى معاوية: أما بعد فاحمل جنديا إلي، وذكر ما مر سابقا إلى
قوله فلم يزل بها حتى مات اه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد
الرحمن بن غنم قال كنت مع أبي الدرداء فجاء رجل من قبل المدينة فسأله
فأخبره ان أبا ذر مسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء إنا لله وإنا إليه راجعون
لو أن أبا ذر قطع لي عضوا أو يدا ما هجته بعد ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر اه‍.

239
وفي الدرجات الرفيعة: روي أن عبد الله بن مسعود لما بلغه نفي أبي ذر إلى
الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة - قال في خطبة له بمحفل من أهل الكوفة: فهل
سمعتم قوله تعالى (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم
من ديارهم) يعرض بمن نفاه، فكتب الوليد بذلك لعثمان، فأشخصه من
الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن
مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به إلى الأرض وجعل منزله حبسه،
وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات. وروى الشيخ في الأمالي بسنده
عن أسعد بن زرارة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال لما قدم أبو
ذر على عثمان قال أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال مهاجري، قال لست
بمجاوري، قال فالحق بحرم الله فأكون فيه؟ قال لا، قال فالكوفة أرض بها
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال لا، قال فلست بمختار غيرهن، فامره
بالمسير إلى الربذة، فقال إن رسول الله ص قال لي اسمع وأطع وانقد حيث
قادوك ولو لعبد حبشي مجدع، فخرج إلى الربذة وأقام مدة، ثم أتى المدينة
فدخل على عثمان والناس عنده سماطين، فقال يا أمير المؤمنين انك
أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع الا شويهات وليس
لي خادم الا محررة ولا ظل يظلني الا ظل شجرة، فاعطني خادما وغنيمات
أعيش فيها، فحول وجهه عنه، فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك،
فقال له حبيب بن مسلمة لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة
شاة، قال أبو ذر: اعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك
مني فاني إنما اسال حقي في كتاب الله، فجاء علي (ع) فقال له عثمان الا
تغني عنا سفيهك هذا؟ قال أي سفيه؟ قال أبو ذر، قال علي (ع) ليس
بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء
أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون (ان يك كاذبا فعليه
كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) اه‍. وذكر صاحب
الدرجات الرفيعة هذا الخبر نقلا عن بعض المؤرخين وزاد فيه: قال انشد
بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لأبي ذر؟ فقام أبو هريرة وغيره
فشهدوا بذلك، فولى علي ولم يجلس اه‍. وفي تفسير علي بن إبراهيم ان أبا
ذر رحمه الله دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي
عثمان مائة ألف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي وأصحابه حوله
ينظرون اليه ويطمعون أن يقسمها فيهم، فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟
فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أن أضم
إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي، فقال أبو ذر يا عثمان أيما أكثر مائة ألف
درهم أو أربعة دنانير؟ فقال: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر اني أنا
وأنت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم
يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا
وأمهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا إليك اليوم فرأيناك
ضاحكا مستبشرا؟ فقال نعم كان بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير
لم أكن قسمتها وخفت أن يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم
فاسترحت فنظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال يا أبا إسحاق ما تقول في
رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ؟ فقال لا
لو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ، فرفع أبو ذر
عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا ابن اليهودية الكافرة ما أنت
والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال: (والذين
يكنزون الذهب - الآية)، فقال عثمان يا أبا ذر انك شيخ خرفت وذهب
عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك فقال يا عثمان أخبرني حبيبي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك، وأما عقلي فقد بقي
منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال وما سمعت من
رسول الله؟ قال سمعته يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا
مال الله دولا وكتاب الله دخلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين
حربا! فقال عثمان يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالوا لا! فقال عثمان ادع عليا، فجاء أمير المؤمنين فقال
له عثمان: يا أبا الحسن أنظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب، فقال أمير
المؤمنين: يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما
أظلت الخضراء - الحديث -، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق أبو ذر
فقد سمعنا هذا من رسول الله فبكى أبو ذر عند ذلك، فقال عثمان يا أبا ذر
بحق رسول الله الا أخبرتني عن شئ أسألك عنه! فقال أبو ذر والله لو لم
تسألني بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخبرتك! فقال أي البلاد أحب إليك أن تكون
فيها؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت،
فقال لا ولا كرامة لك، فقال المدينة؟ قال لا ولا كرامة لك قال فسكت أبو
ذر، فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك تكون فيها؟ فقال الربذة التي كنت
فيها على غير دين الاسلام، فقال عثمان سر إليها، فقال أبو ذر صدق الله
ورسوله اه‍.
كتابه إلى حذيفة بن اليمان يشكو اليه ما فعل به
حكى السيد المرتضى في كتاب الفصول عن أبي مخنف قال: حدثني
الصلت عن زيد بن كثير عن أبي أمامة قال كتب أبو ذر إلى حذيفة بن
اليمان يشكو اليه ما صنع به عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أخي فخف الله مخافة يكثر منها
بكاء عينيك وحرر قلبك وأسهر ليلك وانصب بدنك في طاعة الله فحق لمن
علم أن النار مثوى من سخط الله عليه ان يطول بكاؤه ونصبه وسهر ليله
حتى يعلم أنه قد رضي الله عنه وحق لمن علم أن الجنة مثوى من رضي الله
عنه ان يستقبل الحق كي يفوز بها ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله
وماله وقيام ليله وصيام نهاره وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتى يعلم أن
الله أوجبها له وليس بعالم ذلك دون لقاء ربه. وكذلك ينبغي لكل من
رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون. يا أخي أنت ممن استريح إلى
التصريح اليه ببثي وحزني وأشكو اليه تظاهر الظالمين علي اني رأيت الجور
يعمل به بعيني وسمعته يقال فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد
وغربت عن العشيرة والاخوان وحرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وأعوذ بربي العظيم ان
يكون مني هذا شكوى ان ركب مني ما ركب، بل انباتك اني قد رضيت ما
أحب لي ربي وقضاه علي، وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة
المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعم نفعا وخير مغبة وعقبى والسلام.
جواب حذيفة له
فكتب اليه حذيفة: بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد يا أخي فقد
بلغني كتابك تخوفني به وتحذرني فيه منقلبي وتحثني فيه على حظ نفسي فقديما
يا أخي ما كنت بي وبالمؤمنين حفيا لطيفا وعليهم حدبا شفيقا ولهم بالمعروف
آمرا وعن المنكرات ناهيا وليس يهدي إلى رضوان الله الا هو ولا يتناهى من

240
سخطه الا بفضل رحمته وعظيم منه فنسأل الله ربنا لأنفسنا وخاصتنا وعامتنا
وجماعة أمتنا مغفرة عامة ورحمة واسعة، وقد فهمت ما ذكرت من تسييرك يا
أخي وتغريبك وتطريدك فعز والله علي يا أخي ما وصل إليك من مكروه ولو
كان يفتدى ذلك بمال لأعطيت فيه مالي طيبة بذلك نفسي ليصرف الله عنك
بذلك المكروه، والله لو سالت لك المواساة ثم أعطيتها لأحببت احتمال
شطر ما نزل بك ومواساتك في الفقر والأذى والضرر، لكنه ليس لأنفسنا إلا
ما شاء ربنا، يا أخي فافزع بنا إلى ربنا ولنجعل اليه رغبتنا فانا قد
استحصدنا واقترب الصرام فكأني وإياك قد دعينا فأجبنا وعرضنا على
أعمالنا فاحتجنا إلى ما أسلفنا، يا أخي ولا تأس على ما فاتك ولا تحزن على
ما أصابك واحتسب فيه الخير وارتقب فيه من الله أسنى الثواب، يا أخي لا
أرى الموت لي ولك الا خيرا من البقاء فإنه قد أظلتنا فتن يتلو بعضها بعضا
كقطع الليل المظلم قد انبعثت من مركبها ووطئت في خطامها تشهر فيها
السيوف وتنزل فيها الحتوف يقتل فيها من اطلع لها والتبس بها وركض فيها
ولا يبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر الا دخلت عليهم فاعز أهل
ذلك الزمان أشدهم عتوا وأذلهم اتقاهم، فأعاذنا الله وإياك من زمان هذه
حال أهله. لن أدع الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار وقد قال الله
ولا خلف لموعده: (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين) فنستجير بالله من التكبر عن عبادته والاستنكاف
عن طاعته جعل الله لنا ولك فرجا ومخرجا عاجلا برحمته والسلام عليك.
كيفية وفاته
في الاستيعاب في باب الأسماء: نفاه عثمان وأسكنه الربذة فمات بها
وصلى عليه عبد الله بن مسعود صادفه وهو مقبل من الكوفة في نفر فضلاء
من أصحابه منهم حجر بن الأدبر - وهو حجر بن عدي الكندي قتيل مرج
عذرا - ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار دعتهم امرأته اليه
فشهدوا موته وغمضوا عينيه وغسلوه وكفنوه في ثياب للأنصاري في خبر
عجيب حسن فيه طول. وفي خبر غيره أن ابن مسعود لما دعي اليه وذكر له
بكى بكاء طويلا وقد قيل إن ابن مسعود كان يومئذ مقبلا من المدينة إلى
الكوفة فدعي إلى الصلاة عليه فقال ابن مسعود من هذا؟ قيل أبو ذر فبكى
بكاء طويلا فقال أخي وخليلي عاش وحده ومات وحده ويبعث وحده طوبى
له. وكانت وفاته بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود. ذكر
علي ابن المديني قال حدثنا يحيى بن سليم قال حدثني عبد الله بن عثمان بن
خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر زوجة أبي ذر
قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك؟ فقلت ما لي لا أبكي
وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك ولا
بد لي من القيام بجهازك! قال فأبشري ولا تبكي فاني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان
فيريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: لنفر انا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة
من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد الا وقد مات في قرية وجماعة (ولم يبق غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت) فانا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا
كذبت فابصري الطريق، قلت اني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق، قال
اذهبي فتبصري قالت فكنت اشتد إلى الكثيب فانظر ثم ارجع اليه
فأمرضه، فبينما أنا وهو كذلك إذا انا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخب
بهم رواحلهم فاسرعوا إلي حتى وقفوا علي، فقالوا يا أمة الله ما لك؟ قلت
امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه (وتؤجرون فيه)، قالوا ومن هو؟ قلت
أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت نعم قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم
(ثم وضعوا سياطهم في نحورها) وأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم
أبشروا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لنفر انا فيهم ليموتن رجل منكم
بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد
إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي
ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن الا في ثوب هو لي أو لها، وإني
أنشدكم الله أن يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا،
وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال الا فتى من
الأنصار، فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من
غزل أمي، قال أنت تكفنني، قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين
حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم ايمان اه‍. ورواه أبو نعيم في حلية
الأولياء بسنده عن إبراهيم بن الأشتر مثله، ورواه ابن سعد في الطبقات
بطريقين إلى إبراهيم بن الأشتر أحدهما يوافق ما في الاستيعاب، والآخر
يخالفه قليلا. وفي احدى روايتي الحاكم في المستدرك كان حجر المدري
ومالك الأشتر وان الأنصاري قال انا أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في
عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي حتى أحرم فيهما، فقال أبو ذر: كفاني. وفي
روايته الأخرى قال علي بن عبد الله المديني - ليحيى بن سليم الطائفي -
الذي روى عنه علي هذا الحديث - تجد بهم رواحلهم أو تخب؟ قال تجد
بالدال. وفي الاستيعاب في باب الكنى بسنده عن الحلحال بن ذر الضبي
قال خرجنا حجاجا مع ابن مسعود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر
راكبا حتى أتينا على الربذة فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك رضي
الله عنه اه وفي الطبقات بسنده عن عبد الله بن مسعود. لما نفى عثمان أبا
ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره ولم يكن معه الا امرأته وغلامه فأوصاهما ان
اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر فقولوا له هذا
أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا ذلك به ثم
وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل
العراق عمارا فلم يرعهم الا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل ان
تطأها فقام اليه الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على
دفنه، فاستهل عبد الله يبكي ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمشي وحدك
وتموت وحدك وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم
عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيره إلى تبوك اه‍.
ورواه الحاكم في المستدرك من جملة حديث نحوه. وقال ابن الأثير في
حوادث سنة 32: فيها مات أبو ذر وكان قد قال لابنته: استشرفي يا بنية
هل ترين أحدا؟ قالت لا، قال فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت
شاة ثم طبختها ثم قال إذا جاءك الذين يدفنوني - فإنه سيشهدني قوم
صالحون - فقولي لهم يقسم عليكم أبو ذر ان لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما
نضجت قدرها قال لها أنظري هل ترين أحدا؟ قالت نعم هؤلاء ركب!
قال استقبلي بي الكعبة ففعلت، فقال: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم مات، فخرجت ابنته فتلقتهم وقالت رحمكم الله اشهدوا أبا ذر!
قالوا وأين هو؟ فأشارت اليه، قالوا نعم ونعمة عين لقد أكرمنا الله بذلك.
وكان فيهم ابن مسعود فبكى وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يموت وحده
ويبعث وحده فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، و قالت لهم ابنته: ان أبا

241
ذر يقرأ عليكم السلام واقسم عليكم ان لا تركبوا حتى تأكلوا، ففعلوا
وحملوا أهله معهم حتى أقدموهم مكة، ولما حضروا شموا من الخباء ريح
مسك فسألوها عنه، فقالت إنه لما حضر قال إن الميت يحضره شهود يجدون
الريح لا يأكلون، فدوفي لهم مسكا بماء ورشي به الخباء. وكان النفر الذين
شهدوه: ابن مسعود وأبا مفرز وبكر بن عبد الله التميميين والأسود بن يزيد
وعلقمة بن قيس ومالك الأشتر النخعيين والحلحال الضبي والحرث بن
سويد التميمي وعمرو بن عتبة السلمي وابن ربيعة السلمي وأبا رافع المزني
وسويد بن شعبة التميمي ويزيد بن معاوية النخعي وأخا القرثع الضبي
وأخا معضد الشيباني، وقيل كان موته سنة احدى وثلاثين اه‍. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن خليفة بن خياط قال مات أبو ذر بالربذة سنة
اثنتين وثلاثين وصلى عليه عبد الله بن مسعود، وفيها أيضا مات عبد الله بن
مسعود، قال وصلاة عبد الله بن مسعود عليه لا تبعد فقد روي باسناد آخر
أنه كان في الرهط من أهل الكوفة الذين وقفوا للصلاة عليه. وروى الحاكم
في المستدرك بسنده عن عبد الله بن مسعود في حديث تقدم في خبره في غزاة
تبوك قال وضرب الدهر من ضربته وسير أبو ذر إلى الربذة فلما حضره الموت
أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على
قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به
كذلك فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره فإذا ابن
مسعود في رهط من أهل الكوفة فقالوا ما هذا؟ فقيل جنازة أبي ذر، فاستهل
ابن مسعود رضي الله عنه يبكي فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرحم الله أبا ذر
يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فنزل فوليه بنفسه حتى اجنه ثم قال
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه اه. وروى الكشي في رجاله في
ترجمة مالك الأشتر قال حدثني عبيد بن محمد النخعي الشافعي السمرقندي
عن أبي أحمد الطرسوسي حدثني خالد بن طفيل الغفاري عن أبيه عن
حلام (1) بن ركين (2) الغفاري وكانت له صحبة. وفي الدرجات الرفيعة
اخرج الكشي عن جلام بن ذر الغفاري وكانت له صحبة - قال مكث أبو ذر
بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك
واصنعيها فإذا نضجت اقعدي على قارعة الطريق فأول ركب ترينهم قولي يا
عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قضى نحبه ولقي
ربه فأعينوني عليه وأجنوه، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني اني أموت في أرض
غربة وانه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من أمته صالحون. عن
محمد بن علقمة بن الأسود النخعي قال: خرجت في رهط أريد الحج منهم
مالك بن الحارث الأشتر وعبد الله بن فضل التيمي ورفاعة بن شداد
البجلي حتى قدمنا الربذة فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد
الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد هلك غريبا ليس أحد
يعينني عليه، فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق الينا واسترجعنا
على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من
بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الأشتر
فصلى عليه، ثم دفناه فقام الأشتر على قبره، ثم قال: اللهم هذا أبو ذر
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم
يبدل، لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ثم
مات وحيدا غريبا اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين، فقدمت الشاة التي صنعت فقالت إنه
أقسم عليكم ان لا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا اه. وفي تفسير
علي بن إبراهيم في تتمة الخبر السابق في غزوة تبوك: فلما سيره عثمان إلى
الربذة كان له غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال له التقاب
فماتت كلها، فأصاب أبا ذر وابنته الجوع وماتت أهله فقالت ابنته أصابنا
الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا، فقال لي أبي يا بنية قومي بنا إلى الرمل
نطلب العبب - وهو نبت له حب - فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا، فجمع
أبي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينيه قد انقلبتا فبكيت فقلت له يا أبة
كيف اصنع بك وأنا وحيدة؟ فقال يا بنيتي لا تخافي فاني إذا مت جاءك من
أهل العراق من يكفيك أمري فاني أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة
تبوك فقال لي يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل
الجنة وحدك يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك
ودفنك، فإذا أنا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق
العراق فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا أبو ذر صاحب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي. قالت فدخل اليه قوم من أهل الربذة فقالوا يا أبا ذر ما
تشتكي؟ قال ذنوبي! قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي! قالوا هل لك
بطبيب؟ قال الطبيب أمرضني. قالت ابنته فلما عاين سمعته يقول: مرحبا
بحبيب أتى على فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك
لتعلم اني أحب لقاءك. قالت ابنته: فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم
قعدت على طريق العراق، فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا أبو
ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي! فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه
وكفنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر فروي أنه قال دفنته في حلة كانت معي
قيمتها أربعة آلاف درهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وسلم تسليما ورضي الله عن أصحابه الصالحين والتابعين لهم باحسان
وتابعي التابعين وعن العلماء والصلحاء من سلف منهم ومن غبر إلى يوم
الدين.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد
عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي نزيل دمشق الشام عامله الله
بفضله ولطفه وعفوه. هذا هو الجزء السابع عشر من كتابنا (أعيان الشيعة) في بقية حرف
الجيم وما بعده وفقنا الله تعالى لاكماله ومنه تعالى نستمد المعونة والهداية
والتوفيق والعصمة والتسديد انه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
جندب بن جنادة الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
جندب بن حجير
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين (ع) وفي الزيارة المنسوبة
إلى الناحية المقدسة: السلام على جندب بن حجير الخولاني وفي أبصار
العين جندب بن حجير الكندي الخولاني كان من وجوه الشيعة وكان من



(1) اختلفت النسخ في حلام ففي بعضها بالحاء وفي بعضها بالجيم، ومن الغريب اننا لم
نجده في كتب أسماء الصحابة لا في باب الجيم ولا في باب الحاء.
(2) وهذا أيضا اختلفت فيه النسخ ففي بعضها ركين، وفي بعضها دل، وفي بعضها جندل، وفي
بعضها ذرو لم يتيسر لنا معرفة الصواب منها. - المؤلف -
242
أصحاب أمير المؤمنين (ع) خرج إلى الحسين (ع) فوافقه في الطريق قبل
اتصال الحر به فجاء معه إلى كربلاء قال أهل السير انه قاتل فقتل في أول
القتال وقال صاحب الحدايق الوردية في أئمة الزيدية انه قتل هو وولده
حجير بن جندب في أول القتال (انتهى).
وفيما ذكر في مجلة الرضوان الهندية م 2 ج 1 ص 23 من أسماء الشيعة
من الصحابة جندب بن حجير الكندي (انتهى) ولم نجده في الاستيعاب
وأسد الغابة والإصابة.
جندب الخير
هو جندب بن عبد الله بن سفيان الآتي. وقيل هو جندب بن عبد الله
الأخرم الأزدي الغامدي، وفي تهذيب التهذيب: جندب الخير الأزدي
الغامدي قاتل الساحر، يقال إنه جندب بن زهير، ويقال جندب بن
عبد الله، ويقال جندب بن كعب بن عبد الله. وعن أبي عبيد: جندب
الخير هو جندب بن عبد الله بن ضبة (انتهى).
ويأتي ذلك في ترجمة جندب بن زهير، وعن التقريب: جندب الخير
الأزدي قاتل الساحر وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عد جندب الخير من
التابعين القائلين بتفضيل علي (ع) على الناس كافة. وتلقيبه بجندب الخير
يدل على وجود جندب الشر ولم تتيسر لنا معرفته الآن.
جندب بن رباح الأزدي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي لسان الميزان:
جندب بن رباح الأزدي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
جندب بن زهير بن الحارث بن كثير بن جشم بن سبيع بن مالك بن ذهل
ابن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدئل بن سعد مناة بن غامد الأزدي
الغامدي الكوفي
هكذا نسبه في أسد الغابة.
قتل بصفين مع أمير المؤمنين (ع) سنة 37 وقال ابن عساكر ذكر
العسكري انه مات في خلافة معاوية.
كان من خواص أصحاب أمير المؤمنين (ع)، حضر معه حرب
الجمل وحرب صفين وقتل يوم صفين. وفي أحد الأقوال المتقدمة انه يلقب
جندب الخير ويأتي ذلك أيضا عن ابن شاذان.
جنادب الأزد أربعة
في أسد الغابة: جندب بن زهير أحد جنادب الأزد وهم أربعة:
جندب الخير بن عبد الله. وجندب بن كعب قاتل الساحر. وجندب بن
عفيف. وجندب بن زهير. وفي أسد الغابة في ترجمة جندب بن كعب:
قيل لابن عمر ان المختار قد اتخذ كرسيا يطيف به أصحابه يستسقون به
ويستنصرون فقال: أين بعض جنادبة الأزد عنه وهم جندب بن زهير من
بني ذبيان وجندب الخير بن عبد الله وجندب بن كعب وجندب بن عفيف (انتهى).
وقال ابن عساكر: قال علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد: جندب
الخير هو جندب بن عبد الله بن ضبة وجندب بن كعب قاتل الساحر،
وجندب بن عفيف، وجندب بن زهير، كان على رجالة علي بصفين وقتل
معه بصفين هؤلاء الأربعة من الأزد.
هو صحابي أم تابعي
سيأتي عن الفضل بن شاذان انه تابعي وعن ابن حبان انه ذكره في
ثقات التابعين وعن التقريب ان جندب الخير الأزدي أبو عبد الله قاتل
الساحر مختلف في صحبته وأحد الأقوال انه ابن زهير ومقتضى ما يأتي من أن
آية (فمن كان يرجو لقاء ربه) (الآية) نزلت فيه وان عمير بن الحارث
الأزدي اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من قومه منهم جندب بن زهير وانه قام رجل
من الأزد يقال له جندب بن زهير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه صحابي ويأتي قول
الاستيعاب وقد اختلف في صحبة جندب بن زهير وذكره رواية جندب عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حد الساحر وان أحد الأقوال انه جندب بن زهير لكنه
ضعف الرواية ويأتي قول ابن عساكر يقال إن له صحبة وانه اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فكتب له ولقومه كتابا وهو صريح في صحبته.
وقال ابن عساكر قال البغوي: يشك في صحبته. وقال الطبراني:
اختلف في صحبته، اخرج له الترمذي حديثه وصحح ان وقفه أصح،
وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (انتهى).
من هو قاتل الساحر
مر في جندب الخير نقل صاحب تهذيب التهذيب الخلاف في قاتل
الساحر انه جندب بن زهير أو جندب بن عبد الله أو جندب بن كعب ويأتي
ذلك في ترجمتهما وفي الاستيعاب في ترجمة جندب بن كعب: الذي قال إن
قاتل الساحر جندب بن زهير هو الزبير بن بكار في خبر ذكره في قتله الساحر
بين يدي الوليد، والصحيح عندنا انه جندب بن كعب ثم ذكر حديث قتل
جندب بن كعب للساحر ويأتي في ترجمته.
قال ابن عساكر: قال البخاري وابن منده: جندب بن كعب قاتل
الساحر. وقال علي بن المديني: هو جندب بن زهير.
أقوال العلماء فيه
قال الكشي في رجاله قال الفضل بن شاذان: من التابعين الكبار
ورؤسائهم وزهادهم جندب بن زهير زهير قاتل الساحر وعد جماعة أخرى.
وعن تقريب ابن حجر: جندب الخير الأزدي أبو عبد الله قاتل الساحر
مختلف في صحبته، يقال ابن كعب ويقال ابن زهير، ذكره ابن حبان في
ثقات التابعين، وقال أبو عبيد: قتل بصفين (انتهى).
وفي أسد الغابة: جندب بن زهير كان على رجالة صفين مع علي
وقتل في تلك الحرب بصفين قال أبو نعيم: ذكره البغوي وقال هو أزدي،
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان جندب بن زهير إذا
صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس،
فانزل الله تعالى في ذلك (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا
يشرك بعبادة ربه أحدا) وكان فيمن سيره عثمان من الكوفة إلى الشام وقتل
مع علي بصفين أخرجه ابن منده وأبو نعيم (انتهى)، وذكر ابن عبد البر في
الاستيعاب في ترجمة جندب بن كعب فقال: ان جندب بن كعب هو الذي
قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة. روى الحسن البصري عن جندب

243
ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: حد الساحر ضربة بالسيف فقيل إنه جندب بن
كعب وقيل إنه جندب بن زهير قال: وقد اختلف في صحبة جندب بن
زهير، وقيل حديثه هذا مرسل وتكلموا فيه من اجل السري بن
إسماعيل.
وفي الإصابة: فرق الزبير عن عمد في كتاب الموفقيات بين
جندب بن زهير وبين جندب بن كعب قاتل الساحر بن كبشة وكذا فرق
بينهما ابن الكلبي وفي الإصابة أيضا: جندب بن زهير بن الحارث بن
كثير بن سبع بن مالك الأزدي الغامدي، ويقال: جندب بن عبد الله بن
زهير الغامدي. ذكر ابن الكلبي في التفسير عن أبي صالح عن ابن عباس
قال: كان جندب بن زهير الغامدي إذا صلى - إلى آخر ما تقدم، وله ذكر
في ترجمة عمير بن الحارث الأزدي انه اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من قومه منهم
جندب بن زهير - الحديث - ثم ذكر من طريق مقاتل عن عكرمة عن ابن
عباس قال: قام رجل من الأزد يقال له جندب بن زهير الغامدي إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بأبي وأمي اني لأرجع من عندك فلم تقر عيني
بمال ولا ولد حتى ارجع فانظر إليك فانى لي بك في غمار القيامة، فذكر
حديثا طويلا في أهوال يوم القيامة. ومقاتل ضعيف. وروى ابن سعد
بسند له انه كان مع علي يوم الجمل، وروى خليفة من طريق علي بن زيد
عن الحسن ان جندب بن زهير كان مع علي بصفين وكذا ذكره المفضل
الغلابي في تاريخه وقال أبو عبيد: كان على الرجالة يومئذ. وذكر ابن دريد
في أماليه بسنده عن أبي عبيدة عن يونس قال: كان عبد الله بن الزبير
اصطفنا يوم الجمل، فخرج علينا صائح كالمنتصح من أصحاب علي
فقال: يا معشر فتيان قريش أحذركم رجلين جندب بن زهير الغامدي
والأشتر فلا تقوموا لسيوفهما، اما جندب فرجل ربعة يجر درعه حتى يعفي
أثره (انتهى). وفي تاريخ ابن عساكر: جندب بن زهير بن الحارث بن
كبير بن جشم الأزدي يقال إن له صحبة، وهو من أهل الكوفة، وكان ممن
سيره عثمان من الكوفة إلى دمشق، وشهد مع علي صفين أميرا على الأزد
وقتل يومئذ، ثم ذكر خبره المتقدم: إذا صام أو صلى، ثم قال: واتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من الأزد فكتب لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اما بعد فمن اسلم من
عائذ فله ما للمسلمين من حرمة ماله ودمه ولا تحشروا لا تعشروا وله ما
اسلم عليه من ارض. وقال جندب: لقيني عبد الله بن الزبير وعليه وجه
من حديد فطعنته في وجهه فزل السنان عنه، ثم لقيه بعد ذلك
عبد الرحمن بن عتاب فطعنه فأرداه كالنخلة السحوق (انتهى). وفي تهذيب
التهذيب: جندب الخير الأزدي الغامدي (1) قاتل الساحر، يكنى أبا
عبد الله، له صحبة، يقال إنه جندب بن زهير ويقال: جندب بن
عبد الله، ويقال: جندب بن كعب بن عبد الله. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حد
الساحر ضربة بالسيف، وعن سلمان الفارسي وعلي. وعنه حارثة بن
وهب الصحابي والحسن البصري وعثمان النهدي وعبد الله بن شريك
العامري وعدة وفي مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لمحمد بن طلحة
الشافعي قال نوف البكالي: عرضت لي حاجة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (ع) فاستتبعت اليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن أخيه
همام بن عبادة بن خثيم فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فأفضى ونحن معه
إلى نفر قد أفاضوا في الأحدوثات تفكها وهم يلهي بعضهم بعضا فاسرعوا
اليه قياما وسلموا عليه فرد التحية ثم قال: من القوم؟ فقالوا أناس من
شيعتك يا أمير المؤمنين فقال لهم خيرا ثم قال يا هؤلاء ما لي لا أرى فيكم
سمة شيعتنا وحلية أحبتنا فامسك القوم حياء فاقبل عليه جندب والربيع
فقالا له: ما سمة شيعتكم يا أمير المؤمنين؟ فسكت فقال همام - الحديث -
وذكرناه بتمامه في ترجمة همام. وقال ابن قتيبة في المعارف: روي في
الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال زيد الخير الأجذام وجندب ما جندب
فقيل يا رسول الله أتذكر رجلين فقال اما أحدهما فسبقته يده إلى الجنة
بثلاثين عاما وأما الآخر فيضرب ضربة يفصل بها بين الحق والباطل فكان
أحد الرجلين زيد بن صوحان شهد يوم جلولاء فقطعت يده وقتل مع علي
يوم الجمل واما الآخر فهو جندب بن زهير الغامدي (2) ضرب ساحرا كان
يلعب بين يدي الوليد بن عقبة فقتله (انتهى).
خبر تسييره وأصحابه إلى الشام
قال ابن الأثير في حوادث سنة 33: في هذه السنة سير عثمان نفرا
من أهل الكوفة إلى الشام وكان السبب في ذلك ان سعيد بن العاص لما ولاه
عثمان الكوفة حين شهد على الوليد بشرب الخمر امره ان يسير الوليد اليه،
فقدم سعيد الكوفة وسير الوليد وغسل المنبر، فنهاه رجال من بني أمية كانوا قد
خرجوا معه عن ذلك، فلم يجبهم، فبينما سعيد يتحدث مع جلسائه قال حبيش
(خنيس) ابن فلان الأسدي: ما أجود طلحة بن عبيد الله! فقال سعيد ان
من له مثل النشاستج (3) لحقيق ان يكون جوادا والله لو أن لي مثله
لأعاشكم الله به عيشا رغدا. فقال عبد الرحمن بن حبيش وهو حدث:
والله لوددت هذا الملطاط لك - يعني لسعيد - وهو ما كان للأكاسرة على
جانب الفرات الذي يلي الكوفة، فقالوا: فض الله فاك، والله لقد هممنا
بك، فقال أبوه: غلام فلا تجاوزوه فقالوا: يتمنى له سوادنا؟ قال:
ويتمنى لكم اضعافه فقاربه الأشتر وجندب وذكر معهما جماعة، ولا يدري
من هو جندب هذا، أ هو جندب بن كعب الأزدي أو جندب بن زهير
الغامدي، فكلاهما كانا حاضرين في تلك الواقعة بدليل انهما كانا ممن
سيرهم سعيد كما سيأتي - فأخذوه، فثار أبوه ليمنع عنه فضربوهما حتى
غشي عليهما وجعل سعيد يناشدهم ويأبون حتى قضوا منهما وطرا.
فسمع بذلك بنو أسد فجاءوا وفيهم طلحة فأحاطوا بالقصر وركبت
القبائل فعادوا بسعيد، فخرج سعيد إلى الناس فقال: أيها الناس قوم
تنازعوا وقد رزق الله العافية فردهم فتراجعوا وأفاق الرجلان فقالا قاتلنا
غاشيتك، فقال: لا يغشوني ابدا فكفا ألسنتكما ولا تحزبا الناس ففعلا وقعد
أولئك النفر في بيوتهم وأقبلوا يقعون في عثمان. وقيل بل كان السبب في
ذلك أنه كان يسمر عند سعيد بن العاص وجوه أهل الكوفة فقال سعيد:
انما هذا السواد بستان قريش فقال الأشتر: أ تزعم أن السواد الذي أفاءه
الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك وتكلم القوم معه، فقال عبد الرحمن
الأسدي - وكان على شرطة سعيد - أتردون على مقالته وأغلظ لهم فقال
الأشتر لا يفوتنكم الرجل فوثبوا عليه فوطئوه وطء شديدا حتى غشي عليه
ثم جروا برجله فنضح بماء فأفاق، فقال قتلني من انتخبت، فقال: والله



(1) في النسخة المطبوعة (العامري) والظاهر أنه تصحيف الغامدي وفي الإصابة: جندب بن زهير
العامري فرق ابن فتحون في الذيل بينه وبين جندب بن زهير الأزدي وهما واحد وهو
الغامدي بالغين المعجمة والدال لا العامري بالمهملة والراء، وغامد بطن من الأزد
(انتهى).
(2) الذي في النسخة المطبوعة الغاضري بدل الغامدي وهو تصحيف.
(3) في معجم البلدان: النشاستج ضيعة أو نهر بالكوفة كانت لطلحة بن عبيد الله كانت عظيمة
كثيرة الدخل. - المؤلف -
244
لا يسمر عندي أحد ابدا فجعلوا يجلسون في مجالسهم يشتمون عثمان
وسعيدا واجتمع إليهم الناس حتى كثروا، فكتب سعيد وأشراف أهل الكوفة
إلى عثمان في اخراجهم. فكتب إليهم ان يلحقوهم بمعاوية، وكتب
إلى معاوية ان نفرا قد خلقوا للفتنة فأقم عليهم وانههم فان آنست منهم رشدا
فاقبل وان أعيوك فارددهم علي، فلما قدموا على معاوية أنزلهم كنيسة مريم
وأجرى عليهم ما كان لهم بالعراق بأمر عثمان وكان يتغدى ويتعشى
عندهم، فقال لهم يوما: انكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد
أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مواريثهم وقد بلغني انكم
نقمتم قريشا ولو لم تكن قريش كنتم أذلة ان أئمتكم لكم جنة فلا تتفرقوا
عن جنتكم، وجرى بينه وبينهم كلام فكتب إلى عثمان انه قدم علي أقوام
ليست لهم عقول ولا أديان أضجرهم العدل، إلى أن قال: فخرجوا من
دمشق فقالوا لا ترجعوا بنا إلى الكوفة فإنهم يشمتون بنا ولكن ميلوا إلى
الجزيرة، فسمع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - وكان على حمص -
فدعاهم ووبخهم وأهانهم. وفي رواية ان معاوية لما عاد إليهم من القائلة (1)
جرى بينه وبينهم كلام أغضبهم فيه وأغضبوه فوثبوا عليه واخذوا رأسه
ولحيته فقال: مه ان هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشام ما
صنعتم بي ما ملكت ان أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم، ثم قام من عندهم
وكتب إلى عثمان نحو الكتاب المتقدم، فكتب اليه عثمان يأمره ان يردهم
إلى سعيد بن العاص بالكوفة فردهم فأطلقوا ألسنتهم، فضج سعيد منهم إلى
عثمان، فكتب اليه عثمان ان يسيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بحمص
فسيرهم إليها فأنزلهم عبد الرحمن وأجرى عليهم رزقا، وكانوا الأشتر
وثابت بن قيس الهمداني وكميل بن زياد وزيد وصعصعة ابني صوحان
وجندب بن زهير الغامدي وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن الجعد
وعمرو بن الحمق الخزاعي وابن الكواء (انتهى)
اخباره بصفين
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده عن عبد الله بن شريك
ان الناس لما أتوا النخيلة قام رجال ممن كان سيره عثمان فتكلموا فقام
جندب بن زهير والحارث الأعور ويزيد بن قيس الأرحبي فقال جندب قد
آن للذين اخرجوا من ديارهم (2) وجعله أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم
صفين على الأزد واليمن.
وقال نصر في موضع آخر من كتاب صفين: حمل جندب بن زهير يوم
صفين وهو يقول:
هذا علي والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه
فإنه يخشاك رب فارفعه * نحن نصرناه على من نازعه
صهر النبي المصطفى قد طاوعه * أول من بايعه وتابعه
(أقول) يأتي في ترجمة عدي بن حاتم ذكر الشطور الثلاثة الأول
لعدي بن حاتم في رواية نصر. فاما ان يكون من توارد الخاطر أو اشتباه
الرواة.
ومن أخباره في صفين التي تدل على عظيم شجاعته ما ذكره نصر
أيضا قال تقدم جندب بن زهير برايته وراية قومه وهو يقول والله لا انتهي
حتى أخضبها فخضبها مرارا إذ اعترضه رجل من أهل الشام فطعنه فمشى
إلى صاحبه في الرمح حتى ضربه بالسيف فقتله (انتهى).
ومن أخباره يوم صفين التي تدل على شدة اخلاصه في حب أمير
المؤمنين (ع) وقوة ايمانه أنه لما ندبت أزد العراق إلى قتال أزد الشام
بصفين خطب مخنف بن سليم خطبة توجب توهين عزم أزد العراق في قتال
قومهم من أزد الشام فرد عليه جندب بن زهير بخطبة توجب تقوية عزمهم
وتشد قلوبهم قال نصر قال عمر عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر ان
مخنف بن سليم لما ندبت أزد العراق إلى قتال أزد الشام خطب فحمد الله
واثنى عليه ثم قال إن من الخطب الجليل والبلاء العظيم انا صرفنا إلى قومنا
وصرفوا الينا فوالله ما هي الا أيدينا نقطعها بأيدينا وما هي الا أجنحتنا
نحذفها بأسيافنا فان نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ولم نواس جماعتنا وان
نحن فعلنا فعزنا أبحنا ونارنا اخمدنا فقال جندب بن زهير والله لو كنا آباءهم
ولدناهم أو كنا أبناءهم ولدونا ثم خرجوا من جماعتنا وطعنوا على امامنا
ووازروا الظالمين الحاكمين بغير الحق على أهل ملتنا وذمتنا ما افترقنا بعد إذ
اجتمعنا حتى يرجعوا عما هم عليه ويدخلوا فيما ندعوهم اليه أو تكثر القتلى
بيننا وبينهم فقال مخنف والله ما علمتك صغيرا وكبيرا الا مشئوما والله
ما ميلنا الرأي في أمرين قط أيهما نأتي وأيهما ندع في الجاهلية ولا بعد ما
أسلمنا الا اخترت أعسرهما وأنكدهما اللهم فان نعافى أحب الينا من أن
نبتلى اللهم اعط كل رجل منا ما سالك فتقدم جندب بن زهير فبارز رأس
أزد الشام فقتله الشامي انتهى فكانت عاقبته الشهادة نال شرفها
وسعادتها. ومخنف بن سليم كان رئيس أزد العراق فلذلك لما رد عليه
جندب مقالته برد أفحمه فيه قابله مخنف بهذا الجواب الخشن فكان جواب
جندب بالفعل خرج فقاتل ولم يبارز الا رأس أزد الشام حتى قتل وقال ابن
الأثير في حوادث سنة 37 - عند ذكر حرب صفين -: وتقدم جندب بن
زهير فبارز رأس أزد الشام فقتله الشامي وقال أيضا: فيها قتل جندب بن
زهير الأزدي وهو من الصحابة مع علي بصفين (انتهى).
التمييز
في مشتركات الكاظمي: باب جندب ولم يذكره شيخنا مشترك بين
جماعة مجهولين الا ابن السكن أبا ذر الغفاري الذي هو أحد الأركان الأربعة
والا ابن زهير فإنه من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم (انتهى).
جندب بن صالح البصري الأزدي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال اسند عنه.
وفي لسان الميزان: جندب بن صالح الأزدي ذكره الطوسي في رجال الشيعة
(انتهى).
جندب بن عبد الله الأزدي
مر عن الإصابة ما يدل على أن جندب بن عبد الله الأزدي هو
جندب بن زهير المتقدم حيث قال: جندب بن زهير بن الحارث الأزدي
الغامدي ويقال: جندب بن عبد الله بن زهير الغامدي، وابن عساكر في
تاريخ دمشق ذكر ترجمتين إحداهما جندب بن زهير بن الحارث الأزدي
والثانية جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب بن عبد الله بن الحارث الأزدي
وهو يدل على أن جندب بن عبد الله غير جندب بن زهير، ولكنه يدل على



(1) الذي في النسخة من القابلة بالباء والظاهر أنه غلط والصواب من القائلة اي من بعد القيلولة
والله أعلم.
(2) يشير إلى تسيير عثمان لهم إلى الشام. والآية التي لمح إليها هي قوله تعالى: للذين اخرجوا
من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله. - المؤلف -
245
ان جندب بن عبد الله هو جندب بن كعب، وما مر في تهذيب التهذيب
عن أبي عبيد يدل على أن هناك جندب بن عبد الله آخر وهو جندب بن
عبد الله بن ضبة وان جندب بن كعب غير جندب بن زهير، حيث جعل
الجنادبة من الأزد أربعة: جندب بن عبد الله بن ضبة وهو الملقب جندب
الخير، وجندب بن كعب قاتل الساحر، وجندب بن عفيف، وجندب بن زهير
الذي كان على رجالة علي بصفين وقتل معه بصفين، وصريح الاستيعاب
ان جندب بن كعب غير جندب بن زهير كما مر في جندب بن زهير، وقال
جندب بن عبد الله الأزدي عن الحارث بن زهير الأزدي انه ابن عمه وهو
يقتضي ان يكون زهير أخا عبد الله والد جندب لا أباه وأن يكون
جندب بن زهير المتقدم هو أخا الحارث بن زهير وابن عم جندب بن
عبد الله أيضا ويأتي عن ابن نما ما يدل على أن جندب بن عبد الله الأزدي
كان حيا بعد قتل الحسين (ع) مع أن جندب بن زهير قتل مع علي (ع)
بصفين فهما اثنان والله أعلم.
أقوال العلماء فيه
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع): جندب بن عبد الله
الأزدي (أقول): كان جندب هذا من أصحاب علي كما قال الشيخ وحضر
معه وقعة الجمل وكان له ابن عم يسمى الحارث بن زهير الأزدي وكان من
أصحاب علي (ع) أيضا قال أبو مخنف فانتهى الحارث إلى الجمل ورجل
آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد الا قتله فمشى اليه الحارث بالسيف وارتجز
فقال لعائشة:
يا أمنا أعق أم تعلم * والأم تغدو ولدها وترحم
اما ترين كم شجاع يكلم * وتختلي هامته والمعصم
فاختلف هو والرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه قال جندب بن
عبد الله الأزدي فجئت حتى وقفت عليهما وهما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا
قال فاتيت عائشة بعد ذلك اسلم عليها بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل
من أهل الكوفة قالت هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم قالت مع اي
الفريقين قلت مع علي قالت هل سمعت مقالة الذي قال يا أمنا أعق أم
تعلم قلت نعم واعرفه قالت ومن هو قلت ابن عم لي قالت وما فعل قلت
قتل عند الجمل وقتل قاتله قال فبكت حتى ظننت والله انها لا تسكت ثم
قالت لوددت والله انني كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة (انتهى).
وقال ابن نما في كتاب المقتل ان ابن زياد دعا بعد قتل الحسين (ع)
جندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخا فقال يا عدو الله الست صاحب أبي
تراب قال بلى لا اعتذر منه قال ما أراني الا متقربا إلى الله بدمك قال إذا لا
يقربك الله بل يباعدك قال: شيخ قد ذهب عقله وخلى سبيله (انتهى).
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: جندب بن عبد الله ويقال ابن
كعب بن عبد الله بن الحارث الأزدي، له صحبة، حدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وعن علي وعن سلمان، وقدم دمشق في خلافة عثمان. وروى ابن منده
عن أبي عثمان النهدي أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة فكان
يأخذ السيف فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب إلى السيف فاخذه
فضرب عنقه ثم قرأ (أتأتون السحر وأنتم تبصرون) وروى ابن منده عن
الحسن عن جندب ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: حد الساحر ضربة بالسيف. قال
ابن منده: جندب بن كعب قاتل الساحر، عداده في أهل الكوفة،
وأخرج محمد بن سعد ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى ابن ظبيان الأزدي يدعوه
ويدعو قومه إلى الاسلام، فاجابه في نفر من قومه في مكة وقدم عليه المدينة
جماعة من الأزد منهم جندب، وشك البغوي في صحبة جندب.
جندب بن عبد الله بن جندب البجلي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وعن بعض نسخ
مصححة انه ذكره في رجال الصادق (ع).
جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي المعروف بجندب ابن أم
جندب.
توفي بعد سنة 60 أو 61.
(جندب) عن التقريب بضم أوله. والدال تفتح وتضم (والعلقي)
بفتح العين المهملة واللام بعدها قاف نسبة إلى علقة حي من بجيلة وفي
الاستيعاب هو علقة بن عبقر بن انمار بن أراش بن عمرو بن الغوث
(انتهى) وما يوجد في بعض المواضع من رسمه العلقمي بالميم تصحيف من
النساخ.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تارة بعنوان جندب ابن
أم جندب وأخرى بعنوان جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي قال
ويقال جندب الخير وجندب العارف (انتهى) والعارف عن البغوي بدله
الفاروق وانه المعروف بجندب ابن أم جندب. والشيخ جعلهما اثنين وفي
الطبقات الكبير: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي وهو العلقي وعلقة
بطن من بجيلة وبعضهم ينسبه إلى أبيه فيقول جندب بن عبد الله وبعضهم
ينسبه إلى جده فيقول جندب بن سفيان وهو واحد (انتهى).
وفي أسد الغابة: قال ابن منده وأبو نعيم يقال له جندب الخير.
والذي ذكره ابن الكلبي ان جندب الخير هو جندب بن عبد الله بن الأخرم
الأزدي الغامدي انتهى وفي الإصابة قال ابن حبان: هو جندب الخير
وقال خليفة: مات في فتنة ابن الزبير وذكره البخاري في التاريخ فيمن توفي
من 60 - 70 (انتهى). وفتنة ابن الزبير كانت بعد سنة 61 وفي الاستيعاب
صحبته ليست بالقديمة يكنى أبا عبد الله كان بالكوفة ثم صار إلى البصرة
روى عنه من أهل البصرة الحسن بن أبي الحسين ومحمد بن سيرين وأنس بن
سيرين وأبو السوار العدوي وبكر بن عبد الله المدني ويونس بن جبير الباهلي
وصفوان بن محرز المازني وأبو عمران الجوني وروى عنه من أهل الكوفة
عبد الملك بن عمير والأسود بن قيس وسلسلة بن كهيل وله رواية
عن أبي بن كعب وحذيفة (انتهى).
جندب بن عبد الله الضبي
في لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة (انتهى) ولا ذكر له في
كتب الشيخ الطوسي وانما ذكر جندب بن عبد الله البجلي كما مر. نعم في
تهذيب التهذيب في جندب الخير انه جندب بن عبد الله بن ضبة ولعله
حصل اشتباه في الاسم.
جندب بن عفيف الأزدي
كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) حكى ابن أبي الحديد في شرح
النهج في شرح الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين (ع) لما بلغه ان سفيان بن
عوف الغامدي غزا الأنبار من قبل معاوية وقتل عامل علي (ع) حسان بن

246
حسان البكري وقال إنه رواها المبرد في أول الكامل وروى المبرد في آخرها
فقام اليه رجل ومعه اخوه فقال يا أمير المؤمنين اني وأخي هذا كما قال الله
تعالى رب اني لا أملك الا نفسي وأخي فمدنا بأمرك فوالله لننتهين اليه ولو
حال بيننا وبينه جمر الغضا وشوك القتاد فدعا لهما بخير وقال وأين تقعان مما
أريد ثم نزل ثم حكى ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن محمد بن هلال
الثقفي وفي كتاب الغارات ان القائم اليه العارض نفسه عليه جندب بن
عفيف الأزدي هو وابن أخ له يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف
(انتهى) ولكن الذي حكاه أولا عن الكامل انه اخوه فليراجع وكأنه أخو
عبد الله بن عفيف الأزدي الذي قتله ابن زياد.
جندب بن كعب الأزدي
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: جندب بن كعب
قاتل أهل الشام شك في صحبته (انتهى) ويغلب على الظن ان قوله قاتل
أهل الشام تصحيف قاتل الساحر كما لا يخفى.
كان ممن سيرهم سعيد بن العاص من الكوفة إلى الشام بأمر عثمان
ومر ذلك في جندب بن زهير الأزدي الغامدي، ومر عن ابن عساكر في
جندب بن عبد الله الأزدي انه هو جندب بن كعب بن عبد الله بن الحارث
الأزدي فجعل جندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر هو جندب بن عبد الله
الأزدي بعينه وظاهر غيره انهما اثنان. وفي الاستيعاب: جندب بن كعب
العبدي ويقال الأزدي ويقال الغامدي، وهو عند أكثرهم قاتل الساحر بين
يدي الوليد بن عقبة، ثم روى بسنده عن علي بن المديني قال: جندب بن
كعب الغامدي له صحبة روى عنه أبو عثمان النهدي وحارثة بن مضرب،
وهو الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة، روى الحسن البصري
عن جندب ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حد الساحر ضربة بالسيف فقيل إنه
جندب بن كعب وقيل إنه جندب بن زهير، وذكر حماد بن سلمة عن علي
ابن زيد عن الحسن ان جندب بن كعب كان مع علي بصفين، قال
الزبير بن بكار ان قاتل الساحر بين يدي الوليد جندب بن زهير، والصحيح
عندنا انه جندب بن كعب.
وفي الإصابة: جندب بن كعب بن عبد الله بن جزء بن عامر بن
مالك بن عامر بن دهمان الأزدي الغامدي أبو عبد الله وربما نسب إلى جده
وهو جندب الخير وهو قاتل الساحر ويقال جندب بن زهير فجعلهما واحدا
وقال ابن سعد عن هشام بن الكلبي حدثنا لوط بن يحيى قال كتب
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ظبيان الأزدي بن غامد يدعوه ويدعو قومه فأجاب في نفر
من قومه منهم مخنف وعبد الله وزهير بنو سليم وعبد شمس بن عفيف بن
زهير هؤلاء قدموا عليه بمكة وقدم عليه بالمدينة جندب بن زهير وجندب بن
كعب والحجز بن المرقع ثم قدم بعد مع الأربعين الحكم بن مغفل قال
وروى البخاري في تاريخه من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان قال كان
عند الوليد رجل يلعب فجاء جندب الأزدي فقتله. وفي الأغاني بسنده عن
جندب قال كنت فيمن شهد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر فلما استتممنا
عليه الشهادة حبسه عثمان ثم ذكر باقي خبره وضرب علي (ع) إياه الحد.
جندب بن مكيث بن جراد بن يربوع الجهني
عن تقريب ابن حجر مكيث بوزن عظيم آخره مثلثة (انتهى).
جندب والد عبد الله بن جندب الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) ويروي عنه ولده
عبد الله في الكافي في باب دعوات موجزات.
جندرة بن خيشنة أبو قرصافة سكن الشام الكناني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
جنيد بن إبراهيم بن علي الصفوي الموسوي الأردبيلي جد الملوك
الصفوية ملوك إيران
وباقي نسبه ذكر في ترجمة حفيده الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد.
كان الصفوية قبل الشاه إسماعيل حفيد المترجم من مشايخ الصفوية
وكانوا يلقبون بالسلطنة بهذا الاعتبار ولم يكونوا ملوكا ولا سلاطين. في
البدر الطالع في ترجمة الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد انه كان سلفه
مشايخ متصوفة يعتقدهم الملوك ويعظمهم الناس ويقفون عندهم في
زواياهم فلما جلس في الزاوية جنيد كثرت اتباعه فتوهم منه صاحب
آذربيجان فأخرجه هو وأتباعه فخرجوا فقتل سلطان شروان جنيدا
(انتهى).
الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث مولى بني أمية
في تاريخ دمشق لابن عساكر في ترجمة جنادة بن عمرو بن الجنيد هذا
انه روى عن جده الجنيد أنه قال: اتيت من حوران إلى دمشق لآخذ
عطائي فصليت الجمعة ثم خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخ يقال له
أبو شيبة القاص يقص على الناس فرغب فرغبنا وخوف فبكينا فلما انقضى
حديثه قال اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب فلعنوا أبا تراب (ع) فالتفت إلى
من على يميني فقلت له فمن أبو تراب فقال علي بن أبي طالب ابن عم رسول
الله وزوج ابنته وأول الناس اسلاما وأبو الحسن والحسين فقلت ما أصاب
هذا القاص فقمت اليه وكان ذا وفرة فأخذت وفرته بيدي وجعلت الطم
وجهه وانطح برأسه الحائط فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في
رقبتي وساقوني حتى أدخلوني على هشام بن عبد الملك وأبو شيبة يقدمني
فصاح يا أمير المؤمنين قاصك وقاص آبائك وأجدادك اتي اليه امر عظيم قال
من فعل بك فقال هذا فالتفت إلي هشام وعنده أشراف الناس فقال يا أبا يحيى
متى قدمت فقلت أمس وانا على المصير إلى أمير المؤمنين فأدركتني صلاة
الجمعة فصليت وخرجت إلى باب الدرج فإذا هذا الشيخ قائم يقص
فجلست اليه فقرأ فسمعنا فرغب من رغب وخوف من خوف ودعا فأمنا
وقال في آخر كلامه اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب فسالت من أبو تراب فقيل
لي علي بن أبي طالب أول الناس اسلاما وابن عمر رسول الله وأبو الحسن
والحسين وزوج بنت رسول الله فوالله يا أمير المؤمنين لو ذكر هذا قرابة لك
بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لا حللت به الذي أحللت فكيف لا
اغضب لصهر رسول الله وزوج ابنته فقال هشام بئس ما صنع ثم عقد لي
على السند ثم قال لبعض جلسائه مثل هذا لا يجاورني ها هنا فيفسد علينا
البلد فباعدته إلى السند فلم يزل بها إلى أن مات وفيه يقول الشاعر:



(1) هكذا في البدر الطالع وفيهما مر في ترجمة حفيده الشاه إسماعيل ج 11 جنيد بن
صدر الدين بن إبراهيم ويمكن كون ابن زائدة وصدر الدين لقب إبراهيم. المؤلف
247
ذهب الجود والجنيد جميعا فعلى الجود والجنيد السلام
وقد يستظهر من ذلك تشيعه.
جنيد بن عبيد الله أبو عبد الله الضبي مولاهم الحجام الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وهو الذي قال ابن
حجر ان الطوسي ذكره في رجال الشيعة كما مر وقولنا انه لم يذكره الطوسي
كان اشتباها.
جنيد قاتل فارس بن حاتم القزويني
تدل روايات الكشي الآتية على أنه من أصحاب الإمام علي الهادي
ولكن في الخلاصة في ترجمة فارس انه قتله بعض أصحاب أبي محمد
بالعسكر وهو يدل على أنه من أصحاب الإمام الحسن العسكري. ثم قال
في الخلاصة بعد نقل كلام الكشي: وروي ان أبا الحسن امر بقتله - يعني
فارسا - فقتله جنيد (انتهى) ومثله عن التحرير الطاووسي وكذلك المحكي
عن ابن الغضائري في ترجمة فارس يدل على أنه من أصحاب الحسن
العسكري فإنه قال قتله - اي فارس - بعض أصحاب محمد العسكري
(انتهى) ولم أجد من نبه على امر هذا الاختلاف ويمكن ان يكون من
أصحاب كل من الامامين علي الهادي والحسن العسكري. ويمكن ان يكون
الصواب انه من أصحاب العسكري وأن يكون ما في روايات الكشي من
ذكر أبي الحسن العسكري تحريفا من النساخ. وصوابه الحسن العسكري
فان نسخ كتب الرجال المطبوعة التي بأيدينا غير مضمونة الصحة.
قال المحقق البهبهاني في التعليقة: جنيد الذي من أصحاب
العسكري سيجئ في فارس ابن حاتم ما يشعر بحسن حاله في الجملة
(انتهى) وقال أبو علي: بل يظهر حسن حاله منه ومن غيره جدا فروى
الكشي في فارس ان العسكري (ع) امر بقتل فارس وضمن لمن قتله الجنة
فقتله جنيد وفيه غيره أيضا. أو في الحسين بن محمد الأشعري قال كان يرد
كتاب أبي محمد في الاجراء على الجنيد قاتل فارس وأبي الحسن فلما مضى أبو
محمد ورد استئذان من الصاحب لاجراء أبي الحسن وصاحبه ولم يرد في امر
الجنيد شئ فاغتممت لذلك فورد نعي الجنيد بعد ذلك (انتهى). واما ما
رواه الكشي في ترجمة فارس مما يتعلق بحال جنيد فهو: حدثني الحسين بن
الحسن بن بندار القمي: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي،
حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ان أبا الحسن العسكري (ع) أمر بقتل
فارس بن حاتم وضمن لمن قتله الجنة فقتله جنيد وكان فارس فتانا يفتن
الناس ويدعوهم إلى البدعة فخرج من أبي الحسن (ع) هذا فارس لعنه الله
يعمل من قبلي فتانا داعيا إلى البدعة ودمه هدر لكل من قتله فمن هذا الذي
يريحني منه ويقتله. قال سعد وحدثني جماعة من أصحابنا من العراقيين
وغيرهم هذا الحديث عن جنيد ثم سمعته انا بعد ذلك من جنيد قال ارسل
إلي أبو الحسن العسكري يأمرني بقتل فارس بن حاتم فقلت لا حتى اسمعه
منه يقول لي ذلك يشافهني به فبعث إلي فقال آمرك بقتل فارس بن حاتم
فناولني دراهم من عنده وقال اشتر بهذا سلاحا فاعرضه علي فاشتريت سيفا
فعرضته عليه فقال رد هذا وخذ غيره فرددته واخذت مكانه ساطورا فعرضته
عليه فقال هذا نعم فجئت إلى فارس وقد خرج من المسجد بين الصلاتين
المغرب والعشاء فضربته على رأسه فصرعته فثنيت عليه فسقط ميتا ووقعت
الصيحة فرميت الساطور من يدي واجتمع الناس فأخذت إذ لم يوجد هناك
أحد غيري فلم يروا معي سلاحا ولا سكينا وطلبوا الزقاق والدور فلم
يجدوا شيئا ولم يروا اثر الساطور بعد ذلك (انتهى).
السيد القاضي جهان السيفي القزويني
تأتي ترجمته في حرف القاف كما أورده صاحب الرياض هناك بناء على أن
اسمه مركب من قاضي جهان ويحتمل ان يكون اسمه جهان والقاضي
لقب.
جهان خاتون الشيرازية
جهان بالفارسية اسم الدنيا. في كتاب خيرات حسان ما تعريبه:
كانت شاعرة صاحبة أموال معاصرة لعبيد الزاكاني ويحضر في مجلسها غالبا
الشعراء والظرفاء ويحترمونها كمال الاحترام ومن شعرها الرشيق قولها
بالفارسية: مصوريست كه صورة ز آب ميسازد * ز ذره ذره ء خاك آفتاب ميسازد
جهان خانم زوجة الشاه إسماعيل الصفوي
كانت تنظم الشعر الفارسي حكى صاحب كتاب خيرات حسان انها
أنشدت الشاه إسماعيل هذا البيت:
تو بادشاه جهاني ز دست مده * كه بادشاه جهان را جهان بكار آيد
وتعريبه أنت ملك جهان - اي الدنيا - فلا تترك جهان من يدك فان
جهان هي التي تفيد ملك جهان.
وكان له زوجة أخرى اسمها حياة خانم كانت حاضرة في ذلك
المجلس فلما سمعت هذا الشعر قالت:
ترك جهان بكن تا ز حياة برخري * هر كه غم جهان خورد كي ز حياة بير خورد
وتعريبه: اترك الدنيا لتلتذ بالحياة فكل من اغتم بالدنيا لم يلتذ
بالحياة وفي رواية أخرى ان جهان أنشدت:
تو باد شاه خهاني * تو ارجهان بايد
وتعريبه: أنت ملك جهان اي ملك الدنيا فينبغي أن تكون لك
جهان فأنشدت حياة:
اكر حياة نباشد * بجهان شكار آيد
وتعريبه: إذا لم تكن حياة فما ذا تفيد جهان (اي الدنيا).
جهان خانم بنت الأمير محمد قاسم خان ابن سليمان خان اعتضاد
الدولة القاجاري وزوجة محمد شاه القاجاري وأم ناصر الدين شاه
توفيت يوم الاثنين 6 ربيع الثاني سنة 1290 وابنها ناصر الدين شاه
يومئذ في أوروبا ودفنت في قم بجوار قبر فاطمة ابنة الإمام الكاظم المعروفة
بمعصومة قم.
في كتاب خيرات حسان ما تعريبه: أمها بنت السلطان فتح علي شاه
القاجاري وأخت حسين علي ميرزا فرمانفرما وحسن علي ميرزا شجاع
السلطنة لأمهما. كان دأبها بذل العطايا وإعانة الملهوفين وتأمين الخائفين
وحماية الضعفاء ورعاية الرعايا وكانت ذات رأي صائب وفكر ثاقب وعقل
وافر وذوق سليم وطبع مستقيم واستعداد جامع وحذق مفرط ومعرفة

248
بجميع طبقات الناس على حسب مراتبهم ونظر في عواقب الأمور ولها مآثر
كثيرة وكانت تحسن جملة من الصنائع العالية وكان لها في الخط والنقش
والتطريز مهارة تامة تحير أرباب الخبرة بهذه الفنون. وكانت ناثرة شاعرة
- وأورد شيئا من شعرها بالفارسية تزوج بها محمد شاه سنة 1234 وظهر
منها في أمور الملك كمال الكفاية وتمام الدراية وولدت ناصر الدين شاه في
6 صفر سنة 1247 ولما توفي زوجها محمد شاه أزالت تفريق الكلمة من بين
الأكابر وأركان الدولة في إيران وأعطت التنبيهات لحكام الولايات والايالات
وجعلت أعمال وعمال الأقطار تحت النظم والانتظام إلى أن حضر موكب
ولدها السلطان ناصر الدين من تبريز إلى طهران - وكانت العادة المتبعة عند
القاجارية ان يكون ولي العهد حاكما في تبريز والملك في طهران - (انتهى ما
أردنا نقله من ذلك الكتاب). ومما يناسب ذكره في المقام ما حدثني به بعض
علماء إيران قال: مرضت أم ناصر الدين شاه مرة فاحضر لها طبيبها الخاص
فعالجها حتى أشرفت على البرء وبينما هو في بعض الأيام إذا بالفراشين
يتراكضون اليه ويقولون أم الشاه عاودها المرض وصارت في حالة الخطر
فأسرع الحضور وبعد الفحص ظهر له انها اكلت شيئا ثقيلا فسألها فقالت إنها
اكلت شيئا من شوربا زين العابدين - وهي شوربا تعمل باسم الإمام زين العابدين
(ع) وتفرق - فقال لها من هنا جاء المرض فان الإمام زين العابدين
نفسي له الفداء هو مريض كربلا.
جهانشاه بن قره يوسف بن قره محمد بن بيرام خواجة التركماني
قتل سنة 872 وعمره 70 سنة.
هو من طائفة تركمانية تسمى قره قويونلو كانت لها دولة ظهرت أيام
استيلاء تيمورلنك على قسم من شمال إيران والعراق سنة 782 فاستولت
على آذربيجان والعراق العربي زهاء 66 سنة وهناك طائفة أخرى تركمانية
تسمى آق قويونلو. في دائرة المعارف الاسلامية آق قويونلو معناه قبيلة القطيع
الأبيض. وعليه قره قويونلو معناه قبيلة القطيع الأسود وفي الدائرة أيضا ان
طائفة آق قويونلو حارب امراؤها القره قويونلو (انتهى) واستدل صاحب
مجالس المؤمنين على تشيع طائفة قره قويونلو بما كان منقوشا على خواتيم
آرايش بيكم وأوراق سلطان ابنتي إسكندر بن قرا يوسف وبوداع ابن
المترجم واسفند بن قرا يوسف عن تذكرة السمرقندي ص 457 طبع برلين
أنه قال في حق المترجم: كان ضعيف الاعتقاد في المذهب - ولا ندري اي
مذهب يريده - استولى على العراق وآذربيجان وغالب بلاد إيران وغلب على
ملكه السلطان حسين بهادر وقتل كثيرا من أمرائه وتمرد عليه ولده بوداق في
بغداد وحاصره فيها سنة ونصف سنة فاشتد القحط على بوداق وأصحابه
فاصطلح مع أبيه وفي سنة 871 قتله اخوه صلح محمدي بن جهانشاه وفتح
جهانشاه ديار بكر وعند رجوعه منها اغتاله الأمير حسن بيك آققوينلو بين
جبلين فقتله وأكثر قواده وأمرائه في شهور سنة 872 وعمره إذ ذاك سبعون
سنة قضى منها ثلاث عشرة سنة في سلطنة آذربيجان نيابة عن شاهرخ ابن
الأمير تيمور واثنتين وعشرين سنة في العراقين وآذربيجان وفارس وكرمان إلى
هرمز مستقلا (انتهى).
الأمير غياث الدين جهانكير ابن الأمير تيمور الكوركاني المعروف
بتيمورلنك
توفي في أوائل سلطنة أبيه تيمور سنة 776 في سمرقند وخلف عشرة
أولاد أولهم محمد سلطان كان تيمور جعله ولي عهده فتوفي في حياة جده بعد
فتحه بلاد الروم سنة 805 هكذا في التاريخ الفارسي الذي أشرنا اليه في
ترجمة تيمور.
السيد ميرزا جهانكير خان بن محب علي الحسيني المرندي الملقب ناظم الملك
ولقبه في الشعر ضيائي
توفي بقم أول رجب سنة 1352.
من فضلاء وشعراء الفرس له ترجمة خطب أمير المؤمنين (ع) التي
أوردها الشريف الرضي في نهج البلاغة إلى الفارسية وله تفسير سورة العصر
بالفارسية وله نظم عهد أمير المؤمنين (ع) إلى مالك الأشتر ووصيته إلى
ولده الحسن بالفارسية مطبوع ذكر ذلك المعاصر في مؤلفات الشيعة نقلا عن
السيد شهاب الدين التبريزي المعاصر نزيل قم.
الميرزا جهان كير المعروف بحاج آقا خان زاد بن محمد بن ولي ميرزا
كان حيا سنة 1287.
من فضلاء الإيرانيين له التحفة الناصرية في زيارات أئمة العراق
وبعض الأدعية فارسي كتبه سنة 1287 وطبع فيها لأجل الملازمين لخدمة
الشاه ناصر الدين القاجاري في سفره إلى زيارة العتبات في السنة المذكورة.
جهجاه بن سعيد الغفاري
مات سنة 36 تقريبا قال ابن الأثير انه مات في خلافة علي وخلافته
كانت في أواخر سنة 35 وأوائل سنة 36 وقال ابن حجر: مات بعد عثمان
وفي أسد الغابة بعد قتل عثمان بسنة وقال ابن السكن بأقل من سنة كما يأتي
ذلك كله.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
جهجاه الغفاري هو جهجاه بن مسعود ويقال سعيد بن سعد بن حرام بن
غفار يقال إنه شهد بيعة الشجرة وكان قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة
المريسيع وكان يومئذ أجيرا لعمر بن الخطاب ووقع بينه وبين سنان بن وبرة
الجهني في تلك الغزوة شر فنادى جهجاه يا للمهاجرين ونادى سنان يا
للأنصار و كان حليفا لبني عوف بن الخزرج فكان ذلك سبب قول
عبد الله بن أبي بن سلول في تلك الغزوة: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن
الأعز منها الأذل. مات بعد عثمان بيسير روى عنه عطاء بن يسار عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وهو
المراد في هذا الحديث لأنه شرب حلاب سبع شياة قبل ان يسلم ثم اسلم
فلم يستتم يوما آخر حلاب شاة واحدة ويروي ان جهجاها هذا هو الذي
تناول العصا من يد عثمان وهو يخطب فكسرها يومئذ ثم اخذته في ركبته
الآكلة وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روى عنه عطاء وسليمان ابنا يسار ونافع
مولى ابن عمر (انتهى). وفي أسد الغابة: جهجاه بن قيس وقيل ابن
سعيد بن سعد بن حرام بن غفار الغفاري توفي بعد قتل عثمان بسنة. ثم
روى بسنده عن جابر بن عبد الله: كنا في غزوة يرون انها غزوة بني
المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار - اي ضرب دبره -
فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار فسمع ذلك
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية قالوا رجل من المهاجرين كسع رجلا

249
من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي بن
سلول فقال وقد فعلوها لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال
عمر يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق فقال دعه لا يتحدث الناس
ان محمدا يقتل أصحابه فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله والله لا تنقلب حتى
تقر انك الذليل ورسول الله العزيز ففعل (انتهى).
وفي الإصابة: جهجاه بن سعيد وقيل ابن قيس وقيل ابن مسعود
الغفاري شهد بيعة الرضوان بالحديبية وذكر الواقدي انه شهد غزوة المريسيع
فتنازع هو وسنان بن وبرة حتى تداعيا بالقبائل وكان جهجاه أجيرا لعمر بن
الخطاب فذكر القصة ثم روى بسنده عن جهجاه الغفاري انه قدم في نفر
من قومه يريدون الاسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب فلما ان سلم
قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه (الحديث). وعاش جهجاه إلى
خلافة عثمان فروى الباوردي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك وغيره
عن نافع عن ابن عمر قال: قام جهجاه الغفاري إلى عثمان وهو على المنبر
فاخذ عصاه فكسره فما حل على جهجاه الحول حتى ارسل الله في يده الآكلة
فمات منها ورواه ابن السكن بسنده عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر مثله ورواه من طريق فليح بن سليمان عن عمته وأبيها وعمها انهما
حضرا عثمان فقام اليه جهجاه بن سعيد الغفاري حتى اخذ القضيب من
يده فوضعها على ركبته فكسرها فصاح به الناس ونزل عثمان فدخل داره
ورمى الله الغفاري في ركبته فلم يحل عليه الحول حتى مات ورويناه في
المحامليات نحو الأول وقال ابن السكن مات بعد عثمان بأقل من سنة
(انتهى). واختلاف الرواية بين في يده وفي ركبته يوجب الريب في صحتها
ولو صحت لكان من باشر قتله بيده أولى بذلك لأنه أفظع. وعن كتاب
توضيح الاشتباه انه ممن خرج على عثمان.
الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى الحرفوشي الخزاعي البعلبكي أمير بعلبك
وتوابعها
توفي حوالي سنة 1225.
(جهجاه) من الأسماء العربية سمي به بعض الصحابة كما مر وكان
المترجم من امراء بني الحرفوش تولى حكم بلاد بعلبك مدة بعد أبيه الأمير
مصطفى حوالي سنة 1201 وبقي في الحكم حوالي 24 سنة وكان شهما
شجاعا عالي الهمة وجرت في أيامه فتن وحروب وحوادث كثيرة على عادة
ذلك العصر. ويظهر من قصيدة للمترجم باللسان العامي أرسلها إلى أخيه
الأمير سلطان وذكرت في مجلة العرفان م 9 ان المترجم كان قد ذهب إلى
العراق إلى بني عمه خزاعة (الخزاعل) بسبب ضغط بني عمه عليه واخذهم
الامارة منه وانه ذهب إلى العراق كفا للشر ورعاية لحرمة أخت الأمراء ولا
يعلم من هي من أخواتهم. ولكن مؤرخي ذلك العصر لم يشيروا إلى ذهابه
للعراق وسببه وانما فهم ذلك من هذه القصيدة ويظهر منها ان والي الشام
ارسل محمد آغا العبد متسلما (حاكما) على بلاد بعلبك وان ذلك كان في مدة
غياب المترجم في العراق وان المترجم لما علم بذلك من كتاب أرسلته اليه
أخت الأمراء حركته الحمية العربية وعاد من العراق إلى سورية وحارب
محمد آغا العبد وقتله يقول فيها:
الا يا غاديا مني وسلم * وسلم لي سلام بلا انقطاع
وسلم لي على الديرة وأهلها * وباقية الامارة والتباع
تعتب لي عليهم بالملامة * وذكرهم بأيام الشناع
انا لو كنت قاصد لأجفاكم * بخلي جسامكم تجوي المشاعي
وبشوفكم انا بعض المراجل * وبخلي خيولكم تغدي شلاعي
ولولا الخوف من أخت الامارة * وحق البيت مع ابن الرفاعي
تا كان الرمم فيكم طرايح * فرايس للطيور وللضباع
كفيت الشر وانطيهم قفايا * رحمه الهم من حروب الخزاعي
انا ببغداد ما عندي علايم * بهذا الأمر ما عندي اطلاع
جاءني كتاب خط من يديها * معلم بالورق روس السباع
فعرف عن جميع الضار فيكم * فطاش العقل من حين استماعي
نهرت العبد هات لي المعنقية * عليها اعتلى رهط الخزاعي
وجيت مطوحا من فوق حرا * سريعة الجري لينة الطباع
ورمحي من جبل بغداد جبته * وساقي حربته سم الأفاعي
غطست وجيت من بغداد إليكم * تشيل الضيم عنكم في ذراعي
وعود الزان يرقص في يميني * وسيفي مجردة عاطول باعي
سالت العبد أين يكون حاكم * قالوا بالصفا والكاس داعي
دعيته مرتمي غربي بعلبك * بحد السيف قطعته قطاعي
وفصلته انا قهرا ورغما * على البيدا بقي اربع رباعي
وقد أشار الأمير حيدر الشهابي في تاريخه إلى هذه الواقعة فقال في سنة
1201 كان الوالي على دمشق حسين باشا بطال فبعد دخوله دمشق ارسل
محمد آغا العبد الذي كان حاكما في البقاع متسلما على بلاد بعلبك وكان قد
رجع الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى الحرفوشي - يعني من العراق -
فجمع عسكرا وكبس محمد آغا في بعلبك وقتل جماعة من أصحابه وهرب
محمد آغا إلى دمشق وكان الوالي يومئذ قد هم بالخروج إلى الحج فلم يتمكن
من ارسال عسكر إلى بعلبك (انتهى) ولم يذكر ان محمد آغا قتل لكن الأمير
جهجاه يصرح في قصيدته كما مر بأنه قتله وهو اعرف بذلك ولعله قتله في
وقعة أخرى. وفي التاريخ المذكور انه في سنة 1202 عزل بطال باشا عن
ولاية دمشق وتولى مكانه إبراهيم باشا الأظن وبعد دخول إبراهيم باشا إلى
دمشق ارسل عسكره إلى بلاد بعلبك وكبس الأمير جهجاه الحرفوشي
فانكسر عسكر الدولة وقتل منهم جماعة ثم ارسل الأمير يوسف الشهابي
فاستعطف خاطر إبراهيم باشا على الأمير جهجاه ورجع إلى حكم بلاد
بعلبك. وفيه انه في سنة 1203 ثار المماليك بالجزار واطلقوا عليه الرصاص
فسلم لأنه بلغه ان بين المماليك والخيالة خناء في داره فعزم على قتلهم
وهجم عليهم فأطلقوا عليه الرصاص وخرج سليم باشا والمماليك من عكا
وتبعهم العسكر وسار سليم باشا وسليمان باشا بالعسكر إلى صور وحضرت
إليهم المتأولة والصفدية وسلموهم امر بلادهم ثم رجع سليم باشا بالعسكر
إلى نواحي عكا وجرت بينهم وقعة انهزم فيها عسكر سليم باشا وهرب هو
إلى دمشق وهرب سليمان باشا إلى دير القمر ثم ارسل الجزار عسكرا إلى
البقاع برجال وادي التيم ومعهم محمد آغا العبد بمائة خيال من وجاق الدولة
لقتال سليمان باشا والأمير يوسف الشهابي فأرسل إليهم الأمير يوسف
عسكرا مع بعض بني عمه وحضر أيضا الأمير جهجاه الحرفوشي بعسكر من
بلاد بعلبك فانكسر عسكر الجزار ورجعت عساكر الأمير يوسف أكثرها إلى
بلادها ورجع الأمير جهجاه إلى بلاده ثم أعاد الجزار العسكر فانكسر عسكر
الأمير يوسف. وفي كتاب دواني القطوف انه في سنة 1806 م (1221 ه‍)
مر جرجس باز مدبر الأمير يوسف الشهابي وأولاده وعسكر لبنان عائدين من

250
مقاتلتهم لسكان الضنية وظفرهم بهم فاحتفل بلقائهم الأمير جهجاه
الحرفوشي حسب عادة العصر وكان الأمير صديقا لجرجس المذكور فبقي
عنده أياما ثم عاد إلى دير القمر وفي هذه الأثناء نوى الأمير بشير الشهابي ان
يأخذ الكرك من الحرافشة فتوسط الأمر جرجس باز اكراما لمودة جهجاه
فعدل عن نيته.
وفي بعض التواريخ العاملية التي نشرت في مجلة العرفان ج 27 م 29
ص 678 انه في شهر ربيع الثاني سنة 1204 ه‍ صارت وقعة بين والي
الشام - إبراهيم باشا - وبين البعلبكيين - والمراد الأمير جهجاه - وكانت
الغلبة فيها لعسكر الوالي واخذوا حريم الأمير إلى الشام وفي تاريخ الأمير
حيدر انه بعد ان وصلت حريم بني الحرفوش إلى دمشق ارسل إبراهيم باشا
متسلما إلى بعلبك اسمه إبراهيم آغا فعدل في حكمه وأحبته الرعايا. وفيه
انه في سنة 1204 حضر إلى دير القمر الأمير قاسم ابن الأمير حيدر
الحرفوشي ملتجئا إلى الأمير بشير الكبير فأرسل معه عسكرا ليرفع الأمير
جهجاه ابن الأمير مصطفى عن حكم بلاد بعلبك ويولي الأمير قاسما مكانه
وحين وصل العسكر بلاد بعلبك التقاهم الأمير جهجاه وكسرهم وسلب
منهم كثيرا من الخيل والسلاح ولم يرد ان يقتل أحدا منهم وأسر الأمير مراد
ابن الأمير شديد أبي اللمع ولما وصل امام الأمير جهجاه أطلقه مكرما ثم إن
الأمير قاسما جمع عسكرا من بلاد الشوف وبلاد بعلبك وكبس ابن عمه
الأمير جهجاه في مدينة بعلبك فخرج اليه برجاله والتقوا خارج المدينة فهجم
الأمير قاسم على الأمير جهجاه إلى وسط العسكر وقبل وصوله اليه أصابته
رصاصة فقتلته وعمره 17 سنة. وفي دواني القطوف انه في سنة 1807 م
عزل إبراهيم باشا عن ولاية الشام وخلفه كنج يوسف باشا فبينما كان
يتأهب لارسال الخلع إلى الأمير جهجاه المذكور بولاية بعلبك تغير وعدل عن
قصده فجمع جهجاه رجاله والقى الفتن ليظهر لذلك الوزير انه لا يمكن
لغيره ان يحفظ زمام الأحكام ويدبر شؤون تلك الجهة فأرسل اليه الخلع
وكان ذلك بتوسط الأمير بشير الشهابي الكبير وجرجس باز (انتهى). وفي
تاريخ الأمير حيدر انه سنة 1209 قتل الأمير جهجاه الحرفوشي ابن عمه
الأمير داود وسمل أعين اخوته أولاد الأمير عمر. وفي سنة 1214 رجع
الأمير بشير إلى بعلبك وقدم له الأمير جهجاه الحرفوشي الذخائر الوافرة.
وفي دواني القطوف انه في سنة 1810 م 1225 ه‍ عزل گنج يوسف باشا
عن ولاية الشام ووليها سليمان باشا والي عكا وذلك في أثناء ثورة الوهابيين
فدخل سليمان باشا دمشق وأمامه الأمير بشير ومعهما طنوس شبلي المعلوف
وهو الذي توسط امر إعادة الحكم إلى صديقه الأمير جهجاه الحرفوشي مرارا
وكان سليمان باشا قد فوض إلى الأمير بشير اختياره العمال قبل زحفهم
لحرب الوهابيين فاختار الأمير جهجاه الحرفوشي لبعلبك ولما كان الأمير
جهجاه يعلم برغبة الأمير بشير في اخذ الكرك كتب له وثيقة ببيعها إلى
أولاده الأمراء قاسم وخليل وأمين ومن ذلك الحين أصبحت ملك الشهابيين
(انتهى). وفي تاريخ بعلبك: كان الأمير جهجاه بطلا شجاعا مقداما
مذكورا. (أقول) وتخلصه من يد العسكر الذين قبضوا على أبيه وذهابه
للعراق ثم رجوعه واخذه الامارة وكسره عسكر الدولة مرارا وبقاؤه في
الامارة كل هذه المدة مع كثرة مناوئيه من أقربائه وغيرهم وانتصاره عليهم
واستمالة الحكام اليه كما يأتي تفصيله: كله يدل على مزيد شجاعة واقدام
وحزم وتدبير حتى أن الجزار الطاغية لم يقدر عليه وكذلك الأمير بشير. وفي
تاريخ بعلبك أيضا انه تولى ايالة دمشق درويش باشا بن عثمان باشا
الصادق الكرجي بعد سنة من حكم الأمير مصطفى والد جهجاه بلاد
بعلبك فأرسل عسكرا لكبس الأمير مصطفى في بعلبك فقبضوا عليه وعلى
أحد اخوته وسبوا حريم بني الحرفوش ونهبوا المدينة وساقوا الأمير مصطفى
واخاه إلى دمشق فامر درويش باشا بشنق الأمير مصطفى وارسل إلى بعلبك
حاكما من عنده يدعى سليم آغا. واما الأمير جهجاه الذي نجا من يد
العسكر فإنه سار إلى عرب خزاعة أبناء عمه في العراق واستنجدهم على
استرجاع بعلبك فاعتذروا اليه وأمدوه بمال وفير وأعطوه فرسا صفراء كريمة
الأصل فعاد إلى بعلبك سنة 1208 ه‍ 1786 م (انتهى) ومنه يعلم سبب
ذهابه إلى العراق الذي ذكرنا ان سببه ضغط بني عمه عليه واخذهم الامارة
كما قد تدل عليه قصيدته العامية المذكورة هناك ولكن الصواب ان سببه
القبض على أبيه وعليه فتخلص هو وذهب إلى العراق وقتل أبوه ثم بلغه قتل
أبيه وسبي حريمهم وأرسلت له بعض حرائرهم كتابا فتحمس وعاد واخذ
الامارة ومنه يعلم أيضا ان ما ذكرناه نقلا عن بعض التواريخ العاملية من أنه
في سنة 1204 صارت وقعة بين والي الشام وبين البعلبكيين وكانت
الغلبة لعسكر الوالي واخذوا حريم الأمير إلى الشام وزدنا عليه ان المراد
بالوالي إبراهيم باشا وبالأمير جهجاه ليس بصواب بل الظاهر أن الوالي هو
درويش باشا والأمير هو الأمير مصطفى لا جهجاه لأن ذلك هو الذي ذكره
المؤرخون كما سمعت اما إبراهيم باشا الأظن الذي ولي دمشق بعد حسين
بطال باشا الذي ولي بعد درويش باشا فهو وان كان في عهد امارة جهجاه
على بعلبك وارسل عسكرا وكبس جهجاها الا ان جهجاها كسر عسكر
الأظن وقتل منهم جماعة كما مر ولم يذكر أحد من المؤرخين ان عسكر الأظن
غلب جهجاها وسبى الحريم. ثم قال في تاريخ بعلبك بعد ما ذكر رجوع
الأمير جهجاه من العراق إلى بعلبك سنة 1201: وكان قد ولي دمشق
حسين بطال باشا وعزل سليم آغا عن بعلبك وولاها محمد آغا العبد وكان
زنجيا فذهب الأمير جهجاه إلى زحلة وجمع مائة مقاتل لاسترجاع بعلبك ولما
فرغ من تنظيمها توجه إلى المدينة وقد لف اللباد على حوافر الخيل لئلا يسمع
لها صوت فدخلوها تحت جنح الليل وقتلوا كل من صادفوه في طريقهم
وانهزم محمد آغا إلى دمشق (1) وكان الوالي قد هم بالخروج إلى الحج فلم يتمكن
من ارسال عسكر إلى بعلبك فلما عاد سنة 1202 ه‍ 1787 م ارسل المنلا
إسماعيل بألف ومائتي فارس فالتقاه الأمير جهجاه واخوه الأمير سلطان
باهل زحلة وكمنت فرق منهم في مضيق القرية فلما وصل الفرسان إلى المضيق
أطلقوا عليهم الرصاص وخرجوا إليهم وتلاحم الفريقان فانهزمت عساكر
المنلا وتبعهم رجال الأمير إلى قرية السلطان إبراهيم واثخنوا فيهم ولم يصب
من رجال الأمير الا نفر قليل ورجع الأمير جهجاه إلى بعلبك وقبض على
أزمة الأحكام. وفي تاريخ الأمير حيدر انه في هذه السنة اي سنة 1202
بعد رجوع بطال باشا من الحج عزل عن دمشق وتولى مكانه إبراهيم باشا
الأظن وبعد دخول إبراهيم باشا إلى دمشق ارسل عسكرا إلى بلاد بعلبك
وكبس الأمير جهجاه الحرفوشي فانكسر عسكر الدولة وقتل منهم جماعة ثم
ارسل الأمير يوسف فاستعطف خاطر إبراهيم باشا على الأمير جهجاه وعاد
إلى حكم بلاد بعلبك. فصاحب تاريخ بعلبك جعل هذه الوقعة مع عسكر
بطال باشا والأمير حيدر جعلها مع عسكر الأظن. وفي تاريخ بعلبك ذكر



(1) هذا يوافق ما مر عن تاريخ الأمير حيدر من أن محمد آغا هرب ولم يقتل ويدل عليه أيضا ما مر
من أن محمد آغا العبد كان مع عسكر الجزار المرسل لقتال سليمان باشا سنة 1203.
251
خبر خروج الأمير قاسم على ابن عمه بأبسط مما ذكرناه قال: في سنة
1789 م 1204 ه‍ خرج على الأمير جهجاه ابن عمه الأمير قاسم ابن
الأمير حيدر يريد انتزاع امارة بعلبك من يده فطلب قاسم من الأمير بشير
الكبير المساعدة فلباه وأرسل له عسكرا إلى زحلة وأمر أهلها ان يتوجهوا مع
العسكر وارسل امرا إلى الأمراء اللمعيين ان يشدوا برجالهم ازر العسكر
المجتمع في زحلة فأطاعوا فزحف إذ ذاك الأمير قاسم بالعسكر إلى بعلبك
فلاقاه الأمير جهجاه برجاله في ارض أبلح وانتشب بينهم القتال فدحر الأمير
قاسم ومن معه وارتد راجعا إلى زحلة بعد ان سلبت خيولهم وأسلحتهم
وقبض على الأمير مراد بن شديد اللمعي فامر جهجاه برد أسلحته وجواده
وأطلقه مكرما ولما بلغ الأمير بشير انهزام عسكره جرد جيشا آخر بقيادة أخيه
الأمير حسن ولما وصلوا إلى بلاد بعلبك اخلى لهم الأمير جهجاه المدينة
فدخلوها ولكن ما لبثوا ان خرجوا منها لقلة الزاد فيها ولما لم ينجح الأمير
قاسم في امره التجأ إلى احمد باشا الجزار فامر الأمير بشير ان يسعفه ثانيا
فوجهه الأمير إلى بعلبك وأصحبه بمشايخ الدروز ورجالهم فلما وصلوا إلى
بعلبك خرج إليهم جهجاه إلى ظاهر المدينة فهجم الأمير قاسم على الأمير
جهجاه وهو في وسط معسكره فاصابته رصاصة قبل ان يصل اليه فخر
صريعا فعاد العسكر الشهابي إلى حيث اتى دون قتال. قال وفي سنة
1806 م 1221 ه‍ وقعت النفرة بين الأمير جهجاه وأخيه الأمير سلطان
فظاهر جميع الحرافشة سلطانا لاستبداد جهجاه بهم فحنق جهجاه ونزح إلى
بلاد عكار وبقي هناك إلى أن أصلح بينهما الأمير بشير الكبير سنة 1807 م
1222 ه‍ فتولى جهجاه على بعلبك وأعمالها إلى أن توفي بعد سنين قليلة
فحكم بعده اخوه الأمير امين.
جهم بن أبي جهم الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم (ع) بلفظ جهم مكبرا
ابن أبي جهم مكبرا وفي مشيخة الفقيه جهيم مصغرا ابن أبي جهم مكبرا
ويقال له ابن أبي جهيمة. وقال النجاشي جهيم بن أبي جهم ويقال ابن أبي
جهمة. كوفي روى عنه سعدان بن مسلم نوادر أخبرنا ابن نوح حدثنا
محمد بن علي بن الحسن عن ابن الوليد عن الصفار عن العباس بن معروف
عن سعدان بن مسلم عنه (انتهى) فذكر جهيم مصغرا وابن أبي جهم
مكبرا. وفي ايضاح الاشتباه جهيم بالجيم المضمومة والهاء المفتوحة والياء
المنقطة تحتها نقطتين الساكنة ابن أبي جهم بفتح الجيم واسكان الهاء والميم
بعدها ويقال ابن أبي جهمة بزيادة الهاء وفي التعليقة: لعله يذكر مكبرا
ومصغرا معا وللصدوق طريق اليه وعده خالي - يعني المجلس الثاني - ممدوحا
لذلك ولا يبعد ان يكون أخا لسعيد بن أبي الجهم الثقة فيكون ممدوحا لما
ذكر في ترجمته ان آل أبي الجهم بيت كبير في الكوفة وفي ترجمة منذر بن
محمد بن منذر انه من بيت جليل فلاحظ وعن الداماد انه لا باس به ولعل أبا
الجهم هذا هو ابن أبي فاختة وجهم هذا هو والد هارون بن الجهم الثقة
فيكون جهم بن ثوير بن أبي فاختة وأبو فاختة اسمه سعيد بن جهمان واسم
جهمان علاقة وفاختة لقب أم هانئ بنت أبي طالب ويكون سعيد بن أبي
الجهم سمي باسم جده فعلى هذا يظهر جلالة ثوير وأبيه سعيد وبملاحظة ما
مر في ثوير وما سنذكره في باب الكنى في أبي فاختة يظهر وجه ما قالوا إنهم
من بيت جليل وكبير فتأمل فإنه بعد يحتاج إلى التأمل (انتهى). وذكر فاختة
أم هانئ هنا لا محل له ومر الكلام على آل أبي الجهم في صدر الجزء الخامس
فراجع. وعن المحقق الداماد أنه قال: ان الرجل لا باس به ولا غميزة فيه
معروف من أصحاب الكاظم (عليه السلام) روى عنه سعدان بن مسلم
وهو شيخ جليل المنزلة له أصل رواه جمع من الثقات والأعيان كصفوان بن يحيى
والعباس بن معروف (انتهى) وللصدوق في الفقيه طريق اليه. وفي
مستدركات الوسائل: صاحب كتاب معتمد في مشيخة الفقيه وقال أيضا
يمكن استظهار وثاقته من رواية الحسن بن محبوب عنه في روضة الكافي بعد
حديث يأجوج ومأجوج ويونس بن عبد الرحمن فيه في باب البداء من كتاب
التوحيد وهما من أصحاب الاجماع وعلي بن الحكم وسعدان وفي الشرح:
ويظهر من المصنف ان كتابه معتمد (انتهى) وهو غير الجهم بن أبي الجهم
المذكور في لسان الميزان انه روى عن ابن جعفر بن أبي طالب والمسور بن
مخرمة وعنه محمد بن إسحاق وغيره لعدم موافقة الطبقة وفي لسان الميزان في
باب من اسمه جهير وجهيم: جهيم بن أبي جهمة أو جهم الكوفي ذكره
الطوسي في رجال الشيعة وقال روى عن موسى جعفر وعنه الحسن بن
محبوب وسعدان بن مسلم (انتهى).
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب جهم المشترك بين من يوثق
به وغيره ويمكن استعلام انه ابن أبي جهم برواية سعدان بن مسلم عنه
(انتهى) وعن جامع الرواة انه زاد رواية علي بن الحكم ويونس وحسين بن
عمارة وابن محبوب عنه (انتهى).
جهم البلوي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
جهم بن جميل الرؤاسي
في لسان الميزان ذكره الطوسي والكشي في رجال الشيعة وقال علي بن
الحكم: الصحيح في اسم أبيه حميد (انتهى) (أقول) يأتي بعنوان جهم بن
حميد الرؤاسي الكوفي ولا ذكر له في رجال الكشي لا بعنوان جهم بن جميل
ولا جهم بن حميد. وعلي بن الحكم من علماء الشيعة له كتاب في الرجال
كان عند ابن حجر ولا وجود له عند الشيعة في الأعصار الأخيرة.
جهم بن الحكم القمي البصري
قال الشيخ في الفهرست له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي
المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عنه (انتهى).
جهم بن الحكم المدائني
قال الشيخ في الفهرست: له كتاب رويناه عن عدة من أصحابنا عن
أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عنه. وفي لسان
الميزان: جهم بن الحكم المدائني روى عنه أبو عبد الله البرقي ذكره
الطوسي في رجال الشيعة.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي باب جهم المشترك بين من يوثق به
وغيره: ويمكن استعلام انه ابن الحكم برواية أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه
عنه والمايز بينه وبين غيره القرينة ان وجدت وحيث يعسر التمييز تقف
الرواية (انتهى). اما التمييز بين هذا وبين ابن الحكم القمي السابق فغير
موجود لاتحاد السند فيهما وكذلك التمييز بينهما وبين ابن حكيم الآتي حيث

252
يطلق لفظ الجهم لاشتراك الثلاثة في رواية أحمد بن محمد بن خالد البرقي
عن أبيه عنهم نعم لو وجد رواية أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن الجهم
كان هو ابن حكيم لأن الذي يروي عنه احمد هو ابن حكيم وحده اما
الباقيان فيروي احمد عن أبيه عنهما ومن المحتمل كون الثلاثة واحدا والله أعلم
.
جهم بن حكيم
قال النجاشي: كوفي ثقة قليل الحديث له كتاب ذكره ابن بطة وخلط
اسناده تارة قال حدثنا أحمد بن محمد البرقي عنه وتارة قال حدثنا أحمد بن
محمد عن أبيه عنه (انتهى) وفي الخلاصة: جهم بالجيم المفتوحة والميم بعد
الهاء.
التمييز
في مشتركات الطريحي: باب جهم المشترك بين من يوثق به وغيره
ويمكن استعلام انه ابن حكيم الثقة برواية أحمد بن محمد البرقي عنه وتارة
عن أبيه عنه (انتهى).
الجهم بن حميد الرؤاسي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي منهج المقال:
ثم فيهم أيضا اي في أصحاب الصادق من رجال الشيخ جهم بن حميد
الرؤاسي (انتهى) يعني ان الشيخ ذكر في رجال الصادق الجهم بن حميد
الرؤاسي الكوفي ثم ذكر فيهم جهم بن حميد الرؤاسي ولكن الظاهر أن
ذلك من تتمة ترجمة جميل الرؤاسي كما مر في ترجمته فقد قال الشيخ: جميل
الرؤاسي مولى جهم بن حميد الرؤاسي فتوهم صاحب المنهان جهم بن
حميد ترجمة برأسها والحال انها من تتمة ترجمة جميل وكما يدل عليه كلام آخر
التعليقة الآتي وفي التعليقة قوله: جهم بن حميد روى الكليني و الشيخ في
الحسن بإبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن جهم بن
حميد قال لي أبو عبد الله (ع) اما تغشى سلطان هؤلاء قلت لا قال فلم
قلت فرارا بديني قال قد عزمت على ذلك قلت نعم قال الآن سلم لك
دينك وفي الكافي في باب صلة الرحم عنه لي قرابة على غير أمري (الحديث)
ومضى في جميل الرؤاسي ما يظهر منه معروفيته (انتهى) وفي مستدركات
الوسائل: يروي عنه صفوان بن يحيى في الكافي في باب صلة الرحم
وهشام بن سالم ومحمد بن سنان ومحمد بن أبي عمير بواسطة هشام.
الجهم بن صالح التميمي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي لسان الميزان:
جهم بن صالح التميمي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال
علي بن الحكم: كان جهم بن صالح اعرف الناس بحديث الكوفة وبرجال
جعفر الصادق وصنف كتابا فيما وضع على أهل البيت أجاد فيه (انتهى).
وعلي بن الحكم مر من هو في جهم بن جميل.
الجهم بن عثمان المدني
ولد سنة 105.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي ميزان
الاعتدال: جهم بن عثمان عن جعفر الصادق لا يدري من ذا وبعضهم
وهاه (انتهى) وفي لسان الميزان روى عنه ابن أبي فديك وعبد الصمد بن
عكرمة قال أبو حاتم: مجهول وما أدري لم لم يعزه الذهبي لأبي حاتم وذكره
الطوسي في رجال الشيعة وكان مولده سنة 105 وصحب جعفر الصادق
وطلبه المنصور فهرب إلى اليمن ومات هناك وقال الأزدي ضعيف وإياه أراد
الذهبي بقوله وهاه بعضهم (انتهى).
الجهمي
اسمه أحمد بن محمد بن حميد بن سليمان بن عبد الله بن أبي جهم بن
حذيفة العدوي الجهمي.
جهير بن أوس الطائي التغلبي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي لسان الميزان:
جهير بن أوس الطائي ذكره الطوسي في رجال الشيعة (انتهى).
جهيم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم (ع) ووقع هنا لابن داود
في رجاله وللعلامة في الخلاصة اشتباه فذكرا في رجال الكاظم نقلا عن
رجال الشيخ جهيم بن جعفر بن حيان ولم يذكرا جهيما وحده ففي رجال ابن
داود جهيم بن جعفر بن حيان ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب
الكاظم (ع) وقال واقفي انتهى وفي الخلاصة: جهيم بالجيم المضمومة
ابن جعفر بن حيان ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم (ع) وقال
واقفي (انتهى) وفي النقد ذكر ابن داود راويا عن رجال الشيخ - يعني في
أصحاب الكاظم (ع) - ان جهيم بن جعفر بن حيان واقفي ولم أجد ذلك
في رجال الشيخ بل ذكر أولا جهيم ثم ذكر جعفر بن حيان واقفي وليس
لفظ ابن موجودا بينهما وعندي من رجال الشيخ اربع نسخ وكذا في الخلاصة
وكان النسخة التي كانت عندهما من رجال الشيخ هكذا (انتهى) فاتضح ان
جهيم بن جعفر بن حيان لا وجود له وان جهيم في رجال الشيخ اسم برأسه
وجعفر بن حيان اسم برأسه وان ابن داود والعلامة كان في نسختهما لفظة
ابن بينهما أو توهما وجودها فجعلاهما اسما واحدا.
جهيم بن أبي جهم أو ابن أبي جهمة
مضى بعنوان جهم مكبرا.
جهيم بن أوس الطائي التغلبي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وكأنه أخو جهير
المتقدم.
جهيم الهلالي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وفي
منهج المقال ان في نسخة لا تخلو من صحة جهم مكبرا.
جواب بن عبيد الله التيمي الكوفي
(جواب) بتشديد الواو آخره باء موحدة. في الطبقات الكبير لابن
سعد: جواب بن عبيد الله التيمي. سفيان عن خلف كان جواب يرتعد
عند الذكر فقال له إبراهيم النخعي لئن كنت تملكه ما أبالي الا اعتد بك وان
كنت لا تملكه لقد خالفت من هو خير منك (انتهى) وفي ميزان الاعتدال:

253
جواب بن عبيد الله التيمي عن الحارث بن سويد وثقه ابن معين وضعفه ابن
نمير وقال أبو خالد الأحمر: رأيته وكان يقص ويذهب إلى الأرجاء وذكر
خلف بن حوشب قال كان جواب التيمي إذا سمع الذكر ارتعد فذكرت
ذلك لإبراهيم فقال إن كان قادرا على حبسه - يعني فلا شئ - وان لم يقدر
على حبسه لقد سبق من قبله قال ابن عدي ليس لجواب من المسند الا
القليل له مقاطيع في الزهد وغيره رحمه الله انتهى وهو في أمر الارتعاد
يخالف ما سبق عن الطبقات وفي هامش تهذيب التهذيب: صدوق من
السادسة وفي تهذيب التهذيب: قال ابن نمير ضعيف في الحديث قد رآه
الثوري فلم يحمل عنه وقال أبو نعيم عن الثوري: مررت بجرجان وبها
جواب التيمي فلم اعرض له قال سفيان من قبل الأرجاء وقال ابن عدي
وله مقاطيع في الزهد وغيره ولم أر له حديثا منكرا في مقدار ما يرويه. قلت
وقال ابن حبان في الثقات كان مرجئا وقال يعقوب بن سفيان ثقة وتشيع
(انتهى) ووصمه بالإرجاء لا يجتمع مع كونه يتشيع فالشيعة تبرأ من الأرجاء
والظاهر أن تضعيفه مع الاعتراف بوثاقته وصدقه وعدم النكارة في حديثه انما
هو للتشيع ورميه بالإرجاء افتراء لقصد القدح فيه.
الفاضل الجواد
هو الشيخ جواد بن سعد بن جواد الكاظمي يأتي.
ميرزا جواد آقا الشهير بملكي التبريزي نزيل قم.
توفي سنة 1344 بقم.
عالم فاضل أخلاقي قرأ في النجف سنين وتتلمذ فيه على العالم
الأخلاقي الشهير الملا حسين قلي الهمذاني ورجع إلى إيران حدود 1320
وسكن قما إلى أن توفي بالتاريخ المتقدم. له أسرار الصلاة مطبوع صنفه في
قم.
الشيخ جواد بن أحمد الزنجاني
توفي سنة 1349 بالكاظمية وهو في سن الكهولة ونقلت جنازته إلى
النجف الأشرف ودفن بوادي السلام مع أبيه بوصية منه -
أرسل الينا ترجمته الشيخ عبد الحسين ضياء الدين الخالصي فقال
- والعهدة عليه -: كان فاضلا ناسكا زاهدا ورعا تقيا أديبا شاعرا محييا
لآثار أهل البيت عليهم السلام عارفا بالعلوم الرياضية و الفنون الأدبية
واللغات الأجنبية والكلام والفقه والأصول ناقدا خشنا في ذات الله صريحا
في أقواله وأفعاله لا ينافق ولا يداهن غيورا على المسلمين معتدلا لا كأناس
كانوا مع ما لهم من العلم والفضل فيهم إعوجاج سليقة فكانت أحوالهم
متناقضة سريعة الانتقال قرأ في النجف الأشرف وحضر دروس الشيخ ملا
كاظم الخراساني ثم انتقل إلى الكاظمية وكان يقصده أعيان أهل بغداد من
الشيعيين والسنيين للاستفادة منه وكان مجلسه حافلا بالعلماء والفضلاء
والأدباء والأشراف وكان يعلم في المدرسة الإيرانية في الكاظمية والمدرسة
الجعفرية في بغداد لتمشية حالة وكان يصرف ثلثي راتبه على فقراء الطلاب
وشراء الكتب النافعة يوزعها مجانا معارضة للمبشرين وأوصى بمكتبته النفيسة ان
تنقل إلى مكتبة الحسينية في النجف فنقلت بعد وفاته وأوقفت عليها. ونفاه
الانكليز إلى سمريول في الهند عند احتلالهم بغداد ولما رجع من المنفي
مرض وتوفي. له تصانيف كثيرة لم يحضرنا منها شئ ولم نحفظ أسماءها
سوى ما طبع منها (1) التمهيد في النحو (2) الكلام الطيب طبع مرارا قال
في خطبته ما صورته: (إلى تلاميذ المدرسة الجعفرية) أعزائي الكرام قد
توسمت الفلاح والهدى في تلكم الوجوه الكريمة ورأيت أن الزرع المبارك قد
طاب وزكا وينبت نباتا حسنا بإذن الله فأردت ان اسقيه بماء العلم المعين
واعرضه على ضياء الدين القويم فجمعت لكم في الكلم الطيب من طرائف
حكمة آل الرسول وتالدها ما يزيد نورا على نوركم وفلجا في صدوركم
ويقوم من ألسنتكم وعقولكم فهاكم اقتنوه وتدارسوه فالطيبات للطيبين وانا
أرجو من فضل ربي ان تكونوا أنتم في الناس على وصف سيدنا أبي جعفر
الباقر صلوات الله عليه كالناظر من الحدقة والمسك في الطيب ومن الله
التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وقال في خاتمة القسم الأول
منه: كان الفراغ بعون الله وعنايته من تحرير القسم الأول من كتاب الكلم
الطيب لتدريس الدروس الدينية في المدرسة المباركة الجعفرية وسنتبعه إن شاء الله
بالأقسام الأخرى وقد اعتمدت في نقل الأحاديث على أمهات كتب
الحديث كالجامع الكافي وتحريت صحة الاسناد أو اشتهار العمل والفتوى
من فقهاء أهل البيت عليهم السلام والله الموفق والمعين.
الميرزا جواد ابن الميرزا أحمد بن لطف علي خان ابن الميرزا صادق
القراداغي التبريزي
توفي سنة 1313
مر ذكر أبيه في حرف الألف. تقلد الزعامة الدينية بعد أخيه الميرزا
باقر الذي قام مقام أبيه وعظم شأنه وأطاعه الحكام والأمراء. قرأ في
النجف على السيد حسين الكوهكمري المعروف بالسيد حسين الترك وكان
له يد كبرى في مؤازرة الميرزا الشيرازي يوم أفتى بتحريم تدخين التنباك يوم
اعطى الشاه ناصر الدين امتيازه للانكليز ولما توفي رثاه الشيخ كاظم بن
الحسن بن علي السبتي السهلاني الحميري النجفي الخطيب بقصيدة منها:
يا لقومي من يقصد الوفاد * جف بحر الندى وراح الجواد
وبمن يقمع الضلال وفيمن * يستطيل الهدى ويعلو الرشاد
لو عقلنا مصيرنا للمنايا * لأرانا مماتنا الميلاد
كان صعب القياد في الدهر لكن * كل صعب إلى القضا ينقاد
عز ندا بين البرية حتى * جمعت في صفاته الأضداد
ولو أن الفداء يقبل عنه * لفداه طريفنا والتلاد
لك نار بمهجة الدين شبت * وعلى الأفق ذر منها الرماد
نصر الله ناصر الدين أنتم * بيته المستقيم وهو العماد
السيد جواد ابن السيد إسماعيل ابن السيد صدر الدين العاملي
الأصل الكاظمي البلد
توفي سنة 1362 في الكاظمية.
كان عالما فاضلا تقيا نقيا فطنا ذكيا فاق الشيوخ والكهول وهو في ابان
شبابه وعاجلته المنية.
الميرزا جواد الأصفهاني
في كتاب المآثر والآثار: كان من أعظم أساتيذ فن الخط ومفاخر
الزمن في الخط المعروف بالشكسته وخطه محل اعجاب زائد الوصف وفي
الخط النسخ تعليق في نهاية المهارة وله شعر جيد يتخلص فيه بعنقا.

254
الحاج جواد بذقت
هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين الأسدي الحائري الآتي.
الحاج جواد البغدادي
هو الحاج جواد بن عبد الرضا بن عواد المعروف بالحاج محمد جواد
عواد يأتي.
الشيخ جواد البلاغي
يأتي بعنوان جواد بن حسن.
الشيخ جواد ويقال محمد الجواد ابن الشيخ تقي ويقال محمد تقي بن ملا
كتاب الكردي الأحمدي البياتي الحلواني النجفي
كان حيا سنة 1267 كما يدل عليه تاريخ الفراع من بعض مؤلفاته
كما يأتي فما في بعض المجاميع النجفية من أنه توفي سنة 1264 اشتباه وكانت
وفاته في النجف ودفن في داره بمحلة العمارة وقبره معروف.
(الأحمدي) و (البياتي) لا أعرف هذه النسبة إلى اي شئ ولعلهما نسبة
إلى طائفة وعشيرة. وفي القاموس بيات كسحاب بلدة وكورة قرب واسط
(والحلواني) نسبة إلى جبال حلوان وهي المسماة اليوم جبال الفيلية.
أصل عشيرته من أكراد جبال حلوان وولد هو في النجف ونشأ بها
وسكنها حيا وميتا. كان عالما فاضلا فقيها أصوليا محققا مدققا متبحرا في
الفقه مصنفا محررا ورعا زاهدا عابدا اخذ عن الشيخ جعفر صاحب كشف
الغطاء وابنه الشيخ موسى وعن السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة
ويروي بالإجازة عن صاحب مفتاح الكرامة عن بحر العلوم ونحن نروي
عنه بالواسطة واخذ عنه كثيرون منهم الملا علي ابن الميرزا خليل الطبيب
الطهراني النجفي. وكان جيد البيان حسن العبارة لا ينازع في فضله
وتقواه. ووصفه الفاضل النوري في كتابه دار السلام بالشيخ الجليل والعالم
النبيل. وربما فضل بعض معاصريه شرحه على اللمعة الآتي ذكره على
الجواهر وفضله هو على صاحب الجواهر. ومثل هذا القول يمكن ان يكون
دالا على فضله وحسن كتابه لكن لا بد من حمله على نوع من المبالغة. وهو
صهر الشيخ مهدي ملا كتاب. وأبوه وجده من العلماء الأفاضل له من
المؤلفات:
(1) كتاب الشافي (2) مؤلف في الفقه استدلالي تاريخ كتابته سنة
1240 يوجد منه في النجف مباحث الاجتهاد والتقليد وأبواب المياه
والطهارات واحكام الأموات والصلاة والصوم ويحتمل كونه هو كتاب الشافي
(3) شرح اللمعة وقيل شرح اللمعتين وهو شرح مزجي مشحون بالتحقيق
في عشرة مجلدات اسمه الأنوار الغروية في شرح اللمعة الدمشقية خرج منه
إلى آخر النكاح وأتمه ولده الشيخ حسين وهو مشهور جيد جدا جمع فيه بين
الأدلة والأقوال والأخبار بأوجز عبارة وقد سمعت ان بعضهم فضله على
الجواهر وسماه في بعض مجلداته بالشريعة النبوية. وفي بعضها بالمشكاة
الغروية في شرح اللمعة الدمشقية فرغ من بعض مجلداته سنة 1224 ومن
بعضها سنة 1241 ومن بعضها سنة 1267 (4) تتميم مشارق الشموس في
شرح الدروس وهو شرح كتاب الحج من الدروس في مجلد ضخم من قوله
شروط التمتع أربعة إلى أواخر الكفارات.
خلف ثلاثة أولاد الشيخ حسين والشيخ محمد والشيخ عبد الحسين
وله في النجف أحفاد.
الشيخ جواد ويقال محمد جواد ابن الشيخ حسن بن حيدر بن عبد الله
الحارثي الهمداني العاملي النجفي
عالم فاضل مؤلف له البرهان الساطع للأنام في شرح شرايع الاسلام
وجد منه مجلد كبير بخط المؤلف من أول الطهارة إلى مبحث ما لا يدركه
الطرف من الدم فرغ منه 22 ربيع الثاني سنة 1236 في النجف الأشرف
وعليه تقريض للشيخ قاسم بن محيي الدين بخطه الذي توفي سنة 1237
وقد وقفته بنت المصنف زوجة السيد علي بن الحسين ابن السيد عبد الله
الشبري على زوجها المذكور وأولاده ما تعاقبوا في سنة 1269 وهذا يدل عن
انه توفي عن غير ولد ذكر.
الشيخ جواد ويقال محمد الجواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب ابن
الشيخ عباس ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ عباس ابن
الشيخ حسن صاحب تنقيح المقال ابن الشيخ عباس ابن الشيخ محمد
علي بن محمد البلاغي الربعي نسبة إلى ربيعة النجفي.
ولد سنة 1285 وتوفي بذات في الجنب ليلة الاثنين الثاني والعشرين
من شعبان سنة 1352 في النجف الأشرف ودفن فيها وعلمنا بوفاته حين
دخولنا بغداد بقصد التشرف بزيارة العتبات الشريفة وزيارة الرضا (ع)
وكان قد توفي قبل خروجنا من دمشق ولم نعلم به فأسفنا لذلك كثيرا فانا
خرجنا من دمشق أول يوم من شهر رمضان.
وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ونجابة اخرج بيتهم كثيرا من
العلماء والأدباء وهم عراقيون نجفيون ينتسبون إلى ربيعة كما يوجد في
كتابات بعضهم ومن ذكرناهم في سلسلة نسب المترجم جلهم من أهل
العلم والفضل والخدمة في الدين وان اختلفت مراتبهم. ومرت ترجمة الشيخ
إبراهيم جد جد المترجم منهم في بابها وذكرنا هناك انه أول من سكن الديار
العاملية منهم والبلاغيون الذين فيها هم من ذريته وتأتي ترجمة الباقين في
أبوابها (انش). والمترجم له كان عالما فاضلا أديبا شاعرا حسن العشرة
سخي النفس صرف عمره في طلب العلم وفي التاليف والتصنيف وصنف
عدة تصانيف في الردود. صاحبناه في النجف الأشرف أيام إقامتنا فيها
ورغب في صحبة العامليين فصاحبناه وخالطناه حضرا وسفرا عدة سنين إلى
وقت هجرتنا من النجف فلم نر منه الا كل خلق حسن وتقوى وعبادة وكل
صفة تحمد وجرت بيننا وبينه بعد خروجنا من النجف مراسلات ومحاورات
شعرية ومكاتبات في مسائل علمية سنذكرها (انش) وكان شريكنا في الدرس
عند مشايخنا في النجف الشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ محمد طه نجف
النجفي والشيخ آقا رضا الهمذاني. وبعد خروجنا من النجف هاجر إلى
سامراء فقرأ على الميرزا محمد تقي الشيرازي وبقي في سامراء نحوا من عشر
سنين وبها ألف بعض كتبه وبعد الاحتلال البريطاني خرج منها إلى الكاظمية
فبقي فيها سنتين ثم عاد إلى النجف فتوطنها إلى أن توفي.
مؤلفاته
(1) رسالة في بطلان العول والتعصيب وهي أول ما ألفه.
(2) العقود المفصلة في حل المسائل المشكلة وهي 14 عقدا (أ) في حرمة
مس المصحف على المحدث (ب) في منجزات المريض (ج) في اقراره (د) في

255
الرضاع (ه‍) قاعدة على اليد وفروعها (و) في تنجيس المتنجس (ز) في العلم
الاجمالي (ح) في اللباس المشكوك وهذه الأربعة الأخيرة مطبوعة (ط) في
ذبايح أهل الكتاب (ي) في مواقيت الاحرام ومحاذاتها (يا) في الغسالة (يب)
في المتمم كرا (يج) في الزموهم بما ألزموا به أنفسهم (يد) في القبلة.
(3) حاشية على المكاسب من أول البيع إلى بيع الوقف مطبوعة
(4) رسالة في التكذيب لرواية التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري
وكذب نسبته اليه (5) رسالة في صلاة الجمعة لمن سافر بعد الزوال
(6) رسالة في التقليد لم تتم (7) رسالة في الخيارات لم تتم (8) رسالة في
الأوامر (9) رسالة في فتاوى الرضاع وأحكامه على مذهب الإمامية وأئمة
المذاهب الأربعة (10) حاشية على شفعة الجواهر (11) حاشية علمية على
العروة الوثقى (12) رسالة في رد الفتوى بهدم قبور أئمة البقيع مطبوعة
(13) رسالة في رد الوهابية مطبوعة (14) كتاب في أجوبة مسائل سئل عنها
(15) كتاب في أن غالب ما انفردت به الإمامية يمكن إقامة الدليل عليه من
أحاديث مخالفيهم برز منه كتاب الطهارة وكتاب الصلاة (16) كتاب داعي
الاسلام وداعي النصارى (17) الرد على مقالة جرجيس سائل في الاسلام
(18) رسالة في رد أوراق جاءت من لبنان (19) رد كتاب ينابيع الكلام
(20) رسالة في رد كتاب حيون للقاديانية (21) الهدى إلى دين المصطفى في
الرد على الكتاب المستعار له اسم الهداية في مجلدين مطبوع (22) الرحلة
المدرسية والمدرسة السيارة بشكل مناظرة روائية طبعت مرتين في ثلاثة أجزاء
وترجمت إلى الفارسية وطبعت (24) رسالة التوحيد والتثليث مطبوعة
(25) رسالة الرد على الدهرية مطبوعة (26) نصايح الهدى في الرد على
البهائية مطبوع (27) أنوار الهدى جواب لمسائل الإلهية والنبوة وترجم في
مدرسة الواعظين في لكهنوء إلى لغة أوردو للطبع (28) البلاغ المبين بين
الماديين والالاهيين مطبوع (29) المصابيح أو مصابيح الهدى في رد القاديانية
والبابية والبهائية والأزلية بما يتضمن المشابهة والمشاكلة بين هؤلاء في الدعاية
والدعوى مطبوع (30) نسمات الهدى طبع في بعض اجزاء مجلة العرفان
(31) آلاء الرحمن في تفسير القرآن وصل فيه إلى آخر سورة النساء وأعجلته
المنية عن اتمامه طبع منه مجلد واحد (32) تزويج أم كلثوم بنت أمير
المؤمنين (ع) (33) أجوبة المسائل البغدادية.
شعره
له شعر كثير جيد وهو في مواضيع مختلفة فمن شعره قصيدته في مولد
الحسين (ع) في ثالث شعبان وهي:
شعبان كم نعمت عين الهدى فيه * لولا المحرم يأتي في دواهيه
وأشرق الدين من أنوار ثالثه * لولا تغشاه عاشور بداجيه
وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحا * لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه
رآه خير وليد يستجار به * وخير مستشهد في الدين يحميه
قرت به عين خير الرسل ثم بكت * فهل نهنيه فيه أو نعزيه
ان تبتهج فاطم في يوم مولده * فليلة الطف أمست من بواكيه
أو ينتعش قلبها من نور طلعته * فقد أديل بقاني الدمع جارية
فقلبها لم تطل فيه مسرته * حتى تنازع تبريح الجوى فيه
بشرى أبا حسن في يوم مولده * ويوم أرعب قلب الموت ماضيه
ويوم دارت على حرب دوائره * لولا القضاء وما أوحاه داعيه
ويوم أضرم جو الطف نار وغى * لو لم يخر صريعا في محانيه
يا شمس أوج العلى ما خلت عن كثب * تمسي وأنت عفير الجسم ثاويه
فيا لجسم على صدر النبي ربي * توزعته المواضي من أعاديه
ويا لرأس جلال الله توجه * به ينوء من المياد عالية
وصدر قدس حوى اسرار بارئه * يكون للرجس شمر من مراقيه
ومنحر كان للهادي مقبله * أضحى يقبله شمر بماضيه
يا ثائرا للهدى والدين منتصرا * أمست أمية نالت ثارها فيه
انى وشيخك ساقي الحوض حيدرة * تقضي وأنت لهيف القلب ظاميه
ويا اماما له الدين الحنيف لجا * لوذا فقمت فدتك النفس تفديه
أعظم بيومك هذا في مسرته * ويوم عاشور فيما نالكم فيه
يا من به تفخر السبع العلى وله * امامة الحق من احدى معاليه
أعظم بمثواك في وادي الطفوف علا * يا حبذا ذلك المثوى وواديه
له حنيني ومنه لوعتي والى * مغناه شوقي واعلاق الهوى فيه
وقال مقرظا كتاب العتب الجميل:
يا قارئ العتب الجميل * قل هل لعذر من سبيل
عتب جميل آية * تنبيك عن شأن النزول
وتريك ما فعل الهوى * في الميل عن آل الرسول
عدل الكتاب مدى المدى * سفن النجاة هدى السبيل
حتى كأن ولاءنا * لهم من الوزر الثقيل
يا وارث الشرف القديم * ويا فتى المجد الأثيل
أحسنت بالعتب الجميل * وقوله الفصل الجليل
وفتحت في أبوابه * باب الهدى لذوي العقول
ونظمت في اعجازه * درر الدلالة والدليل
فلتهن بالاجر العظيم * وواجب الشكر الجزيل
وفضائل لك في العلا * والعلم والباع الطويل
فاسلم ودم متمتعا * بالفضل والشرف الأصيل
علم الهدى غيث الندى * غوث العفاة حمى النزيل
أهدي سلاما دائما * لك في الغداة وفي الأصيل
ولقومك الغر الهداة * بني علي والبتول
وله العينية في معارضة عينية ابن سينا في النفس وهي:
نعمت بأن جاءت بخلق المبدع * ثم السعادة ان يقول لها (ارجعي)
خلقت لا نفع غاية يا ليتها * تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع
الله سواها وألهمها فهل * تنحو السبيل إلى المحل الأرفع
نعمت بنعماء الوجود ونوديت * هذا هداك وما تشائي فاصنعي
ودعي الهوى المردي لئلا تهبطي * في الخسر ذات توجع وتفجع
ان شئت فارتفعي لأرفع ذروة * وحذار من درك الحضيض الأوضع
ان السعادة والغنى ان تقنعي * موفورة لك والشقا ان تطمعي
فتنعمي وتزودي وتهذبي * وتلذذي وتكملي وتورعي
وببهجة العرفان والعلم أبهجي * ولنزع أطمار الجهالات انزعي
وخذي هداك فتلك اعلام الهدى * زهر سواطع في الطريق المهيع
وتروحي بشذى الطريق وأملي * عقبى سراك إلى الجناب الممرع
نجد وكل طريقها روض وفي * المسرى إليها بلغة المتمتع
وهناك ادراك المنى وكرامة * المأوى لدى الشرف الأعز الأمنع
هي غادة برزت جمالا واختفت * لطفا وزفت في الوجود ببرقع

256
برزت محجبة فتاه ذوو الهوى * في كنهها وصفا وكل يدعي
قربت وباعدت الظنون وان تكن * ضمت مخايلها حواني الأضلع
أمؤمل الاشراق في عرفانها * مهلا فإنك في ظلام اسفع
تسعى برأيك نحوها يا هل ترى * وجد الهدى ساع برأي مضيع
أم أين من عرفانها متكلف * ان ناء بالآراء صيح به قع
سل عن حقيقتها ومعناها الذي * قد زفها محجوبة لك أو دع
كم قائل فيها يقول وسائل * وجوابه في (يسألونك) ان يع
وقصيدته في ثامن شوال سنة 1344 الذي هدمت فيه قبور الأئمة
عليهم السلام بالبقيع مطلعها:
دهاك ثامن شوال بما دهما * فحق للعين اهمال الدموع دما
(منها) يوم البقيع لقد جلت مصيبته * وشاركت في شجاها كربلا عظما
وقوله من قصيدة:
مدت إلى رمل الحمى أعناقها * طلائح قد شاقني ما شاقها
تزف زفات الظليم نافرا * حيث الغرام قادها وساقها
تلوي إلى نسيمه خياشما * معللات بالمنى أحداقها
همي اختلاس نظرة وهمها * تملأ من حوذانه أشداقها
ويا بنفسي من ظباهم طفلة * ما أنكرت ناشئة أطواقها
من لظمأي من برود ريقها * برشفة قد حرمت مذاقها
وما سوى المحسود من مسواكها * حتى الخيال بالمنى ما ذاقها
وكتب اليه ابن عمه الشيخ توفيق ابن الشيخ عباس البلاغي
الصوري وصنعته صيد السمك ولا يعرف النحو والصرف وينظم الشعر
بالسليقة:
سلام الله والاملاك وقفا * لمولاي الجواد يزف زفا
أعاتبه واشكره وأشكو * فعطفا يا شقيق الروح عطفا
أكاتبه فيعرض عن جوابي * وحاشا ان يكون جفاه ضعفا
أبيت اللعن ما ناحيت عمري * نحيويا ولا صارفت صرفا
ولكني على الأسماك أغدو * فانسفها غداة الصيد نسفا
واقتحم الألوف ربيط جأش * واجعلها كاهل الفيل عصفا
إذا ما شاهدت في اليم شخصي * تضعضع جمعها صفا فصفا
أتذهب بالبلاغة مستقلا * وكانت للبلاغيين وقفا
وتزعم ان لفظي أعجمي * فهاك بيانه حرفا فحرفا
إذا ذكر العراق وساكنوه * ترقرق مدمعي سحا ووكفا
كفاك كفاك اعراضا وصدا * أمثلي يا جواد الخير يجفى
فاجابه المترجم بهذه الأبيات:
إليك تحيتي يا صور وقفا * إذا انتشقت من التوفيق عرفا
وحياك الصبا الساري نديا * وباكرك الحيا الوسمي وكفا
وغادر ربعك المأنوس روضا * يتيه بزهره صنفا فصنفا
يحاكي نوره بيض العذارى * إذا داعبته شما وقطفا
ففيك علاقتي واليك شوقي * ومنك لواعج المشتاق تشفى
ولي فيمن علقت بهم كريم * سقتني بعده الأيام صرفا
إذا حدثت عنه أصخت سمعا * ومهما مثلوه مددت طرفا
يمثله الحيا للعين عينا * ويثبته الثنا في القلب وصفا
وصول للمحب وليس يجفر * على بعد الديار فكيف يجفى
فلا الأشواق بالسلوان تخبو * ولا بالوصل نار البعد تطفى
ما دار بيننا وبينه من المراسلات الشعرية
ارسل إلي بعد مجيئي من العراق إلى دمشق بهذه القصيدة في سنة 1319:
دعى عبرتي للنوى تستهل * فما قدر قلبي وما يحتمل
دعاني وشأني ولا تجمعا * على القلب داء النوى والعذل
سألتكما ان تكفا الملام * فقد نال مني الهوى ما سأل
تنكر لي وجه غادي الصباح * وأوحشنني رائحات الأصل
وحال بعيني زمان الفراق * فسيان عندي الضحى والطفل
وطالت علي ليالي الهموم * وان كان عهد النوى لم يطل
فآه على زمن قد مضى * وويلاي للزمن المتقبل
يمينا بمهبط وفد الحجيج * ومطرح جنب الطلاح البزل
وبيت أطاف به المحرمون * وطاف به الناسك المبتهل
ومستلم النفر الطائفين * ومهوى الشفاه به للقبل
لئن حال بعد المدى بيننا * وشطت ديار وأعيت حيل
فلست بسال هوى الظاعنين * ولست بناسي الليالي الأول
وعن ذكرهم ابدا لا أميل * ومن ذكرهم ابدا لا أمل
فلله وقفتنا للوداع * وقد غرقت بالدموع المقل
أسر بصدري نفث الزفير * ويفضحني المدمع المنهمل
ولله يوم حدوا بالركاب * وركب الأحبة عني استقل
وساروا كما شاء حادي النوى * وأبت كما شاء داعي العلل
وضاقت علي لهمي الرحاب * وسدت علي لوجدي السبل
فكم تركوا علة لا تبوخ * ونار جوى في الحشا تشتعل
أأحبابنا هل لعهد الوصال * معاد وهل للتداني أجل
أعلل نفسي بتسويفها * كما علل الآل هيم الإبل
وهيهات يبرد وجد المشوق * بوعد الأماني وطول الأمل
فيا موجفا ذلل اليعملات * طلاحا (1) تلف الربى بالسهل
تزف زفيف الظليم المثار * وتهدي القطا في المتاه المضل
فما عرفت مثل شد الرحال * وما أنكرت مثل شد العقل
إذا قطعت بك فج العراق * نواجي كالبارق المستهل
وأرعيتها من رياض الشآم * منابت حواذنها والنفل
فبلغ أحبتنا النازلين * بها جهد ما بلغته الرسل
تحية ذي غلة لم تبل * بوصل وذي علة ما إبل
فأجبته بقولي:
له الله من شادن كم اعل * فؤاد المعنى بغنج ودل
وكم قد أراق على خده * دماء الورى بسهام المقل
دقيق المعاني جليل الصفات * تبارك رب براه وجل
ففي الريق منه حياة النفوس * وفي مقلتيه اخترام الأجل
ويخجل بالوجه بدر السما * وتزري معاطفه بالأسل
وما لمع البرق من ثغره * لعارض دمعي الا استهل



(1) سراعا (خ ل).
257
فخذ خبر الحب من مقلتي * وعما حوته الحشا لا تسل
بنفسي غزالا بذلت العزيز * له وبرد سلامي بخل
عجبت لخصرك في ضعفه * بمرتج ردفك كيف استقل
وصلت بحزني الضحى بالعشي * لبعدك يا قاطعا ما وصل
فعطفا على مدنف ما عدل * لغيرك يا جائرا ما عدل
وحرمت وصلي ولا ذنب لي * وحللت عمدا دمي ان يطل
إذا كان وصلي بدين الهوى * حراما فقتلي به كيف حل
أأيامنا بربوع العراق * سقاك حيا وابل منهمل
فهل عائد بك عيش مضى * ودهر تقضى كظل افل
ليالي تكرع فيك القلوب * بكأس المسرة نهلا وعل
فليت زمانا مضى عائد * بأرض الغري عساه وعل
أيا راكبا متن زيافة * تلف أديم الفلا بالرمل
انخها إذا ما وردت الغري * فقد نلت أقصى المنى والأمل
وحي أحبتنا النازلين * به خير حي به قد نزل
وقل قد تركت المعنى بكم * حليف جوى في حشاه اشتعل
يظل بذكركم لاهجا * ولم يتخذ عنكم من بدل
إذا هب من أرضكم نافح * تذكر تلك الليالي الأول
وكتبت اليه بقولي:
يا جيرة بربوع نجد لم تدع * ذكراهم للقلب وقت فراغ
حيث الرياض أنيقة بربوعها * والغصن يرقص والطيور تناغي
والغيد كالغزلان سانحة بها * بين الرياض تروغ كل مراغ
وتهز أغصان القدود وقد حمت * ورد الخدود عقارب الاصداغ
قل للجواد المنتمي لبلاغة * ورثت قديما عن أجل بلاغي
رب المزايا الغر لست مبالغا * مهما أقل فيه ولست بلاغي
وارى لك العهد الوثيق وأنت عن * نهج الاخوة لست بالرواغ
لكن حظي للسواد مصاحب * ومجانب لبقية الأصباغ
وحظوظ هذا الخلق شتى صبغها * امسى وحظي مثل لون الزاغ
يا هل تعود لنا ليال قد مضت * بالانس أذهبها الزمان الباغي
أيام نسري موجفين لحضرة * في بابها نجب الوفود رواغي
ونزورها شعثا نعوذ بربنا الر * حمن من شيطاننا النزاغ
نمضي من العزمات كل مهند * عضب الشبا بدم العدا ولاغ
متسربلين بكل داودية * من غير ما نسج ولا افراغ
نزجي نجائب كالنعام تكفلت * عفوا لراكبهن بالابلاغ
فسقى (الحياخان الحماد) ولا عدا * ارض المصلى ذو رعود راغي
وهمى على ارض النحيلة عارض * غدق يعيد العيش في ارفاغ
ونعود في سفن تشق صدورها * بمرورها أمواج ماء طاغي
يا ساكني النجف المنيف إليكم * شوقي ولست سواكم بالباغي
لا تشتهي نفسي خليلا بعدكم * من ذا يقيس الرأس بالأرساغ
عيشي كطعم الصاب بعد فراقكم * والماء اشربه بغير مساغ
عركتني الأيام بعدكم كما * عرك الأديم بانمل الدباغ
كالنون فارق في الهجير الماء أو * كالرأس قد امسى بغير دماغ
حاولت اسباغ الكلام بمدحكم * والعين تمنعني عن الاسباغ
واليكم عذراء بنت سويعة * تزهو بلفظ كاللجين مصاغ
بعض ما دار بيننا وبينه من المباحثات العلمية بالمكاتبة
لما اطلع على كتابنا في مناسك الحج المطبوع ارسل الينا ينتقد فيه أمورا:
أقرب المواقيت في الاحرام
(الأول) قولنا ان قرن المنازل أقرب المواقيت فقال إن يلملم مساو له
في القرب.
فأجبناه بتاريخ 4 جمادى الثانية سنة 1341 بان صاحب معجم
البلدان حكى عن القاضي عياض ان قرن المنازل وهو قرن الثعالب بسكون
الراء ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة وهو قرن أيضا غير مضاف
وحكى عن الحسن بن محمد المهلبي أنه قال: قرن قرية بينها وبين مكة واحد
وخمسون ميلا وهي ميقات أهل اليمن بينها وبين الطائف ذات اليمين ستة
وثلاثون ميلا. وقال إن يلملم موضع على ليلتين من مكة وهو ميقات أهل
اليمن. وقال المرزوقي هو جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث (انتهى).
(فأجابنا) بتاريخ 21 جمادي الثانية سنة 1341 بقوله: ان الذي كتبته
لحضرتك فيما يتعلق ببعض المسائل من منسكك الشريف لا اسمح بان
تسميه - لطفا منك - بالانتقاد وإنما كان ذلك حرصا على الاستيضاح في
التحقيق من أمثالك لا من يجعل المذاكرة في العلم مجلسية تنقضي بما لا
يحمد ولأجل اطمئناني بلطفك في حسن الظن بالداعي المخلص بادرت إلى
تكرار المراجعة استيثاقا من التحقيق بالاستفادة فاذكر كلامك الشريف ثم
اعرض ما عندي راجيا من لطفك الإفادة ببيان ما فيه وقد أقنعني الزمان عن
حظوة المكالمة بحضرتك بإطالة الكلام في المكاتبة واسال الله ان لا تكون
مضايقة لوقتك الشريف وان يجعلها سببا لاستفادتنا بها من فوائدك.
مولاي اما اعتمادك على معجم البلدان في كون قرن المنازل أقرب
المواقيت فكان على مثل تحقيقك ان تصرح في المنسك بالبناء على قوله
والمصرح بالمساواة ليلملم فيما حضرني من الكتب في ساعتي: المبسوط
واللمعة وكشف اللثام والجواهر. والمنقول من الاعتبار شاهد على ذلك
والتفاوت المذكور في معجم البلدان غلط فاحش (انتهى).
فلذلك أصلحناه فقلنا إن يلملم لأهل اليمن وقرن المنازل لأهل
الطائف على مسافة واحدة أو متقاربان في المسافة بينهما وبين مكة ليلتان
بالسير المتوسط وكذلك ذات عرق التي هي آخر العقيق ميقات أهل
العراق.
البريد
(الثاني) قولنا في كتاب المناسك في تحديد الحرم ان البريد نحو من
مسير ست ساعات فاورد علينا ان البريد أقل من ذلك فأجبناه بالتاريخ
المتقدم بان ذلك مبني على ما ورد في تحديد المسافة انها بياض يوم وهو
تقريبي لا تحقيقي. فأجابنا بالتاريخ المتقدم أيضا بقوله: مولاي كان على
مثل كتابتك وهي من مثلك ان تقول مسير نصف بياض يوم للأثقال
والقطار فان اليوم في الحجاز مختلف كغيره فأطول الأيام بمكة نحو 13 ساعة
و 20 دقيقة وفي المدينة نحو 13 ساعة و 33 دقيقة و 28 ثانية وأقصرها بمكة
نحو عشر ساعات و 40 دقيقة وفي المدينة نحو عشر ساعات و 26 دقيقة
وتختلف أيضا في سائر الفصول بحسبها وبحسب عرض البلد مع أنه لا بد
في العادة في مسير بياض اليوم من النزول لقضاء المهمات في ضياء النهار

258
وان التحديد بالأربعة فراسخ أقرب إلى التحقيق والتقدير المأنوس للأذهان
(انتهى).
فأجبناه بان التحقيق هنا غير ممكن وكفى برهانا على عدم امكانه ما
ذكرتموه من اختلاف اليوم في الحجاز وغيره ومنه يعلم أن التقدير بنحو مسير
ست ساعات أقرب إلى التحقيق والتقدير المأنوس للأذهان لانس الأذهان،
بالساعات أكثر من انسها بالفراسخ التي لا يعرفها الا الخواص.
محاذاة الميقات
(الثالث) قولنا ان من يحج بطريق البحر من أهل الشام وغيرهم
فاحرامه من محاذاة الجحفة لا يخلو من إشكال لأنه يحاذي مسجد الشجرة
قبل محاذاة الجحفة وكما أنه لا يجوز التعدي عن محاذاة ميقات قبل الاحرام
منها إلى محاذاة ميقات آخر نعم لو فعل اثم وصح حجه.
فقال إن الأدلة أطلقت ان الجحفة ميقات أهل مصر والشام مع أن
هؤلاء في مسيرهم إلى الجحفة يحاذون مسجد الشجرة قبل الوصول إلى
الجحفة (انتهى).
فأجبناه بالتاريخ المتقدم بأنه قد فاتك ان مسالة المحاذاة في النص
والفتوى خاصة بمن لم يمر على ميقات ولا تتناول من مر على أحد المواقيت
وقد اختلفت فيها الأنظار هل يحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أو من
محاذاة أبعدها عنها أو من محاذاة أقربها اليه والذي استقر عليه رأي أكثر
المحققين ودلت عليه صحيحة ابن سنان انه يحرم من محاذاة ابعد المواقيت
عن مكة (انتهى).
فأجابنا بالتاريخ المتقدم أيضا يقول: قلت دام فضلك وقد فاتك
الخ. فاعرض لحضرتك ان النص الملحوظ لهم في مسالة المحاذاة هي
الصحيحة المذكورة وهي مختصة بمن يخرج من المدينة وبمحاذاة الشجرة وانما
تسروا إلى محاذاة سائر المواقيت من سائر الحجاج بالمناط وإلغاء خصوصية
الشجرة وها هي الصحيحة بحسب رواية الكافي: من أقام بالمدينة شهرا
وهو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه
فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء.
وبحسب رواية الفقيه: ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان
حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها ويعلم من نحو عشر
روايات في تلبية الاحرام وغيرها ان مسجد الشجرة ليس من البيداء فيكون
قوله في رواية الكافي من البيداء بيانا للمحل الذي يحاذي الشجرة منه
فيكون الخروج المشار اليه في رواية الكافي على التياسر عن طريق المدينة إلى
الشجرة ذاهبا إلى البيداء وبمسيرة ستة أميال يحاذي الشجرة منها ولا يخفى انه
يلزم عليه ان يكون التياسر قليلا لكي تحصل المحاذاة بمسير الستة الأميال
واما على رواية الفقيه فيقتضي ان يكون الخروج من المدينة على التيامن
فيحاذي الشجرة والبيداء ولا يتأتى على التياسر لأن مسير الستة الأميال الذي
لا يدخل البيداء بل يفضي إلى شرقيها لا يبلغ محاذاة الشجرة والبيداء
فاعتمادك على هذه الصحيحة في اختصاص مسالة المحاذاة بمن لم يمر أو لا
يمر على ميقات مبني على دلالتها على أن المراد من غير طريق أهل المدينة هو
ما يغاير طرقها منها إلى مكة مغايرة كلية بحيث لا يفضي إلى طريق الجحفة
أو طريق العقيق ولو بعد ثلثي المسافة وان المنشأ في الاحرام من المحاذاة هو
عدم المرور بالميقات فيما بعد ولكن الاعتبار وظهور سوق الرواية يأبيان ذلك
بل واطلاق المغايرة لو أن الرواية ظاهرة بمغايرة الطريق إلى مكة واطلاق
حكم المحاذاة من التقييد بالمنشأ المذكور (اما الاعتبار) فان الطرق المألوفة
المأهولة المأمونة والأبعد عن الوعورة والتي يمكن التبلغ فيها من الماء وغيره
بسبب المرور على المياه والقرى ووضع الأميال والمسالح انما هو طريقا
الجحفة والعقيق واما التقحم في غيرها فلا يتيسر الا لنادر من البدور وفي
نادر من الأيام فيبعد حمل الرواية عليها لو اقتضاه لفظها (واما سوقها) فلأن
الغير المذكور هو ما يخرج فيه من المدينة ويؤخذ في السير فيه مما لا يفضي
إلى الشجرة فالمغايرة ظاهرة في كونها في الخروج والاخذ في السير المعتاد
المفضي إلى الشجرة وانه طريق واحد ولا دلالة فيها على أن المراد من طريق
المدينة ما كان إلى مكة بل إفراد لفظه وتعدد طرق المدينة المعتادة إلى مكة
ينافي ذلك ويقتضي أيضا الظهور في طريقها إلى الشجرة (واما الاطلاق)
فلان الغيرية تصدق على وجه الحقيقة لو سار نصف الطريق المألوفة إلى مكة
أو ثلثيها على غير طريق الجحفة أو طريق العقيق ثم عدل على أحدهما
سلمنا دلالة الصحيحة على أن الخارج من المدينة حكمه الاحرام من
محاذاة الشجرة إذا لم يمر بالجحفة أو العقيق ولكن من أين لها الدلالة على أن
كل من لا يمر بميقات يحرم من محاذاة الشجرة وان كان على طريق الشام أو
نجد وأين دلالة الصحيحة على أنهما يحرمان من ابعد المواقيت عن مكة
وقصارى دلالتها على أن من كان ميقاته الشجرة يحرم من محاذاتها لا لأنها
ابعد المواقيت بل لان الشجرة ميقات المدني وان اتفق كونها من حيث
الوضع ابعدها. وغاية ما يستفاد من مناطها ان من لم يمر في طريقه على
ميقاته الموظف لجهته فإنه يحرم من محاذاة ذلك الميقات وقد دلت الروايات
على أن ميقات أهل الشام ومصر و المغرب هي الجحفة ولا أقل من اقتضائها
انهم يسيرون محلين في طرقهم المعروفة إليها إلى أن يبلغوها ومن أين يجئ
تقييد احلالهم بان يكون احرامهم منها وغاية المناط من الصحيحة ان محاذاة
الجحفة مثلها لا يجوز ان يتعدوها محلين هذا فضلا عن أن محصل تحديد
المواقيت لأهل الأصقاع واختلافها بحسب الطرق يفيد الجزم بأنها حد
لحلهم واحرامهم وغاية مفاد الصحيحة ومناطها هو ان محاذاة الميقات مثله في
كونها حدا لما هو له في صقعه. واما اعتمادك فيما ذكرت على الفتوى فلو
كانت هنا شهرة محققة وانى على تقييد حكم المحاذاة بمن لا يمر بميقات أصلا
لطالبنا بالدليل ولم نكتف بالشهرة مقيدا. وكلمات الفقهاء في المحاذاة على
اختلافها ليس فيها ظهور يعتد به في أن الشامي والبحري الذي لا يمر
بالجحفة يحرم من محاذاة الشجرة اما مثل كلام المبسوط والسرائر والدروس
في المحاذاة فالأقرب انه ناظر إلى محاذاة الميقات الذي هو حد لصقع ذلك
الطريق فان السرائر تقول ان ميقات أهل مصر ومن صعد البحر من جدة
مع أن البحري لا بد له من أن يحاذي الشجرة حتى إذا كان مسيره في
الساحل الإفريقي فإنه يحاذيها في مقابل رابغ وإذا كان في الساحل الحجازي
حاذاها في جنوبي ينبع مقابل بئر عباس وفيما بين هذين الساحلين ما بين
المكانين حسب سير الدائرة (انتهى).
فأجبناه بان صحيحة ابن سنان التي هي المستند في المحاذاة هي
واحدة سواء برواية الكافي أم برواية الفقيه والاختلاف الجزئي في رواية
الفقيه عن رواية الكافي بقوله والبيداء بدل من البيداء لا يجعلها روايتين
مختلفتي المفاد فالظاهر أن صاحب الفقيه رواها بالمعنى لأن ملحوظه حذف
الأسانيد والاختصار فوقعت الواو بدل من سهوا من قلم الصدوق أو من
النساخ وتصلح حينئذ رواية الكافي أن تكون مفسرة لها على أنه يمكن ان

259
يريد من محاذاة الشجرة والبيداء كونه بين الشجرة والبيداء فان ذا الحليفة
وان كان ملاصقا للبيداء الا ان مسجد الشجرة الذي يجب الاحرام منه على
الأقوى ليس متصلا بالبيداء فالمرور بين البيداء والشجرة ممكن بان يمر بآخر
ذي الحليفة والبيداء والمرور شرقي البيداء. وزعم أن مسير ستة أميال إذا
كان شرقي البيداء لا يبلغ محاذاة الشجرة والبيداء مما لم يقم عليه دليل فان
البيداء أرض بعينها ملساء بين الحرمين معروفة ولم يعلم أنها واسعة كثيرا
بحيث إذا سار السائر ستة أميال من المدينة إلى شرقي البيداء لا يحاذي
الشجرة. وكيف كان فالخبر صريح على روايتي الكافي والفقيه في أنه يحرم
إذا بعد عن المدينة ستة أميال سائرا من ناحية البيداء سواء أ سار في نفس
البيداء أم شرقيها أم غربيها وانه إذا سار تلك المسافة يكون بحذاء الشجرة
وان احرامه من ذلك المكان لكونه بحذاء الميقات الذي كان عليه ان يحرم
منه لو مر به فلما لم يمر به كان عليه ان يحرم من محاذاته فتدل بمفهوم العلة ان
كل من لم يمر بميقات عليه ان يحرم من محاذاته كما هو فتوى الأصحاب ولا
دلالة لها على التقييد بكون التياسر قليلا لصراحتها في أن من سار ستة أميال
من المدينة فوصل البيداء إلى اي موضع كان منها حاذى الشجرة بدون
تكلف تأويل ولا تقييد وان ذلك ليس مبنيا على التدقيق بل على المحاذاة
العرفية التي امرها أوسع من التدقيق وبعد كون الروايتين رواية واحدة لا
مجال للقول بأنه على رواية الفقيه يلزم ان يكون الخروج من المدينة على
التيامن كما عرفت ومرادنا من أن الفتوى في مسالة المحاذاة خاصة بمن لم يمر
على ميقات هو قول الفقهاء جميعا بعد ذكر المواقيت ان من لم يمر بميقات
احرم من المحاذاة. والحاصل انه لا يبعد ان يفهم من النص والفتوى انه
يجب الاحرام من الميقات عند المرور به ومن محاذاته عند عدم المرور به
فالمحاذاة بمنزلة الميقات الاضطراري وكما أنه لا يجوز تجاوز الميقات بدون
احرام ولو إلى ميقات آخر لا يجوز تجاوز محاذاة ميقات إلى محاذاة آخر اعطاء
للبدل حكم المبدل وان كان لو تعدى اثم وصح احرامه نعم يجوز بل يجب
تجاوز محاذاة ميقات آخر والاحرام منه لكون المحاذاة بمنزلة
الميقات الاضطراري ومع إرادة المرور من الاختياري يلزم ترك
الاضطراري. توضيح ذلك ان الشارع جعل هذه المواقيت لأهل الأصقاع
فالعقيق لأهل العراق والشجرة لأهل المدينة والجحفة لأهل مصر والشام
ويلملم لأهل اليمن وقرن المنازل لأهل الطائف. وجعلها مواقيت لمن مر
عليها من غير أهل هذه الأصقاع أيضا بل ظاهر صحيحة ابن سنان المشار
إليها آنفا انه يشترط لعد المار عليها من أهل ذلك الصقع اقامته فيه شهرا
فأكثر وان لم نجد عاملا بذلك فهي مواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير
أهلها كما دل عليه النص والفتوى فمن مر عليها من أهل صقعها أو من جاء
إلى صقعهم وان لم يكن من أهلها أحرم منها ومن لم يمر عليها من أهلها ومن
جاء إلى صقعهم أحرم من محاذاتها ومن لم يمر بها ولا من محاذاتها من أهل
صقعها فعليه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر بحذائه وليس له ان يؤخر
الاحرام إلى محاذاة ميقات آخر كما لا يجوز له ان يؤخر الاحرام من ميقات
إلى آخر ومن مر بالمدينة من غير أهلها ميقاته الشجرة فان مر بها أحرم منها
وان لم يمر بها بل كان مشرقا عنها أو مغربا أحرم من محاذاتها وذلك إذا بلغ
في مسيره ستة أميال متوجها إلى مكة وليس لمن مر بالشجرة ان يؤخر
الاحرام إلى ميقات آخر إذا كان يمر به بعد ذلك واما خبر إبراهيم بن
عبد الحميد انه سال الكاظم (ع) عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم
البرد وكثرة الأيام و أرادوا ان يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها فقال
لا وهو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الا من المدينة فمع ضعف
السند محمول على الاستحباب ويكون الغضب لإرادتهم اتباع الأسهل الأقل ثوابا
وتجنب الأشق الأكثر ثوابا. والعراقي إذا لم يمر بالعقيق بل سافر بحرا
من طريق البصرة فعليه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر بحذائه وقد كانوا
يحرمون بين جدة وقمران عند محاذاة يلملم بحسب قول القبطان ثم لما
لاحظ العلماء في هذا العصر الخارطة رأوا ان هذه المحاذاة ليست هي
المحاذاة المطلوبة لأن المطلوبة ان يكون الميقات على اليمين أو اليسار متوجها
إلى مكة وهنا الميقات مقابل وجهه لا عن يمينه ولا عن يساره. وان المحاذاة
المطلوبة تحصل في جدة بالجيم أو حدة بالحاء. فالعراقيون الحاجون بحرا لا
يمرون بميقات بلادهم ولا بما يحاذيه بل بما يحاذي ميقات بلاد أخرى
فيحرمون منه. وبهذا التقرير لا يبقى محل للخلاف في أن من فرضه الاحرام
من المحاذاة هل يحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أو أبعدها عنها أو
أقربها اليه فان فرضه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر به فالمدني يحرم من
محاذاة الشجرة لا من محاذاة الجحفة ولا العقيق لكن لأنه أول ميقات يحاذيه
وصادف انه ابعد المواقيت عن مكة والشامي والمصري والمغربي يحرمون من
محاذاة الجحفة في وجه وصادف انها أقرب إلى مكة من الشجرة أو من محاذاة
الشجرة كما مر واليماني والعراقي يحرمان من محاذاة يلملم لأنه أول ميقات
يحاذيانه وصادف انه أقرب إلى مكة من الجحفة والشجرة.
وقال أيضا فيما كتبه الينا بالتاريخ المتقدم ما نصه: وقلت دام فضلك
وذكرت للمحاذاة معنيين استظهرت ثانيهما (الأول) الوقوع على دائرة عرض
الشجرة ولم يتضح لي معناه (الثاني) الوقوع على دائرة تمر بالشجرة مركزها
مكة مع أن المحاذاة المفهومة من صحيحة ابن سنان ان يكون بينه وبين مكة
بقدر ما بين الميقات ومكة حال كون الميقات عن يمينه أو شماله لا ما إذا كان
مقابل وجهه مثلا فيخرج الواقع على بعض خطوط تلك الدائرة عن
المحاذاة. فاعرض لحضرتك: اما قولي الوقوع على دائرة عرض الشجرة
فمرادي منه الدائرة التي يكون بعدها عن خط الاستواء ما يقرب من 25
درجة كبعد الشجرة وهو الذي يسمى عرض البلد وعلى هذا يوجبون
الاحرام عند مقابلة يلملم في البحر وان كان بينه وبين الثانية التي سأذكرها
نحو 150 ميلا. واما قولي على دائرة تمر بالشجرة ومركزها مكة فهو عين ما
تقوله وتختاره في معنى المحاذاة مفهوما ومصداقا ولم أدر ما هو المنشأ في قولك
لا ما إذا كان الخ (انتهى). ونقول: المحاذاة امر عرفي يكفي فيها صدق
المحاذاة العرفية التي امرها واسع جدا بملاحظة جعلها على ستة أميال من
المدينة لمن دخل البيداء من غير تقييد بمكان منها مما يشمل طرفها الغربي
والشرقي ووسطها وبناء الأميال على التقريب لا التحقيق الذي لا يتيسر
للحاج غالبا فبناؤها على خط الاستواء والدرجات وعرض البلد والدائرة هو
ان صح تكلف لما لا يلزم واما قولنا لا ما إذا كان مقابل وجهه فقد علم
معناه مما مر في كلامنا.
تحديد الميل
وارسل الينا بالتاريخ المتقدم معترضا على تحديد الميل في الدر الثمين
بأربعة آلاف ذراع بعد ترداد المراسلة يقول: وقلت دام فضلك:
واستشكلت في قدر الميل انه 4000 ذراع مع اشتهاره ودعوى الاجماع عليه
وعدم المعارض سوى مرسلة الخزاز القاصرة سندا ومتنا لعدم التصريح فيها
بأنه 3500 بل قال إن بني أمية لما ذرعوا ما بين ظل عير إلى فئ وعير وزعوه

260
على 12 ميلا وكان الميل 3500 ذراع ولعلهم أخطأوا في بعض ذلك
والمشهور وان لم يظهر مستنده لكنه كاف في اثبات هذا الموضوع اللغوي
العرفي اما قول السمهودي انه اعتبر ما بين عتبة المسجد النبوي ومسجد
الشجرة فكان 19732 ذراعا فهذا لا ينطبق على 4000 ولا على المرسلة.
فاعرض لحضرتك (أولا) ان الروايات تقول ان ما بين الشجرة والمدينة ستة
أميال ويصح هذا الاطلاق في مثل مقامه باعتبار الدخول في الميل السادس
وتقدير السمهودي بحسب مدلول المرسلة يبلغ نحو ثلثي الميل السادس واني
لم احتج بمرسلة الخزاز ولكن مرسلة ابن أبي عمير ومرسلة الخزاز ومرسلة
الصدوق عن الصادق (ع) متفقة على أن البريد في القصر هو ما بين ظل
عير إلى فئ وعير حسب قول جبرائيل (ع) للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومرسلة الخزاز
تقول ان الامام اخبر عن الميل الذي هو جزء من 12 جزءا مما بين عير
ووعير الذي هو البريد وميزان القصر بأنه كان كل ميل 3500 ذراعا
فاحتمال الخطا ان كان في تجزئة بني أمية لما بين عير ووعير إلى 12 ميلا فهو
مدفوع بالتسالم على أن البريد 12 ميلا وان الاعتبارات الكثيرة تساعد
المرسلة منها اعتبار السمهودي ومنها اعتبار يلملم فإنه لا ينطبق على بعدها
عن مكة 48 ميلا كما هو المحصل من أخبار حاضري المسجد الحرام الا على
تقدير المرسلة. وقد رأيت كتابين لبحر العلوم وصاحب كشف الغطاء في
تحديد الحرم وذكر الأقوال الكثيرة في تحديده بالأميال والأذرع والكل متفقة
على اعتبار الميل 3500 ذراعا فإذا اعتبرنا قول الروايات الناصة على أن ما
بين عير إلى وعير هو الميزان الحقيقي الموحي للقصر ومرسلة الخزاز تقول
قولها والاعتبارات المنقولة تساعدها فهل يسوع ان لا نلتفت إلى المرسلة
والاعتبارات ولا نحقق موضوع الحكم باعتبارنا نستريح إلى مشهور لا
مستند له الا شيوع تقدير الميل من زمان اليونان إلى زماننا تبعا لهم بأربعة
آلاف ذراع وقد كانت كتابة استشكالي لحضرتك استنهاضا لمساعدتك على
اعتبار ما بين عير ووعير (انتهى).
(ونقول) إرادة الدخول في الميل السادس من الستة الأميال مجاز يحتاج
إلى القرينة وهي مفقودة.
مراسلة غير علمية
وهي وان لم تكن ذات أهمية الا ان ذكرها لا يخلو من فائدة. كتبنا
اليه في 26 ذي الحجة سنة 1351 نسأله عن الأمور الآتية:
1 - الشيخ طالب بن عباس البلاغي ذكرتم ان الشيخ محمد طه كان
يحدث بكرامة له ذكرها استطرادا في أحوال الشيخ حسين نجف الكبير فان
كانت غير موجودة في رجال الشيخ محمد طه أرجو كتابة حاصلها.
2 - قلتم جرت من بعض معاصري الشيخ طالب مساجلة في
مدائحه رأيتها في مجموعة فهل يمكن نقل هذه المجموعة أو شئ منها ولو
باستئجار كاتب فذلك فضل لكم علي.
3 - والدكم الشيخ حسن ان كنتم تعرفون وفاته وشيئا من أحواله
فاكتبوها لنا فأجاب بتاريخ 28 محرم سنة 1352 بما صورته:
بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد وهو المستعان
تشرفت بكتابك المؤرخ 26 ذي الحجة 1351 وقد أرجأت الجواب
لعلي أحصل على ما أمرت به من استنساخ قصائد المساجلة في مدح الشيخ
طالب من بعض أصحابه والى الآن لم أعثر لها على اثر لأني رأيتها منذ أكثر
من أربعين سنة ولا أذكر عند من رأيتها.
واما الكرامة التي ذكرها المرحوم الشيخ محمد طه للمرحوم الشيخ
طالب فهي غير موجودة في رجاله ولم اظفر برسالته في أحوال الشيخ حسين
نجف ولست على ثقة من حفظي لمؤداها لأكتب لحضرتك حاصلها.
والدي المرحوم الشيخ حسن لا أعين عام وفاته وظني انه مضى لذلك
فوق الأربعين سنة أو أربعون ونحو ذلك ولا أذكر من أحواله ما له دخل في
المقام الا انه من أهل العلم والفضل.
مولاي منذ سنتين شرعت في تفسير للقرآن الكريم وقريبا إن شاء الله
يتم طبع الجزء الأول في مطبعة العرفان بنحو 400 صفحة إلى آخر سورة آل
عمران والى الآن كتبت في تفسير سورة النساء إلى نهاية الآية السادسة عشرة
مع آية الكلالة من آخر السورة جمعا لآيات المواريث وانا الآن مشغول بما
لمطلقاتها أو عموماتها من التقييد أو التخصيص الحقيقي كبعض موانع
الإرث ومسائل الحبوة وغير ذلك والتقييد الموهوم كمسألة ارث النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والتعصيب والعول وغير ذلك وأظن ما كتبته من سورة النساء يبلغ في
المطبوع نحو ست ملازم والله الموفق وأسألكم الدعاء بالتوفيق والتيسير
والتسديد والذي يعيقني عن سرعة السير في التفسير هو ضعف مزاجي بشدة
وكثرة الأمراض مع انفرادي بتتبع حديث العامة والتسويد والتبييض
والتصحيح وكتابة المكاتيب ومباشرتي لأمور التعيش ذكرت ذلك رجاء
لامدادي بالدعاء وإن شاء الله أول ما يتم تغليف الجزء الأول يقدم
لحضرتك منه نسخة أرجو الغض عما فيها والله الميسر والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته. في 28 محرم سنة 1352.
من الأقل محمد جواد البلاغي عفي عنه
وكتب الينا بتاريخ 9 شعبان 1352 بما صورته:
إلى حضرة سيدنا ومولانا العلامة الاجل حجة الاسلام دام ظله وادام
الله به عز الدين ومجد الشريعة وبهجة العلم بحرمة سيد المرسلين وآله
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين مولاي اما بعد السلام عليكم
والاستقصاء في السؤال عن أحوالكم وشريف مزاجكم فاني لا زلت داعيا
مشتاقا وقد مضت مدة لم أحظ فيها بمكاتيبك لعدم احرازي انك في شقرا أو
في الشام وكنت أحب ان اعرف رأيك في التفسير آلاء الرحمن وهل يعد في
التفاسير أو لا وقد وعدت بالأمر ببيعه لأجل نشره والداعي كتبت بان يسلم
لحضرتك وأمرك المقدار الذي تأمر به من النسخ واسأل الله أن لا يكون قد
صدك عن وعدك سقوط الكتاب من نظرك مولاي أقدمت على كتابته راجيا
من الله ان ينبه الأمة من غفلاتها فيكتبوا خيرا منه أ لا ترى ان أهل العلم قد
أهملوا ما يعنيهم ويلزمهم في هذا العصر التعيس هذا واهدي وافر السلام
إلى كافة من يلوذ بحضرتك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الأقل محمد جواد البلاغي عفي عنه
وهذا آخر كتاب كتبه الينا وتوفي بعده بثلاثة عشر يوما رحمه الله
وإيانا.
تتميم
في باقي مؤلفاته التي فاتنا ذكرها.
(35) ترجمة رسالة في وضوء الامامية وصلاتهم وصومهم ترجمت إلى

261
الإنكليزية وطبعت الترجمة اما الأصل العربي فلم يطبع (36) الشهاب في
الرد على كتاب حياة المسيح لبعض القاديانية (37) رسالة في العول
والتعصيب (38) رسالة في الرد على كتاب تعليم العلماء.
السيد جواد ويقال محمد الجواد ابن السيد حسن ابن السيد محمد ابن السيد
محمد الجواد صاحب مفتاح الكرامة ابن محمد الثاني ابن محمد الأول الملقب
بالطاهر ابن السيد أبي الحسن موسى ابن السيد حيدر ابن إبراهيم بن
أحمد بن قاسم الحسيني الحلي العاملي النجفي
ولد بالنجف الأشرف سنة 1282 وتوفي بالنجف في ذي القعدة
الحرام سنة 1318 بالحمى التي فتكت بالناس فتكا ذريعا في ذلك العام حتى
بلغت الجنائز في اليوم الواحد الأربعين من أهل النجف وله من العمر 36
سنة وشيع جنازته جمع عظيم ودفن في الصحن الشريف في الحجرة المدفون
بها أبوه وجده وأبو جده وأقيم له مجلس الفاتحة والترحيم في النجف قام به
عمه السيد حسين ورثاه الشعراء ولما ورد نعيه إلى جبل عامل رثاه الشعراء
العامليون.
كان من أهل العلم والفضل فرغ من النحو والصرف والمنطق وعلوم
البلاغة واشتغل بالأصول والفقه. وكان حاذقا فطنا لبيبا لسنا فصيحا تقيا
سخيا شجاعا مقداما عالي النفس أبيها رفيع الهمة كريم الطبع جامعا
لصنوف الكمالات متميزا من بين أبناء زمانه بمحاسن الصفات. جمع
بالتماس بعض الفضلاء رسالة في أحوال جده سماها مرآة الفضل
والاستقامة في أحوال مصنف مفتاح الكرامة واستوفى فيها جميع أحواله مع
تمام التثبت في النقل وكنت أساعده على جمعها. وتحلف ببنت واحدة.
مراثيه
قال السيد عبد الحسين آل نور الدين العاملي النباطي يرثيه ويعزي
عنه عمه السيد حسين والمؤلف:
من جب غارب هاشم وسنامها * واجتث دوحتها وفل حسامها
من غال أسد الغاب في أغيالها * من دك من هضب العلا اعلامها
من ابرز العليا بثوب حدادها * ثكلى وألوى من لؤي هامها
أوليس غال الحتف بدر ظلامها * وسنامها وحسامها وهمامها
مطعانها مطعامها مقدامها * قمقامها صمصامها ضرغامها
خطب رمى قلب الهدى بفجيعة * دهت الأنام ونكست اعلامها
نقضت يد الاقدار عزمك بعدما * قد كان عزمك ناقضا ابرامها
قادتك كف الدهر قسرا بعدما * القت إليك يد القضاء زمامها
لو كان يدفع عنك طارقة الردى * قرع الطلى ويرد عنك حمامها
لسرت امامك أسرة مضرية * بصوارم يخشى القضاء صدامها
آساد كل كريهة لكنها * تخذت بمشتبك القنا آجامها
متسربلين بكل داوودية * ولها مثار النقع حاك لثامها
لكنها الأيام تجري بالذي * اجرت به أيدي القضا أقلامها
يا بدر تم كيف عاجله الردى * وبرت له كف المنون سهامها
كانت بنو العليا بنورك تهتدي * من بعد خسفك من يشق ظلامها
كانت إذا ما المشكلات عرينها * تجلو بثاقب فكره ابهامها
الله في مقل قلت طيب الكرى * وجدا عليك فلن تذوق منامها
تبكيك عين المجد يا انسانها * وصفاح بيض الهند يا صمصامها
نثرت عليك المكرمات دموعها * إذ كنت حلية جيدها ونظامها
فلأبكين عليك ما هبت صبا * حزنا وأسعد في الغصون حمامها
أبكي الجواد لحلبة العليا التي * فيها الجياد جرت فكان امامها
قد كنت سابقها فحزت رهانها * من بعد يومك من يثير قتامها
أبكيك للوفاد تلتمس الندى * تطوي المهامة سهلها وأكامها
أولست وابلها إذا سحب الحيا * ضنت فبعدك من يبل اوامها
لامت اميم تفجعي أو ما درت * ان لا أعي تعنيفها وملامها
أوليس حامي الجار قوض ظاعنا * بنجائب ملك الحمام زمامها
كنا نؤمله منار هداية * يجلي إذا دهت الخطوب عظامها
لكنها الاقدار وهي غوالب * تجري على ما تشتهي أيامها
يا ظاعنا تخذ المكارم والتقى * زادا واسعر في القلوب ضرامها
واختار في الفردوس أزهى روضة * بشرا به قد فتقت أكمامها
فهناك من تسنيمها ورحيقها * راح مصفقة فضضت ختامها
يا تربة حوت المكارم والتقى * يا ليت احشائي تقوم مقامها
اضريحه ولانت أكرم بقعة * بك أغمدت عليا نزار حسامها
حياك منهل الحيا وبنو الورى * قصرت عليك صلاتها وسلامها
ان غاب كوكبه فذا بدر الهدى * باد به تجلو الأنام ظلامها
أعني الحسين وخير أبناء الورى * وسنادها وعمادها وعصامها
تيارها مغوارها ومنارها * وزعيمها وكريمها وامامها
من راض جامحة الفخار ولم تكن * تلقي لغير يد الحسين خطامها
الممطر السنة الجماد براحة * فضحت بدلاح النوال غمامها
وزعيم أكرم أسرة من هاشم * ضربت على هام الضراح خيامها
ساسوا الورى أكرم بهم من ساسة * كفلوا العلوم فاحكموا احكامها
علماءها حكماءها حلماءها * ادباءها كرماءها وكرامها
يهدي الأنام بهديهم وبعلمهم * عموا البلاد عراقها وشآمها
أبياتهم حرم أقام عمادها * لهم الذي سمك السما و أقامها
فهم هداة للأنام ومنهم * عرف الأنام حلالها وحرامها
كأبي محمد المشيد بنا العلا * ان ثل جانبها أقام دعامها
يجري بمضمار الفخار إلى العلا * طلقا وكم عزت على من رامها
(المحسن) الندب الهمام أخا الندى * ليث الشري غيث الورى مقدامها
كالليث في وثباته وثباته * في الروع يعدل يذبلا وشمامها
اراؤه كالشهب ما بزغت على * شبه دجت الا جلت اظلامها
علم كمتلطم العباب ومقول * ذرب وحلم يستخف اكامها
لا زلتم غوث الصريخ ونجعة * العافي وقطب رحى العلا وسنامها
وسقى ضريحا ضم جوهرة التقى * وعماد أبناء الورى وهمامها
وقال السيد محمد ابن السيد رضا آل فضل الله العاملي العيناثي يرثيه
ويعزي عنه عمه المذكور والمؤلف:
سكر الشباب وحرص الشيب والأمل * ضلت بنا عندها الغايات والسبل
كم مدلج سادر في فجها فمضى * تهوي به في المهاوي الاينق البزل
أو طالب منهلا يروي الغليل به * فآب ظمآن لم تبرد له غلل
وأوردته سرابا من مناهلها * فراح لا العل يرويه ولا النهل
يمضي على الغي مفتونا بزبرجها * عجلان أدنى سراه الوخد والرمل
ضلت مساعيك يا من راح يطلبها * الو السرى قبل ان يلوي بك الاجل
ولا يغرنك أقوام لها درجوا * على الضلال فان القوم ما عقلوا

262
ساروا على جهلهم اثر الهوى عنقا * في مهمة جف منه الري والبلل
فامهد لنفسك ما دام الحراك بها * من قبل ان تقبض الابصار والمقل
تلك القرون المواضي قبلنا درجت * على المنون وفيها يضرب المثل
فاضرب بطرفك في الدنيا وغابرها * تخبرك عن ساكنيها الأعصر الأول
جار الزمان عليهم فاغتدوا رمما * وكلهم من حياض الموت قد نهلوا
آثارهم درستها السافيات فما * فيها لهم علم باق ولا طلل
تهافتوا من ذرى اعلام عزهم * قسرا ولم تحمهم بيض ولا اسل
نجب الليالي جرت فيهم بحلبتها * يحدو بها في السرى الاشراق والطفل
طورا ذميلا وطورا سيرهم عنقا * حتى إذا بلغوا غاياتهم نزلوا
من بعدهم يأمل البقيا بدار فنا * هيهات ضل بما حاولته الأمل
انا ونحن ظلال من حقائقنا * والظل ان قابلته الشمس ينتقل
أو كالخيال بدار الوهم مسرحه * يمتد سانحه ما الوهم متصل
أو سانح الطيف يبقى ما استمر على * رقاده في الدياجي الراقد الثمل
ما اسرع الموت ان تبدو طلائعه * على النفوس وعنها ضلت الحيل
هذا الجواد وقد كنا نؤمله * ظلا على حين لا فئ ولا ظلل
ناداه داعي القضا فانصاع ممتثلا * وكل حي لداعي الموت ممتثل
مستحكم الرأي ما في رأيه خطل * وصادق القول ما في نطقه زلل
كشاف داجية عن كل معضلة * عن العلى وظلام الشك منسدل
مصمم العزم لم تحلل له عقد * وقاصد السعي لا وان ولا عجل
انف حمي على الأيام لا ضرع * بالمجد مؤتزر بالفضل مشتمل
ما شنفت سمعه السؤال يوم ندى * الا وأعطاهم فوق الذي سألوا
ويح النوائب ما هذا الذي صنعت * راحاتها لا عدا راحاتها الشلل
خطب أطل على الدنيا بقارعة * للحشر في مسمع الدنيا لها زجل
ويل أمها نكبة في الدهر طارقة * جلى على مثلها لا تبرك الإبل
يا ابن الأكارم مذ قوضت مرتحلا * فالهم ثاو وصفو العيش مرتحل
لا ساخطا للقضا أبكي ولا جزع * من المصاب ولا من وقعه وجل
لكن قلبي أذابته حرارته * وجدا عليك فراح الدمع ينهمل
ما كنت أحسب ان ألقاك منعفرا * لم يبق فيك لراجي حاجة امل
ما كنت أحسب ان ألقاك في ملأ * من الرجال على الأعناق تحتمل
قد كنت للدهر حلي الجيد من عطل * لما تخليت عنه جيده عطل
أبا محمد لا اودى بك الوجل * ولا غدا لعلا في ثكلك الثكل
ان يعجم الدهر عودا منك عن حنق * فالرمح ينآد حينا ثم يعتدل
عهدي بعزمك والاقدار نافذة * امضى من العضب ما في حده فلل
عهدي بحلمك والأحلام طائشة * عند الهزاهز طود راسخ جبل
قد ينكب الليث ذو الأشبال آونة * من الليالي وفيها يسلم الوعل
والكسف للشمس من دون النجوم وما * أربى على قدرها المريخ أو زحل
لئن دهاك مصاب لا يقوم به * صبر وكل مصاب عنده جلل
فقد رأيناك فرد الناس واحدها * عند الهزاهز لا نكس ولا وكل
إذا رأتك العلا هزت معاطفها * واعتادها طرب في طيه جذل
هذي مساعيك في العلياء قد بزغت * شمسا لها في ذرى آفاقها شعل
يسابق القول منك الفعل والعمل * طبعا وحظ سواك القول لا العمل
لم نلف بين الورى للمجد مأثرة * الا وبرجك في آفاقها الحمل
تجلل المرمل الضاحي بمجهلة * امنا إذا جد فيه الكرب والوهل
وتستحل دماء البدن في حرم * يوم النوال إذا ما استاسد البخل
ان جاذبتك الليالي السود منصلتا * عضبا تدق به الخرصانة الذبل
ها ان (محسن) أهل الفضل سيدها * وأكمل الناس فيه يرتق الخلل
فيه السلو إذا ما رمت تسلية * وان تفاقم ذاك الحادث الجلل
فصل القضايا إلى لألاء فكرته * ان أشكلت في الورى واستنوق الجمل
ما لف بردته الا على كرم * وهمة بمناط النجم تتصل
حلم عريض الحواشي ليس يهتكه * ذنب المسئ إذا اودى به الزلل
يزداد ذنبا على ذنب فيوسعه * عفوا على سيئات الدهر ينسدل
طول المقام دعاني ان اقصر في * ندب به يحمد التفصيل والجمل
ولا عدا من سحاب العفو غيث حيا * قبرا به قد أقام العلم والعمل
وقال السيد أمين ابن السيد علي أحمد الحسيني العاملي يرثيه ويعزي
عنه عمه المذكور والفاضل السيد عبد الهادي ابن السيد كاظم العاملي
والمؤلف:
تضعضع ركن المجد واندك جانبه * غداة عليك المجد عجت نوادبه
وصوح روض العز والفخر والندى * وسدت على راجي النوال مذاهبه
فلا العيش يحلو طعمه بعد هذه * ولا هو طول الدهر تصفو مشاربه
رحلت نقي الثوب من كل وصمة * وخلفت ربع العلم قفرا جوانبه
لأنت الردى القتال والسم للعدى * فلم منك يدمى نابه ومخالبه
لقد قل ان أبكيك بالدمع جاريا * ولكن دما يجري من القلب ساكبه
ايا طالب المعروف غرب نجمه * واظلم من أفق الإضاءة ثاقبه
عجبت لدهر لا تزال صروفه * تدور على أبنائه ومصائبه
مضى القائل الفعال ما زال صادقا * بمقوله إذ أصدق القول كاذبه
جواد له الغايات في كل مطلب * سبوق إذا أعيا عن السبق طالبه
مضى عاطر الاردان طيبا ولم تمت * مآثره عمر المدى ومناقبه
فأي قنا للدين حطمه الفنا * وعضب صقيل الحد فلت مضاربه
وبدر أضاء الأفق والليل دامس * فأشرق حتى نظم الجزع ثاقبه
وكنا نرجيه عمادا ومنعة * وذخرا إذا ما الدهر نابت نوائبه
عجبت لقبر ضم جودك والندى * وقد ضاق منه السهل وانسد جانبه
لقد غيبوا تحت الثرى منك صارما * وبحر ندى يستعذب الورد شاربه
لمن يلتجي المكروب ان لم يجد حمى * سواك وقد ضاقت عليه مذاهبه
لئن غاب عن أفق العلا نجم سعده * فقد أصبحت بالبدر تزهو جوانبه
فهذا (حسين) للعلا خير كافل * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه
همام اليه الدهر القى زمامه * وفي بابه المعروف حطت ركائبه
فصبرا زعيم الخلق فالصبر بلغة * ومن يدرع بالصبر تحمد عواقبه
فغيرك مغلوب على حسن صبره * ولا خطب الا أنت بالصبر غالبه
فأنت ثمال المجتدين ومن به * يرد جماح الخطب ان ناب نائبه
وأنت الذي لم يملك الحلم غيره * ولا كذبته في الزمان تجاربه
رزيت بذي مجد عديم نظيره * فعمت جميع العالمين مصائبه
لئن غاب عنا شخصه ان ذكره * تسيره في كل قطر ركائبه
فكم فيكم من (محسن) شاد في سما * المعالي مقاما لم تنله كواكبه
محا ظلمات الجهل مصباح علمه * ومدت على هام السماك مضاربه
أخو ثقة ما نام عن طلب العلا * ولا هو ممن لان للذل جانبه
وهاد به تجلى الغياهب ان دجت * فهمته كسب العلا ومآربه
تعزوا بني العز الكرام لقادح * تناهبت الصبر الجميل مصائبه
لقد طبتم أصلا فطابت فروعكم * فأنتم من الأصل الزكي اطائبه

263
أصبتم (فمفتاح الكرامة) والهدى * كنوزا بها قد أدرك الرشد طالبه
بقيتم مدى الأيام كهفا وملجأ * يزاح بكم داجي الردى وغياهبه
فدوموا بعز ما تغنت حمامة * ولا طرقتكم بعد هذي نوائبه
ولا زال هطال من الغيث ساجما * تسح على رمس الجواد سحائبه
وقال الشيخ محمد حسين ابن الشيخ محسن آل شمس الدين العاملي
يرثيه ويعزي عنه عمه المذكور والسيد محمد والسيد علي أبناء عمنا السيد
محمود والمؤلف:
جب للمجد غاربا وسناما * فادح أوسع القلوب احتداما
روعة للحمام غادرت الناس * حيارى كمن أصاب الحماما
نبأ اشغل العيون بكاء * من دواهيه و القلوب اضطراما
اي رزء أذكى واقذى قلوبا * وعيونا تزفرا وانسجاما
ان يوما به أصيب جواد * المجد بالروع روع الأياما
مفردا بالعراق طبق رعبا * يوم اودى عراقها والشآما
غاله غائل الردى وغجيب * كيف القى صعب القياد الزماما
يا عظيم المصاب خطبك بعد * اليوم قد هون الخطوب العظاما
غالك الخسف بعد ما رحت تزهو * في سماء الكمال بدرا تماما
مذ اتى ما اتى بفقدك راحت * من جوى راحتي لقلبي التزاما
كنت روح الكمال انسان عين * المجد بحر الندى ثمال اليتامى
بالجواد الجواد أثكلنا الدهر * إلى ما تبقى النفوس إلى ما
ما نرى العيش يعده غير سؤر * غادرته أفعى الخطوب سماها
قل لريب المنون دونك فاقصد * من تشأ لم تزد بنا الآلاما
ما نبالي بعد الجواد لرزء * لا ولا نختشي الخطوب إذا ما
يا هلالا طوته أيدي الليالي * وعلينا أسى نشرن الظلاما
بك كان الزمان يشرق بشرا * والمعالي تفتر عنك ابتساما
كم قلوب أشجت نواك وقبلا * كنت بردت بالنوال الأواما
كيف يا طود هاشم لك يرقى * فادح والخطوب عنك تحامى
ما درى يا قريعها بك ان لو * شئت انقضت للردى الابراما
أوما راعه خطير مقام * لك يثني اقدامه احجاما
ليت شعري فاجا علاك اغتيالا * أم خداعا حتى أصاب المراما
أم اتى سائلا فجدت بأسنا * ما تراه لمثله انعاما
ومعاليك لو أرادك قسرا * أو ترءى يبغي علاك اختراما
لا راعته مقدما ان تراه * رعدة منك تزلق الأقداما
قل لأبناء هاشم والمعالي * آن ان تخمشي الوجوه الوساما
ان يكن فقده اهاض قلوبا * واحتسينا نواه داء عقاما
فلنا خلفه شموس كمال * بسناها أضاءت الأياما
قد لجأنا من حادثات الليالي * للحسين السامي علا ومقاما
المقيل العثار من كل خطب * والمقيم الفخار حيث أقاما
ما وهى جانب العلا وبماضي * عزمه المنتضي أقام الدعاما
وبعليا محمد وعلي * أصبح الكون ثغره بساما
علما مفخر وبدرا كمال * بهما الله أيد الاسلاما
فلكل آيات فضل إذا ما * بعضها عد يعجز الأقلاما
بلغا غاية الكمال وكل * في معاليه جاوز الأوهاما
من ترى منهما ترى طود حلم * مستخفا أطوادها أحلاما
يقتفي شرعة النبي مبينا * للبرايا حلالها والحراما
مستنابا عن صاحب الأمر * بالأمر ومنه يبلغ الأحكاما
صادعا يقتفي المحجة يرعى * الدين منه بمقلة لن تناما
ينحت الحكم بالدليل يقينا * فيزيل الشكوك والابهاما
وكذا (محسن) الفعال ترقى * في المعالي حتى تدري السناما
من يجاريه في المفاخر شأوا * وهو قد أحرز المعالي غلاما
يا بني هاشم واي فخار * ما سبقتم بكسبه الأقواما
لكم المجد حادثا وقديما * فتراثا أحرزتم واغتناما
أنتم سلوة الورى عن فقيد * سار لكن على النعيم أقاما
أنتم قدوة الأنام وملجأ الناس * حيث الردى أراش السهاما
عرفتكم قلوبها ولهذا * اكبرتكم نفوسها اعظاما
أنتم مفزع الورى وظلال الأمن * رحتم لنا هدى واعتصاما
جمع الله فيكم كل فضل * فغدوتم للناس كلا اماما
وحدا عارض السحاب لقبر * حل فيه شخص الجواد النعامى
فكساه من الرياض برودا * تزدهي جدة به أعواما
وقال السيد عباس الموسوي العاملي يرثيه ويعزي عنه عمه المذكور
والسيد محمد والسيد علي ابني عمنا السيد محمود والمؤلف:
أيعلم الدهر ما ذا صرفه اجترما * بما جناه ومن ذا بالردى اخترما
غداة جاء بها دهياء داهية * لم يلق في مثلها عادا ولا ارما
جلت فجللت الدنيا بداجية * سدت فضاء الفضا ظلماؤها ظلما
عمت بني الدهر حزنا حيث خص بها * من غالب أسرة أوفى الورى ذمما
فكم طوت مهجة بالوجد مذ نشرت * للحزن في الكون ما بين الورى علما
وأنطقت أعينا بالدمع منسكبا * وأخرست بالجوى من ذا الأنام فما
خطب أراش سهاما بالعراق فلم * يخطئ حشى عامل مرماه حين رمى
أدمى قلوب الورى حزنا واعينها * بالوجد مضطرما والدمع منسجما
فلن ترى في الورى الا اخاشجن * يدمي الجوى قلبه أو مطرقا وجما
أو ممسكا مهجة طار الزفير بها * أو مرسلا مدمعا من مقلتيه همى
يوم الجواد ملأت الأرض من أسف * حزنا واحشاء أبناء الورى ضرما
فتى أفاضت له عين الأنام دما * كما أفاض لها سحب الندى ديما
ان واصلت سهدها فيه فلا عجب * أو قاطعت نومها فيه فلا جرما
فإنها فقدت منه قريع وغى * وصارما للأعادي باترا خذما
أعصمة الخائف الملهوف بعدك من * يكون امنا لذي خوف ومعتصما
ويا حمام العدى كيف الحمام رقى * لمجد علياك مرقى منه ما استنما
عهدي بعزمك يخشى الحتف سطوته * فكيف قدم يمشي نحوه القدما
لكنه جاء يستجديك مختدعا * فجدت بالنفس مرتاحا بها كرما
لقد رزئناك دفاع الخطوب إذا * ما أصبحت تلد الروعات والغمما
وقد فقدناك تردي في وغى وندى * عن الورى القاتلين الخوف والعدما
ومذ رحلت عن الدنيا أقمت بها * مآتما لك تشجي العرب والعجما
فالجود يبسط غرب الدمع منهمرا * والمجد يقبض أحناء الحشى الما
انا عرفناك يا ابن الأكرمين ثنا * وان جهلناك مرأى في الورى عظما
وكيف يخفى بهاء الشمس طالعة * وان بدا دونها يوما غمام سما
ان غال منك الردى في الترب بدر هدى * فطالما نوره قد شعشع الظلما
أو لف نشر ثناء من علاك فكم * أشم منه أنوفا تزدهي شمما
أو أضحكت فيك أقواما شماتتهم * فطالما عبسوا مذ كنت مبتسما
ان يغرسوا الحقد حينا في صدورهم * فعن قليل تراه أثمر الندما

264
هذا الحسين جلاه الله عضب علا * عليهم ما نبا غربا ولا انثلما
أضحى به شمل من ناواه منفصما * وقد غدا فيه شعب الدين ملتئما
ذو سطوة لا يزد الدهر عزمتها * لو عارضت بذبلا لانهال وانهدما
ومقول ذرب ان قال أو حكما * فلن ترى منه الا العدل والحكما
آراؤه ما رمى ليل الخطوب بها * الا رأيت بها صبح الهدى ابتسما
وصوب راحته ما راح منبجسا * الا واخجل صوب المزن منسجما
حسب المعالي به كهفا ومنتصرا * من الزمان إذا ما جار أو ظلما
وبالاغرين من فاقا علا وتقى * بني الزمان وفاتا بالنهى الأمما
محمد وعلي من غدا جذلا * ثغر المعالي ارتياحا باسما بهما
من قرطا مسمع الدنيا علا وثنا * وقلدا جيد أبناء الورى نعما
فمن ترى منهما يوما ترى علما * بما يكون وما قد كان قد علما
أو مترعا بالندى والفضل راحته * قد حازت الماضيين السيف والقلما
بني الأعاظم من عليا نزار ومن * تصاغرت لعلاهم في الورى العظما
لا زلتم للمعالي شمس دارتها * وللورى ساسة بل سادة حكما
لئن أساء الردى فيكم فان لكم * في (محسن) سلوة تستأصل الألما
من أرضعته المعالي درهما وعلى * حب المكارم والعلياء قد فطما
فذ به جمعت شتى المفاخر عن * آبائه وبه شمل الهدى انتظما
وفيه قد شمخت انفا عشيرته * على الورى وبه انف العدى رغما
أوفى على كل أبناء الورى وسما * مذ بالهدى بين أبناء الورى وسما
جاد الضريح الذي ضم الجواد من * الرضوان مغدودق بالرحمة انسجما
ولست مستمطرا فيض الغمام لمن * قد كان فيض نداه يخجل الديما
وقال ابن عمنا السيد حسين ابن السيد محمد حسين احمد يرثيه:
عهدناك للخطب الملم مفرجا * وللاجئ العافي ملاذا ومرتجى
فلم طرقت مغناك حادثة الردى * وقد كان من وقع الحوادث ملتجأ
أمرهب قلب الموت كيف لك ارتقى * ولو جاء في زي المنازل ما نجا
ولكنه جاء في زي سائل * فأعطيته روح المكارم والرجا
اصات بك الناعي فأوقر مسمعي * ولا مسمع الا من الوقر ارتجا
له الويل من ناع ألم يدر انه * نعى المجد والمعروف والحلم والحجى
لقد فت في قلبي مصابك وانطوت * ضلوعي على جمر من الوجد اججا
وهذي عيوني قد جرت بنجيعها * فخدي امسى من دموعي مضرجا
عزيز على العلياء فقد عميدها * فأصبح في لحد من الأرض مضرجا
لقد فقدت فيه نزار لسانها * إذا اللسن المنطيق يوما تلجلجا
لقد فقدت في فقده بدر عزها * إذا ما دجا النادي سناه تبلجا
ورتب شكلا في القلوب مصابه * فليس لغير الوجد والدمع منتجا
وعم بني الأيام فادح رزئه * وخص فؤادي باللواعج والشجى
فكم كبد حرى غدت يوم بينه * وكان لها في بره الدهر مثلجا
ربيع اليتامى صوح اليوم نبته * وري الظمايا فوقه اللبن أشرجا
فيه طالبا للجود والرفد بعده * رويدك باب الجود والرفد ارتجا
مضى مرهب الآساد في اجماتها * ووهاب آلاف إذا العام أحوجا
أهادي سراة البيد في نور وجهه * إذا الركب في جنح من الليل ادلجا
فبعدك لا هاد ولا طالب سرى * وقد كنت للسارين قصدا ومنهجا
فألقوا عصا الترحال بعدك ما رأوا * لحاجاتهم من بعد علياك مرتجى
عميد نزار كيف فاجاك الردى * ورام إلى غيل الضياغم مدرجا
ولم تحمك البيض الصوارم والقنا * ولا أسهم الآراء عن هضب الحجا
فلو كنت تفدي بالنفوس لأرخصت * وخضنا من الأهوال دونك ما دجا
ولكنما الأقدار نافذة القضا * فما أحد من نبل أسهمها نجا
مضيت جواد المكرمات مطهرا * نقي الردا للخلد رحت معرجا
دعاك رؤوف راحم فأجبته * مطيعا فأعطاك المؤمل والرجا
وأبقيت ذكرا فاح في الدهر نشره * فما سنحت ذكراك الا تأرجا
فيا راكبا يطوي الفلاة بجسرة * عذافرة اودى باخفافها الوجى
إذا أعرقت ليلا فقد اشأمت ضحى * كان لها من مخرج السهم مخرجا
رويدك عرج نحو (عامل) واتخذ * ربوع بني العلياء فيها معرجا
ربوع متى تنزل بساحاتها تجد * لهمك من دون البلاد مفرجا
وقل لبني عمرو العلا لكم البقا * فصبرا فان الصبر للأجر انتجا
لئن غاب منكم بدر مجد ففيكم * بدور هدى أنوارها تصدع الدجى
بنور أبي عبد الحسين هداكم * سنا فضله في الخافقين تبلجا
منار هدى عم البرية هديه * بتاج العلا والفخر امسى متوجا
ونار القرى للوافدين لسانها * ينادي بأوج الأفق حي على الرجا
فضائله مثل النجوم زواهر * ومنهجه للحق أصبح منهجا
فلوذوا به كهفا غدا مرجع الورى * به يدفع الخطب الملم إذ دجا
عميد الورى لا تجزعن لمصيبة * وجودك امسى للمصاب مفرجا
ففيك وفي الندب الحسين تصبر * فدوما مدى الأيام للخلق ملتجى
ولا زال هطال من العفو والرضا * يجود على قبر به الجود والحجى
ورثاه أيضا السيد احمد ابن السيد محسن قنديل العاملي بقصيدة
ذكرت في ترجمته.
وقال المؤلف يرثيه بهذه القصيدة:
هل بعد يومك للتصبر موضع * أم مربع اللذات بعدك مربع
القلب في نار الفراق معذب * والعين دامية المآقي تدمع
والأرض موحشة الجوانب كلها * من بعد فقدك فهي قفر بلقع
والليل بالهم المنكد ينقضي * عني ووجه الصبح اسود اسفع
أبكيك للنوب العظام إذا دهت * يوما وذل لها الشجاع الأروع
مزقت داجيها بصارم عزمة * وبهمة كالنجم بل هي ارفع
أبكيك للنادي إذا أزحمت به الصيد * الغطارف والنواظر خشع
هدرت بجانبتيه منك شقاشق * يعيا بموقعها الخطيب المصقع
أبكيك محمود النقيبة لم يكن * بين الأنام لعائب بك مطمع
أبكيك للآمال بعدك خيبت * ولكم غدت وغليلها بك منقع
أبكيك للخصم الألد ترده * بمشعشع البرهان منك فيرجع
أبكيك للمجد الرفيع تركته * من بعد فقدك باكيا يتفجع
أبكيك للمعروف أصبح ضائعا * ولطالب المعروف بعدك أضيع
أبكيك للبيت الرفيع عماده * قد رحت عنه فركنه متضعضع
أبكيك للأضياف تلتمس القرى * حطت لديك رحالها والأنسع
أبكيك للصحب الكرام تركتها * حزنا عليك قلوبها تتقطع
أعزز علي بان أراك موسدا * بين الجنادل للبلى تستودع
أعزز علي بان أراك بحالة * تدعى وانك حاضر لا تسمع
أعزز علي بان أراك بمنزل * نائي المزار نزيله لا يرجع
أعزز علي بان تقودك للبلى * كف المنون وأنت سهل طيع
أعزز علي بان أراك مسيرا * فوق الرقاب إلى القبور تشيع

265
فلأبكينك ما تخطاني الردى * بدم إذا نفدت عليك الأدمع
عجبا لقبرك كيف ضم ضريحه * جبلا يضيق به الفضاء الأوسع
خلفت ربع العلم بعدك موحشا * ينعى وفي الجنات ربعك ممرع
ان يدفنوك فان ذكرك لم يزل * بين البرية نشره يتضوع
أيلين لي من بعد فقدك مضجع * انى وفي بطن الثرى لك مضجع
العين عين بعد فقدك قد غدت * والله يعلم ما تجن الأضلع
أين اللسان العضب شهد لفظه * وعلى الأعادي منه سم منقع
والراحة البيضاء تهطل بالندى * حينا وحينا بالمنية تهمع
هجعت بفقدك أعين سهدتها * وتسهدت أخرى فليست تهجع
لا يشمت الأعداء موتك فالردى * كأس بها كل البرية تكرع
وليرق دمع المجد ان بناءه * سامي الدعائم بالحسين ممنع
مولى عليه من الآله مهابة * أمست لها الأعناق طرا تخضع
جبل تزل العصم عن جنباته * والطير دون مدى ذراه وقع
أخلاقه زهر الربيع وعزمه * ماضي الشبا كالسيف بل هو اقطع
وله مآثر كالنجوم زواهر * أنوارها لماعة تتشعشع
وأنامل يحيي البلاد نوالها * تهمي إذا بخل السحاب وتهمع
والجود طبع فيه ليس بزائل * عمر الزمان وفي سواه تطبع
من معشر خير الأصول أصولهم * وهم على تلك الأصول تفرعوا
فالمصطفى جد وفاطم أمهم * وأبوهم البطل البطين الأنزع
نسب أغر كأنما شمس الضحى * من جانبيه على البرية تطلع
نهنه فديتك عن أعز حشاشة * لصدوعها قلب الكمال مصدع
وابغ الثواب بما أصابك واحتسب * فالله نعم المرتجى والمزع
لا تحزنن على الجواد فإنه * جذلان في جنات عدن يرتع
للحور معتنق وللولدان * مخدوم وبالنعم الجسام ممتع
حيا الحيا رمسا تضمن جسمه * رمس به جسم المكارم مودع
السيد جواد ابن السيد حسين ابن السيد حيدر ابن السيد مرتضى بن محمد
ابن حيدر بن محمد بن مرتضى بن حيدر بن علي بن حيدر بن محمد بن
يوسف بن محمد بن قاسم الحسيني العاملي العيثاوي ينتهي نسبه الشريف إلى
زيد الشهيد ابن الإمام علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام
ولد سنة 1266 في قرية عيثا الزط الواقعة جنوبي تبنين على مقربة
منها وتوفي 2 أو 4 جمادي الأولى سنة 1341 في القرية المذكورة ودفن فيها.
كان عالما فاضلا تقيا نقيا حسن الأخلاق طيب النفس سليم الصدر
شاعرا أديبا. تعلم القرآن الكريم والكتابة على والده بعدما بلغ السبع ثم
تعلم النحو والصرف على الشيخ موسى ابن الشيخ حسن مروة في قرية
حداثا ثم انتقل إلى شقرا فقرأ على عمنا السيد عبد الله في العلوم العربية ثم
إلى مجدل سلم فأكمل بها العلوم العربية وبعض المنطق على الشيخ مهدي
شمس الدين ثم هاجر مع أخيه السيد حيدر إلى النجف الأشرف لطلب
العلم حوالي سنة 1288. وهذا يعطينا صورة صادقة عما كان عليه أهل
جبل عامل في تلك الأعصار من الاهتمام بالدين والعلم والمثابرة على تعليم
أولادهم العلوم الدينية وتحملهم المشاق في ذلك فيعلمونهم القرآن الكريم
والكتابة بأنفسهم بصورة شاقة وطريقة صعبة ثم يرسلونهم إلى بلاد الغربة
في بلادهم مع عدم السعة وعدم توفر أسباب المعيشة ثم إلى بلد الغربة في
البلاد النائية مع صعوبة المواصلات ويصبرون على فراقهم عشرات السنين
فبقي في النجف مع أخيه نحو تسع سنين يقرأ فيها على علمائها يفيد
ويستفيد ثم عاد إلى جبل عامل وبقي اخوه في النجف وذلك حوالي سنة
1297 فاجتمع عنده عدد وافر من الطلبة على العادة المألوفة في تلك
الأعصار من كثرة طلاب العلوم الدينية واجتماعهم عند كل عالم يحضر من
العراق فيجتمع اليه طلاب القرى القريبة منه فأقام في قرية عيثا الزط نحو
أربع سنين وقرأت عليه النحو في أوائل طلبي للعلم وسني يومئذ 13 سنة
فقرأت عليه شرح القطر لابن هشام وشرح ألفية ابن مالك لولده بدر الدين
والمغني إلى مبحث أم إلى قول الشاعر:
انى جزوا عامرا سوءا بفعلهم * أم كيف يجزونني السوءى من الحسن
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به * رئمان انف إذا ما ضن باللبن
ثم عاد إلى العراق حوالي سنة 1301 فأقام في النجف الأشرف نحو
9 سنين وقرأ على علمائها كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه
نجف التبريزي النجفي ولما هاجرنا إلى النجف الأشرف سنة 1308 كان
هناك ثم عاد إلى جبل عامل سنة 1310 ونحن بالنجف وأقام في وطنه في
المدرسة الحيدرية التي كان أنشأها اخوه السيد حيدر المتوفي سنة 1336 ثم
سكن مدينة بعلبك بطلب من أهلها نحو 20 سنة وصار له عندهم قبول بما
طبع عليه من مكارم الأخلاق وسلامة الصدر ودرس بها واستفاد من علمه
جماعة استفاد منهم الناس واستفادت العامة من مواعظه وتعليمه وبني بمسعاه
جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم عاد إلى جبل عامل وبعد خروجه بمدة
نشبت الحرب العامة الأولى بالتاريخ المتقدم ودفن إلى جنب أخيه رحمهما الله
تعالى. وكان كثيرا ما ينشد في حث الطلاب على الجد والاجتهاد قول
الشاعر:
تهوى ليلى وتنام الليل * لعمرك ذا طلب سمج
وقول الآخر:
بقدر الجد تكتسب المعالي * ومن طلب العلى سهر الليالي
ومن طلب العلوم بغير كد * فقد طلب المحال من المحال
وانشد مرة في بعلبك لبعض المناسبات قول الشريف الرضي:
يا اخوة جربتهم فوجدتهم * من اخوة الأيام لا من اخوتي
لو كنت اعلم أن آخر عهدكم * ملل وان حديثكم لم يثبت
ما كنت ضيعت الوداد لديكم * وزرعته في موضع لم ينبت
يا ضيعة الأمل الذي وجهته * طمعا إلى الأقوام بل يا ضيعتي
مؤلفاته
له من المؤلفات: (1) كتاب مفتاح الجنات في الحث على الصلوات
صغير الحجم مطبوع نافع (2) كتاب شمس النهار في الرد على المنار
(3) رسالة في جواز الجمع في الفرائض بدون سفر ولا مطر (4) رسالة في
الأخلاق.
أشعاره
من شعره قوله مفتخرا.
خطبت المعالي وهي بكر فنلتها * وما كل من رام المعالي ينالها
خلوت بها والناس في رقدة الكرى * هجود ولم يطرق إليهم خيالها
فكنت لها بعلا وكانت حليلة * ولا يخطب الحسناء الا رجالها

266
تعشقتها طفلا صغيرا فقادني * إليها الهوى لما بدا لي جمالها
وله في الغزل:
أهاجك بالحمى الحان ورق * ترجع في جوانبه الحنينا
أم البرق اللموع بذي طلوح * بدا فأهاج شجو العاشقينا
أم العيس الطلائح في الموامي * تجوب السهل منها والحزونا
تقل متونها اقمار حسن * لها قرن الهلال غدا جبينا
تخال العيس تسبح في سراب * وقد جد المسير بها سفينا
وله في الغزل أيضا:
قلبي عشية قوض الركب * طورا يقوم وتارة يكبو
ماذا تحمل يوم بينهم * الله ماذا يحمل القلب
فبمهجتي يوم النوى كمد * ولأدمعي يوم النوى سكب
وقوله على طريق الموشح:
طرقت زائرة ذات الوشاح * وبها نم نسيم السحر
خرقت لما بدت ثوب الدجى * بمحيا قد بدا منبلجا
وعليها فاحم الشعر سجا * وهما جندان ليل وصباح
صبح وجه تحت ليل الشعر
عبثت في عطفها كف الدلال * مثل غصن هزه الريح فمال
طالما قد عللتني بالوصال * وكلام الليل يمحوه الصباح
لم أثق منها بصدق الخبر
برزت ترفل في وشي العراق * وعليها عقد الحسن نطاق
ان ورد الخد قد رق وراق * ما على القاطف منه جناح
لا ولا يخشى غدا من سقر
جردت من خلل الطرف الكحيل * صارما في حده قلبي قتيل
اي وذات الخال في الخد الأسيل * انا لا انفك بالخود الرداح
مغرما أو يتقضى وطري
أيها الراكب في الليل البهيم * ظهر بزلاء ونى عنها النسيم
يقطع البيد بوخد ورسيم * عج إذا ما شمت برق الغور لاح
وبدت اعلامه للنظر
اجتلي الأوجه من بيض الدمى * وعن الكاس أفض الأنجما
معهدكم رحت فيه مغرما * خمرة ان نشرت في الكاس فاح
نشرها يزري بريح العنبر
قد تقاعست على داعي الغرام * ونهيت النفس عن فرط الهيام
أو بعد الشيب تصبيني الخيام * أم ترى تصبيني الغيد الملاح
أم حنين الرقصات الضمر
طالما سودت صحفي بالغزل * ومزجت الجد مني بالهزل
وسأتلو من أحاديثي جمل * واهني ما جدا بحر السماح
ذا يد تهمي كصوب المطر
وله على طريق الموشح أيضا:
حبذا مسراك يا ريح الصبا * جئت من نحو الكثيب الأيمن
معهد أصبو اليه كلما * عن لي برق بأكناف الحمى
وإذا الطير بلحن رنما * هزني الشوق اليه طربا
آه لو أن الحمى قد ضمني
جاده الوسمي من صوب الغمام * فاكتسى نسج اقاح وبشام
لي فيه ريم سرب لا يرام * كلما طالبته الوصل أبى
قلت ما ضرك لو واصلتني
بأبي أفديه من ظبي اغن * بعده اذهب عن عيني الوسن
هام قلبي بهواه وافتتن * وهفا شوقا اليه وصبا
وهو لم يحفل بما قد شفني
يستعير البدر من غرته * وسواد الليل من طرته
وبياض الصبح من طلعته * ناعس الطرف لقلبي عذبا
مذ رماني بسهام الأعين
قسما بالمبسم العذب اللمى * وبورد فوق خديك نما
وبنور من محياك سما * ما انطفى وجدي ولا شوقي خبا
يا غزال الرمل مذ فارقتني
ان من ذاق صبابات الهوى * لا يرى الا حليفا للنوى
بالغضى يوما ويوما باللوى * كلما أيقظه البرق صبا
لم يزل من دهره في شجن
وله:
بدر يدور البدر اني ادارا * قد اكتسى من نوره أنوارا
حملني في حبه أوزارا * قد أثقلت بين البرايا ظهري
قد كان عني شاحط المزار * في مربع ناء عن الزوار
واليوم قد حل بقرب داري * وافى فوافت نسمات البشر
جاد بعيد الهجر بالوصال * به تميل نشوة الدلال
وخده يجرح بالخيال * ان مر يوما في مجال الفكر
مهفهف منعم الاعطاف * ململم منمنم الأطراف
حلو المعاني كامل الأوصاف * منزه عن كل عيب يزري
قد نلت منه أطيب العناق * من بعد ما روعت بالفراق
تضمنا معاهد التلاقي * ليلتنا إلى طلوع الفجر
تميلني ولست بالنشوان * من طرب غرائب الألحان
كأنما شربت من دنان * فها انا في غمر من سكري
وله في الغزل أيضا:
أسناك منبلج أم البدر * وشذاك منتشر أم العطر
أخلاقك الصهباء صافية * ما شأنها بأنائها عصر
السحر عنها بابل اخذت * أم جاءها من بابل السحر
هل أنت غصن البان منعطفا * أم أنجبتك الذبل السمر
أم أنت من ريم الفلا رشأ * قد راعه من سربه الذعر
كسر بطرفك ما رميت به * الا وحل بقلبي الكسر
صيرته لنبا له غرضا * أفهل لطرفك عنده وتر
يا راكب الوجناء حملها * عزما يضيق ببثه القفر
كوماء تسبح في السراب وقد * لاح السراب كأنه بحر

267
عرج بذات الخال منتشقا * منها الشذا ان شاقك النشر
وانشد هنالك مهجة فصلت * عن جسمها قد مسها الضر
بجداول فيح مهابطها * وخمائل ارجاؤها خضر
وله يرثي الحسين (ع):
حتام من سكر الهوى * ابدا فؤادك غير صاحي
فني الزمان ولا أرى * لقديم غيك من براح
يمم قلوصك للسرى * واشدد ركابك للرواح
ما الدهر الا ليلة * ولسوف تسفر عن صباح
قم واغتنمها فرصة * كادت تطير بلا جناح
مت قبل موتك حسرة * فعساك تظفر بالنجاح
أو ما سمعت بحادث * ملأ العوالم بالنياح
حيث الحسين بكربلا * بين الأسنة والرماح
يغشى الوغى بفوارس * شوس تهيج لدى الكفاح
متقلدين عزائما * امضى من البيض الصفاح
وصل المنية عندهم * أحلى من الخود الرداح
يتدافعون إلى الوغى * فكأنهم سيل البطاح
هتفت منيتهم بهم * فتقدموا نحو الصياح
وثووا على وجه الصعيد * كأنهم جزر الأضاحي
قد غسلوا بدم الطلا * بدلا عن الماء القراح
أمست جسومهم لقى * ورؤوسهم فوق الرماح
لا تنشئي يا سحب * غيثا ترتوي منه النواحي
فلقد قضى سبط النبي * بكربلا صديان ضاحي
ادمى المدامع رزؤه * ورمى الأضالع بالبراح
فلتلطم الأقوام حزنا * حر أوجهها براح
ولتدرع حلل الأسى * ابدا ولا تصغي للاحي
ساموه اما الموت تحت * البيض أو خفض الجناح
عدمت أمية رشدها * وتنكبت نهج الفلاح
فمتى درت ان الحسين * تقوده سلس الجماح
وقال يرثي الحسين (ع) أيضا:
أيدري الدهر اي دم أصابا * واي فؤاد مولهة أذابا
فهلا قطعت أيدي الأعادي * فكم أردت لفاطمة شبابا
وكم خدر لفاطمة مصون * اباحته وكم هتكت حجابا
وكم رزء تهون له الرزايا * ألم فالبس الدنيا مصابا
وهيج في الحشى مكنون وجد * له العبرات تنسكب انسكابا
وأرسل من اكف البغي سهما * أصاب من الهداية ما أصابا
أصاب حشى البتول فلهف نفسي * لظام يذق يوما شرابا
قضى فالشمس كاسفة عليه * وبدر التم في مثواه غابا
وكم من موقف جم الرزايا * لو أن الطفل شاهده لشابا
به وقف الحسين ربيط جأش * وشوس الحرب تضطرب اضطرابا
يصول باسمر لدن سناه * كومض البرق يلتهب التهابا
وبارقة يلوح الموت منها * إذا ما هزها مطرت عذابا
وقال في أهل البيت عليهم السلام:
آل النبي محمد * سفن النجاة الجارية
سكن الذي والاهم * غرف الجنان العالية
وهو الذي عاداهم * وثوى بأقصى الهاوية
يسقى الرحيق وليهم * من ماء عين جاريه
وعدوهم يسقى الحميم * ويكتوي بالحاميه
وقال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي (ع) في دمشق سنة
1330:
حرم لزينب مشرق الاعلام * سام حباه الله بالاعظام
حرم عليه من الجلال مهابة * تدع الرؤوس مواضع الاقدام
في طيه سر الإله محجب * عن كل رائدة من الأوهام
بادي السنا كالبدر في أفق السما * متجليا يزهو بأرض الشام
فإذا حللت بذلك النادي فقم * لله مبتهلا بخير مقام
في روضة ضربت عليها قبة * كبرت عن التشبيه بالاعلام
يحوي من الدر الثمين جمانة * لماعة تعزى لخير امام
صنو النبي المصطفى ووصيه * وأبو الهداة القادة الاعلام
أسنى السلام عليه ما هبت صبا * وشدا على الأغصان ورق حمام
وعلى بنيه الغر اعلام الهدى * ما انهل قطر من متون غمام
وقال يرثي الشيخ محمد علي عز الدين المتوفى سنة 1300:
عثر الدهر عثرة لا تقال * خيف منها على الأنام الزوال
هد من جانب البسيطة ركن * فتداعت له الجبال الثقال
ومحا آية الهدى من سماء * فتسامى على الرشاد الضلال
وهوى من سما المعارف بدر * ليس يعزى اليه الا الكمال
وذوى من ربى المكارم روض * عندما جف غيثه الهطال
غاض من هذه العوالم بحر * مزبد والورى عليه عيال
فل من ساعد الشريعة عضب * مرهف الحد قد جلاه الصقال
المنيل العفاة في عام جدب * والمقيل العثار مهما استقالوا
قد دعاه الباري فلبى مجيبا * وحري بمثله الامتثال
نهضت في الأمور عنه بنوه * وعن الليث تخلف الأشبال
ذا علي تروى الأحاديث عنه * مسندات وللعلا املال
يا بنفسي أنتم حماة المعالي * زينة الدهر أنتم والجمال
كم مزايا مثل الدراري حويتم * ورقيتم من رتبة لا تنال
ولكم في الورى مآثر شتى * واياد محمودة وخصال
قل لمن رام عد تلك المزايا * رمت صعبا وهل تعد الرمال
يا منيل العافي وملجأ البرايا * فقدت بعد فقدك الآمال
ان يكن مجتلى فوجهك بدر * أو يكن مجتدى فمنك النوال
وسقى تربة حوتك سحاب * مستهل الحيا ودمعي المذال
وسرى في ثرى ضريحك روح * طاب عرفا وللنسيم اعتلال
وقال يمدح أحد امراء الفرس يوم مجيئه لبعلبك بعد عوده من الحج في
26 المحرم سنة 1326 من قصيدة:
تطوف حول حماك الناس قاطبة * كما تطوف ببيت الله والحجر
وأنت صنو مليك عز منصبه * وصين بالماضيين البيض والسمر
قدمت مكة تبغي الحج معتمرا * وأبت منها جميل الذكر والأثر
نعمت عينا بما أدركت محتسبا * زيارة المصطفى والسادة الغرر

268
آل النبي وأصحاب له كرموا * لم يتركوا في العلا فخرا لمفتخر
وقال يرثي المرحوم السيد كاظم ابن السيد أحمد الأمين ابن عم والد
المؤلف المتوفى سنة 1303:
ونازلة في الدين جل نزولها * يزعزع ريعان الجبال حلولها
مصاب كسى الاسلام أثواب ذلة * تجر على ربع المعالي ذيولها
لقد قذيت عيني وابصار معشري * لنازلة بالكرخ كان نزولها
على فاطمي راح يلتف برده * على ذات قدس ليس يلقى مثيلها
على كاظم فلتذرف العين دمعها * باعوال ثكلى ليس يطفى غليلها
وحزن يزيد القلب شجوا ولوعة * إذا ما حداة الركب جد رحيلها
وان قناة الدين كانت قويمة * بكفك لا يقوى لها من يميلها
جميع خلال الخير فيك تجمعت * فما خلة الا وأنت خليلها
وان نزلت في الناس يوما ملمة * فإنك ان يعي الورى لمزيلها
فقدناك سيفا والسيوف كثيرة * ولكنما خير السيوف صقيلها
إذا قارعتك النائبات فللتها * فواعجبا كيف اعتراك فلولها
أفدت الورى علما وعقلا فأصبحت * وقد ذهبت لما قضيت عقولها
به عثر الدهر الخئون فلم يقل * وكم عثرة للدهر كان يقيلها
سرى سيرة الآباء في كل منهج * وتتبع اثر الضاريات شبولها
ربوع المعالي اقفرت بعد فقده * وأضحت يبابا دارسات طلولها
وظلت يتامى الناس بعد ابن احمد * تردد طرفا لا ترى من يعولها
وهاتفة ناحت على فقد ألفها * كما بنت دوح طال منها هديلها
أو النيب حنت حيث ظلت بقفرة * ترود الموامي غاب عنها فصيلها
شجتني بصوت يشعب القلب والحشى * إذا ما علاها الليل زاد عويلها
لقد فجعت عليا معد بواحد * ولو أنه يفدى فداه قبيلها
إذا طاولته بالفخار عصابة * أو الحسب الوضاح فهو يطولها
أو العلم اكدى طالبوه فلم تفز * بشئ غداة السبق فهو ينيلها
سحابة مزن يبعث الريف درها * إذا السنة الشهباء عم محولها
منار هدى بل كنز علم ونائل * وما حكمة الا لديه مقيلها
فعز به من آله الغر أسرة * فروع سمت مستحكمات أصولها
محمد ذو الشأن الذي طاول السما * علي المزايا المزهرات جميلها
ورهط المعالي الغر أبناء هاشم * شموس بدت لا يعتريها أفولها
سبقتم بمضمار العلا كل سابق * إلى غاية أعيا الأنام وصولها
وقيتم صروف النائبات ولم تزل * إليكم بنو الأيام يأوي نزيلها
وحيا الحيار مسا حوى جسم كاظم * بدائمة التسكاب باق همولها
مراثيه
رثي بعدة قصائد من شعراء عصره في يوم وفاته وفي حفلة الأسبوع.
وأقيمت له حفلة تأبين في مدينة بعلبك بعد مضي أربعين يوما من وفاته
حضرها علية القوم وتبارى فيها الشعراء والخطباء وقد جمع ولده الفاضل
السيد عبد المطلب ترجمته ومراثيه في مجموع أسماه شجى العباد في مراثي
الجواد وطبعه في 40 صفحة ونحن نختار من مراثيه ما يأتي: قال الشيخ
محمد حسين آل شمس من شعراء جبل عامل المتميزين في وقته من
قصيدة:
فقدتك هاشم طودها السامي الذرى * وحسامها الماضي الذي لا يثلم
فقدت يتيمة دهرها بك هاشم * وارفض منها عقدها المتنظم
هي روعة صدعت قلوب بني الورى * فعيونها عبرى وأدمعها دم
غادرت كل حشى تصعد زفرة * حزنا عليك وحرها يتضرم
كل لكل يشتكي وفؤاده * من هول خطبك واجب يتكلم
يا ظاعنا والدين والدنيا معا * ومقيم حزن قط لا يتصرم
كانت بيمنك تنبت الأرض الكلا * ويرى محياك الغمام فيسجم
اسفا على أخلاقك الغر التي * هي في بني العلم الطراز المعلم
لك حيث اخلاق الرجال تجهمت * خلق كحانية الرداء منمنم
قد كنت بحري نائل وفضائل * يهدى المضل بها ويثري المعدم
فقدتك عامل خير من لهجت به * أبناء عامل والزمان مذمم
فقدت جواد علا لابعد غاية * جلى فدون مدى علاه الأنجم
فقدت اشما لم يقف في موقف * يوما فأعقبه عليه تندم
صافي الأديم نقيه فكأنما * في برده معنى الكمال مجسم
لا يعرف العوراء منطقه ولا * عرضت له فيلوم فيها اللوم
قل للعفاة تزودوا حرق الأسى * غاض الندى وقضى الجواد المنعم
صبرا بنية فأنتم من بعده * خلف ويا نعم الخليفة أنتم
ما غاب بدر علاكم حتى بدت * منكم بآفاق المكارم أنجم
ولنا بمطلب المكارم سلوة * فيه يعود المجد وهو مرمم
هو بعد والده لكل فضيلة * أهل ويعرف فضله المتوسم
أخلاقه كالروض باكره الحيا * لطفا ويعرف عرفه المتنسم
هي سنة لكم وهل كمحرم * لا كان في عدد الشهور محرم
صبرا فإن أباكم وأبيكم * حي بروضات الجنان ينعم
وسقى ثراه من الحيا وكافة * ابدا تدر على ثراه وتسجم
وقال الشيخ علي شرارة من قصيدة:
مضى الجواد طاهرا مطهرا * رداؤه العفاف والمكارم
من للدجى يحييه وهو راكع * وساجد وقاعد وقائم
لو وزعت اعماله على الورى * ما أثقلت ظهورها الجرائم
كم غارم اتاه وهو مثقل * بغرمه فعاد وهو غانم
كم جاهل لا يهتدي سبيله * ارشده فآب وهو عالم
وقال أيضا من قصيدة:
بدر الهداية كيف اغتالك القدر * انى وكيف اعتراك الخسف يا قمر
يا ظاعنا وجميل الصبر يتبعه * الصبر بعدك لا عين ولا اثر
أيامنا فيك كانت كلها غررا * بيضا فها هي سود كلها غبر
والعيش قد كان صفوا ما به كدر * فها هو اليوم رنق كله كدر
طيري شعاعا نفوس الآملين فذا * عود الرجاء ذوى ما فيه معتصر
ويا خطوب الاحشدا بخيلك لا * تخشي لك الغنم في الأقوام والظفر
ان الحمى أنشبت فيه المنون يدا * فيه تحكم منها الناب والظفر
من كان حاميها من أن تراع وفي * باع الحوادث عن ادراكها قصر
كم معضل مشكل أوضحت غامضه * وحظ غيرك فيه العي والحصر
شلت يد الدهر هل تدري بمن فتكت * واي ذنب جنته ليس يغتفر
فلت حساما صقيل الغرب مرهفه * ماضي الضريبة ما في متنه خور
دكت من المجد طودا قد أناف علا * وقصرت عن مداه الأنجم الزهر
لا ترتقي لذرأه الطير صاعدة * مهما تعالت وعنه السيل ينحدر

269
طوت عظيما جليل القدر قد عقمت * عن مثله في الورى الأعوام والعصر
أزكى الأنام وأتقاها وأعبدها * لله أوراده ان ضمه السحر
من لي بأخلاقك الغر التي لطفت * كالروض باكره في نوئه المطر
صبرا بنية وتأساء وتعزية * هو الزمان فلا يبقي ولا يذر
ان يطو صرف الردى في الترب سيدكم * ففضله ابدا باد ومنتشر
وان يغب منكم تحت الثرى قمر * ففي سماء علاكم قد بدا قمر
ذا نجله للعلا خدن وليس له * بغيرها ابدا قصد ولا وطر
ويا سقى جدثا قد ضم بدر هدى * غيث من العفو منهل ومنهمر
وقال الشيخ محمد أمين شمس الدين من قصيدة:
أودى فأفئدة الخلائق تخفق * علم الهدى ودموعها تترقرق
هي ثلمة في الدين اية ثلمة * جب السنام لها وجذ المرفق
فليبكه الدين القويم فإنه * قد غاب عنه محقق ومدقق
رزء تجاوبت البلاد له أسى * بمآتم فيها القلوب تشقق
قد عاد شمل الحزن وهو مجمع * فيها وشمل الصبر وهو مفرق
ومعاهد العلم الشريف عفت فلا * متبحر فيها ولا متعمق
هيهات هل مرأى يروق لناظر * بعد الجواد وهل جناب مونق
يا واجدين على الجواد الا ارفقوا * فبشبله لكم الأسى وبه ثقوا
لا راعكم غب الشتات فإنما * بابي محمد قد شملكم مستوسق
وقال الشيخ توفيق البلاغي من قصيدة:
عز والله يا بني الزهراء * ان تصابوا بسيد العلماء
ان يوما نعى النعاة جوادا * هو يوم كيوم عاشوراء
سيد كان وجهه البدر نورا * أو كشمس النهار ذات السناء
طود حلم ما طاولته الرواسي * قد سما رفعة على الجوزاء
سيد كان صدره بحر علم * ويداه بالجود بحر عطاء
سيد كان للأنام غياثا * وأبا مشفقا على الضعفاء
فلمثل الجواد فلتذرف العين * دموعا ممزوجة بدماء
يا بني المرتضى ويا أكرم الناس * على الله عز فيكم عزائي
أنتم في الورى أمان لأهل * الأرض أمثالكم نجوم السماء
كل من أصله تراب وماء * فهو لا شك صائر للفناء
غاية الخلق في الحياة ممات * والحياة الحياة دار البقاء
لم يمت من زكا نجارا وفعلا * انما الميت ميت الاحياء
وقال الشيخ علي النقي آل زغيب من قصيدة:
يا راكبا ظهر الصعاب إذا دهى * خطب وغال بني البرية غول
يا مودع الأحشاء حر غليلها * هل بعد نأيك رجعة وقفول
حامي الشريعة من يقوم بحفظها * ان عاث فيها مدع وجهول
أبقيت ذكرا طيبا ومآثرا * هي كالكواكب للأنام دليل
فكأنها الفرقان في اعجازه * وكأنها بين الورى إنجيل
تدعو إلى حب الوئام وفعله * حتى كأنك في الأنام رسول
رفعوا سريرك خاشعين كأنما * نادى بهم للحشر إسرافيل
يمشون والأجفان تسفح دمعها * ووراءك التكبير والتهليل
ان غيبتك عن العيون صفائح * ونأى المزار وما إليك سبيل
فبكل قلب قد غدا لك مدفن * في ذكر فضلك عامر ماهول
يا صاحب الحسب الرفيع ومن له * طابت فروع في الورى وأصول
الصبر يحمد في المصاب وانما * حزني عليك مدى الزمان طويل
وقال الشيخ توفيق الصاوط من قصيدة:
جوى لك ما بين الضلوع يزيد * وحزن على مر الزمان جديد
فيا راحلا والدين في طي برده * قضى عمره السبعين وهو حميد
نعاك الينا البرق والبرق لو درى * لخالطه يوم الرحيل رعود
نعى العلم والتقوى نعى الفضل والهدى * نعى من لديه المشكلات تبيد
فيا أيها الناعي لقد جئت بالتي * تكاد لها شم الجبال تميد
فمن لحياض العلم يترعها ومن * ترى عن حمى الدين المبين
يذود امام هدى ساد الورى بكماله * كذا كل من حاز الكمال يسود
فيا لوعة في القلب يذكو ضرامها * لها بين احشاء الضلوع وقود
ويا صيب الرضوان لا تعد قبره * بسحب تغادي تربه وتصوب
جواد ابن الشيخ حسين ابن الحاج نجف التبريزي الأصل النجفي
المولد والمسكن والمدفن خال الشيخ محمد طه نجف الشهير.
توفي يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1294 وتاريخه (غار نجم) ودفن
مع أبيه في الحجرة التي في باب الصحن الشريف من جهة القبلة على يسار
الداخل إلى الصحن.
(وآل نجف) بيت علم وتقوى وصلاح وزهد يضرب بتقواهم
وزهدهم وسلامة صدورهم المثل. ومن الأمثال المشهورة في العراق عند
عروض ما سببه سلامة الصدر (رحم الله نجفا) أصلهم من تبريز وينسبون
إلى جدهم نجف علي التبريزي الذي قدم النجف من تبريز وتوطنها ونشأ
ذريته فيها وخرج منهم أعاظم العلماء وزهادهم وعبادهم.
والمترجم هو الشيخ الثقة الصالح العابد الامام في الجماعة يضرب
المثل بتقواه. كان عالما فقيها ناسكا زاهدا لم ير في عصره من اتفقت الكلمة
على تقدمه وصلاحه مثله أخذ عن أولاد الشيخ جعفر وهم الشيخ علي
والشيخ محمد والشيخ حسن وعن صاحب الجواهر واضر آخر عمره وعمر
طويلا وكان يقول لم يفتني بذهاب بصري الا أمران الابتداء بالسلام وقراءة
القرآن لأنه كان لا يرى أحدا الا ابتدأه بالسلام ولو من بعيد وكان يقرأ كل
يوم جزءا من القرآن وهو ممن يستسقى به إذا منعت السماء قطرها وكان
طيب القلب سليم النفس له مجلس درس في داره وكان له ولد يسمى الشيخ
يعقوب توفي في حياته وخلف ولدا اسمه الشيخ حسين يأتي في بابه. وذكره
صاحب كتاب المآثر والآثار فقال: كان من مشاهير الزهاد محسوبا في سلسلة
علماء الدين وامناء الشريعة يتوطن النجف وجاء إلى مملكة العجم في طريقه
إلى زيارة الرضا (ع) وتوفي في عتبات أئمة العراق. وذكره الميرزا حسين
النوري في كتابه دار السلام فقال: حدثني شيخ أئمة العراق وبقية المتقدمين
الذين تمد إليهم الأعناق جامع درجات الورع والسداد الشيخ جواد ابن
الشيخ الجليل الذي لم ير له في عصره بديل الشيخ حسين نجف النجفي
(انتهى) يروي عنه إجازة الميرزا جعفر ابن الميرزا أحمد التبريزي المتوفى
1262.
الشيخ جواد الحكيم
ذكره صاحب اليتيمة الصغيرة في علماء النجف وهو والد الشيخ كاظم
الحكيم أدركناهما معا الأب والابن في النجف. والأب كان قعيد بيته أيام

270
كنا في النجف لكبر سنه فلم يتيسر لنا مشاهدته وتوفي في عصرنا وكذلك
الابن.
الشيخ جواد خازن حضرة عبد العظيم الحسيني
عالم فاضل نسابة. في الذريعة: له تذكرة الأنساب ينقل عنه السيد
نظام العلماء في المجالس النظامية.
الشيخ جواد ابن الشيخ رضا ابن الشيخ زين العابدين ابن الشيخ بهاء
الدين ابن محمد مكي العاملي النجفي من ذرية الشهيد الأول
عالم فاضل فقيه أصولي قرأ على والده وعلى صاحب الجواهر أم أبيه
بنت السيد محمد الجواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة له نظم في الفقه
والأصول وله كتاب الطهارة مجلد كبير في ظهره إجازات مشايخه وذكره
صاحب اليتيمة الصغرى من جملة علماء النجف الأشرف ووجد له تقريظ
على أرجوزة الشيخ طاهر بن عبد العلي الحجامي المالكي.
الشيخ جواد بن سعد بن جواد الكاظمي المعروف بالفاضل الجواد ويقال
محمد الجواد كما يظهر من بعض مصنفاته على ما في روضات الجنات تلميذ
البهائي
توفي سنة 1065 في بغداد.
والموجود في كلماتهم جواد بن سعد ولكن في مستدركات الوسائل
جواد بن سعد الله. وفي آخر القطعة الموجودة في أوائل كشكول البحراني
المنسوبة لبعض تلاميذ المجلسي وهي قطعة من رياض العلماء الشيخ
جواد بن فاضل الكاظمي و الظاهر أنه من تحريف الناسخ أو الطابع فلم
يذكر أحد أن اسم أبيه فاضل والنسخة المطبوعة كثيرة الغلط لا يعتمد عليها
ولا يبعد أن تكون كلمة فاضل كانت في عبارة الرياض صفة له لشهرته
بالفاضل الجواد فحرفت إلى ما سمعت.
أقوال العلماء فيه
في أمل الآمل: الشيخ جواد بن سعد فاضل عالم محقق جليل القدر
من تلامذة الشيخ بهاء الدين وفي رياض العلماء الشيخ جواد بن فاضل
الكاظمي (ومر ان صوابه ابن سعد) فاضل عالم جليل جامع للعلوم العقلية
والنقلية والآلية وكان من أجلة تلامذة شيخنا البهائي كان شيخ الاسلام في
استراباد ثم عزل لمنازعة أهل البلد له حتى أنهم أخرجوه عنفا لأسباب يطول
ذكرها ثم جاء إلى السلطان الشاه عباس الأول الصفوي وشكا اليه حاله ولما
كان عمدة الباعثين على اخراجه هو السيد الأمير محمد باقر الأسترآبادي
المعروف بطالبان وكان السلطان من مريديه أمر اخراج المترجم من جميع
مملكته ورجع من تلك الشكوى بخفي حنين وبعدما مات السلطان المذكور
جاء إلى بغداد وسكن بلد الكاظمين الذي كان موطنه الأصلي برهة من
الزمان وكان يعظمه حكام بغداد لا سيما بكتاش خان ثم خرج منها ودخل
بلاد العجم ثانيا قبل مجئ السلطان مراد ملك الروم إلى بغداد وفتحه لها
(انتهى) وعن السيد عبد العلي الطباطبائي أنه قال في حاشية أمل الآمل كان
من أكابر الفضلاء انتهى ورأينا في سفرنا لزيارة الرضا (ع) سنة 1353
في قرية بهار من توابع همذان في مكتبة الفاضل الشيخ رضا البهاري على
ظهر نسخة مسالك الأفهام إلى آيات الاحكام من تأليفه وبخطه ما
صورته: من تصنيفات الشيخ الكامل الفاضل علامة العلماء وأفضل
الفضلاء الشيخ الجليل النبيل وحيد عصره وفريد زمانه الشيخ جواد سلمه
الله حرره العبد الجاني محمد بن عبد الكاظم في 10 محرم سنة 1053.
ومن الغريب ما في كتاب نجوم السماء في تراجم العلماء من ذكره بعنوان
السيد جواد بن سعيد العاملي فهو الشيخ جواد لا السيد جواد وابن سعد لا
ابن سعيد و الكاظمي لا العاملي. وفي روضات الجنات هو من العلماء
المعتمدين والفضلاء المجتهدين صاحب تحقيقات أنيقة وتدقيقات رشيقة في
الفقه والأصول والمعقول والمنقول والرياضي والتفسير وغير ذلك ذكره
الحسن بن عباس البلاغي النجفي في كتابه الموسوم بتنقيح المقال وقال كان
كثير الحفظ شديد الادراك مستغرق الأوقات في الاشتغال بالعلوم (انتهى)
قال وكان أصله ومحتده أرض الكاظمين الا انه ارتحل في مبادي امره إلى
أصفهان وكان أغلب قراءته فيها على الشيخ البهائي إلى أن صار من أخص
خواصه واعز ندمائه. وفي مستدركات الوسائل: الشيخ العالم المتبحر
الجليل جواد بن سعد الله بن جواد البغدادي الكاظمي (انتهى).
مؤلفاته
له مؤلفات عديدة (1) شرح الدروس لم يتم. في رياض العلماء:
فرع من المجلد الأول منه غرة شهر شوال سنة 1031 بمشهد الكاظمين
انتهى وينقل عنه صاحب الحدائق (2) غاية المأمول في شرح زبدة
الأصول للشيخ البهائي أستاذه حسن في الغاية وعن بعض النسخ ان اسمه
بداية المأمول لكن في أكثرها غاية المأمول (3) شرح كبير على خلاصة
الحساب له أيضا (4) شرح تشريح الأفلاك لأستاذه أيضا (5) الفوائد العلية
في شرح الجعفرية في الصلاة للمحقق الشيخ علي الكركي (6) رسالة
واجبات الصلاة وشرحها الشيخ نصر الله بن تنوان الجزائري فرع منها 24
رجب سنة 1051 (7) مسالك الأفهام إلى آيات الاحكام من أكبر ما كتب
في بابه وأتمها فائدة صنفه بأمر شيخه المذكور رأينا منه نسخة بخط يده في
قرية بهار من توابع همذان كما مر وفي آخره تم على يد مؤلفه جواد بن
سعد بن جواد الكاظمي مولدا ومسكنا وافق الفراع منه غرة شهر محرم
الحرام من شهور سنة 1045 من الهجرة النبوية على مشرفها ألف سلام
وتحية انتهى وعليه حواش بخط ملا عبد الله الأفندي صاحب رياض
العلماء كتب في آخرها ما صورته: تم التعليق بيد العبد الجاني الفاني
الراجي لرحمة الله ابن المرحوم عيسى بك عبد الله عصر يوم الخميس سادس
شهر جمادي الأولى يوم نيروز الفرس سنة ثمان وتسعين وألف من الهجرة
النبوية المصطفوية عليه وعلى آله ألف تحية في بلدة مزينان حفظت عن
طوارق الحدثان أوان توجهنا إلى تقبيل عتبة مولانا وسيدنا علي بن موسى
الرضا عليه التحية والثنا (انتهى).
مشايخه وتلاميذه
لم يعرف من مشايخه الا الشيخ البهائي ويروي عنه إجازة أيضا ومن
تلاميذه في الإجازة السيد مير محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي
النجفي.
الأمير جواد ابن الأمير سلمان الحرفوشي
قتل حوالي سنة 1248.
هو والد الأمير محمد الحرفوشي الشهير وهو من امراء بعلبك آل
الحرفوش المعروفين الذين ملكوا بعلبك وغيرها زهاء 400 سنة وهم من
خزاعة العراق جاءوا إلى بلاد الشام وتوطنوها وحكموا فيها وفي تاريخ

271
بعلبك: دانت بعلبك وقراها لحكم الامراء بني الحرفوش وهم عائلة من
الشيعة كانوا من الباس والسطوة والفروسية في مكان عظيم (انتهى) وكانت
الاخلاق العربية من الشهامة والغيرة والشجاعة والكرم متجلية فيهم
وحدثني بعض المطلعين في بعلبك ان الأمير يونس الحرفوشي كان إذا ذهب
حرمه للحمام اقفل السوق وتعطل الطريق من المارة وأكرموا السادات
والعلماء وحموا النزلاء وبنوا المساجد وقاوموا الحكام وقاموا بحق الامارة بكل
معنى الكلمة وقد جهل كثير من اخبارهم وعرف جملة منها مما وجد في
المجاميع وبعض كتب التاريخ المطبوعة ككتاب تاريخ الأمير حيدر الشهابي
وغيره ومن بعض ما مدحوا به من الاشعار وقد ذكرنا طرفا من مجمل
اخبارهم في ج 5 ومما قيل فيهم عموما قول السيد محمد الحسيني البعلي كما
في بعض المجاميع الموجودة بخطه عند أحفاده بمدينة بعلبك فمنها قوله:
ان الأكارم آل حرفوش لهم * خطر تقاصر دونه الاخطار
وهم المناصب (1) حين تنسبهم وهم * عين الوجود وغيثه المدرار
وهم ذوو الأصل الكريم كما اتى * النقل الصحيح وجاءت الاخبار
قوم لهم نصر النبي محمد * فهم لدين محمد أنصار
وهم الأسود الضاريات إذا الوغى * شبت وفر الفارس المغوار
لا عيب فيهم غير أن نزيلهم * عنه الأكف من الملوك قصار
كم من وزير ذاق طعم سيوفهم * فلوى ومنهم (احمد الجزار)
امراء آل حرفوش
أول من عرف منهم علاء الدين الحرفوشي الذي ذكر صالح بن يحيى
مؤرخ بيروت ان الملك الظاهر برقوق استعان به على تركمان كسروان وانه
قتل 1393 م 729 ه‍ ومنهم الأمير موسى بن علي كان شاعرا والأمير يونس
الأول وأولاده الأمراء أحمد وحسين وعلي ومحمد والأمراء شلهوب وعمر
وشديد ويونس الثاني وإسماعيل وحيدر وحسين ومصطفى ودرويش بن
حيدر وجهجاه بن مصطفى وقاسم بن حيدر وداود وسلطان بن مصطفى
وأمين بن مصطفى ونصوح بن جهجاه وسلمان وجواد بن سلمان
وقبلان بن أمين وحسين بن قبلان ومحمد وعساف وعيسى وسعدون وحمد
ويوسف بن حمد وخنجر بن حمد وسلمان بن حمد وبشير وفدعم وخليل
وفاعور وسليمان ومحمود ومنصور وأسعد وفارس وتامر وغيرهم وتأتي
تراجمهم في محالها. ومنهم من العلماء الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي
المعروف بالحريري المار ترجمته في ج 5.
والمترجم له ولي امارة بعلبك بعد الأمير امين بن مصطفى الحرفوشي
وكان شجاعا أبيا كسائر عشيرته. في تاريخ بعلبك: ان سلفه الأمير أمين
كان مواليا للدولة العثمانية منحرفا عن المصريين فحقد عليه إبراهيم باشا
المصري فحضر إبراهيم بعساكره إلى بعلبك سنة 1248 ه‍ 1831 م
فملكها دون أدنى مقاومة وهرب منها الأمير أمين فولى عليها إبراهيم باشا
الأمير جواد الحرفوشي ثم عزله وعين عوضه أحمد آغا الدزدار فكان ذلك
سبب عصيانه على الدولة المصرية فاخذ يحرك الفتن عليها ويجول من مكان
إلى مكان إلى أن أدركه يوما بقرب يبرود مائتا فارس من الأكراد أرسلهم
عليه شريف باشا حاكم دمشق من قبل إبراهيم باشا وكان مع الأمير جواد
أبناء عمه الأمراء محمد وعساف وعيسى وسعدون وثلاثون فارسا فهجم
بعضهم على بعض وحمي وطيس الوغى وأتى الأمراء الحرافشة من ضروب
الفروسية ما هو جدير بهم فارتد الأكراد وقتل أحد أمرائهم عجاج آغا
وذهب بعد ذلك الأمير جواد إلى بلاد حمص وقد تفرقت عنه أصحابه وبينما
كان في محل يدعى الحريشة دهمته كتيبة من الهنادي تريد القبض عليه
فملكت عليه جسر التل المنصوب على العاصي الذي لا بد له من المرور
عليه للتخلص منهم فهجم عليهم هجمة قسورية ففرق جمعهم بحد الحسام
وأفلت منهم بعد ان قتل بضعة فرسان ولما رأى أن العصيان لا يجديه نفعا
استأمن إلى الأمير بشير الشهابي وطلب منه ان يأخذ له الأمان من إبراهيم
باشا ولكن الأمير بشير كان يكرهه فخانه (وبئس السجية الخيانة) وسلمه إلى
شريف باشا حاكم دمشق فقتله شر قتلة ثم عزل أحمد آغا الدزدار وعين
عوضه خليل آغا وردة ثم الأمير احمد الحرفوش. وذكر هذه الحادثة بعض
كتاب المسيحيين في حكومة الشام المجهول الاسم بوجه أبسط وبما يخالف ما
مر من بعض الوجوه فقال في المذاكرات التاريخية لحوادث الشام المطبوعة ان
إبراهيم باشا لما فتح الشام أقام الأمير جوادا المترجم متسلما (حاكما) على
بعلبك وكان فيه هوج وحدة فلم يتفق هو وزراع الدروز من لبنان فعزل من
المتسلمية ونصب مكانه ابن عمه الأمير حمد وكان حمد ذا عقل رصين وإدارة
في الحكم حسنة. وسكن الأمير جواد في يبرود وجعل له إبراهيم باشا في
كل شهر 1150 قرشا يقبضها وهو في بيته وذلك لقلة ذات يده وكونه من
أشراف الناس وبعد ذلك صدر أمر بتوقيف صرفيات الكتاب والمتسلمين
والنظار لحصول الحرب مع السلطان وكثرة النفقات على خزانة الباشا فبقيت
الصرفيات موقوفة ثمانية أشهر ولما كان الأمير جواد جوادا كاسمه وقلت ذات
يده جمع اليه جماعة وحرك معه أولاد عمه الأمير خنجر والأمير محمد وصار
يقطع الطريق وصارت له شهرة عظيمة وهابه الناس ثم ارسل كتابا إلى
رجل اسمه عبد القادر آغا خطاب بان يأخذ له مرسوم الأمان من الوزير
شريف باشا حاكم دمشق من قبل إبراهيم باشا فاخذ له ذلك المرسوم ثم
كاتب الأمير جواد الأمير خليل الشهابي ان يحضر إلى دمر ليدخل معه لمواجهة
الوزير فدخل دمشق وواجه الوزير شريف باشا وبقي في دمشق أياما وجعل
يعين عنده خيالة وطلب شريف باشا إلى إبراهيم باشا ان يجعله
(سرسواري) رئيس خيالة فحضر أحمد آغا اليوسف وشمدين آغا إلى عند
شريف باشا وذكرا له ان الأمير جواد كان أيام عصيانه قد قتل كرديا تاجر
غنم بينه وبينهما نسابة وأخذ منه دفتره وجملة دراهم وانهما يريدان منه تسليم
الدفتر فأجاب الأمير خنجر بأنه لم يقتل الكردي وانما قتله جماعة من بيت
نون ولا يعرف لهم الآن مقرا وطلب مهلة ليفتش عنهم ويأخذ منهم الدفتر فلم
يقبل ذلك منه شريف باشا وشدد عليه قليلا لكونه أبي النفس شجاعا ركب وخرج
خارج البلد وبعث إلى أحمد آغا اليوسف انه إذا كان له عنده حق فليخرج
اليه ليتحاسبا على ذلك الحق وكان بين أكراد الصالحية رجل يسمى عجاج
آغا وهو متسلم جبل دروز حوران وهو من الرجال المشهود لهم بالفروسية
فاستأذن الوزير وأخذ رجاله وتوجه إلى ناحية النبك فبلغه ان الأمير جوادا في
دير عطية فلما بلغ الأمير جوادا حضوره ركب وخرج من القرية وصار
الحرب بينهم وقتل عجاج آغا وجرح الأمير جواد واشتد خوف الأمير جواد
لكون احمد آغا يخص الأمير بشير فتوجه الأمير جواد إلى عند بشير فقبل
وصوله أرسل الأمير بشير جماعة فكمنوا له عند جسر القاضي وقبضوا عليه
وأحضروه إلى الشام فامر شريف باشا بقتله فقتل (انتهى) وهكذا تكون



(1) جمع منصب بفتح الميم والصاد كلمة عامية يراد به الشهم الجليل ويمكن ان يكون له أصل في
اللغة فالمنصب كمرجع وزنا ومعنى. - المؤلف -
272
عاقبة من أمكن عدوه من نفسه. وللسيد محمد الحسيني من آل المرتضى
أشراف بعلبك وشعراء القرن الثالث عشر الهجري فيه مدايح توجد في
مجموعة في بعض مكتبات آل المرتضى في بعلبك منها قوله من قصيدة:
وقائل لم تجد السير مجتهدا * تذود نضو المطايا عن مراعيها
أمنتهى الأرض تبغي قلت مبتدرا * قصدت بعلا واهوى ان أدانيها
فقال بعل بلاد الفسق قلت له * الآن قد حسنت من حسن واليها
أعني ابن سلمان ذا المجد الذي عرفت * به الأماجد قاصيها ودانيها
أطريت ندبا تزيل الهم همته * إذا الهموم تغشتها غواشيها
يحمي النزيل ويلقي الضيف مبتسما * إذا اتى وديون المجد يقضيها
كل الكمالات رب العرش صيرها * من حظه فتعالى الله معطيها
حلم وعدل وجود وافر ونهى * ينهى الأهالي ويعفو عن تعديها
فليس بعل على ما كنت تعهدها * اليوم بعل على ما أنت تبغيها
جواد قد جاد رب العالمين به * على البلاد فيا طوبى لأهليها
ومنها قوله فيه من قصيدة أخرى:
وما ذاك الفتى المحمود * الخزاعي ابن سلمان جواد
أخا حكم تدين له البرايا * وإذا يأس يذوب له الجماد
إذا ما سل يوم الروع سيفا * فأعناق الرجال له حصاد
ومنها قوله من قصيدة يعاتبه:
لئن صدت سعاد فلا ملام * فقد منعت عوائدها الكرام
تكاثر صدهم والود منهم * تقشع وانجلى منه الغمام
وقد قل الوفاء فلا وفاء * لأبناء الزمان ولا ذمام
وقطبت الوجوه فلا رواء * بها للوافدين ولا ابتسام
واجدبت الأكف وكان قبلا * لغيث نوالهم فيها انسجام
فواوجداه قد غشي الليالي * عقيب ضيا كواكبها الظلام
ووا أسفاه قد مضت المعالي * غداة مضت أهاليها الفخام
ولو لم يبق بعدهم جواد * أخو العليا وماجدها الهمام
فتى أبناء حرفوش المفدي * وعاملها المثقف والحسام
لزالت بهجة الدنيا وولت * محاسنها وجللها القتام
وقوله مؤرخا ولادة ولده الأمير محمد سنة 1243 من أبيات:
سلطان يا ذا الفتى المحمود سيرته * في كل ما بلد يا بيضة البلد
فليحيي شبلك في امن وفي دعة * وفي الصفا قال تاريخي وبالرغد
هكذا في المنقول في مجلة العرفان م 10 ص 240 ويوشك ان يكون
هذا الشعر في مدح الأمير سلطان بن مصطفى الحرفوشي.
السيد جواد سياه پوش
يأتي بعنوان جواد بن محمد بن أحمد بن زين الدين.
الشيخ جواد الشبيبي
يأتي بعنوان جواد بن محمد.
السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة
يأتي بعنوان جواد بن محمد.
الشيخ جواد الطارمي الزنجاني
يأتي بعنوان جواد بن ملا محرم.
الميرزا جواد ابن الحاج صادق الأردبيلي
توفي بأردبيل سنة 1303 وحمل إلى النجف الأشرف.
عالم فاضل من اجلاء تلاميذ السيد حسين الكوهكمري المعروف
بالسيد حسين الترك له تقريرات بحث أستاذه المذكور في مجلد صغير.
الحاج جواد ويقال محمد جواد ابن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي
المعروف بالحاج محمد جواد عواد أو الحاج محمد البغدادي
كان حيا سنة 1128.
أقوال الناس فيه
هو شاعر أديب له ديوان شعر صغير جمعه في حياته رأينا منه نسخة في
العراق سنة 1352 وهو معاصر للسيد نصر الله الحائري وبينهما مراسلات
وذكره جامع ديوان السيد نصر الله الحائري فقال: شمس دار السلام بغداد
المولى الأكرم الحاج محمد جواد ووصفه أيضا بعمدة الفضلاء وزبدة الأدباء
الأوحد الأمجد. وذكره عصام الدين الموصلي في كتاب الروض النضر في
ترجمة أدباء العصر كما في نسخة مخطوطة رأيناها ببغداد في مكتبة المحامي
عباس عزاوي صاحب كتاب تاريخ بغداد بعنوان (محمد الجواد) مقتصرا
على ذلك وهو المراد. ومدحه باسجاع كثيرة على عادة أهل ذلك الزمان وما
قبله فيها ذكر الفضل والمعارف والفصاحة والأدب والمعالي والشرف والكمال
والسماحة ومن جملة ما قال فيه باه بكماله زاه بفضله واقباله شعر:
وحيد له الإفضال طبع وشيمة * وفيه انتهى علم الورى والتكرم
له شعر كالطل وقريض كاللؤلؤ * المنحل ثم ذكر قصيدته النونية
الآتية في تقريض قصيدة حسن بن عبد الباقي. وفي نشوة السلافة كما في
نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة الشيخ محمد السماوي بالنجف: الأديب
الفاضل الحاج محمد جواد ابن الحاج عبد الرضا البغدادي أديب أحله
الأدب صدر المجالس ونجيب طابت منه الفروع والمغارس فهو الجواد الذي
لا يكبو والصارم الذي لا ينبو نثره يزري بمنثور الحدائق ونظمه يفوق العقد
الرائق انتهى وكلامه وكلام صاحب الروض النضر جاريان على نهج
المبالغات المعروفة. وفي الطليعة الشيخ جواد بن عبد الرضا بن عواد
البغدادي المعروف بمحمد جواد عواد.
كان فاضلا سريا أديبا شاعرا قوي العارضة وكان ذا يسرة ممدحا
تقصده الشعراء وللسيد حسين ابن المير رشيد فيه مدايح جيدة ضمنها ديوانه
(انتهى).
شعره
له مدايح في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام فمن شعره قوله في
مدح أمير المؤمنين (ع):
اما وليال قد شجاني انصرامها * لقد سح من عيني عليها سجامها
تولت فما حالفت في الدهر بعدها * سوى لوعة اودى بقلبي كلامها
فلا حالفت قدري المعالي ولا رعت * ذمامي ان لم يرع عندي ذمامها
وما كل من رام انقياد العلى له * بملقى اليه حيث شاء زمامها
ليال بأكناف الغري تصرمت * فيا ليتها بالروح يشرى دوامها
سقى الله أكناف الغري عهاده * وحياه من غر الغوادي ركامها
يباهي دراري الشهب حصباء درها * ويزري بنشر المسك طيبا رغامها
بها جيرة قد أرضعوا النفس وصلهم * فأودى بها بعد الرضاع فطامها
إذا شاق صبا ذكر سلع وحاجر * فنفسي إليهم شوقها وهيامها

273
فكم غازلتني في حماهم غزالة * يليق عواذا للنحور كلامها
أقول وقد أرخت لثاما بوجهها * هل البدر الا ما حواه لثامها
أو الليل الا من غدائر فرعها * أو الصبح الا ما جلاه ابتسامها
وما المشرفي الغضب الا لحاظها * ولا السمهري اللدن الا قوامها
الا ليس ينجي النفس من غمرة الهوى * ولا ركن يرجى في هواه اعتصامها
سوى حبها مولى البرية من غدا * بحق هو الهادي لها وامامها
وصي النبي المصطفى و نصيره * إذا اشتد من نار الهياج احتدامها
وان نار حرب يوم روع تسعرت * وشق على قلب الجبان اقتحامها
سطا قاطعا هام الكماة بصارم * غدا فيه يغتال النفوس حمامها
فيا نبأ الله العظيم الذي به * قد اشتد ما بين البرايا خصامها
فمن فرقة في الخلد فازت بحبه * وأخرى رماها في الجحيم آثامها
لقد فزت في عهد النبي برتبة * لهارون من موسى أتيح اغتنامها
وكنت له في ليلة الغار واقيا * بنفس لنصر الحق طال اهتمامها
وجود الفتى بالنفس غاية جوده * وانفس من ساد الرجال كرامها
أبا حسن يا ملجأ الخائف الذي * خطاياه قد أعيا الاساة سقامها
أغث موثقا في قيد نفس شقية * تعاظم منها وزرها واجترامها
فليس له حسنى سوى حبها لكم * سيغدو عليه بعثها وقيامها
إليك أبا السبطين مني مدحة * يفوق على سمط اللئالي نظامها
غدت دون مدح الله فيك وانما * بذكرك يبهى بدؤها وختامها
فصلى عليك الله ما لاح بارق * وما ناح في أعلى الغصون حمامها
وقوله في مدح أمير المؤمنين (ع):
أبارق في جنح ديماس * لاح لنا أم ضوء مقباس
أم ذاك نور قد بدا لامعا * من قبر مولى بالتقى كاسي
أعني ابن عم المصطفى طاهر * الأعراق من رجس وأدناس
سلالة الأمجاد من هاشم * ذوي السناء الشامخ الراسي
كهف منيع الجار للملتجي * بحر خضم الجود للحاسي
سهل رقيق القلب في سلمه * صعب شديد العزم في الباس
قالع باب الحصن في خيبر * رامي اولي الشرك بابلاس
وقاتل مرحب إذ لم يجد * غنى بأسياف وأتراس
ومؤثر بالقرص لم يدنه * ثلاثة منه لأضراس
ويوم خم تم عقد الولا * له على الأمة والناس
ليث ترى المحراب خيسا له * ان باتت الأسد باخياس
أباد أهل الشام في جحفل * حمق لدى الهيجاء أكياس
تقلهم فيها طيور لها * يوم الوغى اشخاص أفراس
للشرك قد تم بها مأتم * والوحش والطير بأعراس
فالكفر والاسلام من سيفه * باتا بايحاش وايناس
وهو الذي انقادت صعاب العلا * ببابه العالي بامراس
العالم الحبر الذي كم حوى * في العلم من نوع وأجناس
وكم له من خطب لفظها * يهزأ بالياقوت والماس
ذو مكرمات جمة لم أطق * احصاءها في طي قرطاس
مناقب تعجز عن حصرها * في الطرس أقلامي وأنفاسي
يا سيدي يا خير من أودعت * أعظمه في ضمن ارماس
يا مأمن اللاجي ويا مؤمن * الوجلان من خوف ووسواس
أغث محبا في الولا مخلصا * عن دائه قد عجز الآسي
قدامكم يسعى ولو أنه * اسطاع مشي سعيا على الرأس
فجاد مثواك الحيا مقلعا * عن اربع بالجزع ادراس
من كل محلول الوكا رعده * قد ملأ الأفق بأرجاس
حياك من ربي سلام حكمي * زهر الربى في طيب أنفاس
ما صدحت تسجع قمرية * في فنن بالروض مياس
وما أتت في الصبح ريح الصبا * تحمل نشر الورد والآس
وله أبيات ارخ بها تجديد صندوق قبر أمير المؤمنين (ع) في عهد
حسن باشا والي بغداد ألفاظ التاريخ فيها قوله (أسد جددوا له غابه)
1126. وكتب رقعة وألقاها في الحجرة الشريفة النبوية فيها:
الا يا رسول الله ان مدنف شكا * إلى الناس هما حل من نوب الدهر
فاني امرؤ أشكو إليك نوازلا * المت فضاق اليوم عن وسعها صدري
ولما رأيت الركب شدوا رحالهم * وقد اخذت عنس المطي بهم تسري
تجاذبني شوق إليك لو أنه * بذا الصبح لم يسفر وبالليل لم يسر
فكن لي شفيعا في معادي فليس لي * سواك شفيع في معادي وفي حشري
وله مقرضا على قصيدة حسن بن عبد الباقي الموصلي ابن أخ عبد
الباقي العمري التي مدح بها سيدنا الإمام الحسين ابن الإمام علي عليهما
السلام التي أولها: (قد فرشنا الوطي تلك النياق) فقال:
الا يا ذوي الآداب والفهم والفطن * ويا مالكي رق الفصاحة واللسن
خذوا للأديب الموصلي قصيدة * بدر المعاني قلدت جيد ذا الزمن
تسير بها الركبان شرقا ومغربا * فتبلغها مصرا وشاما إلى عدن
غلت في مديح الآل قدرا وقيمة * فانى لمستام يوفي لها الثمن
تفنن في تشبيهها ورثائها * تفنن قمري ينوح على فنن
فأعظم بممدوح وأكرم بمادح * صفا قلبه للمدح في السر والعلن
فلو رام ان يأتي أديب بمثلها * لأخطأ في المرمى وضاق به العطن
فكيف وقد أضحى يقلد جيدها * بدر رثاء السبط ذي الهم والمحن
سليل البتول الطهر سبط محمد * ونجل الامام المرتضى وأخي الحسن
شهيد له السبع الطباق بكت دما * ودكت رواسي الأرض من شدة الحزن
فشمس الضحى والشهب امسين ثكلا * ووحش الفلا والأنس والجن في شجن
على مثل ذا يستحسن النوح والبكا * وسح المآقي لا على دارس الدمن
فلله حبر حاذق بات ناسجا * بديع برود لم تحك مثلها اليمن
حسينية أوصافها حسنية * بتقريضها غالي ذوو الفهم والفطن
فلا غرو ان أربى على البدر حسنها * فعنصرها يعزى إلى والد حسن
جزاه إله العرش عن آل احمد * أتم جزاء فهو ذو الفضل والمنن
فدونكها عذراء وابنة ليلة * صبية لفظ جانبتها يد الوهن
نتيجة سباق إلى غاية العلى * إذا لز يوما مع مجاريه في قرن
ولا بدع ان فاق الجواد بسبقه * فإن لم يكن سباق غاياتها فمن
صعاب القوافي الغر حطت رحالها * لديه وقد أضحت تقاد بلا رسن
فافرع عليها حلة الصفح انها * لعازبة عن وصمة الغل والإحن
فلا زلت في برد الفصاحة رافلا * وشانيك يكسى حلة الغي واللكن
وله مخمسا ابيات عمر الفارض يعتذر بها إلى صديق ظن فيه الملل:
يا راشقا قلب المعنى المدنف * بسهام عتب ليس فيه بمنصف
فوحق ود بيننا وتألف * قلبي يحدثني بأنك ملتفي
روحي فداك عرفت أم لم تعرف

274
لما نسبت صميم ودي للمرا * ما زلت ذا سهد أبيت مفكرا
فاستحك من قمر السما مستخبرا * واسال نجوم الليل هل زار الكرى
جفني وكيف يزور من لم يعرف
أفدي حبيبا ظن في قلبي الملل * ورمى صحيح الود مني بالزلل
واراه عن سنن المروة مذ عدل * ألف الصدود ولي فؤاد لم يزل
مذ كنت غير وداده لم يألف
ملكته رقى فصد واعرضا * وقضى علي بجوره ما قد قضى
ولقصد نيل القرب منه والرضا * لو قال قف تيها على جمر الغضى
لوقفت ممتثلا ولم أتوقف
يا من بأثواب السقام مسربلي * يا من لاعباء الغرام محملي
بتوسلي بتخضعي بتذللي * عطفا على رمقي وما بقيت لي
من جسمي المضني وقلبي المدنف
يكفيك هجراني فقد أنحفتني * وظننت ان اسلو فما أنصفتني
مالي سوى روحي فقد أتلفتني * فلئن رضيت بها فقد أسعفتني
يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
من لي بعشق هد من جسمي القوى * وأذاب قلبي في تباريح الجوى
كم قد عذلت القلب عنه فما ارعوى * ولقد أقول لمن تحرش بالهوى
عرضت نفسك للبلا فاستهدف
لي أدمع نضبت لفرط سكوبها * وحشاشة ذابت بنار كروبها
فابعث نسيم تعطف لشبوبها * فلعل نار جوانحي بهبوبها
ان تنطفي واود ان لا تنطفي
يا سادة راموا الصدود تمنعا * فدعوا فؤادي بالفراق ملوعا
أحسبتم فيكم هواي تطبعا * لا تحسبوني في الهوى متصنعا
كلفي بكم خلق بغير تكلف
أملتكم عوني على صرف الزمن * وبوصلكم ينجاب عن قلبي الحزن
ولكم أنادي في النوائب والمحن * يا أهل ودي أنتم املي ومن
ناداكم يا أهل ودي قد كفي
عودتم قلبي الوصال تعطفا * فعلام ذا الأعراض منكم والجفا
فبحرمة الود الذي لكم صفا * عودوا لما كنتم عليه من الوفا
كرما فاني ذلك الخل الوفي
وله معاتبا صديقه الحاج صالح بن لطف الله:
أخي صالح اني عهدتك صالحا * لدي وعوني في الورى ومناصحي
وسيفي الذي فيه أصول وجنتي * إذا فوقت نحوي سهام الفوادح
فما لك أبديت التغير والقلى * لصب إلى نحو القلى غير جانح
ومالي ذنب استحق به الجفا * ولا العذر في الهجران منك بواضح
فان اقترف ذنبا فكن خير غافر * وان اجترح جرما فكن خير صافح
صدود واعراض وهجر وجفوة * أتقوى على ذا مهجتي وجوارحي
أسرك اني من ودادك أنثني * بصفقة حر خاسر غير رابح
وان يرجف الحساد عنا بريبة * تكون حديثا بين غاد ورائح
عهدتك طودا لا تميلك في الهوى * نميمة واش أو سعاية كاشح
وخلتك لا تلوي على طعن قادح * مريب ولا تصغي إلى نبح نابح
أعيذك ان تدعى خليلا مماذقا * يرى أنه في وده غير ناصح
كما نسبوا قدما جميل بثينة * إلى أنه في وده غير ناصح
فقالوا وقد جاءوا عليها بتهمة * وما كاتم سر الهوى مثل بائح
(رمى الله في عيني بثينة بالقذى * وفي الغر من أنيابها بالفوادح)
فقد عابه أهل الغرام جميعهم * فمن طاعن يزري عليه وقادح
ولا عجب انا بلينا بحاسد * نموم بالقاء العداوة كادح
ففي ترك إبليس السجود لآدم * أدل دليل للتحاسد واضح
وفي قتل قابيل أخاه بصيرة * لمن كان عنه العقل ليس بنازح
ودع كل ود غير ودي فإنما * سواي الصدى الحاكي لترجيح صائح
فما كل من يدعي جواد بجائد * ولا كل من يسمى جوادا بقارح
ولا كل سعد في النجوم بذابح * ولا كلما يدعى سماكا برامح
وما كل برق إذ يشام بماطر * ولا كل زند بالأكف بقادح
ولا كل طير في الغصون بساجع * ولا كل زهر في الرياض بنافح
ولا كل من يبدي الولاء بصادق * ولا كل خل للوداد بصالح
فكم ضاحك بالوجه والصدر منطو * على وجه قلب بالعداوة كالح
فان تبد هجرا فاجن وصلا وكن إذا * كمثل اناء بالذي فيه ناضح
وله يعاتب الحاج محمد العطار الملقب بالقارشخلي:
قد سمعنا لكم مقالا وعذرا * وأقلناكم عثارا وهجرا
وحبوناكم على الوصل حمدا * وجزيناكم على الود شكرا
وعلمنا بأنكم ما برحتم * خلصا في الوداد سرا وجهرا
قد أرحتم محبكم من عناه * إذ شرحتم له بذا العذر صدرا
قد علمتم مكانكم أين امسى * من فؤادي وصاحب الدر أدرى
قلت يوما للائم قد لحاني * جئت شيئا لدى المحبين نكرا
ان سر الهوى لسر خفي * لم تحط فيه لا أبالك خبرا
كل صب فان في أذنيه * عن سماع الملام في الحب وقرا
وإذا مات في الغرام شهيدا * كان خيرا له وأعظم اجرا
سيدي جاء طرسكم لي بعذر * مدنف الجسم حين يقراه يبرا
فتلقيته بفتح وضم * وبه نال كسر قلبي جبرا
وتحيرت فيه هل كان سحرا * سالبا للعقول أم كان درا
أم سلافا رشفتها فكأني * صاحب السجن بت اعصر خمرا
ثم بادرته لانشق طيبا * من شذا مسكه واقطف زهرا
فتيقنت مذ رأيت شذاه * ملأ الكون منه عرفا وعطرا
انه نظم فاضل أرضعته * أمهات العلا من الفضل درا
ذو النهى والبهى محمد العطار * اسمى الورى جنابا وقدرا
أيها المدعي له في المعالي * والندا مشبها لقد قلت هجرا
عد عن عاصم وحاتم طي * فهو أقوى الورى وللضيف اقرى
واهجر الغيث واترك الليث ملقى * فهو اجرى ندا وفي الحرب اجرا
أصبح الشعر عنده عبد رق * ليس يعصي لديه نهيا وامرا
فغدا مهديا لنا كل يوم * لؤلؤا رائقا وتبرا وشذرا
بحر جود له من الفيض مد * لا يرى طالب الندى منه جزرا
ان بدا ذكر سؤدد تاه فخرا * أو دجا ليل مشكل لاح فجرا
ما تيقنت قبل طرس اتاني * منه يحكى الرياض عرفا ونشرا
ان ارض الطروس تنبت زهرا * ولسان اليراع ينفث سحرا

275
سيدي خذ إليك بكرا عروسا * ليس تبغي سوى قبولك مهرا
سحبت ذيلها فخارا على * كل بليغ أو ناظم قال شعرا
فغدت بالصفي تهزأ والكندي * والبحتري تيها وسخرا
رفعت للقريض قدرا وجرت * ذيل تيه على المجرة كبرا
حلقت وهي تطلب الشهب حتى * جاورت في السما سماكا ونسرا
حسدتها الشعرى العبور فأمست * عينها من بهاء ذا الشعر عبرى
لو رأى حني رائها ابن عطاء * هام عشقا وظل ينطق بالرا
بمعان حكت برقها الخنساء * لطفا وبالجزالة صخرا
جاد في سبكها ذكاء جواد * قارح لا يعد في النظم مهرا
نظم الشعر راغبا في اكتساب * الفضل لا طالبا لجينا وتبرا
ان اقصر فان في كل بيت * جئت فيه بنيت في المدح قصرا
ولئن طال في علاك مديحي * فلقد طاول الكواكب فخرا
المراسلة بين المترجم له والسيد نصر الله الحائري
أرسل المترجم له إلى السيد نصر الله بهذه الأبيات:
يا قرب الله بعدك * فالصبر قد خان بعدك
و الدمع يجري نجيعا * إذا تذكرت عهدك
والعيش ليس بصاف * وكان يشبه ودك
و قد غدا الجسم عندي * والروح والروح عندك
لا در درك دهري * فقد تجاوزت حدك
منعت عني قصدي * ونلت مني قصدك
يا جفن عيني لازم * مدى التفرق سهدك
ويا لهيب غرامي * زاد التشوق وقدك
ويا زمانا تقضى * ما كان أعذب وردك
فليت لي عن قريب * يقدر الله ردك
مولاي أنت الذي قد * اوريت في المجد زندك
وقد سحبت فخارا * على المجرة بردك
وحزت خير خصال * بها تفردت وحدك
فليس حاتم طي * يكون في الجود ندك
كلا وليس اياس * يحوي ذكاك ورشدك
خاب امرؤ قد تصدى * بان يداني مجدك
فأنت من لا تدانى * إذ كان احمد جدك
فجد بارسال طرس * تسر في ذاك عبدك
ولا برحت بعز * به تذلل ضدك
ودمت في صفو عيش * لا يقرب النحس سعدك
فاجابه السيد نصر الله يقول:
قد هان قتلي عندك * مذ صرت في الحب عبدك
فكم تصغر قدري * وكم تصعر خدك
ما آن انك يوما * للصب تنجز وعدك
حرمت نومي لما * حللت للفتك بندك
ومذ سناك تجلى * لطور صبري قد دك
ولم تدع لي رسما * فالزم فديتك حدك
يا ند خال حبيبي * ما شمت في الطيب ندك
وأنت يا ريق فيه * ما ذقت في الثلج بردك
يا صاح لو شمت بدري * لبعت بالغي رشدك
وسنان طرف ولكن * حذار يوقظ وجدك
لو فاخر البان يوما * لقال ما انا قدك
عصر الوصال المهنا * لا خير في العيش بعدك
إذا كنت جنة انس * تحسو بروضك شهدك
فعاد وردك ملحا * وأذبل البين وردك
يا بين بالله ما لك * لم تال في الظلم جهدك
أريتني الشهب ظهرا * فاتعس الله جدك
وبالجواد بخيلا * غدوت فانتح قصدك
جواد يحصر نطقي * ان رمت احصر حمدك
إذ كنت بحرا خضما * بالرفد تغمر وفدك
أضعت مسك افتخاري * فالله يحفظ عهدك
وقد رفعت مقامي * فالله يخفض ضدك
مذ جدت لي بلآل * أجدت فيهن نضدك
فجاد ربعك غيث * يحكي إذا انهل رفدك
واهدى المترجم إلى السيد نصر الله الحائري عباءة بيضاء وكتب معها
هذين البيتين:
إليكم أهديت يا سيدي * عباءة بيضاء فيها الحبا
فأنت أولى الناس في لبسها * إذ كنت من أسباط أهل العبا
فاجابه السيد نصر الله يقول:
الا يا ذا الجواد بكل ما قد * حواه من تليد أو طريف
منحت عباءة بيضاء أضحت * تضاهي عرض مولانا الشريف
فقرت مقلتي فيها وروحي * وقلت كربة الشعر العفيف
للبس عباءة وتقر عيني * أحب إلي من لبس الشفوف
وله مادحا السيد نصر الله الحائري بهذه القصيدة:
لحظاك ظبي الرملنين * قد حببا في الحب حيني
قد كنت اسمع بالحمام * فشمته من جند ذين
يا للرجال لمهجتي * من فاتك بالمقلتين
ما رق لي ابدا وقلبي * رقه طوع اليدين
تركي أصل لحظة * الهندي ماضي الشفرتين
ونجده التبر المذاب * خليطه يقق اللجين
وإذا رنا فاق الغزال * بجيده والناظرين
عوذت غرته ومبسمه * برب المشرقين
يا تاركي من صده * اثر عفا من بعد عين
ومحملي وجدا ينوء * بحمله جبلا حنين
كم حاجب لك في البها * فلم اكتفيت بحاجبين
تالله حلفة صادق * ما شاب حلفته بمين
ما راق لي رشأ سوا * ه ولا حلا ظبي بعيني
كلا ولا أسلوه أو * أرجو اياب القارظين
أو ان يحاكي ثغره * برق باعلا الرقمتين
أو ينثني عن جوده * العلم الشريف ابن الحسين
السيد السند الزكي * ابن الزكي العنصرين
من قد وطا بنعاله * فوق السها والفرقدين

276
نجل الميامين الأولى * أضحى ولاهم فرض عين
آل النبي ومن لهم * فضل أضاء الخافقين
ولهم اتى نص الكتاب * مطهرا من كل رين
ألف السخاء فلم يزل * هو والندى متحالفين
كالغيث الا انه * ينهل من ورق وعين
ذو هيبة تغنيه عن * بيض الظبا وعن الرديني
وإذا تلكم ناثرا * ازرى بقدر النثرتين
أو قال شعرا ناظما * يسمو مناط الشعريين
هو واحد مثني الهبات * وثالث للنيرين
واليكها يا سيدي * عذراء وابنة ليلتين
أمهرتها منك القبول * وذاك جل المطلبين
لا زلت تسمو واطئا * هام العدى بالأخمصين
وله مؤرخا تعمير مسناة جسر بغداد بأمر واليها حسن باشا:
ان بغداد سمت كل البلاد * بالوزير العادل العالي الجناب
حسن ذي الباس من اسيافه * لا ترى غمدا لها الا الرقاب
كم له أضحى بها من معهد * نال في تعميره حسن الثواب
قد بنى هذه المسناة التي * اجرها باق إلى يوم الحساب
فارتجل يا صاح في تاريخها * انها خير سبيل للصواب 1128
وأرسل إلى الحاج محمد العطار بعد ما اهدى اليه كتاب يتيمة الدهر
هذين البيتين:
إليك أخا العلياء مني يتيمة * بديعة حسن أشرقت في بزوغها
إذا بلغت يوما حماك تحققت * يقينا بان لا يتم بعد بلوغها
وقال في وصف القليان (النارجيلة):
ان غاب قلياننا المائي ذو حمق * فليس يلحقنا من ذمه عار
انى يعاب وفي تركيبه جمعت * عناصركم بها للحسن اسرار
نار وماء وصلصال كذاك هوا * ترتاح منهن عند الشرب سمار
تاتم شرابه مستأنسين به * كأنه علم في رأسه نار
وله في وصف قهوة البن مضمنا:
قلوا للبن فوق النار حبا * فمال القلب منعطفا عليه
اليه لحبة القلب انجذاب * وشبه الشئ منجذب اليه
الشيخ جواد ابن الشيخ عبد الكريم الرشتي
توفي سنة 1309 في رشت ونقلت جنازته إلى النجف ودفن في وادي
السلام.
أرسل الينا ترجمته بعض ذويه والعهدة عليه فقال: كان عالما فاضلا
متميزا بين أهل عصره هاجر من بلاده إلى النجف فقرأ الفقه والأصول
والحديث والكلام ومن أساتذة السيد حسن الكوهكمري المعروف بالسيد
حسين الترك. واخذ عنه السيد كاظم اليزدي وميرزا محمد علي المدرس
الرشتي الجهاردهي وكان مدرسا في الأصول والفقه والكلام معروفا بحسن
التعبير وسلاسة البيان وكانت معيشته ضيقة وكان يتسبب بأي سبب كان
لسعة المعيشة فلا تحصل انه ثم سافر إلى رشت فكان فيها مجهول القدر إلى
حضر يوما من الأيام مجلس العزاء عند السيد عبد الباقي أشهر علماء رشت
وكان المجلس مشحونا بالعلماء والأساطين فحصل البحث في بعض المسائل
العلمية فغلبهم الشيخ جواد فلما خرج اخذ السيد عبد الباقي يثني عليه
كثيرا ثم زوجه ابنته فعظم محله في النفوس بسبب ذلك وكان امام الجمعة
الرشتي يصلي اماما في بعض المساجد فتخلى عن ذلك المسجد للمترجم وهو
مسجد كبير جدا فكان المترجم يؤم فيه ويصعد المنبر ويعظ الناس فيمتلئ
بالناس على سعته وكثيرا ما يأتي الرجل فلا يجد مكانا والى الآن يعرف ذلك
المسجد بمسجد الشيخ جواد. وصارت له رياسة وسلطة قوية حتى أن أرمنيا
زنى بامرأة مسلمة فبلغه ذلك فقتل الزاني فاشتكى الأرامنة إلى الشاه ناصر
الدين فأحضره إلى طهران وقال له لأي شئ قتلت الأرمني فقال هذا امر لا
يتعلق بك لأنك سلطان سياسي وانا سلطان روحاني وهذه وظيفتي الشرعية
فاطلقه الشاه وعاد إلى وطنه فاستقبله الناس استقبالا حافلا. ولما سافر
ناصر الدين إلى أوروبا زار المترجم في بيته. وله من المؤلفات كتاب في
الصرف وآخر في النحو وكتب ثلاثة في الكلام والفقه وأصوله (انتهى).
السيد جواد ويقال محمد جواد ابن السيد عبد الله شبر الكاظمي
توفي بالطاعون بمشهد الكاظمية في رجب بعد مضي ست ساعات من
الليل سنة 1242 عن أربع وخمسين سنة.
وأقام له المأتم في النجف الأشرف الشيخ محمد حسن صاحب
الجواهر وفي الكاظمية ولده السيد حسن وقدمه العلماء مكان أبيه. وأحفاد
المترجم اليوم موجودون في النجف الأشرف والكاظمية.
كان عالما فاضلا ولما توفي رثاه جملة من الشعراء منهم السيد محمد ابن
السيد معصوم الموسوي رثاه ورثى أخاه الشيخ موسى (1) بقصيدة أولها:
أروح وفي القلب مني شجا * وأغدو وفي القلب مني شجن
ولم يشجني فقد عيش الشباب * وليل الصبا ولذيذ الوسن
ولا هاجني منزل بالحمى * ولا ذكر غانية أو أغن
ولكن شجتني صروف الزمان * باهل الرشاد ولاة الزمن
بموسى الكليم بدت بالردى * وكم فيه رد الردى والمحن
وثنت بمن لم يكن غيره * اماما لدينا يقيم السنن
فاخنى الزمان بنجل الرضا * وألبسني منه ثوب الحزن
الشيخ جواد بن علي بن قاسم بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن محيي
الدين بن الحسين بن فخر الدين بن عبد اللطيف بن علي بن أحمد بن أبي
جامع العاملي الحارثي الهمداني النجفي
هكذا نقل عن خطه المؤرخ (1280) وفي الذريعة ابن أحمد بن
علي بن الحسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف الجامعي.
توفي في النجف الأشرف بالوباء 4 شوال سنة 1322 وقد ناف على
الثمانين.
وجده الشيخ عبد اللطيف كان شيخ الاسلام في تستر وأولاده
المذكورون في هذه السلسلة كلهم علماء إلى المترجم ولعل آباءه إلى أبي جامع
الذي جاء من جبل عامل إلى العراق كذلك.
وآل محيي الدين وآل الشيخ عبد اللطيف وهم الشيخ عبد اللطيف



(1) هكذا في مسوذة الكتاب ولا نعلم أخا من هو ولعله أخو المترجم لامه. - المؤلف -
277
والشيخ محيي الدين بن عبد اللطيف والشيخ حسين ابن الشيخ محيي الدين
والشيخ علي ابن الشيخ حسين والشيخ محمد ابن الشيخ قاسم والشيخ
يوسف ابن الشيخ جعفر والشيخ محمد ابن الشيخ يوسف والشيخ يوسف
ابن الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف محيي الدين والشيخ رضي الدين من آل
محيي الدين روى الشيخ جواد محيي الدين المترجم له ان أكثر هؤلاء دفن
في الحجرة الغربية في الزاوية من صحن الإمام علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه.
كان المترجم له عالما فقيها شاعرا أديبا ثقة صالحا أحد فقهاء العرب
في النجف الأشرف لا يدرس الا في الفقه وكان معروفا بتدريس اللمعة وله
امامة في الصحن الشريف. وكان من جملة الأئمة العدول في النجف له
مجلس درس رأيناه في النجف الأشرف وعاصرناه وعاشرناه.
مشايخه
أخذ عن صاحب الجواهر والشيخ محسن بن خنفر وعن الشيخ مهدي
والشيخ جعفر ولدي الشيخ علي بن الشيخ جعفر الكبير وعن السيد علي
الطباطبائي صاحب البرهان القاطع وحضر درس السيد محمد تقي
الطباطبائي صاحب بلغة الفقيه مدة طويلة.
تلاميذه
قرأ عليه جماعة كثيرة منهم الشيخ احمد ابن الشيخ علي من آل الشيخ
جعفر الكبير.
مؤلفاته
(1) رسالة فيمن تيقن في الطهارة وشك في الحدث
(2) أرجوزة في احكام الشك نظمها باستدعاء الفقيه الشيخ حسن المامقاني
أولها:
يقول راجى ربه المعين * عبد الجواد آل محيي الدين
الحمد لله منير الفهم * منور القلب بنور العلم
مزيل ريب الشك باليقين * وموضح الدين لأهل الدين
وبعد فالخل الوفي المؤتمن * اللوذعي الحبر ذو النهج (الحسن)
كلفني نطم شكوك الفرض * ولست بالطول ولا بالعرض
(3) رسالة في تراجم أجداده وفروعهم إلى عصره وهي ملحق لأمل
الآمل ترجم فيها من لم يذكر فيه ممن تأخر منهم فرع منها (1280) ونقلنا
ما فيها من هذا الكتاب (4) أرجوزة في أوقات الاستخارة.
شعره
من شعره ما وجدناه بخطه على ظهر شرح اللمعتين للشيخ محمد بن
يوسف آل محيي كتبه سنة 1273 وهو قوله مخاطبا أمير المؤمنين (ع):
أبا البسط هل أرجو سواك إذ بدا * دجى العسر لي يسرا وكنت له فجرا
وهل يختشي جور الزمان مجاور * أعدك دون العالمين له ذخرا
وقوله:
يا حيدر الطهر مهما أعوزت حرف * فأنت حرفة من يبغي له حرفا
سير سفين رجا في ريح برر ندى * فإنه في بحار العسر قد وقفا
وقوله:
إذا سدت الأبواب في كل حاجة * فدونك بابا ليس يوما بمغلق
ودع كل باب ما سواه ولج به * وسل باسط الأرزاق ما شئت ترزق
وله يرثي الشيخ مهدي ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير
صاحب كشف الغطاء ويعزي عنه الشيخ صالح والشيخ امين والشيخ جعفر
أخا المتوفي:
علام بنو العليا تطأطئ هامها * أهل فقدت بالرغم منها امامها
نعم غالها صرف المنون بفادح * عراها فأشجى شيخها وغلامها
لقد هدمت كف الردى كهف عزها * وأوهت مبانيها وهدت دعامها
وجذت لها الويلات عرنين مجدها * برغم معاليها وجبت سنامها
لوت جيدها حزنا ولفت لواءها * ودقت عواليها وفلت حسامها
فرزء الفتى المهدي كان ابتداءها * ورزء علي القدر كان اختتامها
ومن بعد للاحكام يبدي حلالها * إذا اشتبهت بين الورى وحرامها
فيا ليت نفسي دون نفس ابن جعفر * سقتهتا كؤوس الحادثات حمامها
وليت يدا وارته بالرغم في الثرى * علي أهالت لا عليه رغامها
فيا صالح الأفعال والعالم الذي * له لم تزل تلقي العلوم زمامها
فعز الفتى المولى المهذب في الورى * وماجدها الندب الأمين همامها
وعز لنا أعمامك الغر من بهم * يغاث الورى ان صوح الدهر عامها
أماجد من عليا علي بن جعفر * متى عدت الأشراف كانت كرامها
وذا جعفر ما انفك فينا مقوما * لنا أود العلياء حتى أقامها
أقم شرعة آبائك الصيد احكموا * قواعد علياها وشادوا دعامها
وقم بعدهم فينا اماما فإنه * أبي الله الا ان تقوم مقامها
وهل ينتهي ما فيكم من امامة * فكيف وقد شاء الإله دوامها
وقال حين قدم الشيخ علي حيدر من سوق الشيوخ إلى النجف وأقام فيها:
شيخ سوق الشيوخ قد جاء يسعى * عجلا للغري غير شموخ
لو بسوق الشيوخ للشيخ سوق * بمعاش ما عاف سوق الشيوخ
السيد جواد ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن
موسى ابن السيد حيدر ابن السيد إبراهيم ابن السيد احمد ابن السيد قاسم
الحسيني العاملي الشقرائي عم المؤلف
توفي سنة 1241 في حياة أبيه جدنا السيد علي ولم يعقب غير ابنه
السيد أبي الحسن المولود سنة 1229 وبنت واحدة وتوفي السيد أبو الحسن
سنة 1265 عن غير ولد ذكر وانقطع نسله كما مر في ترجمته وفي بعض القيود
انه توفي سنة 1229 وكأنه اشتباه بعام ولادته والسيد جواد أكبر أولاد جدنا
المذكور وهو أول من دفن في المقبرة التي هي غربي الجامع الكبير بشقراء
ولعله لأجلها وقفها جدنا السيد علي مقبرة وجعل المحوطة التي تسامت بناء
قبة جدنا السيد أبي الحسن موسى خاصة بالعائلة وما وراءها إلى الغرب
لسائر أهل القرية واقتطع ذلك من الأرض التي له بجوار المسجد.
كان عالما فاضلا كاملا شهما كريما جامعا لصنوف الكمالات قرأ
على والده في مدرسته بشقراء وعلى الشيخ علي زيدان وكان هو القائم بشؤون
أبيه في حياته حدثني ابن عمنا السيد محمد حسين بن أحمد قال زار الأمراء
من آل علي الصغير في تبنين وينبغي ان يكونوا حمد البك وأقرباؤه جدكم
السيد علي في يوم عيد فوجدوه جالسا على الأرض فقالوا له مر لنا بفراش

278
فقال (من باب المداعبة وعدم الاعتناء بالحكام) لستم خيرا مني فقالوا مر لنا
بقهوة فقال ليس ههنا مقهى فقالوا نريد غداء قال هذه تبنين قريبة قالوا لا
بد لنا من الغداء فامر ابنه السيد جواد ان يصنع لهم طعاما من البرغل
والعدس فقالوا هذا لا نأكله قال ليس عندي غيره فقام السيد جواد وذبح
لهم وصنع طعاما تأنق فيه فلما رآه أبوه قال ما هذا قالوا أحسنت أيها السيد
الجواد هذا هو الغداء لا ما أمرك به أبوك. فرحم الله أولئك العلماء
والحكام.
الشيخ جواد ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد السبيتي العاملي الكفراوي
ولد سنة 1280 وتوفي سنة 1349 بقرية كفرا.
(السبيتيون) أهل بيت علم وفضل في جبل عامل ولا تعرف هذه
النسبة إلى اي شئ هي، وبعض يقول إن أصلهم من سبتة ببلاد
المغرب. خرج منهم عدة من العلماء يذكرون في محلهم من هذا الكتاب
منهم والد المترجم وجده وعمه الشيخ حسن.
كان المترجم عالما فاضلا شاعرا متقنا للعلوم العربية وعلمي البلاغة
والمنطق وكان عارفا بالشعر والأدب حافظا للأشعار والآثار حاضر النادرة
تقيا قرأ معنا في أوائل الطلب في عيثا ثم بنتجبيل وحضر معنا الامتحان في
بيروت عدة سنين وكان زاهدا متقشفا في لباسه صريحا في أقواله حاضر
الجواب قرأ عليه كثيرون في علم العربية والمنطق والبيان واستفادوا منه وممن
قرأوا عليه الحاج داود الدادا مفتي صور. ومما حدثني به المفتي المذكور قال
يوجد في قرية شارنية في ساحل صور شجر زيتون من أوقاف الشيعة موقوف
على عبادة فأردت ان أعطيه الزيت الذي يخرج منه ظنا مني ان في ذلك نفعا
له وانا أريد ان اقضي بعض حقه لما له علي من فضل فامتنع وقال هذا
موقوف على من يتعبد بالصلاة والصيام عن روح الواقف وانا لا قدرة لي
على ذلك ولا يسوع لي ان آخذه بدون ان أتعبد ولا أريد ان أتحمل وزره إذا
أعطيته لغيري. خلف ولده الشيخ موسى من العلماء. ومن شعره قوله
راثيا السيد علي ابن عمنا السيد مهدي وقد توفي في النجف سنة 1303
بهذه القصيدة:
هل بعد يومك للقلوب قرار * أو بعد فقدك للهجود مزار
لم يفقدوك أبا الحسين وانما * فقدت بفقدك يعرب ونزار
ايه علي القدر ما انا قائل * أم ما عسى بك تبلغ الأشعار
الروض صوح والزمان مقطب * والفضل بدد والعلوم قفار
جاءت بها أم المنايا نكبة * قد ضاق فيها الورد والإصدار
لا العيش بعدك يا علي مونق * كلا ولا دار المسرة دار
لم يدفنوك أبا الحسين وانما * دفن العلا والعلم والأيسار
طوت الليالي منك بدر هداية * يجلو الظلام لمن دهاه سرار
وإذا جرى ذكر العلوم فعلمه * بحر يسوع لنا هل زخار
كيف انتحتك النائبات وقبلها * كنت الملاذ إذا ألم عثار
كنا نؤمل منك طود معارف * لللائذين به حمى ومجار
فرع نما من دوحة نبوية * قد أنجبته أئمة أطهار
طابت منابتها فطاب نتاجها * وإذا الأصول زكت زكى الأثمار
محيي الدوارس من شريعة جده * وبه تسامى للعلوم منار
جارى الرجال السابقين ففاتهم * فهم قصاراهم لديه غبار
حيا ضريحك يا علي مرشة * للرعد في جنباتها تهدار
وضعت بهاتيك المنازل حملها * فلها دموع في ثراك غزار
الحاج جواد ويقال محمد جواد عواد البغدادي
مضى بعنوان جواد بن عبد الرضا بن عواد.
السيد جواد القمي
توفي في شهر صفر سنة 1303 في مدينة قم.
في كتاب المآثر والآثار: كان مجتهدا مسلم الاجتهاد مروجا للأحكام
مبسوط اليد له قلب قوي في النهي عن المنكر وقمع أهل الفجور وفي حفظ
الحدود الشرعية لا يفوته أقل شئ له تصانيف في الفقه والأصول
والرجال.
الشيخ جواد ملا كتاب
مضى بعنوان جواد بن تقي.
الشيخ جواد ويقال محمد جواد بن كربلائي علي الكاظمي
عالم فاضل من تلاميذ الشيخ حسام الدين الطريحي وله منه إجازة.
السيد جواد الكرماني
في كتاب المآثر والآثار: عالم رباني وأوحدي بلا ثاني يعد من
الفحول. في الفقه والأصول وفنون المعقول وبنى له السلطان ناصر الدين
شاه مدرسة في كرمان.
الشيخ جواد بن ملا محرم علي بن قاسم الطارمي الزنجاني
ولد في ذي القعدة 1263 وتوفي في 2 شوال 1335 في زنجان.
عالم فاضل مؤلف قرأ المقدمات في زنجان ثم هاجر إلى قزوين فقرأ
على السيد علي القزويني وغيره ثم هاجر إلى النجف الأشرف فقرأ على الملا
محمد الإيرواني والميرزا السيد محمد حسن الشيرازي وغيرهما ثم عاد إلى
زنجان واشتغل بالتدريس والوعظ وامامة الجماعة والتاليف.
مؤلفاته
(1) حاشية على القوانين في مجلدين مطبوعة (2) شرح على نهج
البلاغة بالفارسية مبسوط كتبه باسم احتشام السلطنة (3) منتخب العلوم في
الصرف والنحو (4) حاشية على الرسائل (5) أفضل المجالس في المصائب
مقتل فارسي مطبوع (6) تكميل الايمان في اثبات صاحب الزمان فارسي
مطبوع (7) ربيع المتهجدين في آداب صلاة الليل (8) رسالة في الإرث
والديات فارسية مطبوعة (9) شرح الصمدية فارسي (10) الأصول
الجعفرية في أصول الدين فارسي مطبوع.
الشيخ جواد ابن الشيخ محسن ابن الشيخ علي شمس الدين
توفي في أوائل الحرب العامة الأولى.
عالم فاضل صالح معاصر قرأ في جبل عامل وهاجر للنجف الأشرف
فقرأ على الشيخ محمد طه نجف وعلى الشيخ علي رفيش وغيرهما ثم جاء إلى
جبل عامل وبقي فيها عدة سنين ثم توفي في وطنه ومسقط رأسه مجدل
سلم.

279
السيد جواد المعروف بسياه بوش (ذو اللباس الأسود) ويقال محمد جواد
ابن محمد المعروف بالسيد محمد زيني بن أحمد بن زين الدين الحسيني
النجفي البغدادي
الشاعر الأديب كان أخباريا صلبا في مذهبه اخذ ذلك عن أستاذه
الميرزا محمد الأخباري وقد جفي من الفرقة الأصولية. له كتاب بمنزلة
المجموعة وكان هجاء وله قصيدة في هجو أهل بغداد.
في الطليعة: كان فاضلا مشاركا في الفنون مصنفا متصوفا (1) محدثا
صنف دوحة الأنوار في الآداب ولعله المجموعة السالفة وكان حسن الخط
وله مطارحات مع فضلاء عصره وكان شاعرا فمن شعره قوله مشطرا بيتي
السيد نصر الله الحائري:
(يا واضع السكين في فيه وقد) * سمحت بلألاء لها شنباته
وتمنت الموتى ترشفها وقد * (أهدت لنا ماء الحياة شفاته)
(ضعها على المذبوح ثاني مرة) * وارفق بمن حانت لديك وفاته
هل كنت في شك بعود حياته * (وانا الضمين بان تعود حياته)
قال المؤلف انا احفظ الأصل هكذا:
يا واضع السكين بعد ذبيحة * في فيه يسقيها رضاب لهاته
ضعها على المذبوح ثاني مرة * وانا الضمين له برد حياته
وهما قديمان فإن كان الحائري قد اخذهما فقد أفسدهما وزادهما فسادا
هذا التشطير البارد. قال وقوله معربا:
أبي آدم باع النعيم بحنطة * فلست ابنه ان لم أبع بشعير
بدا الوعد منه والوفا صح من أبي * أبي شبر أكرم به وشبير
قال المؤلف: البيت الأول قديم وقد استشهد به ابن عباس في
محاورته مع أم المؤمنين فلا ندري كيف جعله تعريبا والثاني كما ترى.
قال ومن شعره قوله مصدرا هو معجزا الهادي النحوي لتصدير أخيه
الرضا وتعجيز أبيه احمد لدن زينب قبة أمير المؤمنين (ع) وقد جاءوا من
الحلة وانا أذكر الجميع وأشير إلى الرضا بالضاد والى احمد بالحاء والى الجواد
بالجيم المقطوعة والى الهادي بالهاء. (أقول) معنى ذلك ان الشيخ احمد
النحوي ووالده الشيخ هادي والشيخ محمد رضا الحليون جاءوا من الحلة
ليروا القبة الشريفة لما زينت بالذهب فنظموا هذه القصيدة وشاركهم فيها
المترجم وهي:
ض (انظر إليها تلوح كالقبس) * ه‍ من نار موسى بدت لمقتبس
ج‍ ضاءت شهابا لرجم عفريت * ح (وبرق غيث همى بمنبجس)
ج‍ (أو غرة السيد الإمام أبي) * ه‍ الأنوار من بالأنام لم يقس
ض خامس أهل الكساء من ولد * ألح (الأطهار من قد خلا من الدنس)
ض (يا حبذا بقعة مباركة) * ه‍ حوت ضريحا لعالم ندس
ج‍ تاهت بتعظيمها على ارم * ح (فاقت بتقديمها على قدس)
ض (لي اشتياق فمذ حللت بها) ه‍ غنيت في انسها عن الأنس
ج‍ مذ سيط لحمي بحبه ودمي * ح (لم تخل نفسي منه ولا نفسي)
ض (شاهدت فيها بدر التمام بدا) * ه‍ فقلت نور الإله فاقتبس
ج‍ يهدي البرايا بنور حكمته * ح (يجلو سناه غياهب الغلس)
ض (ان فاه نطقي بغير مدحته) * ه‍ فاه لساني بنطق محتبس
ج‍ أو انني في سواه قلت ثنا * ح (أبدلني الله عنه بالخرس)
ض (من قام للضد فيه مأتمه) * ه‍ ما بين ذاك النضال والدعس
ج‍ فأمست الوحش منه في فرح * ح (وأصبح الطير منه في عرس)
ض (سل عنه بدرا فكم بحملته) * ه‍ طار شظايا فؤاد ذي شرس
ج‍ سل عنه أحدا فكم بوقعتها * ح (من طائح رائح ومن نكس)
ض (وسل حنينا عشية اشتبهت) * ه‍ ظلمة ذاك القتام بالدمس
ج‍ يا بؤس يوم لهم به التبست * ج‍ (نعال أفراسه مع القنس)
ض (هذا عن السرج خر منجدلا) * ه‍ ثاو وعهد الحياة منه نسي
ج‍ وذاك بالقرب قد مضى شرقا * ح (وذا قضى نحبه على الفرس)
ض (وأصبح البر وهو بحر دم) * ه‍ فالجرد فيه تعوم لم تطس
ج‍ لا غرو بالسابحات لو وسمت * ح (فما جرى حافر على يبس)
ض (يفترس الأسد وهي شيمته) * ه‍ أسد قراع الهياج لا الخيس
ج‍ يا فارسا فارسا لشلوهم * ح (كم فارس وهو غير مفترس)
ض (يكسو اليتامى وما لصارمه) * ه‍ عار وما بالغمود قط كسي
ج‍ مجرد باليمين ليس له * ح (غير استلاب النفوس من هوس)
ض (اختاره الله للبتول كما اخ‍) * ه‍ تار لهذا السما ضيا الكنس
ج‍ وخص من دونهم بها وقد اخ‍ * ح (تيرت له من حسانها الأنس)
ض (ردت له الشمس وهي منقبة) * ه‍ في يثرب قدمت دجى الغلس
ج‍ كذاك في بابل ومذ رجعت * ح (سما بها جهرة على الشمس)
ض (جدد رسم الهدى وقد طمست) * ه‍ آثاره واستدام في نحس
ج (منه استمد السعود واتضحت) * ح (اعلامه وهو غير منطمس)
ض يكفيك فخرا ما جاء في خبر الط * ه‍ هر تكليم خالق الإنس
جوكم اتى في علاك مثل الطا * ح (ئر صدق الحديث عن أنس)
ض (ودست كتف النبي أنت ومن) * ه‍ باريت فيه حظيرة القدس
ج‍ أصبحت دون الورى الامام لذا * ح (سواك كتف النبي لم يدس)
ض (كسرت أصنام معشر لبسو الده‍) * ه ر أمور الأنام بالبلس
ج‍ فزلت ريب الشكوك عن وضح الد * ح (ين فقد صار غير ملتبس)
ض (إليك وجهت همتي فعسى) * ه‍ (ابدل حظا بحظي التعس)
ج‍ يورق عود المنى لدى لكي * ح (أعود والحظ غير منعكس)
ض (يا حاضر الميت عند شدته) * ه‍ محك أهل النقاء والدنس
ج‍ تعرف سيماهم وما عملوا * ح (ما كان من محسن بها ومسي)
ض (عد بالجميل الذي تعود على) * ه‍ مستمسك في ولاك من مرس
ج وجد على وامق تضمنه * ح (اجداث قبر بأربع درس)
ض (عسى أرى سيئي غدا حسنا) * ه‍ من رهق لا أخاف أو بخس
ج‍ يماط سكر الغواء من دنسي * ح (فتطهر الراح من اذى النجس)
ض (فأنت لي حارس وفيك قد اس‍ * ه‍ تكفيت من خيفة ومن وجس
ج‍ ما ضرني صرت مفردا وبك استغ‍ * ح (نيت عن عدتي وعن حرسي)
ض (كن شافعي عندما لكي فبها) * ه‍ تيك الخطايا العظام منغمسي
ج‍ حاشاكم تتركون مادحكم * ح (احمد بالذنب اي مرتمس)
ض (رضا بها يرتجى لديك رضا) * ه‍ هاد يرجي الهدى لذي اللبس
ج جواد يرجو جدواك ملتمسا * ح (فاقبل رجائي وعد بملتمسي)



(1) ذكر الشيخ عبد المولى الطريحي ان المترجم غادر العراق إلى إيران وهناك تصوف ومكث فيها
عدة سنين ولبس قباء اسود فلقب (سياه بوش) وأتقن الفارسية فترجم كثيرا من الشعر
الفارسي. - المؤلف -
280
وله:
ورب شخص لم يزل مولعا * بذمنا يبديه للعالمين
نحن نشرنا مدحه للملا * حتى كلانا كذبه يستبين
وله:
لثم الحبيب يمينه لما بدا * في كفه برق من الصهباء
ناداه ما اسمك يا سنا شمس الضحى * فأجاب موسى ذو اليد البيضاء
وله في قهوة البن:
رب سوداء في الكؤوس تبدب * تهب الروح نفخة في الحياة
فإذا ذقتها تحققت فيها * ان ماء الحياة في الظلمات
وقال والمعنى معرب عن الفارسية:
اني أحيط بوصف حب لم يكن * يرقى لأدنى سره المكتوم
كذب الذي بالميم شبه ثغره * قد مثل الموهوم بالمعلوم
ما كان الا نون تنوين بدا * بالنطق لكن ليس بالمرسوم
الشيخ جواد بن الشيخ محمد جواد الغول العاملي
توفي بالنجف حدود 1290.
هاجر إلى النجف في السنة التي هاجر فيها الشيخ موسى شرارة
وجماعة من العامليين فقرأ هناك وتقدم حتى صار من أفاضل العلماء ثم
عاجلته المنية.
الحاج جواد ويقال محمد بن الحاج محمد حسين بن الحاج عبد النبي بن
الحاج مهدي بن الحاج صالح بن الحاج علي الأسدي الحائري الشهير
ببذقت أو بدكت بالكاف الأعجمية
ولد سنة 1210 في كربلاء وتوفي سنة 1281 كما في مسودة الكتاب
وفي مجلة الغري توفي سنة 1285 والله أعلم وكانت وفاته في كربلاء ودفن
بها.
(وبذقت) لقب جدهم الحاج مهدي أراد ان يقول عن الشمس
بزغت فقال لتمتمة فيه بذقت.
في الطليعة: كان فاضلا أديبا شاعرا محاضرا مشهور المحبة لأهل
البيت عليهم السلام. وفي مجلة الغري انه من مشاهير شعراء كربلاء
المجيدين في القرن الثالث عشر وديوانه لا يزال مخطوطا ويوجد في كربلاء
(انتهى) وله شعر كثير معروف وله محبوكات في أمير المؤمنين (ع) نظير
محبوكات الصفي الحلي.
وقال السيد سلمان هادي الطعمة من مقال له: عاش بين أترابه
فطاحل شعراء كربلاء أمثال الشيخ قاسم الهر والشيخ محسن أبو الحب
والحاج محمد علي كمونة والسيد احمد الرشتي والشيخ موسى الأصفر والحاج
محسن الحميري وغيرهم. وكان مقر اجتماع تلك الصفوة من الأدباء في
ديوان آل الرشتي. وكان يومذاك السيد احمد الذي اخذ يقرب جماعة أبيه
السيد كاظم الرشتي، ومنهم المترجم.
كان للحاج جواد صلات وثيقة مع سائر شعراء تلك الفترة الذين
يتوافدون على هذا الديوان لتبادل الآراء والأفكار الأدبية، وأخص بالذكر
منهم الشيخ صالح الكواز شاعر الحلة الفيحاء في عهده
(انتهى).
ومن شعره قوله مقرظا تخميس الشيخ موسى ابن الشيخ شريف محيي
الدين لمقصورة ابن دريد:
اي آي أبديتها في القوافي * قد هوت سجدا لها الشعراء
ان هوت سجدا فغير غريب * أنت موسى وهي اليد البيضاء
وله أيضا في تقريظه:
لقد كفرت بالشعر قوم وقد قضى * علينا الردى حزنا عليه وتبئيسا
فأحييتنا فيما نظمت فامنوا * فكنت لنا عيسى وكنت لهم موسى
ومن شعره الذي أورده في الطليعة قوله:
فوق الحمولة لؤلؤ مكنون * زعم العواذل انهن غصون
لم لقبوها بالظعون وانها * غرف الجنان بهن حور عين
يا أيها الرشأ الذي سميته * قمر السماء وانه لقمين
مهما نظرت وأنت مرآة الهوى * بك بان لي ما لا يكاد يبين
لم تجر ذكرى نير وصفاته * الا ذكرتك والحديث شجون
وقوله مخمسا هذه الأبيات:
قلت لصحبي حين زاد الظما * واشتد بي الشوق لورد اللمى
متى أرى المغني وتلك الدمى * قالوا غدا تأتي ديار الحمى
وينزل الركب بمغناهم * هم سادة قد أجزلوا بذلهم
لمن اتاهم راجيا فضلهم
فمن عصاهم لم ينل وصلهم * وكل من كان مطيعا لهم
أصبح مسرورا بلقياهم
قد لامني صحبي على غفلتي * إذ نظرت غيرهم مقلتي
فمذ أطالوا اللوم في زلتي * قلت فلي ذنب فما حيلتي
بي وجه أتلقاهم
يا قوم اني عبد احسانهم * ولم أزل أدعى بسلمانهم
فاليوم هل احظى بغفرانهم * قالوا أليس العفو من شانهم
لا سيما عمن تولاهم
فمذ تفكرت بآدابهم * وان حسن العفو من دأبهم
ملت إلى تقبيل أعتابهم * فجئتهم أسعى إلى بابهم
أرجوهم طورا واخشاهم
جعلت زادي في السرى ودهم * وموردي في نيتي وردهم
وقلت هم لم يخجلوا عبدهم * فحين ألقيت العصا عندهم
واكتحل الطرف بمرآهم
لم أر فيهم ما تحذرته * بل لاح بشر كنت بشرته
كأنما فيما تفكرته * كل قبيح كنت أصررته
حسنه حسن سجاياهم
وله يرثي الحسين (ع) أيضا:
شجتك الظغائن لا الأربع * وسال فؤادك لا الأدمع
ولو لم يذب قلبك الاشتياق * فمن أين يسترسل المدمع
توسمتها دمنة بلقعا * فما أنت والدمنة البلقع
تخاطبها وهي لا ترعوي * وتسألها وهي لا تسمع
فعدت تروم سبيل السلو * علام قد انضمت الأضلع
هل ارتعت من وقفة الأجر عين * فأمسيت من صابها تجرع
فاينك من موقف بالطفوف * يحط له الفلك الأرفع

281
بملمومة حار فيها الفضاء * وطاش بها البطل الأنزع
فما اقلعت دون قتل الحسين * فيا ليتها الدهر لا تقلع
إذا ميز الشمر رأس الحسين * أيجمعها للعلا مجمع
فيا ابن الذي شرع المكرمات * والا فليس لها مشرع
بكم انزل الله أم الكتاب * وفي نشر آلائكم يصدع
أوجهك يخضبه المشرفي * وصدرك فيه القنا تشرع
وتعدو على جسمك الصافنات * وعلم الآله به مودع
وينقع منك غليل السيوف * وان غليلك لا ينقع
ويقضي عليك الردى مصرعا * وكيف القضا بالردى يصرع
بنفسي ويا ليتها قدمت * واحرزها دونك المصرع
ويا ليته استبدل الخافقين * وأيسر ما كان لو يقنع
وله يرثي السيد حسن ابن السيد علي الخرسان النجفي المتوفي سنة 1265:
اهبت به للاشتياق نوازع * بايمن خفان الطلول البلاقع
طلول بها قلبي تبوأ منزلا * كان روابيها عليه أضالع
وقفت بها واليعملات كنؤيها * ودوح الهوى من فيض دمعي يانع
صبرت وللشكوى إصاخة مسمع * وما لك عن بث الصبابة رادع
هلم عظيما يملأ الدهر حسرة * وداك الذي تستك منه لسامع
قوارع حتف كور الشمس وقعها * فهل ترتقي للنيرات القوارع
وحجبن بدرا من سما مجد هاشم * سناه بأعلى دارة المجد ساطع
فذلك أحرى ان تذوب لفقهة * القلوب وان تذرى عليه المدامع
فيا كوكبا تحت الثرى حاز مغربا * فكان له فوق الثريا مطالع
ليلو عنانا من يرجي صنيعة * فبعدك غي ان ترجى الصنائع
قضيت فلا نهج المفاخر لاحب * لسار ولا بدر المكارم طالع
وله يرثي الحسين (ع) أيضا:
بواعث اني للغرام مؤازر * رسوم باعلا الرقمتين دوائر
يعاقب فيها للجديدين وارد * إذا انفك للجديدين صائر
ذكرت بها الشوق القديم بخاطر * به كل آن طارق الشوق خاطر
وانك ان لم ترع للود أولا * فما لك في دعوى المودة آخر
وتلك التي لو لم تهم بمهجتي * ان اللحاظ سواحر
لحاظ كالحاظ المهى فكلاهما * فواتك الا ان تلك فواتر
وجيد يريك الظبي عند التفافتها * هي الظبي ما بين الكثيبين نافر
تحملت حتى ضاق ذرعا تحملي * ومل اصطباري عظم ما انا صابر
عدمتك اقلع عن ملائمة الهوى * ألم يعتبر بالأولين الأواخر
أهل جاء ان ذو صبوة نال طائلا * وان جاء فاعلم أن تلك نوادر
فان شئت ان توري بقلبك جذوة * يصاعدها ما بين جنبيك ساجر
فبادر على رغم المسرة فادحا * عظيما له قلب الوجودين داعر
غداه أبو السجاد والموت باسط * موارد لا تلفى لهن مصادر
أطل على وجه العراق بفتية * تناهت بهم للفرقدين الأواصر
فطاف بهم والجيش تأكله القنا * وتعبث فيه الماضيات البواتر
على معرك قد زلزل الكون هوله * واحجمن عنه الضاريات الخوادر
يزلزل اعلام المنايا بمثلها * فتقضي بهول الأولين الأواخر
وينقض أركان المقادير بالقنا * امام على نقض المقادير قادر
أمستنزل الأقدار من ملكوتها * فكيف جرت فيما لقيت المقادر
وان اضطرابي كيف يصرعك القضا * وان القضا نفاذ ما أنت آمر
أطل على وجه المعالم موهن * وبادر ارجاء العوالم بادر
بان ابن بنت الوحي قد أجهزت به * معاشر تنميها الإماء العواهر
فما كان يرسو الدهر في خلدي بأن * تدور على قطب النظام الدوائر
وتيك الرفيعات الحجاب عواثر * بأذيالها بل انما الدهر عاثر
شكت وتشاكت حين وافت حميها * فألفته ملقى فوقه النقع ثائر
فطورا تواريه العوادي وتارة * تشاكل فيه الماضيات البواتر
فيا محكم الكونين أوهى احتكامها * بأنك ما بين الفريقين عافر
وانك للجرد الضوامر حلبة * الا عقرت من دون ذاك الضوامر
ألست الذي أوردتها مورد الردى * فيا ليتها ضاقت عليها المصادر
فيا ليت صدري دون صدرك موطأ * ويا ليت خدي دون خدك عافر
ويروي السيد سلمان الطعمة عن السيد عبد الحسين الطعمة سادن
الروضة الحسينية ان للمترجم ملحمة طويلة في مدح الأئمة احترقت مع ما
احترق من مكتبة السيد عبد الحسين.
الشيخ جواد ابن الشيخ محمد ابن الشيخ شبيب ابن الشيخ إبراهيم بن صقر
النجفي المعروف بالشيخ جواد الشبيبي.
ولد ببغداد سنة 1281 وتوفي بها سنة 1363.
ونقل إلى النجف الأشرف فدفن هناك بتشييع كبير مشى فيه الوزراء
والنواب والأكابر والوجوه واستقبل في النجف بتشييع اشتركت فيه جميع
الطبقات وفي مقدمتهم العلماء والشيوخ والأدباء وأغلقت الأسواق وضاق
الصحن الشريف بجماهير المشيعين وبعد الصلاة عليه دفن بمقبرته الخاصة
وأقيم له مجلس الفاتحة في دار آل الشبيبي بالكرادة الشرقية وفي النجف
الأشرف أقامه الشيخ محمد حسن المظفر وفي الكاظمية أقامه السيد محمد
صادق الهندي في فرع مدرسة منتدى النشر الدينية وفي الديوانية وفي العمارة
وفي القورنة. وهو والد الفاضل شاعر العصر الشيخ محمد رضا الشبيبي.
أقوال المترجمين فيه
شيخ شعراء العراق واحد اعلامه وأعيانه ولد في بغداد حيث توفي
أبوه بعد أيام قليلة من ولادته وكان مقيما فيها فرازا من تحكم بعض شيوخ
(المنتفق) ففارقت والدته بغداد بعد أشهر إلى النجف وفيها إذا ذاك طائفة من
أهله وذويه مقيمين للتحصيل وأقامت به قليلا إلى أن أنفد أبوها (الشيخ
صادق اطيمش) من حملها اليه في المنتفق. وكان الشيخ صادق فقيها كبيرا
وأديبا ضليعا يرجع إلى رياسة وامامة في تلك الديار وله فيها ضياع ومزارع
معروفة إلى اليوم فنشأ المترجم في كنف جده لأمه وتعلم القراءة والكتابة
وجود الخط حتى اشتهر فيه وكان جده المذكور كثير الرعاية له والعناية به
حريصا على تربيته وتهذيبه حتى شدا الشعر والأدب صبيا فزاد اعجابه به
وأحبه حبا شديدا وصار يغذيه بهذا ومثله إلى أن توفي رحمه الله سنة 1296
معمرا فلم يطل مقامه في المنتفق بعد جده وفارق تلك البلاد إلى النجف
ومنها إلى بغداد مترددا بينها وبين مشهد الكاظمين مقبلا على درس المبادئ
ثم فضل إلى النجف لدرس الفقه والأصول فاخذ عن جماعة منهم السيد
عبد الكريم الأعرجي شارح القوانين المعروف والشيخ احمد المشهدي
وجماعة آخرين ووجد بخطه نبذة في الأصول كتبها أيام درسه غير أنه كان
مسوقا منذ نشأته كما تقدم إلى الأدب منظومه ومنثوره فصرف وكده واستفرع

282
جهده فيهما وقد تميز بالترسل والبيان حتى سمع من غير واحد من رجال
الفن انه اكتب كتاب هذه الديار وذلك على الأساليب العربية القديمة
ورسائله معروفة مشهورة وله من المجاميع الدر المعثور على صدور الدهور
وهو مجموع رسائله ومكاتباته وله ديوان شعر ولكنه فقد أخيرا فيما فقد من
المسودات الخطيرة الخاصة به بسبب الكوارث الداخلية التي المت بالبلاد
أخيرا على أن كثيرا من شعره مما يتناقله الرواة وقد نشرت له المجلات قليلا
من القصائد والمقاطيع ولقد اعرض عن النظم والكتابة في أواخر حياته حيث
أقام في الكرادة الشرقية وهي ضاحية من ضواحي بغداد المعروفة وذلك بين
أولاده وأحفاده في كرامة موفورة.
وذكره الشيخ علي الجعفري في كتابه الحصون المنيعة في طبقات
الشيعة فقال: تتلمذ في أصول الفقه على السيد عبد الكريم الأعرجي
الكاظمي حين اقامته في النجف وعلى السيد مهدي الحكيم وفي الأدب على
الشيخ محسن ابن الشيخ خضر والسيد محمد سعيد الحبوبي (انتهى) وقال
الأستاذ جعفر الخليلي صاحب جريدة الهاتف النجفية ما حاصله: كان
اسمه من الشهرة بحيث لا أذكر اسم الأدب بجميع فنونه الا وكانت له من
المناسبة ما تجعل الاتصال وثيقا باسم الشبيبي الكبير وكان عدد أدباء العربية
الموهوبين في عصره كبيرا جدا وعلى كبر هذا العدد فقد كان في الرعيل
الأول من المتفوقين والعباقرة وقد كنت اعلم أنه من رواد مجالس آل الشيخ
عباس الجعفري والسيد علي العلاق والسيد حسين القزويني ومن أقران
الشيخ هادي ابن الشيخ عباس الجعفري والشيخ عبد الكريم الجزائري
والشيخ عبد الحسين الجواهري والشيخ آقا رضا الأصفهاني والسيد علي
العلاق والسيد جعفر الحلي والسيد باقر الهندي وكنت اعلم أن لهؤلاء تاريخا
حافلا بالفضيلة والكرامة واليهم يرجع الفضل في بناء النهضة الأدبية
وكذلك له مع الطبقة التي تليهم كالشيخ عبد الحسين الحلي والشيخ عبد
الرضا آل الشيخ راضي والشيخ عبد الحسين الحياوي وغيرهم وله مع هذه
الطبقات نوادر ونكات غاية في الرقة ومساجلات شعرة كثيرية وكان هو
المجلي في شعره ونثره ونوادره وسرعة خاطره (انتهى).
بعض نوادره
في جريدة الهاتف: قال له بعض العلماء لا تنس ان ولدت سنة وفاة
الشيخ مرتضى الأنصاري فقال واي شئ في ذلك فقال إن تاريخ وفاته
بحساب الجمل (ظهر الفساد) فقال له وأنت من الذين ولدوا في ذلك
التاريخ فيما أذكر قال لا بل انا ولدت قبل وفاته بأربع سنين فقال فإذا تاريخ
ولادتك (ظهر الفسا). وبلغه ان الشيخ جواد عليوي وقد ثنى على الثمانين
تزوج بفتاة صغيرة وانه يعالج نفسه بالأدوية فكتب إلى بعض أصدقائه
يقول:
(جوادك) من بعد الثمانين صاهل * فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول
وقائلة ما ذا تحاول نفسه * فقلت لها فتح الحصون تحاول
فقالت أبا لسيف الذي هو حامل * وما سيفه في الروع الا حمائل
ومن عجب ان الصياقل لم تكن * تعالجه بل عالجته الصيادل
أشعاره
له شعر كثير جيد وقد سمعت ان له ديوان شعر وانه فقد ولكن في
مجلة الحضارة ان المهم من شعره قد عني بجمعه قريبه الشاعر السيد محمود
الحبوبي (النجفي) ولا يزال محفوظا ومخطوطا عنده وهو يربو على 2500 بيت
من عيون الشعر ومختاراته (انتهى) فمن شعره قوله في الناقة:
دعها تلفت فلا بنفف * لتجوبها حزنا وصفصف
حرف تكاد لضعفها * من خط سطر الركب تحذف
ان أذملت فقل الظليم * لمرتمى البيداء قد زف
تستل من نفس الصبا * روحا بجسم البرق تقذف
وتلوح في لجج السراب * كأنها صرح مسجف
ومنها في القلم:
أمقف القلم الذي * من دونه الرمح المثقف
تجري سلافة ريقه * فتعبها الأفكار قرقف
ورد الفصاحة لم يكن * لولاه بالاملاء يقطف
جوف العدو يضيف من * نفثات ارقمه المجوف
فكأنه قلم القضا * ان جر يوما ما توقف
وقوله من قصيدة:
أيا ظبي الصريم عضى فؤادي * مقيلك حيث تأوي لا الصريم
جرى فيك الغرام على اختلاف * فصبر ظاعن وجوى مقيم
وشوق صح في قلب سقيم * به من لحظك الماضي كلوم
سرى من مقلتيك له سقام * فاعداه وقد يعدي السقيم
أيطعنني قوامك وهو خوط * ويصرعني هواك وأنت ريم
وقوله من قصيدة:
أعقيق ما شفه الحسن أم فم * شق قلب البروق لما تبسم
وعلى وجنتيك خط يراع * الحسن حرفا بمسكة الخال معجم
أيها المجتلي المحيا أبدرا * مشرقا قد جلوت من مطلع التم
أم صفات الضيا تجلت فشمنا * أنجما من توقب النجم أنجم
وقال في ذكرى القادسية:
يا عرب أين جيادكم وهي التي * لم يثنها في الروع جذب عنان
المنجبات اللقب تحمل غلمة * الفوا عناق معاطف المران
والجاعلات من السبيب مراوحا * يخفقن فوق مناكب الفرسان
يحملن مردا لا يداف خضابهم * الا بمطروق النجيع القاني
سل عن مواكبها التي كم غيرت * ما بين ذي قار إلى حلوان
يخبرك (يوم القادسية) كم لها * اثر يرق بصفحة الإيوان
قادت مداينه وكم من معقل * ينقاد للتسليم والاذعان
واستبدلت عصف الهياج بأرضها * عن دوح ذاك العصف والريحان
وغدت مراقب للنسور مع الطلى * بين التلاع الحر والكثبان
واستعبد العرب الغطارف فرسها * فهوت مرازبهم إلى الأذقان
سجدت ونيران الوغى حمر الظبا * للسلم لا لعبادة النيران
يا من يفر ولا مفر لهارب * وطات قراه كتيبة الحدثان
سيدور دهر الغافلين عن القضا * والدهر كالأفلاك ذو دوران
سل قنة الإيوان فارغة الذرى * ان كان تنطق قنة الإيوان
أين استقل العدل يخنق بنده * من بعد ناشره أنوشروان
أم أين هرمزه وقادة جيشه * أم أين ما تركت بنو ساسان
أين البساط تفننت بصنيعة * أيد نسجن بأبدع الألوان
ما بين ياقوت وبين زمرد * حسك ربطن الدر بالمرجان

283
فإذا نظرت رأيت زهر حديقة * فيها حياض الماس كالغدران
كانت مجالي للطلى أزهارها * فغدت لأظفار الخطوب مجان
لاهون كم بسطوه تحت زجاجهم * والدهر يطويه بأي بنان
أضحى غنيمة فاتحين شعارهم * في الأرض نشر إقامة وأذان
ركبوا المذاكي للجهاد مصاعبا * ملس المتون رخية الارسان
الدافعون بطارق حبل العدى * والفاتحون مغالق البلدان
اخذوا على الدول الطريق فلا ترى * فيها الطريق لخائف عينان
واستقبلتهم بالخضوع حصونها * فغدت مخازنها بلا احصان
علقت رقابهم الظبا مسنونه * كعلاقة الأرواح بالأبدان
سالت دروعهم على بحر العدى * وسيوفهم بالغدر والخلجان
وتلونت بحرا يصادم لجمهم * فطمى الردى حيث التقى البحران
وقال يرثي عالم العراق وشاعر العصر السيد محمد سعيد الحبوبي
النجفي وقد توفي مجاهدا سنة 1333:
لواء الدين لف فلا جهاد * وباب العلم سد فلا اجتهاد
تخارست المقاول والمواضي * فليس لها جدال أو جلاد
بكيت معسكر الاسلام لما * أطيح عميده وهو العماد
كأن لم تركز الخرصان فيه * وتصبح في مواكبه الجياد
تزاحفت الخصوم فهل سديد * وأرجفت الثغور فهل سداد
أقائد جحفل التوحيد من ذا * بعدل صفه وبمن يقاد
تصيدك العدى في الجو نسرا * ونسر الشهب فيهم لا يصاد
وارهبهم جناح منك أضحت * تفيا في قوادمه العباد
إذا وصفوا كتائبه استكانت * لعز مليكه الدول البعاد
مليك غير أن العلم تاج * له من فوق مفرقه انعقاد
ومصلح أمة لو لم يقمها * بنهضته لأقعدها الفساد
فما نفرت وفيها لها ائتلاف * ولا اشتجرت وفيه لها اتحاد
اتاها والقلوب بها سقام * وجاهدها فابرأها الجهاد
وساق الجيش مطلعه (سعيد) * وفي مجرى ظلائعه السداد
تجمهر لا يعد وليس يأتي * على أوصاف قائده العداد
يسير المسلمون على سناه * وفي الفلوات منه بها يقاد
كأن الخيل يرسلها سرايا * كواكب في السماء لها طراد
كان عداك في الهيجاء زرع * دنا منه بمنصلك الحصاد
كأن البرلج من حديد * تسيل به الأباطح والوهاد
كأنك يانجاتهم سفين * تسايرها الهداية والرشاد
أرادوا النصر ينتج بابن آن * وأمر الله يعقم ما أرادوا
ورد نفيرهم لم يلو جيدا * إلى العقبى وعقباها ارتداد
تحايدت القبائل عنك لما * رأوا ان الحياة هي الحياد
وقال في الحكم والآداب:
هو البارق العلوي ينبض عرقه * وتجلو لك الآثار في الأرض مزنه
وميض من الآراء لا ما تخاله * وقطر من الأقلام لا ما تظنه
وما السيف مصقول الفرند بمائج * كما ماج من عضب البصيرة متنه
إذا ملك الإنسان رأيا ومزيرا * تمنع عن فتح الملمات حصنه
وكيف وعضب الرأي يهبر ضربه * وزج اليراع الصلب يبهر طعنه
الا قطعت من زندها يد كاسل * مقيم على لهو وقد جد ظعنه
يشيد مصل الصرح جسما على الهوى * ويهدمه من حيث يثبت ركنه
* * *
فيا راكب الخمسين والعيش مشرع * تصادم في ردم من الذعر سفنه
أما لك من امارة السوء زاجر * يسوس لك الجاش الذي لا تعنه
فهل بعد غور الماء عن مغدر الصبا * يرنح في روض الشبيبة غصنه
اتى الشيب بالشهباء وهي كتيبة * بها حرب خطب مرهب مرجحنه
بما ذا يقي منه وقد خانه الصبا * وأصبح مقلوبا عليه مجنه
يبكيه ارجاف الظنون ومن بكى * لها حق لا تضحك الدهر سنه
وتسهره الآمال والفوز ضائع * عليها كما قد ضيع النوم جفنه
شرى الخسر من باع الحياة بموته * ولا ثمن الا الملام وغبنه
هوى بجناح الطيش ينفض ريشه * وأصبح رهن الذاريات مكنه
يفاخر في تلك الرفات دفائنا * يعز عليها ان يؤخر دفنه
إذا ما اقتفى المرء الذليل ابن نفسه * بأخلاقه فالعز ان يهتك ابنه
أرى المجد في الإنسان ثغرا يسده * ونهجا على الذكر الجميل يسنه
جمال الفتى احسانه وجميله * وليس جميلا بالفتى الضرب حسنه
وليس سواء مزئر حول غيله * وباغم سرب يشرئب أغنه
يدك أبو الأشبال هضبة قرنه * وخشف الظبا بالفهر يكسر قرنه
* * *
أحب المخلى يطلق الجد رأيه * وابغضه والقيد باللهو سجنه
واعشق من تصبي الفنون فؤاده * فلا فن الا وهو بالجد فنه
واهوى نزيفا جامه ما يصوغه * وألفاظه الصهباء والفكر دنه
جلاها سراجا في الغبوق ومثلها * توقد في قلب الدجنة ذهنه
امنت بها خطف المخاوف انما * تخوفها من طال بالنوم امنه
فشمر لها ذيل المجد وردعها * به خاطب العلياء تعبق ردنه
* * *
فدى لمنير الليل في جمرة الذكا * خمود دخان الموقدين يجنه
إذا ما جرى ذكر المصافات للعلا * تراكض من خلف الترائب ضغنه
يسل كهاما من لسان وكم نبا * وفي ملس اعراض الكرام يسنه
فلم يمتلئ الا بنقص صواعه * ولم يستقم الا على البخس وزنه
أحلته أحلام الكرى منبت * المنى فاهز له المرعى الذي فيه سمنه
وأرسل إلى الشيخ احمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن
الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر النجفي يطلب منه ان يهئ له مأدبة سمك
يختص بها وحده دون ان يشاركه فيها أحد أقربائه الذين نكتوا معه يوم
الهريسة:
بمن لذاتك بيتا من علا سمكا * صير غداي غداة الأربعا سمكا
وخصني فيه فردا لا يشاركني * سواك فالنفس تأبى الشرك والشركا
أما اعتبرت بهم يوم الهريسة مذ * ألقوا أناملهم من فوقها شبكا
قالوا لنا سرر البني نقسمها * ما بيننا والبقايا في الجلود لكا
وقال يخاطب السيد حسين القزويني:
ألسنا الناظمين على طلانا * ولاءك غير منتثر العقود
إذ سلك القلادة عد خيطا * فسلك ولاك من حبل الوريد
وقال وهي تجمع عدة مقاصد:

284
تكتمت لولا أن دمعي فاضحي * وأعرضت لولا ما تجن جوانحي
وقلت لداعي الحب سمعا وطاعة * فعن موقفي في العشق لست ببارح
وما انا ممن يضعف الشيب نفسه * وان أصبحت تبيض سود مسابحي
احن فما رعد السحاب بمرجف * وأبكي فما دمع الرباب بسافح
يطارحني في الدوح من ليس قلبه * كقلبي ولا أوكاره كمطارحي
* * *
علوت صياصي العز وهي فوارع * ودانيت أبراج النجوم اللوامح
إذا كان كل المجد بعض مطامعي * فنيل الثريا من أقل مطامحي
وظن سماك الشهب اني اعزل * وكم اعزل يقوى على طعن رامح
عبرت له نهر المجرة ضاربا * لاسنمة الأمواج في يد سابح
تلاحظني في ضفتيه نجومه * فهل كنت في الأفلاك أول سائح
كأني من تحت النيازك حاسر * تهاوت عليه بارقات الصفائح
من السعد لو نصل الهلال يريحني * فأصبح مذبوحا لأشرف ذابح
فكن يا ضراح الشهب موضع حفرتي * فما في ثرانا موضع للضرائح
تجاور فيها الجائرون وأسسوا * بهذا الفضا أحدوثة من فضائح
قرون حديد اطلعوا من سقوفها * وقالوا لها هذي السماء فناطحي
اما كان في (فرعون) يا قوم عبرة * تذكركم في كارثات الجوائح
فيا مصلحيها بالفساد اقممتم * من الظلم سدا في طريق المصالح
وما كفتا ميزانكم لتعادل * إذا اغتصب المرجوح كفة راجح
ربحتم بسوق الدهر يا باعة العلا * ومن خسر العلياء ليس برابح
* * *
ويا ابنة أحلى الطير طوقا وبزة * وآلفها للمغرس المتفاوح
تورين أم تورين نار صبابتي * تراكم هذا الشك فيك فصارحي
متى تحمل الآمال وهي عقائم * وتمشي بها الأيام مشي اللواقح
ويعدل هذا الدهر ما بين أهله * ويفرق فيه بين غر وقارح
ويمسي سواء في النعيم وفي الشقا * أبو جوسق وابن الصحاري الصحاصح
فهذا يحييه النسيم بنافح * وذلك يشويه السموم بلافح
* * *
يحركني من ليس يدرك غايتي * ولم يدر ما تصبو اليه جوارحي
إلى سكن مما يخال وظيفة * إليها انتهت آمال غاد ورائح
فقلت له هيهات أثلم عزتي * وأنسفها بالقارعات الفوادح
وتأبى طباع الأعزب الحر غادة * يراودها عن نفسها ألف ناكح
وما العيش الا تحت عيني باغم * فقد سئمت أذناي تغريد صادح
فلا دام يا أهل المقاصير ظلكم * إذا دام تحت الشمس أهل البطايح
ولا طوت الدنيا بكم عمر ساعة * طيوركم بعد النياق الطلائح
* * * عداك إذا كفوا الأذى عنك كافهم * واما أبوا الا الكفاح فكافح
وان لم تصانعهم لضعفك عنهم * وأعوزك الباع الطويل فصافح
واخمد شرار الحقدان كنت مصلحا * فكم أحرقت شعبا شرارة قادح
فان (سرابا) حين ذيدت عن الروا * مشت فوق بحر من دم الشوس طافح
رجاؤك يعلو للسحاب وتارة * يرود الروا عند العيون النواضح
ومن كان من ضرع السحابة ريه * يشق عليه الحوم حول الضحاضح
* * *
امر كريما بالمآسد رابطا * بها الجاش باجتياز المنابح
وامنع نفسي عن مقاذعة العدى * وارتق أذني دون كذب المدائح
وله:
ثمار المعالي حيث يقتطف العز * ورد الأيادي عن تناولها عجز
تقحم قطوف المجد لا تخف الأذى * فليس لشوك في يد المجتني وخز
وباعد قراب الضيم ان كنت مرهفا * فما المنصل الفصال بالغمد يهتز
ولا تخش لو أثريت فضلا خصاصة * ففضلك مال لا يقاومه كنز
تواضع به ترفع فكم حط شاهقا * إلى هوة بذخ الجهالة والنبز
وفاوض به من دون كعبك رأسه * فلم تزر عند الفضل بالأخفش العنز
أرى الناس غرسا ما تساوت ثماره * وهل يتساوى المر في الطعم والمز
فلا تحسب العاري من الجهل عاريا * فحلته من نسج حكمته خز
وما الرزق الا السحب يرسلها القضا * فاندية غزر وأودية غرز
وكم عقدت يوما على المرء شدة * كما جاء معقودا لممتحن رمز
ففرج عنها موسع الخلق لطفه * وعاد عليها من عنايته طرز
الأم قعود النفس عما ترومه * وترضى بان يغزى حماها ولا تغزو
سأقذف في العاني الظلوم جنونه * فلا الرفق يجديه ولا ينفع الحرز
وما المرء من يصيبك زيا وبزة * فقد تخشن الأخلاق ان نعم البز
بل المرء من يعتز بالله والإبا * وأهون بخلق بالخليقة يعتز
لسان الفتى يجني عليه وكم يد * بمفصلها من فعلها يقع الحز
تفاوتت الأخلاق وضعا ورفعة * وضدان مخفوض القرارة والنشز
رهان العلى خذه فخلفك طارد * بدهم الليالي شأنه الحث والحفز
ولا تهمز الإنسان بالغيب باطلا * فيوشك غن حق ينص بك اللمز
إذا كنت لم تنسب لنفسك مجدها * فما شرف الإنسان يعزى ولا يعزو
وان لم تثقف صعدة العمر ناشئا * فيا قرب ما تعسو ولا ينفع الغمز
بنو الدهر جان لم يؤاخذ بذنبه * وآخر لا يجني نواصيه تجتز
وما كسرت شهب البزاة فريسها * وجاءت به صيدا ليأكله الوز
وكم منهل جار تحامته أنفس * وحامت ظماء حيث ينتزف النز
بموردها يقضي على نزعاتها * فاما بها ذل واما لها عز
وقال:
مذاب وجنته في الكأس أم ذهب * ولؤلؤ رصف الصهباء أم حبب
وهذه الراح أم شمس تحف بها * من السقاة بابراج الهوى شهب
يستلها من فم الإبريق ذو هيف * تكاد تحكيه لكن فاتها الشنب
وقال:
سكبت بلؤلؤ ثغرك المنضود * كف الشبيبة ريقه العنقود
يفتر عن نور الأقاح وينثني * عن مثل خوط البانة الأملود
يا غاية الحسن البعيد وشعلة * القلب الوقيد وفتنة المعمود
وفي شعره الاجتماعي تصوير بليغ لنواحي النقص في المجتمع فهو
يبعث هذه الصور الاجتماعية البائسة بقطع أدبية رائعة.
قال وقد أبصر أمامه القصر الشاهق الرفيع، والى جانبه الكوخ
المتهدم الوضيع:
إجارة هذا القصر نوحك مزعج * لآنسة فيه أكبت على العزف
أدرت الرحى في الليل يقلق صوتها * وجارتك الحسناء تنقر بالدف

285
وجاورت هاتيك القصور شواهقا * بدار بلا بهو وبيت بلا سقف
وقال:
لا تشتكي دجلة نقصانها * ألم يزدها فيضان الخمور
فيا أولي الأمر احفظوا عهدها * ما هكذا كانت ولاة أمور
أما اعتبرتم بالأولى قبلكم * كم تركوا جناتهم والقصور
وقال:
واضعية الآمال بعد مناصب * حفظت مقاعدها لغير كفاة
من كل كأس يستجد لنفسه * حللا ولكن من جلود عراة
يا مفقر العمال ان يك غيرهم * سببا لاثراء البلاد فهات
وقال:
تسافل الصدق بأرقى العصور * واحتجب الحق بعهد السفور
وانتشر الرعب بهذا الفضا * فكل يوم هو يوم النشور
وانتبه الفاجر من نومه * إلى الدعارات ونام الغيور
لا يفخر الداني إذا ما علا * ان اللباب المحض تحت القشور
وله يخاطب أخاه الشيخ عبد الرضا الشبيبي:
عبد الرضا أفي رضا * عن دهره أم في سخط
وهل صفا زمانه * أم لازم ذاك النمط
وله يخاطب الشيخ احمد والشيخ محمد حسين ولدي الشيخ علي
ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف
الغطاء:
قلبي يحبكم يا عابثين به * ان تبعدوا ادن أو ان تقطعوا أصل
واليتكم وعلي القدر والدكم * فالفوز لي بولائي اليوم آل علي
وله في طول الليل:
أعاد بعدك ليل الهم ساهره * معلقا بالسواري السبع ناظره
أراه أوله حتى استشاط عنا * فقام يبعث بين الشهب آخره
يا ناهي الطرف لا تعلق به سنة * امنن عليه وكن بالغمض آمره
وله في العربة:
ما بين غاية مسراها ومبدئه * الا بمقدار قول السائق اندفعي
تحملت وهي حبلى في ثمانية * صبحا فقيل لها قبل الغروب ضعي
ومما كتبه إلى المؤلف وأورد الكتاب صاحب سمير الحاضر وأنيس
المسافر وهو على طرز غريب وهذا نصه:
ما يحسن القلم على طول لسانه في القيل (وعن محسن ما قال الا
وقصرا)
وما هو حتى يفوق ديباج ثنائه الجميل (فيمسي به نسج الطروس
محبرا).
أبى إذ أعياه وصف عن الافصاح عن الغرض (وأصبح عنه واقفا متحيرا).
واحجم في ميدان المقال كأنه ما ركض إلى الغاية القصوى (وظل
بميدان الثنا متمطرا)
وسكن وهو المتحرك من بث الجوهر كأنما عرض له عرض (ويا طالما
وشى المقال فأبهرا)
عذرته فقد سعى جهده وتعب دون الأمد
(وقلت استرح ما أنت من
وصل الذكا)
وأنت يا فكر لا تقتحم عقبة الوصف فما لك بذلك يد
(ولا طاقة فيما
تحاوله لكا)
لا يجمل منك ان تدعي بلا برهان قاطع كشف الغطاء عن
استبصارك فتحيط بما يعجز لمدارك خبرا (تحاول صعبا لست ممن يساهله)
مهلا لا تحملنا ان نسئ الظن بك لو قلت انا بالمحسن الفعل غداة
الأعراض عن القول من كل منطبق اعرف وأدرى (فما محسن ممن تعد
فضائله)
عددت لنا احاطته بالفنون ان قدرت ولم (ومن بحره جئنا ولو بخليج)
واعلمنا هل سرحت نظرك من روض محاسنه بمن (يعيد بهيج الروض
غير بهيج)
بمحامد منه أضوع ريا من الغالية وأعبق (وجود منه يروى الغيث ريه)
وكمال هوله خلق وطبع لا كمن يتخلق (وآراء بغبطته وريه)
وعلم حصلت من غزارته على اليقين (ولي في كل من ساماه شك)
وترسل أخلصته البلاغة عما يدنس ويشين (كابر يزله بذكاه سبك)
فالأنسب ان من كان مثل هذا العديم المناسب في العلو (فريدا في
الفضائل والفتوة)
معصوم من الزلل رأيه في النيابة عن آبائه فلا يحمل هذا القول بهذا
الأصل على الغلو (فكل فم به في الحق نوه)
لن يطيق كاتب محاسنه كتابه. فنسخته لو كان طوى الزمان من
حاشية لها لكان المختصر النافع وما لا يدرك غايته حد القدرة ترك والا
يوجب الحرج أو يتسع الخرق على الراقع ولنكتف عن ذكره بعد الياس عن
الإحاطة بقطرة من البحر المحيط ولكنه العذب الأبيض المساعي كما اني أذكر
من نار وجدي لبعده مقدار القبس من نار نمرود المسجرة بها من ساعة البين
أضلاعي وجد لا تبرد معه غلة الا إذا انصب عليها تسنيم الملاقاة وجرى
وسهد انساني الغمض فلا اعرف الآن وصف الكرى فاود الآن من الشوق
ان يحملني نسيم العراق إلى الشام وان كان الشام على العراقي من الوجد
أعظم لأطالع من نسخة ذلك الطبع الشريف ما ينسيني الأرق من أجله
والهم والسلام عليك ما همي الودق وأومض البرق.
مراثيه
قال الشيخ عبد الحسين الحلي قاضي قضاة البحرين يرثيه:
إذا وجد السلوان نهجا إلى قلبي * فأكذب ما ضمته جانحتي حبي
وان بات ما يدعونه الصبر ساعة * إلى جانبي لا نمت يوما على جنب
لقد جل خطبا فقد أحبابي الأولى * وهل بعد فقدان الأحبة من خطب؟
وكنت إذا شطت بي الدار عنهم * قنعت بلذات الرسائل والكتب
أحبة قلبي ان عدمت وصالكم * فلن تفقدوا وصلي ولن تعدموا قربي
وان لم أكن قضيت فيكم مآربي * فاني سأقضي في محبتكم نحبي
أحبة قلبي ندبة استلذها * كما التذ صادي القلب بالبارد العذب
حبيب لقلبي الحزن من بعد بعدكم * فيا ليت حزني ليس يبرح عن قلبي
ويا ليتني شاطرتكم لوعة الردى * ولو كان شطري في فم الأسد الغلب
سرى الطيف منكم طارقا فاستفزني * وما بي من مس سوى دهشة اللب
أغالط عن عرفانه العين تارة * وأدمعها عن صدق عرفانها تنبي

286
وأشكو اليه تارة حرقة النوى * كما يشتكي صب إلى واله صب
أأحبابنا ما هذه شيمة الحب * هجرتم بلا عتب وجرتم بلا ذنب
بعدتم وكنا يوم كنا وكنتم * رضيعي لبان لا نمل من القرب
سرت بكم أيدي الركائب خلسة * وكنتم لدى المسرى مصابيح للركب
أناطوا عليكم في السرى حجب البلى * وكنتم بحورا لا تكفف بالحجب
أناخوا إلى تعريسة ليس بينها * وبين البلى شئ سوى مطرح الجنب
يودع منكم كل ترب فؤاده * ويودعه فيما يهال من الترب
اللمأزق الضنك استقدتم ولم يكن * تفسح ذاك الضيق بالخلق الرحب
وفي الموطن الأقصى الجديب سكنتم * فهلا بقلب في محبتكم خصب؟
أراني وقد سارت وزمت حمولهم * إلى منزل لولا فواضلهم جدب
لكا لطائر المحصوص منه جناحه * يهم فلا يستطيع شيئا سوى الوثب
يرى فرخه المصطاد في كف غاشم * بقفر بلا ماء لديه ولا حب
فما هو الا ناظر الطرف واجم * واحشاؤه تغلي من الروع والرعب
أبا جعفر يا من إذا العضب خانني * وضعت يدي منه على صارم عضب
ومن أن دهت قلبي ضروب من الأسى * توقيت عنها منه بالرجل الضرب
أجدك أرشدني لصحب أودهم * فقد قل لما بنت عن ناظري صحبي
أأصحب من بالود يخفي لي القلا * ويجعل صدق القول نهجا إلى الكذب
ويبدي صفاء تحته الكدر الذي * تعودت ان لا يغتدي كأسه شربي
يزينك منه المدح ما دمت شاهدا * فان غبت عنه شأن عرضك بالثلب
الا لا ترجي منه شكرا لنعمة * وهل تترجى عقرب لسوى اللسب
أرى الدهر حربا للكرام وآيتي * على كرمي ان الزمان اغتدى حربي
ثني صرفه نحوي كتيبة غدره * فأودى بفرد دثاب عن جحفل لجب
أخي أدبا لكنما هو والدي * حنوا وفي الاذعان لي ولدي الصلبي
تمثله الذكرى لعيني فتنثني * على ذلك التمثال معقودة الهدب
وتبصره في الوهم نورا فتغتدي * لاشراقة الموهوم سافحة الغرب
فطورا أحييه تحية وامق * وطورا له أشكو شكاية ذي عتب
وطورا أحابيه المقال مواربا * حياء لأني لم أشاطره في الكرب
أبا جعفر عذرا إليك فإنه * وحقك لم يسلمك بدئي ولا غبي
مضيت ولما امض لكن إذا غدا * بقائي من غير اختياري فما ذنبي؟
بحسبك اني لم أجد لك ثانيا * فان أنت ما شاهدت لي ثانيا حسبي
بكيتك للعرب الكرام فإنه * بفقدك ولى ذاهبا كرم العرب
وللأدب السامي الذي دار حائرا * عليك كدور الفلك يجري على القطب
وللخلق الزاكي الذي زانه الوفا * كما زينت بيض المعاصم بالقلب
يقولون ابنه وعدد صفاته * ولم يحص من قبلي امرؤ عدد الشهب
رأوا ان نظم الشعر سهل فسرهم * ركوبي في المسرى على المركب الصعب
أبا لشعر اقضي واجبا قد زعمتهم * لندب عليه لا امل من الندب
ولو انني نظمت آراب مهجتي * قريضا لما قضيت أو نلت من إرب
وما نظمي الأشعار الا تعلة * وبثا لحزن ضاق عن حمله قلبي
فها انا لا أطريه لكن أبثه * حنيني كترب حن شوقا إلى ترب
وكيف يطيق المدح والنوح ثاكل * يروح ويغدو مستهاما بلا لب
إذا نفسه فاءت اهاب بها الجوى * وان سكنت قال الزفير لها هبي
ترف رفيف (الفخت) ريعت فلم يطق * من الروع تغريدا على غصنها الرطب
وقال الشيخ عبد الحسين الحلي يرثيه أيضا للمرة الثانية:
يا ليت أحبابنا يوم النوى رمقوا * جسمي أهل بي من فرط الجوى رمق
وليتهم يوم جد البين واحتملوا * أوحوا إلي بانا سوف نفترق
ما ضر لو أنها عاجت ركائبهم * علي ثم إذا شاءوا بي انطلقوا
ما ضر لو أنهم في بينهم سعدوا * إذا أراحوا لتوديع الذين شقوا
عمري لو أنهم عاجوا لنم بهم * منهم على البعد عرف العنبر
العبق من لي بشق طريق نحوهم فلقد * سدت امامي بفيض الأدمع الطرق
وكيف تبصرهم عيني ومقلتها * فيما تصوب به انسانها غرق
قد أعنقت بهم الحدباء مسرعة * يا ليتها دق منها الصلب والعنق
لو أنها عقلت من فوق غاربها * ما انفك للسير عن أرساغها الوهق
لو خبرتني باخبار الذين مضوا * أشجيتها بأحاديث الذين بقوا
تماسكوا وهم أرسى حجى وعلوا * على النوائب الا انهم صعقوا
ولا غرابة ان ساخت حلومهم * فإنهم من حديد الأرض ما خلقوا
ان الرياح إذا هزت عواصفها * دوحا تناثر قسرا حوله الورق
ما لي أرى هذه الآفاق شاحبة * أهل ترى لمصاب يحزن الأفق؟
وما لهذي الدراري لا تقر على
حال أهل يعتريها الهم والقلق؟
وما لأحداقها في الناس شاخصة * أبينهم فقدت انسانها الحدق؟
قالوا جزعت ومن لي ان يطاوعني * صبر توزعنه الأرزاء والحرق
أومى إلي وقد سارت ظعونهم * مودعا ثم ولى وهو منطلق
قالوا حزنت ومن لي ان يبارحني * اليم حزن عليه القلب منطبق
حزنت والحزن من أهل الحجى كمد * في النفس يظهره في المضجع الأرق
ولا يضير اسود الغاب ان حزنت * ما لم يلم بها ذعر ولا رهق
أحبابنا لا بعدتم عن دياركم * ولا علا فوقها من وحشة غسق
هيهات أفرق من رزء بغيركم * من بعدكم دام رزئي و انتهى الفرق
ذكرتكم ظامئا والماء ملء فمي * فما علمت سوى اني به شرق
قد راعني ان عيشي اسود بعدكم * ولم يرعني هذا الأبيض اليقق
وشفني انني ما شمت طيفكم * ليلا وما شف جسمي أنني ارق
أدمت حشاشتي الأرزاء بعدكم * فاعجب لها كيف تندى وهي تحترق!
ما خلت انا وقد شابت ذوائبنا * على المودة قبل الموت نفترق
ما خلت ان عهودا بيننا سلفت * في ساعة بالردى تمحى وتنسحق
ما خلت ان القضا الجاري يؤخرني * فيمن لورد الردى أحبابه سبقوا
ما خلت اني أبقى بعدهم فأرى * عرج الضباع مع الآساد تستبق
لقد تسافلت الأيام حين غدت * أذنابها هي والأعناق تتسق
هيهات يصلح منها فاسد ابدا * وهل يعود جديدا مطرف خلق؟
سمعا أبا جعفر مني مقال أخ * ما في مودته كذب ولا ملق
سبقتني واراني غير مبتعد * الا بمقدار ان يغدو لك السبق
إذا ابتعدنا فان البعد يزلفنا * أو افترقنا فانا سوف نتفق
كم حلبة بك للآداب قد نشطت * وموكب بك للعلياء يتسق
كنا إذا ما تسابقنا لها فرقا * جليت أنت وصلت خلفك الفرق
إذا تخلق يوما بالوفا أحد * فإنه بك يا رب الوفا خلق
وان تصنع للجود امرؤ شهدت * كفاك انك من طبع به خلق
محسد بخلال لا يخالطها * بطبعها حسد للناس أو حنق
عف السريرة ما زالت ضمائرها * تبدو كما انشق في صدر الدجى فلق
ان خصه الجدب عاما سر خاطره * ان الأنام جميعا أخصبوا وسقوا
لهفي له وعليه كلما نظرت * عيني لآثاره في الفضل تأتلق

287
سقاه من صيب الرضوان هامره * ومن دموعي حيا كالمزن مندفق
وقال الشيخ عبد الحسين الحلي يرثيه أيضا للمرة الثالثة:
اخب وراء الفكر والفكر شارد * لقد ذعرته الحادثات الشدائد
وانشد صبري أين ولى ولا أرى
سوى انه نحو الأحبة قاصد
الا أيها الصبر الذي اجتازني لهم * ترسم مغانيهم فإنك رائد
إذا طاب مثوى القوم عدلي ألتجي * إليهم وما ظني بأنك عائد
* * *
ايست من السلوى وخبت فلم أجد * خليلا يواسي أو خليا يساعد
ولا غرو ان عز النصير فإنه * (إذا عظم المطلوب قل المساعد)
وما ضائري اني فريد إذا غدت * تساعدني من مقلتي الفرائد
وهل تسعد الثكلى بحزن أجيرة * تراوع ان جد الأسى وتحايد
ومن صارع الآساد ليس تهوله * إذا ساورته في حماه الأساود
* * *
يسائلني النوام ما أنت واجد * وأجدر بي لو قيل من أنت فاقد
وما هم من الوجد الذي يجهلونه * وهل يعرف الوجد المبرح راقد
لقد فقدت نعشا فراحت تروده * وتندبه عمر الزمان الفراقد
وظل السهى يصحو ويغفي صبابة * وحزنا عليه فهو يقظان هاجد
فقدت أخا برا إذا ما هززته * بمغمده قالته منها المغامد
تخيرته مما أجنت وأبطنت * كنوز الليالي واصطفته المحامد
أخو نجدة امضي من السهم مارقا * وأسرع من برق سرى وهو راكد
* * *
وقالوا ابتدل عنه على البعد مثله * فقلت لهم (ما كل عذراء ناهد)
أرى ألف جيد غير اني لا أرى * بها واحدا فيه تناظ القلائد
* * *
عذيري من الأيام يغمزن صعدتي * فادفع عنها تارة وأحايد
أعاتبها عما جنت وكأنها * إذا عوتبت عما جنته جلامد
إذا كان حر العتب لم يلف معتبا * ولا مصغيا للعتب فالعتب بارد
* * *
سفاه عتاب المرء أيام دهره * فبالعتب لا يزكو ويصلح فاسد
ولو ساع عتب الدهر حملت متنه * ذنوبا عليها من مشيبي شواهد
مشيب وهجر وافتراق وغربة * بشقة ارض اقربوها أباعد
إذا صدرت عنها الأماني ظوامنا * فقد أسنت منها لهن الموارد
خطوب أعدت للورى أيقلها * على الكتد الواهي من الناس واحد
أصابر منها ما استطعت بمهجة * تعاني الذي لم تستطع وتكابد
ثقي ان تبيدي يا بقايا حشاشتي * وشيكا فان الصبر قبلك بائد
إذا كان عقبى الناس ان يردوا الردى * فيا ليته لا كان للناس والد
وان كان عقبى الشيب ان يفقد الفتى * أحبته يا ليت لا شاب ماجد
لئن ساءني لقيا المنية يافعا * فما سرني اني مع الشيب خالد
لو أن حياتي في يدي اخترت خيرها * وعفت لعمري كلما هو زائد
فما هذه الأعمار الا مخازن * بها المنتقى والساقطات الردائد
حياة الفتى كالبرق يسري وخلفه * زوابع تخفي ضوءه ورواعد
لقل غناء الظل للدوح وارفا * إذا عملت فيه الأكف العواضد
وقل بقاء الورد في الروض زاهيا * إذا ولجته الحاصبات الحواصد
* * *
الا ليت شعري هل أبيت بنجوة * من الوجد أم اني مدى الدهر واجد
وهل أردن ماء الفرات عشية * أم اني من دمعي برغمي وارد
وهل ترجع الأيام يوما كعهدها * فترعى عهود قد خلت ومعاهد
* * *
رعى الله عهدا من حبيب تكثرت * بقربي له بين الأنام الحواسد
بذلت له ودي وما كان ضائعا * وما هو من بعد المنية نافد
السيد جواد ابن السيد محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير
بالهندي الخطيب
توفي بعد مجيئة من الحج في كربلاء سنة 1333 ودفن فيها.
كان فاضلا تلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في
الفقه وكان ذاكرا لمصاب الحسين (ع) من مشاهير الذاكرين خطيبا طلق
اللسان أديبا شاعرا رأيته في كربلاء وحضرت مجالس ذكره وجاء إلى دمشق
ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج فمن شعره قوله:
الا هل ليلة فيها اجتمعنا * وما ان جاءنا فيها ثقال
ثقال حيثما جلسوا تراهم * جبالا بل ودونهم الجبال
وقوله في رثاء الحسين (ع) من قصيدة:
وفارق طرفي طيب الرقاد * وفي سهده يشهد الفرقد
يطارح بالنوح ورق الحمام * بتذكاركم قلبي الموقد
وما كان ينشد من قبلكم * فقيدا فلا والذي يعبد
سوى من بقلبي له مضجع * ومن بالطفوف له مشهد
ومن رزؤه ملأ الخافقين * وان نفد الدهر لا ينفد
فمن يسأل الطف عن حاله * يقص عليه ولا يجحد
بأن الحسين وفتيانه * ظمايا بأكنافه استشهدوا
مضوا بشبا ماضيات السيوف * وما مد للذل منهم يد
السيد جواد ويقال محمد الجواد بن محمد بن محمد الملقب بالطاهر بن حيدر
ابن إبراهيم بن أحمد بن قاسم الحسيني العاملي الشقرائي المولد النجفي
المسكن والمدفن صاحب مفتاح الكرامة
مولده ووفاته
ولد في قرية شقراء من قرى جبل عامل حدود سنة 1164 وتوفي في
النجف الأشرف سنة 1226 وقد صرح في أواخر بعض مجلدات مفتاح
الكرامة الذي فرع منه سنة وفاته 1226 انه يومئذ في عشر السبعين ودفن في
بعض حجر الصحن الشريف في الصف القبلي المقابل لوجه أمير
المؤمنين (ع) على يمين الخارج من باب القبلة والداخل من باب الفرج
الغربي بوصية منه لرؤيا رآها وقبره هناك مشهور مزور.
نسبه
الصواب في نسبه ما مر في صدر الترجمة اما ما في ترجمته الملحقة
بمتاجر مفتاح الكرامة وبالقسم الأول من الرحيق المختوم من اسقاط اسم
حيدر وإبراهيم بين محمد الثاني واحمد فغير صواب ويتصل نسبه الشريف

288
بالحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب عليهم السلام. ويصف نفسه في مصنفاته كما وجدناه بخط يده
الشريف بالحسيني الحسني الموسوي وانتسابه إلى الحسن وموسى عليهما
السلام من جهة أمهاته وجداته. وهو ابن أخي السيد أبي الحسن موسى
جدنا الشهير في جبل عامل باني مسجد شقراء الكبير ومدرستها فان السيد
حيدر والد السيد أبي الحسن كان له من الولد ستة ذكور وابنتان كتب
أسماءهم وتاريخ ولادتهم بخطه على بعض كتبه وأثبتنا ذلك في القسم
الأول من الرحيق المختوم ص 353 ومن جملتهم محمد الملقب بالطاهر وهو أكبرهم
ولد في 29 جمادي الثانية سنة 1130 والمترجم هو حفيده فهو محمد الجواد بن
محمد بن محمد المذكور فعلم أنه ابن ابن أخيه فما في كتاب جواهر الحكم من أنه
ابن أخي السيد أبي الحسن مبني على التسامح في تسمية ابن الابن ابنا
والا فهو ليس ابنه لصلبه بل ابن ابنه.
ولكن الذي في كتاب نظم اللآل في علم الرجال للسيد محمد الهندي
النجفي ان المترجم له هو ابن عم السيد أبي الحسن موسى لا ابن أخيه
وعليه فيكون الصواب في نسبه انه محمد الجواد ابن محمد بن محمد بن حمد
الخ.
سافر المترجم إلى العراق مع عم أبيه أو ابن ابن عمه السيد حسين بن
أبي الحسن موسى ومعهما السيد حسن بن أبي الحسن موسى ولا ندري ان
الجد السيد علي سافر معهما أو بعدهما لكنه اجتمع معهما في النجف عدة
سنين بقينا وتوفي المترجم قبل السيد حسين بأربع سنين واما السيد حسن
فذهب إلى قم كما يأتي في ترجمتهما إن شاء الله تعالى.
أقوال العلماء فيه
كان عالما فقيها أصوليا محققا مدققا ثقة جليلا حافظا متبحرا قارئا
مجودا ماهرا في الفقه والرجال وغيرهما زاهدا عابدا متواضعا تقيا ورعا مجدا
مجتهدا متتبعا لأقوال الفقهاء مطلعا على آرائهم وفتاواهم عمدة في جميع ذلك
حافظا متبحرا حسن الخط لم ير مثله في علو الهمة وصفاء الذات والضبط
والاتقان والتتبع والجد في تحصيل العلم وكان حريصا على كتابة كل ما
يسمعه من نفائس التحقيقات.
وقال المحقق البهبهاني في اجازته له: استجاز مني العالم العامل
والفاضل الكامل المحقق المدقق الماهر العارف ذو الذهن الوقاد والطبع النقاد
مولانا السيد السند السيد محمد الجواد. وقال المحقق القمي في اجازته له
بخط يده الشريف: استجازني الأخ في الله السيد العالم العامل الفاضل
الكامل المتتبع المطلع على الأقوال والأفكار الناقد المضطلع بمعرفة الأخبار
والآثار السيد جواد العاملي أدام الله إفضاله وكثر في الفرقة الناجية أمثاله
(انتهى). وذكره صاحب الجواهر عند ذكره الرسائل الموضوعة في المضايقة
والمواسعة فقال: كرسالة المولى المتبحر السيد العماد أستاذي السيد محمد
جواد وذكره صاحب روضات الجنات فقال: كان من فضلاء الأواخر
ومتتبعي فقهائهم الأكابر وقد أذعن لكثرة اطلاعه وسعة باعه في الفقهيات
أكثر معاصرينا الذين أدركوا فيض صحبته بحيث نقل ان الميرزا أبا القاسم
صاحب القوانين كان إذا أراد تشخيص المخالف في مسالة يرجع اليه فيظفر
به. وقال في ترجمة الميرزا القمي انه كان يرجع في مسائل الفقه عند شكه في
وجود خلاف في المسالة إلى سيدنا الفقيه المتتبع السيد جواد العاملي صاحب
مفتاح الكرامة أيام اقامته عنده ونزوله عليه في قم المباركة.
تقولات صاحب الروضات
قال عند تعداد مؤلفاته ان له تعليقات كثيرة على القوانين تعرض فيها
للرد والنقد جزاء لما كان يبلغه من جهة المصنف والعهدة على الراوي وان
كان المروي فيه من العرب. وحكي أيضا عن بعض أهل عصره ان
صاحب الرياض كان ينكر فضله (انتهى) فانظر إلى قوله: جزاء لما كان
يبلغه من جهة المصنف (اي انه قابل الاحسان بالإساءة) والى قوله: (وان
كان المروي فيه من العرب) تقض العجب فهل يتفوه بمثله من ينتسب إلى
علم أو ورع وكأنه يبرأ من أصله العربي الكريم وهو ينتسب إلى الذرية
الطاهرة.
وكم له في كتابه المذكور من سخافات لا تحصى ولا تصدر ممن ينسب
إلى علم، كثر الناقمون عليه والهازئون به بسببها وقد نشير إلى بعضها في
بعض التراجم، اما استقصاؤها فمتعسر عاملنا الله وإياه بعفوه، مع أنه
ليس للمترجم تعليقات على القوانين وكأنه اشتبه عليه الأمر بما يحكى عن
عمه أو ابن عمه ومعاصره ومساكنه في النجف المحقق المدقق الأصولي
الفقيه السيد حسين ابن السيد أبي الحسن موسى ابن السيد حيدر الحسيني
العاملي من وجوه تلاميذ بحر العلوم المتوفي بالنجف سنة 1230 انه جرت
بينه وبين صاحب القوانين حين قدومه إلى العراق مباحثات في حجية الظن
المطلق وكان علماء النجف قد اختاروه لمباحثة القمي وأورد عليه السيد
ايرادات لم يجب القمي عن جميعها في المجلس وأدرجها مع أجوبتها في
مبحث الاجتهاد والتقليد من القوانين وأكثر من قوله فان قلت: قلت،
ويقال ان المباحثة كانت بطلب من صاحب القوانين إلى علماء النجف
فاختاروا لمباحثته السيد حسين المذكور وقصتها مشهورة كما ذكرناه في ترجمة
السيد حسين المذكور فكأنه سمع بها فظنها مع المترجم وانها تعليق على
القوانين وهو اشتباه في اشتباه وفي كلامه كثير الأشباه. اما ما نقله بالواسطة
عن صاحب الرياض فيكذبه ما وجدناه من حال كل من هذين العلمين مع
الآخر وتعظيم كل منهما لصاحبه وثنائه عليه واطلعت على مكاتبة بينهما في
بعض المسائل التي أفتى بها صاحب الرياض وبين له المترجم خطأه فيها
فرجع إلى قوله بعد تراد المكاتبة بينهما سؤالا وجوابا وقد رأيتها بخطهما
الشريف. وذكر المترجم في خطبة بعض رسائله انها كانت بأمر أستاذه
صاحب الرياض وهي رسالة المواسعة.
سيرته
كيف كان تحصيله للعلم
قرأ أولا في جبل عامل على عم أبيه أو ابن عمه السيد أبي الحسن
موسى وعلى غيره ثم ذهب إلى العراق قاصدا النجف فلما ورد كربلاء لقي
فيها المحقق البهبهاني وله فيها الدرس العامر والرياسة المسلمة فآثر البقاء
هناك وعدل عن النجف وأخذ عنه وعن ابن أخته وصهره على ابنته صاحب
الرياض ويظهر ان قراءته عليه كانت قبل قراءته على البهبهاني فإنه يعبر عن
صاحب الرياض في بعض إجازاته ومصنفاته بأول من علمني ورباني وقربني
وأدناني ولم يزل ملازما لدرسيهما مشغولا بذلك حتى عن زيارة النجف كما
يقال ثم خرج إلى النجف وقد اشتهر فضله وكان المقدم فيها السيد مهدي
بحر العلوم الطباطبائي فاخذ عنه وعن تلميذه الفقيه الشيخ جعفر في وقت

289
واحد وعن الزاهد العابد الشيخ حسين نجف ولم يزل ملازما لدرس
الطباطبائي إلى وفاة الطباطبائي ثم استقل بالتدريس بعد سفر الشيخ جعفر
إلى إيران ولم يعد اليه بعد رجوعه فوقعت بينهما لذلك وحشة ساعد عليها
بعض المفسدين وكان يعبر عنه بالشيخ الأكبر الشيخ جعفر جعلني الله فداه
وعن كل من بحر العلوم وصاحب الرياض بالعلامة على عصمة أجداده.
جده في تحصيل العلم
كان عديم النظير في الجد في تحصيل العلم فقد افنى عمره في الدرس
والتدريس والبحث والمطالعة والتصنيف والتأليف وخدمة الدين واستغرق في
ذلك ليله ونهاره وعشيه وابكاره بحيث لا يكاد يشغله عن ذلك شاغل من
مرض أو ضعف أو قلق حتى في ليالي الأعياد وليالي القدر وسائر ليالي شهر
رمضان إلى أن بلغ سن الشيخوخة وهو لا يزداد الا رغبة ونشاطا وكان لا
ينام من الليل الا أقله ويأتي انه سئل عن أفضل الأعمال في ليلة القدر فقال
الاشتغال بطلب العلم باجماع علماء الإمامية وذكر في جملة من مصنفاته انه
فرع منها نصف الليل وفي بعضها بعد النصف وفي بعضها ليلة القدر أو ليلة
الفطر حتى أنه أيام محاصرة الوهابي للنجف الأشرف في عدة دفعات من سنة
1221 إلى 1226 وممانعة أهلها له وقيام العلماء معهم بالجهاد لم يفتر عن
التأليف والتدريس مع اشتغاله مع العلماء بأمور الجهاد ومباشرة الحصار
وتهيئة أسباب الدفاع والطواف ليلا على الحرس والمحاربين فقد صنف يومئذ
رسالة في وجوب الذب عن النجف وانها بيضة الاسلام. وصنف جملة من
مجلدات مفتاح الكرامة وفرع منها في تلك الحال كمجلد الضمان والشفعة
والوكالة وكان في عشر السبعين ويدل على جده واجتهاده ليلا ونهارا ما في
آخر كثير من مجلدات مفتاح الكرامة انه فرع منه ليلا فقد ذكر انه فرع من
مجلد الوقف فيما يقرب من نصف الليل ومن مجلد الوكالة بعد انتصاف الليل
ومن المجلد الثاني من الطهارة في الربع الأخير من الليل ومن مجلدي الشفعة
والاقرار ليلا ومن بعضها ليلة القدر أو ليلة الفطر. حدثنا استاذنا الشيخ
فتح الله الملقب بشيخ الشريعة الأصفهاني عن صاحب مفتاح الكرامة أنه قال
اجمع الامامية على أن أفضل الأعمال ليلة القدر الاشتغال بطلب العلم
انتهى ويدل على صحة ذلك ما في آخر مجلد الاقرار من مفتاح الكرامة:
كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية اجزاء أو تسعة أو عشرة مع هذا
التتبع والاستيفاء وذلك اني تركت له سائر الأعمال التي يعملها العاملون في
شهر رمضان الا ما قل جدا مؤثرا للتحصيل على ذلك. وقال حفيده السيد
جواد ابن السيد حسن ابن السيد محمد ابن السيد جواد المترجم حدثتني
مرارا ابنته من صلبه المشهورة بالتقوى والعبادة الجليلة القدر عند صاحب
الجواهر وسائر العلماء إلى زمن الشيخ محمد حسين الكاظمي وتجاوز سنها
الخمس والتسعين وهي صحيحة الحواس قوية الادراك قالت: كان والدي
لا ينام من الليل الا أقله ولا اعلم انني استيقظت ليلا فوجدته نائما وكان
سبطه الشيخ رضا بن زين العابدين العاملي معه في داره مدة فكان إذا فرع
من مطالعة أبحاثه ينام ويبقى جده مشغولا بشغله فيلتفت اليه ويقول ما
هذا التعشق للنوم انا يكفيني منه هكذا ويضع رأسه بين ركبتيه وينام ثم لا
يكاد يلتذ بالنوم حتى يستيقظ ويرجع إلى شغله قالت: وكان أبي ربما يوقظ
سبطه المذكور لنافلة الليل ويدعها هو ويقدم عليها الاشتغال بالعلم.
والمعروف من حاله على حد التواتر انه كان مشهورا بين علماء عصره من
زمن حضوره على الآغا البهبهاني إلى يوم وفاته معروفا بالضبط والاتقان
وصفاء الذات وان اجلاء علماء عصره كانوا إذا أشكلت عليهم مسالة
وأرادوا تدريسها أو تصنيفها أو الإفتاء بها ووجدوا اضطراب كلمات
الأساطين وتعارض الأخبار فيها سألوه عما حققه فان أطلعهم والا التمسوه
على كتابتها فيقفون عند قوله لعلمهم بغزارة اطلاعه وجودة انتقاده وشدة تثبته
وممارسته الكلمات الفقهاء وخبرته بعلم الرجال ويدل على ذلك ان جل كتبه
أو كلها بالتماس أساطين العلماء مما دل على انفراده بما لا يشركه فيه أكثر
علماء زمانه انتهى فقد ألف مفتاح الكرامة ورسالة العصرة بطلب من
أستاذه الشيخ جعفر ورسالة المواسعة بطلب من أستاذه صاحب الرياض.
وحاصر الوهابيون النجف في أيامه وقد كانوا حاصروا كربلاء سنة
1216 ودخلوها عنو وقتلوا الرجال والأطفال ونهبوا الأموال وفي سنة 1221
في الليلة التاسعة من صفر هجموا على النجف قبل الفجر والناس في غفلة
حتى أن بعضهم صعد السور وكادوا يأخذون البلد فردهم الله تعالى وفي
سنة 1223 هاجم سعود أمير عرب نجد النجف بعشرين ألف مقاتل
وكانت النذر قد جاءت أهلها فحذروه وخرجوا جميعا إلى السور ومعهم
العلماء فأتاهم ليلا فوجدهم على حذر قد أحاطوا بالسور بالبنادق والأطواب
فحاصرهم حصارا شديدا فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع
خائبا وكان المترجم له أول المباشرين للدفاع وهو المثير الرغبة والحاث على
الإقامة على السور حتى أنه صنف في ذلك رسالة كما مر وفي سنة 1225
أحاط الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف وكربلا وقد قطعوا
الطرق ونهبوا زوار الحسين (ع) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان
وقتلوا منهم جما غفيرا وكانت النجف كأنها في حصار وفي سنة 1226 جاء
عسكر الوهابيين إلى النجف ووقع في أطراف العراق كالحلة والمشهدين
البلاء المبين من القتل في الزوار والمترددين وحرق الزرع وكان أهل النجف
كالمحاصرين ذكر ذلك كله المترجم في أواخر مجلدات مفتاح الكرامة قال
والعبد لم يترك الاشتغال مع ما نحن عليه من الحال مع مرض الجسم واني
في عشر السبعين. وفي كل هذه الحروب والحصار كان لا يفتأ عن التأليف
والتدريس كما سمعت ويتناوب مع العلماء في حفظ السور وتشجيع المرابطين
فيقال انه مر عليهم ليلة وهم يشتغلون بضرب الدف واللهو فنهاهم ثم عاد
فرآهم نائمين فسال قائدهم فقال انما يوقظهم هذا الدف فقال يا بني دقوا
على طبيلتكم دقوا فإنها عبادة. (قال حفيده المتقدم الذكر:) حكى لي بعض
أهل الورع والفضل وصدق الحديث في معرض بيان عظمة بحر العلوم
وكمال هيبته في صدور أهل عصره انه اعتزل الدرس والمجلس ثلاثة أيام
فاشتد الأمر على تلاميذه وعزموا ان يرسلوا اليه من يكون جريئا عليه فوقع
اختيارهم على صاحب مفتاح الكرامة لعلمهم بمنزلته عنده فالتمسوه على
ذلك فأجابهم فلما رآه استبشر به وجعل يعتذر من اعتزاله بأنه كان لما دهمه
من الشك عند ملاحظة اخبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ورد من
التحريض عليهما والتهديد على تركهما لمن تمكن وقال إني تمكنت في هذا
الزمان مما لم يتمكن منه غيري فلم يحصل لي يقين الخروج عن عهدة هذا
التكليف ولا انكشف عن قلبي حجاب الشك الا مع رؤيتك وذلك بيمنك
وبركتك والحمد لله ثم اخذ بيده وخرج مظهرا للجماعة انها كرامة للسيد.
واما تعظيمه لأهل العلم ولا سيما مشايخه فلم يعهد مثله من غيره قديما
وحديثا كما يظهر من ديباجات كتبه وذلك من أقوى الدلائل على رسوخ قدمه
في التقوى ومكارم الأخلاق وصفاء الايمان وقال بعض العلماء ما رأيت
مصنفا كصاحب مفتاح الكرامة فإنه يود ان ينسب جميع ما حققه في مصنفاته

290
إلى مشايخه هضما لنفسه وقال في خطبة بعض مصنفاته: ما كان فيه من
تحقيق سمين فهو للأستاذ وما كان فيه من غث فهو لي. وهذا ما رأيته من
غيره من المصنفين (انتهى) وقال حفيده في رسالته: تلي في بعض مدايحه في
بحر العلوم فقال بعض الجالسين هذه مغالاة فقلت له انه يعبر عنه وعن
صاحب الرياض بالعلامة على عصمة أجداده فزاد تعجبه (انتهى).
فراسته
كان معروفا بالفراسة فمن فراسته الصادقة ما حدث به الفقيه الشيخ
محمد طه نجف عن الشيخ الأجل الشيخ جواد نجف قال: كان بين والدي
وبين صاحب مفتاح الكرامة مودة أكيدة فاجتمعا يوما وانا طفل أخدمهما بما
أطيقه فكان السيد يقول لوالدي ان ولدك هذا سيكون له حظ وافر من
العلم أو نحو ذلك. يقول الشيخ جواد نجف: وكانت للسيد يد بالفراسة
ولم تخطئ الا في هذا الموضع يقول ذلك هضما لنفسه (ومنها) ما حدثني به
بعض بني عمنا الصالحين عن الشيخ الفقيه الشيخ عبد الله نعمة العاملي قال
لما عزمت على التوجه إلى رشت استشرت شيخنا صاحب الجواهر فلم يرض
لي بذلك ثم مست الضرورة إلى السفر فلما كانت الليلة التي أزمعت على
السفر في صبيحتها دخلت الحضرة الشريفة فوجدته خارجا منها فأخبرته
بعزمي فاخذ بيدي حتى أوصلني إلى الحجرة المدفون فيها أستاذه صاحب
مفتاح الكرامة فقال لي يا بني صاحب هذا القبر سبب عزي في الدنيا
والآخرة وقد كنت بعد حضوري درسه حضرت درس الشيخ الأكبر الشيخ
جعفر فعزم على ارسالي إلى أصفهان فاستشرت صاحب هذا القبر فمنعني
وبشرني بأنني أكون صاحب المنبر الأعظم في النجف ولما رأى اصرار الشيخ
جعفر على ارسالي وخشي من إجابتي له ارسل خلف والدتي وأمرها بمنعي
عن ذلك و انا أنصحك كما نصحني أستاذي الذي بسببه صرت إلى ما ترى
وانا مواظب على زيارة قبره وقراءة الفاتحة له كل ليلة. قال الشيخ
عبد الله: وكان امر الله قدرا مقدورا فسرت في صبيحة تلك الليلة على علم
من الشيخ بمعذوريتي.
(و منها) ما شاع وذاع وجاوز حد التواتر من قوله عند وقوع سبب
افتراق الفرقتين المعروفتين في النجف بالزكرت والشمرت ووقوع العداوة
بينهما والمقاتلة في دائم الأوقات إلى وقت احتلال الإنكليز العراق، وذلك أن
بعض السادة القاطنين خارج النجف كانت له أخت فخطبها رجل فمنعها
أخوها من التزويج به فشكته إلى الشيخ جعفر فأرسل في طلبه جماعة
وأمرهم باحضاره قهرا ان لم يحضر طوعا فنهاه السيد عن ذلك وقال إن
أحضرته قهرا لتلقحن فتنة لا تنطفي ابدا فلم يقبل حيث رأى لزوم ذلك
من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلما جاءوا إلى السيد امتنع عليهم
فأرادوا احضاره قهرا فقاتلهم فقتلوه وثارت فتنة من ذلك اليوم إلى هذا
العصر والقضية مشهورة وأشار إليها صاحب الجواهر في كتاب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وكان اسم المرأة أم السعد والخرابة المسماة
خرابة أم السعد في محلة العمارة بالنجف منسوبة إليها وهي دارهم ولم
تزل خرابا قرونا متعددة.
مشايخه في التدريس
وقد علموا مما مر في سيرته لكننا نسرد هنا أسماءهم (1) عم أبيه أو
ابن عمه السيد أبو الحسن موسى جد جد المؤلف قرأ عليه في جبل عامل
(2) السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض (3) الآقا محمد باقر بن الآقا
محمد أكمل البهبهاني قرأ عليهما في كربلا (4) السيد محمد مهدي بحر
العلوم الطباطبائي (5) الشيخ جعفر بن خضر الجناجي (6) الشيخ حسين
نجف قرأ عليهم في النجف.
مشايخه في الإجازة
يروي بالإجازة عن جماعة منهم أساتيذه في التدريس (1) البهبهاني
(2) الطباطبائي (3) و (4) صاحب الرياض وكشف الغطاء ومنهم
(5) المحقق الميرزا أبو القاسم القمي صاحب القوانين وتاريخ اجازته له في
جمادي الأولى سنة 1206.
تلاميذه
تخرج به جماعة من الفقهاء الكبار وغيرهم (1) صاحب الجواهر
(2) الشيخ مهدي ابن ملا كتاب الكردي (3) الشيخ محسن الأعسم
(4) السيد صدر الدين محمد بن صالح بن محمد شرف الدين بن إبراهيم بن
زين العابدين الموسوي العاملي المعركي الساكن بأصبهان (5) جدنا السيد
علي بن السيد محمد الأمين الذي انتهت الرياسة العلمية في جبل عامل
(6) الآقا محمد علي بن الآقا محمد باقر الهزاز جريبي المازندراني النجفي
(7) الشيخ جواد بن محمد تقي بن محمد المدعو بملا كتاب الكردي النجفي
(8) ولد المترجم له السيد محمد وغيرهم من أفاضل العلماء.
من روى عنه بالإجازة
هو أحد شيوخ الإجازة استجازه جل فضلاء عصره (1) تلميذه
صاحب الجواهر (2) ولده السيد محمد (3) سبطه الشيخ رضا بن زين
العابدين العاملي (4) الآغا محمد باقر الهزاز جريبي المازندراني (5) الأميرزا
عبد الوهاب وتاريخ اجازته له في ربيع الأول سنة 1225 (6) الشيخ
جواد بن تقي ابن ملا كتاب الكردي وغيرهم.
عقبه
أعقب ولده السيد محمد ومنه الذرية وبنتا عمرت طويلا.
مصنفاته
له مصنفات كثيرة (1) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة وهو
أكبر مصنفاته وأحسنها وأشهرها وهو أعظم معين لتلميذه على تصنيف
الجواهر وبالجملة فهو في بابه عديم النظير بين مصنفات أصحابنا وهو في
اثنين وثلاثين مجلدا مخطوطا فيما يزيد عن ثلاثمائة ألف بيت وكل بيت خمسون
حرفا كلها على القواعد الا مجلد القصاص فكان قد كتب بعضه على كشف
اللثام ثم كتب باقيه على القواعد يحتوي على جميع كتب الفقه عدى بعض
الزكاة وتمام الخمس والحج والصوم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والسبق والرماية وبعض الوصايا فإنه وصل فيها إلى آخر البحث الأول
من البحثين الملحقين بالفصل الثالث من احكام تصرفات المريض وعدى
النكاح وتوابعه من الطلاق والخلع والمباراة والعتق والايمان وتوابعها
والكفارات والصيد والذباحة وبعض القضاء فإنه وصل فيه إلى أواخر
الفصل الثاني في العقود وعدى الشهادات والحدود وبعض الجنايات فإنه ترك
من أولها مقدار ورقة ونصف من سبع أوراق وابتدأ بأوائل المطلب الثاني في
الجناية الواقعة بين المماليك تعليقا على كشف اللثام مقدار ثلاث أوراق من

291
سبع إلى أول المطلب الثالث في كيفية الاستيفاء ومنه إلى آخر الجنايات
مقدار ورقتين ونصف من سبعة شرحا على القواعد وعدى بعض الديات
فإنه وصل فيها إلى أواسط المقصد الخامس في دية الجنين. وهذا الكتاب
صنفه بطلب من شيخه الشيخ جعفر الجناجي النجفي بدأ فيه سنة 1199
وبقي يكتب فيه إلى عام وفاته سنة 1226 قال في خطبته امتثلت فيه امر
أستاذي الامام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني الله فداه قال أدام
الله حراسته أحب ان تعمد إلى قواعد العلامة فتنظر إلى كل مسالة اختلفت
فيها كلمات الأصحاب وتنقل أقوالهم وتضيف إليها شهرتهم واجماعهم وتذكر
أسماء الكتب التي ذكر فيها ذلك وإذا عثرت على دليل في المسالة لم يذكروه
فاذكره ومتنه وأذكر عند اختلاف الأخبار مذاهب العامة على وجه الاختصار
ليكمل نفعه ويعظم وقعه حيث إن المختلف وان كان عميم الفائدة الا انه
قد خلا عن ذكر كثير من الخلافيات وما ذكر فيه منها قد خلا عن ذكر كثير
من الأقوال. وقد حاز هذا الكتاب شهرة واسعة واستنسخت منه عدة نسخ
في حياة مؤلفه وبعد وفاته وتنافس أهل المكتبات في اقتنائه وايداعه مكتباتهم
وقد اشتريت معاملاته وحدها في النجف قبل ان يطبع بأربع ليرات عثمانية
ذهبية وكنت لا أملك الا بعضها مع احتياجي إلى انفاق ذلك البعض
وكانت عرضت على امام جمعة تبريز المثري بهذه القيمة فارادها بأقل لأنه لم
يكن يدور في خلده ان أحدا من طلاب العلم الذين جلهم أو كلهم فقراء
يشتريها بهذه القيمة فلما بلغه انني اشتريتها ندم وكانت عنده اجزاء العبادات
بنفس هذا الخط والقطع و كاتبهما واحد فراودني على بيعها بزيادة في القيمة
فأبيت ووسط لي وسائط من وجوه العلماء فأبيت وأخيرا قلت للواسطة ان
كان يبيع ما عنده من اجزاء العبادات فانا مستعد لشرائها بالقيمة التي
يريدها فاغتاظ من هذا الجواب كثيرا ويئس من اخذها وأخيرا قال لي بعض
أصحابه ان المعاملات التي عندك مسروقة لأنها بخط المعاملات التي عندي
وقطعها فقلت له بل العبادات التي عندكم مسروقة لأنها بخط المعاملات
التي عندي وقطعها. وكنت نسخت كتاب المواريث بخطي في النجف عند
تأليفي كتاب كشف الغامض في احكام الفرائض. ومع كون هذا الكتاب
كان مرغوبا فيه جدا قبل طبعه فلما طبع منه عدد كثير وأعطي مجانا نقصت
الرغبة فيه وقد طبع ثمانية مجلدات ضخام سبعة منها طبعت في مصر وطبعنا
مجلد الأمانات في دمشق وبقيت مجلدات القضاء والشهادات والحدود
والقصاص والديات لم تطبع وهي نحو المجلدين فإذا طبعت كانت مجلداته
عشرة تحوي جميع مجلداته الاثنين والثلاثين المخطوطة. وهذا تفصيل مجلداته
المطبوعة (1) مجلد الطهارة (2) و (3) مجلدا الصلاة والزكاة (4) مجلد البيع
(5) مجلد الدين وتوابعه (6) مجلد الأمانات وهو الذي طبعناه بدمشق (7)
مجلد احياء الموات وتوابعه (8) مجلد الفرائض والمواريث. وقد قرضه عدة
من العلماء والفضلاء والشعراء والأدباء فمن ذلك ما على مجلد الوصية ولم
يعلم منشئه:
ألا ان (القواعد) حين وافت * لدين محمد صارت دعامه
لقد جمعت قواعده جميعا * وقد حفظت مقاصدها نظامه
ولكن أعيت العلماء طرا * وقد جهدوا فما بلغوا مرامه
وكم قد أشكل الأشكال منها * وما من كاشف عنه لثامه
ولا من جامع للقصد فيها * وان مزجوا بايضاح كلامه
وحيث تغلق الأبواب عنها * أتى الباري (بمفتاح الكرامة)
ومنها ما على مجلد الوكالة ولم يعلم قائله:
شرح به شرح الصدور مفيده * بحر لكل فضيلة تيار
ما زال يقذف للمؤمل سيبه * دررا تضئ بنورها الأقطار
يمسي إذا أرخى الظلام سدوله * يقظا له كتب الأولى سمار
وتطوف أرباب الفضائل حوله * فكأنما هو كعبة ومزار
يا من يؤمل ان يشق غباره * مهلا فقد تاهت بك الأفكار
يكفيك فخرا ان يريك غباره * ما شق في يوم عليه غبار
وعلى مجلد البيع ما صورته بخط منشئه ولم يعلم من هو:
جاد الجواد لنا بشرح قواعد * قد جمعت كل المحاسن فيه
شرح يبين لك الفقاهة كلها * ويفي بنقل كلام كل فقيه
يكفي الفقيه عن الرجوع لما سوا * ه وما سواه عنه لا يكفيه
وعليه لو وقف المصنف لم يقف * عن لثم صاحبه الجواد يفيه
ان لم تكن إياه أنت فاقرب * القربى اخوه لامه وأبيه
وعلى أول مجلد منه ما صورته ولم يعلم قائله:
جريت على علم الأوائل آخرا * فكنت به في حلبة السبق أولا
اتيت بما لا يستطاع لواحد * ولا غرو إذ كنت الجواد المفضلا
وكتب عليه أيضا ولم يعرف قائله:
حويت ما قد حوته الكتب مجتهدا * فما تركت لمبسوط ومختصر
وزدت فائق تحقيق ورائقه * وليس هذا لعمري قدرة البشر
وقال فيه مؤلف هذا الكتاب محسن الأمين الحسيني العاملي غفر الله
ذنوبه:
شرح به تنحل كل عويصة * في حلها قد أعيت الشراحا
جمع المقاصد كاشفا للثامها * ولكل مشكلة غدا ايضاحا
كنز الفرائد والفوائد وهو في * ظلم الجهالة قد بدا مصباحا
بحر تدفق من يراع محمد * تلقى البحور بجنبه ضحضاحا
لله آية معجز ظهرت به * فغدت لكل كرامة مفتاحا
ولمؤلفه فيه تقاريض تأتي عند ذكر أشعاره (2) من مصنفاته شرح
طهارة الوافي وهو تقرير بحث أستاذه بحر العلوم يتكلم في الخبر أولا على
السند ثم المتن ثم الدلالة ابتدأ فيه برواية علي بن جعفر عن أخيه في رجل
رعف فامتخط فصار الدم قطعا الخ لأنه لما عزم على الكتابة كان الدرس في
هذا الخبر وانتهى فيه عند الشروع في باب مسح الأذنين والقفا في الوضوء
وهو كتاب نفيس يشتمل على تحقيقات رجالية وفوائد في معاني الأخبار جليلة
يقرب من ثلثي الروضة (3) حاشية على طهارة المدارك تقرب من خمسة
آلاف بيت كتبها أيام قراءته على بحر العلوم بدأ فيها بتفسير العوض وانه
يصدق على الثمن والمثمن وختم بمبحث ملك العبد وعدمه تقرب من ألف
ومائتي بيت (5) حاشية على كتاب الدين والرهن من القواعد كتبها حين
قراءته على الشيخ جعفر ابتدأ فيها من قوله ويملك المقترض وانتهى فيها إلى
أواخر الرهن عدى عن ثلاث ورقات من آخره تقرب من ألفين وثلاثمائة
بيت (6) رسالة مبسوطة في العصيرين العنبي والتمري كتبها بالتماس
أستاذه الشيخ جعفر حين قراءته عليه هذه المسالة وقال له الذي يظهر لي
الآن حليتهما وان أستاذهما بحر العلوم يذهب إلى التحريم فيها فأحب ان

292
تكتب ما ذكر في هذه المسالة من الشهرة والأقوال والاجماعات وتورد جميع ما
تجده في الوافي والوسائل من الروايات وسماها العصرة في العصير ووجدت
عليها بخط شيخه الشيخ حسين نجف ما لفظه: من فضل الله علي ان
وفقت للنظر فيها وتطلعت على أسرار معانيها ولقد علقت بها وتصفحتها
فوجدتها روضة غناء وحديقة فيحاء لم تسمح قريحة بمثلها ولم نر في هذا
المضمار على طرزها ولقد أزاحت الشك والشبه والريب وتجلى بها إلى
الشهادة ما كان العلم به من الغيب فلله دره ما أحقه بعظيم الأجر وجزيل
الجزاء وجميل الذكر وحسن الثناء حرره ذو التفريط والسرف أقل الطلبة
حسين نجف وعليها تقريظات اخر تركناها خوف الإطالة (7) رسالة في
المواسعة والمضايقة كتبها بالتماس شيخه صاحب الرياض وسماها الرحمة
الواسعة في المضايقة والمواسعة وأشار إليها في مفتاح الكرامة وقال بينا فيها
أدلة الأقوال في المسالة وما يرد عليها واستوفينا الكلام أكمل استيفاء وقال
أيضا: وقد استوفينا ذلك كله في الرسالة وذكرنا اخبار الأقوال كلها وبينا
الحال فيها بما لا مزيد عليه حتى اتضح الحال واندفع الاشكال وكانت حرية
بما سميناها به وهو الرحمة الواسعة في مسالة المضايقة والمواسعة (8) حواش
على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة وبعض
الوصايا وتمام النكاح وبعض الطلاق تقرب من نصف الروضة (9) منظومة
في الرضاع تقرب من مائة وأربعين بيتا (10) منظومة في الخمس تقرب من
ثمانين بيتا نظمها باسم أستاذه بحر العلوم أولها:
الحمد لله وصلى الباري * على النبي الطاهر المختار
إلى قوله:
فهاك راق في الرضاع * ليسهل الحفظ على الطباع
إلى قوله:
من يمن مولانا عظيم الأجر * السيد المهدي فخر العصر
(11) منظومة في الزكاة تقرب من مائة وعشرة ابيات قال في مدحها
بعض الفضلاء:
ومنظومة غراء تزهو كأنها * قلائد تبر في ترائب ابكار
وتعلو على أمثالها ان تلوتها * فتبصر نظما لا يمل بتكرار
(12) رسالة حقق فيها مسالة جواز العدول عن العمرة عند ضيق
الوقت إلى الأفراد (13) شرح الوافية في الأصول مجلدان أكبر من القوانين
تام على الظاهر الا قليلا بسط فيه الكلام وتعرض لأغلب كلمات الأساطين
من الأصوليين والأخباريين المتقدمين والمتأخرين شارحي الوافية وغيرهم
وذكر فيه جميع ما وقع من المباحثة والمناظرة بين العلمين العيلمين الشيخ
الأكبر الشيخ جعفر والسيد الفاضل المتقن السيد محسن البغدادي في جريان
أصل البراءة في اجزاء العبادات وأول الموجود منه بخطه الشريف في بطن
الورقة قوله: لا يقال اختلاف المتعلق الخ وآخره في التراجيح (14) رسالة
في تحقيق مسالة الشك في الشرطية والجزئية في العبادات وذكر فيها مباحثته
في ذلك مع شيخيه صاحب الرياض وبحر العلوم (15) رسالة ذكر فيها
مناظرة الشيخ الأكبر الشيخ جعفر والفاضل المتقن السيد محسن الكاظمي
بالتمام وما تكاتبا به بعض المسائل وفيها ورقة بخط الشيخ جعفر بيده
(16) حاشية صغيرة على أول تهذيب الأصول (17) حاشية على المعالم في
مقدمة الواجب (18) رسالة في علم التجويد طبعت بمصر (19) رسالة في
الرد على الأخباريين نافعة جدا وكتب المحقق البغدادي على ظهرها بخطه
أحسنت وأجملت وأفضلت حكمة وصوابا وموردا عذبا ومستزادا لبابا لا
زلت موفقا لهداية الخلق وارشاد الناس إلى الحق والكشف عن الخفايا
والدلالة على الخبايا وكتب على ظهرها بعض الأفاضل:
بقيت على الدهر يا ابن النبي * وهذا دعا شامل للأنام
ولا زلت تحمي حمى المكرمات * وتنهج منهجها للكرام
خصمت وقد طال داء النزاع * بمنطق فصل ألد الخصام
ولا غرو إذ لم تزل دائبا * شموس نهارك تجلو الظلام
وكم رضت في العلم صعب القياد * ودون ذويه ملكت الزمام
فهم درجات لكل مقام * وان مقامك أعلى السنام
(20) رسالة وجوب الذب عن النجف الأشرف واثبات انها بيضة
الاسلام مختصرة كتبها من حفظه ولم تكن عنده كتبه (21) رسالة فيما جرى
بينه وبين صاحب الرياض في مسالة أفتى بها صاحب الرياض وخطأه
المترجم وتراد الكلام بينهما سؤالا وجوابا حتى رجع صاحب الرياض إلى
قوله (22) رسالة في أصل البراءة ذكر فيها أولا كلام السيد محسن الأعرجي
ان الشغل اليقيني يستدعي البراءة اليقينية وتكلم في الرد عليه ثم أورد ما
كتبه السيد محسن في الجواب عنه ثم أورد جوابه وهكذا إلى آخر الكتاب
بعنوان قال سلمه الله وأقول: ذكرها صاحب الذريعة وقال إن النسخة
موجودة عند الشيخ هادي آل صاحب كشف الغطاء وانها كتبت عن نسخة
الأصل التي عليها حواش بامضاء محمد تقي والمظنون انها للشيخ محمد تقي
صاحب حاشية المعالم (انتهى). هذا ما وقفنا عليه من مصنفاته. وعد فيها
صاحب روضات الجنات تعليقات كثيرة على القوانين وهو اشتباه كما
عرفت.
مكتبته
كانت له مكتبة غنية بكتب الفقه والحديث والرجال وغيرها حاوية
لجميع كتب الفقه والحديث أو جلها للقدماء والمتأخرين كما يدل عليه نقله
عنها في مفتاح الكرامة بغير واسطة وكلها كانت مخطوطة لأن فن الطباعة لم
يكن قد انتشر يومئذ.
أشعاره
له أشعار جيدة منها ما كتبه بخطه الشريف على مجلدات مفتاح
الكرامة فعلى مجلد الشركة قوله من أبيات:
وبرق ضئيل الطرتين تخاله * مخاريق مطرود بليل وطارد
ذكرت به صحبي عشية قوضوا * على متن محمول على متن ساعد
وانقذني من ربقة الجهل انني * أبيت الليالي ساهرا غير راقد
ألاحظ أسفار الذين تقدموا * وانظر فيها واحدا بعد واحد
فلست ترى في العصر من جمع الذي * جمعت وفي الآثار أصدق شاهد
أفي الشمس شك انها الشمس عندما * تجلت عيانا للبصير المشاهد
وعلى المجلد المذكور أيضا تقريض على الشرح المزبور:
كتاب لباغي الفقه أقصى مراده * ويغني به عن جده و اجتهاده
كحلت له جفني بميل سهاده * وخصبت كفي دائما من مداده

293
وعلى مجلد الوكالة:
هذا كتاب ليس يوجد مثله * في الفقه ما سلف الزمان وما غبر
جمع الأدلة كلها طرا كما * جمع الفتاوى والوفاق وما اشتهر
وعليه أيضا:
شرح به شرح الصدور من العمى * قد ضم كتب الفقه في ايجاز
هيهات ان يأتي الزمان بمثله * كم منحة لله في اعجاز
وله في مفتاح الكرامة أيضا:
أتعبت نفسي بهذا الشرح مجتهدا * ما صدني عنه شئ قل أو أكثرا
كل النهار وكل الليل في شغل * فلا أبالي أطال الليل أم قصرا
وسار السيد مهدي بحر العلوم وهو مريض لزيارة الكاظمين عليهما
السلام فقال المترجم هذه الأبيات:
عليك سلام الله موسى بن جعفر * سلام محب يرتجي أحسن الرد
ويرجوك محتاجا لأعظم حاجة * هي النعمة الكبرى على الحر والعبد
فهذا امام العصر بعد إمامه * امام الورى طرا سليلكم المهدي
اتاكم على بعد الديار يزوركم * يجوب فيا في البيد وخدا على وخد
لقد جاءكم في حالة اي حالة * ولو غيره ما سار يوما مع الوفد
مريضا فلا يقوى على الكور مركبا * ولا السرج يغني لا ولا محمل يجدي
فنصف بريد سيره في نهاره * وذلك منه غاية الجد والجهد
فيا لك جسما صح في الله قلبه * فعاد مريضا واهن العظم والجلد
ففي القلب أشواق تقود إليكم * وفي الجسم أدواء تصد عن القصد
وقد قاده الشوق الملح إليكم * فمنوا عليه بالشفاء وبالرفد
وما الرفد كل الرفد الا لمثله * وللرفد أسباب تضيق عن العد
وقد جمعت فيه جميعا بفضلكم * فكان بحمد الله واسطة العقد
وزواركم لا يحرمون مناهم * فذو الغنى يحظى بالنوال وذو الرشد
وليسوا كحجاج إلى البيت يمموا * فبعض على رفد وبعض على رد
وزواركم والحمد لله جمة * كما الرسل والأملاك جلت عن الحد
وسيد خلق الله طه محمد * كذا سيد الزوار سيدنا المهدي
فكل له امر بمقدار فضله * وعندكم التفصيل يا غاية القصد
فمنوا على جسم تمرض فيكم * بعافية وفراء فضفاضة البرد
وذلك فضل يشمل الناس كلهم * لأن كان باب الله في حرم الجد
عليكم سلام الله ما انبجس الحيا * وسيقت غوادي المزن بالبرق والرعد
وقال أيضا وأرسلها اليه إلى كربلاء:
غرام وما تخفي الجوانح لا يخفى * وكيف وقد أودى به الوجد أو أشفى
فيا رائيا يفري رؤوس تنائف * بدامية الأخفاف ينسفها نسفا
يفرفر فيها غير دال مهجهجا * تزف به مثل الظليم إذا زفا
فأمسى كسهم في حنية واتر * وأمست رزاحا بعدما أصبحت حرفا
رويدا على رسل فكم تدأب السرى * لترتاد مغنى بالصريمة أو ألفا
فاني أرى ما لا تراه فقف بنا * قليلا ولو لوث الأزار وقد شفا
مخايل لم تكذب تبشر اننا * سنصطبح النعمى ونغتبق الزلفى
فاني دبرت الجو فانساح لامع * فآونة يبدو وآونة يخفى
وذاك وميض القدس من ارض كربلا * فلا ابتغي حصنا سواه ولا كهفا
ولا اختشي والحافظ الله ضيعة * وقد علقت كفي بكفين ما كفا
عليك سلام الله يا نور عرشه * وأصدق من أوفى وأكرم من وفى
سموت كما الزاكي أخيك ذرى العلا * فكنت لعرش الله تلوا له شنفا
وعانيت ما عانى فهادن حكمة * وساموك ما ساموه في حكمهم خسفا
شهيدان مقتولان جهرا وغيلة * وما عرفا نكرا ولا أنكرا عرفا
إمامان أهل العرش والأرض والسما * من الله ترجو فيهما اللطف والعطفا
لقد ضاقت الدنيا بآل محمد * وقام عليها كل طاغية عنفا
صريع غوان بين عود وقينة * وتسكاب راح بات يشربها صرفا
وأضحت طغام الناس تبسر في الدنا * وقد صعرت خدا وقد شمخت انفا
وأضحت ولاة الأمر في ضيق ردحة * وقد وجمت وجدا وكم جرعت حتفا
ولكنه لله في الدهر سنة * ففي كل قرن مدمن فضله لطفا
امام هدى يهدي إلى الحق أهله * وينفي انتحالا كان لولاه لا ينفى
وناجم هذا العصر مشكاة نوره * اجل الورى عرفا وأطيبهم عرفا
هو السيد المهدي من طاب محتدا * ونفسا على مرضاة بارئة وقفا
فلله ما أقنى ولله ما اقتنى * ولله ما ابدى ولله ما اخفى
وكل امرئ في الناس يسعى لنفسه * ويبسط في غفاتها الزند والكفا
وقد جل عن هذا وجلت صفاته * وقد جاوز الإغراق واستغرق الوصفا
ولست بمحصي النزر من ذرو فضله * ولو كنت املي من فضائله صحفا
وقال أيضا يمدحه:
إليك زمام الخلق يا خير مرشد * وأنت نظام الكون في كل مشهد
وأنت امين الله قمت بأمره * على الدين والدنيا بأمر محمد
وحجته العصماء من كل وصمة * وآيته الكبرى على اليوم والغد
وانك جنب الله خازن علمه * وانك وجه الله في كل مقصد
تعاليت عن كنه الأنام ولا أرى * إلى كل سر ثاقب الذهن يهتدي
تباين فيك الناس إذ بنت عنهم * فاضحوا وهم ما بين غاو ومهتدي
وبين أناس حائرين وانني * لعاذرهم في ذاك غير مفند
ففي كل سر من علاك وظاهر * دليل لكل نحو مبدأه يبتدي
لك المعجزات البينات أقلها * يقيم على ساق العلا كل مقعد
ألست الذي أصمى اليهود بمعجز * فخروا عناة للجران ولليد
وأضحوا جميعا مسلمين وانهم * جهابذ فيهم كل حبر مسود
يضيقون عن عد وتلك بيوتهم * بجنح الدجى معمورة بالتهجد
وقاضي قضاة القوم أرشدت امره * وقد كان صعبا لا يلين لمرشد
وقومت زيغ التركمان وكم لكم * بمكة آيات لكل موحد
وطائفة نهج الطريقة قد عدت * وآزرها في غيها كل معتدي
فحين رأت ما يقطع العذر منكم * تجلى عماها بعد طول تردد
وكم فرقة ضلت فروع أصولها * رددتم إلى الأصل الأصيل الموطد
وللجن والأملاك شان لديكم * فسل مسجدا في ارض كوفان ترشد
وقد جل ما قد حل فيه نكاية * بقائد جيش السوء من خاتم اليد
وكم فيك سر لا أبوح بذكره * مخافة خب طائش اللب سمهد
وفي درسك الميمون اعدل شاهد * على سرك المخزون في كل مشهد
تدير كؤوس العلم من كل غامض * على كل حبر بالفضائل مرتدي
وعلامة ندب امام زمانه * ومجتهد في كل فن مصمد
هم القوم كل القوم الا لديكم * فإنهم ما بين بكم ولمد
فيا جبلا من قدرة الله باذخا * وبحر ندى نادي الوجود به ندي
مدحتك لا اني رجوتك للغنى * وان غاض وفري من طريف ومتلد

294
ولكنني عاينت فيك شمائلا * عرفت بها عرف النبي محمد
وقد صنف المولى كتابا بيمنكم * يفوق جميع الكتب في كل مقصد
وكم قمت للارشاد بالباب راجيا * صلاح كتابي والكتابة في يدي
فان تلحظوه زاد نبلا ورفعة وبالغيث يغدو ممرعا كل فدفد
ولا زالت الأيام يا ابن بهائها * تروح عليكم بالسرور وتغتدي
وقال راثيا ومؤرخا وفاة شيخه المذكور السيد مهدي بحر العلوم
الطباطبائي:
يا بقعة بزغت كالشمس في أفق * قد ضم خير سراة الأرض ناديك
أصبحت في فرح والناس في ترح * تبارك الله مرضينا ومرضيك
أصبحت كالبيت بيت الله محتشدا * فالجن والإنس والأملاك تأتيك
ما أنت سرداب سامراء زاد علا * وليس ناصب شمراخ الهدى فيك
فكيف امسى بك المهدي واتسقت * فيك الملائك املوك باملوك
لله من سبب بالله متصل * وبحر علم أصاب اليوم واديك
قد ذاب فيك فؤاد الدين من حزن * فأرخوا غاب مد للهدى فيك 1212
وقوله قد ذاب فيك فؤاد الدين إشارة إلى اسقاط الدال والياء
من التاريخ وجعل ألف الهدى ألفا لا ياء.
مدايحه
قال الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي يمدحه بقصيدة أرسلها اليه من
الشام للعراق مطلعها:
تذكر حيا بالعذيب فحياه * ولو أنه رد التحية أحياه
الشيخ جواد ويقال محمد الجواد بن شرف الدين محمد مكي بن ضياء الدين
محمد بن شمس الدين علي بن جمال الدين الحسن بن زين الدين بن
محمد بن علي بن شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن شمس الدين
محمد بن بهاء الدين علي بن ضياء الدين علي ابن الشهيد محمد مكي العاملي
النجفي المسكن والمدفن
من أهل المائة الثانية عشرة كان حيا سنة 1116 معاصر الشيخ مهدي
الفتوني العاملي المتوفي سنة 1183.
كان عالما فاضلا فقيها أصوليا لغويا نحويا عروضيا شاعرا أديبا من
مشايخ السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ذكره السيد مهدي في تقريظه
لكتاب تتميم أمل الآمل للشيخ عبد النبي القزويني واجازته لمؤلفه المذكور
الآتيين في ترجمة القزويني فقال السيد عند تعداد مشايخه: والشيخين
الفاضلين العالمين الكاملين الشيخ العلم العماد الشيخ محمد الجواد والشيخ
السني البهي الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي المعلوم جلالة قدره. وقد
يستشعر من تقديم الشيخ محمد الجواد عليه انه اجل منه قدرا. والشيخ
محمد الجواد هذا هو الذي شارك الشيخ مهدي الفتوني العاملي في تقريظه
القصيدة الكرارية في مناقب أمير المؤمنين علي (ع) سنة 1116 وهي
قصيدة السيد محمد شريف بن فلاح الكاظمي وهي تزيد على 430 بيتا
وأولها:
نظرت فازرت بالغزال الأحور * وسطت فأردت كل ليث قسور
وكتب عليها علماء ذلك العصر وأدباؤه تقاريظهم أولها تقريظ الشيخ
مهدي الفتوني وبعده تقريظ الشيخ جواد هذا بوصف العالم الرباني والمحقق
الثاني المحدث الفقيه الأصولي اللغوي النحوي العروضي الشيخ جواد بن
شرف الدين النجفي وبعد تقريظيهما ستة عشر تقريظا للعلماء والشعراء في
ذلك العصر. وفي كتاب شهداء الفضيلة ان ناظم القصيدة قال عند ذكر
تقاريظها في حق المترجم ما صورته: هو العالم الفاضل الكامل عمدة
الأماثل الجامع بين الصناعة الشعرية والعلوم الشرعية العالم الرباني والمحقق
الثاني ومن شعره مقرظا القصيدة الرائية الكرارية حين ارسالي بها اليه وهو
بالنجف الأشرف:
وردت فأودت بالظلام الأعكر * وبدت فأخفت كل ضوء نير
أضحت تخبر عن براعه زاخر * سمحت لدي بكل سر مضمر
ينحط مدحي عن حقيقة شانها * ويقل في نظمي صحاح الجوهر
فكأنما القرطاس كأس رائق * واللفظ ساقينا بمعنى مسكر
فرشفتها شغفا لما قد أودعت * من نكتة وبديعة لم تنكر
فسرت حياة في المفاصل كلها * ومسرة في قلبي المتكدر
لله ناظمها فكم في نظمها * قد فاق كل مقدم ومؤخر
لا زال في ثوب السلامة رافلا * مذ فاح نشر ختامه المتعطر
وكان أبوه محمد مكي من العلماء وتأتي ترجمته في بابها (انش).
الشيخ جواد محيي الدين
مر بعنوان جواد بن علي بن قاسم.
السيد جواد ابن السيد مرتضى بن محمد بن عبد الكريم بن مراد ابن الشاه
أسد الله الحسني الطباطبائي البروجردي أخو السيد مهدي بحر العلوم
توفي في بروجرد يوم السبت في 9 شوال 1248 ودفن قريبا من داره
ببلدة بروجرد جنب مسجد والده المعروف في وسط الشارع العام وعليه
قبة.
كان عالما فقيها نبيها قال حفيده الحاج ميرزا محمود ابن الميرزا علي
تقي ابن المترجم في هامش شرحه على منظومة بحر العلوم المسمى بالمواهب
السنية ما نصه:
(واما جدي الماجد الجواد فكان فاضلا جليلا عابدا وقورا عظيما في
عيون الامراء والحكام حاميا للأرحام والأرامل والأيتام وكان يوم وفاته يوما
عظيما على الناس كثر فيه البكاء والصراخ حتى أن اليهود اتوا بتوراتهم
واجتمعوا لإقامة مراسم العزاء) (انتهى).
خلف عدة أولاد ومن مشاهير ذريته الآقا حسين البروجردي المقلد
بتلك النواحي الآن.
الشيخ جواد ويقال محمد جواد ابن الشيخ مشكور بن محمد بن صقر
الحولاوي النجفي
توفي سنة 1325 عن عمر ناهز التسعين:
(والحولاوي) نسبة إلى آل حول بكسر الحاء المهملة وفتح الواو قبيلة
من العرب في العراق.
كان من فقهاء النجف وأئمة الجماعة فيها. اخذ عن والده وعن

295
الشيخ مرتضى الأنصاري والميرزا السيد محمد حسن الشيرازي. وتخرج
عليه بعض الفضلاء ولما توفي قام مقامه ولده الشيخ مشكور ولما توفي الشيخ
مشكور قام مقامه ولده الشيخ حسين في امامة الجماعة وغيرها والمترجم له
رأيناه في النجف وعاشرناه وكان سافر مع والده إلى بلاد إيران لزيارة
الرضا (ع) وصار لوالده في طهران احترام كثير فحدثني المترجم من لفظه
ان السفير العثماني في طهران زار والده فلم يرد له والده الزيارة أو اخر رد
الزيارة أو شيئا من هذا القبيل نسب فيه السفير العثماني إلى الشيخ تقصيرا
في حقه فكتب بذلك إلى إسلامبول فلما خرج الشيخ من الحدود الإيرانية
كان والي بغداد قد ارسل من يحضره إلى بغداد وبقي هناك أياما وعوتب
فاعتذر ثم حضر للنجف. ومن طريف ما يحكى عن المترجم له انه كان
مسافرا مع بعض أولاد العلماء الذي لا يصل في العلم إلى درجة المترجم
وهو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ محمد حسين الكاظمي فكان المترجم يقوم
إلى نافلة الليل ورفيقه نائم فإذا فرع من النافلة رفع رفيقه رأسه وقال نوم
العالم خير من عبادة الجاهل تظرفا وتلطفا.
الشيخ جواد نجف
مضى بعنوان جواد بن حسين
الشيخ جواد النجفي الكوفي
من أهل أواسط المائة الثانية عشرة.
من علماء النجف في عصر السلطان نادر شاه ذكره عبد الله السويدي
البغدادي في رسالته (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الاسلامية) في جملة
العلماء الذين حضروا المناظرة بين السويدي والملا باشي الذي كان مع نادر
ووقعوا جريدة الاتفاق فوقع هو مع جماعة من علماء النجف عن أهل
النجف وهو يدل على مكانته في العلم والفضل وكان ذلك في عصر السلطان
محمود بن مصطفى العثماني وولاية احمد باشا بن حسن باشا على بغداد
ومعنى الملا باشي رئيس العلماء لأن العادة عند ملوك إيران إلى أواخر هذا
العصر ان يكون لهم عالما يسمونه الملا باشي يكون بصحبة الشاه سفرا
وحضرا واليه المرجع في الأمور العلمية والدينية واحتملنا في الجزء الثاني من
معادن الجواهر ان يكون هو الشيخ جواد نجف من علماء آل نجف
الشهيرين ثم نظرنا ان الشيخ جواد نجف متأخر عن ذلك العصر بكثير لأنه
توفي سنة 1294 كما ذكر في ترجمته ونادر شاه قتل سنة 1160 وان هذا غيره
بل هو من علماء النجف في ذلك العصر الذين طوت الأيام اخبارهم كما
طوت اخبارهم الكثيرين من علماء الشيعة لعدم قيام أحد بتدوين اخبارهم
وآثارهم فضاعت (وكل شئ ليس في القرطاس ضاع) وسنذكر هذه المناظرة
في ترجمة الملا باشي علي أكبر (انش).
السيد جواد الهندي الكربلائي الخطيب
مر بعنوان جواد بن محمد علي الحسيني.
الجواليقي أو ابن الجواليقي
اسمه أبو منصور موهوب بن أحمد بن الخضر ويوصف بالجواليقي
هشام بن سالم من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام.
الجواني
بفتح الجيم وتشديد الواو نسبة إلى جوانية في معجم البلدان الجوانية
بالفتح وتشديد ثانيه وكسر النون وياء مشددة موضع أو قرية قرب المدينة
إليها ينسب بنو الجواني العلويون منهم أسعد بن علي يعرف بالنحوي كان
بمصر وابنه محمد بن أسعد النسابة ذكرتهما في اخبار الأدباء (انتهى). وعن
رجال الكشي ولم يقع عليه نظري الآن أنه قال: حمدويه وإبراهيم قالا
حدثنا أبو جعفر محمد بن عيسى قال كان الجواني خرج مع أبي
الحسن (عليه السلام) إلى خراسان وكان من قرابته (انتهى)
وعن الشيخ عناية الله في ترتيب اختيار الكشي أنه قال الجواني هو أبو المسيح
عبد الله بن مروان من أصحاب الرضا ثم ذكر الرواية المذكورة التي ذكرها
الكشي في خروج الجواني مع الرضا إلى خراسان والظاهر أنه استفاد كون
اسمه ما ذكر من الرواية التي رواها الكشي في ترجمة الكميت وهي ما رواه
عن علي بن محمد بن قتيبة قال حدثني أبو محمد الفضل بن شاذان حدثنا
أبو المسيح عبد الله بن مروان الجواني قال كان عندنا رجل من عباد الله
الصالحين وكان راوية شعر الكميت يعني الهاشميات وكان يسمع ذلك منه
وكان عالما بها فتركه خمسا وعشرين سنة لا يستحل روايته وانشاده ثم عاد
فيه فقيل له ألم تكن زهدت فيها وتركتها فقال نعم ولكني رأيت رؤيا دعتني
إلى العود فيه رأيت كان القيامة قد قامت وكأنما انا في المحشر فدفعت إلي
مجلة قال أبو محمد فقلت لأبي المسيح وما المجلة قال الصحيفة فإذا فيها أسماء
من يدخل الجنة من محبي علي بن أبي طالب وفيهم الكميت بن زيد الأسدي
فذلك دعاني إلى العود فيه (انتهى) والنجاشي وصف علي بن إبراهيم بن
محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام بأبي الحسن الجواني. وفي الخلاصة: علي بن إبراهيم بن
محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب أبو الحسن الجواني بفتح الجيم وتشديد الواو خرج مع أبي
الحسن (ع) إلى خراسان. وفي منهج المقال: ذكر صاحب عمدة الطالب
ان الجواني نسبة محمد بن عبيد الله الأعرج بن الحسين بن علي بن الحسين
عليهما السلام وذكر انه نسبة إلى جوانية قرية بالمدينة والذي يظهر من التتبع
ان أولاده يعرفون بهذه النسبة وظاهر الخلاصة والنجاشي ان الجواني هو
علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد هذا ولعله نسبة إلى بلد جده
والا فقد قال صاحب العمدة ان عليا هذا ولد بالمدينة ونشأ بالكوفة ومات
بها والذي يظهر من التتبع ان هذا قد صار نسبة لأولاده والله أعلم
(انتهى). ولا يخفى ان الذي في رجال النجاشي والخلاصة انما يدل على
وصف علي بن إبراهيم المذكور بالجواني لا على انحصار الوصف فيه. ثم إن
قول عناية الله ان الجواني هو أبو المسيح عبد الله بن مروان وذكره رواية
الكشي بعد ذلك الدالة على خروج الجواني مع الرضا إلى خراسان الدال
على أن الجواني الخارج مع الرضا عنده هو أبو المسيح ليس بصواب
للتصريح في الرواية بأنه من قرابته فيناسب ان يكون علي بن إبراهيم أو
أحد ولده لا أبا المسيح الذي ليس من قرابته بل من أصحابه ويبعد كونه
علي بن إبراهيم قول صاحب العمدة انه ولد بالمدينة ونشا بالكوفة ومات بها
الظاهر في أنه لم يسافر إلى خراسان والله أعلم ثم إن المستفاد من كتب
الرجال ان الجواني يطلق على علي بن إبراهيم المذكور وعلى ابنه احمد وعلى
الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي السجاد وعلى أبيه محمد بن
عبد الله وعلى عبد الله بن مروان أبي المسيح وكل منهم مترجم في محله.
التمييز
في مشتركات الطريحي: ومنهم الجواني المشترك بين محمد بن عبيد الله

296
الأعرج وبين علي بن إبراهيم بن الحسن بن محمد و كلاهما في المرتبة سواء
فحالهما واحد (انتهى). وفي مشتركات الكاظمي: الجواني نسبة إلى جوانية
قرية بالمدينة ونسبة محمد بن عبد الله الأعرج وربما جاءت النسبة لعلي بن
إبراهيم بن زيد بن ليث (انتهى).
جودان
ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن الكوفة
(انتهى). وفي الإصابة جودان العبدي.
الشيخ جودة الحساني
كتب الينا ترجمته الشيخ محمد رضا الحساني والعهدة عليه فقال:
آل حسان
يوجد في النجف الأشرف (عائلتان) كل منهما تسمى آل حسان
ولكليهما شهرة واسعة (الأولى) تنتمي إلى القبيلة المشهورة في العراق قرب
السماوة التي تدعى البوحسان. ولهذا البيت في النجف موقوفات كثيرة
تصرف في المحرم وصفر وفي الأعياد وعلى الأكثر اطعام الطعام واكساء
الفقراء، وإقامة المآتم الحسينية. وقد اشتهر من هذا البيت الشيخ جودة
الحساني توفي قبل سنوات كان عالما فاضلا والموجود الآن خلفه الشيخ خضر
الحساني (الثانية) العائلة المشهورة بآل الشيخ يأتي ذكرهم في حسان.
جودي الخراساني
شاعر أديب من شعراء الفرس يتخلص بجودي على قاعدة شعراء الفرس
ولا نعرف اسمه له ديوان المراثي طبع مرارا ويسمي مراثيه بالدر
المنثور.
جون بن قتادة التميمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن البصرة
(انتهى) وعن تقريب ابن حجر التميمي ثم السعدي البصري لم تصح
صحبته (انتهى) ومضى في ترجمة جارية بن قدامة السعدي ج 15 رواية
للكشي فيها شعر للجون هذا أو للحارث بن قتادة العبسي يمدح به
جارية بن قدامة السعدي حين وجهه أمير المؤمنين (ع) إلى أهل نجران
عند ارتدادهم. ومع كون ذلك الشعر مرددا بينه وبين الحارث المذكور فهو
ليس من شرط كتابنا ففي أسد الغابة وغيره انه شهد وقعة الجمل مع طلحة
والزبير قال اخرجه ابن منده وأبو نعيم (انتهى).
جون ويقال جوين مولى أبي ذر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين (ع) وقال ابن داود جون
مولى أبي ذر ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين والكشي. الظاهر أنه
قتل معه بكربلا مهمل (انتهى) وفيه نظر من وجوه أولا ان الكشي لم
يذكره سواء أكان ذكره متعلقا بما قبله أم بما بعده فهذا من أغلاط رجال ابن
داود التي قالوا عنها ان فيه أغلاطا كثيرة (ثانيا) انه لا شبهة في أنه قتل معه
بكربلا فالتعبير بالظاهر غير صواب (ثالثا) مع شهادته معه وما ورد في حقه
مما يأتي لا يناسب ان يقال إنه مهمل. وفي الوجيزة انه من شهداء كربلا.
وفي ابصار العين: جون بن جوي مولى أبي ذر الغفاري كان منضما إلى أهل البيت
بعد أبي ذر فكان مع الحسن ثم مع الحسين عليهما السلام وصحبه في
سفره من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق (انتهى) وفي كتاب لبعض
المعاصرين - ولم يذكر مستنده ولا يعتمد على نقله - انه جون بن حوي بن
قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي مولى أبي ذر
الغفاري وقد وقع الخلاف في دركه صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أهل السير انه
كان عبدا اسود للفضل بن العباس بن عبد المطلب اشتراه أمير
المؤمنين (ع) بمائة وخمسين دينارا ووهبه لأبي ذر ليخدمه وكان عنده وخرج
معه إلى الربذة فلما توفي أبو ذر سنة 32 رجع العبد وانضم إلى أمير المؤمنين
ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين وكان في بيت السجاد عليهم السلام وخرج
معهم إلى كربلا فاستشهد (انتهى) وانا أظن أنه وقع في هذا النقل خبط كثير
(أولا) ان جونا مولى أبي ذر لم يذكره أحد في الصحابة ولم يذكر أحد خلافا
في صحبته وانما ذاك جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن
كعب بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم التميمي. وفي الإصابة: مختلف
في صحبته شهد الجمل مع الزبير (ثانيا) انهم ذكروا ان جونا كان عبدا
اسود وهو يدل على أنه لم يكن من العرب والنسب الذي ذكره له يدل على أنه
عربي وغير العرب لم تكن أنسابهم محفوظة (ثالثا) ان الذين ذكرهم في
أجداده هم أجداد الآخر الذي اختلف في صحبته بأعيانهم الا قليلا. ومن اخباره
يوم الطف ما ذكره غير واحد من المؤرخين منهم المفيد في الارشاد عن
علي بن الحسين عليهما السلام قال إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي
في صبيحتها إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر وهو - اي
جوين - يعالج سيفه ويصلحه الحديث. وبعض الناس يتوهم ان
الحسين (ع) هو الذي كان يصلح السيف والصواب ان جونا هو الذي كان
يصلح السيف للحسين. وفي كتاب الملهوف على قتلى الطفوف للسيد رضي
الدين علي بن طاوس بن موسى بن طاوس الحسني: ثم برز جون مولى أبي
ذر وكان عبدا اسود فقال له الحسين أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية
فلا تبتل بطريقتنا فقال يا ابن رسول الله انا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي
الشدة اخذ لكم والله ان ريحي لنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود فتنفس علي
بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لا أفارقكم حتى
يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ثم قاتل حتى قتل رضوان الله عليه
(انتهى) وقال محمد بن أبي طالب ثم برز للقتال وهو ينشد:
كيف ترى الكفار ضرب الأسود * بالسيف ضربا عن بني محمد
أذب عنهم باللسان واليد * أرجو به الجنة يوم المورد
ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه الحسين وقال اللهم بيض وجهه وطيب
ريحه واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد (انتهى).
وبعضهم يروي رجز جون هكذا:
كيف ترى الفجار ضرب الأسود * بالمشرفي والقنا المسدد
يذب عن آل النبي احمد
وقال صاحب المناقب: ثم برز جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر مرتجزا
كيف ترى الفجار ضرب الأسود * بالمشرفي القاطع المهند
بالسيف صلتا عن بني محمد * أذب عنهم باللسان واليد
فقتل خمسة وعشرين رجلا وزاد صاحب البحار في رجز جون نقلا عن
المناقب:
أرجو بذاك الفوز عند المورد * من الإله الواحد الموحد
إذ لا شفيع عنده كأحمد

297
ولا يوجد ذلك في المناقب المطبوعة ثم إن أهل السير ذكروا جونا مولى
أبي ذر ولم يذكروا ان جوين بن أبي مالك كان مولى أبي ذر وهب أن جونا
صغر كما هي العادة فمن أين جاء انه ابن أبي مالك وسيأتي عن الشيخ في
رجاله في أصحاب الحسين (ع) جوين بن أبي مالك لكن لم يقل انه مولى
أبي ذر فيشبه ان يكون وقع في المقام خطأ والتباس من ابن شهرآشوب أو منه
ومن غيره والله أعلم.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب جون ولم يذكره شيخنا مشترك بين
رجلين مهملين (انتهى) وقوله مهملين ليس بصواب فجون مولى أبي ذر قتل
شهيدا بكربلا مع الحسين (ع) وجون بن قتادة حارب أمير المؤمنين (ع)
يوم الجمل.
جوهرة جارية أبي عبد الله (ع)
ذكرها الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
الجوهري
اسمه أبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني الشاعر المعروف بالجوهري
وذلك هو المتبادر منه عند الاطلاق. ويوصف به أحمد بن محمد بن
عبيد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم بن أيوب الجوهري. ويطلق
الجوهري على أبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري بولي بني هاشم
من مشايخ أحمد بن حنبل وروى عنه البخاري. ويطلق الجوهري على احمد
ابن عبد العزيز الجوهري صاحب كتاب السقيفة. ويطلق الجوهري أيضا
على الميرزا محمد باقر الجوهري الهروي القزويني الشاعر الفارسي المشهور.
وفي نسخة الجزء الأول من البحار المطبوعة: الجوهري هو محمد بن زكريا.
وهو غلط من النساخ صوابه الجريري بدل الجوهري.
جويبر اليمامي
من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
جويبر تصغير جابر.
في التعليقة يظهر من كتب الأخبار جلالته كما في كتاب النكاح
(انتهى). (أقول):
ليس لجويبر هذا ذكر في كتب أسماء الصحابة ولا ذكره الشيخ في رجاله وهو
عجيب وان كان لا مانع من أن يغفل عن أصحاب تلك الكتب فلا يحيط
بالأمور غير علام الغيوب نعم في الطبقات الكبير لابن سعد جابر أو جويبر
العبدي روى عن عمر بن الخطاب وكان قليل الحديث (انتهى). وفي
الإصابة: جابر أو جويبر العبدي كان في عهد عمر بن الخطاب رجلا فعلى
هذا له ادراك (انتهى). وأشار البهبهاني بما مر إلى ما رواه الكليني في
الصحيح بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) مما حاصله ان
رجلا من أهل اليمامة يقال له جويبر اتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتجعا للاسلام
فاسلم وحسن اسلامه وكان رجلا قصيرا دميما محتاجا عازبا من قباح
السودان فضمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحال غربته وكان يجري عليه طعامه صاعا
من تمر بالصاع الأول وكساه شملتين وأمره ان يلزم المسجد يبات فيه فمكث
بذلك ما شاء الله حتى كثر الغرباء ممن يدخل في الاسلام من أهل الحاجة
بالمدينة فضاق بهم المسجد فأوحى الله عز وجل إلى نبيه وأمره باخراج من
يرقد في المسجد بالليل ويسد الأبواب فيه الا باب علي وامر ان يتخذ
المسلمون سقيفة وهي الصفة ثم امر الغرباء والمساكين ان يظلوا فيها فكان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده وكان
المسلمون يتعاهدونهم ويرقون عليهم لرقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويصرفون
صدقاتهم إليهم وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى جويبر يوما برحمة منه له ورقة
عليه فقال له لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك
وآخرتك فقال له بأبي أنت وأمي اي امرأة ترغب في فوالله ما من حسب ولا
نسب ولا مال ولا جمال فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله قد رفع بالاسلام من
كان وضيعا وأعز من كان ذليلا واذهب ما كان من نخوة الجاهلية فالناس كلهم
أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وإن آدم خلقه الله
من طين وإن أحب الناس إلى الله يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم وما أعلم لأحد
من المسلمين عليك اليوم فضلا إلا لمن كان الله اتقى منك وأطوع ثم قال له
انطلق إلى زياد بن لبيد فإنه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم فقل له اني رسول
رسول الله إليك وهو يقول زوج جويبرا ابنتك الذلفاء فانطلق اليه وهو في
منزله وجماعة من قومه عنده فاستأذن فاذن له وسلم عليه ثم قال إني رسول
رسول الله إليك في حاجة فأبوحها أم أسرها إليك فقال بل بح بها فان ذلك شرف
لي وفخر فقال إن رسول الله يقول زوج جويبرا ابنتك الذلفاء فقال أرسول الله
أرسلك إلي بهذا قال نعم ما كنت لأكذب على رسول الله فقال له انا لا
نزوج فتياتنا الا اكفاءنا من الأنصار فانصرف حتى القى رسول الله فأخبره
بعذري فانصرف وهو يقول والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا نزلت نبوة
محمد فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها فقالت لأبيها ما هذا
الكلام الذي سمعتك تحاور به جويبرا فأخبرها فقالت لا والله ما كان جويبر
ليكذب على رسول الله فابعث اليه فرده فبعث فرده وقال مرحبا بك اطمئن
حتى أعود إليك ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال بأبي أنت وأمي جويبر
أتاني برسالتك بكذا وكذا فلم ألن له في القول ورأيت لقاءك ونحن لا
نزوج الا أكفاءنا من الأنصار فقال له يا زياد المؤمن كفؤ المؤمنة فزوجه ولا
ترغب عنه فرجع زياد إلى منزله واخبر ابنته بذلك فقالت له انك ان عصيت
رسول الله كفرت فزوجه وضمن الصداق وجهزها وهياها ثم ارسلوا إلى
جويبر ألك منزل فقال والله ما لي من منزل فهيئوا لها منزلا وهيئوا لها فيه
فرشا ومتاعا وكسوا جويبرا ثوبين وأدخلت الذلفاء بيتها وادخل جويبر عليها
معتما فنظر إلى متاع وريح طيبة وقام إلى زاوية البيت فلم يزل تاليا للقرآن
راكعا وساجدا حتى طلع الفجر فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى
الصلاة فلما كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك فلما كان اليوم الثالث فعل
مثل ذلك فأخبر أبوها فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال بأبي أنت وأمي أمرتني
بتزويج جويبر ولا والله ما كان من مناكحنا ولكن طاعتك أوجبت تزويجه
وأخبره بما كان منه فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جويبر وسأله فقال يا رسول الله
أدخلت بيتا واسعا ورأيت فراشا ومتاعا وفتاة حسناء عطرة وذكرت حالتي
التي كنت عليها فأحببت إذ أولاني الله نعمة ذلك أن أشكره على ما أعطاني
فلم أزل في صلاتي تاليا للقرآن راكعا وساجدا فلما أصبحت رأيت أن أصوم
ذلك اليوم وفعلت ذلك ثلاثة أيام ولا أفعل ذلك بعدها فأرسل إليهم رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فطابت أنفسهم ثم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في غزوة له ومعه
جويبر فاستشهد فما كان في الأنصار أيم انفق منها (انتهى باختصار).
جويرية بن أسماء
قال الكشي: في جويرية بن أسماء. محمد بن مسعود حدثني إسحاق بن
محمد البصري حدثني علي بن داود الحداد عن حريز بن عبد الله قال كنت

298
عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه حمران بن أعين وجويرية بن أسماء
فتكلم أبو عبد الله بكلام فوقع عند جويرية انه يلحن فقال له أنت سيد بني
هاشم والمؤمل للأمور الجسام تلحن في كلامك فقال دعنا من نهيك هذا فلما
خرجا قال اما حمران فمؤمن لا يرجع ابدا واما جويرية فزنديق لا يفلح ابدا
فقتله هارون بعد ذلك (انتهى). وفي الخلاصة جويرية بضم الجيم ابن
أسماء روي عن الصادق (ع) أنه قال فيه انه زنديق لا يرجع ابدا وفي
الطريق إسحاق بن محمد البصري (انتهى). وهو مضاد لموضوع كتابنا
وذكرناه لذكر أصحابنا إياه في كتبهم لبيان القدح فيه.
جويرية أم عثمان
ذكرت في أم عثمان.
جويرية بنت الحارث
ذكرها الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما يوجد في بعض
نسخ رجال الشيخ من رسمها جديرة أو جويرة تصحيف.
جويرية بن قدامة التميمي
في الإصابة: روى عن عمر يروي عنه أبو جمرة بالجيم في البخاري
قيل هو جارية وجويرية لقب وقيل هو آخر من كبار التابعين ويؤيد انهما
واحد ما رواه ابن عساكر من طريق سعيد بن عمرو الأموي قال قال معاوية
لآذنه ائذن لجارية بن قدامة فلما دخل قال له أيها يا جويرية فذكر القصة
(انتهى) وفي تهذيب التهذيب جويرية بن قدامة ويقال جارية بن قدامة
وليس بعم الأحنف فيما قاله أبو حاتم وغيره روى عن عمر بن الخطاب وعنه
أبو جمرة الضبعي قلت تقدم في ترجمة جارية بن قدامة ما يدل على أنه عم
الأحنف ومما يؤيده قول البخاري في التاريخ حدثنا آدم ثنا شعبة أبو جمرة
سمعت جويرية بن قدامة التميمي سمعت عمر بن الخطاب يخطب
(الحديث) واخرج عنه في الصحيح عن آدم طرفا منه وذكره ابن حبان في
الثقات وجعله تميميا فلا يبعد ان يكون هو جارية بن قدامة ثم وجدت ذلك
صريحا قال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا ابن إدريس ثنا شعبة عن أبي جمرة
عن جارية بن قدامة السعدي فذكر الحديث بتمامه (انتهى) فإن كان هو
جارية بن قدامة التميمي السعدي كما هو الظاهر فقد تقدم وان كان غيره
فلم يعلم أنه من شرط كتابنا.
جويرية بن مسهر العبدي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) فقال جويرية بن مسهر عربي كوفي (انتهى) وذكره البرقي في رجاله فيما حكاه عنه العلامة في
الخلاصة في أصحاب أمير المؤمنين (ع) من ربيعة فقال وجويرية بن مسهر
العبدي شهد مع أمير المؤمنين (ع) (انتهى) وقال الكشي: جويرية بن
مسهر العبدي حدثنا معروف: أخبرني الحسن بن علي بن النعمان حدثني
أبي علي بن النعمان عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن جويرية بن
مسهر العبدي سمعت عليا (ع) يقول: أحب محب آل محمد ما أحبهم
فإذا أبغضهم فأبغضه وأبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم فإذا أحبهم فأحبه
وانا أبشرك وانا أبشرك وانا أبشرك ثلاث مرات (انتهى)
وفي لسان الميزان: جويرية بن مسهر العبدي ويقال ابن بشر بن مسهر كوفي
روى عن علي وعنه الحسن بن محبوب وجابر بن الحر ذكره الكشي في رجال
الشيعة وقال كان من خيار التابعين (انتهى) وكونه من خيار التابعين ليس في
كلام الكشي كما سمعت وفي التعليقة ان في ترجمة هشام بن محمد بن
السائب ان له كتابا في مقتل رشيد وميثم وجويرية وفيه ايماء إلى مشكوريته
وجلالته. وفي تكملة الرجال ما نصه: عن معادن الحكمة عن الكليني في
الرسائل عن علي بن إبراهيم باسناده في حديث طويل ان أمير المؤمنين (ع)
دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال ادخل علي عشرة من ثقاتي فقال سمهم
لي يا أمير المؤمنين فسماهم وذكر فيهم جويرية بن مسهر العبدي. ثم قال
في التكملة ورواه الحر في الوسائل عن كتاب كشف المحجة لابن طاوس عن
كتاب الرسائل للكليني (انتهى).
ولما ولي زياد بن أبيه الكوفة أيام معاوية طلب جويرية فقطع يده
ورجله ثم صلبه.
التمييز
في مشتركات الكاظمي: باب جويرية ولم يذكره شيخنا مشترك بين
ابن أسماء الزنديق وبين ابن مسهر الذي شهد مع أمير المؤمنين (ع).
جوين بن مالك
ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين (ع) وفي لسان الميزان
جوين بن مالك ذكره الطوسي والكشي في رجال الشيعة وقالا روى عن
الحسين بن علي (انتهى) وليس له ذكر في رجال الشيعة وقالا روى عن
الحسين بن علي (انتهى) وليس له ذكر في رجال الكشي وفي أبصار العين:
جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التيمي كان نازلا في بني تميم فخرج معهم
إلى حرب الحسين (ع) وكان من الشيعة فلما ردت الشروط على الحسين
مال معه فيمن مال ورحلوا إلى الحسين ليلا وقتل بين يديه قال السروري
وقتل في الحملة الأولى وصحف اسمه بسيف ونسبته بالنمري (انتهى) ولم
يذكر صاحب أبصار العين من أين أخذ هذا والسروري هو ابن شهرآشوب
وقد ذكر في مناقبه سيف بن مالك النمري فيمن استشهد من أصحاب
الحسين (ع) في الحملة الأولى وحمل كلامه على التصحيف يفتقر إلى مستند
وقد عرفت أنه قال عند ذكر أنصار الحسين (ع): ثم برز جوين بن أبي
مالك مولى أبي ذر إلى آخر ما مر فيوشك ان يكون وقع في المقام خطأ
واشتباه كما تقدم.
جوين والد أبي هارون العبدي
في تاريخ بغداد للخطيب سمع علي بن أبي طالب وحضر معه يوم
النهروان روى عنه ابنه أبو هارون عمارة بن جوين ثم روى بسنده عن أبي
هارون قال أخبرني أبي أنه كان مع علي بن أبي طالب حين قتلوا الحرورية
قال فلما قتلوا امر ان يلتمسوا الرجل - يعني ذا الثدية - فالتمسوه مرارا فلم
يجدوه حتى وجدوه في مكان قال خربة أو شئ لا أدري ما هو فرفع علي
يديه والناس يدعون ثم وضع يديه ثم رفعهما أيضا ثم قال والله فالق الحبة
بارئ النسمة لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم على
لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
جيحون لقب آقا محمد اليزدي الشاعر الفارسي.
جيش بن ربيعة الكناني
كان من أصحاب علي (ع) وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان.
الخاتمة
تم الجزء السابع عشر من (أعيان الشيعة) على يد مؤلفه الفقير إلى

299
رحمة ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي
نزيل دمشق بمنزله في محلة الأمين من مدينة دمشق الشام صانها الله عن
طوارق الأيام حامدا لله تعالى على ما وفق له من اتمام ما مضى سائلا من
كرمه تعالى التوفيق لانجاز ما بقي.
وقد أعجبني ان أتمثل بما رأيته الآن في مقدمة الأدباء لياقوت من
قوله: فهو لا ينفق الا على من جبل على العلم طبعه وعمر بحب الفضل
ربعه واما أهل الجهل والغي فليس عشك فادرجي ولا مبيتك فأدلجي.
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وسلم تسليما ورضي الله عن أصحابه الصالحين والتابعين لهم باحسان
وتابعي التابعين وعن العلماء والصلحاء من سلف منهم ومن غبر إلى يوم
الدين.
(وبعد) فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم
السيد عبد الكريم الأمين (الحسيني العاملي) نزيل دمشق الشام عامله الله
بفضله ولطفه وعفوه: هذا هو الجزء الثامن عشر من كتابنا (أعيان الشيعة)
أوله حرف الحاء وفق الله تعالى لاكماله ومنه نستمد المعونة والهداية
والتوفيق والعصمة والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حرف الحاء
حاتم بن إبراهيم بن الحسين الحامدي
عالم فاضل له كتاب المفاخر والمآثر ينقل عنه الشيخ حسن بن نوح بن
يوسف بن محمد بن آدم الهندي البهروجي في كتابه الأزهار ومجمع الأنوار
الذي أكثره في اثبات امامة أمير المؤمنين عليه السلام والوصية له فقد حكى
احتجاج أمير المؤمنين علي (ع) على أهل الشورى عن الجزء الثاني من
كتاب المفاخر والمآثر المذكور حكى ذلك كله صاحب الذريعة.
حاتم بن إسماعيل أبو إسماعيل الكوفي المدني
توفي بالمدينة سنة 186 وقيل 187 ليلة الجمعة لتسع ليال مضين من
جمادي الأولى قال الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) حاتم بن
إسماعيل أبو إسماعيل المدني أصله كوفي اه‍. وقال النجاشي: حاتم بن
إسماعيل المدني مولى بني عبد الدار بن قصي روى عن أبي عبد الله (ع)
عامي قال الواقدي مات سنة 186 أخبرنا عدة عن جعفر بن محمد عن
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن
الحسن العلوي الحسني عن أبيه عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد
بكتابه اه‍. وفي الفهرست حاتم بن إسماعيل له كتاب رويناه عن عدة من
أصحابنا عن أبي المفضل عن حميد عن إبراهيم بن سليمان عن حاتم.
وفي التعليقة قال الحافظ أبو نعيم حدث عن جعفر يعني الصادق
(عليه السلام) من الأئمة الاعلام حاتم بن إسماعيل اه‍. وفي
الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب محمد بن عمر الواقدي: حاتم بن
إسماعيل ويكنى أبا إسماعيل قال محمد بن عمر أشهدني انه مولى لبني عبد
المدان بن الديان من بني الحارث بن كعب وأعطاني سجل أبيه وقال لا تذكره
حتى أموت وكان أصله من أهل الكوفة ولكنه انتقل إلى المدينة فنزلها
حتى مات سنة 186 في خلافة هارون الرشيد وكان ثقة مأمونا كثير الحديث
اه‍ وفي ميزان الاعتدال حاتم بن إسماعيل المدني ثقة مشهور صدوق قال
النسائي ليس بالقوي ووثقه جماعة وقال احمد زعموا انه كان فيه غفلة اه‍.
وفي تهذيب التهذيب حاتم بن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم
روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن أبي عبيد وهشام بن عروة
والجعيد بن عبد الرحمن وأبي صخر الخراط وأفلح بن حميد وبشر بن رافع
وخثيم بن عراك وأبي واقد صالح بن محمد بن زائدة ومحمد بن يوسف
ابن أخت النمر ومعاوية بن أبي مزرد وموسى بن عقبة وشريك بن عبد الله
القاضي وغيرهم. روى عنه ابن مهدي وابنا أبي شيبة وسعيد بن عمرو
والأشعثي وقتيبة وإسحاق بن راهويه وإبراهيم بن موسى الرازي وهشام بن
عمارة وهناد بن السري ويحيى بن معين وأبو كريب وجماعة. وقال أبي
المديني روى عن جعفر عن أبيه أحاديث مراسيل اسندها قال احمد هو أحب
إلي من الدراوردي وزعموا أن حاتما كان فيه غفلة الا ان كتابه صالح وقال
أبو حاتم هو أحب إلي من سعيد بن سالم وقال النسائي ليس به بأس وقال
البخاري عن أبي ثابت المديني مات سنة 87 (يعني بعد المائة) وقال العجلي
ثقة وكذا قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين اه‍. وليس من شرط
كتابنا وذكرناه لذكر أصحابنا إياه وذكروه لأن له كتابا يرويه عن جعفر
الصادق (ع).
الوزير النواب - اعتماد الدولة ميرزا - حاتم بيك الأردوبادي
من وزراء الشاه عباس الصفوي كان من تلاميذ الشيخ البهائي
وصنف الشيخ باسمه التحفة الحاتمية في الأسطرلاب بالفارسية ورتبها على
سبعين بابا ولهذا يقال لها هفتاد باب وذلك حين قراءته الأسطرلاب عليه
ذكر ذلك صاحب الذريعة.
خواجة ناصر الدولة والدين حاتم بيك
ألف له استخراج خط نصف النهار المولى مظفر بن محمد قاسم المنجم
الجنابذي المعاصر للشاه عباس والشيخ البهائي ويقال له أيضا الحاتمية ومن
اختلاف اللقب بينه وبين حاتم بك المتقدم يظهر انه غيره والاتحاد محتمل.
الشيخ حاتم ابن الشيخ زين الدين علي الملقب أبوه بأم الحديث ابن
سليمان بن درويش بن حاتم البحراني القدمي
ذكره صاحب اللؤلؤة في ترجمة أبيه الشيخ علي وقال فاضل وفقيه.
حاتم بن الفرج
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي (ع) وفي لسان الميزان
حاتم بن الفرج ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
الميرزا حاتم ابن نظام الملك
عالم فاضل له ضياء الثقلين في الأدعية المأثورة المشهورة ولا نعلم
من أحواله غير ذلك.
الحاجب بن الليث ابن السراج
في رياض العلماء فاضل عالم متكلم فقيه جليل معاصر للسيد
المرتضى كان له وللسيد المرتضى مراسلة إلى الشيخ المفيد في بعض المسائل
على ما يظهر من كتاب رفع المناواة عن التفضيل والمساواة للأمير السيد

300
حسين المجتهد العاملي ولعله مذكور باسمه في كتب الرجال فلاحظ اه‍.
حاجز بن يزيد
في منهج المقال: حاجز من وكلاء الناحية على ما في ربيع الشيعة.
وفي ارشاد المفيد: علي بن محمد عن الحسين بن عبد الحميد قال شككت في
امر حاجز فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر فخرج إلي ليس فينا شك ولا
فيمن يقوم مقامنا بأمرنا فرد ما معك إلى حاجز بن يزيد اه‍. وفي التعليقة
في وكالته شهادة على الوثاقة كما مر في الفوائد اه‍. ورواه الكليني في الكافي
كما في الارشاد متنا وسندا ورواه الصدوق في كمال الدين نحوه.
المولى حاجي بن حسين (1) اليزدي
في رياض العلماء كان من أجلة مشاهير علماء دولة السلطان الشاه
عباس الماضي الصفوي وكان من تلامذة الشيخ البهائي وقد قرأ عليه الوزير
خليفة سلطان والمولى خليل القزويني بل الآقا حسين الخوانساري أيضا.
ومن مؤلفاته شرح خلاصة الحساب للشيخ البهائي المذكور ولكن لم يتمه
ولذلك شرحها بعده تلميذه السيد الأمير مجد الشرف بن حبيب الله
الطباطبائي الشيرازي ومن مؤلفاته كتاب (بياض في الأصل) وانما أوردناه في
هذا المقام لأن حاجي علم له لا انه وصف له بكونه حاجا لبيت الله اه‍.
حارب بن شرحبيل الشامي
من أصحاب أمير المؤمنين علي (ع) وشبام بطن من همدان معروفون
بالاخلاص في ولاء علي (ع) قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان
عليا (ع) لما رجع من حرب صفين مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا
مرتفعا عاليا فخرج اليه حارب بن شرحبيل الشبامي فقال علي أيغلبكم
نساؤكم الا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين قال يا أمير المؤمنين لو كانت
دارا أو دارين أو ثلاثة قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة
قتيل فليس من دار الا وفيها بكاء اما نحن معاشر الرجال فانا لا نبكي
ولكن نفرج لهم بالشهادة فقال علي رحم الله قتلاكم وموتاكم واقبل يمشي
معه وعلي راكب فقال له علي ارجع ووقف ثم قال له ارجع فان مشي مثلك
فتنة للوالي ومذلة للمؤمنين اه‍.
الحارث بن أبي جعر الأحول
يأتي بعنوان الحارث بن محمد بن النعمان.
الحارث بن أبي رسن بالراء الأودي بالواو الكوفي
قال العلامة في الخلاصة الحارث ابن أبي رسن الأودي بالواو الكوفي
قال ابن عقدة انه أول من القى التشيع في بني أود اه‍. وفي منهج المقال
نقلا عن الخلاصة الحارث بن أبي رسن الأودي قال ابن عقدة انه أول من
القى التشيع في بني أود اه‍. وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب
الصادق (ع) فقال الحارث ابن أبي رسن الأزدي الكوفي وفي رجال ابن
داود الحارث بن أبي رسن الأودي بالواو الكوفي (لم) قال ابن عقدة أول من
القى التشيع في بني أود اه‍. وفي منهج المقال انه وافق الشيخ في الأول
دون الثاني وكأنه الصواب اه‍. اي وافقه في رسن فجعله بالراء وخالفه في
الأودي فجعله بالواو دون الزاي فالخلاصة ورجال ابن داود متوافقان وما
يوجد في نسخة مخطوطة من الخلاصة مصححة من جعل الأول بالواو والثاني
بالزاي خطأ قطعا كالذي في نسخة منهج المقال المطبوعة من أنه أول من
تشيع في بني أود.
الحارث بن الأحول
يأتي بعنوان الحارث بن محمد بن النعمان البجلي.
الحارث الأشعري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث الأعور
هو الحارث بن عبد الله بن كعب الآتي ولكن في منهج المقال كما في
النسخة المطبوعة أو في هامشه كما يقال: الحارث الأعور هو اما ابن قيس
الأعور واما ابن عبد الله - الأعور الهمداني - اه‍. وفي الوسيط الظاهر أنه
ابن قيس بن عبد الله الأعور الهمداني. وفي تكملة الرجال: الحارث
الأعور بخط التقي المجلسي انه الهمداني الذي قال له أمير المؤمنين (ع)
(يا حار همدان من يمت يرني) وكان شيخنا البهائي يقول هو جدنا اه‍.
أقول: ستعرف ان الشعر للسيد الحميري يحكي به قول أمير المؤمنين (ع)
للحارث ونسبته اليه (ع) توهم واستظهر صاحب النقد ان يكون الحارث
الأعور هو الحارث بن قيس الأعور الآتي ولم يذكر الحارث بن عبد الله أصلا
وهو عجيب. وفي رجال أبي علي قلت بل هو ابن عبد الله كما يظهر من
ترجمته ونص عليه في المجمع وقال ولد الأستاذ العلامة دام علاهما الحارث
الهمداني المشهور المرمي بالكذب والرفض الذي اشتهر بصحبة علي
المخاطب بقوله (يا حار همدان من يمت يرني) الأبيات وهو جد شيخنا
البهائي هو ابن عبد الله الهمداني الحوتي أبو زهير على ما يظهر من مختصر
الذهبي وتقريب ابن حجر وميزان الاعتدال وابن أبي الحديد وصاحب أسماء
رجال المشكاة وغيرهم ومات في خلافة ابن الزبير والأعور صفة له لا لأبيه
كما زعم أولا هو ابن قيس ولا أخو أبي وعلقمة كما توهم لأن الأعور همداني
نسبة إلى همدان بالاهمال والاسكان قبيلة باليمن وابن قيس جعفي كوفي أخو
علقمة وأبي قتل بصفين كما في أصحاب علي (ع) من رجال الشيخ وبعد
الستين كما في تقريب ابن حجر وصلى عليه أبو موسى كما في مختصر الذهبي
فليتدبر اه‍. قال أبو علي وهو جيد الا في نسبة قتله بصفين إلى رجال
الشيخ فالذي فيه انه قطعت رجله بصفين اه‍ (أقول) عرفت وستعرف ان
نسبة الشعر إلى علي (ع) اشتباه. والحارث الأعور هو الهمداني والهمداني
هو ابن عبد الله بن كعب وانما جاء احتمال كون الحارث الأعور هو ابن
قيس من قول أهل الرجال ان ابن قيس كان أعور كما يأتي لكن صرح ابن
سعد في الطبقات الكبير بان الحارث الأعور هو ابن عبد الله بن كعب الآتي
وكذلك السمعاني في الأنساب والذهبي وابن حجر وابن أبي الحديد
وصاحب تاج العروس وغيرهم فيما يأتي من كلامهم واستظهار الميرزا
وصاحب النقد انه ابن قيس لعله من وصفه بالفقاهة والجلالة مع كونه أعور
فكان إطلاق الأعور ينصرف إليه ولكن كونه فقيها جليلا لا يقتضي
انصراف اطلاق الأعور إليه مع معارضته بما صرح به الجماعة المذكورون وفي
الكافي عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور اه‍. وسيأتي أن ابن
حجر عد أبا إسحاق السبيعي فيمن يروي عن الحارث بن عبد الله الهمداني
وهو مما يؤيد انه هو المراد بالحارث الأعور عند الاطلاق وان كان ابن قيس



(1) الذي في النسخة حاجي حسين لكن قوله ان حاجي اسمه لا وصفه يدل على أنه حاجي بن
حسين. - المؤلف -
301
أعور أيضا ثم إن الذي في الخلاصة ورجال ابن داود الحارث بن الأعور وهو
الصواب وهو المشار اليه بقول ابن المحقق البهبهاني المتقدم والأعور صفة له لا
لأبيه كما زعم ويدل كلام الخلاصة وابن داود على أن الحارث الأعور غير
الحارث بن قيس لأنهما ذكرا لكل منهما ترجمة مستقلة والحارث الأعور هذا هو
والد شريك بن الحارث الأعور الذي توفي سنة 60 فيكون قد توفي في حياة
أبيه الذي ذكروا انه توفي سنة 65 ويأتي في بابه (انش) وبناء على ما قلناه
من أن المراد بالحارث الأعور هو الحارث بن عبد الله سنذكر ما ورد في
الحارث الأعور في ترجمة الحارث بن عبد الله.
الحارث بن اقيش
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن البصرة
وروى حديثا واحدا اه‍. (اقيش) قال ابن حجر في التقريب والإصابة
بالقاف والمعجمة مصغرا وقد تبدل الهمزة واوا اه‍. وفي رجال ابن داود
اقبش بالقاف الساكنة والباء المفردة المفتوحة والشين المعجمة اه‍.
والصواب هو ما في التقريب ونص عليه في القاموس فقال اقيش كزبير
وقال الحارث بن اقيش أو وقيش صحابي وزاد في التاج العكلي حليف
الأنصار روى عنه عبد الله بن قيس اه‍.
الحارث بن امرئ القيس الكندي
مذكور في كتاب ابصار العين في أنصار الحسين من جملة أنصاره (ع)
نقلا من كتاب الحدائق الوردية في أئمة الزيدية قال: كان الحارث من
الشجعان العباد وله ذكر في المغازي وكان قد خرج في عسكر ابن سعد فلما
ردوا على الحسين (ع) كلامه معه وقاتل وقتل قال صاحب الحدائق انه قتل
في الحملة الأولى اه‍. ولم أجده في غير أبصار العين وقال بعض أهل العصر
في كتاب له: الحارث بن امرئ القيس بن عابس ذكر أهل السير انه من
شهداء الطف كان من الشجعان وله ذكر في المغازي والحروب وقال صاحب
الحدائق الوردية انه كان ممن خرج في عسكر ابن سعد حتى اتى كربلاء فلما
ردوا على الحسين (ع) شروطه وحصروه مال اليه وانضم إلى أصحابه
الكنديين وهم أربعة نفر فقتلوا مع الحسين اه‍. ويذكر انه ممن حضر
حصار المجير فلما خرج المرتدون ليقتلوا وثب على عمه ليقتله فقال ويحك
أتقتلني وانا عمك قال أنت عمي والله ربي فقتله اه‍. ولما كنت لا اعتمد
على نقله فانا برئ من عهدته حتى اتثبت امر ما نقله وأراجعه.
الحارث بن انس الأشهلي الأنصاري
قتل يوم أحد في شوال على رأس 32 شهرا من الهجرة وعمره 28 سنة
من المقتولين يوم أحد.
الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: سكن المدينة
ابن أخي سعد بن معاذ آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين عامر بن فهيرة مولى
أبي بكر قتل بأحد وشهد بدرا اه‍.
الحارث بن بشر أو بشير الهمداني
قتل بصفين مع أمير المؤمنين علي (ع) سنة 37.
كان من رؤساء همدان وشهد صفين مع أمير المؤمنين (ع) وقتل بها
بعد ان اخذ راية همدان قال ابن الأثير في الكامل ان الأشتر قال في بعض
أيام صفين عليكم بهذا السواد الأعظم فان الله لو قد فضه لتبعه من بجانبيه
قالوا تجدنا حيث أحببت واستقبله شباب من همدان وكانوا ثلاثمائة مقاتل
وكانوا صبروا في الميمنة حتى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل قتل منهم أحد
عشر رئيسا وعد منهم جماعة وقال ثم اخذ الراية عميرة ثم الحارث ابنا بشير
فقتلا جميعا اه‍. وقال نصر في كتاب صفين ان الأشتر قال لمذحج وقد
اجتمعوا اليه عليكم بهذا السواد الأعظم فان الله لو قد فضه تبعه من
بجانبيه كما يتبع السيك مقدمه قالوا خذ بنا حيث أحببت واستقبله سنام من
همدان وكانوا ثمانمائة مقاتل وكانوا قد صبروا في ميمنة علي حتى أصيب منهم
ثمانون ومائة رجل منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل رجل اخذ الراية آخر وعد
منهم جماعة قال ثم اخذ الراية عمير بن بشر ثم اخذها اخوه الحارث بن بشر
فقتلا جميعا اه‍. فابن الأثير قال شباب وعدهم ثلاثمائة ونصر قال سنام
وعدهم ثمانمائة.
الحارث بن بهرام
في المستدركات عنه ابن أبي عمير في الكافي في باب اللحم وفي بعض
النسخ همام وهو بعيد لكونه من أصحاب علي (ع) ورواية ابن أبي عمير
عنه متعذرة اه‍. ولكنه لا يلزم اتحاده مع صاحب علي (ع).
الحارث بياع الأنماط الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي التعليقة:
حكم خالي - يعني المجلسي - بكونه ممدوحا لأن للصدوق اليه طريقا
والظاهر أنه والد احمد ومضى في ترجمته عن النجاشي ان أباه روى عن
الصادق (ع) اه‍. وفي المستدركات يروي عنه الثقة أيوب بن الحر من
أرباب الأصول وعد الصدوق كتابه من الكتب المعتمدة فلا بأس بما رواه
اه‍. وفي موضع آخر عنه أيوب الحر ومحمد بن سنان.
الحارث بن الجارود التميمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وفي
لسان الميزان الحارث بن الجارود التميمي عن الحسين بن علي ذكره الطوسي
في رجال الشيعة اه‍. والصواب عن علي بن الحسين والتيمي والتميمي
صحف أحدهما بالآخر.
الحارث بن الجلاح الحكمي
قتل مع علي (ع) بصفين سنة 37.
(الجلاح) كغراب أصل معناه السيل الجارف وجعلته العرب علما ومنه
أحيحة بن الجلاح ويوجد في بعض المواضع في اسم المترجم الحارث بن
اللجلاج والظاهر أنه تصحيف فإنه في كتاب صفين الحارث بن الجلاح في
موضع آخر (والحكمي) نسبة إلى الحكم قبيلة من اليمن روى نصر في كتاب
صفين انه قتل مع أمير المؤمنين علي (ع) بصفين قتله كريب بن الصباح
الحميري من آل ذي يزن مبارزة وقتل معه المرتفع بن الوضاح الزبيدي
وعابد (عايذ) ابن مسروق الهمداني مبارزة أيضا ثم رمي بأجسادهم بعضها
فوق بعض وقام عليها بغيا واعتداء ونادى من يبارز فبرز اليه أمير المؤمنين
علي (ع) فقتله وقتل معه اثنين مبارزة ثم نادى من يبرز فلم يبرز اليه أحد
فنادى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم

302
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين
اه‍.
الحارث بن جهمان الجعفي
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) الحارث بن جهمان وفي
لسان الميزان الحارث بن جهمان عن علي ذكره الطوسي في رجال الشيعة
اه‍. وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان الحارث بن جهمان الجعفي
كان رسول علي (ع) إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ وكانا على مقدمته
فكتب اليهما مع الحارث هذا انه امر عليهما الأشتر، حدثنا عمرو عن
الحارث بن الصباح قال كان بيد الأشتر في بعض أيام صفين صفيحة له
يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء ينصب وإذا رفعها يكاد يغشى البصر
شعاعها وهو يضرب الناس بها قدما ويقول: الغمرات ثم ينجلينا. فبصر
به الحارث بن جهمان الجعفي والأشتر مقنع في الحديد فلم يعرفه فدنا منه
وقال له جزاك الله منذ اليوم عن أمير المؤمنين وجماعة المسلمين خيرا فعرفه
الأشتر فقال يا ابن جهمان أمثلك يتخلف اليوم عن مثل موطني هذا فتأمله
ابن جهمان فعرفه وكان الأشتر من أعظم الرجال وأطولهم الا ان في لحمه
خفة قليلة فقال له جعلت فداك لا والله ما علمت مكانك حتى الساعة ولا
أفارقك حتى أموت اه‍. وقال ابن الأثير في الكامل: وقاتلهم
الأشتر قتالا شديدا ولزمه الحارث بن جهمان الجعفي يقاتل معه فما زال هو
ومن رجع اليه يقاتلون حتى كشف أهل الشام والحقهم بمعاوية. وقال إن
عبد الله بن بديل أحيط به وبطائفة من أصحابه فقاتل حتى قتل وقتل ناس
من أصحابه ورجعت طائفة منهم مجرحين فبعث الأشتر الحارث بن جهمان
الجعفي فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من انهزم من أصحاب عبد الله
حتى نفسوا عنهم وانتهوا إلى الأشتر اه‍.
الحارث بن الحارث الغامدي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: سكن الشام
اه‍. لكن الموجود في النسخ نقلا عن رجال الشيخ الحارث بن الحارث
العابدي وقيل العامري سكن الشام اه‍. والذي في الاستيعاب وأسد
الغابة والإصابة الغامدي كما ذكرناه، فالذي في رجال الشيخ تصحيف.
الحارث بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم
ذكره ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبيه الحارث بن نوفل وقال أمه أم
عمرو بنت المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي ولم يذكر من أحواله
شيئا.
الحارث بن حاطب الجمحي القرشي سكن المدينة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن حاطب بن عمرو الأنصاري
قيل قتل يوم خيبر شهيدا وقيل شهد صفين مع علي (ع).
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب:
الحارث بن حاطب الأنصاري قيل إنه من بني عبد الأشهل وقيل إنه من بني
عمرو بن عوف ومن قال ذاك نسبه الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن
أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس
يكنى أبا عبد الله رده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توجه إلى بدر من الروحاء في شئ
امره به إلى بني عمرو بن عوف وضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهدها
في قول ابن إسحاق وقال الواقدي شهد الحارث بن حاطب أحدا والخندق
والحديبية وقتل يوم خيبر شهيدا رماه رجل من فوق الحصن فدمغه اه‍.
وفي أسد الغابة: الحارث بن حاطب ونسبه كالاستيعاب وقال الأنصاري
الأوسي، وقيل إنه من بني عبد الأشهل والأول أصح، وهو أخو ثعلبة بن
حاطب ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا من الأنصار ثم من الأوس ثم
من بني عمرو بن عوف ثم من بني أمية بن زيد خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
بدر هو واخوه أبو لبابة بن عبد المنذر فردهما من الروحاء جعل أبا لبابة أميرا
على المدينة وامر الحارث بأمر إلى بني عمرو بن عوف وضرب لهما بسهمهما
واجرهما فكانا كمن شهدها وشهد صفين مع علي بن أبي طالب اه‍. وفي
الإصابة روى الطبراني بسند ضعيف ان هذا يعني الحارث بن حاطب
الأنصاري شهد صفين مع علي اه‍.
الحارث بن حزيمة الخزرجي الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حكاه عنه في منهج
المقال ونقد الرجال وغيرهما وذكروه بين الحارث بن حاطب والحارث بن
حسان فدل على أنه عندهم ابن حزمة بالمهملة والزاي ولكن الصواب انه
ابن خزمة بالمعجمة والزاي كما هو مذكور في جميع كتب أسماء الصحابة
فإنهم ذكروه بعد الحارث بن خالد كما يأتي وهم اعرف بهذا الشأن وأضبط.
الحارث بن حسان البكري
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحارث بن حسان
البكري وقيل حريث اه‍. وفي الاستيعاب الحارث بن حسان بن كلدة
البكري ويقال الربعي والذهلي من بني ذهل بن شيبان ويقال الحارث بن
يزيد بن حسان ويقال حريث بن حسان والأكثر يقولون الحارث بن حسان
البكري وهو الصحيح إن شاء الله والحارث بن حسان البكري هو الذي
سأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حديث عاد قوم هود كيف هلكوا بالريح العقيم
فقال له يا رسول الله على الخبير سقطت فذهبت مثلا اه‍. وفي تهذيب
التهذيب صحح ابن عبد البر ان اسمه حريث اه‍. ولا يخفى ان الذي
صححه على ما نقلناه ان اسمه الحارث بن حسان البكري الا أن تكون
النسخ مختلفة. وفي أسد الغابة الحارث بن حسان الربعي البكري الذهلي
وقيل حويرث سكن الكوفة روى عنه أبو وائل وسماك بن حرب وزاد في
الإصابة وأياد بن لقيط ثم قال في أسد الغابة من يرى قول الاستيعاب
بكري وربعي وذهلي يظن أن هذا اختلاف وليس كذلك فان ذهل بن شيبان
من بكر وبكر من ربيعة فإذا قيل ذهلي فهو بكري وربعي ولولا أن أبا عمر
نسبه إلى كلدة لغلب على ظني انه الحارث بن حسان بن خوط فإنه شهد
الجمل مع علي واخوه بشر القائل:
انا ابن حسان بن خوط وأبي * رسول بكر كلها إلى النبي
وقوله فإنه شهد الجمل الخ لا محل له هنا لأن المترجم لم يقل أحد انه
شهد الجمل. وفي الإصابة الحارث بن حسان ويقال اسمه حريث ولعله
تصغير. قلت تصغير حارث حويرث كما مر عن أسد الغابة وحريث تصغير
حرث لا حارث. ثم قال قال البغوي كان يسكن البادية. روى الطبراني
من طريق سماك بن حرب قال تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة

303
وكان الرجل إذا عرس تخدر أياما فقيل له في ذلك فقال والله ان امرأة تمنعني
صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء ووقفت في الفتوح ان الأحنف لما فتح
خراسان بعث الحارث بن حسان إلى سرخس فكأنه هذا اه‍. ويمكن كونه
ابن خوط الذهلي الآتي. وفي الطبقات الكبير لابن سعد الحارث بن حسان
البكري ثم روى من طريق أبي وائل عن الحارث بن حسان: خرجنا نريد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلنا المسجد (الحديث) ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
الحارث بن حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن
ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الذهلي الشيباني
قتل مع علي (ع) يوم الجمل سنة 36
وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل وكانت معه
فقيل له ابق على نفسك وقومك فاقدم وقال يا معشر بكر بن وائل انه لم يكن
أحد له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل منزلة صاحبكم فانصروه فاقدم فقتل وقتل
ابنه وقتل خمسة اخوة له فقال اخوه بشر بن حسان بن خوط:
انا ابن حسان بن خوط وأبي * رسول بكر كلها إلى النبي
وقال ابنه:
انعى الرئيس الحارث بن حسان * لآل ذهل ولآل شيبان
وقال رجل من ذهل:
تنعى لنا خير امرئ من عدنان * عند الطعان ونزال الأقران
ذكر ذلك الطبري في تاريخه وذكر نحوه ابن الأثير في الكامل والظاهر أنه
غير الحارث بن حسان البكري المتقدم فان ذهل وان كانت من بكر
والذهلي والبكري لا يتنافيان الا ان ذلك الحارث بن حسان بن كلدة
البكري وهذا الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقد اختلفا في كلدة وخوط
ولذلك قال ابن الأثير في أسد الغابة كما مر: لولا أن أبا عمر نسبه إلى كلدة
لغلب على ظني انه الحارث بن حسان بن خوط فإنه شهد الجمل مع علي،
وفي الإصابة: شهد حسان بن خوط الجمل مع علي ومعه ابناه الحارث
وبشر واخوه بشر بن خوط وأقاربه ثم قال اخرج عمر بن شبة في وقعة
الجمل من طريق قتادة قال كانت راية بكر بن وائل في بني ذهل مع
الحارث بن حسان فقتل وقتل معه ابنه وخمسة من اخوته وكان الحارث
يقول:
انا الرئيس الحارث بن حسان * لآل ذهل ولآل شيبان
وفي أسد الغابة كانت راية بكر يوم الجمل مع الحارث بن حسان
الذهلي فقتل الحارث فقيل فيه:
(انعى الرئيس الحارث بن حسان)
الأبيات.
الحارث بن الحسن الطحان
قال العلامة في الخلاصة: كوفي قريب الأمر في الحديث له كتاب
عامي الرواية اه‍. وفي النقد الظاهر أنه اشتبه عليه بحرب بن الحسن
الطحان الذي ذكر النجاشي فيه انه كوفي قريب الأمر في الحديث له كتاب
عامي الرواية الخ فذكر حرب - الذي هو بالباء الموحدة - في باب الحارث
الذي هو بالثاء المثلثة وقال الحارث ثلاثة. الحارث الشامي. الحارث بن
الحسن الطحان. الحارث بن عبد الله التغلبي. مع أن النجاشي لم يذكره
في باب الحارث بل ذكره في باب الآحاد وذكره ابن داود مرة بعنوان الحارث
ومرة بعنوان الحرب اه‍. أقول ذكره ابن داود أولا بعنوان الحارث بن
الحسن الطحان وقال قريب الأمر عامي الرواية ثم ذكره بعنوان حرب بن
الحسن الطحان قال النجاشي كوفي قريب الأمر في الحديث عامي الرواية
اه‍. وكيف كان فلم يتحقق وجود من يسمى بالحارث بن الحسن
الطحان.
الحارث بن حصيرة أبو النعمان الأزدي الكوفي
عن تقريب ابن حجر: حصيرة بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد
المهملة بعدها اه‍. وما يحكى عن بعض الأسانيد من وصفه بالأسدي
تصحيف.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) فقال الحارث بن
حصيرة ثم ذكره في أصحاب الصادق (ع) فقال الحارث بن حصيرة أبو
النعمان الأزدي كوفي تابعي. وذكره في أصحاب الباقر (ع) الا أنه قال
الحارث بن حصين تابعي أبو النعمان كوفي وفي منهج المقال هو تصحيف
- اي ابدال حصيرة بحصين - والأمر كما قال. وفي طبقات ابن سعد
الحارث بن حصيرة من الأزد من أنفسهم اه‍. وفي ميزان الاعتدال:
الحارث بن حصيرة الأزدي أبو النعمان الكوفي قال أبو أحمد الزبيري: كان
يؤمن بالرجعة وقال يحيى بن معين ثقة خشبي ينسبونه إلى خشبة زيد بن
علي لما صلب عليها (1) وقال النسائي ثقة وقال ابن عدي يكتب حديثه على
ضعفه وهو من المحترقين بالكوفة في التشيع وقال زنيج سالت جرير أرأيت
الحارث بن حصيرة قال نعم رأيته شيخا كبيرا طويل السكوت يصر على امر
عظيم وقال أبو حاتم الرازي هو من الشيعة العتق لولا الثوري روى عنه
لترك اه‍. وفي تهذيب التهذيب قال ابن عدي عامة روايات الكوفيين عنه
في فضائل أهل البيت وإذا روى عنه البصريون فرواياتهم أحاديث متفرقة
قلت علق بخاري اثرا لعلي في المزارعة وهو من رواية هذا ذكرته في ترجمة
عمرو بن صليع وقال الدارقطني شيخ للشيعة يغلو في التشيع وقال الآجري
عن أبي داود شيعي صدوق ووثقه العجلي وابن نمير وقال العقيلي له غير
حديث منكر لا يتابع عليه منها حديث أبي ذر في ابن صياد وقال الأزدي
زائغ سألت أبا العباس بن سعيد عنه فقال كان مذموم المذهب أفسدوه
وذكره ابن حيان في الثقات اه‍. وعن تقريب ابن حجر الحارث بن حصيرة
الأزدي أبو النعمان الكوفي صدوق يخطئ رمي بالرفض اه‍. ومن ذلك
يعلم أن وصفهم له بالضعف والزيغ وبنكارة الحديث مع توثيقهم إياه ونعته
بالصدق ليس الا لتشيعه.
بعض ما روي من طريقه
روى الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن علي بن الحكم عن إسحاق بن عمار عن أبي النعمان قال قال أبو
جعفر (ع) يا أبا النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية



(1) الذي رأيته في موضع آخر لا أتذكره الآن ان الخشبية هم الذين جاؤوا إلى مكة لتخليص بني
هاشم حين حظر عليهم ابن الزبير حظيرة وأراد احراقهم دخلوها بالخشب لأنهم لم يستحلوا
شهر السلاح فيها. - المؤلف -
304
ولا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا ولا تستأكل الناس بنا فتفتقر فإنك
موقوف لا محالة ومسئول فان صدقت صدقناك وان كذبت كذبناك، وفي
ميزان الاعتدال عباد بن يعقوب الرواجني حدثنا عبد الله بن عبد الملك
المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب سمعت عليا يقول انا
عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدي الا كذاب وروى الحارث عن أبي سعيد
عقيصا عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مهما ضيعتم فلا تضيعوا الصلاة اه‍.
في ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب: روى عن زيد بن وهب وزاد
الأول وعن عكرمة وطائفة وزاد الثاني عن أبي صادق الأزدي وجابر الجعفي
وسعيد بن عمرو بن أشوع وغيرهم اه‍. وعن جامع الرواة انه نقل روايته
عن الأصبغ.
تلاميذه
في طبقات ابن سعد روى عن سفيان الثوري وفي ميزان الاعتدال
عنه مالك بن مغول وعبد الله بن نمير وطائفة. وزاد في تهذيب التهذيب عنه
عبد الواحد بن زياد وعبد السلام بن حرب وجماعة اه‍. وعن جامع الرواة
انه نقل رواية صباح المزني عنه عن الأصبغ ورواية سفيان بن إبراهيم
الجريري عنه عن أبي جعفر (ع) ورواية عمرو بن أبي المقدام عنه اه‍.
وزاد في المستدركات رواية إسحاق بن عمار عنه.
الحارث بن خزمة الخزرجي الأنصاري
توفي سنة 40 بالمدينة في خلافة علي (ع) وهو ابن 67 سنة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الإصابة خزمة
بفتح المعجمة والزاي اه‍. ومر ان مقتضى ما في منهج المقال والنقد
وغيرهما ان الشيخ ذكره بالحاء المهملة والزاي لأنهم ذكروه نقلا عن رجال
الشيخ بين الحارث بن حاطب والحارث بن حسان ولكن المذكور في كتب
أسماء الصحابة ابن خزمة بالمعجمة والزاي فذكروه بعد الحارث بن خالد
وهم أضبط واعرف بهذا الشأن فذكره بالحاء المهملة تصحيف. وفي
الاستيعاب هو الذي جاء بناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ضلت في غزوة تبوك حين
قال المنافقون هو لا يعلم موضع ناقته فكيف يعلم خبر السماء فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بلغه قولهم فاني لا اعلم الا ما علمني الله وقد أعلمني
بمكانها ودلني عليها وهي في الوادي في شعب كذا حبستها شجرة فانطلقوا
فجاءوا بها وكان الذي جاء بها من الشعب الحارث بن خزيمة وجد زمامها قد
علق بشجرة هكذا جاء في هذا الخبر خزيمة اه‍.
الحارث بن دلهاث مولى الرضا عليه السلام
في التعليقة كذا في الخصال عن سهل عنه ولكن في الكافي عن سهل ابن
الحارث عن دلهاث مولى الرضا (ع) اه‍.
الحارث بن ربعي أبو قتادة الأنصاري
توفي بالكوفة سنة 38 أو 40 في خلافة علي (ع) وصلى عليه وقيل
توفي بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 أو 72 سنة.
ذكرنا في ج 7 من هذا الكتاب في باب ما بدئ باب ان أبا قتادة
الأنصاري التابعي اسمه الحارث بن ربعي وأبا قتادة الأنصاري الصحابي
اسمه عمرو بن ربعي ولا اعلم من أين اخذت ذلك. وان صح هذا أمكن
ان يكون التابعي هو المتوفي بالكوفة في خلافة علي (ع) سنة 38 أو 40
والصحابي هو المتوفي بالمدينة سنة 54 أو بالعكس وقد يومئ إلى التعدد ما
يأتي عن الشيخ من أنه ذكر أحدهما باسمه في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والآخر
بكنيته في أصحاب علي (ع) لكنني لم أجد الآن من جعلهما اثنين والله أعلم
ثم قد ترجمناه بعنوان أبو قتادة بن ربعي الأنصاري وذلك لاشتهاره بكنيته
والخلاف الشديد في اسمه ونذكر هنا ما لم نذكره هناك.
وفاته
في الطبقات لابن سعد: كان قد نزل الكوفة ومات بها وعلي بها وهو
صلى عليه واما محمد بن عمر - الواقدي - فأنكر ذلك وقال حدثني يحيى بن
عبد الله بن أبي قتادة ان أبا قتادة توفي بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 سنة
اه‍. وفي الاستيعاب قيل توفي أبو قتادة في المدينة سنة 54 والصحيح انه
توفي بالكوفة في خلافة علي وهو صلى عليه اه‍. وقال الحاكم في المستدرك
قال ابن عمر الواقدي حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال
توفي أبو قتادة بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 قال ابن عمر ولم أر بين أهل العلم
عندنا اختلافا ان أبا قتادة توفي بالمدينة وقد روى أهل الكوفة ان أبا
قتادة مات بالكوفة ثم روى بسنده عن إبراهيم بن المنذر ان أبا قتادة بن
ربعي أحد بني سلمة توفي بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 اه‍. وروى
الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن حنبل بن إسحاق أنه قال بلغني انه توفي
أبو قتادة الحارث بن ربعي سنة 38 في خلافة علي وصلى عليه علي بالكوفة.
وبسنده عن موسى بن عبد الله بن يزيد ان عليا صلى على أبي قتادة فكبر
عليه سبعا. وبسنده عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال توفي أبو قتادة
بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 سنة. وبسنده عن سعيد بن عفير انه في سنة
54 مات أبو قتادة الحارث بن ربعي ويقال النعمان بن ربعي وهو ابن 70
بالمدينة وبسنده عن ابن بكير انه في سنة 54 مات أبو قتادة الحارث بن
ربعي بن النعمان الأنصاري اه‍. وفي تهذيب التهذيب: قال الواقدي
توفي بالمدينة سنة 54 وهو ابن 70 سنة ولم أر بين علمائنا اختلافا في ذاك.
قال وروى أهل الكوفة انه مات بالكوفة وعلي بها وصلى عليه وحكى خليفة
ان ذاك كان سنة 38 وهو شاذ والأكثر على أنه مات سنة 54 اه‍. والتعدد
ممكن كما مرت الإشارة اليه.
نسبه
مر بعض الأقوال في نسبه في ج 10، وروى الحاكم في المستدرك بسنده
عن محمد بن عمر الظاهر أنه الواقدي قال أبو قتادة الحارث بن ربعي بن
بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن
سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الجراح اه‍. وروى
الخطيب البغدادي بسنده إلى خليفة بن خياط قال أبو قتادة اسمه النعمان بن
ربعي بن بلدمة بن خناس بن منان - مر عن المستدرك ابن سنان - وساق
نسبه كما مر إلى جشم ثم قال ابن الخزرج الأكبر بدل ابن الجراح ابن
حارثة بن امرئ القيس اه‍. وبلدمة في أجداده بالميم وما يوجد من رسمه
بالهاء فهو تصحيف.
الخلاف في اسمه
في طبقات ابن سعد اسمه فيما قال محمد بن إسحاق الحارث بن ربعي
وقال عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري ومحمد بن عمر - الواقدي -

305
اسمه النعمان بن ربعي وقال غيرهما عمرو بن ربعي وفي الاستيعاب في باب
الأسماء الحارث بن ربعي بن بلدمة أبو قتادة الأنصاري السلمي من بني
غنم بن كعب بن سلمة بن يزيد بن جشم بن الخزرج هكذا يقول ابن
شهاب وجماعة أهل الحديث ان اسم أبي قتادة الحارث بن ربعي وقال ابن إسحاق
: وأهله يقولون اسمه النعمان بن عمرو بن بلدمة قال أبو عمر
(صاحب الاستيعاب) يقولون بلدمة بالفتح وبلدمة بالضم وبلذمة بالذال
المنقوطة والضم أيضا وفي الدرجات الرفيعة: أبو قتادة
الأنصاري اسمه الحارث وقيل عمرو وقيل النعمان اه‍. وفي تهذيب التهذيب أبو قتادة
الأنصاري السلمي المدني اسمه الحارث بن ربعي وقيل النعمان وقيل عمرو
وقيل عون وقيل مراوح والمشهور الحارث اه‍. وفي تاريخ بغداد للخطيب
اسمه الحارث بن ربعي هكذا سماه غير واحد من العلماء وقال الواقدي
اسمه النعمان بن ربعي وقال الهيثم بن عدي اسمه عمرو بن ربعي ثم روى
بسنده عن أبي بكر البرقي أنه قال أبو قتادة الحارث بن ربعي ويقال
النعمان بن ربعي بن بلدمة اه‍.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في باب الأسماء في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال
الحارث بن ربعي أبو قتادة الأنصاري. وذكره في باب الكنى في أصحاب
علي (ع)، فقال: أبو قتادة الأنصاري اه‍. وفي الطبقات الكبيرة لابن
سعد أبو قتادة بن ربعي الأنصاري ثم أحد بني سلمة من الخزرج شهد
أحدا اه‍. وفي الاستيعاب يقال لأبي قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروينا عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع وقد
ذكرناه في باب الكنى لأنه ممن غلبت عليه كنيته اه‍. وقال في باب الكنى
أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يعرف بذلك ثم ذكر الخلاف
في اسمه كما مر في ج 10 وذكرنا هناك الحديث الذي فيه انه تفل على الجرح
الذي بوجهه فما ضرب عليه ولا قاح ورسمت كلمة (قاح) بالفاء وصوابها
بالقاف اي لم يحصل فيه قيح بعد ذلك. وفي أسد الغابة قال الحسن بن
عثمان شهد علي مشاهده كلها اه‍. وفي الدرجات الرفيعة أبو قتادة
الأنصاري وذكر الخلاف في اسمه وقال ابن ربعي بكسر الراء وسكون
الموحدة بعدها مهملة ابن بلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة
السلمي بفتحتين المدني فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد أحدا ولم يصح شهوده
بدرا قاله ابن حجر في التقريب واخرج أبو داود عن أبي قتادة
ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر له فانطلق سرعان الناس فتعطشوا فلزمت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة فقال حفظك الله بما حفظت به
نبيه وهو طرف من حديث طويل اخرجه مسلم. وروى ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة قال لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة
ونكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري فركب فرسه والتحق بأبي
بكر وحلف ان لا يسير في جيش تحت لواء خالد ابدا فقص على أبي بكر
القصة فقال أبو بكر لقد فتنت الغنائم العرب وترك خالد ما امرته قال أبو
عمر في الاستيعاب شهد أبو قتادة مع علي مشاهدة كلها في خلافته وقال ابن
الأثير شهد أبو قتادة مع علي حروبه كلها اه‍. وفي تهذيب قال أبو
نضرة عن أبي سعيد الخدري أخبرني من هو خير مني أبو قتادة اه‍. وذكره
الخطيب في تاريخ بغداد فيمن ورد المدائن من الصحابة فقال وأبو قتادة
الأنصاري أحد بني سلمة بن سعد بن الخزج. وكان من أفاضل الصحابة
لم يشهد بدرا وشهد ما بعدها وعاش إلى خلافة علي بن أبي طالب وحضر
معه قتال الخوارج بالنهروان - مر عن الاستيعاب وغيره وانه شهد معه
مشاهده كلها - وورد المدائن في صحبته ومات في خلافته وقيل بل بقي بعده
زمنا طويلا. ثم روى بسنده عن نبيط بن شريط الأشجعي أنه قال لما فرع
علي بن أبي طالب من قتال أهل النهروان قفل أبو قتادة الأنصاري ومعه
ستون أو سبعون من الأنصار فبدأ بعائشة قال أبو قتادة فلما دخلت عليها
قالت: ما وراءك؟ فأخبرتها انه لما تفرقت المحكمة من عسكر أمير المؤمنين
لحقناهم فقتلناهم. فقالت ما كان معك من الوفد غيرك؟ قلت بلى ستون
أو سبعون. قالت: أفكلهم يقول مثل الذي تقول؟ قلت: نعم،
قالت: قص علي القصة. فقلت: يا أم المؤمنين تفرقت الفرقة وهم نحو
من اثني عشر ألفا ينادون لا حكم الا لله. فقال علي: كلمة حق يراد بها
باطل. فقاتلناهم بعد ان ناشدناهم الله وكتابه. فقالوا كفر عثمان وعلي
وعائشة ومعاوية. فلم نزل نحاربهم وهم يتلون القرآن فقاتلناهم وقاتلونا
وولى منهم من ولى. فقال علي لا تتبعوا موليا فأقمنا ندور على القتلى حتى
وقفت بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي راكبها. فقال: اقلبوا القتلى، فاتيناه وهو
على نهر فيه القتلى فقلبناهم، حتى خرج في اخرهم رجل اسود على كتفه
مثل حلمة الثدي. فقال علي: الله أكبر! والله ما كذبت ولا كذبت،
كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قسم فيئا فجاء هذا. فقال: يا محمد اعدل! فوالله
ما عدلت منذ اليوم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ثكلتك أمك ومن يعدل عليك إذا لم
اعدل؟) فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله الا أقتله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(لا دعه فان له من يقتله) وقال صدق الله ورسوله. قال: فقالت عائشة:
ما يمنعني ما بيني وبين علي ان أقول الحق، سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم محفون شواربهم،
ازرهم إلى انصاف سوقهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم يقتلهم أحبهم
إلي وأحبهم إلى الله تعالى: قال فقلت يا أم المؤمنين فأنت تعلمين هذا،
فلم كان الذي منك؟ قالت: يا أبا قتادة وكان امر الله قدرا مقدورا،
وللقدر أسباب وذكره بقية الحديث اه‍. ثم روى بسنده عن موسى بن عبد
الله بن يزيد ان أبا قتادة كان بدريا. قال الشيخ أبو بكر - الخطيب صاحب
تاريخ بغداد - قوله وكان بدريا خطا لا شبهة فيه لأن أبا قتادة لم يشهد بدرا
ولا نعلم أهل المغازي اختلفوا في ذلك اه‍.
من روى عنهم ومن رووا عنه
مر ذلك في ج 10 ولكن فيما نذكره هنا زيادة في تهذيب التهذيب:
روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب وعنه ولداه ثابت
وعبد الله ومولاه أبو محمد نافع بن عباس بن الأقرع وأنس بن مالك
وجابر بن عبد الله وعبد الله بن رباح الأنصاري ومعبد بن كعب بن مالك
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن سليم الزرقي وعبد الله بن
معبد الزماني ومحمد بن سيرين ونبهان مولى التوءمة وكبشة بنت كعب بن
مالك وعطاء بن يسار وابن المنكدر وآخرون.
الحارث بن الربيع يكنى أبا زياد أحد بني مازن بن النجار
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وقال كان عامله على
المدينة اه‍. وفي أسد الغابة: الحارث بن الربيع بن ناشب بن هدم بن
عود بن غالب بن زياد بن سفيان بن عبد الله بن قطيعة بن عبس الغطفاني

306
العبسي روى هشام الكلبي عن أبي الشغب العبسي قال وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
تسعة رهط من بني عبس وكانوا من المهاجرين الأولين منهم الحارث بن
الربيع بن زياد فأسلموا فدعا لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن ماكولا الربيع الكامل
وعمارة الوهاب وانس الفوارس وقيس الحفاظ بنو زياد اخرجه أبو
موسى اه‍. وفي الإصابة الحارث بن الربيع وساق نسبه كما مر العبسي
بالموحدة قال ووالد هذا هو صاحب القصة مع لبيد بن ربيعة عند
النعمان بن المنذر وله اخبار غيرها وهو من أشراف العرب في الجاهلية اه‍.
الحارث بن زهير الأزدي
استشهد مع علي (ع) يوم الجمل سنة 36.
كان من أصحاب علي (ع) وحضر معه وقعة الجمل واختلف هو
وعمرو بن الأشرف ضربتين فقتل كل منهما صاحبه. وفي الإصابة
الحارث بن زهير بن عبد السارف (الشارق) بن لمط بن مطة بن عامر بن
كثير بن الدئل الأزدي قال ابن الكلبي كان شريفا وشهد مع علي الجمل
فالتقى هو وعمرو بن الأشرف فاقتتلا فقتل كل واحد منهما صاحبه اه‍.
وفي شرح النهج قال أبو مخنف: انتهى الحارث بن زهير الأزدي من
أصحاب علي (ع) إلى الجمل ورجل آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد الا
قتله فلما رآه الحارث بن زهير مشى اليه بالسيف وارتجز فقال لعائشة:
يا امنا أعق أم تعلم * والأم تغذو ولدها وترحم
أما ترين كم شجاع يكلم * وتختلي هامته والمعصم
فاختلف هو والرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه، قال جندب بن
عبد الله الأزدي فجئت حتى وقفت عليهما وهما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا
قال فاتيت عائشة بعد ذلك اسلم عليها بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل
من أهل الكوفة قالت: هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم قالت مع اي
الفريقين قلت مع علي قالت هل سمعت مقالة الذي قال يا امنا أعق أم
تعلم قلت نعم واعرفه قالت ومن هو قلت ابن عم لي قالت وما فعل قلت
قتل عند الجمل وقتل قاتله قال فبكت حتى ظننت والله انها لا تسكت ثم
قالت لوددت والله انني كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة اه‍. وروى
الطبري عن عمر بن شبه حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن ابن عبد
الرحمن بن جندب عن أبيه عن جده قال كان عمرو بن الأشرف اخذ بخطام
الجمل لا يدنو منه أحد الا خطبه بسيفه إذ اقبل الحارث بن زهير الأزدي
وهو يقول:
يا امنا يا خير أم تعلم * أما ترين كم شجاع يكلم
وتختلي هامته والمعصم
فاختلفا ضربتين فرأيتهما يفحصان الأرض بأرجلهما حتى ماتا فدخلت
على عائشة بالمدينة وذكر نحوا مما مر إلى قوله حتى ظننت انها لا تسكت
اه‍. ومع كون الرواية في كل من شرح النهج وتاريخ الطبري عن أبي
مخنف فبينهما اختلاف فشارح النهج ذكر الرجز أربعة شطور مع كون الأول
(يا امنا أعق أم تعلم) والطبري ذكر الشطور ثلاثة مع كون الأول (يا امنا يا
خير أم تعلم وكذلك ابن الأثير ذكر الشطور ثلاثة والشطر الأول كما ذكره
الطبري فإنه تابع له. والمظنون ان الصواب ما ذكره شارح النهج وان
الطبري أو الطابعين غير الشطر الأول وحذف الثاني تحاشيا عما فيهما والله أعلم
.
الحارث بن زياد الساعدي الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن المدينة له
حديث واحد اه‍.
الحارث بن زياد الشيباني الكوفي أبو العلاء
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال اسند عنه.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب الحارث بن زياد شيخنا مشترك بين
الساعدي الأنصاري من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له حديث واحد وبين أبي
العلاء الشيباني الكوفي من أصحاب الصادق (ع).
الحارث بن سراقة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع).
وفي لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال إنه كان من أصحاب علي اه‍.
الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني العدوي التغلبي
نسبه
هو أبو فراس الحارث بن أبي المعالي سعيد بن حمدان بن حمدون بن
الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن
محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن اسامة بن مالك بن بكر بن
حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني العدوي التغلبي.
وأبو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء من أسماء الأسد. وفي شعره ما
يدل على أن أمه أو احدى جداته رومية حيث يقول:
إذا خفت من أخوالي الروم خطة * تخوفت من أعمامي العرب أربعا
ويقول أيضا:
لإسماعيل بي وبينه فخر * وفي اسحق بي وبينه عجب (1)
ويقول أيضا:
وأعمامي ربيعة وهي صيد * واخوالي بلصفر (2) وهي غلب
مولده ووفاته
ولد بمنبج سنة 320 وقيل سنة 321 ومقتضى ما حكاه ابن خالويه
عن أبي فراس أنه قال له انه في سنة 339 كان سني 19 سنة أو ولادته
كانت سنة 320 وقتل يوم الأربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر أو يوم
السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى في حرب كانت بينه وبين قرعويه أو
فرغوية غلام سيف الدولة سنة 357 هكذا في جميع كتب التاريخ والأدب.
فما في تاريخ دمشق لابن عساكر المطبوع من أنه قتل سنة 350 غلط من
الطابع. ومقتضى تاريخ ولادته ووفاته ان يكون عمره 37 سنة وهو
المناسب لقوله قرب وفاته:
زين الشباب أبو فرا * س لم يمتع بالشباب
ولكنه يقول في بعض قصائده:
ابعد الأربعين محرمات * تماد في الصبابة واغترار



(1) إسماعيل أبو العرب واسحق أبو الروم
(2) بلصفر أصله بنو الأصفر فخفف وهو كثير في كلام العرب يقولون بلعنبر وبلحارث اي بنو
العنبر وبنو الحارث وغير ذلك. - المؤلف -
307
وهو يدل على أنه بلغ الأربعين والله أعلم ماذا عمر بعد ذلك وفي
ديوان الشريف الرضي المطبوع ان أبا الهيجاء حرب بن سعيد بن حمدان
توفي سنة 382 قال وكان اخوه أبو فراس الحارث بن سعيد قد مات قبله
بقليل اه‍. وهذا لا يناسب تاريخ وفاته المتقدم فان بينه وبين تاريخ وفاة
أخيه على هذا 25 سنة وهذا لا يقال عنه انه توفي بقليل فان القليل نحو
سنة أو أشهر أو نحو ذلك فلا بد ان يكون أحد التاريخين غلطا والله أعلم.
على أن سيف الدولة مات سنة 356 واستيلاء أبي فراس على حمص الذي
كان قتله بسببه كان بعد وفاة سيف الدولة بيسير فلا بد اما من كون تاريخ
وفاة أبي الهيجاء غلطا أو قول جامع الديوان ان أخاه أبا فراس مات قبله
بقليل غلط والله أعلم.
عشيرته
نشأ أبو فراس في عشيرة عربية صميمة تقلب أفرادها في الملك
والامارة قرونا عديدة وكانت لهم أحسن سيرة مملوءة بمحاسن الأفعال وجميل
الصفات من كرم وسخاء وعز وإباء وصولة وشجاعة وفصاحة وبراعة وحلم
وصفح وتدبير وغيرة وحماية للجار وحفظ للذمار ورأي رصين وعقل رزين
إلى غير ذلك. وكلهم أو جلهم شعراء مجيدون أهل شجاعة واقدام تعودوا
ممارسة الحروب وقيادة الجيوش ويندر أوليس بموجود ان يكون فيهم من
ليس بشاعر ولا شجاع فارس وسيف الدولة المتقدم في الرياسة والامارة
والشجاعة والكرم وأبو فراس الفائق بشعره فيهم والمتميز بشجاعته
وفروسيته. عن كتاب اعلام الكلام للقشيري: كان كشاجم من المعجبين
بآل حمدان ونظم قصيدة بليغة في جعفر بن عبد الله الحمداني.
وقال الثعالبي في اليتيمة: كان بنو حمدان ملوكا وأمراء أوجههم
للصباحة وألسنهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة. وانا أزيد
فأقول: ونفوسهم للطماحة وقلوبهم للشجاعة وأقوالهم للبراعة وأوامرهم
للإطاعة وحماهم للمناعة وصيتهم للاذاهة. تجلت الأخلاق والشيم العربية
الفاضلة والغيرة على العروبة والاسلام في أفعالهم وأقوالهم وقد اختاروا
أحسن الكنى والألقاب المشعرة بشغفهم بالعز والعلياء والشجاعة وتمسكهم
بالعروبة فمن كناهم: أبو المعالي وأبو العلاء وأبو الأغر وأبو العشائر وأبو
الهيجاء وأبو السرايا وأبو المرجى وأبو فراس - وهي كنية الأسد - وأبو
العطاف وأبو عدنان وأبو الغطريف ومن أسمائهم الغضنفر. وفيهم يقول
أبو فراس:
فلم يخلق بنو حمدان الا * لمجد أو لباس أو لجود
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
أيها المبتغي محل بني ح‍ * مدان مهلا أتبلغ الجوزاء
فضلوا الناس رفعة وسناء * وعلوهم تكرما ووفاء
يا محيل الأفكار فيهم إلى كم * تتعب الفكر هل تنال السماء
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
وأنا الذي علم الأنام بأنه * لم ينمه الا كريم سيد
وفيهم يقوم أبو فراس أيضا:
ونحن أناس يعلم الله اننا * إذا جمع الدهر الغشوم شكائمه
إذا ولد المولود منا فإنما * الأسنة والبيض الرقاق تمائمه
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
وإذا افتخرت فخرت بالشم الأولى * شادوا المكارم من بني حمدان
نحن الملوك بنو الملوك اولي العلا * ومعادن السادات من عدنان
والمجد يعلم اننا أركانه * والبيت مرتكز على الأركان
قومي متى تخبرهم لم يحسنوا * غير اصطناع العرف والاحسان
كم معدم أغنوا بفضل سماحهم * كرما وفكوا من أسير عاني
وهم أحق ببيت شعر قد مضى * في الناس ممن ضمه الثقلان
(وإذا دعوتهم ليوم كريهة * سدوا شعاع الشمس بالمران)
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
إذا كان منا واحد في عشيرة * علاها وان ضاق الخناق حماها
ولا اشتورت الا وأصبح شيخها * ولا اختبرت الا وكان فتاها
ولا ضربت بين القباب قبابه * وأصبح مأوى الطارقين سواها
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
واني لمن قوم كرام أصولهم * بها ليل ابطال كرام المناسب
ولولا رسول الله كان اعتزاؤنا * لاشرف بيت من لؤي بن غالب
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
وأنا ابن من شاد المكارم وابتنى * خطط المعالي حيث حل الفرقد
وانا الذي علم الأنام بأنه * لم ينمه الا كريم سيد
حمدان جدي خير من وطئ الحصى * وأبي سعيد في المكارم أوحد
أعلى لنا لقمان أبيات العلا * وأناف حمدون وشيد احمد
يعطي إذا ضن السحاب تكرما * ويجير ان جار الزمان الأنكد
والمجد يوجد عندنا بأرومة * والعار والفحشاء مالا يوجد
والفخر يقسم اننا أبناؤه * دون البرية والمكارم شهد
ويقود فيهم أبو فراس أيضا:
ونحن أناس لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
ويقول فيهم أبو فراس أيضا:
ولقومي الشرف الرفيع محله * فوق المجرة والسماك المرزم
ورثوا الرياسة كابرا عن كابر * من عهد عاد في الزمان وجرهم
ظفروا بها بالسيف أول مرة * وبقاؤها بالسيف أصبح فيهم
نحن البحار بل البحار مياهها * ملح وموردنا لذيذ المطعم
وفيهم يقول أبو فراس أيضا:
ومن لم يشاهد كر قومي في الوغى * فها فليشاهد كرهم في المكارم
ويقول أبو فراس أيضا وقد اتى عسكر ناصر الدولة وفيه اخوته وبنو
أخيه وقد طال عهده بلقائهم لأنه كان خلفهم صبية فعرفهم بالشبه:
يلوح بسيماه الفتى من بني أبي * وتعرفه من غيره بالشمائل
مفدى مرجى يكثر الناس حوله * طويل نجاد السيف سبط الأنامل
وفيهم يقول السري الرفا من قصيدة يمدح بها أبا البركات لطف
الله بن ناصر الدولة الحمداني:
والحمد حلي بني حمدان تعرفه * والصبح أبلج لا يلقى بانكار
قوم إذا نزل الزوار ساحتهم * تفيئوا ظل جنات وانهار

308
وفيهم يقول السري أيضا من قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
آل حمدان غرة الكرم المحض * وصفو الصريح منه اللباب
أشرق الشرق منهم وخلا الغرب * ولم يخل من ندى وضراب
ينجلي السلم عن بدور رواض * فيه والحرب عن اسود غضاب
وفيهم يقول هارون الكناني من قصيدة:
يبرزون الوجوه تحت ظلام * الموت والموت فيهم يستظل
كرماء إذا الظبا غشيتهم * منعتهم أحسابهم ان يولوا
وفيهم يقول جعفر بن محمد الموصلي:
بأبناء حمدان الذين كأنهم * مصابيح لاحت في ليال حوالك
لهم نعم لا استقل بشكرها * وان كنت قد سيرته في المسالك
وفيهم يقول المتنبي في مدح سيف الدولة:
وأنت أبو الهيجا بن حمدان يا ابنه * تشابه مولود كريم ووالد
وحمدان حمدون وحمدون حارث * وحارث لقمن ولقمن راشد
وفيهم يقول المتنبي أيضا من قصيدة يمدح بها أبا العشائر الحسين بن
علي بن الحسين بن حمدان:
يا بني الحارث بن لقمان لا * تعدمكم في الوغى متون العتاق
بعثوا الرعب في قلوب الأعادي * فكأن القتال قبل التلاقي
وتكاد الظبي لما عودوها * تنتضي نفسها إلى الأعناق
وإذا أشفق الفوارس من وقع * القنا أشفقوا من الاشفاق
كرم خشن الجوانب منهم * فهو كالماء في الشفار الرقاق
ومعال إذا ادعاها سواهم * لزمته جناية السراق
وفيهم يقول الشريف الرضي من قصيدة يرثي بها أبا الهيجاء
حرب بن سعيد بن حمدان أخا أبي فراس وأولها:
رجونا أبا الهيجاء إذ مات حارث * فمذ مضيا لم يبق للمجد وارث
يقول فيها:
وسرب بنو حمدان كانت حماته * رعت فيه ذؤبان الليالي العوائث
فأين كفاة القطر في كل أزمة * وأين الملاجي منهم والمغاوث
إذا ما دعا الداعون للبأس والندى * فلا الجود منزور ولا الغوث رائث
من المطعمين المجد بالبيض والقنا * ملاء المقاري والعريب غوارث
إذا طرحوا عماتهم وضحت لهم * مفارق لم يعصب بها العار لائث
بكتهم صدور المرهفات و بشرت * هجان المتالي والمطي الرواغث
يخلى لهم من كل ورد جمامه * إذا وردوا والمعشبات الاثائث
مضوا لا الأيادي مخدجات نواقص * ولا مرر العلياء منهم رثائث
وقد نبغ منهم جماعة كثيرة بل جلهم نوابغ فكان فيهم الأمراء
والشعراء والشجعان والأسخياء ذكر أكثرهم أبو فراس في قصيدته الرائية
العصماء التي يفتخر فيها بقومه في الاسلام ويذكر وقائعهم ومفاخرهم
وأولها:
لعل خيال العامرية زائر * فيسعد مهجور ويسعد هاجر
وسنورد طرفا مقنعا منها.
فمن نوابغهم جدهم الأعلى (الحارث) بن لقمان بن راشد الذي يشير
اليه أبو فراس بقوله في القصيدة المذكورة:
انا الحارث المختار من نسل حارث * إذا لم يسد في القوم الا الأخاير
وجدهم الأدنى الذي يتفرعون منه وينسبون اليه أبو العباس حمدان بن
حمدون ويقال أحمد بن حمدون. والظاهر أن أصل اسمه احمد وحمدان تغيير
منه. وأولاد حمدان بن حمدون وهم تسعة 1 - علي بن حمدان بن حمدون
وكان أسن ولد حمدان مات حدثا. وولده أبو الغطريف يحيى بن علي بن
حمدان 2 - أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون والد سيف الدولة وله
ثلاثة أولاد (أولهم) أبو محمد ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن
حمدون وهو أسن من سيف الدولة ولناصر الدولة عدة أولاد منهم. أبو
تغلب الغضنفر. وأبو المظفر حمدان. وإبراهيم. وأبو البركات لطف الله.
وأبو المرجى جابر. وأبو القاسم هبة الله. والحسين، وأبو المطاع ذو القرنين
(الثاني) من أولاده عبد الله بن حمدان سيف الدولة أبو الحسن علي بن
عبد الله بن حمدان بن حمدون وله من الأولاد أبو المكارم مات في حياته وأبو
المعالي شريف ملك بعده (الثالث) من أولاد عبد الله بن حمدان أبو العطاف
جبر بن عبد الله بن حمدان 3 - أبو الوليد سليمان بن حمدان بن حمدون
الملقب بالحرون 4 - أبو العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون والد أبي فراس
وله خمسة أولاد وهم. أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان. وأبو
فراس الحارث بن سعيد بن حمدان. وأبو الهيجاء حرب بن سعيد
ابن حمدان. وأبو الأغر أحمد بن سعيد بن حمدان وأبو الفضل
ابن سعيد بن حمدان 5 - أبو سليمان داود بن حمدان بن
حمدون الملقب بالمزرفن وله ولدان وهما. أبو وائل تغلب. وأبو اليقظان
عمار ويظهر ان لعمار ولدا اسمه داود أيضا 6 - أبو علي الحسين بن
حمدان. بن حمدون. وحفيده أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن
حمدان 7 - أبو السرايا نصر بن حمدان بن حمدون وله خمسة أولاد وهم. أبو
العباس احمد. وأبو اليقظان عمار. وأبو الحسن علي. وأبو زهير مهلهل
وأبو عدنان محمد 8 - أبو إسحاق إبراهيم بن حمدان ابن حمدون 9 - أبو
جعفر محمد الغمر بن حمدان بن حمدون (1) ومن بني حمدان جعفر بن
عبد الله الحمداني لكشاجم فيه قصيدة بليغة.
أقوال العلماء فيه
عده ابن شهرآشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت
المجاهرين وقال أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن خالويه النحوي
اللغوي جامع ديوان أبي فراس وشارحه في مقدمة الديوان ما لفظه: من
حل من الشرف السامي والحسب النامي والفضل الرائع والكرم الذائع
والأدب البارع والشجاعة المشهورة والسماحة المأثورة محل أبي فراس
الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث العدوي رحمه الله وكان
سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان رضي الله تعالى عنه وهو
ابن عمه ومنبته ومثقفه ومخرجه و موقفه يجري على سنته العادلة وآثاره
الفاضلة شهدت له شواهد الفضل ودعت اليه دواعي النبل اه‍. وفي
اليتيمة: أبو فراس الحارث بن سعيد حمدان. كان فرد دهره وشمس عصره
أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وكان سيف
الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالاكرام عن سائر قومه



(1) في بعض المواضع انه أبو جعفر محمد بن أحمد بن حمدون وفي بعضها انه أبو جعفر
محمد بن الغمر بن أحمد بن حمدون وعلي ما استظهرناه من أن حمدان هو احمد يكون الصواب
ما ذكرناه. - المؤلف -
309
ويصطنعه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلصه في اعماله وأبو فراس
ينثر الدرر الثمينة في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي
السيف والقلم في خدمته اه‍.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: الحارث بن سعيد بن حمدان أبو
فراس بن أبي العلاء التغلبي الحمداني الأمير الشاعر الفارس كان يسكن
منبج ويتنقل في بلاد الشام في دولة أبي الحسن علي بن حمدان المعروف
بسيف الدولة اه‍. وفي النجوم الزاهرة أبو فراس الحارث بن أبي العلاء
سعيد بن حمدان التغلبي العدوي الأمير الشاعر الفصيح وكان يتنقل في بلاد
الشام في دولة ابن عمه سيف الدولة بن حمدان وكان من الشجعان والشعراء
المفلقين وديوان شعره موجود اه‍.
وفي نسمة السحر: أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن
حمدان بن حمدون التغلبي الشامي الأمير الكبير الشاعر المشهور (إلى أن قال)
فهو المنزل الموت الأحمر ببني الأصفر والمورد السنان الأشهب في نحر العدو
الأزرق تحت النقع الأسود في اليوم الأغبر اه‍.
وفي أبي فراس يقول الأمير أبو أحمد عبد الله بن ورقاء الشيباني من
قصيدة تأتي:
أمدره تغلب لسنا وعلما * ومصقع نطقها عند التلاحي
لقد أوتيت علما واطلاعا * بآداب وألفاظ فصاح
لمقولك المضاء إذا انتضاه * القصيد على المهند الصفاح
شخصيته
هو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدرة
وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الأخلاق والشيم العربية السامية بأجلى
مظاهرها في شجاعته وولوعه بالحرب وكراهته الاخلاد إلى الدعة والراحة
وفي إباء نفسه وفخره وحماسته واعتزازه بعشيرته وعلو همته وارتفاعه عن
الدنايا وسخائه وفصاحته وحبه للعفو والصفح وحفظ الحرم وارتياحه إلى
الكرم والبذل وحبه فعل الخير والمساواة بنفسه وعدم ايثارها على المسلمين
ورقة طبعه وسجاحة خلقه وحبه للوطن ورعايته لحقوق الاخوان ومحافظته
على لم شعث العشيرة إلى دين متين واعتقاد ثابت رصين وخوف من الله
تعالى وغيرة على الاسلام والعروبة وأشعاره الكثيرة الحماسية واخباره الآتية
شاهدة شهادة صادقة بما اتصفت به نفسه من الشمم والإباء وعلو الهمة
والطموح إلى العلياء والغرام بالمجد وما يكسب الثناء والحمد. والأمير أبو
فراس هو أمير السيف والقلم. كان شاعرا مجيدا وبطلا مقداما إذا قال فعل
فهو إذا قال:
واني لنزال بكل مخوفة * كثير إلى نزالها النظر الشزر
واني لجرار لكل كتيبة * معودة ان لا يخل بها النصر
سيذكرني قومي إذا جد جدهم * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فهو حقيقة نزال بكل مخوفة جرار لكل كتيبة وإذا غاب يترك فراغا لا
يسده غيره فيذكره قومه لا كمن يقول ولا يفعل.
قضى الحمدانيون أيامهم في حروب متواصلة مع جيرانهم وأعدائهم
الروم وكانت لأبي فراس اليد الطولى في قيادة الجيوش الحمدانية وتسييرها
وكان له الفضل الأكبر في احراز الفلج لها وكان إذا مشى الجيش مشى أبو
فراس في الطليعة فيجندل بسيفه الأبطال ويردي غلب الرجال. وكان ذا
نفس طماحة وروح تواقة لا ترضى بالدنيات من الأمور والصغائر من
الأفعال بل تنهض به إلى أسمى المنازل وأعلى الرتب باشر أبو فراس قيادة
الحروب وقيادة الجيوش وما اخضر عارضاه كما يدل عليه بعض أشعار
أهله (1). وحكى عنه ابن خالويه أنه قال غزونا مع سيف الدولة وفتحنا
حصن العيون وأوغلنا في بلاد الروم وفتحنا حصن الصفصاف وسني إذ ذاك
19 سنة وهو القائل:
فلا تصفن الحرب عندي فإنها * طعامي مذ ذقت الصبا وشرابي
وهو عارف بتواريخ العرب في الجاهلية والاسلام وغيرهم وهو عالم
بصناعة الكلام والاحتجاج وايراد الأدلة والنقص والابرام كما تدل عليه
قصيدته الميمية التي يرد بها على ابن سكرة العباسي مشارك في العلوم عارف
باللغة والعربية تخرج على ابن خالويه العالم اللغوي النحوي الشهير وغيره.
جمع أبو فراس إلى مكانة بيته وشرف محتده شخصية قوية فذة فأهله
ذلك لأن يكون الأمير الجليل وأن يكون أكبر قواد سيف الدولة وأن يكون
من أحب الشخصيات العربية إلى النفوس على مر الأزمان. ولا شك ان
نشأته في حجر سيف الدولة ووراثته مزايا عرف بها آل حمدان وتفردوا
بمحاسنها قد كونا شخصيته تلك. يضاف إلى ذلك ظروف حياته التي
قضاها في ممارسة الحرب والغزو ومكابدة الأسر. فقد اجتمعت تلك
العوامل والمؤثرات فأخرجت شخصية صافية واضحة لا ارتباك فيها ولا
تعقيد شأن أكثر الشعراء بعيدة كل البعد عن أن تربكها الخطوب وترهقها
الحوادث أو ان تخرج بها دفائن الأهواء عن الخلق المتفائل السمح مع عزم
وصلابة ووضوح.
لا شك في أن الوراثة وحياة المرء الاجتماعية منذ نشأته لهما الأثر
العظيم في تكوين شخصيته. وتنمية صفاته الغريزية وتقويتها وابرازها.
وقد ورث شاعرنا الأمير عن أجداده وآبائه الشئ الكثير مما عرف به هذا
البيت العربي الكريم فكان مطبوع الفطرة على مثل الأخلاق العربية العليا.
ثم تداولت ظروف حياته هذه الفطرة السليمة الصافية فاتسقت معها تنميها
وتغذيها فكانت رغباته قيد إرادة قوية ومجال واسع في الامارة والرياسة،
لتحقيق ما تصبو اليه نفسه العظيمة لقد تيسر له - وهو الطامح إلى معالي
الأمور - ان يباشر الحروب وقيادة الجيوش ويتقلب في ذرى الامارة وهو ابن
تسع عشرة سنة فنمت فيه غريزة الشجاعة وقويت وعظمت وهو إلى ذلك
يجر وراءه ماضيا ضخما وصيتا عريضا من تراث الآباء والأجداد ويحمل في
قرارة نفسه عقيدة دينية صلبة تعرف معها نفسه ما لها وما عليها فأهله ذلك
لأن يكون الأمير الجليل ولان يكون أكبر قواد سيف الدولة ولأن يتبوأ اسمى
مقام بين العظماء ولأن يكون خالد الذكر ما بقي الدهر ووجد مجالا واسعا
في الحماسة والفخر الصادق وساعدته الحالات التي كان يمارسها من نصر
وظفر واسر طال واستمر على أن تخرج قريحته الفياضة شعرا مطبوعا بطابع
كل حسن ورقة وعذوبة وفخامة وانسجام وهو إذا افتخر وتحمس وذكر



(1) وهو ابن زهير مهلهل ين نصر بن حمدان فإنه كتب إلى أبي فراس بعد بعض الوقائع التي نصره
الله فيها بهذه الأبيات:
يا خير منتجب ينميه أب * مخيلتي فيك لم تكذب ولم تخب
ان كان وجهك لم تخطط عوارضه * فأنت كهل الحجى والفضل والأدب
وقفت با ابن سعيد وقفة شهرت * لا زلت أدعوك فيها فارس العرب
310
الحروب يقول قولا صادقا يطابق الفعل ولا يكون كمن يقول ما لا يفعل
ويفخر بما ليس فيه. فنمت شخصيته واطمأنت خطوطها العامة في وضوح
وصفاء، لذلك كان بعيدا كل البعد عن أن يحمل الحقد والنقمة على الحياة
وبنى البشر فلم يقل كما قال المتنبي المنكوب في صميم نفسه بما لم ينكب به
أبو فراس:
ومن عرف الأيام معرفتي بها * وبالناس روى رمحه غير راحم
نعم لقد قال: (إذ مت ظمآنا فلا نزل القطر). ولكنه لم يمت ظمآن
بل شرب حتى ارتوى رحمه الله. وتبرم بالزمان والاخوان شأن أمثاله لكنه لم
يخرج في ذلك إلى ما خرج اليه المتنبي. ويظهر تبرمه بالزمان والإخوان في
كثير من شعره كقوله:
تناساني الأصحاب الا عصابة * ستلحق بالأخرى غدا وتحول
ومن ذا الذي يبقى على العهد انهم * وان كثرت دعواهم لقليل
اقلب طرفي لا أرى غير صاحب * يميل مع النعماء حيث تميل
وصرنا نرى ان المتارك محسن * وان صديقا لا يضر وصول
تصفحت أحوال الزمان فلم يكن * إلى غير شاك للزمان وصول
وليس زماني وحده بي غادر * ولا صاحبي دون الرجال ملول
أكل خليل هكذا غير منصف * وكل زمان بالكرام بخيل
نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة * أجاب إليها عالم وجهول
وقبلي كان الغدر في الناس شيمة * وذم زمان واستلام خليل
تلك شخصية أبي فراس. قل وجودها في غير بني حمدان في ذلك
العصر الذي عاش فيه أبو فراس والذي توالت فيه الفتن والخطوب على
الاسلام والعرب متسلسلة منذ اليوم الذي بدا فيه فساد الدين والدنيا في
بلاد العرب والاسلام فقل اليقين والأمان وعصفت بالنفوس عواصف المحن
والخطوب الخارجية والداخلية. فلم يكن غريبا ان يتفوق أبو فراس ويتبوأ
مركز الامارة والقيادة عن جدارة واستحقاق لأن شخصية تستطيع ان تخرج
من خلال هذه الغمرات النفسية خالصة الجوهر صافية السجايا والخلايا
ممثلة روح التضحية واليقين والفروسية كما كانت في صدر الاسلام لهي
شخصية عبقرية.
وقد جمع أبو فراس ألوانا صادقة من رسوم شخصيته تلك فكانت
صورة واضحة رائعة له في احدى قصائده التي أرسلها إلى ابن عمه سيف
الدولة من أسر القسطنطينية: وقد بلغه عن سيف الدولة ما أنكره كما في
الديوان وقال ابن خالويه امتنع الأمير سيف الدولة من اخراج ابن أخت
الملك الا بفداء عام وحمل الأمير أبو فراس إلى القسطنطينية فقال يعاتب
سيف الدولة. وهذه القصيدة من غرر شعر أبي فراس ولذلك أوردناها
بتمامها وهي:
اما لجميل عندكن ثواب * ولا لمسئ عندكن متاب
لقد ضل من تحوي هواه خريدة * وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم * أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله * وان ملكتها روقة وشباب
واجري ولا أعطي الهوى فضل مقودي
وأهفو ولا يخفى علي صواب
إذا الخل لم يهجرك الا ملالة * فليس له الا الفراق عتاب
إذا لم أجد في بلدة ما أريده * فعندي لأخرى عزمة وركاب
وليس فراق ما استطعت فان يكن * فراق على حال فليس اياب
صبور ولو لم تبق مني بقية * قؤول ولو أن السيوف جواب
وقور وأحوال الزمان تنوشني * وللموت حولي جيئة وذهاب
والحظ أهوال الزمان بمقلة * بها الصدق صدق والكذاب كذاب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه * ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس الا أقلهم * ذئابا على أجسادهن ثياب
تغابيت عن قومي فظنوا غباوتي * بمفرق أغبانا حصى وتراب
ولو عرفوني حق معرفتي بهم * إذا علموا اني شهدت وعابوا
وما كل فعال يجازى بفعله * ولا كل قوال لدي يجاب
ورب كلام مر فوق مسامعي * كما طن في لوح الهجير ذباب
إلى الله أشكو اننا بمنازل * تحكم في آسادهن كلاب
تمر الليالي ليس للنفع موضع * لدي ولا للمعتفين جناب
ولا شد لي سرج على ظهر سابح * ولا ضربت لي بالعراء قباب
ولا برقت لي في اللقاء قواطع * ولا لمعت لي في الحروب حراب
ستذكر ايامي نمير وعارم * وكعب على علاتها وكلاب
انا الجار لا زادي بطئ عليهم * ولا دون مالي في الحوادث باب
ولا اطلب العوراء منهم أصيبها * ولا عورتي للطالبين تصاب
وأسطو وحبي ثابت في قلوبهم * واحلم عن جهالهم واهاب
بني عمنا (1) لا تنكروا الود اننا * شداد على غير الهوان صلاب
بني عمنا ما يصنع السيف في الوغى * إذا فل منه مضرب وذباب
بني عمنا نحن السواعد والظبا * ويوشك يوما ان يكون ضراب
وان رجالا ما ابنهم كابن أختهم * حريون ان يقضي لهم ويهابوا (2)
فعن اي عذر ان دعوا ودعيتم * أبيتم بني أعمامنا وأجابوا (3)
وما أدعي ما يعلم الله غيره * رحاب علي للعفاة رحاب
وأفعاله بالراغبين كريمة * وأمواله للطالبين نهاب
ولكن نبا منه بكفي صارم * واظلم في عيني منه شهاب
وأبطأ عني والمنايا سريعة * وللموت ظفر قد أطل وناب
فإن لم يكن ود قريب نعده * ولا نسب دون الرجال قراب
فأحوط للاسلام ان لا يضيعني * ولي عنه فيه حوطة ومناب
ولكنني راض على كل حالة * ليعلم اي الحالتين صواب
وما زلت ارضى بالقليل محبة * لديه وما دون الكثير حجاب
واطلب ابقاء على الود ارضه * وذكري مني في غيرها وطلاب
كذاك الوداد المحض لا يرتجى له * ثواب ولا يخشى عليه عقاب
وقد كنت أخشى الهجر والشمل جامع * وفي كل يوم لقية وخطاب
فكيف وفيما بيننا ملك قيصر * وللبحر حولي زخرة وعباب
امن بعد بذل النفس فيما تريده * أثاب بمر العتب حين أثاب
فليتك تحلو والحياة مريرة * وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب



(1) المعني بهم سيف الدولة.
(2) كأنه يريد ان يحثهم على فدائه فيقول ان القوم الذين يعتنون بابنهم ولا يجعلونه كابن أختهم
الذي هو من قوم أجانب هؤلاء حريون ان يكونوا أعزاء فيقضي لهم ويهابوا فعليكم ان
تكونوا كذلك.
(3) كأنه يشير إلى ما مر في رواية ابن خالويه من أن الروم طلبوا اخراج ابن أخت الملك فامتنع
سيف الدولة من اخراجه الا بفداء عام فكأنه يقول لسيف الدولة ان الروم أجابوا ابن أخت
الملك لما دعاهم لفدائه وانا دعوتكم فلم تجيبوني وانا ابنكم فأي عذر لكم.
311
إذا صح منك الود فالكل هين * وكل الذي فوق التراب تراب
في هذه القصيدة ترى شخصية أبي فراس واضحة حتى في غزلها الذي
كان فيه صادقا لا جاريا في استهلال القصيدة به على سنة الشعراء الأقدمين
فحسب. فهو يمثل غزل الرجل الكبير والأمير الأبي الذي (لا تملك الحسناء
كل قلبه) والذي (يهفو ولكن لا يخفى عليه صواب) ولا شك بان ما ينتابه
فيها من حس الألم والتبرم بالاخوان وعتاب سيف الدولة لا ينتاب الا نفسا
كالتي وصفناها.
وقد أولع أبو فراس في شعره بذكر الحرب والطعن والضرب في سبيل
العز والمجد فمن بديع شعره في ذلك قوله:
لا عز الا بالحسام المخذم * وضراب كل مدجج مستلئم
وقراع كل كتيبة بكتيبة * ولقاء كل عرموم بعرموم
ولقد رضعت من الزمان لبانه * وعرفت كل معوج ومقوم
وقطعت كل تنوفة لم يلقها * قدم ولم تقرع بباطن منسم
وأهنت نفسي للرماح وانه * من لم يهن بين القنا لم يكرم
ورأيت عمري لا يزيد تأخري * فيه ولا يفنيه فضل تقدمي
لا تكاد تقرأ خبرا من اخبار أبي فراس ولا قصيدة من شعره فلا تجد
اثرا يروعك من فروسيته وفتوته. وفي كل حادثة من حوادث أيامه اثر من
ذلك. قال ابن خالويه غدا أبو فراس يتصيد في خيل يسيرة فأحدقت به
الخيل (يعني خيل الروم) من كل جانب في عدد كثير فلم يزل يقاتل حتى
كشفهم واعتنق فارسهم واسر عدة منهم فكتب إلى سيف الدولة:
الا من مبلغ سروات قومي * وسيف الدولة الملك الهماما
باني لم أدع فتيات قومي * إذا حدثن جمجمن الكلاما
شرت ثناءهن ببذل نفسي * ونار الحرب تضطرم اضطراما
ولما لم أجد الا فرارا * أشد من الحمام أو الحماما
حملت على ورود الموت نفسي * وقلت لصحبتي موتوا كراما
وعدت بصارم ويد وقلب * حمتني ان أضام وان الاما
آلفهم وانشرهم كأني * بها نعما اطرد أو نعاما
ومدعو إلى المران لما * رأى أن قد تذمم واستلاما
عقدت على مقلده يميني * وأعفيت المثقف والحساما
وهل عذر وسيف الدين ركني * إذا لم اركب الخطط العظاما
واقفو فعله في كل امر * واجعل فضله ابدا اماما
وقد أصبحت منتسبا اليه * وحسبي ان أكون له غلاما
أراني كيف اكتسب المعالي * وأعطاني على الدهر الذماما
ورباني ففقت به البرايا * وانشأني فسدت به الأناما
فأبقاه الاله لنا طويلا * وزاد الله نعمته دواما
وما أجمل ما يتمدح به الفارس الفتى وهو في عنفوان الشباب يحارب
ويخاطر بنفسه حتى لا يدع فتيات قومه إذا حدثن عنه أخذهن الخجل من
فراره فجمجمن الكلام بل يدعهن يتباهين بمقامه. ثبت أبو فراس في هذه
المرة فلم يقدر عليه وثبت في المرة الثانية الآتية فاسر ولكنه في المرتين لم يكن
نادما على الفرار. وكان الروم كانوا يترصدونه ويغتنمون فرصة خروجه
للصيد ليغتالوه.
وهو إذا ظفر باعدائه من قبائل العرب هزه مرأى احدى مخدراتهم
وهي تتوسل اليه ان يصفح ويعفو فلقيها بالجميل ووهب لها ما حازه الجيش
وترك نساء الحي مصونات محجبات كما قال:
وساحبة الأذيال نحوي لقيتها * فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر
وهبت لها ما حازه الجيش كله * ورحت ولم يكشف لأبياتها ستر
وهو في ايقاعه ببني جعفر حين رماه النساء بأنفسهن هزته أريحية الفتوة
فكان عند ظن (بنيات عمه) به في الصفح والعفو وحفظ الحرم فاطلق لهن
الأموال والأسرى ولم يكتف بذلك بل كلف نفسه غرم ما فقد من المال،
وارسل هذه الأبيات الجميلة التي تمثل روح الفتوة عند أبي فراس أصدق
تمثيل وأروعه. قال من قصيدة:
ولما أطعت الجهل والغيظ ساعة * دعوت بحلمي أيها الحلم اقبل
بنيات عمي هن ليس يرينني * بعيد التجافي أو قليل التفضل
شفيع النزاريات غير مخيب * وداعي النزاريات غير مخذل
فأصبحت في الأعداء اي ممدح * وان كنت في الأصحاب اي معذل
ففي هذا الشعور تجاه النساء اللائذات به وفي هذا الاعتزاز يجبر
كسرهن وحمايتهن أريحية الرجولة والفتوة.
وفي قصيدته هذه يقول أيضا في ايقاعه ببني جعفر ذاكرا في قتلهما من
بني جعفر:
مضى فارس الحيين زيد بن زمعة * ومن يدن من نار الوقيعة يصطل
وقرم بني البنا تميم بن عامر * فتيان طعانان في كل جحفل
ولو لم تفتني سورة الحرب فيهما * جريت على رسم من الصفح أول
وعدت كريم العفو والبطش فيهما * احدث عن يوم أغر محجل
وتراه قد اعترف بشجاعتهما وفضلهما اعتراف الخصم الشريف
وبتأسف لحيلولة سورة الحرب دون كريم العفو عنهما فاصطليا بنار
الوقيعة.
وصفح عن بني كلاب فقال معربا عن أخلاقه الفاضلة وحبه العفو
ومتمدحا بذلك وكرره في شعره مرارا:
أفر من السوء لا أفعله * ومن موقف الضيم لا اقبله
وقرب القرابة ارعى له * وفضل أخي الفضل لا أجهله
وابذل عدلي للأضعفين * وللشامخ الأنف لا أبذله
وأحسن ما كنت بقيا إذا * أنالني الله ما آمله
وقد علم الحي حي الضباب * واصدق قيل الفتى أفضله
بأني كففت واني عففت * وان كره الجيش ما أفعله
وقال في ايقاعه ببني كلاب وصفحه عنه من قصيدة:
لي منة في رقاب الضباب * وأخرى تخص بني جعفر
فلما سمعت ضجيج النساء * ناديت حار الا اقصر
أحارث من صافح غافر * لهن إذا أنت لم تغفر
وقال في مثل ذلك:
تسمع في بيوت بني كلاب * بني البنا تنوح علي تميم
بكرهي ان حملت بني أبيه * وأسرته على الناي العظيم
رجعت وقد ملكتهم جميعا * إلى الأعراق والأصل الكريم

312
وقال في ايقاعه ببني كلاب أيضا وصفحه عن الحرم:
تخف إذا نطاردها كلاب * فكيف بها إذا قلنا نزال
تركناها ولم يتركن الا * لأبناء العمومة والخوال
فلم ينهضن عن تلك الحشايا * ولم يبرزن عن تلك الحجال
وقال في مثل ذلك:
سلي عني سراة بني معد * ببالس عند مشتجر العوالي
لقيناهم بأسياف قصار * كفين مؤونة الأسل الطوال
وعادوا سامعين لنا فعدنا * إلى المعهود من شرف الفعال
ونحن متى رضينا بعد سخط * اسونا ما جرحنا بالنوال
وهو القائل:
ينال اختيار الصفح عن كل مذنب * له عندنا ملا لا تنال الوسائل
وقال يتمدح بالحلم والعفو:
يقولون لا تخرق بحلمك هيبة * وأحسن شئ زين الهيبة الحلم
فلا تتركن العفو عن كل زلة * فما العفو مذموما وان عظم الجرم
ولما أسرت بنو كلاب سيد بني قطن خرج أبو فراس حتى انتزعه منهم
وقال:
رددت على بني قطن بسيفي * أسيرا غير مرجو الاياب
سررت بفكه حيي نمير * وسؤت بني سبيعة والضباب
وما أبغي سوى شكري ثوابا * وان الشكر من خير الثواب
فهل يثني علي فتى نمير * بحلي عنه قيد بني كلاب
وقال وقد أوقع ببني كلاب واسر مصعبا الطائي وسألته أم بسام
فصفح عن الأموال من أبيات:
جار نزعناه قسرا في بيوتكم * والخيل تعصب فرسانا بفرسان
بالمرج إذ أم بسام تناشدني * بنات عمك يا حار بن حمدان
فظلت اثني صدور الخيل ساهمة * بكل مضطغن بالحقد ملآن
ونحن قوم إذا عدنا بسيئة * على العشيرة عقبنا باحسان
وأي مثال للأخلاق السامية يحتذيه المرء ويقتدي به اسمى من قوله في
البائية السالفة:
انا الجار لا زادي بطئ عليهم * ولا دون مالي في الحوادث باب
ولا اطلب العوراء منهم أصيبها * ولا عورتي للطالبين تصاب
ولما حصل محمد بن رائق بالموصل دبر على ناصر الدولة ليقتله فسبقه
ناصر الدولة بالفتكة وقد كان ابن رائق قتل عمارة العقيلي وجماعة من بني
نمير فقال أبو فراس وهو صبي:
لقد علمت قيس بن عيلان اننا * بنا يدرك الثار الذي قل طالبه
وانا نزور الملك في عقر داره * ونفتك بالقرم الممنع جانبه
وانا فتكنا بالأغر ابن رائق * عشية دبت بالفساد عقاربه
أخذنا لكم بالثأر ثأر عمارة * وقد نام لم ينهض إلى الثأر صاحبه
وما أحسن ما وصف به نفسه وصفا صدق فيه وأبان عن أخلاقه
الفاضلة التي هي أحسن قدوة بقوله:
لئن ألفيتني ملكا مطاعا * فإنك واجدي عبد الصديق
أقيم مع الذمام على ابن أمي * واحمل للصديق على الشقيق
أفرق بين أموالي وبيني * و اجمع بين مالي والحقوق
أخو الغمرات في جد وهزل * أخو النفقات في سعة وضيق
جرئ في الحروب على المنايا * جبان عن ملاحاة الرفيق
شخصية أبي فراس شخصية غنية بالحيوية. فالأمل والطموح والفتوة
والزعامة واستسهال الصعاب حتى الموت في سبيل مثل أعلى للرجولة
والقومية والدين كانت كنوزا ثمينة في شخصية أبي فراس وقد تدفقت تلك
الحيوية الفياضة في وجوه الحياة العامة فبهرت الأبصار وراعت النفوس.
وانك لتجد دلائل هذه الحيوية جليلة رائعة في جميع اخباره وأشعاره. وإذا
لم يكن عجيبا ان تظهر دلائل تلك الحيوية في اخباره وأشعاره وهو الأمير
المبجل في سلمه والقائد المنتصر في غزواته وحروبه فان من الرائع العجيب
ان يكون في أسر الروم ثم لا تشعره نفسه الأبية شيئا من اللين والمداراة تجاه
أعدائه الذين يحكمونه كما يريدون فيناظره الدمستق مناظرة لا يلين فيها
(والدمستق) بضم الدال والميم والتاء لقب عظيم من عظماء الروم قيل معناه
الرئيس الأكبر للجيش والبطارقة قواده. في اليتيمة وغيرها: احفظ أبو
فراس الدمستق في مناظرة جرت بينهما فقال له الدمستق: انما أنتم كتاب
ولا تعرفون الحرب فقال له أبو فراس نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة
بالسيوف أم بالأقلام. يغضب أبو فراس الدمستق ويحفظه فيجيبه هذا
جوابا فيه كثير من المكر والبراعة إذ يقول لأبي فراس القائل:
وصناعتي ضرب السيوف وانني * متعرض في الشعر بالشعراء
(إنما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب) فقد عرف الدمستق كيف يغيظ
أبا فراس ويطعن عزته وقوميته ظنا منه بأن أبا فراس الأسير الذي لا حول
له ولا قوة سوف يسكت على هذا التحدي ولكن الفارس الأبي يجيبه جواب
الغالب للمغلوب لا جواب الأسير لمن هو في أسره فيقوله له: نحن نطأ
أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام ثم يقول متحمسا مفتخرا:
أتزعم يا ضخم اللغاديد اننا * ونحن ليوث الحر لا نعرف الحربا
فويلك من للحرب ان لم نكن لها * ومن ذا الذي يضحي ويسمي لها تربا
ومن ذا يكف الجيش من جنباته * ومن ذا يقود القلب أو يصدم القلبا
وويلك من أردى أخاك بمرعش * وجلل ضربا وجه والدك العضبا
وويلك من خلى ابن أختك موثقا * وخلاك باللقان (1) تبتدر الشعبا
لقد جمعتنا الحرب من قبل هذه * فكنا بها أسدا وكنت بها كلبا
فسل بردسا (2) عنا أباك وصهره * وسل أهل (برداليس أعظمهم خطبا
بأقلامنا أحجرت أم بسيوفنا * واسد الشري قدنا إليك أم الكتبا
تركناك في وسط الفلاة تجوبها * كما انتفق اليربوع يلتثم التربا
تفاخرنا بالضرب والطعن في الوغى * لقد أوسعتك النفس يا ابن استها كذبا
رعى الله أوفانا إذا قال ذمة * وأنفذنا طعنا وأثبتنا ضربا



(1) اللقان بلد بالروم وراء كخرشنة بيومين خففه بالمتنبي في قوله: (يذري اللقان عجاجا في
مناخرها) وشدده أبو فراس هنا وفي الرائبة الطويلة.
(2) بردس في بعض المواضع بالباء وفي بعضها بالفاء ولم تتيسر لنا معرفة الصواب منهما ولعله كان
يستعمل بالباء الفارسية القريبة المخرج من الفاء فلذلك كتب تارة بالباء وتارة بالفاء.
- المؤلف -
313
ويناظره الدمستق في أمور الدين فيقول:
اما من أعجب الأشياء علج * يعرفني الحلال من الحرام
وقال في بعض ما قاله وهو في الأسر:
وان فتى لم يكسر الأسر قلبه * وخوض المنايا حده لعجيب
أما سائر اخباره فكلها تدل على ما في شخصيته من ذلك الغنى
النفسي.
عرض سيف الدولة يوما خيوله وبنو أخيه حضور فاختار كل واحد
منهم فرسا منها وامسك أبو فراس، وسيف الدولة يريد منه ان يفعل مثل
فعلهم فلا يفعل وتأبى نفسه من ذلك ويجده حطا من قدره ويرى نفسه أجل
من أن يطمع في اخذ جواد من خيل سيف الدولة هذا وسيف الدولة ابن
عمه ومربيه وصهره واتصاله به أشد من اتصال بني أخيه فيحدث ذلك
وجدا في نفس سيف الدولة عليه ويعاتبه فلا يعتذر ويجيبه بالترفع عن ذلك
ويقول:
غيري يغيره الفعال الجافي * ويحول عن شيم الكريم الوافي
لا ارتضي ودا إذا هو لم يدم * عند الجفاء وقلة الإنصاف
تعس الحريص وقل ما يأتي به * عوضا عن الالحاح والالحاف
ان الغني هو الغني بنفسه * ولو أنه عاري المناكب حافي
ما كل ما فوق البسيطة كافيا * وإذا قنعت فكل شئ كافي
ويعاف لي طمع الحريص فتوتي * ومروتي وقناعتي وعفافي
ما كثرة الخيل الجياد بزائدي * شرفا ولا عدد السوام الضافي
خيلي وان قلت كثير نفعها * بين الصوارم والقنا الرعاف
ومكارمي عدد النجوم ومنزلي * مأوى الكرام ومنزل الأضياف
لا اقتني لصروف دهري عدة * حتى كأن صروفه احلافي
شيم عرفت بهن مذ انا يافع * ولقد عرفت بمثلها اسلافي
وبذل ملك الروم المفاداة لأبي فراس مفردا فكره الأمير النبيل ان يختار
نفسه على المسلمين وشرع في مفاداة جميع الأسرى وضمن المال وخرج بهم
كما يأتي عند ذكر اسره. ولقي الروم وهم ألف بسبعين من أصحابه لا
يرتضيهم لأنهم كانوا من الخدم والأتباع خرج بهم إلى الصيد فأسر كما يدل
عليه قوله من قصيدة أرسلها إلى سيف الدولة أول ما أسر ولا يعلم أن هذا
هو الأسر الأول أو الثاني:
ولو لم تثق نفسي بمولاي لم أكن * لأوردها في نصره كل مورد
ولا كنت القى الألف زرقا عيونها * بسبعين فيها كل اشام انكد (1)
ويدل شعره في تلك القصيدة وغيرها على أنه كان يمكنه الهرب أو
الانحياز عن الروم فلم يفعل حيث يقول:
يقولون جانب. عادة ما عرفتها * شديد على الإنسان ما لم يعود
فقلت اما والله لا قال قائل * شهدت له في الخيل الأم مشهد
ولكن سألقاها فاما منية * هي الظن أو بنيان عز مؤبد
ولم أر ان الدهر من عدد العدى * وان المنايا السود ترمين عن يد
فهو يأنف من الفرار حتى في ساعة الخطر التي لا يتردد كثير من
الشجعان والأشراف في الفرار عندها كما فعل الحارث بن هشام فإنه فر يوم
بدر وكان مع المشركين واعتذر عن فراره فقال:
الله يعلم ما تركت قتالهم * حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
وعلمت اني ان أقاتل مفردا * اقتل ولا يضرر عدوي مشهدي
ففرت عنهم والأحبة فيهم * طمعا لهم بعقاب يوم مرصد
وكأنما كان لهذا الموقف الذي وقفه أبو فراس وعرض نفسه فيه للأسر
مع امكان الفرار في شعره أكثر من مرة وأشار إلى كثرة تحدث الناس به
ولومهم إياه وتفنن بالاعتذار عنه. قال من قصيدة:
ألام على التعرض للمنايا * ولي سمع أصم عن الملام
وقال من قصيدة وكأنما ازدهاه وأبهجه تكاثر اللوام عليه لوما يشعر
بحرص الناس عليه وضنهم به:
يقولون لي أقدمت في غير مقدم * وأنت امرؤ ما حنكته التجارب
فقلت لهم لو لم الاق صدورها * تناولني بالذم منهم عصائب
تكاثر لوامي على ما أصابني * كان لم تنب الا بأسري النوائب
يقولون لم ينظر عواقب امره * ومن لم يعن تجري عليه العواقب
ألم يعلم الذلان (2) ان بني الوغى * كذاك سليب بالرماح وسالب
وان وراء الحزم فيها ودونه * مواقف تنسى عندهن التجارب
أرى ملء عيني الردى وأخوضه * إذ الموت قدامي وخلفي المقانب
وقوله:
تجشمت خوف العار أعظم خطة * وأملت نصرا كان غير قريب
رضيت لنفسي: كان غير موفق * ولم ترض نفسي كان غير نجيب
أي رضيت ان يقال عني كان غير موفق في رأيهم ولم ترض نفسي ان
يقال عني كان غير نجيب. وقال من قصيدة:
وقال أصيحابي الفرار أو الردى * فقلت هما أمران أحلاهما المر
ولكنني امضي لما لا يعيبني * وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي بعت السلامة بالردى * فقلت اما والله ما نالني خسر
وحكى ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال: طلب ملك الروم
قسطنطين بن لاون الهدنة من سيف الدولة لما كثرت وقائعه بالروم واتصلت
غزواته فأبى الا بشروط قد بعد عهد الروم بمثلها فعند ذلك أراد ملك الروم
ان يظهر لسيف الدولة قوته فهادن ملك الغرب وصرف من كان في جهته
من العساكر لأن نصارى الغرب وملوكهم لم يكونوا مع ملك القسطنطينية
على وفاق وهادن أيضا ملك البلغار والروس والترك والإفرنجة وسائر
الأجناس واستنجدهم على حرب سيف الدولة وبعث عسكرا عظيما بينهم
رجل يسمى البركمونس وهو أخو الملكة زوجته وابن رومانوس الملك قبله
وانفق من الأموال ما يعظم قدره حتى قيل إنه اخرج اثني عشر ألف عامل
لحفر الخندق حول عسكره يريد بذلك ان يقهر سيف الدولة أو يحمله على
قبول الهدنة بالشروط التي يريدها ملك الروم وسار القائد متوجها إلى ديار
بكر وبلغ سيف الدولة خبره فجهز العساكر إلى ديار بكر واقام هو في غلمانه



(1) زرقة العيون توصف بها الروم. ومن الطبيعي ان يكون أكثر السبعين الذين خرجوا معه
للصيد من الاتباع والخدم فلذلك قال، بسبعين فيها كل اشام نكد.
(2) الذلان بالضم الذليل. - المؤلف -
314
واتفق ان الفرات زاد فمنع البركمونس من العبور فعدل إلى الشام ونزل
على سميساط فافتتحها في بعض يوم ونزل على رعبان ونفر اليه سيف الدولة
فيمن بقي معه وامر أبا فراس بالتقدم فكان أبو فراس أول من لحق العسكر
وأحسن البلاء وثبت يقاتل حتى استحر القتل وكثر الأسر في أصحابه ثم
انصرف بباقيهم حتى خلصهم واسر في هذه الوقعة اخواه ودق رمحين في
تريبق الجزري رئيس الحرزيم وأسر تريبق بعض أصحاب أبي فراس فأرى
تريبق ذلك الأسير الجراح التي فيه من أبي فراس وقال له أكتب إلى
صاحبك أبي فراس وقل له مثلك لا يتسمى في مثل ذلك اليوم ويعرفه
الناس وذلك لأن أبا فراس كان حينما يطعن أو يضرب تريبق يتكنى
ويتسمى ويقول خذها وانا فلان على عادة العرب في الحروب فأراد تريبق
نصحه وان كان عدوه بان من كان مثله رئيسا شجاعا واترا لا يتسمى في
مثل ذلك اليوم الذي هو فيه في عدد قليل وعدوه في عدد كثير فيعرفه الناس
ويجتهدوا في قتله أو اسره متى عرفوه فقال أبو فراس في ذلك بيتين جميلين
وكان اعتذاره فيهما عن تسمية اعتذار شعريا طريفا:
يعيب علي ان سميت نفسي * وقد اخذ القنا منهم ومنا
فقل للعلج لو لم اسم نفسي * لسماني السنان لهم وكنى
أي لو لم اتكن لعرفوني بطعني وضربي.
وسار سيف الدولة لغزو الروم واستخلفه على الشام فيما ذكره ابن
خالويه فلم ترض نفس أبي فراس بالاخلاد إلى الراحة والدعة وأراد
ان يكون شريك سيف الدولة في كل غزواته ومواسيا له بنفسه في السراء
والضراء وغلظ عليه القعود عن المسير معه فكتب اليه من قصيدة يتألم من
تأخره عنه يسأله الاذن له في صحبته في ذلك الغزو فقال:
تضن بالحرب عنا ضن ذي بخل * ومنك في كل حال يعرف الكرم
لا تبخلن على قوم إذا قتلوا * اثنى عليك بنو الهيجاء دونهم
يقول فيها طالبا من سيف الدولة ان يأذن له في المسير معه ومبينا له ان
الشام محروس بهيبته من العدو غاب عنه أو حضر:
قالوا المسير فهز الرمح عامله * وارتاح في جفنه الصمصامة الخذم
وطالبتني بما ساء العداة - وقد * عودتها ما تشاء - الذنب والرخم
حقا لقد ساءني امر ذكرت له * لولا فراقك لم يوجد له ألم
لا تشغلني بأمر الشام احرسه * ان الشام على من حله حرم
وان للثغر سورا من مهابته * صخوره من أعادي أهله القمم
لا يحرمني سيف الدين صحبته * فهي الحياة التي تحيا بها النسم
وما اعترضت عليه في أوامره * لكن سألت ومن عاداته نعم
وكتب اليه وقد آلمه التأخر عن الغزو من قصيدة:
أطفأ حسرتي وتقر عيني * ولم أوقد مع الغازين نارا
أظن الصبر ابعد ما يرجى * إذا ما الجيش بالسارين سارا
وكان أبو فراس يعتز بعشيرته وتهز أمجاد بني حمدان صميم تقدمه
فيكثر من المباهاة بهم وبوقائعهم وكلهم أمير فارس أديب وقد ذكرنا شيئا من
ذلك عند ذكر أسرته. فهو لذلك يحرص على لم شعث العشيرة ودوام صلة
الرحم. وقد كانت بين أبي تغلب بن ناصر الدولة وأخيه حمدان شحناء
وحرب فحاصر الأول الثاني بالجزيرة. فاجتمع لذلك الأمراء في الجزيرة
فقال أبو فراس من قصيدة تعبر عن شعور صادق ورحم بر. هذا مع أن
ناصر الدولة كان قد قتل أباه والأحقاد تورث كما تورث المحبة قال:
المجد بالرقة مجموع * والفضل مرئي ومسموع
ان بها كل عميم الندى * يداه للجود ينابيع
وكل مبذول القرى بيته * بيت على العلياء مرفوع
لكن اتاني خبر رائع * يضيق عنه السمع والروع (1)
ان بني عمي وحاشاهم * شعبهم بالخلف مصدوع
بنواب فرق ما بينهم * واش على الشحناء مطبوع
عودوا إلى أحسن ما بينكم * سقتكم الغر المرابيع
لا يكمل السؤدد في ماجد * ليس له عود ومرجوع
أنبذل الود لأعدائنا * وهو عن الإخوة ممنوع
ونصل الأبعد من غيرنا * والنسب الأقرب مقطوع
لا يثبت العز على فرقه * غيرك بالباطل مخدوع
ومن قوله في لم شعث العشيرة والحنو عليها:
عطفت على غنم بن تغلب بعدما * تعرض مني جانب لهم صلد
أفضت عليها الجود من قبل هذه * وأفضل منه ما تؤمله بعد
ولا خير في هجر العشيرة لامرئ * يروح على لم العشيرة أو يغدو
ولكن دنو لا يولد جرأة * وهجر رفيق لا يصاحبه زهد
نباعدهم طورا كما نبعد العدى * ونكرمهم حينا كما يكرم الوفد
وسائر أشعاره لا تكاد تخلو قصيدة منها من ذكر الحرب والتغني بذكر
المواقع تغني القائد المقدام ومن أحب شيئا أكثر ذكره. فقد كان الطعن
والضرب واعزاز قومه ونفسه حاجة نفسية في شخصيته تقتضيها حيويته في
رجولته وفروسيته وكان يزدهيه ويبهجه ما في غزواته المظفرة من اجر الدنيا
والدين لأن أبا فراس كان يحمل مع فروسيته ورجولته عقيدة دينية ثابتة
واضحة لا شائبة فيها. وحتى في أغراضه الشعرية الخاصة كان خاطر
الحرب يأخذ عليه حسه فلا يتمالك ان يستطرد إلى ذلك من خلال الغزل
والنسيب ونحوهما. فهو عند ذكره بعض أهله وقد شيعها إلى الحج يذكر
الحرب والطعن والضرب مع عدم المناسبة بينها وبين ما قصد له. فبينما هو
يبتدئ بالغزل حسب العادة المتبعة فيقول:
أيحلو لمن لا صبر ينجده صبر * إذا ما انقضى فكر ألم به فكر
أمعنية بالعذل رفقا بقلبه * أيحمل ذا قلب ولو أنه صخر
عذيري من اللائي يلمن على الهوى * أما في الهوى لو ذقن طعم الهوى عذر
اطلن عليه النوم حتى تركنه * وساعته شهر وليلته دهر
ومنكرة ما عاينت من شجونه * ولا عجب ما عاينته ولا نكر
ويحمد في الغضب البلى وهو قاطع * ويحسن في الخيل المسومة الضمر
تذكرني نجدا ومن حل ارضها * فيا صاحبي نجواي هل ينفع الذكر
إذا به يذكر الحرب ويفتخر بالشجاعة وعلو الهمة فيقول:
تطاولت الكثبان بيني وبينه * وباعد فيما بيننا البلد القفر
مفاوز لا يعجزن صاحب همة * وان عجزت عنها الغريرية (2) الصبر
كان سفينا بين فيد وحاجز * يحف به من آل قيعانه بحر



(1) الروع بالضم القلب والذهن والعقل.
(2) الغريرية منسوبة إلى غرير كزبير فحل من الإبل.
315
عداني عنه ذود أعداء منهل * كثير إلى وراده النظر الشزر
وسمر أعاد تلمع البيض بينها * وبيض أعاد في أكفهم السمر
وقوم متى ما القهم روي القنا * وارض متى ما أغزها شبع النسر
وخيل يلوح الخير بين عيونها * ونصل متى شمته نزل النصر
إذا ما الفتى أذكى مغاورة العدى * فكل بلاد حل ساحتها ثغر
ويوم كان الأرض شابت لهوله * قطعت بخيل حشو فرسانها صبر
تسير على مثل الملاء منشرا * وآثارنا طرز لأطرافها عمر
ثم يصف المشيعة إلى الحج فيقول ويبدع:
وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة * لها دون عطف الستر من دونها ستر
وفي الكم كف ما يراها عديلها * وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر
أشيعها والدمع من شدة الأسى * على خدها نظم وفي نحرها نثر
رجعت وقلبي في سجاف غبيطها * ولي لفتات نحو هودجها كثر
فهل عرفات عارفات بزورها * وهل شعرت تلك المشاعر والحجر
اما اخضر من بطنان مكة ما ذوى * اما اعشب الوادي اما نبت الصخر
سقى الله قوما حل رحلك بينهم * سحائب لا قل نداها ولا نزر
وهو في خطابه للمحبوب وغزله به لا يجد الا الحرب وغزو الروم
أعداء بلاده وقومه موضوعا يتمثل به فيقول:
أيها الغازي الذي * يغزو بجيش الحب جسمي
ما يقوم الاجر في * غزوك للروم بأثمي
كما أنه يجد صوت قراع السيوف بين الصفوف أشهى اليه من شرب
السلاف من كف ظبي ذي شنوف حيث يقول:
أحسن من قهوة معتقة * بكف ظبي مقرطق غنج
صوت قراع في وسط معمعة * قد صبغ الأرض من دم المهج
وبينا هو يراسل أبا احمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني يعتذر
اليه مما ظنه من التعريض به في آخر قصيدته الرائية الطويلة إذا به تجيش
نفسه بما تعوده من الفخر والحماسة فيقول بعد النسيب:
لاملاك البلاد علي ضرب * يحل عزيمة الدرع الوقاح
ويوم للكماة به عناق * ولكن التصافح بالصفاح
ولم تفعل مرارة الأسر ووحشة الغربة عن أهله وصحبه ووطنه في
نفسه ما فعله قعوده في هذا الأسر عن الحرب وتدبير أمور القيادة والرياسة
فقال من قصيدته العصماء البائية المتقدم ذكرها:
تمر الليالي ليس للنفع موضع * لدي ولا للمعتفين جناب
ولا شد لي سرج على ظهر سابح * ولا ضربت لي بالعراء قباب
ولا برقت لي في اللقاء قواطع * ولا لمعت لي في الحروب حراب
وجميع قصائده الروميات تعرب عما كان ينتابه في الأسر من ألم الشوق
إلى الحرب ومنازلة الفرسان.
لم تكن أشعار أبي فراس خيال تمنيات وأحلام فإن اخباره تدل على أن
أشعاره صور صادقة من حياته الواقعية ومثله العليا التي كان يعيش بها.
وما أحسن ما ابان به عن نفسيته وما أدق ما أشار به إشارة غير مباشرة إلى
ناحية من نفسه هي تحكمه في رغباته واباؤه ان ترغمه تلك الرغبات على
اجابتها لا ان يسعى إليها مختارا، في هذه الأبيات:
وما انا من كل المطاعم طاعم * ولا انا من كل المشارب شارب
ولا انا راض ان كثرن مكاسبي * إذا لم تكن بالعز تلك المكاسب
ولا السيد القمقام عندي بسيد * إذا استنزلته من علاه الرغائب
علي طلاب العز من مستقره * ولا ذنب لي ان حاربتني المطالب
وعندي صدق الضرب في كل معرك * وليس عليه ان نبون المضارب
عتادي لدفع الهم نفس أبية * وقلب على ما شئت منه مصاحب
وجرد كأمثال السعالي سلاهب * وخوص كأمثال القسي نجائب
وفي قوله:
ومن أبقى الذي أبقيت هانت * عليه موارد الموت الزؤام
ثناء طيب لا خلف فيه * وآثار كآثار الغمام
وعلم فوارس الحيين اني * قليل من يقوم لهم مقامي
لقد حقق ما كان يطمح اليه فأبقى الثناء الطيب والآثار الحميدة وأقام
سيفه الحجة لدى فرسان قومه بان من يقوم مقامه نادر قليل لذلك هو بعد
ان أدى رسالته يرد موارد الموت الزؤام غير متردد لأنه قد شفى طموح نفسه
وبعد همته وحقق الغاية من حياته كما قال:
علينا ان نغاور كل يوم * رخيص الموت بالمهج الغوالي
فان عشنا ذخرناها لأخرى * وان متنا فموتات الرجال
ويجد نفسه سعيدا مغتبطا بما يعانيه في حروبه من وعورة المنازل
والنزول في القفار بين الأفاعي والعقارب لان ورود العذب الزلال لا يجلبه
الا ورود الرنق الأجاج حيث يقول من قصيدة:
اوينا بين أطراف العوالي * إلى بلد من النصار خالي
تمد بيوتنا في كل فج * به بين الاراقم والصلال
نعاف قطونه ونمل منه * ويمنعنا الاباء من الزيال
مخافة ان يقال بكل ارض * بنو حمدان كفوا عن قتال
ومن عرف الخطوب ومارسته * أطاب النفس بالحرب السجال
فإن يك اخوتي وردوا شباها * بأكرم موقف وأجل حال
فمن ورد المهالك لم ترعه * رزايا الدهر في أهل ومال
وذا الورد المكدر جانباه * بما أوردت من عذب زلال
إذا ما لم تخنك يد وقلب * فليس عليك خائنة الليالي
ضربت فلم أدع للسيف حدا * وجلت بحيث ضاق عن المجال
الأهل منكر ببني نزار * مقامي يوم ذلك أو مقالي
ألم أثبت لها والخيل فوضى * بحيث تخف أحلام الرجال
تركت ذوابل المران فيها * مخضبة محطمة الأعالي
وعدت أجر رمحي عن مقام * تحدث عنه ربات الحجال
وكان للدين والاخلاق في شخصية أبي فراس أثر بالغ صادق زاد في
نقاء تلك الشخصية وصفائها واعانه في الصعاب التي لاقاها - وهو لما يزل
في عنفوان الشباب - على أن يقف من الحياة موقف الحكيم الزاهد المستهين
بالمكاره وما أجمل وأصدق عاطفته الدينية وأشجى عتابه لسيف الدولة في
خطابه له من بعض الروميات بقوله:

316
فإن لم يكن ود قريب نعده * ولا نسب دون الرجال قراب
فأحوط للاسلام ان لا يضيعني * ولي عنه فيه حوطة ومناب
وما بالك بذلك الفارس المغوار بينما هو يفتخر بآبائه وبحروبه إلى
أقصى ما يتصور إذا بعاطفة الدين تميل به إلى مناجاة الله تعالى فكأنه عابد
في محراب لا أسد في مجال الضراب فيقول:
انظر لضعفي يا قوي * وكن لفقري يا غني
أحسن إلي فإنني * عبد إلى نفسي مسي
ويقول وليسا في الديوان المطبوع:
انا ان عللت نفسي * بطبيب أو دواء
عالم ان ليس الا * بيد الله شفائي
ويسلي نفسه وهو في الأسر ويعظها بأبلغ مواعظ أهل العرفان
فيقول:
ما لي جزعت من الخطوب وانما * اخذ المهيمن بعض ما أعطاني
ويقول مظهرا حسن ظنه وثقته بالله تعالى:
ومن لم يوق الله فهو ممزق * ومن لم يعز الله فهو ذليل
إذا لم يعنك الله فيما تريده * فليس لمخلوق اليه سبيل
وان هو لم يدللك في كل مسلك * ضللت ولو أن السماك دليل
وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وان عز أنصار وجل قبيل
ويتمدح بالكرم والسخاء وبذل الزاد وأقراء الضيف في كثير من شعره
كقوله:
ولا والله ما بخلت يميني * ولا أصبحت أشقاكم بمالي
ولا أمسي احكم فيه بعدي * قليل الحمد مذموم الفعال
ولكني سأفنيه واقني * ذخائر من ثواب أو جمال
وللوراث ارث أبي وجدي * جياد الخيل والأسل الطوال
وما تجني سراة بني أبينا * سوى ثمرات أطراف العوالي
وقوله من قصيدة:
ولست بجهم الوجه في وجه صاحبي * ولا قائل للضيف هل أنت راحل
ولكن قراه ما تشهى ورفده * ولو سأل الأعمار ما هو سائل
وقوله من أبيات:
إذا مررت بواد جاش غاربه * فاعقل قلوصك وانزل ذاك وادينا
وان عبرت بناد لا تطيف به * أهل السفاهة فاجلس فهو نادينا
نغير في الهجمة (1) الغراء ننحرها * حتى ليعطش في الاحياء راعينا
تجفل الشول بعد الخمس صادية * إذا سمعن عن الأمواه حادينا
وتغتدي الكوم اشتاتا مروعة * لا تأمن الدهر الا من أعادينا
ويصبح الضيف أولانا بمنزلنا * نرضى بذاك ويمضي حكمه فينا
وقوله من أبيات:
سلي عني نساء بني معد * يقلن بما رأين وما سمعنه
ألست أمدهم لذرى ظلال * وأوسعهم لدى الأضياف جفنه
وقوله:
أحمي حريمي ان يباح * ولست أحمي ما ليه
وتخافني كوم اللقاح * وقد امن عذابيه
تمسي إذا طرق الضيوف * فناؤها بفنائيه
ناري على ترف تأجج * للضيوف السارية
يا نار ان لم تجلبي * ضيفا فلست بناريه
ويرتاح إلى الكرم والمعروف مع من يشكر ومن يكفر فإنه ان فاته
الشكر لم يفته الاجر فيقول:
وما نعمة مكفورة قد صنعتها * إلى غير ذي شكر بما نعتي أخرى
سآتي جميلا ما حييت فإنني * إذا لم أفد شكرا أفدت به اجرا
ويقول:
وأقسم ان فوت جميل فعل * أشد علي من حز المواسي
وما أغناه حين تنظر إلى ملكه بقايا ما وهب إذ يقول في ابدع معنى
وأبلغ لفظ تعرض فيه هذه الصورة الشعرية للشجاعة والكرم:
بخلت بنفسي ان يقال مبخل * وأقدمت جبنا ان يقال جبان
وملكي بقايا ما وهبت مفاضة * ورمح وسيف صارم وحصان
وبلغ التحمس والفخر بالعشيرة في نفس أبي فراس مدى بعيدا فهو
يقول في قصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه وعشيرته والتي بلغ فيها الغاية
في الحماسة و الفخر والتي زادت أبياتها العامرة على (240) بيتا:
لنا في بني عمي واحياء اخوتي * علا حيث سار النيران سوائر
وانهم السادات والغرر التي * أطول على خصمي بها وأكاثر
ولولا اجتناب العتب من غير منصف * لما عزني قول ولا خان خاطر
فكأنه لم يكفه هذا القول الكثير وهذا الفخر العريض الطويل ورأى
نفسه قد اختصر ولم يطنب وأقل ولم يطل اجتنابا للعتب من غير منصف
ولولا ذلك لما عزه قول ولا خانه خاطر وأي قول يعزه وخاطر يخونه بعد
(240) بيتا تصرف فيها بأنواع الفخر والحماسة واستقصى ذكر عشيرته
وأيامهم ووقائعهم ومفاخرهم وهو يرى نفسه مقصرا قد منعه خوف العتب
من غير منصف من الإطالة والاستيفاء.
اخباره
له اخبار كثيرة شائقة منها مع سيف الدولة ومنها في الأسر ومنها مع
المتنبي وبني ورقاء ومنها غير ذلك.
أخباره مع سيف الدولة
عدى ما تقدم وعدى الروميات
كان سيف الدولة الأمير المقدم في آل حمدان وكان هو مربي أبي فراس
فان أبا العلاء سعيد بن حمدان والد أبي فراس وعم سيف الدولة كان قد
قتل. قتله ابن أخيه ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان حين جاء
اليه إلى الموصل وخاف ان يتغلب عليها فقتله غيلة سنة (323) وأبو فراس
يومئذ طفل صغير عمره سنتان أو ثلاث سنين فرباه ابن عمه سيف الدولة
ونشأ في حجره وكان أبو فراس يعرف له ذلك وينزله منزلة والده ويعترف
بجميله وينوه بذلك في أشعاره ويعامله في أكثر حالاته معاملة التابع للمتبوع



(1) الهجمة منت الإبل أقلها أربعون إلى ما زادت أو ما بين السبعين إلى المائة.
317
والمأمور للآمر بل الخادم للمخدوم ويتواضع له في مخاطباته بشعره فهو يقول
في بعض قصائده مخاطبا له:
هيهات لا أجحد النعماء منعمها * خلفت يا ابن أبي الهيجاء في أبي
ويقول مخاطبا له أيضا من أبيات:
إذ أنت سيدي الذي * ربيتني وأبي سعيد
ويقول من قصيدة:
وكيف ينتصف الأعداء من رجل * العز أوله والمجد آخره
فمن سعيد بن حمدان ولادته * ومن علي بن عبد الله سائره
لقد فقدت أبي طفلا فكان أبي * من الرجال كريم العود ناضره
هو ابن عمي دنيا حين أنسبه * لكنه لي مولى لا أناكره
ويقول من قصيدة:
ورباني ففقت به البرايا * وأنشأني فسدت به الأناما
ويقول أيضا:
أب بر ومولى وابن عم * ومستند إذا ما الخطب جالا
ولما هرب ناصر الدولة من معز الدولة البويهي حين طرده إلى الشام * من ديار ربيعة سنة (347) والتجأ إلى أخيه سيف الدولة وكان ناصر الدولة
اسن منه قال أبو فراس قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويعرض فيها بذم
ناصر الدولة الذي قتل أباه ولا توجد في الديوان المطبوع وهي:
لمثلها يستعد البأس والكرم * وفي نظائرها تستنفد النعم
هي الرياسة لا تقنى جواهرها * حتى يخاض إليها الموت والعدم
تقاعس الناس عنها وانتدبت لها * كالسيف لا نكل فيه ولا سأم
ما زال يجحدها قوم و تنظرهم * حتى أقروا وفي آنافهم رغم
شكرا فقد وفت الأيام ما وعدت * أقر ممتنع وانقاد معتصم
وما الرياسة الا ما تقر به * شمس الملوك وتعنو تحته الأمم
هذي شيوخ بني حمدان قاطبة * لاذوا بدارك عند الخوف واعتصموا
حلوا بأكرم من حل القباب بها * بحيث حل الندى واستوسق الكرم
مغارم المجد يعتد الملوك بها * مغانما في العلا في طيها نعم
فكنت منهم وان أصبحت سيدهم * تواضع الملك في أصحابه عظم
شيوخهم سبقت لا فضل ينعتها * وليس يفضل فينا الفاضل الهرم
ولم يفضل عقيلا في ولادته * على علي أخيه السن والقدم
وكيف يفضل من ازرى به بخل * وصد اليد والرجلان والصمم
لا تنكروا يا بنية ما أقول فلن * تنسى التراث ولا إذ حال شيخكم
كادت مخازيه ترديه فانقذه * منها بحسن دفاع عنه عمكم
ثم تعود اليه عاطفة الرحم ويتجلى فيه كرم النفس فيقول:
استودع الله قوما لا أفسرهم * بالظالمين ولو شئنا لما ظلموا
والقائلين ونغضي عن جوابهم * والجائرين ونرضى بالذي حكموا
اني على كل حال لست أذكرهم * الا وللشوق دمع واكف سجم
الأنفس اجتمعت يوما أو افترقت * إذا تأملت نفس والدماء دم
رعاهم الله ما ناحت مطوقة * وحاطهم ابدا ما اورق السلم
وغيظه من ناصر الدولة لم يمنعه ان يقول عنه (ومنا لدين الله سيف
وناصر).
ومن مطالعة اخباره مع سيف الدولة يظهر عظيم تقدير سيف الدولة
له واعتماده عليه وشدة تعلقه به ومحبته له ومعرفته مزاياه وسجاياه العالية.
وفي اليتيمة: كان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه
بالاكرام عن سائر قومه ويصطفيه لنفسه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه
على اعماله وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده
ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته اه‍.
وكان أبو فراس يعلم منزلته هذه عند سيف الدولة وحاجة سيف
الدولة إلى مواهبه وكفاءته فلا جرم ان خاطبه متحمسا معتزا بشجاعته وبابن
عمه فقال:
يا ابن الذوائب من نزار والأولى * شادوا بيوت مناقب لم تهدم
انا سيف سيف الدولة الماضي (1) إذا * نبت السيوف وخان كل مصمم
ارم الكتائب بي فإنك عالم * اني أخو الهيجاء غير مذمم
وعلام لا القى الفوارس معلما * وعلو جدك عدتي وعرمرمي
انا سيفك الماضي وليس بقاطع * سيف إذا ما لم يشد بمعصم
وكان سيف الدولة يعده لكل مهم فهو قائد جيوشه ونائبه فيها في
حضوره وغيبته وشريكه في أكثر غزواته الروم وغيرها والفاعل كفعله وله في
كل تلك الغزوات الأثر المحمود فقد سار معه إلى بلاد الروم حتى افتتحوها
وأمره بالتقدم فتقدم وافتتح حصن عرقة وكمن لهم سيف الدولة في موضع
وأبو فراس في موضع آخر فقتلا منهم مقتلة عظيمة وسار معه إلى حرب
الدمستق لما خرج إلى الشام فهرب الدمستق واسر ابنه قسطنطين ولما نزل
ملك الروم على رعبان ونفر اليه سيف الدولة امر أبا فراس بالتقدم فتقدم
وأحسن البلاء. وأرسله سيف الدولة لبناء قلعة رعبان وقد خربتها الزلزلة
وهي من الغور وبقيت خرابا خمس سنين وأراد سيف الدولة عمارتها وهي
مجاورة للروم يخافون من تعميرها ويمنعون منه بكل جهدهم فلم ير أهلا
لذلك غير أبي فراس فأرسله في قطعة من الجيش فعمرها في 37 يوما ورد
قسطنطين بن الدمستق الذي جاء بجيشه ليمنعه عنها خائبا.
ولما طلب ملك الروم الهدنة من سيف الدولة فأبى الا بشروط توافقه
وجهز ملك الروم الجيوش لغزو الشام نفر اليه سيف الدولة وأمر أبا فراس
بالتقدم فتقدم وابلى بلاء حسنا كما مر.
اخلص أبو فراس لابن عمه سيف الدولة أمير الحمدانيين ووقف
بطولته على خدمة العرش الحمداني فبادله سيف الدولة الاخلاص وأكبر فيه
الخدمة.
وبعد ما اسره الروم كان مع ما هو عليه من مضاضة الأسر لا يني
عن تعرف اخبار الروم والبعث بها إلى سيف الدولة والإشارة عليه والنصح
له مع ما عرض بينهما من الوحشة وهو في الأسر فقد كتب اليه يعرفه خروج
الدمستق في جموع الروم ويحثه على الاستعداد. وهو شريكه في قيادة الجيوش
لتأديب قبائل العرب إذا أرادت العيث والخروج عن الطاعة. فقد اجتمعت



(1) في بعض النسخ يا سيف سيف الدولة وفي بعضها انا سيف سيف الدولة والأولى لها وجه
صحيح فهي نظير قول الشاعر:
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل عليك فانزل
318
مرة واتفقت على حربه فسار إليهم ومعه أبو فراس حتى أوقع بهم وهزمهم
وقتل فيهم وقدمه مرة في قطعة من الجيش ليتبعهم فاتبعهم يقتل وياسر
وانفذه إلى بني عقيل وبني نمير وبني كلاب حيث عاثوا في عمله فظفر ونصر.
وسار معه مرة إلى قبائل كعب بديار مضر لما شمخت واستفحل امرها
فهربت فأمره باللحاق بهم وردهم إلى الطاعة ففعل واخذ رهائنهم وانتدبه
مرة لقتال بني كلاب فقاتلهم وأوقع بهم وأفسدوا مرة أخرى فاسرى إليهم
سيف الدولة من حلب وأمر أبا فراس ان يعارضه من منبج ففعل واجتمعا
بالجسر فأوقعا بهم ولما أكثرت بنو كعب وبنو كلاب الغارات على بني نمير
وضيقوا عليهم انهض سيف الدولة أبا فراس لمعاونتهم فلما نزل بهم
انكشفت بنو كعب وتنحت بنو كلاب.
وهو خليفته على بلاد الشام عند غيبة سيف الدولة عنها لما يعلم من
كفاءته ونصحه وقيامه بحفظ الثغر ولم يكن ليثق في ذلك بأحد غيره من
عشيرته ولا غيرهم وقع ذلك عدة مرات تقدمت الإشارة إليها (ومنها) لما
سار سيف الدولة لبناء عين زربة وحصونها. قال ابن خالويه سار الأمير
سيف الدولة سنة 351 إلى الثغور الشامية لبناء عين زربة وحصونها
واستخلف على الشام الأمير أبا فراس فسار نقفور بن بردس ملك الروم في
جمع النصرانية إلى الشام فلقيه الأمير أبو فراس في ألف فارس من العرب
فوقع بينهم ست وقائع في كلهن يظهره الله حتى دخل دلوك ولم يتجاوزها
وفي ذلك يقول أبو فراس من قصيدة يخاطب بها الدمستق:
واني إذ نزلت على دلوك * تركتك غير متصل النظام
ولما ان عقدت صليب رأيي * تحلل عقد رأيك في المقام
وكنت ترى الأناة وتدعيها * فأعجلك الطعان عن الكلام
وبث مؤرقا من غير سقم * حمى جفنيك طيب النوم حامي
ولكن ذلك لم يمنعه من أن يرى غاية النعمة ان يكون غلاما لسيف
الدولة فكيف به وهو نسيبه وابن عمه فقال:
وقد أصبحت منتسبا اليه * وحسبي ان أكون له غلاما
ويقول له أيضا:
ان تقدمت فحاجب * أو تأخرت فكاتب
أو تسايرنا جميعا * فكلا الحالين واجب
ويقول لسيف الدولة أيضا:
وأنت أريتني خوض المنايا * وصبري تحت هبوات النزال
فصبري في قتالك لا قتالي * وفعلي في فعالك لا فعالي
وفي أرضاك إغضاب العوالي * واكراه المناصل والنصال
وكتب إلى سيف الدولة في علة وجدها:
وعلة لم تدع قلبا بلا ألم * سرت إلى ذروة العليا وغاربها
هل تقبل النفس عن نفس فافديه * الله يعلم ما تغلو علي بها
لئن وهبتك نفسا لا نظير لها * فما سمحت بها الا لواهبها
وكتب اليه كما في اليتيمة:
وما لي لا اثني عليك وطالما * وفيت بعهدي والوفاء قليل
وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني * صفحت وصفح المالكين جميل
وكذلك لم يمنع سيف الدولة كون أبي فراس تابعا له وناشئا في حجره
بمنزلة الابن من أن يعبر عنه بكلمة (سيدي) في احدى المناسبات الأدبية.
وفي هذا دلالة لا تخفى على سمو اخلاق الأميرين ومنزلة كل منهما عند
الاخر لذلك ليس غريبا ان يخاطب أبو فراس ابن عمه في موضع آخر
مخاطبة الند للند ويجعل مفاخر بني حمدان وطولهم به كما بسيف الدولة
فيقول:
بنا وبكم يا سيف دولة هاشم * تطول بنو أعمامنا وتفاخر
فإذا وإياكم ذراها وهامها * إذ الناس أعناق لها وكراكر
ويقول:
ولو لم يكن فخري وفخرك واحدا * لما سار عني بالمدائح سائر
وان يطلب في احدى قصائده من سيف الدولة الفداء ويتضرع اليه
ثم يقول:
فلا وأبي ما ساعدان كساعد * ولا وأبي ما سيدان كسيد
فجعل لنفسه من السيادة وغيرها مثل ما لسيف الدولة وكذلك ليس
غريبا ان يعود بعد هذا مخاطبا له خطاب التابع للمتبوع فيقول:
وانك للمولى الذي بك اقتدي * وانك للمولى الذي بك اهتدي
وأنت الذي علمتني طرق العلا * وأنت الذي أهديتني كل مقصد
وان ينحو هذا النحو في موضع آخر فيقول:
ولما ثار سيف الدين ثرنا * كما هيجت آسادا غضابا
أسنته إذا لاقى طعانا * صوارمه إذا لاقى ضرابا
صنائع فاق صانعها ففاقت * وغرس طاب غارسه فطابا
وكنا كالسهام إذا أصابت * مراميها فراميها أصابا
ومن اخباره مع سيف الدولة ما ذكره الثعالبي في اليتيمة في ترجمة
سيف الدولة قال: كان أبو فراس يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم
سيف الدولة أيكم يجيز قولي وليس له الا سيدي يعني أبا فراس:
لك جسمي تعله * فدمي لم تحله
فارتجل أبو فراس وقال:
انا ان كنت مالكا * فلي الامر كله
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألف دينار اه‍.
وفي اليتيمة: حكى ابن خالويه قال كتب أبو فراس إلى سيف الدولة
وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج (كتابي أطال الله بقاء مولانا الأمير
سيف الدولة من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل الظهر
والظهر (1) وفرا وشكرا) فاستحسن سيف الدولة بلاغته في ذلك ووصف
براعته وبلغ أبا فراس ذلك فكتب اليه:
هل للفصاحة والسماحة * والعلا عني محيد
إذ أنت سيدي الذي * ربيتني وأبي سعيد
في كل يوم استفيد * من العلاء واستزيد



(1) الظهر الأول بمعنى الركاب والثاني خلاف البطن ويوجد في بعض المواضع مثقل الظهر موقر
الضمير والصواب ما ذكرناه لأنه الموجود في خاص الخاص الثعالبي ونسخة من اليتيمة
مخطوطة.
319
وفي اليتيمة: كان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله
عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب فوافت حضرته احدى
المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير ان يبدأ
باستدعائها قبل سيف الدولة فكتب اليه يحثه على استحضارها فقال:
محلك الجوزاء بل ارفع * وصدرك الدهناء بل أوسع
وقلبك الرحب الذي لم يزل * للجد والهزل به موضع
وفضلك المشهور لا ينقضي * وفخرك الذائع لا يدفع
رفه بقرع العود سمعا غدا * قرع العوالي جل ما يسمع
وكان سيف الدولة وعد أبا فراس باحضار أبي عبد الله بن المنجم
وبالاجتماع به ليلة فكتب اليه أبو فراس:
(قد تقدم وعد سيدنا سيف الدولة باحضار أبي عبد الله ابن المنجم
والغناء بحضوره وانا سائل في ذلك. فان رأى سيف الدولة ان يتطول
بانجاز ما وعد فعل انشاء الله) وكتب اليه معها بهذين البيتين:
أيا سيدا عمني جوده * بفضلك حزت السنا والثناء
قدي ان اتيتك في ليلة * فنلت الغنى وسمعت الغناء
فاجابه سيف الدولة:
(انا مشغول بقرع الحوافر عن المزاهر. قال العلوي:
اسمعاني الصياح بالآمبيس * وصريف العيرانة العيطموس
واتركاني من قرع مزهرريا * واختلاف الكؤوس بالخندريس
ليس يبني العلا بذاك ولا يو * جد كالصبر عند أم ضروس
وإذا كنا لا نفعل ما قاله اسود بني عبس:
ولقد أبيت على الطوى واظله * حتى أنال به كريم المأكل
فعلى كل حال يقع الانتظار إن شاء الله تعالى).
فكتب اليه أبو فراس:
يبني الرجال وغيره يبني القرى * شتان بين قرى وبين رجال
قلق بكثرة ماله وسلاحه * حتى يفرقه على الابطال (1)
(قلت): كنت اربا بأبي فراس عن سماع الغناء وهو الذي يقول:
لئن خلق الأنام لحسو كأس * ومزمار وطنبور وعود
فلم يخلق بنو حمدان الا * لمجد أو لباس أو لجود
وفي اليتيمة كتب أبو فراس إلى سيف الدولة - ولا توجد في الديوان
المطبوع:
يا أيها الملك الذي * أضحت له جمل المناقب
نتج الربيع محاسنا * القحنها غرر السحائب
راقت ورق نسيمها * فحكت لنا صور الحبائب
حضر الشراب فلم يطب * شرب الشراب وأنت غائب
وما كان أجدر أبا فراس بالتنزه عن ذكر الشرب والشراب في شعره
ولعله كان يجري في ذلك على سنن الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون
ويصفون ما لا يتعاطون. قال وتأخر عن مجلس سيف الدولة لعلة وجدها
فكتب اليه:
لقد نافسني الدهر * بتأخيري عن الحضرة
فما ألقى من العلة * ما ألقى من الحسره
وفي الديوان اهدى الناس إلى سيف الدولة في بعض الأعياد فأكثروا
فاستشار أبو فراس فيما يهديه فكل أشار بشئ فخالفهم وكتب اليه. واقتصر
في اليتيمة على قوله اهدى الناس إلى سيف الدولة فأكثروا فكتب اليه أبو
فراس:
نفسي فداؤك قد بعثت * بعهدتي بيد الرسول
أهديت نفسي انما * يهدى الجليل إلى الجليل
وجعلت ما ملكت يدي * صلة المبشر بالقبول
لما رأيتك في الأنام * بلا مثيل أو عديل
ووقع بين أبي فراس وبعض بني عمه وهو صبي قتال فخرج معه
سيف الدولة بالتعتب فقال أبو فراس وفي اليتيمة انه كتب إلى سيف الدولة
يعاتبه:
اني منعت من المسير إليكم * ولو استطعت لكنت أول وارد
أشكو وهل أشكو جناية منعم * غيظ العدو به وكبت الحاسد
قد كنت عدتي التي أسطو بها * ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملته * والمرء يشرق بالزلال البارد
لكن أتت بين السرور مساءة * وصلت لها كف القبول بساعد
فصبرت كالولد التقي لبره * يغضي على ألم لضرب الوالد
ونقضت عهدا كيف لي بوفائه * ومن المحال صلاح قلب فاسد
وكان لسيف الدولة غلام اسمه نجا قد اصطنعه ونوه باسمه وقلده
طرسوس واخذ يقرع باب العصيان والكفران وزاد تبسطه وسوء عشرته
لرفقائه فبطش به ثلاثة نفر منهم وقتلوه فشق ذلك على سيف الدولة وأمر
بقتل قاتليه فكتب اليه أبو فراس:
ترى لنفسك امرا * وما يرى الله أفضل
ما زلت تسعى بجد * برغم شانيك مقبل
ووجد سيف الدولة على بعض بني عمه فكتب اليه أبو فراس
يستعطفه:
ان لم تجاف عن الذنوب * وجدتها فينا كثيره
لكن عادتك الجميلة * ان تغض على بصيره
وقال لسيف الدولة ولا يوجدان في الديوان المطبوع:
ومالي (2) لا اثني عليك وطالما * وفيت بعهدي والوفاء قليل
وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني * صفحت وصفح المالكين جميل
قال ابن خالويه: في شرح ديوان أبي فراس لما قتل الصباح مولى



(1) في نسخة الديوان المطبوعة خلط الطابع بين قصة المغنية البغدادية وقصة أبي عبد الله ابن
المنجم فجعلهما واقعة واحدة وهما واقعتان كما ذكرنا.
(2) ابتداء الكلام بالواو غير صحيح لعدم تقدم معطوف عليه ووقع ذلك في شعر أبي فراس
كثيرا وعادة العرب في مثله حذف الواو وان نقص الوزن قال الحماسي:
اني لمهد من ثنائي فقاصد * به لابن عمي الصدق شمس بن مالك
ومثله في ديوان الحماسة كثير ويسمى عند أهل العروض مخروما.
320
عمارة الحرفي وكان سيف الدولة قلده قنسرين فقصد قاتليه مطالبا لهم بدمه
ثم كف عنهم عن قدرة وقررهم بالجزيرة بتوسط أبي فراس فقال أبو فراس:
(وما نعمة مكفورة قد صنعتها) البيتين المتقدمين.
قال وقد تأخر عن سيف الدولة في بعض غزواته ولا توجد في
المطبوع
: دع العبرات تهمر انهمارا * ونار الشوق تستعر استعارا
أتطفأ حسرتي وتقر عيني * ولم أوقد مع الغازين نارا
أظن الصبر ابعد ما يرجى * إذا ما الجيش بالسارين سارا
أقمت عن الأمير وكنت ممن * يعز عليه فرقته اختيارا
وقد ثقفت للهيجاء رمحي * وأضمرت المهاري والمهارى
وكان إذ دعا للأمر حفت * به الفتيان تبتدر ابتدارا
بخيل لا تعاند من عليها * وقوم لا يرون الموت عارا
إذا سار الأمير فلا هدوا * لنفسي أو يؤوب ولا قرارا
أكابد بعده هما وغما * ونوما لا أكابده غرارا
وكنت به أشد ذرى وبطشا * وابعدهم إذا ركبوا مغارا
أشق وراءه الجيش المعنى * واخرق خلفه الرهج المثارا
ستذكرني إذا اطردت رجال * دققت الرمح بينهم مرارا
وارض كنت املؤها خيولا * وجو كنت ارهجه غبارا
فأشفي من طعان الخيل صدري * وأدرك من صروف الدهر ثارا
لعل الله يعقبني صلاحا * قديما أو يقيلني العثارا
إذا بقي الأمير قرير عين * فديناه اختيارا لا اضطرارا
أب بر ومولى وابن عم * ومستند إذا ما الخطب جارا
يمد على أكابرنا جناحا * ويكفل عند حاجتها الصغارا
أراني الله طلعته سريعا * وأصحبه السلامة حيث سارا
وبلغه أمانيه جميعا * وكان له من الحدثان جارا
وقال يهنئ سيف الدولة بولديه أبي المعالي شريف وأبي المكارم وليست
في الديوان المطبوع:
يهني الأمير بشارة * قرت بها عين المكارم
اعلا الورى قدرا وخير * هم يسر بخير قادم
اني وان كنت المشارك * في الأبوة والمساهم
لأقول قولا لا يرد * ولا يرى لي فيه لائم
لأبي المعالي في العلا * وأبي المكارم في المكارم
بيت رفيع سمكه * عالي الذرى ثبت الدعائم
وكتب إلى سيف الدولة وقد بلغه نزول العدو على الحدث فسار سيف
الدولة مسرعا حتى سبقه إليها وقد كان سيف الدولة بعيدا عنها موغلا في
بلاد الروم فقال أبو فراس هذه القصيدة:
دعوناك والبحران (1) دونك دعوة * اتاك بها يقظان فكرك لا البرد
فأصبحت ما بين العدو وبيننا (2) * تجارى بك الخيل المسومة الجرد
اتيناك أدنى ما يجيبك جهدنا * وأهون سير الخيل من تحتنا الشد
بكل نزاري أتتك بشخصه * عوادي من حاليك ليس لها رد
وحمر سيوف لا تجف لها ظبي * بأيدي رجال لا يحط لهم لبد
وزرق تشق السرد عن مهج العدى * وتسكن منهم أية سكن الحقد
ومصطحبات قارب الركض بينها * ولكن بها عن غيرها ابدا بعد
نشردهم ضربا كما شرد القطا * وينظمهم طعنا كما نظم العقد
لئن خانك المقدور فيما بنيته (3) * فما خانك الركض المواصل والجهد
تعاد كما عودت والهام صخرها * ويبنى بها المجد المؤثل والحمد
ففي كفك الدنيا وشيمتك العلا * وطائرك الاعلا وكوكبك السعد
قال ابن خالويه كان بنو عقيل ونمير وكلاب قد عاثوا في عمل سيف
الدولة واشتدوا فانفذ أبا فراس في بعض السرايا فظفر ونصر فكتب إلى
سيف الدولة:
أضارب الجيش بي في وسط مفرقه * لقد ضربت بعين الصارم القضب
لا تحرز الدرع مني نفس صاحبها * ولا أجيز ذمام البيض واليلب
ولا أعود برمحي غير منحطم * ولا أروح بسيفي غير مختضب
حتى تقول لك الأعداء راغمة * هذا ابن عمك أضحى فارس العرب
هيهات لا أجحد النعماء منعهما * خلفت يا ابن أبي الهيجاء في أبي
يا من يحاذر ان تمضي علي يد * مالي أراك لبيض الهند تسمح بي
وأنت بي من اضن الناس كلهم * فكيف تبذلني للسمر والقضب
ما زلت أجهله فضلا وانكره * وأوسع النفس من عجب ومن عجب
حتى رأيتك بين الناس محتفيا * تثني علي بوجه غير متئب (4)
فعندها وعيون الناس ترمقني * علمت أنك لم تخطئ ولم أصب
وقال ابن خالويه أيضا في شرح ديوان أبي فراس: ندب سيف الدولة
أبا فراس في سنة 345 لبناء رعبان (5) وقد أخربتها الزلازل. وياقوت
يقول خربتها الزلزلة سنة 340 فانفذ سيف الدولة أبا فراس في قطعة من
الجيش فأعاد عمارتها فيكون قد عمرها بعد خرابها بخمس سنين فبناها في
37 يوما ووافى قسطنطين ابن الدمستق ليزيله عنها فرده الله بغيظه وفي ذلك
يقول الشاعر (أحد شعراء سيف الدولة:
أرضيت ربك وابن عمك والقنا * وبذلت نفسا لم تزل بذالها
وبنيت مجدا في ذؤابة وائل * لو طاولته بنات نعش طالها
رد الجيوش وقد ظنتك ذليلة * طعن ينكب بينها أبطالها
وتركت رعبانا بما أوليتها * تثني عليك سهولها وجبالها
وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة مشيرا إلى سيف الدولة:
وان معاليه لكثر غوالب * وان أياديه لغر غزائر
ولكن قولي ليس يغفل (يعضل) عن فتى * على كل قول من معانيه خاطر
الأقل لسيف الدولة القرم انني * على كل شئ غير وصفك قادر
فلا تلزمني خطة لا أطيقها * فمجدك غلاب وفضلك باهر
ولو لم يكن فخري وفخرك واحدا * لما سار عني بالمدايح سائر
ولكنني لا أغفل (لا أعضل) القول عن فتى * أساهم في عليائه وأشاطر



(1) في بعض النسخ والهجران والظاهر أنه تصحيف والبحران لا يبعد ان يكون المراد بهما نهران
من الأنهار العظيمة.
(2) لعل معناه انك تقدمت نحونا حتى صرت بين العدو وبيننا وقد كان العدو بيننا وبينك لأنه
كان موغلا في بلاد الروم.
(3) يشير إلى الحدث التي كان قد بناها سيف الدولة.
(4) غير مستح ولا منقبض.
(5) رعبان بفتح الراء وسكون العين المهملة وبالباء الموحدة وآخره نون مدينة بين حلب
وسميساط قرب الفرات وبها قلعة تحت الجبل.
321
وعن ذكر أيام مضت ومواقف * مكاني منها بين الفضل ظاهر
مساع يضل القول فيهن كله * وتهلك في أوصافهن الخواطر
بناهن باني الثغر والثغر دارس * وعامر دين الله والدين داثر
وأين أبو فراس في شجاعته واقدامه من أحمد بن عبد الله التنوخي في
جبنه وتأخره عن المسير مع أبي فراس إلى رعبان جبنا وخوفا.
قال ابن خالويه كان أبو فراس انكر على أحمد بن عبد الله التنوخي
الشاعر تأخره عن المسير معه إلى رعبان وكان جبانا فكتب التنوخي إلى أبي
فراس قصيدة منها:
ايا بدر السماء بلا محاق * ويا بحر السماح بغير شاطي
أأترك ان أبيت قرير عين * لقى بين الدساكر والبواطي
واخرج نحو رعبان كأني * بمنبج قد دعيت إلى سماط
أحاذر من دواه مؤبدات * هنالك ان يقعن على قماطي
واكتب ان كتبت إليك يوما * كتبت إليك من دار العلاطي (1)
الوحشة بين أبي فراس وسيف الدولة
لا يعرف بين أبي فراس وسيف الدولة شئ من الوحشة قبل أسر أبي
فراس في المرة الثانية بل سيف الدولة يعبر عنه بسيدي كما مر وهو الأمير
المربي لأبي فراس وأبو فراس يخاطبه خطاب التابع للمتبوع ويتواضع له غاية
التواضع كما مر ولا يوجد شئ يمكن ان يفهم منه حصول وحشة بينهما قبل
أسر أبي فراس للمرة الثانية الا ما مر عن اليتيمة من أنه كتب إلى سيف
الدولة يعاتبه بقوله من أبيات:
قد كنت عدتي التي أسطو بها * ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملته * والمرء يشرق بالزلال البارد
لكن جامع ديوان أبي فراس يقول كما مر ان ذلك القتال وقع بينه
وبين بني عمه وهو صبي ويظهر للمتأمل في مجاري الأحوال انه كان قد
حصل بينهما شئ من الوحشة بعد وقوع أبي فراس في الأسر ولم يشر أحد
من المؤرخين إلى ذلك صريحا ولكن يمكن فهمه ضمنا من بعض ما نقلوه
قال ابن خالويه تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس وهو في الأسر
وذلك أنه بلغه ان بعض الاسراء قال إن ثقل على الأمير هذا المال كاتبنا فيه
صاحب خراسان وغيره من الملوك وذلك انهم قرروا مع ملك الروم اطلاق
اسراء المسلمين بما يحملونه من المال فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول
لضمانه المال للروم وقال من أين يعرفه صاحب خراسان من القصيدة التي
أولها (أسيف الهدى وقريع العرب) وتأتي في الروميات. فالظاهر أن هذا هو
السبب في استيحاش سيف الدولة منه وتأخيره فداءه وهذا السبب كاف في
حصول الوحشة والنفرة ويدل عليه قول أبي فراس من قصيدة:
أمثلي تقبل الأقوال فيه * ومثلك يستمر عليه كذب
ولكن صاحب اليتيمة يقول إن أبا فراس كتب إلى سيف الدولة:
مفاداتي ان تعذرت عليك فائذن لي في مكاتبة أهل خراسان ومراسلتهم
ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فاجابه سيف الدولة بكلام خشن وقال ومن
يعرفك بخراسان فكتب اليه أبو فراس (أسيف الهدى وقريع العرب) الا ان
ابن خالويه اعرف باخبار الأميرين من الثعالبي لوجوده في بلاط سيف
الدولة ومزيد خلطته به وبأبي فراس ويمكن ان يكون أحد الوشاة أبلغ سيف
الدولة شيئا عن أبي فراس حقا أو باطلا والله أعلم.
والذي يدل على حصول شئ من الوحشة بينهما ان أبا فراس أسرته الروم
كما مر سنة 351 من منبج وحملته إلى القسطنطينية فبقي ماسورا فيها
أربع سنين وهو يخاطب سيف الدولة في أشعاره ويتوسل اليه في الفداء
ويرسل اليه القصيدة تلو القصيدة ويخاطبه في قصائده بما يلين الجلمود فلا
يرق له ولا يفديه. وتحضر أمه من منبج إلى حلب تتوسل اليه وتتضرع في
فداء ولدها فلا يبذله لها ولا يجيبها اليه ويردها خائبة فتموت وهو في الأسر
فيرثيها بمرثية تقطع القلوب ويرسل إلى ولدي سيف الدولة وهو خالهما
يتضرع اليهما بكلام يرقق قلوب الأجانب فضلا عن الأقارب ويسألهما ان
يسألا أباهما في فدائه فلم يجد ذلك ويستأذنه أبو فراس على رواية اليتيمة لما
طال عليه الامر في أن يراسل ملوك خراسان في فدائه فيقول سيف الدولة
ومن يعرفه في خراسان ويجيبه بجواب خشن ومن يعرفك بخراسان فهل كان
سيف الدولة عاجزا عن فدائه في كل هذه المدة وهو يقطعه منبج التي تغل
ألف دينار لبيت يقوله أو ان أبا فراس ليس اهلا لان يفدى. أو ان سيف
الدولة لا تعطفه عليه عاطفة رحم ولا غيره وهو ابن عمه وخال أولاده
وبمنزلة ولده وقائد جيوشه ومن أسر في سبيل تشييد ملكه والذب عن الوطن
والاسلام وهو يعبر عنه بالأمس بقوله سيدي. كل هذا يدلنا على أن في
الأمر شيئا. وكتب إلى سيف الدولة من الأسر:
أيا عاتبا لا احمل الدهر عتبه * علي ولا عندي لأنعمه جحد
سأسكت اجلالا لعلمك انني * إذا لم تكن خصمي لي الحجج اللد
فهل كان يا ترى ذلك العتب في بعض هذه الأمور وقصيدته البائية
المتقدمة التي أرسلها إلى سيف الدولة من الأسئار وقد بلغ أبا فراس عن
سيف الدولة ما أنكره مملوءة بالعتاب الدال على تهاون سيف الدولة بأمره
كقوله فيها:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه * ومن أين للحر الكريم صحاب
وما أدعي ما يعلم الله غيره * رحاب علي للعفاة رحاب
ولكن نبا منه بكفي صارم * واظلم في عيني منه شهاب
فإن لم يكن ود قديم نعده * ولا نسب دون الرجال قراب
فأحوط للاسلام ان لا تضيعني * ولي عنك فيه حوطة ومناب
أمن بعد بذل النفس فيما تريده * أثاب بمر العتب حين أثاب
وقال في بعض ما ارسله إلى سيف الدولة من الأسر:
وان أوجعتني من أعادي شيمة * لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا
تنكر سيف الدين لما عتبته * وعرض بي تحت الكلام وقرعا
وهو يقول في داليته التي قال جامع ديوانه انه يعرض فيها ببعض
أهله:
وهل نافعي ان عضني الدهر مفردا * إذا كان لي قوم طوال السواعد
وهل انا مسرور بقرب أقاربي * إذا كان لي منهم قلوب الأباعد
وفيما كتبه اليه من الأسر قوله:
لكن لم يتعين ان ذلك البعض هو سيف الدولة بل الظاهر أنه غيره.



(1) لعل دار العلاطي هي بأرض الروم فخاف ان يؤسر فيكتب اليه منها.
322
وعيش العالمين لديك سهل * وعيشي وحده بفناك صعب
وأنت أنت دافع كل خطب * مع الخطب الملم علي خطب
ويقول في أبياته التي أرسلها لغلاميه منصور وصاف من الأسر مخاطبا
سيف الدولة:
بلى ان لي سيدا * مواهبه أكثر
بذنبي أوردتني * ومن فضلك المصدر
فقد اعترف بذنب له اليه جازاه به وكتب اليه من الأسر أبياتا أولها:
جنى جان وأنت عليه جان * وعاد فعدت بالكرم الغزير
وآخرها:
ومثل أبي فراس من تجافى * له عن فعله مثل الأمير
فما هو الذنب وما هي هذه الجناية؟ ليس في يدنا من التواريخ ما
يفصلها ولا ما يدل على ذنب وجناية له غير قوله: مفاداتي ان تعذرت
عليك فائذن لي في مكاتبة أهل خراسان ليفادوني ان صح ان يسمى ذلك
ذنبا وجناية.
ومما يلفت النظر ان سيف الدولة كتب اليه يعتذر من تأخير امره
وبتشوقه وكأنه أراد أن يحفظ خط الرجعة فيؤخر فداءه ويعتذر اليه ولكن
هذا العذر بظاهر الحال غير مقبول فما كان سيف الدولة عاجزا عن تقديم
فدائه واي عذر له في تأخير امره ولذلك لم يقبل أبو فراس هذا العذر وكتب
اليه:
بالكره مني واختيارك * ان لا أكون خليف دارك
يا تاركي اني لشكرك * ما حييت لغير تارك
كن كيف شئت فإنني * ذاك المواسي والمشارك
والذي يغلب على الظن ان تأخير سيف الدولة مفاداة أبي فراس كان
لامر سياسي خطير هان معه أمر تأخير فدائه مع كونه من أهم المهمات
ولكن أبا فراس لضيق صدره من الأسر وطول مدته فيه كان يلح على سيف
الدولة في مفاداته وينسبه إلى التهاون في ذلك فان الحالة التي كان فيها أبو
فراس في اسره لا يمتنع معها ان يصدر منه العتب واللوم لسيف الدولة
ويظن ان ذلك لذنب نسبه سيف الدولة اليه مع كون سيف الدولة معذورا
في امره وربما دل على ذلك ما مر عن ابن خالويه ان سيف الدولة امتنع من
اخراج ابن أخت الملك الا بفداء عام وحمل أبو فراس إلى القسطنطينية فقال
قصيدة يعاتب بها سيف الدولة. فهذا يدل على أن تأخير الفداء كان لطلب
فداء عام نجهل تفصيله. كما نجهل تفصيل هذه الأمور من جميع نواحيها.
ويدل على ما قلناه ما في معجم البلدان من أن سيف الدولة جمع في سنة
355 الأموال وفدى اسرى المسلمين من الروم وكان فيهم أبو فراس بن
حمدان وغيره من أهله وأبى ان يفديهم ويترك غيرهم من المسلمين اه. لكن
الأمر الذي لا يخلو من استغراب ان سيف الدولة مات بعد خلاص أبي
فراس من الأسر بسنة فلم يرثه أبو فراس ولو رثاه لوجد ذلك في ديوانه فهل
يا ترى بقي اثر هذه الوحشة في نفس الأميرين أو أحدهما.
اخباره في الأسر
قال ابن خلكان قال ابن الحسن علي بن الزراد الديلمي: كانت
الروم قد أسرت أبا فراس في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي
نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة بلدة بالروم على الساحل ثم منها إلى
قسطنطينية وذلك في سنة 348 وفداه سيف الدولة في سنة 355 قال ابن
خلكان قلت هكذا قال وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط وقالوا أسر أبو فراس
مرتين فالمرة الأولى بمغارة الكحل سنة 348 وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة
ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها وفيها يقال إنه ركب فرسه وركضه
برجله فاهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات والله أعلم والمرة الثانية
اسره الروم على منبج في شوال سنة 351 وحملوه إلى قسطنطينية واقام في
الأسر أربع سنين وله في الأسر أشعار كثيرة اه. وقال ابن الأثير في الكامل
في حوادث سنة 351 فيها في شوال أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن
حمدان من منبج وكان متقلدا لها وقال في حوادث سنة 355 فيها تم الفداء
بين سيف الدولة والروم وتسلم سيف الدولة ابن عمه أبا فراس بن حمدان
وأبا الهيثم ابن القاضي أبي الحصين اه. فيكون أبو فراس أقام في الأسر في المرة الثانية أربع سنين اما في
المرة الأولى فلم تطل مدته وتخلص من
خرشنة. ويدل شعره الذي ارسله إلى سيف الدولة أول ما أسر انه لقي
الروم وهم ألف بسبعين من أصحابه لا يرتضيهم فاسر ويدل شعره في تلك
القصيدة وغيرها على أنه كان يمكنه الهرب أو الانحياز عن الروم فلم يفعل
كما مر تفصيله عند ذكر شخصيته، وبذلك صرح ابن خالويه فقال خرج
بردس البطريق وهو ابن أخت الملك في ألف فارس من الروم إلى نواحي
منبج وكانت اقطاعا لأبي فراس فصادف الأمير أبا فراس يتصيد في
سبعين فارسا فاراده أصحابه على الهزيمة فأبى وثبت حتى أثخن بالجراح
فاسر اه.
اشتد على أبي فراس ألمه من الأسر وضاقت به نفسه وحزن لذلك
فكانت دموعه تلك القوافي الخالدة التي تبكي المنشد وتشجي السامع والتي
هي غرة في جبين الشعر وقلادة في جيد الدهر. ومن الطبيعي ان يعرض
مثل ذلك لمثله فبينما هو أمير إذا هو أسير وبينما هو حاكم إذا به محكوم عليه
وزاد صدره حراجة ان البطارقة قيدوا بميافراقين فقيد هو بخرشنة وهو يسار
به إلى القسطنطينية أسيرا وكيف يطيق الليث ان يصفد ويحتمل ان يحبس
ويذل ويمتهن فلا بد له من أن يزأر ان لم يستطع الفتك بخصمه ولعمري
ليست نفس الأسد بأكبر من نفس أبي فراس ولا شمم الليث وآباؤه بأعظم
من شمم الحارث وآبائه وأبو فراس الحارث هو الليث أفعالا ونفسا واسما
وكنية وطال بأبي فراس أساره واعتل في أثناء ذلك حتى يئس من نفسه وإذا
كان في مثل هذه الحال فبمن يستنجد وممن يطلب الفداء وتفريج الكرب
ليس الا من أمير أسرته ومن يمت اليه بالقرابة القريبة وبالنصرة في الحروب
والمواساة في السراء والضراء وهو ابن عمه سيف الدولة أمير بني حمدان
فيكتب اليه أول ما أسر بقوله:
دعوتك للجفن القريح المسهد * لدي وللنوم القليل المشرد
ثم لا يلبث ان يستدرك بعد هذا البيت بلا فاصل فيبين ان ذلك
ليس لحب الحياة وخوف الموت بل ذلك لامر يعود إلى عزة النفس فيقول:
وما ذاك بخلا بالحياة وانها * لأول مبذول لأول مجتدي
ولكنني اختار موت بني أبي * على صهوات الخيل غير موسد



(1) هذا مستبعد بل ممتنع عادة فما الذي اصعد الفرس إلى أعلى الحصن والأسير لا يكون معه
فرس ليركبه والمشهور على الألسنة انه استعصى على الروم فرس فطلبوا اليه ان يروضه
ويمكن ان يكون ذلك في أسفل الحصن وهو مكشوف من جخة الفرات فأقحمه فيه والله أعلم
.
323
ويطلب من سيف الدولة ان يفديه لكن لا يطلب ذلك بذلة وضراعة
بل يطلبه بكل انفة وحمية فإنه أهل لأن يفدى وحق على سيف الدولة ان
يفديه وفداؤه يعود بالعز والفخر والنصر عليه وعلى بني حمدان فيقول:
فان تفتدوني تفتدوا لعلاكم * فتى غير مردود اللسان ولا اليد
يطاعن عن احسابكم بلسانه * ويضرب عنكم بالحسام المهند
وتثور بأبي فراس ثائرة الأسف من تحكم آسريه به فيقول فيما كتب به
إلى سيف الدولة
إلى الله أشكو اننا في منازل * تحكم في آسادهن كلاب
ويتأس لما فاته بسبب الأسر من أفعال الخير وبذل الجود ومقارعة
الفرسان فيقول:
تمر الليالي ليس للنفع موضع * لدي ولا للمعتفين جناب
ولا شد لي سرج على ظهر سابح * ولا ضربت لي بالعراء قباب
ولا برقت لي في اللقاء قواطع * ولا لمعت لي في الحروب حراب
وتشتد به العلة فيكتب إلى سيف الدولة من درب الروم وهو يسار به
أسيرا إلى القسطنطينية فيقول متحزنا متفجعا:
هل تعطفان على العليل * لا بالأسير ولا القتيل
باتت تقلبه الأكف * سحابة الليل الطويل
ثم تعود به عاطفة الكرم والشجاعة إلى أن يقول:
فقد الضيوف مكانه * وبكته أبناء السبيل
وتقطعت سمر الرماح * وأغمدت بيض النصول
ومر أبو فراس وهو أسير بالبلاد التي كان يحل فيها غازيا وهو أمير ومن
الطبيعي أن يتألم لذلك وهذه عادة الزمان في أهله فقال مشيرا إلى ذلك:
ان زرت خرشنة أسيرا * فلكم حللت بها مغيرا
ولقد رأيت النار تخترق * المنازل والقصورا
ولقد رأيت السبي يجلب * نحونا حوا وحورا
نختار منه الغادة * الحسناء والظبي الغريرا
ان طال ليلي في ذزاك * فقد نعمت به قصيرا
ولئن لقيت الحزن فيك * فكم لقيت بك السرورا
ولئن رميت بحادث * فلألفين له صبورا
من كان مثلي لم يبت * الا أميرا أو أسيرا
ليست تحل سراتنا * الا الصدور أو القبورا
قال ابن خالويه قال أبو فراس اخذته من كلام عمي الحسين بن
حمدان وقد بنى اخوه إبراهيم بن حمدان منزلا بخمسين ألف دينار فقال له
في بناء منزل تصرف خمسين ألف دينار لأنزلته ابدا ولا نزلت الا دار الامارة.
وكرر أبو فراس ذكر هذا المعنى فقال:
وانا أناس لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
قال ابن خالويه: بلغ أبا فراس ان الروم قالوا ما أسرنا أحدا ولم
نسلبه سلاحه غير أبي فراس وقولهم هذا مع أن فيه اظهار الميزة والاحترام
لأبي فراس لم ترض به نفسه وعده منة عليه ونفسه لا تقبل منة أحد فقال
من قصيدة:
يمنون ان خلوا ثيابي وانما * علي ثياب من دمائهم حمر
وقائم سيف فيهم دق نصله * واعقاب رمح فيهم حطم الصدر
ثم وصل أبو فراس إلى القسطنطينية وبعد وصوله ولقائه ملك الروم
قرر معه الفداء وكتب بذلك إلى سيف الدولة فتأخرت أجوبة كتبه فكتب
اليه أبو فراس يعتب عليه ويستبطئ امره فوجد سيف الدولة من ذلك
وقرعه في كتابه اليه والى غيره، وعند ذلك ضاقت بأبي فراس نفسه فهو
أسير بعيد عن وطنه وأهله وقد قرر امرا مع ملك يجله ويحترمه ويرى ان بيده
انفاذ ما قرره معه ثم يجد انه لم يقدر على انفاذه فما يكون موقفه مع ملك
الروم وبما ذا يعتذر اليه عن تأخير انفاذ ما قرره ثم يكتب إلى سيف الدولة
يعاتبه ويستبطؤه كما يعاتب ابن العم ابن عمه وكما يستبطؤ القائد رئيسه
ويطلب منه التعجيل ويتوقع الجواب بالايجاب ساعة فساعة وإذا بالجواب
يرد عليه بالتقريع فكم يكون ألمه عندئذ وزاد في ألمه الكتاب إلى غيره
بتقريعه وسواء أ كان تأخير انفاذ ذلك من سيف الدولة لامر سياسي
ومصلحة مهمة اقتضت التأخير أم لأمر آخر أوجب غضب سيف الدولة مما
فعله أبو فراس فذلك لا يدفع تألم أبي فراس الشديد مما حصل فكتب إلى
سيف الدولة قصيدة ملؤها التألم والحزن وغير خفي حراجة مثل هذا الموقف
على الشاعر فما في نفسه من الألم يبعثه على الشكوى الشديدة من سيف
الدولة وخوف ازدياد غضبه يحمله على لين القول وحسن الاعتذار فهو بين
داعيين يتجاذبانه ويقف حائرا إلى أيهما يميل يقول فيها مشيرا إلى سيف
الدولة والى ما مضى من أيام شبابه في خدمته:
وهبت شبابي والشباب مضنة * لابلج من أبناء عمي أروعا
أبيت معنى من مخافة عتبه * وأصبح محزونا وأمسي مروعا
ثم يبث ما يجده في نفسه من الحزن والألم فيقول:
أما ليلة تمضي ولا بعض ليلة
أسر بها هذا الفؤاد المفجعا
ثم يعرض بالشكاية من سيف الدولة بما يقرب من التصريح فيقول:
أما صاحب فرد يدوم وفاؤه * فيصفي لمن أصفى ويرعى لمن رعى
أفي كل دار لي صديق اوده * إذا ما تفرقنا حفظت وضيعا
أقمت بأرض الروم عامين لا أرى * من الناس محزونا ولا متصنعا
ثم يصرح فيقول:
تنكر سيف الدين لما عتبته * وعرض بي تحت الكلام وقرعا
ثم يعتذر ويتوسل فيحسن التوسل فيقول:
فقولا له من صادق الود انني * جعلتك مما رابني منك مفرغا
ويظهر ان من الناس من أوعز إلى سيف الدولة بالاستغناء عن أبي
فراس وانه يوجد من يقوم مقامه وانه استعاض عنه بغيره أو شئ مما هو من
هذا القبيل فقال يرد ذلك ويفنده:
لقد قنعوا بعدي عن القطر بالندى * ومن لم يجد الا القنوع تقنعا
وما مر انسان فاخلف مثله * ولكن يرجي الناس امرا مرقعا
فلا تغترر بالناس ما كل من ترى * أخوك إذا أوضعت في الأمر أوضعا
ولا تتقلد ما يروقك حليه * تقلد إذا حاربت ما كان أقطعا
ولا تقبلن القول من كل قائل * سأرضيك مرأى لست أرضيك مسمعا

324
ثم يذكر استبداله به ذكر الآسف المغبون الذي يبرز اسفه بعبارة
الدعاء واظهار الرضا التي ظاهرها ذلك وملؤها الأسف والوجد فيقول:
وان يستجد الناس بعدي فلا يزل * بذاك البديل المستجد ممتعا
ثم يبدي عذر سيف الدولة بكلام من لا يسعه الا ابداء العذر ونفسه
منطوية على خلاف ذلك فيقول:
فان يك بطء مرة فلطالما * تعجل نحوي بالجميل واسرعا
وان يجف في بعض الأمور فإنني * لأشكره النعمى التي كان أوزعا
ولما كان في أسر الروم امر الملك ان الاسرى يتزاورون يوم السبت
فقال أبو فراس:
جعلوا الالتقاء في كل سبت * فجعلناه للزيارة عيدا
وشركنا اليهود فيه فكدنا * رغبة ان نزيل عنه اليهودا
يرقبون المسيح فيه وما نر * قب الا أخا جليلا ودودا
لو قدرنا وعل ذاك قريب * ما عدمنا بالقرب عيدا جديدا
أراد بقوله وما نرقب الا أخا الخ أخاه أبا الفضل فإنه كان من جملة
الاسرى وفي نسخة مخطوطة من الديوان انه لم يتركه مع الاسرى اكراما له
اي أفرده بمكان وحده وكان أبا الفضل كان قد أبطأ عن زيارة أبي فراس
فكتب اليه أبو فراس يعاتبه ويذكر ان له مانعا من زيارته والا لما تركها
فقال:
أتترك اتيان الزيارة عامدا * وأنت عليها لو تشاء قدير
وعيشك لولا ما علمت لما ونت * إلى الدار مني روحة وبكور
فلم كان رأيي في لقائك نافذا * ورأيك فيه ونية وفتور
يضيق علي الحبس حتى تزورني * فما هو الا روضة وغدير
صبرت على هذي فما انا بعدها * على غيرها مما كرهت صبور
ولما حصل بالقسطنطينية أكرمه ملك الروم وبجله وعرف له حق
الفضل والامارة فافرده بدار واخدمه ولم يعامله معاملة باقي الاسرى وكذلك
أكابر دولته كانوا إذا رأوه أو مر عليهم قابلوه بالتعظيم فكفروا له اي تكتفوا
كما يفعلون مع عظمائهم وعرض عليه لذلك الفداء منفردا فلم يقبل حتى
فادى جميع اسرى المسلمين وضمن الفداء عنهم وجاء بهم معه. قال ابن
خالويه قال أبو فراس لما حصلت بالقسطنطينية أكرمني ملك الروم اكراما لم
يكرمه أسيرا من قبلي وذلك أن من رسومهم ان لا يركب أسير في المدينة دابة
قبل لقاه للملك وان يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس
ويسجد فيه ثلاث ساعات أو نحوها ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف
بالنوري فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي برطنان
يخدمانني وامر باكرامي ونقل إلي من أردته من أسارى المسلمين وبذل لي
المفاداة مفردا فكرهت بعد ما وهبه الله لي من العافية ورزقنيه من الكرامة
والجاه ان اختار نفسي على المسلمين وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم
يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم فكان في أيديهم فضلة ثلاثة
آلاف أسير ممن اخذ من الاعمال والعساكر أي انه في ذلك الوقت كان في
أسر الروم ثلاثة آلاف من المسلمين ولم يكن عند سيف الدولة أحد من
أسارى الروم لأنه لم يكن يستبقي أسارى الروم عنده بل إذا كان عند الروم
أسارى بعددهم فاداهم بهم والا اخذ الفداء وأطلقهم فلما أسر الروم هؤلاء
الثلاثة الآلاف لم يكن عند المسلمين مقابلهم قال أبو فراس فابتعتهم بمائتي
ألف دينار رومية وفي رواية عن ابن خالويه بمائتين وأربعين ألفا ومائتي دينار
رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضلة فضمنت المال والمسلمين
وخرجت بهم من القسطنطينية وتقدمت بوجوههم إلى خرشنة ولم يعقد قبلها
قط فداء مع أسير ولا هدنة فقال:
ولله عندي في الأسئار وغيره * مواهب لم يخصص بها أحد قبلي
حللت عقودا أعجز الناس حلها * وما زلت لا عقدي يذم ولا حلي
إذا عاينتني الروم كفر صيدها * كأنهم اسرى لدي وفي كبلي
وأوسع أياما حللت كرامة * كأني من أهلي نقلت إلى أهلي
فأبلغ بني عمي وقل لبني أبي * باني في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربي غير نشر محاسني * وان يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل
ويظهر من هذا الخبر انه عقد الهدنة والمفاداة بنفسه مع ملك الروم
وضمن له المال وجاء بالأسرى معه فهل كان ذلك يا ترى بأمر سيف الدولة
وبعلمه بعد ما استأذنه فاذن له في المفاداة وهل دفع المال سيف الدولة وأرسله
اليه أو رضي ملك الروم بضمانه وبقي في عهدته حتى رجع واخذه من
سيف الدولة وأرسله أو دفعه أبو فراس من ماله لم يصرح المؤرخون بشئ
من ذلك لكن ظاهر الحال يدل على أن الفداء بأمر سيف الدولة وباذنه وانه
هو الذي دفع المال معجلا أو مؤجلا ولو كان لأبي فراس مال لفدى نفسه
من أول الأمر وينبغي ان يكون ذلك بعد ما أبطأ عليه سيف الدولة بالجواب
ووقعت بينهما الوحشة كما مر ثم عاد فبذل الفداء ولم تطل مدة سيف الدولة
بعد هذا الفداء فتوفي بعده بسنة.
اخباره مع المتنبي
في اليتيمة كان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا
ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته وانما لم يمدحه ومدح من دونه من آل
حمدان تهيبا له واجلالا لا إغفالا واخلالا اه‍. (أقول) اما انه كان يشهد له
بالتقدم فربما يساعد عليه ما في الصبح المنبي من أن أحسن قصائد أبي
الطيب هو في سيف الدولة وتراجع شعره بعد مفارقته وسئل عن السبب في
ذلك فقال قد تجوزت في قولي وأعفيت طبعي واغتنمت الراحة منذ فارقت
آل حمدان وفيهم من يقول:
تسائلني من أنت وهي عليمة * وهل بفتى مثلي على حاله نكر
إلى نهاية عشرة أبيات من هذه القصيدة وفيهم من يقول:
صبور ولو لم تبق مني بقية * قؤول ولو أن السيوف جواب
إلى نهاية أربعة ابيات من هذه القصيدة يعني أبا فراس ولعل هذا كان
منه بعد مفارقة سيف الدولة حيث خفت دواعي الحسد والمزاحمة منه لأبي
فراس. واما انه كان لا يمدحه تهيبا واجلالا فغير صواب والعجب صدور
مثله من الثعالبي مع معرفته وفضله فانا لم نر ولم نسمع ان شاعرا ترك مدح
أحد تهيبا واجلالا والصواب انه تركه إغفالا واخلالا فإنه مما لا ريب فيه انه
كان بين المتنبي وأبي فراس منافسة ومباعدة ولا نستطيع ان نقول إن سببها
المتنبي وحده أو أبو فراس وحده أو هما لا نستطيع الجزم بشئ منها لكننا
نعلم أن المتنبي كان بجبلته متعاظما معجبا بنفسه يدلنا على ذلك تعاظمه عن
مدح الوزير المهلبي والصاحب بن عباد الذي بذل له مشاطرة ما يملك

325
وقصته مع الحاتمي مشهورة (1) وكان معجبا بشعره لا يرى لشاعر عليه
فضلا بل لا يرى أن أحدا يستطيع ان يجري معه في حلبة الشعر فهو يقول
بمسمع من أبي فراس:
خليلي ما لي لا أرى غير شاعر * فكم منهم الدعوى ومني القصائد
ويقول:
أفي كل يوم تحت ضبني (2) شويعر * ضعيف يقاويني قصير يطاول
ومن كانت هذه صفته وهذه حاله لا يمكن ان يرى لأبي فراس حقا
ولا يرعى له مكانة ولا يوفيه ما يستحقه من اجلال وتكريم. مع ما ينضاف
إلى ذلك من كون أبي فراس شاعرا مفلقا يزاحم المتنبي في المكانة عند سيف
الدولة وفي مدح سيف الدولة ووصف حروبه ووقائعه - وعدو المرء من يعمل
عمله - ومن كونه مقربا عند سيف الدولة بشعره الفائق وشجاعته وبطولته
وقيادته لجيوش سيف الدولة مع كونه ابن عمه وخال أولاده وكل ذلك مما
يبعث الحسد والكراهة لأبي فراس في نفس المتنبي ويؤدي إلى شئ من
التقصير في حقه وما كان في الجنان لا بد ان يظهر منه شئ على صفحات
الوجه واللسان وأبو فراس مع ما فيه من الامارة والبطولة والشجاعة وقيادة
الجيوش والقرب من سيف الدولة وهو في ريعان الشباب ولشعره المكانة
السامية في نفس سيف الدولة وشعراء عصره لم يكن مع اجتماع هذه الخلال
فيه ليحتمل من المتنبي تقصيرا في حقه واخلالا بمكانته رغما عما طبع عليه
من مكارم الأخلاق فلا جرم ان يقع في نفسه من النفرة من المتنبي والعداوة
أكثر مما وقع في نفس المتنبي منه ويؤدي ذلك إلى أن يذمه أبو فراس ويقع
فيه عند سيف الدولة ولا بد ان يبلغ ذلك المتنبي فيزيد ما في نفسه على أبي
فراس فمع كل هذه الأحوال كيف يمكن ان يمدحه المتنبي بل لو أمكنه
لجاهر بذمه. هذا هو السبب لعدم مدح المتنبي له مع مدحه من دونه من
بني حمدان الذين لم تكن فيهم هذه المزاحمة والمنافسة للمتنبي لا بالشاعرية
ولا بغيرها لا ما ذكره الثعالبي. ولو لم يرد في هذا السبب شئ من
المؤرخين لكفي فيه ما مر سواء أصح ما ذكره المؤرخون أم لم يصح فلسنا
بحاجة اليه والذي ذكرناه كاف في بيان السبب في عدم مدح المتنبي له. اما
الذي يدل على وقوع النفرة بينهما من كلام المؤرخين فهو ما ذكره صاحب
الصبح المنبي عن حيثية المتنبي قال: قال ابن الدهان في المآخذ الكندية
قال أبو فراس لسيف الدولة ان هذا المتشدق كثير الادلال عليك وأنت تعطيه
كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد ويمكن ان تفرق مائتي دينار على
عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره فتأثر سيف الدولة من هذا الكلام
وعمل فيه وكان المتنبي غائبا وبلغته القصة فدخل على سيف الدولة
وانشد:
ألا ما لسيف الدولة اليوم عاتبا * فداه الورى امضى السيوف مضاربا
إلى تمام ستة أبيات فاطرق سيف الدولة ولم ينظر اليه كعادته فخرج
المتنبي من عنده متغيرا وحضر أبو فراس وجماعة من الشعراء فبالغوا في
الوقيعة بحق المتنبي وانقطع أبو الطيب بعد ذلك ونظم القصيدة التي أولها:
واحر قلباه ممن قلبه شبم * ومن بجسمي وحالي عنده سقم
وأنشدها وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه بقوله:
ما لي اكتم حبا قد برى جسدي * وتدعي حب سيف الدولة الأمم
ان كان يجمعنا حب لغرته * فليت انا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة * وقد نظرت اليه والسيوف دم
فهم جماعة بقتله في حضرة سيف الدولة لشدة إدلاله واعراض سيف
الدولة عنه فلما وصل في انشاده إلى قوله:
يا اعدل الناس الا في معاملتي * فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
قال أبو فراس مسخت قول دعبل وأدعيته وهو:
ولست أرجو انتصافا منك ما ذرفت * عيني دموعا وأنت الخصم والحكم (3)
فقال المتنبي:
أعيذها نظرات منك صادقة * ان تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
فعلم أبو فراس انه يعنيه فقال ومن أنت يا دعي كندة حتى تأخذ
اعراض الأمير في مجلسه واستمر المتنبي في انشاده ولم يرد عليه إلى أن قال:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا * بأنني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي * وأسمعت كلماتي من به صمم
فزاد ذلك أبا فراس غيظا وقال له سرقت هذا من قول عمرو بن
مرة بن العبد:
أوضحت من طرق الآداب ما اشتكلت * دهرا وأظهرت أغرابا وابداعا
حتى فتحت باعجاز خصصت به * للعمي والصم أبصارا وأسماعا
ولما وصل إلى قوله:
الخيل والليل والبيداء تعرفني * والسيف والرمح والقرطاس والقلم
قال أبو فراس وماذا أبقيت للأمير إذا وصفت نفسك بالشجاعة
والفصاحة والرياسة والسماحة تمدح نفسك بما سرقته من كلام غيرك وتأخذ
جوائز الأمير أما سرقت هذا من قول الهيثم بن الأسود النخعي الكوفي
المعروف بابن عريان العثماني:
أعاذلتي كم مهمه قد قطعته * أليف وحوش ساكنا غير هائب
أنا ابن العلى والطعن والضرب والسري * وجرد المذاكي والقنا والقواضب
حليم وقوره في البلاد وهيبتي * لها في قلوب الناس بطش الكتائب
فقال المتنبي:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره * إذا استوت عنده الأنوار والظلم
فقال أبو فراس وهذا سرقته من قول معقل العجلي:
إذا لم أميز بين نور وظلمة * بعيني فالعينان زور وباطل
وغضب سيف الدولة من كثرة مناقشته في هذه القصيدة وكثرة دعاويه



(1) الحاتمي هو أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي (نسبة إلى أحد أجداده) الكاتب
اللغوي البغدادي مذكور في انساب السمعاني واليتيمة ومعجم الأدباء وتاريخ ابن خلكان
وغيرها بكل وصف جميل وملخص القصة كما حكاه الحاتمي ان المتنبي لما ورد مدينة السلام
منصرفا من مصر التحف رداء الكبر واذال ذيول التيه وصعر خده ونأى بجانبه ثم ذكر انه
ورد علنه فاما رآه المتنبي واقبل على قوم يقرأون عليه شعره ثم. بخه الحاتمي وانتقد عليه أشياء
في شعره لم يكن له عنها جواب وقد أوردنا القصة مفصلة في الجزء الثالث من كتابنا معادن
الجواهر ص 79 - 90.
(2) الضبن يقرب من الإبط.
(3) سيأتي ان هذا المعنى الذي قال أبو فراس ان المتنبي أخذه من دعبل عاد هو فنظمه
326
فيها فضربه بالدواة التي بين يديه فقال المتنبي في الحال:
ان كان سركم مقال حاسدنا * فما لجرح إذا أرضاكم ألم
فقال أبو فراس هذا اخذته من قول بشار:
إذا رضيتم بان نجفي وسركم * قول الوشاة فلا شكوى ولا ضجر
فلم يلتفت سيف الدولة إلى ما قال أبو فراس وأعجبه بيت المتنبي
ورضي عنه في الحال وقبل رأسه واجازه بألف دينار ثم بألف أخرى. فهذه
القصة تدلنا على ما كان يتداخل المتنبي من الكبرياء والتعاظم وما كان
يعتمده من الاستخفاف بحق أبي فراس وان هذا وأمثاله كان يصده عن
مدح أبي فراس لا ما قاله الثعالبي. كما أنه يدلنا على ما لأبي فراس من
الرواية الواسعة في الشعر.
اخباره مع بني ورقاء
في اليتيمة أبو محمد جعفر وأبو أحمد عبد الله أبناء ورقاء الشيباني من
رؤوساء عرب الشام وقوادها والمختصين بسيف الدولة وما منهما الا أديب
شاعر جواد ممدح وبينهما وبين أبي فراس مجاوبات.
قال ابن خالويه: لما سمع أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء
الشيباني ظفر سيف الدولة بقاتلي الصباح مولى عمارة الحرفي عامل سيف
الدولة على قنسرين وعفوه عنهم بتوسط أبي فراس قال قصيدة يهنئ بها
سيف الدولة بغزوته هذه ويفاخر مضر بأيام بكر وتغلب في الجاهلية
والاسلام أولها.
أرسما بسابروج (1) أبصرت عافيا * فاذكرك العهد الذي كنت ناسيا
ألا ليت شعري والحوادث جمة * وما كنت في دهري إلى الناس شاكيا
أمخترمي ريب المنون بحسرة * تبلغ نفسي من شجاها التراقيا
إلى الله أشكو ان في الصدر حاجة * تمر بها الأيام وهي كما هيا
ومنها في ذكر بني كعب وايحاشهم سيف الدولة حتى أضربهم:
وانهم لما استهاجوا صيالة * وما كان عن مستوجب البطش وانيا
كمن شب نارا في شعار ثيابه * وهيج ليثا للفريسة ضاريا
وهي طويلة جدا فلما سمع أبو فراس ما عمل فيها عمل قصيدة على
هذا الشرح يذكر فيها اسلافهم ومناقبهم في الاسلام دون الجاهلية ويرد على
أبي أحمد في افتخاره بأيامهم في الجاهلية وبأيام من بعد منهم في الاسلام
وتركه الفخر بمن قرب منهم في الاسلام وهي قصيدة تزيد على 240 بيتا
أولها:
لعل خيال العامرية زائر * فيسعد مهجور ويسعد هاجر
إلى أن يقول:
أيشغلكم وصف القديم ودونه * مفاخر فيها شاغل ومآثر
فقل لبني ورقاء ان شط منزل * فلا العهد منسي ولا الود داثر
وكيف يرث الحبل أو تضعف القوى * وقد قربت قربى وشدت أواصر
أبا احمد مهلا إذا الفرع لم يطب * فلا طبن يوم الافتخار العناصر
أتسمو بما شادت أوائل وائل * وقد غمرت تلك الأوالي الأواخر
وتطلب العز الذي هو غائب * وتترك العز الذي هو حاضر
وختمها بهذين البيتين:
يسر صديقي ان أكثر واصفي * عدوي وان ساءته تلك المفاخر
وهل تجحد الشمس المنيرة ضوءها * ويستر نور البدر والبدر ظاهر
قال ابن خالويه قال لي أبو فراس لما وصلت هذه القصيدة إلى أبي
احمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني ظن أني عرضت به في البيتين
اللذين ختمت بهما القصيدة فكتب إلي قصيدة تصرف فيها بالتشبيب يقول
فيها:
أشاقك بالخال (2) الديار الدواثر * روائح مجت آلها (3) وبواكر
عمرن بعمار من الإنس برهة * فهاهن صفر ليس فيهن صافر
أخلت بمغناها دمى وخرائد * وحلت بأقصاها مهى وجاذر
اهن عيون باللحاظ دوائر * على عاشقيها أم سيوف بواتر
ضعائف يقهرن الأشداء قدرة * عليهم وسلطان الصبابة قاهر
الا يا ابن عم يستزيد ابن عمه * رويدك اني لانبساطك شاكر
تصفحت ما أنفذته فوجدته * كما استودعت نظم العقود الجواهر
وذكرني روضا بكته سماؤه * فضاحكه مستأسد وهو زاهر
عرائس يجلوها عليك خدورها * ولكنما تلك الخدور دفاتر
فعدلا فان العدل في الحكم سيرة * بها سار في الناس الملوك الأساور
فكتب أبو فراس إلى أبي محمد جعفر بن محمد بن ورقاء وجعله حكما
بينه وبين عمه أبي أحمد عبد الله بن ورقاء وابتدأ فيها بالحماسة وهي في
الديوان المطبوع ناقصة فقال:
انا إذا اشتد الزما * ن وناب خطب وأدلهم
ألفيت حول بيوتنا * عدد الشجاعة والكرم
للقا العدا بيض السيوف * وللندى حمر النعم
هذا وهذا دأبنا * يودى دم ويراق دم
قل لابن ورقا جعفر * حتى يقول بما علم
اني وان شط المزار * ولم تكن داري أمم
أصبو إلى تلك الخلال * واصطفي تلك الشيم
وألوم عادية الفراق * وبين احشائي ألم
ولعل دهرا ينثني * ولعل شعبا يلتئم
هل أنت يوما منصفي * من ظلم عمك يا ابن عم
أبلغه عني ما أقول * فأنت من لا يتهم
اني رضيت وان كرهت * أبا محمد الحكم
فكتب أبو محمد جعفر بن محمد بن ورقاء مجيبا له:
أنتم كما قد قلت بل * أعلى وأشرف يا ابن عم
ولكم سوابق كل فخر * والسوابق من أمم
لم يعل منكم شاهق * فوق الشوامخ والقمم
الا ولاحقه يلوح * على ذراه كالعلم
ودعوت شيخك وابن * عمك جعفرا فيما أهم
من عدل قولك حين قلت * وجور ما قد قال عم



(1) سابروج بسين مهملة والف وباء موحدة وراء مشددة مضمومة وواو ساكنة وجيم موضع
بنواحي بغداد.
(2) الخال اسم مكان.
(3) الآل السراب
327
فقضى عليه وقد قضى * في الحق لما ان حكم
ان الذي ابدى الفخار * لسادة ملكوا الأمم
في دهرهم وزمانهم * ولهم قديم في القدم
ليسوا كمن لم يبلغوا * العلياء الا بالرمم
هذا قضائي ان نحا * للحق عمي والتزم
أحسنت والله العظيم * نظام بيتك حين تم
فيما ذكرت به السيوف * وما ذكرت به النعم
حتى كان بنظمه * للحسن درا منتظم
وشكوت أشواقا إلي * تمس قلبك بالألم
أفديه قلبا عاليا * فوق الفضائل والهمم
قد فاض فيضا بالسماح * وقد تدفق بالكرم
فسيول جدواه تدفقها * الشهامة عن ضرم
وقد انبرى لي منعما * يا طيب ذلك في النعم
وأزل لي من بره * أزكى وأطيب ما قسم
فلأشكرن صنيعه * حتى تغيبني الرجم
وارسل أبو فراس إلى أبي محمد جعفر وأبي أحمد عبد الله ابني ورقاء بقوله
من قصيدة:
اتاني من بني ورقاء قول * ألذ جنى من الماء القراح
وأطيب من نسيم الروض حفت * به اللذات من روح وراح
تبكي في نواحيه الغوادي * بأدمعها فتبتسم الأقاحي
عتابك يا ابن عم بغير جرم * أشد علي من وخز الرماح
وما ارضى انتصافا من سواكم * وأغضي منك عن ظم صراح
أظنا ان بعض الظن اثم * أمزحا رب جد من مزاح
أريتك يا ابن عم باي عذر * عدوت عن الصواب وأنت لاحي
أأجعل في الأوائل من نزار * كفعلك أم بأسرتنا افتتاحي
أمن كعب نشا بحر العطايا * وأكرم مستغاث مستراح
وصاحب كل عضب مستبيح * أعاديه ومال مستباح
وهذا السيل من تلك الغوادي * وهذي السحب من تلك الرياح
وكيف أعيب مدح شموس قومي * ومن أضحى امتداحهم امتداحي
ولو شئت الجواب أجبت لكن * خفضت لكم على علم جناحي
ولست وان صبرت على الاسايا * الاحي أسرتي وبهم الاحي
ولو اني اقترحت على زماني * لكنتم يا بني ورقا اقتراحي
فاجابه أبو أحمد بقوله من قصيدة:
أصاح قلبه أم غير صاحي * وقد عنت لنا عفر البطاح
ظباء الوحش تحكي ماثلات * ظباء الإنس بالصور الملاح
يدرن مراض أجفان صحاح * فيا عجبي من المرضى الصحاح
وما زالت عيون العين فينا * تؤثر فوق تأثير السلاح
أمطلعة الهلال على قضيب * ومسدلة الظلام على الصباح
عدتني عن زيارتك العوادي * ودهر للأكارم ذو اطراح
امدره (1) تغلب لسنا وعلما * ومصقع نطقها عند التلاحي
لقد أوتيت علما واطلاعا * بآداب وألفاظ فصاح
لمقولك المضاء إذا انتضاه * القصيد على المهندة الصفاح
وقال أبو فراس في بني ورقاء من قصيدة يذكر فيها وده لهم وقوة
اتصاله بهم ويفضلهم على سواه:
يا قوم اني امرؤ كتوم * تصحبني مقلة نموم
نديمي النجم طول ليلي * حتى إذا غارت النجوم
أسلمني الصبح للرزايا * فلا حبيب ولا نديم
برملتي عالج رسوم * يطول من دونها الرسيم
أنخت فيهن يعملات * ما عهد ارقالها ذميم
اجدبها قطع كل واد * اخصبه نبته العميم
تلك سجايا من الليالي * للبؤس ما يخلق النعيم
بين ضلوعي هوى مقيم * لآل ورقاء لا يريم
يغير الدهر كل شئ * وهو صحيح لهم سليم
امنع من رامه سواهم * منه كما يمنع الحريم
ونحن من عصبة وأهل * يضم أغصاننا أروم
وهل يساويهم قريب * أم هل يدانيهم حميم
لم تتفرق لنا خؤول * في العز منا ولا عموم
سمت بنا وائل وفازت * بالعز أخوالنا تميم
ودادهم خالص صحيح * وعهدهم ثابت مقيم
ذاك لنا منهم حديث * وهو لأجدادنا قديم
ندني بني عمنا الينا * فضلا كما يفعل الكريم
أيد لهم عند كل خطب * يثني بها الحادث الجسيم
والسن دونهم حداد * لد إذا قامت الخصوم
لم تنأ عنا لهم قلوب * وان نأت منهم جسوم
فلا عدمنا لهم ثناء * كأنه اللؤلؤ النظيم
لقد نمتنا لهم أصول * ما مس اعراقهن لوم
نبقى ويبقون في نعيم * ما بقي الركن والحطيم
حياته السياسية
كان عصر الحمدانيين عصرا قد انقسمت فيه المملكة الاسلامية
المترامية الأطراف إلى ممالك وامارات جلها غير عربية فكانت خراسان وما
والاها بيد السامانيين وما وراء النهر بيد الغزنويين وكلتا الدولتين غير عربية
وبغداد وفارس بيد البويهيين وهم من الفرس والخلافة العباسية في بغداد لا
حول لها ولا طول وانما لها الخطبة والمشاركة في السكة في البلاد الاسلامية.
والشام ومصر بيد الاخشيديين وهم أتراك وشمال إفريقيا بيد الفاطميين
والأندلس بيد الأمويين فأنشأ الحمدانيون مملكة اسلامية عربية في الموصل
وديار بكر وديار ربيعة والجزيرة وحلب والعواصم إلى منتهى البحر المتوسط
شمالا والى مملكة الروم وقاعدتها القسطنطينية شرقا والى فلسطين ودمشق
غربا فردوا غارات الروم وأغاروا على بلادهم وفتحوا كثيرا منها والروم يومئذ
في قوتهم وقهروا القرامطة والخوارج الشراة كهارون الشاري وغيرهم
وتسلطوا على الأكراد وأخضعوهم واخضعوا قبائل العرب المنتشرة في الجزيرة
وبادية الشام صاحبة العدد الكثير والقوة وأدخلوها في طاعتهم وحاربوا
الأخشيديين في الشام واخذوا منهم دمشق ثم عادوا إليها بمخامرة أهلها
وكانت هذه المملكة منقسمة بين ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان
وأخيه سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان وكان لناصر الدولة الموصل



(1) المدره بالميم المكسورة والدال المهملة الساكنة والراء المفتوحة والهاء السيد الشريف والمقدم
في اللسان واليد عند الخصومة والقتال.
328
والجزيرة ولسيف الدولة حلب والعواصم وما إليها وكان ناصر الدولة لا يخلو
من منازعة البويهيين له وسيف الدولة يحارب الروم غالبا وسيد بني حمدان
ورئيسهم سيف الدولة ووزيره وقائده الأول ومحل اعتماده في الحروب وقيادة
الجيوش وحماية المملكة أبو فراس لم يكن سيف الدولة وأبو فراس طالبي
ملك صرف وامارة محضة بل كان لهما باعث ديني وغيرة وطنية يبعثهما على
حماية المملكة وحفظها فسيف الدولة يجمع من غبار غزواته للروم التي كان
يقصد منها رد عاديتهم عن بلاده لبنة ويوصي ان توضع تحت رأسه في قبره
وأبو فراس يقول لسيف الدولة:
فأحوط للاسلام ان لا يضيعني * ولي عنك فيه حوطة ومناب
وان رجلا كسيف الدولة وابن عمه أبي فراس يستطيعان انشاء دولة
قوية عربية اسلامية نمت في ظلها العلوم العربية والاسلامية والأدب العربي
نموا فائقا في عصر تفككت فيه عرى الاسلام والعروبة وفي بقعة محاطة
بالروم من جهة وبالأخشيديين والبويهيين الأقوياء من جهات أخرى
ومشحونة في داخلها بدعايات القرامطة والخوارج وفتنهم وبغزوات الأكراد
والقبائل العربية وفسادهم لرجلان فريدان عظيمان خلد التاريخ ذكرهما في
صفحاته بالعز والفخر.
ومما يلفت النظر ان جميع ملوك الاسلام كانوا في ذلك الوقت
مشغولين بلذاتهم أو بالحروب بينهم. وبنو حمدان وحدهم هم الحامون
للثغور والواقفون في وجه الروم يصدونهم عن غزو بلاد الاسلام ولم يجسر
الأجنبي على اقتحام تلك الثغور الا بعد انقضاء دولتهم والى ذلك يشير
بعض شعراء ذلك العصر بقوله يمدح سيف الدولة وأبا فراس:
طلعت لهم فوق الدروب سحابة * تهمي بصوبي عثير وقتام
والمسلمون بمعزل منهم سوى * من أفردوه لنصرة الاسلام
وأبو فراس في الهياج أمامه * مثل الحسام بدا امام حسام
عصره العلمي والأدبي
كان أبو فراس في عصر ملئ بأعاظم العلماء ومشاهير الكتاب وأكابر
الشعراء وكانت حضرة سيف الدولة التي نشا فيها أبو فراس وتربى وترعرع
تعج بالمشاهير الفحول من هؤلاء فمن الشعراء المتنبي والسري بن أحمد
الرفا الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد النامي والزاهي علي بن إسحاق
البغدادي والناشي الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف والخالديان أبو بكر
وأبو عثمان. وأبو الفرج الببغا عبد الواحد بن نصر الشامي. وأبو نصر بن
نباتة التميمي من شعراء العراق والوأواء الدمشقي وأبو بكر الخوارزمي وأبو
الحسن علي بن محمد الشمشماطي والقاضي الجرجاني أبو الحسن علي بن
عبد العزيز. وأبو القاسم الشيظمي وأبو الحسن محمد بن سامي الشعباني
المعروف بالمغنم المصري وأبو محمد الفياضي الكاتب وأبو إسحاق الصابي
وسلامة بن الحسين الموصلي. والقاضي أبي الحصين علي بن عبد العزيز
الرقي وغيرهم ذكر أكثرهم ابن النديم في الفهرست والثعالبي في اليتيمة
وقال الثعالبي يقال إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع
بباب سيف الدولة من شيوخ الشعر ونجوم الدهر. ومن العلماء الفارابي
وابن خالويه النحوي الأديب اللغوي وأبو الفرج الأصبهاني وغيرهم فنشأ
أبو فراس في هذا المجتمع الأدبي العلمي فاقتبس من نوره. واستضاء بهديه
وصحب ابن خالويه وتلمذ عليه واستفاد منه ولا شك في أن للصحبة
والعشرة اثرها في مثل ذلك لا سيما إذا انضاف إليها فكر وقاد وفهم حاذق
ونفس شديدة الانطباع كفكر أبي فراس وفهمه ونفسه فلا جرم ان نشا أبو
فراس بهذه المنزلة المتميزة في الشعر والأدب والعلم والمعرفة.
أدبه وشعره وأسلوبه
أبو فراس شاعر مفلق من فحول الشعراء المتميزين وكاتب بليغ احرز
قصب السبق في ميدان الأدب بشعره ونثره وان كان المأثور عنه من النثر
شيئا يسيرا وهو شاعر وجداني قوي العاطفة رقيق الاحساس فياض الشعور
غزير المواهب مصقول الألفاظ بديع المعاني سابق في الإجادة تهتز بشعره
النفوس وتفيض من جوانبه الرقة والانسجام وتعلوه الفخامة والمتانة. وهو
طويل النفس وقصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه تزيد على 240 بيتا
كلها في غاية المتانة والقوة والانسجام لم يزدها طولها الا حسنا وقوة ومتانة مع أنه
استوفى فيها ذكر عشيرته ومفاخرهم وأيامهم فاشتمل بسبب ذلك أكثرها
على القصص التي تحتاج الإجادة في نظمها إلى قوة شعرية قوية ومادة
غزيرة.
وفي اليتيمة: شعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة
والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف
وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله الا في شعر عبد الله بن المعتز وأبو
فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام وكان الصاحب يقول
بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس اه‍.
وأنت إذا تأملت شعره في جميع الفنون في جزالته ومتانته وعذوبته
وسلاسته وانسجامه وأخذه بمجامع القلوب وجمعه لأنواع المحاسن التي
تطلب من الشعراء علمت أنه ليس في شئ من المبالغة اقترانه إلى ملك
الشعراء امرئ القيس بل من يفضله على المتنبي ليس مبالغا فان المتنبي وان
ساواه أو فضله في ابعاض من شعر المتنبي الا انه لا يكاد يساويه في مجموع
شعريهما فإنك لا تكاد تجد في شعر أبي فراس ما يعاب أو ينتقد بل جله أو
كله مهذب مصفى في غاية الانسجام والبلاغة والرقة والمتانة سلم من
السقطات مع ما في شعر المتنبي من السقطات الكثيرة وحسب أبي فراس
قول سيف الدولة الشاعر الملك لما طلب إجازة بيت قاله ليس لها الا سيدي
كما مر.
وشعر أبي فراس صور صادقة لشخصيته. وقد كان في شخصيته القوة
والصفاء والوضوح وهي كذلك ظاهرة في شعره، وكما كانت شخصية أبي
فراس تتدفق بالحيوية كذلك شعره يفيض بالرجولة والحياة، وقد مر بنا ان
حياة أبي فراس كانت مجالا ممتازا لتحقيق أغراضه ومطامح نفسه لذلك بعد
شعره كل البعد عن أن يحمل صورا من التشاؤم والنقمة كالذي نراه في
شعر المتنبي، وانما كانت صوره الشعرية مشرقة نابضة بالحياة والفتوة. واما
أسلوبه فعنصر متمم لشعره الذي يمثل شخصيته، هو أسلوبه في الحياة:
سهولة ومتانة ورقة، ينسجم مع معانيه وأغراضه الشعرية لفظا وتركيبا
انسجاما جميلا رائعا.
وقد ابان أبو فراس رأيه في الشعر وأشار إلى ميزة في شعره هي انه
مقصور على الفخر ومدح عشيرته ومقطعات تحلى بها كتبه ورسائله خال من
المديح و الهجاء والمجون في أبياته التي افتتح بها ابن خالويه ديوانه الذي جمعه
حيث يقول:
الشعر ديوان العرب * ابدا وعنوان الأدب

329
لم أعد فيه مفاخري * ومديح آبائي النجب
ومقطعات ربما * حليت منهن الكتب
لا في المديح ولا الهجاء * ولا المجون ولا اللعب
ومن البديهي ان لا يعدو أبو فراس وهو الشاعر المطبوع في شعره
مفاخره ومديح آبائه وتلك المقطعات التي حلى بها كتبه ورسائله لأن المديح
الذي كان شائعا في ذلك العصر لم يكن يمت إلى شعور صادق وانما كان من
اجل حاجات خاصة تحمل الشعراء على اصطناع شعور مزيف ولولا تلك
الحاجات لما وجدوا دافعا نفسيا لمدح من مدحوا اما أبو فراس فقد كان غنيا
عن أن يقضي حاجة من مال أو جاه بالشعر. لذلك يقول الشعر للشعر
مدحا وغيره وكذلك ترفعه عن الهجاء كان طبيعيا لأن الطبقة التي كانت
تتهاجى من الشعراء والتي كانت تهجو من منعها سيبه من الملوك والامراء
كان أبو فراس بعيدا عنها ولم يكن له بينها قرين تدعو المنافسة بينهما إلى
التهاجي وانما كان أقرانه من النبلاء الامراء الذين عرفت ولم يكن يرجو
سيب أحد ليهجوه إذا منعه بل كان يرى نفسه أعلى وارفع من أن يهجو
أحدا. وهو نفسه لم يكن يرضى ان يحشر في زمرة الشعراء، لما اخذت
الأذهان في ذلك العصر عنهم من اخلاق لا ترضاها النفوس الكبيرة فهم
مداحون اليوم لمن هجوه بالأمس وهجاؤون غدا لمن مدحوه اليوم في سبيل
الدرهم والدينار إلى غير ذلك من الاخلاق التي نعرفها اليوم من اخبار
أكثرهم وأشعارهم قال:
فحم الغبي وقلت غير ملجلج * اني لمشتاق إلى العلياء
وصناعتي ضرب السيوف وانني * متعرض في الشعر بالشعراء
وقال:
نطقت بفضلي وامتدحت عشيرتي * فما انا مداح ولا انا شاعر
والحقيقة انه كان هو وحده الشاعر الذي يحق له ان يفخر بشعره
ويتباهى بشاعريته إذا غض غيره من الشعراء من ابصارهم الا نادرا منهم
وكذلك خلو شعره من المجون واللعب كان امرا بديهيا وقد عرفت من
أخلاقه ورجولته ما عرفت. وحسب الشعر العربي بل القومية العربية من أبي
فراس تلك الاغراض التي ذكرها في أبياته المتقدمة والتي قصر عليها شعره
ففيها المجال كل المجال لاظهار شاعريته الفياضة. وفيها دروس العزة
والرجولة والقومية لمن يريدون حياة عزيزة وكرامة موفورة.
وقد نظم أبو فراس في جل أبواب الشعر وأنواعه المتعارفة ومقاصد
الشعراء وتصرف في مناحي الشعر ما شاء فجاء في جميعها بالمعاني البديعة في
التراكيب البليغة وجاء في جميع ذلك سابقا مجليا.
نظم في الغزل والنسيب فكان غزله ونسيبه يكاد يسيل رقة مع
احتشام ومحافظة على الأدب. ونظم في المديح فلم يتعد مدح قومه وعشيرته
وخاصة ابن عمه الأمير سيف الدولة ومدح أهل البيت النبوي وما تضمنته
مراسلة اخوانه وأصدقائه فجاء مدحه مع تفوقه في صياغته ومعانيه الجليلة
بعيدا عن الدعاوى الباطلة والمبالغات الشائنة مخلدا بخلود الدهر.
لقد أحسنت حياة أبي فراس إلى الأدب العربي أيما احسان لأنه وهو
الأمير المبجل والفارس المقدم والابي المترفع قد بعد عن أن يلتجئ إلى
المدائح الكاذبة المصطنعة الشعور فكان مديحه صادقا لا يقوله الا بدافع
الشعور الصادق الصميم لأنه لم تلجئه حاجة إلى اصطناع شعور مزيف
كالتي ألجأت المتنبي إلى مدح كافور. ومدائح أبي فراس تكاد تكون وحدها
في الأدب العربي شعرا صحيحا لأنها قيلت لوجه الشعور الصادق والوداد
الحق. فكل مدائحه في ذلك لأهل البيت النبوي وفي آل حمدان ومراسلة
اخوانه. اما مدائحه في أهل البيت عليهم السلام فإنها تشعر بولاء صادق
وعصبية شديدة و ايمان راسخ تجلت فيها عقيدته الدينية واضحة راسخة واما
مدائحه في آل حمدان فمصدرها الفخر والاعتزاز وأكثرها في سيف الدولة
وقد علمت اي صلة من نسب و أدب ومكانة كانت تجمع بينهما. فما كان
ليمجد اعمال سيف الدولة ويفخر بها الا لأن مجده هو مجده وفخره هو فخره
كما قال:
ولو لم يكن فخري وفخرك واحدا * لما سار عني بالمدائح سائر
وما كان ليتواضع في مدحه له ويضع نفسه في منزلة التابع الأقل الا
لان سيف الدولة صاحب الفضل عليه في كفالته وتربيته له وتقديمه إياه
تقديرا لمزاياه فهو في هذا التواضع الشديد يساير خلقه العالي في الوفاء
وعرفان الجميل فلا تذلل ولا استكانة. ولهذا رأيناه في مواضع كثيرة عندما
كان الموقف يستلزم فخرا واستشهادا بحقائق. يخاطب سيف الدولة خطاب
الند للند. ولم يكن في ذلك مجترئا على مقام سيف الدولة ولا متعديا حدوده
واما مراسلته لاخوانه وأصدقائه فلا تنم الا عن حسن الوفاء وكرم
الاخلاق.
ونظم في الرثاء قليلا لم يعد به رثاء بعض أئمة أهل البيت ورثاء أمه
وبعض عشيرته فكان دافعه إلى ذلك عاطفة دينية أو رحم ماسة لا غرض
آخر من أغراض الدنيا التي يتوخاها الشعراء.
ونظم في الفخر والحماسة وذكر الحرب والتمدح بالشجاعة وأكثر
فكان الشاعر الوحيد الذي جمع إلى متانة الشعر وحصافته صدق الدعوى في
حماسته فلم يفخر الا بما فيه ولم يقل قولا لم يصدقه الفعل فهو إذا افتخر
بقومه وعشيرته وبحروبه وشجاعته وبحلمه وصفحه وكرمه وبذله وتحمسه لا
يفخر الا بما فيه ويقول قولا صادقا يطابق الفعل ولا يكون كأكثر الشعراء في
حماستهم وكثير من أقوالهم في أنهم يقولون ما لا يفعلون وان كان ربما تجاوز
في بعض ذلك كقوله:
إذا أمست نزار لنا عبيدا * فان الناس كلهم نزار
وقوله:
حمدان جدي خير من وطئ الحصى * وأبي سعيد في المكارم أوحد
ونظم في الاحتجاج والمناظرة فكان المتكلم الفريد الذي لا يفوقه
الكميت في شعره الكلامي ولا علماء الكلام والجدل فيما دونوه في كتبهم
الكلامية أبانت عن ذلك ميميته المشهورة المسماة بالشافية التي رد فيها على
محمد بن سكرة العباسي بأقوى رد وبرهان وأوضح حجة وبيان وشحنها
بالاحتجاجات والردود والإشارة إلى الوقائع وأطال فيها فكانت آية في
البلاغة والمتانة والرصانة مع أن ذلك كما مر تحتاج الإجادة فيه إلى قوة فائقة
والا غلبت على الشعر الركة. ونظم في الصفات فأبدع ومنظومته في وصف
الطرد والقنص مع طولها أجاد فيها وأبدع. ونظم في الزهد والمواعظ والحكم
فكان كأزهد زاهد وأكبر واعظ وأعظم حكيم وهو الفارس البطل الشجاع
الفاتك الذي تغلب على مثله قساوة القلب والبعد عن الزهد والمواعظ

330
والحكم. ونظم في المراسلات لاخوانه فكان عنوان الوفاء وطراز حفظ المودة
والإخاء. ونظم الروميات فكانت فريدة في بابها في رقتها وكشفها عن طبع
رقيق وعاطفة شديدة ونفس كبيرة وهمة عالية. ونظم في شكوى الزمان
وعتاب الاخوان والشوق إلى الأهل والأوطان فأبدع ولم يعد الحقيقة ونظم
في الإشارة إلى القصص والاخبار والتواريخ فكشف نظمه فيها عن خبرة
واسعة. وفي شعره الأمثال السائرة الكثيرة التي يتمثل بها الأدباء في محافلهم
والخطباء على منابرهم. ونظم في الالغاز وغير ذلك من فنون الشعر التي
تجدها فيما سنتلوه عليك من شعره وأجاد وبلغ الغاية في كل ما عاناه من
ضروب الشعر ولم تقتصر اجادته على ما مارسه أو اتصف به من وصف
الحروب والشجاعة والفخر. وقلما يوجد كتاب أدب أو تاريخ أو نحوها ليس
فيه استشهادات من شعره. نكتة طريفة
في اليتيمة: حكى بديع الزمان أبو الفضل الهمداني ان الصاحب أبا
القاسم قال يوما لجلسائه وانا فيهم وقد جرى ذكر أبي فراس: لا يقدر أحد
ان يزور على أبي فراس شعرا فقلت ومن يقدر على ذلك وهو الذي يقول:
رويدك لا تصل يدها بباعك * ولا تعز السباع إلى رباعك
ولا تعن العدو علي اني * يمين ان قطعت فمن ذراعك
فقال الصاحب: صدقت، قلت أيد الله مولانا قد فعلت!. قال
صاحب اليتيمة: ولعمري انه قد أحسن ولم يشق غبار أبي فراس اه‍.
ديوان شعره
وديوان شعره قد جمعه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خالويه
النحوي اللغوي وشرح الوقائع التي أشار إليها أبو فراس في شعره وذكر
جملة من اخباره، والموجود بأيدي الناس هو برواية ابن خالويه جمعه غير
مرتب على الحروف وقال في مقدمته بعد كلامه المتقدم في مدح أبي فراس:
وما زال رحمه الله تعالى ايجابا لحق الأدب في رعاية الصحابة والعلم باهل
المخالصة يلقي إلي دون الناس شعره ويحظر علي نشره حتى سبقتني به
الركبان فجمعت منه ما ألقاه إلي وشرحت من زبدة اخباره رضي الله عنه
والأيام المذكورة فيه ما أرجو ان يقرنه الله عز وجل بالصواب والرشاد بمنه
ولطفه وطوله وقوته وحوله اه‍.
وهذا الديوان طبع في بيروت لأول مرة سنة 1873 م وحذف منه
شروح ابن خالويه الا أقلها ونقص منه جملة من القصائد بتمامها ونقص من
القصائد المذكورة فيه عدة أبيات وكان مشحونا بالأغلاط لعدم معرفة
الواقفين على طبعه فجاء كثير من كلماته محرفا أو ناقصا أو غير ذلك من
الأغلاط. وهو بهذه الطبعة أول ديوان شعر قرأته وسني بين السبع والعشر و
علق بذهني منه شئ كثير لا أزال احفظه حتى اليوم وقد بلغت الثمانين
من أعوام عمري. ثم طبع للمرة الثانية في بيروت سنة 1910 م وغير ترتيبه
عما في الطبعة الأولى بالتقديم والتأخير وشاركت الطبعة الثانية الأولى في
نقصان القصائد والابيات وفي الأغلاط وزادت عليها في الغلط كثيرا وأفسده
طابعه زيادة على الغلط بما علقه عليه من الشروح التي لا يكاد يمت شئ
منها إلى صواب. فمن طريق ما جاء فيها نذكره تفكهة للمطالع ونموذجا
لتلك الشروح: ما ذكره في شرح قوله: (وخلى أمير المؤمنين عقيل)،
فقال: اي خلى أمير المؤمنين سيف الدولة قبيلة عقيل الذين قادهم ندى بن
جعفر. وفي شرح: (منكم علية أم منهم) ان علية اسم امام من كبار
المحدثين. وأدرج الأبيات الثلاثة التي قيلت في عبد الله بن طاهر وأولها (له
يوم بؤس فيه للناس أبؤس) في ضمن قصيدة لأبي فراس. إلى غير ذلك مما
يجده المطالع.
وكم كنت متألما ان لا يكون ديوان هذا الشاعر العربي العظيم الفذ
مطبوعا طبعا متقنا صحيحا كاملا فبحثت عن نسخه المخطوطة حتى وقع
بيدي بتوفيقه تعالى منها اربع نسخ منها نسختان رتبهما كاتبهما على حروف
المعجم والباقي غير مرتب واحداها ناقصة واشتركت ثلاث منها في ذكر
الوقائع التي ذكرها ابن خالويه في الشرح كما اشتركت في الغلط والتحريف
الذي يصعب معه معرفة الصواب الا انني استطعت بعد مزيد التأمل
والتعب الشديد ومقابلة النسخ بعضها ببعض ومراجعة الكتب ان استخرج
منها نسخة صحيحة كاملة مرتبة على حروف المعجم سالمة من الغلط
والتحريف الا في مواضع يسيرة بقيت مستغلقة وشرحت ما استغلق من
ألفاظه اللغوية وما أشير اليه من الحوادث والوقائع الا قليلا منها لم يتيسر لي
الاطلاع عليه كما انني عثرت أثناء بحثي وتنقيبي في كتب الأدب والتاريخ
وغيرها على شعر له غير يسير خلت عنه هذه النسخ الأربع
والنسخة المطبوعة فكانت هذه النسخة التي جمعتها نسخة فريدة في بابها خدمت بها
الأدب العربي وحاميت عن شعر هذا الشاعر العظيم ان تعبث به أيدي
التحريف والتصحيف والنقصان ومثلتها للطبع فكان مجموع أبيات النسخة
التي جمعتها (3430) بيتا أو أزيد بزيادة (1156) بيتا عن النسخة المطبوعة
البالغ عدد أبياتها 2274 بيتا وأرجو ان لا يكون فاتني شئ من شعره بعد
هذا التفتيش الطويل والتنقيب الكثير.
ومما يلاحظ في ديوان أبي فراس كثرة اختلاف نسخه كثرة مفرطة جدا
حسبما رأيناه في النسخ التي عثرنا عليها وفي كتب الأدب (أولا) في اللفظة
الواحدة أو الجملة الواحدة أو البيت الواحد فتجدها مغيرة بما يرادفها أو
يقارب معناها (ثانيا) في ترتيب الأبيات بالتقديم والتأخير (ثالثا) في القصائد
بالزيادة والنقصان (رابعا) في بعض القصائد المتحدة الوزن والقافية ففي
نسخة جعلت القصيدتان أو أكثر قصيدة واحدة وفي أخرى قصيدتين إلى
غير ذلك مما يتعسر حصره. ويمكن كون سبب ذلك أنه القى شعره إلى ابن
خالويه فجمعه ورتبه وغير بعض ألفاظه إلى ما رآه أحسن واسقط بعض
الأبيات التي لم يرتضها وغير ترتيب بعضها بعد ان رخص له أبو فراس في
جميع ذلك ويمكن ان يكون أبو فراس نفسه قد وقع منه هذا أو بعضه وكانت
هذه القصائد قد انتشرت ورواها الرواة على حالها الأول فوقع الاختلاف من
جراء ذلك ويمكن ان يكون وقع تغيير في الديوان من ابن خالويه أو من أبي
فراس بعد انتشار نسخة فقد كان أبو فراس في عصر قد راج فيه سوق
الشعر والأدب رواجا عظيما وكان لأبي فراس وعشيرته من الصيت ما يحمل
الكثيرين على نسخ ديوانه ورواية شعره. وربما يرشد إلى هذا قول ابن
خالويه السابق: ويحظر علي نشره حتى سبقتني به الركبان. ويمكن ان يكون
ما ألقاه أبو فراس إلى ابن خالويه من شعره قد نقص منه بعض القصائد أو
المقطعات التي ذهل عنها أبو فراس ورواها الرواة فألحقها الناس ببعض نسخ
الديوان وبقي البعض الآخر خاليا عنها اما جعل القصيدتين واحدة فمن
جهل الرواة.

331
وبعد فراغي من جمع ديوان أبي فراس وترجمته زارني الشاب النابة
الأديب الدكتور سامي الدهان الحلبي، واستعاره مني فبقي عنده أياما
واخبرني انه بذل جهودا عظيمة في جمع ديوان أبي فراس وشرح ابن خالويه
له فوقف على نحو خمسين نسخة منه في فرنسا وألمانيا وانكلترة والمدينة المنورة
ومصر واستانبول ودمشق وحلب وغيرها من العواصم والبلدان الأوروبية
والاسلامية وصرف في سبيل ذلك أموالا طائلة وأوقاتا نفيسة وعانى أسفارا
إلى هذه البلدان ومشقات في سبيل تحصيل نسخ الديوان حتى اخرج من
مجموعها نسخة كاملة صحيحة وجمع بين الألفاظ المتعددة نسخها وراجع
في أسماء الأماكن والأشخاص الرومية التي وجدت في شعره ولم تضبط في
الكتب العربية الأصول اليونانية وشرع في طبعه واراني مما طبعه 171
صفحة وهو جاد في اكمال طبعه فأعجبت بهمته وجهوده وشكرت له
صنيعه. وعلمت ان الله تعالى بعد مرور أكثر من ألف سنة من وفاة أبي
فراس شاء ان لا يبقى ديوان أبي فراس على ما كان عليه فسخرني و
سخر هذا الشاب النبيل لاحياء ديوان أبي فراس ونشره من رمسه. وقد كتب إلي
عن اعماله في جمع هذا الديوان ما صورته:
طفت عواصم أوروبا وحواضرها باحثا منقبا في مكتباتها عن
مخطوطات العصر الحمداني بصورة عامة ونسخ ديوان أبي فراس بصورة
خاصة فوفقت بعد سياحة ثلاث سنوات إلى اكتشاف نسخ من ديوانه لا
تعرف عنها فهارس المكتبات العامة الا انها مخطوطات عربية لشاعر مجهول.
وقد نوهت عن ذلك في احدى مجلات أوروبا وفي مؤتمر المستشرقين ببلجيكا
ولفت النظر إلى العناية بها والحفظ عليها وقد وقعت على نسخة (الأم) في
برلين فأخذت عنها الديوان رواية ابن خالويه، وقابلت عليها نسخ انكلترا
وإيطاليا وفرنسا وهولندا وهي مع نسخ ألمانيا تبلغ العشرين، وقد كاتبت
الأستاذ المستشرق الروسي كراتشكوفسكي في الحصول على نسخ ليننغراد
فتفضل علي بما طلبت واستجلبت نسختي فاس والرباط وزرت مصر
فوجدت في الأزهر وفي التيمورية ودار الكتب المصرية خمس عشرة نسخة
واكتشفت في الكنيسة المارونية بحلب نسخة ديوانه واما نسخ استانبول فقد
حصلت على ما أريد منها. ولقد ترجمت كتاب (دفورجاك) التشيكي عن أبي فراس في مقدمته
بطبعة يتيمة الدهر إلى الفرنسية وحصلت على أكثر من ستين مرجعا من
روسي وألماني وانكليزي وإيطالي وفرنسي وترجمتها إلى العربية جميعا.
وتفضلت علي الجمعيات العلمية في أوروبا بمخطوطات المستشرقين
الذين حاولوا طبع ديوان أبي فراس فحالت دون اتمامه المنية. كل ذلك إلى
مخطوطات تاريخية عن العصر الحمداني صورتها ونقلتها حتى تم لدي من
ذلك كله شبه تمام المعلومات التي تهم عصر الشاعر الخالد.
ولقد بلغ عدد نسخ الديوان الخمسين والمخطوطات التاريخية الثلاثين
و الدراسات والمصادر ما يقرب من المائة. هذا والله يعلم اني اعتقد بنقص
المصادر وفساد أكثر النسخ وقصور عملي هذا وفقري في العلم لا أدعي
الكمال وتمام المعرفة ولم اقصد الا نشر النسخ كما هي.
وقد قدمت بين يدي الطبعة بوصف النسخ بالفرنسية وتعداد
الدراسات عن الشاعر وقيمتها وتحليل ما في الديوان وقدمت الدراسة
الفرنسية هذه إلى (السوربون) فكلفت الأستاذ بلانشير مؤلف (المتنبئ)
ان ينقدها وكان من حظي ان اثنى عليها ووقعت من نفسه وفرح بصدورها
لأنها تفتح أمامه أفاقا جديدة للعصر الذي كرس له شبابه حين درس
المتنبئ اه‍.
مقتله
لم تطل مدة أبي فراس بعد خلاصة من الأسر بل بقي نحو سنتين
وقتل وقد ذكر أبو فراس في بعض قصائده ان موته سيكون قتلا فهو يقول:
وقد علمت أمي بان منيتي * بحد سنان أو بحد قضيب
كما علمت من قبل ان يغرق ابنها * بمهلكه في الماء أم شبيب
وقوله هذا اما من باب أقوال الشجعان انهم لا يموتون حتف الأنف
أو ان أمه رأت رؤيا علمت منها ذلك كالرؤيا التي رأتها أم شبيب. وكان
سيف الدولة قد مات بعد خلاص أبي فراس بنحو سنة واتفقت الروايات
على أن سبب قتله خلاف حصل بينه وبين أبي المعالي شريف بن سيف
الدولة خليفة أبيه واختلفت الروايات في أنه هل قتل في المعركة أو بعد
اختلاطه بالمستأمنة أو في الطريق بعد ما ضرب ضربات وأسر.
في اليتيمة: دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في رثائه على أنه
قتل في وقعة كانت بينه وبين بعض موالي أسرته اه‍. ورثاء الصابي له محض
وفاء وقضاء لحرمة المشاركة في الأدب.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 357: في هذه السنة في ربيع الآخر
قتل أبو فراس ابن أبي العلاء سعيد بن حمدان وسبب ذلك أنه كان مقيما
بحمص فجرى بينه وبين أبي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان وحشة فطلبه
أبو المعالي فانحاز أبو فراس إلى صدد وهي قرية في طرف البرية عند حمص
فجمع أبو المعالي الاعراب من بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه مع
قرعويه فأدركه بصدد فكبسوه فاستأمن جمع من أصحابه واختلط هو بمن
استأمن منهم فقال قرعويه لغلام له اقتله فقتله واخذ رأسه وتركت جثته في
البرية حتى دفنها بعض الاعراب، وأبو فراس هو خال أبي المعالي بن سيف
الدولة ولقد صدق من قال إن الملك عقيم اه‍.
وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: لما مات سيف الدولة
عزم أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف
الدولة وغلام أبيه قرعويه فانفذ اليه من قاتله فاخذ وقد ضرب ضربات
فمات في الطريق فقال قبل موته:
إذا لم يعنك الله فيما تريده * فليس لمخلوق اليه سبيل
وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وان عز أنصار وجل قبيل
وان هو لم يرشدك في كل مسلك * ضللت ولو أن السماك دليل
قال: وبلغني ان أبا فراس رضي الله عنه أصبح يوم مقتله حزينا
كئيبا وكان قلقا في تلك الليلة ورأته ابنته امرأة أبي العشائر وهو على تلك
الحال فأحزنها حزنا شديدا، ثم ركب وهي على تلك الحال فأنشأ يقول
ورجله في الركاب والخادم يضبط السير عليها وانما قال ذلك كالذي ينعي
نفسه وان لم يكن من قصده ذلك فقال رحمه الله:
أبنيتي لا تحزني * كل الأنام إلى ذهاب
أبنيتي صبرا جميلا * للجليل من المصاب

332
نوحي علي بحسرة * من خلف سترك والحجاب
قولي إذا ناديتني * فعييت عن رد الجواب
زين الشباب أبو فرا * س لم يمتع بالشباب
ثم سار فلقي قرعويه فكان من امره ما كان وهذا آخر ما قاله من
الشعر فيما بلغني فسبحان من لا يحول ولا يزول اه‍.
وفي نسمة السحر قيل إنه قتل في المعركة على باب حمص اه.
وقال ابن خلكان: رأيت في ديوانه انه لما حضرته الوفاة كان ينشد
مخاطبا ابنته وذكر الأبيات الخمسة المتقدمة، ثم قال: وهذا يدل على أنه لم
يقتل أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة اه‍. ولكن قد
سمعت فيما مر عن ابن خالويه انه أنشدها ورجله في الركاب يوم قتله قبل
ان يلقى قرعويه ثم قتل فما في الديوان ان صح يمكن ان يراد بقوله لما
حضرته الوفاة اي يوم قتل فلا منافاة. ثم قال ابن خلكان: ذكر ثابت بن
قرة الصابي في تاريخه قال: جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص
وبين أبي المعالي شريف بن سيف الدولة واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في
الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاء بعض
الاعراب فكفنه ودفنه. قال غيره: وكان أبو فراس خال أبي المعالي وقلعت
أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته وقيل إنها لطمت وجهها فقلعت عينها وقيل
لما قتله قرعويه لم يعلم به أبو المعالي فلما بلغه الخبر شق عليه اه‍. وسخينة
هي أم أبي المعالي أخت أبي فراس لا أم أبي فراس لأن أمه ماتت وهو في
أسر الروم. فقوله: وقلعت أمه عينها اي أم أبي المعالي.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر المطبوع ما لفظه: في سنة 350 قتل
أبو فراس قتله أبو قرعونة غلام سيف الدولة ولما بلغ قتله أمه قلعت عينها
وكان قتله عند ضيعة تعرف بصدد في حرب كانت بين شريف بن سيف
الدولة وبين أبي فراس اه‍. وفيه ثلاث مخالفات للمعروف في كتب التاريخ
(إحداها) تاريخ قتله سنة 350 وقد أجمعت كتب التاريخ انه سنة 357
(ثانيتها) تسمية غلام سيف الدولة أبو قرعونة والمذكور في اسمه قرعويه أو
فرغوية (ثالثتها) قوله ولما بلغ أمه الخ الدال على أنها أم أبي فراس مع أن أم
أبي فراس ماتت وهو في الأسر كما مر فالصواب انها أم أبي المعالي ولما كانت
النسخة المطبوعة فاشية الغلط لم يعلم أن ذلك من كلام ابن عساكر.
والصواب ان الذي قتله قرعويه وان أبا المعالي لم يعلم بقتله الا بعد
وقوعه.
وهؤلاء المماليك أمثال قرعويه لم تكن لهم نفوس شريفة تدعوهم إلى
العفو عند المقدرة وكانوا كثيرا ما يكفرون النعمة بعدما أجادوا الخدمة في
أول امرهم فيرغب فيهم مواليهم فإذا ترقت حالهم بطروا وربما فتكوا
بمواليهم. وقرعويه هذا عصى على أبي المعالي بعد سيف الدولة في خبر
معروف ثم سلط الله عليه مولى له فقبض عليه مع بكجور وحبسه في قلعة
حلب ست سنين ثم قتله أبو المعالي شريف بن سيف الدولة فجازاه الله
تعالى بمثل فعله.
ومن المؤسف ان يكون أبو فراس الأمير الشجاع الكبير النفس العالي
الهمة العربي الصميم يقتل بيد غلام مملوك لغلام مملوك وما أحسن وأصدق
قول المتنبي كما في اليتيمة:
فلا تنلك الليالي ان أيديها * إذا ضربن كسرن النبع بالغرب
ولا يعن عدوا أنت قاهره * فإنهن يصدن الصقر بالخرب (1)
ولله أمر هو بالغه. وأولى بان يستشهد لذلك بقول أبي فراس نفسه:
ذدت الأسود عن الفرائس * ثم تفرسني الضباع
وفي تاريخ أبي الفدا: وفي مقتله في صدد يقول بعضهم.
وعلمني الصد من بعده * عن النوم مصرعه في صدد
فسقيا لها إذ حوت شخصه * وبعد لها حيث فيها ابتعد
مختارات من شعره الغزل والنسيب
قال ولا توجد في الديوان المطبوع:
أيا من وجهه بدر * وفي الحاظه سحر
ويا من جسمه ماء * ويا من قلبه صخر
لقد قام لدى العاذل * من وجهك لي عذر
فكاشفتك عن وجدي * لما عزني الصبر
وما بحت بما ألقاه * حتى انهتك الستر
وقال:
لبسنا رداء الليل والليل راضع * إلى أن تردى رأسه بمشيب
وبتنا كغصني بانة عابثتهما * مع الصبح ريحا شمال وجنوب
بحال ترد الحاسدين بغيظهم * وتطرف عنا طرف كل رقيب
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه * مبادي نصول في عذار خضيب
فيا ليل قد فارقت غير مذمم * ويا صبح قد أقبلت غير حبيب
وقال ولا توجد في الديوان المطبوع:
تبسم إذ تبسم عن اقاح * واسفر حين أسفر عن صباح
واتحفني براح من رضاب * وراح من جنا خد وراح
فمن لألاء غرته صباحي * ومن صهباء ريقته اصطباحي
وله:
وظبي غرير في فؤادي كناسه * إذا اكتنست عين الفلاة وحورها
فمن خلقه أجيادها وعيونها * ومن خلقه عصيانها ونفورها
وله وليست في الديوان المطبوع:
وبيض بالحاظ العيون كأنما * هززن سيوفا واستللن محاجرا
تصدين لي يوما بمنعرج اللوى * فغادرن قلبي بالتصبر غادرا
سفرن بدورا وانتقبن أهلة * ومسن غصونا والتفتن جاذرا
وله:
مسئ محسن طورا وطورا * فما أدري عدوي أم حبيبي
يقلب مقلة ويدير لحظا * به عرف البرئ من المريب
وبعض الظالمين وان تناهى * شهي الظلم مغتفر الذنوب
وله:
الزمني ذنبا بلا ذنب * ولج في الهجران والعتب
أحاول الصبر على هجره * والصبر محظور على الصب



(1) الخرب ذكر الحباري وهو أيضا يضرب به المثل في البلاهة.
333
وأكتم الوجد وقد أصبحت * عيناي عينيه على قلبي
وقال من قصيدة:
عم صباحا وان غدوت خلاء * من ظباء فضحن فيك الظباء
كنت استصعب الجفاء فلما * بعدوا سهل البعاد الجفاء
كلما أبلت الديار الليالي * عاد ذاك البلى علي بلاء
وقال في غلام نبت عذاره:
قد كان بدر السماء حسنا * والناس في حبه سواء
فزاده ربه عذارا * تم به الحسن والبهاء
لا تعجبوا ربنا قدير * يزيد في الخلق ما يشاء
وقال من قصيدة:
انا في حالتي وصال وهجر * من اذى الحب في عذاب مذيب
بين قرب منغص بصدود * ووصال منغص برقيب
وله:
أساء فزادته الإساءة حظوة * حبيب على ما كان منه حبيب
يعد علي الواشيان ذنوبه * ومن أين للوجه الجميل ذنوب
ألا أيها الجاني ونسأله الرضا * ويا أيها المخطي ونحن نتوب
لحا الله من يرعاك في القرب وحده * ويترك عهد الغيب حين تغيب
وله وليسا في الديوان المطبوع:
وشادن قال لي لما رأى سقمي * وضعف جسمي والدمع الذي انسجما
اخذت دمعك من خدي وجسمك من خصري وسقمك من طرفي الذي انسقما
وقال وليسا في الديوان المطبوع:
أيا معافى من رسيس الهوى * يهنيك حال السالم الغانم
أعانك الله بخير أما * تكون لي عونا على ظالمي
وقال وليسا في الديوان المطبوع:
لما تبينت باني له * ازداد حبا كلما لاموا
وددت إذ ذاك بان الورى * فيك مدى الأيام لوام
وقال وليسا في الديوان المطبوع:
ودعوا خشية الرقيب بايماء * فودعت خشية اللوام
لم أبح بالوداع جهرا ولكن * كان جفني فمي ودمي كلامي
وقال:
من أين للرشا الغرير الأحور * في الخد مثل عذارك المتحدر
قمر كان بعارضيه كليهما * مسكا تساقط فوق ورد أحمر
وقال:
عدتني عن زيارته عواد * أقل مخوفها سمر الرماح
ولو اني أطعت رسيس شوقي * ركبت اليه أعناق الرياح
وقال:
قمر دون حسنه الأقمار * وكثيب من النقا مستعار
وغزال فيه نفار وما * ينكر من شيمة الظباء النفار
وقال:
اتتني منك اخبار * وبانت منك اسرار
من السلوة في عينيك * آيات وآثار
أراها منك بالقلب * وللاحشاء أبصار
إذا ما برد الحب * فما تسخنه النار
وقال:
وعارضني السحاب فقلت مهلا * فاني من دموعي في سحاب
وأنت إذا سكبت سكبت وقتا * ودمعي كل وقت في انسكاب
فهبك صدقت دمعك مثل دمعي * فهل بك في الجوانح مثل ما بي
وقال:
فديت من أصبح أحبابه * تخاف منه ما يخاف العدا
سبحان من حبب الحاظه * إلى محبيه وفيها الردى
وقال:
نبوة الادلال ليست * عندنا ذنبا يعد
قل لمن ليس له عهد * لنا عهد وعقد
جملة تغني عن التفصيل * مالي عنك بد
ان تغيرت فما غير * منا لك عهد
وقال:
أهدى إلي صبابة وكآبة * فأعادني كلف الفؤاد عميدا
ان الغزالة والغزالة أهدتا * وجها إليك إذا طلعت وجيدا
وقال:
ولقد علمت وما علمت * وان أقمت على صدوده
ان الغزالة والغزالة * في ثناياه وجيده
وقال:
يا معشر الناس هل لي * مما لقيت مجير
أصاب غرة قلبي * هذا الغزال الغرير
فعمر ليلي طويل * وعمر نومي قصير
أسرت مني فؤادي * يفديك ذاك الأسير
وقال:
ما ان تجدد لي يأس فيسليني * الا تجدد لي في وصله طمع
لا احمل اللوم فيه والغرام معا * ما كلف الله نفسا فوق ما تسع
وقال:
غلام فوق ما أصف * كان قوامه ألف
إذا ما ماس يرعبني * أخاف عليه ينقصف
سروري عنده طمع * ودهري كله أسف
وقال:
الحزن مجتمع والصبر مفترق * والحب مختلف عندي ومتفق
ولي إذا كل عين نام صاحبها * عين تحالف فيها الدمع والأرق
لولاك يا ظبية الإنس التي نظرت * لما وصلن إلى مكروهي الحدق
لكن نظرت وقد سار الخليط ضحى * بناظر كل حسن منه مسترق
وقال:
يا من رضيت بفرط ظلمه * ودخلت طوعا تحت حكمه

334
الله يعلم ما لقيت * من الهوى وكفى بعلمه
هب للمقر ذنوبه * واصفح له عن عظم جرمه
اني أعيذك ان تبوء * بقتله وبحمل اثمه
وقال:
هبه أساء كما ذكرت فهب له * وارحم تضرعه وذل مقامه
بالله ربك لم فتكت بصبره * ونصرت بالهجران جيش سقامه
فرقت بين جفونه ومنامه * وجمعت بين نحوله وعظامه
وقال:
لا غرو ان فتنتك * باللحظات فاترة الجفون
فمصارع العشاق ما * بين الفتور إلى الفتون
اصبر فمن سنن الهوى * صبر الظنين على الضنين (1)
وقال:
أشفقت من هجري فغابت * الظنون على اليقين
وظننت بي فضننت لي * والظن من شيم الضنين
وقال:
ما كنت تصبر بالقديم * فلم صبرت اليوم عنا
ولقد أسات بك الظنون * لأنه من ضن ظنا
وقال:
الورد ما ينبت خداه * والسحر ما تفعل عيناه
حل رداء الحسن في وجهه * تطريزه منه عذاراه
وقال:
قلبي يحن اليه * نعم ويحنو عليه
وما جنى أو تجنى * الا اعتذرت اليه
فكيف أملك قلبي * والقلب رهن لديه
وقال:
الورد في وجنتيه * والسحر من مقلتيه
وان عصاني لساني * فالقلب طوع يديه
وقال:
ولما أصبح الدمع * وقد باح بكتمان * وللناس على سري * من عيني عينان
تسامحت فلا اكتم * الا بعض أشجاني
وبالدارين انسان * له بالقلب داران
إذا ما ماس بالقرطق * يسعى بين اخدان
رأيت البدر قد بان * على غصن من البان
الا يا صاحبي رحلي * بالله أجيباني
ترى من لست أنساه * على الحالات ينساني
وهذا الذي قاله من أن عيني العاشق عينان عليه قد أولع به وكرره في
شعره فقال:
علي من عيني عينان * تبوح للناس بكتماني
وجهك والبدر إذا ابرزا * لا عين العالم بدران
وقال من قصيدة ليست في الديوان المطبوع وتأتي:
فعلام اكتم أو أسر صبابتي * وعلي من عيني لي عينان
وقال:
من لي بكتمان هوى شادن * عيني له عين على قلبي
عرضت صبري وسلوي له * فاستشهدا في طاعة الحب
وقال من ابيات مرت:
واكتم الوجد وقد أصبحت * عيناي عينيه على قلبي
وقال:
وإذا يئست من الدنو * رغبت في فرط البعاد
أرجو الشهادة في هوا * ك لان روحي في جهاد
وقال:
وكنى الرسول عن الجواب تظرفا * ولئن كنى فلقد علمنا ما عنى
قل يا رسول ولا تحاش فإنه * لا بد منه أساء بي أم أحسنا
الذنب لي فيما جناه لأنني * مكنته من مهجتي فتمكنا
وقال وفيه إشارة إلى علم النجوم:
وشادن من بني كسرى شغفت به * لو كان أنصفني في الحب ما جارا
كأنما الشمس لي في القوس نازلة * ان لم يزرني وفي الجوزاء ان زارا
وقال:
فوالله ما أحدثت في الحب سلوة * ووالله ما حدثت نفسي بالصبر
وانك في عيني لأبهى من الغنى * وانك في قلبي لأحلى من النصر
وقال:
صبرت على اختيارك واضطراري * وقل مع الهوى منك انتصاري
وكان يعاف حمل الضيم قلبي * فقر على تحمله قراري
وقال:
فديتك طال ظلمك واحتمالي * كما كثرت ذنوبك واعتذاري
وكم أبصرت من حسن ولكن * عليك لشقوتي وقع اختياري
وقال:
ولي في كل يوم منك عتب * أقوم به مقام الاعتذار
حملت هواك لا جلدا ولكن * صبرت على اختيارك واضطراري
الفخر والحماسة
وقد أكثر في شعره من الفخر والحماسة وذكر الحرب حتى أنه لشدة
ولوعه بذلك يمزجه بالغزل والنسيب وبكثير من فنون الشعر والشريف
الرضي في شعره هذه المزية فأبو فراس يقول وهو يتغزل:
اجملي يا أم عمرو * زادك الله جمالا
لا تبيعيني برخص * ان في مثلي يغالى
انا ان جدت بوصل * أحسن العالم حالا
قال ابن خالويه: كثرت وقائع سيف الدولة بالعرب في كل ارض
فتجمعت نزاريها ويمانيها وتشاكت ما لحقها وتراسلت واتفقت على
الاجتماع بسلمية لمقاتلته وقتلت عامله بقنسرين الصباح عبد عمارة الحارفي



(1) الأول المتهم والثاني البخيل.
335
فنهض سيف الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ
الندى بن جعفر ومحمد بن يزيع العقيليان، من آل المهنأ فهزمهم وقتل
وجوههم واتبع فلولهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش يتبعهم ويقتل
ويأسر فلم ينج منهم الا من سبق به فرسه واتبعهم سيف الدولة وأبو فراس
حتى ألحقوهم بالسماوة. وانكفأ سيف الدولة إلى بني نمير وهي بالجزيرة
فوجدها خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم وأحلهم
بالجزيرة فقال أبو فراس من قصيدة يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها
وكان قد حسن بلاؤه في تلك الوقعة. وهي من غرر شعره:
أبت عبراته الا انسكابا * ونار ضلوعه الا التهابا
ومن حق الطلول علي ان لا * أغب من الدموع لها سحابا
وما قصرت عن تسآل ربع * ولكني سألت فما اجابا
رأيت الشيب لاح فقلت اهلا * وودعت الغواية والشبابا
وما ان شبت من كبر ولكن * لقيت من الأحبة ما أشابا
بعثن من الهموم إلي ركبا * وصيرن الصدود له ركابا
ألم ترنا أعز الناس جارا * وأمنعهم وأمرعهم جنابا
لنا الجبل المطل على نزار * حللنا النجد منه والهضابا
يفضلنا الأنام ولا نحاشى * ونوصف بالجميل ولا نحابى
وقد علمت ربيعة بل نزار * بأنا الرأس والناس الذنابى
ولما ان طغت سفهاء كعب * فتحنا بيننا للحرب بابا
منحناها الحرائب (1) غير أنا * إذا جارت منحناها الحرابا
ولما ثار سيف الدين ثرنا * كما هيجت آسادا غضابا
أسنته إذا لاقى طعانا * صوارمه إذا لاقى ضرابا
دعانا والأسنة مشرعات * فكنا عند دعوته الجوابا
صنائع فاق صانعها ففاقت * وغرس طاب غارسه فطابا
وكنا كالسهام إذا أصابت * مراميها فراميها أصابا
عبرن بماسح والليل طفل * وجئن إلى سلمية حين شابا (2)
تناهبن الثناء بصبر يوم * به الأرواح تنتهب انتهابا
وقاد ندى بن جعفر من عقيل * شعوبا قد أسلن بها الشعابا
فما كانوا لنا الا أسارى * وما كانت لنا الا نهابا
كان ندى بن جعفر قاد منهم * هدايا لم يرع عنها ثوابا (3)
وشدوا رأيهم ببني (4) بزيع * فخابوا لا أبا لهم وخابا
فلما اشتدت الهيجاء كنا * أشد مخالبا واحد نابا
وامنع جانبا واعز جارا * وأوفى ذمة وأقل عابا
قرينا بالسماوة من عقيل * سباع الأرض والطير السغابا
وبالصباح والصباح عبد * قتلنا من لبابهم اللبابا
تركنا في بيوت بني المهنا * نوادب ينتحبن بها انتحابا
وابعدنا لسوء الفعل كعبا * وأدنينا لطاعتها كلابا
وسرنا بالخيول إلى نمير * تجاذبنا أعنتها جذابا
امام مشيع سمح بنفس * يعز على العشيرة ان يصابا
وما ضاقت مذاهبه ولكن * يهاب من الحمية ان يهابا
ويأمرنا فنكفيه الأعادي * همام لو يشأ لكفى ونابا
فلما أيقنوا ان لا غياث * دعوه للمغوثة فاستجابا
وعاد إلى الجميل لهم فعادوا * وقد مدوا لما يهوى الرقابا
امر عليهم خوفا وأمنا * أذاقهم به اريا وصابا
أحلهم الجزيرة بعد بأس * أخو حلم إذا ملك العقابا
ولو شئنا حميناها البوادي * كما تحمي اسود الغاب غابا
إذا ما انفذ الامراء جيشا * إلى الأعداء انفذنا كتابا
انا ابن الضاربين الهام قدما * إذا كره المحامون الضرابا
ألم تعلم ومثلك قال حقا * باني كنت أثقبها شهابا
وقال يفتخر من قصيدة:
أنخت وصاحباي بذي طلوح * طلائح شفها وخد القفار
ولا ماء سوى نطف الروايا * ولا زاد سوى القنص المثار
فلما لاح بعد الأين سلع * ذكرت منازلي وعرفت داري
ألم بنا وجنح الليل داج * خيال زار وهنا من نوار
أباخلة علي وأنت جار * وواصلة على بعد المزار
تلاعب بي على بزل المطايا * خلائق لا تقر على الصغار
ونفس دون مطلبها الثريا * وكف دونها فيض البحار
أرى نفسي تطالبني بأمر * قليل دون غايته اقتصاري
وما يغنيك من همم طوال * إذا اقترنت بأحوال قصار
علي لكل هم كل عنس * امون الرحل موخدة القفار
وخراج من الغمرات خرق * أبو شبلين محمي الذمار
شديد تحيف الأيام واف * على علاته عف الإزار
فلا نزلت بي الجيران ان لم * أجاورها مجاورة البحار
ولا صحبتني الفرسان ان لم * أصاحبها بمأمون الفرار
ولا خافتني الأملاك ان لم * أصبحها بملتف الغبار
بجيش لا يخل بهم مغير * ورأي لا يغبهم مغار
شددت على الحمامة كور رحل * بعيد حله دون اليسار
تحف بي الأسنة والعوالي * ومضمرة المهاري والمهار (5)
وتخفق حولي الرايات حمرا * وتتبعني الخضارم من نزار
عزيز حيث حط السير رحلي * تداريني الأنام ولا إداري
وأهلي من أنخت اليه عيسى * وداري حيث كنت من الديار
وقال يفتخر من قصيدة ولا توجد في الديوان المطبوع:
لقد نزحت بالغيد خوص الركائب * وقد غادرتني فرصة للنوائب
وما كنت أدري ما جناية بينهم * على القلب حتى جد سير الركائب
ومن كان مشغولا بود خريدة * وحث كؤوس أو وصال حبائب
فما لي الا البيض والبيض والقنا * وجرد كرام محضرات الجوانب
ولا انا وان عند مختلف القنا * ولا بجبان عند زحف الكتائب
وقد ألبستني كل حال لباسها * واحكمني طول السرى بالتجارب
وعرفني عرف الخطوب ونكرها * تصرف أيام أتت بالعجائب



(1) الحرائب جمع حربية. في الصحاح حربية الرجل ماله الذي يعيش به.
(2) (عبرن) الضمير راجع إلى الخيل المفهومة من سوق الكلام (وتل ماسح) قرية من نواحي
حلب (وسليمة) بليدة بناحية البرية من اعمال حماه.
(3) الهدايا جمع هدي وهو ما يساق لينحر بمكة أو بمنى (ولم يرغ) اي لم يطلب شبه قيادة رئيسهم
لهم إلى الحرب بقود الهدايا ولكن الهدايا يطلب بها. الثواب اما هؤلاء فلم يطلب قائدهم
عنهم ثوابا.
(4) بني تصغير ابن خففت الياء لضرورة الشعر هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها بابني وهو خطأ
لان الذي شدوا رأيهم به هو خحمد بن بزيع وهو واحد.
(5) المهاري جمع مهرية نوع من الإبل منسوبة إلى مهر بن حيدان بالفتح حي من العرب والمهار
جمع مهر وهو ولد الفرس.
336
ولو رضيت نفسي المقام لاقصرت * ولكنها معقودة بالكواكب
ولو أنها لانت لخفض معيشة * أطاعت مقالات الغواني الكواعب
ولكن نفسي لا تجيب إلى الرضا * بغير الرضا من عاليات المناصب
واني لمن قوم كرام أصولهم * بها ليل ابطال كرام المناسب
ولولا رسول الله كان اعتزاؤنا * لا شرف بيت من لؤي بن غالب
وقال يفتخر:
ومعود للكر في حمس الوغى * غادرته والفر من عاداته
حمل القناة على أغر سميذع * دخال ما بين الفتى وقناته
لا اطلب الرزق الدنئ مناله * قوت الهوان أقل من مقتاته
علقت بنات الدهر (1) تطلب ساحتي * لما فضلت بنية في حالاته
فالبيض ترميني ببيض رجالها * والدهر يطرقني بسود بناته (2)
وقال:
ألا ليت قومي والأماني كثيرة * شهودي والأرواح غير لوابث
غداة تناديني الفوارس والقنا * ترد إلى حد الظبا كل ناكث
أحارث ان لم تصدر الرمح قانيا * ولم تدفع الجلى فلست بحارث
وقال:
أحسن من قهوة معتقة * بكف ظبي مقرطق غنج
صوت قراع في وسط معمعة * قد صبغ الأرض من دم المهج
وقال:
اما الخليط فمتهم أو منجد * فاذرف فهل لك غير دمعك منجد
عرج على ربع بمنعرج اللوى * واسأله ما فعل الظباء الخرد
أيام يدعوني الهوى فأجيبه * ومغازلي فيها الغزال الأغيد
رحلوا فأخلق ربعهم وصبابتي * ابدا لأخلاق الربوع تجدد
من كل شمس في الخدور إذا بدت * كادت لها الشمس المنيرة تسجد
وتحالفاني حين زمت عيسهم * دمع يفيض وحسرة تتردد
يا عاذلي كف الملام فإنه * لا يستطاع على الفراق تجلد
وإذا الهموم تناصرت لم يفنها * الا العذافرة الأمون الجلعد
وأخو ملمات تسدد فعله * همم مثقفة وعزم محصد (3)
خرق إذا اقتحم الغبار رأيته * كالسيف الا انه لا يغمد
وكان أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني قال قصيدة يهنئ
بها سيف الدولة بظفره في بعض وقائعه ويفاخر فيها مضر ببكر وتغلب وذكر
أيامها في الجاهلية والاسلام فعمل أبو فراس قصيدة يذكر فيها آباءه وأسلافه
وأهله الأقربين في الاسلام ويرد على أبي احمد في افتخاره بآبائه وأسلافه
وأهله الأقربين في الاسلام وهي تزيد على 240 بيتا فانتخبنا شيئا منها في
الغزل ووصف الناقة والآداب والحكم والحماسة وغيرها قال:
لعل خيال العامرية زائر * فيسعد مهجور ويسعد هاجر
واني على طول الشماس عن الصبا * احن وتصبيني إليها الجاذر
وفي كلتي ذاك الخباء خريدة * لها من طعان الدارعين ستائر
تقول إذا ما جئتها متدرعا * أزائر شوق أنت أم أنت ثائر
تثنت فغصن ناعم أم شمائل * وولت فليل فاحم أم غدائر
وقد كنت لا ارضى من الوصل بالرضى * ليالي ما بيني وبينك عامر
فاما وقد طال الصدود فإنه * يقر بعيني الخيال المزاور
تنام فتاة الحي عني خلية * وقد كثرت حولي البواكي السواهر
وما هي الا نظرة ما احتسبتها * بعدان (4) صارت بي إليها المصاير
ظللت بها والركب والحي كله * حيارى إلى وجه به الحسن حائر
وما سفرت عن ريق الحسن انما * نممن على ما تحتهن المعاجر
ويا عفتي مالي وما لك كلما * هممت بأمر هم لي منك زاجر
فيا نفس ما لاقيت من ألم * الجوى ويا قلب ما جرت عليك النواظر
كان الحجى والصون والعقل والتقى * لدي لربات الحجال ضرائر
وهن وان جانبت ما يبتغيه * حبائب عندي منذ كن اثاير
وكم ليلة خضت الأسنة نحوها * وما هدأت عين ولا نام سامر
فلما خلونا يعلم الله وحده * لقد كرمت نجوى وعفت سرائر
وبت يظن الناس في ظنونهم * وثوبي مما يرجم الناس طاهر
ولا ريبة الا الحديث كأنه * جمان وهى أو لؤلؤ متناثر
وكم ليلة ماشيت بدر تمامها * إلى الصبح لم يشعر بأمري شاعر
أقول وقد ضج الحلي وأشرفت * - ولم أرو منها - للصباح بشائر
أيا رب حتى الحلي مما نخافه * وحتى بياض الصبح مما نحاذر
ولي فيك من فرط الصبابة آمر * ودونك من حسن التصون زاجر
وراءك عني انما عفة الفتى * إذا عف عن لذاته وهو قادر
نفى الهم عني همة عدوية * وقلب على ما شئت منه مؤازر
واسمر مما ينبت الخط ذابل * وابيض مما تطبع الهند باتر
وقلب تقر الحرب وهو محارب * وعزم يقيم الجسم وهو مسافر
ونفس لها في كل ارض لبانة * وفي كل حي أسرة ومعاشر
إذا لم أجد في كل ارض عشيرة * فان الكرام للكرام عشائر
ولاحقة الاطلين من نسل لاحق * أمينة ما نيطت عليه الحوافر (5)
من اللاء تأبى ان تعاند ربها * إذا حسرت عند المغار المآزر (6)
وخرقاء ورقاء بطئ كلالها * تكلف بي ما لا تطيق الأباعر (7)
غريرية صافت شقائق دابق * مدى قيظها حتى تصرم ناجر (8)
وحمضها الراعي بميثاء برهة * تناول من خضرافه وتغادر (9)
أقامت به شيبان ثمة ضمنت
بقية صفوان قراها المناضر (10)
وخوضها بطن السلوطح ريئما * أديرت بملحان الشهور الدوائر (11)
فجاء بكوماء إذا هي أقبلت * ظننت عليها رحلها وهي حاسر



(1) بنات الدهر مصائبه.
(2) اي بمصائبه.
(3) محصد أي محكم من قولهم حبل محصد اي مفتول محكم الفتل.
(4) عدان في معجم البلدان مدينة كانت علي الفرات لأخت الزباء.
(5) الإطلين تثنية إطل بالكسر وهي الهاصرة لاحقة الإطلين أي ضامرتهما ولاحق اسم فرس
ونيطت أي عقلت.
(6 (حسرت المازرة أي ألقيت وهي كناية عن الاشتداد الامر.
(7) الخرقاء من النوق التي لا تتعاهد مواضع قدائمها لنشاطها (والورقاء) التي في لونها بياض
إلى السواد.
(8) الغريرية بالغين المعجمة المضمومة منسوبة إلى غرير كزبير فحل من الإبل وصافت شقائق
دابق أقامت فيها الصيف ويمكن أن تكون ضافت بالضاد. (ودابق) بلدة بحلب (وناجر)
كل شهر من أشهر الصيف من النجر وهو الحر.
(9) حمضها أطعمها والحمض وهو كل نبت مالح (وميئاء) ناحية بالشام (والخضراف) نبت.
(10) شيبان أحد الشهرين اللذين هما أشد الشهور بردا سمي بذلك لابيضاض الأرض بما فيه
من الثلج (وصفوان) ثاني أيام البرد سمي بذلك لصفاء السماء فيه عن الغيم.
(11) السلوطح موضع بالجزيرة (وملحان) أحد الشهرين اللذين هما أشد الشهور بردا.
337
فيا بعد ما بين الكلال وبينها * ويا قرب ما يرجو عليها المسافر
دع الوطن المألوف رابك أهله * وعد عن الأهل الذين تكاشروا
فأهلك من اصفى وودك ما صفا * وان نزجت دار وقلت نواصر
تبوأت من قرمي معد كليهما * مكانا أراني كيف تبنى المفاخر
لئن كان أصلي من سعيد نجاره * ففرعي بسيف الدولة القرم ناضر
وما كان لولاه لينفع أول * إذا لم يزين أول المجد آخر
لعمرك ما الابصار تنفع أهلها * إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وهل ينفع الخطي غير مثقف * وتظهر الا بالصقال الجواهر
وكيف ينال المجد والجسم وادع * وكيف يحاز الحمد والوفر وافر
أناضل عن أحساب قومي بفضله * وأفخر حتى لا أرى من يفاخر
علي لابكار الكلام وعونه * مفاخر تفنيه وتبقى مفاخر
انا الحارث المختار من نسل حارث * إذا لم يسد في القوم الا الأخاير
فان تمض أشياخي فلم يمض مجدها * ولا دثرت تلك العلا والمآثر
نشيد كما شادوا ونبني كما بنوا * لنا شرف ماض وآخر غابر
وفينا لدين الله عز ومنعة * ومنا لدين الله سيف وناصر (1)
إذا ذكرت يوما غطاريف وائل * فنحن أعاليها ونحن الجماهر
وقال:
سلي عني سراة بني معد * ببالس عند مشتجر العوالي
لقيناهم بأسياف قصار * كفين مؤونة الأسل الطوال
وعادوا سامعين لنا فعدنا * إلى المعهود من شرف الفعال
ونحن متى رضينا بعد سخط * اسونا ما جرحنا بالنوال
وقال:
لنا بيت على عنق الثريا * بعيد مذاهب الاطناب سامي
تظلله الفوارس بالعوالي * وتفرشه الولائد بالطعام
وقال:
بأطراف المثقفة العوالي * تفردنا بأوساط المعالي
وما تحلو مجاني العز يوما * إذا لم تجنها سمر العوالي
ممالكنا مكاسبنا إذا ما * توارثها رجال عن رجال
وقال من قصيدة:
وما كل طلاب من الناس بالغ * ولا كل سيار إلى المجد واصل
وما المرء الا حيث يجعل نفسه * واني لها فوق السماكين جاعل
وللوفر متلاف وللحمد جامع * وللشر تراك وللخير فاعل
وقال:
إذا مررت بواد جاش غاربه * فاعقل قلوصك وانزل ذاك وادينا
وان عبرت بناد لا تطيف به * أهل السفاهة فاجلس فهو نادينا
تجفل الشول بعد الخمس صادية * إذا سمعن على الأمواه حادينا
ويصبح الضيف أولانا بمنزلنا * نرضى بذاك ويمضي حكمه فينا
وقال:
اطرح الامر الينا * واحمل الكل علينا
اننا قوم إذا ما * صعب الامر كفينا
وإذا ما ريم منا * موضع الذل أبينا
وإذا ما هدم العز * بنو العز بنينا
وقال وقد أوقع ببني كلاب:
أبلغ بني حمدان في بلدانها * كهولها والغر من شبانها
يوم طردت الخيل عن اظعانها * وسقت من قيس ومن جيرانها
ذوي علاها وذوي طعانها * حتى إذا قل غنى شجعانها
طاردني عنها وعن إتيانها * حرائر رغبت في صيانها
استعمل الشدة في أوانها * وأغفر الزلة في ابانها
وقال من ابيات:
سلي عني نساء بني معد * يقلن بما رأين وما سمعنه
ألست أمدهم لذرى ظلال * وأوسعهم لدى الأضياف جفنه
وأثبتهم لدى الحدثان جاشا * وأسرعهم إلى الفرسان طعنه
متى ما يدن من اجل كتابي * أمت بين الأسنة والأعنة
وقال:
لقد علمت سراة الحي انا * لنا الجبل الممنع جانباه
يفئ الراغبون إلى ذراه * ويأوي الخائفون إلى حماه
وقال وقد أوقع ببني كلاب واسر مصعبا الطائي وسألته أم بسام
فصفح عن الأموال من أبيات:
جار نزعناه قسرا في بيوتكم * والخيل تعصب فرسانا بفرسان
بالمرج إذ أم بسام تناشدني * بنات عمك يا حار بن حمدان
فظلت اثني صدور الخيل ساهمة * بكل مضطغن بالحقد ملآن
ونحن قوم إذا عدنا بسيئة * على العشيرة عقبنا باحسان
قال ابن خالويه: غزا الأمير سيف الدولة في سنة 339 وأوغل في بلد
الروم وفتح صارخة واحرقها وهي مدينة بالروم بينها وبين القسطنطينية
سبعة أيام وأوقع بالدمستق فهزمه واسر عدة من البطارقة وغيرهم وعاد
ظافرا غانما فتبعه العدو فاخذ عليه الدرب فتخلى عن بعض السواد وقتل
البطارقة وعاد فقال أبو فراس يصف الغزوة ويفتخر ويذكر غزواته بالروم
من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:
لا عز الا بالحسام المخذم * وضراب كل مدجج مستلئم
وقراع كل كتيبة بكتيبة * ولقاء كل عرمرم بعرمرم
ولقد رضعت من الزمان لبانه * وعرفت كل معوج ومقوم
وقطعت كل تنوفة لم يلقها * قدم ولم تقرع بباطن منسم
وأهنت نفسي للرماح وانه * من لم يهن بين القنا لم يكرم
ورأيت عمري لا يزيد تأخري * فيه ولا يفنيه فضل تقدمي
ولقومي الشرف المنيع محله * فوق المجرة والسماك المرزم
ورثوا الرياسة كابرا عن كابر * من عهد عاد في الزمان وجرهم
ظفروا بها بالسيف أول مرة * وبقاؤها بالسيف أصبح فيهم
نحن البحار بل البحار مياهها * ملح وموردنا لذيذ المطعم
لما برزنا للدمستق مرة * ورأى بوادر خيلنا كالأسهم
طلب النجاة بنفسه فتحكمت * في جيشه الأسياف اي تحكم
ما كان بعض قلوبنا في جسمه * فيكون أثبت من هضاب يلملم
لولا الجواد الأدهم الناجي به * أضحت قوائم رجله في الأدهم



(1) أراد بهما ابني عمه سيف الدولة واخاه ناصر الدولة. - المؤلف -
338
ولئن نجا فرجاله وحماته * ما بين مصفود وبين مكلم
لبسوا الحديد بزعمهم وبودهم * ان لم يكن ذاك الحلي عليهم
سل أهل خرشنة تجبك نساؤهم * كم ثاكل منها وكم من أيم
عهدي بها والنار في جنباتها * وكأنها صدر المشوق المغرم
كم ذات حجل ما رآها الناس قد * برزت لأعينهم بانف مرغم
ويقول فيها في مدح سيف الدولة:
يا ابن الذوائب من نزار والأولى * شادوا بيوت مناقب لم تهدم
عز الأنام وأنت تعلم أنه * ما ان ينال العز من لم يعزم
وازرت صارخة (1) الخيول فيالها * من زورة طلعت بطير اشأم
أحرقت أهليها بها فتركتهم * في جمرها المتلهب المتضرم
فكأنما عجلت ما قد أوعدوا * يوم القيامة من عذاب جهنم
وملكت حصن عيون جيحان وقد * أعيا الورى في دهره المتقدم
فكأنما امتدت يمينك صاعدا * في الجو حتى حزت بعض الأنجم
حتى إذا ما آب جيشك قافلا * ضل الدليل عن الطريق الأقوم (2)
فتطرقوا بعض السواد تلصصا * والليل يسترهم بثوب مظلم
ما قابلوك ولو رأوك تجاههم * أشبعت منهم كل نسر قشعهم
والعود احمد والليالي بيننا * وغدا نروح معقبين إليهم
يا سيف سيف الدولة الماضي إذا * نبت السيوف وخان كل مصمم
ارم الكتائب بي فإنك عالم * اني أخو الهيجاء غير مذمم
وعلي ان القى الفوارس معلما * وعلو جدك عدتي وعرمرمي
انا سيفك الماضي وليس بقاطع * سيف إذا ما لم يشد بمعصم
ويقول فيها في أسر داود بن عمار بن داود بن حمدان:
قل لابن عمار بن داود (3) وما * قول العليم كقول من لم يعلم أن
بت ترسف في الحديد فطالما * أمسيت توضع بالحديد إلى الكمي
ولئن أصبت لقد أصبت من العدى * عدد الحصى وعفوت عفو المنعم
قالوا الفداء ولا فداء بيننا * الا بحكم المشرفي المخذم
هيهات لا صلح وقد بقيت لنا * بيض رقيقات الظبي لم تثلم
عزما بنا ان الحسام لكافل * بنفوسهم وشبا الأصم اللهذم
صبرا أبا العباس انا معشر * صبر على صرف الزمان المجرم
يا سيف دين الله غير مدافع * أغضب لدين الله ربك واعزم
فإذا سلمت فكل شئ سالم * وإذا بقيت فإننا في أنعم
أعطيت من غنم الغنيمة غنمه * وجعلت مالك مال من لم يغنم
وقال مفتخرا من قصيدة:
وقوفك في الديار عليك عار * وقد رد الشباب المستعار
أبعد الأربعين محرمات * تماد في الصبابة واغترار
وطال الليل بي ولرب دهر * نعمت به لياليه قصار
وقال الغانيات سلا غلاما * فكيف به وقد شاب العذار
وكم من ليلة لم أرو منها * حننت لها وارقني ادكار
قضاني الدين ماطله ووافى * إلي بها الفؤاد المستطار
إلى أن رق ثوب الليل عنا * وقالت قم فقد برد السوار
وولت تسرق اللحظات نحوي * بملتفت كما التفت الصوار (4)
وقد عاديت ضوء الصبح حتى * لطرفي عن مطالعه ازورار
ومضطغن يراود في عيبا * سيلقاه إذا سكنت وبار (5)
إذا ما العز أصبح في مكان * سموت له وان بعد المزار
مقامي حيث لا أهوى قليل * ونومي عند من اقلي غرار
أبت لي همتي وغرار سيفي * وعزمي والمطية والقفار
ونفس لا تجاورها الدنايا * وعرض لا يرف عليه عار
وقوم مثل من صحبوا كرام * وخيل مثل من حملت خيار
وخيل خف جانبها فلما * ذكرنا بينها نسي الفرار
وكم ملك نزعنا الملك عنه * وجبار بها دمه جبار
فقد أصبحن والدنيا جميعا * لنا دار ومن تحويه جار
إذا أمست نزار لنا عبيدا * فان الناس كلهم نزار
وقال من قصيدة:
نعم تلك بين الواديين الخواتل * وذلك شاء دونهن وجامل (6)
فما كنت إذ بانوا بنفسك فاعلا * فدونكه ان الخليط لزائل
كان ابنة القيسي في أخواتها * خذول تراعيها الظباء الخواذل (7)
قشيرية (8) قترية (9) بدوية * لها بين أثناء الضلوع منازل
هوانا غريب شزب الخيل والقنا * لنا كتب والباترات رسائل
أغرن على قلبي بخيل من الهوى * فطارد عنهن الغزال المغازل
باسهم لفظ لم تركب نصالها * وأسياف لحظ ما جلتها الصياقل
وقائع قتلى الحب فيها كثيرة * ولم يشتهر سيف ولا هز ذابل
أراميتي كل السهام مصيبة * وأنت لي الرامي فكلي مقاتل
واني لمقدام وعندك هائب * وفي الحي سحبان وعندك بأقل
يضل علي القول إن زرت دارها * ويعزب عني وجه ما انا فاعل
وحجتها العليا على كل حالة * فباطلها حق وحقي باطل
تطالبني بيض الصوارم والقنا * بما وعدت جدي في المخايل
ولا ذنب لي ان الفؤاد لصارم * وان الحسام المشرفي لفاصل
وان الحصان الوالقي (10) لضامر * وان الأصم السمهري لعاسل
ولكن دهرا دافعتني خطوبه * كما دفع الدين الغريم المماطل
واخلاف أيام إذا ما انتجعتها * حلبت بكيات وهن حوافل (11)
ولو نيلت الدنيا بفضل منحتها * فضائل تحويها وتبقى فضائل
ولكنها الأيام تجري كما جرت * فيسفل أعلاها وتعلو الأسافل



(1) صارخة مدينة بالروم بينها وبين القسطنطينية سبعة أيام.
(2) يشير بهذا البيت والابيات الثلاثة بعده إلى ما حصل لجيش سيف الدولة وهو عائد من غزو
الروم من أن دليله ضل الطريق فدخل في مضق صعب واغتنمت الروم فرصة غيابه فعاثوا
في بعض السواد.
(3) الذي ظهر لنا ان ابن عمار هذا اسمه داود بن حمدان كما أوضحناه عند
ذكر الروميات عند قوله:
أوما كشفت عن ابن داود * ثقيلات الكبول
(4) الصوار ككتاب وغراب القطيع من بقر الوحش.
(5) وبار بفتح الواو ارض بين اليمن ورمال يبرين وهي ارض عاد لا يسكنها أحد.
(6) الخواتل جمع خاتله من الختل وهو الخدع (والشاء) الشياة الكثيرة (والجامل) القطيع من
الجمال.
(7) الخذول الظبية تخلفت عن صواحبها وانفردت.
(8) قشيرية منسوبة إلى قثيرة كجهينة أبو قبيلة.
(10) الوالقي فرس لخزاعة.
(11) الاخلاف جمع خلف بالكسر وهو حلمة الضرع (والبكيات) الفليلة اللبن (والحوافل)
الملأى من اللبن.
339
لقد قل ان تلقى من الناس مجملا * وأخشى قريبا ان يقل المجامل
ولست بجهم الوجه في وجه صاحبي * ولا قائل للضيف هل أنت راحل
ولكن قراه ما تشهى ورفده * ولو سأل الاعمار ما هو سائل
ينال اختيار الصفح عن كل مذنب * له عندنا ما لا تنال الوسائل
لنا عقب الامر الذي في صدوره * تطاول أعناق العدى والكواهل
أصاغرنا في المكرمات أكابر * وآخرنا في المأثرات أوائل
إذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا * وان قلت قولا لم أجد من يقاول
وقال من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:
البين بين ما يجن جناني * والبعد جدد بعدكم أحزاني
وبلى الرسوم الدارسات بذي الغضا * أغرى بي الكمد الذي أبلاني
قل للديار بجانب الصمان * بلسان دمع لا بلفظ لسان
آسي بان أبكيت عيني لا بكت * عين عليك بغير دمع قاني
ولئن جزعت فلست أول جازع * لما فنيت وكل شئ فان
أو ما رأيت غداة محنية اللوى * ما بي من البرحاء والأشجان
ألوي اللوى بجميل صبري في اللوى * ودعا حنيني أبرق الحنان
ولقد سألت الربع عن سكانه * لو كان يخبرني عن السكان
وسؤال ما لا يستطيع جوابه * لمسائل ضرب من الهذيان
ما بحت بالكتمان حتى عزني * فيض الدموع فبحت بالكتمان
فعلام أكتم أو أسر صبابتي * وعلي من عيني لي عينان
ان الغواني يوم منعرج اللوى * شردن طيب النوم عن أجفاني
بيض كأمثال الدمى فتخالها * أقمار ليل في ذرى أغصان
خالفت قول العاذلين على الهوى * ونهى غرام الحب من ينهاني
ولئن سلوت عن الأحبة نائبا * ما غرد القمري في الأفنان
فهراق فيك دمي حسام مكذب (1) * عن قرنه وشبا سنان جبان
وتنوفة قذف يحار بها القطا * جاوزتها بجلالة مذعان (2)
تطوي الفلاة بأربع مجدولة * وتنال شأو الريح بالذملان
هذا وكم من غمة كشفتها * بشبا الظبا ونوافذ الخرصان
متجردا فيها بغير مساعد * غير الجواد ومرهف وسنان
فإذا بطشت بطشت ليثا باسلا * وإذا نطقت نطقت عن تبيان
وإذا قصدت لحاجة لم يثنني * خوف الردى وتصرف الأزمان
وإذا فخرت فخرت بالشم الأولى * شادوا المكارم من بني حمدان
نحن الملوك بنو الملوك اولي العلا * ومعادن السادات من عدنان
والمجد يعلم اننا أركانه * والبيت معتدل على الأركان
قومي متى تخبرهم لم يحسنوا * غير اصطناع العرف والاحسان
كم معدم أغنوا بفضل سماحهم * كرما وفكوا من أسير عاني
وقال يفتخر وقد ظفر ببني نمير من ابيات:
لنا الدنيا فما شئنا حلال * لساكنها وما شئنا حرام
وينفذ أمرنا في كل حي * فيقصيه ويدنيه الكلام
ألم تخبرك خيلك عن مقامي * ببالس يوم ضاق بها المقام
وولت تلتقي بعضا ببعض * لهم - والأرض واسعة زحام
احلكم بدار الضيم قسرا * همام لا يقاس به همام
وقال يفتخر من قصيدة وليست في الديوان المطبوع:
أما ودموعي بين تلك المعالم * وشوقي إلى تلك الخدود النواعم
لقد أورثوني يوم بانوا صبابة * وناموا وجفني بعدهم غير نائم
وانى ينام الليل من بات همه * طلاب المعالي في شدوق الأراقم
أدار الالى شطت بهم غربة النوى * سقتك الغوادي من متون الغمائم
أبيني لنا أين الذين عهدتهم * ليالي ريب الدهر ليس بظالمي
كفى حزنا ان غالني الدهر فيهم * برغمي وما هذا الزمان براغم
غشوم فلا ذو الفضل ينجيه فضله * لديه ولا ذو النقص منه بسالم
واني إذا ما غالني بصروفه * صبور على روعاته غير حائم
وان امرأ لم يجعل الطرف حصنه * وسمر القنا أعوانه غير حازم
ومن لم يشاهد كر قومي في الوغى * فها فليشاهد كرهم في المكارم
متى ترمني الأيام منها بنكبة * تمزق فتسفر عن هزبر ضبارم
ويوم تخال الرعد في جنباته * لشدة أصوات القنا والهماهم
شفيت بعزم صادق غير كاذب * ورمح رديني وابيض صارم
وفتيان صدق كالنجوم طوالع * على شزب جرد كرام سواهم
ومن شاء فليفخر يجد فخر فاخر * ومن شاء فلينطق يجد نطق عالم
وقال يفتخر:
ما كنت بالربع قبل اليوم وقافا * ولا لدار عفتها الريح وصافا
حتى تولى الخليط المستقل بمن * كانوا وكنا اخلاء وآلآفا
فمن يجير معنى القلب مكتئبا * سلت عليه عيون العين أسيافا
ماذا على من جفا من غير ما سبب * لو أن طيف خيال منه بي طافا
يا أيها الركب حثوا الناجيات بنا * طال التعلل إغذاذا وايجافا
ليس الكريم الذي يرضى بعيشته * ويستكين لريب الدهر ان وافى
اني امرؤ ببني حمدان مفتخري * خير البرية أجدادا وأسلافا
ان حالفتنا المعالي فهي قد علمت * كانت لآبائنا من قبل احلافا
من كل مشتهر بالصبر مدرع * ما هاب قط ولا ولى ولا خافا
مستقبلا لوجوه القوم يطعنهم * حتى يبيحوه أصلابا وأكتافا
كان آدم وصى قبل ميتته * بأن تكون عليه الناس أضيافا
وقال يفتخر وقد قتل زيد بن منيع سيد بني جعفر ورماه النساء
بأنفسهن فأطلق لهن الأموال والأسرى:
إباء إباء البكر غير مذلل * وعزم كحد السيف غير مفلل
أأغضي على الامر الذي لا أريده * ولما يقم بالعذر رمحي ومفصلي
أبى اله والمهر المنيعي (3) والقنا * وابيض وقاع على كل مفصل
وفتيان صدق من غطاريف وائل * إذا قيل ركب الموت قالوا له انزل
يسومهم بالخير والشر ماجد * جرور لأذيال الخميس المذيل
له بطش قاس تحته قلب راحم * ومنع بخيل تحته بذل مفضل
وعزمة خراج من الضيم فاتك * وفي أبي يأخذ الامر من عل
عزوف أنوف ليس يرغم انفه * جري متى يعزم على الامر يفعل
شديد على طي المنازل صبره * إذا هو لم يظفر أكرم منزل
وكل محلاة السراة بضيغم * وكل معلاة الرحال باجدل



(1) مكذب محجم.
(2) التنوفة الفلاة وقذف بضمتين أو فتحتين بعيدة (والجلالة) بضم الجيم الناقة العظيمة
(ومذعان) منقادة سلسلة.
(3) منبع كزبير أبو قبيلة وكان أنسبة اليه
340
تواصت بمر الصبر دون حريمها * فلما رأتنا أجفلت كل مجفل
فبين قتيل بالدماء مضرج * وبين أسير في الحديد مكبل
ومضى باقيها عند ذكر شخصيته وقال:
لمن الجدود الأكرمون * من الورى الاليه
من ذا يعد كما أعد * من الجدود العالية
من ذا يقوم لقومه * بين الصفوف مقاميه
أحمي حريمي ان يباح * ولست أحمي ماليه
ناري على شرف تأجج * للضيوف السارية
يا نار ان لم تجلبي * ضيفا فلست بناريه
والعز مضروب السرادق * والقباب لجاريه
يجني ولا يجني عليه * ويتقي الجلى بيه
المديح
قال في أهل البيت عليه السلام وليست في الديوان المطبوع:
شافعي (احمد) النبي ومولا * ي (علي) و (البنت) و (السبطان)
و (علي) و (باقر العلم) و (الصا * دق) ثم (الأمين) ذو التبيان
و (علي) والخيران (علي) * (أبوه) و (العسكري) الداني
والامام (المهدي) في يوم لا * ينفع الا غفران ذي الغفران
وكان محمد بن سكرة الهاشمي العباسي - من شعراء اليتيمة - عمل
قصيدة يفاخر بها الطالبيين وينتقص بها ولد علي عليه السلام ويتحامل فيها
أولها.
بني علي دعوا مقالتكم * لا ينقص الدر وضع من وضعه
فلما وقف عليها أبو فراس لم يجبه تنزها عن مناقضته ولسفاهة شعره
فقال هذه القصيدة في أهل البيت عليهم السلام وسماها الشافية.
الدين مخترم والحق مهتضم * وفئ آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم * سوء الرعاء ولا شاء ولا نعم (1)
اني أبيت قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الدهر صاحبها * الا على ظفر في طيه كرم
يصان مهري لأمر لا أبوح به * والدرع والرمح والصمصامة الخذم
وكل مائرة الضبعين مسرحها * رمث الجزيرة والخضراف والعذم (2)
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا * يوما ورأيهم رأي إذا عزموا (3)
يا للرجال اما لله منتصر * من الطغاة ولا لله منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم (4)
محلؤون فأصفى وردهم وشل * عند الورود وأوفى وردهم لمم (5)
فالأرض الا على ملاكها سعة * والمال الا على أربابه ديم
وما السعيد بها الا الذي ظلموا * وما الغني بها الا الذي حرموا (6)
للمتقين من الدنيا عواقبها * وان تعجل منها الظالم الآثم (7)
لا يطغين بني العباس ملكهم * بنو علي مواليهم وان رغموا
أتفخرون عليهم لا أبالكم * حتى كأن رسول الله جدكم
وما توازن يوما بينكم شرف * ولا تساوت بكم في موطن قدم
ولا لجدكم مسعاة جدهم * ولا نثيلتكم من أمهم أمم (8)
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا ان انصف الحكم
قام النبي بها يوم الغدير لهم * والله يشهد والأملاك والأمم
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيرت بينهم شورى كأنهم * لا يعلمون ولاة الحق أين هم
تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم * وما لهم قدم فيها ولا قدم
لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا * ولا يحكم في امر لهم حكم
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه * أهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة * أم هل أئمتهم في اخذها ظلموا
اما علي فقد أدنى قرابتكم * عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد الله نعمته * أبوكم أم عبيد الله أم قثم (9)
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن * أباهم العلم الهادي وأمهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا ذمم (10)
ألا صفحتم عن الأسر بلا سبب * للصافحين ببدر عن أسيركم (11)



(1) أي ليسوا بناس كاملين فيحفظهم أي يغضبهم ويثير حفيظتهم وحميتهم سوء الرعاء لهم من
الحكام والأمراء ولا هم شاء ولا نعم لأنهم من بني آدم والغرض ذم الحكام الرعاة وتحريك
حمية الرعية والقاضي ابن أبي جرادة حرف البيت وأبدل سوء بسوم فتكلف في شرحه
والصواب ما ذكرناه.
(2) الضبع كفرخ العضد ومأثرة الضبعين أي سمينة ومار بمعنى تحرك ذاهبا وجائيا فضبعاها
يموران لسمنهما (والرمث والخضراف) بالكسر فيهما (والعذم) نباتات ترعاها الإبل.
(3) أي قلبهم كامل ورأيهم كامل وذلك لأنهم قد ينفون الشئ ويريدون نفي الكمال كما يقال
هذا ليس برجل أي ليس كاملا في الوجولة فإذا حملوا الشئ على نفسه أرادوا اثبات الكمال
له.
(4) كانت أم المقتدر لها كاتب ولها قهرمانة بمنزلة الوزير قال عريب القرطبي في صلة التاريخ
الطبري: في سنة 295 قلد المقتدر أحمد بن العباس كتابة السيدة أمه ثم قال ولولا التحكم
عليه لكان الناس معه في عيش رغد لكن أمه وغيرها من حاشيته كانوا يفسدون كثيرا من
امره قال وفي سنة 306 أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها متعرف بمثل أن تجلس بالرصافة
للمظالم يوما في كل جمعة اه‍. وغير أم المقتدر كان لها شبه ذلك.
(5) محلؤون مطرودون والوشل الماء القليل واللمم مصدر لم به لمما أي اتاه في أوقات قليلة.
واعترض عليه ابن أبي جرادة بأنه جعل إزاء الصفو الوشل مع أن مقابله الكدر لأن الوشل
الماء القليل. ويمكن الجواب بأن الماء القليل تغلب عليه الكدورة لأنه يتكدر بأقل شئ
واعترض أيضا باستعمال لمم مصدر لم وهي شاذة وقد أنكرها الأصمعي ولم يجزها لئلا يشتبه
بمعنى الجنون والوسوسة وصغائر الذنوب واللغة الفصيحة المستعملة ألم به يلم الماما.
(6) أراد بالذي الفريق فصح التعبير عنه بالذي باعتبار اللفظ وإعادة ضمير الجمع عليه باعتبار
المعنى.
() قال ابن أبي جرادة ما كان ماضيه على فعل بكسر العين إذا كان من اكتساب الأعمال فاسم
فاعله على فعيل أو فاعل كرحم وعلم واثم وسلم وقد جاءت منه أحرف نادرة يسيرة على
فعل وهي حذر وبطر واشر فلا يقاس عليها والذي جاء من اثم أثيم وآثم بالمد وقد جاء في
القران الكريم.
(8) أمم أي قربية (ونثيلة) أم العباس وضرار ابني عبد المطلب بن هاشم وهي نثلية ابنة
كليب بن مالك بن جناب بن النمر بن قاسط. وأم عبد الله أبي النبي (ص) فاطمة بنت
عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومية شريفة في قومها.
(9) لما ولي علي عليه السلام الخلافة ولي عبد الله بن العباس البصرة واخاه عبيد الله اليمن
وأخاهما قثما المدينة أو مكة أو هما.
(10) كان المنصور وجماعة من بني هاشم قد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب في آخر دولة بني أمية فلما أفضى الأمر إلى المنصور طلب محمدا فاختفى
فحبس أباه عبد الله بالمدينة وأهل بيته ثم حملهم إلى العراق فحبسهم بالهاشمية ولما خرج
عليه محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن وهدم عليهم الحبس فماتوا.
(11) المراد بالأسرى بلا سبب أي بلا ذنب عبد الله بن الحسن وأهل بيته وبأسيرهم ببدر
العباس بن عبد المطلب ولما جئ بعبد الله وأهل بيته إلى الربذة مغلولين مكبلين عليهم
المسوح وخرج المنصور ناداه عبد الله يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر فأخسأه
المنصور ولم يعرج عليه
341
ألا كففتم عن الديباج ألسنكم * وعن بنات رسول الله شتمكم (1)
ما نزهت لرسول الله مهجته * عن السياط (السباب) فالأنزه الحرم (2)
ما نال منهم بنو حرب وان عظمت * تلك الجرائم الا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة * وكم دم لرسول الله عندكم
أأنتم آله فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم (3)
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت * عن ابن فاطمة الأقوال والتهم (4)
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم فعموا (5)
يا عصبة شقيت من بعدما سعدت * ومعشرا أهلكوا من بعدما سلموا
لبئسما لقيت منهم وان بليت * بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (6)
لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا * ولا الهبيري نجى الحلف والقسم (7)
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا * فيه الوفاء ولا عن عمهم حلموا (8)
أبلغ لديك بني العباس مألكة * لا يدعوا ملكها ملاكها العجم (9)
اي المفاخر أضحت في منابركم * وغيركم آمر فيهن محتكم
وهل يزيدكم من مفخر علم * وبالخلاف عليكم يخفق العلم
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا * يوم السؤال وعمالين إذ علموا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا * ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
تبدو التلاوة من أبياتهم ابدا * ومن بيوتهم الأوتار والنغم
يا باعة الخمر خلوا عن مفاخرة * لمعشر بيعهم يوم الفخار دم
منكم علية أم منهم وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم أم لهم (10)
أم من تشادله الألحان سائرة * عليهم ذو المعالي أم عليكم (11)
إذا تلوا سورة غنى خطيبكم * قف بالديار التي لم يعفها القدم (12)
ما في منازلهم للخمر معتصر * ولا بيوتهم للشر معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم * ولا يرى لهم قرد له حشم (13)
الركن والبيت والأستار منزلهم * وزمزم والصفا والحجر والحرم
صلى الاله عليهم كلما سجعت * ورق فهم للورى ذخر ومعتصم
وقال يمدح ابني سيف الدولة وهو خالهما ويذكر أخاهما الآخر وليست
في الديوان المطبوع:
ابنان أم شبلان ذان فإنني * لأرى دماء الدارعين حلاهما



(1) الظاهر أن المراد بالديباج محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان وهو أخو بني حسن
لامهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب فإنه كان يلقب بالديباج لحسنه اخذه المنصور
مع بني حسن فلما ادخل على المنصور
قال أيها يا ديوث مم حملت ابنتك وقد أعطيتني الايمان أن لا تغشني فأنت بين أن تكون خائنا
أو ديوثا وأيم الله اني لاهم برجمها فقال له محمد اما ما رميت به الجارية فإن الله قد أكرمها
وطهرها بولادة رسول الله (ص) ولكنني ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألم بها على حين
غفلة فاحفظه كلامه فأمر بشق ثيابه فشق قميصه عن ازاره فاشف عن عورته ثم امر به
فضرب مائتين وخمسين سوطا والمنصور يفتري عليه لا يكني فأصاب سوط منها وجهه فقال
ويحك اكفف عن وجهي فإن له حرمة برسول الله فقال للجلاد الرأس الرأس فضرب على
رأسه نحوا من ثلاثين سوطا وأصاب سوط منها احدى عينيه فسالت قال ابن الأثير واحضر
المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن وكان أحسن الناس صورة فقال له أنت الديباج الأصفر
قال نعم قال لأقتلنك قتلة لم اقتلها أحدا ثم امر فبني عليه أسطوانة وهو حي فمات فيها.
اه‍. ولكن الظاهر أن المراد بالديباج في البيت هو العثماني لأنه هو الذي لم يكف المنصور
لسانه عنه.
(2) يشير بذلك إلى ضرب محمد بن عبد الله العثماني بالسياط مع اتصال نسبه برسول الله
(ص) من قبل أمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وإلى الافتراء على ابنته رقية زوجة
إبراهيم وإلى الافتراء عليه من المنصور ولا يكنى وقول المنصور له يا ابن اللخناء فقال له
محمد بأي أمهاتي تعيرني أبفاطمة بنت الحسين أم بفاطمة الزهراء أم برقية.
(3) هو يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن خرج ببلاد الديلم سنة 176 فامنه الرشيد ثم غدر
به احضر نسخة الأمان وقال لمحمد بن الحسن السيباني صاحب أبي حنيفة ما تقول فيه قال
صحيح فحاجه فيه الرشيد فقال له محمد ما تصنع بالأمان لو كان محاربا ثم أعطيته الأمان
هل كان آمنا ثم سأل أبا البختري فقال هذا منتقض قال الرشيد: فمزقه، فمزقه أبو
البختري وحبس الرشيد يحيى فبقي محبوسا شهرا ومات.
(4) الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن عبد الله بن الزبير ادعى عند الرشيد أن يحيى بن
عبد الله بن حسن دعاه إلى بيعه صلى كل منهما ركعتين وشبك يحيى يمينه
في يمين الزبيري وقال اللهم إن كنت تعلم أني دعوت عبد الله بن مصعب إلى الخلاف على
هذا فاسحتني بعذاب من عندك وكلني إلى حولي وقوتي والا فكله إلى حوله وقوته واسحته
بعذاب من عندك وتفرقا فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح بطني بطني ومات.
(5) كان المأمون بايع للرضا عليه السلام بولاية العهد ثم ندم لما انتقضت عليه البلاد فسمه في
عنب فتوفي بطوس سنة 202.
(6) يشير إلى ما فعله جعفر المتوكل بقبر الحسين عليه السلام فإنه امر مناديه فنادى عند قبره من
وجد به بعد ثلاث برئت منه الذمة وامر بهدم قبته وخراب الدور التي حوله وحرث الأرض
واجرى إليها الماء وذلك سنة 236.
(7) المراد بأبي مسلم أبو مسلم الخراساني مؤسس دولة بني العباس قتله المنصور بعد مسيره إلى
لقاء عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس لما دعا إلى نفسه بعد موت السفاح وبايعه
أهل الشام فندب اليه المنصور أبا مسلم فخذله الجند لما رأوا أبا مسلم وفر عبد الله واحتوى
أبو مسلم على ما في عسكره فأرسل المنصور من يحصي ذلك فقال أبو مسلم امين على
الدماء خائن في الأموال وسار قاصدا خراسان فاحتال عليه المنصور حتى رده وقتله سنة 139
(والهبيري) هو يزيد بن عمر بن هبيرة كان الوالي على العراقين وخراسان وغيرها من قبل
بني أمية حاربه بنو العباس في خلافة السفاح ثم أمنوه فخرج إلى المنصور بعد استيثاقه
بالايمان وشروط الصلح ومشاورة العلماء والفقهاء فيها أربعين يوما وأجازها السفاح وأمضاها
ثم غدروا به وقتلوه وقتلوا قواده والأكابر من أولاده وعشائره وذلك سنة 132.
(8) قال ابن الأثير في حوادث سنة 132 فيها استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل
بدل محمد بن صول لأن أهل الموصل امتنعوا من طاعته وأخرجوه فسار يحيى إليها في اثني
عشر ألفا فقتل منهم اثني عشر رجلا فنفروا منه وحملوا السلاح فامنهم ونادى من دخل الجامع
فهو آمن واقام الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل إنه قتل فيه أحد عشر
ألفا ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقا كثيرا فسمع في الليل صراخ النساء اللاتي قتل
رجالهن فامر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيان وكان معه قائد معه أربعة آلاف زنجي فاخذوا
النساء قهرا اه‍. (والمراد) بعمهم عبد الله بن علي فإنه لما فر من أبي مسلم قدم على
اخوته بالبصرة واختفى عند سليمان بن علي فكتب المنصور أتى سليمان باحضاره فحضر مع
أخوته وكان وعدهم بالصفح عنه فخادعهم وحبسه واغفله مدة وقتله هدم عليه البيت.
(9) أراد بهم ملوك آل بويه في العراق وفارس والسامانية بخراسان وما وراء النهر والإخشيدية
بمصر والشام.
(10) قال ابن أبي جرادة: (إبراهيم) هو إبراهيم بن المهدي بن المنصور كان مغنيا مجيدا وعوادا
بارعا ((وعلية) أخته وكانت عوادة محسنة اه‍.
(11) علي آل أبي طالب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وعلي بني العباس هو المكتفي بالله
علي بن المعتضد بالله احمد ولم يذكر ابن أبي جرادة هذا البيت.
(12) هذا شطر بيت لزهير بن أبي سلمي من قصيدة أولها: قف بالديار التي لم يعفها القدم * بلى وغيرها الأرواح والديم
(13) قال ابن أبي جرادة روى محمد بن عمر الشيباني: حدثني أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري
قال كنا ليلة في مجلس المتوكل وهو يشرب وقد دخلت سندانة الضراطة وقد لبست لحيتها التي
كانت تلبسها وتعممت عليها فقال المتوكل للفتح من هذا قال يا سيدي هذه سندانة قال من
تشبه قال لا أدري قال تشبه ابن أبي حفصة تحمل اليه عشرة آلاف دينار الساعة اه‍. واما
القرد الذي له حشم فقد رأيت في بعض المداضع وغاب عني الآن انه كان لبعض نسائهم
وكانت تلبسه الديباج وقيل الخنثى عبادة نديم المتوكل والقرد كان لزبيدة حتى طالبت الناس
بالسلام عليه إلى أن قتله يزيد بن مزيد الشيباني كذا في حاشية بعض نسخ الديوان.
342
تنبي الفراسة إن في ثوبيهما * ليثين تجتنب الليوث حماهما
لم لا يفوقا الكمكارما * والسيدان كلاهما جداهما
تلقى أبا الهيجاء في هيجاهما * ويزيد فضل أبي العلاء علاهما (1)
زدناهما شرفا رفيعا سمكه * ثبت الدعائم إذ تخولناهما
ميزت بينهما فلم يتفاضلا * كالفرقدين تشاكلت حالاهما
اني وإن كان التعصب شيمتي * لا أدفع الشرف الرفيع أخاهما
انى يقصر عن مكان في العلا * والمجد من أضحى أبوه أباهما
لكن لذين بنا مكانا باذخا * لا يدعيه من الأنام سواهما
طابا وطاب أخو الكرام أخوهما * والوالدان وطاب من رباهما
وقال مادحا:
لله درك من قرم أخي كرم * لا ينطق المال الا في تشكيه
فالخيل يمسحها والبيض يثلمها * والسمر يحطمها والقرن يرديه
وقال من قصيدة يظهر انها في مدح ابن عم له ولعله سيف الدولة
وليست في الديوان المطبوع:
قدك يا أيها الملح اللجوج * ليس من حكمها علي خروج
عللينا بطيب ريقك يا من * بجنى النحل ريقها ممزوج
لم يزدك الخلخال حسنا ولكن * بك زين الخلخال والدملوج
عج بوادي الأراك نبك رسوما * دارسات وناد بالركب عوجوا
يا بني العم قد اتانا ابن عم * في طلاب العلا صعود لجوج
حازم عازم حروب سروب * طاعن ضارب خروج ولوج
وخيول وغلمة ودروع * وسيوف وضمر ووشيج
لك بحر من الندى كل بحر * من مجاري الندى لديه خليج
فكفاك المحذور جمعا ووقاك * الذي بيته يؤم الحجيج
وكتب إلى سيف الدولة:
قد ضج جيشك من طول القتال به * وقد شكتك الينا الخيل والإبل
وقد درى الروم مذ حاورت ارضهم * إن ليس يعصمهم سهل ولا جبل
في كل يوم تزور الثغر لا ضجر * يثنيك عنه ولا شغل ولا ملل
فالنفس جاهدة والعين ساهدة * والجيش منهمك والمال مبتذل
توهمتك كلاب غير قاصدها * وقد تكنفك الأعداء والشغل
حتى رأوك امام الجيش تقدمه * وقد طلعت عليهم دون ما أملوا
فاستقبلوك بفرسان اسنتها * سود البراقع والأكوار والكلل
فكنت أكرم مسؤول وأفضله * إذا وهبت فلا من ولا بخل
وقال يفتخر ويمدح سيف الدولة عقيب بعض الوقائع وقد أسر فيها
أخواه:
ضلال ما رأيت من الضلال * معاتبة الكريم على النوال
وإن مسامعي عن كل عذل * لفي شغل بحمد أو سؤال
ولا والله ما بخلت يميني * ولا أصبحت أشقاكم بمالي
ولا أمسي احكم فيه بعدي * قليل الحمد مذموم الفعال
ولكني سأفنيه واقني * ذخائر من ثواب أو جمال
وللوارث ارث أبي وجدي * جياد الخيل والأسل الطوال
وما تجني سراة بني أبينا * سوى ثمرات أطراف العوالي
أوينا بين اطناب الأعادي * إلى بلد من النصار خالي
تمد بيوتنا في كل فج * به بين الأراقم والصلال
نعاف قطونه ونمل منه * ويمنعنا الإباء من الزيال
مخافة أن يقال بكل ارض * بنو حمدان كفوا عن قتال
ومن عرف الخطوب ومارسته * أطاب النفس بالحرب السجال
فان يك اخوتي وردوا شباها * بأكرم موقف واجل حال
فمن ورد المهالك لم ترعه * رزايا الدهر في أهل ومال
وذا الورد المكدر جانباه * بما أوردت من عذب زلال
أسيف الدولة المأمول اني * عن الدنيا إذا ما عشت سالي
إذا قضي الحمام علي يوما * ففي نصر الهدى بيد الضلال
إذا ما لم تخنك يد وقلب * فليس عليك خائنة الليالي
وأنت أشد هذا الناس باسا * وأصبرهم على نوب القتال
واهجمهم على جيش كثيف * وأغورهم على حي حلال
وأنت أريتني خوض المنايا * وصبري تحت هبوات النزال
فصبري في قتالك لا قتالي * وفعلي في فعالك لا فعالي
وفي أرضاك إغضاب العوالي * واكراه المناصل والنصال
ضربت فلم أدع للسيف حدا * وجلت بحيث ضاق عن المجال
وقلت وقد أظل الموت صبرا * وإن الموت عند سواك غالي
ألا هل منكر ببني نزار * مقامي يوم ذلك أو مقالي
ألم أثبت لها والخيل فوضى * بحيث تخف أحلام الرجال
تركت ذوابل المران فيها * مخضبة محطمة الأعالي
وعدت اجر رمحي عن مقام * تحدث عنه ربات الحجال
فقائلة تقول أبا فراس * لقد حاميت عن حرم المعالي
وقائلة تقول جزيت خيرا * أعيذ علاك من عين الكمال
ومهري لا يمس الأرض زهوا * كأن ترابها قطب النبال
كأن الخيل تعرف من عليها * ففي بعض على بعض تعالي
علينا أن نغاور كل يوم * رخيص الموت بالمهج الغوالي
فان عشنا ذخرناها لأخرى * وإن متنا فموتات الرجال
الرثاء
قال يرثي الحسين ويمدح أمير المؤمنين عليا عليهما السلام من قصيدة
كما في نسختين مخطوطتين من رواية ابن خالويه وأورد ابن شهرآشوب في
المناقب أبياتا منها وخلا عنها الديوان المطبوع:
يوم بسفح الدير لا أنساه * ارعى له دهري الذي أولاه
يوم عمرت العمر فيه بفتية * من نورهم اخذ الزمان بهاه
فكأن غرتهم ضياء نهاره * وكان أوجههم نجوم دجاه
ومهفهف للغصن حسن قوامه * والظبي منه إذا رنا عيناه
نازعته كأسا كان ضياءها * لما تبدت في الظلام ضياه
والبدر منتصف الضياء كأنه * متبسم بالكف يستر فاه
ظبي لو أن الفكر مر بخده * من دون لحظة ناظر أدماه



(1) أبو الهيجاء هو عبد الله بن حمدان والد سيف الدولة وهو جدهما من قبل الأب وأبو العلاء
هو سعيد بن حمدان والد أبي فراس وهو جدهما من قبل الأم.
343
ويقول في الرثاء:
واحتز رأسا طالما من حجره * أدته كفا جده ويداه
يوم بعين الله كان وانما * يملي لظلم الظالمين الله
يوم عليه تغيرت شمس الضحى * وبكت دما مما رأته سماه
لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر * أو ذي بكاء لم تفض عيناه
تبا لقوم تابعوا أهواءهم * فيما يسوءهم غدا عقباه
أتراهم لم يسمعوا ما خصه * منه النبي من المقال أباه
إذ قال يوم غدير خم معلنا * من كنت مولاه فذا مولاه
لو لم تنزل فيه الأهل اتى * من دون كل منزل لكفاه
من كان أول من حوى القرآن من * لفظ النبي ونطقه وتلاه
من كان صاحب فتح خيبر من رمى * بالكف منه بابه ودحاه
من عاضد المختار من دون الورى * من آزر المختار من آخاه
من خصه جبريل من رب العلا * بتحية من ربه وحباه
أظننتم أن تقتلوا أولاده * ويظلكم يوم المعاد لواه
أو تشربوا من حوضه بيمينه * كأسا وقد شرب الحسين دماه
أنسيتم يوم الكساء وانه * ممن حواه مع النبي كساه
يا رب اني مهتد بهداهم * لا اهتدي يوم الهدى بسواه
اهوى الذي يهوى النبي وآله * ابدا وأشنأ كل من يشناه
وقال يرثي أمه وقد توفيت وهو في الأسر ولا توجد في الديوان المطبوع
ووجدت في نسختين في برلين وأخرى في أكسفورد واخذت عن المستشرق
دفوراك ولكننا وجدناها في نسختين عندنا مخطوطتين وفيهما زيادة عن نسخ
برلين وأكسفورد الأبيات الثلاثة الأولى:
أيا أم الأسير سقاك غيث * بكره منك ما لقي الأسير
أيا أم الأسير سقاك غيث * إلى من بالفدا يأتي البشير
أيا أم الأسير سقاك غيث * تحير لا يقيم ولا يسير
أيا أم الأسير لمن تربى * وقدمت الذوائب والشعور
إذا ابنك سار في بر وبحر * فمن يدعو له أو يستجير
حرام أن يبيت قرير عين * ولؤم أن يلم به السرور
وقد ذقت الرزايا والمنايا * ولا ولد لديك ولا عشير
وغاب حبيب قلبك عن مكان * ملائكة السماء له حضور
ليبكك كل ليل قمت فيه * إلى أن يبتدي الفجر المنير
ليبكك كل مضطهد مخوف * أجرتيه وقد قل المجير
ليبكك كل يوم صمت فيه * مصابرة وقد حمي الهجير
ليبكك كل مسكين فقير * أغثتيه وما في العظم رير (1)
أيا أماه كم هول طويل * مضى بك لم يكن منه نصير
أيا أماه كم سر مصون * بقلبك مات ليس له ظهور
أيا أماه كم بشرى بقربي * اتتك ودونها الأجل القصير
إلى من اشتكي ولمن أناجي * إذا ضاقت بما فيها الصدور
بأي دعاء داعية اوقى * بأي ضياء وجه استنير
بمن يستدفع القدر الموخى * بمن يستفتح الأمر العسير
يسلي عنك انا عن قليل * إلى ما صرت في الأخرى نصير
وقال يرثي أبا المرجى جابر بن ناصر الدولة:
الفكر فيك مقصر الآمال * والحرص بعدك غاية الجهال
لو كان يخلد بالفضائل فاضل * وصلت لك الآجال بالآجال
أو كنت تفدى لافتدك سراتنا * بنفائس الأرواح والأموال
أعزز على سادات قومك أن ترى * فوق الفراش مقلب الأوصال
والسمر عندك لم تدك صدورها * والخيل واقفة على الأطوال (2)
والسابغات مصونة لم تبتذل * والبيض سالمة مع الابطال
وإذا المنية أقبلت لم يثنها * حرص الحريص وحيلة المحتال
ما للخطوب وما لأحداث النوى * اعجلن جابر غاية الاعجال
وفجعن بالدر الثمين المنتقى * وفتكن بالعلق النفيس الغالي
لما تسربل بالفضائل وارتدى * برد العلا واعتم بالاقبال
وتشاهدت صيد الملوك بفضله * واري المكارم من مكان عالي
أأبا المرجى غير حزني دارس * ابدا عليك وغير قلبي سالي
ولئن هلكت فما الوفاء بهالك * ولئن بليت فما الوداد ببالي
لا زلت مغدوق الثرى مطروقه * بسحابة مجرورة الأذيال
وحجبن عنك السيئات ولم يزل * لك صاحب من صالح الأعمال
وقال يرثي أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وقد توفي سنة 338
وليست في الديوان المطبوع:
اي اصطبار ليس بالزائل * واي دمع ليس بالهامل
انا فجعنا بفتى وائل * لما فجعنا بأبي وائل
المشتري الحمد بأمواله * والبائع النائل بالنائل
ماذا أرادت سطوات الردى * في الأسد ابن الأسد الباسل
كأنما دمعي من بعده * صوب عطايا كفه الهاطل
ما انا أبكيه ولكنما * تبكيه أطراف القنا الذابل
دان إلى سبل العلى والندى * ناء عن الفحشاء والباطل
أرى المعالي إذ قضى نحبه * تبكي بكاء الواله الثاكل
الأسد الباسل والعارض * الهاطل عند الزمن الماحل
سقى ثرى ضم أبا وائل * صوب سحاب واكف هامل
لا در در الدهر ما باله * حملني ما لست بالحامل
كان ابن عمي إن عرى حادث * كالليث أو كالصارم الفاصل
عمري لقد وكلني فقده * بالحزن في العاجل والآجل
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعزيه بأخته من ابيات:
هي الرزية إن ضنت بما ملكت * فيها الجفون فما تسخو على أحد
أبكي بدمع له من حسرتي مدد * واستريح إلى صبر بلا مدد
هذا الأسير المبقي لا فداء له * يفديك بالنفس والأهلين والولد
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعزيه بابنه أبي المكارم من ابيات:
هل تبلغ القمر المدفون رائعة * من المقال عليها للأسى حلل
ما بعد فقدك في أهل ولا ولد * ولا حياة من الدنيا لنا امل
يا من اتته المنايا غير حافلة * أين العبيد وأين الخيل والخول
أين الليوث التي حوليك رابضة * أين الصنائع أين الأهل ما فعلوا



(1) الرير مخ العظام الذي ذاب وفسد وصار ماء اسود رقيقا من الهزال.
(2) الأطوال جمع طول كقول وهو حبل تشد به الدابة. - المؤلف -
344
أين السيوف التي قد كنت اقطعها * أين السوابق أين البيض والأسل
يا ويح خالك بل يا ويح كل فتى * مع كل هذا تخطى نحوك الأجل
الروميات
قد عرفت أن أبا فراس أسر مرتين ولبث في الأسر الثاني أربع سنين
وقد نظم في الأسر عدة قصائد هي من غرر شعره. ولا ريب أن الأسر اثر
في نفس أبي فراس رقة زيادة على ما فيها. واسر وهو جريح بسهم بقي
نصله في فخذه فاجتمع عليه مع الأسر والجراح طول المدة وتأخير سيف
الدولة مفاداته وفرط الحنين إلى أهله واخوانه فلا جرم أن تصدر قصائده وهو
أسير عن قلب شجي ونفس رقيقة متألمة فتزداد رقة ولطافة وسلاسة وتؤثر في
النفوس تأثيرا محزنا يكاد يبكي سامعها وتعلق بالحفظ لسلاستها وربما هاجت
به عاطفة الحماسة في هذه الحال فيخرج بشعره إلى التحمس الفائق فأن ما
هو فيه لم يكن لينسيه سوابقه في الامارة والحروب ولم يكن ليفقده كبر النفس
وعلو الهمة والصفات الغريزية التي فيه من هذا القبيل لذلك كانت رومياته
مطبوعة بطابع يميزها عن باقي شعره. في اليتيمة قد أطلت عنان الاختيار
من محاسن شعر أبي فراس (وما محاسن شئ كله حسن) وذلك لتناسبها
وعذوبة مشاعرها ولا سيما الروميات التي رمى بها هدف الاحسان وأصاب
شاكلة الصواب ولعمري انها كما قرأته لبعض البلغاء لو سمعتها الوحش
لانست أو خوطبت بها الخرس لنطقت أو استدعي بها الطير لنزلت اه‍.
ونحن نورد هنا رومياته كلها عدا ما مر منها في تضاعيف ما تقدم.
مراسلته سيف الدولة
من الأسر
وقال أول ما أسر يسأل سيف الدولة المفاداة:
دعوتك للجفن القريح المسهد * لدي وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلا بالحياة وانها * لأول مبذول لأول مجتدي
وما الأمر مما ضقت ذرعا بحمله * وما الخطب الا أن أقول له ازدد
وما زال عني ان شخصا معرضا * لنيل الردى إن لم يصب فكأن قد
ولكنني اختار موت بني أبي * على سروات الخيل غير موسد
نضوت على الأيام ثوب جلادتي * ولكنني لم انض ثوب التجلد
وما انا الا بين امر وضده * يجدد لي في كل يوم مجدد
فمن حسن صبر بالسلامة واعد * ومن ريب دهر بالردى متوعد
اقلب طرفي بين خل مكبل * وبين صفي بالحديد مصفد
دعوتك والأبواب ترتج دوننا * فكن خير مدعو لأكرم مجتدي
ومثلك من يدعى لكل عظيمة * ومثلي من يفدي بكل مسود
أناديك لا اني أخاف من الردى * ولا أرتجي تأخير يوم إلى غد
وقد حطم الخطي واخترم العدى * وفلل حد المشرفي المهند
وآنفت موت الذل في دار غربة * بأيدي النصارى الغلف ميتة اكمد
فلا تقعدن عني وقد سيم فديتي * فلست عن الفعل الكريم بمقعد
وكم لك عندي من اياد وانعم * رفعت بها قدري وأكثرت حسدي
تشبث بها أكرومة قبل فوتها * وقم في خلاصي صادق العزم واقعد
فان مت بعد اليوم عابك مهلكي * معاب الزراريين مهلك معبد (1)
هم عضلوا عنه الفداء وأصبحوا * يهزون أطراف القريض المقصد
ولم يك بدعا هلكه غير أنهم * يعابون إذ سيم الفداء فما فدي
فلا كان كلب الروم أرأف منكم * وارغب في كسب الثناء المخلد
ولا بلغ الأعداء أن يتناهضوا * وتقعد عن هذا العلاء المشيد
أأضحوا على أسراهم بي عودا * وأنتم على أسراكم غير عود
متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى * شديدا على الباساء غير ملهد (2)
متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى * طويل نجاد السلف رحب المقلد
فما كل من شاء المعالي ينالها * ولا كل سيار إلى المجد يهتدي
فان تفقدوني تفقدوا شرق العدا * واسرع عواد إليهم معود
وإن تفقدوني تفقدوا لعلاكم * فتى غير مردود السنان ولا اليد
يدافع عن أحسابكم بلسانه * ويضرب عنكم بالحسام المهند
أقلني أقلني عثرة الدهر انه * رماني بسهم صائب النصل مقصد
ولو لم تثق نفسي بمولاي لم أكن * لأوردها في نصره كل مورد
ولا كنت القى الألف زرقا عيونها * بسبعين فيها كل اشأم أنكد
ولا وأبي ما ساعدان كساعد * ولا وأبي ما سيدان كسيد
وانك للمولى الذي بك اقتدي * وأنت الذي أهديتني كل مقصد
وأنت الذي بلغتني كل غاية * مشيت إليها فوق أعناق حسدي
فيا ملبسي النعمى التي جل قدرها * لقد اخلقت تلك الثياب فجدد
ألم تر اني فيك صافحت حدها * وفيك شربت الموت غير مصرد
يقولون جانب عادة ما عرفتها * شديد على الإنسان ما لم يعود
فقلت اما والله لا قال قائل * شهدت له في الخيل الأم مشهد
ولكن سألقاها فاما منية * هي الظن أو بنيان عز مؤبد
ولم أدر أن الدهر من عدد العدا * وإن المنايا السود ترمين عن يد
بقيت على الأيام تحمي بنا الردى * ويفديك منا سيد بعد سيد
بقيت ابن عبد الله ما ذر شارق * تروح إلى العز المبين وتغتدي
بعيشة مسعود وأيام سالم * ونعمة مغبوط ومال مجدد
ولا يحرمني الله قربك انه * مرادي من الدنيا وحظي ومقصدي
ومن رومياته هذه القصيدة التي جمعت الغزل والحماسة والحكم وصفة
اسره وتعليم الاباء وعزة النفس وغير ذلك مع كونها من غرر الشعر وهي
ناقصة في الديوان المطبوع فلذلك أوردناها بتمامها، وقد قالها حينما بلغه أن
الروم قالوا ما أسرنا أحدا ولم نسلب سلاحه غير أبي فراس وهي:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر * اما للهوى نهي عليك ولا امر
بلى انا مشتاق وعندي لوعة * ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل اضواني بسطت يد الهوى * وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضئ النار بين جوانحي * إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونه * إذا مت عطشانا فلا نزل القطر



(1) هو معبد بن زرارة كان اسره عامر والطفيل ابنا مالك بن جعفر بن كلاب في بعض الوقائع
فوفد عليهما اخوه لقيط بن زرارة فبذل لهما مائتي بعير في فدائه فقال له أنت سيد الناس
وأخوك سيد مضر فلا نقبل الا دية ملك فقال إن أبانا أوصانا أن لا نزيد في الدية على مائتي
بعير فقال له معبد لا تدعني فلئن تركتني لا تراني بعدها ابدا قال صبرا فأين وصاة أبينا
ورحل فمنعوا معبدا الماء وضاروه حتى هلك وقيل بل هو امتنع عن الطعام والشراب حتى
مات ذكره في العقد الفريد. وفي أنوار الربيع ان معبدا اسره بنو عامر بن صعصعة فاشترى
345
حفظت وضيعت المودة بيننا * وأحسن من بعض الوفا ذلك الغدر
بنفسي من الغادين في الحي غادة * هواي لها ذنب وبهجتها عذر
تزيغ إلى الواشين في ولن لي * لأذنا بها عن كل واشية وقر
بدوت وأهلي حاضرون لأنني * أرى أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك وانهم * وإياي لولا حبك الماء والخمر
فإن كان ما قال الوشاة ولم يكن * فقد يهدم الايمان ما شيد الكفر
وفيت وفي بعض الوفاء مذلة * لانسانة في الحي شيمتها الغدر
وقور وريعان الصبا يستفزها * فتأرن أحيانا كما يارن المهر
تسائلني من أنت وهي عليمة * بحالي وهل حالي على مثلها نكر
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى * قتيلك قالت أيهم فهم كثر
فقلت لها لو شئت لم تتعنتي * ولم تسألي عني وعندك بي خبر
فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا * فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
وما كان للأحزان لولاك مسلك * إلى القلب لكن الهوى للبلا جسر
فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشق * وأن يدي مما علقت به صفر
وقلبت أمري لا أرى لي راحة * إذا البين انساني ألح بي الهجر
فعدت إلى حكم الزمان وحكمها * لها الذنب لا تجزي به ولي العذر
كأني أنادي دون ميثاء ظبية * على شرف ظمياء حلأها الذعر
تجفل حينا ثم تدنو كأنما * تراعي طلى بالواد اعجزه الحصر
واني لنزال بكل مخوفة * كثير إلى نزالها النظر الشزر
واني لجرار لكل كتيبة * معودة ان لا يخل بها النصر
فاصدي إلى أن ترتوي البيض والقنا * واسغب حتى يشبع الذئب والنسر
ولا أصبح الحي الخلوف بغارة * أو الجيش ما لم تأته قبلي النذر
ويا رب دار لم تخفني منيعة * طلعت عليها بالردى انا والفجر
وحي رددت الخيل حتى تركته * هزيما وردتني البراقع والخمر
وساحبة الأذيال نحوي لقيتها * فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر
وهبت لها ما حازه الجيش كله * وأبت ولم يكشف لأبياتها ستر
وما راح يطغيني بأثوابه الغنى * ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر
وما حاجتي في المال ابغي وفوره * إذ لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى * ولا فرسي مهر ولا ربه غمر
ولكن إذا حم القضاء على امرئ * فليس له بر يقيه ولا بحر
وقال أصيحابي الفرار أو الردى * فقلت هما أمران أحلاهما المر
ولكنني امضي لما لا يعيبني * وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي بعت السلامة بالردى * فقلت اما والله ما نالني خسر
وهل يتجافى الموت عني ساعة * إذا ما تجافى عني الأسر والصبر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره * فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
يمنون ان خلوا ثيابي (2) وانما * علي ثياب من دمائهم حمر
وقائم سيف فيهم دق نصله * واعقاب رمح فيهم حطم الصدر
سيذكرني قومي إذا جد جدهم * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فإن عشت فالطعن الذي تعرفونه * وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإن مت فالانسان لا بد ميت * وإن طالت الأيام وانفسخ العمر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به * وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحن أناس لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا * ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
اعزبني الدنيا وأعلا ذوي العلا * وأكرم من فوق التراب ولا فخر
وكتب إلى سيف الدولة من الدرب وقد اشتدت عليه علته:
هل تعطفان على العليل * لا بالأسير ولا القتيل
باتت تقلبه الأكف * سحابة الليل الطويل
يرعى النجوم السائرات * من الطلوع إلى الأفول
فقد الضيوف مكانه * وبكته أبناء السبيل
واستوحشت لفراقه * يوم الوغى سرب الخيول
وتعطلت سمر الرماح * وأغمدت بيض النصول
يا فارج الكرب العظيم * وكاشف الخطب الجليل
كن يا قوي لذا الضعيف * ويا عزيز لذا الذليل
قربه من سيف الهدى * في ظل دولته الظليل
أو ما كشفت عن ابن * داود (3) ثقيلات الكبول
اما المحب فليس يصغي * في هواه إلى عذول
يمضي بحال وفائه * ويصد عن قال وقيل
لم أرو منه ولا شفيت * بطول خدمته غليلي
الله يعلم أنه * املي من الدنيا وسولي
ولئن حننت إلى ذراه * لقد حننت إلى وصول
لا بالقطوب ولا الغضوب * ولا المطول ولا الملول
يا عدتي في النائبات * وظلتي عند المقيل
أين المحبة والذمام * وما وعدت من الجميل
احمل على النفس الكريمة * في والقلب الحمول
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر:
وما كنت أخشى ان أبيت وبيننا * خليجان والدرب الأصم وآلس (4)
ولا انني استصحب الصبر ساعة * ولي عنك مناع ودونك حابس
ينافسني هذا الزمان وأهله * وكل زمان لي عليك منافس



(1) تزيع تميل.
(2) يشير إلى ما بلغه عن الروم انهم قالوا ما أسرنا أحدا ولم نسلبه سلاحه غير أبي فراس.
(3) في نسخة:
أوليس عن داود فد * فككت اتقال الكبول
ويمكن أن يستفاد من الجمع بين النسختين قوله ان الروم
أبا العباس المار ذكره في ص 177 ان ابن عمار هذا اسمه داود بن عمار بن داود بن
حمدان بن حمدون وانه يكنى أبا العباس وانه اسروفك اسره سيف الدولة والظاهر أن الروم
أسرته وهو المراد بابن داود في النسخة الأخرى فإن قوله قل لابن عمار بن داود وقوله
ان بت ترسف في الحديد وقوله صبرا أبا العباس يدل على أن لعمار ولدات يكنى أبا العباس وانه
أسر، وقوله أو ما كشفت عن ابن داود وقوله أوليس عن داود على النسخة الأخرى يراد
بداود وأبو داود منهما رجل واحد وقد استنقذه سيف الدولة من الأسر وهو داود بن عمار بن
داود بن حمدان لأن أحد البيتين بدل من الآخر فلا يجوز أن يكون المراد بهما مختلفا وقد سماه
في أحدهما ابن داود وفي الاخر داود وفي السابق ابن عمار بن داود فحين جعله ابن داود نسبة
إلى جده والنسبة إلى الجد شائعة وحين جعله ابن عمار بن داود نسبه إلى أبيه وحين قال أوليس
عن داود ذكره باسمه ولا يبعد أن البيت كان أو لا أو ما كشفت عن ابن داود فغير إلى
قوله أوليس عن داود فإن فيه تصريحا باسمه فهو أولى من التعبير عنه بالابن فقوله أوليس
عن داود لم يرد به داود بن حمدان لأنه متقدم ولأن النسخة الثانية التي أريد بها عين ما في
النسخة الأولى جعلته ابن داود لا داود فاجمع بين هذه الأبيات يدلنا على أن المسمى بداود
اثنان أحدهما داود بن حمدان والثاني حفيده داود بن عمار بن حمدان.
(4) الخليجان خليجا القسطنطينية والدرب الأصم هو درب الروم المشهور المذكور في شعر
امرئ القيس بقوله (بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه) (وآلس) بكسر اللام اسم نهر في
بلاد الروم. - المؤلف -
346
شريتك من دهري بذي الناس كلهم * فلا انا مبخوس ولا الدهر باخس
وملكتك النفس النفيسة طائعا * وتبذل للمولى النفيس النفائس
تشوقني الأهل الكرام وأوحشت * مواكب بعدي عندهم ومجالس
وربتما ساد الأماجد ماجد * وربتما زان الفوارس فارس
رفعت عن الحساد نفسي وهل هم * لمن حسدوا لو شئت الا فرائس
أيدرك ما أدركت الا ابن همة * يمارس في كسب العلى ما يمارس
يضيق مكاني عن سواي لأنني * على قمة المجد المؤثل جالس
سبقت وقومي بالمكارم والعلا * وان رغمت من آخرين المعاطس
وكتب اليه سيف الدولة كتابا فيه كلام خشن وهو في الأسر لما بلغه
ان بعض الاسرى قال إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب
خراسان وغيره من الملوك وذلك حين قرروا مع ملك الروم اطلاق اسرى
المسلمين بمال يحملونه فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول لضمانه المال
فكتب اليه: ومن يعرفك بخراسان فكتب اليه أبو فراس:
أسيف الهدى وقريع العرب * الام الجفاء وفيما الغضب
وما بال كتبك قد أصبحت * تنكبني مع هذي النكب
وأنت الحليم وأنت الكريم * وأنت العطوف وأنت الحدب
وما زلت تسعفني بالجميل * وتنزلني بالجناب الخصب
وتدفع عن عاتقي الخطوب * وتكشف عن ناظري الكرب
وانك للجبل المشمخر * لي بل لقومك بل للعرب
علا يستفاد وعاف يفاد * وعز يشاد ونعمى ترب
وما غض مني هذا الأسئار * ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يقرعني بالخمول * مولى به نلت أعلى الرتب
وكان عتيدا لدي الجواب * ولكن لهيبته لم أجب
أتنكر اني شكوت الزمان * وأني عتبتك فيمن عتب
فلا تنسبن إلي الخمول * عليك أقمت فلم اغترب
فالا رجعت فاعتبتني * وصيرت لي ولقولي الغلب
وأصبحت منك فإن كان فضل * وان كان نقص فأنت السبب
فما شككتني فيك الخطوب * ولا غيرتني عليك النوب
وأشكر ما كنت في ضجرتي * واحلم ما كنت عند الغضب
وان خراسان ان أنكرت * علاي فقد عرفتها حلب
ومن أين ينكرني الأبعدون * امن نقص جد امن نقص أب
ألست وإياك من أسرة * وبيني وبينك فوق النسب
وداد تناسب فيه الكرام * وتربية ومحل اشب (1)
ونفس تكبر الا عليك * وترغب الاك عمن رعب
فلا تعدلن فداك ابن عمك * لا بل غلامك عما يجب
وانصف فتاك فانصافه * من الفضل والشرف المكتسب
لكنت الحبيب وكنت القريب * ليالي أدعوك من عن كثب
فلما بعدت بدت جفوة * ولاح من الامر ما لا أحب
فلو لم أكن فيك ذا خبرة * لقلت صديقك من لم يغب
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعاتبه:
زماني كله غضب وعتب * وأنت علي والأيام الب
وعيش العالمين لديك سهل * وعيشي وحده بفناك صعب
وأنت وأنت دافع كل خطب * مع الخطب الملم علي خطب
إلى كم ذا العتاب وليس جرم * وكم ذا الاعتذار وليس ذنب
فلا بالشام لذ بفي شرب * ولا في الأسر رق علي قلب
فلا تحمل على قلب جريح * به لحوادث الأيام ندب (2)
أمثلي تقبل الأقوال فيه * ومثلك يستمر عليه كذب
جناني ما علمت ولي لسان * - يقد الدرع والإنسان - عضب
وزندي وهو زندك ليس يكبو * وناري وهي نارك ليس تخبو
وفرعي فرعك السامي المعلا * واصلي أصلك الزاكي وحسب
لإسماعيل بي وبينه فخر * وفي إسحاق بي وبينه عجب (3)
وأعمامي ربيعة وهي صيد * واخوالي بلصفر (4) وهي غلب
فدت نفسي الأمير أكان حظي * وقربي عنده ما دام قرب
فلما حالت الأعداء دوني * وأصبح بيننا بحر ودرب
ظللت تبدل الأقوال بعدي * وتبلغني اغتيابا ما يغب
فقل ما شئت في فلي لسان * ملئ بالثناء عليك رطب
وقابلني بانصاف وظلم * تجدني في الجميع كما تحب
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر وقد مضى عليه سنتان وهو مأسور
من قصيدة:
أبي غرب هذا الدمع الا تسرعا * ومكنون هذا الحب الا تضوعا
فحزني حزن الهائمين مبرحا * وسري سر العاشقين مضيعا
وهبت شبابي والشباب مضنة * لأبلج من أبناء عمي أروعا
أبيت معنى من مخافة عتبه * وأصبح محزونا وأمسي مروعا
فلما مضى عصر الشبيبة كله * وفارقني شرخ الشباب فودعا
تطلبت بين الهجر والعب فرجة * فحاولت امرا لا يرام ممنعا
وصرت إذا ما رمت في الحي لذة * تتبعتها بين الهموم تتبعا
وها انا قد حلى الزمان مفارقي * وتوجني بالشيب تاجا مرصعا
فلو ان أسري بين عيش نعمته * حملت لذاك الشهد ذا السم منقعا
ولكن أصاب الجرح جسما مجرحا * وصادف هذا الصدع قلبا مصدعا
فلو انني ملكت مما أريده * من العيش يوما لم أجد في موضعا
أما ليلة تمضي ولا بعض ليلة * أسر بها هذا الفؤاد المفجعا
أما صاحب فرد يدوم وفاؤه * فيصفي لمن أصفى ويرعى لمن رعى
أفي كل دار لي صديق اوده * إذا ما تفرقنا حفظت وضيعا
أقمت بأرض الروم عامين لا أرى * من الناس محزونا ولا متصنعا
إذا خفت من أخوالي الروم خطة * تخوفت من أعمامي العرب أربعا
وان أوجعتني من أعادي شيمة * لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا
ولو قد أملت الله لا رب غيره * رجعت إلى أعلا وأملت أوسعا
لقد قنعوا بعدي من القطر بالندى * ومن لم يجد الا القنوع تقنعا
وما مر انسان فاخلف مثله * ولكن يرجي الناس امرا مرقعا
تنكر سيف الدين لما عتبته * وعرض بي تحت الكلام وقرعا



(1) من قولهم اشب الشجر كفرح فهو اشب اي ملتف وتاشبوا اله اي اجتمعوا وانضموا.
(2) الندب اثر الجرح الباقي بعد اندماله.
(3) إسماعيل هو أبو العرب واسحق أبو الروم يشير إلى أن أباه عربي وأمه أو احدى جداته
رومية وفسر ذلك بالبيت الذي تعده وبما يأتي في القصيدة الآتية وهو قوله:
إذا خفت من أخوالي الروم خطة * تخوفت من أعمامي العرب أربعا
(4) بلصفر مخفف بنو الأصفر وهو كثير في كلام العرب كقولهم بلعنبر وبلقين اي بنو العنبر وبنو
اللقين وغير ذلك. - المؤلف -
347
فقولا له من صادق الود انني * جعلتك مما رابني منك مفزعا
ولو انني أكننته في جوانحي * لاورق ما بين الضلوع وفرعا
فلا تغترر بالناس ما كل من ترى * أخوك إذا وضعت في الامر أوضعا
ولا تتقلد ما يروقك حليه * تقلد إذا حاربت ما كان أقطعا
ولا تقبلن القول من كل قائل * سأرضيك مرأى لست أرضيك مسمعا
فلله احسان علي ونعمة * ولله صنع قد كفاني التصنعا
أراني طرق المكرمات كما أرى * علي واسعاني علي كما سعى
فان يك بطء مرة فلطالما * تعجل نحوي بالجميل واسرعا
وان يجف في بعض الأمور فإنني * لأشكره النعمى التي كان أوزعا
وان يستجد الناس بعدي فلا يزل * بذاك البديل المستجد ممتعا
وكتب إلى سيف الدولة من الأسر يعرفه خروج الدمستق إلى الشام في
جموع الروم ويحثه على الاستعداد ويذكره امره ويسأله تقديم فدائه:
أتعز أنت على رسوم مغاني * فأقيم للعبرات سوق هوان
فرض علي لكل دار وقفة * تقضي حقوق الدار بالأجفان
لولا تذكر من هويت بحاجز * لم أبك فيه مواقد النيران
ولقد أراه قبل طارقة النوى * مأوى الحسان ومنزل الضيفان
ومكان كل مهند ومجر كل * مثقف ومجال كل حصان
نشر الزمان عليه بعد أنيسه * حلل الفناء وكل شئ فاني
ربما وقفت فسرني ما ساءني * منه وأضحكني الذي أبكاني
ورأيت في عرصاته مجموعة * أسد الشري وربارب الغزلان
يا واقفان معي على الدار اطلبا * غيري لها ان كنتما تجدان
منع الوقوف على المنازل طارق * امر الدموع بمقلتي ونهاني
فله إذا ونت المدامع أو جرت * عصيان دمعي فيه أو عصياني
ولقد جعلت الحب سر مدامعي * ولغيره عيناي تنهملان
أبكي الأحبة بالشام وبيننا * تلك الدروب وشاطئا جيحان
وتحب نفسي العاشقين لأنهم * مثلي إلى كنف من الأحزان
فضلت لدي مدامع فبكيت * للباكي بها وولهت للولهان
مالي جزعت من الخطوب وانما * اخذ المهيمن بعض ما أعطاني
ولقد سررت كما هممت عشائري * زمنا وهناني الذي عزاني
وأسرت في مجرى خيولي غازيا * وحبست فيما أشعلت نيراني
يرمي بنا شطر البلاد مشيع * عنده الكريهة فائض الاحسان
بلد لعمرك لم نزل زواره * مع سيد قرن أغر هجان
وانا الذي ملأ البسيطة كلها * ناري وطنب في السماء دخاني
كان القضاء فلم تكن لي حيلة * غلب القضاء شجاعة الشجعان
ان لم تكن طالت سني فان لي * رأي الكهول ونجدة الشبان
قمن بما ساء الأعادي موقفي * والدهر يبرز لي مع الاقران
يمضي الزمان وما عمدت لصاحب * الا ظفرت بصاحب خوان
يا دهر خنت مع الاصادق خلتي * وغدرت بي في جملة الاخوان
لكن سيف الدولة القرم الذي * لم انسه واراه لا ينساني
أيضيعني من لم يزل لي حافظا * كرما ويخفضني الذي أعلاني
اني أغار على مكاني ان أرى * فيه رجالا لا تسد مكاني
أو أن تكون وقيعة أو غارة * ما لي بها اثر مع الفتيان
سيف الهدى من حد سيفك يرتجى * يوم يذل الكفر للايمان
ولقد علمت وقد دعوتك انني * ان نمت عنك أنام عن يقظان
هذي الجيوش تجيش نحو بلادكم * محفوفة بالكفر والصلبان
هذي الجيوش تجيش نحو بلادكم * من كل أروع ضيغم سرحان
هذي الجيوش يفر منها الموت في * يوم الوغى وإثارة الشجعان
ليسوا ينون فلا تنوا وتيقظوا * لا ينهض الواني بغير الواني
قد أغضبوكم فانهضوا وتأهبوا * للحرب أهبة ثائر غضبان
غضبا لدين الله ان لا تغضبوا * لا يشتهر في نصره سيفان
حتى كان الوحي فيكم منزل * ولكم تخص فرائض القرآن
ثم أشار إلى كثير من الوقائع ثم قال:
انا لنلقى الخطب فيك وغيره * بموفق عند الحروب معان
أصبحت ممتنع الحراك وربما * أصبحت ممتنعا على الاقران
ولطالما حطمت صدر مثقف * ولطالما أرعفت انف سنان
ولطالما قدت الجياد إلى الوغى * قب البطون طويلة الارسان
أعزز علي بان يخلى موقفي * ويخل ما بين الصفوف مكاني
ما زلت أكلأ كل صدر موحش * ابدا بمقلة ساهر يقظان
شلال كل عظيمة ذوادها * ضراب هامات العدى طعان
ان يمنع الأعداء حد صوارمي * لا يمنع الأعداء حد لساني
يا راكبا يرمي الشآم بجسرة * موارة شدنية مذعان
أقر السلام من الأسير العاني * أقر السلام على بني حمدان
أقر السلام على الذين بيوتهم * مأوى الكرام ومنزل الضيفان
أقر السلام على الذين سيوفهم * يوم الوغى مهجورة الأجفان
الصافحين عن المسئ تكرما * والمحسنين إلى ذوي الاحسان
وقال وقد بلغه علة والدته بعدما قصدت حضرة سيف الدولة من
منبج إلى حلب تكلمه في المفاداة وتتضرع اليه فلم يكن عنده ما رجت
ولعله كان لسيف الدولة عذر سياسي في تأخير فدائه فان ما يغيب عن
الإنسان لا يجوز الحكم عليه من جميع نواحيه ووافق ذلك ان البطارقة قيدوا
بميافارقين فقيد هو بخرشنة ورأت الامر قد عظم فاعتلت من الحسرة فبلغ
ذلك أبا فراس فكتب إلى سيف الدولة:
يا حسرة ما أكاد احملها * آخرها مزعج وأولها
عليلة بالشام مفردة * بات بأيدي العدى معللها
تمسك احشاءها على حرق * تطفئها والهموم تشعلها
إذا اطمأنت وأين أو هدأت * عن لها ذكره يقلقها
تسأل عنه الركبان جاهدة * بأدمع ما تكاد تمهلها
يا من رأى لي بحصن خرشنة * أسد شرى في القيود أرجلها
يا من رأى لي الدروب شامخة * دون لقاء الحبيب أطولها
يا من رأى لي القيود موثقة * على حبيب الفؤاد أثقلها
يا أيها الراكبان هل لكما * في حمل نجوى يخف محملها
قولا لها ان وعت مقالكما * فان ذكري لها ليذهلها
يا أمتا هذه منازلنا * نتركها تارة وننزلها
يا أمتا هذه مواردنا * نعلها تارة وننهلها
أسلمنا قومنا إلى نوب * أيسرها في القلوب اقتلها
واستبدلوا بعدنا رجال وغى * يود أدنى علاي أمثلها
يا سيدا ما تعد مكرمة * الا وفي راحتيك اكملها

348
ليست تنال القيود من قدمي * وفي اتباعي رضاك احملها
لا تتيمم والماء تدركه * غيرك يرضى الصغرى ويقبلها
ان بني العم لست تخلفهم * ان غابت الأسد عاد أشبلها
أنت سماء ونحن أنجمها * أنت بلاد ونحن أجبلها
أنت سحاب ونحن وابله * أنت يمين ونحن أنملها
باي عذر رددت والهة * عليك دون الورى معولها
جاءتك تمتاح رد واحدها * فانتظر الناس كيف تقفلها
سمحت مني بمهجة كرمت * أنت على يأسها مؤملها
ان كنت لم تبذل الفداء لها * فلم أزل في رضاك أبذلها
تلك المودات كيف تهملها * تلك المواعيد كيف تغفلها
تلك العقود التي عقدت لنا * كيف وقد أحكمت تحللها
أرحامنا منك لم تقطعها * ولم تزل جاهدا توصلها
أين المعالي التي عرفت بها * تقولها دائبا وتفعلها
يا واسع الدار كيف توسعها * ونحن في صخرة نزلزلها
يا ناعم الثوب كيف تبدله * ثيابنا الصوف ما نبدلها
يا راكب الخيل لو بصرت بنا * نحمل أقيادنا وننقلها
رأيت في الضر أوجها كرمت * فارق فيك الجمال أجملها
قد اثر الدهر في محاسنها * تعرفها تارة وتجهلها
فلا تكلنا فيها إلى أحد * معلها محسن يعللها
لا يفتح الناس باب مكرمة * صاحبها المستغاث يقفلها
أينبري دونك الأنام لها * وأنت قمقامها ومعقلها
وأنت ان جل حادث جلل * قلبها المرتجى وحولها
منك تردى بالفضل أفضلها * منك أفاد النوال أنولها
فان سألنا سواك عارفة * فبعد قطع الرجاء نسألها
إذ رأينا أولى الأنام بها * يضيعها جاهدا ويهملها
لم يبق في الأرض أمة عرفت * الا وفضل الأمير يشملها
نحن أحق الورى برأفته * فأين عنا وكيف معدلها
يا منفق المال لا يريد به * الا المعالي التي يؤثلها
أصبحت تشري مكارما فضلا * فداؤنا قد علمت أفضلها
لا يقبل الله قبل فرضك ذا * نافلة عنده تنفلها
وكتب معها بهذين البيتين:
قد عذب الموت بأفواهنا * والموت خير من مقام الذليل
انا إلى الله لما نابنا * وفي سبيل الله خير السبيل
مراسلة والدته من الأسر
كتب إلى والدته بمنبج من أسر الروم:
لولا العجوز بمنبج * ما عفت أسباب المنية
ولكان لي عما سألت * من الفدى نفس أبيه
لكن أردت مرادها * ولو انجذبت إلى الدنية
وارى محاماتي عليها * ان تضام من الحمية
أمست بمنبج حرة * بالحزن من بعدي حرية
لو كان يدفع حادث * أو طارق بجميل نيه
لم تطرق نوب الحوادث * ارض هاتيك التقية
لكن قضاء الله * والاحكام تنفذ في البرية
والصبر يأتي كل ذي * رزء على قدر الرزيه
لا زال يطرق منبجا * في كل غادية تحيه
فيها التقى والدين * مجموعان في نفس زكيه
يا أمتا لا تيأسي * لله ألطاف خفيه
كم حادث عنا جلا * ه وكم كفانا من بليه
أوصيك بالصبر الجميل * فإنه خير الوصية
وكتب إلى والدته من الأسر يعزيها ويصبرها وقد ثقل من الجراح التي
نالته ويئس من نفسه:
مصابي جليل والعزاء جميل * وظني ان الله سوف يديل
وما زاد مني الأسر ما تريانه * ولكنني دامي الجراح عليل
جراح واسر واشتياق وغربة * أأحمل اني بعد ذا لحمول
جراح تحاماها الاساة مخافة * وسقمان باد منهما ودخيل
وأسر أقاسيه وليل نجومه * أرى كل شئ غيرهن يزول
تطول بي الساعات وهي قصيرة * وفي كل دهر لا يسرك طول
تناساني الأصحاب الا عصابة * ستلحق بالأخرى غدا وتحول
ومن ذا الذي يبقى على العهد انهم * وان كثرت دعواهم لقليل
اقلب طرفي لا أرى غير صاحب * يميل مع النعماء حيث تميل
وصرنا نرى ان المتارك محسن * وان صديقا لا يضر وصول
تصفحت أقوال الرجال فلم يكن * إلى غير شاك للزمان وصول
أكل خليل هكذا غير منصف * وكل زمان بالكرام بخيل
نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة * أجاب إليها عالم وجهول
وفارق عمرو بن الزبير شقيقه * وخلى أمير المؤمنين عقيل (1)
فيا حسرتي من لي بخل موافق * أقول بشجوي مرة ويقول
وان وراء الستر اما بكاؤها * علي وان طال الزمان طويل
فيا أمتا لا تعدمي الصبر انه * إلى الخير والنجح القريب رسول
ويا أمتا لا تعدمي الصبر انه * على قدر الرزء الجليل جميل
ويا أمتا لا تحبطي الاجر انه * على قدر الصبر الجميل جزيل
ويا أمتا صبرا فكل ملمة * تجلى على علاتها وتزول
تأسي كفاك الله ما تحذرينه * فقد غال هذا الناس قبلك غول
أمالك في ذات النطاقين أسوة * بمكة والحرب العوان تجول
أراد ابنها اخذ الأمان فلم تجب * وتعلم علما انه لقتيل (2)
وكوني كما كانت بأحد صفية * ولم يشف منها بالبكاء غليل
ولو رد يوما حمزة الخير حزنها * إذا لعلتها رنة وعويل (3)



(1) هو عمرو بن الزبير بن العوام كان بينه وبين أخيه عبد الله بن الزبير بغضاء استعمله
عمرو بن سعيد الأشدق على شرطته لما ولي المدينة ثم جهزه في نحو الفين لقتال أخيه
عبد الله بمكة فأرسل اليه اخوه من فرق جماعته ثم قبض عليه وكان عمرو قد ضرب أهل المدينة
ضربا شديدا لهواهم في أخيه فأمر اخوه ان يقتصوا منه فمات تحت السياط كذا في
شذرات الذهب، وفي مروج الذهب ان أصحاب عمرو انهزموا عنه وأسلموه فظفر به اخوه
عبد الله فأقامه للناس بباب المسجد الحرام مجردا ولم يزل بضربه بالسياط حتى مات وأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وعقيل اخوه.
(2) ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر يقال سميت بذلك لأنها شقت نطاقها لسفرة الرسول
(ص) يوم الغار وابنها عبد الله بن الزبير كان الحجاج يحاربه بمكة من قبل عبد الملك فبذل
له الأمان فاستشار أمه وهي عجوز عمياء فقالت عش عزيزا أو مت كريما فقاتل حتى قتل.
(3) هي صفية بنت عبد المطلب وحمزة أخوها قتل بأحد ومثل به فلما جاءت لتنظر اليه قال
النبي (ص) لابنها الزبير دونك أمك فلقيها وأخبرها فصبرت. - المؤلف -
349
وما أثري يوم اللقاء مذمم * ولا موقفي عند الأسئار ذليل
لقيت نجوم الليل صوارم * وخضت سواد الليل وهو خيول
ولم ارع للنفس الكريمة خلة * عشية لم يعطف علي خليل
ولكن لقيت الموت حتى تركتها * وفيها وفي حد الحسام فلول
ومن لم يوق الله فهو ممزق * ومن لم يعز الله فهو ذليل
ومن لم يرده الله في الامر كله * فليس لمخلوق اليه سبيل
وان رجائيه وظني بفضله * على قبح ما قدمته لجميل
مراسلته أخاه أبا الهيجاء
من الأسر
لما أسر أبو فراس لحق أخاه أبا الهيجاء حرب بن سعيد بن حمدان
جزع لأسره كما يلحق الأخ الوفي عند أسر أخيه السري فكتب اليه أبو
فراس من الأسر هذه القصيدة العصماء يعذله على هذا الجزع ويفتخر ويذكر
قوما عجزوا رأيه في الثبات فقد عرفت انه كان يمكنه الفرار فثبت تجنبا عن
سوء الأحدوثة وهذه القصيدة فيها في الديوان المطبوع نقص كثير ونحن
نذكر هنا أكثرها مع ما مر ويأتي منها وان لزم بعض التكرار لنفاسة مضامينها
وفيها مقاصد متنوعة:
النسيب
أبثك اني للصبابة صاحب * وللنوم مذ بان الخليط مجانب
علي لربع العامرية وقفة * فيملي علي الشوق والدمع كاتب
ومن مذهبي حب الديار وأهلها * وللناس فيما يعشقون مذاهب
الفخر
عنادي لدفع الهم نفس أبية * وقلب على ما شئت منه مصاحب
وجرد كأمثال السعالي سلاهب * وخوص كأمثال القسي نجائب
الاتكال على الله
إذا الله لم يحرزك فيما تخافه * فلا الدرع مناع ولا السيف قاضب
ولا سابق مما تنخلت (1) سابق * ولا صاحب مما تخيرت صاحب
جوابه لمن لامه على الثبات
يقولون لي أقدمت في غير مقدم * وأنت امرؤ ما حنكته التجارب
فقلت لهم لو لم ألاق صدورها * تناولني بالذم منهم عصائب
رجال يذيعون العيوب وعندنا * أمور لهم مخزونة ومعائب
تكاثر لوامي على ما أصابني * كان لم تنب الا بأسري النوائب
يقولون لم ينظر عواقب امره * ومن لم يعن تجري عليه العواقب
ألم يعلم الذلان (2) ان بني الوغى * كذاك سليب بالرماح وسالب
وان وراء الحزم فيها ودونه * مواقف تنسى عندهن التجارب
أرى ملء عيني الردى وأخوضه * إذ الموت قدامي وخلفي المقانب
الحساد والأعداء
رمتني عيون الناس حتى أظنها * ستحسدني في الحاسدين الكواكب
فلست أرى الا عدوا محاربا * وآخر خير منه عندي المحارب
فكم يطفئون المجد والله موقد * وكم ينقصون الفضل والله واهب
ويرجون ادراك العلا بنفوسهم * ولم يعلموا ان المعالي مواهب
ومضطغن لم يحمل السر قلبه * تلفت ثم اغتابني وهو هائب
تردى رداء الذل لما لقيته * كما يتردى بالغبار العناكب
ومن شرفي ان لا يزال يعيبني * حسود على الامر الذي هو عائب
القضاء والقدر
وهل يدفع الإنسان ما هو واقع * وهل يعلم الإنسان ما هو كاسب
وهل لقضاء الله في الناس غالب * وهل من قضاء الله في الناس هارب
العذر عن الأسر
علي طلاب العز من مستقره * ولا ذنب لي ان حاربتني المطالب
وعندي صدق الضرب في كل معرك * وليس عليه ان نبون المضارب
مدح سيف الدولة
إذا كان سيف الدولة الملك كافلا * فلا الحزم مغلوب ولا الحزن غالب
وهل يرتجى للامر الا رجاله * ويسال صوب المزن الا السحائب
التنزه عن الدنايا
فلا تخش سيف الدولة القرم انني * سواك إلى خلق من الناس راغب
فما تلبس النعمى وغيرك ملبس * ولا تقبل الدنيا وغيرك واهب
وما انا من كل المطاعم طاعم * ولا انا من كل المشارب شارب
ولا انا راض ان كثرن مكاسبي * إذا لم تكن بالعز تلك المكاسب
ولا السيد القمقام عندي بسيد * إذا استنزلته من علاه الرغائب
الاعتراف بانعام سيف الدولة
علي لسيف الدولة القرم أنعم * اوانس لا ينفرن عني ربائب
أأجحده احسانه بي انني * لكافر نعمي ان أردت موارب
وما شك قلبي ساعة في وداده * ولا شاب ظني قط فيه الشوائب
يؤرقني ذكرى له وصبابة * وتجذبني شوقا اليه الجواذب
الحنين إلى أخيه
أيعلم ما ألقى نعم يعلمونه * علي الناي أحباب لنا وحبائب
أأبقى أخي دمعا أذاق أخي عزا * أآب أخي بعدي من الصبر آيب
سقى الله أرض الموصل المزن انها * لمن حلها فرض له الحب لازب
بنفسي وان لم ارض نفسي راكب * يسائل عني كلما لاح راكب
فما ذاق بعدي لذة العيش ساعة * ولا ناب جفنيه من النوم نائب
قريح مجاري الدمع مستلب * الكرى يقلقله هم من الشوق ناصب
أخ لا يذقني الله فقدان مثله * وأين له مثل وأين المقارب
تجاوزت القربى المودة بيننا * فأصبح أدنى ما يعد التناسب
شكوى الزمان
رمتني الليالي بالفراق حسادة * وهن الليالي راميات صوائب
وما كنت أخشى ان أرى الدهر حاسدي * كأن لياليه لدى الأقارب
ولكنني في ذا الزمان وأهله * غريب وأفعالي لديه غرائب



(1) اي اخترت.
(2) الذلان بالضم الذليل كما مر وفي شعر حسان (لئام العبيد وذلانها). - المؤلف -
350
شرط الاخوة وحسن الرجاء
وأنت أخ تصفو وتصفي وانما * الأقارب في هذا الزمان العقارب
لعل الليالي ان يعدن فربما * تجلين اجلاء الغيوم المصائب
ألا ليتني حملت همي وهمه * وان أخي ناء عن الهم عازب
فمن لم يجد بالنفس دون حبيبه * فما هو الا ماذق الحب كاذب
تسليته لأخيه
أتاني مع الركبان انك جازع * وغيرك يخفى عنه لله واجب
وما أنت ممن يسخط الله فعله * وان اخذت منه الخطوب السوالب
واني لمجزاع ولكن همتي * تدافع عني حسرتي وتغالب
ورقبة حساد صبرت اتقاءها * لها جانب مني وللحزن جانب
ولست ملوما لو بكيتك من دمي * إذا قعدت عني الدموع السواكب
حسن الرجاء
ألا ليت شعري هل تبيت مغذة * تناقل بي يوما إليك الركائب
فتعتذر الأيام من طول ذنبها * إلي ويأتي الدهر والدهر تائب
وكتب أيضا إلى أخيه حرب بن سعيد من القسطنطينية:
لقد كنت أشكو البعد منك وبيننا * بلاد إذا ما شئت قربها الوخد
فكيف وفيما بيننا ملك قيصر * ولا أمل يحيي النفوس ولا وعد
مراسلته ابني سيف الدولة
كتب إلى أبي المكارم وأبي المعالي ابني سيف الدولة من الأسر يسألهما
ان يكلما أباهما في فدائه:
يا سيدي أراكما * لا تذكران أخاكما
أوجدتما بدلا به * يبني سماء علاكما
أوجدتما بدلا به * يفري نحور عداكما
ما كان بالفعل الجميل * بمثله أولاكما
من ذا يعاب بما لقيت * من الورى الاكما
لا تقعدا بي بعدها * وسلا الأمير أباكما
وخذا فداي جعلت من * ريب المنون فداكما
مراسلته محمد بن الأسمر
من الأسر
كتب اليه أبو الحسن محمد بن الأسمر وهو في الأسر يوصيه بالصبر
فاجابه بهذه الأبيات:
ندبت لحسن الصبر قلب نجيب * وناديت بالتسليم خير مجيب
ولم يبق مني غير قلب مشيع * وعود على ناب الزمان صليب
وقد علمت أمي بان منيتي * بحد سنان أو بحد قضيب
كما علمت من قبل ان يغرق ابنها * بمهلكه في الماء أم شبيب (1)
لقيت من الأيام كل عجيبة * وقابلني دهري بوجه قطوب
تجشمت خوف العار أعظم خطة * وأملت نصرا كان غير قريب
رضيت لنفسي كان غير موفق * ولم ترض نفسي كان غير نجيب (2)
مراسلته غلاميه
منصورا وصافيا من الأسر
كتب إلى غلامه منصور وهو في أسر الروم:
مغرم مؤلم جريح أسير * ان قلبا يطيق ذا لصبور
وكثير من الرجال حديد * وكثير من القلوب صخور
قل لمن حل بالشام طليقا * يفتدي قلبك الطليق الأسير
أنا أصبحت لا أطيق حراكا * كيف أصبحت أنت يا منصور
وكتب اليه أيضا:
ارث لصب بك قد زدته * على بلايا اسره اسرا
قد عدم الدنيا ولذاتها * لكنه ما عدم الصبرا
فهو أسير الجسم في بلدة * وهو أسير القلب في أخرى
وكتب إلى غلاميه صاف ومنصور من الأسر وفيها دلالة على شدة بره
بوالدته وشوقه لأصحابه وانه كان له أولاد صغار وان سيف الدولة اسند اليه
ذنبا:
لايكم أذكر * وفي أيكم أفكر
وكم لي على بلدة * بكاء ومستعبر
ففي حلب عدتي * وعزي والمفخر
وفي منبج من رضا * ه أنفس ما أذخر
ومن حبها زلفة * بها يكرم المحشر
وأصبية كالفراخ * أكبرهم أصغر
يخيل لي امرهم * كأنهم حضر
وقوم ألفناهم * وغصن الصبا اخضر
فحزني ما ينقضي * ودمعي ما يفتر
ولا هذه أدمعي * ولا ذا الذي انشر
ولكن إداري الدموع * واضمر ما اضمر
مخافة قول الوشاة * مثلك ما يصبر
فيا غفلتا كيف لا * أرجي كما احذر
وماذا القنوط الذي * أراه واستشعر
اما من بلاني به * على كشفه أقدر
بلى ان لي سيدا * مواهبه أكبر
فيا من غزر الدمع * واحسانه أغزر
بذنبي أوردتني * ومن فضلك المصدر
وكتب اليهما في الأسر أيضا يستجفيهما:
هل تحسان لي رفيقا رفيقا * مخلص الود أو صديقا صدوقا
لا رعى الله يا حبيبي دهرا * فرقتنا صروفه تفريقا
كنت مولاكما وما كنت الا * والدا محسنا وعما شفيقا
فاذكراني وكيف لا تذكراني * كلما استخون الصديق الصديقا
بت أبكيكما وان عجيبا * ان يبيت الأسير يبكي الطليقا



(1) شبيب الخارجي كانت أمه رأت وهي حامل به كان نارا خرجت منها فاشتعلت في
الآفاق ثم وقعت في الماء فانطفأت فلما خرج كان كلما قيل لها انه قتل لا تصدق حتى قيل لها
انه غرق فأقامت عليه مناحة. - المؤلف -
(2) اي رضيت ان يقال عني كان غير موفق ولم ترض نفسي ان يقال عني كان غير نجيب.
351
بقية أشعاره في الأسر
وقال يذكر اسره ويصف مناظرة جرت بينه وبين الدمستق في الدين:
يعز على الأحبة بالشام * حبيب بات ممنوع المنام
تبيت همومه والليل داج * تقلبه على وخز السهام
يؤول به الصباح إلى ظلام * ويسلمه الظلام إلى الظلام
واني للصبور على الرزايا * ولكن الكلام على الكلام
جروح ما يزلن يردن مني * على جرح قريب العهد دامي
تأملني الدمستق إذ رآني * فابصر صبغة الليث الهمام
أتنكرني كأنك لست تدري * بأني ذلك البطل المحامي
واني إذ نزلت على دلوك (1) * تركتك غير متصل النظام
وكنت ترى الأناة وتدعيها * فاعجلك الطعان عن الكلام
وبت مؤرقا من غير سقم * حمى جفنيك طيب النوم حامي
ولا ارضى الفتى ما لم يكمل * برأي الكهل اقدام الغلام
فلا هنئتها نعمى بأخذي * ولا وصلت سعودك بالتمام
اما من أعجب الأشياء علج * يعرفني الحلال من الحرام
وتكنفه بطارقة تيوس * تباري بالعثانين الضخام
لهم خلق الحمير فلست تلقى * فتى منهم يسير بلا حزام
وأصعب خطة واجل امر * مجالسة اللئام على الكرام
يريغون (2) العيوب واعجزتهم * واي العيب يوجد في الحسام
أبيت مبرأ من كل عيب * وأصبح سالما من كل ذام
ومن أبقى الذي أبقيت هانت * عليه موارد الموت الزؤام
ثناء طيب لا خلف فيه * وآثار كآثار الغمام
وعلم فوارس الحيين اني * قليل من يقوم لهم مقامي
وفي طلب الثناء مضى بجير (3) * وجاد بنفسه كعب بن مام (4)
ألام على التعرض للمنايا * ولي سمع أصم عن الملام
بنو الدنيا إذا ماتوا سواء * ولو عمر المعمر ألف عام
ألا يا صاحبي تذكراني * إذا ما شمتما البرق الشامي
إذا ما لاح لي لمعان برق * بعثت إلى الأحبة بالسلام
وقال وهو في الأسر بعد علة عوفي منها وكان في فخذه نصل سهم له
شعبتان أقام فيها ثلاثين شهرا فشقت فخذه حتى اخرج منها:
فلا تصفن الحرب عندي فإنها * طعامي مذ ذقت الصبا وشرابي
وقد عرفت وقع المسامير مهجتي * وشقق عن زرق النصول اهابي
ولججت في حلو الزمان ومره * وأنفقت من عمري بغير حساب
وقال وهو في الأسر:
يا ليل ما أغفل عما بي * حبائبي فيك وأحبابي
يا ليل نام الناس عن موجع * آب على مضجعه نابي
هبت له ريح شامية * متت إلى القلب بأسباب
أدت رسالات حبيب لنا * فهمتها من دون أصحابي
وقال وهو في الأسر:
قناتي على ما تعلمين صليبة * وعودي على ما تعهدين صليب
صبور على طي الزمان ونشره * وان ظهرت للدهر في ندوب (5)
وان فتى لم يكسر الأسر قلبه * وخوض المنايا حده لنجيب
وقال وهو في الأسر:
ان في الأسر لصبا * دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم * وله بالشام قلب
مستجدا لم يصادف * عوضا عمن يحب
وقال وهو في الأسر:
ما للعبيد من الذي * يقضي به الله امتناع
ذدت الأسود عن الفرائس * ثم تفرسني الضباع
وقال وهو في الأسر وقد سمع حمامة تنوح على شجرة عالية:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة * ايا جارتا هل بات حالك حالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى * ولا خطرت منك الهموم ببال
أتحمل محزون الفؤاد قوادم * إلى غصن نائي المسافة عالي
أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا * تعالي أقاسمك الهموم تعالي
تعالي تري روحا لدي ضعيفة * تردد في جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة * ويسكت محزون ويندب سالي
وما كل عين لا تفيض قريرة * ولا كل قلب لا ينوح بخالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة * ولكن دمعي في الحوادث غالي
وقال لما طال اسره يحمل على الشامتين ويصف منازله بمنبج ويتشوقها
وكانت ولايته واقطاعه وداره:
قف في رسوم المستجاب * وحي أكناف المصلى
فالجوسق الميمون فالساقيا * بها فالنهر الاعلى
تلك المنازل والملاعب * لا أراها الله محلا
أوطنتها زمن الصبا * وجعلت منبج لي محلا
حرم الوقوف بها علي * وكان قبل اليوم حلا
حيث التفت رأيت ماء * سائحا ووجدت ظلا
وتحل بالجسر الجنان * وتسكن الحصن المعلى
يجلو عرائسه لنا * هزج الرياح إذا تجلى
وإذا نزلنا بالسوا * جير اجتنينا العيش سهلا
والماء يفصل بين زهر * الروض في الشطين فصلا



(1) دلوك بالضم بلدة من نواحي حلب بالعواصم كانت بها وقعة لأبي فراس مع الروم.
(2) يطلبون.
(3) بجير هو ابن عمرو بن عباد كان عمه الحارث بن عباد قد اعتزل في حرب البسوس فلما
قتل جساس وهمام ابنا مرة ارسل الحارث تجيرا ابن أخيه إلى مهلهل وكتب اليه انك قد
أدركت ثأرك وقد أرسلت ابني إليك فاما قتلته بأخيك واما أطلقته فقتله مهلهل وقال يؤبثسع
نعل كليب. قال ابن خالويه في شرح هذا البيت ان الحارث بن عباد اعتزل حرب بكر وتغلب
فلما طال الحرب وكثر القتال انفذ ابنه بجيرا باذلا نفسه في طلب حسن الذكر وصلح العشيرة
فقتله المهلهل وجعله في خرج على ناقته وكتب رقعة في اذنة بؤبثسع نعل كليب فجرى ذلك
اليوم التحالق (اه‍) فهنا جعله ابن جاوله ابنه وقال إنه ارسله في طلب الصلح وفي شرح
قوله في النونية (وبنو عباد حين احرج حارث) جعله ابن أخيه وقال إنه خرج في طلب إبل
ضلت له كما يأتي ذلك كله عند ذكر شعره القصصي والصواب انه ابن أخيه وسماه ابنه لان
لان الأخ بمنزلة الابن فابن الأثير صرح بأنه ابن أخيه ومع ذلك سماه ابنه اما انه ارسل في
طلب الصلح أو خرج في طلب إبل له فالظاهر أنهما روايتان.
(4) كعب بن مام هو كعب بن مامة الايادي صاحب رجلا من النمر بن قاسط ومعهما ماء يسير
فاقتسماه وشرب النمري ماءه ثم استسقاه فآثره كعب بمائه فنجا النمري ومات كعب
عطشا.
(5) الندوب بضم النون جمع ندبسة بفتحها وهي أثر الجرح الباقي على الجلد - المؤلف -
352
كبساط وشي جردت * أيدي القيون عليه نصلا
من كان سر بما عرا * ني فليمت ضرا وهزلا
ما غض مني حادث * والقرم قرم حيث حلا
انى حللت فإنما * يدعونني السيف المحلى
مثلي إذا لقي الأسئار * فلن يضام ولن يذلا
لم أخل فيما نابني * من أن أعز وان اجلا
رعت القلوب مهابة * وملأتها فضلا ونبلا
فلئن خلصت فإنني * شرق العدى طفلا وكهلا
ما كنت الا السيف زاد * على صروف الدهر صقلا
ولئن قتلت فأنما * موت الكرام الصيد قتلا
لا يشمتن بموتنا * الا فتى يفنى ويبلى
يغتر بالدنيا الجهول * وليس في الدنيا مملى
وقال يذكر اسره وبعض حساده من قصيدة:
لمن جاهد الأعداء اجر المجاهد * واعجز ما حاولت ارضاء حاسد
ولم أر مثلي اليوم أكثر حاسدا * كأن قلوب الخلق لي قلب واحد
ألم ير هذا الناس قبلي فاضلا * ولم يظفر الحساد مثلي بماجد
أرى الغل من تحت النفاق فأجتني * من العسل الماذي سم الأساود
واصبر ما لم يلبس الصبر ذلة * وألبس للمذموم حلة حامد
وأعلم ان فارقت خلا عرفته * وحاولت خلا انني غير واجد
وهل نافعي ان عضني الدهر مفردا * إذا كان لي قوم طوال السواعد
وهل انا مسرور بقرب أقاربي * إذا كان لي منهم قلوب الأباعد
لعمرك ما طرق المعالي خفية * ولكن بعض السير ليس بقاصد
صبرت على اللأواء صبر ابن حرة * كثير العدا فيها قليل المساعد
وطاردت حتى ابهر الجري أشقري * وضاربت حتى أوهن الضرب ساعدي
خليلي ما أعددتما لمتيم * أسير لدى الأعداء جافي المراقد
فريد عن الأحباب لكن دموعه * مثان على الخدين غير فرائد
إذا كان غير الله للمرء عدة * اتته الرزايا من وجوه الفوائد
فقد جرت الحنفاء قتل حذيفة * وكان يراها عدة للشدائد (1)
وجرت منايا مالك بن نويرة * عقيلته الحسناء أيام خالد (2)
عسى الله ان يأتي بخير فان لي * عوائد من نعماه خير عوائد
فكم شال بي من قعر ظلماء لم يكن * لينقذني من قعرها حشد حاشد
فان عدت يوما عاد للحرب والعلا * وبذل الندى والمجد أكرم عائد
مرير على الأعداء لكن جاره * إلى خصب الأكناف عذب الموارد
منعت حمى قومي وسدت عشيرتي * وقلدت أهلي غر هذي القلائد
خلائق لا يوجدن في كل ماجد * ولكنها في الماجد ابن الأماجد
الاخوانيات
منها المراسلة بينه وبين بني ورقاء ومرت في اخباره معهم
المراسلة بينه وبين أبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان
قال أبو فراس وهو أول بيت قاله في صباه:
بكيت فلما لم أر الدمع نافعي * رجعت إلى صبر امر من الصبر
فاتصل هذا البيت بأبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان فكتب اليه
بأبيات أولها (أيا ابن الكرام الصيد والسادة الغر) فأجابه أبو فراس بقوله
من ابيات:
ألا ما لمن امسى يراك وللبدر * وما لمكان أنت فيه وللقطر
تجللت بالتقوى وأفردت بالعلا * وأهلت للجلى وحليت بالفخر
لقلدتني لما ابتدأت بمدحتي * يدا لا أؤدي شكرها آخر العمر
فان انا لم أمنحك صدق مودتي * فمالي إلى المجد المؤثل من عذر
أيا ابن الكرام الصيد جاءت كريمة * (ايا ابن الكرام الصيد والسادة الغر)
وانك في عذب الكلام وجزله * لتغرف من بحر وتنحت من صخر
ومثلك معدوم النظير من الورى * وشعرك معدوم النظير من الشعر
كان على ألفاظه ونظامه * بدائع ما حاك الربيع من الزهر
تنفس فيه الروض واخضل بالندى * وهب نسيم الفجر يخبر بالفجر
إلى الله أشكو من فراقك لوعة * طويت لها مني الضلوع على جمر
فعد يا زمان القرب في خير عيشة * وانعم بال ما بدا كوكب دري
وعش يا ابن نصر ما استهلت غمامة * تروح إلى عز وتغدو على نصر
وكتب اليه أبو زهير أيضا قصيدة أولها (بان صبري ببين ظبي ربيب)
فاجابه أبو فراس بقوله:
وقفتني على الأسى والنحيب * مقلتا ذلك الغزال الربيب
كلما عادني السلو رماني * غنج الحاظه بسهم مصيب
فاترات قواتل فاتنات * فاتكأت سهاما بالقلوب
أيها المذنب المعاتب حتى * خلت ان الذنوب كانت ذنوبي
كن كما شئت من وصال وهجر * غير قلبي عليك غير كئيب
لك جسم الهوى وثغر الأقاحي * ونسيم الصبا وقد القضيب
أنا في حالتي وصال وهجر * من جوى الحب في عذاب مذيب
بين قرب منغص بصدود * ووصال منغص برقيب
هل من الظاعنين مهد سلامي * للفتى الماجد الحصيف الأديب
ابن عمي الداني على شحط دار * والقريب المحل غير القريب
خالص الود صادق العهد انس * في حضور محافظ في مغيب
كل يوم يهدي إلى رياضا * جادها فكره بغيث سكوب
بان صبري لما تأمل طرفي * بان صبري ببين ظبي ربيب
فاجابه أبو زهير بقصيدة أولها (هاج شوق المتيم المهجور) فاجابه أبو
فراس بقوله:
مستجير الهوى بغير مجير * ومضام النوى بغير نصير
ما لمن وكل النوى مقلتيه * بانسكاب وقلبه بالزفير
فهو ما بين عمر ليل طويل * يتلظى وعمر يوم قصير
يا كثيبا من تحت غصن نضير * يتثنى من تحت بدر منير
قد منحت الرقاد عين خلي * بات خلوا مما يجن ضميري
ان لي مذ نأيت جسم مريض * وبكا ثاكل وذل أسير
وردت منك يا ابن عمي هدايا * تتهادى في سندس وحرير
بقواف ألذ من بارد الماء * ولفظ كاللؤلؤ المنثور
محكم قصر الفرزدق والأخطل * عنه وفاق شعر جرير



(1) الحنفاء فرس حذيفة بن بدر الفزاري تراهم هو وقيس بن زهير العبسي على فرسين لقيس
اسمهما داحس والغبراء وفرسين ولحذيفة اسمهما الخطار والحنفاء وجر ذلك إلى حرب داحس
والغبراء المشهورة قتل فيها حذيفة بن بدر واخوه حمل بن بدر وقيل كان الرهان على داحس
فرس قيس والغبراء فرس حذيفة والأول أصح ويدل عليه هذا البيت.
(2) هو خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة من بني حنيفة ودخل بامرأته - المؤلف -
353
أنت ليث الوغى وحتف الأعادي * وغياث الملهوف والمستجير
كم تحديتني أنت كبير السن * طب بكل امر كبير
وإذا كنت يا ابن عمي قد امتحت * جوابي قنعت بالميسور
هاج شوقي إليك لما أتتني * (هاج شوق المتيم المهجور)
وكتب اليه أبو زهير قصيدة أولها: (كتابي عن شوق إليك ووحشة)
فاجابه أبو فراس بقوله:
أيا ظالما أضحى يعاتب منصفا * أتلزمني ذنب المسئ تعجرفا
بدأت بتنميق العتاب مخافة * العتاب وذكرى بالجفا خيفة الجفا
فوافى على علات عتبك صابرا * والفي على حالات ظلمك منصفا
وكنت متى صافيت خلا منحته * بهجرانه وصلا ومن غدره وفا
فهيج لي هذا الكتاب صبابة * وجدد لي هذا العتاب تأسفا
فان أدنت الأيام دارا بعيدة * شفى القلب مظلوم من العتب واشتفى
فان كنت أقررت بالذنب تائبا * وان لم أكن أمسكت عنه تالفا
وكتب إلى أبي زهير بقوله من ابيات:
هو الطلل العافي وهاتا معالمه * فبح بهوى من أنت في القلب كاتمه
وما الغادة الحسناء صينت وانما * اذيل من الدمع المصون كرائمه
وما العيس سارت بالجاذر غدوة * الا انما صبري استقلت عزائمه
وليس بذي وجد فتى كتم الهوى * وليس بصب من ثنته لوائمه
وقفنا فسقينا المنازل أدمعا * هي الوبل والأجفان منها غمائمه
وما الدمع يوما نافعا من صبابة * ولو فاض حتى يملأ الأرض ساجمه
وكان عظيما عندي الهجر مرة * فلما رأيت البين هانت عظائمه
وما لجمال الحي يوم تحملوا * تولت بمن زان الحلي معاصمه
لقد جارت الأيام فينا بحكمها * ومن ينصف المظلوم والخصم حاكمه
سل الدهر عني هل خضعت لحكمه * وهل راعني اصلاله واراقمه
وهل موضع في البر ما جئت ارضه * ولا وطئته من بعيري مناسمه
ولا شعب الا قد وردت نجوده * وان بعدت أغواره وتهائمه
وما صحبتني قط الا مطيتي * وعضب حساب مخذم الحد صارمه
وان انفراد المرء في كل مشهد * لخير من استصحاب من لا يلائمه
إذا نزل الخطب الجليل فإننا * نصابره حتى تضيق حيازمه
وان جاءنا عاف فانا معاشر * نشاطره أموالنا ونقاسمه
بنينا من العلياء مجدا مشيدا * وما شائد مجدا كمن هو هادمه
سل المجد عنا يعلم المجد اننا * بنا اطدت أركانه ودعائمه
أخي وابن عمي يا ابن نصر نداء من * أقيمت لطول الهجر منك ماتمه
اودك ودا لا الزمان يبيده ولا الناي يفنيه ولا الهجر صارمه (ثالمه)
فوا عجبا للسيف لما انتضيته * من الجفن لم يورق بكفك قائمه
بليث إذا ما الليث حاد عن الوغى * وغيث إذا ما الغيث أكدت سواجمه
تعلم أقيك السوء ان مدامعي * لبعدك مثل العقد اوهاه ناظمه
واني مذ زمت ركابك للنوى * شديد اشتياق عازب القلب هائمه
وكتب اليه على هذا الوزن وهذه القافية من ابيات:
اما انه ربع الصبا ومعالمه * فلا عذر ان لم يسفح الدمع ساجمه
ونحن أناس يعلم الله اننا * إذا جمع الدهر الغشوم شكائمه
إذا ولد المولود منا فإنما * الأسنة والبيض الرقاق تمائمه
الا مبلغ عني ابن عمي رسالة * يبث بها بعض الذي انا كاتمه
فيا جافيا ما كنت أخشى جفاءه * ولو كثرت عذاله ولوائمه
كذلك حظي من زماني وأهله * يصارمني الخل الذي لا أصارمه
وأنت وفي لا يذم وفاؤه * وأنت كريم ليس تحصى كرائمه
أقيم به أصل الفخار وفرعه * وشد به ركن العلا ودعائمه
أخو السيف يعديه نداوة كفه * فيحمر خداه ويخضر قائمه
أعندك لي عتبى فاحمد ما مضى * وابني رواق الود إذ أنت هادمه
فلا تحبسن عني الجواب موشحا * بعقد من الدر الذي أنت ناظمه
المراسلة بينه وبين أخيه أبي الهيجاء
وكتب إلى أخيه أبي الهيجاء حرب بن سعيد:
حللت من المجد اعلا مكان * وبلغك الله أقصى الأماني
فإنك لا عدمتك العلا * أخ لا كإخوة هذا الزمان
صفاؤك في البعد مثل الدنو * وودك في القلب مثل اللسان
كسونا إخوتنا بالصفا * كما كسيت بالكلام المعاني
المراسلة بينه وبين أبي العشائر
وكتب إلى أبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان وهو أبو
زوجة أبي فراس عند اسره إلى بلد الروم من قصيدة:
أأبا العشائر ان أسرت فطالما * أسرت لك البيض الخفاف رجالا
لما أجلت المهر فوق رؤوسهم * نسجت له حمر الشعور عقالا (1)
يا من إذا حمل الحصان على الوجى * قال اتخذ حبك التريك (2) نعالا
ما كنت نهزة آخذ يوم الوغى * لو كنت أوجدت الكميت مجالا
حملتك نفس حرة وعزائم * قصرن من قلل الجبال طوالا
أخذوك في كبد المضائق غيلة * مثل النساء تربب الرئبالا (3)
ألا دعوت أبا فراس انه * ممن إذا طلب الممنع نالا
وردت بعيد الفوت ارضك خيله * سرعا كأمثال القطا ارسالا
زلل من الأيام فيك يقيله * ملك إذا عثر الزمان أقالا
ومعود فك العناة مداوم * قتل العداة ان استغار أطالا
ما زال سيف الدولة القرم الذي * يكفي الجسيم ويحمل الأثقالا
بالخيل ضمرا والسيوف قواضبا * والسمر لدنا والرجال عجالا
وغدا تزورك بالفكاك خيوله * متناقلات تنقل الأبطالا
ان ابن عمك ليس يغفل انه * اجتاح الملوك وفكك الأغلالا
وكتب إلى أبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان أيضا وهو
أسير بأرض الروم يذكر طلبه له ووصوله إلى مرعش في اثره ولم يلحقه:
نفى النوم عن عيني خيال مسلم * تأوب من أسماء والركب نوم
ومر جملة منها عند الكلام على شعره وأدبه وأسلوبه يقول فيها:
واترك ان أبكي عليك تطيرا * وقلبي يبكي والجوانح تلطم
وان جفوني ان ونت للئيمة * وان فؤادي ان سلوت لالأم
سأبكيك ما أبقى لي الدهر مقلة * فان عزني دمع فما عزني دم



(1) في اليتيمة ما أحسن ما اعتذر له مع احسانه التشيية.
(2) التريك جمع تريكة وهي بيضة الحديد.
(3) الرئبال الأسد. - المؤلف -
354
وحكمي بكاء الدهر فيما ينوبني * وحكم لبيد فيه حول محرم (1)
وما نحن الا وائل مهلهل * صفاء والا مالك ومتمم (2)
واني وإياه لعين وأختها * واني وإياه لكف ومعصم
تهين علينا الحرب نفسا عزيزة * إذا عاضنا عنها الثناء المتمم
وندعو كريما من يجود بماله * ومن جاد بالنفس النفيسة أكرم
وما الأسر غرم والبلاء محمد * وما النصر غنم والفرار مذمم
لعمري لقد أعذرت لو أن مسعدا * وأقدمت لو أن الكتائب تقدم
وما عابك ابن السابقين إلى العلى * تأخر أقوام وأنت مقدم
دعوت خلوفا حين تختلف القنا * وناديت صما عنك حين تصمم
إذا لم يكن ينجي الفرار من الردى * على حالة فالصبر أحجى وأحزم
وما لك لا تلقى بمهجتك القنا * وأنت من القوم الذين هم هم
ونحن أناس لا تزال سراتنا * لها مشرب مر المذاق ومطعم
لعا يا أخي لأمسك السوء انه * هو الدهر في حاليه بؤسى وانعم
وما ساءني اني مكانك عانيا * أسلم نفسي للاسار وتسلم
طلبتك حين لم أجد لي مطلبا * وأقدمت حتى قل من يتقدم
وما قعدت بي عن لحاقك همة * ولكن قضاء فاتني فيك مبرم
فان جل هذا الامر فالله فوقه * وان عظم المطلوب فالله أعظم
ولو انني وفيت رزءك حقه * لما خط لي كف ولا قال لي فم
المراسلة بينه وبين جابر
ابن ناصر الدولة
كتب إلى أبي المرجى جابر بن ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن
حمدان من ابيات:
لو لم تقلدني الليالي منة * الا مودته إذن لكفاها
جربت منه خلائقا وطرائقا * لا يطلب الأخ من أخيه سواها
فإذا تخيرت الجماعة كلها * امسى وأصبح شيخها وفتاها
اثني الضلوع على جوى وشفاؤها * اني أفاوضك الحديث شفاها
على الزمان يعود وقتا عله * وعسى الليالي ان تديل عساها
المراسلة بينه وبين القاضي
أبي الحصين الرقي
كتب إلى القاضي أبي الحصين علي بن عبد الملك الرقي القاضي
قاضي سيف الدولة بحلب وقد عزم على المسير إلى الرقة من ابيات أولها:
يا طول شوقي ان كان الرحيل غدا * لا فرق الله فيما بيننا ابدا
يا من أصافيه في قرب وفي بعد * ومن أخالصه ان غاب أو شهدا
راع الفراق فؤادا كنت تؤنسه * وذر بين الجفون الدمع والسهدا
لا يبعد الله شخصا لا أرى انسا * ولا تطيب لي الدنيا إذا بعدا
أضحى وأضحيت في سر وفي علن * أعده والدا إذ عدني ولدا
ما زال ينظر في البر مجتهدا * فضلا وانظم فيه الشعر مجتهدا
حتى اعترفت وعزتني فضائله * وفات سبقا وحاز الفضل منفردا
ان قصر الجهد عن ادراك غايته * فاعذر الناس من أعطاك ما وجدا
فاجابه القاضي أبو حصين بقصيدة أولها:
الحمد لله حمدا دائما ابدا * أعطاني الدهر ما لم يعطه أحدا
إن كان ما قيل من سير الركاب غدا * حقا فاني أرى وشك الحمام غدا
لولا الأمير وأن الفضل مبدأه * منه لقلت بان الفضل منك بدا
دام البقاء له ما شاء مقتدرا * يمضي أوامره ان حل أو عقدا
يذل أعداءه عزا ويرفع من * والاه فضلا ويبقى للملا ابدا
وانشد القاضي أبو حصين أبا فراس شعرا فاستحسنه وأنشده أبو
فراس شعرا فاستجاده فقال أبو فراس:
من بحر شعرك اغترف * وبفضل علمك اعترف
أنشدتني فكأنما * شققت عن در صدف
شعرا إذا ما قسته * بجميع أشعار السلف
قصرن دون مداه * تقصير الحروف عن الألف
فاخر القاضي الجواب فكتب اليه أبو فراس:
ويد براها الدهر غير ذميمة * تمحو إساءته إلي وتغفر
اهدى إلي مودة من صاحب * تزكو المودة في ثراه وتثمر
علقت يدي منه بعلق مضنة * مما يصان على الزمان ويذخر
لكنني من بعض امر عاتب * والحر يحتمل الصديق ويصبر
وإذا وجدت على الصديق شكوته * سرا اليه وفي المحافل أشكر
ما بال شعري لا يرد جوابه * سبحان عندك بأقل لا اعذر
وكتب القاضي أبو الحصين إلى أبي فراس:
آليت اني ما حييت * رهين شكر الحارث
فإذا المنية أشرفت * أورثت ذلك وارثي
من بعد سيدنا الأمير * وليس ذاك لثالث
قال أبو فراس فما أمكنني ان آتي على هذه القافية بشعر أرضاه فأجبته
على غيرها وقد عارضته إلى بالس ليكون الاجتماع بها فقلت:
لئن جمعتنا غدوة ارض بالس * فان لها عندي يدا لا أضيعها
أحب بلاد الله ارض تحلها * إلي ودار تحتويك ربوعها
أفي كل يوم رحلة بعد رحلة * تجرع نفسي حسرة وتروعها
فلي ابدا قلب كثير نزاعه * ولي ابدا نفس قليل نزوعها
فان تدنني الأيام منك فإنما * أبيح لنفسي خصبها وربيعها
وان عاق امر لم أجد غير نطفة * من الصبر أعصي حسرتي وأطيعها
ولا زلت في الحالين لابس نعمة * تطيب مجانيها وتزكو فروعها
رعى الله ما بيني وبينك انها * علائق حب لا يرام منيعها
وكتب إلى القاضي أبي حصين من الأسر جوابا:
كيف السبيل إلى طيف يزاوره * والنوم في جملة الأحباب هاجره
انا الذي ان صبا أو شفه غزل * فللعفاف وللتقوى مآزره
ما بال ليلي لا تسري كواكبه * وطيف عزة لا يعتاد زائره
يا ساهرا لعبت أيدي الفراق به * فالصبر خاذله والدمع ناصره
ان الحبيب الذي هام الفؤاد به * ينام عن طول ليل أنت ساهره
ما انس لا انس يوم البين موقفنا * والشوق ينهى البكا عني ويأمره



(1) إشارة إلى قول لبيد بن ربيعة العامري الذي قاله لما حضرته الوفاة يخاطب ابنيه من ابيات
فقوما وقولا بالذي قد علمتما * ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا خليله * أضاع ولا خان العهود ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
(2) وائل هو كليب ومهلل اخوه ومالك هو مالك بن نويرة ومتمم اخوه. - المؤلف -
355
وقولها ودموع العين واكفة * هذا الفراق الذي كنا نحاذره
هل أنت يا رفقة العشاق مخبرتي * عن الخليط الذي زمت أباعره
وهل رأيت امام الحي جارية * كالجؤذر الفرد تقفوه جاذره
وأنت يا راكبا يزجي مطيته * يستطرق الحي ليلا أو يباكره
إذا وصلت فعرض بي وقل لهم * هل واعد الوعد يوم البين ذاكره
ما أعجب الحب يمسي طوع جارية * في الحي من عجزت عنه مساعره
يا أيها العاذل الراجي انابته * والحب قد نشبت فيه أظافره
لا تتعبن فما يدري لحرقته * أأنت عاذله أم أنت عاذره
* * *
وراحل أوحش الدنيا برحلته * وان غدا معه قلبي يسايره
هل أنت مبلغه عني بأن له * حبا تمكن في قلبي يجاوره
وانني من صفت منه سرائره * وصح باطنه منه وظاهره
وما أخوك الذي يدنو به نسب * لكن أخوك الذي تصفو ضمائره
وانني واصل من أنت واصله * وانني هاجر من أنت هاجره
ولست واجد شئ أنت عادمه * ولست غائب شئ أنت حاضره
أبا حصين وخير القول أصدقه * أنت الصديق الذي طابت مخابره
وافى كتابك مطويا على نزه * يحار سامعه فيه وناظره
لولا اعتذار اخلائي بك انصرفوا * بوجه خزيان لم تقبل معاذره
أين الخليل الذي يرضيك باطنه * مع الخطوب كما يرضيك ظاهره
اما الكتاب فاني لست أذكره * الا تبادر من دمعي بوادره
يجري الجمان على مثل الجمان به * وينثر الدر فوق الدر ناثره
والعين ترتع فيما خط كاتبه * والسمع ينعم فيما قال شاعره
* * *
انا الذي لا يصيب الدهر غرته * ولا يبيت على خوف مجاوره
يمسي وكل بلاد حلها وطن * وكل قوم غدا فيهم عشائره
وما تمد له الاطناب في بلد * الا تضعضع باديه وحاضره
اني لأرعى حمى الجبار مقتدرا * وأورد الماء قهرا وهو حاضره
لي التخير مشتطا ومنتصرا * وللأفاضل بعدي ما أغادره
وكيف ينتصف الأعداء من رجل * العز أوله والمجد آخره
فمن سعيد بن حمدان ولادته * ومن علي بن عبد الله سائره
القائل الفاعل المأمون نبوته * والسيد الذائد الميمون طائره
بنى لنا العز مرفوعا دعائمه * وشيد المجد مشتدا مرائره
فما فضائلنا الا فضائله * ولا مفاخرنا الا مفاخره
زاكي الأصول كريم النبعتين ومن * زكت أوائله طابت أواخره
لقد فقدت أبي طفلا فكان أبي * من الرجال كريم العود ناضره
هو ابن عمي دنيا حين انسبه * لكنه لي مولى لا أناكره ما
زال لي نجوة مما أحاذره * لا زال في نجوة مما يحاذره
وانما وقت الدنيا موقيها * منه وعمر للاسلام عامره
هذا كتاب مشوق القلب مكتئب * لم يال ناظمه جهدا وناثره
وقد سمحت غداة البين مبتدئا * من الجواب بوعد أنت ذاكره
بقيت ما غردت ورق الحمام وما * استهل من واكف الوسمي باكره
حتى تبلغ أقصى ما تؤمله * من الأمور وتكفى ما تحاذره
فاجابه القاضي أبو حصين بقوله من قصيدة:
من واثب الدهر كان الدهر قاهره * ومن شكا ظلمة قلت نواصره
ان كان سار فان الروح تذكره * والعين تبصره والقلب حاضره
يا من أخالصه ودي وأمحضه * نصحي وتأتيه من وصفي جواهره
اتى كتابك والأنفاس خافتة * والجسم مستسلم والسقم قاهره
والطرف منكسر والشوق طارقه * والوجد باطنه والصبر ظاهره
فانتاشني وأعاد الروح في بدني * وشد صدعا وكسرا أنت جابره
منها في سيف الدولة:
حسبي بسيدنا فخرا أصول به * هو الفخور وما خلق يفاخره
من ذا يطاوله أم من يماجده * أم من يساجله أم من يكاثره
أم من يقاربه في كل مكرمة * أم من يناضله أم من يساوره
الحرب نزهته والباس همته * والسيف عزمته والله ناصره
والجود لذته والشكر بغيته * والعفو والعرف والتقوى ذخائره
ومنها:
هذا جواب عليل لا حراك به * قد خانه فهمه بل مات خاطره
يشكو إليك بعادا عنك اتلفه * وطول شوق ونيرانا تخامره
ان كان قصر فيما قال مجتهد * فأنت بالعدل والاحسان عاذره
وكان للقاضي أبي حصين ابنان أبو الحسن وأبو الهيثم فقتل أبو الحسن
ثم أسر أبو الهيثم من حمص فكتب اليه أبو فراس من الأسر:
يا قرح لم يندمل الأول * فهل بقلبي لكما محمل
جرحان في جسم ضعيف القوى * حيث أصابا فهو المقتل
تقاسم الأيام أحبابا * وقسمها الأفضل فالأفضل
فليتها إذ اخذت قسمها * عن قسمنا تغمض أو تغفل
ففدية المأسور مقبولة * وفدية المقتول لا تقبل
لا تعدمن الصبر في حالة * فإنه للخلق الأجمل
وعشت في عز وفي نعمة * وجدك المقتبل المقبل
وكتب إلى القاضي أبي الحصين عند أسر ابنه أبي الهيثم:
أيا راكبا نحو الجزيرة جسرة * عذافرة ان الحديث شجون
من الموخدات الضمر اللاء وخدها * كفيل بحاجات الرجال ضمين
تحمل إلى القاضي سلامي وقل له * الا ان قلبي مذ حزنت حزين
وان فؤادي لافتقاد أسيره * أسير بأيدي الحادثات رهين
أحاول كتمان الذي بي من الأسى * وتأبى غروب ستره وشؤون
لعل زمانا بالمسرة ينثني * وعطفة دهر باللقاء تكون
الا لا يرى الأعداء فيك غضاضة * فللدهر بؤس قد علمت ولين
وأعظم ما كانت همومك تنجلي * واصعب ما كان الزمان يهون
وفي بعض من يلقي إليك مودة * عدو إذا كشفت عنه مبين
إذا غير البعد الهوى فهوى أبي * حصين منيع في الفؤاد حصين
فلا برحت بالحاسدين كآبة * ولا رقات للشامتين عيون
المراسلة بينه وبين محمد بن أفلح الكاتب
كتب محمد بن أفلح الكاتب إلى أبي فراس كتابا فيه نظم ونثر
فاستحسن أبو فراس نظمه ونثره واجابه بقوله:
وافى كتابك مطويا على نزه * تقسم الحسن بين السمع والبصر

356
جزل المعاني رقيق اللفظ مونقه * كالماء يخرج ينبوعا من الحجر
وروضة من رياض الفكر دبجها * صوب القرائح لا صوب من المطر
كأنما نشرت يمناك بينهما * بردا من الوشي أو ثويا من الحبر
ومر في اخباره المراسلة بينه وبين بني ورقاء.
الصفات والتشبيهات
قال يصف نارا في الشتاء:
لله برد ما أشد * ومنظر ما كان أعجب
جاء الغلام بنارة * هو جاء في فحم تلهب
فكأنما جمع الحلي * فمحرق منه ومذهب
وقال يصف السحاب:
وزائر حببه إغبابه * طال على رغم الثرى اجتنابه
جاءت به مسبلة هدابه * ركب حياة والصبا ركابه
باك حنين رعده انتحابه * حتى إذا ما اتصلت أسبابه
وضربت على الثرى قبابه * وامتد في ارجائه اطنابه
وشرقت بمائه شعابه * جلي عن وجه الثرى اكتئابه
وحليت في نورها رحابه * كأنما الماء انجلى منجابه
شيخ كبير عاده شبابه
وقال من قصيدة:
وكأنما فيها الثريا إذ بدت * كف تشير إلى الذي تهواه
والبدر منتصف الضياء كأنه * متبسم بالكف يستر فاه
وقال:
ويوم جلا فيه الربيع رياضه * بأنواع حلي فوق أثوابه الخضر
كأن ذيول الجلنار مطلة * فضول ذيول الغانيات من الازر
وقال:
والجو ينثر درا غير منتظم * والأرض بارزة في ثوب كافور
والنرجس الغض يحكي حسن منظره * صفراء صافية في كأس بلور
وقال وقد عقد الجسر بمنبج
كأنما الماء عليه الجسر * درج بياض خط فيه سطر
كأننا لما استتب العبر * أسرة موسى يوم شق البحر
وقال يصف البرك والروض:
وكأنما البرك الملاء يحفها * أنواع ذاك الروض والزهر
بسط من الديباج بيض فروزت * أطرافها بفراوز خضر
وقال من قصيدة تقدمت:
والماء يفصل بين زهر * الروض في الشطين فصلا
كبساط وشي جردت * أيدي القيون عليه نصلا
وجلس يوما في البستان البديع والماء يتدرج في البرك فقال في وصفه
وساقه ما اعتاده من رؤية آلة الحرب دائما إلى ذكر السيوف والدروع:
انظر إلى زهر الربيع * والماء في برك البديع
وإذا الرياح جرت عليه * في الذهاب وفي الرجوع
نثرت على بيض الصفائح * بيننا حلق الدروع
وقال يصف الجلنار:
وجلنار مشرف (مشرق) * على أعالي شجره
كأن في رؤوسه * أحمره وأصفره
قراضة من ذهب * في خرق معصفرة
وقال:
وبقعة من أحسن البقاع * يبشر الرائد فيها الراعي
بالخصب والمرتع والوساع * كأن ما يستر وجه القاع
من سائر الألوان والأنواع * ما نسج الروم لذي الكلاع
من صنعة الخالق لا الصناع * والماء ينحط من التلاع
كما تسل البيض للقراع * وغرد الحمام للسماع
ورقص الغصن على الايقاع
وقال:
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه * مبادي نصول في عذار خصيب
وقال يصف البازي:
كأن فوق صدره والهادي * آثار مشي الذر في الرماد
وقال في الناقة:
كأن أعالي رأسها وسنامها * منارة قسيس قرابة هيكل
ما قاله في الشيب
قال من قصيدة:
وقوفك في الديار عليك عار * وقد رد الشباب المستعار
وقال:
وها انا قد حلى الزمان مفارقي * وتوجني بالشيب تاجا مرصعا
وقال من ابيات:
اخذت في تطلب العلات * لي لما رأت مشيب شواتي
يا لشيب العذار والرأس ما * يفعل في العاشقين والعاشقات
ظهرت في مفارقي شعرات * هن بغضنني إلى الغانيات
عجل الشيب في عذاري وهذا * شاهد بالمشيب في لذاتي
وقال:
شعرات في الرأس بيض وسود * حل رأسي جيشان روم وزنج
وقال:
فما للغواني إذ علا الشيب مفرقي * يعللن قلبي بالأماني الكواذب
أراهن يبدين الصدود عن الفتى * إذا ما بدا الشيب الذي في الذوائب
وقال من قصيدة:
رأيت الشيب لاح فقلت اهلا * وودعت الغواية والشبابا
وما ان شبت من كبر ولكن * لقيت من الأحبة ما أشابا
بعثن من الهموم إلي ركبا * وصيرني الصدود له ركابا
وقال من أخرى:
عذيري من طوالع في عذاري * ومن ود الشباب المستعار
وثوب كنت ألبسه أنيق * اجرر ذيله بين الجواري
وما زادت عن العشرين سني * فما عذر المشيب إلى عذاري

357
وما استمتعت من داعي التصابي * إلى أن جاءني داعي الوقار
فيا شيبي ظلمت ويا شبابي * لقد جورت منك بشر جار
أمرت بقصه وكففت عنه * وقر على تحمله قراري
وقلت الشيب أهون ما ألاقي * من الدنيا وأيسر ما إداري
ولا يبقى رقيق الفجر حتى * يضم عليه منبلج النهار
وكم من زائر بالكره مني * كرهت فراقه بعد المزار
وقال:
ألم ينهك الشيب الذي حل نازلا * وللشيب بعد الجهل للمرء رادع
وقال:
ما آن ان ارتاع * للشيب المفوف في عذاري
واكف عن سبل الضلال * وأكتسي ثوب الوقار
أم قد امنت الحادثات * من الغوادي والسواري
اني أعوذ بحسن عفو * الله من سوء اختياري
ما قاله في الطيف والخيال
وقال:
اشاقك الطيف ألم طارقه * آخر ليل لم ينمه عاشقه
وانجاب من ثوب الظلام غاسقه * من بعد ما سر مشوقا شائقه
وقال:
ألم بنا وجنح الليل داج * خيال زار وهنا من نوار
أباخلة علي وأنت جار * وواصلة على بعد المزار
وقال:
وطيف زارني وهنا وحيا * فقمت له على عيني ورأسي
يصارمني نهارا وهو ليلا * يواصلني مواصلة اختلاس
فيطعمني ويؤنسني هواه * فأهلك بين أطماع ويأس
التشوق إلى الأهل والأوطان
قال بعد نزوله منبج من ارض الجزيرة يتشوق بلاد الروم وأصحابه
بها:
افناعة من بعد طول جفاء * بدنو طيف من حبيب نائي
بأبي وأمي شادن قلت له * نفديك بالأمهات والآباء
وجناته تجني على عشاقه * ببديع ما فيها من اللألاء
بيض عليها حمرة فتوردت * مثل المدام مزجتها بالماء
فكأنما برزت لنا بغلالة * بيضاء تحت غلالة حمراء
كيف اتقاء لحاظه وعيوننا * طرق لاسهمها إلى الأحشاء
صبغ الحيا خديه لون مدامعي * فكأنه يبكي بمثل بكائي
كيف اتقاء جآذر يرميننا * بظبى الصوارم من عيون ظباء
يا رب تلك المقلة النجلاء * حاشاك مما ضمنت احشائي
جازيتني بعدا بقربي في الهوى * ومنحتني غدرا بحسن وفائي
* * *
جادت عراصك يا شآم سحابة * عراضة من أصدق الأنواء
تلك المجانة والخلاعة والصبا * ومحل كل فتوة وفتاء
أنواع زهر والتفاف حدائق * وصفاء ماء واعتدال هواء
وخرائد مثل الدمى يسقيننا * كأسين من لحظ ومن صهباء
وإذا أدرن على الندامى كاسها * غنيننا شعر ابن أوس الطائي
(أراح إذا ما الراح كن مطيها * كانت مطايا الشوق في الأحشاء)
فارقت حين شخصت عنها لذتي * وتركت أحوال السرور ورائي
ونزلت من بلد الجزيرة منزلا * خلوا من الخلطاء والندماء
فيمر عندي كل طعم طيب * من ريقها ويضيق كل فضاء
الشام لا بلد الجزيرة لذتي * وقويق لا ماء الفرات منائي
وأبيت مرتهن الفؤاد بمنبج * السوداء لا بالرقة البيضاء
من مبلغ الندماء اني بعدهم * أمسي نديم كواكب الجوزاء
ولقد رعيت فليت شعري من رعى * منكم على بعد الديار اخائي
وقال يذكر أهله بالموصل:
سلام رائح غادي * على ساكنة الوادي
على من حبها الهادي * إذا ما زرت والحادي
أحب البدو من اجل * غزال فيهم بادي
الا يا ربة الحلي * على العاتق والهادي (1)
لقد أبهجت أعدائي * وقد أشمت حسادي
بسقم ما له راق * واسر ما له فادي
فما انفك من ذكرا * ك في نوم وتسهاد
بشوق منك معتاد * وطيف غير معتاد
الا يا زائر الموصل * حي ذلك النادي
فبالموصل اخواني * وبالموصل اعضادي
كفاني سطوة الدهر * جواد نسل اجواد
وقاه الله فيما عاش * شر الزمن العادي
شكوى الاخوان والزمان
يظهر من كثير من شعره تبرمه بالزمان وسخطه عليه وتبرمه بالاخوان
ولا غرو فشكوى الزمان عادة أكثر أهل الهمم العالية والنفوس الكبيرة
ونذكر هنا ما هو من هذا النوع مع ذكر أكثره في أثناء ما مر من شعره ولزوم
بعض التكرير قال:
ولما تخيرت الاخلاء لم أجد * صبورا على حفظ المودة والعهد
سليما على طي الزمان ونشره * أمينا على النجوى صحيحا على البعد
ولما أساء الظن بي من جعلته * وإياي مثل الكف نيطت إلى الزند
حملت إلى ظني به سوء ظنه * وأيقنت اني في الإخاء له وحدي
وقال من قصيدة:
فلست أرى الا عدوا محاربا * وآخر خير منه عندي المحارب
وقال:
إلى الله أشكو ما أرى من عشيرة * إذا ما دنونا زاد حالهم بعدا
ونغلب بالحلم الحمية فيهم * ونرعى رجالا ليس ترعى لنا عهدا
وقال:
يمضي الزمان وما عمدت لصاحب * إلا ظفرت بصاحب خوان
يا دهر خنت مع الأصادق خلتي * وغدرت بي في جملة الاخوان



(1) الهادي العنق. - المؤلف -
358
وقال:
صاحب لما أساء * اتبع الدلو الرشاء
رب داء لا أرى منه * سوى الصبر شفاء
احمد الله على ما * سر من أمري وساء
وقال من قصيدة:
في كل يوم صاحب أفارقه * وصاحب لم إبله أصادقه
هذا زمان شرست خلائقه * وخبثت على الفتى طرائقه
اعدى أعادي به أصادقه * اخلص من توده تنافقه
فكل ما يسؤوه تفارقه * وكلما يسره توافقه
ان طرقت من زمن طوارقه * أو عاق عن بعض هواه عائقه
انباني بغله حمالقه
وقال من قصيدة تقدمت:
اما صاحب فرد يدوم وفاؤه * فيصفي لمن أصفى ويرعى لمن رعى
أفي كل دار لي صديق أوده * إذ ما تفرقنا حفظت وضيعا
أقمت بأرض الروم عامين لا أرى * من الناس محزونا ولا متصنعا
وان أوجعتني من أعادي شيمة * لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا
وقال من قصيدة:
أعيا علي أخ وثقت بوده * وامنت في الحالات صولة غدره
وخبرت هذا الدهر خبرة ناقد * حتى علمت بخيره وبشره
لا اشتري بعد التجارب صاحبا * ألا وددت بأنني لم أشره
من كل معتذر يقر بذنبه * فيكون أعظم ذنبه من عذره
ويجئ طورا ضره في نفعه * جهلا وطورا نفعه في ضره
فصبرت لم اقطع حبال وداده * وسترت منه ما استطعت بستره
واخ أطعت فما رأى لي طاعتي * حتى خرجت بأمره عن امره
وتركت حلو العيش لم أحفل به * لما رأيت أعزه في مره
وقال:
مالي أعاتب ما لي أين يذهب بي * قد صرح الدهر لي بالمنع والياس
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء له * كأنني جاهل بالدهر والناس
وقال:
يضن زماني بالثقات وانني * بسري على غير الثقات ضنين
الا ليت شعري هل أنا الدهر واجد * قرينا له حسن الوفاء قرين
فأشكو ويشكو ما بقلبي وقلبه * كلانا على نجوى أخيه امين
وقال من قصيدة:
صبرت على اللأواء صبر ابن حرة * كثير العدى فيها قليل المساعد
وقال من قصيدة تقدمت:
تدافعني الأيام عما أرومه * كما دفع الدين الغريم المماطل
ولكنها الأيام تجري بما جرت * فيسفل أعلاه وتعلو الأسافل
لقد قل من تلقى من الناس مجملا * وأخشى قريبا ان يقل المجامل
وقال من قصيدة تقدمت:
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه * ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس الا أقلهم * ذئابا على أجسادهن ثياب
الحكم والآداب
والزهد والمواعظ
قال من ابيات تقدمت:
تعس الحريص وقل ما يأتي به * عوضا عن الالحاح والالحاف
ان الغني هو الغني بنفسه * ولو أنه عاري المناكب حافي
ما كل ما فوق البسيطة كافيا * وإذا قنعت فكل شئ كافي
وقال من قصيدة مر جملة منها:
دع الوطن المألوف رابك أهله * وعد عن الأهل الذين تكاثروا
فأهلك من أصفى وودك ما صفا * وان نزحت دار وقلت عشائر
لعمرك ما الابصار تنفع أهلها * إذا لم يكن للمبصرين
بصائر وهل ينفع الخطي غير مثقف * وتظهر الا بالصقال الجواهر
وكيف ينال المجد والجسم وادع * وكيف يحاز الحمد والوفر وافر
وقال من قصيدة مرت:
وما راح يطغيني بأثوابه الغنى * ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر
وما حاجتي في المال أبغي وفوره * إذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره * فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
وقال:
غنى النفس لمن يعقل * خير من غنى المال
وفضل الناس في الأنفس * ليس الفضل في الحال
وقال من قصيدة مرت:
ومن لم يوق اله فهو ممزق * ومن لم يعز اله فهو ذليل
ومن لم يرده الله في الامر كله * فليس لمخلوق اليه سبيل
وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا * وان جل نصار وعز قبيل
وان هو لم يدلك في الامر كله * ضللت ولو أن السماك دليل
وقال ولا يوجدان في الديوان المطبوع:
انا ان عللت نفسي * بطبيب ودواء
عالم ان ليس الا * بيد الله شفائي
وقال:
أما يردع الموت أهل النهى * ويمنع عن غيه من غوى
أما عالم عارف بالزمان * يروح ويغدو قصير الخطى
فيا لاهيا آمنا والحمام * اليه سريع قريب المدى
يسر بشئ كأن قد مضى * ويأمن شيئا كان قد اتى
إذا ما مررت باهل القبور * تيقنت انك منهم غدا
وان العزيز بها والذليل * سواء إذا سلما للبلى
غريبين ما لهما مؤنس * وحيدين تحت طباق الثرى
فلا أمل غير عفو الإله * ولا عمل غير ما قد مضى
فإن كان خيرا فخير ينال * وان كان شرا فشر يرى
وقال من ابيات:
نسيبك من ناسبت بالود قلبه * وجارك من صافيته لا المصاقب
وأعظم أعداء الرجال ثقاتها * وأهون من عاديته من تحارب
لقد زدت بالأيام والناس خبرة * وجربت حتى هذبتني التجارب

359
وما الذنب الا العجز يركبه الفتى * وما ذنبه ان حاربته المطالب
ومن كان غير السيف كافل رزقه * فللذل منه لا محالة جانب
وما أنس دار ليس فيها مؤانس * وما قرب دار ليس فيها مقارب
وقال:
وكنت إذا جعلت الله * لي سترا من النوب
رمتني كل حادثة * فاخطتني ولم تصب
وقال من قصيدة مرت:
إذا الله لم يحرزك فيما تخافه * فلا الدرع مناع ولا السيف قاضب
ولا سابق مما تنخلت (1) سابق * ولا صاحب مما تخيرت صاحب
وهل يدفع الإنسان ما هو واقع * وهل يعلم الإنسان ما هو كاسب
وهل لقضاء الله في النفس غالب * وهل من قضاء الله في الناس هارب
وقال:
يا معجبا بنجومه * لا النحس منك ولا السعادة
الله ينقص ما يشاء * ومن يد الله الزيادة
دع ما تريد وما أريد * فان لله الإرادة
وقال:
لا تؤثرن دنو دار * من حبيب أو معاشر
أبقى لأسباب المودة * ان تزور ولا تجاور
وقال:
هل ترى النعمة دامت * لصغير أو كبير
أو ترى أمرين جاءا * أولا مثل أخير
انما تجري التصاريف * بتقليب الأمور
ففقير من غني * وغني من فقير
وقال:
المرء ليس بغانم في ارضه * كالصقر ليس بصائد في وكره
انفق من الصبر الجميل فإنه * لم يخش فقرأ منفق من صبره
واحلم إذا سفه الجليس وقل له * حسن المقال إذا اتاك بهجره
وأحب اخواني إلي ابشهم * بصديقه في سره أو جهره
لا خير في بر الفتى ما لم يكن * أصفى مشارب بره في بشره
يا رب مضطغن الفؤاد لقيته * بطلاقة فملكت ما في صدره
وقال:
ولا ارضى الفتى ما لم يكمل * برأي الكهل اقدام الغلام
بنو الدنيا إذا ماتوا سواء * ولو عمر المعمر ألف عام
وقال:
وأعظم ما كانت همومك تنجلي * واصعب ما كان الزمان يهون
وفي بعض من يلقي إليك مودة * عدوا إذا كشفت عنه مبين
ألا ليت شعري هل أنا الدهر واجد * قرينا له حسن الثناء قرين
وقال:
خفض عليك ولا تكن قلق الحشى * مما يكون وعلة وعساه
فالدهر اقصر مدة مما ترى * وعساك ان تكفى الذي تخشاه
وقال:
عرفت الشر لا للشر * لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر * من الناس يقع فيه
وقال:
المرء نصب مصائب لا تنقضي * حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في غيره * ومعجل يلقى الردى في نفسه
وقال:
ما صاحبي الا الذي من بشره * عنوانه في وجهه ولسانه
كم صاحب لم أغن عن انصافه * في عسره وغنيت عن احسانه
وقال:
ما كنت مذ كنت الا طوع خلاني * ليست مؤاخذة الاخوان من شاني
يجني الخليل فاستحلي جنايته * حتى أدل على عفوي واحساني
ويتبع الذنب ذنبا حين يعرفني * عمدا فاتبع احسانا باحسان
إذا خليلي لم تكثر إساءته * فأين موضع احساني وغفراني
يجني علي واحنو دائما ابدا * لا شئ أحسن من حان على جاني
وقال:
لست بالمستضيم من هو دوني * اعتداء ولست بالمستضام
رب امر عففت عنه اختيارا * حذرا من أصابع الأيتام
ابذل الحق للخصوم إذا ما * عجزت عنه قدرة الحكام
وقال:
احذر مقاربة اللئام فإنه * ينبيك عنها في الأمور مجرب
قوم إذا أيسرت كانوا اخوة * وإذا تربت تفرقوا وتجنبوا
اصبر على ريب الزمان فإنه * بالصبر تدرك كلما تتطلب
وقال:
لن للزمان وان صعب * وإذا تباعد فاقترب
لا تتعبن من غالب * الأيام كان لها الغلب
وقال:
ليس جودا عطية بسؤال * قد يهز السؤال غير الجواد
انما الجود ما أتاك ابتداء * لم تذق فيه ذلة الترداد
وقال:
إذا كان فضلي لا أسوع نفعه * فافضل منه ان أرى غير فاضل
ومن أضيع الأشياء مهجة عاقل * يجوز على حوبائها حكم جاهل
وقال في المزاح وكتبهما على ظهر الجزء الذي فيه الطردية:
أروح القلب ببعض الهزل * تجاهلا مني بغير جهل
امزح فيه مزح أهل الفضل * والمزح أحيانا جلاء العقل
وقال وليست في الديوان المطبوع:
الدهر يومان ذا ثبت وذا زلل * والعيش طعمان ذا مر وذا عسل
كذا الزمان فما في نعمة بطر * للعارفين وما في نقمة فشل
وما الهموم وان حاذرت ثابتة * ولا السرور وان أملت متصل



(1) تنخلت اي اخترت وانتقيت. - المؤلف -
360
فما الأسى بهموم لا بقاء لها * وما السرور بنعمى سوف تنتقل
والمرء يفنى ولا تفنى مآربه * تشب فيه اثنتان الحرص والأمل
وقال:
ألا فاصبري لخطوب الزمان * وكوني على حكمه صابره
فنقصان حظك في هذه * برجحان حظك في الآخرة
فما أنت في ذاك مغبونة * وان سادت المحن الحاضرة
فصفقة من باع دار البقاء * بدار الفناء هي الخاسرة
وقال:
كيف يرجى الصلاح من امر قوم * ضيعوا الحزم فيه أي ضياع
فمطاع المقال غير سديد * وسديد المقال غير مطاع
وقال:
أيا قلبي أما تخشع * أيا علمي أما تنفع
أما حقي أن انظر * في الدنيا وما تصنع
إذا شيعت أمثالي * إلى ضيق من المضجع
أما أعلم ان لا بد * لي من ذلك المصرع
أيا غوثاه بالله * لهذا الامر ما أفظع
وقال:
يا من أتانا بظهر الغيب قولهم * لو شئت غاظتكم منا الأقاويل
لكن أرى ان في الأقوال منقصة * ما لم تشد الأقاويل الأفاعيل
وقال من قصيدة:
لا أصحب الخوف ولا أرافقه * والموت حتم كل حي ذائقه
ما أنا ان رمت النجاة سابقه * وصاحب لم إبله أصادقه
اني على علاته أرافقه * اصفي له الود ولا اماذقه
يأمنني وان بدت بوائقه * ويضمر السوء وحسبي خالقه
وقال:
في الناس ان فتشتهم * من لا يعزك أو تذله
فاترك مجاملة اللئيم * فان فيها العجز كله
وقال:
الحر يصبر ما أطاق تصبرا * في كل آونة وكل زمان
ويرى مساعدة الكرام مروءة * ما سلمته نوائب الحدثان
ما كلف الإنسان الا وسعه * والله نص به على الإنسان
وإذا نبا بي منزل فارقته * والله يلطف بي بكل مكان
وإذا تغير صاحب صارمته * وصرفت عنه عند ذاك عناني
وقال:
فعل الجميل ولم يكن من قصده * فقبلته وقرنته بذنوبه
ولرب فعل جاءني من فاعل * احمدته وذممت ما يأتي به
ما كان من الحكم بيتا واحدا
إذا كان غير الله للمرء عدة * اتته الرزايا من وجوه الفوائد
ويبقى اللبيب له عدة * لوقت الرضا في أوان الغضب
عداوة ذي القربى أشد مضاضة * على المرء من وقع الحسام المهند
عفافك عني انما عفة الفتى * إذا عف عن لذاته وهو قادر
وما أخوك الذي يدنو به سبب * لكن أخوك الذي تصفو ضمائره
وإذا المنية أقبلت لم يثنها * حرص الحريص وحيلة المحتال
تلك سجايا من الليالي * للبؤس ما يخلق النعيم
وان انفراد المرء في كل مشهد * لخير من استصحاب من لا يلائمه
إذا لم يكن ينجي الفرار من الردى * على حالة فالصبر أحجى واحزم
وانا لنرمي الجهل بالجهل مرة * إذا لم نجد منه على حاله بدا
في الحسد
لا باد أعداؤك بل خلدوا * حتى يروا فيك الذي يكمد
ولا خلوت الدهر من حاسد * فإنما السيد من يحسد
وقال وليسا في الديوان المطبوع:
تتقول الحساد في تكذبا * ويقال في المحسود ما لا يفعل
يتطلبون إساءتي لا ريبتي * ان الحسود بما يسوء موكل
وقال:
رمتني عيون الناس حتى أظنها * ستحسدني في الحاسدين الكواكب
ما يجري مجرى الأمثال
من شعره
قال من قصيدة مرت:
وما كل طلاب من الناس بالغ * ولا كل سيار إلى المجد واصل
وما المرء الا حيث يجعل نفسه * واني لها فوق السماكين جاعل
أصاغرنا في المكرمات أكابر * وآخرنا في المأثرات أوائل
وقال من قصيدة مرت:
معللتي بالوصل والموت دونه * إذا مت عطشانا فلا نزل القطر
ونحن أناس لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا * ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
ولا خير في دفع الردى بمذلة * كما ردها يوما بسوءته عمرو
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره * فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
سيذكرني قومي إذا جد جدهم * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به * وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
وقال من قصيدة مرت:
كذاك الوداد المحض لا يرتجى له * ثواب ولا يخشى عليه عقاب
إذا الخل لم يهجرك الا ملالة * فليس له الا الفراق عتاب
إذا لم أجد في بلدة ما أريده * فعندي لاخرى عزمة وركاب
وما كل فعال يجازى بفعله * ولا كل قوال لدى يجاب
ورب كلام مر فوق مسامعي * كما طن في لوح الهجير ذباب
فليتك تحلو والحياة مريرة * وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر * وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين * وكل الذي فوق التراب تراب
وقال من قصيدة مرت:
ومن مذهبي حب الديار وأهلها * وللناس فيما يعشقون مذاهب
فكم يطفئون المجد والله موقد * وكم ينقصون الفضل والله واهب

361
وهل يدفع الإنسان ما هو واقع * وهل يعلم الإنسان ما هو كاسب
وهل يرتجى للامر الا رجاله * ويسأل صوب المزن الا السحائب
فمن لم يجد بالنفس دون حبيبه * فما هو الا ماذق الحب كاذب
وما انا من كل المطاعم طاعم * ولا انا من كل المشارب شارب
ولا السيد القمقام عندي بسيد * إذا استنزلته من علاه الرغائب
وقال من قصيدة مرت:
يريغون العيوب وأعجزتهم * وأي العيب يوجد في الحسام
بنو الدنيا إذا ماتوا سواء * ولو عمر المعمر ألف عام
وقال:
وما نحن الأوائل ومهلهل * صفاء والا مالك ومتمم
وندعو كريما من يجود بماله * ومن جاد بالنفس النفيسة أكرم
وقال من قصيدة:
فما كل من شاء المعالي ينالها * ولا كل سيار إلى المجد يهتدي
يقولون جانب عادة ما عرفتها * شديد على الإنسان ما لم يعود
الأمثال من شعره في بيت واحد
وما يغنيك من همم طوال * إذا قرنت بأموال قصار
عسفت بها عواري الليالي * أحق الخيل بالركض المعار (1)
لقد قنعوا بعدي من القطر بالندى * ومن لم يجد الا القنوع تقنعا
فرميت منك بغير ما أملته * والمرء يشرق بالزلال البارد
دع ما أريد وما تريد * فان لله الإرادة
اقلب طرفي لا أرى غير صاحب * يميل مع النعماء حيث تميل
إذا ما لم تخنك يد وقلب * فليس عليك خائنة الليالي
لا يثبت العز على فرقة * غيرك بالباطل مخدوع
ان قصر الجهد عن ادراك غايته * فاعذر الناس من أعطاك ما وجدا
تلك سجايا من الليالي * للبؤس ما يخلق النعيم
لا أطلب الرزق الدنئ مناله * قوت الهوان أقل من مقتاته
وإذا المنية أقبلت لم يثنها * حرص الحريص وحيلة المحتال
لقد قل ان تلقى من الناس مجملا * وأخشى قريبا ان يقل المجامل
شعره في القصص والاخبار
كان أبو فراس ضليعا بالتواريخ والاخبار عالما بالقصص والآثار في
الجاهلية والاسلام عارفا باخبار العرب والفرس والروم وغيرهم ولا غرو فهو
جليس مكتبة سيف الدولة الحافلة بألوف المجلدات في جميع الفنون التي
كانت بإدارة الخالديين وفيها كتاب الأغاني وأمثاله وتلميذ ابن خالويه وغيره
من علماء حضرة سيف الدولة المكتظة بفحول العلماء لذلك كثرت الإشارة
في شعره إلى القصص والاخبار قال:
ومضطغن يحاول في عيبا * سيلقاه إذا سكنت وبار (2)
واحسب انه سيجر حربا * على قوم بنون لهم صغار
كما خزيت براعيها نمير (3) * وجر على بني أسد يسار (4)
وقال يخاطب سيف الدولة:
فان مت بعد اليوم عابك مهلكي * معاب الزراريين مهلك معبد
هم عضلوا عنه الفداء وأصبحوا * يهزون أطراف القريض المقصد
ولم يك بدعا هلكه غير أنهم * يعابون إذ سيم الفداء فما فدي (5)
وقال يخاطب والدته:
وفارق عمرو بن الزبير شقيقه * وخلى أمير المؤمنين عقيل (6)
أمالك في ذات النطاقين أسوة * بمكة والحرب العوان تجول
أراد ابنها اخذ الأمان فلم تجب * وتعلم علما انه لقتيل (7)
وكوني كما كانت بأحد صفية * ولم يشف منها بالبكاء غليل
ولو رد يوما حمزة الخير حزنها * إذا لعلتها رنة وعويل (8)
وقال:
كما علمت من قبل ان يهلك ابنها * بمهلكه في الماء أم شبيب (9)
وللعار خلى رب غسان ملكه * وفارق دين اله غير مصيب (10)
وقال:
وقد جرت الحنفاء قتل حذيفة * وكان يراها عدة للشدائد (11)
وجرت منايا مالك بن نويرة * عقيلته الحسناء أيام خالد
وقال من قصيدة مرت في الاخوانيات:
وحكمي بكاء الدهر فيما ينوبني * وحكم لبيد فيه حول محرم (12)



(1) عسفت استخدمت كما يفهم من القاموس ولكن الظاهر أن في العسف معنى العنف
(وبها) أي بالزيارة المذكورة في البيت قبله (وما انسى الزيارة منك وهنا) (وعواري) جمع
عارية مضاف إلى الليالي اي الليالي المستعارة (واحق الخيل بالركض المعار) مثل استشهد
به. واختلف في معناه فقيل من العارية لان المعار لا يشفق عليه شفقة صاحبه ويظهر من
بيت أبي فراس انه حمله على ذلك لقوله (عسفت بها عواري الليالي) وقيل المعار المسمن. وقيل
المضمر. وقيل المهلوب الذنب وبعضهم يرويه المغار بالغين المعجمة اي القوي الشديد
المفاصل من قولهم حبل مغار أي شديد القتل.
(2) مر ان وبار بلاد عاد.
(3) الراعي شاعر فحل من بني نمير اسمه عبيد بن حصين ولم يكن راعيا لكنه لقب بالراعي
لكثرة وصفه الإبل وصفا جيدا وكان يفضل الفرزدق على جرير فخرج جرير فلقي الراعي
والراعي راكب بغلة وابنه جندل خلفه راكب مهرا فقال له جرير يا أبا جندل انك تفضل
علي الفرزدق تفضيلا قبيحا وانا أمدح قومك وهو يهجوهم ويكفيك إذا ذكرت ان تقول
كلاهما شاعر كريم فاحق ابنه جندل فضرب عجز بغلته و قال أراك واقفا على كلب بني كلب
فزحمت البغلة جريرا ووقعت قلنسوته فهجا جرير بيي نمير بقصيدته التي يقول فيها:
فغص الطرف انك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فأخزاهم وكان سبب ذلك ولده جندل فلذلك جعله شاهدا على أن الأبناء الصغار سيجرون
حربا على قومهم.
(4) كان يسار راعيا لزهير بن عبد الله من غطفان فأغار الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني
أسد على إبل زهير فاستاق الإبل وراعيها يسارا فقال زهير: تعلم أن شر الناس حي * ينادي في شعارهم يسار
ولولا عسبه لرددتموه * وشر منيحه عسب معار
فنسبهم إلى أنهم لم يردوا يسارا لامر قبيح فرد الحارث يسارا عليهم فهذا الذي جره يسار
على بني أسد بأسرهم إياه.
(5) مرت قصته.
(6) مر شرحه.
(7) مر شرحهما.
(8) مر شرحهما.
(9) مر خبره.
(10) رب عسان هو جبلة بن الأيهم كان نصرانيا فاسلم وهو من ملوك غسان لطم اعرابيا في
الطواف فشكاه إلى عمر فقال لجبلة اما ان يقتص منك أو ترضيه فقال كيف وانا ملك وهو
سوقة فقال إن الاسلام ساوى بين الناس فتنصر ولحق بملك الروم.
(11) مر شرح ذلك.
(12) مر شرحه. - المؤلف -
362
وقال: وفي طلب الثناء مضى بجير * وجاد بنفسه كعب بن مام (1)
وقال:
فبنو كلاب وهي قل أغضبت * فدهت قبائل مسهر بن قنان (2)
وبنو عباد حين احرج حارث * جروا التحالف في بني شيبان
خلوا عديا وهو صاحب ثأرهم * كرما ونالوا الثأر بابن أبان (3)
والمسلمون بشاطئ اليرموك لما * أحرجوا عطفوا على باهان (4)
وحماة هاشم حين أحرج صيدها * جروا البلاء على بني مروان (5)
والتغلبيون احتموا من مثلها * فعدوا على العادين بالسلان (6)
وبغى على عبس حذيفة فاشتفت * منه صوارمهم ومن ذبيان (7)
وسراة بكر بعد ضيق فرقوا * جمع الأعاجم عن أنوشروان
أبقت لبكر مفخرا وسمالها * من دون قومهما يزيد وهاني
المانعين العنقفير بطعنهم * والثائرين بمقتل النعمان (8)
معانيه المبتكرة
أو شبه المبتكرة
منها قوله:
فآب برأس القرمطي أمامه * له جسد من أكعب الرمح ضامر
وقوله:
كنت استصعب الجفاء فلما * بعدوا سهل البعاد الجفاء
وقوله في وصف الخدود:
بيض عليها حمرة فتوردت * مثل المدام مزجتها بالماء
فكأنما برزت لنا بغلالة * بيضاء تحت غلالة حمراء
صبغ الحيا خديه لون مدامعي * فكأنه يبكي بمثل بكائي
كيف اتقاء لحاظه وعيوننا * طرق لاسهمها إلى الأحشاء
وقوله:
واكتم الوجود وقد أصبحت * عيناي عينيه على قلبي
قد كنت ذا صبر وذا سلوة * فاستشهدا في طاعة الحب
وقوله:
ان يك غاب ليلة فجميل * ليس بد للبدر من أن يغيبا
وقوله:
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه * مبادي نصول في عذار خضيب
وقوله:
وما ضاقت مذاهبه ولكن * يهاب من الحمية ان يهابا
وقوله:
غريب وأهلي حيث ما كر ناظري * وحيد وحولي من رجالي عصائب
وقوله يخاطب سيف الدولة لما أوقع ببني نمير فخرجت اليه ابنة ماغت
ووقعت على ركابه فصفح ورد السلب:
وقد خلط الخوف لما طلعت * دل الجمال بذل الرعب
وقد رحن من مهجات القلوب * بأوفر غنم وأعلى نشب
فان لا يجدن برد القلوب * فلسنا نجود برد السلب
وقوله:
ان الغزالة والغزالة أهدتا * وجها إليك إذا طلعت وجيدا



(1) مر شرحه.
(2) مسهر كمحسن وقنان كسحاب ومسهر بن قنان رجل من بني الحارث بن كعب قال ابن
خالويه: لما قتل عامر بن الطفيل ابن خوات شردت بنو جعفر بن كلاب وطال جوارها في
العرب وانتهى جوارها إلى بني الحارث بن كعب فنزلوا بمسهر بن قنان فلما تمكن منهم سامهم
ان يزوجوا أربعين غلاما بأربعين بنتا كلابية فقال عامر النساء عجاف فانظرنا أربعين يوما
واستطعموا منه زادا وعشارا وما يقوم النساء به فساق إليهم فوفر الألبان وسأل بعد ذلك بنو
الحارث بني كلاب مثل سؤال مسهر بن قنان فهاجت بينهم الحرب وفقأت بنو الحارث عين ابن
ابطفيل وانهزمت بنو الحارث وذلك يوم من مفاخر بني كلاب. وفي حواشي بعض النسخ
بعد قوله فوفر الألبان: وانفرد عامر باهله فلما قرب الاجل أدلج ولحقته الخيل بنف الريح
(وهو مكان بأعلى نجد) فقال عامر يا بني كلاب من طعن طعنة فليشهدني عليه فكان كل
من طعن يقول اشهد يا عامر فالتفت فطعنه مسهر ففقأ عينه وقاتلت يومئذ بنو كلاب
فأحسنت البلاء وقتل عامط مسهر بن قنان.
(3) حارث هو بن عباد الشيباني، (وعدي) هو المهلهل لقب بذلك لأنه أول من
هلهل الشعر اي رققه. قال ابن خالويه: كان الحارث بن عباد اعتزل بكر وتغلب
(المعروفة بحرب البسوس)، وقال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل فخرج ابن أخيه بجبير
بطلب إبلا له ضلت (وقيل بل ارسله عمه الحارث إلى مهلهل لطلب الصلح كما مر) فاخذه
المهلهل وقتله وقال يؤبشسع نعل كليب فتجهز الحارث للحرب (وهذا هو معنى كونه
احرج) وأمرهم بحلق شعورهم والتقوا فاسر الحارث مهلهلا وهو لا يعرفه فقال له أطلقني
وادلك على مهلهل فاطلقه فقال انا مهلهل فقال له الحارث إذا قذفتني ولكن دلني على من
يقوم مقامك فقال له ابن ابان فحمل عليه الحارث فقتله، ولم يكن على بني تغلب يوم أعظم
من يوم التحالق.
(4) اليرموك نهر بالشام في طرف الغور كانت عليه وقعة بين المسلمون والروم (وباهان) قائد
من قواد الروم روى الطبري في تاريخه انه لما نزل المسلمون اليرموك واستمدوا أبا بكر بعث
إلى خالد وهو بالعراق فطلع عليهم خالد وطلع باهان على الروم في وقت واحد وقال ابن
الأثير سار بطريق من الروم يدعى باهان إلى خالد (اه‍). والظاهر أن باهان كان أرمنيا كما
يرشد اليه اسمه أمد صاحب امينية الروم به في ثلاثين ألفا يوم اليرموك فعطف عليهم
المسلمون فقتلوهم جميعا قال ابن خالويه في شرح هذا البيت: لما افتتح المسلمون أجناد
الشام استنجد ملك الروم ثلاثين ألفا من أهل أرمينية فأنجدوه وانزل الرهبان وتخلوا عن
حمص ودمشق ثم عطفوا عليهم فقتلوهم جميعا فانتقل ملك الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية
(اه‍).
(5) يشير إلى اخذ العباسيين الملك من بني مروان الأمويين.
(6) في معجم البلدان السلان بضم أوله وتشديد ثانيه قال أبو أحمد العسكري يوم السلان بين
بني ضبة وبني عامر بن صعصعة ويوم السلان أيضا قبل هذا بين معد ومذحج وقيل السلان
هي ارض تهامة مما يلي اليمن كانت بها وقعة لربيعة على مذحج وقيل السلان بين جيش
النعمان وبني عامر الذين عرضوا للطيمة كسرى وقال ابن خاولويه في شرح البيت كان باليمن ملوك
العرب وكان لهم على كل قبيلة عريف يدبر امرها وكان لهم في تغلب لبيد بن عنق
(عتيق) اللحية الغساني وكانت تحته كليب فلطمها يوما لطمة فخرجت باكية وقالت: ما كنت احسب يالتغلب وائل * انا عبيد الحي من غسان
حتى علتني من أبيد لطمة * هملت لها من حرها العينان
(اه‍). والظاهر أنه كان بالسلان عدة وقائع وما ذكره ابن خالويه أحدها وهو الذي اراده
أبو فراس لقوله والتغلبيون الخ.
(7) هو حذيفة بن بدر ومر خبره.
(8) يشير إلى وقعة ذي قار بين بني بكر وجند كسرى. (ويزيد) هو يزيد بن اصرم.
(وهاني) هو هاني بن قبيصة الشيباني. (والعنقفير): في القاموس في باب الراء فصل
العين: العنقفير كزنجبيل الداهية والمرأة السليطة والعقرب ومن الإبل التي تكبر حتى يكاد
قفاها يمس كتفها (اه‍). والمراد بالعنقفير في بيت أبي فراس هي ابنة النعمان بن المنذر فإنها
كانت تسمى بذلك. قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس لما قتل كسرى النعمان
طلبت ابنته العنقفير الجوار من كل العرب فأبوا ان يجيروها حتى دخلت بيت هانئ بن
قبيصة بن مسعود بن عامر بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان فأجارها فقعدت عنه قبائل
بكر بن وائل الا يزيد بن اصرم بن مسهر واصرم بن ثعلبة بن همام بن حنظلة بن
شيبان بن خاطبة بن سعد بن عجل فإنهما قاما بنصره ومعونته فاجتمعا معه بذي قار فانتصروا
على كسرى. - المؤلف -
363
وقوله:
ان الغزالة والغزالة * في ثناياه وجيده
وقوله:
لم أبح بالوداع جهرا ولكن كان * جفني فمي ودمعي كلامي
وقوله:
لطيرتي بالصداع نالت * فوق منال الصداع مني
وجدت فيه اتفاق سوء * صدعني مثل صدعني
وقال وليست في الديوان المطبوع:
يا ليلة لست انسى طيبها ابدا * كأن كل سرور حاضر فيها
كأن سود عناقيد تكتمها * أهدت سلافتها خمرا إلى فيها
وقال:
وانساني نعاسي فيه حتى * ظننت بان تسهادي نعاسي
وقال:
سقى ثرى حلب ما دمت ساكنها * يا بدر غيثان منهل ومنبجس
أسير عنها وقلبي في المقام بها * كان قلبي لفقد السير محتبس
مثل الحصاة التي ترمي بها ابدا * إلى السماء فترقى ثم تنعكس
من أنواع البديع
الجناس.
سكرت من لحظة لا من مدامته * ومال بالنوم عن عيني تمايله
وما السلاف دهتني بل سوالفه * ولا الشمول أزدهتني بل شمائله
ألوي بعزمي اصداع لوين له * وغال قلبي بما تحوي غلائله
الجناس ولزوم ما لا يلزم
لحبك من قلبي حمى لا يحله * سواك وعقد ليس خلق يحله
وقد كنت أطلقت المنى لي موعدا * ووقت لي وقتا وهذا محله
ففي أي حكم بل وفي اي مذهب * تحل دمي والله ليس يحله
الجناس أيضا:
البين بين ما يجن جناني * والبعد جدد بعدكم أحزاني
المقابلة:
له بطش قاس تحته قلب راحم * ومنع بخيل تحته ذيل مفضل
الجمع.
علا يستفاد وعاف يفاد * وعز يشاد ونعمى ترب
لك جسم الهوى وثغر الأقاحي * ونسيم الصبا وقد القضيب
أنت مروي الظما ومؤتم أولاد * الأعادي ومثكل الأمهات
بحر السماحة والبلاغة * والمكارم والبصائر
بين السوابغ والسوابق * والمهندة البواتر
فاضل كامل أديب أريب * قائل فاعل جميل بهيج
حازم عازم حروب سلوب * طاعن ضارب خروج ولوج
محرب همه حسام صقيل * وجواد محرب عنجوج
وخيول وغلمة ودروع * وسيوف وضمر ووشيج
بمنعة مسعود وأيام سالم * ونعمة مغبوط ومال مجد
حسن النسق.
سفرن بدورا وانتقبن أهلة * ومسن غصونا والتفتن جاذرا
بالخيل ضمرا والسيوف قواضبا * والسمر لدنا والرجال عجالا
التقسيم.
اخذت دمعك من خدي وجسمك من خصري وسقمك من طرفي الذي سقما
الجمع والمقابلة.
خالص الود صادق العهد انس * في حضور محافظ في مغيب
التتميم.
امارة لم تأتمر محجوبة * لم تبتذل مخدومة لم تخدم
منتخبات من طرديته
ما العمر ما طالت به الدهور * العمر ما تم به السرور
أيام عزي ونفاذ أمري * هي التي أحسبها من عمري
ما أجور الدهر على بنية * وأغدر الدهر بمن يصفيه
لو شئت مما قد قللن جدا * عددت أيام السرور عدا
انعت يوما مر لي بالشام * الذ ما مر من الأيام
دعوت بالصقار ذات يوم * عند انتباهي سحرا من نومي
قلت له اختر سبعة كبارا * كل نجيب يرد الغبارا
يكون للأرنب منها اثنان * وخمسة تفرد للغزلان
واجعل كلاب الصيد نوبتين * ترسل منها اثنين بعد اثنين
بالله لا تستصحبوا ثقيلا * واجتنبوا الكثرة والفضولا
واخترت لما وقفوا طويلا * عشرين أو فويقها قليلا
عصابة أكرم بها عصابة * معروفة بالفضل والنجابة
ثم قصدنا صيد عين باصر * مظنة الصيد لكل خابر
جئناه والشمس قبيل المغرب * تختال في ثوب الأصيل المذهب
واخد الدراج في الصياح * مكتنفا من سائر النواحي
في غفلة عنا وفي ضلال * ونحن قد زرناه بالآجال
يطرب للصبح وليس يدري * ان المنايا في طلوع الفجر
حتى إذا أحسست بالصباح * ناديتهم حي على الفلاح
نحن نصلي والبزاة تخرج * مجردات والخيول تسرج
فقلت للفهاد امض وانفرد * وصح بنا ان عن ظبي واجتهد
فلم يزل غير بعيد عنا * اليه يمضي ما يفر منا
وسرت في صف من الرجال * كأننا نزحف للقتال
حتى تمكنت فلم أخط الطلب * لكل حتف سبب من السبب
ثم دعوت القوم هذا بازي * فأيكم ينشط للبراز
زين لرائيه وفوق الزين * ينظر من نارين في غارين
كأن فوق صدره والهادي * آثار مشي الذر في الرماد
ثم عدلنا نحو نهر الوادي * والطير فيه عدد الجراد
ادرت شاهينين في مكان * لكثرة الصيد مع الإمكان
توازيا واطردا اطرادا * كالفارسين التقيا أو كادا
فجدلا خمسا من الطيور * فزادني الرحمن في سروري
خيل نناجيهن كيف شينا * طيعة ولجمها أيدينا
خير من النجاح للانسان * إصابة الرأي مع الحرمان
ثم عدلنا نطلب الصحراء * نلتمس الوحوش والظباء

364
عن لنا سرب ببطن وادي * يقدمه اقرن عبل الهادي
قد صدرت عن منهل روي * من غبر الوسمي والولي
ليس بمطروق ولا بكي * ومرتع مقتبل جني
رعين فيه غير مذعورات * بقاع واد وافر النبات
مر عليه غدق السحاب * بواكف منهمل الرباب
لما رآنا مال بالأعناق * نظرة لا صب ولا مشتاق
ما زال في خفض وحسن حال * حتى أصابته بنا الليالي
سرب حماه الدهر ما حماه * لما رآنا ارتد ما أعطاه
فلم نزل سبع ليال عددا * أسعد من راح واحضى من غدا
الحارث الشامي
مضى ذمه في بنان التبان.
الحارث بن شريح البصري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام و في بعض
النسخ حريث.
الحارث بن شريح بن ربيعة النميري وافد فيهم.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن شريح المنقري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب الحارث بن شريح ولم يذكره شيخنا
مشترك بين ثلاثة مجاهيل.
الحارث بن شهاب الطائي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام. وفي لسان
الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال إنه تابعي روى عن علي.
الحارث بن الصمة بن عمرو الأنصاري.
قتل سنة 3 من الهجرة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصمة في الإصابة
بكسر المهملة وتشديد الميم. وفي الاستيعاب انه كان فيمن خرج مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر فكسر بالروحاء فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضرب له بسهمه
واجره وشهد معه أحدا فثبت معه يومئذ حين انكشف الناس وبايعه على
الموت وقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي واخذ سلبه فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلب ولم يسلب يومئذ غيره ثم شهد بئر معونة فقتل يومئذ
شهيدا وفيه يقول الشاعر:
يا رب ان الحارث بن الصمة * أهل وفاء صادق وذمه
اقبل في مهامه ملمة * في ليلة ظلماء مدلهمة
يسوق بالنبي هادي الأمة * يلتمس الجنة فيما ثمة
انتهى الاستيعاب. وفي أسد الغابة: وفي الحارث يقول الشاعر وذكر
الرحز. ثم قال: وقيل انما قال هذه الأبيات علي بن أبي طالب يوم أحد.
وفي الإصابة نسب إلى الحارث أنه قال:
يا رب ان الحارث بن الصمة * اقبل في مهامه مهمة
يسوق بالنبي هادي الأمة
وروى محمد بن إسحاق صاحب المغازي فيما حكاه عنه ابن هشام في
سيرته ان علي بن أبي طالب عليه السلام قال في الحارث بن الصمة بن
عمرو الأنصاري في يوم أحد:
لا هم ان الحارث بن الصمة * كان وفيا وبنا ذا ذمة
اقبل في مهامه مهمة * في ليلة ليلاء مدلهمة
بين رماح وسيوف جمة * يبغي رسول الله فيما ثمة
وقال ابن هشام في سيرته بعد ما حكى ذلك عن ابن إسحاق قالها
رجل من المسلمين يوم أحد غير علي فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ولم
أر أحدا منهم يعرفها لعلي عليه السلام.
الحارث بن ضرار الخزاعي سكن الحجاز.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن العباس بن عبد المطلب.
ذكره صاحب الاستيعاب في أثناء ترجمة أخيه تمام بن العباس فقال:
واما الحارث بن العباس بن عبد المطلب فأمه من هذيل. ثم قال: كل بني
العباس لهم رؤية، وللفضل وعبد الله وعبيد الله سماع ورواية. في
الإصابة: الحارث بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وأمه حجيلة بنت جندب بن الربيع الهلالية وقيل أم ولد، يقال: ان
أباه غضب عليه فطرده فلحق بالزبير فجاء وشفع فيه عند خاله العباس
وقال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي: طرده العباس إلى الشام فصار
إلى الزبير بمصر فلما قدم الزبير على العباس قال له جئتني بأبي عضل
لاوصلتك رحم. ويقال انه عمى بعد موت العباس.
الحارث بن عبد شمس الجثعمي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول ص وقال ذكره البخاري
وما روى عنه شيئا.
الحارث بن عبد الله أبو زهير الأعور الهمداني الخارفي الحوتي الكوفي
صاحب أمير المؤمنين علي عليه السلام المعروف بالحارث الأعور ويقال
الحارث بن عبيد.
وفاته وكيفية دفنه
في ميزان الاعتدال: مات الحارث سنة 65 وفي ذيل المذيل زعم
يحيى بن معين ان الحارث توفي سنة 65 قال ولا خلاف بين الجميع من أهل الأخبار
ان وفاة الحارث كانت أيام ولاية عبد الله بن يزيد الأنصاري الكوفة
من قبل عبد الله بن زبير وعبد الله بن يزيد الذي صلى على الحارث في أيامه
تلك بالكوفة (اه‍). وحكاه في تهذيب التهذيب عن ابن حبان وإسحاق
القراب في تاريخه. وفي النجوم الزاهرة انه توفي سنة 70 وقيل سنة 63 وفي
الطبقات الكبير لابن سعد عن محمد بن عمر الواقدي وغيره: كانت وفاة
الحارث الأعور بالكوفة أيام عبد الله بن الزبير وصلى عليه عبد الله بن يزيد
الأنصاري الخطيمي وكان عاملا يومئذ لعبد الله بن الزبير على الكوفة.
نسبته
(الهمداني): في انساب السمعاني بفتح الهاء وسكون الميم والدال

365
المهملة نسبة إلى همدان وهي قبيلة من اليمن نزلت الكوفة (إلى أن قال):
وفي همدان بطون كثيرة منها: سبع وشبام وموهبة وارحب (اه‍). وهمدان
معروفة بالتشيع لعلي وأهل بيته وفيهم يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام
كما في انساب السمعاني وغيره:
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلي بسلام
اما المدينة المعروفة في إيران فهي همذان بهاء وميم مفتوحتين وذال
معجمة. و (الخارفي) في انساب السمعاني: بفتح الخاء والراء بعد الألف
وفي آخرها فاء، وهذه النسبة إلى خارف وهي بطن من همدان نزل الكوفة
وعد من المشهورين بها المترجم فما يوجد من رسمه الحارثي تصحيف.
و (الحوتي) بضم الحاء المهملة وسكون الواو ثم المثناة الفوقانية نسبة إلى
الحوت بطن من همدان كما عن لب اللباب. وفي القاموس في باب الحاء
المهملة وفصل التاء المثناة الفوقية: الحوت بن سبع بن صعب (اه‍). فما
في طبقات ابن سعد المطبوع من رسمه بالثاء المثلثة وما في رجال أبي علي من
الحكاية عن تهذيب الكمال انه بمثلثة ليس بصواب ولم يذكره في القاموس.
نسبه
في الطبقات الكبير لابن سعد: الحارث الأعور بن عبد الله بن
كعب بن أسد بن خالد بن حوت واسمه عبد الله بن سبع بن
صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد بن خيران بن
نوف بن همدان وحوت هو أخو السبيع رهط أبي إسحاق السبيعي (اه‍).
ومثله في ذيل المذيل سوى أنه قال يخلد بلد خالد وقال حاسد بن جشم
وخيوان بدل خيران وفي انساب السمعاني همدان بن مالك بن زيد بن
اوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن
يعرب بن قحطان وقال أبو طي الغساني همدان اسمه... ابن كهلان بن
سبا (اه‍). وفي شرح النهج عند شرح كتاب له عليه السلام إلى الحارث
الهمداني فيه وصايا جليلة، قال ابن أبي الحديد: هو الحارث الأعور
صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وهو الحارث بن عبد الله بن كعب بن
أسد بن نخلة بن حارث بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني المعروف
بالحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين علي ع اه‍. وفيه اختلاف
عما في الطبقات بابدال خالد بنخلة وحوت بحارث ويمكن أن يكون من تحريف
النساخ. وفي تاج العروس: الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب بن
أسد بن مخلد بن حوت بن سبع بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن
جشم بن همدان (اه‍). فأبدل خالد الذي في الطبقات بمخلد.
أقوال العلماء فيه
يظهر من مجموع أحواله وما قاله الرجاليون فيه انه كان من خواص
أمير المؤمنين علي عليه السلام وأوليائه ومحل عنايته والتفاته وقد صرح انه
من الأولياء البرقي في رجاله كما يأتي، و أمر علي له بالمناداة بالناس في الكوفة
وفي المدائن بالخروج حينما أراد الخروج إلى صفين كما يأتي، يدل على نوع
اختصاص وادخاله إياه منزله وتبسط علي عليه السلام معه وامتناع الحارث
من أن يجئ بشئ من خارج داره وارشاد علي له إلى حيلة في التخلص من
ذلك، كل هذا يدل على اختصاصه به وكتابته له صحفا فيها علم كثير
ائتمنه عليه، وتفرد الحارث بإجابته من بين أهل الكوفة لما قال: من يشتري
علما بدرهم؟ وكتابه اليه الكتاب الذي في نهج البلاغة المشتمل على وصايا
جليلة. كل ذلك يدل على مزيد اختصاص مضافا إلى كونه من همدان
المعروفة بولاية علي عليه السلام حتى قال فيها:
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وانه كان من أوعية العلم ومن كبار علماء التابعين ومن أفقه علماء
عصره وتعلم من باب مدينة العلم علما جما ولا سيما علم الفرائض والحساب
وانه كان من القراء، قرأ على علي وابن مسعود. وذكره البرقي في رجاله في
الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر الشيخ في رجاله في
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الحارث الهمداني كما يأتي وفي أصحاب
الحسن عليه السلام الحارث الأعور وعن خط التقي المجلسي: هو من
خواص أمير المؤمنين عليه السلام روى الكشي خبرين في مدحه وفي قرب الإسناد
ما يدل على مدحه في اخبار البزنطي (اه‍). وفي الخلاصة:
الحارث بن الأعور قال الكشي في طريق فيه الشعبي قال لعلي عليه السلام
اني أحبك ولا تثبت بها عندي عدالته بل ترجيح ما (اه‍). والصواب
حذف لفظة ابن. وحكى غير واحد من أهل الرجال عن الخلاصة أنه قال
الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني عده البرقي في رجاله في الأولياء من
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ولكن، لا وجود لذلك في نسخ
الخلاصة التي بأيدينا كما في نسختين مصححتين مخطوطة ومطبوعة
والمخطوطة قوبلت على نسخة ولد ولد المصنف لا فيما نقله في آخر القسم
الأول عن رجال البرقي ولا في الأسماء. وقال الكشي في رجاله: الحارث
الأعور. حمدويه وإبراهيم قالا حدثنا أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى
عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان عن أبي عمرو (عمر) البزاز قال
سمعت الشعبي وهو يقول وكان إذا غدا إلى القضاء جلس في دكاني فقال لي
ذات يوم: يا أبا عمرو (عمر) ان لك عندي حديثا أحدثك به، فقلت له
يا أبا عمرو (عمر) ما زال لي ضالة عندك، فقال لي لا أم لك فأي ضالة
تقع لك عندي؟ فأبى ان يحدثني يومئذ ثم سألته بعد ذلك فقلت يا أبا
عمرو عمر حدثني بالحديث الذي قلت لي قال سمعت الحارث الأعور
وهو يقول: أتيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام ذات ليلة فقال يا أعور ما
جاء بك فقلت يا أمير المؤمنين جاء بي والله حبك فقال إني سأحدثك
لتشكرها اما انه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث بحب و
لا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره ثم قال لي الشعبي
بعد اما ان حبه لا ينفعك وبغضه لا يضرك اه‍.
(أقول) وهذا يدل على انحراف شديد من الشعبي عن علي عليه
السلام ولا غرو فهو صنيعة بني أمية ونديم عبد الملك بن مروان ولذلك ولوه
القضاء بالكوفة وكيف لا ينفعه حبه ولا يضره بغضه وهو الذي قال الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم في حقه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق ومن كان بغضه علامة
النفاق في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أحبك فقد أحبني
ومن أبغضك فقد أبغضني. ثم قال الكشي: جعفر بن معروف حدثني
محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن أبان بن عثمان عن محمد بن زياد
عن ميمون بن مهران عن علي عليه السلام قال لي الحارث أتدخل منزلي يا
أمير المؤمنين فقال عليه السلام على شرط ان لا تدخرني شيئا مما في بيتك ولا
تكلف لي شيئا مما وراء بابك قال نعم فدخل يتحرف ويحب ان يشتري له
وهو يظن أنه لا يجوز له حتى قال له أمير المؤمنين (ع) ما لك يا حارث قال

366
هذه دراهم معي ولست أقدر على أن اشتري لك ما أريد قال أ وليس قلت
لك لا تكلف لي مما وراء بابك فهذه مما في بيتك (اه‍).
وعن كتاب معادن الحكمة وكشف المحجة لابن طاوس كلاهما عن
كتاب الرسائل للكليني عن علي بن إبراهيم باسناده في حديث طويل ان أمير
المؤمنين عليه السلام دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال ادخل علي عشرة
من ثقاتي فقال سمهم لي يا أمير المؤمنين فسماهم فكان من بينهم
الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني (اه‍). هذه أقوال أصحابنا فيه واما
غيرنا فمنهم من مدحه ووثقه ومنهم من ذمه وفسقه.
من مدحه من غيرنا
في مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 65 فيها توفي الحارث بن
عبد الله الهمداني الكوفي الأعور الفقيه صاحب علي وابن مسعود وحديثه في
السنن الأربعة (اه‍). وقال الذهبي في الميزان الحارث بن عبد الله
الهمداني الأعور من كبار علماء التابعين على ضعف فيه يكنى أبا زهير.
عباس عن ابن معين ليس به باس وكذا قال النسائي عثمان الدارمي
سالت يحيى بن معين عن الحارث الأعور فقال ثقة قال ليس يتابع يحيى على هذا.
أبو بكر بن أبي داود كان الحارث الأعور أفقه الناس وأفرض الناس واحسب الناس
تعلم الفرائض من علي مات الحارث سنة 65 وحديث الحارث في السنن الأربعة
والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به وقوى امره. وفي تهذيب التهذيب
لم يحتج به النسائي وإنما اخرج له في السنن حديثا واحدا مقرونا بابن ميسرة وآخر
في اليوم والليلة متابعة هذا جميع ما له عنده ثم قال في الميزان والجمهور على
توهين امره مع روايتهم لحديثه في الأبواب هذا الشعبي يكذبه
ثم يروي عنه والظاهر أنه كان يكذب في لهجته وحكاياته واما في
الحديث النبوي فلا. وكان من أوعية العلم قال مرة بن خالد أنبأنا
محمد بن سيرين قال كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم
أدركت منهم أربعة وفاتني الحارث فلم أره وكان
يفضل عليهم وكان أحسنهم ويختلف في هؤلاء الثلاثة (1) أيهم أفضل علقمة ومسروق وعبيدة
(اه‍). وفي تهذيب التهذيب: قال الدوري عن ابن معين الحارث قد
سمع من ابن مسعود وليس به باس وقال أشعث بن سوار عن ابن سيرين
أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة من بدأ بالحارث ثنى بعبيدة ومن بدأ
بعبيدة ثنى بالحارث وقال علي بن مجاهد عن أبي جناب الكلبي عن الشعبي
شهد عندي ثمانية من التابعين الخير فالخير منهم سويد بن غفلة والحارث
الهمداني حتى عد ثمانية انهم سمعوا عليا يقول فذكر خبرا. وفي مسند أحمد
عن وكيع عن أبيه قال حبيب بن أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدث عن
الحارث عن علي في الوتر يا أبا إسحاق يساوي حديثك هذا ملء مسجدك
ذهبا وقال ابن أبي خيثمة قيل ليحيى يحتج بالحارث فقال ما زال المحدثون
يقبلون حديثه وقال ابن عبد البر في كتاب العلم له لما حكى عن إبراهيم انه
كذب الحارث (2) أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث كذاب ولم يبن من
الحارث كذبة وانما نقم عليه إفراطه في حب علي وقال ابن شاهين في الثقات
قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما احفظه وما أحسن ما
روى عن علي واثنى عليه قيل له فقد قال الشعبي كان يكذب قال لم يكن
يكذب في الحديث انما كان كذبه في رأيه وفي تاج العروس منهم اي من بني
الحوت بن سبيع الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب الفقيه صاحب علي
ذكره ابن الكلبي (اه‍). وفي طبقات ابن سعد بسنده عن أبي إسحاق:
كان يقال ليس بالكوفة أحد أعلم بفريضة من عبيده والحارث الأعور
(اه‍). وسيأتي في اخباره التي رواها ابن سعد ما يناسب المقام وفي تهذيب
التهذيب ذكر الحافظ المنذري ان ابن حبان احتج به في صحيحه ولم أر ذلك
لابن حبان وانما اخرج عن الحارث بن عبد الله الكوفي وهو رجل آخر
(اه‍). وفي النجوم الزاهرة في حوادث سنة 70 فيها توفي الحارث بن
عبد الله بن كعب بن أسد الهمداني الكوفي الأعور رواية علي. وهو من الطبقة
الأولى من التابعين من أهل الكوفة وقيل إنه توفي سنة 63 اه‍. وفي منهج المقال:
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره في باب الفضائل
القرآن واسند عن الحارث بن علي وخرجه الترمذي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: ستكون فتنة إلى أن قال: خذها إليك يا أعور. ثم قال:
الحارث ثقة رماه الشعبي بالكذب وليس بشئ ولم يتبين من الحارث
كذب وانما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله على غيره
ومن هاهنا والله أعلم كذبه الشعبي لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل
أبي بكر وانه أول من اسلم. قال أبو عمر بن عبد البر وأظن الشعبي عوقب
بقوله في الحارث الهمداني حدثني الحارث وكان أحد الكذابين (اه‍).
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: كان أحد الفقهاء له قول في الفتيا
وكان صاحب علي عليه السلام واليه ينسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به
في قوله عليه السلام (يا حار همدان من يمت يرني) وهي ابيات مشهورة
(اه‍). والصحيح انه لم يخاطبه بها بل بمضمونها وانها للسيد الحميري.
وفي طبقات القراء للجزري: الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور
قرأ على علي وابن مسعود وقرأ عليه أبو إسحاق السبيعي قال ابن أبي داود:
كان أفقه الناس وأفرض الناس واحسب الناس. قلت: وقد تكلموا فيه
وكان شيعيا مات سنة 65 وفي ذيل المذيل للطبري: كان الحارث من
مقدمي أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام في الفقه والعلم بالفرائض
والحساب. ثم قال: وكان الحارث من ساكني الكوفة وبها كانت وفاته وكان
من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وروى بسنده ان
الحارث قال تعلمت القرآن في سنة والوحي في ثلاث سنين. وقال
الذهبي: قال الأعمش عن إبراهيم عن الحارث: تعلمت القرآن في ثلاث
سنين والوحي في سنتين. عن علقمة قرأت القرآن في سنتين، فقال
الحارث الأعور: القرآن هين، الوحي أشد من ذلك و (كأنه يريد بالوحي
الحديث). وفي ذيل المذيل بسنده ان الحسن بن علي كتب إلى الحارث:
انك كنت تسمع من علي عليه السلام شيئا لم اسمعه فبعث اليه بوقر بعير.
هكذا جاء هذا الحديث. وعندنا ان الحسن كان عنده جميع علم أبيه لا
يحتاج إلى أن يبعث اليه الحارث بشئ منه الا ان يكون في ذلك حكمة
أخرى، أو ان الكاتب الحسن البصري. وبسنده عن الشعبي: تعلمت
من الحارث الأعور الفرائض والحساب وكان احسب الناس (اه‍). وقيل
للشعبي: كنت تختلف إلى الحارث، فقال: نعم اختلف اليه أتعلم منه
الحساب كان احسب الناس (اه‍).



(1) ظاهر سياق الكلام انهم أربعة غير الحارث والحارث هو الخامس والحارث يفضل على الأربعة
اما الأربعة فمختلف فيهم أيهم أفضل فلعل صواب العبارة ذكر الأربعة بدل الثلاثة والظاهر أن
الرابع هو شريح بن هاني بدليل ما سيأتي عن المقبلي من ذكر شريح معهم وان كان عند
نقله لعبارة الميزان نقلها كما هنا.
(2) يشير إلى ما سيأتي عن الذهبي من قوله قال منصور عن إبراهيم ان الحارث اتهم.
367
من ذمه من غيرنا
عن الذهبي الحارث بن عبد الله الهمداني عن علي وابن مسعود وعنه
عمرو بن مرة شيعي لين (اه‍). وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 65
فيها توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صاحب علي وابن
مسعود وكان متهما بالكذب وحديثه في السنن الأربعة (اه‍). وقد سمعت
قول الذهبي في الميزان على ضعف فيه. وقال أيضا روى مغيرة عن الشعبي
حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وقال منصور عن إبراهيم ان الحارث
اتهم. وروى أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: لم يكن الحارث يصدق
عن علي في الحديث. وقال ابن المديني: كذاب. وقال جرير بن عبد
الحميد: كان زيفا وقال ابن معين: ضعيف وعن النسائي: ليس
بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف وقال ابن عدي عامة ما يرويه غير
محفوظ. وعن سفيان كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث.
حصين عن الشعبي ما كذب على أحد من هذه الأمة ما كذب على علي (1)
وقال أيوب كان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروي عن علي باطل.
وقال الشعبي: حدثني الحارث وأشهد انه أحد الكذابين. وقال أبو إسحاق: زعم
الحارث الأعور وكان كذابا وقال بندار: اخذ يحيى وعبد الرحمن القلم من يدي
فضربا على نحو من أربعين حديثا من حديث الحارث عن علي. جرير عن حمزة
الزيات: سمع مرة الهمداني من الحارث امرا فأنكره فقال له اقعد حتى اخرج إليك
فدخل مرة فاشتمل على سيفه فأحس الحارث بالشر فذهب. وقال ابن
حبان كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث (اه‍). وفي تهذيب
التهذيب: قال أبو بكر بن عياش لم يكن الحارث بأرضاهم وقال عبد
الرحمن بن علي كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه وقال أبو خيثمة كان
يحيى بن سعيد يحدث من حديث الحارث ما قال فيه أبو إسحاق سمعت
الحارث. وقال الجوزجاني سالت علي بن المديني عن عاصم والحارث فقال
مثلك يسال عن ذا. الحارث كذاب وقال أبو زرعة لا يحتج بحديثه وقال
أبو حاتم ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه وقال ابن سعد في الطبقات الكبير
كان له قول سوء وهو ضعيف في روايته (اه‍). وفي منهج المقال عن
الذهبي شيعي لين وقال ابن حجر رمي بالرفض وفي حديثه ضعف
(اه‍).
وفي انساب السمعاني: أبو زهير الحارث بن عبد الله الهمداني الخارفي
الأعور من أهل الكوفة وقد قيل إنه الحارث بن عبيدة فإن كان فهو تصغير
عبد الله كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث (اه‍). وفي العتب الجميل
عن المقبلي في كتاب المنار: روى البيهقي عن الحارث عن علي دعاء
الاستفتاح لا اله إلا أنت الخ فقال البيهقي ضعيف بالأعور قال المقبلي
واصل ذنبه التشيع والاختصاص بعلي كرم الله وجهه (وتلك شكاة ظاهر
عنك عارها). قال النووي في أذكاره بعد ذكر هذا الحديث من رواية
الحارث انه متفق على ضعفه فاسمع تكذيب هذا الاتفاق لتعلم انها أهواء
وكيف يجترئ على حكاية الاتفاق في كتاب وضع لمخ العبادة والأذكار.
قال الذهبي - وهو أشد الناس على الشيعة وأميلهم عن أهل البيت والى
المروانية أقرب لا يشك في ذلك من عرف كتبه لا سيما تاريخ الاسلام وكذلك
غيره - وهذا لفظه في الميزان، ثم حكى ما تقدم من كلامه، ثم قال:
هذه ألفاظ الذهبي، وحكى توهين امره عمن هو معروف بالميل عن الشيعة
ومثل ذلك لا يقبل. وقد صرح به الذهبي وغيره بل كل ناظر منصف إذ لا
أعظم من الأهواء التي نشأت عن هذه الاختلافات لا سيما في العقائد.
والنووي من أهل المعرفة في الحديث ومن المتدينة المتورعة بحسب ما عنده
لكنه من اسرى التقليد في العقائد فلا يقبل منه قوله في دعوى الاتفاق.
وكيف يتفق على ضعفه بعد قول ابن سيرين علم الزهد والعلم، وتفضيله
على من لا يختلف في فضلهم: شريح بن هانئ وعلقمة ومسروق وعبيدة.
ولقد أبقى الذهبي على نفسه في ترجمته الحارث مع نصبه وهذا التطويل
لتقيس عليها نظيرها من كلام أهل الجرح والتعديل، فان النووي من خيار
المتأخرين وهذا صنيعه، فلو صان نفسه وجرح كيف شاء وترك دعوى
الاتفاق. ولكن يأبى الله الا ان يتم اللبس في الدين فلا تقلد في هذا الباب
ما دام للتهمة مدخل واقتد بالشارع في رد شهادة ذي الأحسن والأهواء والله
العاصم (انتهى كلام المقبلي المحكي في العتب الجميل الذي قال فيه انه
نقله لنا بعض ثقات اخواننا) وقال صاحب العتب الجميل بعد ذلك: انما
أطلت بما رقمته هنا لكثرة فائدته وما ذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب في
توثيق الحارث بين ان ما نقله النووي من الاتفاق على ضعف الحارث
الأعور سبق قلم أو غفلة والحق انه انما نقم عليه حبه لأخي النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ولأهل بيته ولزومه لهم وذلك من فضل الله عليه. وما نقله المقبلي
عن الذهبي من تكذيب الشعبي للحارث معارض بما نقله عنه العسقلاني من
مدحه له وقال في الحاشية على قوله تكذيب الشعبي: روى هذا مغيرة
الناصبي فلا يصدق ولا كرامة ثم قال ولو صح التكذيب فهو محتمل لان
يكون بمعنى التخطئة أو يكون لمكان المعاصرة واختلاف المذهب ولو وقفنا
على اللفظ الذي قالوا إن الشعبي كذب الحارث فيه لرجونا ان نفهم أقرب
ما يحسن حمله عليه (اه‍).
(أقول): ستعرف ان تكذيب الشعبي لا قيمة له ولا يحتاج إلى كل
هذه الاعذار وليس تضعيف من ضعفه عنه ولم يحتج بحديثه الا للتشيع وما
أودع أصحاب السنن الأربعة حديثه في سننهم وهم يتهمونه بكذب،
وتكذيب الشعبي له لا يلتفت اليه فقد بين سببه القرطبي في تفسيره كما
سمعت وقال إن تكذيبه ليس بشئ ومع ذلك فقد كذب الشعبي نفسه في
هذا وناقضها بقوله السابق شهد عندي ثمانية من التابعين الخير
فالخير وعد منهم الحارث الهمداني. وظن الحافظ بن عبد البر انة عوقب
بذلك اما انا فلا أشك في أنه عوقب بقوله ذلك في الحارث
وتحامله عليه بغير حق ولا غرو ان يكذبه الشعبي فالشعبي صنيعة
بني أمية وقاضيهم بالكوفة. قال المرتضى في الفصول المختارة من كتاب
المجالس ومن الكتاب المعروف بالعيون والمحاسن كلاهما للمفيد في الفصل
الخامس من الجزء الثاني فيما حكاه عن الجاحظ عن شيخه إبراهيم بن سيار
النظام أنه قال: روى داود عن الشعبي ان عليا رجع عن قوله في الحرام
ثلاثا قال المفيد: ولو لم يحتج في بطلان هذه الرواية الا بإضافتها إلى الشعبي
لكفى، وذلك أن الشعبي كان مشهورا بالنصب لعلي ولشيعته وذريته وكان
معروفا بالكذب سكيرا خميرا مقامرا عيارا وكان معلم ولد عبد الملك بن
مروان وسمير الحجاج وروى إسماعيل بن عيسى العطار قال حدثنا
بهلول بن كبير بكير حدثنا أبو حنيفة قال: اتيت الشعبي اسأله عن
مسالة فإذا بين يديه شطرنج ونبيذ وهو متوشح بملحفة مصبوغة بعصفر
فسألته عن مسالة فقال ما يقول فيها بنو السهاء (استها)، فقلت هذا أيضا



(1) هذا لا علاقة له بترجمة الحارث وانما وجدناه مذكورا في ترجمته فنقلناه كما وجدناه والشعبي
بانحرافه عن علي وولائه لبني أمية يقول مثل هذا قصدا لتوهين امر علي ويأبى الله.
368
مع هذا وذهبت إلى كتب لي كنت سمعتها منه فخرقتها ثم صار مصيري
هذا اسمع عن رجل عنه. وروى أبو بكر الكوفي عن المغيرة قال: كان
الشعبي يهون عليه ان تقام الصلاة وهو على الشطرنج والنرد. وقال:
مررت بالشعبي فإذا هو قائم في الشمس على فرد رجل وفي فمه بيدق فقال
هذا جزاء من قمر. وروى الفضل بن سليمان عن النظر بن مخارق قال
رأيت الشعبي بالنجف يلعب بالشطرنج والى جانبه قطيفة وإذا مر به من
يعرفه ادخل رأسه فيها. وبلغ من كذبه أنه قال: لم يشهد الجمل من
الصحابة الا أربعة، فان جاءوا بخامس فانا كاذب علي وعمار وطلحة
والزبير. وقد اجمع أهل السير انه شهد البصرة مع علي ثمانمائة من الأنصار
وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان وسبعون من أهل بدر. وهو الذي روى أن
عليا كان احمر الرأس واللحية خلافا على الأمة في وصفه، وبلغ من
نصبه وكذبه انه كان يحلف بالله عز وجل لقد دخل علي بن أبي طالب اللحد
وما حفظ القرآن. وهذا خلاف الاجماع وانكار الاضرار وروى مجالد قال:
قيل للشعبي انك لتقع في هذه الشيعة وانما تعلمت منهم. وكان يقول: ما
أشك في صاحبنا الحارث الأعور انه كان كذابا وكان أشبه في زيه ولباسه
وفعاله وكلامه بالشطار وأهل الدعارة وخالف الأمة في قوله: النفساء
تربص شهرين فكيف يحتج برواية هذا على أمير المؤمنين مع أن المشهور عنه
عليه السلام انه كان لا يرى الحرام شيئا ويقول جاء إلى ما أحل الله تعالى له
فحرمه على نفسه يمسك امرأته ولا شئ عليه (اه‍). (أقول): يظهر من آخر
الكلام ان المراد بالحرام من حرم زوجته على نفسه ووجدت في هامش كتاب
الفصول المقدم ذكره في النسخة المخطوطة التي عندي ما صورته: قال أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري - كأنه الامامي لا المؤرخ - الشعبي عامر بن
شراحيل خرج مع ابن الأشعث وتخلف عن الحسين بن علي بن أبي طالب
صلوات الله عليهما فقال له الحجاج أنت المعين علينا يا شعبي فقال أصلح
الله الأمير كانت فتنة ما كنا فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء. وروي انه
سرق من بيت المال خمسمائة درهم رواه الشاذكوني وكان هو وشريح
القاضي وعروة ومرة الهمداني لا يؤمرون علي بن أبي طالب وكانوا يميلون
إلى بني أمية (اه‍). وميله إلى بني أمية هو الذي أوجب عفو الحجاج عنه
بعد ما خرج عليه. وهذا كلام وقع في البين فلنعد لما كنا فيه (فنقول):
الظاهر أن تكذيب بعضهم للحارث الأعور لروايته ما لا تحتمله عقولهم من
الفضائل وكذلك دعوى ان عامة ما يرويه غير محفوظ هي لذلك. واما
ذكرهم أنه قال تعلمت الوحي في سنتين وقوله الوحي أشد من ذلك فلا يبعد
ان المراد بنقله هو التشنيع ولكن الظاهر - ان صح النقل - ان مراده بالوحي
الأحاديث النبوية فلا شئ فيه اما تكذيب أبي إسحاق والظاهر أن المراد به
السبيعي له فالظاهر أنه مكذوب عليه أو صدر لبعض المصالح فأبو إسحاق
من الشيعة والحارث الأعور من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام وخاصته
فكيف يكذبه وضرب يحيى وعبد الرحمن على بعض أحاديثه عن علي الظاهر أنه
لاشتمالها على بعض ما لا تحتمله عقولهم وقضية مرة الهمداني ان صحت
فلعلها لأجل ما يشبه ذلك مع ما مر ان مرة الهمداني كان لا يؤمر علي بن
أبي طالب ويميل إلى بني أمية وقول السوء الذي نسبه اليه ابن سعد ليس الا
ما زعموه من الغلو في التشيع ورموه به من الرفض وينبه على ذلك قول ابن
عبد البر السابق لم يبن من الحارث كذبة وانما نقم عليه إفراطه في حب علي
وقول القرطبي المتقدم لم يتبين من الحارث كذب وانما نقم عليه إفراطه في
حب علي وتفضيله على غيره مع أن هذه الذموم التي ذكروها وعلم أن سببها
تشيعه وردها جماعة منهم لا يمكن ان تعارض ما ورد فيه من المدح من
طريقهم من كونه من كبار علماء التابعين ومن أوعية العلم وافقه الناس
وأفرضهم وأحسبهم وان عليا عليه السلام كتب له علما كثيرا وتوثيق
يحيى بن معين له وقوله ما زال المحدثون يقبلون حديثه وتوثيق المصري له
وثناؤه عليه وتعجبه من حفظه وحسن حديثه وتوثيق القرطبي له وتفضيل
ابن سيرين له وما نقله فيه عن أهل الكوفة وشهادة الشعبي الذي بالغ في
تكذيبه بأنه من الخير الخير من التابعين وقول حبيب بن ثابت ان حديثا له
يساوي ملء المسجد ذهبا وقول ابن عبد البر وغيره انه لم يبن منه كذب
فظهر ان الفريقين الا من شذ متفقان على مدحه ووثاقته وان من ذمه لشئ
في نفسه لا يلتفت إلى ذمه فالحق وثاقته وجلالته. وتوقف العلامة في عدالته
كما مر فيه ان عدالته لم تثبت بهذا الحديث وحده بل استفيدت من مجموع
أحواله واخباره وولده شريك بن الحارث من خواص الشيعة ويأتي في محله.
اخباره
في طبقات ابن سعد بسنده عن غلباء بن احمر ان علي بن أبي طالب
خطب الناس فقال من يشتري علما بدرهم فاشترى الحارث صحفا بدرهم
ثم جاء بها عليا فكتب له علما كثيرا ثم إن عليا خطب الناس بعد فقال يا
أهل الكوفة غلبكم نصف رجل - مشيرا إلى أنه أعور - وبسنده عن عامر
لقد رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث علي وعن أبي
إسحاق انه كان يصلي خلف الحارث الأعور وكان امام قومه وكان يصلي
على جنائزهم فكان يسلم إذا صلى على الجنازة عن يمينه مرة واحدة (اه‍). وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال امر علي عليه السلام -
لما أراد الخروج إلى صفين - الحارث الأعور ان ينادي في الناس اخرجوا إلى
معسكركم بالنخيلة فنادى الحارث في الناس بذلك (الخبر).
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين أيضا بسنده عن حبة العرني
قال امر علي عليه السلام الحارث الأعور - وهو سائر إلى صفين - فصاح
في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر
فوافوه في تلك الساعة (الحديث). وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج
عن إبراهيم بن محمد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات انه لما أغار
سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار وقتل حسان بن حسان البكري أمر
علي عليه السلام الحارث الأعور الهمداني فنادى في الناس أين من يشري
نفسه لربه ويبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله ولا يحضر
إلا صادق النية في السير معنا والجهاد لعدونا (الخبر).
ومن اخباره ما رواه الشيخ في الأمالي في مجلس يوم الجمعة 18
جمادي الآخرة سنة 457 قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا محمد بن
علي بن مهدي الكندي العطار بالكوفة وغيره، حدثنا محمد بن علي بن
طريف الحجري، حدثني أبي عن جميل بن صالح عن أبي خالد الكابلي عن
الأصبغ بن نباتة قال: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم فجعل الحارث يتأود في
مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا فاقبل عليه أمير المؤمنين عليه
السلام وكانت له منه منزلة فقال كيف تجدك يا حارث، قال: نال الدهر
مني يا أمير المؤمنين وزادني أوارا وغليلا اختصام أصحابك ببابك قال وفيم
خصومتهم؟ قال في شانك، والبلية من قبلك، فمن مفرط غال ومقصر،
ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم. قال فحسبك يا أخا همدان،
الا ان خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق القالي

369
قال: لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على
بصيرة من أمرنا، قال: قدك فإنك امرؤ ملبوس عليك ان دين الله لا
يعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف أهله، يا حار ان الحق
أحسن الحديث والصادع به مجاهد وبالحق أخبرك ثم خبر به من كانت له
حصانة من أصحابك الا اني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول. (إلى أن
قال): خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة: أنت مع من أحببت ولك
ما احتسبت. أو قال: ما اكتسبت، قالها ثلاثا، فقال الحارث وقام يجر
رداءه جذلا: ما أبالي وربي بعد هذا متى لقيت الموت أو لقيني. قال
جميل بن صالح فأنشدني السيد بن محمد في كتابه:
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه (1) واعرفه * بنعته واسمه وما فعلا
وأنت عند الصراط تعرفني (3) * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين تعرض (4) * للعرض للعرض دعيه لا تقتلي (5) الرجلا
دعيه (6) لا تقربيه ان له * حبلا بحبل الوصي متصلا
(انتهى الأمالي) وأورد ابن شهرآشوب هذه الأبيات في المناقب ناسبا
لها إلى السيد الحميري وزاد بعد البيت الأخير:
هذا لنا شيعة وشيعتنا * أعطاني الله فيهم الأملا
وتوهم ابن أبي الحديد ان هذا الشعر منسوب إلى أمير المؤمنين عليه
السلام. وهذا التوهم نشأ من النظر إلى قوله يا حار همدان الخ فظن أن
المروي عنه أنه قال ذلك هو أمير المؤمنين لأنه لم يطلع على البيت الأول.
وفي الديوان المنسوب اليه ع ذكر هذه الأبيات وذكر البيت
الأول في آخرها ولم يتفطن جامعه إلى أن هذا البيت يدل على أن كل
الأبيات ليست له عليه السلام سواء أذكر في أولها أم آخرها ونقل صاحب
مجالس المؤمنين هذه الأبيات عن الديوان ناسبا لها إلى أمير المؤمنين عليه
السلام ولم يتفطن إلى أن البيت الأخير يدل على أنها ليست له.
وفي مروج الذهب: في أيام عبد الملك بن مروان توفي الحارث
الأعور صاحب علي عليه السلام وهو الذي دخل على علي فقال يا أمير
المؤمنين ألا ترى إلى الناس قد اقبلوا على هذه الأحاديث وتركوا كتاب الله
قال وقد فعلوها قال نعم قال اما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستكون
فتنة قلت فما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبا ما كان قبلكم
وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار
قصمه الله ومن أراد الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين وهو الذكر
الحكيم والصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ عنه العقول ولا تلتبس به
الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا يعلم علم مثله هو الذي لما سمعته الجن
قالوا (انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) من قال به صدق ومن زال
عنه عدا ومن عمل به اجر ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم خذها
إليك يا أعور.
بعض ما روي من طريقه
ومما روي من الاخبار من طريقه ما في خصال الصدوق قال: حدثنا
أبي: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله حدثنا المعلى بن محمد
البصري عن محمد بن جمهور العمي عن جعفر بن بشير البجلي عن أبي بحر
عن شريح الهمداني عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: ثلاث بهن يكمل المسلم: التفقه في الدين
والتقدير في المعيشة والصبر على النوائب.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي باب الحارث المشترك بين من يوثق
به وغيره ويمكن استعلام انه الأعور الجليل الفقيه بوقوعه في طبقة رجال
علي عليه السلام لأنه من أصحابه وممن روى عنه (اه‍).
الحارث بن عبد الله بن أوس الحجازي كنيته أبو ياسين.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن عبد الله التغلبي.
قال النجاشي كوفي ضعيف له كتاب. أخبرنا أحمد بن محمد بن
هارون عن أحمد بن محمد بن سعيد: حدثنا محمد بن سالم بن عبد الرحمن
الأزدي حدثنا الحارث (اه‍). وفي لسان الميزان الحارث بن عبد الله
التغلبي الكوفي ذكره ابن النجاشي في رجال الشيعة وقال روى عنه محمد بن
سالم بن عبد الرحمن الأزدي قال وكان الحارث هذا ضعيفا.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب الحارث بن عبد الله ولم يذكره شيخنا
مشترك بين الأعور الهمداني من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام وبين ابن
أوس الحجازي أبي يسين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين التغلبي الكوفي
الضعيف ويعرف برواية محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأزدي عنه (اه‍).
الحارث بن عرفجة الأنصاري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الشريف الحارث بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء كما في بعض النسخ وقال له
قبس الأنوار في نصرة العترة الأخيار وغنية النزوع حسن (اه‍). وفي
رياض العلماء قاله ابن شهرآشوب في معالم العلماء في النسخ التي عندنا وفي
موضع آخر من الرياض ان ابن شهرآشوب في معالم العلماء في النسخ التي
رأيناها ذكره بعنوان الشريف الحارث بن علي بن زهرة (اه‍). وفي نسخة
مخطوطة من معالم العلماء حمزة بن علي بن زهرة بدل الحارث ولم يذكر الحارث
أصلا وكذلك في نسخة المعالم المطبوعة بإيران. فيظهر ان نسخة المعالم كان
فيها الحارث بدل حمزة سهوا من قلم المؤلف أو من النساخ ثم أصلح فوضع
حمزة بدل الحارث وبقيت بعض النسخ بدون اصلاح فوقع هذا الاختلاف.
وكيف كان فوجود من اسمه الحارث بن علي بن زهرة لم يثبت ووجوده في
بعض نسخ المعالم الظاهر أنه سهو كما مر ويدل عليه ان كتاب غنية النزوع
معروف مشهور انه للسيد حمزة ولم يسمع بكتاب بهذا الاسم لغيره ويوضح

370
ذلك ان نسخ المعالم التي فيها الحارث ليس فيها حمزة والتي فيها حمزة ليس
فيها الحارث فدل ذلك على أنه ابدل أحدهما بالآخر ونسبة غنية النزوع إلى
الحارث مع العلم بأنه لحمزة يدل على أنه وضع الحارث مكان حمزة وفي أمل الآمل
لم يذكر الحارث أصلا وذكر حمزة وقال له قبس الأنوار في نصرة العترة
الأخيار وغنية النزوع حسن (اه‍). كما سيأتي ذلك في ترجمة حمزة.
الحارث بن عمرو الأنصاري خال البراء.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الاستيعاب خال
البراء بن عازب ويقال عم البراء.
الحارث بن عمرو الجعفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان الميزان
ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
الحارث بن عمرو بن حرام بن عمرو بن زيد بن النعمان بن مالك بن
ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي.
في الإصابة ذكر ابن سعد انه شهد هو واخوه سعد أحدا وذكر ابن
الكلبي انهما شهدا صفين مع علي وذكر ابن سعد ان لسعد عقبا بسواد
الكوفة. وليس عمرو بن حرام والدهما جد جابر بن عبد الله بن عمرو بن
حرام بل هو آخر وهو ابن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب (اه‍). ولم أجد
له ولا لأخيه سعد ترجمة في طبقات ابن سعد الكبرى.
الحارث بن عمرو السهمي سكن المدينة
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن عمرو الليثي أبو واقد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب (ع) وقال وهو الذي حلف
معاوية ليذيبن الآنك في مسامعه (اه‍). الآنك بوزن كابل الرصاص أو
القصدير ولم أعثر على هذه القصة ولم يشر إليها أحد ممن ألف في الصحابة
فيما عثرت عليه ومر في باب الكنى ج 7 أبو واقد الليثي وانه مختلف في اسمه
ولذلك ترجمناه هناك لكن لم يذكر في تلك الأقوال ان اسمه الحارث بن
عمرو ويأتي الحارث بن عوف الليثي أبو واقد واحد الأقوال في أبي واقد
الليثي ان اسمه الحارث بن عوف.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب الحارث بن عمرو ولم يذكره شيخنا
مشترك بين الأنصاري من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له حديث واحد وبين
الجعفي من أصحاب الصادق (ع) وبين السهمي من أصحاب الرسول صلى الله وآله وسلم
وبين أبي واقد الليثي الذي حلف معاوية ليذيبن الآنك في مسامعه من
أصحاب علي (ع) اه‍.
الحارث بن عمران الجعفري الكلابي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال اسند عنه وقال
النجاشي كوفي ثقة روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام له كتاب يرويه
جماعة أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا ابن الجنيد حدثنا عبد الواحد بن
عبد الله حدثنا علي بن محمد بن رباح عن إبراهيم بن سليمان الخزاز حدثنا
زكريا بن يحيى عن الحارث بكتابه اه‍. والجعفري نسبة إلى جعفر بن
كلاب من ربيعة بن عامر بن صعصعة. وفي ميزان الاعتدال: الحارث بن
عمران الجعفري عن محمد بن سوقة وهشام بن عروة وعنه علي بن حرب
وأحمد بن سليمان قال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات. أبو سعيد
الأشج حدثنا الحارث بن عمران عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا
تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء تابعه عكرمة بن إبراهيم عن هشام وهو
ضعيف واصل الحديث مرسل. قريش بن إسماعيل حدثنا الحارث بن
عمران عن ابن سوقة عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اختضبوا
وأفرقوا خالفوا اليهود قال ابن عدي الضعف على رواياته بين وقال أبو حاتم
ليس بالقوي وقال أبو زرعة واهي الحديث وفي تهذيب التهذيب زاد فيمن
روى عنه الحارث. حنظلة بن أبي سفيان وجعفر الصادق وفيمن روى عن
الحارث. أبو سعيد الأشج وعبد الله بن هاشم الطوسي ومحمود بن غيلان
وعبدة بن عبد الرحيم. وزاد أيضا قال أبو حاتم الحديث الذي رواه تخيروا
لنطفكم لا أصل له وقال ابن عدي للحارث عن جعفر بن محمد أحاديث لا
يتابعه عليها الثقات والضعف على رواياته بين. وقال البرقاني عن الدارقطني
متروك اه‍. وكفى بتوهين هؤلاء تقوية له فما وهنوه الا لتشيعه ولروايته ما لم
يألفوه وادعوا ان الضعف على رواياته بين وما كانت الروايات لتضعف
بالحدس.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يعرف الحارث انه ابن عمران
الجعفري الثقة برواية زكريا بن يحيى عنه وروايته عن جعفر بن محمد عليهما
السلام حيث لا مشارك.
الحارث بن عمير أبو عمير البصري نزيل مكة
ذكره الذهبي في ميزانه وابن حجر في تهذيب التهذيب قال ابن حجر
روى عن أيوب السختياني وحميد الطويل وجعفر بن محمد بن علي وذكر
غيرهم وذكر جماعة رووا عنه ثم حكى ان حماد بن زيد كان يقدم الحارث بن
عمير ويثني عليه ونظر اليه فقال هذا من ثقات أصحاب أيوب وقال ابن
معين وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال أبو زرعة ثقة رجل صالح. وقال
الدارقطني والعجلي ثقة وقال الأزدي ضعيف منكر الحديث وقال الحاكم
روى عن حميد الطويل وجعفر بن محمد أحاديث موضوعة ونقل ابن الجوزي
عن ابن خزيمة أنه قال الحارث بن عمير كذاب وقال ابن حبان كان ممن
يروي عن الاثبات الأشياء الموضوعات وساق له عن جعفر عن أبيه عن
جده عن علي مرفوعا ان آية الكرسي وشهد الله أنه لا إله إلا هو والفاتحة
معلقات بالعرش يقلن يا رب تهبطنا إلى أرضك والى من يعصيك الحديث
بطوله وقال موضوع لا أصل له وقد وقع لي هذا الحديث عاليا وذكر سنده
فيه إلى الحارث ثم قال والذي يظهر لي ان العلة فيه ممن دون الحارث اه‍.
وقال ابن حجر بعد نقل توثيقه عمن تقدم وما أراه الا بين الضعف
فان ابن حبان قال في الضعفاء روى عن الاثبات الأشياء الموضوعات وقال
الحاكم روى عن حميد وجعفر الصادق أشياء موضوعة ثم قال للحارث عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان آية الكرسي إلى
آخر ما مر ثم قال: قال ابن حبان موضوع لا أصل له اه‍. ومن روايته عن
جعفر الصادق (ع) يظن تشيعه والله أعلم.

371
الحارث بن عوف الليثي أبو واقد سكن المدينة
ذكره الشيخ في رجاله بهذا العنوان في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقد
مرت ترجمته في ج 7 بعنوان أبي واقد الليثي وان أحد الأقوال في أبي واقد أن
اسمه الحارث بن عوف.
الحارث بن عوف الخشني
كان مع أمير المؤمنين (ع) يوم صفين فقال في بعض أيام صفين كما
في كتاب صفين لنصر بن مزاحم:
سائل بنا يوم لقينا الازدا * والخيل تعدو شقرا ووردا
لما قطعنا كفهم والزندا * واستبدلوا بغيا وباعوا الرشدا
وضيعوا فيما أرادوا القصدا * سحقا لهم في رأيهم وبعدا
الحارث بن غزية
من الصحابة في الاستيعاب هو القائل يوم الجمل يا معشر الأنصار
انصروا أمير المؤمنين آخرا كما نصرتم رسول الله أولا والله ان الآخرة لشبيهة
بالأولى الا ان الأولى أفضلهما اه‍. وحكى هذا في مجالس المؤمنين عن
الاستيعاب ولكن أبا علي في رجاله حكاه عن التعليقة عن المجالس في
الحارث بن عربة بالمهملة فالراء فصحفه ثم ذكر الحجاج بن عمرو بن غزية
وقال عن الاستيعاب هو الذي كان يقول يا معشر الأنصار أتريدون ان
نقول لربنا إذا لقيناه انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا يا معشر
الأنصار انصروا أمير المؤمنين آخرا إلى آخر ما مر. فجمع بين مقالة الحارث
ومقالة الحجاج ونسبهما إلى الحجاج وحكاهما عن الاستيعاب وصاحب
الاستيعاب انما ذكر مقالة الحارث اما مقالة الحجاج فذكرها صاحب أسد
الغابة وحده وهذه نتيجة قلة التتبع.
الحارث بن غضين أبو وهب الثقفي الكوفي
توفي سنة 143.
(غصين) ضبطه العلامة في الخلاصة بضم الغين المعجمة وفتح الصاد
المهملة وفي رجال ابن داود غضين بالغين المضمومة والضاد المفتوحة
المعجمتين كذا رأيت بخط الشيخ أبي جعفر رحمه الله ورأيت في تصنيف
بعض الأصحاب بالصاد المهملة اه‍. ومراده ببعض الأصحاب العلامة في
الخلاصة وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة في كتاب ابن داود نقلا عن
خط الشيخ الطوسي بالضاد المعجمة وكذا وجدناه في كتاب الرجال بنسخة
معتبرة اه‍. قال الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) الحارث بن
غضين أبو وهب الثقفي كوفي اسند عنه وقال العلامة في الخلاصة
الحارث بن غصين أبو وهب الثقفي الكوفي قال ابن عقدة عن محمد بن
عبد الله بن أبي حكيمة عن ابن نمير انه ثقة خير توفي سنة 143 وفي لسان
الميزان: الحارث بن غصين عن الأعمش وعنه سلام بن سليم قال ابن عبد
البر في كتاب العلم مجهول قلت وذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال روى
عن جعفر الصادق وسمى جده ونسبه فقال الحارث بن غصين بن هنب
الثقفي الكوفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه حسين بن علي
الجعفي اه‍. وقد صحف أبو وهب بابن هنب فزعم أنه جده.
الحارث بن الفضل أو الفضيل المدني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وفي
تهذيب التهذيب: الحارث بن فضيل الأنصاري الخطيمي أبو عبد الله المدني
روى عن محمود بن لبيد وجعفر بن عبد الله بن الحكم والزهري
وعبد الرحمن بن أبي قراد وغيرهم وعنه صالح بن كيسان وعمير بن يزيد أبو
جعفر الخطيمي والدراوردي و فليج بن سليمان وأبو إسحاق وابن عجلان
وغيرهم قال النسائي ثقة وكذا قال عثمان الدارمي عن ابن معين قلت وقال
مهنا عن أحمد ليس بمحفوظ الحديث وقال أبو داود عن أحمد ليس بمحمود
الحديث وذكره ابن حبان في الثقات اه‍. ولا يبعد ان يكون هو المترجم
والطبقة توافق ذلك فالزهري الذي روى عنه معاصر للسجاد (ع).
الحارث بن قتادة العبسي
مر في ج 15 من هذا الكتاب ان الكشي روى في ترجمة جون بن
قتادة وجارية بن قدامة السعدي ان الجون وقيل الحارث بن قتادة قال في
جارية بن قدامة السعدي حين وجهه أمير المؤمنين (ع) إلى أهل نجران
عند ارتدادهم عن الاسلام:
تهود أقوام بنجران بعدما * أقروا بآيات الكتاب وأسلموا
فصرنا إليهم في الحديد يقودنا * أخو ثقة ماضي الجنان مصمم
خددنا لهم في الأرض من سوء فعلهم * أخاديد فيها للمسيئين منقم
ومع كون جون شهد وقعة الجمل مع طلحة والزبير كما مر في ترجمته
نرجح ان يكون هذا الشعر للحارث المترجم لا لجون وفيه من الدلالة على
حسن حاله بمدحه لجارية العظيم القدر ما لا يخفى.
الحارث بن قيس
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وقال قطعت رجله
بصفين ومر في ترجمة أخيه أبي بن قيس رواية الكشي انه قيل لإبراهيم أشهد
علقمة صفين قال نعم وخضب سيفه دما وقتل اخوه أبي بن قيس يوم صفين
وكان علقمة فقيها في دينه قارئا لكتاب الله عالما بالفرائض شهد صفين
أصيبت احدى رجليه فعرج منها واما اخوه أبي فقد قتل وكان الحارث جليلا
فقيها وكان أعور انتهى والظاهر أن الحارث المذكور في رواية الكشي
غير الحارث المذكور في رجال الشيخ لأن الثاني قال الشيخ انه قطعت رجله
بصفين والأول لم يذكر الكشي انها قطعت رجله فيها بل ذكر ان أخاه علقمة
أصيبت احدى رجليه فعرج منها على أن ظاهر قوله فعرج منها انها لم تقطع
بل أصابتها ضربة أوجبت عرجه فان من قطعت رجله لا يقال إنه عرج منها
بل يقال ذلك لمن بقيت رجله وان كان محتملا والثاني لم يصفه الشيخ بأنه
أعور والأول وصف بذلك ولهذا ذكر العلامة في الخلاصة لهما ترجمتين
(الأولى) الحارث بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين (ع) قطعت رجله
بصفين و (الثانية) الحارث بن قيس قال الكشي انه كان جليلا فقيها وكان
أعور اه‍. ومن المحتمل ان يكون قدسها قلم الشيخ في نسبة قطع الرجل
بصفين إلى الحارث لكونه ذكر مع أخيه علقمة الذي أصيبت احدى رجليه
في رواية واحدة بسياق واحد فسبق الذهن من علقمة إلى الحارث والله أعلم
.
الحارث بن قيس الجعفي الكوفي
عده الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) بعنوان الحارث بن قيس
الجعفي وفي تهذيب التهذيب الحارث بن قيس الجعفي الكوفي روى عن ابن

372
مسعود وعلي وعنه خيثمة ويحيى بن هانئ بن عروة المرادي وأبو داود الأعمى
عده خيامة في أصحاب ابن مسعود قال وكانوا معجبين به وقال علي بن
المديني قتل مع علي وقال عمرو بن مرة عن خيثمة ان أبا موسى صلى على
الحارث اخرج له النسائي حديثا واحدا من قوله إذا أردت امرا من الخير فلا
تؤخره لغد (الحديث) قلت وقال ابن حبان في الثقات مات الحارث في ولاية
معاوية وصلى أبو موسى على قبره بعد ما دفن وكذا ذكر البخاري في تاريخه
هذه الزيادة اه‍. ويمكن الجمع بالتعدد. وفي حلية الأولياء: ومنهم
الحارث بن قيس الجعفي. ثم روى بسنده عن الحارث بن قيس قال إذا
كنت في أمر الآخرة فتمكث وإذا كنت في أمر الدنيا فتوخ. وإذا هممت بأمر
خير فلا تؤخره وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال إنك مراء فزده طولا
اه‍.
الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد الأنصاري الخزرجي كنيته أبو خالد
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال شهد العقبة في
السبعين وشهد بدرا وما بعدها من الغزوات واليمامة ومات في خلافة عمر
اه‍.
الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال كان له ثماني
نسوة حين اسلم فامره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يختار أربعا منهن ويخلي باقيهن اه‍.
الحارث بن قيس بن هبشة الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن المدينة
اه‍. ومن العجيب أنه ليس له ذكر في كتب أسماء الصحابة كلها.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب الحارث بن قيس ولم يذكره شيخنا
مشترك بين الجعفي من أصحاب علي (ع) وبين ابن خالد بن مخلد
الأنصاري الخزرجي من أصحاب الرسول صلى عليه وآله وسلم وبين ابن عميرة الأسدي
الكوفي من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين ابن قيس بن هبشة الأنصاري من
أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اه‍.
الحارث بن قيس أبو موسى الهمداني
ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال يعد في الكوفيين سمع علي بن أبي
طالب وحضر معه الحرب بالنهروان روى عنه محمد بن قيس الأسدي
وروى بسنده عن مسلم بن الحجاج أنه قال: أبو موسى الحارث بن قيس
رأى عليا روى عنه محمد بن قيس زاد مسلم - الأسدي - روى حديثه
إسرائيل بن يونس عن محمد بن قيس فسمى أبا موسى مالكا وسمى أباه
الحارث ثم قال ونحن نذكره في باب الميم (انش) اه‍. ونحن سنذكره هناك
أيضا (انش).
الحارث بن كعب الأزدي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وفي
لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
الحارث بن لقمان بن راشد التغلبي جد بني حمدان امراء الموصل وحلب.
ولقمان بن راشد في شعر المتنبي وكان الحارث رئيسا كريما اصلح بين
تغلب وودى قتلاهم من ماله وكانوا مائة قتيل فقال شاعرهم:
عصفت رياح الحارث بن ربيعة * وجرى لها بالنحس أشام طائر
حتى انبرى لعمودها فأقامه * صافي أديم العرض خير أخاير
حمل العظيم ولم يكلف قومه * جمع البعير إلى البعير الدائر
وفي ذلك يقول أبو فراس في قصيدته التي يفتخر فيها ويذكر آباءه
واسلافه في الاسلام دون الجاهلية.
لنا أول في المكرمات وآخر * وباطن مجد تغلبي وظاهر
علي لابكار الكلام وعونه * مفاخر تكفيه وتبقى مفاخر
انا الحارث المختار من نسل حارث * إذا لم يسد في القوم الا الأخاير
فجدي الذي لم العشيرة جوده * وقد طار فيها بالتفرق طائر
ودى مائة لولاه جرت دماؤهم * موارد موت ما لهن مصادر
تحمل قتلاها وساق دياتها * حمول لما جرت عليه العشائر
الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي الحجازي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن المحتمل ان
يكون هو أبو واقد الليثي الآتي لأنه الحارث بن مالك.
الحارث بن مالك بن النعمان الأنصاري
يأتي باسم حارثة بن مالك بن النعمان.
الحارث بن مالك أبو واقد الليثي
مضى الخلاف في اسم أبي واقد في ج 7 وان أحد الأقوال ان اسمه
الحارث بن مالك وفي تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة 68 فيها مات أبو
واقد الليثي واسمه الحارث بن مالك وقد مر ان الحارث بن عمرو الليثي
يكنى أبا واقد وان الحارث بن عوف الليثي يكنى أبا واقد أيضا ومن
المحتمل ان يكون المكنى بأبي واقد الليثي ثلاثة أو أكثر والله أعلم.
الحارث بن محمد عن أبي الطفيل
في ميزان الاعتدال:
قال ابن عدي: مجهول روى زافر بن سليمان
عنه عن أبي الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات
فسمعت عليا يقول: بايع الناس لأبي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق
فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض.
ثم بايع الناس عمر وأنا والله أولى بالأمر منه فسمعت وأطعت مخافة أن
يضرب بعضهم رقاب بعض، ثم أنتم تريدون ان تبايعوا عثمان إذن اسمع
وأطيع. ان عمر جعلني في خمسة لا يعرف لي فضلا عليهم ولا يعرفونه لي،
كلنا فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم فثم لا يستطيع عربيهم ولا
عجميهم رده نشدتكم بالله أفيكم من آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟ قالوا:
لا. قال نشدتكم بالله أفيكم أحد له عم مثل عمي حمزة؟ قالوا: اللهم لا.
قال نشدتكم بالله أفيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر ذي الجناحين؟ قالوا:
لا.
قال: أفيكم أحد له مثل السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل
الجنة؟ قالوا: لا. قال
أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي؟ قالوا: لا.
قال أفيكم أحد كان اقتل لمشركي قريش عند كل شديدة تنزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

373
مني؟ قالوا: لا. فذكر الحديث فهذا غير صحيح وحاشى أمير المؤمنين من
قول هذا. قال لم يتابع زافر عليه قاله البخاري وقال العقيلي حدثناه
محمد بن أحمد الوراميني حدثنا يحيى بن المغيرة الرازي حدثنا زافر عن رجل
عن الحارث بن محمد عن أبي الطفيل الحديث بطوله ورواه محمد بن حميد
عن زافر حدثنا الحارث فهذا عمل ابن حميد أراد ان يجوده. قلت: فافسده
وهو خبر منكر اه‍. وفي لسان الميزان ولما ساقه العقيلي من طريق يحيى بن
المغيرة قال فيه مجهولان: الحارث والرجل. واما رواية محمد بن حميد فإنه
أراد أن يجود السند والصواب ما قال يحيى بن المغيرة وهذا الحديث لا أصل
له عن علي وقال ابن حبان في الثقات روى عن أبي الطفيل ان كان سمع
منه قلت: ولعل الآفة في هذا الحديث من زافر اه‍. (أقول) ان من المنكر
عد هذا الخبر منكرا ولا يستند إلى أصل قول من قال لا أصل له. كيف وما
تضمنه هذا الخبر صحيح ثابت ولو لم يرد فيه خبر فهل يستطيع الذهبي
وابن حجر ان ينكرا ان النبي ص آخى بين أصحابه وآخى بين علي وبين
نفسه وهل يحتاج إلى برهان ما تضمنه قول الصفي الحلي.
لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد
وهل يستطيع الذهبي وابن حجر وغيرهما ممن عنده ذرة من معرفة
وانصاف ان ينكر ما تضمنه هذا الخبر من فضائل علي ولا سيما المؤاخاة
والجهاد وما لم يذكر فيه من باقي فضائله وأخصها العلم وهل يليق بمن
ينسب إلى العلم ان يتفوه بقوله: خبر منكر: هذا غير صحيح لا أصل له
عن علي، حاشا أمير المؤمنين من قول هذا. بل حاشا أمير المؤمنين ان لا
يقول هذا، وهو الحق. ولو لم يقله لكان مخفيا فضله الذي يلزمه اظهاره
في مثل ذلك المقام اتماما للحجة.
فنال زورا من قال ذلك زور * وافترى من يقول ذلك افتراء
وانا لو كنت حاضرا عند أمير المؤمنين (ع) لما قال: أفيكم أحد كان
أقتل لمشركي قريش مني، لقلت له: من هنا أتيت!. ومن رواية الحارث
لهذا الحديث قد يظن أنه من شرط كتابنا والله أعلم.
الحارث بن محمد الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) ويحتمل كونه
الحارث بن محمد بن النعمان البجلي الآتي كما يأتي.
الحارث بن محمد المكفوف
في ميزان الاعتدال: أتى بخبر باطل قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن
معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن أبي ذر مرفوعا لا تزول قدما عبد
حتى يسال عن حبنا أهل البيت وأومأ إلى علي ورواه أبو بكر بن الباغندي
عن يعقوب بن إسحاق الطوسي عنه اه‍. وفي لسان الميزان وله عن جلد بن
السري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله لا ألفين أحدكم
يتغنى ويدع ان يقرأ سورة البقرة. جلد وثق اه‍. ومن ذلك قد يظن تشيعه
وجزم الذهبي ببطلان الخبر باطل كيف وقد عضده قوله تعالى قل لا أسألكم
عليه أجرا الا المودة في القربى وقوله صلى الله عليه وآله وسلم اني تارك فيكم الثقلين الحديث.
الحارث بن محمد بن النعمان البجلي أبو علي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال النجاشي
حارث بن أبي جعفر محمد بن النعمان الأحول مولى بجيلة روى عن أبي
عبد الله (ع)، كتابه يرويه عدة من أصحابنا منهم الحسن بن محبوب
أخبرنا عدة من أصحابنا عن الشريف أبي محمد الحسن بن حمزة الطبري
حدثنا ابن بطة حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى
عن الحسن بن محبوب عن الحارث بن محمد بكتابه وفي الفهرست
الحارث بن الأحول له أصل رويناه عن عدة من أصحابنا عن أبي المفضل
عن أبي بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن الحسن اه‍.
وفي التعليقة: الحارث بن محمد بن النعمان لا يبعد اتحاده مع سابقه يعني
الحارث بين محمد الكوفي من أصحاب الصادق (ع) وعدم الاشتراك وان
ما في رجال الصادق مكرر لما ذكرناه مكررا وكون كتابه يرويه عدة من
أصحابنا ورواية ابن أبي عمير عنه وكذلك ابن محبوب وكونه صاحب أصل
كل ذلك يومئ إلى حسن حاله ومما يومئ إلى الاعتماد عليه ان الأصحاب
ربما يتلقون روايته بالقبول بحيث يرجحونها على رواية الثقات وغيرهم مثل
روايته في كفارة إفطار قضاء شهر رمضان اه‍. وفي لسان الميزان الحارث بن
محمد بن النعمان أبو محمد (1) بن أبي جعفر البجلي الكوفي وأبوه يعرف
شيطان الطاق روى عن جعفر الصادق (ع) وزرارة بن أعين ويزيد (صوابه
بريد) بن معاوية العجلي وغيرهم روى عنه الحسن بن محبوب وغيره
قال علي بن الحكم كان أحد أئمة الحديث في معرفة حديث أهل البيت. قال:
وقال الحسن بن محبوب: لقد رأيته حضر حلقة محمد بن الحسن صاحب
الرأي فما تكلم حتى استأذنه فلما قام الحارث قال: أي رجل لولا! - يعني
الرفض -. قال: وكان أفرض الناس عالما بالشعر كثير الرواية. وذكره
الطوسي في مصنفي الشيعة وقال: له كتاب يعتمد عليه اه‍. وعلي بن
الحكم أحد علماء الإمامية له كتاب في الرجال كان عند ابن حجر.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي يمكن استعلام ان الحارث هو ابن
محمد بن النعمان برواية الحسن بن محبوب عنه وفي مشتركات الكاظمي،
باب الحارث بن محمد ولم يذكره شيخنا مشترك بين الكوفي من أصحاب
الصادق (ع) وبين ابن النعمان البجلي أبي علي الكوفي من أصحاب
الصادق (ع) ويتميز عن الأول برواية الحسن بن محبوب عنه اه‍. وقد قيل إن
للبجلي رواية عن الباقر (ع) في باب ما يجب فيه الدية الكاملة من
الكافي.
الحارث بن مرة العبدي
قتل سنة 37 قتله الخوارج كما في مروج الذهب وقال ابن الأثير
وياقوت قتل سنة 42.
(العبدي) نسبة إلى عبد القيس وهي معروفة بولاء أمير
المؤمنين (ع).
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: جعل علي (ع) يوم صفين
الحارث بن مرة العبدي على رجالة الميسرة. وقال ابن الأثير في حوادث سنة
39: وفيها توجه الحارث بن مرة العبدي إلى بلاد السند غازيا متطوعا بأمر
أمير المؤمنين علي فغنم وأصاب غنائم وسبيا كثيرا وقسم في يوم واحد ألف
رأس وبقي غازيا إلى أن قتل بأرض القيقان هو ومن معه الا قليلا سنة 42
أيام معاوية اه‍. وفي معجم البلدان: قيقان بالكسر بلاد قرب طبرستان قال



(1) كناه أبو محمد ومران كنيته أبو علي.
374
وفي كتاب الفتوح في سنة 38 وأول سنة 39 في خلافة أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب توجه إلى ثغر السند الحارث بن مرة العبدي متطوعا باذن علي
فظفر وأصاب مغنما وسبيا وقسم في يوم واحد ألف رأس ثم إنه قتل ومن
معه بأرض القيقان الا قليلا وكان مقتله في سنة 42 اه‍. وفي مروج الذهب
عند ذكر وقعة النهروان: فسار علي إليهم - اي الخوارج - حتى اتى النهروان
فبعث إليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولا يدعوهم إلى الرجوع فقتلوه
اه‍. وكانت وقعة النهروان سنة 37.
الحارث بن مسلم أبو المغيرة المخزومي القرشي الحجازي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الحارث بن المغيرة النصري يكنى أبا علي من بني نصر بن معاوية.
في الخلاصة (النصري) بالنون والصاد المهملة اه‍. منسوب إلى بني
نصر بن معاوية قبيلة والنصري بفتح النون وسكون الصاد.
ذكره الشيخ في رجاله بهذا العنوان في أصحاب الباقر عليه السلام
وقال في أصحاب الصادق (ع) الحارث بن المغيرة النصري أبو علي أسند
عنه بياع الزطي وقال في الفهرست: الحارث بن المغيرة النصري له كتاب
أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن الحسن عن
صفوان بن يحيى عنه اه‍. وقال النجاشي: الحارث بن المغيرة النصري من
بني نصر بن معاوية بصري روى عن أبي جعفر وجعفر وموسى بن جعفر
وزيد بن علي عليهم السلام ثقة. له كتاب يرويه عدة من أصحابنا.
وروى الكليني في روضة الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن
صفوان بن يحيى عن الحارث بن مغيرة قال: قال أبو عبد الله (ع):
لآخذن البرئ منكم بذنب السقيم ولم لا أفعل ويبلغكم عن الرجل ما
يشينكم ويشينني فتجالسونهم وتحدثونهم فيمر بكم المار فيقول هؤلاء شر من
هذا فلو انكم إذا بلغكم عنه ما تكرهون زبرتموهم ونهيتموهم كان أبر بكم.
وفيه بمثل هذا السند قال: لقيني الصادق (ع) في طريق مكة فقال: من
ذا؟ حارث؟ قلت: نعم قال لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم (إلى أن
قال) فدخلني من ذلك أمر عظيم. فقال: نعم ما يمنعكم إذا بلغكم (إلى أن
قال): وتقولوا قولا بليغا فقلت: جعلت فداك لا يطيعوننا ولا يقبلون منا
فقال اهجروهم واجتنبوا مجالستهم اه‍.
وفي التعليقة في الروايتين دلالة على
كونه من العلماء والكبراء وعلى حسن حاله لا على ذمه كما لا يخفى اه‍. وفي
الروضة بسنده عن سعيد بن يسار قال استاذنا على أبي عبد الله (ع) انا
والحارث بن مغيرة النصري ومنصور الصيقل فواعدنا دار طاهر مولاه فصلينا
العصر ثم رحنا اليه (إلى أن قال): فجلسنا حوله. (إلى أن قال): ثم قال
الحمد لله الذي ذهب الناس يمينا وشمالا فرقة مرجئة وفرقة خوارج وفرقة
قدرية وسميتم أنتم الترابية (الحديث) وهو يدل على مكانته. وللصدوق
طريق اليه في مشيخة الفقيه وفي مستدركات الوسائل ذكر رواية جماعة من
الاجلاء عنه فيهم من أصحاب الاجماع. وفي لسان الميزان: الحارث بن
مغيرة النصري بالنون البصري بالموحدة روى عن الباقر وأخيه زيد بن علي
وجعفر بن محمد رضي الله عنهم ذكره الطوسي وابن النجاشي في رجال
الشيعة ووثقاه وقال علي بن الحكم كان من أورع الناس روى عنه ثعلبة بن
ميمون وهشام بن سالم وجعفر بن بشر (صوابه بشير) وآخرون اه‍. التمييز
في مشتركات الطريحي يعرف الحارث انه ابن المغيرة برواية صفوان بن
يحيى عنه ورواية جعفر بن بشير عنه وزاد الكاظمي في مشتركاته رواية ابن
مسكان وعلي بن النعمان ويحيى بن عمران الحلبي عنه وزاد بعضهم نقلا
عن المشتركات رواية أبي عمارة وربيع الأصم عنه كما في الفقيه وليس ذلك
في نسختين عندي من المشتركات وعن جامع الرواة انه نقل رواية هؤلاء
عنه وزاد نقل رواية يونس بن يعقوب وعبد الرحمن الابزاري الكناسي
ويونس بن عبد الرحمن والحسين بن المختار وعبد الكريم بن عمرو الخثعمي
وصالح بن عقبة ومحمد بن أيوب ومحمد بن الفضيل وحماد بن عثمان
ومعاوية بن عمار وأبي منهال وجميل بن صالح وابان بن عثمان وثعلبة بن
ميمون وخطاب بن محمد عنه. وزاد في مستدركات الوسائل رواية ابن أبي
عمير وأبي أيوب وعبد الله بن مسكان والفضيل بن يسار عنه.
الحارث المنجم
من أهل المائة الثالثة في فهرست ابن النديم: حارث المنجم وكان
منقطعا إلى الحسن بن سهل وكان فاضلا يحكي عنه أبو معشر وله من الكتب
كتاب الزيج اه‍. وفي الذريعة عند ذكر الزيج ما لفظه: ونحن نذكر بعض
ما صنعه المنجمون منا بعد القرن الأول من الهجرة حتى اليوم (إلى أن قال) ومنها زيج حارث المنجم المنقطع إلى الحسن بن سهل وكان فاضلا يحكي
عنه أبو معشر الذي توفي 272 وذكره ابن النديم في ص 388 من الطبعة
المصرية قال ومراده الحسن بن سهل بن نوبخت المنجم الشيعي المشهور
ومؤلف الأنوار لأنه المذكور في الفهرست قبل ذلك بثلاث صفحات لا
الحسن بن سهل السرخسي وزير المأمون الذي ليس له ذكر ابدا في الفهرس
اه‍. وكأنه استظهر تشيعه من انقطاعه إلى الحسن بن سهل بن نوبخت مع أن
السرخسي أيضا من الشيعة.
الحارث بن منصور العبدي
كان مع أمير المؤمنين (ع) بصفين وكان ابن عمه ذو نواس بن
هذيم بن قيس العبدي ممن لحق بمعاوية فخرج ذو نواس يوما يسال المبارزة
فخرج اليه ابن عمه الحارث بن منصور فاضطربا بسيفيهما وانتسبا إلى
عشائرهما فعرف كل منهما صاحبه فتتاركا قاله نصر بن مزاحم في كتاب
صفين.
الحارث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب
استشهد مع الحسين ع سنة 61 على ما قيل.
مذكور في أبصار العين في أنصار الحسين قال كان نبهان عبدا لحمزة
شجاعا فارسا ثم حكى عن صاحب الحدائق الوردية في أئمة الزيدية أنه قال
والحارث ابنه انضم إلى الحسين بعد انضمامه إلى علي بن أبي طالب
والحسن عليهم السلام فجاء معه إلى كربلاء وقتل بها في الحملة الأولى اه‍.
ولم نجد من ذكر نبهان في الصحابة ولا من ذكر ابنه هذا فيهم أو في التابعين
غيره والله أعلم.
الحارث بن نصر الجشيمي
الاختلاف في اسم أبيه ونسبته
في كتاب صفين لنصر بن مزاحم: (الحارث بن نصر الجشيمي) نصر

375
بالنون والصاد المهملة والراء (والجشيمي) بالجيم والشين المعجمة والميم
ومثله في نسخة مخطوطة من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد كتبت سنة
877 في ثلاثة مواضع منها (الحارث بن نصر الجشيمي) وفي نسخة شرح
النهج المطبوعة (الحارث بن نصر الخثعمي) وكأنه تصحيف لقرب الجشيمي
من الخثعمي في الرسم وذلك لعدم الوثوق بصحة المطبوعة وكون المخطوطة
صحيحة مع قرب عهدها بعصر المؤلف مع موافقة نسخة كتاب صفين لها
وفي نسخة الاستيعاب المطبوعة بهامش الإصابة عن ابن الكلبي والمدائني
(الحارث بن نصر السهمي) ولعله تصحيف أيضا لقرب السهمي من
الجيشمي في الرسم مع أن ابن أبي الحديد في النسخة المخطوطة نقل عن
الاستيعاب عن ابن الكلبي والمدائني الحارث بن نصر الجشيمي ولعل
الجشيمي تصغير الجشمي.
أحواله
كان الحارث هذا من أصحاب أمير المؤمنين علي (ع) وشهد معه
صفين وكان شاعرا مجيدا روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده عن
عبد الرحمن بن حاطب قال كان عمرو بن العاص عدوا للحارث بن نصر
الجشيمي وكان من أصحاب علي (ع) وكان علي (ع) قد تهيبه فرسان
الشام وملأ قلوبهم بشجاعته وامتنع كل منهم من الاقدام عليه وكان عمرو
قلما يجلس مجلسا الا ذكر فيه الحارث بن نصر وعابه فقال الحارث في ذلك:
ليس عمرو بتارك ذكره الحرب * مدى الدهر أو يلاقي عليا
واضع السيف فوق منكبه الأيمن * لا يحسب الفوارس شيا
ليس عمرو يلقاه في حمس النقع * وقد صارت السيوف عصيا
حيث يدعو البراز حامية القوم * إذا كان بالبراز مليا
فوق شهب مثل السحوق من * النخل ينادي المبارزين اليا
ثم يا عمرو تستريح من الفخر * وتلقى به فتى هاشميا
فالقه ان أردت مكرمة الدهر * أو الموت كل ذاك عليا
هكذا في كتاب صفين لنصر وفي شرح النهج نقلا عن كتاب صفين
لنصر:
ليس عمرو بتارك ذكره الحارث * بالسوء أو يلاقي عليا
واضع السيف (البيت)
ليت عمرا يلقاه في حومة النقع * وقد أمست السيوف عصيا
حيث يدعى للحرب حامية القوم * إذا كان بالبراز مليا
فادعه ان أردت مكرمة الدهر * وأيه به وناد اليا
فانظر إلى هذا التفاوت بين كتاب نصر والمنقول عنه. قال نصر بن
مزاحم: فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فاقسم بالله ليلقين عليا
ولو مات من لقائه ألف موتة فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه
فتقدم علي عليه السلام اليه وهو مخترط سيفا معتقل رمحا فلما رهقه همز فرسه
ليعلو عليه فالقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه كاشفا
عورته فانصرف عنه لافتا وجهه مستديرا له فعد الناس ذلك من مكارمه
وسؤدده وضرب بها المثل اه‍. وفي الاستيعاب في ترجمة بسر بن أرطأة انه
كان مع معاوية بصفين فأمره أن يلقى عليا في القتال وقال له اني سمعتك
تتمنى لقاءه فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على الدنيا والآخرة ولم يزل
يشجعه ويمنيه حتى رأى عليا (ع) في الحرب فقصده والتقيا فصرعه علي
(ع) وعرض له معه مثل ما عرض له مع عمرو بن العاص في كشف
السوأة. قال أبو عمرو وذكر ابن الكلبي في كتابه في اخبار صفين ان بسر بن
أرطأة بارز عليا (ع) يوم صفين فطعنه علي (ع) فصرعه فانكشف له
فكف عنه كما عرض له مثل ذلك فيما ذكروا مع عمرو بن العاص قال
وللشعراء فيهما أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب. (منها) فيما
ذكر ابن الكلبي والمدائني قول الحارث بن نصر الجشيمي وكان عدوا لعمرو
وبسر:
أفي كل يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاجة باديه
يكف لها عنه علي سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه
فقولا لعمرو ثم بسر الا انظرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمد الا الحيا وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقيه
ولولاهما لم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيها عن العود ناهيه
متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناحية
وكونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا * نحوركما ان التجارب كافيه
الحارث بن النضر
في لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال روى عنه عبد * الله بن المحبر اه‍. ولا اثر لذلك في كتب الشيخ الطوسي ولا نقله عنه ناقل
غيره والله أعلم.
الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال شهد بدرا واحدا
وفي الاستيعاب الحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس البرك بن
ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي شهد بدرا
واحدا وهو عم خوات ابن جبير وفي الإصابة قال ابن سعد: ذكره في
البدريين موسى بن عقبة وابن عمارة وأبو معشر والواقدي ولم يذكره ابن
إسحاق قلت وذكره أيضا أبو الأسود عن عروة وابن الكلبي وروى
الطبراني من طريق عبيد الله بن أبي رافع انه ذكر فيمن شهد صفين مع علي
وقال ابن منده لا يعرف له حديث اه‍. والذي في الطبقات لابن سعد
الحارث بن النعمان بن أمية بن البرك وهو امرؤ القيس بن ثعلبة وهو عم
خوات وعبد الله ابني جبير وهو عم أبي ضياح أيضا وأم الحارث هند بنت
أوس بن عدي بن أمية بن عامر بن خطمة من الأوس وليس له عقب اجمع
موسى بن عقبة وأبو معشر ومحمد بن عمر وعبد الله بن محمد بن عمارة
الأنصاري على أن الحارث بن النعمان شهد بدرا وشهد أحدا اه‍.
الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي أبو عبد الله
وفاته
في طبقات ابن سعد والاستيعاب وتاريخ ابن الأثير مات بالبصرة في
آخر خلافة عثمان بن عفان اه‍. وفي أسد الغابة قيل مات آخر خلافة عمر
وقيل في خلافة عثمان وهو ابن سبعين سنة اه‍. وحكى في الإصابة انه توفي
بالبصرة آخر خلافة عثمان وقيل في زمن معاوية اه‍.

376
أبوه
وأبوه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أمه
في طبقات ابن سعد أمه ظريبة بنت سعيد بن القشيب واسمه جندب
ابن عبد الله بن رافع بن نضلة بن محصب بن صعب بن مبشر بن دهمان من
الأزد اه‍.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال الحارث بن نوفل بن الحارث بن
عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله وابنه نوفل بن
الحارث أبو الحارث اه‍. وذكره ابن سعد في موضعين من طبقاته فقال في
أحدهما: انتقل إلى البصرة واختط بها دارا ونزلها في ولاية عبد الله بن عامر
ابن كريز ومات بالبصرة في آخر خلافة عثمان بن عفان وله بها بقية وقد روى
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثا في الصلاة على الميت وقال في موضع آخر: كان
الحارث بن نوفل رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وروى عنه وأسلم عند اسلام أبيه وولد له ابنه عبد الله بن الحارث على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحنكه ودعا له واستعمل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم الحارث بن نوفل على بعض اعمال مكة ثم ولاه أبو بكر وعمر
وعثمان مكة. انتقل الحارث بن نوفل إلى البصرة واختط بها دارا ونزلها في
ولاية عبد الله بن عامر بن كريز ومات بالبصرة في آخر خلافة عثمان بن
عفان اه‍. وفي الاستيعاب عن مصعب الزبيري: صحب الحارث بن نوفل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد له على عهده عبد الله بن الحارث الذي يقال له ببة
اصطلح عليه أهل البصرة حين مات معاوية. هكذا في النسخة المطبوعة
ويوشك ان يكون سقط يزيد بن من النساخ وفي أسد الغابة حين مات
يزيد بن معاوية وهو الصواب ثم قال في الاستيعاب وقال الواقدي كان
الحارث بن نوفل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا واسلم عند اسلام أبيه نوفل
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد له ابنه عبد الله الملقب ببة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت تحته درة (1) بنت أبي لهب وقال غيرهما ولى أبو بكر الصديق
الحارث بن نوفل مكة ثم انتقل إلى البصرة من المدينة واختط بالبصرة دارا في
ولاية عبد الله بن عامر ومات بها في آخر خلافة عثمان اه‍. وفي أسد الغابة
قوله ان أبا بكر ولى الحارث مكة وهم منه انما كان الأمير بمكة في خلافة أبي
بكر عتاب بن أسيد على القول الصحيح وانما النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل الحارث
على جدة فلهذا لم يشهد حنينا فعزله أبو بكر فلما ولي عثمان ولاه ثم انتقل
إلى البصرة وقال أيضا أبوه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولد له على
عهده ابنه عبد الله الذي تلقب ببة الذي ولي البصرة عند موت يزيد بن
معاوية وسيذكر عند اسمه وكان الحارث سلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت أم
حبيبة بنت أبي سفيان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت هند بنت أبي سفيان عند
الحارث هي أم ابنه عبد الله روى عنه ابنه عبد الله دعاء في الصلاة على
الميت وفي الإصابة هو والد عبد الله الملقب ببة بموحدتين مفتوحتين الثانية
ثقيلة ذكره ابن حبان في الصحابة وقال ولاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض اعمال مكة
وروى البخاري في التاريخ من طريق عبد الله بن الحارث ان أباه كان على
مكة وروي عنه بعض الأحاديث وذكر ابن الكلبي انه سبب نزول: وما
كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية ثم قال: قال ابن سعد أخبرني علي بن
عيسى بن عبد الله بن الحارث قال صحب الحارث بن نوفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فاستعمله على بعض عمله بمكة وأقره أبو بكر وعمر وعثمان ثم انتقل إلى
البصرة واختط بها دارا ومات بها في آخر خلافة عثمان وقال غيره من أهل
بيته مات في زمن معاوية وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اما الزبير بن بكار فذكر هذا
الكلام الأخير في ترجمة أخيه عبد الله بن نوفل اه‍. ومن ذلك تعرف اتفاق
المؤرخين على أن الملقب ببة هو ابنه لا هو لكن ابن الأثير في الكامل قال في
حوادث سنة 35 ان الملقب ببة هو الحارث مع أنه في أسد الغابة كما سمعت
قال إن ببة لقب ابنه عبد الله فاما ان يكون ما في الكامل سهوا منه أو وقع
سقط من النساخ. وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم ان أمير المؤمنين عليا
(ع) جعله يوم صفين على قريش البصرة وفي كتاب تجارب السلف تأليف
هند وشاه بن سنجر بن عبد الله الصاحبي النخجواني ما تعريبه انه كان
السفير في الصلح بين الحسن بن علي عليهما السلام ومعاوية اه‍. وذكره
الطبري في ذيل المذيل فيمن عاش بعد رسول الله ص من أصحابه فروى
عنه أو نقل عنه علم فقال: ومنهم الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف من ولده عبد الله بن الحارث بن نوفل
الذي اصطلح عليه أهل البصرة أيام الزبيرية والمروانية ولقب ببة أدرك
الحارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه اه‍. وذكره قبل ذلك وقال كان رجلا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند اسلام أبيه وولد ابنه
عبد الله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحنكه اه‍.
بعض رواياته
روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبد الله بن الحارث عن أبيه
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمهم الصلاة على الميت: اللهم اغفر لأحيائنا ولأمواتنا
وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا اللهم عبدك فلان ابن فلان لا نعلم منه
الا خيرا وأنت اعلم به فاغفر لنا وله. فقلت وانا أصغر القوم فإن لم أعلم
خيرا فقال لا تقل الا ما تعلم. ورواه الطبري في ذيل المذيل بسنده عن
عبد الله بن الحارث عن أبيه مثله وروى الطبري أيضا في ذيل المذيل بسنده
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع المؤذن
يقول أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد ان محمدا رسول الله قال كما يقول وإذا
قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة الا بالله وإذا قال حي على الفلاح
قال لا حول ولا قوة الا بالله.
أولاده
في طبقات ابن سعد كان للحارث بن نوفل من الولد عبد الله بن
الحارث ولقبه أهل البصرة ببة واصطلحوا عليه أيام ابن الزبير فوليهم ومحمد
الأكبر ابن الحارث وربيعة وعبد الرحمن ورملة وأم الزبير أو هي أم المغيرة
وظريبة وأمهم هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس وعتبة
ومحمد الأصغر والحارث بن الحارث وريطة وأم الحارث وأمهم أم عمرو بنت
المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وسعيد بن الحارث لام ولد اه‍.
الحارث بن هاشم بن المغيرة المخزومي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصواب الحارث بن
هشام كما يأتي.



(1) في الدرجات الرفيعة سماها كثيرة.
377
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه ابدل هشام
بهاشم كما مر وقال اسلم يوم الفتح سكن المدينة وخرج في خلافة عمر إلى
الشام وفي الخلاصة ورجال ابن داود الحارث بن هشام وقال الميرزا في المتوسط وهو الأصح.
الحارث بن همام النخعي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وقال صاحب لواء
الأشتر يوم صفين اه‍. وكان الحارث هذا فارسا شجاعا شاعرا قال نصر بن
مزاحم في كتاب صفين: ان الأشتر دعا الحارث بن همام النخعي ثم
الصهباني لم منعهم أهل الشام الماء بصفين فأعطاه لواءه ثم قال يا حارث
لولا اعلم انك تصبر عند الموت لاخذت لوائي منك ولم أحبك بكرامتي قال
والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن فاتبعني فتقدم وهو يقول:
يا اشتر الخير ويا خير النخع * وصاحب النصر إذا عم الفزع
وكاشف الامر إذا الامر وقع * ما أنت في الحرب العوان بالجذع
قد جزع القوم وعموا بالجزع * وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرع
ان تسقنا الماء فما هي بالبدع * أو نعطش اليوم فجد يقتطع
ما شئت خذ منها وما شئت فدع
فقال الأشتر ادن مني فدنا منه فقبل رأسه وقال لا تتبع هذا اليوم الا
خيرا.
الحارث الهمداني
هو الحارث بن عبد الله الأعور المتقدم.
الحارث الهمداني الحالقي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وقال ابن داود الهمداني
بالمهملة. و (الحالقي) هكذا في النسخ بالحاء المهملة واللام والقاف ولا
يعرف له وجه صحة والذي أظنه انه تصحيف الخارفي لأن المتيقن ان
الحارث الهمداني هذا هو الحارث بن عبد الله الأعور المتقدم الذي ذكره
الشيخ في أصحاب الحسن (ع) بعنوان الحارث الأعور وذكره هنا بعنوان
الحارث الهمداني ولو كان المذكور هنا غيره للزم ان يكون الشيخ أهمل ذكره
في أصحاب علي وذكره في أصحاب الحسن وهو غير معقول لاشتهاره
بصحبة علي أكثر من اشتهاره بصحبة الحسن عليهما السلام وقد مر انه
ينسب بالخارفي ولم يذكر أحد نسبته بالحالقي.
حارثة بن بدر التميمي
كان من رؤساء بني تميم وأشرافهم، قال نصر في كتاب صفين انه قدم
على علي بن أبي طالب بعد قدومه الكوفة مع الأحنف بن قيس وجارية بن
قدامة وزيد بن جبلة وأعين بن ضبيعة، ثم ذكر ما حاصله: ان الأحنف
سأل عليا ان يبعثوا إلى عشيرتهم بالبصرة ليقدموا عليهم فيقاتلوا معهم
عدوهم، فقال علي (ع) لجارية بن قدامة ما تقول؟ فلم يشر بذلك، كأنه
كره اشخاص قومه عن البصرة. هكذا يقول نصر، ولا شك ان جارية بن
قدامة كان من اخلص الناس لعلي (ع) وكأنه رأى المصلحة في عدم
أشخاصهم. قال نصر: وكان حارثة بن بدر أسد الناس رأيا عند الأحنف
وكان شاعر بني تميم وفارسهم فقال علي عليه السلام ما تقول يا حارثة؟
فقال يا أمير المؤمنين: انا نشرب الرجاء بالمخافة والله لوددت ان أمراءنا
رجعوا الينا فاستعنا بهم على عدونا ولسنا نلقى القوم بأكثر من عددهم
وليس لك الا من كان معك وان لنا في قومنا عددا لا نلقى بهم عدوا اعدى
من معاوية ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام، وليس بالبصرة بطانة
نرصدهم لها ولا عدو نعدهم له. ووافق الأحنف في رأيه فقال علي
للأحنف: اكتب إلى قومك فكتب إلى بني سعد فساروا بجماعتهم حتى
نزلوا الكوفة فعزت بهم الكوفة وكثرت اه. ويوشك ان يكون هو حارثة بن
ثور الآتي صحف أحدهما بالآخر والله أعلم.
حارثة بن ثور
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وفي لسان الميزان ذكره
الطوسي في رجال الشيعة وقال روى عن علي اه‍. ويوشك ان يكون هو
حارثة بن بدر وصحف ثور ببدر أو بالعكس.
حارثة بن سراقة الأنصاري النجاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال آخى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين السائب بن مظعون شهد بدرا وقتل بها اه‍. وفي الخلاصة
سراقة بالسين المهملة المضمومة.
حارثة بن قدامة السعدي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع)، وكذلك ذكره الكشي
مع الجون بن قتادة، وذكره أيضا في ترجمة الأحنف بن قيس وكذلك ذكره
المسعودي عند ذكر حرب الخوارج فقال واتاه من البصرة من قبل ابن عباس
وكان عامله عليها عشرة آلاف فيهم الأحنف بن قيس وحارثة بن قدامة
السعدي وذلك في سنة 38 وقد مر في باب الجيم انه تصحيف وان الصواب
جارية بالجيم والراء والمثناة التحتية فليراجع.
حارثة وقيل حارث بن مالك بن النعمان الأنصاري
قد يستفاد توثيقه مما رواه الكليني في الكافي في باب حقيقة الايمان
واليقين في الحديث الثالث عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن
محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له:
كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله مؤمن حق. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكل شئ حقيقة فما حقيقة قولك: فقال يا رسول الله
عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأني انظر إلى
عرش ربي وضع للحساب وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة
وكأني اسمع عواء أهل النار في النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عبد نور الله
قلبه أبصرت فاثبت. فقال يا رسول الله: ادع الله ان يرزقني الشهادة معك
فقال اللهم ارزق حارثة الشهادة فلم يلبث الا أياما حتى بعث رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل قال الكليني وفي
رواية القاسم بن بريد عن أبي بصير قال استشهد مع جعفر بن أبي طالب
بعد تسعة نفر وكان هو العاشر اه‍. وروي هذا الحديث من طريق غيرنا
بعدة أسانيد.
حارثة بن النعمان بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار
الأنصاري الخزرجي أبو عبد الله.
توفي في أيام معاوية ذكره ابن سعد في الطبقات وغيره.

378
أمه
في طبقات ابن سعد: أمه جعدة بنت عبيد بن ثعلبة بن غنم.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: حارثة بن
النعمان الأنصاري، كنيته أبو عبد الله، شهد بدرا واحدا وما بعدهما من
المشاهد. وشهد مع أمير المؤمنين القتال اه‍. وهذا الذي ذكره من أنه شهد
مع أمير المؤمنين (ع) القتال هو الذي أوجب كونه من شرط كتابنا لكننا لم
نجده لغيره في الكتب المؤلفة في أسماء الصحابة كطبقات ابن سعد
والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة. وفي الاستيعاب: حارثة بن النعمان بن
نقع (1) بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري
يكنى أبا عبد الله شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وكان من فضلاء الصحابة وبسنده عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ، فقلت من هذا؟ قالوا:
صوت حارثة بن النعمان. قال رسول الله ص كذلك البر كذلك
البر كان أبر الناس بأمه. وأمه فيما يقولون جعدة بنت عبيد بن ثعلبة
ابن غنم بن مالك بن النجار قيل إنه توفي في خلافة معاوية وهو
جد أبي الرجال فيما يقول بعضهم. قال عطاء الخراساني عن عكرمة فيمن
شهد بدرا: حارثة بن النعمان من بني مالك بن النجار. قال أبو عمر كان
حارثة بن النعمان قد ذهب بصره فاتخذ خيطا من مصلاه إلى باب حجرته
ووضع عنده مكتلا فيه تمر فكان إذا جاء المسكين يسأل اخذ من ذلك المكتل
ثم اخذ بطرف الخيط حتى يناوله وكان أهله يقولون نحن نكفيك فقال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول مناولة المسكين تقي ميتة السوء اه‍. وفي رواية
ابن سعد في الطبقات: فيه تمر وغير ذلك. وفي رواية الإصابة: مناولة
المسكين تقي مصارع السوء. وحكى في الإصابة أيضا عن البخاري في
التاريخ: ان حارثة بن النعمان قال لعثمان: ان شئت قاتلت دونك اه‍...
وفي طبقات ابن سعد: حارثة بن النعمان بن نفع يكنى أبا عبد الله شهد
بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أولاده
في طبقات ابن سعد: كان لحارثة من الولد: عبد الله وعبد الرحمن
وسودة وعمرة وأم هشام. ثلاثتهن من المبايعات وأمهم أم خالد بنت خالد
ابن يعيش بن قيس بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن
النجار. وأم كلثوم وأمها من بني عبد الله بن غطفان وأمة الله وأمها من بني
جندع. ثم قال: وله عقب ومن ولده أبو الرجال واسمه محمد بن
عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان. وأم أبي الرجال عمرة بنت
عبد الرحمن بن سعد بن زرارة من بني النجار اه‍.
حارثة بن وهب الخزاعي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال سكن الكوفة.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب حارثة ولم يذكره شيخنا مشترك بين جماعة
لم يوثقوا اه‍.
حازم بن إبراهيم البجلي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وقال سكن البصرة
اسند عنه اه‍. وفي ميزان الاعتدال حازم بن إبراهيم البجلي بصري عن
سماك بن حرب ذكره ابن عدي فساق له أحاديث ولم يذكر لاحد فيه قولا
ولا طعنا ثم قال أرجو انه لا بأس به اه‍. وفي لسان الميزان وذكر ابن أبي
حاتم انه روى عنه حماد بن زيد وسلم بن قتيبة ولم يذكر فيه جرحا وذكره
البخاري وذكره ابن حبان في الثقات وذكره الطوسي (2) في رجال الشيعة
وقال علي بن الحكم كان ثقة كثير العبادة اه‍.
وعلي بن الحكم من رجال
الشيعة له كتاب في الرجال كان عند ابن حجر كما أشرنا اليه في عدة
مواضع.
حازم بن حبيب الجعفي
في لسان الميزان: ذكره الطوسي والكشي وابن عقدة في رجال الشيعة
اه‍. ولا اثر لذلك في كتب الشيخ الطوسي ولا في رجال الكشي واما رجال
ابن عقدة فلم نره والله أعلم.
حازم بن أبي حازم الأحمسي البجلي
قتل بصفين مع علي (ع) سنة 37. كان من الصحابة ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب فقال حازم بن أبي
حازم الأحمسي أخو قيس بن أبي حازم واسم أبي حازم عبد عوف بن
الحارث كان حازم وقيس اخوه مسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرياه
وقتل حازم بصفين مع علي رحمه الله تحت راية أحمس وبجيلة يومئذ اه‍.
وذكر ابن الأثير في حوادث سنة 37 انه قتل فيها حازم ابن أبي حازم أخو
قيس بن حازم الأحمسي البجلي بصفين مع علي (ع) تحت راية أحمس
وبجيلة وقال له صحبة وقتل أبوه أيضا اه‍. وروى نصر بن مزاحم في
كتاب صفين ان راية بجيلة في صفين مع أهل العراق كانت في أحمس مع
أبي شداد قيس بن المكشوح فقاتل بها حتى قتل فاخذها عبد الله بن قلع
الأحمسي فقاتل فقتل وقتل حازم بن أبي حازم أخو قيس بن أبي حازم يومئذ
اه‍.
حاشد بن مهاجر الكوفي العامري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي لسان الميزان
حاشد بن مهاجر العامري الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حاضر صاحب عيسى بن زيد
كان من الزيدية المتصلبين ومن خواص أصحاب عيسى بن زيد وفي
عمدة الطالب: كان حاضر وزير عيسى بن زيد والمطلوب به وأعظم
أصحابه وفي مقاتل الطالبيين ان المهدي بلغه خبر دعاة ثلاثة لعيسى بن زيد
وهم ابن علاق الصيرفي وحاضر مولى لهم وصباح الزعفراني فظفر بحاضر
فحبسه وقرره ورفق به واشتد عليه ليعرفه موضع عيسى فلم يفعل فقتله.
وفيه أيضا بسنده عن القاسم بن مهرويه عن محمد بن أبي العتاهية عن أبيه
قال لما امتنعت من قول الشعر وتركته امر المهدي بحبسي في سجن الجرائم
فأخرجت من بين يديه إلى الحبس فلما أدخلته دهشت وذهب عقلي ورأيت



(1) هكذا في نسخة الاستيعاب المطبوعة نفع بالقاف وفي طبقات ابن سعد نفع بافاء.
(2) الذي في النسخة المطبوعة: ذكره الطوسي وعلي بن الحكم كان ثقة كثير العبادة: ولكن
ظننا ان الصواب ما ذكرناه. - المؤلف -
379
منظرا هالني فرميت بطرفي اطلب موضعا آوي اليه أو رجلا آنس بمجالسته
فإذا انا بكهل حسن السمت نظيف الثوب بين عينيه سيماء الخير فجلست
اليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شئ من امره لما انا فيه من الجزع
والحيرة فمكثت كذلك وانا مطرق مفكر في حالي فأنشد الرجل هذين البيتين
فقال: تعودت مس الضر حتى ألفته * واسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقا * بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب إلي عقلي فأقبلت على الرجل
فقلت له تفضل أعزك الله بإعادة هذين البيتين فقال لي ويحك يا إسماعيل
ولم يكننني ما أسوأ أدبك وأقل عقلك ومروءتك دخلت إلي ولم تسلم علي
بتسليم المسلم على المسلم ولا توجعت لي توجع المسلي للمبتلى ولا سألتني
مسالة الوارد على المقيم حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل
الله فيه خيرا ولا أدبا ولا جعل لك معاشا غيره لم تتذكر ما سلف منك
فتتلافاه ولا اعتذرت مما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدني مبتدئا
كأن بيننا انسا قديما ومعرفة سالفة وصحبة تبسط المنقبض! فقلت له تعذرني
متفضلا فان دون ما أنا فيه يدهش، قال وفي أي شئ أنت إنما تركت قول
الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقوله وأنت
لا بد من أن تقوله فتنطلق، وانا يدعى بي الساعة فأطالب باحضار
عيسى بن زيد بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان دللت عليه فقد لقيت الله بدمه وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمي فيه والا قتلت فانا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى
احتسابي وصبري فقلت يكفيك الله وأطرقت خجلا منه فقال لي لا اجمع
عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين واحفظهما فأعادهما علي مرارا حتى
حفظتهما ثم دعي به وبي فلما قمنا قلت من أنت أعزك الله؟ قال انا حاضر
صاحب عيسى بن زيد فأدخلنا على المهدي فلما وقف بين يديه قال له أين
عيسى بن زيد قال ما يدريني أين عيسى، طلبته وأخفته فهرب منك في
البلاد واخذتني فحبستني فمن أين أقف على موضع هارب منك وانا
محبوس، فقال له فأين كان متواريا ومتى آخر عهدك به وعند من لقيته؟ قال
ما لقيته منذ توارى ولا اعرف له خبرا، قال والله لتدلني عليه أو لأضربن
عنقك الساعة، قال اصنع ما بدا لك انا أدلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لتقتله فالقى الله ورسوله وهما مطالبان لي بدمه والله لو كان بين ثوبي وجلدي
ما كشفت عنه قال اضربوا عنقه فضربت عنقه. ثم دعاني فقال أتقول
الشعر أو ألحقك به فقلت بل أقول الشعر فقال أطلقوه قال محمد بن
القاسم بن مهرويه والبيتان اللذان سمعهما من حاضر في شعره الآن. وقد
روى هذا الخبر غير ابن مهرويه فذكر ان حاضرا كان داعية أحمد بن
عيسى بن زيد وان قصته هذه مع أبي العتاهية كانت في أيام الرشيد وان
الرشيد بسبب أحمد بن عيسى بن زيد ومطالبته إياه باحضاره أو الدلالة عليه
قتله والأول عندي أصح انتهى المقاتل ومر ذلك في ترجمة احمد.
وفي كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي أنشدني بعض أصحابي
معهما بيتا آخر يقول:
إذا أنا لم اقنع من الدهر بالذي * تكرهت منه طال عتبي على الدهر
قال ووجدنا على مسطرة علي بن أحمد المشهور بالمالكي بيتا رابعا هو:
ووسع صدري للأذى كثرة الأذى * وقد كنت أحيانا يضيق به صدري
وفي عمدة الطالب انه لما توفي عيسى بن زيد أوصى إلى حاضر بابنيه
احمد وزيد وهما طفلان فاخذهما حاضر وجاء بهما إلى باب الهادي موسى بن
محمد بن المنصور فقال للحاجب استأذن لي على أمير المؤمنين قال ومن أنت
قال حاضر صاحب عيسى بن زيد فتعجب الحاجب من ذلك وظن أنه
يكذب فقال له ويحك قد والله عرضت نفسك للهلاك ان كنت حاضرا وان
لم تكن حاضرا وكنت صاحب حاجة تريد قضاءها بالدخول إلى أمير
المؤمنين فبئس الوسيلة ان تدعي انك حاضر فقال أنا حاضر صاحب عيسى
ابن زيد فقال الحاجب هذا والله العجب يجئ حاضر إلى باب الهادي وكان
يهرب منه ودخل إلى الهادي متعجبا فقال له الهادي: ما وراءك؟ قال: ان
بالباب رجلا يزعم أنه حاضر يستأذن في الدخول عليك فتعجب الهادي من
ذلك وأمر بادخاله فدخل وسلم فقال له الهادي أنت حاضر فقال نعم قال:
ما جاء بك؟ قال: أحسن الله عزاءك في ابن عمك عيسى بن زيد فنهض
الهادي من دسته إلى الأرض وسجد طويلا ثم رجع إلى مكانه فقال حاضر يا
أمير المؤمنين أنه ترك طفلين ولم يترك عندهما شيئا وأوصاني أن أسلمهما إليك
فامر الهادي باحضارهما فادخلا عليه فوضعهما على فخذه وبكى بكاء شديدا
وعفى عن حاضر وقال انما كنت أحذرك لمكان عيسى فاما الآن فقد عفوت
عنك وأمر له بجائزة فلم يقبلها اه‍. وأنت ترى ما بين هذه الروايات من
الاختلاف الكثير فرواية المقاتل تدل على أن المهدي قتل حاضرا ورواية
عمدة الطالب تدل على أنه لم يقتله المهدي وانه بقي إلى زمان موسى الهادي
فعفا عنه. ثم إن الروايات اختلفت في الذي اخبر بوفاة عيسى بن زيد
وجاء بابنيه ففي احدى روايتي المقاتل ان الذي اخبر المهدي بذلك وجاء
بابني عيسى اليه هو صباح الزعفراني وفي الرواية الأخرى ان الذي اخبر
المهدي بذلك وجاء بابني عيسى اليه هو ابن علاق الصيرفي ويأتي ذكر هاتين
الروايتين في ترجمة الحسن بن صالح بن حي وفي رواية عمدة الطالب
المتقدمة ان الذي اخبر بموت عيسى هو حاضر وان المخبر بذلك هو موسى
الهادي لا المهدي وانه إلى الهادي جاء حاضر بابني عيسى لا إلى المهدي.
والرواية الأخرى التي لم يصححها أبو الفرج ان حاضرا كان داعية أحمد بن
عيسى في زمن الرشيد.
الحافظ
هو محمد بن عمر الحافظ البغدادي أستاذ الصدوق.
المولى حافظ الزواري
(الزواري) في الرياض نسبة إلى زوارة بزاي مفتوحة وواو مخففة وألف
وراء قصبة معروفة بين أصفهان ويزد.
في رياض العلماء عالم فاضل جليل فقيه وكان من تلامذة الشيخ علي
الكركي المشهور فهو من علماء دولة السلطان الشاه طهماسب الصفوي
اه‍.
حافظ الشيرازي الشاعر الفارسي
اسمه شمس الدين محمد.
حافظي
في الذريعة: التحفة الطهماسبية منظوم فارسي مختصر في أصول
الدين والطهارة والصلاة يقرب من مائتي بيت للفقيه الشاعر الملقب في شعره
بحافظي نظمه بأمر الشاه طهماسب اه‍.

380
الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على صحيح مسلم والبخاري
المعروف بأبي البيع اسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه نعيم الضبي وعن
السيوطي في التدريب ان الحاكم من أحاط علما بجميع الأحاديث المروية
متنا وسندا وجرحا وتعديلا وتاريخا اه‍.
السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير المفتي السيد محمد قلي بن محمد
حسين بن حامد حسين بن زين العابدين الموسوي النيسابوري الكنتوري
الهندي اللكهنوي.
توفي في 18 صفر سنة 1306 في لكهنوء من بلاد الهند ودفن بها في
حسينية غفران مآب.
كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة والذابين عن بيضة
الشريعة وحوزة الدين الحنيف علامة نحريرا ماهرا بصناعة الكلام والجدل
محيطا بالاخبار والآثار واسع الاطلاع كثير التتبع دائم المطالعة لم ير مثله في
صناعة الكلام والإحاطة بالاخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان
طويل وبعد عصره حتى اليوم ولو قلنا إنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الامامية
بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين. يعلم ذلك من مطالعة كتابه
العبقات، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف
والنشر. وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء وكان
جامعا لكثير من فنون العلم متكلما محدثا رجاليا أديبا قضى عمره في الدرس
والتصنيف والتأليف والمطالعة، ومكتبته في لكهنو وحيدة في كثرة العدد من
صنوف الكتب ولا سيما كتب غير الشيعة.
ويناهز عدد كتبها الثلاثين ألفا ما بين مطبوع ومخطوط. وقد بدأ هذه
المكتبة والد المترجم السيد محمد قلي وتضخمت في عهد المترجم ثم زاد
عليها ولده السيد ناصر. وفي الفوائد الرضوية ما تعريبه: ان وجوده من الآيات الإلهية وحجج
الشيعة الاثني عشرية وكل من طالع كتابه عبقات الأنوار يعلم أنه في فن
الكلام لا سيما مبحث الإمامة من صدر الاسلام إلى اليوم لم يأت أحد مثله
(انتهى ملخصا).
مشايخه
قرأ الكلام على والده المفتي السيد محمد قلي والفقه والأصول على السيد
حسين بن دلدار علي النقوي والمعقول على السيد المرتضى ابن السيد محمد
والأدب على المفتي السيد محمد عباس.
مؤلفاته
1 - عبقات الأنوار في امامة الأئمة الأطهار بالفارسية لم يكتب مثله في
بابه في السلف والخلف وهو في الرد على باب الإمامة من التحفة الاثني
عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي فان صاحب التحفة انكر جملة من
الأحاديث المثبتة امامة أمير المؤمنين علي (ع) فاثبت المترجم تواتر كل واحد
من تلك الأحاديث من كتب من تسموا بأهل السنة فيورد الخبر ويذكر من رواه
من الصحابة ومن رواه عنهم من التابعين ومن رواه عن التابعين من
تابعي التابعين ومن اخرجه في كتابه من المحدثين على ترتيب القرون
والطبقات ومن وثق الراوين والمخرجين له ومن وثق من وثقهم وهكذا في
طرز عجيب لم يسبقه اليه أحد ويرد دعاوي صاحب التحفة ببيانات واضحة
وبراهين قوية عجيبة. وهذا الكتاب يدل على طول باعه وسعة اطلاعه،
وهو في عدة مجلدات منها مجلد في حديث الطير ومجلدان في حديث الغدير
ومجلد في الولاية ومجلد في مدينة العلم ومجلد في حديث التشبيه (لعله
حديث المنزلة) ومجلد في حديث الثقلين ومجلدات اخر لا تحضرنا الآن
عناوينها وقد طبعت هذه المجلدات ببلاد الهند. قرأت نبذا من أحدها
فوجدت مادة غزيرة وبحرا طاميا وعلمت منه ما للمؤلف من طول الباع
وسعة الاطلاع وحبذا لو ينبري أحد لتعريبها وطبعها بالعربية ولكن الهمم
عند العرب خامدة وقد شاركه في تأليفه اخوه المتوفى قبله السيد اعجاز
حسين صاحب كتاب كشف الحجب عن أسماء المؤلفات والكتب كما مر في
ترجمته.
2 - استقصاء الافحام واستيفاء الانتقام في رد منتهى الكلام وهو
بالفارسية يدخل تحت عشرة مجلدات طبع بعضها في ثلاثة مجلدات في مطبعة
مجمع البحرين سنة 1315 واستقصى فيه البحث في المسألة المشهورة
بتحريف الكتاب وشرح فيه أحوال كثير من علماء من تسموا بأهل السنة
وتكلم في كثير من رجالهم وفي بعض الأصول الدينية والفروع العملية
المختلف فيها بين علماء الفريقين وأثبت ما هو الحق منها.
3 - الشريعة الغراء في الفقه أثبت فيه المسائل الاجماعية من أول
الطهارة إلى آخر الديات مطبوع. 4 - الشعلة الجوالة في البحث عن احراق
المصاحف مطبوع وترجم بالفارسية. 5 - شمع المجالس قصائد عربية
وفارسية في مراثي الحسين (ع) من انشائه مطبوع. 6 - شمع ودمع مثنوي
وترجم بالاردو وطبع. 7 - صفحة الماس في الارتماس اي احكام الغسل
الارتماسي. 8 - الطارف في الالغاز والمعميات. 9 - الظل الممدود والطلع
المنضود مطبوع 10 - العشرة الكاملة وهي عشر مسائل مشكلة مطبوع.
11 - ترجمته بالفارسية مطبوعة 12 - إفحام أهل المين في رد إزالة الغين في
عدة مجلدات. 13 - أسفار الأنوار عن وقائع أفضل الاسفار أو الرحلة المكية
والسوانح السفرية في حج البيت وزيارة الأئمة عليهم السلام.
خزانة كتبه
فيما كتبه الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة العرفان ما صورته: من
أهم خزائن الكتب الشرقية في عصرنا هذا. خزانة كتب المرحوم السيد
حامد حسين اللكهنوي - نسبة إلى لكهنو من بلاد الهند! صاحب كتاب
عبقات الأنوار الكبير في الإمامة من ذوي العناية بالكتب والتوفر على جمع
الآثار انفق الأموال الطائلة على نسخها ووراقتها وفي كتابه عبقات الأنوار
المطبوع في الهند ما يشهد على ذلك وقد اشتملت خزانة كتبه على ألوف من
المجلدات فيها كثير من نفائس المخطوطات القديمة وقد توفي صاحبها أخيرا
غير أن الخزانة بقيت على حالها في حيازة ولده الذي أخذ على عهدته اتمام
كتاب العبقات.
حامد بن صبيح الطائي الكوفي
حامد بن عمير أبو المعتمر الهمداني مولاهم الكوفي
ذكرهما الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وكذا حكاه عنه
ابن حجر في لسان الميزان.

381
التمييز
في رجال الكاظمي باب حامد ولم يذكره شيخنا مشترك بين رجلين
مجهولين من أصحاب الصادق (ع).
حامد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن معاذ أبو علي الرفا الهروي
توفي بهراة يوم الجمعة 27 رمضان سنة 356.
هذا الرجل محتمل التشيع أو مظنونه ففي الذريعة انه وجد كتاب في
الأنساب المشجرة كبير مبسوط في خمسة مجلدات ضخام أربعة منها في انساب
بني هاشم إلى أن تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخامس مبدوء باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ثم آبائه إلى أن ينتهي إلى آدم أبي البشر وجدت منه نسخة قديمة كانت في
مكتبة الشيخ عبد الحسين الطهراني واستنسخ عنها بعض أهل الحائر نسخة
سنة 1330 وهي من تأليف بعض القدماء المعاصرين للصدوق في المائة
الرابعة وقدم له مقدمة ذكر فيها الآيات والأحاديث الواردة في فضل
العترة الطاهرة وبدأ في أكثر رواياته بقول حدثنا وجملة ممن حدثوه اما
من مشايخ الصدوق أو في طبقة مشايخه منهم المترجم ومنهم محمد
ابن يعقوب بن يوسف الأصم يروي عنه الصدوق بتوسط شيخه أحمد بن
محمد بن الحسين البزار النيسابوري ومنهم الشريف أبو علي محمد بن أحمد
ابن زبارة العلوي عن أبي الحسن علي بن محمد بن قتيبة عن فضل بن شاذان
كما في هذه النسخة ومن كون الراوي عنهم صاحب الكتاب هم من مشايخ
الصدوق المعلومي التشيع يعلم تشيع صاحب الكتاب ومن رواية صاحب
الكتاب عن المترجم يحتمل أو يظن تشيع المترجم ثم إن المترجم ذكره
صاحب تاريخ بغداد بالعنوان الذي ذكرناه وقال قدم بغداد في حداثته حاجا
فسمع بها وبالكوفة ومكة وحلوان وهمذان والري ونيسابور ثم قدمها وقد
علت سنه فحدث بها الخ وكان ثقة ثم روى عنه عدة أحاديث وشيئا يدل
على اتقانه.
مشايخه
في تاريخ بغداد قدم بغداد وقد علت سنه فحدث بها عن عثمان بن
سعيد الدارمي وعلي بن محمد الجسكاني والفضل بن عبد الله بن مسعود
اليشكري والحسين بن إدريس الأنصاري ومحمد بن عبد الرحمن السامي
الهرويين وعن داود بن الحسين وزكريا بن يحيى الخفاق الخفاف النيسابوريين
ومحمد بن أيوب الرازي ومحمد بن الفضل القسطاني ومحمد بن المغيرة
السكري ومحمد بن صالح الأشج الهمذانيين وعبد الله بن محمد بن وهب
الدينوري وإبراهيم بن زهير الحلواني وبشر بن موسى وإسحاق بن الحسن
وإبراهيم بن إسحاق الحربيين ومحمد بن شاذان الجوهري وأحمد بن علي
الخزاز وأبي العباس الكديمي ومعاذ بن المثنى العنبري ومحمد بن
عبد الله بن سليمان الحضرمي وعلي بن عبد العزيز البغوي ومسعدة بن سعد
العطار ومحمد بن علي بن زيد الصائغ المكيين والحسين بن السميذع
الأنطاكي.
تلاميذه
في تاريخ بغداد كتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني وحدثنا عنه أبو
الحسن بن رزقويه ومحمد بن الحسين بن الفضل وعلي بن أحمد الرزاز
وأحمد بن عبد الله المحاملي وأبو علي بن شاذان وغيرهم.
أبو محمد حامد بن محمد المسعودي
ذكره صاحب رياض العلماء في أثناء ترجمة علي بن الحسين المسعودي
صاحب مروج الذهب لكنه سماه محمد بن حامد بن محمد المسعودي وقال إنه
غير المسعودي الآخر الامامي الأقدم وانه الذي يروي عنه صاحب كتاب
التهاب نيران الأحزان ومثير اكتئاب الأشجان فيه وعصره قريب من عصر
الأئمة أو كان في عصرهم عليهم السلام اه‍. ولكن صاحب الذريعة إلى
مؤلفات الشيعة قال إن صاحب كتاب الالتهاب المذكور ينقل من شعر محمد
ابن طلحة صاحب مطالب السؤال المتوفى سنة 652 وبعض أشعار الملك
العادل محمد بن أيوب المتوفي سنة 615 وشعر ابن العودي النيلي المنقول في
المناقب فيظهر من منقولاته انه ألف بعد القرن السابع إلى العاشر وقال إن
السند الذي في أول أحاديثه هكذا:
حدثنا الشيخ الفقيه أبو محمد حامد بن محمد المسعودي عن
عبد الله بن الحارث السلمي عن الأعمش عن شقيق البلخي عن
عبد الله بن سلمة الأنصاري عن حذيفة بن اليمان قال وما ذكرناه من
محتويات الكتاب قرينة على أن مراده يحدثنا ليس الحديث بلا واسطة اه‍.
ويمكن ان يكون ما في الرياض من أن اسمه محمد بن حامد من تحريف
النساخ وصوابه ما مر عن الذريعة.
حامد بن ملهم أبو الجيش القائد
ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال ولي امرة دمشق من قبل
الملقب بالحاكم سنة 299 فوليها سنة وأربعة أشهر ونصفا ثم عزل وكان
2 ممدحا وكان يوما جالسا في مجلس ما بين بستان وبين بحيرة طبريا فاتاه عبد
المحسن الصوري فقال:
أبلغا عني أبا الجيش * أمير الجيش أمرا
ان لي فيك وفي * مجلسك الليلة فكرا
من رأى جودك فياضا * واخلاقك زهرا
ظن بين البحر بين * الروض بستانا وبحرا
الحانيني
اشتهر به الشيخ حسن بن علي بن الحسن بن أحمد بن محمود العاملي
المترجم في خلاصة الأثر ويوصف به والده علي بن أحمد وولده الشيخ
عبد العزيز بن حسن بن علي بن أحمد.
حبى أخت ميسر
حبى بضم الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وميسر
بصيغة اسم الفاعل من يسر قال الكشي في رجاله في حبى أخت ميسر
حدثني أبو محمد الدمشقي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن عقبة
عن أبيه عن ميسر عن أبي عبد الله (ع) قال أقامت حبى أخت ميسر بمكة
ثلاثين سنة أو أكثر حتى ذهب أهل بيتها وفنوا أجمعين الا قليلا فقال ميسر
لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك ان أختي حبى قد أقامت بمكة حتى ذهب
أهلها. وقرابتها تحزن عليها وقد بقي منهم بقية يخافون ان يذهبوا كما ذهب
من مضى ولا يرونها فلو قلت لها فإنها تقبل منك قال يا ميسر دعها فإنه ما
يدفع عنكم الا بدعائها فالح على أبي عبد الله، قال لها يا حبى ما يمنعك
من مصلى علي الذي كان يصلي فيه علي (ع) فانصرفت اه‍. وعن التحرير
الطاووسي روي ما يدل على صلاحها عن الصادق (ع) وذكر رواية الكشي

382
المتقدمة ثم قال إني لم استثبت حال بعض رواة الحديث. وفي التعليقة أخت
ميسر روى الكشي ما يدل على مدحها اه‍.
تنبيه ذكرها في منهج المقال بعد حبة وقبل حبيب ولا وجه له وكأنه
اعتبر ان آخرها ياء لأنها ترسم بالياء. ولكن آخرها ألف وان رسمت
بصورة الياء.
الحباب بن الحارث
استشهد مع الحسين عليهم السلام ذكره ابن شهرآشوب السروري
المازندراني في المناقب فيمن استشهد من أصحاب الحسين (ع) في الحملة
الأولى فقال وحباب بن الحارث لم يزد على ذلك شيئا.
حباب بن حيان الطائي الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
وفي لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حباب بن الريان العكلي والد زيد بن حباب الكوفي مولى
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع).
الحباب بن عامر بن كعب بن تيم اللات بن ثعلبة التيمي
في أبصار العين كان الحباب في الكوفة من الشيعة وممن بايع مسلما
وخرج إلى الحسين (ع) بعد التخاذل عن مسلم فصادفه في الطريق فلزمه
حتى قتل بين يديه قال السروي - يعني ابن شهرآشوب - قتل في الحملة
الأولى اه‍. والذي ذكره السروي انه قتل في الحملة الأولى هو الحباب بن
الحارث كما مر وهذا ليس له ذكر في كلام السروي ولا ندري من أين
نقله.
حباب بن محمد الثقفي كوفي
حباب بن موسى التميمي السعدي
حباب بن يحيى الكوفي
ذكر الثلاثة الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) وفي لسان
الميزان ان الأول والثالث ذكرهما الطوسي في رجال الشيعة.
التمييز
في رجال الكاظمي باب حباب ولم يذكره شيخنا مشترك بين جماعة
مهملين من أصحاب الصادق (ع).
الحباب بن يزيد
له ذكر في ترجمة الأحنف صخر بن قيس وانه وفد على معاوية فأجاز
معاوية الأحنف وكان يرى رأي العلوية بخمسين ألف درهم وأجاز الحباب
وكان يرى رأي الأموية بثلاثين ألف درهم فقال الحباب لمعاوية تجيز الأحنف
ورأيه رأيه بخمسين ألفا وتجيزني ورأيي رأيي بثلاثين فقال إني اشتريت بها
منه دينه فقال تشتري مني أيضا ديني فأتمها له وألحقه بالأحنف فلم يأت على
الحباب أسبوع حتى مات ورد المال بعينه على معاوية و (خسر الحباب الدين
والدنيا وحاشى الأحنف ان يبيع دينه بمال) فقال الفرزدق يرثي الحباب
أتأكل ميراث الحباب ظلامة * وميراث حرب جامد لك ذائبه
في أبيات ذكرت في ترجمة الأحنف صخر بن قيس وكتابنا برئ من
مثل هذا الرجل وانما ذكرناه لذكر صاحب منهج المقال له نقلا عن الكشي
في ترجمة الأحنف حتى لا يفوتنا شئ مما ذكره أصحابنا.
أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية
تكنيتها بأم الندى وانها بنت جعفر حكاه الطبرسي في إعلام الورى
عن أبي عبد الله بن عياش كما مر في ج 13 من هذا الكتاب وقال الشيخ في
رجاله في أصحاب الحسين (ع) أم البراء وقيل حبابة الوالبية هكذا حكاه
غير واحد ويوشك ان يكون أم البراء تصحيف أم الندا أو بالعكس
(وحبابة) بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة كما يفهم من القاموس فإنه
قال حباب كسحاب اسم وككتاب المحاببة وحبابة السعدي بالضم شاعر
لص وبالفتح حبابة الوالبية وأم حبابة تابعيتان (ثم قال) ومن أسمائهن حبابة
مشددة اه‍. فدل على أن التي قبلها مخففة فما عن الوافي من أنها بفتح
المهملة والموحدتين والتشديد لعله غير صواب و (الوالبية) نسبة إلى والبة حي
من بني أسد.
ذكرها الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين وفي أصحاب الباقر
عليهما السلام فقال حبابة الوالبية وذكرها ابن داود في القسم الأول من
رجاله في باب الأسماء مع الرجال في أصحاب الحسن والحسين وعلي بن
الحسين والباقر عليهم السلام وحكى عن الكشي انها ممدوحة ولم يذكرها في
أسماء النساء التي الحقها بالقسم الأول من كتابه وانما ذكر فاطمة بنت حبابة
الوالبية وقال إنها روت عن الحسن والحسين على ما قال سعد بن عبد الله
اه‍. هكذا في نسخة صحيحة عندي من رجال ابن داود مقابلة مصححة
والميرزا في منهج المقال ذكرها مع النساء نقلا عن رجال الشيخ في أصحاب
الباقر (ع) وفي أصحاب الحسين (ع) وقال روت عن الحسن والحسين
عليهما السلام على ما قال سعد بن عبد الله ثم ذكر فاطمة بنت حبابة الوالبية
نقلا عن رجال ابن داود في أصحاب الحسين عليهم السلام وانها روت عن
الحسن والحسين على ما قال سعد بن عبد الله ثم قال الا انه نقل ان المصنف
ضرب على فاطمة كما تقدم عن نسخة أصح اه‍. والضرب على فاطمة ان
كان فعله من غير ابن داود والله أعلم وينبغي ان تذكر أيضا في أصحاب
علي وما بعد الباقر عليهم السلام كما تدل عليه رواية الكافي. وفي تاج
العروس انها تروي عن علي.
وعن الشيخ في كتاب الغيبة انه روى أن الرضا (ع) كفن حبابة
الوالبية في قميصه وقال الكشي في رجاله: حبابة الوالبية محمد بن مسعود:
حدثني جعفر بن أحمد: حدثني العمركي عن الحسن بن علي بن فضال عن
ثعلبة بن ميمون عن عنبسة بن مصعب عن علي بن المغيرة عن عمران بن
ميثم قال دخلت انا وعباية الأسدي على امرأة من بني أسد يقال لها حبابة
الوالبية فقال لها عباية تدرين من هذا الشاب الذي معي قالت لا قال لها
هذا ابن أخيك ميثم قالت ابن أخي والله حقا ألا أحدثكم بحديث سمعته
من أبي عبد الله الحسين بن علي قلنا بلى قالت سمعت الحسين بن علي يقول
نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمد صلى الله عليه وآله وسلم (الحديث) وكانت
قد أدركت أمير المؤمنين وعاشت إلى زمن الرضا على ما بلغني والله أعلم
اه‍.
تنبيه
قال صاحب تاج العروس فيما استدركه على صاحب القاموس في مادة
حبب: وحبان بن أبي معاوية شيعي اه‍. والصواب انه حنان بن أبي

383
معاوية الضبي صحفه بحبان ويأتي كما صحف حنان بن سدير كما
ستعرف.
حبان بن الحارث أبو عقيل الكوفي
في تاريخ بغداد للخطيب: شهد مع علي بن أبي طالب حرب
الخوارج بالنهروان روى عنه شبيب بن غرقدة ثم روى بسنده عن محمد بن
سعيد عن شريك عن شبيب عن حبان اهللنا مع علي فسار بنا إلى النهروان
وقال البخاري حدثنا ابن شريك حدثنا أبي حدثنا شبيب عن أبي عقيل
حبان بن الحارث - أراه من بارق - نحوه اه‍.
تنبيه
في تاج العروس في مادة حبب: ومما يستدرك عليه - أي على صاحب
القاموس حبان بن سدير الصيرفي شيعي اه‍. أقول هو حنان بالنون لا
حبان بالباء ويأتي وصحفه كما صحف حنان بن أبي معاوية كما تقدم وأقبح
من ذلك تصحيف الذهبي في ميزانه له بحبان بن مديد الصيرفي كما في
النسخة المطبوعة أو بحبان بن مدير كما في لسان الميزان قال صاحب اللسان
وانا أخشى ان يكون هذا هو حنان بفتح المهملة ونونين مخففا وأبوه سدير
بفتح السين المهملة بوزن قدير فصحف اسمه واسم أبيه اه‍.
حبان بن عطية السلمي
ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب فيمن اسمه حبان بالكسر ثم حكى
عن صاحب الأصل أنه قال ذكره ابن ماكولا في الحاء المكسورة والباء
الموحدة وذكره أبو الوليد الفرضي في باب حبان بالفتح وتبعه أبو علي الجياني
ثم رد عليه بقوله قلت ما أدري تبعه أبو علي الغساني (1) في اي المواضع
فقد قال في تقييد المهمل حبان بكسر الحاء وباء منقوطة بواحد حبان بن
موسى وحبان جد أحمد بن سنان القطان وحبان بن عطية مذكور في حديث
تنازع أبو عبد الرحمن السلمي وحبان بن عطية وذكره في حديث روضة خاخ
وقصة حاطب بن أبي بلتعة وهو في كتاب استتابة المرتدين قال وفي بعض
نسخ شيوخنا عن أبي ذر الهروي حبان بن عطية بفتح الحاء وذلك وهم اه‍
بحروفه فهذا كما تراه تبع ابن ماكولا لا الفرضي اه‍. وقال في تهذيب
التهذيب أيضا:
ذكره البخاري في حديث سعد بن عبيدة قال تنازع أبو عبد الرحمن
السلمي وكان عثمانيا وحبان بن عطية وكان علويا فقال أبو عبد الرحمن
لحبان لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا فذكر قصة
حاطب بن أبي بلتعة أقول لعله يريد من قصة حاطب بن أبي بلتعة ما روي
في الاستيعاب وغيره انه كتب إلى قريش مع امرأة يخبرهم بما اراده رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوهم فنزل عليه جبرئيل بذلك فبعث عليا ومعه الزبير
فأدركاها بروضة خاخ وأخذ علي الكتاب منها فأراد عمر قتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
انه قد شهد بدرا وان عبدا لحاطب جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشتكي حاطبا
فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل أحد النار شهد
بدرا والحديبية فكأنه يريد ان الذي جرأ عليا على الدماء ما سمعه في قصة
حاطب من أن من شهد بدرا لا يدخل النار. وهذا كلام سخيف فحاشا
عليا ان يقاتل أو يقتل الا من يستحق ذلك ولم يتبع الا قوله تعالى (فقاتلوا
التي تبغي). وشهود بدر كغيره من الأعمال الصالحة لا ينفع الا مع الثبات
على الايمان والطاعة. ووضع صاحب الأصل على المترجم علامة (خ)
للدلة على أنه من رجال البخاري فاعترض عليه صاحب تهذيب التهذيب
بأن ذكر هذا الرجل في رجال البخاري عجيب فإنه ليست له رواية ولو كان
المزي (اي صاحب الأصل المسمى تهذيب الكمال) يذكر كل من له ذكر
(اي في كتاب البخاري) ولا رواية له ويلتزم بذلك لاستدركنا عليه طائفة
كبيرة منهم لم يذكرهم ولكن موضع الكتاب للرواة فقط قال ثم إن حبان بن
عطية لم يعرف من حاله شئ ولا عرفت فيه إلى الآن جرحا ولا تعديلا والله أعلم
اه‍. وفي القاموس حبان بالكسر ابن عطية محدث وفي تاج العروس
حبان بن عطية السلمي له ذكر في الصحيح في حديث علي في قصة حاطب
ووقع في رواية أبي ذر الهروي حبان بالفتح اه‍.
حبان بن علي العنزي من أنفسهم الكوفي أبو علي وقيل أبو عبد الله أخو
مندل
في تهذيب التهذيب قال محمد بن فضيل ولد سنة 11 وقال ابن سعد
توفي سنة 171 بالكوفة وكذا قال خليفة ومطين وقال أبو حسان الزيادي
مات سنة 172.
(حبان) بكسر الحاء وتشديد الباء الموحدة كذا هو مرسوم في تاريخ
بغداد المطبوع وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب وصاحب خلاصة تهذيب
الكمال في باب الحاء والباء الموحدة فيمن اسمه حبان بالكسر بعد ما ذكرا
من اسمه حبان بالفتح وذكره صاحب القاموس في مادة حبب في حبان
بالكسر وبالجملة غير أصحابنا متفقون على أنه بالباء الموحدة والحاء
المكسورة. اما أصحابنا فقال ابن داود في رجاله والعلامة في الخلاصة حيان
بالياء المثناة تحت وبناء على هذا الضبط ذكره من بعدهما في حيان بالمثناة
التحتية كالتفرشي في النقد والميرزا في منهج المقال وكل من جاء بعد العلامة
وابن داود ممن رتب كتابه على الحرف الأول والثاني اما الشيخ والنجاشي
فلم يعلم أنه عندهما بالمثناة التحتية أو الموحدة لان كتابيهما لم يرتبا على
الحرف الأول والثاني وأول من رتب كتابه كذلك من أصحابنا هو ابن داود
ولم يصرحا بأنه بالمثناة أو الموحدة كما صرح العلامة وابن داود ورسم الحرف
وحده يقع فيه الخطا فلا عبرة به خصوصا بعدما اتبع الرجاليون قول العلامة
وابن داود انه بالمثناة والصواب انه بالموحدة لا المثناة لان الذين ضبطوه
كذلك هم اعرف بهذا الشأن واضبط كما علم بالتتبع و (العنزي) بفتح العين
المهملة والنون ثم زاي كما عن تقريب ابن حجر وفي خلاصة تذهيب
الكمال. وفي انساب السمعاني العنزي بفتح العين المهملة والنون وكسر
الزاي هذه النسبة إلى عنزة وهي حي من ربيعة ثم ذكر منهم المترجم فغير
أصحابنا متفقون أيضا على أنه العنزي بالنون والزاي كاتفاقهم على أنه حبان
بالموحدة اما أصحابنا فرسمه العلامة في الخلاصة في ترجمة حيان العبري
بالباء الموحدة والراء كما في نسخة عندي مصححة مقابلة منقولة عن نسخة
ولد ولد المؤلف وقال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة ينظر هل هو بالنون
والزاي أو بالباء والراء فقد اختلف النقل فيه اه‍. واما في ترجمة أخيه مندل
فقال العلامة العتري بالعين المهملة المفتوحة والتاء المنقطة فوقها نقطتين
المفتوحة والراء بعدها اه‍. ورسمه ابن داود العنزي بالنون والزاي في ترجمة
حبان وذكر لأخيه مندل ترجمتين وصفه في إحداهما بالعنزي ورسمها بالنون



(1) فيما قبله أبو علي الجياني وهنا أبو علي الغساني فهل هما واحد أو ابدل أحدهما
بالاخر خطأ. - المؤلف -
384
والزاي وفي الأخرى بالعتري وقال إنه بالعين المهملة والتاء المثناة فوق
الساكنة ثم قال وقال بعض أصحابنا (يعني العلامة) المفتوحة والأقوى عندي
السكون منسوب إلى عتر بن خيثم الخ اه‍. اما النجاشي فلم يعلم أنه
عنده العنزي أو العتري الا ان الذين نقلوا عنه رسموه بالمثناة الفوقية ولا
عبرة بذلك لأنهم تبعوا فيه العلامة وابن داود والصواب انه العنزي كما
ضبطه من تقدم من غير أصحابنا (أولا) لأنهم اعرف بهذا الشأن واضبط كما
علم بالتتبع (ثانيا) لان العلامة وابن داود اللذين هما الأصل في ذلك
كلامهما مضطرب فالأول رسمه في موضع بما خالف ضبطه في آخر والثاني
مع أنه فعل كذلك زاد عليه فذكر لمندل ترجمتين مع أنه واحد وقد كانت
نقطتا النون والزاي متقاربتين فظنا انهما للتاء وكما اشتبه أصحابنا في حبان
العنزي اشتبه غيرهم في حنان بن أبي معاوية وحنان بن سدير فزعموها
حبان بالباء لا حنان بالنون كما مر.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) فقال حبان بن علي
العنزي اسند عنه ووثقه النجاشي في ترجمة أخيه مندل فقال مندل بن علي
العنزي واسمه عمرو واخوه حيان ثقتان رويا عن أبي عبد لله (ع) وفي
الخلاصة ثقة روى عن أبي عبد الله (ع) وقال ابن داود ثقة. ذكره الشيخ
في أصحاب الصادق (ع) لكنهما نصا على أنه بالمثناة كما مر وكانت نسخة
البهبهاني من الوجيزة مغلوطة وضع فيها عليه علامة الضعف فاعترض
عليها في التعليقة ولكن الموجود في غيرها من النسخ انه ثقة.
من مدحه من غيرنا
قال الخطيب في تاريخ بغداد كان صالحا دينا. وفي تهذيب التهذيب
ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يتشيع وقال العجلي كوفي صدوق كان
وجها من وجوه أهل الكوفة وكان فقيها وقال البزاز في السنن صالح وقال
حجر بن عبد الجبار بن وائل ما رأيت فقيها بالكوفة أفضل منه و قال
يحيى بن معين حبان ومندل صدوقان. وعنه ليس بهما بأس. وقال أحمد
حبان أصح حديثا من مندل. وعن ابن معين كلاهما سواء. وعنه حبان
صدوق قلت أيهما أحب إليك قال كلاهما وثمرا كأنه يضعفهما (1) وعنه
حبان أمثلهما وقال ابن عدي له أحاديث صالحة وعامة أحاديثه إفرادات
وغرائب وهو ممن يحتمل حديثه ويكتب روى له ابن ماجة حديثا واحدا
وآخر في التفسير اه‍. وفي القاموس حبان بن علي العنزي محدث وفي تاج
العروس من أهل الكوفة روى عن الأعمش والكوفيين مات سنة 172
وكان يتشيع كذا في الثقات وهو أخو مندل وابناه إبراهيم وعبد الله حدثا
اه‍. وفي ميزان الاعتدال في ترجمة أخيه.
من ذمه من غيرنا
في تهذيب التهذيب عن ابن معين أنه قال مرة فيهما ضعف اي حبان
ومندل وهما أحب إلي من قيس وعنه حبان ليس حديثه بشئ وعنه لا هو
ولا اخوه. وعن أبي داود لا احدث عنهما. وقال عبد الله بن المديني سألت
أبي عن حبان بن علي فضعفه وقال لا اكتب حديثه وقال محمد بن
عبد الله بن نمير في حديثهما غلط وقال أبو زرعة حبان لين وقال أبو حاتم
يكتب حديثه ولا يحتج به وقال البخاري ليس عندهم بالقوي وقال ابن
سعد والنسائي ضعيف وقال الدارقطني متروكان وقال مرة ضعيفان ويخرج
حديثهما وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوي عندهم. وعن أبي داود أحاديثه
عن ابن أبي رافع عامتها بواطيل وقال الجوزجاني واهي الحديث وقال ابن
قانع ضعيف وقال ابن ماكولا ضعيف الحديث شاعر وله ذكر في مندل اه‍.
وهذا الذي نقله من مدح وذم أكثره رواه الخطيب في تاريخ بغداد مسندا إلى
أصحابه وفي ميزان الاعتدال بعد ما نقل تضعيفه عن النسائي وغيره قال:
قلت لكنه لم يترك اه‍. وفي انساب السمعاني أبو علي حبان بن علي العنزي
من أهل الكوفة يروي عن الناس روى عنه الكوفيون والبغداديون فاحش
الخطأ فيما يروي يجب التوقف في أمره وكان يتشيع اه‍. وتضعيف من
ضعفه ليس الا لتشيعه وروايته ما لا يوافق آراءهم بدليل مدح البعض له
المدح العظيم وابن معين قد تناقض قوله فيه واضطرب فلا يعول عليه وفي
طبقات ابن سعد حبان بن علي العنزي ويكنى أبا علي وهو أسن من أخيه
مندل وكان المهدي قد أحب ان يراهما فكتب إلى الكوفة باشخاصهما اليه فلما
دخلا عليه سلما فقال أيكما مندل فقال مندل هذا حبان يا أمير المؤمنين وتوفي
حبان بالكوفة سنة 171 في خلافة هارون وكان حبان ضعيفا في الحديث
أضعف من مندل اه‍. ثم ذكر في ترجمة مندل انه كان انبه وأذكر من حبان
وكان أصغر منه وفي تهذيب التهذيب في ترجمة مندل عن ابن شيبة ان مندل
كان أشهر من أخيه حبان وهو أصغر سنا منه اه‍.
أيهما أسن مندل أم حبان
قد سمعت تصريح ابن سعد بان حبان اسن من مندل وكذلك روى
الخطيب في تاريخ بغداد بسنده في الطبقات مما مر وفيه ان حبان أسن من
أخيه مندل كما سمعت قول ابن سعد أيضا ان مندل كان أصغر سنا من
حبان وقول تهذيب التهذيب ان مندل أصغر سنا من حبان وقال الخطيب
أيضا في ترجمة مندل في موضع منها كما ستعرف وكان الأصغر وفي موضع
آخر وكان مندل أصغر سنا من حبان ولكن الخطيب روى في ترجمة حبان
بسنده عند محمد بن فضيل قال ولدت انا وحبان بن علي سنة 111 قيل
فمندل قال مندل أكبر منا بدهر وفي تهذيب التهذيب وتاريخ الخطيب عن
ابن معين ان مندلا ولد سنة 103 وحينئذ فهو أكبر من حبان الذي ولد سنة
111 بثمان سنين والله أعلم. ويأتي في ترجمة أخيه مندل ما له تعلق بالمقام
وكان حبان شاعرا له شعر في رثاء أخيه مندل يأتي في ترجمة مندل.
مشايخه
في تاريخ بغداد للخطيب حدث عن سليمان الأعمش وسهيل بن أبي
صالح وعبد الملك بن عمير وأبي سعد البقال وليث بن أبي سليم ومحمد بن
عجلان وزاد في تهذيب التهذيب وعقيل بن خالد الأيلي وجعفر بن أبي
المغيرة ويزيد بن أبي زياد ويونس بن يزيد.
تلاميذه
في تاريخ بغداد روى عنه محمد بن الصلت الأسدي وحجين بن
المثنى ومحمد بن الصباح الدولابي وخلف بن هشام المقرئ وفي تهذيب
التهذيب روى عنه ابن المبارك وأبو غسان النهدي وبكر بن يحيى بن زبان
وأبو الوليد اليالسي وأبو الربيع الزهراني ومحمد بن سليمان لوين.



(1) ليس فيه دلالة على تضعيفهما. - المؤلف -
385
شعره
مر عن ابن ماكولا انه شاعر وله أبيات في رثاء أخيه مندل تأتي في
ترجمة مندل.
التمييز
في مشتركات الطريحي وتلميذه الكاظمي باب حيان المشترك بين ثقة
وغيره ويمكن استعلام انه ابن علي العنزي الثقة بروايته عن أبي
عبد الله (ع).
حبان بن قيس النابغة الجعدي
في اسمه أقوال أحدها انه حبان بالحاء المهملة والباء الموحدة ونظرا
للاختلاف في اسمه فقد ترجمناه بلقبه المشهور به وهو النابغة وذكرنا هناك
جميع الأقوال.
حبش بن مبشر
سيجئ بعنوان حبيش بن مبشر مصغرا.
حبش بن المغيرة وفي نسخة ابن المعتمر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع).
حبشة بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بن سلمة بن حارثة بن فهم
الفهمي
قتل مع الحسين (ع) يوم الطف سنة 61.
في الإصابة سلمة بن طريف الخ لأبيه صحبة وله رؤية وقتل ولده
حبشة بن قيس بن سلمة بن طريف مع الحسين بن علي يوم الطف اه‍. وفي
ابصار العين حبشي بن قيس بن سلمة بن طريف الهمداني النهمي وبنونهم
بطن من همدان كان سلمة صحابيا وابنه قيس له ادراك ورؤية وابن قيس
حبشي ممن حضر الطف وجاء الحسين (ع) فيمن جاء أيام الهدنة قال ابن
حجر وقتل مع الحسين اه‍. أقول: (أولا) ان الذي ذكره ابن حجر حبشة
لا حبشي كما سمعت (ثانيا) الموجود في الإصابة الفهمي بالفاء لا بالنون
وكما أن بني نهم بطن من همدان ففهم أيضا أبو قبيلة (ثالثا) قيس بن سلمة
لم يذكر أحد ممن ألف في الصحابة ان له ادراكا ورؤية وانما ذكر ابن حجر
ان لطريف صحبة ولسلمة رؤية.
حبشون بن موسى بن أيوب أبو نصر الخلال
ولد سنة 234 وتوفي في شعبان سنة 331.
ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال كان ثقة يسكن باب البصرة أنبأنا
الأزهري أنبأنا علي بن عمر الحافظ قال حبشون بن موسى بن أيوب الخلال
صدوق.
مشايخه
في تاريخ بغداد: سمع علي بن سعيد بن قتيبة الرملي والحسن بن
عرفة العبدي وعلي بن عمر الأنصاري وعلي بن الحسين بن إشكاب
وعبد الله بن أيوب المخزومي وسليمان بن توبة النهرواني وحنبل بن إسحاق
الشيباني.
تلاميذه
في تاريخ بغداد: روى عنه أبو بكر بن شاذان وأبو الحسن الدارقطني
وأبو حفص بن شاهين وأحمد بن الفرج بن الحجاج وأبو القاسم بن الثلاج
وغيرهم.
من أخباره
ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أبي بكر العلاف الشاعر
قال كنت عند حبشون الخلال وضرسي يضرب علي فشاورته فأشار علي
بقلعه فقلعته فلم أحمده فقلت:
عملت شيئا وليس بالدون * قلعت ضرسي برأي حبشون
فهل سمعتم بشاعر فطن * يقلع ضرسا برأي مجنون
تشيعه
يمكن ان يستدل على تشيعه بما رواه الخطيب في تاريخ بغداد بسند فيه
حبشون إلى أن ينتهي إلى شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال من صام يوم
18 من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال ألست ولي المؤمنين قالوا بلى يا رسول
الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا بن
أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فانزل الله (اليوم أكملت لكم
دينكم) ومن صام يوم 27 من رجب كتب له صيام ستين شهرا وهو أول
يوم نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة: اشتهر هذا
الحديث من رواية حبشون وكان يقال إنه تفرد به وقد تابعه عليه أحمد بن
عبد الله بن النيري فرواه عن علي بن سعيد بسنده عن شهر بن حوشب عن
أبي هريرة قال من صام يوم 18 من ذي الحجة وذكر مثل ما تقدم أو نحوه
اه‍.
حبشي بن معز الدولة أحمد بن بويه الديلمي وباقي نسبه مر في ترجمة أبيه
توفي في آخر سنة 369.
كان حبشي بالبصرة لما مات والده معز الدولة وذلك سنة 356 قال
ابن الأثير في حوادث سنة 357 في هذه السنة عصى حبشي ابن معز الدولة
على أخيه بختيار وكان بالبصرة لما مات والده فحسن له من عنده من
أصحابه الاستبداد بالبصرة وذكروا له ان أخاه بختيار لا يقدر على قصده
فشرع في ذلك فانتهى الخبر إلى أخيه فسير وزيره أبا الفضل العباس بن
الحسين اليه وأمره باخذه كيف أمكن فاظهر الوزير انه يريد الانحدار إلى
الأهواز ولما بلغ واسطا أقام بها ليصلح امرها وكتب إلى حبشي يعده انه
يسلم اليه البصرة سلما ويصالحه عليها ويقول له انه قد لزمني مال على
الوزارة ولا بد من مساعدتي فنفذ اليه حبشي مائتي ألف درهم وتيقن
حصول البصرة له وارسل الوزير إلى عسكر الأهواز يأمرهم بقصد الأبلة في
يوم ذكره لهم وسار هو من واسط نحو البصرة فوصلها هو وعسكر الأهواز
لميعادهم فلم يتمكن حبشي من اصلاح شأنه وما يحتاج اليه فظفروا به
وأخذوه أسيرا وحبسوه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة وخلصه فسار إلى
عضد الدولة فاقطعه اقطاعا وافرا واقام عنده إلى أن مات في آخر سنة 369
واخذ الوزير من أمواله بالبصرة شيئا كثيرا ومن جملة ما اخذ له خمسة عشر
ألف مجلد سوى الاجزاء والمشرس وما ليس له جلد اه‍. وهذا يدل على
اعتناء آل بويه العظيم بالعلم فمكتبة واحدة لشخص واحد منهم تحوي
خمسة عشر ألف مجلد تعد من أهم مكاتب العالم.

386
حبشي بن جنادة
قال الشيخ في الفهرست له كتاب رواه أحمد بن الحسن عنه اه‍.
وهذا غير حبشي بن جنادة السلولي الآتي فان ذاك من الصحابة ولم تجر
العادة في الصحابة ان يكون لهم كتب يذكرها الشيخ في فهرسته على أن
أحمد بن الحسن الذي روى كتابه الظاهر أنه من مشايخ الشيخ الطوسي
فكيف يروي عن الصحابة.
أبو الجنوب حبشي بن جنادة السلولي
عن تقريب ابن حجر حبشي بضم ثم موحدة ساكنة ثم معجمة
بعدها باء ثقيلة والسلولي بفتح المهملة اه‍. وفي الإصابة السلولي بتخفيف
اللام المضمومة نسبة إلى سلول وهي أم بني مرة بن صعصعة اه‍. في
الطبقات لابن سعد حبشي بن جنادة بن نصر بن اسامة بن الحارث بن
معيط بن عمرو بن جندل بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن
وأم جندل بن مرة سلول ابنة ذهل بن شيبان بن ثعلبة وبها يعرفون اسلم
حبشي وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد مع علي مشاهده أخبرنا مالك بن إسماعيل
عن قرة بن عبد الله السلولي قال عاد حبشي بن جنادة رجل فقال ما أتخوف
عليك الا مسيرك مع علي قال ما من عملي شئ أرجى عندي منه اه‍..
وفي الاستيعاب حبشي بن جنادة السلولي يكنى أبا الجنوب معدود في
الكوفيين روى عنه الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وابنه عبد الرحمن بن
حبشي اه‍. وفي أسد الغابة بعد ما ساق نسبه قال ومرة أخو عامر بن
صعصعة ويقال لكل من ولده سلولي نسبوا إلى أمهم سلول بنت ذهل بن
شيبان. رأى حبشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع روى إسرائيل عن أبي
إسحاق عن حبشي بن جنادة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سأل من غير فقر فكأنما
يأكل الحجر ثم روى بسنده عن الشعبي عن حبشي بن جنادة قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأتاه اعرابي فأخذ بطرف
ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب فعند ذلك حرمت المسألة وقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي الا لذي فقر مدقع ومن
سأل الناس ليشري به مالا كان خموشا في وجهه يوم القيامة ورضفا من
جهنم فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر اخرجه الثلاثة اه‍. وفي الإصابة
صحابي شهد حجة الوداع ثم نزل الكوفة يكنى أبا الجنوب بفتح الجيم
وضم النون الخفيفة وآخره موحدة اخرج حديثه النسائي والترمذي وصححه
وقال العسكري شهد مع علي مشاهده (اه‍). وفي تهذيب التهذيب حبشي بن
جنادة بن نصر السلولي صحابي يعد في الكوفيين روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد
حجة الوداع وعنه أبو إسحاق والشعبي قال البخاري اسناده فيه نظر وقال
العسكري شهد مع علي مشاهده وروى في فضله أحاديث واخرج أبو ذر
الهروي حديثه في المستدرك المستخرج على الالزامات اه‍. وأخرج ابن عساكر
في تاريخ دمشق في ترجمة الحسين (ع) عن حبشي بن جنادة مرفوعا
ان الله اصطفى العرب من جميع الناس واصطفى قريشا من العرب
واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم واختار لي نفرا من
أهل بيتي عليا وحمزة وجعفرا والحسن والحسين اه‍. والظاهر أن حبشي بن
جنادة المذكور في سند هذا الحديث هو المترجم. وذكره الطبري في ذيل
المذيل وساق نسبه كما مر إلى هوازن ثم قال وبنو مرة بن صعصعة هو بنو
سلول وسلول امرأة وهي أم بني مرة وهي سلول ابنة ذهل بن شيبان بن
ثعلبة بها يعرفون وصحب حبشي بن جنادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهد مع علي (ع)
مشاهده اه‍. وذكره أيضا في موضع آخر منه فقال صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى
عنه أحاديث. ثم روى بسنده عن حبشي بن جنادة السلولي: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم علي مني أنا من علي لا يؤدي عني الا انا أو علي. وبسنده عن
حبشي بن جنادة السلولي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول علي مني وانا منه لا
يبلغ عني الا انا أو علي قالها في حجة الوداع.
حبة بن جوين البجلي العرني أبو قدامة الكوفي التابعي
توفي سنة 76 أو 77 أو 75 أو 79 أو 71 والأكثر على القولين
الأولين
(حبة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة و (جوين)
بضم الجيم مصغرا و (العرني) بالعين المهملة المضمومة والراء المفتوحة بعدها
نون نسبة إلى عرينة كجهينة قبيلة وما في النجوم الزاهرة انه نسبة إلى عرنة
الظاهر أنه اشتباه.
نسبه
في أسد الغابة هو حبة بن جوين ابن علي بن عبد بهم (نهم) بن
مالك بن غانم بن مالك بن هوازن بن عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن
انمار بن أراش البجلي ثم العرني اه‍. وفي تاريخ بغداد للخطيب عن خليفة
ابن خياطة مثله الا أنه قال بن علي بن فهم وقال بعد قسر وهو ابن مالك بن
زيد بن كهلان بن هو ابن عمرو بن الغوث بن نبت سبا اه‍.
أقوال العلماء فيه
حكى العلامة في الخلاصة عن رجال البرقي انه ذكر في أصحاب أمير
المؤمنين (ع) من اليمن حبة بن جوين العرني. وقال الشيخ في رجاله في
أصحاب علي (ع) حبة بن جوين العرني كوفي وكنية حبة أبو واقد وقيل
ابن جوية العرني وذكره في أصحاب الحسن (ع) فقال حبة بن جوين
العرني وفي رجال ابن داود حبة بالحاء المهملة والباء المفردة ابن جوين بضم
الجيم وقيل ابن جوية العرني بالعين المهملة المضمومة والراء المفتوحة والنون
منسوب إلى عرينة بن عرين بن بدير بن قسر وكنية حبة أبو قدامة (ي ن
جخ) كش ممدوح يعني ان الشيخ في رجاله ذكره في أصحاب علي والحسن
عليهما السلام وذكر الكشي ما يدل على مدحه مع أنه ليس له ذكر في كتاب
الكشي وعده ابن رستة في الاعلاق النفيسة من الشيعة وعن تقريب ابن
حجر حبة بفتح أوله ثم باء موحدة ثقيلة ابن جوين بضم الجيم مصغرا
العرني بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون أبو قدامة الكوفي صدوق
وله أغلاط وكان غاليا في التشيع من الثانية مات سنة 76 وقيل 77 وفي
طبقات ابن سعد حبة بن جوين العرني من بجيلة وتوفي سنة 76 في أول
خلافة عبد الملك بن مروان وله أحاديث وهو ضعيف وفي تاريخ بغداد:
حبة بن جوين بن علي بن فهم بن مالك أبو قدامة العرني الكوفي تابعي ورد
المدائن في حياة حذيفة بن اليمان وشهد بعد ذلك مع علي يوم النهروان ثم
روى بسنده عن سلمة بن كهيل: ما رأيت حبة العرني قط الا يقول سبحان
الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر الا ان يكون يصلي أو يحدث ثم روى

387
بسنده عن أبي مسلم صالح بن أحمد عن أبيه قال حبة العرني كوفي تابعي
ثقة وبسنده عن يحيى بن معين: قد رأى الشعبي رشيد الهجري وحبة
العرني والأصبغ بن نباتة وليس يساوون كلهم شيئا وقد مر في ترجمة
الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ان الشعبي من المنحرفين عن أمير
المؤمنين عليه السلام وشيعته فلا يقبل قوله في هؤلاء الثلاثة الذين هم من
خيار الشيعة وبسنده عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: حبة بن جوين غير
ثقة والجوزجاني معلوم حاله في نصبه وتحامله كما ذكروه في ترجمته. وبسنده
عن صالح بن محمد - وهو صالح جزرة -: حبة العرني من أصحاب علي
شيخ و هو حبة بن جوين كوفي وكان يتشيع ليس هو بالمتروك ولا ثبت وسط
وفي ميزان الذهبي حبة بن جوين العرني الكوفي عن علي من غلاة الشيعة
وهو الذي حدث ان عليا كان معه بصفين ثمانون بدريا وهذا محال وعن
يحيى بن معين كان غير ثقة وعن النسائي ليس بالقوي وقال ابن معين وابن
خراش ليس بشئ وقال أحمد بن عبد الله العجلي كوفي تابعي ثقة قال ابن
عدي ما رأيت له منكرا قد جاوز الحد اه‍. وعن الذهبي في تلخيص
المستدرك أنه قال شيعي جبل قد قال ما يعلم بطلانه من أن عليا شهد معه
صفين ثمانون بدريا اه‍. وقوله جبل أي رأس في التشيع وفي تهذيب
التهذيب حبة بن جوين بن علي بن عبد نهم (بهم) العرني البجلي أبو قدامة
الكوفي قال ابن سعد مات سنة 76 ويقال سنة 79 وقال ابن حبان كان
غاليا في التشيع واهيا في الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال ابن الجوزي
روى أن عليا شهد معه صفين ثمانون بدريا وهذا كذب قلت اي والله ان
صح السند إلى حبة. وفي الإصابة: حبة اتفقوا على ضعفه الا العجلي فوثقه
ومشاه أحمد وقال صالح جزرة وسط وقال الساجي يكفي في ضعفه قوله انه
شهد صفين مع علي ثمانون بدريا واثنى سلمة بن كهيل على دينه وعبادته
جدا ومات حبة بعد ستة سبعين قيل بسنة وقيل بأكثر اه‍. وقال ابن حجر
في تهذيب التهذيب في ترجمة حارثة بن مضرب قال أبو جعفر محمد بن
الحسين البغدادي سألت أبا عبد الله عن الثبت عن علي فذكر جماعة وعد
منهم حبة بن جوين اه‍. والرجل لا ذنب له الا تشيعه وعلي لا يرتفع قدره
بأن يكون معه يوم صفين ثمانون بدريا بل يرتفع قدر من كان معه بكونه
معه اني وهو مع الحق والحق معه يدور معه كيفما دار وليس فقيرا في فضله
ومناقبه حتى يضاف إليها كثرة البدريين معه بصفين وهل كانت بدر الا له
وبه.
هل هو تابعي أو صحابي
قد سمعت قول جماعة بأنه تابعي وفي الإصابة قال الطبراني يقال إنه
رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وروى ابن عقدة في كتاب الموالاة باسناد ضعيف جدا عن
حبة بن جوين قال لما كان يوم غدير خم دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة جامعة فذكر
حديث من كنت مولاه فعلي مولاه قال فاخذ بيد علي حتى نظرت إلى آباطهما
وأنا يومئذ مشرك قال ابن الأثير هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي في حجة
الوداع ولم يحج يومئذ أحد من المشركين فلو صح لكان صحابيا وليس هو
بصحابي اتفاقا قلت إن صح احتمل ان يكون حبة رآه اتفاقا ولم يكن قصد
الحج حينئذ ولكن السند ضعيف ثم وجدت له حديثا آخر من جنس الأول
فأخرج ابن مردويه في التفسير من طريق أبان بن ثعلبة عن نفيع بن الحارث
عن أبي الحمراء وعن أبي مسلم الملائي عن حبة العرني قالا لما امر رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بسد الأبواب التي في المسجد شق عليهم قال حبة اني لأنظر إلى حمزة
ابن عبد المطلب وهو تحت قطيفة حمراء وعيناه تذرفان وهو يقول أخرجت
عمك (الحديث) والاسناد إلى ابان ضعيف ومسلم الملائي ضعيف ولو صح
لكان حبة صحابيا ويحتمل ان يكون حضر ذلك وهو يومئذ مشرك كما في
الخبر الأول والله أعلم اه‍ الإصابة. وفي تهذيب التهذيب: قال الطبراني:
يقال إن له رؤية. وذكره أبو موسى المديني في الصحابة متعلقا بحديث
اخرجه ابن عقدة في جمعه طرق من كنت مولاه فعلي مولاه لكن الاسناد إلى
حبة واه اه‍. وعن تقريب ابن حجر: أخطأ من زعم أن له صحبة اه‍..
قال المؤلف ليت ولادته تقدمت أياما لينزل عليه القدس والعدالة كما نزلت
على مروان بن الحكم وأمثاله ولكن حظه اخره فحق له ان يقول:
وأخرني دهرني وقدم معشرا * على أنهم لا يعلمون واعلم
الذين روى عنهم
في طبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب وتاريخ الخطيب روى عن علي
ابن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزاد في تهذيب التهذيب وعمارة وفي
تاريخ الخطيب وحذيفة بن اليمان.
الذين رووا عنه
في تاريخ الخطيب وتهذيب التهذيب روى عنه سلمة بن كهيل وزاد
في تهذيب التهذيب: والحكم بن عتيبة وأبو حيان التيمي وجماعة وزاد
الخطيب وأبو المقدام ثابت بن هرمز وأبو السابغة النهدي ومسلم الملائي وزاد
في الإصابة روى عنه غير واحد من أهل الكوفة.
مما روي من طريقه
روى الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن
ابن حماد عن بعض أصحابه رفعه قال صعد أمير المؤمنين بالكوفة المنبر
فحمد الله واثنى عليه ثم قال أيها الناس ان الذنوب ثلاثة ثم امسك فقال له
حبة العرني يا أمير المؤمنين قلت الذنوب ثلاثة ثم أمسكت فقال ما ذكرتها
الا وانا أريد ان أفسرها ولكن عرض لي بهر حال بيني وبين الكلام نعم
الذنوب ثلاثة فذنب مغفور وذنب غير مغفور وذنب نرجو لصاحبه ونخاف
عليه قال يا أمير المؤمنين فبينها لنا قال نعم اما الذنب المغفور فعبد عاقبه
الله على ذنبه في الدنيا فالله احلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرتين واما
الذنب الذي لا يغفره الله فمظالم العباد بعضهم لبعض ان الله تبارك وتعالى
أقسم على نفسه فقال: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف
ولو مسحة بكف ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجماء فيقتص للعباد بعضهم
من بعض حتى لا يبقى لاحد على أحد مظلمة ثم يبعثهم للحساب واما
الذنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه ورزقه التوبة منه فأصبح خائفا من
ذنبه راجيا لربه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب
اه‍.
وفي معجم البلدان عند ذكر الكوفة قال: واما مسجدها فقد رويت
فيه فضائل كثيرة روى حبة العرني قال كنت جالسا عند علي (ع) فأتاه
رجل فقال يا أمير المؤمنين هذه راحلتي وزادي أريد هذا البيت أعني بيت
المقدس فقال (ع) كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد (يعني

388
مسجد الكوفة) فإنه أحد المساجد الأربعة (الحديث) وروى الخطيب في
تاريخ بغداد بسنده عن مسلم الأعور عن حبة بن جوين العرني قال
انطلقت انا وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه فقلنا يا أبا عبد الله
حدثنا فانا نخاف الفتن فقال عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وان آخر رزقه
ضياح لبن اه‍. وذكره ابن الأثير في تاريخه عند ذكر وقعة صفين مثله الا أنه قال
: ضياح من لبن وهو الممزوج بالماء من اللبن قال حبة فشهدته يوم قتل
وهو يقول ائتوني بآخر رزق لي في الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح
له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال اليوم القى الأحبة محمدا
وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعملنا اننا على الحق
وانهم على الباطل ثم قتل اه‍. وفي كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن
عمر بن سعد حدثني مسلم الأعور عن حبة العرني رجل من عرينة قال امر
علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة
فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافاه في تلك الساعة (الحديث) وروى
الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أبي السابغة النهدي عن حبة العرني قال
لما فرغنا من النهروان قال رجل والله لا يخرج بعد اليوم حروري ابدا فقال
علي مه لا تقل هذا فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة انهم لفي أصلاب
الرجال وأرحام النساء ولا يزالون يخرجون (الحديث) وحكى ابن أبي الحديد
في شرح النهج عن الشيخ أبي القاسم البلخي - من شيوخ المعتزلة - أنه قال
روى حبة العرني عن علي (ع) أنه قال إن الله عز وجل اخذ ميثاق كل
مؤمن على حبي وميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت وجه المؤمن
بالسيف ما أبغضني ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني. قال وروى
جعفر بن الأحمر عن مسلم الأعور عن حبة العرني: قال علي (ع) من
أحبني كان معي اما انك لو صمت الدهر كله وقمت الليل كله ثم قتلت
بين الصفا والمروة أو قال بين الركن والمقام لما بعثك الله الا مع هواك بالغا ما
بلغ ان في جنة ففي جنة وان في نار ففي نار. وعن كتاب فلاح السائل
للسيد علي بن طاوس عن كتاب زهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن محمد بن
سنان عن صالح بن عقبة عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن حبة العرني
قال بينما انا ونوف نائمين في رحبة القصر إذا نحن بأمير المؤمنين (ع) في
بقية من الليل واضعا يده على الحائط شبه الواله وهو يقول (الحديث) (1)
الشيخ حبيب بن إبراهيم النجفي
أصلا ومسكنا له كتاب أنيس الملوك في التاريخ وصل فيه إلى سنة
1000 من الهجرة وجدنا منه نسخة مخطوطة في مكتبة الحاج محتشم السلطنة
بطهران والظاهر أن النسخة بخط المؤلف.
حبيب أبو عميرة الإسكاف الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر (ع) وقال تابعي كوفي
وذكره في أصحاب الصادق (ع) وقال الكوفي تابعي. وفي ميزان
الذهبي: حبيب الإسكاف أبو عميرة الكوفي عن انس قال الدارقطني
متروك اه‍. وفي لسان الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة وكناه أبا عمرو
اه‍. بل كناه أبا عميرة كما سمعت وفي بعض النسخ أبو عمرة.
حبيب بن أبي الأشرس
هو حبيب بن حسان بن أبي الأشرس الآتي.
حبيب بن أبي ثابت
يأتي بعنوان حبيب بن أبي ثابت قيس ويقال هند.
حبيب بن أبي حبيب
في منهج المقال روى عنه خالد بن طهمان ذكره البخاري وكأنه عامي
اه‍. وفي تهذيب التهذيب حبيب بن أبي حبيب البجلي أبو عمرو ويقال أبو
عميرة ويقال أبو كثوثاء البصري نزيل الكوفة روى عن انس بن مالك وعنه
خالد بن طهمان أبو العلاء الخفاف وجماعة اه‍. ويحتمل كونه أبو عميرة
المتقدم.
حبيب بن أبي هلال
في ميزان الاعتدال هو حبيب بن حسان بن أبي الأشرس.
حبيب الأحول الخثعمي الكوفي
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع) حبيب الأحول
الخثعمي كوفي ويأتي حبيب الخثعمي ويحتمل كونه هذا لكن الظاهر أنه غيره
كما يأتي.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي انه يعرف برواية ابن أبي عمير عنه
اه‍.
وعن جامع الرواة انه نقل رواية حماد بن أبي طلحة عنه.
حبيب الإسكاف أبو عميرة الكوفي
مر بعنوان حبيب أبو عميرة الإسكاف الكوفي.
حبيب بن أسلم
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع) وفي لسان الميزان:
حبيب بن اسلم ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال يروي عن علي اه‍.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم
السيد عبد الكريم الحسيني العاملي نزيل دمشق هذا هو الجزء (التاسع
عشر) من كتابنا (أعيان الشيعة) يتضمن سيرة أبي تمام خاصة بما لم يسبق
اليه ونسأله تعالى الهداية والعصمة من الخطأ والخطل وعليه نتوكل وبه
نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حبيب بن أوس أبو تمام الطائي الحوراني الجيدوري الجاسمي.
يعرف بكنيته ويعرف بالطائي ويعرف هو والبحتري بالطائيين



(1) لم يتيسر لنا الآن مراجعة فلاح السائل لننقل تمام الحديث فليلحقه بهذا المكان من عثر
عليه.
389
مولده ووفاته ومدفنه
ولد بجاسم قرية من قرى الجيدور سنة 190 حكاه أبو بكر الصولي
في أخبار أبي تمام عن عون بن محمد الكندي أنه سمع أبا تمام يقول مولدي
سنة 190 وفيه وفي تاريخ بغداد ونزهة الألباء لابن الأنباري بالاسناد عن
تمام بن أبي تمام قال مولد أبي سنة 188 وقال ابن خلكان وقيل سنة 172
وقيل سنة 192. وتوفي بالموصل ودفن بها سنة 232 أو 231 أو 228 أو 229 وحكى
الصولي والخطيب في تاريخ بغداد عن مخلد الموصلي أنه توفي في المحرم سنة
232.
وحكى الصولي وابن الأنباري والخطيب بالاسناد عن تمام بن أبي
تمام قال مات أبي سنة 231 وزاد الصولي انه مات في جمادي الأولى وقال
ابن خلكان وقيل إنه توفي في ذي القعدة. وفي تاريخ الخطيب بسنده عن
إبراهيم بن محمد بن عرفة - الملقب نفطويه - أنه توفي سنة 228 وقال ابن
خلكان قيل إنه توفي سنة 229 وفي الأغاني مولده ومنشأه بناحية منبج بقرية
يقال لها جاسم (اه‍) ولم يذكر أحد غيره ان بناحية الجيدور ما يقال له
منبج وانما منبج بناحية حلب ولعله كان بناحية الجيدور ما اسمه منبج كما هو
بناحية حلب والله أعلم قال ابن خلكان عن البحتري وبنى عليه أبو
نهشل بن حميد الطوسي قبة وقال ابن خلكان رأيت قبره بالموصل خارج باب
الميدان على حافة الخندق والعامة تقول هذا قبر تمام الشاعر (اه‍) ولا تزال
قبته معمورة وقبره معروفا حتى اليوم.
نسبته
قال ابن خلكان (الطائي) منسوب إلى طئ القبيلة المشهورة وهذه
النسبة على خلاف القياس فان قياسها طيئي لكن باب النسب يحتمل التغيير
كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى سهل سهلي بضم أولهما وكذلك
غيرهما (اه‍) (والجاسمي) نسبة إلى جاسم بجيم وسين مهملة مكسورة
آخرها ميم وهي القرية التي ولد بها وأصله منها وهي قرية من قرى
الجيدور بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية وضم الدال المهملة وسكون الواو
بعدها راء وهو إقليم من بلاد حوران من عمل دمشق بينها وبين طبرية على
ثمانية فراسخ من دمشق يجاور الجولان وقال المسعودي في مروج الذهب
الجاسمي نسبة إلى جاسم وهي قرية من أعمال دمشق بين بلاد الأردن
ودمشق بموضع يعرف بالجولان ويعرف بجاسم على أميال من الجابية وبلاد
براوهي من مراعي أيوب عليه السلام وفي النجوم الزاهرة ابدال الحوراني
بالخوارزمي الجاسمي وهو مصحف ولعله من سهو الطابعين.
نسبه
هو أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشبح بن
يحيى بن مزينا بن سهم بن ملحان بن مروان بن دفاقة بن مر بن سعد
بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحارث بن طئ واسمه جلهم أو
جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن
يشجب بن يعرب بن قحطان هكذا في تاريخ بغداد وفي أنساب السمعاني
بعد قحطان بن عامر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح وساق نسبه بن
خلكان في تاريخه إلى قحطان لكنه أسقط كثيرا من الأسماء وذكر بدل
الحارث بن طئ الغوث بن طئ وكذا في خزانة الأدب وهبة الأيام.
القدح في نسبه
قال الخطيب في تاريخ بغداد: أخبرني علي بن أيوب القمي أنبأنا أبو
عبيد الله المرزباني أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال قوم ان أبا تمام هو
حبيب بن ندوس النصراني فغير فصير أوسا (اه‍) وقال ابن خلكان ذكر أبو
القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي في كتاب الموازنة بين الطائيين ما
صورته الذي عند أكثر الناس في نسب أبي تمام أن أباه كان نصرانيا من أهل
جاسم يقال له ندوس العطار فجعلوه أوسا وقد لفقت له نسبة إلى طئ
وليس فيمن ذكر فيها من الآباء من اسمه مسعود وهذا باطل ممن عمله ولو
كان نسبه صحيحا لما جاز أن يلحق طيئا بعشرة آباء وذكر الآمدي هذا في
قول أبي تمام:
ان كان مسعود سقى اطلالهم * سيل الشؤون فلست من مسعود
وقد سقط في النسب بين قيس ودفاقة ستة آباء. وقول أبي تمام فلست
من مسعود لا يدل على أن مسعودا من آبائه بل هذا كما يقال ما أنا من فلان
ولا فلان مني يريدون به البعد منه والأنفة ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد الزنا
ليس منا وعلي مني وأنا منه (اه‍) فسقط اعتراض من يقول إنه لو كان
نسبه صحيحا لما جاز ان يلحق طيئا بعشرة آباء فان بينه وبين طئ سبعة
عشر أبا لا عشرة آباء لأنه قد سقط من النسب بين قيس ودفاقة ستة آباء هي
موجودة فيه. وتوهم ان شعره يدل على أن مسعودا من آبائه بقوله (فلست
من مسعود) توهم فاسد فسقط الاعتراض بأنه ليس فيمن ذكر في نسبته من
اسمه مسعود ومسعود الذي ذكره أبو تمام هو ابن عمرو الأزدي كان يندب
الأطلال ويبكيها فقال أبو تمام أنا لست منه أي لست على طريقته وفسر ذلك
بقوله بعده:
ظعنوا فكان بكاي حولا بعدهم * ثم ارعويت وذاك حكم لبيد
وقال البديعي في هبة الأيام مسعود هو أخو ذي الرمة وهو الذي
أشار اليه ذو الرمة بقوله:
عشية مسعود يقول وقد جرى * على لحيتي من واكف الدمع قاطر
أفي الدار تبكي إذ بكيت صبابة * وأنت امرؤ قد أجلتك العشائر
فكان مسعود يلوم أخاه ذا الرمة على ملازمته البكاء يقول أبو تمام ان
كان مسعود قد رجع عن ذلك المذهب وصار يبكي على الطلول فلست منه
وهذا أبلغ في التبري منه مما إذا كان هذا شأنه فصار كقول القائل ان كان
حاتم قد بخل فلست منه (اه‍) فبان أن توهم كون مسعود من أجداد أبي
تمام من غرائب الأمور والظاهر أن من قال ذلك قاله عداوة واشتهار كونه
طائيا قد تجاوز الحد ويأتي عن الأغاني أنه من نفس طئ صليبة وفي أخبار
أبي تمام للصولي هو حبيب بن أوس الطائي صليبة (اه‍) وفي المغرب
صليبة الرجل من كان من صلب أبيه ومنه قيل آل النبي الذين يحرم عليهم
الصدقة هم صليبة بني هاشم وبني عبد المطلب يعني الذين من صلبهم
(اه‍) ومن مثل الصولي وأبي الفرج في العلم والمعرفة ويأتي في أخباره مع
الواثق أن الواثق ووزيره محمد بن عبد الملك الزيات نسباه إلى طئ وهو
دائما يفتخر بقبيلة طئ وبالانتساب إليها في مواضع كثيرة من شعره كقوله:
سافر بطرفك في أقصى مكارمنا * إذ لم يكن لك في تاثيلها سفر
هل أورق المجد الا في بني أدد * أو اجتني قط لولا طئ ثمر

390
لولا أحاديث أبقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر
فلو كانت نسبته إلى طئ باطلة لما سكت عنه أخصامه وحساده وهم
كثيرون فكانوا يظهرون للملأ بطلان نسبه ولم يقتصر الأمر على روايته عن
قوم مجهولين لا يعرف من هم كما مر وأنساب العرب كانت في ذلك العصر
محفوظة معلومة لا يمكن لاحد ان يدعي منها نسبا كاذبا ولا شئ أعجب من
نسبة الآمدي ذلك إلى أكثر الناس فان المنسوب اليه ذلك مجهول ومنه
يتطرق الشك إلى وجود القائل بذلك فضلا عن أن يكون رأي أكثر
الناس.
صفته
قال ابن عساكر وابن خلكان كان أبو تمام أسمر طويلا فصيحا حلو
الكلام فيه تمتمة يسيرة وقال الصولي في أخبار أبي تمام حدثني عون بن محمد
قال كان أبو تمام طوالا وكانت فيه تمتمة يسيرة وكان حلو الكلام فصيحا كان
لفظه لفظ الأعراب. حدثني علي بن الحسن الكاتب قال رأيت أبا تمام وأنا
صبي صغير فكان أسمر طويلا. حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال كنت
جالسا مع ابن عتاب فمر بنا رجل من الكتاب فجلس الينا وكان فصيحا
مليح الحديث فقال لي ابن عتاب ما رأيت رجلا أشبه لفظا بأبي تمام من هذا
الا حبسة قليلة كانت في لسان أبي تمام (اه‍) ويأتي عن نزهة الألباء أنه
كان موصوفا بالظرف وحسن الاخلاق وكرم النفس ووصفه أبو توبة الشيباني
فيما يأتي من أخباره مع خالد بن يزيد الشيباني بأنه كثير الفكاهة حسن
الحديث وقال خالد بن يزيد ما رأيت أحسن بيانا منه ولا أفصح لسانا وفي
معاهد التنصيص كان في لسانه حبسة وفي ذلك يقول ابن المعذل أو أبو
العميثل:
يا نبي الله في الشعر * ويا عيسى بن مريم
أنت من أشعر خلق الله * ما لم تتكلم
أقوال العلماء فيه
ذكره النجاشي في رجاله فقال حبيب بن أوس أبو تمام الطائي كان
اماميا وله شعر في أهل البيت كثير وذكر أحمد بن الحسين رحمه الله - هو ابن
الغضائري - أنه رأى نسخة عتيقة قال لعلها كتبت في أيامه أو قريبا منها
وفيها قصيدة يذكر فيها الأئمة حتى انتهى إلى أبي جعفر الثاني - وهو الجواد
عليه السلام - لأنه توفي في أيامه وقال الجاحظ في كتاب الحيوان وحدثني أبو
تمام الطائي وكان من رؤساء الرافضة (اه‍) رجل النجاشي قوله توفي في
أيامه أي توفي الجواد في أيام أبي تمام لأن الجواد توفي سنة 220 ووفاة أبي
تمام على الأقل سنة 228 كما عرفت وذكر العلامة في الخلاصة مثله إلى قوله
الرافضة. وفي أمل الآمل حبيب بن أوس أبو تمام الطائي العاملي الشاعر
المشهور كان شيعيا فاضلا أديبا منشئا (اه‍) وتبعه بعض المعاصرين في
كتاب له في التراجم فوصفه بالعاملي ولم يكن عامليا بل أصله من جاسم من
قرى الجيدور كما مر وذكر صاحب أمل الآمل له في علماء جبل عامل ووصفه
له بالعاملي توسع كذكر الكركي وغيره فيهم وذكره ابن شهرآشوب في معالم
العلماء في شعراء أهل البيت المتقين غير المجاهرين لكن رائيته الآتية وغيرها
تجعله من المجاهرين أو القريبين منهم. وأورد له في المناقب شعرا يذكر فيه
الأئمة عليهم السلام إلى القائم المهدي وسيأتي وذكره الشريف المرتضى
عرضا في خطبة كتابه الشهاب في الشيب والشباب مع البحتري فقال
وللفحلين المبرزين الطائيين أبي تمام وأبي عبادة البحتري في هذا المعنى - أي
الشيب والشباب - ما يغبر في الوجوه سبقا لا سيما البحتري إلى آخر ما قال
وقد اقتصر المرتضى في هذا الكتاب على نقل ما نظم في هذا المعنى من أربعة
دواوين ديواني الطائيين وديوان أخيه الرضي وديوانه وأعرض عما سوى ذلك
مع كثرته في شعر الشعراء المحدثين كثرة مفرطة. وفي الأغاني: أبو تمام
حبيب بن أوس الطائي من نفس طئ صليبة شاعر مطبوع لطيف الفطنة
دقيق المعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناولة على غيره وله
مذهب في المطابق هو كالسابق اليه جميع الشعراء وان كانوا قد فتحوه قبله
وقالوا القليل منه فان له فضل الاكثار فيه والسلوك في جميع طرقه (اه‍)
والمطابق ويسمى المطابقة والطباق نوع من أنواع البديع وهو الجمع بين
معنيين متقابلين كقول زهير:
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا * ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وسنذكر ما أتى به أبو تمام من الطباق وغيره عند الكلام على شعره
ووصفه الشريف المرتضى في أماليه بالفحل المبرز فقال عند ذكر ما قيل من
الشعر في الشيب: وقد أتى الفحلان المبرزان أبو تمام وأبو عبادة في هذا
المعنى - أي الشيب - بكل غريب عجيب (اه‍) وقال الخطيب البغدادي في
تاريخ بغداد: حبيب بن أوس أبو تمام الطائي الشاعر شامي الأصل كان
بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع ثم جالس الأدباء فأخذ عنهم
وتعلم منهم وكان فطنا فهما وكان يحب الشعر فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر
فأجاد وشاع ذكره وسار شعره وبلغ المعتصم خبره فحمله اليه وهو بسر من
رأى فعمل أبو تمام فيه قصائد عدة وأجازه المعتصم وقدمه على شعراء وقته
وقدم إلى بغداد فجالس بها الأدباء وعاشر العلماء وكان موصوفا بالظرف
وحسن الأخلاق وكرم النفس (اه‍) ومثله بعينه في نزهة الألباء. وكما مدح
المعتصم بعدة قصائد فقد مدح المأمون قبله بقصيدة واحدة موجودة في ديوانه
لكن قيل إن نسبة مدح المأمون اليه غلط ومدح الواثق أيضا كما في ديوانه
وقال ابن خلكان في تاريخه أبو تمام حبيب بن أوس الشاعر المشهور كان
واحد عصره في ديباجة لفظه ونصاعة شعره وحسن أسلوبه ومدح الخلفاء
وأخذ جوائزهم وجاب البلاد وقال العلماء خرج من قبيلة طئ ثلاثة كل
واحد منهم مجيد في بابه حاتم الطائي في جوده وداود بن نصير الطائي في
زهده وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي في شعره قال وأصل أبي تمام من
جاسم قرية من بلاد الجيدور من أعمال دمشق بين دمشق وطبرية ونشأ
بمصر قيل إنه كان يسقي الناس ماء بالجرة في جامع مصر وقيل كان يخدم
حائكا يعمل عنده بدمشق واشتغل وانتقل إلى أن صار منه ما صار (اه‍)
وفي أنساب السمعاني قيل خرج من طئ ثلاثة لا نظير لهم إلى آخر ما مر
وقال ابن رشيق في العمدة ليس في المولدين أشهر اسما من الحسن (أي أبي
نواس ثم من حبيب والبحتري ويقال إنهما أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر
كلهم مجيد (اه‍) وذكره ابن النديم في فهرسته وذكر مؤلفاته وقال ابن
عساكر في تاريخ دمشق: حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشبح
يتصل نسبه بعمرو بن طئ أبو تمام الطائي الشاعر من أهل قرية جاسم من
حوران مدح الخلفاء والأمراء فأحسن (اه‍) ثم حكى عن الخطيب في
تاريخ بغداد انه روى بسنده إلى ابن أبي طاهر أخبرني يحيى بن صالح قال
رأيت أبا تمام في دمشق غلاما يعمل مع قزاز كان أبوه خمارا بها (اه‍) ولم
أجد ذلك في تاريخ بغداد للخطيب. وفي خزانة الأدب ولد بجاسم ونشأ

391
بمصر واشتغل إلى أن صار أوحد عصره وفي كتاب حديقة الأفراح: أبو تمام
حبيب بن أوس الطائي نزيل الموصل الشاعر الماهر من اشتمل نظامه على
كل معنى باهر قال المبرد سمعت الحسن بن رجاء يقول ما رأيت أحدا قط
أعلم بجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام (اه‍) وفي شذرات الذهب
حبيب بن أوس الحوراني مقدم شعراء العصر توفي آخر سنة 231 كهلا سئل
الشريف الرضي عن أبي تمام والبحتري والمتنبي فقال اما أبو تمام فخطيب
منبر وأما البحتري فواصف جؤذر وأما المتنبي فقائد عسكر وقال أبو الفتح
ابن الأثير في كتاب المثل السائر يصف الثلاثة: وهؤلاء الثلاثة هم لات
الشعر وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد
حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء وجمعت بين الأمثال السائرة
وكلمة الحكماء أما أبو تمام فرب معان وصيقل ألباب وأذهان وقد شهد له
بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو غير مدافع عن مقام الأغراب الذي
يبرز فيه على الاضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما
أقول فيه إلا عن تنقيب وتنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه
وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام وكان قوله في البلاغة ما قالت
حذام فخذ مني في ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم وأما
البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى وأراد ان يشعر فغنى ولقد
حاز طرفي الرقة والجزالة على الاطلاق فبينا يكون في شظف نجد حتى
يتشبث بريف العراق وسئل أبو الطيب عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا
وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري قال ولعمري لقد أنصف في حكمه
وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فان أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود
من الصخرة الصماء في اللفظ المصوع من سلاسة الماء فأدرك بذلك بعد
المرام مع قربه من الافهام وما أقول إلا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية
ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية وأما أبو الطيب المتنبي فأراد ان
يسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر ما أعطاه لكنه
حظي في شعره بالحكم والأمثال واختص بالابداع في وصف مواقب القتال
قال وأنا أقول قولا لست فيه متأثما ولا منه متثلما وذلك أنه إذا خاض في
وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها وقامت أقواله
للسامع مقام أفعالها حتى تظن الفريقين فيه تقابلا والسلاحين فيه تواصلا
وطريقه في ذلك يضل بسالكه ويقوم بعذر تاركه ولا شك انه كان يشهد
الحروب مع سيف الدولة بن حمدان فيصف لسانه ما أداه اليه عيانه ومع هذا
فاني رأيت الناس عادلين فيه عن سنن التوسط فاما مفرط فيه وأما مفرط وهو
وان انفرد في طريق وصار أبا عذره فان سعادة الرجل كانت أكبر من شعره
وعلى الحقيقة فإنه كان خاتم الشعراء ومهما وصف به فهو فوق الوصف
وفوق الاطراء ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة:
لا تطلبن كريما بعد رؤيته * ان الكرام بأسخاهم يدا ختموا
ولا تبال بشعر بعد شاعره * قد أفسد القول حتى أحمد الصمم
(اه‍) ويأتي عن الحسن بن رجاء أنه ما ذكر أبا تمام قط إلا قال ذاك
أبو التمام وما رأيت أعلم بكل شئ منه وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني
علي بن إسماعيل النوبختي قال قال لي البحتري والله يا أبا الحسن لو رأيت
أبا تمام الطائي لرأيت أكمل الناس عقلا وأدبا وعلمت ان أقل شئ فيه
شعره (اه‍) وفي هبة الأيام: تنقل إلى أن صار واحد عصره في ديباجة
لفظه وفصاحة شعره وحسن أسلوبه (اه‍) وقال في موضع آخر وفضائل أبي
تمام لا ترد ومحاسنه لا تعد (اه‍) ويأتي ان الزمخشري قال في تفسير سورة
البقرة إنه من علماء العربية وفي تاريخ دمشق لابن عساكر في ترجمة أبي
نواس قال: أبو تمام أشعر الناس وأسهبهم في الشعر كلاما بعد الطبقة
الأولى بشار والسيد وأبو نواس ومسلم بن الوليد بعدهم.
مجمل سيرته
قد عرفت أن أصله من قرية جاسم من قرى الجيدور التي لم يعرف
أهلها بشعر ولا علم وصناعتهم الفلاحة. ولا نظن أنهم كانوا في ذلك
العصر أرقى منهم في هذا العصر فهم لا يعدون ان يكونوا فلاحين ينطبق
عليهم وعلى قريتهم قول أبي تمام نفسه:
بلد الفلاحة لو أتاها جرول * أعني الحطيئة لاغتدى حراثا
تصدى بها الأفهام بعد صقالها * وتعيد ذكران العقول إناثا
فسبحان من جعل أبا تمام يذم الفلاحين وقد كان أحدهم. كما
عرفت انه في أول امره كان يخدم حائكا قزازا يعمل عنده بدمشق ثم صار
يسقي الماء بالجرة في المسجد الجامع بمصر ولكن العلم والأدب الذي حصله
بجده وكده وعلو همته وما طبع عليه من الذكاء والفصاحة والظرف وحسن
الأخلاق وكرم النفس هي التي رفعت من قدره واعلت من شأنه فارتقى بها
من أخس الصناعات إلى أن تطلبه الخلفاء والملوك والأمراء وترغب في مدحه
وإلى أن يكون بعد معاشرة الحاكة عشير الأدباء والفضلاء وعشير الخلفاء
والملوك والأعيان يمدحهم ويأخذ جوائزهم ويطلبونه إلى بلادهم من مكان
شاسع ويعظمونه ويحترمونه ويهابون لسانه فقد طلبه المعتصم إلى سامراء ونوه
باسمه ومدحه وأخذ جوائزه ومدح قاضي قضاته ووزيره وأخذ جوائزهما والى
أن ترثيه بعد موته الوزراء والكبراء وقد ذهب إلى بغداد ومدح أمراءها والى
مصر ومدح كبراءها بعدما كان يسقي الماء بالجرة في جامعها وذهب إلى
خراسان ومدح بها آل طاهر وترقت به الحال إلى أن يجيزه عبد الله بن طاهر
بألف دينار ينثرها عليه وهي تساوي خمسمائة ليرة عثمانية ذهبا فيستقلها ولا
يمسها بيده فيلتقطها الغلمان. والمتنبي في أول أمره يقبل دينارا جائزة على
قصيدة حتى سميت الدينارية والى ان يستقل أبو تمام عشرة آلاف درهم
يجيزه بها خالد بن يزيد الشيباني وهي تساوي في ذلك العصر ألف دينار
ويحلف انه ما كأفاه وضاف في طريقه راجعا من خرسان آل سلمة بهمذان
فأكرموا وفادته وكان مما رفعه اليه العلم والفضل ان عد رئيسهم أبو الوفاء
ابن سلمة حيلولة الئلج بين أبي تمام وبين السفر نعمة على أبي الوفاء
ليغتنم وجوده بمنزله في همذان وسعى في كل ما يجلب له السرور والراحة
فأدخله مكتبته الحافلة بكتب الأدب وغيرها فاختار منها الحماسة الكبرى
التي طبق ذكرها الآفاق وضن بها آل سلمة ككنز يدخر فلم يتمكن أحد من
رؤيتها أو نسخها حتى صعف أمر آل أبي سلمة فاغتنم بعض فضلاء
أصفهان فرصة ذلك فنقلها إلى أصفهان فعكف عليها الفضلاء والأدباء و
انتشرت نسخها من ذلك الآن وقدم الموصل ومدح كبراءها وولاه
الحسن بن وهب بريدها فمات بها وقصد أرمينية ومدح أميرها والعلم
والفضل هو الذي أوصل أبا تمام إلى أن يطير ذكره في الآفاق ويخلد حيا مدى
الدهر والى ان يتعب العلماء أبدانهم ويعملوا أفكارهم ويشغلوا أقلامهم
بتدوين سيرته وشرح كتبه وديوانه. ولا غرو فكم أنبتت القرى من عظماء
الرجال وكم نبغ من بين الخاملين وأهل الصنائع الخسيسة من كانوا أفراد
الدهر فالعلم والفضل والأدب يرفع الوضيع والجهل يضع الرفيع والمرء
يعظم ويشرف بأدبه وفضله وعقله وصفاته الفاضلة وان كان في أول أمره

392
خاملا وذا صنعة خسيسة. كما أنه يحقر ويرذل بجهله وسوء فعله ونقص
صفاته وان كان ذا أصل كريم ونسب في المجد عريق وفي ذلك عبرة لمن
اعتبر وتشبه حال أبي تمام حال المتنبي في كون سقاية الماء أصلا لهما فأبو تمام
كان بنفسه سقاء والمتنبي كان أبوه سقاء حتى هجي بذلك فقيل فيه:
عاش حينا يبيع في الكوفة الماء * وحينا يبيع ماء المحيا
كما مر في ترجمته ولكن قدرهما ارتفع وشأنهما علا بالفضل والأدب ومن
المشهور بين أهل الفضل في جبل عاملة وان كنت لم أره في كتاب ان أبا تمام
كان في صغره أقرع وكان أهل قريته يعيرونه بذلك فيقولون أقرع جاسم
وأنه خرج من قريته فرارا من ذلك ثم عاد إليها بعد ما كبر فرأته امرأة فقالت
هذا أقرع جاسم فعاد ولم يدخل القرية وقد أشار أبو تمام إلى وصف حاله في
أول أمره بقوله من قصيدة:
وما لامرئ من قائل يوم عثرة * لعا وخديناه الحداثة والفقر
الكتب المؤلفة في سيرته
ألفت في سيرة أبي تمام عدة كتب لأكابر العلماء (1) أخبار أبي تمام
لأبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي من أهل المائة الرابعة ذكره
ابن النديم (2) أخبار أبي تمام للمرزباني محمد بن عمران بن موسى المتوفى
ذكره ابن النديم وقال نحو مائة ورقة (3) أخبار أبي تمام لأبي بكر
محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي المتوفى سنة 336 مطبوع بمصر (4)
أخبار أبي تمام ومحاسن شعره للخالدين ذكره ابن النديم في الفهرست (5)
أخبار أبي تمام للشيخ يوسف البديعي المتوفى سنة 1013 سماه هبة الأيام في
أخبار أبي تمام (6) أخبار أبي تمام للشيخ محمد علي بن أبي طالب الزاهدي
الجيلاني المتوفى سنة 1181 وعمل الآمدي أحمد بن بشر كتابا في الموازنة بين
أبي تمام والبحتري طبع في الآستانة بمطبعة الجوائب وطبع في مصر.
انتشار صيته
يكفي فيه قول ابن رشيق كما مر أنه هو والبحتري أخملا في زمانهما
خمسمائة شاعر كلهم مجيد. ويكفي فيه طلب المعتصم له من الشام إلى
العراق مع امتلاء ذلك العصر بالشعراء ويكفي فيه خبره المتقدم والآتي في
سيرته مع آل سلمة إلى غير ذلك مما تطلع عليه في تضاعيف ترجمته.
نفسيته
يمكننا ان نحلل نفسيته بما وصلنا من أخباره وقرأناه في أشعاره أنه كان
عالي الهمة حسن الأخلاق حسن المعاشرة كريم الطبع غير بخيل بما في يديه
كثير الشفقة والحنو حاد الذهن جدا حاضر الجواب سريع الانتقال مولعا
بالافتخار بقومه وعشيرته وعروبته ولا يكون ذلك إلا ممن هو كبير النفس
عالي الهمة فهو يقول:
سافر بطرفك في أقصى مكارمنا * إذ لم يكن لك في تأثيلها سفر
هل أورق المجد إلا في بني أدد * أو اجتني قط لولا طئ ثمر
لولا أحاديث أبقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر
تتلى وصايا المعالي بين أظهرهم * حتى لقد ظن قوم أنها سور
ويقول أيضا:
أبى قدرنا في الجود الا نباهة * فليس لمال عندنا أبدا قدر
جرى حاتم في حلبة منه لو جرى * بها القطر قال الناس أيهما القطر
فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى * فليس لحي غيرنا ذلك الفخر
بنجدتنا القت بنجد بعاعها * سحاب المنايا وهي مظلمة كدر
بكل كمي نحره عرضة القنا * إذا اضطرم الأحشاء وانتفخ السحر
ويقول أيضا:
أنا ابن الذين استرضع الجود فيهم * وسمي فيهم وهو كهل ويافع
مضوا وكأن المكرمات لديهم * لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
إلى غير ذلك وانه كان يمدح للعطاء ويهجو على المنع على عادة الشعراء
الذين يكتسبون بشعرهم كما يأتي بيانه عند الكلام على شاعريته.
حفظه
كان أعجوبة في الحفظ يكاد يكون حفظه معجزا وما ظنك بمن يحفظ
أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد والرجز أقل أنواع
الشعر استعمالا ويحفظ أربعة آلاف ديوان شعر قال ابن خلكان كان له من
المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره قيل إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة
للعرب غير القصائد والمقاطيع. وفي خزانة الأدب كان يحفظ أربعة عشر
ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد وفي مرآة الجنان قيل كان يحفظ
أربعة آلاف ديوان شعر وأربعة عشر ألف أرجوزة وفي الأغاني انه حلف ان
يحفظ ديواني مسلم بن الوليد وأبي نواس فمكث شهرين حتى حفظهما
(اه‍) وقيل إنه وضع المصحف بين يديه وأقسم ان لا ينال طعاما ولا شرابا
إلا بعد أن يحفظ ديوان مسلم بن الوليد. ووجدت في بعض الكتب ولا
أتذكره الآن أن أبا تمام وقف على وراق وعنده كتاب أراد أبو تمام شراءه فلم
يتفقا على ثمنه فأخذه أبو تمام ونظر فيه مليا ثم رده اليه وذهب فناداه الوراق
فقال خذه بالثمن الذي أردت فقال لا حاجة لي فيه فألح عليه بأخذه فقال
خذ الكتاب واضبط فاخذ يقرأ من أوله حتى أنهاه وإذا هو قد حفظه.
أجوبته المسكتة
سيأتي أنه قال له أبو العميثل أو غيره أو هو وأبو سعيد الضرير يا أبا
تمام لم لا تقول ما يفهم فقال له لم لا تفهم ما يقال. وفي اخبار أبي تمام
للصولي: حكى محمد بن داود ان أبا عبد الله أحمد بن محمد الخثعمي
الكوفي قال لأبي تمام وقد اجتمعا فقام أبو تمام إلى الخلاء: أتدخلك فقال
نعم لا نحملك. ومن أعظم أجوبته المسكتة انشاده على البديهة لما قيل له
الأمير فوق من وصفت (لا تعجبوا ضربي له من دونه) البيتين الآتيين في
اخباره مع أحمد بن المعتصم وقوله:
وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعم طلائع الأجساد
لما عيب عليه قوله:
شاب رأسي وما رأيت مشيب الر * أس إلا من فضل شيب الفؤاد
كما يأتي في أخباره مع أحمد بن المعتصم ويأتي هناك أيضا انه أنشد
أحمد بن المعتصم من أبيات:
فان يجد علة نعم بها * حتى كانا نعاد من مرضه
فقال له أحمد بن المعتصم ما أبين العلة عليك فقال إنها علة قلب
تميت الخاطر وتسد الناظر وتبلد الماهر وهذا من أحسن الأجوبة قال ابن أبي
فنن فيما حكاه الصولي في أخبار أبي تمام وكان أبو تمام أحضر الناس خاطرا
قال الصولي حدثني ابن الاعرابي المنجم قال كان أبو تمام إذا كلمه انسان
اجابه قبل انقضاء كلامه كأنه يعلم ما يقول فأعد جوابه قال له رجل يا أبا

393
تمام لم لا تقول من الشعر ما يعرف فقال وأنت لم لا تعرف من الشعر ما
يقال فأفحمه قال الصولي وحدثني أبو الحسين الجرجاني قال الذي قال له
هذا أبو سعيد الضرير بخراسان وكان هذا من علماء الناس وكان متصلا
بالطاهرية (اه‍) ويأتي في اخباره مع آل طاهر ان أبا العميثل قال له نحو
ذلك فاجابه بنحوه.
تشيعه لأهل البيت
أبان عن ذلك بما سنورده (انش) من مديحه لهم وأشار اليه بقوله من
قصيدة في مدح المأمون أو المعتصم:
هذا أمين الله آخر مصدر * شجي الظماء به وأول مورد
ووسيلتي فيها إليك طريفة * شام يدين بحب آل محمد
نيطت قلائد ظرفه بمحير * متدمشق متكوف متبغدد
حتى لقد ظن الغواة وباطل * أني تجسم في روح السيد
(شام) أصله شامي (بمحير) لعله نسبة إلى الحير وهو موضع قبر
الحسين عليه السلام وأراد بذلك تشيعه له و إلا فهو لم يسكنه،
(ومتدمشق) لسكناه دمشق ولكون أصله من جاسم التابعة لها،
(ومتكوف) مذهبا وعقيدة لاشتهار أهل الكوفة بالتشيع كما أشار إليه بقوله
أيضا من قصيدة تأتى:
وكوفني ديني على أن منصبي * شام ونجري أية ذكر النجر
متبغدد لسكناه بغداد أو لتشيعه لبني العباس و (باطل) أي
وباطل ظنهم (والسيد) هو السيد الحميري لأنه بلغ في التشيع الغاية ولكنه
يقول في بعض قصائده:
فلو صح قول الجعفرية في الذي * تنص من الالهام خلناك ملهما
الظاهر أنه أراد من الجعفرية أصحاب الإمام جعفر الصادق، ولعله
أراد أنهم يقولون إن الامام ملهم. وكيف كان فلا ينافي ذلك تشيعه لأنه
ليس من لوازم التشيع القول بأن الامام ملهم.
هل كان أبو تمام متهاونا بالدين؟
في ديوانه قال غير الصولي: قال أبو تمام شربت عند الحسن بن وهب
فغلب علي السكر فأخبرت اني كسرت آنية فحملت بين أربعة فلما أفقت
كتبت إليه هذه الأبيات:
أفيكم فتى حر فيخبرني عني * بما شربت مشروبة الراح من ذهني
غدت وهي أولى من فؤادي بعزمتي * ورحت بما في الدن أولى من الدن
لقد تركتني كأسها وحقيقتي * مجاز وصبح من يقيني كالظن
إذا اشتعلت في الكأس فالطاس نارها * تلقيتها من راحتي فنق لدن
غرير الصبا في وجنتيه ملاحة * بها فنيت أيام يوسف في السجن
إذا نحن أومأنا إليه ادارها * سلافا كماء الجفن وهي من الجفن
ظللنا بها في جنة غاب نحسها * تذكرنا جناتها جنة العدن
نعمنا بها في بيت أروع ماجد * من القوم آب للدناءة والأفن
فتى شق عن عود المحامد عوده * كما اشتق مسموه له اسما من الحسن
وكنا نربأ بأبي تمام عن تعاطي مثل ذلك ولكن الزمان الذي كان فيه
كان قد فسد وتعاطى الخلفاء والملوك والأمراء هذا الفعل الملعون وجروا إليه
معاشريهم ومخالطيهم:
إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا * فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
ويمكن أن يكون ذلك مكذوبا على أبي تمام بدليل أن الصولي الواسع
الرواية الذي جمع ديوان أبي تمام لم يذكره فيه والله أعلم. وفي الأغاني:
أخبرني علي بن سليمان (الأخفش) حدثنا محمد بن يزيد النحوي (المبرد)
قال خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد وهو بأرمينية فامتدحه فأعطاه
عشرة آلاف درهم ونفقة لسفره وقال تكون العشرة الآلاف موفورة فان
أردت الشخوص فأعجل وإن أردت المقام عندنا فلك الحباء والبر، قال بل
أشخص فودعه ومضت أيام وركب خالد يتصيد فرآه تحت شجرة وبين يديه
زكرة فيها شراب وغلام يغنيه بالطنبور فقال أبو تمام قال خادمك وعبدك
قال: ما فعل المال؟ فقال:
علمني جودك السماح فما * أبقيت شيئا لدي من صلتك
ما مر شهر حتى سمحت به * كأن لي قدرة كمقدرتك
تنفق في اليوم بالهبات وفي الساعة * ما تجتنيه في سنتك
فلست أدري من أين تنفق * لولا أن ربي يمد في هبتك
فأمر له بعشرة أخرى فأخذها وخرج (اه‍) وهذه الأبيات لا توجد في
ديوانه، ولعل القصة مكذوبة عليه من بعض أعدائه وحساده والله أعلم.
واعلم أن أعداء أبي تمام لم يكفهم القدح في شعره حتى قدحوا في نسبه كما
مر في أول الترجمة، وتعدوا ذلك إلى القدح في دينه فنسبوا إليه الاخلال
بفروض الدين حتى ارتقوا إلى نسبة الكفر والالحاد إليه وهو برئ من كل
ذلك. في مروج الذهب كان أبو تمام خليعا ماجنا وربما أداه ذلك إلى ترك
موجبات فرضه تماجنا لا اعتقادا قال وحدث محمد بن يزيد المبرد عن
الحسن بن رجاء قال صار إلي أبو تمام وأنا بفارس فأقام عندي مقاما طويلا
ونمي إلي من غير وجه أنه لا يصلي، فوكلت به من يراعيه ويتفقده أوقات
الصلاة فوجدت الأمر على ما اتصل بي عنه فعاتبته على فعله ذلك فكان من
جوابه ان قال لم أنشط للشخوص إليك من مدينة السلام وأتجشم هذه
الطرقات الشاقة وأكسل عن ركعات لا مؤونة علي فيها لو كنت أعلم أن لمن
صلاها ثوابا وعلى من تركها عقابا قال فهممت والله بقتله ثم تخوفت ان
يصرف الأمر إلى غير جهته وهو القائل:
وأحق الأنام أن يقضي الدين * امرؤ كان للإله غريما
وهذا قول مباين لدليل العقل (اه‍). أقول أشار بقوله إنه مباين
لدليل العقل إلى أن تصريحه بالالحاد بقوله لو كنت أعلم أن لمن صلاها ثوابا
أو على من تركها عقابا لا يمكن أن يقع منه أمام الحسن بن رجاء لو فرض
محالا أنه يعتقد ذلك كيف وأن تدينه وصحة اعتقاده أمر مشهور لا يشك فيه
أحد وتعليله ترك قتله بأنه خاف أن يصرف الأمر إلى غير جهته تعليل
عليل، والبيت الذي أنشده دال على حسن اعتقاده، وكيف يمكن ان
يستحل ترك الصلاة من يعتقد وجوب الحج، ففي ديوانه أنه قال يصف
حجة حجها بقوله من أبيات:
وقد أممت بيت الله نضوا * على عيرانة حرف سعوم
اتيت القادسية وهي ترنو * إلي بعين شيطان رجيم
فما بلغت بنا عسفان حتى * رنت بلحاظ لقمان الحكيم
وبدلها السري بالجهل حلما * وقد أديمها قد الأديم
طواها طيها الموماة وخدا * إلى أجبال مكة والحطيم

394
رمت خطواتها بمنى خطايا * مواشكة إلى رب كريم
بكورك أشعر الثقلين طرا * وأوفى الناس في حسب صميم
ولولا الله يوم منى لأبدت * هواها كل ذات حشى هضيم
رمين أخا اغتراب واكتئاب * بعيني جؤذر وبجيد ريم
فمن يقول مثل هذا الشعر كيف يتصور في حقه الالحاد وله عدة
قصائد في الوعظ والزهد لا يمكن ان يقولها إلا ذو دين متين وعقيدة صحيحة
وتقوى قوية منها قوله:
أتأمل في الدنيا تجد وتعمر * وأنت غدا فيها تموت وتقبر
تلقح آمالا وترجو نتاجها * وعمرك مما قد ترجيه أقصر
تحوم على ادراك ما قد كفيته * وتقبل بالآمال فيه وتدبر
وهذا صباح اليوم ينعاك ضوؤه * وليلته تنعاك ان كنت تشعر
ورزقك لا يعدوك أما معجل * على حاله يوما وأما مؤخر
وقد قدر الأرزاق من ليس عادلا * عن العدل بين الخلق فيما يقدر
فلا تأمن الدنيا وان هي أقبلت * عليك فما زالت تخون وتغدر
فما تم فيها الصفو يوما لأهله * ولا الرنق إلا ريثما يتغير
وما لاح نجم لا ولا ذر شارق * على الخلق إلا حبل عمرك يقصر
تطهر والحق ذنبك اليوم توبة * لعلك منه ان تطهرت تطهر
وشمر فقد أبدى لك الموت وجهه * وليس ينال الفوز إلا المشمر
فهذي الليالي مؤذناتك بالبلى * تروح وأيام كذلك تبكر
واخلص لدين الله صدرا ونية * فان الذي تخفيه يوما سيظهر
وقد يستر الإنسان باللفظ فعله * فيظهر عنه الطرف ما كان يستر
تذكر وفكر في الذي أنت صائر * اليه غدا ان كنت ممن يفكر
فلا بد يوما ان تصير لحفره * باثنائها تطوى إلى يوم تنشر
ومنها قوله:
ألم يأن تركي لا علي ولا ليا * وعزمي على ما فيه اصلاح حاليا
وقد ديل مني الشيب وابيض مفرقي * وغالت سوادي شهبة في قذاليا
وحالت بي الحالات عما عهدتها * بكر الليالي والليالي كما هيا
أصوت بالدنيا وليست تجيبني * أحاول ان أبقى وكيف بقائيا
وما تبرح الأيام تحذف مدتي * بعد حساب لا كعد حسابيا
لتمحو آثاري وتخلق جدتي * وتخلي من ربعي بكره مكانيا
وقد غدرت قبلي بطسم وجرهم * وآل ثمود بعد عاد بن عاديا
وأبقى صريعا بين أهلي جنازة * ويحوي ذوو الميراث خالص ماليا
أقول لنفسي حين مالت بصغوها * إلى خطرات قد فتحن أماميا
هبيني من الدنيا ظفرت بكل ما * تمنيت أو أعطيت فوق الأمانيا
أليس الليالي غاصباتي مهجتي * كما غصبت قبلي القرون الخواليا
ومسكنتي لحدا لدى حفرة بها * يطول إلى أخرى الليالي ثوائيا
كما أسكنت حاما وساما ويافثا * ونوحا ومن امسى بمكة ثاويا
فيا ليتني من بعد موتي ومبعثي * أكون رفاتا لا علي ولا ليا
أخاف إلهي ثم أرجو نواله * ولكن خوفي قاهر لرجائيا
ولولا رجائي واتكالي على الذي * توحد لي بالصنع كهلا وناشيا
لما ساع لي عذب من الماء بارد * ولا طاب لي عيش ولا زلت باكيا
وأدخر التقوى بمجهود طاقتي * واركب في رشدي خلاف هوائيا
على أثر ما قد كان مني صبابة * ليالي فيها كنت لله عاصيا
واني جدير أن أخاف وأتقي * وان كنت لم أشرك بذي العرش ثانيا
فمن يقول مثل هذا الشعر هل يمكن ان ينسب إلى عدم التدين وهو
يقول في بعض قصائده يخاطب مالك بن طوق:
عليك أبا كلثوم الصبر انني * أرى الصبر أخراه تقى وأوائله
يعادل وزنا كل شئ ولا أرى * سوى صحة التوحيد شيئا يعادله
ولا يشتمل شعره إلا على ما يدل على التمسك بالدين ولا شك ان
نسبة ذلك اليه نشأت من العداوة والحسد وحق ان يحسد مثل أبي تمام الذي
حاز هذه الشهرة العظيمة والمكانة عند أهل عصره من جميع الطبقات حتى
أخمل خمسمائة شاعر كلهم مجيد مع انحطاطه في أول امره فتوسلوا إلى القدح
فيه بكل وسيلة حتى في دينه وأعظم من هذا الحسد يقع بين الناس بأقل من
هذا. وفي أخبار أبي تمام للصولي بسنده عن الحسن بن رجاء أنه رأى أبا
تمام يوما يصلي صلاة خفيفة فقال له أتم يا أبا تمام فلما انصرف من صلاته
قال له قصر المال وطول الأمل ونقصان الجدة وزيادة الهمة (الهم ظ) يمنع
من اتمام الصلاة لا سيما ونحن سفر فكان الحسن يقول وددت أنه يعاني
فروضه كما يعاني شعره واني مغرم ما يثقل غرمه (اي أين يوجد مدين لا
يبهظه دينه) وهذا إن صح ليس فيه عيب على أبي تمام ولعله كان يقصر
الصلاة في السفر فجعل الحسن بن رجاء ذلك تخفيفا للصلاة مع أنه يكذب
ما مر عن الحسن بن رجاء من نسبة ترك الصلاة إلى أبي تمام وجوابه بما يدل
على الالحاد وقال الصولي قد ادعى قوم عليه الكفر بل حققوه وجعلوا ذلك
سببا للطعن على شعره وتقبيح حسنه واحتجوا برواية أحمد بن أبي طاهر:
دخلت على أبي تمام وهو يعمل شعرا وبين يديه شعر أبي نواس ومسلم فقلت
ما هذا قال اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله منذ ثلاثين سنة (اه‍)
وهذا ان صح لا يدل إلا على توبيخه نفسه على الانهماك بالشعر وان
شعرهما قد شغله عن عبادة الله عز وجل فصارا بمنزلة من يعبدهما وصارا
بمنزلة اللات والعزى مبالغة قال الصولي وما ظننت ان كفرا ينقص من شعر
ولا ان ايمانا يزيد فيه وكيف يصح الكفر عند هؤلاء على رجل شعره كله
يشهد بضد ما اتهموه به حتى يلعنوه في المجالس وهذا خلاف ما أمر الله عز
وجل ورسوله عليه السلام به ومخالف لما عليه جملة المسلمين لأن الناس على
ظاهرهم حتى يأتوا بما يوجب الكفر عليهم بفعل أو قول فيرى ذلك أو
يسمع منهم أو يقوم به بينة عليهم (اه‍) وقال ابن منظور في أخبار أبي
نواس سئل حبيب بن أوس عن شعر أبي نواس كيف هو عنده فقال أبو
نواس ومسلم بن الوليد اللات والعزى وأنا أعبدهما. وفي الأغاني عن
أحمد بن سعيد الجريري أن أبا تمام حلف ان لا يصلي حتى يحفظ شعر
مسلم بن الوليد وأبي نواس فمكث شهرين كذلك حتى حفظ شعرهما قال
ودخلت اليه فرأيت شعرهما بين يديه فقلت له ما هذا فقال اللات والعزى
وأنا أعبدهما من دون الله (اه‍). وهذا مكذوب عليه فقد عرفت قيام
الدلائل الكثيرة على تدينه وحسن اعتقاده ولا يترك الصلاة لأجل حفظ شعر
المجان إلا كافر ملحد والمعقول أن يكون حلف ان يحفظ شعرهما فمكث
شهرين حتى حفظه ويمكن ان يكون أحمد بن سعيد دخل عليه فوجد شعرهما
بين يديه فسأله فقال اللات والعزى وأنا أعبدهما إشارة إلى عكوفه عليهما
يحفظهما فشبهه بالعبادة فظن أحمد أنه ترك الصلاة لأجل ذلك وقوله من دون
الله. إن صح فهو مبالغة ونسبه أبو العنبس الشاعر الخبيث اللسان نديم

395
المتوكل إلى العدول عن النكاح إلى السفاح كذبا وافتراء وحسدا ففي أخبار
أبي تمام للصولي: حدثني أبو صالح الكاتب سمعت أبا العنبس يقول راسل
أبو تمام أم البحتري في التزويج بها فأجابته وقالت له اجمع الناس للاملاك
فقال الله اجل من أن يذكر بيننا ولكن نتماسح ونتسافح فكان معها بلا
نكاح قال الصولي وهذا انما كذبه أبو العنبس واحتذى به حديثا حدثه به
الكديمي عن الأصمعي قال جاء اسود وسوداء إلى أبي مهدية فقالا له قد
أردنا التزويج فاخطب لنا فقال إن الله أجل من أن يذكر بينكما فاذهبا
فاصطكا لعنكما الله.
هو من علماء العربية
شهد له لذلك الزمخشري وتضلعه في علم العربية غير منكور قال في
الكشاف في تفسير أوائل البقرة حين استشهد بشعره: وهو وان كان محدثا لا
يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية فاجعل ما يقوله بمنزلة ما
يرويه ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة فيقتنعون بذلك
لوثوقهم بروايته واتقانه (اه‍) وعن كتاب خزانة الأدب ان الشيخ الرضي
استشهد بشعره في عدة مواضع من شرح الكافية (اه‍).
علمه بالشعر
ستعرف عند الكلام على مؤلفاته انه ظهر علمه بالشعر ونقده له
بحسن اختياره في جمعه كتاب الحماسة الذي طبق ذكره الآفاق وشرح من
الشروح بما لم يشرح به غيره حتى قيل إن أبا تمام في اختياره أشعر منه في
شعره. وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثنا محمد بن يزيد الأزدي سمعت
الحسن بن رجاء يقول: ما رأيت أحدا قط أعلم بجيد الشعر قديمه وحديثه
من أبي تمام وفي الكتاب المذكور حدثنا الحسين بن إسحاق: سمعت ابن
الدقاق يقول حضرنا مع أبي تمام وهو ينتخب أشعار المحدثين فمر به شعر
محمد بن أبي عيينة المطبوع الذي يهجو خالدا فنظر فيه ورمى به وقال هذا
كله مختار وهذا أدل دليل على علم أبي تمام بالشعر لأن ابن أبي عيينة أبعد
الناس شبها بأبي تمام وذلك أنه يتكلم بطبعه ولا يكد فكره ويخرج ألفاظه
مخرج نفسه وأبو تمام يتعب نفسه ويكد طبعه ويطيل فكره ويعمل المعاني
ويستنبطها ولكنه قال هذا في ابن أبي عيينة لعلمه بجيد الشعر أي نحو كان
(اه‍) يعني ان أبا تمام وهو ينتخب أشعار المحدثين مر به شعر ابن أبي
عيينة فلما نظر فيه علم لأول نظرة انه كله شعر جيد مختار لا يحتاج إلى
انتخاب وهذا يدل على علم أبي تمام بالشعر لأن ابن عيينة ينظم الشعر
بطبعه بدون أعمال فكره واجهاده وأبو تمام بضد ذلك ولو كان ابن أبي عيينة
شبيها بأبي تمام وشعره شبيه بشعره لهان أن يعرف أبو تمام لأول نظرة ان شعر
ابن أبي عيينة من مختار الشعر ولكنه مع مباينة طريقته لطريقة أبي تمام عرف
ذلك بسرعة فذلك أدل دليل على علم أبي تمام بالشعر.
شغفه بالشعر وعنايته به وسعة اطلاعه
قال الآمدي في الموازنة كان أبو تمام مشتهرا بالشعر مشغوفا به مشغولا
مدة عمره بتخميره ودراسته وله كتب اختيارات فيه مشهورة وذكر الكتب
الستة الآتية ثم قال وهذه الاختيارات تدل على عنايته بالشعر وانه اشتغل به
وجعله وكده واقتصر من كل الآداب والعلوم عليه فإنه ما شئ كبير من
شعر جاهلي ولا اسلامي ولا محدث الا قرأه واطلع عليه (اه‍) وحسبك
بشغفه بالشعر انه كان يحفظ أربعة آلاف أو أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب
كما مر عند ذكر حفظه وحسبك انه ألف في الشعر هذه الكتب الستة الآتية
عند ذكر مؤلفاته. ومما يدل على شغفه بالشعر واهتمامه به ما في تاريخ
دمشق انه لما قدم أبو تمام من العراق قيل له ما أقدمت في سفرتك هذه قال
أربعمائة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من المال ثم أنشدها
وهي لأبي نواس:
اني وما جمعت من صفد * وحويت من سبد ومن لبد
همم تصرفت الخطوب بها * فنزعن من بلد إلى بلد
يا ويح من حسمت قناعته * سبب المطامع من غد فغد
لو لم يكن لله متهما * لم يمس محتاجا إلى أحد
شاعريته
أبو تمام شاعر فحل في الطليعة من فحول الشعراء وهو عند التحقيق
امام الشعراء في عصره وبعده وأميرهم وقائدهم ومعلمهم وأستاذهم
وصاحب صناعة الشعر وحامل لوائها والحاذق فيها والمحيط بأطرافها وعيوبها
ومحاسنها والآخذ لها عن أهلها ممن تقدمه من العرب العاربة وغيرهم وكل
من جاء بعده فمنه أخذ وعلى منواله نسج وله احتذى وبه اقتدى ومنه تعلم
فهو في نفسه حاذق فهم وساعده على الاستفادة من حذقه وفهمه ما كان
يحفظه من أشعار العرب حتى حفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من شعر
العرب الذين هم حذاق صناعة الشعر فضلا عن المقاطيع فهو إذا ينظم شعرا
حصينا رصينا قويا متينا جامعا لمزايا الفصاحة والبلاغة والبراعة فهو في نظم
شعره يشبه بناء ماهرا بارعا وفي صياغته يشبه صائغا حاذقا فائقا يظهر ذلك على
ديباجة شعره ويفهمه كل من ألم بطرائق الشعر ولا سيما شعر العرب الأول
وقد نظم أبو تمام في جميع مناحي الشعر فجاء سابقا وتصرف في المعاني أبدع
تصرف وأتى من المعاني المبتكرة التي لم يسبق إليها بشئ كثير ابدع فيه غاية
الابداع وأبان عن قدرة وقوة في صناعة الشعر لا تلحق وجاء بما يسحر
الألباب وفيما سنورده مما اخترناه من شعره أوضح دليل وأقوى برهان على
ذلك فهو كما وصف نفسه حيث يقول من أبيات:
من شاعر وقف الكلام ببابه * واكتن في كنفي ذراه المنطق
قد ثقفت منه الشام وسهلت * منه الحجاز ورققته المشرق
وأبو تمام شاعر كأكثر الشعراء أمثال البحتري والمتنبي وابن الرومي
وغيرهم الذين يمدحون للعطاء ويهجون على المنع ويقذعون في هجائهم
ويفحشون ولا يتورعون عن شتم الأعراض وقذف المحصنات ويجعلون ذلك
وسيلة لتحصيل الجوائز يهددون بها من يخافون منعه كما يهدد الوالي الرعية
بالحبس والضرب والقتل والنفي والغرامة بل ربما كان خوف هجائهم أشد
من خوف عقاب الولاة لأنه يشتهر بين الناس ويبقى على ممر الأعوام ويلحق
بهم العار والشنار ولم يتجنب هذه الطريقة إلا القليل من الشعراء كأبي
فراس الحمداني والشريف الرضي وأمثالهما. وشعره إذا تأمله المتأمل لم يجد
فيه غالبا كلمة حشو ولا كلمة في غير موضعها ولا تركيبا ركيكا أو مختلا بل
جله رصين متين متسق الألفاظ سهل ممتنع بديع المعاني مرتبط القوافي
بالأبيات قد نسج البيت مع القافية نسجا واحدا وأحكم وضع القوافي مع
الأبيات إحكاما لا مزيد عليه فلا تمام للبيت بدون القافية ولا يصلح ذلك

396
البيت بدون تلك القافية جمع بين القوة والرقة والطلاوة والانسجام حتى
أصبح لا يباري في متانته ورصانته ورقته ولكنه مع ذلك قد يستعمل تراكيب
ينبو عنها السمع ويمجها الطبع ويستعمل بعض الألفاظ الوحشية الغريبة
وبعض الاستعارات البعيدة التي قد توجب صعوبة فهم المعنى الا ان هذا لا
يعد عيبا في شاعريته (أولا) لوقوعه نادرا والغالب على شعره خلاف ذلك
وهذا لا يكاد يسلم منه شاعر مهما بلغت منزلته علوا في الشعر (ثانيا) ان
أبا تمام شعره أقرب إلى شعر العرب الأولى منه إلى شعر المتأخرين فهو كثيرا
ما ينحو في شعره مناحي العرب الأولى في أسلوبه واستعماله بعض الألفاظ
الوحشية والألفاظ الغريبة وعدم اعتنائه غالبا بتنميق الألفاظ وزخرفتها
واستعمال الرقيق منها كما تراه في شعر البحتري والشريف الرضي بل
والمتنبي ولعله لبعض ذلك لا ترى في غزله ونسيبه ما في غزل البحتري
والمتنبي والرضي من تزويق الألفاظ وزخرفتها وترى شعره في الغزل لا يشبه
أشعار الثلاثة غالبا وقد يجاريها نادرا، وعذره في استعمال الألفاظ الغريبة
انه كان لا يراها غريبة لسعة اطلاعه وأنسه بألفاظ العرب كلها كما أنه لأنسه
بتراكيب العرب الأولى كان يستعمل من التراكيب ما لا يستحسنها المتأخرون
بل يعدونها من عيوب الشعر، فلذلك عابوه بها كما ستعرف. ولكن العرب
لم تكن تعدها معيبة. وأما استعماله الاستعارات البعيدة فهو قد أكثر في
شعره من الاستعارة لأنها من المحسنات البديعية، وبسبب إكثاره منها وقع
فيها بعض الاستعارات البعيدة وأكثرها استعارات مستحسنة بديعة، كما أنه
أكثر من أنواع البديع في شعره لا سيما التجنيس والمقابلة والطباق وغير
ذلك، كما ستعرف، فربما جاء فيها تجنيسات غير مستحسنة، وجلها
مستحسن مستملح. وذكر جامع ديوان أبي نواس في مقدمته عن ابن دريد
قال: سألت أبا حاتم السجستاني عن شعر أبي تمام فقال: سيل كثير الغثاء
غزير الماء جم النطاف فإذا صفى فهو السلاف بالماء الزلال. وسنذكر نماذج
من تراكيبه التي سلك فيها مسلك العرب الأوائل وبعض ألفاظه الغريبة
عند الكلام على من عاب شعره.
تصرفه في المعاني
ومن محاسنه التي دلت على رسوخ قدمه في صنعة الشعر تصرفه في
المعاني، ونعني به أن يعمد الشاعر إلى معنى مبذول فيتصرف فيه تصرفا
يكسوه رونقا وجمالا ويكسبه روعة وقبولا، وهذا كثير في شعر أبي تمام كقوله
في مطلع قصيدة:
يا موضع الشدنية الوجناء * ومصارع الإدلاج والإسراء
فان وصف المرء بكثرة الأسفار وملاقاة الشدائد معروف مألوف لكن
التصرف فيه بوصفه بمصارعة الادلاج والاسراء كساه رونقا واكسبه روعة
وجعله عزيزا نادرا، وقوله:
عطايا هي الأنواء إلا علامة * دعت تلك أنواء وهذي مواهبا
فان تشبيه الكريم بالسحاب الماطر أو الكرم بالمطر كثير شائع
مبذول، لكن التصرف فيه بادعاء أن العطايا والأنواء شئ واحد حقيقة إلا أن
هذه لها علامة أوجبت ان تدعى انواء وهذه لها علامة أوجبت ان تدعي
مواهبا كشيئين من صنف واحد لأحدهما علامة صفراء وللآخر علامة بيضاء
أكسبه حسنا وجمالا وجدة. ويأتي في أخباره قول محمد بن عبد الملك الزيات
له حين مدحه بالقصيدة التي منها:
ديمة سمحة القياد سكوب * مستغيث الثرى المكروب
لو سعت بقعة لإعظام نعمى (1) * لسعى نحوها المكان الجديب
(إنك لتحلي شعرك من جواهر لفظك وبديع معانيك ما يزيد حسنا
على بهي الجواهر في أجياد الكواعب). فتراه كيف تصرف في هذا المعنى
المبذول فوصف الديمة بأنها سمحة القياد ونسب الكرب إلى الثرى المجدب
ونسب إليه الاستغاثة بالديمة التي تكشف كربه فتجعله أخضر ناضرا ثم
جعل هذه الديمة نعمى على المكان الجديب وقال: لو كانت بقعة تسعى
لاعظام نعمى لسعى المكان الجديب نحو هذه الديمة. وقد أكثر الناس في
ذم الشيب والتبرم به وتصرفوا في وصفه لكن لم يقل فيه أحد ما قاله أبو تمام
من تشبيهه بدخان نار الليالي بقوله:
وكيف على نار الليالي معرسي * إذا كان شيب العارضين دخانها
وقال:
ثم فما زارك الخيال ولكنك * بالفكر زرت طيف الخيال
وقال:
إني لأستحيي يقيني أن يرى * لشكي في شئ عليه دليل
فان وصف اليقين بأنه ثابت لا يدخله الشك كثير مبتذل ولكن جعل
نفسه يستحيي ان يرى لشكه دليلا على يقينه جعل المعنى بديعا نادرا.
وقال:
بخلت على عرضي بما فيه صونه * رجاء اجتناء الجود من شجر البخل
فان لوم النفس على طلب الجود من البخيل معنى مبذول ولكن جعل
شجر للبخل يريد اجتناء الجود منه جعله معنى طريفا وقال:
جرد لي من هواه ودا * صار رقيبا على الرقيب
وقال:
فمن مات من حب فاني ميت * لئن دام ذا من شدة البغض للحب
وقال:
تاهت على صورة الأشياء صورته * حتى إذا كملت تاهت على التيه
وقال:
الفخر مفتخر به وبه نما * وإليه حين سما إلى العلياء
وقال: لو قيل للحسن تمنى المنى * إذا تمنى انه مثله
اختراعه للمعاني وزيادته فيما يأخذه
قال الصولي في رسالته إلى مزاحم بن فاتك: وليس أحد من
الشعراء أعزك الله يعمل المعاني ويخترعها ويتكئ على نفسه فيها أكثر
من أبي تمام ومتى اخذ معنى زاد عليه ووشحه ببديعه وتمم معناه فكان أحق
به، وكذلك الحكم في الأخذ عند العلماء بالشعر كقول أوس بن حجر:
أقول بما صبت علي غمامتي * وجهدي في حبل العشيرة أحطب



(1) يوجد في تاريخ ابن خلكان (أخرى) بدل (نعمى) وهو تحريف. - المؤلف -
397
فقال أبو تمام:
فلو كان يفنى الشعر أفنته ما قرت * حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه صوب العقول إذا انثنت * سحائب منها أعقبت بسحائب
وكقول النابغة الجعدي في صفة الحرب في قصيدة:
ألم تعلموا ما ترزأ الحرب أهلها * وعند ذوي الأحلام منها التجارب
لها السادة الأشراف تأتي عليهم * فتهلكهم والسابحات النجائب
وتستسلم الدهم التي كان ربها * ضنينا بها والحرب فيها الحرائب
وقال أبو تمام: (والحرب مشتقة المعنى من الحرب) وقال إبراهيم بن
المهدي:
هم هيجوا الحرب واسم الحرب قد علموا * لو ينفع العلم مشتق من الحرب
اختلاف الناس في أبي تمام
يظهر مما ذكر المؤرخون وعلماء الأدب انه قد كان في عصر أبي تمام
وبعده جماعة يعيبونه ويطعنون في كثير من شعره، ولا عجب فمن هو من
العظماء خلا من قادح يبعثه الحسد أو العداوة أو الجهل على القدح أو حب
الاستشهار حتى يتبجح عند الجهلة بأنه يعيب الشعراء والعظماء. قال أبو
بكر محمد بن يحيى الصولي في رسالته التي أرسلها إلى أبي الليث مزاحم بن
فاتك في تأليف أخبار أبي تمام الطائي وشعره: فإنك جاريتني آخر عهد
التقائنا فيما أفضنا فيه من العلوم أمر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي وعجبت
من افتراق الناس فيه حتى ترى أكثرهم والمقدم في علم الشعر وتمييز الكلام
منهم والكامل من أهل النظم والنثر فيهم يوفيه حقه في المدح ويعطيه
موضعه من الرتبة ثم يكبر باحسانه في عينه ويقوي بابداعه في نفسه حتى
يلحقه بعضهم بمن يتقدمه ويفرط بعض فيجعله نسيج وحده وسابقا لا
مساوي له. وترى بعد ذلك قوما يعيبونه ويطعنون في كثير من شعره
ويسندون ذلك إلى بعض العلماء ويقولونه بالتقليد والادعاء إذ لم يصح فيه
دليل ولا أجابتهم إليه حجة ورأيت مع ذلك الصنفين جميعا وما يتضمن
أحد منهم القيام بشعره والتبين لمراده بل لا يجسر على إنشاد قصيدة واحدة له
إذ كانت تهجم لا بد به على خبر لم يروه ومثل لم يسمعه ومعنى لم يعرف مثله
فعرفتك أن السبب كما ذكرت وتضمنت لك شرح ما وصفت حتى لا
يعارضك شك ولا يخامرك ريب منه فرأيت من سرورك بذلك ما حداني على
استقصائه لك والتعجيل به عليك وإهدائه في رسالة إليك تتبعها أخباره
كاملة في جميع فنونه في تفضيله وذكر من عرفه فقدمه وقرظه والاحتجاج على
من جهله فأخره وعابه ومع من كان يمدحه ويراسله وينتجعه طارئا إليه
واذكر جميع ما قيل فيه وإن كان قصدي تبيين فضله والرد على من جهل الحق
فيه فأضعف لذلك سرورك وزاد له نشاطك (اه‍). وحكى صاحب
كشف الظنون عن الخطيب التبريزي أنه قال في شرحه لديوان أبي تمام: إني
نظرت في شعر أبي تمام وفيما ذكر فيه من التفسير فرأيت بعضهم ينحي عليه
ويهجن معانيه ويزيف استعاراته وبعضهم يتعصب له ويقول: من جهل
شيئا عابه (اه‍). ثم حكى الخطيب عن أبي علي أحمد بن محمد المرزوقي
ان له كتابا اسمه الانتصار من ظلمة أبي تمام وهو يدل على وجود جماعة عابوا
أبا تمام ظالمين له فاحتاج إلى أن يعمل كتابا ينتصر له فيه من ظلمهم. وقال
المسعودي في مروج الذهب: الناس في أبي تمام في طرفي نقيض متعصب له
يعظمه أكثر من حقه ويتجاوز به في الوصف ويرى ان شعره فوق كل شعر
ومنحرف عنه معاند له فهو ينفي عنه حسنه ويعيب مختاره ويستقبح المعاني
الظريفة التي سبق إليها وتفرد بها، ولأبي تمام أشعار حسان ومعان لطاف
واستخراجات بديعة، وحكي عن بعض العلماء بالشعر انه سئل عن أبي
تمام فقال كأنه جمع شعر العالم فانتخب جوهره (اه‍). ومر قول الأغاني
إنه شاعر مطبوع دقيق المعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناولة
على غيره. ويأتي قول الصولي: أبو تمام رأس في الشعر مبتدئ لمذهب
سلكه كل محسن بعده فلم يبلغه فيه حتى قيل مذهب الطائي، وكل حاذق
بعده ينسب إليه ويقتفي اثره. وفي الأغاني أيضا السليم من شعر أبي تمام
النادر شئ لا يتعلق به أحد له وأشياء متوسطة ورديئة رذلة جدا، وفي
عصرنا من يتعصب له فيفرط حتى يفضله على كل سالف وخالف وأقوام
يتعمدون الردئ من شعره فينشرونه ويطوون محاسنه ويستعملون القحة
والمكابرة في ذلك ليقول الجاهل بهم إنهم لم يبلغوا علم هذا وتمييزه إلا بأدب
فاضل وعلم ثاقب، وهذا مما يتكسب به كثيرا من أهل هذا الدهر ويجعلونه
وما جرى مجراه من ثلب الناس وطلب معايبهم سببا للترفع وطلبا للرياسة.
الاستشهاد بشعره
مر عند الكلام على أقوال العلماء فيه. عن كتاب خزانة الأدب أن
الشيخ الرضي استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع من شرح الكافية.
وأن الزمخشري استشهد أيضا في تفسير أوائل البقرة من الكشاف ببيت من
شعره.
الشاهدون بتقدم أبي تمام
وقد اعترف لأبي تمام بالتقدم في صناعة الشعر أعاظم العلماء والأدباء
والشعراء فقال له إبراهيم بن العباس الصولي أمراء الكلام رعية
لاحسانك. وقال الآمدي في الموازنة: أبو تمام صيقل المعاني وقال ابن
رشيق في العمدة: إن أبا تمام والبحتري أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر
كلهم مجيد. وقال الصولي في أخبار أبي تمام: ولا أعرف أحدا بعد أبي تمام
أشعر من البحتري ولا أغض كلاما ولا أحسن ديباجة ولا أتم طبعا وهو
مستوي الشعر حلو الألفاظ مقبول الكلام يقع على تقديمه الاجماع وهو مع
ذلك يلوذ بأبي تمام في معانيه، فأي دليل على فضل أبي تمام ورياسته يكون
أقوى من هذا. وقال أيضا: ومن تبحر شعر أبي تمام وجد كل محسن بعده
لائذا به كما أن كل محسن بعد بشار لائذ ببشار ومنتسب إليه في أكثر إحسانه
(اه‍). ومر في ترجمة المتنبي أنه قال: أو يجوز للأديب ان لا يعرف شعر
أبي تمام وهو أستاذ كل من قال الشعر وأنه كان يروي جميع شعره، وأنه
أنكر ما نسب إليه من أنه كان يضع منه. وسيأتي أن محمد بن عبد الملك
وإبراهيم بن العباس الصولي اتفقا على أن أبا تمام أشعر أهل زمانه،
وأن عمارة بن عقيل اعترف بأنه أشعر الناس، قال الصولي والعلماء
يقولون جاء عمارة بن عقيل على ساقة الشعراء، وأن علي بن الجهم -
ومكانته في الشعر والأدب مكانة عالية - كان يفضله، قال الصولي سمعت
أبا إسحاق الحري يقول كان علي بن الجهم من كملة الرجال وكان يقال:
علمه بالشعر أكبر من شعره. وقال البحتري: كان علي بن الجهم عالما
بالشعر (اه‍) وأن محمد بن حازم كان يقدمه ويفضله، وأن محمد بن جابر
الأزدي كان يتعصب له ومر قول دعبل عن شعر أبي تمام أنه أحسن من
عافية بعد يأس، وقول يزيد المهلبي: ما كان أحد من الشعراء يقدر على
أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمام، وإعجاب أبي دلف العجلي بشعره
ومبالغته في الثناء عليه، وكذلك الحسن بن رجاء الذي قام عند سماع

398
شعره على رجليه ولم يرض أن يسمع باقي القصيدة إلا وهو قائم، ويأتي في
أخبار أبي تمام أن علي بن الجهم، ودعبلا وأبا الشيص وابن أبي فنن وهم
من مشاهير شعراء ذلك العصر لما سمعوا شعره ولم يكونوا سمعوه قبل
اعترفوا بفضله وهو لا يزال شابا في أول امره حتى صار معهم في موضعهم
ولم يزالوا يتهادونه بينهم وجعلوه كأحدهم واشتد إعجابهم به لجودة شعره،
وعقد أبو الشيص خنصره لما سمع شعره إشارة إلى أنه مما تعقد عليه
الخناصر، وان أبا العباس محمد بن يزيد المبرد النحوي و - مرتبته في العلم
والأدب ومعرفة الشعر معلومة - كان يستحسن شعره ويستعيده مرارا حتى
يحفظه. ويأتي أيضا في اخباره مع ابن المدبر الذي كان يعاديه قول ابن
المدبر في أرجوزة أبي تمام قبل ان يعرف أنها له: ما سمعت بأحسن منها.
وأن ابن المعتز - ومحله في الشعر والأدب محله - كان يقدم أبا تمام ويفضله
وأنه رد على ابن المدبر الذي كان يتعصب عليه فألقمه حجرا. وقول ابن
المعتز: إن أشعار أبي تمام ترتاح لها القلوب وتحرك بها النفوس وتصغى إليها
الأسماع وتشحذ بها الأذهان ويعلم كل من له قريحة وفضل ومعرفة أن
قائلها قد بلغ في الإجادة أبعد غاية وأقصى نهاية. وأن شعراء خراسان لما
أنشد عبد الله بن طاهر مدحه فيه صاحوا: ما يستحق مثل هذا الشعر غير
الأمير وأن الرياحي منهم جعل جائزته لأبي تمام، وأن أبا تمام لعلمه بما له
من المكانة استقل ألف دينار نثرها عليه عبد الله بن طاهر فلم يمس منها
شيئا حتى التقطها الغلمان، وأوجب ذلك سخط عبد الله بن طاهر عليه،
وأن أبا دلف العجلي لما أنشده بعض مدايحه فيه قال يا معشر ربيعة ما
مدحتم بمثل هذا الشعر قط وأجازه بخمسين ألف درهم واعتذر منه وقال:
إنها دون استحقاقه وقدره وهي تبلغ خمسة آلاف دينار، فيحق له أن يستقل
جائزة ألف دينار من عبد الله بن طاهر أمير خراسان الذي لا يصل إلى
درجته أبو دلف. ويتمنى أبو دلف أن تكون أبيات أبي تمام في رثاء محمد بن
حميد في رثائه هو ويقول: إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر أو مثله. وهذه
غاية ما فوقها غاية في مدح أبي دلف شعر أبي تمام واستحسانه. ومن شدة
الاستحسان لهذه الأبيات قال يحيى بن زيد العلوي كأنها ما قيلت الا في
الحسين بن علي عليهما السلام. وأن محمد بن الهيثم بن شباية لما مدحه أبو
تمام قال ومن لا يعطي على هذا ملكه وأعطاه كل ثوب في داره بعدما أجازه
بألف دينار وخلع عليه وأن أبا العميثل عبد الله بن خليد كاتب عبد الله بن
طاهر وكاتب أبيه طاهر من قبله وشاعر آل طاهر المنقطع إليهم العارف
باللغة والشعر والشاعر المجيد وصفه عند عبد الله بن طاهر - كما يأتي في
أخباره مع آل طاهر - بالنباهة في قدره والاحسان في شعره والشيوع في
ذكره. وأن محمد بن حازم الباهلي الشاعر المطبوع كان يقدمه في الشعر
والعلم والفصاحة ويقول: ما سمعت لمتقدم ولا محدث بمثل رثائه وغزله.
وأنه كان يجلس فلا يبقى شاعر إلا قصده وعرض عليه شعره. وأن
الحسن بن وهب كان يحفظ أكثر شعره، ولم يكن في نفسه أحد أجل منه.
وأن محمد بن خالد الشيباني قال: ما رأيت أحسن بيانا منه ولا أفصح
لسانا. وأن أبا توبة الشيباني لما سمع شعره قال: ما سمعت مثل قوله
وطربت فرحا أن يكون من ربيعة، وأنه تأسف لما علم أنه طائي أن لا
يكون ربعيا أو نزاريا، وأنه استقل في جائزته من خالد بن يزيد عشرة آلاف
درهم وحلف أنه ما كافأه. وأن الكاتب النعماني قال للمبرد: ضع في
نفسك من شئت من الشعراء ثم انظر أيحسن أن يقول ما قاله أبو تمام في
الاعتذار. وأن المبرد قال: ما سمعت أحسن من هذا قط، وما مات إلا
وهو مقر بفضل أبي تمام وإحسانه. وان إسحاق بن إبراهيم المصعبي ما كان
أحد أشغف بشعر أبي تمام منه، وكان يعطيه عطاء كثيرا. وان إسحاق بن
إبراهيم الموصلي قال لأبي تمام: أنت شاعر مجيد محسن كثير الاتكاء على
نفسك. وان الواثق قال لوزيره ابن الزيات لما مات أبو تمام: قد غمني
موت الطائي الشاعر!. ولما ذا غمه موته ألا لأنه لا يجد مثله في جودة
شعره. وكان الواثق بصيرا بالأدب كما يدل عليه خبره مع المازني. وكفاه أن
يكون البحتري تلميذه وخريجه ومعترفا بتقدم أبي تمام عليه. وكذلك
إبراهيم بن الفرج أعلم الناس بالشعر. وابن الرومي ففي أخبار أبي تمام
للصولي: حدثني أبو الحسن الكاتب قال: كان إبراهيم بن الفرج
البندنيجي الشاعر يجيئنا كثيرا وكان أعلم الناس بالشعر، ويجيئنا البحتري
وعلي بن العباس الرومي وكانوا إذا ذكروا أبا تمام عظموه ورفعوا مقداره في
الشعر حتى يقدموه على أكثر الشعراء، وكل يقر بأستاذيته وانه منه تعلم
وقال هؤلاء اعلم أهل زمانهم بالشعر وأشعر من بقي وقال أبو الفرج في
الأغاني وقد فضل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق
الطاعنون عليه غباره ولا يدركون وإن جدوا آثاره وما رأى الناس بعده إلى
حيث انتهوا له في جده نظيرا ولا شكلا، ولولا أن الرواة قد أكثروا في
الاحتجاج له وعليه وأكثر متعصبوه الشرح لجيد شعره، وأفرط معادوه في
التسطير لرديئه لذكرت منه طرفا، ولكن قد اتى من ذلك ما لا مزيد عليه.
ثم روى عن عمه قال: حدثني أبي سمعت محمد بن عبد الملك الزيات
يقول: أشعر الناس طرا الذي يقول: وما أبالي وخير القول أصدقه * حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
فأحببت إن استثبت إبراهيم بن العباس وكان في نفسي أعلم من
محمد وآدب فجلست إليه وكنت أجري عنده مجرى الولد فقلت له من أشعر
أهل زماننا هذا؟ قال الذي يقول:
مطر أبوك أبو أهلة وائل * ملأ البسيطة عدة وعديدا
نسب كان عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا
ورثوا الأبوة والحظوظ فأصبحوا * جمعوا جدودا في العلى وجدودا
فاتفقا على أن أبا تمام أشعر أهل زمانه. وفي الأغاني: أخبرني
محمد بن يحيى الصولي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا محمد بن يزيد
النحوي - هو المبرد - أقول وهذا الخبر رواه الصولي عند ذكره ما جاء في
تفضيل أبي تمام قال: حدثني محمد بن يزيد بن عبد الأكبر النحوي قال:
قدم عمارة بن عقيل (1) بغداد فاجتمع الناس إليه وكتبوا شعره وشعر أبيه
وسمعوا منه وعرضوا عليه الأشعار فقال له بعضهم هاهنا شاعر يزعم قوم
أنه أشعر الناس طرا ويزعم غيرهم ضد ذلك! فقال أنشدوني قوله
فأنشدوه:
غدت تستجير الدمع خوف نوى غد * وعاد قتادا عندها كل مرقد
وأنقذها من غمرة الموت أنه * صدود فراق لا صدود تعمد
فاجرى لها الاشفاق دمعا موردا * من الدم يجري فوق خد مورد
هي البدر يغنيها تودد وجهها * إلى كل من لاقت وإن لم تودد



(1) هو عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الشاعر الشهير كان شاعرا متقدما فصيحا وكان
النحويون يأخذون عنه اللغة بالبصيرة كما في الأغاني. - المؤلف -
399
ثم قطع المنشد فقال له عمارة زدنا من هذا فوصل نشيده وقال:
ولكنني لم وفرا مجمعا * ففزت به الا بشمل مبدد
ولم تعطني الأيام نوما مسكنا * ألذ به إلا بنوم مشرد
فقال عمارة: لله دره لقد تقدم صاحبكم في هذا المعنى جميع من
سبقه إليه على كثرة القول فيه حتى لقد حبب الاغتراب! هيه فأنشده:
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجيته فاغترب تتجدد
فاني رأيت الشمس زادت محبة * إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
فقال عمارة كمل والله لئن كان الشعر بجودة اللفظ وحسن المعاني
واطراد المراد واستواء (واتساق) الكلام فصاحبكم هذا أشعر الناس وإن
كان بغيره فلا أدري (اه‍). ويأتي ان الثعالبي في خاص الخاص قال إن
هذين البيتين أحسن ما قيل في الحث على الاغتراب. وفي الأغاني أخبرني
عمي حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال كان عمارة بن عقيل عندنا
يوما فسمع مؤدبا كان لولد أخي يرويهم قصيدة أبي تمام - في قوم مصلوبين -
(الحق أبلج والسيوف عواري) فلما بلغ إلى قوله:
سود اللباس كأنما نسجت لهم * أيدي السموم مدارعا من قار
بكروا وأسروا في متون ضوامر * قيدت لهم من مربط النجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الأسفار
فقال عمارة: لله دره ما يعتمد معنى إلا أصاب أحسنه كأنه موقوف
عليه. وفي أخبار أبي تمام للصولي رواية هذا الخبر بنحو آخر قال: حدثني
محمد بن القاسم بن خلاد (هو أبو العيناء) قال دخلت إلى محمد بن منصور
فوجدت عنده عمارة بن عقيل وهو ينشده قصيدة له في الواثق أولها:
عرف الديار رسومها قفر * لعبت بها الأرواح والقطر
فلما فرع منها قلنا له ما سمعنا أحسن من هذه الرائية أحسن الله إليك
يا أبا عقيل، فقال والله لقد عصفت رائية طائيكم هذا بكل شعر في لحنها،
قلنا له وما هي؟ قال كلمته التي هجا بها الأفشين (واسمه خيذر بن كاوس
من قواد المعتصم وجهه لحرب بابك الخرمي فقبض عليه وحمله إلى المعتصم
فقتله وصلبه ثم علم المعتصم زندقة الأفشين فقتله وصلبه على خشبة بابك)
فقال محمد بن يحيى بن الجهم أنا أحفظها فقال هاتها فأنشده:
الحق أبلج والسيوف عواري * فحذار من أسد العرين حذار
فقال له أنشدنا ذكر النار فأنشد:
ما زال سر الكفر بين ضلوعه * حتى اصطلى سر الزناد الواري
نارا يساور جسمه من حرها * لهبا كما عصفرت نصف إزار
(صلى لها حيا وكان وقودها * ميتا ويدخلها مع الفجار)
رمقوا أعالي جذعه فكأنما * وجدوا الهلال عشية الافطار
ثم ذكر المصلبين فقال:
سود اللباس كأنما نسجت لهم * أيدي الشموس (السموم) مدارعا من قار
بكروا وأسروا في متون ضوامر * قيدت لهم من مربط النجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الأسفار
فقال عمارة لله دره لقد وجد ما أضله الشعراء حتى كأنه كان مخبوءا
له (اه‍). وهذه القصيدة من مختار شعر أبي تمام، وسنذكرها بتمامها إلا
يسيرا منها عند ذكر أخباره مع المعتصم (إنش). وفي أخبار أبي تمام
للصولي بالاسناد عن الحسن بن وهب أنه قال في حديث له: وأما الشعر
فلا أعرف مع كثرة مدحي له وشغفي به في قديمه وحديثه أحسن من قول
أبي تمام في المعتصم بالله ولا ابدع معاني ولا أكمل مدحا ثم انشد:
فتح الفتوح تعالى ان يحيط به * نظم من الشعر أو نثر من الخطب
وذكر أكثر هذه القصيدة، وستأتي في اخباره مع المعتصم (انش) ثم
قال هل وقع في لفظة من هذا الشعر خلل. كان يمر للقدماء بيتان
يستحسنان في قصيدة فيجلون بذلك وهذا كله بديع جيد (اه‍). وفي
الأغاني: أخبرني محمد بن يحيى الصولي حدثني أبو ذكوان قال لي
إبراهيم بن العباس ما اتكلت في مكاتبتي قط إلا على ما جاش به صدري
وجلبه خاطري إلا اني قد استحسنت قول أبي تمام:
(إذا مارق بالغدر حاول غدرة * فذاك حري ان تئيم حلائله
) فان باشر الاصحار فالبيض والقنا * قراه واحواض المنايا مناهله
وإن يبن حيطانا عليه فإنما * أولئك عقالاته لا معاقله
وإلا فأعلمه بأنك ساخط * عليه فان الخوف لا شك قاتله
فأخذت هذا المعنى في بعض رسائلي فقلت فصار ما كان يحرزهم
يبرزهم وما كان يعقلهم يعتقلهم قال ثم قال لي إبراهيم إن أبا تمام اخترم
وما استمتع بخاطره ولا نزح ركي فكره حتى انقطع رشاء عمره. وفي
الأغاني بسنده عمن سمع إبراهيم بن العباس (الصولي) يقول لأبي تمام،
وقد انشد شعرا له في المعتصم: يا أبا تمام امراء الكلام رعية لاحسانك.
وفي الأغاني: أخبرني محمد يحيى الصولي حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن
أبيه قال: ما كان أحد من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهما بالشعر في حياة
أبي تمام فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه. وفي اخبار أبي تمام للصولي
بسنده عن عبد الله بن محمد بن جرير سمعت محمد بن حازم الباهلي الشاعر
يصف أبا تمام ويقدمه في الشعر والعلم والفصاحة ويقول: ما سمعت
لمتقدم ولا محدث بمثل ابتدائه في مرثيته:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا * وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا
ولا مثل قوله في الغزل:
ما إن رأى الأقوام شمسا قبلها * أفلت فلم تعقبهم بظلام
لو يقدرون مشوا على وجناتهم * وعيونهم فضلا عن الأقدام
وممن فضل أبا تمام وذم من تعصب عليه السري بن أحمد الرفا من
مشاهير شعراء سيف الدولة الحمداني فإنه قال في رجل تعصب على أبي تمام
كما في ديوانه:
شعر ابن أوس رياض جمة الطرف * فنحن منه مدى الأيام في تحف
لكن كرهناه لما سار في طرق * من فيك مكروهة الأنفاس والنطف
والشعر كالريح إن مرت على زهر * طابت وتخبث إن مرت على الجيف
وممن فضل أبا تمام سبط بن التعاويذي (المتوفي سنة 553) فقال
يذكر قصائده:
عليك جلوتها غرا هجانا * أوانس في القلوب لها قبول
لها في قومها نسب عريق * إذا انتسبت وبيت حجى أصيل
فعماها المرعث وابن أوس * وجداها المبرد والخليل

400
المرعث بشار وابن أوس أبو تمام. وحسبك انه اعتنى بجمع ديوانه
أعاظم العلماء والأدباء أمثال أبي بكر الصولي، كما يأتي عند ذكر مؤلفاته.
وحسبك ان يكون لديوانه عشرة شروح لجماعة بينهم أعاظم العلماء والأدباء
أمثال ابن المستوفي والخطيب التبريزي وأبي بكر الصولي وأبي العلاء المعري
والآمدي وغيرهم. وكفاه - ما يأتي في اخباره - أنه لما اعترض على قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء أياس
فقيل له: الأمير فوق من وصفت، أجاب على البديهة بجواب لا
يتصور متصور أن يجاب بأسد منه أو بمثله فقال:
لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
فلو لم يكن له إلا نظم هذا الجواب بهذه البديهة لكفاه.
من عاب شعر أبي تمام
يمكن تقسيم العائبين لشعر أبي تمام إلى أربعة أقسام (الأول) من
حمله الحسد والعداوة على ذلك أمثال دعبل وابن المدبر وابن الأعرابي
وغيرهم كما يأتي عند ذكر أخبارهم معه (الثاني) من حملهم الجهل بمعاني
شعره على ذلك (الثالث) من عابه لقرنه بين الجيد والردئ (الرابع) من
أراد بذلك الشهرة. فمن القسم الثاني ما في أخبار أبي تمام للصولي:
حدثني محمد بن الحسن اليشكري قال أنشد أبو حاتم السجستاني
شعرا لأبي تمام فاستحسن بعضه واستقبح بعضا وجعل الذي يقرأه يسأله
عن معانيه فلا يعرفها أبو حاتم فقال ما أشبه شعر هذا الرجل إلا بثياب
مصقلات خلقان لها روعة وليس لها مفتش (اه‍) (مفتش) بفتح التاء
المشددة أي إذا فتشت ودقق النظر فيها ظهرت بخلاف ما يتراءى منها.
حدثني القاسم بن إسماعيل قال كنا عند التوجئ فجاء ابن لأبي رهم
السدوسي فأنشده قصيدة لأبي تمام يمدح بها خالد بن يزيد أولها
طلل الجميع لقد عفوت حميدا * وكفى على رزئي بذاك شهيدا (1)
قال فجعل يضطرب فيها وكنت عالما بشعره فجعلت أقومه فلما فرع
قال يا أبا محمد كيف ترى هذا الشعر؟ فقال فيه ما أستحسنه وفيه ما لا
اعرفه ولم اسمع بمثله، فإما ان يكون هذا الرجل أشعر الناس جميعا وإما ان
يكون الناس جميعا أشعر منه (اه‍). ومن القسم الثالث ما في اخبار أبي
تمام للصولي: حكي عن ابن مهرويه عن أبي هفان قلت لأبي تمام تعمد إلى
درة فتلقيها في بحر قذ فمن يخرجها غيرك (اه‍). وستعرف أن مثل هذا
إذا وقع يكون عيبا على فعل الشاعر لا على شاعريته. وقسم الصولي في
رسالته إلى مزاحم بن فاتك الذين عابوا أبا تمام إلى ثلاثة أصناف: صنف
جهلوا مراده فعابوه، وصنف أرادوا ان يشتهروا بذلك فيقال انهم عابوا أبا
تمام وصنف صحفوا كلامه فعابوه بما لم يقله، وأشار إلى الصنف الأول
فقال: انا مبتدئ بالجواب عن خلاف بعض الناس في أبي تمام والأسباب
التي وقع لها ذلك: أما ما حكي عن بعض العلماء في اجتناب شعره ولا
اسمي منهم أحدا لصيانتي لأهل العلم جميعا فلا تنكر ان يقع منهم ذلك،
وعلله بما حاصله ان أشعار الأوائل قد رويت لهم وفسرت فهم يقرأونها
سالكين سبيل غيرهم في تفاسيرها واستجادة جيدها وعيب رديها. وألفاظ
القدماء وإن تفاضلت فإنها تتشابه وبعضها آخذ برقاب بعض، فيستدلون
بما عرفوه منها على ما أنكروه ولم يجدوا في شعر المحدثين منذ عهد بشار من
يرويها لهم ويفسرها ولم يعرفوا ما كان يضبطه يعني أبا تمام و - يقوم به
وقصروا فيه فجهلوه فعادوه كما قال الله عز وجل: بل كذبوا بما لم يحيطوا
بعلمه. وكما قيل إن الإنسان عدو ما جهل ومن جهل شيئا عاداه، وفر
العالم منهم إذا سئل ان يقرأ عليه شعر أحد من المحدثين من قول لا أحسن
إلى الطعن وخاصة على أبي تمام لأنه أقربهم عهدا وأصعبهم شعرا ثم
استشهد على ذلك بما حكاه بقوله ولقد حدثني بنو نيبخت وما رأيت أبا
العباس أحمد بن يحيى على جلالته عند أحد أجل منه عندهم وكلهم ينتسب
إليه في تعليمه أنه قال لهم أنا أعاشر الكتاب كثيرا وأكثر ما يجري في
مجالسهم شعر أبي تمام ولست أعلمه فاختاروا لي منه شيئا فاخترنا منه له
ودفعناه إليه فمضى به إلى ابن ثوابة فاستحسنه فقال له إنه ليس مما اخترت
وإنما اختاره لي بنو نوبخت. فكان ينشدنا البيت من شعر أبي تمام يقول ما
أراد بهذا؟ فنشرحه له فيقول أحسن والله وأجاد. فهذه قصة إمام من أئمة
الطاعنين عليه عندهم. قال فاما الصنف الثاني ممن يعيب أبا تمام فمن
يجعل ذلك سببا لنباهة واستجلابا لمعرفة إذ كان ساقطا خاملا فألف في
الطعن عليه كتبا واستغوى عليه قوما ليعرف بخلاف الناس، وقد قيل
خالف تذكر. وقالت أعرابية لابنها إذا جالست الناس فأحسنت ان تقول
كما يقولون فقل والا فخالف تذكر. وقال عن الصنف الثالث وقد رأيت
بعض هؤلاء الجهلة يصحف أيضا على أبي تمام ثم يعيب ما لم يقله أبو تمام
قط (اه‍). وقال في موضع آخر وما أحسب شعر أبي تمام مع جودته
وإجماع الناس عليه ينقص بطعن طاعن عليه في زماننا هذا لأني رأيت جماعة
من العلماء المتقدمين ممن قدمت عذرهم في قلة المعرفة بالشعر ونقده وقد
طعنوا على أبي تمام في زمانهم وزمانه فكانوا عند الناس بمنزلة من يهذي وهو
يأخذ بما طعنوا عليه الرغائب من علماء الملوك ورؤساء الكتاب الذين هم
أعلم الناس بالكلام منثوره ومنظومه حتى كان هو يعطي الشعراء في زمانه
ويشفع لهم وكل محسن فهو غلام له وتابع أثره (اه‍). وقال في موضع
آخر: ومثل هذا من نقص ذوي الفضل والمتقدمين في الصنائع من جميع
الناس قبيح وهو من العلماء أقبح نعوذ بالله من أتباع الهوى ونصر الخطا
والكلام في العلم بالمحل (2) واللجاج والعصبية. ولو وهم أبو تمام في بعض
شعره أو قصر في شئ منه لما كان من ذلك مستحقا أن يبطل إحسانه كما أنه
قد عاب العلماء على امرئ القيس ومن دونه من الشعراء القدماء والمحدثين
أشياء كثيرة أخطأوا الوصف فيها، وغير ذلك مما يطول شرحه، فما سقطت
بذلك مرتبتهم، فكيف خص أبو تمام وحده بذلك لولا شدة التعصب
وغلبة الجهل. وقال الصولي في رسالته إلى مزاحم بن فاتك: وليت أبا تمام
مني بعيب من يجل في علم الشعر قدره أو يحسن به علمه، ولكنه مني بمن
لا يعرف جيدا ولا ينكر رديئا إلا بالادعاء، وهذا كما قال زياد بن عبيد الله
الحارثي:
فلو اني منيت بهاشمي * خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على مقالته ولكن * تعالي فانظري بمن ابتلاني



(1) قال الخطيب التبريزي في الشرح: أي عفوت محمودا لما كنا نجده ممن كان يسكنك من
المساعدة وكفى بعفوك شاهدا على رزئي، فإذا أثر فراق أهلك هذا الأثر في الجماد فكيف
تأثيره في. - المؤلف -.
(2) المحل: المكر والكيد. - المؤلف -
401
وأنشد العتبي:
فلو ان لحمي إذ وهي لعبت به * أسود كرام أو ضباع وأذؤب
لهون من وجدي وسلى مصيبتي * ولكنما أودى بلحمي أكلب
وقال الشاعر:
من ليس يدري ما يريد * فكيف يدري ما نريد
إلى أن قال: وما يضر أبا تمام قول هؤلاء كما أنه لا يضر البحر ان
يقذف فيه حجر ولا ينقص البدر أن تنبحه الكلاب وقد قال الشاعر:
ما يضر البحر أمسى زاخرا * أن رمى فيه غلام بحجر
قال ولي من قصيدة:
ما عسى حاسد يقول إذا ما * خطب الناس بالحوادث خطب
غيرهم يبثه من بعيد * مثل ما ينبح الكواكب كلب
وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
قال جاءني فضل اليزيدي بشعر أبي تمام فجعل يقرأه علي ويعجبني ممن جهل
مقداره فقلت له الذين جهلوه كما قال:
لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فان كلهم أو جلهم بقر
وسيأتي قول المبرد ما يهضم هذا الرجل حقه إلا أحد رجلين: إما
جاهل بعلم الشعر ومعرفة الكلام، وإما عالم لم يتبحر شعره ولم يسمعه وفي
الموازنة للآمدي: أفرط المتعصبون لأبي تمام في تفضيله وقدموه على من هو
فوقه من أجل جيده وسامحوه في رديئه وتجاوزوا له عن أخطائه وتأولوا له
التأويل البعيد فيه، وقابل المنحرفون عنه إفراطهم فبخسوه حقه واطرحوا
إحسانه ونعوا عليه سيئاته وقدموا عليه من هو دونه، وتجاوز ذلك بعضهم
إلى القدح في الجيد من شعره وطعن فيما لا يطعن عليه واحتج بما لا تقوم به
حجة ولم يقنع بذلك مذاكرة حتى ألف في ذلك كتابا وهو أبو العباس
أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار القرطبلي المعروف بالفريد ثم ما علمته
وضع يده من غلطه وخطائه إلا على أبيات يسيرة ولم يقم على ذلك الحجة
ولم يتجاوز فيما نعاه عليه الأبيات التي تتضمن بعد الاستعارة وهجين
اللفظ، وقد بينت خطأه فيما انكر من الصواب في جزء مفرد (اه‍)
أقول لا شئ أدل على علو مرتبة أبي تمام وسمو منزلته في الشعر من كثرة
العائبين له الذين حملهم الحسد على ذلك، ثم إن وجود البيت الضعيف أو
أكثر في القصيدة ووجود الأبيات المعيبة في شعر الشاعر لا يقدح في شاعريته
إذا كان مجيدا في سواها فهذا قلما يخلو منه شعر شاعر، كما أن صدور بيت
جيد أو أبيات ممن هو ضعيف القوة في الشعر لا يجعله في مصاف الشعراء
وإنما مثل ذلك مثل السيف الماضي والسيف الكهام، فالأول لا يضر بمضائه
نبوة عن بعض الضرائب، والثاني لا ينفع فيه قطعه أحيانا واتفاقا. والبناء
الحاذق في صنعة البناء القادر على إيجاد بناء متين متميز يكفي ذلك في عده
في طليعة البنائين، ولا يقدح في ذلك أن بنى بيتا حقيرا أو أخطأ في بعض
ما بناه، والدر والجوهر إذا خلط بالحصباء لا يخرج عن كونه درا وجوهرا.
نعم يعاب على الشاعر أن لا ينقي شعره من الأبيات الساقطة لأن ذلك يضر
بالأبيات العالية عند السامعين ولكنه لا يقدح في شاعرية الشاعر فمن
الشعراء من دأبه تهذيب شعره وتنقيته من الأبيات الساقطة، ومنهم من
ينظم القصيدة فيدعها بدون أن يسقط منها ما لا يرتضى ويكون الداعي إلى
ذلك إما رضاه عن نفسه وإعجابه بها فلا يرى الساقط من شعره ساقطا،
وهذه كانت صفة المتنبي فيما يظن، وإما ألفه لشعر العرب وغريب كلامهم
ووحشية، فان الغريب من كلامهم لم يكن غريبا عندهم وإنما صار غريبا
عندنا، وهذه صفة أبي تمام فيما يرجح. وإما لما علل به أبو تمام فيما رواه،
الصولي في أخبار أبي تمام قال حدثني علي بن إسماعيل حدثني علي بن
العباس الرومي حدثني مثقال قال دخلت على أبي تمام وقد عمل شعرا لم
أسمع أحسن منه وفي الأبيات بيت واحد ليس كسائرها، فقلت له لو
أسقطت هذا البيت؟ فضحك وقال: أتراك أعلم بهذا مني!... إنما مثل
هذا مثل رجل له بنون جماعة كلهم أديب جميل متقدم وفيهم واحد قبيح
متخلف، فهو يعرف أمره ويرى مكانه ولا يشتهي أن يموت ولهذه العلة وقع
مثل هذا في أشعار الناس. ولا يظن بأبي تمام أنه كان يهمل تهذيب شعره
فهو يقول:
خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى * والليل أسود رقعة الجلباب
وقد كان زهير بن أبي سلمى - وهو من فحول الشعراء - يهذب
القصيدة حولا كاملا حتى سميت قصائده الحوليات وضرب بها
المثل، لكن ذلك لا يجعله أشعر من غيره من أمثاله من الشعراء الذين كانوا
يرتجلون القصيدة ارتجالا، وقد يوجد في شعرهم ما لا يوجد في شعره من
بيت ساقط أو أكثر. وكان إبراهيم بن العباس الصولي ينظم القصيدة ثم
لا يزال يسقط منها ما لا يرتضيه حتى تبقى منها أبيات معدودة، ولكن ذلك
لم يجعله في مصاف أبي تمام والبحتري وغيرهما الذين لم يكونوا يفعلون
ذلك، ولا في مصاف المتنبي الذي قد يوجد في شعره من الأبيات الساقطة
ما لا يوجد في شعر إبراهيم بن العباس الصولي. والحاصل ان القوة
الشعرية هي التي يتفاضل بها الشعراء، فمن كانت قوته الشعرية أقوى ومادته
أغزر كان المقدم، أما إذا صدر عن هذه القوة أحيانا ما لا
يتناسب معها، فان ذلك لا يقدح في تفوقها على غيرها، كما أن قوة
الفصاحة والبلاغة لا يقدح في تفوقها صدور كلام غير فصيح أو غير بليغ
من صاحبها. ولسنا نريد أن نقول: إن صدور شعر ساقط من الشاعر
ليس بمعيب، بل نقول إنه لا يضر بتفوقه في القوة الشعرية، ولكن
الشعر الساقط معيب على ناظمه حيث لم يهذبه أو لم يسقطه، وهو قادر على
ذلك. فأبو تمام الذي له من المطالع البديعة ما لا يحصى، كما ستعرف،
لا يضر بشاعريته أن يقول في مطلع بعض قصائده:
قدك اتئب أربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي
وهو يقول في هذه القصيدة في وصف الخمرة:
يخفي الزجاجة لونها فكأنها * في الكف قائمة بغير إناء
وأبيات القصيدة الباقية كلها أو جلها غرر. على أنه قد يكون ما نراه
في هذا المطلع من غرابة ألفاظه لا يراه أبو تمام كذلك لالفه بنفس العرب
الأول وطريقتهم، كما بيناه في موضع آخر. وهذا المتنبي - مع اتفاق الناس على
تقدمه في صناعة الشعر - له أبيات يستحي صبيان المكاتب من نسبتها إليهم،
كما مر في ترجمته، ولم يقدح ذلك في شاعريته وتقدمه، وإن كان صدور مثل
تلك الأبيات منه عد عيبا له عند الجميع، فكون الشاعر متفوقا في القوة
الشعرية شئ وصدور ما لا يتناسب مع تلك القوة منه شئ آخر. وبعد
كتابة ما تقدم عثرنا على كلام لصاحب الأغاني يوافق ما قلناه ويعضده:
قال عند ذكر ما عيب على أبي تمام وليست إساءة من أساء في القليل
وأحسن في الكثير مسقطة إحسانه ولو كثرت إساءته أيضا ثم أحسن لم يقل
له عند الاحسان أسأت ولا عند الصواب أخطأت والتوسط في كل شئ
أجمل (والحق أحق أن يتبع). وقد روي عن بعض الشعراء أن أبا تمام

402
أنشده قصيدة له أحسن في جميعها إلا في بيت واحد، فقال له يا أبا تمام لو
ألقيت هذا البيت ما كان في قصيدتك عيب. فقال له أنا والله أعلم منه
مثلما تعلم، ولكن مثل شعر الرجل عنده مثل أولاده فيهم الجميل والقبيح
والرشيد والساقط وكلهم حلو في نفسه، فهو وإن أحب الفاضل لم يبغض
الناقص وإن هوي بقاء المتقدم لم يهو موت المتأخر، ثم قال أبو الفرج:
واعتذاره بهذا ضد لما وصف به نفسه في مدحه الواثق حيث يقول:
جاءتك من نظم اللسان قلادة * سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
أحداكها صنع اللسان يمده * جفر إذا نضب الكلام معين
ويسئ بالاحسان ظنا لا كمن * هو بابنه وبشعره مفتون
فلو كان يسئ بالإساءة ظنا ولا يفتتن بشعره كنا في غنى عن الاعتذار
له (اه‍). ثم رأينا للصولي في رسالته إلى مزاحم بن فاتك كلاما ينحو هذا
النحو فإنه بعد ما ذكر الذين عابوا أبا تمام قال: ولو عرف هؤلاء ما أنكره
الناس على الشعراء الحذاق من القدماء والمحدثين لكثر حتى يقل عندهم ما
عابوه على أبي تمام إذا اعتقدوا الإنصاف ونظروا بعينه، ومنزلة عائب أبي تمام
- وهو رأس في الشعر مبتدئ لمذهب سلكه كل محسن بعده فلم يبلغه فيه
حتى قيل مذهب الطائي وكل حاذق بعده فلم يبلغه فيه حتى قيل مذهب
الطائي وكل حاذق بعده ينسب اليه ويقفي أثره - منزلة حقيرة يصان عن
ذكرها الذم ويرتفع عنها الوهد. وقد كان الشعراء قبل أبي تمام يبدعون في
البيت والبيتين من القصيدة فيعتد بذلك لهم من أجل الاحسان، وأبو تمام
أخذ نفسه وسام طبعه أن يبدع في أكثر شعره فلعمري لقد فعل وأحسن،
ولو قصر في قليل - وما قصر - لغرق ذلك في بحور إحسانه، ومن الكامل
في شئ حتى لا يجوز عليه خطا فيه إلا ما يتوهمه من لا عقل له. وفي
معجم الأدباء أن للآمدي كتاب الموازنة بين البحتري وأبي تمام وهو كتاب
حسن وإن كان قد عيب عليه في مواضع منه ونسب إلى الميل مع البحتري
فيما أورده والتعصب على أبي تمام والناس بعد فيه على فريقين فرقة قالت
برأيه وطائفة أسرفت في التقبيح لتعصبه فإنه جد واجتهد في طمس محاسن
أبي تمام وتزيين مرذول البحتري ولعمري إن الأمر كذلك وحسبك أنه بلغ في
كتابه إلى قول أبي تمام: (أصم بك الناعي وإن كان أسمعا)، وشرع في
إقامة البراهين على تزييف هذا الجوهر الثمين، وفتارة يقول هو مسروق
وتارة يقول هو مرذول ولا يحتاج المنصف إلى أكثر من ذلك. إلى غير ذلك
من تعصباته ولو أنصف وقال في كل واحد بقدر فضائله لكان في محاسن
البحتري كفاية عن التعصب بالوضع من أبي تمام (اه‍).
الأمور التي عيبت على أبي تمام
وهي على أنواع (الأول) الأبيات التي ذكروا أن فيها عيوبا شعرية
من البيت الواحد والبيتين فأكثر، وهذه قد حكى الصولي في اخبار أبي تمام
جملة منها وكذلك الآمدي في الموازنة وذكرنا نحن بعضها، قال الصولي:
وسأذكر شيئا مما عابه عليه من لا يدري وأبينه.
1 - عابوا قوله في قصيدته التي أحسن فيها كل الاحسان ومدح بها
المعتصم وذكر فتح عمورية:
تسعون ألفا كآساد الشري نضجت * أعمارهم (جلودهم) قبل نضج التين والعنب
فإن كان هذا لأن التين والعنب ليس مما يذكر في الشعر وأنه مستهجن
فقد قال ابن قيس الرقيات:
سقيا لحلوان ذي الكروم وما * صنف من تينه ومن عنبه
وإن كان العيب لم خصهما دون غيرهما فقد كان يجب أن يتعلم هؤلاء
ويطلبوا ثم يتكلموا ويعيبوا. حدثني أبو مالك عون بن محمد الكندي - وما
رأيت أعلم بشعر أبي تمام منه وكان قد قرأ على أبي تمام عشرين قصيدة من
شعره، وقرأتها عليه سنة 285 فقرأت هذه القصيدة عليه فلما بلغت إلى
هذا البيت سألته عن معناه وعن عيب الناس له فقال حدثني أبي قال:
غزوت عمورية مع المعتصم فبلغه أن الروم قالوا - وقد أناخ عليهم - إن
هؤلاء إن أقاموا إلى زمان التين والعنب لا يفلت منهم أحد فقال أرجو أن
ينصرني الله عز وجل قبل ذلك. قال أبو مالك فأظن أبا تمام ذكر هذا المعنى
في بيته. وقال الآمدي في الموازنة: إن أهل التنجيم حكموا بأن المعتصم لا
يفتح عمورية، وراسلته الروم أنا نجد في كتبنا أن مدينتنا هذه لا تفتح إلا
في وقت إدراك التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت شهور يمنعك من
المقام فيها البرد والثلج. فأبى أن ينصرف وأكب عليها حتى فتحها وأبطل ما
قالوه، فلذلك قال الطائي:
السيف أصدق أنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب
2 - قال الصولي وعابوا قوله:
ما زال يهذي بالمواهب دائبا * حتى ظننا أنه محموم
فكيف لم يسقطوا أبا نواس بقوله في العباس بن عبد الله بن جعفر:
جدت بالأموال حتى * قيل ما هذا صحيح
والمحموم أحسن حالا من المجنون، ولم لم يعيبوا قول الآخر:
بطل تناذره الكماة كأنه * مما يدل على الفوارس أحمق
وقد قال عبيد اللص العنبري قبل فألم بهذا المعنى إلا أنه قسمه:
ما كان يعطي مثلها في مثله * إلا كريم الخيم أو مجنون
وكيف رضوا قول البحتري في هذا:
إذا معشر صانوا السماح تعسفت * به همة مجنونة في ابتذاله
وقد قال أبو نواس:
جدت بالأموال حتى * حسبوه الناس حمقا
(أقول) الحق إن هذا كله معيب: نسبة الهذيان، وظن أنه
محموم، ونسبة الجنون والحمق، من أي شاعر صدر من أبي تمام أو أبي
نواس أو البحتري أو من هو أشعر منهم، والمشاركة في الخطأ لا تجعله
صوابا، والتقسيم الذي في بيت عبيد اللص ربما يرفع عنه العيب، وكذلك
نسبة الجنون إلى الهمة في بيت البحتري أهون من نسبته إلى الممدوح.
قال وعابوا قوله:
لا تسقني ماء الملام فإنني * صب قد استعذبت ماء بكائي
قالوا: ما معنى ماء الملام؟ وهم يقولون كلام كثير الماء وما أكثر ماء
شعر الأخطل، قاله يونس بن حبيب، ويقولون ماء الصبابة وماء الهوى
يريدون الدمع، قال ذو الرمة:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة * ماء الصبابة من عينيك مسجوم
وقال أيضا:
أدارا بحزوى هجت للعين عبرة * فماء الهوى يرفض أو يترقرق

403
وقال عبد الصمد وهو محسن عند من يطعن على أبي تمام وغيرهم:
أي ماء لماء وجهك يبقى * بعد ذل الهوى وذل السؤال
فصير لماء الوجه ماء. وقالوا ماء الشباب قال أبو العتاهية:
ظبي عليه من الملاحة حلة * ماء الشباب يجول في وجناته
وهو من قول ابن أبي ربيعة:
وهي مكنونة تحير منها * في أديم الخدين ماء الشباب
وقال أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل:
أهيف ماء الشباب يرعد في * خديه لولا أديمه قطرا
فما يكون إن استعار أبو تمام من هذا كله حرفا فجاء به في صدر بيته
لما قال في آخره (فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي) قال في أوله (لا تسقني
ماء الملام). وقد تحمل العرب اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه، قال
الله عز وجل (وجزاء سيئة سيئة مثلها) والسيئة الثانية ليس بسيئة لأنها
مجازاة ولكنه لما قال وجزاء سيئة قال سيئة فحمل اللفظ على اللفظ، وكذلك
(ومكروا ومكر الله) وكذلك (فبشرهم بعذاب أليم) لما قال بشر هؤلاء
بالجنة قال بشر هؤلاء بالعذاب، والبشارة إنما تكون في الخير لا في الشر،
فحمل اللفظ على اللفظ، وقال الله عز وجل (واخفض لهما جناح الذل من
الرحمة) فهذا أجل استعارة وأحسنها، وكلام العرب جار عليها. قال
العتابي:
أكاتم لوعات الهوى ويبينها * تخلل ماء الشوق بين جفوني
وقال أبو نواس:
لما ندبتك للجزيل أجبتني * لبيك واستعذبت ماء كلامي
(أقول في جميع ما أجاب به نظر إلا الوجه الأخير فهو الصواب،
وهو أن العرب تحمل اللفظ على اللفظ فيما لا يستوي معناه. أما قولهم
كلام كثير الماء وقول أبي نواس (واستعذبت ماء كلامي) فهو لا يشبه قوله
ماء الملام، لأنهم شبهوا الكلام الرقيق السلس البليغ بثمرة يانعة أو غصن
رطب، فاستعاروا له كثرة الماء، كما شبهوا الكلام الذي بضد ذلك بالعود
اليابس فقالوا: هذا كلام جاف، وكذلك قول يونس: ما أكثر ماء شعر
الأخطل، وأما قولهم ماء الصبابة وماء الهوى وماء الشوق يريدون به الدمع
فلا يشبه أيضا قوله ماء الملام، لأن شبه الدمع بالماء ظاهر بين بخلاف
الملام. وأما ماء الوجه فإنهم شبهوا وجه من يستحي بشئ عليه ماء فهو
لين قابل للانفعال ووجه من لا يستحي بصخر صلب، فحسن لذلك أن يقال
ماء الوجه. وأما ماء الوجه فزيادة في المبالغة وهذا لا يشبهه ماء الملام حتى
يقال ماء الملام. وأما ماء الشباب فإنه شبه الشباب بالغصن
الرطب والأرض الخضراء بالعشب، فاستعير له الماء ولا يشبهه ماء الملام، وكذلك
جناح الذل لا يشبه ماء الملام فإنه شبه (والله أعلم) راحم أبويه بالطائر
الذي يخفض جناحيه لأفراخه فيحضنها فاستعير له الجناح. ويقال إن مخلدا
الموصلي بعث اليه بقارورة يسأله ان يبعث له فيها قليلا من ماء الملام فقال
للرسول قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل لأستخرج بها من القارورة
ما أبعثه إليه (اه‍).
4 - قال الصولي في أخبار أبي تمام: ومن أعجب العجب وأفظع
المنكر أن قوما عابوا قوله:
كأن بني نبهان يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر
فقالوا أراد أن يمدحه فهجاه كان أهله كانوا خاملين بحياته فلما مات
أضاؤوا بموته، وقالوا كان يجب أن يقول كما قال الخريمي:
إذا قمر منهم تغور أو خبا * بدا قمر في جانب الأفق يلمع
قال: ولا اعرف لمن صح عقله ونفذ في علم من العلوم خاطره عذرا
في مثل هذا القول ولا أعذر من يسمعه فلا يرده عليه اللهم إلا أن يكون
يريد عيبه والطعن عليه. ثم قال وما ظننت أن أحدا يتعلق بقليل الأدب
يجهل هذا الذي عابوه على أبي تمام، ولا أن الله عز وجل يحوجني إلى تفسير
مثله أبدا، وقد قالت الحكماء لو سكت من لا يدري استراح الناس وقالوا
بكثرة لا أدري يقل الخطأ. يروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه أن رجلا ذكر له بعض أهل الفضل، فقال له صدقت
ولكن السراج لا يضئ بالنهار. فلم يرد رضوان الله عليه أن ضوء السراج
ليس حالا فيه ولا أنه زالت عنه ذاته، ولكنه بالإضافة إلى ضوء النهار لا
يضئ، ولم يطعن على ضوء النهار ولا على السراج ولكنه قال فاضل وأفضل
منه. وقال الشاعر وأحسن:
وكن جواري الحي إذ كنت فيهم * قباحا فلما غبت صرن ملاحا
وما أراد إلا تفضيلها ولم يطعن على أحد، والقباح لا يصرن ملاحا
في لحظة، ولكنه أراد أنهن ملاح وهي أملح منهن فإذا اجتمعن كن دونها.
فأراد أبو تمام تفضيله عليهم وإن كانوا أفاضل وليس ضياء البدر يذهب
بالكواكب جملة، ولكن المستضئ به أبصر من المستضئ بالكواكب، فإذا
فقد البدر استضاء بها وهي دونه، فكان أبا تمام قال إن ذهب البدر منهم
فقد بقيت فيهم كواكب وقال النابغة يخاطب النعمان:
بأنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وقد سبق النابغة إلى هذا شعراء كندة فقال أحدهم يمدح عمرو بن
هند ن كلمة:
هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت * على كل ضوء والملوك كواكب
وقال النجاشي:
نعم الفتى أنت إلا أن بينكما * كما تفاضل ضوء الشمس والقمر
وقال صفية الباهلية:
كنا كأنجم ليل بينها قمر * يجلو الدجى فهوى من بيننا القمر
فهذا كلام أبي تمام ومعناه بعينه، وقال جرير يرثي الوليد بن عبد
الملك.
أمسى بنوه وقد جلت مصيبتهم * مثل النجوم هوى من بينها القمر
أفترى جريرا أراد ان يهجو الوليد أو يقول إن بنيه زادوا ظهورا بموته.
وقال نصيب فأخذ معنى قول النابغة بعينه:
هو البدر والناس الكواكب حوله * وهل تشبه البدر المضئ الكواكب
أما قولهم هلا قال كما قال الخريمي؟ فالمعنى الذي أراده أبو تمام ليس
ما أراد الخريمي لأن أبا تمام قصد التفضيل في السؤدد والخريمي أراد التسوية
فيه، فأبو تمام يريد بقوله مات سيد وقام سيد دونه والخريمي يريد مات سيد
وقام سيد مثله. فكيف يستحسن قوم ذهب هذا عليهم ان ينطقوا في الشعر
بحرف لم يفهموه، على أنهم أعذر عندي ممن يسمع منهم ويحكي قولهم،
وإنما احتذى الخريمي قول أوس بن حجر:

404
إذا مقرم منا ذرا (1) حد نابه * تخمط فينا ناب آخر مقرم
وهذا كما قال أبو الطمحان القيني
وإني من القوم الذين هم هم * إذا مات منهم سيد قام صاحبه
كواكب دجن كلما غاب كوكب * بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
وقال آخر
خلافة أهل الأرض فينا وراثة * إذا مات منا سيد قام سيد
وقال طفيل الغنوي
كواكب دجن كلما انقض كوكب * بدا وانجلت عنه الدجنة كوكب
وقال آخر
إذا سيد منا مضى لسبيله * أقام عمود المجد آخر سيد
فهذا الذي أراد الخريمي. وفي هذا كفاية لمن خلع ثوب العصبية
وأنصف من نفسه ونظر بعين عقله وتأمل ما قلت بفكره فان القلب بذكره
وتخيله انظر من العين لما فقدته ورأته (اه‍).
5 - قال الصولي: وشبيه بهذا في الشناعة عيبهم قوله
لو خر سيف من العيوق منصلتا * ما كان إلا على هاماتهم يقع
وإنما أراد أبو تمام أن كل حرب عليهم ومعهم، وفي مثل ذلك يقول
رجل من بني أبي بكر بن كلاب أنشدناه محمد بن يزيد النحوي
وكل حي من الأحياء يطلبنا * وكل حي له في قتلنا أرب
والقتل ميتتنا والصبر شيمتنا * ولا نراع إذا ما احمرت الشهب
وأراد مع ذلك أنهم لا يموتون على الفرش - والعرب تعير بذلك - وأن
السيوف تقع في وجوههم ورؤوسهم لاقبالهم ولا تقع في أقفيتهم وظهورهم
لأنهم لا ينهزمون، كما قال كعب بن زهير:
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * ومالهم عن حياض الموت تهليل
ثم ذكر شواهد كثيرة للفخر بالقتل في الحرب والتعيير بالموت على
الفراش.
6 - وقال الصولي حدثني أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن عمرو قال
ابن الخثعم الشاعر جن أبو تمام في قوله:
تروح علينا كل يوم وتغتدي * خطوب يكاد الدهر منهن يصرع
أيصرع الدهر؟ فقلت له هذا بشار يقول:
وما كنت إلا كالزمان إذا صحا * صحوت وإن مات الزمان أموت
فسكت، فقلت له وأبوك يقول:
ولين لي دهري باتباع جوده * فكدت للين الدهر أن أعقد الدهرا
الدهر يعقد؟ فسكت.
7 - حكى الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام عن الصولي أنه
قال: عابوا عليه قوله (كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر) فقالوا لا يكون
كذا إلا في تعظيم السرور. وما علمت أن شيئا في تعظيم الفرح إلا قيل في
تعظيم الحزن مثله، وقد جرت البشارة في كلام العرب بما يسوء قال الله
تعالى فبشرهم بعذاب أليم (اه‍).
8 - مما أنكره أبو العباس أحمد بن عبيد الله على أبي تمام برواية
الآمدي قوله:
هاديه جذع من الأراك وما * تحت الصلا منه صخرة جلس
قال شبه عنق الفرس بالجذع ثم قال جذع من الأراك، ومن رأى
عيدان الأراك تكون جذوعا وتشبه أعناق الخيل. وقال الآمدي أخطأ في
إنكاره تشبيه عنق الفرس بالجذع لأن ذلك في أشعار العرب أكثر من أن
يحصى، وأصاب في إنكاره أن تكون عيدان الأراك جذوعا وإن عظمت
شجرته حتى تصير دوحة، لأن قائم الشجرة وعيدانها لا تغلظ لتشبه
بالجذوع.
9 - قال الآمدي: وأنكر أبو العباس قول أبي تمام:
رقيق حواشي الحلم لو أن حلمه * بكفيك ما ماريت في أنه برد
وقال: هذا الذي أضحك الناس منذ سمعوه إلى هذا الوقت. ولم
يزد على هذا شيئا، والخطأ في هذا ظاهر لأني ما علمت أحدا من شعراء
الجاهلية والاسلام وصف الحلم بالرقة، وإنما يوصف بالعظم والرجحان
والثقل والرزانة، قال النابغة:
وأعظم أحلاما وأكبر سيدا * وأفضل مشفوعا إليه وشافعا
وقال الأخطل:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم * وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
وقال أبو ذؤيب:
وصبر على حدث النائبات * وحلم رزين وقلب ذكي
وقال عدي بن الرقاع:
في شدة العقد والحلم الرزين وفي * القول الثبيت إذا ما استنصت الكلم
وقال أيضا:
أبت لكم مواطن طيبات * وأحلام لكم تزن الجبالا
وقال أيضا:
قرم له مع دينه وتمامه * حلم إذا وزن الحلوم ثقيل
وقال الفرزدق:
أحلامنا تزن الجبال رزانة * وتخالنا جنا إذا ما نجهل
وقال أيضا:
إنا لتوزن الجبال حلومنا * ويزيد جاهلنا على الجهال
وقال الآخر:
وعظيم الحلم لو وازنته * بثبير أو برضوى لرجح
كما أنهم إذا ذموا الحلم وصفوه بالخفة، قال عياض بن كثير الضبي:
قبائله سود خفاف حلومهم * ذوو نيرب في الحي يغدو ويطرق
وقال علقمة بن هبيرة الأسدي:
كأن جرادة صفراء طارت * بأحلام الغواضر أجمعينا



(1) ذرا ناب الجمل: انكسر حده. - المؤلف -
405
جعلها صفراء لأنها ذكر وهي اسرع من الأنثى وأخف. قال ابن
قيس الرقيات أو أبو العباس الأعمى:
بحلوم إذا الحلوم استخفت * ووجوه مثل الدنانير ملس
وقال قيس بن عمير الكناني:
كمثل الحصى بكر ولكن خيانة * وغدر وأحلام خفاف عوازب
وأيضا فان البرد لا يوصف بالرقة وإنما يوصف بالمتانة والصفاقة.
وإني لأعجب من اتباع البحتري إياه في البرد، مع شدة تجنبه الأشياء
المنكرة عليه حيث يقول:
وليال كسين من رقة الصيف * فخيلن أنهن برود
ولكن الجيد في وصف الحلم قوله متبعا للمذهب الصحيح المعروف:
خفت إلى السؤدد المجفو نهضته * ولو يوازن رضوى حلمه رجحا
وقوله:
فلو وزنت أركان رضوى ويذبل * وقيس بها في الحلم خف ثقيلها
قال وأبو تمام لا يجهل هذا من أمر الحلم ويعلم أن الشعراء إليه
يقصدون وإياه يعتمدون، ولعله قد أورد مثله، ولكنه يريد أن يبتدع فيقع في
الخطأ (اه‍). (أقول) لعل الذي قاد أبا تمام إلى ذكر البرد إرادة
التجنيس، فإنه ذكر في قافية البيت الذي قبله لفظة البرد بفتح الباء فقال:
لدى ملك من أيكة الجود لم يزل * على كبد المعروف من فعله برد
والذي في الديوان (رقيق حواشي الحلم لو أن خلقه) ويمكن أن يقال
إن الحلم هنا ليس بمعنى العقل فان الحلم أصل معناه التأني والتدبر وما إلى
ذلك، وإنما استعمل في العقل من باب استعمال اسم المسبب في السبب،
وحينئذ فيمكن وصفه برقة الحواشي باعتبار ما يصدر عنه من العطف
والشفقة، وباب المجاز يتسع لأشياء كثيرة، ويرشد إليه ما في الديوان من
ذكر خلقه بدل حلمه، ووصف البرد بالرقة غير مستنكر، فان من صفات
الثياب الممدوحة الرقة.
10 - قال الآمدي وأنكر أبو العباس على أبي تمام قوله:
من الهيف لو أن الخلاخل صيرت * لها وشحا جالت عليها الخلاخل
قال ولم يذكر موضع العيب فيه ولا أراه علمه. والوشاح للمرأة في
موضع حمائل السيف، ومن شأن الخلاخيل ان توصف بأنها تضيق في
الأسواق، فإذا جعل خلاخيلها وشحا تجول عليها فقد أخطأ الوصف،
لأنه إذا كان الخلخال وهو حلقة مستديرة وشاحا للمرأة فقد مسخت إلى
غاية الصغر، ولو قال حقبا أو نطقا لصح المعنى، لأن الحقاب ما تديره
المرأة على خصرها، وكذلك النطاق والمراد بالهيف دقة الخصر، فإذا بولغ
فيه قيل إن خصرها لو وضع في خلخالها لجال فيه كما قال منصور النميري:
فلو قست يوما حجلها بحقابها * لكانا سواء لا بل الحجل أوسع
وكما قال أبو العتاهية:
نغج روادفهن يلبسن * الخواتم في الخصور
قال الآمدي: فهذا ما أنكره أبو العباس مما أبو تمام فيه غالط وهو
ثلاثة أبيات (اه‍).
11 - قال الآمدي ومما أخطأ فيه أبو تمام قوله.
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
وإنما قيل للقنا ذوابل للينها وتثنيها، فنفى ذلك عن قدود النساء وهو
من أكمل صفاتها. 12 - قال الآمدي: ومما أخطأ فيه الطائي أقبح خطأ قوله.
قسم الزمان ربوعها بين الصبا * وقبولها ودبورها أثلاثا
والصبا هي القبول باتفاق أهل اللغة، والجيد قول البحتري
متروكة للريح بين شمالها * وجنوبها ودبورها وقبولها
13 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله
وصنيعة لك ثيب أهديتها * وهي الكعاب لعائذ بك مصرم
حلت محل البكر من معطى وقد * زفت من المعطي زفاف الأيم
أي هذه الصنيعة ثيب عندك أي قد اصطنعت مثلها مرارا وبكر عند
هذا العائذ بك لأنها أول ما اصطنعته عنده أو أكبر ما اصطنعته عنده،
والمصرم القليل المال، فأراد بالكعاب البكر والكعاب التي كعب ثديها،
وهي تكون بكرا وتكون ثيبا، فليست ضدا للثيب، فهذا الخطأ في البيت
الأول، وأجاب عنه الآمدي بأن مقابلة الكعاب بالثيب صحيح، وقد جاء
مثله في أشعار العرب قال قدامة بن ضرار الحنفي:
غداة خطبنا البيض بالبيض عنوة * وأبن إلينا ثيبات وكعبا
أراد بالكعب الأبكار، وقال جرير يهجو امرأة:
وقد حملت ثمانية وتمت * لتاسعة وتحسبها كعابا
فأقام الكعاب مقام البكر، وإنما فعلوا ذلك وإن كانت الكاعب قد
تكون بكرا وتكون ثيبا لأن الغالب في الكواعب البكارة. وأما الخطأ في
البيت الثاني فمقابلة الأيم بالبكر، والأيم التي لا زوج لها بكرا أو ثيبا.
قال وقد ذكر أبو تمام معنى هذين البيتين في موضع آخر فقال:
ذكرت صنيعة لك ألبستني * أثيث المال والنعم الرغاب
وليست بالعوان العنس عندي * ولا هي منك بالبكر الكعاب
(العوان) بين المسنة والصغيرة السن، وهي التي قد عرفت الأمور
وجرت عليها التجربة، ومنه قيل حرب عوان، وهي التي قوتل فيها مرة
بعد مرة، استعير لها اسم المرأة في هذه الحال كما استعير لها اسم الفتاة في
قوله (الحرب أعظم ما تكون فتية) وأراد أبو تمام بهذين البيتين ما أراده
بالبيتين السابقين، إلا أنه جعل العنس هنا في موضع العانس فغلط،
والعانس هي التي حبسها أهلها عن التزويج حتى تجاوزت حد الفتاة. ولا
يجوز ان يريد بالعنس المصدر ليكون من إقامة المصدر مقام الصفة، لأن
مصدر عنس عنوس وعناس ولم يسمع العنس.
14 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله:
الود للقربى ولكن عرفه * للأبعد الأوطان دون الأقرب
فجعل وده لذوي قرابته ومنعهم عرفه، وجعله في الأبعدين مع أن
الأقربين أولى به، فهو بأن يكون ذما أولى من أن يكون مدحا.

406
15 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله:
يدي لمن شاء رهن لم يذق جرعا * من راحتيك درى ما الصاب والعسل
فهذا البيت مبني على فساد لكثرة ما فيه من الحذف، وتقديره يدي
رهن لمن شاء إن كان لم يذق جرعا من راحتيك درى ما الصاب والعسل.
16 - قال ومن خطائه قوله:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشائع من برد
محت بليت. جعل الوشائع حواشي البرد أو شيئا منها، وليس
الأمر كذلك، إنما الوشائع غزل من اللحمة ملفوف يجره الناسج بين
طاقات السدى عند النساجة.
17 - قال: ومن خطائه قوله
لو كان في عاجل من آجل بدل * لكان في وعده من رفده بدل
ولم لا يكون في عاجل من آجل بدل والناس كلهم على اختيار العاجل
وإيثاره على الآجل، وكان وجه الكلام الذي يصح به المعنى ويستقيم أن
يقول: لو كان في عاجل قول بدل من آجل فعل لكان في وعده من رفده
بدل.
18 - قال: ومن خطائه قوله
بيوم كطول الدهر في عرض مثله * ووجدي من هذا وهذاك أطول
فجعل للدهر وهو الزمان عرضا، وذلك محض المحال، على أنه ما
كانت اليه حاجة لأنه استوفى المعنى بقوله كطول الدهر فأتى على العرض في
المبالغة. فان قيل فلم لا يكون سعة ومجازا قيل هذه الألفاظ صنعتها صنعة
الحقيقة، وهي بعيدة من المجاز لأن المجاز في هذا له صورة معروفة وألفاظ
مألوفة معتادة، وهي قول الناس عشنا في خفض ودعة زمانا طويلا
عريضا، وما زلنا في رخاء ونعمة الزمان الطويل العريض، وإنما أرادوا
تمامه وكماله وسعته نحو قولهم ثوب طويل عريض أي تام واسع، وأرض
طويلة عريضة أي تامة في الطول والسعة، وكذلك إذا وصفوا ما ليس له
طول ولا عرض على الحقيقة فإنما يريدون التمام والكمال كقول الراعي:
إذا ابتدر الناس المكارم بذهم * عراضة أخلاق ابن ليلى وطولها
وأكثر ما يراد بالعرض إذا جاء مفردا عن الطول السعة نحو قولهم
فلان في نعمة عريضة، وله جاه عريض، وقوله تعالى (عرضها السماوات
والأرض) أي سعتها. فذو دعاء عريض، وقال تميم بن أبي مقبل.
يقطعن عرض الأرض غير لواغب * وكان بحريها لهن صحاري
أي سعة الأرض، وقال الآخر.
سأجعل عرض الأرض بيني وبينهم * وأجعل بيتي في غني وأعصر
فهذا إذا جرى على هذا اللفظ المستعمل حسن، وإذا عدل به إلى ما
يشبه الحقائق أو يقاربها كان خطأ، فإذا قلت مضى لنا في الخفض والدعة
دهر طويل طوله كعرضه لم يجز كقول الطائي (بيوم كطول الدهر في عرض
مثله) لأن هذا الترتيب كان وصفا لأشياء مجسمة فكان هذا اللفظ، كأنه
يذرع ثوبا أو يمسح أرضا أو يصف بالقصر رجلا، كما قال تميم بن أبي
مقبل:
وكل يمان طوله مثل عرضه * فليس له أصل ولا طرفان
والزمان يوصف بالطول فيقال: طال ليلي وطال نهاري، فما كانت
حاجة إلى العرض كما يوصف الوجد بذلك لا بالعرض، ألا تراه قال
(ووجدي من هذا وهذاك أطول).
19 - وقال أبو تمام
ورحب صدر لو أن الأرض واسعة * كوسعه لم يضق عن أهله بلد
قال الآمدي: وهذا أيضا غلط لأن كل بلد يضيق بأهله ليس ضيقه من
جهة ضيق الأرض. ويمكن الجواب بأنه أراد بالأرض كل بقعة وكل بلد
منها، والشعر لا يبتني على تدقيق الفلسفة.
20 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله.
لو لم تصادف شياة البهم أكثر ما * في الخيل لم تحمد الأوضاح والغرر
قال وهذا فساد في ترتيب البيت لأنه ليس إذا وجدت شياة البهم -
وهي صغار الغنم - أكثر ما في الخيل، ووجدت شياة الخيل أكثر ما في
البهم كان ذلك موجبا لحمد الأوضاح والغرر، وإنما كان يصح نظم الكلام
لو لم توجد الأوضاح والغرر في البهم حتى تكون مخصوصة بالخيل فيقول لو
لم تعدم الأوضاح والغرر في البهم لما حمدت في الخيل، فأما أن توجد شياة
البهم في الخيل كثيرا أو شياة الخيل في البهم دائما فليس هذا بموجب حمد
الأوضاح والغرر في الخيل لأن الأوضاح والغرر موجودة في الغنم (اه‍).
(وأقول) هذا البيت أخطأ الآمدي في فهمه فأوجب ذلك اعتراضه على أبي
تمام (فالشياة) جمع شية وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس أو غيره،
قال الله تعالى (مسلمة لا شية فيها): أي ليس في جلدها لون يخالف
باقي لونه (والبهم) جمع بهيم كرغف ورغيف (والأوضاح) جمع وضح وهو
البياض يقال بالفرس وضح إذا كان به شية كالغرة والتحجيل (والغرر)
جمع غرة وهي بياض في الجبهة (ومعنى البيت) ان الشياة التي تخالف معظم
لون الفرس كالغرر والحجول لو لم تكن مع اللون الذي هو أكثر ما في
الخيل الدهم لم تكن محمودة، فالأوضاح والغرر إنما حمدت لقلتها في جنب
بقية اللون ولو كانت كثيرة في الفرس كالذي أكثر لونه أو كله ابيض لم يكن
ذلك البياض محمودا كما تحمد الغرر والحجول، والآمدي حيث فسر البهم
بصغار الغنم وقع في الخطأ واعترض بما اعترض على ما لم يقصد أبو تمام
شيئا منه ولا خطر له ببال، وهذا البيت كالحجة للأبيات التي قبله وهي
قوله:
إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فان كلهم أو جلهم بقر
فكلما أمست الأخطار بينهم * هلكى تبين من أمسى له خطر
لو لم تصادف شياة البهم (البيت) فهو يقول الأوضاح والغرر إنما
حمدت لقلتها كما أن الكرام إنما يحمدون لقلتهم في جنب غيرهم - كما
فصلناه في الجزء الأول من معادن الجواهر.
21 - قال الآمدي: ومن خطأ المدح قوله
سأحمد نصرا ما حييت وإنني * لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد
فإنه رفع الممدوح عن الحمد الذي ندب الله اليه عباده بأن يذكروه به
وينسبوه اليه وافتتح فرقانه في أول سورة بذكره وحث عليه ولو قال: لو جل

407
أحد عن الحمد لجللت عنه كان أعذر، كما قال البحتري:
لو جل خلق قط عن أكرومة * تبنى جللت عن الندى والباس
22 - قال الآمدي: ومن خطائه قوله.
أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها * بالدمع أن تزداد طول وقود
وهذا خلاف ما عليه العرب لأن من شأن الدمع أن يبرد الغليل،
وهو في أشعارهم كثير، واتبعهم أبو تمام في غير هذا البيت مكررا ذلك في
شعره كقوله:
نثرت فريد مدامع لم تنظم * والدمع يحمل بعض ثقل المغرم
وقال: واقعا بالخدود والبرد منه * واقع بالقلوب والأكباد
وقال: فلعل عبرة ساعة أذريتها * تشفيك من إرباب وجد محول
وجعل الآمدي من شواهد ذلك قول أبي تمام.
فلعل عينك أن تجود بمائها * والدمع منه خاذل ومواسي
والصواب انه خارج عن معنى ما استشهد به إذ مواساة الدمع لا ربط
لها بتخفيف الحزن (والحق) إن أبا تمام لا نقد عليه فيما ذكره لأن أساليب
الكلام تختلف فمرة يجعل الدمع مخففا للوجد ومرة يقصد إلى زيادة المبالغة
فيقال إن جمرة الوجد إذا أريد إطفاؤها بالدمع تزداد توقدا.
23 - قال: ومن خطائه قوله
رضيت وهل أرضى إذا كان مسخطي * من الأمر ما فيه رضى من له الأمر
فقوله (وهل أرضى) إنكار ونفي للرضا وهذا خطأ فاحش، فإنه إذا
كان مسخطه ما فيه رضى من له الأمر - وهو الله فعليه - أن يرضى، فكان
الواجب أن يقول (وكيف لا أرضى) (وأقول) ليس هذا مما يخفى على أبي
تمام ولا الأقل منه فيوشك أن يكون في رواية البيت خطأ وصوابه (بلى أرضى) أو
نحوه.
24 - قال: ومن خطائه قوله في البكاء على الدار:
دار أجل الهوى عن أن ألم بها * في الركب إلا وعيني من منائحها
قال: وهذا لفظ محال عن وجهه لأن (إلا) هنا تحقيق وإيجاب،
فكيف يجوز أن تكون عينه من منائحها إذا لم يلم بها (اه‍).
والصواب أن الخطأ من الآمدي لا من أبي تمام، فان قوله (أجل الهوى عن أن ألم)
بها في معنى النفي وهو لم ينف الالمام بها مطلقا بل الالمام الذي لا تكون عينه
فيه من منائحها، فحاصل المعنى أنه كلما ألم بها كانت عينه من منائحها،
وهذا لا غبار عليه.
25 - قال. ومن أخطائه في وصف الربع وساكنه قوله.
قد كنت معهودا بأحسن ساكن * ثاو وأحسن دمنة ورسوم
والربع لا يكون رسما إلا إذا فارقه ساكنوه لأن الرسم هو الأثر الباقي
بعد سكانه، والصواب قول البحتري:
يا مغاني الأحباب صرت رسوما * وغدا الدهر فيك عندي ملوما
26 - قال: ومن خطائه قوله.
طلل الجميع لقد عفوت حميدا * وكفى على رزئي بذاك شهيدا
أراد كفى بمضيه حميدا شاهدا على رزئي، وكان الوجه أن يقول:
وكفى برزئي شاهدا على مضيه حميدا لأن حمد أمر الطلل قد مضى وليس
بشاهد ولا معلوم ورزؤه بما ظهر من تفجعه شاهد معلوم، فلأن يكون
الحاضر شاهدا على الغائب أولى من أن يكون الغائب شاهدا على الحاضر
(اه‍) (وأقول) قوله (كفى) راجع إلى قوله (عفوت) أي وكفى بعفوك
شهيدا على رزئي، والعفو حاضر مشاهد، والاعتراض ساقط.
27 - قال: ومن خطائه قوله في الفراق.
دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة * فلباه طل الدمع يجري ووابله
وتلبية الدمع مضرة للمشتاق على الشوق لأنه يخففه ويطفئ حرارته
فهو حرب للشوق لا ناصر له كما قال البحتري.
وبكاء الديار مما يرد الشوق * ذكرا والحب نضوا ضئيلا
وقد تبعه البحتري في هذا الخطأ فقال يذكر الديار.
نصرت لها الشوق اللجوج بأدمع * تلاحقن في أعقاب وصل تصرما
(أقول) الصواب أنه لا خطأ منه ولا من البحتري فصاحب الشوق
إذا أراد البكاء فأجابه الدمع صح أن يقال إن دمعه نصر الشوق أي أجابه
ولم يستعص عليه، ولا يلزم أن يزيده ويقويه فهو كقول أبي تمام المتقدم.
فلعل عينك أن تجود بمائها * والدمع منه خاذل ومواسي
28 - قال الآمدي: ومن خطائه في معنى الشوق قوله:
يكفيكه شوق يطيل ظماءه * فإذا سقاه سقاه سم الأسود
فقوله (شوق يطيل ظماءه) غلط لأن الشوق هو الظمأ نفسه، ألا
ترى أنك تقول أنا عطشان إلى رؤيتك وظمآن ومشتاق بمعنى واحد فكيف
يكون هو المطيل للظمأ والساقي والمحبوب هو الذي يظمئ ويسقي أو
البعد أو الهجر (وأقول) الظمأ العطش وهو غير الشوق لغة وعرفا،
واستعمال أنا ظمآن إلى رؤيتك وأنا مشتاق إليها لا يجعلهما واحدا، فان
ظمآن في هذا الاستعمال مجاز ونسبة السقي إلى الشوق مجاز.
29 - قال: ومن خطائه قوله.
أمر التجلد بالتلدد حرقة * أمرت جمود دموعه بسجوم
جعل الحرقة آمرة التجلد بالتلدد والحرقة التي يكون معها التلدد
تسقط التجلد البتة وتذهب به فاما أن تجعله متلددا، فهذا من أحق المعاني
وأولاها بالاستحالة، وأيضا فأي لفظ أسخف من أن يجعل الحرقة آمرة،
وإنما العادة في مثل هذا أن تكون باعثة أو جالبة (اه‍).. (وأقول) التلدد
التحير وقوله إن الحرقة التي يكون معها التلدد تسقط التجلد ساقط، فان
معنى أمرها التجلد بالتلدد أن تجعل المتجلد متلددا متحيرا فسواء أسقط
التجلد أم لا فالمعنى صحيح لا استحالة فيه وإذا كانت الحرقة باعثة و جالبة
للتلدد وسجوم الدمع فما أجدرها بأن تجعل آمرة به، فجعل ذلك سخافة
نوع من السخافة.
30 - قال: ومن خطائه قوله.
من حرقة أطلقتها فرقة أسرت * قلبا ومن غزل في نحره عذل (1)
قال الآمدي وإنما قال أطلقتها من أجل قوله أسرت ليطابق بين



(1) هكذا في الديوان وفي نسخة من الموازنة لا يعتمد على صحتها (ومن عذل في نحره غزل)
والمعنى غير ظاهر ويمكن أن يكون الصواب (ومن غزل في نحره غزل) - المؤلف -
408
الاطلاق والأسر، وقوله أسرت معنى ردئ لأن القلب إنما يأسره ويملكه
شدة الحب لا الفراق، فإن لم يكن مأسورا قبل الفراق فما كان هناك حب
فلم حضر للتوديع وما كان وجه البكاء والاستهلال والوجل الذي
ذكره في البيت السابق بقوله:
ولو تراهم وإيانا وموقفنا * في موقف البين لاستهلالنا زجل
(وأقول) نسبة الأسر إلى القلب مجاز، وكما يقال أسره الحب يقال
أسره البين والفراق، بل لعل الثاني أكثر، وهو عبارة عن تعلق القلب
بالظاعن وشدة الشوق للقياه، ولا شك أن هذه الحالة تكون عند الفراق
أشد منها قبله، فيناسب كثيرا نسبة الأسر إلى الفرق فاعتراض الآمدي
ساقط بارد.
31 - قال: ومن خطائه قوله.
ما لامرئ خاض في بحر الهوى عمر * إلا وللبين منه السهل والجلد
قال الآمدي: وهذا عندي خطأ إن كان أراد بالعمر مدة الحياة لأنه
اسم واحد للمدة بأسرها فهو لا يتبعض فيقال لكل جزء منه عمر، كما لا
يقال ما لزيد رأس إلا وفيه شجة وما له لسان إلا وهو فصيح وكذلك لا
يقال: ما له عمر إلا وهو قصير، وإنما يسوغ هذا فيما فوق الواحد مثل:
ما له ضلع إلا مكسورة. (وأقول) فرق بين قولنا ما لامرئ خاض في
بحر الهوى عمر وقولنا ما لزيد عمر أو رأس، فالأول ليس مخصوصا
بشخص خاص بل هو عام بمنزلة قولنا ما عمر من الأعمار، فسقط
الاعتراض.
32 - قال الآمدي: وقال في علي بن الجهم.
هي فرقة من صاحب لك ماجد * فغدا إذابة كل دمع جامد
فافزع إلى ذخر الشؤون وغربه * فالدمع يذهب بعض جهد الجاهد
وإذا فقدت أخا ولم تفقد له * دمعا ولا صبرا فلست بفاقد
بعض جهد الجاهد أي بعض جهد الحزن الذي جهدك (يقال جهد
دابته أي بلغ جهدها) ولو كان استقام له بعض جهد المجهود لكان
أحسن، وقد جاء فاعل بمعنى مفعول كعيشة راضية بمعنى مرضية ولمح باصر
أي مبصر فيه لكنه ليس بقياسي (وأقول) يجوز أن يكون الجاهد من جهد
بمعنى جد حتى بلغ أقصى جهده وطاقته واستعمل فيمن بلغ أقصى جهده
في الحب. قال وقوله: فلم تفقد له دمعا ولا صبرا من أفحش الخطأ لأن
الصابر لا يكون باكيا والباكي لا يكون صابرا، ومعناه إذا فقدت أخا فأدام
البكاء عليك فلست بفاقد وده وإخوته وهو محصل لك غير مفقود وإن كان
غائبا عنك وهذا أراد إلا أنه أفسده بذكر الصبر مع البكاء، وذلك خطأ
ظاهر، ثم قال: وذلك غفلة منه عجيبة، وأطال في ذكر توجيهات متسعفة
وردها (وأقول) الخطأ من الآمدي والغفلة منه فأبو تمام يقول: (وإذا
فقدت أخا فلم تفقد له دمعا) أي لم تبك لفقده فان الباكي يفقد دمعه
فيخرجه من عينيه وينثره على خديه وغيرهما، ولذلك عبروا عن ترك البكاء
بصيانة الدمع كما قال أبو تمام على مثلها من أربع وملاعب أذيلت مصونات
الدموع السواكب وعبر عن الحزن بفقدان الدمع ليطابق قوله (وإذا فقدت
أخا) (ولا صبرا) أي لم تفقد صبرك فتحزن لفقده. فأي غفلة من
الآمدي أعجب من هذه، وصدق فيه: أساء فهما فأساء إجابة.
33 - قال الآمدي وقال أبو تمام
لما استحر الوداع المحض وانصرمت * أواخر السير إلا كاظما وجما
رأيت أحسن مرئي وأقبحه * مستجمعين لي التوديع والعنما
(العنم) شجر له أغصان لطيفة غضة كأنها بنان جارية الواحدة
عنمة كأنه استحسن إصبعها واستقبح إشارتها اليه بالوداع، وهذا خطأ في
المعنى، أتراه ما سمع قول جرير.
أتنسى إذ تودعنا سليمى * بفرع بشامة سقي البشام
فدعا للبشام بالسقيا لأنها ودعته به فسر بتوديعها، وأبو تمام
استحسن إصبعها واستقبح إشارتها، ولعمري إن منظر الفراق منظر
قبيح، ولكن إشارة المحبوبة بالوداع لا يستقبحها إلا أجهل الناس بالحب
وأقلهم معرفة بالغزل وأغلظهم طبعا وأبعدهم فهما (اه‍) (وأقول) أراد
بأقبح مرئي منظر الفراق الذي اعترف الآمدي بأنه منظر قبيح، والذي قال
أبو تمام في البيت الأول أنه أوجب الكظم والوجوم. ولم يرد به إشارتها
ببنانها إليه بالوداع، وجرير دعا للبشام لشبهه بأناملها إذ ودعته، وهذا
الذي قال عنه أبو تمام انه أحسن مرئي. فقوله لا يستقبحه إلا أجهل الناس
بالحب إلى آخره، لا يصدر إلا من أجهل الناس بمعاني الشعر.
34 - قال الآمدي: وقال أبو تمام.
فلويت بالمعروف أعناق الورى * وحطمت بالانجاز ظهر الموعد
حطم ظهر الموعد بالانجاز استعارة قبيحة جدا، والمعنى في غاية
الرداءة لأن انجاز الموعد هو تصحيحه وتحقيقه، وحطم ظهره انما يكون إذا
أخلف الوعد وقال أبو تمام:
إذا وعد انهلت يداه فأهدتا * لك النجح محمولا على كاهل الوعد
فهذه استعارة صحيحة وان كان كاهل الوعد قبيحا، قال ومثل
البيت الأول في الفساد أو قريب منه قوله:
إذا ما رحى دارت أدرت سماحة * رحى كل إنجاز على كل موعد
والمعنى الصحيح قوله:
أبلهم ريقا وكفا لسائل * وأنضرهم وعدا إذا صوح الوعد
ومثله في الصحة قوله:
تزكو مواعده إذا وعد امرءا * أنساك أحلام الكرى الأضغاثا
أما قوله:
نؤم أبا الحسين وكان قدما * فتى أعمار موعده قصار
وقول البحتري:
وجعلت فعلك تلو قولك قاصرا * عمر العدو به وعمر الموعد
فان عمر الموعد مدة وقته فإذا أنجز صار مالا فنفاد وقته ليس بمبطل
له بل ذلك نقله من حال إلى حال أخرى، ألا ترى إلى البحتري كيف
كشف عن هذا المعنى وجاء بالامر من فصه فقال:
يوليك صدر اليوم ما فيه الغنى * بمواهب قد كن أمس مواعدا
ثم اتبع البحتري هذا البيت بقوله:
شيم السحائب ما بدأن بوارقا * في عارض إلا انثنين رواعدا

409
(أقول) تقصير عمر الوعد إنجازه قبل مجئ وقته ولم يقل أبو تمام إن
ذلك إبطال له.
35 - قال: ومن خطائه قوله.
فلو ذهبت سنات الدهر عنه * وألقي عن مناكبه الدثار
لعدل قسمة الأرزاق فينا * ولكن دهرنا هذا حمار
صدر البيت لائق بالمعنى لأن من كان فيه سنة أو نوم لا يبصر
الرشد، فاما دثار المناكب فليس من هذا الباب في شئ، إذ قد يبصر
الإنسان رشده وعلى مناكبه دثار وعلى ظهره أيضا حمل، ولفظة الدثار أيضا
إنما تستعمل لمنع الهواء والبرد لا لمنع الفهم والرشد (اه‍). (أقول) يمكن
أن يكنى بالقاء الدثار عن المناكب عن فراع البال الموجب لاستجماع الفهم
وصفاء الذهن.
36 - قال: ومن خطائه قوله:
وأرى الأمور المشكلات تمزقت * ظلماتها عن رأيك المتوقد
عن مثل نصل السيف إلا أنه * مذ سل أول سلة لم يغمد
فبسطت أزهرها بوجه أزهر * وقبضت أربدها بوجه أربد
فقال الأمور المشكلات وجعل لها ظلمات فكيف يقول فبسطت
أزهرها والزهر هي النيرات والمشكلات لا يكون شئ منها نيرا وكأنه يريد
أن الأمور المشكلة منها جيد قد أشكل الطريق إليه ومنها ردئ قد جهلت
أيضا حاله فهي كلها مظلمة فيمزق ظلماتها برأيه ويكشف عن الجيد منها
ويبسطه أي يستعمله ويكشف عن رديها ويقبضه أي يكفه ويطرحه، ولكن
ما كان ينبغي له أن يقول بوجه أزهر وبوجه أربد إذ لا صنع هنا للوجه إنما
هو الرأي والعقل والرأي على الأحوال كلها أزهر مسفر والوجه أبيض
(اه‍) (وأقول) الردئ من الأمور من شأنه أن يربد له وجه الإنسان، فلا
مانع من أن يقول أبو تمام (وقبضت أربدها بوجه أربد).
37 - قال ومن أخطائه قوله
كالأرحبي المذكي سيره المرطا * والوخد واللمع والتقريب والخبب
(فالأرحبي) من الإبل منسوب إلى أرحب حي من همدان تنسب
إليهم النجائب (والمذكي) الذي قد انتهى في سنه وقوته (والمرطا) من
عدو الخيل فوق التقريب ودون الاهذاب (والوخد) الاهتزاز في السير مثل
وخد النعام (واللمع) من سير الإبل السريع (والتقريب) من عدو الخيل
معروف (والخبب) دونه، وليس التقريب والمرطا من عدو الإبل بل هو
من عدو الخيل لم أره في أوصاف الإبل ولا سيرها.
38 - قال ومن أخطائه قوله:
ومشهد بين حكم الذل منقطع * صاليه أو بحبال الموت متصل
جليت والموت مبد حر صفحته * وقد تفرعن في أفعاله الأجل
لو كان حكم الذل أشياء متفرقة لصحت فيها بين غير أن حكم الذل
والذل بمنزلة واحدة وجعل قوله منقطع في موضع محجم ومتصل في موضع
مقدم وليس هذا من مواضع متصل ولا منقطع وجاء به من أجل الطباق
والتجنيس الذين بهما فسد شعره (وقوله) تفرعن من ألفاظ العامة وما زال
الناس يعيبونه ويقولون اشتق للأجل الذي هو مطل على كل النفوس فعلا
من اسم فرعون، وقد أتى الأجل على نفس فرعون وعلى نفس كل فرعون
كان في الدنيا (وأقول) جاز أن يريد بحكم الذل الجنس أي بين احكام
الذل. ووضع لفظة مكان لفظة إذا أردت معناها لغرض الطباق أو غيره
ليس معيبا كما أن استعمال العامة لكلمة لا يوجب ان يكون استعمال
غيرهم لها معيبا ومناحي الكلام متسعة، فكون الأجل أتى على نفس كل
فرعون لا يمنع أن نعبر عن تسلط الأجل بقولنا تفرعن عن الأجل.
39 - قال: ومن أخطائه قوله:
سعى فاستنزل الشرف اقتسارا * ولولا السعي لم تكن المساعي
قوله (سعى فاستنزل الشرف اقتسارا) ليس بالمعنى الجيد، بل هو
عندي هجاء مصرح لأنه إذا استنزل الشرف فقد صار غير شريف (اه‍)
ملخصه. (وأقول) ليس معنى استنزال الشرف حطه عن رتبته بل معنى
استنزاله أخذه من مكان عال، فان من شأن الشرف أن يوصف بعلو
المكان، فهو قد أخذه من مكانه العالي بجده واجتهاده وبسعيه ولم يعطه إياه
أحد.
40 - قال: ومن أخطائه قوله:
يقظ وهو أكثر الناس إغضاءا * على نائل له مسروق
قوله (على نائل له مسروق) خطأ لأن نائله وهو ما ينيله كيف يكون
مسروقا (اه‍) ملخصه وباب المجاز واسع يسع أن يسمى المسروق منه
نائلا باعتبار إغضائه عنه.
41 - قال: ومن أخطائه قوله:
لو يعلم العافون كم لك في الندى * من لذة وقريحة لم تحمد
وهذا عندي غلط لأن الوصف الذي وصفه به داعية أن يتناهى
الحامد له في الحمد.
42 - قال: ومن أخطائه قوله:
تناول الفوت أيدي الموت قادرة * إذا تناول سيفا منهم بطل
قوله (تناول الفوت أيدي الموت) عويص من عويصاته وإنما سمع
قول سعد بن مالك:
هيهات حال الموت دو * ن الفوت وانتضي السلاح
والفوت هو النجاة أي حال الموت دون النجاة، وهذا صحيح
مستقيم فقال هو تناول الفوت أي الموت وهذا محال لأن النجاة لا تتناولها يد
الموت ولا تصل إليها، وإلا لم تكن نجاة. وهذا من تعقده الذي يخرجه إلى
الخطأ وإنما قصد إلى ازدواج الكلام في الفوت والموت ولم يتأمل المعنى
(اه‍) (وأقول) هذا عجيب من الآمدي فان تناول أيدي الموت للفوت
هو حيلولتها دونه الذي هو في بيت سعد بن مالك، فالذي لم يتأمل المعنى
هو الآمدي لا أبو تمام.
43 - قال: ومن أخطائه قوله:
واكتست ضمر الجياد المذاكي * من لباس الهيجا دما وحميما
في مكر تلوكها الحرب فيه * وهي مقورة تلوك الشكيما
(مقورة) ضامرة. قال الآمدي: فهذا معنى قبيح جدا أن جعل
الحرب تلوك الخيل من أجل قوله تلوك الشكيما، وتلوك الشكيم أيضا ها
هنا خطأ لأن الخيل لا تلوك الشكيم في المكر وإنما تلوكه واقفة، وإنما طرح

410
أبو تمام قلة خبرته بأمر الخيل، ألا ترى إلى قول النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
خيل صيام: أي واقفة مستغنى عنها لكثرة خيلهم، وخيل تحت
العجاج في الحرب، وخيل تعلك اللجم قد أسرجت وألجمت وأعدت
للحرب (اه‍). (وأقول) تلوكها الحرب معنى لا قبح فيه، فلوك الحرب
لها مجاز عما يصيبها في الحرب كما يقال: أكلتهم الحرب وضرستهم بأنيابها
ونحو ذلك. وكون الخيل لا تلوك الشكيم في المكر غير مسلم، فهي
في المكر توقف فتعلك الشكيم، لأن المراد بالمكر مكان الكر لا ساعة الكر
فهو كقول أنس بن الريان:
أقود الجياد إلى عامر * عوالك لجم تمج الدماء
الذي اعتذر عنه الآمدي بأن القود قد يكون في خلاله تلبث
وتوقف.
44 - قال: ومن أخطائه قوله:
والحرب تركب رأسها في مشهد * عدل السفيه به بألف حليم
في ساعة لو أن لقمانا بها * وهو الحكيم لكان غير حكيم
جثمت طيور الموت في أوكارها * فتركن طير العقل غير جثوم
جعل طير الموت في أوكارها جاثمة أي ساكنة لا ينفرها شئ وطير
العقل غير جثوم يعني أنها نفرت فطارت يريد طيران عقولهم من شدة
الروع، وما كان ينبغي أن يجعل طير الموت جثوما في أوكارها بل جاثمة على
رؤوسهم أو واقعة عليهم، فإنها في السلم والأمن جاثمة في أوكارها، وطير
العقل ليست ضدا لطير الموت بل ضد لطير الجهل، وطير الحياة هي ضد
لطير الموت، وقوله غير جثوم لا ينوب مناب طائرة لأن الطير يكون جاثما
ويكون قائما على رجليه ساكنا مطمئنا (اه‍) (وأقول) جثوم طير الموت في
أوكارها كناية عن حضورها واستقرارها في محل المعركة وفي ساعة الحرب،
ولعل المراد بأوكارها آلات القتال فإن ساعة الحرب لما كانت مظنة الموت
والخطر صح أن يقال إن طير الموت جاثمة في أوكارها فيها في السيوف
والرماح والنبال، أما في ساعة السلم فلو قيل إن طير الموت جاثمة فيها في
أوكارها لكان المراد به معنى آخر وهو بعدها عن الأحياء، وغير الجاثم يصح
أن يعبر به عن غير المستقر، باعتبار أن الغالب على غير الجاثم عدم
الاستقرار.
45 - قال ومن أخطائه قوله في وصف الفرس.
ما مقرب يختال في أشطانه * ملآن من صلف يه وتلهوق
يقال أقرب المهر إذا دنا من أن يصير ثنيا قال الآمدي (ملآن من
صلف) يريد التيه والكبر، وهذا مذهب العامة في هذه اللفظة، فأما
العرب فإنها لا تستعملها على هذا المعنى وإنما تقول صلفت المرأة عند زوجها
إذا لم تحظ عنده وصلف الرجل إذا كانت زوجته تكرهه والصلف الذي لا
خير عنده فقد ذم الفرس من حيث يريد أن يمدحه وقد ذكر أبو عبيدة
القاسم في الغريب المصنف في أول نوادر الأسماء التلهوق وقال وهو مثل
التملق وما أرى أبا تمام في وضع هاتين اللفظتين إلا غالطا (اه‍) (أقول)
ذكر في القاموس من معاني الصلف مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا
فهو إذا يقارب معنى التيه والكبر، وقال الزمخشري في الفائق: التلهوق أن
يتزين بما ليس فيه من خلق ومروة ويدعي الكرم والسخاء بغير بينة،
وعندي أنه تفعول من اللهق وهو الأبيض فقد استعملوا الأبيض في موضع
الكريم لنقاء عرضه مما يدنسه من ملامات اللئام (اه‍). وفي القاموس
رجل لهوق كجرول مطر مذ فياش (اه‍). مطر مذ ملق وفياش متكبر فلا
مانع من استعمال التلهوق في إظهار أكثر مما فيه تيها وتكبرا، وكأن أبا تمام
أخذ بيته من قول الكميت:
أجزيهم يد مخلد وجزاؤها * عندي بلا صلف ولا بتلهوق
46 - وقال أبو تمام:
وثنوا على وشي الخدود صيانة * وشي البرود بمسجف وممهد
قال الآمدي: المسجف المرخى والممهد. الوطاء الذي يوطأ تحت
المرأة فكيف يكون مشركا مع المسجف الذي ذكر أنهم ثنوه على وشي
الخدود، والممهد ليس حاله هذه فيعطفه عليه.
47 - قال: ومن أخطائه قوله:
بقاعية تجري علينا كؤوسها * فتبدي الذي نخفي وتخفي الذي نبدي
أي إن الخمر تخفي الذي نبديه في حال الصحو من الحلم والوقار
والكف عن الهزل، وتبدي الذي نخفي أي الذي نعتقده ونكتمه من ضد
ذلك لأنه في الطبيعة والغريزة، والذي كنا نظهره إنما هو تصنع وتكلف،
فكل شئ يظهره الإنسان وليس في اعتقاده فان الذي يضمره ويكتمه هو
ضده فإذا أظهر السكر اعتقاد المعتقد الذي هو الصحيح فان ضده مما كان
يتجمل باظهاره يبطل ويتلاشى لا أن الشراب يخفيه ويكتمه كما كانت
الحقيقة مكتومة، هذا محال لأن القلب هو محل المعتقدات فلا يجوز أن
يجتمع فيه الشئ وضده، والاعتقادات لا تكون باللسان لأن اللسان
يكذب والقلب لا يتضمن إلا الحقيقية، وقول أبي تمام (فتبدي الذي
نخفي) صحيح، وقوله (وتخفي الذي نبدي) فاسد، لأن نخفي معناه
نكتم ونستر، والذي قد أبطلته وأزلته لا يجوز ان يعبر عنه بأنك أخفيته
وكتمته (اه‍) (وأقول) هذا استقصاء على أبي تمام بارد، فالتعبير عما
أزالته بأنها أخفته ليس بالأمر الصعب ولا المستهجن.
48 - قال: ومن أخطائه قوله في وصف فرس.
وبشعلة نبذ كان فليلها (فلولها) * في صهوتيه بدو شيب المفرق
(فليلها) ما تفرق منها (والصهوة) موضع اللبد وهو مقعد الفارس
من الفرس، وذلك الموضع أبدا ينحت شعره لغمز السرج إياه، فينبت
أبيض لأن الجلد هنا يرق، وأنت تراه في الخيل كلها على اختلاف شياتها،
وليس بالبياض المحمود ولا الحسن ولا الجميل (أقول) ولا بالبياض
المذموم، وأبو تمام شبهه ببدء شيب المفرق، ولم يدع حمده ولا حسنه ليكون
مخطئا. قال: وهو خطأ من وجه آخر وهو أنه جعله شعلة، والشعلة لا
تكون إلا في الناصية أو الذنب وهو أن يبيض عرضها وناحية منها فيقال:
فرس أشعل وشعلاء، وذلك عيب من عيوب الخيل، فإن كان ظهر الفرس
أبيض خلقة فهو أرحل ولا يقال أشعل.
49 - قال: ومن قبيح وصف شياة الخيل قول أبي تمام في هذا الفرس
أيضا:
مسود شطر مثل ما اسود الدجى * مبيض شطر كابيضاض المهرق

411
شطر الشئ: جانبه وناحيته، وقد يراد بالشطر نصف الشئ
كشاطرتك مالي، وذلك من أقبح شياة الأبلق، ولم يرده أبو تمام وإنما أراد
بالشطر هنا البعض أو الجزء، وقد جعله أبو تمام في أول الأبيات أشعل ثم
جعله هنا أبلق، فهذا الفرس هو الأشعل الأبلق على مذهبه في هذا
التشبيه، ولا ينكر مثل هذا من ابتداعاته (اه‍). (وأقول) صرح
صاحب القاموس بأن الشطر يطلق على الجزء، قال ومنه حديث الاسراء
فوضع شطرها أي بعضها (اه‍) يعني الصلاة. 50 - ومما يمكن أن يعاب على أبي تمام قوله في غزل قصيدة يمدح بها
محمد بن الهيثم بن شبابة:
وقالوا نكاح الحب يفسد شكله * وكم نكحوا حبا وليس بفاسد
فان ذكر مثل ذلك زيادة على كونه من المجون السخيف في مدح رجل
عظيم، غير لائق ولا مناسب. ومما يعاب عليه أيضا قوله في هذه القصيدة
يذكر الممدوح:
فوا كبدي الحرى ووا كبد الندى * لأيامه لو كن غير بوائد
وهيهات ما ريب الزمان بمخلد * غريبا ولا ريب الزمان بخالد
فمثل هذا مما يتشاءم به ولا يليق ذكره في المدائح.
اللحن
الثاني - من الأمور التي عيبت على أبي تمام وقوع اللحن في كلامه في
مواضع (أحدها) قوله:
ثانيه في كبد السماء ولم يكن * لاثنين ثان إذ هما في الغار
أي أن بابك ثاني مازيار في كبد السماء حين صلب إلى جانبه ولم يكن
ثانيا لاثنين إذ هما في الغار بل ثانيا لمازيار فقال ثان والصواب ثانيا لأنه خبر
يكن (والجواب) إن تسكين المنقوص المنصوب جائز في الشعر.
(ثانيها) قوله:
شامت بروقك آمالي بمصر ولو
أضحت على الطوس لم تستبعد الطوسا
فأدخل آل على طوس وهي اسم بلدة معروفة. والذي في الديوان:
شامت بروقك آمالي بمصر ولو * أضحت بطوس لما قصرت عن طوسا
ويخشى أن تكون رواية البيت على الوجه الأول تحريفا من الرواة فبنوا
اعتراضهم على التحريف كما أشار إليه الصولي في بعض ما نقلناه عنه من
الكلام، ولم يكن ليخفى على أبي تمام أن طوس علم لا تدخله ال وهو يعد
من علماء العربية كما مر.
(ثالثها) قوله:
إحدى بني بكر بن عبد مناه * بين الكثيب الفرد والأمواه
وإنما هي مناة في الادراج كما في قوله تعالى (ومناة الثالثة الأخرى) وإنما تكون بالهاء في الوقف لا في الحركة والدرج.
(رابعها) قوله:
لم يجتمع أمثالها في موطن * لولا صفات في كتاب الباه
وإنما هي الباءة بالمد بوزن الباعة، وإن كان قد حكي الباه في بعض
اللغات الرديئة، والردئ لا يعتد به. ويرده قول صاحب القاموس الباه
كالجاه النكاح.
(خامسها) قوله:
فكم لي من هواء فيك صاف * عذي جوه وهوى وبي
فقال عذي وهو عذ بالتخفيف.
(سادسها) قوله (على الأعادي ميكال وجبريل) فأوقع الاعراب على
الأعادي وذلك غير جائز. وهذا البيت لم أجده في الديوان.
(سابعها) قوله:
ستين ألفا وسبعينا ومثلهما كتائب الخيل تحميها الأراجيل
فنون النون من سبعين وهذا لا يسوغه محدث وهذا البيت أيضا لم
أجده في ديوانه.
(ثامنها) قوله:
صلتان أعداؤه حيث كانوا في حديث من ذكره مستفاض
فقال: مستفاض وإنما هو مستفيض. وأجيب عنه بأن المراد
مستفاض فيه.
المعاظلة
الثالث - مما عيب على أبي تمام (المعاظلة) وهي مداخلة الكلام بعضه
في بعض وركوب بعضه لبعض كقولهم: تعاظل الجراد وتعاظلت
الكلاب، قال الآمدي ومن المعاظلة شدة تعليق الشاعر ألفاظ البيت
بعضها ببعض وأن يداخل لفظة من أجل لفظة تشبهها وإن اختل المعنى
بعض الاختلال كقول أبي تمام:
خان الصفاء أخ خان الزمان أخا * عنه فلم يتخون جسمه الكمد
يريد خان الصفاء أخ خان الزمان أخا من أجله إن لم يتخون جسمه
الكمد. وقوله:
يا يوم شرد يوم لهوي لهوه * بصبابتي وأذل عز تجلدي
وقوله:
يوم أفاض جوى أغاض تعزيا * خاض الهوى بحري حجاه المزبد
حوشي الكلام
الرابع - مما عيب على أبي تمام تتبعه حوشي الكلام أي غريبه وإدخاله
في شعره. وهذا كثير في شعره يطلع عليه المتتبع. وأبو تمام لالفه طريقة
العرب الأول وحفظه ومطالعته أكثر شعرهم سلك مسالكهم في كثير من
تراكيبه وأتى بألفاظهم الغريبة، وكان لإلفه لها وسعة اطلاعه لا يراها غريبة
وإن كانت غريبة عندنا، فاستعمال أكثرها لا يعاب عليه كما لا يعاب على
العرب الأول، كما نبهنا عليه مرارا. ونحن نذكر هنا نماذج كثيرة من
تراكيبه التي سلك فيها مسلك العرب وبعض ألفاظه الغريبة بدون استقصاء
فهو يقول في مطلع قصيدته التي يمدح بها أهل البيت عليهم السلام: أظبية حيث استنت الكثب العفر * رويدك لا يغتالك اللوم والزجر
أسري حذارا أن تعيدك ردة * ويحسر ماء من محاسنك الهذر
أراك خلال الأمر والنهي بوة * عداك الردى ما أنت والنهي والأمر

412
فهذا التركيب في هذه الأبيات يمت إلى تراكيب العرب بصلة ظاهرة،
ويقول فيها:
هم الناس ساد الذم والحرب بينهم * وحمران يغشاهم الحمد والأجر
في القاموس حمر الرجل كفرح تحرق غضبا (اه‍) وكأن حمر بالتشديد
تضعيف حمر بالتخفيف للمبالغة، وهو من الألفاظ الغريبة، وكان يمكنه ان
يقول بدلها و (جانب)، وبعده.
صديقك منهم مضمر عنجهية * فقائده تيه وسائقه كبر
فالعنجهية وهي الكبر من الألفاظ المستثقلة ثم قال:
سئمتم عبور الضحل خوضا فأية * تعدونها لو قد طغى بكم البحر
والضحل لفظ متنافر، ثم قال في أمير المؤمنين عليه السلام.
هو السيف سيف الله في كل مشهد * وسيف الرسول لا ددان ولا دثر
فددان من الألفاظ الغريبة المستثقلة!، وكرر لفظة ددان في شعره
فقال.
وصارم الشفرتين عضبا * غير ددان ولا أنيث
ولكنه ما كان يرى هذه الألفاظ غريبة ولا وحشية لالفه ألفاظ
العرب. ثم قال يذكر ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من الظلم
ويشبه حال الأمة معهم بناقة تركت ولدها في روضة ثم غيبه عنها مسيل ماء
فجنت لفقده ثم أبصرته خارجا من الروضة فرغا لما رآها فأسرعت إليه فلما
أراد رضاعها ركلته برجلها ودفعته ورمت به فخر صريعا، واستمرت
بقسوتها عليه تذهب إلى هنا وهنا وتستقرئ أمكنة العشب، فقال وكل
أبياته هذه لا تعدو طريقة العرب الأول:
كأم الحوار استودعته خميلة * ترأد فيها النبت وازدوج الزهر
فهذا البيت في تركيبه البديع وألفاظه الجميلة العذبة كأم الحوار
والخميلة وترأد النبت وازدواج الزهر عربي قح قليل الشبه بشعر المولدين:
فغيبه عنها قري بوهدة * أحل بها أعباء أحماله القطر
القري كغني مسيل الماء وهو من الألفاظ العربية القحة التي لا تخلو
من غرابة. وما أجمل قوله (أحل به أعباء أحماله القطر).
فجنت جنونا واستعاضت من الربى * فنونا وما تغني المزلة والذكر
وهذا البيت كغيره في تركيبه كأنه من تراكيب عرب الجاهلية
كلا وكلا ثم استحالته فاصلا * من الروض تزهاه حقوف نقى عفر
(كلا وكلا) أي مدة قليلة (واستحالته) نظرته (وفاصلا) خارجا
(وتزهاه) تجعله يزهو في مشيه، وهذا البيت لا يعدو شعر عرب الجاهلية.
رغا إذ رآها فاستجابت مشيحة * عليه ومنها الركل والزبن والطحر
فالركل والزبن والطحر ألفاظ حوشية غير عذبة لا سيما مجتمعة وفيها
ركل وزبن وطحر للقلب كما في معانيها للجسم ولا يكاد يستعمل مثلها
المولدون، وإن استعملوها لم تكن محمودة منهم، لكن العرب الأول لا
يتحاشون استعمالها.
فخر صريعا واستمرت بقسوة * ترود وتقرو الأمكنات التي تقرو
ويقول من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني:
نعم لواء الخميس أبت به * يوم خميس عالي الضحى أفده (1)
خلت عقابا بيضاء في حجرا * ت الملك طارت منه وفي سدده (2)
فشاغب الجو وهو مسكنه * وقاتل الريح وهو من مدده
ومر تهفو ذؤابتاه على * أسمر متن يوم الوغى جسده (3)
تخفق أفياؤه على ملك * يرى طراد الأبطال من طرده (4)
ويقول في مطلع قصيدة:
قدك اتئب أربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي
قدك: حسبك. اتئب: استح. وأربيت: زدت. والغلواء من
الغلو وسجرائي أصدقائي، فهذا البيت بأسلوبه وألفاظه ووحشية أقرب إلى
شعر العرب. ويقول.
نوار في صواحبها نوار * كما فاجاك سرب أو صوار
ويقول:
هل آثر من ديارهم دعس * حيث تلاقى الأجزاع والوعس
إلى آخر القصيدة. وقوله.
تصدت وحبل البين مستحصد شزر * وقد سهل التوديع ما أوعر الهجر
ومن استعماله لألفاظ العرب الغريبة التي لم تكن عنده غريبة
استعماله الوسج الرواتك في قوله:
ما على الوسج الرواتك من عتب * إذا ما أتت أبا أيوب
وقوله في هذه القصيدة:
سدك الكف بالندى عائر السمع * إلى حيث دعوة المكروب
ومنه قوله.
قد قلت لما اطلخم الأمر وانبعثت * عشواء تالية غبسا دهاريسا
ومن هذه القصيدة:
أهيس أليس لجاء إلى همم * تغرق الأسد في آذيها الليسا
الواردين حياض الموت متأقة * ثباثبا وكراديسا كراديسا
نموك قنعاس دهر حين يحزنه * أمر يشاكه آباء قناعيسا
وقدموا منك إن هم خاطبوا ذربا * أو رادسوا حضرمي الفخر رديسا
(اطلخم) اسود (غبسا) سودا (دهاريسا) دواهي (أهيس) جاد
(أليس) شجاع بطل غاية في الشجاعة وهو الذي لا يكاد يبرح موضعه في
الحرب حتى يظفر أو يهلك (الآذي) الموج (القنعاس) الرجل الشديد
المنيع (يشاكه) يشابه (المرادسة) المراماة (والليس) جمع أليس. وقوله
وإن بجرية نابت جأرت لها * إلى ذرى جلدي فاستوهل الجلد
قال الآمدي فبجرية وجأرت وإن كانت معروفة مستعملة فإنها إذا
اجتمعت استقبحت وثقلت، وكذلك قوله (هن البجاري يا بجير)
البجاري جمع بجرية وهي الداهية. وقوله.
غرض الحوادث ما تزال ملمة * ترميه عن شزن بأم حبوكر
بنداك يوسى كل جرح يعتلى * رأب الأساة بدردبيس قنطر
أم حبوكر والدردبيس والقنطر من أسماء الدواهي. وقوله



(1) أصل الأفد العجل ويقال أفد الرجل إذا أشرف وأراد هنا قرب انقضائه.
(2) جمع سدة وهي ساحة باب الدار أو كالظلة تكون على الباب.
(3) بفتح الجيم وكسر المهملة أي قد لصق به الجسد وهو الدم اليابس.
(4) الطرد الصيد أي مقاتلة الشجعان عنده صيد ولهو - المؤلف -
413
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه * بلا طالع سعد ولا طائر كهل
قال الآمدي وإنما سمقول بعض الهذليين:
فلو كان سلمى حازه وأجازه * رياح ابن سعد رده طائر كهل
فوجدت في تفسير أشهار هذيل أن الأصمعي لم يعرف قوله طائر
كهل. وقال بعضهم كهل ضخم، وما أظن أحدا قال طائر كهل غير هذا
الهذلي، فاستغرب أبو تمام معنى الكلمة فأتى بها وأحب أن لا تفوته (اه‍)
والذي في الديوان (ولا طائر سهل). ومما يندرج في ذلك قوله في وصف
النوق:
خوانف يظلمن الظليم إذا عدا * وسيج أبيه وهو للبرق شائم
(الخوانف) التي تمر على شق من نشاطها (والظليم) ذكر النعام
(والوسيج) سيره السريع. يقول إذا سارت هذه الإبل فكأنما غصبت
الظليم سير أبيه إذا عدا شائما للبرق وخشي على بيضه وفراخه المطر
فأسرع نحوها. ولا يخفى أن هذا البيت مع اشتماله على الغريب من أعالي
الشعر ومعناه من أبدع المعاني. وقال:
أغشيت بارقة الأغماد هامهم * ضربا طلخفا ينسي الجانف الجنفا
وقال:
أقول لقرحان من البين لم يضف * رسيس الهوى بين الحشا والترائب
وقال:
فكم جزع واد جب ذروة غارب * وبالأمس كانت أنمكته (1) مذانبه
إليك جزعنا مغرب الملك كلما * وسطنا ملا صلت عليك سباسبه
وأي مرام عنه يعدو نباطه * غدا أو تفل الناعجات أخاشبه
وقال:
أما ترى الأرض غضبى والحصى قلقا * والجو بالحرجف (2) النكباء يقتتل
ومن شعره الذي ينحو به منحى العرب الأولى ويستعمل غريب
ألفاظهم قوله:
يا ظبية الجزع التي بمحجر * ترعى الكباث مصيفة والعلفا
تقر وبأسفله ربولا غضة * وتقيل أعلاه كناسا فولفا
أتبعت قلبي حسرة كانت أسى * تبعت أماني فيك كانت زخرفا
هبت رياحك لي جنوبا سهوة * حتى إذا أورقت عادت حرجفا
وقال في وصف الفرس.
صهصلق في الصهيل تحسبه * أشرج حلقومه على جرس
فان صهصلق مع كونه غريبا حوشيا فهو متنافر الحروف، وكأنه
استعذب هذه اللفظة واستملحها فكررها في شعره وقال:
مزمجر المنكبين صهصلق * يطرق أزل الزمان من صخبه
وقال في وصف الفرو
يراه الشفيف المرثعن فينثني * حسيرا وتغشاه الصبا فتنكب
وقال
كالرشأ العوهج أطباه * روع إلى مغزل رغوث
ذو ميعة مشيه الدفقي * وذات لوث بها ملوت
وقال
تخب بنا أدم المهاري وشيمها * على كل نشز مثلئب وفدفد
وقال
أهلا وسهلا بالامام ومرحبا * سهلت حزونة كل أمر قرقد
وقال
ومزحزحاتي عن ذراك عوائق * أصحرن بي للعنقفير المؤيد (3)
وقال:
وصفراء أحدقنا بها في حدائق * تجود من الأثمار بالثعد والمعد (4)
وقال:
هو كوكب الاسلام أية ظلمة * يخرق فمخ الكفر فيها رار (5)
وقوله:
كم فتى ذل للزمان وقد * ألقى مقاليده إليه القبيض
لوذعي يهلل المشرفي * العضب عنه والزاعبي النخيض
وبساط كأنما الآل فيه * وعليه سحق الملاء الرحيض
يصبح الداعري ذو الميعة المر * جم فيه كأنه مأبوض
فاشمعلوا يلجلجون دؤوبا * مضغا للكلال فيها أنيض
وقال يهجو:
أبى لك أن تأبى المخازي كلها * أب أندرهلي وجد معلم
فلما بدا لي منك لؤم تحفه * حرمية يستن فيها تبظرم
وقال:
ورجوت نائلكم رجاءكم العلى * بتذكر العلجان والبعضيد
ونسيت سوء فعالكم نسيانكم * أنسابكم في كورة البشرود
وقال:
كان في الأجفلي وفي النقرى * عرفك نظر القموم نضر الوحاد
ومن استعماله الغريب في كلامه استعماله أروية واللبب وغيرها في
قوله:
قد نابت الجزع من أروية النوب * واستحقبت جدة من دارها الحقب
ألوى بصبرك إخلاق اللوى وهفا * بلبك الشوق لما أخفق اللبب
كالأرحبي المذكى سيره المرطا * والوخد واللمع والتقريب والخبب
وقوله:
منع الزيارة والوصال سحائب * شم الغوارب جأبة الأكتاف
وكأنما آثارها من مزنة * بالميث والوهدات والأخياف
فان (جأبة والميث) من الألفاظ الغريبة عندنا ولم تكن غريبة عند أبي
تمام الذي كان اطلاعه واسعا على لغة العرب. وقوله.
وإذا مشى يمشي الدفقى أو سرى * وصل السرى أو سار سار وجيفا
ومن الألفاظ الحوشية التي استعملها (الخفقيق) و (القيذوق)



(1) أتمكته أسمنته.
(2) الحرجف الريح الباردة الشديدة الهبوب -
(3) العنقفير: الداهية، والمؤيد كمؤمن من صفات الداهية -
(4) الثعد الرطب من التمر والغض من البقل (والمعد) البقل الرخص والغض من الثمر.
(5) الرار الذائب من المخ - المؤلف -
414
و (الناطلون) و (البقلار) وغيرها في قصيدة قافية مدح بها محمد بن يوسف
الثغري، فمن أبياتها قوله:
رميت من أبي سعيد صفاة الروم * جمعا بالصيلم الخنفقيق
ومنها قوله يصف خيلا:
وطئت هامة الضواحي فلما * أن قضت نحبها من القيذوق
ألهبتها السياط حتى إذا استفت * باطلاقها على الناطلوق
شنها شزبا فلما استباحت * بالبقلار كل سهب ونيق
في معجم البلدان: الناطلوق بفتح الطاء المهملة وضم اللام موضع
في الشعر ذكره أبو تمام وذكر البيت. والموجود في الديوان الباطلوق بالباء
الموحدة. وقوله.
عطفت ملامتها على ابن ملمة * كالسيف جاب الصبر شخت الآل
وقوله:
مهلا بني مالك لا تجلبن إلى * حي الأراقم دؤلول ابنة الرقم
وقوله:
وبالخدلة الساق المخدمة الشوى * قلائص يتبعن العبنى المخدما
وقوله:
ومؤيه بي كي أفيق وإنني * لأصم عن ياه وعن يهياه
كالسيف ليس بزمل شهذارة يوما ولا بغضبة جباه
وقوله:
حماد من نوء له حماد * في ناجرات الشهر لا الدآدي
الزحاف واضطراب الوزن
الخامس - مما عيب على أبي تمام الزحاف واضطراب الوزن وإليه أشار
دعبل بقوله (إن شعر أبي تمام بالخطب والكلام المنثور أشبه منه بالكلام
المنظوم) فمن ذلك قوله.
وأنت بمصر غايتي وقرابتي * بها وبنو أبيك فيها بنو أبي
وقوله:
كساك من الأنوار أبيض ناصع * وأصفر فاقع وأحمر ساطع
وقوله:
يقول فيسمع ويمضي فيسرع * ويضرب في ذات الإله فيوجع
وكذلك حكاه الثعالبي في ترجمة السلامي محمد بن عبد الله، والذي في
الديوان (ثم يمضي) وقوله.
لم تنتقض عروة منه ولا قوة * لكن أمر بني الآمال ينتقض
والذي في الديوان (ولا سبب) بدل ولا قوة. وقوله.
إلى المفدي أبي يزيد الذي * يظل غمر الملوك في ثمده
وقوله في هذه القصيدة.
جلة أنماره وهمدانه * والشم من أزده ومن أدده
وقوله
ولم تغير وجهي عن الصبغة * الأولى بمسفوع اللون ملتمعه
قال الآمدي إن هذا الزحاف مغتفر في الشعر، ولكنه حيث كثر في
شعر أبي تمام صار معيبا (اه‍). والحق إنه معيب قل أو كثر لكن الكثير
أكثر عيبا.
السرقة
السادس - مما عيب على أبي تمام السرقة، واعلم أن نسبة السرقة في
الشعر لم يسلم منها أحد من الشعراء لا سيما المحدثين، ولا يبعد أن يكون
أبو تمام أوفر الناس نصيبا في هذه النسبة لا لأنه أكثرهم سرقة بل لأنه
أشيعهم ذكرا وأكثرهم حاسدا، فقد أحصى ابن أبي طاهر فيما حكاه عنه
الآمدي في الموازنة كما ستعرف سرقاته وأطال فيها، وقد كان دعبل
ينسبه إلى السرقة ويبالغ في ذلك حتى زعم أن ثلث شعره سرقة، ولكن هذا
محض تحامل كما يأتي. وقال الآمدي - الذي ليس بسالم من التعصب على
أبي تمام - إنه كثير السرقة، ثم قال سمعت أبا علي محمد بن العلاء
السجستاني يقول: إنه ليس لأبي تمام معنى انفرد به فاخترعه إلا ثلاثة معان
وهي قوله:
تأبى على التصريد إلا نائلا * إلا يكن ماء قراحا يمذق
نررا كما استكرهت عائر نفخة * من فارة المسك التي لم تفتق
وقوله:
بني مالك قد نبهت خامل الثرى * قبور لكم مستشرفات المعالم
رواكد قيد الشبر من متناول * وفيها علا لا ترتقى بالسلالم
وقوله:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود
(اه‍). وهذا تحامل ليس فوقه تحامل، ولهذا تعقبه الآمدي
بقوله: ولست أرى الأمر على ما ذكره أبو علي، بل أرى انه على كثرة
مآخذه من أشعار الناس ومعانيهم مخترعات كثيرة وبدائع مشهورة (اه‍).
ثم إن العادة جارية في أن الشاعرين إذا تعاورا معنى واحدا ان يقال إن
اللاحق أخذ من السابق، ولكن هذا على إطلاقه ليس بصحيح، فقد
يكون اللاحق لم يطلع على شعر السابق، وهذا ما يسمونه بتوارد الخاطر،
ومر في ترجمة المتنبي انه قيل له في بيت شعر: معنى بيتك هذا أخذته من
الطائي. فقال الشعر جادة وربما وقع حافر على حافر (اه‍). فمجرد
توافق الشاعرين لا يدل على أخذ أحدهما من الآخر، على أن السرقة إنما تكون في
المعاني الغريبة المخترعة، أما المعاني المبذولة المتعارفة فلا يتحقق فيها السرقة
لمعرفة الجميع بها. وقال الآمدي في الموازنة: وجدت ابن أبي طاهر خرج
سرقات أبي تمام فأصاب في بعضها وأخطأ في البعض، لأنه خلط الخاص
من المعاني بالمشترك بين الناس مما لا يكون مثله مسروقا (اه‍). وفي أخبار
أبي تمام للصولي: لو جاز أن يصرف عن أحد من الشعراء سرقة لوجب أن
يصرف عن أبي تمام لكثرة بديعه واختراعه واتكائه على نفسه، ولكن حكم
النقاد للشعر العلماء به قد مضى بأن الشاعرين إذا تعاورا معنى ولفظا أو
جمعاهما أن يجعل السبق لأقدمهما سنا وأولهما موتا، وينسب الأخذ إلى
المتأخر، لأن الأكثر كذا يقع، وإن كانا في عصر ألحق بأشبههما به كلاما،
فان أشكل ذلك تركوه لهما (اه‍). وقال المرتضى في الشهاب: ليس
ينبغي لأحد ان يقدم على أن يقول أخذ فلان الشاعر هذا المعنى من فلان
وان كان أحدهما متقدما والآخر متأخرا، لأنهما ربما تواردا من غير قصد ولا

415
وقوف من أحدهما على ما تقدمه الآخر إليه، وإنما الإنصاف أن يقال هذا
المعنى نظير المعنى ويشبهه ويوافقه فأما أخذه وسرقه فمما لا سبيل إلى العلم
به لأنهما قد يتواردان على ما ذكرناه ولم يسمع أحدهما بكلام الآخر وربما
سمعه فنسيه ثم اتفق له مثله من غير قصد (اه‍) ثم إن أخذ شاعر من شاعر
وان كان معيبا في نفسه إلا أنه لا يعد قدحا في شاعرية الآخذ، نعم يكون
الفضل للمأخوذ منه لا للآخذ. فالصائغ الحاذق إذا صاع حليا وأتقنه
وسرق حليا من صائغ آخر وضمه إلى مصوغه تعاب عليه السرقة ولا يقال
إن ذلك قصور في معرفته بالصياغة، على أن من أخذ معنى من غيره
فتصرف فيه وحسنه وأحسن وضعه في موضعه، كان أحق به من صاحبه.
وقد ذكر الصولي في أخبار أبي تمام أشياء قال إن أبا تمام أخذها من غيره و
نحن نوردها فيما يأتي: قال أبو تمام (يستنزل الأمل البعيد ببشره) البيتين
المتقدمين أخذه من قول أبي نواس:
بشرهم قبل السؤال اللاحق * كالبرق يبدو قبل جود دافق
والغيث يخفى وقعه للرامق * ما لم تجده بدليل البارق
وقال أبو تمام:
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا * عذب تحدر من غمام واحد
أخذه من قول الفرزدق.
يا بشر أنت فتى قريش كلها * ريشي وريشك من جناح واحد
وقال أبو تمام:
ثوى بالمشرقين لهم ضجاج * أطار قلوب أهل المغربين
أخذه من قول مسلم
لما نزلت على أدنى بلادهم * ألقى إليك الأقاصي بالمقاليد
وقال أبو تمام
شهدت جسيمات العلى وهو غائب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا
أخذه من قول محمد بن عبيد الله العتبي
قوم حضور غائبي * الأذهان ليس لها قفول
وقال أبو تمام
البيد والعيس والليل التمام معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن
أخذه من قول ذي الرمة
وليل كجلباب العروس أدرعته * بأربعة والشخص في العين واحد
أحم علافي وأبيض صارم * وأعيس مهري وأروع ماجد
وقال أبو تمام
وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
أخذه من قول الآخر
ولو أنهم فروا لكانوا أعزة * ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما
وقال أبو تمام
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا
أخذه من قول البعيث
وإنا لنعطي المشرفية حقها * فتقطع في أيماننا وتقطع
ومن قوله أيضا
أوفى به الدهر من أحداثه شرفا * والسيف يمضي مرارا ثم ينقصد
وقال أبو تمام
وركب كأطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل داج (تسطو) غياهبه
لأمر عليهم أن تتم صدوره * وليس عليهم أن تتم عواقبه
أخذ البيت الأول من قول البعيث
أطافت بشعث كالأسنة هجد * بخاشعة الأضواء غبر صحونها
وأخذ البيتين من قول الشاعر
غلام وغى تقحمها فأبلى * فخان بلاءه دهر خؤون
فكان على الفتى الاقدام فيها * وليس عليه ما جنت المنون
وقال أبو تمام
علمني جودك السماح فما * أبقيت شيئا لدي من صلتك
أخذه من قول ابن الخياط المديني وقد امتدح المهدي فأمر له بجائزة
ففرقها في دار المهدي وقال
لمست بكفي كفه أبتغي الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
وقال أبو تمام
وقد ظللت عقبان راياته ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش إلا أنها لم تقاتل
وقد قال مسلم قبله
قد عود الطير عادات وثقن بها * فهن يتبعنه في كل مرتحل
وقال أبو نواس
تتآيا الطير غزوته * ثقة بالشبع من جزره
وقال النابغة:
إذا ما غدوا بالجيش حلق فوقهم * عصائب طير تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقن أن قبيله * إذا ما التقى الجمعان أول غالب
وقال الأفوه الأودي
فترى الطير على آثارنا * رأي عين ثقة أن ستمار
وقال أبو تمام
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول
أخذه من قول كثير
إذا وصلتنا خلة لتزيلها * أبينا وقلنا الحاجبية أول
(ما ذكره الآمدي في الموازنة من مآخذ أبي تمام مما لم يذكره الصولي)
قال أبو تمام (السيف أصدق أنباء من الكتب) أخذه من قول الكميت
الأكبر وهو الكميت بن ثعلبة:
ولا تكثروا فيها المجاج فإنه * محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا
وقال أبو تمام يصف الحريق في عمورية
ضوء من النار والظلماء عاكفه * وظلمة من دخان في ضحى شحب
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت * والشمس واجبة من ذا ولم تجب

416
أخذه من قول النابغة يصف يوم الحرب
تبدو كواكبه والشمس طالعة * لا النور نور ولا الاظلام إظلام
وقال أبو تمام من القلاص اللواتي في حقائبها * بضاعة غير مزجاة من الكلم
أخذه من قول الأعشى
وإن صدور العيس سوف يزوركم * ثناء على أعجازهن معلق
وقال أبو تمام
إذا اليد نالتها بوتر توفرت * على ضغنها ثم استقادت من الرجل
أخذه من قول مسلم بن الوليد في صفة الخمر وأحسن الأخذ
قتلت وعاجلها المدير ولم يئد * فإذا به قد صيرته قتيلا
قال: وان كان قد اخذه من ديك الجن فلا إحسان له لأنه أتى بالمعنى
بعينه قال ديك الجن
تظل بأيدينا تقعقع روحها * وتأخذ من أقدامنا الراح ثارها
وليس ينبغي ان يقطع على أن أيهما أخذ من صاحبه لأنهما كانا في
عصر واحد. وقال أبو تمام
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا
أخذه من قول الأعشى
وأرى الغواني لا يواصلن امرءا * فقد الشباب وقد يصلن الأمردا
وقال أبو تمام
زار الخيال لها لا بل أزاركه * فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم
وقال أبو تمام أيضا
ثم فما زارك الخيال ولكنك * بالفكر زرت طيف الخيال
أخذه من قول جران العود
سقيا لزورك من زوراتاك به * حديث نفسك عنه وهو مشغول
وقال العباس بن الأحنف
خيالك حين أرقد نصب عيني * إلى وقت انتباهي لا يزول
وليس يزورني صلة ولكن * حديث النفس عنك هو الوصول
وقال أبو تمام
أما الهجاء فدق عرضك دونه * والمدح فيك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه * عرض عززت به وأنت ذليل
أخذه من قول هشام المعروف بالحلو أحد الشعراء البصريين يهجو
بشار بن برد
بذلة والديك كسبت عزا * وباللؤم اجترأت على الجواب
وقال أبو تمام
والشيب إن طرد الشباب بياضه * كالصبح أحدث للظلام أفولا
أخذه من قول الفرزدق
والشيب ينهض في الشباب كأنه * ليل يصيح بجانبيه نهار
وقال أبو تمام
لم تنكرين مع الفراق تبلدي * وبراعة المشتاق أن يتبلدا
أخذه من قول قيس بن ذريج
بليغ إذا يشكو إلى غيرها الهوى * وان هو لاقاها فغير بليغ
وقال أبو تمام
عداك حر الثغور المستضامة عن * برد الثغور وعن سلسالها الحصب
أخذه من قول الحطيئة
إذا هم بالأعداء لم يثن همه * حصان عليها لؤلؤ وشنوف
وأخذه قبله كثير فقال:
إذا هم بالأعداء لم يثن همه * حصان عليها عقد در يزينها
وقال أبو تمام:
أطل على كلا الآفاق حتى * كأن الأرض في عينيه دار
أخذه من قول منصور النميري
وعين محيط بالبرية طرفها * سواء عليه قربها وبعيدها
وقال أبو تمام:
حطت على قبة (1) الاسلام أرحله * والشمس قد نشرت ورسا على الأصل
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
فلما انتضى الليل الصباح وصلته * بحاشية من لونه المتورد
قال الآمدي: هذا ما ذكره ابن المنجم، والذي أظنه أنه أخذه من
قول الآخر (والشمس صفراء كلون الورس). وقال أبو تمام:
أثاف كالخدود لطمن حزنا * ونؤي مثل ما انفصم السوار
أخذه من قول مرار الفقعمي في وصف الأثافي:
أثر الوقود على جوانبها * بخدودهن كأنه لطم
وقال أبو تمام:
أو درة بيضاء بكر أطبقت * حملا على ياقوتة حمراء
أخذه من قول أبي نواس:
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة * من كف جارية ممشوقة القد
وقال أبو تمام:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا * إن السماء ترجى حين تحتجب
أخذه من قول مسلم بن الوليد في الحجاب
كذلك الغيث يرجى في تحجبه * حتى يرى مسفرا عن وابل المطر
وقال أبو تمام:
لما رأى الحرب رأي العين توفلس * والحرب مشتقة المعنى من الحرب
أخذه من قول النابغة الجعدي:
وتستلب الدهم التي كان ربها * ضنينا بها والحرب فيها الحرائب
أو من قول إبراهيم بن المهدي:
ومسعر الحرب واسم الحرب قد علموا * لو ينفع العلم مشتق من الحرب



(1) إلى عمدة. خ ل
417
وقال أبو تمام:
كأن بني نبهان يوم وفاته
نجوم سماء خر من بينها البدر
أخذه من قول مريم بنت طارق ترثي أخاها:
كنا كأنجم ليل بينها قمر * يجلو الدجى فهوى من بينها القمر
أو من قول جرير يرثي الوليد بن عبد الملك:
أمسى بنوه وقد جلت مصيبتهم * مثل النجوم هوى من بينها القمر
وقال أبو تمام:
وقفنا فقلنا بعد أن أفرد الثرى * به ما يقال في السحابة تقلع
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة * أثنى عليها السهل والأجبال
وقال أبو تمام:
أآلفة النحيب كم افتراق * أظل فكان داعية اجتماع
أخذه من قول العباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
وقال عروة بن الورد وبيته أجود من بيتهما:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا * ولم تدر أني للمقام أطوف
وقال أبو تمام:
أسربل هجو القول من لو هجوته * إذا لهجاني عنه معروفه عندي
أخذه من قول بعض الخوارج لما سامه قطري بن الفجاءة قتال
الحجاج فأبى لأن الحجاج كان قد من عليه فقال:
أأقاتل الحجاج عن سلطانه * بيد تقر بأنها مولاته
إني إذن لأخو الدناءة والذي * غطت على إحسانه جهلاته
ماذا أقول إذا وقفت أزاءه * في الصف فاحتجت له فعلاته
وتحدث الأقوام أن صنائعا * غرست لدي فحنظلت نخلاته
وقال أبو تمام:
فعجبت من شمس إذا حجبت بدت * من نورها فكأنها لم تحجب
أخذه من قول قيس بن الخطيم:
وقضى الله حين صورها * الخالق أن لا يكنها سدف
أو من قول أبي نواس:
ترى ضوءها من ظاهر الكأس ظاهرا * عليك ولو غطيتها بغطاء
وقال أبو تمام:
نرمي بأشباحنا إلى ملك نأخذ من ماله ومن أدبه
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
يصيب منك مع الآمال طالبها * حلما وعلما ومعروفا وإسلاما
وقال أبو تمام:
كل يوم له وكل أوان * خلق ضاحك ومال كئيب
أخذه من قول أبي نواس:
تبكي البدور لضحكه * والسيف يضحك إن عبس
(البدور) جمع بدرة.
وقال أبو تمام في الخمر:
وضعيفة فإذا أصابت فرصة * قتلت كذلك قدرة الضعفاء
أخذه من قول جرير:
يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال أبو تمام:
فاني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
أخذه من قول بعض بني أسد:
تغيبت كي لا تحتويني دياركم * ولو لم تغب شمس النهار لملت
وأخذه الأيادي من أبي تمام لأنه متأخر عنه فقال:
فاني رأيت القطر يسام دائبا * ويسال بالأيدي إذا هو أمسكا
وقال أبو تمام:
رآه العلج مقتحما عليه * كما اقتحم الفناء على الخلود
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
موف على منهج واليوم ذو رهج * كأنه أجل يسعى إلى أمل
وقال أبو تمام:
ومجربون سقاهم من بأسه
فإذا لقوه فكلهم أغمار
وقال أيضا:
كهل الأناة فتى الشذاة إذا غدا * للحرب كان الماجد الغطريفا
أخذه من قول قطري بن الفجاءة:
ثم انثنيت وقد أصبت ولم أصب * جذع البصيرة قارح الاقدام
وقال أبو تمام:
لقط لأخلاق التجار وإنهم * لغدا بما اتخذوا له التجار
أخذه من قول الشاعر:
يبيع ويشتري لهم سواهم * ولكن بالطعان هم تجار
وقال أبو تمام:
حيران يحسب سجف النقع من دهش * نقى يحاذر أن ينقض أو جرفا
أخذه من قول جرير:
ما زلت تحسب كل شئ بعدهم * خيلا تكر عليهم ورجالا
وقال أبو تمام:
توفيت الآمال بعد محمد * فأصبح مشغولا عن السفر السفر
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
نقضت بك الآمال أحلاس المنى * واسترجعت نزاعها الأمصار
أو من قول عصام الجرجاني:
ألا في سبيل الله آمالك التي
توفين لما اغتالك الحدثان
وقال أبو تمام:
لا شئ ضائر عاشق فإذا نأى * عنه الحبيب فكل شئ ضائر
أخذه من قول توبة بن الحمير وزاد فيه:
يقول أناس لا يضرك نأيها * بل كل ما شف النفوس يضيرها

418
وقال أبو تمام يحملن كل مدحج سمر القنا * بإهابه أولى من السربال
أخذه من قول عنترة:
فشككت بالرمح الطويل ثيابه * ليس الكريم على القنا بمحرم
قال الآمدي قال ذلك لأنه ظن أن عنترة أراد الثياب نفسها وإنما أراد
عنترة بقوله ثيابه نفسه. وقال أبو تمام:
أبدلت روسهم يوم الكريهة من * قنا الظهور قنا الخطي مدعما
اخذه من قول مسلم بن الوليد:
يكسو السيوف نفوس الناكثين به * ويجعل الهام تيجان القنا الذبل
وأخذا جميعا من قول جرير:
كأن رؤوس القوم فوق رماحنا * غداة الوغى تيجان كسرى وقيصر
وقال أبو تمام.
سما للعلا من جانبيه كليهما * سمو حباب الماء جاشت غواربه
أخذه من قول امرئ القيس:
سموت إليها بعد ما نام أهلها * سمو حباب الماء حالا على حال
وقال أبو تمام:
وكانت لوعة ثم اطمأنت * كذاك لكل سائلة قرار
اخذه من قول الفرزدق يهجو جريرا.
أنتم قرارة كل مدفع سوأة * ولكل سائلة تسيل قرار
وقال أبو تمام.
ولو أبصرتهم والزائريهم * لما مزت الحميم من البعيد
أخذه من قول محمد بن بشير الخارجي من خارجة عدوان:
وإذا رأيت صديقه وشقيقه * لم تدر أيهما أولو الأرحام
وقال أبو تمام في المصلوبين.
لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الأسفار
أخذه من قول بعض الأعراب يصف المصلوب:
قام ولما يستعن بساقه * ألف مثواه على فراقه
وقال أبو تمام.
تعود بسط الكف حتى لو أنه * دعاها لقبض لم تجبه أنامله
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
لا يستطيع يزيد من طبيعته * عن المروءة والمعروف إحجاما
وقال أبو تمام:
خضعوا لصولتك التي هي عندهم * كالموت يأتي ليس فيه عار
أخذه من قول النابغة الذبياني:
وعيرتني بنو ذبيان خشيته * وهل علي بأن أخشاك من عار
وقال أبو تمام.
تخفق أثناؤها على ملك * يرى طراد الأبطال من طرده
أخذه من قول أبي نواس:
(تعد عين الوحش من أقواتها). وقال أبو تمام يستهدي نبيذا:
وهي نزر لو أنها من دموع * الصب لم يشف منه حر الغليل
أخذه من قول الآخر أو أخذه الآخر منه:
لو كان ما أهديته أثمدا * لم يكف إلا مقلة واحده
وقال أبو تمام يصف مغنية تغني بالفارسية:
فلم أفهم معانيها ولكن * شجت كبدي فلم أجهل شجاها
اخذه من قول الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع على ما فيه من
المناقضة:
ولا أفهم ما يعني * مغنينا إذا غنى
سوى أني من حبي * له أستحسن المعنى
ووجه المناقضة أنه قال (لا أفهم ما يعني) ثم قال (أستحسن
المعنى) وإنما أراد بالمعنى اللحن لا معنى القول. وقال حميد بن ثور يصف
الحمامة:
ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها * ولا عربيا شاقه صوت أعجما
وقال أبو تمام يرثي ابنين صغيرين ماتا لعبد الله بن طاهر:
لهفي على تلك المخايل فيهما * لو أمهلت حتى تكون شمائلا
أخذه من قول الفرزدق يرثي امرأة له ماتت حاملا:
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة * لو أن المنايا أخطأته لياليا
وقال أبو تمام:
صلتان أعداؤه حيث كانوا (حلوا) * في حديث من عزمه مستفاض
(الصلتان) النشيط الحديد الفؤاد (من عزمه) هكذا في
الديوان، وفي الموازنة (من ذكره). أراد أن أعداءه لشدة خوفهم منه هم
دائما على حال وجل واحتراس من إيقاعه بهم فهم لا يقطعون ذكره حيث
حلوا أي قريبين منه أو بعيدين. وقيل أراد أن أعداءه تقر بفضله وتفيض في
ذكر مناقبه. أخذه من قول أعشى بأهلة يرثي أخاه لأمه:
لا يأمن القوم ممساه ومصبحه * في كل فج وإن لم يغز ينتظر
أو من قول عروة الصعاليك:
وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه * تشوف أهل الغائب المنتظر
وقال أبو تمام:
غدت وهي أولى من فؤادي بعزمتي * ورحت بما في الدن أولى من الدن
أخذه من قول بشار:
شربنا من فؤاد الدن حتى * تركنا الدن ليس له فؤادا
وقال أبو تمام:
إذا الراح دبت فيه تحسب جسمه * لما دب فيه قرية من قرى النمل
أخذه من قول الأخطل.
تدب دبيبا في العظام كأنها * دبيب نمال في نقى يتهيل
وقال أبو تمام في الغزل:
مستحيل ان تحتويك الظنون * كيف يحوى ما لا تراه العيون
غير أنا نقول إنك خلق * حركات مفعولة وسكون

419
أخذه من قول أبي نواس:
سبحان من خلق الخلق * من ضعيف مهين
يسوقه من قرار * إلى قرار مكين
حتى بدت حركات * مخلوقة من سكون
وقال أبو تمام:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
أخذه من قول أبي العتاهية:
كم نعمة لا يستقل بشكرها * لله في طي المكاره كامنه
وقال أبو تمام:
وكيف احتمالي للسحاب صنيعة * بإسقائها قبرا وفي لحده بحر
أخذه من قول الشاعر أو الشاعر أخذ منه:
ما كنت أحسب أن بحرا زاخرا * عم البرية كلها إرواء
أضحى دفينا في ذراع واحد * من بعدما عم الفضاء فضاء
وقال أبو تمام:
أثاف كالخدود لطمن حزنا * ونؤي مثلما انفصم السوار
اخذه من قول الشاعر:
نؤي كما نقص الهلال نحافة * أو مثلما فصم السوار المعصم
وقال أبو تمام:
كأن الغمام الغر غيبن تحتها * حبيبا فما ترقا لهن مدامع
أخذه من قول الشاعر يصف السحاب:
كأن عينين باتا طول ليلهما * يستمريان على غدرانه المقلا
وقال أبو تمام:
وليست بالعوان العنس عندي * ولا هي منك بالبكر الكعاب
أخذه من قول الفرزدق
قعود لدى الأبواب طالب حاجة * عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
وقال أبو تمام:
كأن لها دينا على كل مشرق * من الأرض أو ثارا لدى كل مغرب
أخذه من قول معبد الهذلي:
كل فج من البلاد كأني * طالب بعض أهله بذحول
وقال أبو تمام:
ما اليوم أول توديعي ولا الثاني * البين أكثر من شوقي وأحزاني
وما أظن النوى ترضى بما صنعت * حتى تبلغني أقصى خراسان
أخذه من قول الأرقط بن دعبل
نهنه دموعك من سح وتسجام * البين أكثر من شوقي وأسقامي
وما أظن دموع العين راضية * حتى تسح دما هطلا بتسجام
وقال أبو تمام:
وإني لأرجو عاجلا ان تردني * مواهبه بحرا ترجى مواهبي
اخذه من قول دعبل.
إن جاءه مرتغبا سائل * آلت عليه رغبة السائل
وقال أبو تمام.
كالغيث إن جئته وافاك ريقه * وإن تحملت عنه كان في الطلب
أخذه من قول أبي العتاهية:
وإن نحن لم نبغ معروفه * فمعروفه أبدا يبتغينا
وقال أبو تمام:
فإن كان ذنبي أن أحسن مطلبي * أساء ففي سوء القضاء لي العذر
اخذه من قول مسلم بن الوليد:
وما كان مثلي يعتريك رجاؤه * ولكن أساءت شيمة من فتى محض
وقال أبو تمام.
ما زلت منتظرا أعجوبة زمنا * حتى رأيت سؤالا يجتني شرفا
اخذه من قول أمية بن أبي الصلت:
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته * بخير وما كل العطاء يزين
وقال أبو تمام
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له * حتى ظننت قوافيه ستقتتل
أخذه من قول كثير:
ونازعني إلى مدح ابن ليلى * قوافيها منازعة الغراب
وقال أبو تمام:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى * فالسيل حرب للمكان العالي
أخذه من قول حسان بن ثابت:
والمال يغثى رجالا لا طباع لهم * كالسيل يغثى أصول الدندن البالي
وقال أبو تمام يصف الشعر:
ولكنه صوب العقول إذا انجلت * سحائب منه أعقبت بسحائب
أخذه من قول أوس:
أقول بما صبت علي غمامتي * ودهري وفي حبل العشيرة أحطب
وقال أبو تمام:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا * وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا
أخذه من قول محيا بنت طليق من بني تيم اللاة بن ثعلبة:
نعى ابني محل صوت ناع أصمني * فلا آب محمودا بريد نعاهما
وقال أبو تمام:
وإني ما حورفت في طلب الغنى * ولكنما حورفتم في المكارم
اخذه من قول الشجاع الفائق:
لا تزهدن في اصطناع العرف من أحد * إن الذي يحرم المعروف محروم
وقال أبو تمام:
ليس الغبي بسيد في قومه * لكن سيد قومه المتغابي
أخذه من قول أبي العارم الطائي:
غبي العين أو فهم تغابى * عن الشدات والفكر القواصي

420
وقول دعبل:
تخال أحيانا به غفلة * من كرم النفس وما أعلمه
وقال أبو تمام:
عادت له أيامه مسودة * حتى توهم أنهن ليالي
أخذه مما تمثلت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاته:
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا
وقال أبو تمام:
الرزق لا تكمد عليه فإنه * يأتي ولم تبعث إليه رسولا
اخذه من قول أبي أذينة:
أسعى إليه فيعنيني تطلبه * ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وقال أبو تمام
وجه العيس وهي عيس إلى الله * فآضت من الهواجر شما
أخذه من قول ابن هرمة:
بدأت عليها وهي عيس فأصبحت * من السير جونا لاحقات الغوارب
وقال أبو تمام:
فكم جزع واد جب ذروة غارب * وبالأمس كانت أنهكته مذانبه
أخذه من قول الشاعر:
ردت عواري غيطان الفلا ونجت * بمثل أمثاله من حائل العشر
وقال أبو تمام:
لو أصخنا من بعده لسمعنا * لقلوب الأيام منك وجيبا
أخذه من قول أبي نواس:
وحتى الذي في الرحم لم يك نطفة * لعواده من خوفه خفقان
وقال أبو تمام:
أرسى بناديك الندى وتنفست * نفسا بعقوتك الرياح ضعيفا
أخذه من قول الشاعر:
يا حبذا ريح الجنوب إذا غدت * بالفجر وهي ضعيفة الأنفاس
وقال أبو تمام:
كانت مجاورة الطلول وأهلها * زمنا عذاب الورد فهي بحار
أخذه من قول نصيب:
وقد عاد ماء الأرض ملحا فزادني * على ظمأي أن أبحر المشرب العذب
وقال أبو تمام:
صهصلق في الصهيل تحسبه * أشرج حلقومه على جرس
أخذه من قول غيلان بن سلمة الثقفي يصف فرسا:
نهد كتيس أقب معتدل * كأنما في صهيله جرس
وقال أبو تمام:
رمقوا أعالي جذعه فكأنما * رمقوا الهلال عشية الافطار
أخذه من قول الفرزدق:
قيام ينظرون إلى سعيد * كأنهم يرون به الهلالا
وقال أبو تمام:
حين عفى مقام إبليس سامي * بالمطايا مقام إبراهيما
أخذه من قول ابن منادر في البرامكة:
إذا وردوا بطحاء مكة أشرقت * بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر
لهم رحلة في كل يوم إلى العدى * وأخرى إلى البيت العتيق المستر
وقال أبو تمام:
فحيوا بالأسنة ثم ثنوا * مصافحة بأطراف الرماح
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
فحيوا بأطراف القنا وتعانقوا * معانقة البغضاء غير التودد
ومن قول أبي إسحاق التغلبي.
دنوت له بأبيض مشرفي * كما يدنو المصافح للسلام
وقال أبو تمام.
من البأس والمعروف والجود والتقى * عيال عليه رزقهن شمائله
أخذه من قول دعبل:
تنافس فيه الحزم والبأس والتقى * وبذل اللهى حتى اصطحبن ضرائرا
وقال أبو تمام:
وهو إذا ما ناجاه فارسه * يفهم عنه ما تفهم الأنس
أخذه من قول الكميت يصف الخيل:
يفقهن عنهم إذا قالوا ويفقههم * مستطعم صاهل منها ومنتحم
وقال أبو تمام:
وثنوا على وشي الخدود صيانة * وشي البرود بمسجف و ممهد
أخذه من قول الكميت:
وألقين البرود على خدود * يزين الفداغم بالأسيل
الفداغم جمع فدغم وهو الوجه الممتلئ الحسن. وقال أبو تمام:
الموت عندي والفراق * كلاهما ما لا يطاق
أخذه من قول الأبيرد الرياحي
وكنت أرى هجرا فراقك ساعة * ألا لا بل الموت التفرق والهجر
وقال أبو تمام:
وقد كان يدعى لابس الصبر حازما * فأصبح يدعى حازما حين يجزع
أخذه من قول العتبي:
والصبر يحسن في المواطن كلها * إلا عليك فإنه مذموم
وقال أبو تمام:
حتى تعمم صلع هامات الربى * من نوره وتأزر الأهضام
أخذه من قول الراجز:
قد أضحت العقدة صلعاء اللمم * وأصبح الأسود مخضوبا بدم
(العقدة) موضع ذو شجر، و (صلعاء اللمم) الجماجم جعله مثلا
لرؤوس النبت أكلته الإبل فصارت لممه صلعا و (الأسود) الحية تطأه الإبل
فتقتله. وقال أبو تمام:

421
كما كاد ينسى عهد ظمياء باللوى * ولكن أملته عليه الحمائم
أخذه من قول العتابي:
بكى واستمل الشوق من في (1) حمامة * أبت في غضون الأيك إلا الترنما
وقال أبو تمام:
مثقفات سلبن الروم زرقتها * والعرب أدمتها والعاشق القضفا
أخذه من قول دعبل
وأسمر في رأسه أزرق * مثل لسان الحية الصادي
وقال أبو تمام:
فنول حتى لم يجد من ينيله * وحارب حتى لم يجد من يحاربه
أخذه من قول أبي نواس:
وأطعم حتى ما بمكة آكل * وأعطى عطاء لم يكن بضمان
وقول علي بن جبلة:
أعطيت حتى لم تجد لك سائلا * وبدأت إذ قطع العفاة سؤالا
وقال أبو تمام:
لا يحسب الاقلال عدما بل يرى * أن المقل من المروءة معدم
أخذه من قول أبي داود الأبادي
لا أعد الاقلال عدما ولكن * فقد من قد فقدته الاعدام
وقال أبو تمام:
أراعي من كواكبه هجانا * سواما لا تريع إلى المسيم
أخذه من قول أبي الهندي:
وترى سهيلا في السماء كأنه * ثور يعارضه هجان الربرب
وقال أبو تمام:
ألذ مصافاة من الظل في الضحى * وأكرم في اللأواء عودا من الكرم
أخذه من قول أبي نواس:
شققت من الصبا واشتق مني * كما اشتقت من الكرم الكروم
وقال أبو تمام:
فتى من يديه الباس يضحك والندى * وفي سرجه بدر وليث غضنفر
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
تمضي المنايا كما تمضي أسنته * كان في سرجه بدرا وضرغاما
وقال أبو تمام:
ليس الشؤون وان جادت بباقية * ولا الجفون على هذا ولا الحدق
وقال أيضا:
ولا يبقى على إدمان هذا * ولا هذا العيون ولا القلوب
أخذه من قول ابن هرمة:
استبق عينيك لا يودي البكا بهما * واكفف بوادر من عينيك تستبق
وقال أبو تمام:
يا ابن الخبيثة لم تعرض صخرة * صماء من مجدي بعرض زجاج
أخذه من قول الشاعر:
ارفق بعمرو إذا حركت نسبته * فإنه عربي من قوارير
وقال أبو تمام:
وبساط كأنما الآل فيه * وعليه سحق الملاء الرحيض
أخذه من قول الشاعر:
مهامه أشباه كأن سرابها * ملاء بأيدي الغاسلات رحيض
وقال أبو تمام:
فاشمألوا يلجلجون دؤوبا * مضغا للكلال فيها أنيض
أخذه من قول زهير:
تلجلج مضغة فيها أنيض * أصلت فهي تحت الكشح داء
وقال أبو تمام:
مضوا وكأن المكرمات لديهم * لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
أخذه من قول أبي نواس:
سن للناس الندى فندوا * فكان البخل لم يكن
وقال أبو تمام:
أبن مع السباع الماء حتى * لخالته السباع من السباع
أخذه من قول الحماسي:
ترد السباع معي فألفي * كالمدل من السباع
وقال أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيا بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
أخذه من قول النظار بن هاشم الأزدي:
يعف المرء ما استحيا ويبقى * نبات العود ما بقي اللحاء
وما في أن يعيش المرء خير * إذا ما المرء زايله الحياء
وقال أبو تمام:
إليك هتكنا جنح ليل كأنه * قد اكتحلت منه البلاد بأثمد
أخذه من قول أبي نواس:
أبن لي كيف صرت إلى حريمي * ونجم الليل مكتحل بقار
وقال أبو تمام:
ملطومه للورد (بالورد) أطلق طرفها * في الخلق فهو مع المنون محكم
أخذه من قول أبي نواس:
تبكي فتذري الدمع من نرجس * وتلطم الورد بعناب
وقال أبو تمام:
ومما كانت الحكماء قالت * لسان المرء من خدم الفؤاد
أخذه من الجعد بن صمصام أحد بني عامر بن سنان ذكره أبو تمام في
اختيارات القبائل:



(1) من الغريب قول الآمدي هنا: أظن قوله (من في حمامة) أراد من صوت حمامة دعته إليه
الضرورة، وليس هذا موضع في (اه‍).
422
إن البيان مع الفؤاد وإنما * جعل اللسان بما يقول رسولا
وقال أبو تمام:
من لم يعاين أبا نصر وقاتله * فما رأى ضبعا في شدقها سبع
أخذه من قول طريح الثقفي:
فلله عينا من رأى قط حادثا * كفرس الكلاب الأسد يوم المشلل
وقال أبو تمام:
لقد آسف الأعداء مجد ابن يوسف * وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع
أخذه من قول مروان بن أبي حفصة:
ما ضرني حسد اللئام ولم يزل * ذو الفضل يحسده ذوو التقصير
وقال أبو تمام:
وتكفل الأيتام عن آبائهم * حتى وددنا أننا أيتام
أخذه من قول أبي دهبل الجمحي:
ما زلت في العفو للذنوب * وإطلاق لعان بجرمه غلق
حتى تمنى البراة أنهم * عندك أمسوا في القيد والحلق
وقال أبو تمام:
من كل أسمر نظار بلا نظر * إلى المقاتل ما في متنه أود
أخذه من قول زيد الخيل الطائي:
وأسمر مربوع يرى ما رأيته * بصير إذا صوبته بالمقاتل
وقال أبو تمام:
لقد زدت أوضاحي امتدادا ولم أكن * بهيما ولا أرضي من الأرض مجهلا
ولكن أياد صادفتني جسامها * أغر فوافت بي أغر محجلا
أخذه من قول نخيلة في مسلمة بن عبد الملك:
ونوهت من ذكري وما كان خاملا * ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وقال أبو تمام:
إذا ما دعوناه بأجلح أيمن * دعاه ولم يظلم بأصلع أنكد
أخذه من قول المسيب بن علس:
هم الربيع على من كان حلهم * وفي العدو منا كيد مشائيم
وقول غلاقة بن عركي التميمي:
وكنتم قديما في الحروب وغيرها * ميامين للأدنى لأعدائكم نكدا
وقول كعب بن الجزم:
بنو رافع قوم مشائيم للعدى * ميامين للمولى وللمتحرم
وقال أبو تمام:
تجدد كلما لبست وتبقى * إذا ابتذلت وتخلق في الحجاب
أخذه من قول دكين الراجز:
(عاري الحصى يدرس ما لم يلبس) وقول الراجز يصف طريقا:
عود على عود من الفدم الأول * يميته الترك ويحييه العمل
وقال أبو تمام:
كنت أرعى الخدود حتى إذا ما * فارقوني بقيت أرعى النجوما
أخذه من قول تميم بن أبي مقبل:
قد كنت راعي أبكار منعمة * فاليوم أصبحت أرعى جلة شرفا
وقال أبو تمام:
يكاد حين يلاقي القرن من حنق * قبل السنان على حوبائه يرد
أخذه من قول عنترة (والطعن مني سابق الآجال) وإنما أراد الآجال
سابقة طعني. وقال أبو تمام:
يحميه لألاؤه ولوذعيته * عن أن يذال بمن أو ممن الرجل
أخذه من قول عدي بن الرقاع:
وإذا رأيت جماعة هو فيهم * نبئت سؤدده ولما تسأل
أو من قول حسان:
إذا ما ترعرع فينا الغلام * فما إن يقال له من هوه
وقال أبو تمام:
طلب المجد يورث المرء خبلا * وهموما تقضقض الحيزوما
فتراه وهو الخلي شجيا * وتراه وهو الصحيح سقيما
أخذه من قول لقيط الأيادي:
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه * هم يكاد حشاه يحطم الضلعا
وقال أبو تمام:
ولهته العلى فليس يعد * البؤس بؤسا ولا النعيم نعيما
أخذه من قول لقيط الأيادي أيضا:
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده * ولا إذا عض مكروه به خشعا
وقال أبو تمام:
استنزل الأمل البعيد ببشره * بشر الخميلة بالربيع المغدق
وكذا السحائب قل ما تدعو إلى * معروفها الرواد ما لم تبرق
أخذه من قول أبي نواس:
يسكرهم قبل النوال اللاحق * كالبرق يبدو قبل جود دافق
والغيث يخفى وقعه للرامق * ان لم يجده بدليل البارق
وقال أبو تمام:
ورأيتني فسألت نفسك سيبها * لي ثم جدت وما انتظرت سؤالي
اخذه من قول أبي العتاهية:
وانا إذا ما تركنا السؤال * منه فلم نبغه يبتدينا
وقول مسلم بن الوليد:
أخ لي يعطيني إذا ما سألته * ولو لم اعرض بالسؤال ابتدانيا
وقول منصور النمري:
رأيت المصطفى هارون يعطي * عطاء ليس ينتظر السؤالا
وقول سلم الخاسر
أعطاك قبل سؤاله * فكفاك مكروه السؤال
وقال أبو تمام:
لا تشجين لها فان بكاءها * ضحك وبكاءك ان استغرام

423
اخذه من قول الآخر:
فاني ان بكيت بكيت حقا * وانك في بكائك تكذيبنا
وقال أبو تمام:
فلا تطلبوا أسيافهم في جفونها * فقد أسكنت بيت الطلى والجماجم
اخذه من قول عنترة:
ولم يعلم جزية ان نبلي * يكون جفيرها البطل النجيد
وقال أبو تمام:
يتجنب الآثام ثم يخافها * فكأنما حسناته آثام
أخذه من قول أبي العتاهية:
لم تنتقصني إذ أسأت وزدتني * حتى كان إساءتي احسان
وقال أبو تمام:
لا تذيلن مصون همك وانظر * كم بذي الأيك دوحة من قضيب
أخذه من قول الأشهب:
عل بني يشد الله أزرهم * والدوح ينبت عيدانا فيكتمل
وقال أبو تمام:
اظله البين حتى أنه رجل * لو مات من شغله بالبين ما علما
أخذه من قول أبي الشيص:
وكم من ميتة قدمت فيه * ولكن كان ذاك وما شعرت
وقال أبو تمام في الرماح:
كأنما وهي في الأكباد والغة * وفي الكلى تجد الغيظ الذي تجد
اخذه من قول النمري:
ومصلتات كان حقدا * منها على الهام والرقاب
وقال أبو تمام:
إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشر * أغارت عليهم فاحتوته الصنائع
اخذه من قول الآخر:
إذا أسلفتهن الملاحم مغنما * دعاهن من كسب المكارم مغرم
وقال أبو تمام:
بسواهم لحق الأياطل شزب * تعليقها الاسراج والالجام
اخذه من قول جرير:
حراجيج يعلفن الذميل كأنها * معاطف ظبي أو جني الشراجع
وقال أبو تمام:
ذاك الذي كان لو أن الأنام له * نسل لما عابهم جبن ولا بخل
اخذه من قول أبي السمط:
لو كان جدكم شريك والدا * للناس لم تلد النساء بخيلا
وقال أبو تمام:
حمراء من حلب العصير كسوتها * بيضاء من حلب الغمام الرقرق
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
صفراء من حلب العصير كسوتها * بيضاء من حلب الغيوم البجس
وقال أبو تمام:
وأحسن من نور تفتحه الصبا * بياض العطايا في سواد المطالب
أخذه من قول الأخطل:
وإن بياضا في سواد كأنه * بياض العطايا في سواد المطالب
وقال أبو تمام:
ناجيت ذكرك والظلماء عاكفه * فكان يا سيدي أحلى من الشهد
أخذه من قول ابن أمية:
كم ليلة نادمني ذكره * يسعدني المثلث والزير
وقال أبو تمام:
ولقد أراك فهل أراك بغبطة * والعيش غض والزمان غلام
أخذه من قول الأخطل:
سعيت شباب الدهر لم تستطعهم * أفلآن لما أصبح الدهر فانيا
وقال أبو تمام:
ذاك الذي أحصى الشهور وعدها * طمعا لينتج سقبة من حائل
أخذه من قول أعرابي:
وعدة العام وعام قابل * ملقوحة في بطن ناب حائل
وقال أبو تمام:
يعلون حتى ما يشك عدوهم * ان المنايا الحمر حي منهم
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
لو أن قوما يخلقون منية * من بأسهم كانوا بني جبريلا
وقال أبو تمام:
لو كان في الدنيا قبيل آخر * بإزائهم ما كان فيها معدم
أخذه من قول بشار:
لو كان مثلك آخر * ما كان في الدنيا فقير
وقال أبو تمام:
ذقنا الصدود فلما اقتاد أرسننا * حنت حنين عجول بيننا الرحم
اخذه من قول الأسود بن يعفر:
سما بصري لما رأيت مكانه * وأطت إلي الواشجات أطيطا
وقال أبو تمام:
صفراء صفرة صحة قد ركبت * جثمانه في ثوب سقم أصفر
أخذه من قول علي بن رزين الكوفي:
وبضة رعبوبة * صفراء من غير غير
وقال أبو تمام:
كشف الغطاء فأوقدي أو أخمدي * لم تكمدي فظننت إن لم تكمدي
اخذه من قول بعضهم:
لا تنكري جزع المحب فإنه * يطوي على الزفرات غير حشاك
وقال أبو تمام:
سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه * وان لم يكن فيه سحاب ولا قطر

424
أخذه من قول عقيق بن سليك العامري (سقاك الغيث إنك كنت
غيثا) وقال أبو تمام:
أمن بعد طي الحادثات محمدا * يكون لأثواب العلى أبدا نشر
اخذه من قول أبي نواس:
طوى الموت ما بيني وبين محمد * وليس لما تطوي المنية ناشر
وقال أبو تمام:
عمري لقد نصح الزمان وإنه * لمن العجائب ناصح لا يشفق
اخذه من قول المخبل:
ولا يعدم الغاوي على الغي لائما * وإن هو لم يشفق عليه يلوم
وقال أبو تمام:
من شرد الاعدام عن أوطانه * بالبذل حتى استطرف الاعدام
اخذه من قول الأعشى:
هم يطردون الفقر عن جارهم * حتى يرى كالغصن الناضر
وقال أبو تمام:
حلفت إن لم تثبت أن حافره * من صخر تدمر أو من وجه عثمان
أخذه من قول الآخر:
لو كان حافر برذوني كأوجهكم * بني بديل لما أنعلته أبدا
انتهى ما أورده الآمدي من مآخذ أبي تمام.
ما نسب فيه السرقة لأبي تمام ونفاها الآمدي
قال الآمدي:
ومما نسبه فيه ابن أبي طاهر إلى السرقة وليس بمسروق
لأنه مما يشترك فيه الناس والمعنيان مختلفان قول أبي تمام:
ألم تمت يا شقيق الجود من زمن * فقال لي لم يمت من لم يمت كرمه
فقال: أخذه من قول العتابي:
ردت صنائعه إليه حياته * فكأنه من نشرها منشور
قال الآمدي: وهذا لا يقال له مسروق، لأنه قد جرى في عادات
الناس إذا مات الرجل من أهل الخير والفضل أن يقولوا: ما مات من خلف
الثناء وذلك شائع في كل أمة وفي كل لسان. وقال أبو تمام
إذا عنيت بشئ خلت أني قد * أدركته أدركتني حرفة الأدب
وقال: أخذه من الجريمي حيث يقول:
أدركتني بذاك أول دائي * بسجستان حرفة الآداب
قال الآمدي: وحرفة الأدب لفظة قد اشترك الناس فيها وكثرت على
الأفواه حتى أن واحدا يستعملها من آخر، ولم يقل أبو تمام (أدركتني حرفة
الأدب)، إنما قال: أدركتني حرفة العرب. (أقول) الموجود في الديوان:
(أدركتني حرفة الأدب). وقال ابن طاهر في قوله:
لو يعلم العافون كم لك في الندى * من لذة وقريحة لم تحمد
أخذه من قول بشار:
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو * ف ولكن يلذ طعم العطاء
قال الآمدي:
وما أخاله احتذى في هذا البيت على قول بشار لأن
بشارا قال ليس يعطيك رغبة في جزاء يرجوه ولا خوفا من مكروه ولكن لالتذاذه
العطية، وأراد أبو تمام أن الطالبين لو علموا التذاذه الندى لم يحمدوه،
والمعنيان إنما اتفقا في طريق التذاذ الممدوح بعطائه فقط، وهذا ليس من
بديع المعاني الذي يختص بها شاعر، فيقال إن واحدا أخذ من الآخر
(اه‍) (وأقول) الذي يلوح لي أن البيت منتقد من وجه آخر في قوله (لم
تحمد) فان كون العطاء يقع منه عن لذة وقريحة لا يوجب عدم الحمد عليه.
وقال - أي ابن أبي طاهر - في قوله يمدح مالك بن طوق:
لم يألكم مالك صفحا ومغفرة * لو كان ينفخ قين الحي في فحم
أخذه من قول الأغلب:
قد قاتلوا لو ينفخون في فحم * ما جبنوا ولا تولوا من أمم
وهذا معنى شائع من معاني العرب يقولون قد فعلت كذا لو اجتهدت
في كذا أو لو كنت تنفخ في فحم لأن النفخ في فحم ليس كالنفخ في الحطب
والصواب أن يقال ليس كالنفخ في الرماد وقال أي ابن أبي طاهر في قوله
(والموت خير من سؤال سؤول) أخذه من قول محمود:
وارغب إلى ملك الملوك ولا تكن * بادي الضراعة طالبا من طالب
قال الآمدي: ومثل هذا لا يكون مسروقا، لأنه جار على الألسن أن
يقال وقع سائل على سائل ومجتهد على مجتهد ووقع البائس على الفقير
وأمثاله. وقال في قوله:
همة تنطح النجوم وجد * آلف للحضيض فهو حضيض
أخذه من قول أعرابي:
همة قد علت وقدرته * في اللحد بين الثرى مع الكفن
قال الآمدي: وهذا أيضا من المعاني المشتركة الجارية في العادة أن
يقولوا: همته في علا وجده في سفال وهمته ناطقة وجده أخرس وهمته ذات
حراك وجده ساكن وهمة فلان ترفعه وجده يضعه وما أشبهه. وقال في
قوله.
يقبل الركن ركن البيت نافلة * وظهر كفك معمور من القبل
أخذه من قول عبد الله بن طاهر:
أعلت له ذكره مكأفاة * بأن توالى في ظهرها القبل
قال الآمدي: وليس بين المعنيين اتفاق إلا بذكر قبل الكف، وهذا
ليس من المعاني المبتدعة، لأن الناس أبدا يقولون: ما خلق وجهه إلا
للتحية وكفه إلا للقبل كما قال دعبل:
فباطنها للندى * وظاهرها للقبل
وقال في قوله:
نظرت فالتفت منها إلى * أحلى سواد رأيته في بياض
أخذه من قول كثير:
وعن نجلاء تدمع في بياض * إذا دمعت وتنظر في سواد
قال الآمدي وليس بين المعنيين اتفاق إلا بذكر البياض والسواد،
والألفاظ غير محظورة. وأبو تمام أراد بالسواد والبياض سواد العين
وبياضها، وكثير أراد بالبياض بياض الخد، وهذا غير ذاك، وقال في
قوله:
كم من يد لك لولا ما أخففها * به من الشكر لم تحمل ولم تطق

425
بالله أدفع عني ثقل فادحها * فإنني خائف منها على عنقي
أخذه من قول أبي نواس:
لا تسدين إلي عارفة * حتى أقوم بشكر ما سلفا
أنت امرؤ جللتني نعما * أوهت قوى شكري فقد ضعفا
قال الآمدي: والمعنيان مختلفان لأن أبا نواس استعفاه من نعمة حتى
يقوم بشكر ما قبلها، وأبو تمام قال لولا ما أخففها به من الشكر لم أطق
حملها. وقال في قوله يهجو:
أعمل التف والطلا وقديما * كان صعبا إن تشعب القارورة
أخذه من قول الأعشى:
كصدع الزجاجة ما تستطيع * كف الصناع لها أن تحيرا
قال الآمدي: ووقع في شعر الأعشى أيضا:
فباتت وفي الصدر صدع لها * كصدع الزجاجة لا يلتئم
ثم قال: وهذا معنى متداول مشهور مبذول، فلا يقال إن أبا تمام
أخذه من الأعشى. ثم ذكر له شواهد كثيرة. وقال في قوله:
إذا سيفه أضحى على الهام حاكما * غدا العفو منه وهو في السيف حاكم
أخذه من قول مسلم بن الوليد:
يغدو عدوك خائفا فإذا رأى * أن قد قدرت على العقاب رجاكا
قال الآمدي: والمعنيان مختلفان، فأبو تمام قال: إذا حكم سيفه على
الهام حكم عفوه على السيف، ومسلم قال: إن عدوه يخافه فإذا رأى أن
قد قدر على العقاب رجاه (اه‍)، وما جعله فارقا لا يمنع الأخذ وقال في
قوله:
فان هزئتم سللناها وقد غنيت * دهرا وهام بني بكر لها غمد
أخذه من قول سعيد بن ناشب:
فإن أسيافنا بيض مهندة * عتق وآثارها في هامهم جدد
قال الآمدي: والمعنيان مختلفان فأبو تمام قال: وهام بني بكر لها غمد
وهذا قال وآثارها في هامهم جدد. وقال في قوله:
فلو كانت الأرزاق تأتي على الحجى * هلكن إذا من جهلهن البهائم
اخذه من قول أبي العتاهية:
إنما الناس كالبهائم في الرزق * سواء جهولهم والحليم
قال الآمدي: وبين المعنيين خلاف، وأبو تمام زاد في المعنى فحسنه
وإن كان إلى مذهب أبي العتاهية يؤول. وقال في قوله:
فأشجيت أيامي بصبر حلون لي * عواقبه والصبر مثل اسمه صبر
أخذه من قول أبي الشيص:
يصبرني قوم براء من الهوى * وللصبر تارات أمر من الصبر
قال الآمدي: فقول الناس الصبر مر والصبر كاسمه صبر والصبر
محمود العاقبة وإن كان مرا لا يكون مسروقا فيقال إن واحدا أخذه من
آخر. وقال في قوله.
لئن ذمت الأعداء سوء صباحها * فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر
أخذه من قول مسلم بن الوليد
لو حاكمتك فطالبتك بذحلها * شهدت عليك ثعالب ونسور
قال الآمدي ذكر وقوع الذئاب وغيرها والنسور وسواها على القتلى
معنى متداول معروف، وهو في بيت أبي تمام غيره في بيت مسلم (اه‍) ما
أورده الآمدي مما نسب فيه أبو تمام إلى الأخذ وليس كذلك. ومما يلحق
بالسرقة.
التوليد
وهو معدود في أنواع البديع، ومن أقسامه أن يستحسن الشاعر
ألفاظا من شعر غيره فيوردها في شعره لمعنى آخر. في أنوار الربيع، ولا
يعد من المحاسن بل هو إلى السرقة أقرب كقول امرئ القيس في وصف
الفرس:
وقد اغتدي والصير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل
(الأوابد) الوحوش من أبدت إذا نفرت من الإنس، وجعل الفرس
قيدها لأنه يدركها ويمنعها المضي والخلاص من الطالب كما يمنعها القيد.
أخذه أبو تمام فنقله إلى الغزل فقال:
لها منظر قيد النواظر لم يزل * يروح ويغدو في خفارته الحب
الاستعارة وأنواع البديع
السابع - مما عيب على أبي تمام إسرافه في طلب الاستعارة وأنواع
البديع، فقد أكثر في شعره من أنواع البديع والاستعارة حتى قيل إنه
اخترع هذا المذهب وصار فيه أولا وإماما متبوعا، وشهر به حتى قيل هذا
مذهب أبي تمام وطريقة أبي تمام، وسلك الناس نهجه واقتفوا اثره. ولكن
الحق أنه لم يخترع ذلك وإنما أكثر منه، لأن مسلم بن الوليد سبقه اليه،
ووجد قبل مسلم في القرآن الكريم، وفي أشعار الجاهليين والاسلاميين.
فمن الاستعارة في القرآن المجيد (واشتعل الرأس شيبا. وآية
لهم الليل نسلخ منه النهار. واخفض لهما جناح الذل). وفي الشعر المتقدم
قول امرئ القيس: فقلت له لما تمطى بجوزه * وأردف أعجازا وناء بكلكل
وقول زهير:
صحا القلب عن سامي وأقصر باطله * وعري أفراس الصبا ورواحله
وقول لبيد الجعفي:
وغداة ريح قد كشفت وقرة * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
ومن التجنيس في الكتاب العزيز (وأسلمت مع سليمان. وأقم وجهك
للدين القيم). وفي الحديث النبوي (عصية عصت الله وغفار غفر الله لها
وأسلم سالمها الله). وفي الشعر المتقدم قول القطامي (ولما ردها في الشول
شالت) وقوله (مستحقين فؤادا ما له فادي) وقول جرير:
وما زال معقولا عقال عن الندى * وما زال محبوسا عن المجد حابس
وقول امرئ القيس
لقد طمح الطماح من بعد أرضه * ليلبسه من دائه ما تلبسا
وقول الفرزدق
خفاف أخف الله عنه سحابه * وأوسعه من كل ساف وحاصب
حكى ذلك الآمدي في الموازنة عن عبد الله بن المعتز في كتاب البديع

426
وقال ابن المعتز فيه ومن الطباق قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) وقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع. وقال زهير.
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا * ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
(عثر) مأسدة (وكذب) بمعنى أحجم فطابق بين الصدق والكذب
وقال طفيل الغنوي:
بساهم الوجه لم تقطع أباجله * يصان وهو ليوم الروع مبذول
(الأباجل) جمع أبجل اسم عرق وهو من الفرس والبعير بمنزلة
الأكحل من الإنسان، فطابق بين يصان ومبذول. قال الآمدي: فتتبع
مسلم بن الوليد هذه الأنواع واعتدها ووشح شعره بها و وضعها في موضعها،
ثم لم يسلم مع ذلك من الطعن حتى قيل إنه أول من أفسد
الشعر روى ذلك أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح قال ابن الجراح
وحدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال سمعت أبي يقول أول من أفسد
الشعر مسلم بن الوليد ثم اتبعه أبو تمام واستحسن مذهبه وأحب أن يجعل
كل بيت من شعره غير خال من بعض هذه الأصناف، فسلك طريقا وعرا
واستكره الألفاظ والمعاني ففسد شعره وذهبت طلاوته ونشف ماؤه. وحكى
عبد الله بن المعتز في كتابه الذي لقبه البديع أن بشارا وأبا نواس ومسلم بن
الوليد ومن تقيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في أشعارهم فعرف
من زمانهم، ثم إن الطائي تفرع فيه وأكثر منه وأحسن في بعض ذلك
وأساء في بعض وتلك عقبى الافراط، وإنما كان الشاعر يقول من هذا
الفن البيت والبيتين في القصيدة، وربما قرئ في شعر أحدهم قصائد من
غير أن يوجد فيها بيت واحد بديع، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى
عفوا، وقد كان بعضهم يشبه الطائي في البديع بصالح بن عبد القدوس في
الأمثال ويقول لو كان صالح نثر أمثاله في تضاعيف شعره وجعل منها
فصولا في أبياته لسبق أهل زمانه. قال ابن المعتز وهذا أعدل كلام
سمعته، وحكى الآمدي في الموازنة عن أبي عبد الله محمد بن داود بن
الجراح في كتاب الورقة عن محمد بن القاسم بن مهرويه عن حذيفة بن
أحمد أن أبا تمام يريد البديع فيخرج إلى المحال، قال: وهذا نحو ما قاله
أبو العباس عبد الله بن المعتز في كتابه الذي ذكر فيه البديع، وكذلك ما
رواه محمد بن داود عن محمد بن القاسم بن مهرويه عن أبيه أن أول من
أفسد الشعر مسلم بن الوليد وأن أبا تمام تبعه فسلك في البديع مذهبه فتحير
فيه كأنهم يريدون إسرافه في طلب الطباق والتجنيس والاستعارات وتوشيح
شعره بها حتى صار كثير مما اتى به من المعاني لا يعرف ولا يعلم غرضه فيها
إلا مع الكد وطول التأمل ومنه ما لا يعرف معناه إلا بالظن والحدس ولو
كان أخذ عفو هذه الأشياء ولم يوغل فيها ولم يجاذب الألفاظ والمعاني مجاذبة
ويقسرها مكارهة وتناول ما يسمح به خاطره غير متعب ولا مكدود وأورد
من الاستعارات ما قرب وحسن واقتصر من القول على ما كان محذوا حذو
الشعراء المحسنين ليسلم من هذه الأشياء التي تهجن الشعر وتذهب ماءه
ورونقه، ولعل ذلك أن يكون ثلث شعره أو أكثر منه، لظننته
كان يتقدم عند أهل العلم بالشعر على أكثر الشعراء المتأخرين وكان
قليله حينئذ يقوم مقام كثير غيره لما فيه من لطيف المعاني ومستغرب
الألفاظ، لكنه شره إلى كل ما جاش به خاطره فخلط الجيد بالردئ والعين
النادر بالرذل الساقط والصواب بالخطأ (اه‍) (وأقول) لا شك أن أبا تمام
أكثر في شعره من ذكر الاستعارات والتجنيس وكأنه كان يتعمد ذلك ويعانيه
ولا يقتصر على ما يجئ عفو الطبع. وأنواع البديع والاستعارة وإن كانت
من محسنات الكلام إلا أنها إذا كانت متكلفة قد تورث الكلام قبحا لا
حسنا، ولهذا رأينا قصائد أصحاب البديعيات التي نظموها على وزن البردة
وقافيتها جلها ينبو عنه السمع ويبعد عن البلاغة لما أن تكلف أصحابها
أنواع البديع وذكر أسمائها تكلفا، وشعر أبي تمام لما كان فيه كثير من
الاستعارات والتجنيس وغيره أتى به تعمدا وتكلفه تكلفا، فقد يجئ منه ما
لا يكون مستحسنا. ويكون السمع والطبع عنه نابيا ولا شك أنه لو ترك
تكلف ذلك واقتصر على ما يأتي عفو الطبع لزاد شعره حسنا ورونقا، ولكننا
مع ذلك نرى ان من عابه بهذا قد أفرط في التشنيع ولم يقتصد فجل تلك
الاستعارات وأكثر ذلك التجنيس جيد مستحسن وإن وقع منها ما هو
بخلاف ذلك فهو قليل لا يكاد يخلو عنه شعر شاعر ولو سلم انه أكثر مما
في شعر غيره فهو لم يبلغ الدرجة التي عابوه بها. وحيث انساق الكلام إلى
أنواع البديع وعيب الناس لأبي تمام بإكثاره منها، فلنذكر كثيرا مما وقع في
شعره. منها:
1 - حسن المطلع
ويسمى أيضا (براعة المطلع) و (براعة الاستهلال) و (حسن
الابتداء) وهو أن يتأنق المتكلم في أول كلامه ويأتي بأعذب الألفاظ وأجزلها
وأرقها وأسلسها وأحسنها نظما وسبكا وأصحها مبنى وأوضحها معنى وأخلاها
من الحشو والركة والتعقيد والتقديم والتأخير والذي لا يناسب وهو من أنواع
البديع. والمطلع للقصيدة بمنزلة الوجه للانسان، فإنه أول ما يستقبل
الإنسان من القصيدة، فينبغي للشاعر أن يجتهد في تحسين المطلع، لأنه
أول ما يقرع الأذن ويصافح الذهن، فإن كان حسنا أقبل السامع على
الكلام فوعى جميعه، وإن كان على الضد من ذلك مجه السمع ونبت عنه
النفس، إن كان الباقي في غاية الحسن. ولأبي تمام في قصائده مطالع
بارعة، وقد يجئ نادرا بمطالع باردة. فمن مطالعه البارعة قوله
يا موضع الشدنية الوجناء * ومصارع الادلاج والإسراء
وقوله
هتكت يد الأحزان شر عزائي * هتك الصباح دجنة الظلماء
وقوله:
السيف أصدق أنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب
قال الآمدي: هو أحسن ابتداءاته. وقوله:
من سجايا الطلول أن لا تجيبا * فصواب من مقلتي أن تصوبا
وقوله:
على مثلها من أربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب
وقوله:
أأيامنا ما كنت إلا مواهبا * وكنت بإسعاف الحبيب حبائبا
وقوله: ديمة سمحة القياد سكوب * مستغيث بها الثرى المكروب
وقوله:
نسائلها أي المواطن حلت * وأي بلاد أوطنتها وأية

427
وقوله:
قف بالطلول الدارسات علاثا * أضحت حبال قطينهن رثاثا
وقوله:
أبى فلا شنبا يهوى ولا فلجا * ولا احورارا يراعيه ولا دعجا
وقوله:
يا بعد غاية دمع العين إن بعدوا * هي الصبابة طول الدهر والسهد
وقوله:
أظن دموعها سنن الفريد * وهي سلكاه من نحر وجيد
وقوله:
سقى عهد الحمى سبل العهاد * وروض حاضر منه وبادي
وقوله:
حمته فاحتمى طعم الهجود * غداة رمته بالطرف الصيود
وقوله:
أرأيت أي سوالف وخدود * عنت لنا بين اللوى فزرود
وقوله:
قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد * وان هي لم تسمع لنشدان ناشد
وقوله: لا أنت أنت ولا الديار ديار * خف الهوى وتولت الأوطار
وقوله:
الحق أبلج والسيوف عواري * فحذار من أسد العرين حذار
وقوله:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر * فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
وقوله:
أتأمل في الدنيا تجد وتعمر * وأنت غدا فيها تموت وتقبر
وقوله:
أقشيب ربعهم أراك دريسا * وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا
وقوله:
أهلوك أمسوا شاخصا ومقوضا * ومزمما يصف النوى ومغرضا
وقوله: وثناياك إنها إغريض * ولآل تؤم وبرق وميض
وقوله:
خذي عبرات عينك عن زماع * وصوني ما أذلت من القناع
وقوله:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا * وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا
وقوله:
أما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا * فلا تكفن عن شأنيك أو يكفا
وقوله:
أطلالهم سلبت دماها الهيفا * واستبدلت وحشا بهن عكوفا
وقوله:
يا برق طالع منزلا بالأبرق * واحد السحاب له حداء الأينق
وقوله:
الدار ناطقة وليست تنطق * بدثورها أن الجديد سيخلق
وقوله:
قرى دارهم مني الدموع السوافك * وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك
وقوله:
فحواك عين على نجواك يا مذل * حتام لا يتقضى قولك الخطل
وقوله:
غدا الملك معمور الحرا والمنازل * منور وحف الروض عذب المناهل
وقوله:
أجل أيها الربع الذي خف آهله * لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
وقوله:
يوم الفراق لقد خلقت طويلا * لم تبق لي جلدا ولا معقولا
وقوله:
تحمل عنه الصبر يوم تحملوا * وعادت صباه في الصبا وهي شمأل
وقوله:
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل * وقلبك منها مدة الدهر آهل
وقوله:
سلم على الربع من سلمى بذي سلم * عليه وسم من الأيام والقدم
وقوله:
أسقى طلولهم أجش هزيم * وغدت عليهم نضرة ونعيم
وقوله:
أرامة كنت مألف كل ريم * لو استمتعت بالأنس المقيم
وقوله:
عسى وطن يدنو بهم ولعلما * وإن تعتب الأيام فيهم فربما
وقوله:
متى كان سمعي خلسة للوائم * وكيف صغت للعاذلات عزائمي
وقوله:
أصغى إلى البين مغترا فلا جرما * أن النوى أسارت في عقله لمما
وقوله:
يا ربع لو ربعوا على ابن هموم * مستسلم لجوى الفراق سقيم
وقوله:
نثرت فريد مدامع لم تنظم * والدمع يحمل بعض شجو المغرم
وقوله:
دمن ألم بها فقال سلام * كم حل عقدة صبره الالمام
وقوله:
لا اليوم أول توديعي ولا الثاني * البين أكثر من شوقي وأحزاني

428
وقوله:
كف الندى أضحت بغير بنان * وقناته أمست بغير سنان
وقوله:
أراك أكبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن
وقوله:
حتام دمعك مسفوح على الدمن * بانوا وشوقك لم يظعن ولم يبن
وقوله:
إحدى بني بكر بن عبد مناه * بين الكثيب الفرد فالأمواه
مطالعه الغير المستحسنة
قدك اتئب أربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي
وقوله:
هن عوادي يوسف وصواحبه * فعزما فقد ما أدرك السؤل طالبه
وسيأتي أن أبا العميثل وأبا سعيد الضرير لما سمعا هذا الابتداء
أسقطا القصيدة فلما سمعا باقيها استحسناه. وفي معاهد التنصيص أنه لما
أنشد أول القصيدة أنكر عليه أبو العميثل وقال له لم لا تقول ما يفهم فقال
له لم لا تفهم ما يقال؟ فاستحسن منه هذا الجواب على البديهة. وقوله
قد نابت الجزع من أروية النوب * واستحقبت جدة من دارها الحقب
وقوله:
صرف النوى ليس بالمكيث * ينبث ما ليس بالنبيث وقوله
كشف الغطاء فأوقدي أو أخمدي * لم تكمدي فظننت أن لم تكمدي
وقوله:
أرض مصردة وأخرى تثجم * تلك التي رزقت وأخرى تحرم
وقوله:
أزعمت أن الربع ليس يتيم * والدمع في دمن عفت لا يسجم
وقوله وهو من المطالع التي استهجنها المتنبي:
خشنت عليه أخت بني خشين * وأنجح فيك قول العاذلين
وقوله:
تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي * وليس جنيبي إن عذلت بمصحبي
وقوله هن البجاري يا بجير * أهدى لها الأبؤس الغوير
وقوله:
أقرم بكر تباهي أيها الخفض * ونجمها أي هذا الهالك الجرض
(الخفض) الجمل الضعيف (والجرض) الغصص. ومن شروط
حسن المطلع أن لا يكون متعلقا بما بعده من الأبيات، ولذلك جعل من
المطالع الغير المستحسنة قول أبي تمام.
أما إنه لولا الخليط المودع * وربع عفا منه مصيف ومربع
لتعلقه بالبيت الذي بعده وهو قوله:
لردت على أعقابها أريحية * من الشوق واديها من الدمع مترع
وقوله أيضا:
لو أن دهرا رد رجع جواب * أو كف من شأويه طول عتاب
لتعلقه بما بعده أيضا وهو قوله:
لعذلته في دمنتين بامرة * ممحوتين لزينب ورباب
2 - الجناس
وهو تشابه الكلمتين في اللفظ مشتق من الجنس، وهو من أنواع
البديع ومن محسنات الكلام، لأن تجانس الأشياء وتشابهها يحدث في النفس
ميلا إليها، ولكنه قد يكون متكلفا مستهجنا، فيورث الكلام قبحا، وهو
على أنواع. وقد أكثر أبو تمام في شعره من التجنيس إكثارا مفرطا، حتى
أنك لا تكاد تجد قصيدة لا يكون في كثير من أبياتها جناس. واستقصاء
ذلك يطول به الكلام، لكننا نذكر طرفا مقنعا منه، وبسبب إكثاره من
الجناس وتعمده له وقع له بعض الجناسات المستقبحة - كما يأتي - وقد جرت
العادة بمثل ذلك لكل من تعمد أنواع البديع وتكلفها ولم يقتصر على ما
يجئ عفو الطبع. ونذكر لك مثالا واحدا من تجنيسه في قصيدة واحدة
لتقيس ما بقي عليه. فهو يقول من قصيدة يمدح بها محمد بن عبد الملك
الزيات:
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل * وقلبك منها مدة الدهر آهل
تطل الطلول الدمع في كل موقف * وتمثل بالصبر الديار المواثل
دوارس لم يجف الربيع ربوعها * ولامر في أغفالها وهو غافل
فقد سحبت فيها السحائب ذيلها * وقد أخملت بالنور منها الحمائل
تعفين من زاد العفاة إذا انتحى * على الحي صرف الأزمة المتحامل
لهم سلف سمر العوالي وسالف * وفيهم جمال لا يغيض وجامل
ليالي أضللت العزاء وخذلت * بعقلك آرام الظباء العقائل
فهذه سبعة أبيات متتالية من قصيدة واحدة في كل منها تجنيس أو
تجنيسان، ويقول فيها:
ولم تنظم العقد الكعاب لزينة * كما تنظم الشمل الشتيت الشمائل
ويقول في الممدوح:
من البيض لم تنض الأكف كنصله * ولا حملت مثلا إليه الحمائل
ترى حبله عريان عن كل غدرة * إذا نصبت تحت الحبال الحبائل
ويقول في وصف القصيدة:
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل
الجناس التام
وهو ما تماثل ركناه لفظا واختلفا معنى، منه قوله:
ما مات من كرم الزمان فإنه * يحيا لدى يحيى بن عبد الله
وقوله: فاعقل بنضو الدار نضوك يقتسم * فرط الصبابة مسعد وحزين
(النضو) بالكسر المهزول من الإبل ويستعار للرجل النحيل وأراد
بنضو الدار الثاني وبنضوك الأول، والحزين هو نضو الدار والمسعد
المخاطب بهذا الكلام، وقوله:
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل

429
وقوله:
تفاحة جرت بالدر من فيها * أشهى إلي من الدنيا وما فيها
وقوله:
ومهى من مهى الخدور وآجال * ظباء يسرعن في الآجال
وقوله:
ضمنت له أعجاسها وتكلفت * أوتارها أن تنقض الأوتار
وقوله: جدد كلما غدا يوم فخر * بعضهم في أخلاقه الاخلاق
وقوله:
حتى أغادر كل يوم بالفلا * للطير عيدا من بنات العيد
وقوله: أضحت أياد في معد كلها * وهم أياد بنائها الممدود
وقوله وفيه الجناس المطلق والتام:
هو الربع من أسماء والعام رابع * له بلوى خبت فهل أنت رابع
أصارت لهم أرض العدو قطائعا * نفوس لحد المرهفات قطائع
وقوله:
بذ الجلاد البذ فهو دفين * ما إن به إلا الوحوش قطين
بذ: غلب، والبذكورة بين أران وأذربيجان. وقوله:
وصليب القناة والرأي والاسلام * سائل بذاك عنه الصليبا
وقوله: من كل فرج للعدو كأنه * فرج حمي إلا من الأكفاء
الفرج الأول الثغر والثاني العورة. وقوله:
أذكت عليه شهاب نار في الحشى * بالعذل وهنا أخت آل شهاب
وقوله وفيه الجناس التام والجناس المطلق:
حزن غداة الحزن هاج غليله * في أبرق الحنان منك حنين
وقوله:
كم نيل تحت سناها من سنا قمر * وتحت عارضها من عارض شنب
كم كان في قطع أسباب الرقاب بها * إلى المخدرة العذراء من سبب
كم أحرزت قضب الهندي مصلة * تهتز من قضب تهتز في كثب
بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت * أحق بالبيض أبدانا من الحجب
وقوله:
فاجل القذى عن مقلتي بأسطر * يكشفن من كربات بال بالي
الجناس المطلق
وهو أن يوجد في كل من اللفظين جميع ما في الآخر من الحروف أو
أكثر ولا يرجعان في المعنى إلى أصل واحد كقوله: (في مصعبيين ما لاقوا
مريد ردى) وقوله:
أرامة كنت مألف كل ريم * لو استمتعت بالأنس المقيم
وقوله:
ومصيب شواكل الأمر فيه * مشكلات يلكن لب اللبيب
وقوله:
ضربت به أفق السماء ضرائب * كالمسك يفتق بالندى ويطيب
الضرائب جمع ضريبة وهي الطبيعة، وقوله:
أما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا * فلا تكفن عن شأنيك أو يكفا
وقوله:
وله إذا خلق التخلق أو نبا * خلق كروض الحزن أو هو أخصب
وقوله:
في يوم أرشق والهيجاء قد رشقت * من المنية رشقا وابلا قصفا
ولوا وأغشيتهم شمسا غطارفة * لغمرة الموت كشافين لا كشفا
وقوله:
أراك كبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن
وقوله:
غدا يمنع المعروف بعدك دره * وتغدر غدران الأكف الروافد
فجللن قحطا آل قحطان وانثنت * نزار بمنزور من العيش جامد
وقوله:
أترى الفراق يظن أني ذاهل * عنه وقد لمست يداه لميسا
وقوله: ودلال مخيم في ذرى الخيم * وحجل معذب في الحجال
وقوله:
خان الصفاء أخ خان الزمان له * أخا فلم يتخون جسمه الكمد
وقوله: أن لا تفر فقد أقمت وقد رأت * عيناك قدر الحرب كيف تفار
وقوله:
وقد كانت البيض القواضب في الوغى * بواتر فهي الآن من بعده بتر
وقوله:
إن تبرحا وتباريحي على كبد * ما تستقر فدمعي غير بارحها
إذا وصفت لنفسي هجرها جنحت * ودائع الشوق في أقصى جوانحها
وإن خطبت إليها صبرها جعلت * جراحة الوجد تدمى في جوارحها
حتى تؤوب كأن الطلح معترض * بشوكة في المآقي من طلائحها
وقوله:
وأهل موقان إذ ماقوا فلا وزر * أنجاهم منك في الهيجا ولا سند
وقوله:
وقد خزمت بالذل أنف ابن خازم * وأعيت صياصيها يزيد بن مزيد
وقوله:
بحوافر حفر وصلب صلب * وأشاعر شعر وخلق أخلق
وقوله:
سلم على الربع من سلمى بذي سلم * عليه وسم من الأيام والقدم
وقوله:
تغزو فتغلب مثل اسمها * وتسيح غنم في البلاد فتغنم
وقوله:
تتكلف الجلى ومن هذا له * بيتاك في جشم ولا يتجشم
وقوله:
لا تخلفن خلقي فيهم وقد سطعت * ناري وجدد من حالي الجديدان

430
وقوله:
أي مناد إلى الندى وإلى * الهيجاء ناداهم فلم يجب
وقوله:
بضرب ترقص الأحشاء منه * ويبطل مهجة البطل النجيد
وقوله:
ومقدودة رود تكاد تقدها * إصابتها بالعين من حسن القد
تعصفر خديها العيون بحمرة * إذا وردت كانت وبالا على الورد
وقوله:
جادت معاهدهم عهاد سحابة * ما عهدها عند الطلول ذميم
وقوله: أيام تدمي عينه تلك الدمى * فيها وتقمر لبه الأقمار
وقوله:
بيض فهن إذا رمقن سوافرا * صوروهن إذا رمقن صوار
وقوله وفيه الجناس المطلق والتام:
ريم أبت أن يريم الحزن لي جلدا * فالعين عين بماء الشوق تنهمر
وقوله:
يا برق طالع منزلا بالأبرق * واحد السحاب له حداء الأينق
وقوله:
لا شوق ما لم تصل وجدا بالتي * تأبى وصالك كالإباء المحرق
الإباء: القصب، وقوله وفيه المقابلة أيضا:
يا بوم أرشق كنت رشق منية * للخرمية صائب الآجال
قد كان حزن الخطب في أحزانه * فدعاه داعي الحين بالاسهال
وقوله وفيه المقابلة أيضا:
لما قضى رمضان فيه قضاءه * شالت به الأيام في شوال
وقوله:
مضت خيلاء الخيل وانصرف الردى * بأنفس نفس من معد ووالد
وما كثرت في بلدة قصد القنا * فتقلع إلا عن رقاب قواصد
وقوله:
إذا طئ لم تطو منشور بأسها * فأنف الذي يهدي لها السخط جادع
وقوله:
ضرب كأشداق المخاض وتحته * طعن كأن وحاءه طاعون
وقوله:
بين البين فقدها قل ما * تعرف فقدا للشمس حتى تغيبا
وقوله من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني:
أقر السلام معرفا ومحصبا * من خالد المعروف والهيجاء
سيل همى لو لم يذده ذائد * لتبطحت أولاه بالبطحاء
وتعرفت عرفات زاخره ولم * يخصص كداء (1) منه بالأكداء
ولطاب مرتبع بطيبة واكتست * بردين برد ثرى وبرد ثراء (2)
في الشطر الأول الجناس المطلق وفي الثاني المذيل.
لا يحرم الحرمان خيرا أنهم * حرموا به نوءا من الأنواء
وقوله:
من كل ريم لم ترم سوءا ولم * تخلط صبا أيامها بتصابي
وقوله:
ألوى بصبرك إخلاق اللوى وهفا * بلبك الشوق لما أفقر اللبب
وقوله:
وأنجدتم من بعد اتهام داركم * فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
وقوله:
من سجايا الطلول أن لا تجيبا * فصواب من مقلتي أن تصوبا
بين البين ففدها قل ما تعرف * فقدا للشمس حتى تغيبا
لعب الشيب بالمفارق بل جد * فأبكى تماضرا ولعوبا
وقوله:
تجرع أسى قد أقفر الجرع الفرد * ودع حسي عين يحتلب ماءه الوجد
وقوله:
فلعل عينك أن تعين بمائها * والدمع منه خاذل ومواسي
بدر أطاعت فيك بادرة النوى * ولعا وشمس أولعت بشماس
وقوله:
خوانف يظلمن الظليم إذا عدا * وسيج أبيه وهو للبرق شائم
ومر تفسيره عند الكلام على وجود الغريب في شعره.
جناس الاشتقاق
وهو ما يكون اللفظان مشتقان من أصل واحد كقوله:
يا ربع لو ربعوا على ابن هموم * مستسلم لجوى الفراق سقيم
وقوله:
قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد * وإن هي لم تسمع لنشدان ناشد
وقوله:
يا بعد غاية دمع العين ان بعدوا * هي الصبابة طول الدهر والسهد
وقوله:
اي مرعى عين وواد قشيب * لحبته الأيام في ملحوب
(لحبته) سلكته (وملحوب) اسم مكان بمعنى مسلوك.
الجناس المحرف
وهو ما تماثل ركناه في الحروف وتغايرا في الحركات ومنه قوله:
هن الحمام فان كسرت عيافه * من حائهن فإنهن حمام
جادت له نفحات من مواهبه * اقلعن عن زمن عن جاره زمن
وقوله:
اي حسن في الذاهبين تولى * وجمال على ظهور الجمال
وقوله:
عكف بجزل للطعان لقاؤه * خطر إذا خطر القنا الخطار



(1) كداء كغراب جبل
(2) الثرى الندى والثراء كثرة المال، ويمكن ان يريد بالثرى التراب وببرد الثرى نبات الأرض.
431
فان قرئ خطر بكسر الطاء كان من المحرف وان قرئ بفتحها كان
من التام وقوله:
بدرة حفها من حولها درر * ارضى غرامي فيها دمعي الدرر
وقوله: * وغدت بطون منى منى من سيبه * وغدت حرا منه ظهور حراء
(منى) الأولى بكسر الميم الموضع المعروف بقرب مكة المكرمة و
(منى) الثانية بضم الميم جمع منية كمدية ومدى (والحرا) بالكسر والقصر
جناب الرجل وما حوله (وحراء) ككتاب جبل بمكة ففي الشطر الأول
الجناس المحرف وفي الشطر الثاني الجناس المذيل وقوله:
مواهب لو تولى عدها هرم * لم يحصها هرم حتى يرى هرما
وقوله:
قوم تراهم حين يطرق حادث * يسمون للخطب الجليل فيطرق
وقوله:
حزن غداة الحزن هاج غليله * في أبرق الحنان منك حنين
الجناس المصحف
وهو ما تماثل ركناه في الحروف وتخالفا في النقط ومنه قوله: (في حده
الحد بين الجد واللعب) وقوله:
ايه فدتك مغارسي ومنابتي * اطرح غناءك في نحور عنائي
وقوله:
رب خفض تحت السرى وغناء * من عناء ونضرة من شحوب
الجناس اللاحق
وهو ما ابدل من أحد ركنية حرف بحرف فمنه قوله:
وكنت عونا إذا دهر تخوننا * بالمال عينا فأنت العون بالعين
وقوله:
كم بين جدرانها من فارس بطل * قاني الذوائب من آني دم سرب
وقوله:
لما حللت الثغر أصبح عاليا * للروم من ذاك الجوار جؤار
واستيقنوا إذ جاش بحرك وارتقى * ذاك الزئير وعز ذاك الزار
الجناس المطرف
وهو ما زاد أحد ركنية على الآخر بحرف في طرفه الأول فمنه قوله:
لها اعارتي ولها * وابصر حرقتي فزها
الجناس المذيل
وهو ما زاد أحد ركنية على الآخر بحرف في آخره ومنه قوله:
عادك الزور ليلة الرمل من * رملة بين الحمى وبين المطالي
وقوله:
يمدون من أيد عواص عواصم * تصول بأسياف قواض قواضب
وقوله:
ليزدك وجدا بالسماحة ما ترى * من كيمياء المجد تغن وتغنم
وقوله:
طلبت ربيع ربيعة الممهى لها * فتفيأت ظلالها ممدودا
وقوله: وفيه الجناس المذيل واللاحق.
يحيى بن ثابت الذي سن الندى * وحوى المكارم من حيا وحياء
الجناس المقلوب
وهو ما تساوت حروف ركنية عددا وتخالفت ترتيبا ومنه قوله:
بيض الصفائح لأسود الصحائف في * متونهن جلاء الشك والريب
وقوله:
ابدا يفيد غرائبا من ظرفه * ورغائبا من جوده ونواله
التجنيس المستقبح في شعر أبي تمام
أورد الآمدي من ذلك قوله (من الجناس المطلق):
قرت بقران عين الدين وانشترت (واشتترت) * بالاشترين عيون الشرك فاصطلما
وقوله:
ان من عق والديه لملعون * ومن عق منزلا بالعقيق
وقوله:
خشنت عليه أخت بني خشين * وانجح فيك قول العاذلين
وقوله:
فاسلم سلمت من الآفات ما سلمت * سلام سلمى ومهما أورق السلم
وقوله: (من الجناس المطلق والمحرف).
ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت * فيه الظنون أمذهب أم مذهب
3 - الاستعارة
وهي تشبيه شئ بشئ وذكر المشبه به فقط والدلالة على التشبيه
بذكر شئ من لوازم المشبه وقد أكثر أبو تمام من الاستعارات البعيدة وغير
البعيدة في شعره اكثارا مفرطا فلا تكاد تجد بيتا من قصائده خاليا من
استعارة أو استعارات واستقصاء ذلك يفضي إلى التطويل بذكر جل شعره
ويكفيك النظر في قصيدتين من شعره هما بين يدينا الآن (إحداهما) يمدح بها
موسى بن إبراهيم الرافقي ويعتذر اليه مما بلغه عنه انه هجاه أولها:
شهدت لقد اقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشائع من برد
ويقول فيها:
لعمري لقد أخلقتم جدة البكا * علي وجددتم به خلق الوجد
وكم أحرزت منكم على قبح قدها * صروف الردى من مرهف حسن القد
فكم مذهب سبط المنادح قد سعت * إليك به الأيام من امل جعد
إذا وعد انهلت يداه فأهدتا * لك النجح محمولا على كاهل الوعد
إليك ثغرنا ما بنت في ظهورها * ظهور الثرى الربعي من فدن نهد
سرت تحمل العتبى إلى العتب والرضا * إلى السخط والعذر المبين إلى الحقد
اتاني مع الركبات ظن ظننته * لففت له رأسي حياء من المجد
لقد نكب الغدر الوفاء بساحتي * إذا وسرحت الذم في مسرح الحمد
نسيت إذا كم من يدلك شاكلت * يد القرب أعدت مستهاما على البعد
ومن زمن ألبستنيه مكانه * إذا ذكرت أيامه زمن الورد

432
وانك أحكمت الذي بين فكرتي * وبين الليالي من ذمام ومن عهد
واصلت شعري فاعتلى رونق الضحى * ولولاك لم يظهر زمانا من الغمد
فكيف وما أخللت بعدك بالحجى * وأنت فلم تخلل بمكرمة بعدي
أسربل هجر القول من لو هجرته * إذا لهجاني عنه معروفه عندي
كريم متى أمدحه والورى * معي وإذا ما لمته لمته وحدي
ولو لم يزعني عنك للحلم وازع * لأعديتني بالحلم ان العلا تعدي
واني رأيت الوشم في خلق الفتى * هو الوشم لا ما كان في الشعر والجلد
فجعل للبكاء والوجد جدة وإخلاقا. ولصروف الردى قدا وللمذهب
سبوطة وللامل جعودة وللوعد كاهلا ولعشب الربيع بناء وللحمد والذم
مسرحا وللقرب يدا وجعل الزمن لباسا وجعل لليالي عهدا وذماما وللشعر
غمدا وإصلاتا وجعل هجر القول سربالا والحلم وازعا وجعل للخلق وشما
إلى غير ذلك (والأخرى) يمدح بها المأمون يقول فيها:
جارى اليه البين وصل خريدة * ماشت اليه المطل مشي الأكبد (1)
عبث الفراق بدمعه وبقلبه * عبثا يروح الجد فيه ويغتدي
يا يوم شرد يوم لهوي لهوه * بصبابتي وأذل عز تجلدي
يوم أفاض جوى أغاض تعزيا * خاض الهوى بحري حجاه المزبد
يقول فيها في وصف المأمون:
متجردا ثبت المواطئ عزمه * متجرد للحادث المتجرد
في دولة لحظ الزمان شعاعها * فارتد منقلبا بعيني أرمد
اما الهدى فقد اقتدحت بزنده * في العالمين فويل من لم يهتد
صدمت مواهبه النوائب صدمة * شغبت على شغب الزمان الأنكد
وطئت حزون الجود حتى خلتها * فجرت عيونا في متون الجلمد
وأرى الأمور المشكلات تمزقت * ظلماتها عن رأيك المتوقد
فإذا ابتنيت بجود يومك مفخرا * عصفت به أرواح جودك في غد
فلويت بالموعود أعناق المنى * وحطمت بالانجاز ظهر الموعد
هذا أمين الله آخر مصدر * شجي الظماء به وأول مورد
(نيطت قلائد ظرفه بمحير) * (فعناؤها يطوي المراحل باليد)
فجعل المطل مماشيا والفراق عابثا والجد رائحا غاديا واليوم لاهيا
وجعل للتجلد عزا وللجوى بحرا وللحادث تجردا وللزمان لحظا ورمدا
وللهدى زندا وللنوائب صدمة وللزمان شغبا وللجود حزونة وللمشكلات
ظلما وللرأي توقدا وللجود رياحا وللمنى أعناقا وللموعد ظهرا وللظماء شجى
وللظرف قلائد وللعناء يدا تطوي المراحل إلى غير ذلك هذا في قصيدتين
قصيرتين فما ظنك باستقصاء شعره أو بقصائده الطوال وهذا مما عيب به على
أبي تمام.
الاستعارات القبيحة في شعر أبي تمام
وقد عقد الآمدي لذلك بابا مخصوصا ذكر فيه جملة منها وحكى عن
ابن المعتز في كتاب سرقات الشعراء انه ذكر استعارة قبيحة لسلم الخاسر
وقال هذا ردئ كأنه من شعر أبي تمام الطائي ولو لم يكن لأبي تمام من ردئ
الاستعارة إلا مثل استعارة سلم هذه أو نحوها لكفاه ونعوذ بالله من حرمان
التوفيق (اه‍) قال الآمدي فمن مرذول ألفاظه وقبيح استعاراته قوله:
يا دهر قوم من أخدعيك فقد * أضججت هذا الأنام من خرقك
وقوله:
سأشكر فرجة اللبب الرخي * ولين أخادع الدهر الآبي
وقوله:
فضربت الشتاء في اخدعيه * ضربة غادرته عودا ركوبا
وقوله:
تروح علينا كل يوم وتغتدي * خطوب كأن الدهر منهن يصرع
وقوله:
الا لا يمد الدهر كفا لسيئ * إلى مجتدي نصر فتقطع من الزند
وقوله:
والدهر ألأم من شرقت بلؤمه * الا إذا أشرقته بكريم
وقوله:
تحملت ما لو حمل الدهر شطره * لفكر دهر اي عبأيه اثقل
وقوله يصف قصيدة:
لها بين أبواب الملوك مزامر * من الذكر لم تنفخ ولا هي تزمر
وقوله:
يحل يفاع المجد حتى كأنه * على كل رأس من يد المجد مغفر
اما وأبي احداثه ان حادثا * حدا بي عنك العيس للحادث الوغد
لدى ملك من ايكة الجود لم يزل * على كبد المعروف من فعله برد
به اسلم المعروف بالشام بعدما * ثوى منذ اودى خالد وهو مرتد
وقوله:
جذبت نداه غدوة السبت جذبة * فخر صريعا بين أيدي القصائد
وقوله:
لو لم تفت مسن المجد مذ زمن * بالجود والبأس كان الجود قد خرفا
وقوله:
في علة أوقدت على كبد * النائل نارا اخنت على كبده
وقوله:
حتى إذا اسود الزمان توضحوا * فيه فغودر وهو فيهم أبلق
وقوله:
إيثار شذر القوى رأى جسد * المعروف أولى بالطب من جسده
وقوله:
فما ذكر الدهر العبوس بأنه * له ابن كيوم السبت إلا تبسما
وقوله:
وكم أحرزت منكم على قبح قدها * صروف النوى من مرهف حسن القد
وقوله يصف الأرض
إذا الغيث غادى نسجها خلت انه * مضت حقبة حرس له وهو حائك
إذا للبستم عار دهر كأنما * لياليه من بين الليالي عوارك
ولا اجتذبت فرش من الأمن تحتكم * هي المثل في لين بها والأرائك



(1) الاكبد الذي يشتكي كبده - المؤلف -
433
وقوله يرثى غالبا:
أنزلته الأيام عن ظهرها من * بعد اثبات رجله في الركاب
كأنني حين جردت الرجاء له * غضا صببت لها ماء على الزمن
وقوله يصف فرسا:
فكأن فارسه يصرف إذ بدا * في متنه ابنا للصباح الأبلق
لم تسق بعد الهوى ماء أقل قذى * من ماء قافية يسقيكه فهم
مقصرا خطوات البث في بدني * علما بأني ما قصرت في الطلب
جارى اليه البين وصل خريدة * ماشت اليه والوصل مشي الاكبد
وقد تحامل الآمدي على أبي تمام في هذا المقام كتحامله في كثير من
المقامات فقال بعد ايراد هذه الأبيات فجعل كما ترى من غثاثة هذه الألفاظ
للدهر اخدع ويدا تقطع من الزند وكأنه يصرع ويحل ويشرق بالكرام
ويتبسم وان الأيام تنزله والزمان أبلق وجعل للمجد يدا ولقصائده مزامر الا
انها لا تنفخ ولا تزمر وجعل المعروف مسلما تارة ومرتدا أخرى والحادث
وغدا وجذب ندى الممدوح بزعمه جذبة حتى خر صريعا بين يدي قصائده
وجعل المجد مما يبعد عنه الخرف وان له جسدا وكبدا وجعل لصروف النوى
قدا وللأمن فرشا وظن أن الغيث كان دهرا حائكا وجعل للأيام ظهرا يركب
والليالي كأنها عوارك والزمان كأنه صب عليه ماء والفرس كأنه ابن الزمان
الأبلق وهذه استعارات في غاية القباحة والهجانة (اه‍). ولا نراه في تقبح
هذه الاستعارات إلا مبالغا متحاملا فقد ورد أمثالها في الكلام الفصيح حتى
في القرآن المجيد قال امرؤ القيس في استطالة الليل:
فقلت له لما تمطى بجوزه * واردف اعجازا وناء بكلكل
وقال طفيل الغنوي:
وجعلت كوري فوق ناجية * يقتات شحم سنامها الرحل
وقال عمرو بن كلثوم يهجو النعمان:
الا أبلغ النعمان عني رسالة * فمجدك حولي ولؤمك قارح
وقال حسان:
لو يدب الحولي من ولد الذر * عليها لاندبتها الكلوم
وقال أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
وقال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقال ذو الرمة:
تيممن يا فوخ الدجى فصد عنه * وجوز الفلا صدع السيوف القواطع
وقال تأبط شرا:
نحز رقابهم حتى نزعنا * وانف الموت منخره رئيم
وقال ذو الرمة:
يعز ضعاف القوم عزة نفسه * ويقطع انف الكبرياء عن الكبر
وقال آخر:
تخاصم قوما لا تلقى جوابهم * وقد اخذت من انف لحيتك اليد
وقال آخر يذم رجلا:
ما زال مذموما على است الدهر * ذا حسد ينمى وعقل يجري
وقال أحد شعراء عبد القيس:
ولما رأيت الدهر وعرا سبيله * وابدى لنا ظهرا أجب مسلعا
ومعرفة حصاء غير مفاضة * عليه ولونا ذا عثاثين أجمعا
وجبهة قرد كالشراك ضئيلة * وصعر خديه وأنفا مجدعا
وفي القرآن المجيد: واشتعل الرأس شيبا، وآية لهم الليل نسلخ منه
النهار، فصب عليهم ربك سوط عذاب، طلعها كأنه رؤوس الشياطين أو
كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات
بعضها فوق بعض. وحاول الآمدي ان يفرق بين استعارات أبي تمام وما في
هذه من الاستعارات فلم يأت بشئ، ولم ننقل كلامه خوف التطويل.
مما استحسنه الآمدي من استعارات أبي تمام
قوله:
ليالي نحن في وسنان عيش * كان الدهر عنا في وثاق
وأيام لنا وله لدان * غنينا في حواشيها الرقاق
وقوله:
أيامنا مصقولة أطرافها * بك والليالي كلها أسحار
وقوله:
سكن الزمان فلا يد مذمومة * للحادثات ولا سوام تذعر
ومن استعاراته قوله:
فلا تجعل جوابك في يدي لا * فأكتب ما رجوت على الجليد
رماني بخلف بعد ما عاش حقبة * له رسفان في قيود المواعد
فجعل للخلف قيودا يرسف فيها.
4 - المقابلة والطباق
وهما من أنواع البديع (فالمقابلة) هي الاتيان بشيئين فما فوق ثم
مقابلتهما بأضدادهما أو بغيرها (والطباق) الاتيان بشئ ثم مقابلته بضده
وقد فرقوا بينهما بوجهين (أحدهما) أن الطباق لا يكون إلا بالأضداد،
والمقابلة تكون بالأضداد وبغيرها (ثانيهما) أن الطباق لا يكون إلا بين
ضدين، والمقابلة لا تكون إلا بين اثنين واثنين فما زاد ولو بلغت العشرة.
(والمقابلة) كثيرة في شعره كثرة مفرطة كقوله:
فبسطت أزهرها بوجه أزهر * وقبضت أربدها بوجه أربد
أفي الحق أن يضحي بقلبي مأتم * من الحب والبلوى وعيناي في عرس
أبقيت جد بني الاسلام في صعد * والمشركين ودار الشرك في صبب
فأما عيون العاشقين فأسخنت * وأما عيون الكاشحين فقرت
وكانت وليس الصبح فيها بأبيض * فأمست وليس الليل فيها بأسود
يا أمة كان قبح الجور يسخطها * دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها
(والطباق) كثير أيضا في شعره كثرة مفرطة كقوله:
ببعيد المدى قريب المعاني * وثقيل الحجى خفيف الروح
وقوله: فما زالت تجد أسى وشوقا * له وعليه إخلاق الطلول
أسكن قلبا هائما فيه مأتم * من الشوق إلا أن عيني في عرس
ومغضب رجعت بيض السيوف به * حي الرضا عن رداهم ميت الغضب

434
رأى بابك منك التي طلعت له * بنحس وللدين الحنيف بأسعد
يضحى على المجد مأمونا إذا اشتجرت * سمر القنا وعلى الأرواح متهما
فقيدت بالإقدام مطلق بأسهم * وأطلقت فيهم كل حتف مقيد
إنسية إن حصلت أنسابها * جنية الأبوين ما لم تنسب
وليس ببان للعلى خلق امرئ * وان جل إلا وهو للمال هادم
غادرت فيهم بهيم الليل وهو ضحى * يشله وسطها صبح من اللهب
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت * والشمس واجبة من ذا ولم تجب
بصرت بالراحة العظمى فلم ترها * تنال إلا على جسر من التعب
وقوله - وفيه الجناس أيضا:
له كل يوم شمل مجد مؤلف * وشمل ندى بين العفاة مشتت
وغدت بطون منى منى من سيبه * وغدت حرا منه ظهور حراء
ألبست فوق بياض مجدك نعمة * بيضاء تسرع في سواد الحاسد
قربت نازحة القلوب من الجوى * وتركت شأو الدمع فيك بعيدا
وقوله: لئن عمت بني حواء نفعا * لقد خصت بني عبد الحميد
وقوله: بمصعد من نعته ومصوب * ومجمع من حسنه ومفرق
وضل بك المرتاد من حيث يهتدي * وضرت بك الأيام من حيث تنفع
ضوء من النار والظلماء عاكفه * وظلمة من دخان في ضحى شجب
صعب فان سومحت كنت مسامحا * سلسا جريرك في يمين القائد
سفه الفراق عليك يوم رحيلهم * وبما أراه وهو عنك حليم
مسود شطر مثل ما اسود الدجى * مبيض شطر كابيضاض المهرق
كم في العلا لهم والمجد من بدع * إذا تصفحت اختيرت على السنن
دموع أجابت داعي الحزن همع * توصل منا عن قلوب تقطع
عفاء على الدنيا طويل فإنها * تفرق من حيث ابتدت تتجمع
ولقد خشيت بأن تكون غنيمتي * حر الزمان بها وبرد المطلب
من ذا يعظم مقدار السرور بمن * يهوى إذا لم يعظم موقع الحزن
يعطي عطاء المحسن الخضل الندى * عفوا ويعتذر اعتذار المذنب
ترضى السيوف به في الروع منتصرا * ويغضب الدين والدنيا إذا غضبا
أفادت صديقا من عدو وصيرت * أقارب دنيا من رجال أباعد
ومن مستحسن قول أبي تمام في الطباق قوله:
نثرت فريد مدامع لم تنظم * والدمع يحمل بعض شجو المغرم
جفوف البلى أسرعت في الغصن الرطب * وخطب الردى والموت أبرحت من خطب
ومن مستقبح قول أبي تمام فيه على ما في الموازنة قوله:
قد لان أكثر ما نريد وبعضه * خشن وإني بالنجاح لواثق
لعمري لقد حررت يوم لقيته * لو أن القضاء وحده لم يبرد
5 - الاستدارك
وهو دفع توهم يتولد من الكلام السابق، ولا بد لعده من أنواع
البديع من اشتماله على نكتة طريفة كقوله:
له خلق سهل ونفس طباعها * ليان ولكن عزمه من صفا صلد
بلوناك أما كعب عرضك في العلا * فعال ولكن جد مالك أسفل
6 - الاعتراض
وهو الاتيان في أثناء الكلام بجملة لنكتة سوى دفع الايهام كقوله
دأب عيني البكاء والحزن دابي * فاتركيني، وقيت ما بي، لما بي
7 - الافتنان
وهو الاتيان بفنين مختلفين في بيت واحد مثل النسيب والحماسة
والتهنئة والتعزية فمنه قوله يرثي المعتصم ويهنئ الواثق من قصيدة:
لله أي حياة انبعثت لنا * يوم الخميس وبعد أي حمام
أودى بخير إمام اضطربت به * شعب الرحال وقام خير إمام
تلك الرزية لا رزية مثلها * والقسم ليس كسائر الأقسام
إن أصبحت هضبات قدس رابها * قدر فما زالت هضاب شمام
أو يفتقد ذون النون في الهيجا فقد * دفع الإله لنا عن الصمصام
أوجب منا غارب غدرا فقد * رحنا باسمك ذروة وسنام
هل غير بؤسي ساعة ألبستها * بنداك ما لبست من الإنعام
نقض كرجع الطرف قد أبرمته * يا ابن الخلائف أيما إبرام
ما أن رأى الأقوام شمسا قبلها * أفلت ولم تعقبهم بظلام
وقوله:
خلط الشجاعة بالحياء فأصبحا * كالحسن شيب لمغرم بدلال
وقوله:
لا والذي هو عالم أن النوى * صبر وأن أبا الحسين كريم
8 - التهكم
وهو الخطاب بلفظ الاجلال في موضع التحقير ونحو ذلك، فمنه
قوله:
لا خلق أربط جأشا منك يوم ترى * أبا سعيد ولم يبطش بك الزؤد
أما وقد عشت يوما بعد رؤيته * فافخر فإنك أنت الفارس النجد
وقوله:
أترى أنني ظننتك كلبا * أنت عندي من أبعد الناس همه
9 - الهجو في موضع المدح
وهو الاتيان بكلام ظاهره المدح وباطنه القدح، هكذا عرفوه وهو ان
لم يكن عين التهكم فقريب منه، وفرق بينهما السيد علي خان بأن التهكم
يفهم من لفظه أو فحواه أو أسلوبه أو مقامه ان المقصود السخرية
والاستهزاء بخلاف الهجو في معرض المدح، فان ظاهره لا يدل إلى علي
المدح حتى يقترن به ما يفهم منه أن المقصود الهجو كقوله يهجو المطلب
الخزاعي:
أول عدل منك فيما أرى * أنك لا تقبل قول الكذب
مدحتكم كذبا فجازيتني * بخلا لقد أنصفت يا مطلب
10 - الكلام الجامع
وهو أن يكون فيه حكمة أو موعظة أو شكاية من الزمان أو نحو
ذلك، مثل قوله:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة * نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها * أهلا بأهل وجيرانا بجيران
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود

435
لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود
11 - التذييل
وهو تعقيب الجملة التامة بجملة تشتمل على معناها لتوكيدها، نحو
قوله:
أصمني سرهم أيام فرقتهم * هل كنت تعرف سرا يورث الصمما
مشت خببا سيوفك في طلاهم * ولم يك مشيها مشي الوئيد
12 - اللف والنشر
وهو أن تذكر متعددا ثم تذكر أشياء على عدد ذلك، فالأول اللف
والثاني النشر كقوله:
جرت له أسماء حبل الشموس * والهجر والوصل نعيم وبوس
كم فرحة أهدى وكم من ترحة * لمؤمل راج ولاح ناهي
أخا الفلوات قد أحيا وأردى * ركابا في صحاصحها وركبا
وكان لهم غيثا وعلما لمعدم * فيسأله أو باحث فيسائله
يفيد ويستفيد غنى وحمدا * فأكرم بالمفيد المستفيد
13 - الجمع
وهو أن يجمع بين شيئين مختلفين أو أكثر فيثبت لهما جهة جامعة
يتحدان بها كقوله:
الجو أكلف والجناب لفقده * محل وذاك الشق شق مظلم
وقوله: فسقى طيئا وكلبا وذودا * ن وقيسا ووائلا وتميما وقوله:
يسمو بك السفاح والمنصور * والمهدي والمعصوم والمأمون
فيهم سكينة ربهم وكتابه * وإمامتاه واسمه المخزون
العيس والهم والليل التمام معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن
حسد تمكن ذله من بعضكم * في أعين ومعاطس وشفاه
وقوله: بصفحته وفقحته جميعا * وخادمه وبغلته جذام
فستعلمن هن أم من وإهاب من * وقديم من وحديث من يتمزق
14 - التفريق
وهو إيقاع تباين بين أمرين من نوع واحد ادعاء مثل قوله:
كالليث ليث الغاب إلا أن ذا * في الروع بسام وذاك شتيم
غيث حوى كرم الطبائع دهره * والغيث يكرم مرة ويلوم
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
15 - مراعاة النظر
وهو الجمع بين لفظين أو ألفاظ متناسبة المعاني حقيقة أو ظاهرا
كقوله:
يا عصمتي ومعولي وثمالي * بل يا جنوبي غضة وشمالي
بل لامتي ألقى بها حد القنا * بل كوكبي أسري به وهلالي
رزء على طئ ألقى كلا كله * لا بل على أدد لا بل على اليمن
المجد أعنق والديار فسيحة * والعز أقعس والعديد عرمرم
16 - الاطراد
وهو الاتيان باسم الممدوح ولقبه وكنيته وصفته وأبيه وجده وقبيلته أو
ما أمكن من ذلك في بيت واحد بغير فصل كقوله:
عبد المليك بن صالح بن علي ب‍ * ن قسيم النبي في حسبه
عمرو بن كلثوم بن مالك الذي * ترك العلى لبني أبيه تراثا
بنصر بن منصور بن بسام انفرى * لنا شظف الأيام في عيشة رغد
وقوله: لمحمد بن الهيثم بن شبابة * مجد إلى جنب السماك مقيم
نوح بن عمرو بن حوى بن * عمرو بن حوى بن الفتى ماتع
عمرو بن كلثوم بن مالك بن * عتاب بن سعد سهمكم لا يسهم
17 - حسن النسق
وهو الاتيان بصفات متتالية، ويسمى تنسيق الصفات، أو بجمل
متتاليات متلاحمات كقوله:
خلعة من أغر أروع رحب الصدر * رحب الفؤاد رحب الذراع
وقوله: بمحمد ومكند ومحسد * ومسود وممدح ومعذل
وقوله فوجدتها في همتي ورأيتها * في مطلبي وعرفتها في مالي
وقوله - وفيه السجع أيضا:
ذوي الهمم الهوامد والأكف * الجوامد والمروءات النيام
وقوله: لحياضها متورد ولخطبها * متعمد وبثديها ملبون
فرسان مملكة أسود خلافة * ظل الهدى غاب لهم وعرين
بفارس دعمي وهضبة وائل * وكوكب عتاب وجمرة هاشم
وقوله: فتى فتاء وفتيانية وأخو * نوائب وملمات وأزمان وقوله:
أذهل بن شيبان ذهل الفخار * وذهل الفعال وذهل العلاء
وقوله - وفيه السجع:
ورث الندى وحوى النهى ومنى العلى * وجلى الدجى ورمى الفضا بهداء
خولته عيشا أغن وجاملا * دثرا ومالا صامتا وأثاثا
وقوله: بدور ليل التمام حسنا * عين حتوف ظباء ميث
بين الأسارير والخلاخيل * والدماليج والرعوث وقوله:
فيا جولة لا تجحديه وقاره * ويا سيف لا تكفر ويا ظلمة اشهدي
ويا ليل لو أني مكانك بعدها * لما بت في الدنيا بنوم مسهد
وقال - وفيه حسن النسق والتجنيس:
بسلمى سلامات وعمرة عامر * وهند بني هند وسعد بني سعد
هو الهمام هو الموت المريح هو * الحتف الوحي هو الصمصامة الذكر
أنا الحسام أنا الموت الزؤام أنا * الحرب الضرام أنا الضرعامة العتد
أبى فلا شنبا يهوى ولا فلجا * ولا احورارا يراعيه ولا دعجا
فالمشي همس والنداء إشارة * خوف انتقامك والحديث سرار
البيت حيث النجم والكف حيث * الغيث في الأزمة والدار خيس
حزن الصفات روادفا وسوالفا * ومحاجرا ونواظرا وأنوفا
في الروض قراض وفي سيل الربى * كدر وفي بعض الغيوث صواعق
من منة مشهورة وصنيعة * بكر وإحسان أغر محجل

436
18 - تجاهل العارف
وهو سوق المعلوم مساق المجهول لنكتة إيهام ان شدة الشبه بين
الشيئين أحدث التباس أحدهما بالآخر كقوله:
أعيا علي، وما أعيا بمشكلة، * بسندبايا ويوم الروع محتشد
من كان أنكا حدا في كتائبهم * أأنت أم سيفك الماضي أم الأحد
تالله أدري أألإسلام يشكرها * من وقعة أم بنو العباس أم أدد
فما ندري أحدك كان أمضى * غداة البين أم حد الحديد
فوالله ما أدري أأحلام نائم * ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
فلا أدري من الأعلى فعالا * ومن يبني العلا عرضا وطولا
أمن يعطي الجزيل بلا امتنان * به أم من أفدت به الجزيلا
دعواك في كلب أعم فضيحة * وأخس أم دعواك في الشعراء
يا ليت شعري ضل عقلك كله * أم هذه أيام ثقب الجوهر
فما أدري عماي عن ارتيادي * دهاني أم عماك عن الجميل
وقوله:
أطوقه أحسن أم طرفه * أم وجهه أحسن أم عقله
19 - السلب والايجاب
وهو أن يبتني الكلام على نفي الشئ من جهة وإثباته من جهة أخرى
كقوله:
فتى برحت هماته وفعاله * به فهو في جهد وما هو في جهد
إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
20 - التسهيم
وهو أن يذكر في الكلام ما يدل على ما بعده كقوله:
بقاعية تجري علينا كؤوسها * فتبدي الذي نخفي وتخفي الذي نبدي
وكان عرضك في السهولة وجهه * وكان وجهك في الصلابة عرضه
ومودة لا زهدت في راغب * يوما ولا هي رغبت في زاهد
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
لما رأى أدبا في غير ذي كرم * قد ضاع أو كرما في غير ذي أدب
فما تترك الأيام من هو آخذ * ولا تأخذ الأيام من هو تارك
21 - العكس
وهو أن تقدم في الكلام جزء ثم تعكس فتقدم ما أخرت وتؤخر ما
قدمت كقوله:
فثقلت بالتخفيف عنك وبعضهم * يخفف في الحاجات حتى يثقله
22 - العقد
وهو أن ينظم آية أو حديثا أو كلام صحابي أو حكيم بلفظه ومعناه أو
معظم لفظه كقوله:
وقال علي في التعازي لأشعث * وخاف عليه بعض تلك العظائم
أتصبر للبلوى عزاء وحسبة * فتؤجر أم تسلو سلو البهائم
عقد فيه قول أمير المؤمنين عليه السلام الذي عزى به الأشعث بن
قيس إن صبرت صبر الأحرار وإلا سلوت سلو البهائم.
23 - التسجيع
وهو الاتيان بكلمات مقفات كقوله:
عطفوا الخدور على البدور وكللوا * ظلم الستور بنور حور نهد
وقال:
تجلى به رشدي وأثرت به يدي * وفاض به ثمدي وأورى به زندي
يغلي إذا لم يضطرم ويري إذا * لم يحتدم ويفص إن لم يشرق
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما * فما زلت بالبيض القواضب مغرما
ومن تيمت سمر الغواني وأدمها * فما زلت بالسمر العوالي متيما
يحصن بها سندي أو يمتنع عضدي * أو يدن لي أمدي أو يعتدل أودي
أيام سيفك مشهور وبحرك * مسجور وقرنك مقصور له الطول
يعطي فيجزل أو يدعي فينزل أو * يؤتى لمحمل أعباء فيحتمل
من أشتكي وإلى من أعتزي وندى * من أجتدي كل أمر فيك منتقض
وقوله:
في مطلب أو مهرب أو رغبة * أو رهبة أو موكب أو فيلق
يوم أفاض جوى أغاض تغربا * خاض الهوى بحري حجاه المزبد
أتت النوى دون الهوى وأتى الأسى * دون الأسى بحرارة لم تبرد
وفي الثاني مع السجع الجناس. ومن تسجيعه الغير المستحسن قوله:
جعلوا القنا الدرجات للكذجات ذات * الغيل والحرجات والأدحال
24 - التقسيم
وهو أن يذكر قسمة ذات جزءين أو أكثر ثم يضيف إلى كل واحد ما
يليق به أو يفصل ما ابتدأ به فيذكر جميع أقسامه كقوله:
صلى لها حيا وكان وقودها * ميتا ويدخلها مع الفجار
أيها الغيث حي أهلا بمغداك * وعند السرى وحين تئوب
قسم الزمان ربوعها بين الصبا * وقبولها ودبورها أثلاثا
وزير حق ووالي شرطة ورجا * ديوان ملك وشيعي ومحتسب
تقاسمنا بها الجرد المذاكي * سجال الكره والدأب العتيد
فنمسي في سوابغ محكمات * وتمسي في السروج وفي اللبود
قسمناهم فشطر للعوالي * وشطر في لظى حر الوقود
وقوله:
مأرومة للمجتلي موسومة * للمهتدي مظلومة للمصطلي
فصنيعة في يومها وصنيعة * قد أحولت وصنيعة لم تحول
كالمزن من ماء الرباب فمقبل * متنظر ومخيم متهلل وقوله:
وكنت لناشيهم أبا ولكهلهم * أخا ولذي التقويس والكبرة ابنما
هو للوفي العهد ظل أراكة * ولمضمر الشنان شوك عضاه
هو في الغنى غرسي وغرسك في العلى * أنى انصرفت وأنت غرس الله
وقوله:
وإنك إن تساجلني تجدني * لرأسك جندلا ولفيك تربا
أصبحت حاتمها جودا وأحنفها * حلما وكيسها علما ودغفلها
25 - رد العجز على الصدر
وهو أن يقع أحد اللفظين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع
الأول أو حشوه أو عجزه أو صدر المصراع الثاني كقوله.

437
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما * فإنك بالبيض القواضب مغرما
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى * ويغمر صرف الدهر نائله الغمر
وجوه لو أن الأرض فيها كواكب * توقد للساري لكانت كواكبا
أعاذلتا ما أحسن الليل مركبا * وأحسن منه في الملمات راكبه
26 - التشطير
وهو تقسيم كل من صدر البيت وعجزه شطرين ثم تسجيع كل منهما * مع مخالفة الصدر للعجز في التسجيع كقوله:
تدبير معتصم بالله منتقم * لله مرتقب في الله مرتهب
فما أرى خلفا لما مضوا سلفا * يرجى لعان ولا يخشى على جاني
ومن بدور خدور تستقل بها * أغصان بان كأغصان من البان
27 - التوشيح
وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على
الأول كقوله:
إن الحمامين من بيض ومن سمر * دلوا الحياتين من ماء ومن عشب
فتى أحيت يداه بعيد يأس * لنا الميتين من بأس وجود
لولا مناشدة القربى لغادركم * حصائد المرهفين السيف والقلم
28 - التسليم
وهو فرض المحال أو غير الواقع ثم تسليم وقوعه تسليما جدليا
والدلالة على عدم الفائدة فيه على فرض وقوعه كقوله:
ما دام عيش لبسناه بساكنه * لدنا ولو أن عيشا دام لم يدم
29 - المشاكلة
وهي ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا
كقوله:
من مبلغ أفناء يعرب كلها * أنى بنيت الجار قبل المنزل
وفي أنوار الربيع: أحسن ما اعتذر به عن قول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني * صب قد استعذبت ماء بكائي
أنه من هذا الباب وأن إثبات ماء الملام بمشاكلة ماء البكاء المتأخر
عنه.
30 - حسن التعليل
وهو أن يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف غير حقيقي
كقوله:
ربى شفعت ريح الصبا بنسيمها * إلى المزن حتى جادها وهو هامع
كان السحاب الغر غيين تحتها * حبيبا فما ترقى لهن مدامع
31 - التطريز
وهو أن يؤتى بمواضع متقابلة كأنها طراز والطراز علم الثوب كقوله
أعوام وصل كاد ينسي طولها * ذكر النوى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أعقبت * بأسى فخلنا أنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأنها وكأنهم أحلام
متبذل في القوم وهو مبجل * متواضع في الحي وهو معظم
32 - التكرار
وهو تكرير كلمة فأكثر باللفظ والمعنى لنكتة، كالتوكيد وغيره
كقوله: بالصريح الصريح والأروع * الأروع منهم وباللباب اللباب
33 - المبالغة
وهي ما يستحيل عادة أو عقلا، وهي من أنواع البديع، ولذلك
قيل: الشعر أعذبه أكذبه: في معجم الأدباء في ترجمة الحسن بن بشر
الآمدي عن أبي نصر قال: قلت لأبي الفرج الببغا الشاعر: للناس عادات
في المبالغات، فقال لي: كان الآمدي النحوي صاحب كتاب الموازنة يدعي
هذه المبالغات على أبي تمام ويجعلها استطرادا لعيبه إذا ضاق عليه المجال في
ذمه، وأورد في كتابه من قصيدته التي أولها (من سجايا الطلول أن لا
تجيبا):
خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد * دما أن رأت شواتي خضيبا
كل داء يرجى الدواء له * اللا الفظيعين ميتة ومشيبا
ثم قال هذه من مبالغاته المسرفة، ثم قال أبو الفرج، هذه والله
المبالغة التي يبلغ بها السماء (اه‍)، فمنها في شعر أبي تمام قوله:
وأبعد عن جوارك ألف يوم * مسيرة كل يوم ألف ميل
ولو كانت يمينك ألف بحر * يغيض لكل بحر ألف نيل
وقوله: ويصعد حتى لظن الجهول * أن له منزلا في السماء وقوله
ألم يهززك قول فتى يصلي * لما يثني عليك به الثناء
دنف يجود بنفسه حتى لقد * أمسى ضعيفا ان يجود بنفسه
يكاد حين يلاقي القرن من حنق * قبل السنان على حوبائه يرد
لو عاين الأسد الضرغام صورته * ما ليم أن ظن رعبا أنه الأسد
وقائع عذبت أنباؤها وحلت * حتى لقد صار مهجورا لها الشهد
قلائص شوقهن يزيد شوقا * ويمنعن الرقاد من الرقود
وكأنما نافست قدرك حظه * وحسدت نفسك حين أن لم تحسد
سأحمد نصرا ما حييت وإنني * لأعلم ان قد جل نصر عن الحمد
وهذه مبالغة معيبة فالله تعالى قد حمد وأمر بأن يحمد.
وما زال منشورا علي نواله * وعندي حتى قد بقيت بلا عند
أفنيت منه الشعر في متمدح * قد ساد حتى كاد بفنى السؤددا
وطلعت في درج العلى حتى إذا * جئت النجوم نزلت فوق الفرقد
وقوله هذب في جنسه ونال المدى * بنفسه فهو وحده جنس وقوله
فكأنما احتالت عليه نفسه * إذ لم تنله حيلة المحتال وقوله
ملأ الفضا عصبا فكاد بأن يرى * لا خلف فيه ولا له قدام وقوله
فكاد بأن يرى للشرق شرقا * وكاد بأن يرى للغرب غربا وقوله
لو كان للجبل المقطم ريشة * ما شك خلق انه سيطير
وأرى نكيرا صد عنك ومنكرا * ظنا بأنك منكر ونكير
وتضور القبر الذي أسكنته * حتى ظننا أنه المقبور وقوله
تكاد عطاياه يجن جنونها * إذا لم يعوذها بنعمة طالب
تكاد مغانيه تهش عراصها * وتركب من شوق إلى كل راكب
وقوله فروحي عنده والجسم خال * بلا روح وقلبي في يديه وقوله
حللت محلا فاضلا متقادما * من الفضل والفخر القديم فخور
تفاخرت الدنيا بأيام ماجد * به الملك مبهى والمفاخر تفخر

438
وقوله كل سقام تراه في أحد * فذاك فرع والأصل في بدني
كوائن الحب قبل كونك في * أفئدة العاشقين لم تكن وقوله
وغربت لم أجد ذكر مشرق * وشرقت حتى قد نسيت المغاربا
عطايا هي الأنواء إلا علامة * دعت تلك أنواء وهذي مواهبا
يطول استشارات التجارب رأيه * إذا ما ذوو الرأي استشاروا التجاربا
وقوله أظله البين حتى أنه رجل * لو مات من شغل بالبين ما علما
قالوا الرحيل غدا لا شك قلت لهم * الآن أيقنت أن اسم الحمام غد
وقال في الخمر:
وقديمه قبل الزمان حديثه * جاءت وما نسبت إلى آناء وقال
فأقسم لو أفرطت في الوصف عامدا * لأكذب في مدحيه لم أك كاذبا
وما زلت ألقى ذاك بالصبر لابسا * رداءيه حتى خفت أن يجزع الصبر
فترقرقت عيني دما فيها إلى * أن خلت مهجتي التي تترقرق
وقال يهجو:
وفسوق والدة حست جرع الردى * وأظنها في اللحد أيضا تفسق
أنحفت جسمك حتى لو هممت بأن * ألهو بصفعك يوما لم تجدك يدي
كادت لعرفان النوى ألفاظها * من رقة الشكوى تكون دموعا
وقال: تروح علينا كل يوم وتغتدي * خطوب يكاد الدهر منهن يصرع
كم من يدلك لولا ما أخففها * به من الشكر لم تحمل ولم تطق
بالله أدفع عني ثقل فادحها * فإنني خائف منها على عنقي
فقد بث عبد الله خوف انتقامه * على الليل حتى ما تدب عقاربه
وقال: غير أني لو تعشقت نفسي
لتنغصت عشقها بالرقيب وقال:
تحملت ما لو حمل الدهر شطره * لفكر دهر أي عبئيه أثقل
وقال: وذاك له إذا العنقاء صارت * مربية وشب ابن الخصي وقال
ومودتي لك لا تعار بلى إذا * ما كان تامور الفؤاد يعار
التامور: حياة القلب وحبته. وقال:
لو عاين الدجال بعض فعاله * لانهل دمع الأعور الدجال
وقال: لولا تناهي كل مخلوق لقد * خلنا نوالك ليس بالمتناهي
وقال: فلو أبقى الندا والبأس حيا * لخص أبو سعيد بالخلود
34 - الاغراق
وهو ان تدعي لشئ وصفا بالغا حد الإمكان عقلا والاستحالة
عادة، فمنه قوله:
تركتهم سيرا لو أنها كتبت * لم تبق في الأرض قرطاسا ولا قلما
مواهب لو تولى عدها هرم * لم يحصها هرم حتى يرى هرما
ما أراني أراك نصب خيال * طارق أو يصير جسمي خلالا
فلو كان ما يعطيه غيثا لأمطرت * سحائبه من غير برق ولا رعد
فنول حتى لم يجد من ينيله * وحارب حتى لم يجد من يحاربه
الله أكبر جاء أكبر من جرت * فتحيرت في كنهه الأوهام
من لا يحيط الواصفون بوصفه * حتى يقولوا وصفه إلهام
من شرد الاعدام عن أوطانه * بالجود حتى استطرف الاعدام
وتكفل الأيتام عن آبائهم * حتى وددنا أننا أيتام وقال:
تعود بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه * لجاد بها فليتق الله سائله
أمطرتهم عزمات لو رميت بها * يوم الكريهة ركن الدهر لانهدما
واري الفؤاد فلو كانت بعزمته * تذكى المصابيح لم تخب المصابيح
وجوه لو أن الأرض فيها كواكب * توقد للساري لكانت كواكبا
لو اقتسمت أخلاقه الغر لم تجد * معيبا ولا خلقا من الناس عائبا
وقال: مساو لو قسمن على الغواني * لما جهرن إلا بالطلاق
35 - الغلو
وهو ادعاء وصف بالغ حد الاستحالة عقلا وعادة، ومنه قوله
لو لم يزاحفهم لزاحفهم له * ما في صدورهم من الأوجال
وقوله:: أفضى إليك بسره قلم * لو كان يعقله بكى قلمه وقوله
فكاد شوقي يتلو الدمع منسجما * إن كان في الأرض شوق فاض فانسجما
36 - التمثيل
وهو تشبيه حال بحال على سبيل الكناية بأن تقصد الإشارة إلى معنى
فتضع الألفاظ على معنى آخر، ويكون ذلك المعنى مثالا للمعنى الذي
قصدت الإشارة إليه كقوله:
أخرجتموه بكره عن سجيته * والنار قد تنتضى من ناظر السلم
أوطأتموه على جمر العقوق ولو * لم يحرج الليث لم يخرج من الأجم
37 - الاقتباس
وهو تضمين الكلام بعض القرآن والحديث لا على أنه منه بأن لا يقال
فيه قال الله أو قال رسول الله أو نحو ذلك، فإن هذا لا يكون اقتباسا بل
استشهادا بالقرآن كقول أبي تمام:
وبين الله هذا من بريته * بقوله خلق الإنسان من عجل
فمن الاقتباس من القرآن في شعر أبي تمام قوله:
قلبي رهين بكفي شادن غنج * يميته فإذا ما شاء أنشره
فاعذلوا فيه كيف شئتم وقولوا * قد كفى الله المؤمنين القتالا
وقوله: كان الذي خفت أن يكونا * إنا إلى الله راجعونا
ومن الاقتباس من الحديث قوله:
أصبحت عنك لعظم جرمك ممسكا * وكذا إذا ذكر القضاء فأمسكوا
38 - التوجيه
وهو توجيه بعض الكلام إلى شئ من أسماء الأعلام أو قواعد العلوم
أو غيرها.
التوجيه بعلم التوحيد والكلام والحكمة والفلسفة
بكر إذا جردت في حسنها * فكرك دلتك على الصانع
مودة ذهب أثمارها شبه * وهمة جوهر معروفها عرض
وقال: قمر ألقت جواهره * في فؤادي جوهر الحزن
كل جزء من محاسنه * فيه أجزاء من الفتن وقال:
فان الفتى في كل ضرب مناسب * مناسب روحانية من يشاكل
صاغهم ذو الجلال من جوهر المجد * وصاع الأنام من عرضه
وقوله في الخمر:
جهمية الأوصاف إلا أنهم * قد لقبوها جوهر الأشياء
وقديمة قبل الزمان حديثة * جاءت وما نسبت إلى آناء

439
التوجيه بعلم الأصول
ما كان يخبرني القياس بباطل * عنكم ولكن حرت بالتقليد
هدأت على تأميل احمد همتي * وأطاف تقليدي به وقياسي
لو أن إجماعنا في وصف سؤدده * في الدين لم يختلف في الأمة اثنان
التوجيه بمسائل الفقه والدين
لبست سواه أقواما فكانوا * كما أغنى التيمم بالصعيد
ومحلفة لما ترد أذن سامع * فتصدر إلا عن يمين وشاهد
ومردودا صفاؤهم عليهم * كما رد النكاح بلا ولي
وقال:
لي في تركيبه بدع * شغلت قلبي عن السنن
وقال:
ما كنت كالسائل الأيام مجتهدا * عن ليلة القدر في شعبان أو رجب
التوجيه بالنحو
أمقران كم قرن لقيت بمشهد * فكان به رفعا وكنت به نصبا
ينبيك عن رفع الكلام وخفضه * والنصب منه لحاله والمصدر
خرقاء يلعب بالعقول حبابها * كتلاعب الأفعال بالأسماء
ويد يظل المال يسقط كيده * فيها سقوط الهاء في الترخيم
التوجيه بعلم المعاني
بخديه دقائق لو تراها * إذا لسألت عنها في المعاني
التوجيه بعلم البيان
لقد تركتني كأسها وحقيقتي * مجاز وصبح من يقيني كالظن
لأبي الغريب غرائبا من مدحه * في غير تعقيد ولا استكراه
التوجيه بعلم العروض
لو كان يكره أن تبدو فضائحه * ما كان أكثر ما في شعره العمد
التوجيه بالشطرنج
أفعشت حتى عبتهم قل لي متى * فرزنت ساعة ما أرى يا بيدق
التوجيه بعلم النجوم
مناسب تحسب أضواءها * منازلا للقمر الطالع
كالدلو والحوت وأشراطه * والبطن والنجم إلى البالع
أبو النجوم التي ما ضر ثاقبها * أن لم يكن برجه ثور ولا حمل
من كل مشتهر في كل معترك * لم يعرف المشتري فيه ولا زحل
من كل أظمى الثرى والأرض قد نهلت * ومقشعر الربى والشمس في الحمل
سقى السرطان جزعك والثريا * ثراك بمسبل خضل روي
ألوى بتيجانهم يوم أتيح له * نحس وأثقب فيه ناره زحل
أو كنت يوما بالنجوم مصدقا * لزعمت أنك أنت بكر عطارد
وقد كرر أبو تمام في شعره ذكر أبطال التنجيم فذكره في أول قصيدته
في المعتصم حين فتح عمورية الآتية في اخباره معه في عشرة ابيات في أولها
يقول فيها:
وصيروا الأبرج العليا مرتبة * ما كان منقلبا أو غير منقلب
وقال من قصيدة:
ما في النجوم سوى تعلة باطل * قدمت وأسس إفكها تأسيسا
إن الملوك هم كواكبنا التي * تخفي وتطلع أسعدا ونحوسا
46 - التلميح
وهو الإشارة إلى آية أو حديث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو
قصة من غير ذكر شئ من ذلك صريحا كقوله:
يا سمي النبي في سورة الجن * ويا ثاني العزير بمصر
عنى بقوله (يا سمي النبي في سورة الجن) قوله تعالى (وإنه لما قام
عبد الله يدعوه) وبقوله: (يا ثاني العزير بمصر) عبد الله بن سعد بن أبي
سرح والي مصر، فلمح بذلك إلى أن اسم المتغزل به عبد الله. قال
الصولي في أخبار أبي تمام: حدثني علي بن الحسن الكاتب قال الذي يقول
فيه أبو تمام هذا البيت هو عبد الله بن يزيد بن المهلب الطرهباني من أهل
الأنبار كاتب أبي سعيد الثغري ثم كتب بعده لابنه يوسف. وقال الخطيب
التبريزي في شرح ديوان أبي تمام: إن صح أن هذا الشعر للطائي فهو يعني
عبد الله الكاتب الذي ذكره في قوله (جعلت فداك عبد الله عندي)
(اه‍). وقال:
رهط النبي الذي تقطع أسباب * البرايا غدا سوى سببه
لمح فيه إلى الحديث الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم (كل سبب ونسب منقطع يوم
القيامة إلا سببي ونسبي). وقال:
وإنما الفتك لذي لؤمة * شعبان أو ذي كرم جائع
إشارة إلى ما قيل ولعله حديث (اتقوا صولة اللئيم إذا شبع والكريم) إذا جاع. وقال:
وقديما ما استنبطت طاعة الخالق * الا من طاعة المخلوق
إشارة إلى حديث: من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.
فإنك لو ترى المعروف وجها * إذا لرأيته حسنا جميلا
إشارة إلى قول الحسين عليه السلام: لو رأيتم المعروف رجلا
لرأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين.
ذاك الذي إن كان خلك لم تقل * يا ليتني لم اتخذه خليلا
وقال يخاطب الحسن بن رجاء:
أضحى سمي أبيك فيك مصدقا * بأجل فائدة وأصدق قال
مثل الصلاة إذا أقيمت أصلحت * ما بعدها من سائر الأعمال
إشارة إلى حديث: الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن
ردت رد ما سواها. وقال في مدح الواثق:
فلسورة الأنفال في ميراثه * آثارها ولسورة الأنعام
يشير إلى قوله تعالى في سورة الأنفال (وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض في كتاب الله) وإلى قوله تعالى في سورة الأنعام: (وهو الذي
جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات).
وإذا تشاغل بالحديث فقل له * دع ذا أتعرف درب عبد الواحد

440
لعله إشارة إلى عبد الواحد بن قيس السلمي الذي قيل عنه إنه
يروي عن أبي هريرة ولم يره.
غرير الصبا في وجنتيه ملاحة * بها فنيت أيام يوسف في السجن
ملاحم من لباب الشعر تنسي * قراة أبيك كتب أبي قبيل
أبو قبيل. في تهذيب التهذيب: هو حي بن هانئ بن ناضر بن يمنع * المعافري المصري، قال يعقوب بن شيبة كان له علم بالملاحم والفتن.
قتلته سرا ثم قالت جهرة * قول الفرزدق لا بظبي أعفر
يشير إلى قول الفرزدق (به لا بظبي بالصريمة أعفرا). وقوله:
صمصامتي اتهموني في صيانتها * كان عمرا على الصمصام يتهم
الصمصامة: سيف مشهور كان لعمرو بن معد يكرب.
لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظي * أرق وأحمى منك في ساعة الكرب
يشير إلى قول الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته * كالمستجير من الرمضاء بالنار
يا سمي الذي بتهل يدعو * ربه مخلصا له في قل أوحي
وشبيه الذي استقلت به العير * من الجب خاضعا كالطليح
ومكنى تتوق نفسي إليه * بالرسول الكريم بعد المسيح
كملت ملاحة وكملت ظرفا * فأنت مهذب لا عيب فيه
البيت الأول إشارة إلى قوله تعالى في سورة الجن (ولما قام عبد الله
يدعوه) فدل على أن اسمه عبد الله أو محمد. والبيت الثاني إشارة إلى أنه
شبيه يوسف في الحسن والبيت الثالث إشارة إلى أن كنيته أبو القاسم.
كملت ملاحة وكملت ظرفا * فأنت مهذب لا عيب فيه
تريد مهذبا لا عيب فيه * وهل عود يكون بلا دخان
47 - العنوان
وهو الاتيان بألفاظ تكون عنوانا لاخبار متقدمة وقصص سالفة
لتكميل قصده وتأكيده كقوله:
فما أقمت بأرض ليس تلفظني * أكنافها لفظ عمران بن حطان
كان عمران بن حطان من الخوارج وكان الحجاج يطلبه ليقتله من
أجل المذهب فيهرب منه. وقال يخاطب علي بن مر ويستهديه فروا من
أبيات:
ولا بد من فرو إذا اجتابه (1) امرؤ * غدا وهو سام في الصنابر (2) أغلب
إذا البدن المقرور ألبسه غدا * له راشح من تحته يتصبب
إذا اليوم أمسى وهو غضبان لم يكن * طويل مبالاة به حين يعضب
فهل أنت مهديه بمثل شكيره (3)
من الشكر يعلو مصعدا ويصوب
له زئبر (4) يحمي من الذم كلما * تجلببه في محفل متجلبب
فأنت العليم الطب أي وصية * بها كان أوصى في الثياب المهلب
هو المهلب بن أبي صفرة كان يقول لبنيه: يا بني أحسن ثيابكم ما
كان على غيركم - أي ما وهبتموه لغيركم فلبسه. وقوله:
مضيئة نطقت فينا كما نطقت * ذبيحة المصطفى موسى لذابحها
فان موسى صلى على روحه الرب * صلاة كثيرة القدس
صار نبيا وعظم بغيته * في جذوة للصلاء أو قبس
يلزمن عرض قفاك رسم خزاية * لم يخزها بأبي عيينة خالد
يا كعب في بذل العطايا ويا * أصفق وجها من أبي شاس
كعب بن مامة يضرب به المثل في الجود خص رفيقه بماء كان معه
وهلك عطشا.
وزعمت أني ذاهل فمن الذي * يدعى خليفة عروة ومرقش
فلقد أفاق متمم عن مالك * وسلا لبيد قبله عن خالد
هو متمم بن نويرة. وقال يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
واختار من سعد لعين بني أبي * سرح لوحي الله غير خيار
هو عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري كتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بمكة ثم ارتد وصار يقول: كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي
عزيز حكيم فأقول أو عليم فيقول نعم كل صواب، ونزل فيه (فمن أظلم
ممن افترى على الله كذبا). وقال من هذه القصيدة يذكر تقريب المعتصم
للأفشين:
ورأى به ما لم يكن يوما يرى * عمرو بن شاس قبله بعرار
فإذا ابن كافرة يسر بكفره * وجدا كوجد فرزدق بنوار
وإذا تذكره بكاه كما بكى * كعب زمان رثى أبا المغوار
هذا الوليد رأى التثبت بعدما * قالوا يزيد بن المهلب مودي
وتمكن ابن أبي سعيد من حجى * ملك بشكر بني الملوك سعيد
ما خالد لي دون أيوب ولا * عبد العزيز ولست دون وليد
من بعدما ظنوا بأن سيكون لي * يوم ببغيهم كيوم عبيد
ويأتي خبر هذه الأبيات في أخباره مع أحمد بن أبي دؤاد. وقال:
كم وقعة لي في الهوى مشهورة * ما كنت فيها الحارث بن عباد
الحارث بن عباد له ذكر في حرب البسوس وشجاعة فائقة. وقال
يهجو يوسف السراج:
يا أغير الثقلين غير مدافع * أقرأت نسخة غيرة الحجاج
لعله يشير إلى ما ذكره ابن الأثير في الكامل قال: مر الحجاج
بخالد بن يزيد بن معاوية والحجاج يخطر في مشيته فقال رجل لخالد من
هذا؟ قال: بخ بخ هذا عمرو بن العاص فسمعها الحجاج فرجع وقال:
والله ما يسرني أن العاص ولدني! ولكني ابن الأشياخ من ثقيف والعقائل
من قريش! وأنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلهم يشهد ان أباك
كان يشرب الخمر ويضمر الكفر!. ثم ولى وهو يقول بخ بخ عمرو بن
العاص. وقال في عمورية:
ما ربع مية معمورا يطيف به * غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب
غيلان: هو ذو الرمة وكثر وصفه لربع مية. وقال يخاطب ابن أبي
دؤاد لما غضب عليه:



(1) اجتابه لبسه
(2) الصنابر جمع صنبر وصنابر الشتاء شدة برده - المؤلف -
(3) الشكير كأمير من الشعر والريش صغاره بين كباره
(4) الزئير كزبرج ما يظهر من درز الثوب. - المؤلف -
441
تثبت إن قولا كان زورا * أتى النعمان قبلك عن زياد
النعمان هو ابن المنذر ملك الحيرة وزياد هو النابغة الذبياني وكان بلغه
عنه أنه يشبب بامرأته المتجردة أو غير ذلك فاعتذر إليه في شعر له مشهور
فقبل عذره. وقال:
غربة تقتدي بغربة قيس ب‍ * ن زهير والحارث بن مضاض
قيس بن زهير العبسي كان لما حارب ذبيان انتقل في البلاد ويقال إنه
ترهب ويقال انه لقيه رجل فسأله عن خبره فلما علم أنه قاتل حذيفة وحمل
ابني بدر قتله (والحارث بن مضاض الجرهمي) كان رئيسا في مكة أيام كان
قومه بها وأجلتهم عنها خزاعة وهو القائل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * نيس ولم يسمر بمكة سامر
وغربة هذين أشد غربة وأطولها. وقال:
ظعنوا فكان بكاي حولا بعدهم * ثم ارعويت وذاك حكم لبيد
هو لبيد بن ربيعة العامري أبو عقيل وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي
قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد، يريد قوله:
ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
ولما حضرته الوفاة قال:
تمنى ابنتاي ان يعيش أبوهما * وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
فقوما وقولا بالذي قد علمتما * ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لا خليله * أضاع ولا خان العهود ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقال أبو تمام:
وكنت هناك الأحنف الطب في بني * تميم بن مر والمهلب في الأزد
وكنت أبا غسان مالك وائل * عشية داني حلفه الحلف بالعقد
كل يوم له بصرف الليالي * فتكة مثل فتكة البراض
هو البراض بن قيس الكناني أحد فتاكهم سال النعمان أن يجعله على
لطيمة يريد ان يبعث بها إلى عكاظ فلم يلتفت إليه وجعل أمرها إلى عروة
الرحال فسار معه البراض حتى وجد منه خلوة فقتله واستاق العير ولحق
بالحرم.
يثير عجاجة في كل ثغر * يهيم به عدي بن الرقاع
ان كان بالورع ابتنى القوم العلى * أو بالتقى صار الشريف شريفا
فعلام قدم وهو زان عامر * وأميط علقمة وكان عفيفا (1)
وبنى المكارم حاتم في شركه * وسواه يهدمها وكان حنيفا
وتأتي في اخباره مع محمد بن يوسف الثغري أن هذه الأبيات محل
الانتقاد وقال:
يوم بكر بن وائل بقضات (2) * دون يوم المحمر الزنديق (3)
يوم حلق اللمات (4) ذاك وهذا * اليوم في الروم يوم حلق الحلوق
هو الحارث الناعي بجيرا (5) وان يدن * له فهو إشفاقا زهير ومالك
وقال يخاطب أحمد بن أبي دؤاد:
إن يعجب الأقوام أني عندكم * من دون ذي رحم بها متوسل
فبنو أمية والفرزدق صنوهم * نسبا وكان ودادهم للأخطل
وقال:
وقائع أشرقت منهن جمع * إلى خيفي منى فالموقفين
محوت بها وقائع من ملوك * وكن وقد ملأن الخافقين
صبيحة خازر أمست ومهوى * عبيد الله فيها والحصين (6)
وفيف الريح إذ دلفت معد * بأجمعها وأسرة ذي رعين (7)
وأيام الذنائب زعزعتها * ويوم مهلهل والشعثمين (8)
وأيام الكلاب غداة هرت * مراريين فيها مترفين
أخ تركت أسنته أخاه * كليلا للجبين ولليدين (9)
ومن ساتيدما (10) بروان فلت * شبا فخر فسيح الطائفين
بلا فيها أياس كل لدن * وكل مصمم في العظم لين (11)
وحجرا وامرأ القيس بن حجر * ليالي كاهل وبني قعين
ويوم البشر أنسته وهدت * وقائع راهط وبنات قين
ويوم المصدفية حين ساموا * أنوشروان خطبا غير هين
فغاداهم هريت الشدق جهم * لدى أشباله ذو لبدتين
فاضحوا بعد عز واختيال * وهم عبر لأهل المشرقين
وقوله:
كم قد طلبت بثار الدين مجتهدا * تنسي بسعيك في الثار ابن ذي يزن (12)
وهل من جاء بعد الفتح يسعى * كصاحب هجرتين مع النبي (13)



(1) عامر هو ابن الطفيل بن مالك بن جعفر (وعلقمة) هو ابن علاثة بن عوف بن الأحوص،
تنافرا فكان من جملة قول علقمة لعامر (إنك وثاب على جاراتك بالسحر (الأغاني 15 /
51) وهذا معنى كون عامر زانيا. وأما تقديم عامر على علقمة فهو أن أعشى قيس مدح
الأسود العنسي فأجازه فلما مر ببلاد بني عامر خافهم على ما معه فأتى علقمة بن علاثة فقال
أجرني فقال اجرتك من الجن والأنس! قال ومن الموت؟ قال لا. فأتى عامر بن الطفيل
فقال: - اجرني من الجن والإنس! قال ومن الموت؟ قال نعم! فقال كيف تجبيرني من الموت؟
وقال إن مت وأنت في جواري بعثت إلى أهلك بالدية. فهجا الأعشى علقمة ومدح عامرا
بعدة قصائد يقول في بعضها.
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم * وجاراتكم عرثى يبتن خمائصا
ويقول في آخر: علقم ما أنت إلى عامر * الناقض الأوتار والواتر
الأغاني 8 / 80 و 15 / 50)
(2) قضات بكسر القاف جمع قضية بكسرها موضع كانت به الوقعة العظمى بين بكر وتغلب في
حرب البسوس وبيت أبي تمام يبطل قول من قال إنها بتشديد الضاد.
(3) إشارة إلى وقعة للمدوح مع الروم.
(4) حلق اللمات كان في بعض وقائع حرب البسوس.
(5) الحارث هو ابن عباد (وبجير) ابن أخيه قتله مهلهل فطلب الحارث بثأره.
(6) خازر اسم نهر بالموصل كانت عليه وقعة بين إبراهيم بن مالك الأشتر وعبيد الله بن زياد قتل
فيها عبيد الله (والحصين) هو ابن نمير السكوني كان مع عبيد الله بن زياد فقتل أيضا.
(7) فيف الريح موضع في أعالي نجد كانت به وقعة في يوم من أيام العرب (وذو رعين) من ملوك
اليمن.
(8) الذنائب موضع كانت فيه وقعة من وقائع حرب البسوس (ومهلهل) ه‍ أخو كليب الذي
كانت بسببه حرب البسوس (والشعثمان) شعثم وعبد شمس ابنا معاوية بن عامر بن
ذهل بن ثعلية قتلا في حرب البسوس.
(9) أيام الكلاب هي من أيام العرب وهما الكلاب الأول والكلاب الثاني وأراد بالمرارين شرحيل
ومسلمة ابني الحارث بن عمرو آكل المرار الكندي اختلفا بعد أبيهما فقتل مسلمة شرحيل.
(10) ساتيدما جبل بنواحي ميافارفين اجتاز به امرؤ القيس وهو ذاهب إلى ملك الروم.
(11) هو اياس بن قبيصة الطائي ارسله كسرى لقتال الروم بساتيدما فهزمهم.
(12) هو سيف بن ذي يزن استنجد بكسرى وطلب بثأر أبيه حتى ادركه.
(13) كأنه إشارة إلى العباس (رض) وعلي بن أبي طالب (ع). - المؤلف -
442
لو كان كلفها عبيد حاجة * يوما لأنسى شدقما وجديلا (1)
تخذ الفرار أخا وأيقن أنه * صري عزم من أبي سمال (2)
لا تجعلوا البغي ظهرا إنه * جمل من القطيعة يرعى وادي النقم
نظرت في السير اللائي خلت فإذا * أيامه أكلت باكورة الأمم
فنى جديسا وطسما (3) كلها وسطا * بالأنجم الزهر من عاد ومن إرم
أردى كليبا وهماما وهاج به * يوم الذنائب والتحلاق للمم (4)
سقى شرحبيلا (5) السم الذعاف على * أيديكم غير رعديد ولا برم
بز التحية من لخم (6) فلا ملك * متوج في نمارات ولا عمم
لقد أذكر انا بأس عمرو ومسهر * وما كان من اسفنديار ورستما (7)
ما جاد جودك إذ تعطي بلا عدة * ما يرتجى منك لا كعب ولا هرم (8)
وخبر قيس يا لجلية في ابنه * فلم يتغير وجه قيس بن عاصم (9)
وقال علي في التعازير لأشعث * وخاف عليه بعض تلك المآثم
أتصبر للبلوى عزاء وحسبة * فتؤجر أم تسلو سلو البهائم
وللطرفات يوم صفين لم يمت * خفاتا ولا حزنا عدي بن حاتم (10)
بل كان كالضحاك في سطواته * بالعالمين وأنت أفريدون (11)
والجعفريون استقلت ظعنهم * عن قومهم وهم نجوم كلاب (12)
حتى إذا اخذ الفراق بقسطه * منهم وشط بهم عن الأحباب
ورأوا بلاد الله قد لفظتهم * أكنافها رجعوا إلى جواب (13)
كانت بنات نصيب حين ضن بها * على الموالي ولم تحفل بها العرب
لم ينتدب عمر للإبل يجعل من
جلودها النقد حتى عزه الذهب (14)
بلى لقد سلفت في جاهليتهم * للحق ليس كحقي نصرة عجب
ان تعلق الدلو بالدلو الغريبة أو * يلابس الطنب المستحصد الطنب
أذل بالقفر وأهواله * من الدعيميص (15) ومن رافع
تثبت ان قولا كان زورا * اتى النعمان قبلك عن زياد (16)
وارث بين حي بني جلاح * شبا حرب وحي بني مصاد (17)
وغادر في صدور الدهر قتلى * بنى بدر على ذات الاصاد (18)
48 - ارسال المثل
وهو من أنوع البديع حكى السيد علي خان الشيرازي المدني في كتابه
أنوار الربيع في أنواع البديع عن ابن أبي الإصبع انه ذكر في كتابه المسمى
بتحرير التحبير انه استخرج أمثال أبي تمام من شعره فوجدها تسعين نصيفا
وثلاثمائة وأربعة وخمسين بيتا واستوعب أمثال أبي الطيب المتنبي فوجدها مائة
وثلاثة وسبعين نصيفا وأربعمائة بيت ولكنه اخرج من أمثال أبي الطيب ما
ولده من أمثال أبي تمام (اه‍) ومر عن مروج الذهب عن عبد الله بن
الحسن بن سعدان أنه قال وجدت ما يتمثل به ويجري على السنة العامة
وكثير من الخاصة من شعر أبي تمام مائة وخمسين بيتا ولا اعرف شاعرا جاهليا
ولا اسلاميا يتمثل له بهذا المقدار فمن الأمثال في شعر أبي تمام قوله:
نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا
ما أضيع العقل ان لم يرع ضيعته * وفرواي رحى دارت بلا قطب
باي وخد قلاص واجتياب فلا * ادراك رزق إذا مالج في الهرب
إذا عنيت بشأو قلت اني قد * أدركته أدركتني حرفه الأدب
السيف أصدق انباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب
ان الحمامين من بيض ومن سمر * دلو الحياتين من ماء ومن عشب
كالغيث ان جئته وافاك ريقه * وان تأخرت عنه لج في الطلب
ان الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ان ابتداء العرف مجد سامق * والمجد كل المجد في استتمامه
هذا الهلال يروق ابصار الورى * حسنا وليس كحسنه لتمامه
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدد
ألم تر أن الشمس زيدت محبة * إلى الناس ان ليست عليهم بسرمد
ما كل من شاء استمرت بالندى * يده ولا استوطا فراش الجود
وان أولى البرايا ان تواسيه * وقت السرور لمن واساك في الحزن
ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن
وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة * من جاهه فكأنها من ماله
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل * ويكدي الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى * هلكن إذا من جهلن البهائم
ولولا خلال سنها الشعر ما درى * بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأحسن مما قد رأى بصري
كم بين قوم انما انفاقهم * مال وقوم ينفقون نفوسا
اعط الرياسة من يديك فلم تزل * من قبل ان تدعى الرئيس رئيسا
لو أن أسباب العفاف بلا تقى * نفعت لقد نفعت إذا إبليسا
وأقل الأشياء محصول نفع * صحة القول والفعال مريض



(1) شد قم وجديل فحلان من الإبل كانا للنعمان بن المنذر.
(2) أبو سمال أبو فبيسلة لطم رجلا فسمل عينه اي فقأها فسمي أبا سمال.
(3) جديس وطسم قبيلتان بغت طسم على جديس فاحتالت جديس على طسم بان دعتها إلى
وليمة ودفنت السيوف في الرمل فلما شرعت طسم في الاكل حملت عليها فقتلتها.
(4) كليب أخو مهلهل قتله جساس لبغيه فهاجت بسبب ذلك حرب البسوس (وهمام) هو ابن
مرة قتل في تلك الحرت (ويوم الذنائب) من أيام حرب البسوس المشهورة وكذلك (يوم
تحلاق اللحم) لأن أحد الفريقين حلقوا فيه لممهم
(5) شر حبيل هو ابن الحارث بن عمرو والكندي ومر خبره.
(6) اللخميون هم ملوك الحيرة.
(7) عمرو هو ابن معد يكرب (ومسهر) هو ابن يزيد الحارثي من شجعان العرب (واسفنديار
ورستم) من قواد الفرس.
(8) كعب هو ابن مامة جاد بالماء على رفيقه ومات هو عطشا فضرب بجوده المثل (وهرم) هو ابن
سنان ممدوح زهير بن أبي سلمى.
(9) قيس بن عاصم هو الذي قال فيه النبي (ص) لما وفد عليه: هذا سيد أهل الوير قيل
للأحنف ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم جئ اليه بابن عم له قد قتل ابنه فما
حل حبوته وقال للقاتل يا بني بئس ما صنعت أنقصت عددك وقتلت ابن عمك خلوا عنه ثم
قال إن أم الغلام ليست من عشيرتنا فسوقوا إليها الدية من مالي.
(10) هو عدي بن حاتم الطائي قتل له مع علي بصفين ثلاثة أولاد يسمون الطرفات وهم طريف
ومطرف وطراف.
(11) الضحاك ملك من ملوك الفرس اسمه بيوراسب والعرب يسمونه الضحاك كان ظالما كان على
منكبيه لحمتان طويلتان كان منهما كرأس الثعبان كانتا تضربانه فإذا طلاهما بدماغ انسان سكنتا
وقيل كان يقول ذلك عن طريق التهويل فكان يذبح كل يوم رجلين فوثب رجل اسمه كأبي
ذبح له الضحاك ابنين ونصب علما من جراب كان له واجتمع عليه الناس وهرب الضحاك
فملكوا افريدون من أهل بيت المملكة وصاروا يتبركون بذلك العلم وسموه درفش كابيان.
(12) هم أولاد جعفر بن كعب الكلابي.
(13) هو لقب مالك بن كعب الكلابي.
(14) هو ملك صار يجمع الذهب حتى فقد فاتخذ نقودا من جلود الإبل. - المؤلف -
(15) الدعميص تصغير دعموص وهو دويبة تكون في الغدران إذا قل ماؤها.
(16) يأتي شرحه في اخباره مع أحمد بن أبي فؤاد.
(17) ارث النار حركها ويستعار للحرب (وجلاح ومصاد) حيان من اليمن كانت بينهما حروب.
(18) ذات الاصاد الموضع الذي أجري فيه داحس والغبراء وجرت بسببه الحرب المسماة بحرب
داخس والغبراء وقتل فيها حمد بن بدر وأخواته على حفر الهباءه - المؤلف -.
443
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا * ولم ارضرا عند من ليس ينفع
وكل كسوف في الدراري شنعة * ولكنه في الشمس والبدر أشنع
هو الصنع ان يعجل فنفع وان يرث * فللريث في بعض المواطن اسرع
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب الا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه ابدا لأول منزل
أنت المعنى بالغواني تبتغي * أقصى مودتها برأس أشيب
يعطي عطاء المحسن الخضل الندى * عفوا ويعتذر اعتذار المذنب
تعب الخلائق والنوال ولم يكن * بالمستريح العرض من لم يتعب
والشول ما حلبت تدفق رسلها * وتجف درتها إذا لم تحلب
والحر يسلبه جميل عزائه * ضيق المحل فكيف ضيق المذهب
لا يطرد الهم الا الهم من رجل * مقلقل لبنات القفرة النجب
ماض إذا الهمم التفت رأيت له * بوخدهن استطالات على النوب
كالغيث ان جئته وافاك ريقه * وان تأخرت عنه لج في الطلب
كأنما هو من أخلاقه ابدا * وان ثوى وحده في جحفل لجب
صيغت له شيمة غراء من ذهب * لكنها أهلك الأشياء للذهب
وكنت امرء القى الزمان مسالما * فآليت لا ألقاه الا محاربا
ليس الغبي بسيد في قومه * لكن سيد قومه المتغابي
والسهم بالريش اللؤام ولن ترى * بيتا بلا عمد ولا اطناب
وربما عدلت كف الكريم عن * القوم الحضور ونالت معشرا غيبا
ولذاك كانوا لا يخشون الوغى * الا وقد عرفوا طريق المهرب
لا يكرم الظفر المعطى وان اخذت * به الرغائب حتى يكرم الطلب
لانجم من معشر الا وهمته * عليك دائرة يا أيها القطب
ما لي أرى جلبا فعما ولست أرى * سوقا ومالي أرى سوقا ولا جلب
ارض بها عشب جرف وليس بها * ماء وأخرى بها ماء ولا عشب
والحظ يعطاه غير طالبه * ويحرز الدر غير مجتلبه
تلك بنات المخاض راتعة * والعود في كوره وفي قتبه
غير أن الرامي المسدد يحتاط * مع العلم انه سيصيب
وفأره المسك لا يخفي تضوعها * طول الحجاب ولا يزري بفائحها
أو يفترق نسب يؤلف بيننا * أدب أقمناه مقام الوالد
وما شئ من الأشياء اقضى * على المهجات من رأي سديد
فقد يأجر الله الفتى وهو كاره * وما الأجر الا اجره وهو طائع
ان الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت ان سيكون بدرا كاملا
ان المنون إذا استمر مريرها * كانت لها جنن الأنام مقاتلا
ما ان ترى شيئا لشئ محييا * حتى تلاقيه لآخر قاتلا
ان الفجيعة بالرياض نواضرا * لأجل منها بالرياض ذوابلا
وقد يكهم السيف المسمى منية * وقد يرجع السهم المظفر خائبا
فآفة ذا ان لا يصادف راميا * وآفة ذا ان لا يصادف ضاربا
ان الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
وأحسن من نور يفتحه الندى * بياض العطايا في سواد المطالب
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا
نسب كان عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا
شرف على أولى الزمان وانما * خلق المناسب ما يكون جديدا
ما ان ترى الأحساب بيضا وضحا * الا بحيث ثرى المنايا سودا
أيقنت ان من السماح شجاعة * تدمى وان من الشجاعة جودا
وإذا سرحت الطرف نحو قبابه * لم تلق الا نعمة وحسودا
أوطأتموه على جمر العقوق ولو * لم يحرج الليث لم يخرج من الأجم
وإذا الفتى المأمول انجح عزمه * في نفسه ونداه انجح شاعره
وليست رغوتي من فوق مذق * ولا جمر كمين في الرماد
ومن يأذن إلى الواشين تسلق * مسامعه بالسنة حداد
(نقل فؤادك حيث شئت من الهوى) البيتين ومرا في اخباره
لو رأى الله ان في الشيب خيرا * جاورته الأبرار في الخلد شيبا
عادت له أيامه مسودة * حتى توهم انهن ليالي
لا تنكري عطل الكريم من الغني * فالسيل حرب للمكان العالي
كالغيث ليس له أريد نواله * أولم يرد بد من التهطال
فسواء إجابتي غير داع * ودعائي بالقاع غير مجيب
لا تصيب الصديق قارعة * التأنيب الا من الصديق الرغيب
غير أن العليل ليس بمذموم * على شرح ما به للطبيب
لو رأينا التأكيد خطة عجز * ما شفعنا الأذان بالتثويب
هي البدر يغنيها تودد وجها * إلى كل الناس من لاقت وان لم تودد
ولكنني لم احو وفرا مجمعا * ففزت به الا بشمل مبدد
ولم تعطني الأيام نوما مسكنا * ألذ به الا بنوم مشرد
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدد
فأني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
وليس يجلي الكرب رمح مسدد * إذا هو لم يونس برأي مسدد
وكان بعيد القعر من كل ماتح * فغادرته يسقى ويشرب باليد
محاسن أصناف المغنين جمة * وما قصبات السبق الا لمعبد
فلا دمع ما لم يجر في اثره دم * ولا وجد ما لم تعي عن صفة الوجد
غدا قاصدا للمجد حتى أصابه * وكم من مصيب قصده غير قاصد
هم حسدوه لا ملومين مجده * وما حاسد في المكرمات بحاسد
إذا المرء لم يزهد وقد صبغت له * بزبرجها الدنيا فليس بزاهد
فلا تحسبا هندا لها الغدر وحدها * سجية نفس كل غانية هند
إساءة دهرا ذكرت حسن فعله * إلي ولولا الشري لم يعرف الشهد
ومن شك إن الجود والبأس فيهم * كمن شك في أن الفصاحة في نجد
وهل أسد العريس الا الذي له * فضيلته في حيث مجتمع الأسد
نسيب البخل مذ كانا والا * يكن نسب فبينهما جوار
لذلك قيل بعض المنع أدنى * إلى مجد وبعض الجود عار
وكان المدح في عود وبدء * دخانا للصنيعة وهي نار
فدع ذكر الضياع فلي شماس * إذا ذكرت وبي عنها نفار
ومالي ضيعة الا المطايا * وشعر لا يباع ولا يعار
لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فاذن جلهم أو كلهم بقر
لو لم تصادف شياة البهم أكثر ما * في الخيل لم تحمد الأوضاح والغرر
تتلى وصايا المعالي بين أظهرهم * حتى لقد ظن قوم انها سور
يا ليت شعري من هاتا مآثره * ما ذا الذي ببلوع النجم ينتظر
لولا أحاديث أبقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر
أولا ترى الأشياء ان هي غيرت * سمجت وحسن الأرض حين تغير
فلا شئ أبهى من رجاء مصدق * ولا شئ أبقى من ثناء يحبر
همة تنطح النجوم وحظ * آلف للحضيض فهو حضيض
لن يهز التصرح للمجد والسؤدد * من لم يهزه التعريض

444
انما صارت البحار بحورا * انها كلما استفيضت تفيض
وأقل الأشياء محصول نفع * صحة القول والفعال مريض
عندي من الأيام مالوا أنه * أضحى بشارب مرقد ما غمضا
أحببته ولخلت اني لا أرى * شيئا يعود إلى الحياة وقد قضى
فوالله ما أدري أأحلام نائم * المت بنا أم كان في الراكب يوشع
هو السيل ان واجهته انقدت طوعه * وتقتاده من جانبيه فيتبع
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا * ولم أر ضرا عند من ليس ينفع
وكل كسوف في الدراري شنعة * ولكنه في الشمس والبدر أشنع
هو الصنع ان يعجل فنفع وان يرث * فللريث في بعض المواطن اسرع
وما السيف الا زبرة لو تركته * على الحالة الأولى لما كان يقطع
وليست فرحة الأوبات الا * لموقوف على ترح الوداع
توجع ان رأت جسمي نحيلا * كأن المجد يدرك بالصراع
فللت الحزم ان حاولت يوما * بأن تستطيع غير المستطاع
فلم ترحل كناجية المهارى * ولم ترحل همومك كالزماع
ونغمة معتف يرجوه أحلى * على أذنيه من نغم السماع
ولم يحفظ مضاع المجد شئ * من الأشياء كالمال المضاع
فلو صورت نفسك لم تزدها * على ما فيك من كرم الطباع
إياك والغيل ان تطيف به * أني أخشى عليك من سبعه
لو أنها جللت أويس لقد * أسرعت الكبرياء في ورعه
فلا تلوما ذا هوى انها * ليست ببدع حنة النازع
ما أول السامين بالعالي ولا * كل الجياد لدى التسابق سابق
واخف ما جشم امرؤ أو راضه * يوما لذي النعمى الثناء الصادق
إذا مارق بالغدر حاول غدرة * فذاك حري أن تئيم حلائله
والحمد شهد لا ترى مشتاره * يجنيه الا من نقيع الحنظل
فإنك لو ترى المعروف وجها * إذا لرأيته حسنا جميلا
من زاحف الأيام ثم عبى لها * غير القناعة لم يزل مفلولا
من كان مرعى عزمه وهمومه * روض الأماني لم يزل مهزولا
يقال إن عضد الدولة كان يكثر انشاد هذا البيت ولذلك استشهد به
أبو علي الفارسي في باب كان من الايضاح.
لو جاز سلطان القنوع وحكمه * في الأرض ما كان القليل قليلا
رد الجموح الصعب أسهل مطلبا * من رد دمع قد أصاب مسيلا
الرزق لا تكمد عليه فإنه * يأتي ولم تبعث اليه رسولا
ولا ترين ان العلى لك عندما * تقول ولكن العلا حين تفعل
فهذا دواء الداء من كل عالم * وهذا دواء الداء من كل جاهل
وان صريح الحزم والرأي لامرئ * إذا بلغته الشمس أن يتحولا
كذلك لا يلقي المسافر رحله * إلى منقل حتى يخلف منقلا
ولا صاحب التطواف يعمر منهلا * وربعا إذا لم يخل ربعا ومنهلا
فسيان عندي صادفوا لي مطعما * أعاب به أو صادفوا لي مقتلا
سمجت ونبهنا على استسماجها * ما حولها من نضرة وجمال
وكذاك لم تفرط كآبة عاطل * حتى يجاورها الزمان بحالي
وكذاك من قصد اللئام بعاجل * في المدح سود وجهه في الآجل
ما طال بغي قط إلا غادرت * غلواؤه الاعمار غير طوال
ان الرماح إذا غرسن بمشهد * فجنا العوالي في ذراه معالي
والنحر أصلح للشرود وما شفى * منه كنحر بعد طول كلال
والسيف ما لم يلف فيه صيقل * من سنخه لم ينتفع بصقال
بناء باس وجود صادق ومتى * تبنى العلى بسوى هذين تنهدم
لا جارهم للرزايا في جوارهم * ولا عهودهم مذمومة الذمم
لا شاهد أخزى لجاحد لؤمه * من أن تراه زاهدا في راغب
وإذا تأملت البلاد رأيتها * تثرى كما تثرى الرجال وتعدم
لولاه لم تكن النبوة ترتقي * شرف الحجاز ولا الرسالة تتهم
وبه رأينا كعبة الله التي * هي كوكب الدنيا تحل وتحرم
حسد العشيرة للعشيرة قرحة * تلدت وسائلها وجرح أقدم
حتى إذا أجنت لكم داوتكم * من دائكم (إن الثقاف يقوم)
علما طلبت رسومه فوجدتها * في الظن (إن الألمعي منجم)
مجد تلوح حجوله وفضيلة * لك سافر (والحق لا يتلثم)
ووفيت إن من الوفاء تجارة * وشكرت إن الشكر حرث مطعم
وعبادة الأهواء في تطويحها * بالدين فوق عبادة الأصنام
فالصبح مشهور بغير دلائل * من غيره انبعثت ولا أعلام
والصبر بالأرواح يعرف فضله * صبر الملوك و ليس بالأجسام
لا تدهنوا في حلمه (فالبحر قد * تردي غواربه وليس بطامي)
وفي شرف الحديث دليل صدق * لمختبر على الشرف القديم
لكل من بني حواء عذر * ولا عذر لطائي لئيم
أحق الناس بالكرم امرؤ لم * يزل يأوي إلى أصل كريم
إذا المرء أبقى بين رأييه ثلمة * تسد بتعنيف فليس بحازم
لن ينال العلى خصوصا من الفتيان * من لم يكن نداه عموما
وأحق الأقوام أن يقضي الدين * امرؤ كان للإله غريما
فعلمنا ان ليس الا بشق النفس صار الكريم يدعى كريما
طلب المجد يورث المرء خبلا * وهموما تقضقض الحيزوما
إن ابتداء العرف مجد باسق * والمجد كل المجد في استتمام
ه هذا الهلال يروق أبصار الورى * حسنا وليس كحسنه لتمامه
خدم العلى فخدمنه وهي التي * لا تخدم الأقوام ما لم تخدم
ومن شر المياه إذا استميحت * أواجنها على طول المقام
إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت * عيدان نجد ولم يعبأن بالرتم
بنات نعش ونعش لا كسوف لها * والشمس والبدر منه الدهر في الرقم
والحادثات عداة الأكرمين فما * تعتام إلا امرأ يشفي من القرم
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
لانت مهزته فعز وانما * يشتد بأس الرمح حين يلين
وترى الكريم يعز حين يهون * وترى اللئيم يهون حين يهون
لو تستطيع الحج يوما بلدة * حجت إليها كعبة وحجون
ولى ولم يظلم وهل ظلم امرؤ * حث النجاء وخلفه التنين
ولذاك قيل من الظنون جلية * صدق وفي بعض القلوب عيون
مسلط حيث لا سلطان لي ويدي * مغلولة النفع والسلطان سلطاني
كالنار باردة في عودها ولها * إن فارقته اشتعال ليس بالواني
وكل شئ له شئ يكون به * فساده وفساد الكلب في السمن
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن
في فرقة الأحباب شغل شاغل * والثكل صرفا فرقة الاخوان
إن الجياد على علاتها صبر * ما إن تشكى الوجى في حالة الأين

445
والنصل يعمل إخلاصا بجوهره * لا باتكال على شحذ من القين
وقال يعرض ببعض بني حميد:
لئيم الفعل من قوم كرام * له من بينهم أبدا عواء
وما من شدة إلا سيأتي * لها من بعد شدتها رخاء
إلى آخر الأبيات المذكورة في الحكم والآداب فكلها أمثال.
إن البلاد إذا السيول تعاورت * ساحاتها غمر الفضاء نباتها
وقائل ما لهم يغضون عنك إذا * أربات قلت له اني أنا الرمد
كذا الكريم إذا ما * أراد أن يتغدى
ترك اللئيم ولم يمزق عرضه * نقص على الرجل الكريم وعار
اثنان ليسا يؤمران بحدة * أناحين تحرق سطوتي والنار
وهل يبقى لثوب الصدق ماء * إذا أدمنت فيه على القصاره
عير رأى أسد العرين فراعه * حتى إذا ولى تولى ينهق
مثل الذي ينبش القبور ولا * يدنو إلى ظلها من الفرق
مثل الصلاة إذا أقيمت أصلحت * ما بعدها من سائر الأعمال
قد زعمنا أن السلو حظوظ * مذ زعمتم أن الهوى أرزاق
أيما حرة من الناس جادت * لخليل بالمهر بعد الطلاق
ما خلفت حواء أحمق لحية * من سائل يرجو الغنى من سائل
ذاك الذي أحصى الشهور وعدها * طمعا لينتج صقبة من حائل
متى طابت جنى وزكت فروع * إذا كانت خبيثات الأصول
ما أضيق الغمد بغير نصله * والشعر ما لم يك عند أهله
كمن جعل الحضيض له مهادا * ويزعم أن اخوته النجوم
واساءات ذي الإساءة يذكر * نك يوما احسان ذي الاحسان
ومن يكن طيبا فلا عجب * أن يأكل الناس من أطائبه
إذا ما رماح القوم في الروع أكرمت * مشاربها عاشوا كرام المطاعم
فالماء ليس عجيبا ان أعذبه * يفنى ويمتد عمر الآجن الأسن
وهل يستعيض المرء من عشر كفه * ولو صاع من حر اللجين بنانها
كان الذي خفت أن يكونا * إنا إلى الله راجعونا
فالمرء رهن بحالتيه * فشدة مرة ولينا
فان المدح في الأقوام ما لم * يشيع بالجزاء هو الهجاء
ما كع عن حرب الزمان ورميه * بالصبر إلا أنه لم ينصر
حول ولم ينتج نداك وانما * تتوقع الحبلى لتسعة أشهر
شر الأوائل والأواخر ذمة * لم تصطنع وصنيعة لم تشكر
ليس يدري إلا اللطيف الخبير * أي شئ تطوى عليه الصدور
إنما البشر روضة فإذا كان * يبذل فروضة وغدير
فان الايادي الصالحات كبارها * إذا وقعت تحت المطال صغارها
وبعده ثلاثة أبيات هي أمثال تأتي في أخباره مع أحمد بن أبي دؤاد.
ذل السؤال شجى في الحلق معترض * من دونه شرق من تحته جرض
ما كان يخطر قبل ذا في فكره * في البدر قبل تمامه أن يكسفا
وان امرأ ضنت يداه على امرئ * بنيل يد من غيره لبخيل
إن اصطناع المرء ما لم توله * مستكملا كالبرد ليس بمعلم
والشكر ما لم يستثر بصنيعة * كالخط تقرؤه وليس بمعجم
وفي الجواهر أشباه مشاكلة * وليس تمتزج الأنوار والظلم
كوارد الخمس شهر القيض جادله * حسي ومد عليه ظله السلم
دنيا ولكنها دنيا ستنصرم * وآخر الحيوان الموت والهرم
وما خير حلم لم تشبه شراسة * وما خير لحم لا يكون على عظم
ربما خاب رجاء * وأتى ما ليس يرجى
لا خير في قربى بغير مودة * ولرب منتفع يود أباعد
إياك تستضعف ذا فاقة * جرت عليه بالذي تقضي
لو لم يكن هذا كذا * ما قيل موت أو فراق
انما يعرف السهاد وطول * الليل من كان حبله مصروم
إن لله في العباد منايا * سلطتها على القلوب العيون
إذا غاظ وصف الناس بالحسن أهله * فلم لم يمزق ثوبه يوسف الحسن
وحسبك حسرة لك من صديق * رأيت زمامه بيدي عدو
لا كانت الآمال يكفل نجحها * كرم يريك تجهما وقطوبا
وليس يعرف طيب الوصل صاحبه * حتى يصاب بناي أو بهجران
والحادثات وان أصابك بؤسها * فهو الذي أنباك كيف نعيمها
وقد تألف العين الدجى وهو قيدها * ويرجى شفاء السم والسم قاتل
وان المعالي يسترم بناؤها * وشيكا كما قد تسترم المنازل
ولو حاردت شول عذرت لقاحها * ولكن حرمت الدر والضرع حافل
وفر جاها علي فان جاها * إذا ما غب يوما صار مالا
أوطأتموه على جمر العقوق ولو * لم يحرج الليث لم يخرج من الاجم
حومته ريح الجنوب ولن يحمد * صيد العقاب حتى تحوما
ثلمتهم بالمشرفي وقلما * تثلم عز القوم إلا تهدما
تجشم حمل الفادحات وقلما * أقيمت صدور المجد الا تجشما
قل ما بدا لك يا ابن ترني فالصدا * بمهذب العقيان لا يتعلق
أفعشت حتى عبتهم قل لي متى * فرزنت ساعة ما أرى بابيدق
وخذهم بالرقى ان المهارى * يهيجها على السير الحداء
فتطلق مع العناية ان * البشر في أكثر الأمور بشير
فاقسم اللحظ بيننا ان في اللحظ * لعنوان ما يجن الضمير
صلب إذا أعوج الزمان ولم يكن * ليلين صلب الخطب من لم يصلب
أولى المديح بأن يكون مهذبا * ما كان منه في أغر مهذب
وما أبالي وخير القول أصدقه * حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
ليس الصديق بمن يعيرك ظاهرا * متبسما عن باطن متجهم
الأمثال في شطر بيت
والحرب مشتقة المعنى من الحرب * كتضاؤل الحسناء في الاطمار
وكفى برب الثار مدرك ثار * وصد الأساس على شفير هار
ما كل عود ناضر بنضار * كل امرئ لاجئ إلى سنده
وللخطوب إذا سامحتها عقب * ان السماء ترجى حين تحتجب
قد يقدم العير من ذعر على الأسد * كم بذي الأثل دوحة من قضيب
فقلت اطمأني انضر الروض عازبه * ان التجارب للعقول شجون
ما الدهر في فعله إلا أبو العجب * والعقل عار إذا لم يكس بالنشب
وانف الفتى من وجهه وهو أجدع * وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع
لسان المرء من خدم الفؤاد * والنار تنبع من حصى المعزاء (1)
ولو رمى بك غير الله لم يصب * والله مفتاح باب المعقل الاشب



(1) المعزاء بوزن حمراء الأرض الصلبة. - المؤلف -
446
لا خير في الصهباء ما لم تقطب * لا يستنير فعال من لم يشحب
وربة معقب لم يعقب * السيف لا يزدري إن كان ذا شطب
كثير ذكر الرضى في ساعة الغضب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا
ان السماحة صيقل الأحساب * لا يزخر الوادي بغير شعاب
وليس كل فضاء ينبت العشبا * وقد ينفس عن جد الفتى اللعب
الحزم يثني خطوب الدهر لا الخطب * لا القلب يهفو ولا الأحشاء تضطرب
وترك الشكر أثقل للرقاب * وقد يشبه النجيب النجيب
وإذا أبو الأشبال أحرج عاثا * مثل الصقور إذا لقين بغاثا
وقائع حدثوا عنها ولا حرجا * من القح الرأي في يوم الوغى نتجا
أبرحت أيسر ما في العرق أن يشجا * هل كنت تعرف سرا يورث الصمما
يلذ لباس البرد وهو جديد * الدمع يذهب بعض جهد الجاهد
إن العلى حسن في مثلها الحسد * وكان مقيما بين نسر وفرقد
وعادات البروق مع الرعود * والظلم من ذي قدرة مذموم
ان الكريم لمعتفيه غريم * وكم من مصيب قصده غير قاصد
وشر السجايا قدرة معها حقد * ولا يقطع الصمصام ليس له حد
وبراعة المشتاق أن يتبلدا * فليس الوجد إلا من الوجد
فاكتب ما رجوت على الجليد * لا خير في شرف إذا لم احمد
وأي النار ليس لها شرار * تمادت في سجيتها البحار
وكافر النعمة كالكافر * كم ترك الأول للآخر
كالموت يأتي ليس فيه عار * إن المقام بحيث كنت فرار
من فاته العين أدنى شوقه الأثر * خير أمر باكره
والدمع منه خاذل ومواسي * سميت انسانا لأنك ناسي
فان حرب الهم حرب ضروس * برد لعمري يصطفيه الرئيس
وما كل خاتم مفضوض وهل * يفرس الليث الطلى وهو رابض
والسيف لا يكفيك حتى ينتضى * وقد تستقيد الراح حين تشعشع
يروقك بيت الشعر حين يصرع * ولولا السعي لم تكن المساعي
لقد حكت الملام لغير واعي * وهل شمس تكون بلا شعاع
الدمع قرن للجوى الرادع * أمر مطاع الامر في طائع
رب حزم في بغضة الموموق * وهل دافع أمرا وذو العرش قابله
والسم يقتل وهو غير مثمل * والماء زرق جمامه للأول
والرمح يناد حينا ثم يعتدل * والنجم يخمد شيئا ثم يشتعل
وعك المقيم على توحيده عمل * ولكن خير الخير عندي المعجل
والفجع بالمجد غير الفجع بالغزل * ولم نكن نستحل الصيد في الحرم
عذر النسي خلاف عذر السالي * يردي الجمال تعسف الجمال
ان السيور التي قدت من الادم * سيموا نداه إذا ما البرق لم يشم
لو كان ينفخ قين الحي في فحم * والنار قد تنتضى من ناضر السلم
وزلة الرأي تنسي زلة القدم * إن الدم المعتز يحرسه الدم
ورمى فقرطس فيك غير الرامي * كذاك يحسن مشي الخيل في اللجم
والبحر يسقيك من مستكره اسن * ان الدموع هي الوداع الثاني
ان المكارم للكريم ملاهي * ألا ويل الشجي من الخلي
والدمع يحمل بعض شجو المغرم * وأخو الكرى لو لم ينم لم يحلم
نودي بك الوادي وليس بمفعم * لم يبتدأ عرف إذا لم يتمم
والغزو قبل المغنم * سمح ولا جد لمن يلعب
ان الضنين بدمعه لضنين * ان الشقي بكل حبل يخنق
وكذا إذا ذكر القضاء فامسكوا * ارتعت ظني في رياض الباطل
ان الزمان باهله متنقل * ما كل جود الفتى يدني من الكرم
يعرف فقد الشمس عند المغيب * والزرع ينبت فذا ثم يكتهل
والشبل من ليثه اما مضى بدل * والمرء لا يدفع المنونا
فتسبيب العطاء هو العطاء * لا يحمد السجل حتى يحمد الوذم
فان المجد يفعل ما يشاء * ماذا يريبك من جواد مضمر
وفي عواقب حال القاطع الندم * ودواعي النفس تتهم
كما أنار بنار الموقد العلم * اني امرؤ ليس يرضى الضيم لي همم
ذم من كان خاملا اطراء * الله أكبر انى استأسد النقد
قد ذل من ليس له ناصر * والجهل في بعض الهناة عقار
أسد الشري ليس تنميها الخنازير * أيد صخور واعراض قوارير
ما كنت أول وارد لم يصدر * كم من جوهر لا ينفق
وأكثر آمال النفوس كواذب * بل الموت لا شك الذي هو غالب
فقلت نعم ان الشكول أقارب * ما كنت أول من جنى من غرسه
والصدود الفراق قبل الفراق * ليس بهذا تجاور النعم
والصبر الا على الهوى كرم * أحسن الحب ما يكون معمى
حب هذا الزمان ليس يدوم * من شكا حب حبيب ظلما
أحسن كما أحسنك الله * وآخر آمال العباد إلى الياس
هذا ما سنح لنا ذكره من أمثاله ولعل المتتبع لشعره يقف على أكثر من
هذا ويأتي له أمثال في الحكم.
49 - حسن المخلص
وهو انتقال الشاعر مما ابتدأ به الكلام من غزل أو نسيب أو حماسة أو
غيرها إلى المقصود على وجه سهل برابطة ملائمة يختلس به المقصود اختلاسا
كقوله:
وتنظري خبب الركاب ينصها * محيي القريض إلى مميت المال
أمطلع الشمس تبعني أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود
لم يجتمع قط في مصر ولا طرف * محمد بن أبي مروان والنوب
أيسلبني ثراء المال ربي * واطلب ذاك من كف جماد
زعمت إذا بأن الجود أمسى * له رب سوى ابن أبي دؤاد
أبين فما يزرن سوى كريم * وحسبك أن يزرن أبا سعيد
لا والذي هو عالم أن النوى * صبر وان أبا الحسين كريم
شكوت إلى الزمان نحول حالي * فارشدني إلى عبد الحميد
خلق أطل من الربيع كأنه * خلق الامام وهديه المتنشر
حلفت بمستن المنى تسترشه * سحابة كف بالرغائب تمطر
إذا درجت فيه الصبا كفكفت لها * وقام يباريها أبو الفضل جعفر
فالأرض معروف السماء قرى لها * وبنو الرجاء لهم بنو العباس
ما يحسن الدهر أن يسطو على رجل * إذا تعلق حبلا من أبي حسن
50 - حسن الختام
وهو أن يكون آخر الكلام مستعذبا حسنا وأحسنه ما آذن بانتهاء
الكلام كقوله:
إن كان بين صروف الدهر من رحم * موصولة أو ذمام غير منقضب
فبين أيامك اللاتي نصرت بها * وبين أيام بدر أقرب النسب

447
أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم * صفر الوجوه وجلت أوجه العرب
وقوله:
اني امتدحتك لا لفائدة ولا * همي جزاء مدائحي بجزاء
لكن أروم به احتياطك إنه * فيما لديك لبغيتي وغنائي
وقوله:
غربت خلائقة وأغرب شاعر * فيه فأحسن مغرب في مغرب
لما كرمت نظمت فيك بمنطق * حق فلم آثم ولم أتحوب
وقوله:
فقومت لي ما أعوج من قصد همتي * وبيضت لي ما اسود من وجه مطلبي
وهاك ثياب المدح فاجرر ذيولها * عليك وهذا مركب الحمد فاركب
وقوله:
أقول لأصحابي هو القاسم الذي * به شرح الجود التباس المذاهب
وإني لأرجو عاجلا ان تردني * مواهبه بحرا ترجى مواهبي
وقوله:
ويا أيها الساعي ليدرك شأوه * تزحزح قصيا أسوأ الظن كاذبه
فحسبك من نيل المراتب ان ترى * عليما بأن ليست تنال مناقبه
إذا ما امرؤ ألقى بربعك رحله * فقد طالبته بالنجاح مطالبه
وقوله:
كتبت ولو قدرت هوى وشوقا * إليك لكنت سطرا في الكتاب
وقوله:
يأخذ المعتفين قسرا ولو كفف * دعاهم اليه واد خصيب
غير أن الرامي المسدد يحتاط * مع العلم انه سيصيب
وقوله:
إذا القصائد كانت من مدائحهم * يوما فأنت لعمري من مدائحها
وان غرائبها اجدبن من بلد * كانت عطاياك من أندى مسارحها
وقوله:
فافخر فما من سماء للعلا رفعت * إلا وأفعالك الحسنى لها عمد
وقوله في ختام قصيدة في أبي سعيد محمد بن يوسف الطائي:
أتيتك لم أفزع إلى غير مفزع * ولم انشد الحاجات في غير منشد
ومن يرج معروف البعيد فإنما * يدي عولت في النائبات على يدي
وقوله:
لبست سواه أقواما فكانوا * كما أغنى التيمم بالصعيد
فتى أحيت يداه بعد يأس * لنا الميتين من بأس وجود
وقوله:
فلو أبقى الندى والبأس حيا * لخص أبو سعيد بالخلود
وقوله:
ولكن رأى شكري قلادة سؤدد * فصاع لها سلكا بهيا من الرفد
فما فاتني ما عنده من حبائه * ولا فاته من فاخر الشعر ما عندي
وكم من كريم قد تخضر قلبه * بذاك الثناء الغض في طرق المجد
وقوله:
ومفاوز الآمال يبعد شأوها * ان لم تكن جدواك فيها زادي
ومن العجائب شاعر قعدت به * هماته أو ضاع عند جواد
وقوله:
فلولا ان آمالي أرتني * لديك سحابتي كرم وجود
لاصبح حبل شعري طوق غل * من الأيام في عنقي وجيدي
وقد حررت في مدحيك جهدي * فحرر بالندى صلة القصيد
وقوله:
نفسوك فالتمسوا مداك فحاولوا * جبلا يزل صفيحه بالمصعد
درست صفائح كيدهم فكأنما * أذكرن اطلالا ببرقة ثهمد
وقوله:
فاسلم ولا تنفك يخطوك الردى * فينا وتسقط دونك الاقدار
وقوله:
سافر بطرفك في أقصى مكارمنا * إذ لم يكن لك في تأثيلها سفر
هل أورق المجد الا في بني أدد * أو أجتني قط لولا طئ ثمر
لولا أحاديث بقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر
وقوله:
فالأرض دار اتفرت ما لم يكن * من هاشم رب لتلك الدار
سور القرآن الغر فيكم أنزلت * ولكم تصاع محاسن الاشعار
وقوله:
لا شئ أحسن من ثنائي سائرا * ونداك في أفق البلاد يسايره
وإذا الفتى المأمول انجح عزمه * في نفسه ونداه انجح شاعره
وقوله:
ملك يضل الفكر في أيامه * ويقل في نفحاته ما يكثر
فليعسرن على الليالي بعده * أن يبتلي بصروفهن المعسر
وقوله:
كن كيف شئت فان فيك خلائقا * أضحى إليك بها الرجاء مفوضا
المجد لا يرضى بان ترضى بان * يرضى امرؤ يرجوك الا بالرضا
وقوله:
ورأيك مثل رأي السيف صحت * سبورة حده عند المصاع
فلو صورت نفسك لم تزدها * على ما فيك من كرم الطباع
وقوله في ختام قصيدة في ذكر خلعة:
خلعة من أغر أروع رحب الصدر * رحب الفناء رحب الذراع
سوف أكسوك ما يعفي عليها * من ثناء كالبرد برد الصناع
حسن هاتيك في العيون وهذا * حسنه في القلوب والاسماع
وقوله:
نامت همومي عني حين قلت لها * هذا أبو دلف حسبي به وكفى
وقوله:
حتم عليك إذا حللت مغانهم * أن لا تراه عافيا من عاف
وكأنهم من برهم وحفائهم * بالمجتدي الأضياف للأضياف

448
وقوله:
اشدد يديك بحبل بوح معصما * تلقاه حبلا بالندى موصولا
ذاك الذي إن كان خلك لم تقل * يا ليتني لم اتخذه خليلا
وقوله:
ولا ترين ان العلا لك عندما * تقول ولكن العلا حين تفعل
ولا شك ان الخير منك سجية * ولكن خير الخير عندي المعجل
وقوله:
أكابرنا عطفا علينا فإننا * بنا ظما برح وأنتم مناهل
وقوله:
لا توقظوا الشر من نوم فقد غنيت * دياركم وهي تدعى زهرة النعم
هذا ابن خالكم يهدي نصيحته * من يتهم فهو فيكم غير متهم
وقوله في ختام قصيدة في المأمون:
فبنو أبيك على نفاسة قدرهم * فيهم وانهم هم الأعلام
متواطئو عقبيك في طلب العلا * والمجد ثمت تستوي الأقدام
وقوله:
لم يذعر الأيام عنك كمرتد * بالعقل يفهم عن أخيه ويفهم
ممن إذا ما الشعر صافح سمعه * يوما رأيت ضميره يتبسم
وقوله:
فقد هز عطفيه القريض توقعا * لعدلك مذ صارت إليك المظالم
ولولا خلال سنها الشعر ما درى * بغاة الندى من أين تؤتى المكارم
وقوله:
لكل من بني حواء عذر * ولا عذر لطائي لئيم
أحق الناس بالكرم امرؤ لم * يزل يأوي إلى أصل كريم
وقوله:
أساءت يداه عشرة المال بالندى * واحسنتا فينا خلافة حاتم
وقوله:
قل للخطوب إليك عني انني * جار لإسحاق بن إبراهيم
وقوله في مالك بن طوق:
فأنت وصنواك الكريمان اخوة * خلقتم سعوطا للأنوف الرواغم
ثلاثة أركان وما انهد سؤدد * إذا ثبتت فيه ثلاث دعائم
وقوله:
نوالك رد حسادي فلولا * وأصلح بين أيامي وبيني
فأصبح وهولي طوق وأمسى * مديحك نقل أهل العسكرين
وقوله:
يا ابن الأكارم والمرجو من مضر * إذا الزمان جلا عن وجه خوان
إليك ساقتني الأيام تجنبها * سحاب جودك من أهلي وأوطاني
وقوله:
فليشكر الاسلام ما أوليته * والله عنه بالوفاء ضمين
وقوله:
فاسلم فما سلم الأعداء منك ولا * فاتوك في الدهر بالأوتار والدمن
وقوله:
جنى لك فيك من ثمرات مدحي * لسان الشكر أبياتا جنيه
وقد أهديتها لك وهي عندي * على الأيام من أزكى هديه
وقوله:
هو في الغنى غرسي وغرسك في العلا * اني انصرفت وأنت غرس الله
اخباره
لأبي تمام أخبار حسان متفرقة في كتب التاريخ والأدب نجمع ما وصل
الينا منها هنا. وقد صنف أبو بكر محمد بن يحيى الصولي الأديب المؤرخ
الواسع الرواية الكثير الحفظ كتابا سماه (اخبار أبي تمام) طبع بمصر ويظهر
من الرسالة الموضوعة في مقدمته وهي من الصولي إلى أبي الليث مزاحم بن
فاتك أنه ألفه لمزاحم المذكور ومر عند الكلام على شاعريته جملة مما يحتويه
الكتاب المذكور وفي مروج الذهب: وقد صنف أبو بكر الصولي كتابا جمع
فيه أخبار أبي تمام وشعره وتصرفه في أنواع علومه ومذاهبه واستدل الصولي
على ما وصف عن أبي تمام بما يوجد من شعره من ذلك قوله في صفة
الخمر.
جهمية الأوصاف إلا انهم * قد لقبوها جوهر الأشياء
ومن طريف أخبار أبي تمام ما ذكره الصولي قال حدثني عبد الله بن
المعتز حدثني أبو سعيد النحوي المعروف بصعوداء عن أبي تمام الطائي
وذكره المسعودي في مروج الذهب مرسلا عن أبي تمام قال خرجت إلى سر
من رأى حين ولي الواثق فلما قربت منها لقيني اعرابي فأردت أن أساله عن
شئ من اخبار الناس بها فخاطبته فإذا أفصح الناس وأفطنهم فقلت ممن
الرجل قال من بني عامر قلت كيف علمك بأمير المؤمنين قال قتل أرضا
عالمها قلت فما تقول فيه (وفي مروج الذهب كيف علمك بعسكر أمير
المؤمنين قال قتل أرضا عالمها قلت ما تقول في أمير المؤمنين) قال وثق بالله
فكفاه أشجى العاصية وقمع العادية وعدل في الرعية وارغم كل ذي خيانة
وفي مروج الذهب أشجى القاصية وقصم العادية ورغب عن كل ذي
جناية قلت فما تقول في أحمد بن أبي دؤاد (1) قال هضبة لا ترام وجندلة لا
تضام (وجبل لا يضام) تشحذ له المدى وتحبل له الاشراك (وتنصب له
الحبائل) حتى إذا قيل كان قد وثب وثبة الذئب وختل ختل الضب قلت فما
تقول في محمد بن عبد الملك الزيات (2) قال وسع الداني شره وقتل البعيد
(ووصل إلى البعيد) ضره له في كل يوم صريع لا يرى فيه أثر ناب ولا
ندب مخلب قلت فما تقول في عمرو بن فرج (3) قال ضخم نهم مستعذب
للذم (استعذب الدم) ينصبه القوم ترسا للدعاء قلت فما تقول في
الفضل بن مروان - واستعذبت خطابه - قال ذاك رجل نشر (نبش) بعدما
قبر فعليه حياة الاحياء وخفتة الموتى (ليس تعد له حياة في الاحياء وعليه
خفتة الموتى) قلت فما تقول في أبي الوزير قال كبش الزنادقة ألا ترى ان
الخليفة إذا أهمله (أخمله) سنح (سمن) ورتع فإذا هزه أمطر فامرع قلت
فما تقول في أحمد بن الخصيب قال ذاك أكل أكلة نهم فذرق ذرقة بشم قلت



(1) هو قاضي الواثق
(2) هو الوزير
(3) هو عمرو بن فرج الرجحي من علية الكتاب - المؤلف -
449
فما تقول في إبراهيم أخيه قال (أموات غير أحياء وما يشعرون إيان يبعثون)
قلت فما تقول في أحمد بن إسرائيل قال لله دره اي قلقل (أي فاعل) هو
وأي صابر هو أعد الصبر دثارا والجود شعارا وأهون عليه بهم قلت فما تقول
في المعلى بن أيوب قال ذاك رجل خير نصيح السلطان عفيف اللسان سلم
من القوم وسلموا منه قلت فما تقول في إبراهيم بن رباح قال ذاك رجل
أوثقه (اوبقه) كرمه واسلمه فضله (حسبه) وله معروف (دعاء) لا
يسلمه ورب لا يخذله وخليفة وفوقه (خليفة) لا يظلمه قلت فما تقول في
الحسن ابنه قال ذاك عود نضار غرس في منابت الكرم حتى إذا اهتز
حصدوه قلت فما تقول في نجاح ابن سلمة قال لله دره اي طالب وتر ومدرك
ثأر يلتهب كأنه شعلة نار له من الخليفة في الأحيان جلسة تزيل نعما وتحل
نقما قلت يا اعرابي أين منزلك حتى آتيك قال اللهم غفرا مالي منزل إذا
اشتمل الظلام (انا اشتمل النهار والتحف الليل) فحيثما أدركني الرقاد
رقدت قلت فكيف رضاك عن أهل العسكر (1) قال لا اخلق وجهي
بمسألتهم (قال إن أعطوني لم أحمدهم وان ضيعوني لم أذمهم أو ما سمعت
قول هذا الفتى الطائي (كما قال هذا الغلام الطائي).
وما أبالي وخير القول أصدقه * حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
قلت فأنا الطائي قائل هذا الشعر قال أئنك أنت الطائي قلت نعم
فدنا مبادرا فعانقني وقال لله أبوك وأنت القائل.
ما جود كفك ان جادت وان بخلت * من ماء وجهي إذا أخلفته عوض
قلت نعم! قال والله أنت أشعر أهل الزمان. (وفي مروج
الذهب) ما لفظه: وفي رواية أخرى - ليست في الكتاب - قلت أنشدني
شيئا من شعرك فأنشدني:
أقول وجنح الدجى ملبد * ولليل في كل فج يد
ونحن ضجيعان في مسجد * فلله ما ضمن المجسد
فيا غد إن كنت لي محسنا * فلا تدن من ليلتي يا غد
ويا ليلة الوصل لا تنفدي * كما ليلة الهجر لا تنفد
(اه‍) فرجعت بالأعرابي معي إلى ابن أبي دؤاد وحدثته بخبره
فأدخله إلى الواثق فسأله عن خبره معي فأخبره به فأمر له بمال (بألف
دينار) وأحسن اليه ووهب له أحمد بن أبي دؤاد، فكان يقول لي قد عظم
الله بركتك علي (وأخذ له من سائر الكتاب وأهل الدولة ما أغناه به وأغنى
عقبه بعده). وعقب المسعودي على هذا الخبر بقوله: وهذا الخبر فمخرجه عن أبي
تمام فإن كان صادقا فيما قال - ولا أراه - فقد أحسن الأعرابي في الوصف وان
كان أبو تمام هو الذي صنعه وعزاه إلى هذا الأعرابي فقد قصر في نظمه إذ
كانت منزلته أكبر من هذا (اه‍). وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني
محمد بن سعيد أبو بكر الأصم حدثني أحمد بن أبي فنن قال: حضرت أبا
تمام وقد وصل بمائتي دينار فدفع إلى رجل عنده منها مائة وقال خذها ثم قيل
لي إنه صديق له واستنبت منه خلة فعذلته على إعطائه ما أعطى وقلت لو
كان شقيقك ما عذرتك مع اضطراب حالك فقال:
ذو الود عندي وذو القربى بمنزلة * وإخوتي أسوة عندي وإخواني
عصابة جاورت آدابهم أدبي * فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني
أرواحنا في مكان واحد وغدت * أجسامنا لشام أو خراسان
وهذا يدل على كرم وسخاء كان في طبع أبي تمام - ولا غرو فهو
طائي - عكس ما كان عليه المتنبي، فقد مر في ترجمته ان الخوارزمي قال فيه
إنما أعرب عن طريقته وعادته بقوله:
بليت بلى الاطلال إن لم أقف بها * وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
وأنه قال إنه أحضر مالا بين يديه من صلات سيف الدولة وتخللت
قطعة كأصغر ما يكون بين خلال الحصير فأكب عليها حتى توصل إلى
إظهارها وأنشد:
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة * بدا حاجب منها وضنت بحاجب
فقال بعض جلسائه أما يكفيك هذه الأكياس حتى أدميت إصبعك
لأجل هذه القطعة فقال إنها تخضر المائدة. وفي الأغاني: أخبرني جحظة
حدثني ميمون بن هارون قال: مر أبو تمام بمخنث يقول لآخر جئتك أمس
فاحتجبت عني فقال له السماء إذا احتجبت بالغيم رجي خيرها فتبينت في
وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى ليضمنه في شعره فما لبثنا إلا أياما حتى
أنشدت قوله:
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا * إن السماء ترجى حين تحتجب
وقال الصولي في أخبار أبي تمام: قيل لأبي تمام مدحت دينار بن يزيد
فقال ما أردت بمدحه إلا أن أكشف شعر علي بن جبلة فيه فقلت:
مهاة النقا لولا الشوى والمابض (2) * (تمامه) وإن محض الاعراض لي منك ماحض
ولم يمدحه بغيرها. وفي الكتاب المذكور: حدثنا عبد الله بن الحسين
حدثني البحتري: سمعت أبا تمام يقول: أول شعر قلته.
تقي (3) جمحاتي لست طوع مؤنبي * وليس جنيبي إن عذلت بمصحبي
ومدحت بها عياش بن لهيعة فأعطاني خمسة آلاف درهم. وفيه:
حدثني أبو جعفر أحمد بن يزيد المهلبي حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه:
سمعت أبا تمام يقول أنا كقولي.
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل
وفيه حدثني أحمد بن موسى: أخبرني أبو الغمر الأنصاري عن
عمرو بن أبي قطيفة قال رأيت أبا تمام في النوم فقلت له لم ابتدأت بقولك
(كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر) فقال لي ترك الناس بيتا قبل هذا إنما
قلت:
حرام لعين أن تجف لها شفر * وأن تطعم التغميض ما أمتع الدهر
(كذا فليجل الخطب) وعن شرح التبريزي أن القصيدة مبدوءة فيه
بالبيتين.
حرام لعيني أن يجف لها قطر * وأن تطعم التغميض ما بقي العمر



(1) العسكر اسم سامراء
(2) الشوى القوائم، والمآبض جمع مأبض يقال لباطن المرفق وباطن الركبة مأبض، يقول: يا
شبيهة المهى لولا أنك تخالفينها في الشوى والمآبض.
(3) تقي بمعنى اتقي (والجنيب) الفرس الذي يقاد بدون أن يركب وأراد به هنا هواه أو قلبه
(والمصحب) المنقاد التابع - المؤلف -.
450
اخباره مع ملوك بني العباس ووزرائهم وأمرائهم
أدرك أبو تمام خلافة المأمون، كلها وهي عشرون سنة وكسر،
وخلافة أخيه المعتصم، وخلافة الواثق بن المعتصم كلها ووفاته ووفاة
الواثق متقارنتان أو متقاربتان، وله مدائح في الثلاثة وفي وزرائهم وأمرائهم
وكتابهم وفي ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم، وأخباره مع الجميع شائقة.
أخباره مع المأمون
يظهر ان اتصاله بالمأمون كان قليلا، ولذلك لم يوجد في ديوانه في
مدحه إلا قصيدتان والأولى منهما قال جامع ديوانه إنها في المأمون،
ثم قال والأولى أن تكون في المعتصم (أقول) بل الظاهر إنها في
المأمون، وجعلها في المعتصم لا وجه له بل لا يبعد ان يكون قوله فيها
(الله يشهد) البيت والبيتان بعده إشارة إلى تشيع المأمون وبيعته للرضا وقد
صرح فيها بأن وسيلته حب آل محمد وأنه قد ظن به تجسم روح السيد
الحميري فهو يتوسل إلى المأمون بتشيعه والذي كان معروفا بالتشيع هو
المأمون لا المعتصم، ومن هذه القصيدة قوله.
عذلت غروب دموعه عذاله * بسواكب فندن كل مفند
أتت النوى دون الهوى فأنى الأسى * دون الأسى بحرارة لم تبرد
عبث الفراق بدمعه وبقلبه * عبثا يروح الجد فيه ويغتدي
يا يوم شرد يوم لهوي لهوه * بصبابتي وأذل عز تجلدي
يوم أفاض جوى أغاض تعزيا * خاض الهوى بحري حجاه المزبد
عطفوا الخدور على البدور ووكلوا * ظلم الستور بنور حور نهد
وثنوا على وشي الخدود صيانة * وشي البرود بمسجف وممهد
إلى أن قال في مديحها
فانتاش مصر من اللتيا والتي * بتجاوز وتعطف وتغمد
في دولة لحظ الزمان شعاعها * فارتد منقلبا بعيني أرمد
من كان مولده تقدم قبلها * أو بعدها فكأنه لم يولد
الله يشهد أن هديك للرضا * فينا ويلعن كل من لم يشهد
أو لي أمة أحمد ما أحمد * بمضيع ما أوليت أمة أحمد
أما الهدى فقد افتتحت بزنده * في العالمين فويل من لم يهتد
نحن الفداء من الردى لخليفة * برضاه من سخط الليالي نفتدي
هدمت مساعيه المساعي فابتنت * خطط المكارم في عراص الفرقد
وأرى الأمور المشكلات تمزقت * ظلماتها عن رأيك المتوقد
ووسيلتي فيها إليك طريفة * شام يدين بحب آل محمد
نيطت قلائد ظرفه بمحير * متدمشق متكوف متبغدد
حتى لقد ظن الغواة وباطل * اني تجسم في روح السيد
والقصيدة الثانية هذا أكثرها.
دمن ألم بها فقال سلام * كم حل عقدة صبره الالمام
نحرت ركاب القوم حتى يعبروا * رجلا لقد عنفوا علي ولاموا
وقفوا علي اللوم حتى خيلوا * أن الوقوف على الديار حرام
ولقد أراك فهل أراك بغبطة * والعيش غض والزمان غلام
أعوام وصل كان ينسي طولها * ذكر النوى فكأنها أيام
ثم انبرت أيام هجر أردفت * نحوي أسى فكأنها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأنها وكأنهم أحلام
أتحدرت عبرات عينك ان دعت * ورقاء حين تضعضع الاظلام
لا تشجين لها فان بكاءها * ضحك وإن بكاءك استغرام
هن الحمام فان كسرت عيافة * من حائهن فإنهن حمام
الله أكبر جاء أكبر من جرت * فتعثرت في كنهه الأوهام
من لا يحيط الواصفون بوصفه * حتى يقولوا وصفه إلهام
من شرد الاعدام عن أوطانه * بالبذل حتى استطرف الاعدام
وتكفل الأيتام عن آبائهم * حتى وددنا أننا أيتام
يتجنب الآثام ثم يخافها * فكأنما حسناته آثام
يا أيها الملك الهمام وعدله * ملك عليه في القضاء همام
ما زال حكم الله يشرق وجهه * في الأرض مذ نيطت بك الأحكام
الشرق غرب حين تلحظ قصده * ومخالف اليمن القصي شآم
بالشدقميات العتاق كأنما * أشباحها بين الآكام أكام
والأعوجيات الجياد كأنها * تهوي وقد ونت الرياح سهام
لما رأيت الدين يخفق قلبه * والكفر فيه تغطرس وعرام
أوريت زند عزائم تحت الدجى * أسرجن فكرك والبلاد ظلام
فنهضت تسحب ذيل جيش ساقه * حسن اليقين وقاده الاقدام
ملأ الملا عصبا فكاد بأن يرى * لا خلف فيه ولا له قدام
بسواهم لحق الاياطل شزب * تعليقها الاسراج والالجام
ومقابلين إذا انتموا لم تخزهم * في نصرك الأخوال والأعمام
سفع الدؤوب وجوههم فكأنهم * وأبوهم سام أبوه حام
تخذوا الحديد من الحديد معاقلا * سكانها الأرواح والأجسام
مسترسلين إلى الحتوف كأنما * بين الحتوف وبينهم أرحام
آساد موت مخدرات مالها * إلا الصوارم والقنا آجام
حتى نقضت الروم منك بوقعة * شنعاء ليس لنقضها إبرام
في معرك أما الحمام فمفطر * في هبوتيه والكماة صيام
والضرب يقعد قرم كل كتيبة * شرس الضريبة والحتوف قيام
ففصمت عروة جمعهم فيها وقد * جعلت تفصم من عراها الهام
ما كان للاشراك فورة مشهد * والله فيه وأنت والاسلام
لما رأيتهم تساق ملوكهم * خرقا (1) إليك كأنهم أنعام
متساقطي ورق الثياب كأنهم * دانوا فأحدث فيهم الاحرام
أكرمت سيفك غربه وذبابه * عنهم وحق لسيفك الاكرام
أيقظت هاجعهم وهل يغنيهم * سهر النواظر والعقول نيام
جحدتك منهم ألسن لجلاجة * أقررن أنك في القلوب إمام
فاسلم أمير المؤمنين لأمة * نتجت رجاءك والرجاء عقام
قضى النبي ذمامها مذ حطها * عنه فليس لها عليه ذمام
إن المكارم للخليفة لم تزل * والله يعلم ذاك والأقوام
كتبت له ولاوليه قبله * في اللوح حتى جفت الأقلام
فبنو أبيك على نفاسة قدرهم * فيهم وإنهم هم الاعلام
متواطئو عقبيك في طلب العلى * والمجد ثمة تستوي الاقدام
خبره مع الحسن بن سهل السرخسي وزير المأمون
كما أدرك أبو تمام عصر المأمون أدرك عصر وزيره الحسن بن سهل بعد
أخيه الفضل، ووجدنا في ديوانه قصيدتين في مدح الحسن بن سهل، ولم
نعثر له على خبر معه غير ذلك، فيظهر ان اتصاله به كان قليلا كاتصاله



(1) خرق جمع خرقة وهي الجماعة. - المؤلف -
451
بالمأمون على ما مر، وقد صرح في الأولى منهما بأن عمره يومئذ كان ستا
وعشرين سنة، وكان ذلك بعد اشتهار صيته، فلا بد أن يكون تعاطى
نظم الشعر وعمره عشرون سنة أو أقل منها. قال يمدحه من قصيدة:
أبدت أسى أن رأتني مخلس القصب * وآل ما كان من عجب إلى عجب
(القصب) جمع قصبة وهي الخصلة من الشعر، ومخلس بوزن اسم
المفعول أي فيه سواد وبياض أصله من أخلس النبات أي اختلط رطبه
بيابسه فينبت الرطب في أصل اليابس، فشبه به الشعر الذي فيه سواد
وبياض، والمعنى أنها حزنت لما رأت شيبي، وعاد ما كان منها من عجب
بشبابي إلى عجب من مشيبي.
ست وعشرون تدعوني فأتبعها * إلى المشيب ولم تظلم ولم تحب
(لم تحب) من الحوبة وهي الذنب. لما كان سن ست وعشرين هو
من ريعان الشباب وكان الشيب فيه على خلاف العادة كان مظنة أن يقال
ظلمته الأيام وأذنبت إليه فشيبته في غير أوان الشيب فدفع ذلك بقوله ولم
تظلم ولم تحب وفسر ذلك بقوله بعده.
يومي من الدهر مثل الدهر مشتهر * عزما وحزما وساعي منه كالحقب
فأصغري أن شيبا لاح بي حدثا * وأكبري أنني في المهد لم أشب
ثم قال:
لا يطرد الهم إلا الهم من رجل * مقلقل لبنات القفرة النجب
ماض إذا الهمم التفت رأيت له * بوخدهن استطالات على النوب
ستصبح العيس بي والليل عند فتى * كثير ذكر الرضى في ساعة الغضب
صدفت عنه ولم تصدف مواهبه * عني وعاوده ظني ولم يخب
كالغيث إن جئته وافاك ريقه * وإن ترحلت عنه لج في الطلب
خلائق الحسن استوفي البقاء فقد * أصبحت قرة عين المجد والحسب
كأنما هو من أخلاقه أبدا * وإن ثوى وحده في جحفل لجب
صيغت له شيمة غراء من ذهب * لكنها أهلك الأشياء للذهب
لما رأى أدبا في غير ذي كرم * قد ضاع أو كرما في غير ذي أدب
سما إلى السورة العلياء فاجتمعا * في فعله كاجتماع النور والعشب
بلوت منه وأيامي مذممة * مودة وجدت أحلى من الشنب
من غير ما سبب ماض كفى سببا * للحر أن يعتفي حرا بلا سبب
وقال يمدحه أيضا من قصيدة:
أأيامنا ما كنت إلا مواهبا * وكنت بإسعاف الحبيب حبائبا
سنغرب تجديدا لعهدك في البكا * فما كنت في الأيام إلا غرائبا
ومعترك للشوق أهدى به الهوى * إلى ذي الهوى نجل العيون ربائبا
كواعب زارت في ليال قصيرة * تخيلهن لي من حسنهن كواعبا
وجوه لو أن الأرض فيها كواكب * توقد للساري لكانت كواكبا
سلى هل عمرت القفر وهي سباسب * وغادرت ربعي من ركابي سباسبا
وغربت حتى لم أجد ذكر مشرق * وشرقت حتى قد نسيت المغاربا
ومن لم يسلم للنوائب أصبحت * خلائقه طرا عليه نوائبا
وقد يكهم السيف المسمى منية * وقد يرجع السهم المظفر خائبا
فآفة ذا ان لا يصادف راميا * وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا
إلى الحسن اقتدنا ركائب صيرت * لها الحزن من أرض الفلاة ركائبا
وكنت امرءا ألقى الزمان مسالما * فآليت لا ألقاه إلا محاربا
لو اقتسمت أخلاقه الغر لم تجد * معيبا ولا خلقا من الناس عائبا
عطايا هي الأنواء إلا علامة * دعت تلك انواء وهذي مواهبا
خدين العلى أبقى له البذل والنهى * عواقب من عرف كفته العواقبا
يطول استشارات التجارب رأيه * إذا ما ذوو الرأي استشاروا التجاربا
وهل كنت إلا مذنبا يوم أنتحي * سواك بآمالي فجئتك تائبا
وله في الحسن بن سهل من أبيات يعاتب بها محمد بن سعيد كاتب
الحسن بن سهل.
ولأبن سهل أكف كلما اجتديت * فعلن في المحل ما لا تفعل الديم
قوم تراهم غيارى دون مجدهم * حتى كان المعالي عندهم حرم
أخباره مع المعتصم.
قد عرفت أنه لما بلغ المعتصم خبر أبي تمام حين شاع ذكره وسار شعره
حمله إليه وهو بسر من رأى فعمل فيه أبو تمام عدة قصائد وأجازه
المعتصم وقدمه على شعراء وقته، وله فيه قصائد لا تبارى كالبائية التي
مدحه بها لما فتح عمورية، والرائية التي مدحه بها حين قتل مازيار وبابك
الخرمي والأفشين. وقال الطقطقي في الفخري إن أبا تمام كان قد صحب
المعتصم لما فتح عمورية. وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني محمد بن
البربري حدثني الحسن بن وهب قلت لأبي تمام أفهم المعتصم بالله من
شعرك شيئا قال استعادني ثلاث مرات.
وإن أسمج من تشكو إليه هوى * من كان أحسن شئ عنده العذل
واستحسنه ثم قال لابن أبي دؤاد: يا أبا عبد الله! الطائي بالبصريين
أشبه منه بالشاميين (اه‍). وفي هذه دلالة على أن المعتصم لم يكن بصيرا
بالشعر. في النجوم الزاهرة كان المعتصم أميا عاريا من كل علم. وعن
محمد الهاشمي: كان مع المعتصم غلام في الكتاب يتعلم معه فمات الغلام
فقال له الرشيد أبوه يا محمد مات غلامك! قال نعم يا سيدي واستراح من
الكتاب. قال وإن الكتاب ليبلغ منك هذا؟ دعوه لا تعلموه. فكان يكتب
ويقرأ قراءة ضعيفة (اه‍). وكان أحمد بن عمار وزير المعتصم فورد على
المعتصم كتاب فقرأه الوزير فيه ذكر الكلأ فقال المعتصم ما الكلأ؟ فقال
الوزير لا أعلم فقال المعتصم خليفة أمي ووزير عامي ثم سأل ابن الزيات
عنه وكان يومئذ من الكتاب ففسره فقلده الوزارة ومن مختار شعر أبي تمام
في المعتصم قوله يمدحه ويذكر قتل بابك الخرمي ومازيار بن قارن بن وندان
هرمز الديلمي: وباطس أو ناطس بطريق عمورية الأكبر والأفشين واسمه
خيذر بن كاوس وصلبهم وكان بابك مجوسيا والخرم الفرح والمجوس يسمون
دينهم دين الفرح ويسمون الخرمية وكان بابك تحرك أيام المأمون فلما ولي
المعتصم بعث إليه الأفشين وهو من قواده فاسر بابك وقدم به إلى سامراء
وقتل وصلب، ومازيار هو ملك الديلم بطبرستان وكان منافرا لعبد الله بن
طاهر والي خراسان وكان عبد الله يكتب إلى المعتصم حتى استوحش من
مازيار، فلما ظفر الأفشين ببابك طمع الأفشين في ولاية خراسان، فكتب
إلى مازيار يستميله، ورجا أنه إذا خالف مازيار سيره المعتصم إلى حربه
وولاه خراسان، فعصى مازيار على المعتصم فكتب المعتصم إلى عبد الله بن
طاهر يأمره بمحاربته فحاربه حتى أسر مازيار وبعث به إلى المعتصم فقتله
وصلبه إلى جنب بابك، وغضب المعتصم على الأفشين واتهمه بالخيانة



(1) في مروج الذهب: المازيار بن مازن بن بندار هرمس صاحب جبال طبرستان ولا شك أنه قد
صحف كل من هذه الأسماء الثلاثة بالاخر - المؤلف -
452
ونسب إلى الكفر وعبادة الأصنام، فقبض عليه قبل قدوم مازيار إلى سامراء
بيوم، فأقر مازيار على الأفشين أنه بعثه على العصيان لمذهب كانوا اتفقوا
عليه من مذاهب الثنوية والمجوس، فقتل الأفشين وقيل مات في الحبس
وصلب ثم أحرق. وقد ذكر أبو تمام الأفشين في غير موضع من شعره فمنه
قوله:
كانت لنا صنما نحنو عليه ولم * نسجد كما سجد الأفشين للصنم
وقصيدة أبي تمام في قتل الأفشين ومازيار وبابك وباطس وصلبهم هي
هذه.
الحق أبلج والسيوف عواري * فحذار من أسد العرين حذار
جالت بخيذر جولة المقدار * فأحله الطغيان دار بوار
كم نعمة لله كانت عنده * فكأنها في غربة وإسار
كسيت سبائب لؤمه فتضاءلت * كتضاؤل الحسناء في الأطمار
موتورة طلب الإلاه بثارها * وكفى برب الثأر مدرك ثار
صادى أمير المؤمنين بزبرج * في طيه حمة الشجاع الضاري
مكرا بنى ركنية إلا أنه * وطد الأساس على شفير هار
حتى إذا ما الله شق غباره * عن مستكن الكفر والاصرار
ونحا لهذا الدين شفرته انثنى * والحق منه قانئ الأظفار
ثم اعتذر عن تقريب المعتصم له مع نفاقه بقوله:
هذا النبي وكان صفوة ربه * من بين باد في الأنام وقاري
قد خص من أهل النفاق عصابة * وهم أشد أذى من الكفار
واختار من سعد لعين بني أبي * سرح لوحي الله غير خيار
هو سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد.
حتى استضاء بشعلة السور التي * رفعت له سجفا عن الأسرار
والهاشميون استقلت عيرهم * من كربلاء بأوثق الأوتار
فشفاهم المختار منه ولم يكن * في دينه المختار بالمختار
حتى إذا انكشفت سرائره اغتدوا * منه براء السمع والأبصار
ثم عاد إلى ذكر الأفشين فقال:
ما زال سر الكفر بين ضلوعه * حتى اصطلى سر الزناد الواري (1)
نارا يساور جسمه من حرها لهب كما عصفرت نصف (شق) إزار (2)
طارت لها شعل يهدم لفحها * أركانه هدما بغير غبار
فصلن منه كل مجمع مفصل * وفعلن فاقرة بكل فقار
قال أبو بكر الصولي في كتاب أخبار أبي تمام إنما قال وفعلن فخص
هذه اللفظة لقول الله جل وعز (تظن أن يفعل بها فاقرة) ولقول الناس
فعل به الفواقر أي الدواهي.
مشبوبة رفعت لأعظم مشرك * ما كان يرفع ضوؤها للساري
صلى لها حيا وكان وقودها * ميتا ويدخلها مع الفجار
رمقوا أعالي جذعه فكأنما * وجدوا الهلال عشية الافطار
وتحدثوا عن هلكه كحديث من * بالبدو عن متتابع الأمطار
وتباشروا كتباشر الحرمين في * قحم السنين بأرخص الأسعار
قد كان بوأه الخليفة جانبا * من قلبه حرما على الاقدار
ورأى به ما لم يكن يوما رأى * عمرو بن شاس قبله بعرار
فإذا ابن كافرة يسر بكفره * وجدا كوجد فرزدق بنوار
وإذا تذكره بكاه كما بكى * كعب زمان رثى أبا المغوار
يا قابضا يد آل كاوس عادلا * أتبع يمينا منهم بيسار
واعلم بأنك إنما تلقيهم * في بعض ما حفروا من الآبار
لو لم يكد للسامري قبيله * ما خار عجلهم بغير خوار
قال المسعودي صلب مازيار إلى جانب بابك ومالت خشبة مازيار إلى
خشبة بابك فتدانت أجسامهما، وقد كان صلب في ذلك الموضع باطس أو
ناطس بطريق عمورية وقد انحنت نحوهما خشبته ففي ذلك يقول أبو تمام.
ولقد شفى الأحشاء من برحائها * أن صار بابك جار مازيار
ثانيه في كبد السماء ولم يكن * لاثنين ثالثا إذ هما في الغار
فكأنما انحنيا لكيما يطويا * عن باطس خبرا من الاخبار
سود اللباس كأنما نسجت لهم * أيدي السموم مدارعا من قار
بكروا وأسروا في متون ضوامر * قيدت لهم من مربط النجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الاسفار
ثم حثه على البيعة للواثق وجعله ختام القصيدة فقال:
فاشدد بهارون الخلافة إنه * سكن لوحشتها ودار قرار
بفتى بني العباس والقمر الذي * حفته أنجم يعرب ونزار
كرم الخؤولة والعمومة مجه * سلفا قريش فيه و الأنصار
هو نوء يمن فيهم وسعادة * وسراج ليل فيهم ونهار
فاقمع شياطين النفاق بمهتد * ترضى البرية هديه والباري
ليسير في الآفاق سيرة رأفة * ويسوسها بسكينة ووقار
فالصين منظوم بأندلس إلى * حيطان رومية فملك ذمار
ولقد علمت بأن ذلك معصم * ما كنت تتركه بغير سوار
فالأرض دار أقفرت ما لم يكن * من هاشم رب لتلك الدار
سور القرآن الغر فيكم أنزلت * ولكم تصاع محاسن الاشعار
وقال يمدح المعتصم ويذكر قتل بابك وصلبه من قصيدة أولها:
آلت أمور الشرك شر مآل * وأقر بعد تخمظ وصيال
غضب الخليفة للخلافة غضبة * رخصت لها المهجات وهي غوالي
فلأذربيجان اختيال بعدما * كانت معرس عبرة ونكال
أطلقتها من كيده وكأنما * كانت له معقولة بعقال
يا يوم أرشق كنت رشق منية * للخرمية صائب الآجال
أسرى بنو الاسلام فيه وأدلجوا * بقلوب أسد في صدور رجال
يحملن كل مدجج سمر القنا * باهابه أولى من السربال
خلط الشجاعة بالحياء فأصبحا * كالحسن شيب لمغرم بدلال
يوم أضاء به الزمان وفتحت * فيه الأسنة زهرة الآمال
منها في بابك:
لما قضى رمضان فيه قضاءه * شالت به الأيام في شوال
ما زال مفلول العزائم سادرا * حتى غدا في القيد والاغلال
متلبسا للموت طوقا من دم * لما استبان فظاظة الخلخال
أهدى لمتن الجذع متنيه كذا * من عاف متن الأسمر العسال



(1) أراد بالزناد النار الكامنة فيه فقابله بسر الكفر.
(2) يأتي تفسيره في الصفات والتشبيهات. - المؤلف -
453
لا كعب أسفل موضعا من كعبه * مع أنه عن كل كعب عالي
سام كان العز يجذب ضبعه * وسموه من ذلة وسفال
متفرع أبدا وليس بفارع * من لا سبيل له إلى الاشغال
منها وهو يذكر الاسلام:
ألبسته أيامك الغر التي * أيام غيرك عندهن ليالي
قال الشريف المرتضى رضي الله عنه في الغرر والدرر المعروف
بالأمالي بعد ذكر الأبيات السبعة التي أولها (لما قضى) وآخرها (متفرغ)
من عجيب الأمور ان أبا العباس أحمد بن عبد الله بن عمار ينشد هذه
الأبيات المفرطة في الحس في جملة مقابح أبي تمام وما خرجه بزعمه من سقطه
وغلطه ويقول في عقبها ولم نسمع في شعر وصف فيه مصلوب باغث من
هذا الوصف، وأين كان عن مثل قول إبراهيم بن المهدي يصف صلب
بابك في قصيدة يمدح بها المعتصم:
ما زال يعنف بالنعمى فنفرها * عند الغموط ووافته الاراصيد
حتى علا حيث لا ينحط مجتمعا * كما علا أبدا ما أورق العود
يا بقعة ضربت فيها علاوته * وعنقه وذوت أغصانه الميد
بوركت أرضا و أوطانا مباركة * ما عنك في الأرض للتقديس تعميد
لو تقدر الأرض حجتك البلاد فلا * يبقى على الأرض إلا حج جلمود
لم يبك إبليس الا حين أبصره * في زيه وهو فوق الفيل مصفود
كناقة النحر تزهى تحت زينتها * وحد شفرتها للنحر محدود
ما كان أحسن قول الناس يومئذ * أيوم بابك هذا أم هو العيد
صيرت جثته جيدا لباسقة * جرداء والرأس منه ما له جيد
فاض يلعب هوج العاصفات به * على الطريق صليبا طرفه عود
كأنه شلو كبش والهواء له * تنور شاوية والجذع سفود
قال المرتضى: وهكذا ينبغي ان يطعن على أبيات أبي تمام من
يستجيد هذه الأبيات ويفرط في تقريظها وليت من جهل شيئا عدل عن
الخوض فيه والكلام عليه، فكان ذلك أستر عليه وأولى به وأبيات أبي تمام
في نهاية القوة وجودة المعاني والألفاظ وسلامة السبك واطراد النسج وأبيات
ابن المهدي مضطربة الألفاظ مختلفة النسج متفاوتة الكلام وما فيها شئ
يجوز ان توضع اليد عليه الا قوله.
حتى علا حيث لا ينحط مجتمعا * كما علا أبدا ما أورق العود
وبعده البيت الأخير وان كان بارد الألفاظ (اه‍) ومن مختار شعره
قصيدته التي مدح بها المعتصم عند فتح عمورية وهي مدينة ببلاد الروم
وكان اخبره المنجمون انها لا تفتح فغزاها وفتحها وأسر باطسا أو ناطسا
بطريقها الأكبر. وكان السبب في ذلك على ما ذكره ابن الأثير ان بابك لما
ضيق عليه الأفشين كتب إلى ملك الروم ان المعتصم وجه عساكره اليه
ويطمعه بالخروج اليه فخرج ملك الروم في مائة ألف فبلغ زبطرة فقتل
الرجال وسبى الذرية فبلغ المعتصم ذلك فاستعظمه وبلغه ان امرأة هاشمية
صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم وا معتصماه فأجابها وهو جالس على
سريره لبيك لبيك ونهض من ساعته وسأل أي بلاد الروم أمنع وأحصن
فقيل عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الاسلام فسار حتى فتحها فقال أبو
تمام قصيدة يمدحه ويذكر كذب المنجمين وفتح عمورية وهي نحو من سبعين
بيتا ويقال انه اجازه على كل بيت منها بألف درهم وأولها
السيف أصدق أنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في * متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة * بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما * صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصا وأحاديثا ملفقة * ليست بنبع إذا عدت ولا غرب (1)
عجائبا زعموا الأيام مجفلة * عنهن في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة * إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وصيروا الأبرج العليا مرتبة * ما كان منقلبا أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة * ما دار في فلك منها وفي قطب
لو بينت قط امرا قبل موقعه * لم يخف ما حل بالأوثان والصلب
فتح الفتوح تعالى ان يحيط به * نظم من الشعر أو نثر من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له * وتبرز الأرض في أثوابها (ابرادها) القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت * عنك المنى حفلا معسولة الحلب
أبقيت جد بني الاسلام في صعد * والمشركين ودار الشرك في صبب
أم لهم لو رجوا ان تفتدى جعلوا * فداءها كل أم برة (منهم) وأب
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها * كسرى وصدت صدودا عن أبي كرب (2)
من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد * شابت نواصي الليالي وهي لم تشب
بكر فما افترعتها كف حادثة * ولا ترقت إليها همة النوب
جرى لها الفال نحسا يوم أنقرة * إذ غودرت وحشة الساحات والرحب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت * كان الخراب لها اعدى من الجرب
لقد تركت أمير المؤمنين بها * للنار يوما وكيل الصخر والخشب
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت * والشمس واجبة من ذا ولم تجب
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى * يشله وسطها صبح من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت * عن لونها وكأن الشمس لم تغب
ضوء من النار والظلماء عاكفة * وظلمة من دخان في ضحى شجب
ما ربع ميتة معمورا يطيف به * غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب (3)
ولا الخدود ولو أدمين من خجل * أشهى إلى ناظر من خدها الترب
سماجة غنيت منها العيون بها * عن كل حسن بدا أو منظر عجب
وحسن منقلب تبدو (تبقي) عواقبه * جاءت بشاشته عن سوء منقلب
تدبير معتصم بالله منتقم * لله مرتقب في الله مرتهب (مرتغب)
ومطعم النصل لم تسكن أسنته * يوما ولا حجبت عن روح محتجب
لم يغز (يرم) قوما ولم ينهض (ينهد) إلى بلد * الا تقدمه جيش من الرعب
لو لم يقد جحفلا يوم الوغى لغدا * من نفسه وحدها في جحفل لجب
رمى بك الله برجيها فهدمها * ولو رمى بك غير الله لم يصب
أمانيا سلبتهم نجح هاجسها * ظبي السيوف وأطراف القنا السلب
ان الحمامين من بيض ومن سمر * دلو الحياتين من ماء ومن عشب
لبيت صوتا زبطريا (4) هرقت له * كأس الكرى ورضاب الخرد العرب
أجبته معلنا بالسيف منصلتا * ولو أجبت بغير السيف لم تجب
لما رأى الحرب رأى العين توفلس * والحرب مشتقة المعنى من الحرب



(1) النبع شجر الرماح والغرب شجر القي - المؤلف -
(2) أبو كرب أحد ملوك اليمن
(3) غيلان هو ذو الرمة وقد أحسن في وصف ربع مية في شعره - المؤلف -
(4) إشارة إلى صوت الهاشمية التي نادت في زبرطة وهي أسيرة في يد الروم وا معتصماه فلما بلغه
قال لبيك لبيك - المؤلف -
454
غدا يصرف بالأموال خزيتها * فعزه البحر ذو التيار والعبب
هيهات زعزعت الأرض الوقور به * عن غزو محتسب لا غزو مكتسب
لم ينفق الذهب المربي بكثرته * على الحصى وبه فقر إلى الذهب
ان الأسود أسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ولى وقد ألجم الخظي منطقه * بسكتة تحتها الأحشاء في صخب
احسى قرابينه صرف الردى ومضى * يحتث انجى مطاياه من الهرب
تسعون ألفا كآساد الشري نضجت * جلودهم قبل نضج التين والعنب
كم أحرزت قضب الهندي مصلتة * تهتز من قضب تهتز في كثب
بيض إذا انتضيت من حجبها رجعت * أحق بالبيض ابدانا من الحجب
خليفة الله جازى الله سعيك عن * جرثومة الدين والاسلام والحسب
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها * تنال الاعلى جسر من التعب
ان كان بين صروف الدهر من رحم * موصولة أو ذمام غير منقضب
فبين أيامك اللاتي نصرت بها * وبين أيام بدر أقرب النسب
أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم * صفر الوجوه وجلت أوجه العرب
ومن مدائحه في المعتصم قوله من قصيدة:
رقت حواشي الدهر فهي تمر مر * وغدا الثرى في حليه يتكسر
خلق أطل من الربيع كأنه * خلق الإمام وهديه المتنشر
سكن الزمان فلا يد مذمومة * للحادثات ولا سوام تذعر
فليعسرن على الليالي بعده * ان يبتلى بصروفهن المعسر
وقوله في قصيدة:
أجل أيها الربع الذي حف آهله * لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
وقفت وأحشائي منازل للأسى * به وهو قفر قد تعفت منازله
أسائلكم ما باله حكم البلى * عليه والا فاتركوني أسائله
دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة * فلباه طل الدمع يجري ووابله
بيوم يريك الموت في صورة النوى * أواخره من حسرة وأوائله
وقفنا على جمر الوداع عشية * فلا قلب الا وهو تغلي مراجله
وفي الكلة الصفراء جؤذر رملة * غدا مستقلا والفراق معادله
يعنفني ان ضقت ذرعا بهجره * ويجزع ان ضاقت عليه خلاخله
رواحلنا قد بزنا الهم أمرها * إلى أن حسبنا أنهن رواحله
إذا خلع الليل النهار حسبتها * بأرقالها من كل وجه تقاتله
إلى قطب الدنيا الذي لو بفضله * مدحت بني الدنيا كفتهم فضائله
من البأس والمعروف والدين والتقى * عيال عليه رزقهن شمائله
جلا ظلمات الظلم عن وجه أمة * أضاء لها من كوكب المجد آفلة
ولاذت بحقويه الخلافة فالتقت * على خدرها أرماحه ومناصله
بمعتصم بالله قد عصمت به * عرى الدين والتفت عليه وسائله
إذا مارق بالغدر حاول غدرة * فذاك حري ان تئيم خلائله
وان يبن حيطانا عليه فأنما * أولئك عقالاته لا معاقله
والا فاعلمه بأنك ساخط * ودعه (عليه) فان الخوف ولا شك قاتله
بيمن أبي إسحاق طالت يد الهدى * وقامت قناة الملك واشتد كاهله
هو البحر من أي النواحي أتيته * فلجته المعروف والجود ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه * لجاد بها فليتق الله سائله
وقال يمدح المعتصم ويذكر أخذ بابك من قصيدة:
آلت أمور الشرك شر مآل * وأقر بعد تخمط وصيال
يا يوم أرشق كنت رشق منية * للخرمية صائب الآجال
أسرى بنو الاسلام فيه وأدلجوا * بقلوب أسد في صدور رجال
ووردن موقانا عليه شوازبا * شعثا بشعث كالقطا الإرسال
يحملن كل مدجج سمر القنا * باهابه أولى من السربال
يوم أضاء به الزمان وفتحت * فيه الأسنة زهرة الآمال
نزلت ملائكة السماء عليهم * لما تداعى المسلمون نزال
لم يكس شخص فيأه حتى رمى * وقت الزوال نعيمهم بزوال
ابنا بكل خريدة قد أنجزت * فيها عداة الدهر بعد مطال
خاضت محاسنها مخاوف غادرت * ماء الصبا والحسن غير زلال
أعجلن عن شد البرى ولطالما * عودن ان يمشين غير عجال
فاسلم أمير المؤمنين لأمة * أبدلتها الامراع بالامحال
أمسى بك الاسلام بدرا بعدما * محقت بشاشته محاق هلال
ألبسته أيامك الغر التي * أيام غيرك عندهن ليالي
ومن غرر مدائحه في المعتصم القصيدة اللامية الآتي مختارها في أخباره
مع جماعة من الشعراء. والقصيدة التي أولها (غدا الملك معمور الحرا
والمنازل) المذكورة في اخباره مع عبد الله بن طاهر.
اخباره مع أحمد بن المعتصم
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في كتاب اخبار أبي تمام: حدثني
محمد بن أبي يحيى بن أبي عباد حدثني أبي قال شهدت أبا تمام ينشد أحمد بن
المعتصم قصيدته التي مدحه بها وذكر منها أربعة أبيات المطلع والذي بعده
وقوله أبليت هذا المجد والذي بعده.
وقال البديعي في هدية الأيام: قال ابن دحية في كتاب النبراس ان
أبا تمام مدح أحمد بن المعتصم بالله بقوله:
ما في وقوفك ساعة من باس * تقضي ذمام الأربع الأدراس
فلعل عينك أن تعين بمائها * والدمع منه خاذل ومواس
لا يسعد المشتاق وسنان الهوى * يبس المدامع بارد الأنفاس
ان المنازل ساورتها فرقة * أخلت من الآرام كل كناس
من كل ضاحكة الترائب أرهفت * إرهاف خوط البانة المياس
بدر أطاعت فيك بادرة النوى * خطأ وشمس أولعت بشماس
بكر إذا ابتسمت أراك وميضها * نور الأقاح برملة ميعاس
وإذا مشت تركت بقلبك ضعف ما * بحليها من كثرة الوسواس
قالت وقد حم الفراق فكأسه * قد خولط الساقي بها والحاسي
لا تنسين تلك العهود فإنما * سميت إنسانا لأنك ناس
إن الذي خلق الخلائق قاتها * أقواتها لتصرف الاحراس (1)
فالأرض معروف السماء قرى لها * وبنو الرجاء لهم بنو العباس
القوم ظل الله أسكن دينه * فيهم وهم جبل الملوك الراسي
في كل جوهرة فرند مشرق * وهم الفرند لهؤلاء الناس
هدأت على تأميل أحمد همتي * واطاف تقليدي به وقياسي
بالمجتبى والمصطفى والمشتري * للحمد والحالي به والكاسي
والحمد برد جمال اختالت به * غرر الفعال وليس برد لباس



(1) الأحراس جمع حرس كدهز وزنا ومعنى - المؤلف -
455
خلط الشهامة بالليان فأصبحت * عذاله بين الرجا والياس
فرع نما من هاشم في تربة * كان الكفئ لها من الأغراس
لا تهجر الأنواء منبتها ولا * قلب الثرى القاسي عليه بقاسي
وكان بينهما رضاع الثدي من * فرط التصابي أو رضاع الكاس
أبليت هذا المجد أبعد غاية * فيه وأكرم شيمة ونحاس (1)
اقدام عمرو (2) في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء أياس
فلما قال البيت الأخير قال له أبو يوسف يعقوب بن الصباح الكندي
الفيلسوف - وأراد الطعن عليه -: الأمير فوق من وصفت وزاد في رواية
النبراس: كيف تشبه ولد أمير المؤمنين باعراب اجلاف وهو أشرف منزلة
وأعظم محلة فاطرق قليلا وزاد في القصيدة بيتين لم يكونا فيها.
لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
فعجبنا من سرعته وفطنته قال صاحب النبراس واهتز ابن المعتصم
لذلك طربا وبهت له متعجبا ووقع له بالموصل. قال الصولي وقد روي هذا
الخبر على خلاف هذا وليس بشئ وهذا هو الصحيح (اه‍) أقول أراد
برواية الخبر على خلاف ما ذكره ما مر عن النبراس من أنه وقع له بالموصل
أو ما أشار اليه ابن خلكان في تاريخه بقوله ورأيت الناس يطبقون على أنه
مدح الخليفة بقصيدته السينية فلما انتهى فيها إلى قوله (اقدام عمرو) البيت
قال له الوزير أتشبه أمير المؤمنين بأجلاف العرب فاطرق ساعة ثم رفع
رأسه وقال (لا تنكروا ضربي له من دونه) البيتين فقال الوزير للخليفة أي
شئ طلبه فاعطه فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما لأنه قد ظهر في عينيه
الدم من شدة الفكرة وصاحب هذا لا يعيش إلا هذا القدر فقال له الخليفة
ما تشتهي قال أريد الموصل فأعطاه إياها فتوجه إليها وبقي هذه المدة ومات
قال ابن خلكان وهذه القصة لا صحة لها أصلا ثم نقل كلام الصولي
المتقدم وزاد فيه ولما اخذت القصيدة من يده لم يجدوا فيها هذين البيتين
فعجبوا من سرعته وفطنته ولما خرج قال أبو يوسف وكان فيلسوف العرب
هذا الفتى يموت قريبا ثم قال ابن خلكان وقد تتبعتها وحققت صورة ولايته
الموصل فلم أجد سوى ان الحسن بن وهب ولاه بريد الموصل فأقام
بها أقل من سنتين ثم مات بها قال والذي يدل على أن القصة
ليست صحيحة ان هذه القصيدة ما هي في أحد من الخلفاء بل مدح بها
أحمد بن المعتصم وقيل أحمد بن المأمون ولم يل واحد منهما الخلافة (اه‍)
والموجود في الديوان انه قالها في أحمد بن المعتصم. ثم قال ابن خلكان:
والحيص بيص ذكر في رقاعه السبع التي كتبها إلى الامام المسترشد يطلب منه
بعقوبا أن الموصل كانت إجازة لشاعر طائي فاما انه بنى الامر على ما قاله
الناس من غير تحقيق أو قصد أن يجعل هذا ذريعة لحصول بعقوبا له والله
أعلم وتابعه في الغلط ابن دحية في كتاب النبراس (اه‍) وفي هدية
الأيام: كونه بنى الأمر على ما قاله الناس من غير تحقيق بعيد ويمكن أن
يكون جعله ذريعة لحصول مطلوبه (اه‍) فقد حصل في المقام
اشتباهات (1) ان القصيدة في الخليفة مع أنها في أحمد بن المعتصم ولم يل
الخلافة (2) ان الوزير قال للخليفة اعطه ما طلبه فإنه لا يعيش أكثر من
أربعين يوما فولاه الموصل فان القصيدة لم تكن في الخليفة ليقول وزيره ذلك
ولم يل أبو تمام الموصل انما ولي بريدها من قبل الحسن بن وهب لا غيره
والذي قال إن هذا الفتى يموت قريبا هو الكندي لا وزير الخليفة قال ذلك
لما خرج أبو تمام من عند أحمد بن المعتصم. قال البديعي: والصحيح أن
أبا تمام لما خرج من عند ابن المعتصم بعد انشاد القصيدة قال الفيلسوف
الكندي هذا الفتى يموت قريبا لأن ذكاءه ينحث عمره كما يأكل السيف
الصقيل غمده (اه‍). وهذا معقول وممكن أن يعرفه الفيلسوف ظنا وتقريبا
وان كان يحتمل أن يكون من المبالغات التي تحصل عادة في مثل هذه
المقامات ممن حصل منه نادرة أو شئ غريب يزاد عليه ما يفوقه في الغرابة
ويأتي في أخباره مع ابن الزيات نظير هذه القصة ومن الاشتباهات في المقام
ما ذكره شارحو كتاب أخبار أبي تمام للصولي المطبوع بمصر من أن أحمد بن
المعتصم الممدوح بتلك القصيدة هو المستعين أحمد بن المعتصم محمد بن هارون
الرشيد وذلك لأن المستعين هو أحمد بن محمد بن المعتصم فهو حفيد المعتصم
لا ابنه لصلبه كما صرح به ابن الأثير ورد على ابن مسكويه في تجارب الأمم
الذي قال إن المستعين هو أخو المتوكل لأبيه بأنه ابن أخيه محمد بن المعتصم
لا أخو المتوكل وكأن منشأ الاشتباه أن المعتصم اسمه محمد وابنه والد
المستعين اسمه محمد وصرح ابن خلكان كما سمعت بأن أحمد بن المعتصم
وأحمد بن المأمون لم يل واحد منهما الخلافة كما صرح الصاحب بن عباد في
عنوان المعارف بان المستعين هو أحمد بن محمد بن أبي إسحاق وأبو إسحاق
هو المعتصم ثم لو كان المراد بأحمد بن المعتصم هو المستعين لصرح فيه بلقب
الخلافة ولم يقتصر على اسمه حتى لو كان مدحه له قبل أن يلي الخلافة ثم إن
المستعين متأخر عن عصر أبي تمام كثيرا فإنه قتل سنة 252 وزاد بعض من
ذكر هذه القصة أن أبا تمام قال استحضرت أشعار العرب فما وجدت فيها
مخرجا ثم اخذت في تعداد الأخبار والأحاديث فلم أجد شيئا ثم استقرأت
القرآن إلى سورة النور حتى وجدت هذا المثال فهذا قد احترقت أخلاطه
(اه‍). والصواب ان أصل القصة صحيحة ويدل عليها نفس البيتين فان
قوله لا تنكروا دليل على وقوع الإنكار وحمله على انكار مقدر بعيد وكفى
بذلك فضيلة له فان استحضار هذا الجواب ونظمه بهذين البيتين المنسجمين
غاية الانسجام في هذه المدة القصيرة فضيلة عظيمة أما استعراضه بفكرة
الأشعار والأحاديث والقرآن إلى سورة النور في هذه المدة القصيرة فأمر خارج
عن مقدور البشر ولو تناهوا في الذكاء والفطنة نعم يجوز ان يكون التفت
بفكره إلى الاشعار والأخبار فلم يخطر بباله ما يصلح أن يكون جوابا والتفت
بفكره إلى القرآن فخطرت بباله آية فنظمها هذا معقول ونظير هذه الواقعة في
سرعة فطنته وشدة ذكائه ما ذكره الصولي في أخبار أبي تمام فقال: يروي انه
عيب عليه قوله وقد أنشد هذه القصيدة التي فيها.
شاب رأسي وما رأيت مشيب الر * أس إلا من فضل شيب الفؤاد
فزاد فيها من لحظته
وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعيم طلائع الأجساد
وقال الصولي حدثني أحمد بن إسماعيل حدثني عبد الله بن الحسين
ولست أدري من عبد الله هذا قال سمعت أبا تمام ينشد أحمد بن المعتصم في
علة اعتلها.
أقلق جفن العينين عن غمضه * وشد هذا الحشا على مضضه
شجى بما عن للأمير أبي * العباس امسى نصبا لمعترضه
لواسع الباع رحبه واجب * الحق على العالمين مفترضه
من الألى نستجير من شرق الدهر * بهم إن ألم أو جرضه



(1) النحاس مثلثة الطبيعة - المؤلف -
(2) عمرو بن معر يكرب الزبيدي. - المؤلف -
456
صاغهم ذو الجلال من جوهر المجد * وصاع الأنام من عرضه
سهم من الملك لا يضيعه * باريه حتى يهتز في غرضه
قال الصولي وهذه من أحسن كناية في التقريض بالخلافة
صحته صحة الرجاء لنا * في حين ملتاثه ومنتقضه
فان يجد علة نعم بها * حتى كأنا نعاد من مرضه
فقال له أحمد بن المعتصم: ما أبين العلة عليك فقال إنها علة قلب
تميت الخاطر وتسد الناظر وتبلد الماهر (اه‍) وهذا الجواب من أحسن
الأجوبة.
اخباره مع أبي جعفر محمد بن عبد الملك بن أبي مروان الزيات وزير
المعتصم
وكان ابن الزيات في أول أمره من جملة الكتاب في خلافة المعتصم فورد
على المعتصم كتاب فيه ذكر الكلأ فسأل الوزير عنه فلم يعرفه فسأل ابن
الزيات عنه فقال الكلأ العشب على الاطلاق فإن كان رطبا فكذا وإذا يبس
فكذا فاستوزره المعتصم ثم استوزره الواثق ثم استوزره المتوكل فبقي أربعين
يوما ثم قتله واستصفى أمواله
قال ابن خلكان: ذكر الصولي أن أبا تمام لما مدح محمد بن عبد الملك
الزيات الوزير بقصيدته التي منها قوله:
ديمة سمحة القياد سكوب * مستغيث بها الثرى المكروب
لو سعت بقعة لاعظام نعمى * لسعى نحوها المكان الجديب
قال له ابن الزيات يا أبا تمام انك لتحلي شعرك من جواهر لفظك
وبديع معانيك ما يزيد حسنا على بهي الجواهر في أجياد الكواعب وما يدخر
لك شئ من جزيل المكافاة إلا ويقصر عن شعرك في الموازاة وكان بحضرته
فيلسوف فقال له إن هذا الفتى يموت شابا فقيل له ومن أين حكمت عليه
بذلك فقال رأيت فيه من الحدة والذكاء والفطنة مع لظافة الحسن وجودة
الخاطر ما علمت به ان النفس الروحانية تأكل جسمه كما يأكل السيف
المهند غمده وكذا كان لأنه مات وقد نيف على ثلاثين سنة قال ابن خلكان
وهذا يخالف تاريخ مولده ووفاته (اه‍) قلت لا مخالفة وذلك أنه ولد على
الأكثر سنة 192 وتوفي على الأقل سنة 228 فيكون عمره ستا وثلاثين سنة
ولكن يخشى أن يكون خبر هذا الفيلسوف كخبر الفيلسوف المتقدم عند ذكر
مدحه لأحمد بن المعتصم والله أعلم ويأتي أول القصيدة في الصفات وتمام
القصيدة هو هذا.
أيها الغيث حي أهلا بمغداك * وعند السرى وحين تئوب
لأبي جعفر خلائق يحكيهن * قد يشبه النجيب النجيب
أنت فينا في ذا الأوان غريب * وهو فينا في كل وقت غريب
فإذا الخطب طال نال الندى * والبذل منه ما لا تنال الخطوب
خلق مشرق ورأي حسام * ووداد عذب وريح جنوب
كل يوم له وكل أوان * خلق ضاحك ومال كئيب
إن تقاربه أو تباعده ما لم * تأت فحشاء فهو منك قريب
ما التقى وفره ونائله مذ * كان إلا وفره المغلوب
فهو مدن للجود وهو بغيض * وهو مقص للمال وهو حبيب
يأخذ المعتفين قسرا ولو كفف * دعاهم اليه واد خصيب
غير أن الرامي المسدد يحتاط * مع العلم انه سيصيب
وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني محمد بن موسى: سمعت
الحسن بن وهب يقول: دخل أبو تمام على محمد بن عبد الملك - الزيات -
فأنشده قصيدته التي أولها:
لهان علينا أن نقول وتفعلا * ونذكر بعض الفضل منك وتفضلا
فلما بلغ إلى قوله.
وجدناك أندى من رجال أناملا * وأحسن في الحاجات وجها وأجملا
تضئ إذا اسود الزمان وبعضهم * يرى الموت ان ينهل أو يتهللا
ووالله ما آتيك إلا فريضة * وآتي جميع الناس إلا تنفلا
وليس امرؤ في الناس كنت سلاحه * عشية يلقى الحادثات بأعزلا
فقال له محمد والله ما أحب بمدحك مدح غيرك لتجويدك وابداعك
ولكنك تنغص مدحك ببذله لغير مستحقه فقال لسان الغدر معقول وإن
كان فصيحا ومر في القصيدة فأمر له بخمسة آلاف درهم وكتب إلى أبي تمام
بعد ذلك.
رأيتك سمح البيع سهلا وإنما * يغالي إذا ما ضن بالبيع بائعه
فاما الذي (إذا) هانت بضائع ماله (بيعه) * فيوشك ان تبقى عليه بضائعه
هو المال إن أجمحته طاب ورده * ويفسد منه إن تباح شرائعه
وروى أبو الفرج في الأغاني هذا الخبر في ترجمة محمد عن الصولي ثم
قال بعد ذكر ابيات محمد فأجابه أبو تمام وقال.
أبا جعفر ان كنت أصبحت شاعرا * أسامح (أساهل) في بيعي له من أبايعه
فقد كنت قبلي شاعرا تاجرا به (1) * تساهل من عادت (2) عليك منافعه
فصرت وزيرا والوزارة مكرع (3) * يغص به بعد اللذاذة كارعه
وكم من وزير قد رأينا مسلط * فعاد وقد سدت عليه مطالعه
ولله قوس لا تطيش سهامها * ولله سيف لا تفل مقاطعه
وقال أبو تمام يمدح ابن الزيات بقصيدة هي من عيون الشعر وغرره
ومن مختارها قوله.
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل * وقلبك منها مدة الدهر آهل
ليالي أضللت العزاء وخذلت * بعقلك أرام الخدور العقائل
من الهيف لو أن الخلاخل صيرت * لها وشحا جالت عليها الخلاخل
مها الوحش الا ان هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
هوى كان خلسا إن من أحسن الهوى * هوى جلت في افيائه وهو خامل
أبا جعفر لذ الجهالة أمها * ولود وأم العلم جداء حائل
وأنت شهاب في الملمات ثاقب * وسيف إذا ما هزك الحق فاصل
من البيض لم تنض الأكف كنصله * ولا حملت مثلا اليه الحمائل
ثم قال مشيرا إلى الملك.
جمعت عرى أعماله بعد فرقة * إليك كما ضم الأنابيب عامل
ثم ذكر أبياتا في وصف القلم تأتي في الصفات وهي من أحسن ما
وصف به ثم قال:
أرى ابن أبي مروان اما عطاؤه * فطام واما حكمه فهو عادل
هو المرء لا الشورى استبدت برأيه * ولا قبضت من راحتيه العواذل



(1) ذا رواية (2) هانت (3) مشرب.
457
ترى حبله عريان من كل غدرة * إذا نصبت تحت الحبال الحبائل
ثم أشار إلى مدح الخليفة بمدح أعلى من مدحه جريا على أساليب
الشعراء فقال:
أبا جعفر إن الخليفة إن يكن * لو أردنا بحرا فإنك ساحل
ثم اخذ في استعطاف ابن الزيات واسترضائه فقال:
تقطعت الأسباب إن لم تغر (1) * لها قوى ويصلها من يمينك واصل
وقد تالف العين الدجى وهو قيدها * ويرجى شفاء السم والسم قاتل
ولي همة تنضي العصور وإنها * كعهدك من أيام مصر لحامل
وإن جزيلات الصنائع لامرئ * إذا ما الليالي ناكرته معاقل
وإن المعالي يسترم بناؤها * وشيكا كما قد تسترم المنازل
ولو حاردت شول عذرت لقاحها * ولكن حرمت الدر والدر حافل
أكابرنا عطفا علينا فإننا * بنا ظما برح وأنتم مناهل
ثم قال في وصف القصيدة
منحتكها تشفي الجوى وهو لاعج * وتبعث أشجان الفتى وهو ذاهل
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل
فكيف إذا حليتها بحليها * تكون - وهذا حسنها وهي عاطل -
قال البديعي في هدية الأيام لما أنشده أبو تمام هذه القصيدة استحيا
محمد بن عبد الملك من عتابه واحتج عليه بأنه مدح غيره وانه لو اقتصر
عليه أغناه وأن كثرة مدحه للناس زهدته فيه وكتب اليه (رأيتك سمح
البيع) الأبيات الثلاثة السابقة فكتب اليه أبو تمام (أبا جعفر) إلى آخر
الأبيات الخمسة السابقة.
وفي أخبار أبي تمام للصولي وجدت بخط أحمد بن إسماعيل بن
الخطيب ان محمد بن عبد الملك أوصل إلى الواثق قصيدة لأبي تمام يمدحه بها
أولها:
وأبي المنازل إنها لشجون * وعلى العجومة إنها لتبين
فقرئت عليه فلما بلغ إلى قوله:
جاءتك من نظم اللسان قلادة * سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
حذيت حذاء الحضرمية أرهفت * وأجابها التخصير والتلسين (2)
انسية وحشية كثرت بها * حركات أهل الأرض وهي سكون
اما المعاني فهي ابكار إذا * نصت ولكن القوافي عون
احذاكها صنع الضمير يمده * جفر إذا نضب الكلام معين
ويسئ بالاحسان ظنا لا كمن * هو بابنه وبشعره مفتون
يرمي بهمته إليك وهمه * امل له أبدا عليك حرون
ولعل ما يرجوه مما لم يكن * بك عاجلا أو آجلا سيكون
فقال ادفع إليه مائتي دينار فقال محمد (ابن عبد الملك الزيات) انه
قوي الأمل واسع الشكر قال فأضعفها له قال وقد روينا من غير هذه الجهة
انه امر له بمائة ألف درهم (اه‍) ومن مدائح أبي تمام في ابن الزيات قوله
من قصيدة.
خفت دموعك في اثر الحبيب لدن * خفت من الكثب القضبان والكتب
من كل ممكورة ذاب النعيم لها * ذوب الغمام فمنهل ومنسكب
أطاعها الحسن وانحط الشباب على * قوامها وجرت في وصفها النسب
لم أنسها وصروف البين تظلمها * ولا معول إلا الواكف السرب
أدنت نقابا على الخدين وانتسبت * للناظرين بقد ليس ينتقب
ولو تبسم عجنا الطرف في برد * وفي اقاح سقتها الخمر والضرب
من شكله الدر في رصف النظام وفي * صفائه الفتنتان الظلم والشنب
كانت لنا ملعبا نلهو بزخرفه * وقد ينفس عن جد الفتى اللعب
وعاذل هاج لي باللوم مأربة * باتت عليها هموم النفس تصطخب
لما أطال ارتجال العذل قلت له * الحزم يثني خطوب الدهر لا الخطب
لم يجتمع قط في مصر ولا طرف * محمد بن أبي مروان والنوب
أمت نداه أبي العيس التي شهدت * لها السرى والفيافي انها نجب
هم سرى ثم أضحى همة أمما * أضحت رجاء وأمست وهي لي نشب
اعطى ونطفة وجهي في قرارتها * تصونها الوجنات الغضة القشب
لا يكرم الظفر المعطى وان أخذت * به الرغائب حتى يكرم الطلب
ردء الخلافة في الجلى إذا نزلت * وقيم الدين لا الواني ولا الوصب
جفن يعاف لذيذ النوم ناظره * شجى عليها وقلب حولها يجب
حتى إذا ما انتضى التدبير ثاب له * جيش يصارع عنه ماله لجب
شعارها اسمك ان عدت محاسنها * إذ اسم حاسدك الأدنى لها لقب
وزير حق ووالي شرطة ورجا * ديوان ملك وشيعي ومحتسب
ثبت الخطاب إذا اصطكت بمظلمة * في رجله السن الأقوام والركب
لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه * يوما ولا حجة الملهوف تستلب
كأنما هو في نادي قبيلته * لا القلب يهفو ولا الأحشاء تضطرب
وتحت ذاك قضاء حز شفرته * كما يعض بأعلى الغارب القتب
لا سورة تتقى منه ولا بله * ولا يحيف رضى منه ولا غضب
يعشو إليك وضوء الرأي قائده * خليفة إنما آراؤه شهب
إن تلق من دونه حجب مكرمة * يوما فقد ألقيت من دونك الحجب
والصبح تخلف نور الشمس غرته * وقرنها من وراء الأفق محتجب
أما القوافي فقد حصنت غرتها * فما يصاب دم منها ولا سلب
ولو عضلت عن الأكفاء أيمها * ولم يكن لك في إظهارها إرب
كانت بنات نصيب حين ضن بها * على الموالي ولم تحفل بها العرب
لو أن دجلة لم تحوج وأنجدها * ماء العراقين لم تحفر بها القلب
لم ينتدب عمر للإبل يجعل من * جلودها النقد حتى عزه الذهب
لي حرمة بك لولا ما رعيت وما * أوجبت من حفظها ما خلتها تجب
بلى لقد سلفت في جاهليتهم * للحق ليس كحقي نصرة عجب
إن تعلق الدلو بالدلو الغريبة أو * يلابس الطنب المستحصد الطنب
ان الخليفة قد عزت بدولته * دعائم الملك فليعزز بك الأدب
اخباره مع أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري الحميدي الغزواني الطائي
كان أبو سعيد هذا من الشجعان ومن القواد في دولة المعتصم وحارب
بابك الخرمي الذي عصى على المعتصم واستفحل امره حاربه عدة مرات
وكان أبو سعيد طائيا، ولأبي تمام به علاقة النسب وعاطفة القرابة وقد مدحه
أبو تمام بقصائد كثيرة موجودة في ديوانه أجاد في جميعها غاية الإجادة وأشار
فيها إلى حروبه مع بابك وغيره. وأخذ جوائز أبي سعيد وأشار في بعضها إلى
علاقة النسب التي تربطه بأبي سعيد بقوله كما يأتي.



(1) من أغر إذا شد الفتل. - المؤلف -
(2) قال التبريزي في الشرح يعني بالحضرمية النعال نسبها إلى حضرموت يقال نعل مخصرة إذا كان
لها خصران وملسنة إذا كانت تستدق من طرفها الذي يلي الأصابع وكانوا يمدحون من يلبس
مخصر النعال (اه‍). - المؤلف -
458
ومن برج معروف البعيد فإنما * يدي عولت في النائبات على يدي
وأشار في بعضها إلى شدة عطف أبي سعيد عليه وبره له فقال:
هذا محمد الذي لم انتصف * الا به من نائبات زماني
في اخبار أبي تمام للصولي: حدثني عبد الله بن الحسين بن سعد
حدثني البحتري قال أبو سعيد الثغري طائي من أهل مرو وكان من قواد
حميد الطوسي ومن أول شعر مدحه به أبو تمام قوله (من سجايا الطلول أن
لا تجيبا) وقال وما أخذ أبو تمام من أحد كما اخذ منه ليس انه كان يكثر له
ولكن كان يديم ما يعطيه (اه‍) والقصيدة المشار إليها في مدح أبي سعيد
هذا مختارها.
من سجايا الطول أن لا تجيبا * فصواب من مقلتي أن تصوبا
فاسألنها واجعل بكاك جوابا * تجد الدمع سائلا ومجيبا
قد عهدنا الرسوم وهي عكاظ * للصبا تزدهيك حسنا وطيبا
أكثر الأرض زائرا ومزورا * وصعودا من الهوى وصبوبا
وكعابا كأنما ألبستها * غفلات الشباب بردا قشيبا
بين البين فقدها قل ما * تعرف فقدا للشمس حتى تغيبا
كل يوم تبدي صروف الليالي * خلقا من أبي سعيد عجيبا
طاب فيه المديح والتذ حتى * فاق وصف الديار والتشبيبا
لو يفاجى ذكر المديح كثيرا * بمعانيه خالهن نسيبا
وصليب القناة والرأي والاسلام * سائل بذاك عنه الصليبا
وعر الدين بالجلاد ولكن * وعور العدو صارت سهوبا
فدروب الاشراك تدعى فضاء * وفضاء الاسلام يدعى دروبا
قد رأوه وهو القريب بعيدا * ورأوه وهو البعيد قريبا
لقد انصعت والشتاء له وجه * يراه الرجال جهما قطوبا
طاعنا منحر الشمال متيحا * لبلاد العدو موتا جنوبا
في ليال تكاد تبقي بخد الشمس * من ريحها البليل شحوبا
فضربت الشتاء في اخدعيه * ضربة غادرته عودا ركوبا
لو أصخنا من بعدها لسمعنا * لقلوب الأيام منك وجيبا
فرأوا قشعم السياسة قد ثقف * من جنده القنا والقلوبا
حية الليل يشمس الحزم منه * ان أرادت شمس النهار غروبا
يوم فتح سقى اسود الضواحي * كثب (1) الموت رائبا وحليبا
فإذا ما الأيام أصبحن خرسا * كظما في الفخار قام خطيبا
كان داء الاشراك سيفك واشتدت شكاة الهدى فكنت طبيبا
انضرت ايكتي عطاياك حتى * صار ساقا عودي وكان قضيبا
ممطرا لي بالجاه والمال ما * ألقاك إلا مستوهبا أو وهوبا
باسطا بالندى سحائب كف * بنداها أمسى حبيب حبيبا
وقال الصولي حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن الوليد حدثني أبو أحمد
محمد بن موسى بن حماد البربري حدثني صالح بن محمد الهاشمي قال
دخلت على أبي سعيد الثغري فأخرج لي كتابا من أبي تمام اليه ففتحه فإذا
فيه:
إني أتتني من لدنك صحيفة غلبت هموم الصدر (النفس) وهي غوالب
وطلبت ودي والتنائف بيننا * فنداك مطلوب ومجدك طالب
فلتلقينك حيث كنت قصائد * فيها لأهل المكرمات مآرب
فكأنما هي في السماع جنادل * وكأنما هي في القلوب كواكب
وغرائب تأتيك إلا انها * لصنيعك الحسن الجميل أقارب
نعم إذا رعيت بشكر لم تزل * نعما وان لم ترع فهي مصائب
كثرت خطايا الدهر في وقد يرى * بنداك وهو إلي منها تائب
وتتابعت أيامه و شهوره * عصبا يغرن كأنهن مقانب
من نكبة محفوفة بمصيبة * جب السنام لها وجذ الغارب
أو لوعة منتوجة من فرقة * حق الدموع علي فيها واجب
وولهت مذ زمت ركابك * للنوى فكأنني مذ غبت عني غائب
ثم قال لي كتبت إلى أبي تمام كتابا وقرنته ببر له فجعل جوابه هذا
الشعر ولم يخاطبني بحرف سواه وقال حدثني عون بن محمد قال قدم على أبي
تمام رجل من اخوانه وكان قد بلغه انه قد أفاد واثرى فجاءه يستميحه فقال
له أبو تمام لو جمعت ما آخذ ما احتجت إلى أحد ولكني آخذ وانفق وسأحتال
لك فكتب إلى أبي سعيد بقصيدة منها:
قل للأمير الأريحي الذي * كفاه للبادي وللحاضر
لا زلت من شكري في حلة * لابسها ذو سلب فاخر
يقول من تقرع أسماعه * كم ترك الأول للآخر
لي صاحب قد كان لي مؤنسا * ومألفا في الزمن الغابر
تحمل منه العيس أعجوبة * تجدد السخري للساخر
ذا ثروة يطلب من سائل * ومفحما يأخذ من شاعر
فصادفت مالي باقباله * منية من أمل عاثر
فشارك المقمور فيه ولا * تكن شريك الرجل القامر
فرفدك الزائر مجد ولا * كرفدك الزائر للزائر.
فوجه لأبي تمام بثلاث مائة دينار وللزائر بمائتي دينار فأعطاه أبو تمام
خمسين دينارا حتى شاطره (اه‍) ومن مدائح أبي تمام لأبي سعيد محمد بن
يوسف الثغري قوله من قصيدة.
أما انه لو الخليط المودع * وربع عفا منه مصيف ومريع
لردت على أعقابها أريحية * من الشوق واديها من الدمع مترع
لحقنا بأخراهم وقد حوم الهوى * قلوبا عهدنا طيرها وهي وقع
فردت علينا الشمس والليل راغم * بشمس بدت من جانب الخدر تطلع
نضا ضوؤها صبغ الدجنة وانطوى * لبهجتها ثوب السماء (الظلام) المجزع
فوالله ما أدري أأحلام نائم * ألمت بنا أم كان في الراكب يوشع
وعهدي بها تحيي الهوى وتميته * وتشعب أعشار القلوب وتصدع
واقرع بالعتبى حميا عتابها * وقد تستقيد الراح حين تشعشع
وتقفو لي الجدوى بجدوى وانما * يروقك بيت الشعر حين يصرع
لقد آسف الأعداء مجد ابن يوسف * وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع
هو السيل إن واجهته انقدت طوعه * وتقتاده من جانبيه فيتبع
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا * ولم أر ضرا عند من ليس ينفع
ممر له من نفسه بعض نفسه * وسائرها للحمد والأجر أجمع
ويوم يظل العز يحفظ وسطه * بسمر العوالي والنفوس تضيع
واسمر محمر العوالي يؤمه * سنان بحبات القلوب ممتع
من اللاء يشربن النجيع من الكلي * غريضا ويروي غيرهن فينقع
أظلتك آمالي وفي البطش قوة * وفي السهم تسديد وفي القوس منزع



(1) الكثب جمع كثبة وهو ملء القدح من اللبن - المؤلف -
459
وكم عاثر منا أخذت بضبعه * فأضحى له في قلة المجد مطلع
فدونكها لولا ليان نسيبها * لظلت صلاب الصخر منها تصدع
لها أخوات قبلها قد سمعتها * وإن لم ترع بي مدتي فستسمع
ومن مختار شعر أبي تمام في أبي سعيد قوله:
أبا سعيد وما وصفي بمتهم * على المعالي وما شكري بمخترم
لئن جحدتك ما أوليت من حسن * اني لفي اللؤم أحظى منك في الكرم
أمسى ابتسامك والألوان كاسفة * تبسم الصبح في داج من الظلم
كذا أخوك الندى لو أنه بشر * لم يلف طرفة عين غير مبتسم
رددت رونق وجهي في صحيفته * رد الصقال بهاء الصارم الخذم
وما أبالي وخير القول أصدقه * حقنت لي ماء وجهي أو حقنت دمي
ومن قوله فيه:
فتى فيصلي العزم تعلم أنه * نشا رأيه بين السيوف الصوارم
إذا سار فيه الظن كان بكل ما * تؤمل من جدواه أول قائم
أساءت يداه عشرة المال بالندى * وأحسنتا فينا خلافة حاتم
ومن عيون الشعر قول أبي تمام يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف
الثغري ويصف وقعته بالخرمية من قصيدة.
أبى فلا شنبا يهوى ولا فلجا * ولا احورارا يراعيه ولا دعجا
كفي فقد فرجت عنه عزيمته * ذاك الولوع وذاك الشوق فانفرجا
كانت حوادث في موقان ما تركت * للخرمية لا رأسا ولا ثبجا
تهضمت كل قرم كان مهتضما * وفتحت كل باب كان مرتتجا
لما قرا الناس ذاك الفتح قلت لهم * وقائع حدثوا عنها ولا حرجا
أضاء سيفك لما اجتث أصلهم * ما كان من جانبي تلك البلاد دجا
من بعدما غودرت أسد العرين به * يتبعن قسرا رعاع الفتنة الهمجا
لا تعد من بنو نبهان قاطبة * مشاهدا لك أمست في العلى سرجا
ان كان يأرج ذكر من براعته * فان ذكرك في الآفاق قد أرجا
ويوم أرشق والآمال مرشقة * إليك لا تبتغى عنك منعرجا
أرضعتهم خلف مكروه فطمت به * من كان بالحرب منهم قبله لهجا
لله أيامك اللاتي أغرت بها * ضفر الهدى وقديما كان قد مرجا
كانت على الدين كالساعات من قصر * وعدها بابك من طولها حججا
عادت كتائبه لما قصدت لها ضحا ضحا ولقد كانت ترى لججا
لما أبوا حجج القرآن واضحة * كانت سيوفك في هاماتهم حججا
وأقبلت فحمة جاواء ليس ترى * في نظم فرسانها أمتا ولا عوجا
إذا علا رهج جلت صوارمها * والذبل السمر منها ذلك الرهجا
بيض وسمر إذا ما غمرة زخرت * للموت خضت بها الأرواح والمهجا
نزالة نفس من لاقت ولا سيما * إن صادفت ثغرة أو صادفت ودجا
رأي الحميدين ألقحت الأمور به * من ألقح الرأي في يوم الوغى نتجا
لو عايناك لقالا بهجة جذلا * أبرحت أيسر ما في العرق أن يشجا
أخطت بالحزم حيز وما أخاهمم * كشاف طخياء لا ضيقا ولا حرجا
سموا حسامك والهيجاء مضرمة * كرب العداة وسموا رأيك الفرجا
ان ينج منك أبو نصر فعن قدر * تنجو الرجال ولكن سله كيف نجا
وشزب مضمرات طالما خرقت * من القتام الذي كان الوغى نسجا
ويوم سفيين يوم الروع تحسبهم * هوجا وما عرفوا أفنا ولا هوجا
لو أن فعلك أمسى صورة لثوى * بدر الدجى أبدا من حسنها سمجا
ومن جيد شعر أبي تمام في أبي سعيد قوله من أبيات
ولقد أتيتك صاديا فكرعت في * شيم ألذ من الزلال البارد
فمهدت لاسمك منزلا ومحلة * في الشعر بين شوارد وشواهد
فهو المراح لكل معنى عازب * وهو العقال لكل بيت شارد
ومن قوله في أبي سعيد.
محرمة اكفال خيلك في الوغى * ومكلومة لباتها ونحورها
حرام على أرماحنا طعن مدبر * وتندق في أعلى الصدور صدورها
ومن غرر مدائحه في أبي سعيد قوله يمدحه ويصف ايقاعه ببابك
الخرمي من قصيدة.
يا بعد غاية دمع العين إن بعدوا * هي الصبابة طول الدهر والسهد
قالوا الرحيل غدا لا شك قلت لهم * الآن أيقنت ان اسم الحمام غد
كم من دم يعجز الجيش اللهام إذا * بانوا ستحكم فيه العرمس الأجد
كأنما البين من الحاحه أبدا * على النفوس أخ للموت أو ولد
تداو من شوقك الأقصى بما فعلت * خيل ابن يوسف والابطال تطرد
ذاك السرور الذي آلت بشاشته * أن لا يجاورها في مهجة كمد
في موقف وقف الموت الذعاف به * فالمجد يوجد والأرواح تفتقد
في حيث لا مرتع البيض الرقاق إذا * اصلتن جدب ولا ورد القنا ثمد
مستصحبا نية قد طال ما ضمنت * لك الخطوب فأوفت بالذي تعد
ورحب صدر لو أن الأرض واسعة * كوسعه لم يضق عن أهله بلد
صدعت جريتهم في عصبة قلل * قد صرح الماء عنها وانجلى الزبد
من كل أروع ترتاع المنون له * إذا تجرد لا نكس ولا جحد
يكاد حين يلاقي القرن من حنق * قبل السنان على حوبائه يرد
قلوا ولكنهم طابوا فأنجدهم * جيش من الصبر لا يحصى له عدد
نأوا عن الصرخ الأدنى فليس لهم * إلا السيوف على أعدائهم مدد
ولى معاوية عنهم وقد اخذت * فيه القنا فأبى المقدار والأمد
نجاك في الروع ما نجا سميك في * صفين والخيل بالفرسان تنجرد
ان تنفلت وأنوف الموت راغمة * فاذهب فأنت طليق الركض بالبد
لا خلق أربط جاشا منك يوم ترى * أبا سعيد ولم يبطش بك الزؤد (1)
أما وقد عشت يوما بعد رؤيته * فافخر فإنك أنت الفارس النجد
لو عاين الأسد الضرغام صورته * ما ليم ان ظن رعبا انه الأسد
لا يوم أكثر منه منظرا حسنا * والمشرفية في هاماتهم تخد
كأنها وهي في الأوداج والغة * وفي الكلى تجد الغيظ الذي تجد
من كل ازرق نظار بلا نظر * إلى المقاتل ما في متنه إود
كأنه كان ترب الحب مذ زمن * فليس يعجزه قلب ولا كبد
تركت منهم سبيل النار سابلة * في كل يوم إليها عصبة تفد
وهارب ودخيل الروع يجلبه * إلى المنون كما يستجلب النقد (2)
كأنما نفسه من طول حيرتها * منها على نفسه يوم الوغى رصد
يوم به أخذ الايمان زينته * بأسرها واكتسى فخرا به الأبد
يوم يجئ إذا قام الحساب ولم * يذممه بدر ولم يفضح به أحد
وأهل موقان إذ ماقوا فلا وزر * أنجاهم منك في الهيجا ولا سند
لم تبق مشركة إلا وقد علمت * ان لم تنب انه للسيف ما تلد



(1) (الزؤد) بضمتين الفزع
(2) (النقد) صغار الغنم - المؤلف -
460
لكن ندبت لهم رأي ابن محصنة * يخاله السيف سيفا حين يجتهد
وقائع عذبت أنباؤها وحلت * حتى لقد صار مهجورا لها الشهد
ان ابن يوسف نجى الثغر من سنة * أعوام يوسف عيش عندها رغد
فافخر فما من سماء للعلى رفعت * إلا وأفعالك الحسنى لها عمد
واعذر حسودك فيما قد خصصت به * ان العلى حسن في مثلها الحسد
وقال يمدحه ويذكر هذه الوقعة أيضا من قصيدة:
غدت تستجير الدمع خوف نوى غد * وعاد قتادا عندها كل مرقد
فاجرى لها الاشفاق دمعا موردا * من الدم يجري فوق خد مورد
هي البدر يغنيها تودد وجهها * إلى كل من لاقت وان لم تودد
ولكنني لم أحو وفرا مجمعا * ففزت به الا بشمل مبدد
ولم تعطني الأيام نوما مسكنا * ألذ به إلا بنوم مشرد
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدد
فاني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس ان ليست عليهم بسرمد
حلفت برب البيض تدمى متونها * ورب القنا المناد والمتقصد
لقد كف سيف الصامتي محمد * تباريح ثأر الصامتي محمد
رمى الله منه بابكا وجيوشه * بقاصمة الأصلاب في كل مشهد
باسمح من صوب الغمام سماحة * وأشجع من صرف الزمان وانجد
فتى يوم بذا الخرمية لم يكن * بهيابة نكس ولا بمعرد
قفا سندبايا والمنايا مشيحة * تهدى إلى الروح الخفي فتهتدي
عدا الليل فيها عن معاوية الردى * وما شك ريب الدهر في أنه ردي
فان يكن المقدار فيه مفندا * فما هو في أشياعه بمفند
وفي ارشق الهيجاء والخيل ترتمي * بأبطالها في جاحم متوقد
عططت على رغم العدى عزم بابك * بعزمك عط الأتحمي (1) المعضد (2)
فان لا يكن ولى بشلو مقدد * هناك فقد ولى بعزم مقدد
حططت بها يوم العروبة عزه * وكان مقيما بين نسر وفرقد
رآك سديد الرأي والرمح في الوغى * تأزر بالاقدام فيه وترتدي
وليس يجلي الكرب رمح مسدد * إذا هو لم يؤنس برأي مسدد
فمر مطيعا للعوالي معودا * من الخوف والاحجام ما لم يعود
وكان هو الجلد القوى فسلبته * بحسن الجلاد المحض حسن التجلد
وللكذج (3) العليا سمت بك همة * طموح يروح النصر فيها ويغتدي
وقد خزمت بالذل انف ابن خازم * وأعيت صياصيها يزيد بن مزيد
فقيدت بالاقدام مطلق بأسهم * واطلقت فيهم كل حتف مقيد
أفادتك منها المرهفات مكارما * تعمر عمر الدهر إن لم تخلد
فيا جولة لا تجحديه وقاره * ويا سيف لا تكفر ويا ظلمة اشهدي
ويا ليل لو اني مكانك بعدها * لما بت في الدنيا بنوم مسهد
وقائع أصل النصر فيها وفرعه * إذا عدد الاحسان أو لم يعدد
محاسن أصناف المغنين جمة * وما قصبات السبق إلا لمعبد
جلوت الدجى عن أذربيجان بعدما * تردت بلون كالغمامة أربد
وكانت وليس الصبح فيها بأبيض * فأمست وليس الليل فيها بأسود
رأى بابك منك التي طلعت له * بنحس وللدين الحنيف بأسعد
هززت له سيفا من الكيد انما * تجذ به الأعناق ما لم يجرد
يسر الذي يسطو به وهو مغمد * ويفضح من يسطو به غير مغمد
وأني لأرجو ان تقلد جيده * قلادة مصقول الذباب مهند
إليك هتكنا جنح ليل كأنه * قد أكحلت منه البلاد بأثمد
تخب بنا أدم المهاري وشيمها * على كل نشز مثلئب وقدقد
تقلب في الآفاق صلا كأنما * يقلب في فكيه شقة مبرد
أتيتك لم أفزع إلى غير مفزع * ولم انشد الحاجات في غير منشد
ومن يرج معروف البعيد فإنما * يدي عولت في النائبات على يدي
وقال يمدحه أيضا من قصيدة ويذكر حربه مع بابك وفرار بابك
أظن دموعها سنن الفريد * وهي سلكاه من نحر وجيد
لها من لوعة البين التدام * تعيد بنفسجا ورد الخدود
بأرض البذ في خيشوم حرب * عقيم من وشيك ردى ولود
ترى قسماتنا تسود فيها * وما أخلاقنا فيها بسود
تقاسمنا بها الجرد المذاكي * سجال الكره والدأب العتيد
فنمسي في سوابغ محكمات * وتمسي في السروج وفي اللبود
حذوتاها الوجى والأين حتى * تجاوزت الركوع إلى السجود
إذا خرجت من الغمرات قلنا * خرجت حبائسا ان لم تعودي
فكم من سؤدد أمكنت منه * برمته على أن لم تسودي
أهانك للطراد ولن تهوني * عليه وللقياد أبو سعيد
بلادك فكنت ارشية الأماني * وبرد مسافة المجد البعيد
فتى هز القنا فحوى سناء * بها لا بالأحاظي والجدود
قضى من سندبايا كل نجب * وارشق والسيوف من الشهود
رآه العلج مقتحما عليه * كما اقتحم الفناء على الخلود
فمر ولو يجاري الريح خيلت * لديه الريح ترسف في القيود
شهدت لقد اوى الاسلام منه * غداتئذ إلى ركن شديد
كأنهم معاشر أهلكوا من * بقايا قوم عاد أو ثمود
وكم سرق الدجى من حسن صبر * وغطى من جلاد فتى جليد
قسمناهم فشطر للعوالي * وشطر في لظى حر الوقود
ويوم انصاع بابك مستمرا * مباح العقر مجتاح العديد
أقول لسائلي بأبي سعيد * كأن لم يشفه خبر القصيد
لبست سواه أقواما فكانوا * كما أغنى التيمم بالصعيد
فتى أحيا نداه بعد يأس * لنا الميتين من بأس وجود
وقال يمدحه على مثل الروي والقافية والمعنى من قصيدة:
حمته فاحتمى طعم الهجود * غداة رمته بالطرف الصيود
أبت الا النوى بعد اقتراب * والا هجر ذي مقة ودود
رأت ان الفراق أمر طعما * وأقرح للقلوب من الصدود
فزمت للرحيل مخيسات * يصلن بها الذميل إلى الوخيد
ولا ذنب سوى شكوى إليها * كما يشكو العميد إلى العميد
كأن الدمع ينثره نظام * على تلك المحاجر والخدود
تريدين المزيد وليس عندي * وراء محل حبك من مزيد
أما وأبي الرجاء لقد ركبنا * مطايا الدهر من بيض وسود
إذا انبعثت على أمل بعيد * فقد أدنت من الأمل البعيد
أبين فما يزرن سوى كريم * وحسبك ان يزرن أبا سعيد



(1) الاتحمي برد معرف
(2) المعضد الثوب الذي له علم في موضع العضد - المؤلف -
(3) الكذج نحركة المأوى وكان يمكنه ابداله بالرتبة - المؤلف -
461
أفتى لا يستظل غداة حرب * إلى غير الأسنة والبنود
أباح المال أعناق المعالي * فاجحف بالطريف وبالتليد
أخو الحرب العوان إذا أدارت * رحاها بالجنود على الجنود
أليس بارشق كنت المحامي * عن الاسلام ذا بأس شديد
رآك الخرمي عليه نارا * تلهب غير خامدة الوقود
دلفت لهم بأبناء المنايا * على العقبان في خلق الأسود
مشت خببا سيوفك في طلاهم * ولم يك مشيها مشي الوئيد
سيوف عودت سقيا دماء * بهامة كل جبار عنيد
سقطت ببابك فانحط لما * رأى أجل الشقي مع السعيد
وما ان زلت تؤنسه بوعد * وتوحشه بانذار الوعيد
فطورا تجلب الدنيا عليه * بخيل في السروج وفي اللبود
وطورا تستثير عليه رأيا * كحد السيف في حبل الوريد
تمثل نصب عينيه المنايا * فيرغب في القيام وفي القعود
وما شئ من الأشياء أقضى * على المهجات من رأي سديد
فما ندري أحدك كان أمضى * غداة البذ أم حد الحديد
لئن طلعت نجومهم بنحس * لقد طلعت نجومك بالسعود
فلو أبقى الندى والباس حيا * لخص أبو سعيد بالخلود
وقال يمدحه أيضا ويذكر بعض وقائعه مع بابك الخرمي.
سيرت فيك مدائحا فتركتها * غررا تروح بها الرواة وتغتدي
مالي إذا مارضت فيك غريبة * جاءت مجئ نجيبة في مقود
وإذا أردت بها سواك فرضتها * واقتدتها بثنائه لم تنقد
ما ذاك الا ان زندك لم يكن * في كف قادحه بزند مصلد
ولجئت منك إلى ابن ملك انبأت * عنه خلائقه بطيب المحتد
ويقول والشرف المنيف يحفه * لا خير في شرف إذا لم أحمد
والله يشكر والخليفة موقفا * لك شائعا بالبذ صعب المشهد
يا فارس الاسلام أنت حميته * وكفيته كلب العدو المعتدي
لو أن هرثمة بن أعين في الورى * حي وعاين فضله لم يجحد
غادرت طلحة في الغبار وحاتما * وابان حسرى عن مداك الأبعد
وطلعت في درج العلى حتى إذا * جئت النجوم نزلت فوق الفرقد
زرت الخليفة زورة ميمونة * مذكورة قطعت رجاء الحسد
يتنفسون فتنثني لهواتهم من جمرة * الحسد التي لم تبرد
نفسوك فالتمسوا نداك فحاولوا * جبلا يزل سفيحه بالمصعد
درست صفايح كيدهم فكأنما * أذكرن اطلالا ببرقة ثهمد
وقال يستأذنه بالانصراف إلى أهله من ابيات:
فمن بالاذن على نازح * عن أهله ساعته دهر
فقد صدقت الظن في كل ما * رجوته إذ كذب القطر
ومن غرر مدائحه في أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري قوله من
قصيدة يذكر فيها غزوة الروم.
لا أنت أنت ولا الديار ديار * خف الهوى وتولت الأوطار
أيام تدمي عينه تلك الدمى * فيها وتقمر لبه الأقمار
إذ لا صدوف ولا كنود اسماهما * كالمعنيين ولا نوار نوار
بيض فهن إذا رمقن سوافرا * صور وهن إذا رمقن صوار (2)
إذ في القتادة وهي أبخل ايكة * ثمر وإذ عود الزمان نضار
قد صرحت عن محهضا الاخبار * واستبشرت بفتوحك الأمصار
قدت الجياد كأنهن أجادل * بقرى (درولية) لها أوكار
حتى التوى من نقع قسطلها على * حيطان قسطنطينة إعصار
أوقدت من دون الخليج لأهلها * نارا لها خلف الخليج شرار
ان لا تكن حصرت فقد أضحى لها * من خوف قارعة الحصار حصار
لما لقوك تواعدوك واعذروا * هربا فلم ينفعهم الاعذار
خشعوا لصولتك التي هي عندهم * كالموت يأتي ليس فيه عار
لما فصلت من الدروب إليهم * بعرمرم للأرض منه خوار
ان يبتكر ترشده اعلام الصوى * أو يسر ليلا فالنجوم منار
علموا بأن الغزو كان كمثله * غزوا وان الغزو منك بوار
فالمشي همس والنداء إشارة * خوف انتقامك والحديث سرار
هيهات جاذبك الأغنة باسل * يعطي الشجاعة كلما تختار
لما حللت الثغر أصبح عاليا * للروم من ذاك الجوار جؤار
يقظ يخاف المشركون شذاته * متواضع يعنو له الجبار
ذلل ركائبه إذا ما استأخرت * أسفاره فهمومه أسفار
ومجربون سقاهم من بأسه * فإذا لقوا فكأنهم أغمار
أيامنا مصقولة أطرافها * بك والليالي كلها أسحار
والناس بعدك لا تغير حبوتي * لفراقهم ان انجدوا أو غاروا
ولذاك شعري فيك قد سمعوا به * سحر وأشعاري لهم أشعار
ومن مدائحه في أبي سعيد قوله من قصيدة:
اطلالهم سلبت دماها الهيفا * واستبدلت وحشا بهن عكوفا
يا منزلا أعطى الحوادث حكمها * لا مطل في عدة ولا تسويفا
أرسى بعرصتك الندى وتنفست * نفسا بعقوتك الرياح ضعيفا
شغف الغمام بعرصتيك فربما * روت رباك الهائم المشغوفا
أيام لا تسطو باهلك نكبة * إلا تراجع صرفها مصروفا
ورفيقة اللحظات يعقب رفقها * بطشا بمغتر القلوب عنيفا
حزن الصفات روادفا وسوالفا * ومحاجرا ونواظرا وأنوفا
كن البدور الطالعات فأوسعت * عنا أفولا بالنوى وكسوفا
كانوا برود زمانهم فتصدعوا * فكأنما لبس الزمان الصوفا
عاقدت جود أبي سعيد انه * بدن الرجاء به وكان نحيفا
هزته معضلة الأمور وهزها * واخيف في ذات الإله وخيفا
واستل من آرائه الشعل التي * لو انهن طبعن كن سيوفا
كم من وساع الجود عندي والندى * لما جرى وجريت كان قطوفا
وكلاكما اقتعد العلى فركبتها * في الذروة العليا وجاء رديفا
ان غاض ماء المزن فضت وان قست * كبد الزمان علي كنت رؤوفا
اسمع أقامت في ديارك نعمة * خضراء ناضرة ترف رفيفا
ريا إذا النعم انتقلن تخيمت * وإذا نفرن غدت عليك ألوفا
انا من كساك محبة لا حلة * حبر القصائد فوفت تفويفا
متنخل حلاك نظم بدائع * صارت لآذان الملوك شنوفا
واف إذا الاحسان قنع لم يزل * وجه الصنيعة عنده مكشوفا
وإذا غدا المعروف مجهولا غدا * معروف كفك عنده معروفا



(1) الصوار ككتاب وغراب القطيع من البقر - المؤلف -
462
هذا إلى قدم الذمام بك الذي * لو أنه ولد لكان وصيفا
وحشى تحرقه النصيحة والهوى * لو أنه زمن لكان مصيفا
ومقيل صدر فيك باق روعه * لو أنه ثغر لكان مخوفا
ولئن أطلت مدائحي لبنائل * لك ليس محدودا ولا موصوفا
خفضت عني الدهر بعد ملمة * تركت لنابيه علي صريفا
لك هضبة الحلم التي لو وازنت أجا * إذن ثقلت وكان خفيفا
ثم ختم هذه القصيدة بأبيات ثلاثة لو تركها لكان خيرا له فإنها تدل
على أن العلا لا تكون بالورع والشرف لا يكون بالتقى فقال:
إن كان بالورع ابتنى القوم العلا * أو بالتقى صار الشريف شريفا
فعلام قدم وهو زان عامر * وأميط علقمة وكان عفيفا
وبنى المكارم حاتم في شركه * وسواه هدمها وكان حنيفا
فان تقديم عامر الزاني على علقمة العفيف لشجاعته أو للخوف منه لا
يدل على أن العلا لا تكون بالورع بل بالمعاصي فان هذا العلاء الذي يبنى
بالمعاصي انما هو سفالة وسقوط لا رفعة وسمو واما حاتم فبنى المكارم بكرمه
لا بشركه ومن يهدم المكارم وهو حنيف فلا يصح أن يوصف بالتقوى
والورع ثم إن ذكر مثل هذا الشعر في مدح قائد من قواد الدولة العباسية
يشبه الهذر كما لا يخفى.
وقال يمدح أبا سعيد أيضا من قصيدة ويذكر غزوة الروم:
ما عهدنا كذا بكاء المشوق * كيف والدمع آية المعشوق
هم أماتوا صبري وهم فرقوا * نفسي شعاعا في اثر ذاك الفريق
ان في خيمهم لمفعمة الحجلين * والمتن متن خوط وريق
وهي لا عقد ودها ساعة البين * ولا عقد خصرها بوثيق
وكأن الجريال شيب بماء الدر * في خدها وماء العقيق
إلى أن قال يصف الغزاة:
يتساقون في الوغى كأس موت هي موصولة بكأس الرحيق
ثم قال يصف الروم:
فهم هاربون بين حريق السيف * صلتا وبين نار الحريق
وقعة زعزعت مدينة قسطنطين * حتى ارتجت بسوق فروق
ما رأى قفلها كما زعموا قفلا * ولا البحر دونها بعميق
غير ضنك الضلوع في ساعة الروع * ولا ضيق غداة المضيق
ذاهب الصوت ساعة الأمر والنهي * إذا قل فيه هدر الفنيق
وأخيذ رأى المنية حتى * قال بالصدق وهو غير صدوق
ناصح وهو غير جد نصيح * مشفق وهو غير جد شفيق
جأر الدين واستغاث بك الاسلام * من ذاك مستغاث الغريق
حين لا جلدة السماء بخضراء * ولا وجه شتوة بطليق
فإليكم بني الضغائن عن ساكن * بين السماك والعيوق
لا يجوز الأمور صفحا ولا يرقل * إلا على سواء الطريق
وقال يمدح أبا سعيد أيضا من قصيدة:
قرى دارهم مني الدموع السوافك * وان عاد صبحي بعدهم وهو حالك
إذا غازل الروض الغزالة نشزت * زرابي في أكنافهم ودرانك
اتاكم سليل الغاب في صدر سيفه * سنا لدجى الاظلام والظلم هاتك
ركوب لاثباج المهالك عالم * بأن المعالي دونهن المهالك
ومستنبط في كل يوم من الوغى * قليبا رشا آها القنا والسنابك
فما تترك الأيام من هو آخذ * ولا تأخذ الأيام من هو تارك
غدوا وكان اليوم من حسن وجهه * وقد لاح بين البيض والبيض ضاحك
وقال يمدح أبا سعيد أيضا ويذكر حجه من قصيدة:
مالي بعادية الأيام من قبل * لم يثن كيد النوى كيدي ولا حيلي
سلني عن الدين والدنيا أجبك وعن * أبي سعيد وقصديه فلا تسل
ملبيا طالما لبى مناديه * إلى الوغى غير رعديد ولا وكل
ان حن نجد وأهلوه إليك فقد * مررت فيه مرور العارض الهطل
وقال يمدح أبا سعيد أيضا وقد قدم من مكة من قصيدة:
كنت أرعى البدور حتى إذا ما * فارقوني أمسيت أرعى النجوما
من رأى بارقا سرى صامتيا * جاد نجدا سهولها والحزوما
فسقى طيئا وكلبا وذودان * وقيسا ووائلا وتميما
لن ينال العلى خصوصا من * الفتيان من لم يكن نداه عموما
نشأت من يمينه نفحات * ما عليها أن لا تكون غيوما
ألبست نجدا الصنائع لا شيحا * ولا جنبة ولا قيصوما
كرمت راحتاه في أزمات * كان فيها صوب الغمام لئيما
لم يحدث نفسا بمكة حتى * جازت الكهف خيله والرقيما
حين عفى مقام إبليس سامى * بالمطايا مقام إبراهيما
حطم الشرك حطمة ذكرته * في دجى الليل زمزم والحطيما
تجد المجد في البرية منثورا * وتلقاه عنده منظوما
تيمته العلى فليس بعد البؤس * بؤسا ولا النعيم نعيما
كلما زرته وجدت لديه * نشبا ظاعنا ومجدا مقيما
وقال يمدح أبا سعيد أيضا من قصيدة:
عسى وطن يدنو بهم ولعلما * وان تعتب الأيام فيهم فربما
لهم منزل قد كان بالبيض كالدمى * فصيح المعاني ثم أصبح أعجما
ورد عيون الناظرين مهانة * وقد كان مما يرجع الطرف مكرما
تبدل غاشيه بريم مسلم * تردى رداء الحسن طيفا مسلما
ومن وشي خد لم ينمنم فرنده * معالم يذكرن الكتاب المنمنما
وبالحلي ان قامت ترنم فوقها * حماما إذا لاقى حماما ترنما
يقول فيها في المدوح:
يرى العلقم المأدوم بالعز أرية * يمانية والأرى بالضيم علقما
وكنت لناشيهم أبا ولكهلهم * أخا ولذي التقويس والكبرة ابنما
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما * فما زلت بالبيض القواضب مغرما
ومن تيمت سمر الغواني وأدمها * فما زلت بالسمر العوالي متيما
ونعم الصريخ المستجاش محمد * إذا حن نوء للمنايا وأرزما
أشاح بفتيان الصباح فاكرهوا * صدور القنا الخطي حتى تحطما
هو الليث ليث الغاب بأسا ونجدة * وان كان أحيا منه وجها وأكرما
جدير إذا ما الخطب طال فلم تنل * ذؤابته ان يجعل السيف سلما
ومن غرر مدائحه في أبي سعيد قوله من قصيدة.
حتام دمعك مسفوح على الدمن * بانوا وشوقك لم يظعن ولم يبن
لا عين أسخن من عين تفيض على * من لا تفيض له عين على شجن

463
تالله تنسى التي راحت بسنتها (1) * تختال بين اللواتي رحن في الظعن
من كل غيداء ريا المرط مخطفة * كأنها دعص رمل نيط في غصن
هبت وقد زمت الاحداج تحسبها * في الخطو تضمر إشفاقا على السنن
لم تسرح العين لحظا في محاسنها * الا اجتنى طرفا من روضه الحسن
ما استوطن العدم يوما ربع ذي همم * الا سيزعجه عن مربع الوطن
ضاقوا بعسرتهم ذرعا فانقذهم * من ضيقة العسر رحب الباع والعطن
ليث الشجاعة غيث الجود سائله * عار من المن مكسو من المنن
سمح تصد عن العذال مقلته * صد الكواعب عن ذي الشيبة اليفن
لا غرو إن نال أسباب السماء فتى * بنى له المجد أهل المجد من يمن
مرزؤون إذا ما الضيف حل بهم * قروه شحم الذرى لا درة اللبن
ان ابن يوسف سيف عند هزته * عضب تصيب ظباه مقتل الفتن
إذا الشوازب ظلت في غيابتها * تخفي وتظهر سير البدر في المزن
من كل ذي ميعة تشقى الحزون به * في الركض مندمج الاقراب كالشطن
تهوي بكل فتى لا يستلين إذا * لانت قنا البأس عند الحادث الخشن
خرق إذا استطعمته الحرب أطعمها * ضربا يفرق بين الروح والبدن
لاقوك ليثا لدى الهيجاء يؤنسه * صبر إذا خانت الأيام لم يخن
مستبسلا تلبس الابطال جرأته * على المنون رداء الثكل والجبن
تبدي إلى الروع كفا منك قد أنست * بالطعن والضرب انس العين بالوسن
وقال يعاتب أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري من أبيات:
وقاك الخطب قوم لم يمدوا * * يمينا للعطاء ولا شمالا
أحين رفعت من شأوي وعادت * حويلي في ذراك الرحب حالا
وحف بي الأقاصي والأداني * عيالا لي وكنت لهم عيالا
فقد أصبحت أكثرهم عطاء * وقبلك كنت أكثرهم سؤالا
إذا ما الحاجة انبعثت يداها * جعلت المنع منك لها عقالا
فأين قصائد لي فيك تأبى * وتأنف ان أهان وان أذالا
من السحر الحلال لمجتنيه * ولم أر قبلها سحرا حلالا
فلا يكدر غدير لي فأني * أمد إليك آمالا طوالا
وفرجاها علي فان جاها * إذا ما غب يوما صار مالا
أخباره مع الواثق
كان الواثق بصيرا بالشعر والأدب خبيرا بعلوم لغة العرب بخلاف أبيه
المعتصم وأدرك أبو تمام خلافة الواثق ومدحه واخذ جوائزه ومات في خلافة
الواثق ولمعرفة الواثق بمكانة أبي تمام اغتم لموته لما بلغه موته. في أخبار أبي
تمام للصولي حدثني محمد بن خلف حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك -
الزيات - قال لما مات أبو تمام قال الواثق لأبي قد غمني موت الطائي
الشاعر فقال طئ بأجمعها فداء أمير المؤمنين والناس طرا ولو جاز أن يتأخر
ميت عن أجله ثم سمع هذا من أمير المؤمنين لما مات (اه‍) ولما مات
المعتصم وقام بعده ولده الواثق قال أبو تمام يهنئ الواثق بالخلافة ويعزيه
بابيه المعتصم من قصيدة
ما للدموع تروم كل مرام * والجفن ثاكل هجعة ومنام
يا تربة المعصوم تربك مودع * ماء الحياة وقاتل الاعدام
ومصرف الملك الجموح كأنما * قد زم مصعبه له بزمام
هدمت صروف الدهر أطول حائط * ضربت دعائمه على الاسلام
ومعرف الخلفاء ان حظوظها * في حيز الاسراج والالجام
أخذ الخلافة بالوراثة أهلها * وبكل ماضي الشفرتين حسام
إنا رحلنا واثقين بواثق * بالله شمس ضحى وبدر تمام
وبعدها الأبيات التي ذكرناها في الافتنان وبعدها:
لما دعوتهم لأخذ عهودهم * طار السرور بمعرق وشآم
فكان هذا قادم من غيبة * وكأن ذاك مبشر بغلام
لو يقدرون مشوا على جبهاتهم * وعيونهم فضلا عن الاقدام
هي بيعة الرضوان يشرع وسطها * باب السلامة فأدخلوا بسلام
هيهات تلك قلادة الله التي * ما كان يتركها بغير نظام
يا ابن الكواكب من أئمة هاشم * والرجح الأحساب والأحلام
أهدى إليك الشعر كل مفهه * خطل وسدد فيك كل عبام (2)
عرض المديح تقاربت آفاقه * ورمى فقرطس فيك غير الرامي
ومن مدائحه في الواثق قوله من قصيدة:
وأبي المنازل انها لشجون * وعلى العجومة انها لتبين
فاعقل بنضو الدار نضوك يقتسم * فرط الصبابة مسعد وحزين
واسق الأثافي من شؤونك ريها * ان الضنين بدمعه لضنين
والنؤي اهمد شطره فكأنه * تحت الحوادث حاجب مقرون
سمة الصبابة زفرة أو عبرة * متكفل بهما حشا وشؤون
سيروا بني الحاجات ينجح سعيكم * غيث سحاب الجود منه هتون
فالحادثات بوبله مصفودة * والمحل في شؤبوبه مسجون
وجدوا جناب الملك أخضر فاجتلوا * هارون فيه كأنه هارون
فغدوا وقد وثقوا برأفة واثق * بالله طائره لهم ميمون
قرت به تلك العيون وأشرقت * تلك الخدود وانهن لجون
ملكوا خطام العيش بالملك الذي * أخلاقه للمكرمات حصون
جعل الخلافة فيه رب قوله * سبحانه للشئ كن فيكون
في دولة بيضاء هارونية * متكنفاها النصر والتمكين
قد أصبح الاسلام في سلطانها * والهند بعض ثغورها والصين
خبره مع أحمد بن الخصيب
كان أحمد بن الخصيب هذا كاتبا في دولة الواثق ثم صار كاتبا
للمنتصر بن المتوكل بن المعتصم ثم وزيرا ثم وزر بعده للمستعين أحمد بن
محمد بن المعتصم شهرين ثم عزله ولما حبس الواثق الكتاب وألزمهم أموالا
عظيمة أخذ من أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار أي ما يقارب
نصف مليون ليرة عثمانية وأبو تمام انما أدرك أيام كتابة ابن الخصيب للواثق
ولم يدرك أيام وزارته للمنتصر والمستعين على قصرها لأن أبا تمام توفي في
خلافة الواثق ولم نجد لأبي تمام في ابن الخصيب مدحا ولا قدحا ولا له معه خبرا
سوى ما في اخبار أبي تمام للصولي: وجدت بخط عبد الله بن المعتز: صار
أبو تمام إلى أحمد بن الخصيب في حاجة له أيام الواثق فأجلسه إلى أن
أصابته الشمس فقال.
تغافل عنا أحمد متناسيا * ذمام عهود المدح والشكر والحمد
نموت من الحر المبرح عنده * وحاجاتنا قد متن من شدة البرد



(1) السنة حسن الوجه - المؤلف -.
(2) العبام كسحاب العيي الثقيل - المؤلف -
464
اخباره مع خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني
هو خالد بن يزيد بن مزيد بن زائدة بن مطر بن شريك بن قيس بن
شراحيل بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو من الامراء الممدحين ولاه
المأمون الموصل وضم إليها ديار ربيعة كلها ولما انتقض أمر أرمينية وجهه
الواثق إليها فمات في الطريق ولأبي تمام فيه عدة مدائح ولما مات رثاه بعدة
مراث وله معه أخبار ذكرنا بعضها عند الكلام على من نسب أبا تمام إلى
التهاون بالدين وبعضها عند ذكر أخبار أبي تمام مع أحمد بن أبي دؤاد ونذكر
هنا ما لم يذكر في الموضعين ففي اخبار أبي تمام للصولي حدثني عبد الله بن
إبراهيم المسمعي القيسي حدثني أبي حدثني أبو توبة الشيباني قال: حضرت
عشيرنا وأميرنا خالد بن يزيد وعنده رجل كثير الفكاهة حسن الحديث
فأعجبني جدا فقال الأمير أبو يزيد أما سمعت شعره فينا ما رأيت أحسن
بيانا منه ولا أفضح لسانا - يعني أبا تمام - وقال أبو تمام هذه القصيدة حين
عقد لخالد على أرمينية.
ما لكثيب الحمى إلى عقده * ما بال جرعائه إلى جرده (1)
يقول فيها:
وهل يساميك في العلا ملك * صدرك أولى بالرحب من بلده
أخلاقك الغر دون رهطك * اثرى منه في رهطه وفي عدده
فما سمعت مثل قوله وطربت فرحا ان يكون من ربيعة فقلت ممن
الرجل فقال من طئ وولائي لهذا الأمير فقلت يا أسفا أن لا تكون ربعيا أو
نزاريا ثم أمر له الأمير أبو يزيد بعشرة آلاف درهم بيضا و والله ما كافأه وفي
هذه القصيدة ذكر شفاعة خالد إلى ابن أبي دؤاد فيما يأتي ذكره في أخبار أبي
تمام مع أحمد بن أبي دؤاد فقال:
بالله أنسى دفاعه الزور من * عوراء ذي نيرب ومن فنده (2)
ولا تناسى أحياء ذي يمن * ما كان من نصره ومن حشده
آثرني إذ جعلته سندا * كل امرئ لاجئ إلى سنده
وروى الصولي في أخبار أبي تمام انه استنشد خالد بن يزيد أبا تمام
قصيدته في الافشين التي ذكر فيها المعتصم وأولها:
غدا الملك معمور الحرا والمنازل * منور وحف الروض عذب المناهل (3)
فلما بلغ إلى قوله:
تسربل سربالا من الصبر وارتدى * عليه بعضب في الكريهة قاصل
وقد ظللت عقبان اعلامه ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش الا انها لم تقاتل
قال له خالد كم أخذت بهذه القصيدة قال ما لم يرو الغلة ولم يسد
الخلة قال فاني أثيبك عنها قال ولم ذاك وأنا أبلغ الأمل بمدحك قال لأني
آليت لا أسمع شعرا حسنا مدح به رجل فقصر عن الحق فيه الا نبت عنه
قال فإن كان شعرا قبيحا قال انظر فإن كان أخذ شيئا استرجعته منه. قال
الصولي وقد أحسن أبو تمام في هذا المعنى وزاد على الناس بقوله (الا انها لم
تقاتل) (اه‍). ومن مدائح أبي تمام في خالد بن يزيد قوله من قصيدة
أولها:
لقد أخذت من دار ماوية الحقب * انحل المغاني للبلى هي أم نهب (4)
تردد في آرامها الحسن فاغتدت * قرارة من يصبي ونجعة من يصبو
كواعب أتراب لغيداء أصبحت * وليس لها في الحسن شكل ولا ترب
لها منظر قيد النواظر لم يزل * يروح ويغدو في خفارته الحب
تظل سراة القوم مثنى وموحدا * نشاوى بعينيها كأنهم شرب
إلى خالد راحت بنا أرحبية * مرافقها من عن كراكرها نكب
من البيض محجوب عن السوء والخنا * ولا تحجب الأنواء من كفه الحجب
ثم قال يذكر آباء المدوح.
مضوا وهم أوتاد نجد وأرضها * يرون عظاما كلما عظم الخطب
وما كان بين الهضب فرق وبينهم * سوى انهم زالوا ولم تزل الهضب
لهم نسب كالفجر ما فيه مسلك * خفي ولا واد عنود ولا شعب
هو الأضحيان الطلق رفت فروعه * وطاب الثرى من تحته وزكا الترب
فيا وشل الدنيا بشيبان لا تغض * ويا كوكب الدنيا بشيبان لا تخب
فما دب الا في بيوتهم الندى * ولم ترب الا في جحورهم الحرب
أولاك بنو الأحساب لولا فعالهم * درجن فلم يوجد لمكرمة عقب
لهم يوم ذي قار مضنى وهو مفرد * وحيد من الأشباه ليس له صحب
به علمت صهب الأعاجم انه * به أعربت عن ذات أنفسها العرب
هو المشهد الفصل الذي ما نجا به * لكسرى بن كسرى لا سنام ولا صلب
أقول لأهل الثغر قد رئب الثأى * وأسبغت النعماء والتام الشعب
فسيحوا بأطراف البلاد وارتعوا * فنا خالد من غير درب لكم درب
فتى عنده خير الثواب وشره * ومنه الاباء الملح والكرم العذب
أشم شريكي يسير أمامه * مسيرة شهر في كتائبه الرعب
ولما رأى توفيل راياثك التي * إذا ما استقامت لا يقاومها الصلب
تولى ولم يال الردى في اتباعه * كأن الردى في قصده هائم صب
غدا خائفا يستنجد الكتب مذعنا * إليك فلا رسل ثنتك ولا كتب
مضى مدبرا شطر الدبور ونفسه * على نفسه من سوء ظن بها الب
رددت أديم الغزو أملس بعدما * غدا ولياليه وأيامه جرب
يكل فتى ضرب يعرض للقنا * محيا محلى حليه الطعن والضرب
جعلت نظام المكرمات فلم تدر * رحى سؤدد الا وأنت لها قطب
إذا افتخرت يوما ربيعة أقبلت * مجنبتي مجد وأنت لها قلب
يجف الثرى منها وتربك لين * وينبو بها ماء الغمام وما تنبو
بجودك تبيض الخطوب إذا دجت * وترجع عن ألوانها الحجج الشهب
وسيارة في الأرض ليس بنازح * على وخدها حزن سحيق ولا سهب
تذر ذرور الشمس في كل بلدة * وتمسي جموحا ما يرد لها غرب
عذارى قواف كنت غير مدافع * أبا عذرها لا ظلم منك ولا غصب
إذا أنشدت في القوم ظلت كأنها * مسرة كبر أو تداخلها عجب
مفصلة باللؤلؤ المنتقى لها * من الشعر الا انه اللؤلؤ الرطب
ومن مدائح أبي تمام في خالد بن يزيد قوله من قصيدة.
طلل الجميع لقد عفوت حميدا * وكفى على رزئي بذاك شهيدا



(1) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام: الجرعاء أرض فيها رمل وقوله جرده إذا
فتحت الراء احتمل وجهين أحدهما ان يكون اسم موضع بعينه ذكره النابغة في قوله (كالغزلان
بالجرد) والآخر ان يكون المصدر من قولهم مكان جرد إذا لم يكن فيه نبات - المؤلف -.
(2) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام: أراد بالله لا انسى ولا تحذف كثيرا في هذا
الموضع (والعوراء) الكلمة القبيحة (والنيرب) النميمة (والفند) أصله ذهاب العقل من
الكبر وان يتكلم الشيخ بغير الصواب ثم كثر حتى سمي كل قول غير محمود فندا (اه‍).
(3) الحرا الساحة أو الناحية (والوحف) الملتف من النبات - المؤلف -.
(4) النحل الشئ المنحول أي أأعطيت المغائي للبلى نحلة أم نهبتها نهبا - المؤلف -.
465
قربت نازحة القلوب من الجوى * وتركت شأو الدمع فيك بعيدا
أذكرتنا الملك المضلل في الهوى * والاعشيين وجرولا (وطرفة) ولبيدا
حلوا بها عقد النسيب ونمنموا * من وشيه رجزا بها وقصيدا
راحت غواني الحي عنك غوانيا * يلبسن نايا تارة وصدودا
من كل سابغة الشباب إذا بدت * تركت عميد القريتين عميدا
ازرين بالمرد الغطارف بدنا * غيدا ألفتهم لدانا غيدا
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا
فاطلب هدوا في التقلقل واستثر * بالعيس من تحت السهاد هجودا
من كل معطية على علل (1) السرى * وخدا يبيت النوم منه شريدا
طلبت ربيع ربيعة الممهى (2) لها * فتفيأت ظلا لها ممدودا
بكريها علويها صعبيها * الحصني شيبانيها الصنديدا
ذهليها مريها مطريها (3) * يمنى يديها خالد بن يزيدا
نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا
عريان (4) لا يكبو دليل من عمى * فيه ولا يبغي عليه شهودا
شرف على أولى الزمان وانما * خلق المناسب ما يكون جديدا (5)
مطر أبوك أبو أهلة وائل * ملأ البسيطة عدة وعديدا
ورثوا الأبوة والحظوظ فأصبحوا * جمعوا جدودا في العلى وجدودا
فزعوا إلى الحلق المضاعف وارتدوا * فيها حديدا في الشؤون حديدا
ومشوا أمام أبي يزيد وحوله * مشيا يهد الراسيات وئيدا
ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا * إلا بحيث ترى المنايا سودا
وإذا رأيت أبا يزيد في ندى * ووغى ومبدئ غارة ومعيدا
يقري مرجيه مشاشة ماله * وشبا الأسنة ثغرة ووريدا
أيقنت ان من السماح شجاعة * تدمي وان من الشجاعة جودا
وإذا سرحت الطرف نحو قبابة * لم تلق الا نعمة وحسودا
ومكارما عتق النجار تليدة * ان كان هضب عمايتين تليدا (6)
وإذا حللت به أنالك جهده * ووجدت بعد الجهد فيه مزيدا
متوقد منه الزمان وربما * كان الزمان بآخرين بليدا
أبقى يزيد ومزيد وأبوهما * وأبوك ركنك في الفخار مشيدا
سلفوا يرون الذكر عقبا صالحا * ومضوا يعدون الثناء خلودا
ان القوافي والمساعي لم تزل * مثل النظام إذا أصاب فريدا
هي جوهر نثر فان ألفته * بالشعر صار قلائدا وعقودا
في كل معترك وكل إقامة * يأخذن منه ذمة وعهودا
فإذا القصائد لم تكن خفراءها (عقلالها) لم ترض منها مشهدا مشهودا
من اجل ذلك كانت العرب الأولى * يدعون هذا سؤددا منشودا
وتند عندهم العلا الا علا * جعلت لها مرر القصيد قيودا
وغضب المعتصم على خالد بن يزيد فأراد نفيه فرغب خالد ان يكون
خروجه إلى مكة فأجيب إلى ذلك ثم شفع فيه أحمد بن أبي دؤاد فشفعه
واعفاه من الخروج واستقر على حاله فقال أبو تمام يمدحه كما في الديوان
من قصيدة:
يا موضع الشدنية الوجناء * ومصارع الادلاج والاسراء
أقر السلام معرفا ومحصبا * من خالد المعروف والهيجاء
يا سائلي عن خالد وفعاله * رد فاغترف علما بغير رشاء
تعلم كم افترعت صدور رماحه * وسيوفه من بلدة عذراء
ودعا فاسمع بالأسنة والقنا * صم العدى في صخرة صماء
بمجامع الثغرين ما ينفك في * جيش ازب وغارة شعواء
قد كان خطب عاثر فأقاله * رأي الخليفة كوكب الخلفاء
فخرجت منها كالشهاب ولم تزل * مذ كنت خراجا من العماء
أجر ولكن قد نظرت فلم أجد * أجرا يفي بشماتة الأعداء
لو سرت لالتقت الضلوع على أسى * كلف قليل السلم للأحشاء
ولجذ نوار القريض وقلما * يلفى بقاء الغرس بعد الماء
وقال أبو تمام يمدح خالد بن يزيد من ابيات، ويظهر من هذه الأبيات
انه قالها لما غضب المعتصم على خالد وأراد نفيه.
في شامتين هو الشري الجني لهم * والصاب والشرق المسموم والجرض
مخامري حسد ماضر غيرهم * كأنما هو في أبدانهم مرض
لا يهنئ العصبة المحمر أعينها * بثغر اران هذا الحادث العرض
أضحى الشجى مستطيلا في حلوقهم * من بعد ما جاذبوه وهو معترض
سهم الخليفة في الهيجا إذا استعرت * بالبيض والتفت الأحقاب والغرض
ظل من الله أضحى أمس منبسطا * به على الثغر فهو اليوم منقبض
لخالد عوض في كل ناحية * منه وليس له من خالد عوض
لم تنتقض عروة منه ولا سبب * لكن أمر بني الآمال ينتقض
ولما مات خالد بن يزيد رثاه أبو تمام فمن مراثيه فيه وتعزية ولده
محمد (7) قوله من قصيدة وبين ما في هبة الأيام منها وما في الديوان اختلاف
ففي الهبة منها ما لم يذكر في الديوان وهو البيت الأول والثاني والسابع
والثامن والثاني عشر وفي الديوان ما لم يذكر في الهبة لكن يمكن كون ذلك
اختصار قال:
ماتت ربيعة لا بل ماتت العرب * وحل بالمكرمات الويل والحرب
لم يوحش الله دنياه وساكنها * من خالد وله في خلقه أرب
تبقى مساعيك نضرات العهود كما * يبقى نضيرا على علاته الذهب
ان يدرك الدهر وترا كان حاقده * فليس يسبق منه الوتر والطلب
كنت المجير عليه العاندين إذا * لم ينج دونك من تصريفه الهرب
أضحت سماء معد بعد خالدها * محجوبة الشمس حتى تنشر الكتب
انعى إلى الجود والمعروف ربهما * ما راح للجود والمعروف مكتسب
اليوم مات يزيد حق ميتته * واليوم حل بحيي قومك السلب
يا بهجة العيش ما للعيش بعدك من * طعم اليه لذيذ العيش ينتسب
قامت عليك رماح الخط نادبة * والتبعية والهندية القضب
وكل جرداء في آطالها لحق * وفي البطون على طول الوجى قبب
قد كان غاية ما نخشى ونحذره * من الحوادث أن تغتالك النوب



(1) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام علل السرى (بفتح العين واللام) يعني اسراء
بعد اسراء اخذه من علل الشرب ومن رواه بكسر العين فالمعنى ما يحدثه السرى من هزالها
(اه‍).
(2) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام. الممهي الكثير الماء ويجوز ان يكون من قولهم
امهيت الفرس إذا طولت له في الرسن (اه‍). - المؤلف -
(3) الممدوح من بني مطر وهم من مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة.
(4) قال التبريزي جعل النسب عريانا لأنه لا يستتر بشئ لشهرة الإباء.
(5) يعني ان الأنساب الخلقة هي الأنساب الجديدة التي لا قدم لها.
(6) التليد القديم (وعمايتان) جبلان بنجد وعندهما هضبات وهو من تعليق الشئ على امر
واقع لا ريب فيه - المؤلف -
(7) في الديوان المطبوع وقال يرثي محمدا وصوابه وقال يرثي خالد بن يزيد ويعزي ولده محمدا -
المؤلف -.
466
واليوم أنفسنا للدهر آمنة * إذا ليس بعدك خطب منه يرتقب
قد كنت تمنح أسباب القنا كملا * إذ لا يجود بهن الوالد الحدب
يا مؤتم الجود دون الناس كلهم * هيهات بعدك لا يحنو عليه أب
ما حل رزؤك إلا بالرجاء فما * في الأرض بعدك للراجين مطلب
يا خالد بن يزيد إن تذق تلفا * لم يغن عنك لديه الجحفل اللجب
والبيض لامعة والسمر شارعة * والأسد راتعة والعز منتصب
فاذهب عليك سلام الله من ملك * ما بعد مهلكه رغب ولا رهب
وفي محمد الزاكي لنا خلف * ما مثله خلف في الناس منتجب
باق به لبني شيبان أسرته * حمد الفعال وفضل العز والحسب
يرعى المكارم منه وارث شرفا * بتاج والده في الناس معتصب
وقال أبو تمام يرثيه أيضا ويعزي ولده محمدا من قصيدة.
أألله اني خالد بعد خالد * وناس سراج المجد نجم المحامد
ألا غرب دمع ناصر لي على الأسى الاحر شعر في الغليل مساندي (مساعدي)
فلم تكرم العينان ان لم تسامحا * ولا طاب فرع الشعر إن لم يساعد
لتبك القوافي شجوها بعد خالد * بكاء مضلات السماح نواشد
لكانت عذاراها إذا هي أبرزت * لدى خالد مثل العذارى النواهد
تقلص ظل العرف عن كل بلدة * واطفئ في الدنيا سراج القصائد
فياغي مرحول اليه وراحل * وخجلة موفود اليه ووافد
ويا ماجدا أوفى به الموت نذره * فاشعر روعا كل أروع ماجد
غدا يمنع المعروف بعدك دره * وتغدر غدران الأكف الروافد
لأبرحت يا عام المصائب بعدما * دعاك بنو الآمال عام الفوائد
فجللت قحطا آل قحطان وانثنت * نزار بمنزور من العيش جامد
على أي عرنين غلبنا ومارن * وأية كف فارقتنا وساعد
فيا وحشة الدنيا وكانت أنيسة * ووحدة من فيها لمصرع واحد
مضت خيلاء الخيل وانصرف الردى * بأنفس نفس من معد ووالد
فكم غال ذاك الترب لي ولمعشري * وللناس طرا من طريف وتالد
أقام به من حي بكر بن وائل * هني الندا مخضر عود المواعد
أشيبان ما ذاك الهلال بطالع * علينا ولا ذاك الغمام بعائد
أشيبان ما جدي ولا جد مرتج * ولا جد شئ يوم ولى بصاعد
أشيبان عمت نارها من مصيبة * فما يشتكي وجد إلى غير واجد
لئن أقرحت عيني صديق وصاحب * لقد زعزعت ركني عدو وحاسد
لئن هي أهدت للأقارب ترحة * لقد جللت تربا خدود الأباعد
فما جاتب الدنيا بسهل ولا الضحى * بطلق ولا ماء الحياة ببارد
بلى وأبي ان الأمير محمدا * لقطب الرحى مصباح تلك المشاهد
عليه دليل من يزيد وخالد * ونوران لاحا من نجار وشاهد
من المكرمين الخيل فيها ولم يكن * ليكرمها الاكرام المحاتد
أخباره مع عبد الله بن طاهر
كان عبد الله بن طاهر الخزاعي أميرا جليلا جوادا ممدحا وأبوه
طاهر بن الحسين هو الذي قتل الأمين وفتح بغداد للمأمون وولاه المأمون
خراسان وولى المأمون عبد الله بن طاهر من الرقة إلى مصر في حياة أبيه طاهر
ولما مات طاهر ولى المأمون ابنه عبد الله خراسان وكان مقامه بنيسابور فبقي
واليا على خراسان مدة خلافة المأمون والمعتصم وشيئا من خلافة الواثق
وقصده أبو تمام من العراق إلى خراسان فمدحه وأخذ جوائزه ثم عاد إلى
العراق وفي معجم البلدان قرأت في كتاب نتف الطرف للسلامي: حدثني
ابن علوية الدامغاني حدثني ابن عبد الدامغاني قال كان أبو تمام حبيب بن
أوس نزل عند والدي حين اجتاز بقومس إلى نيسابور ممتدحا عبد الله بن
طاهر فسألناه عن مقصده فأجابنا بهذين البيتين:
يقول في قومس صحبي وقد أخذت * منا السرى وخطى المهرية القود
أمطلع الشمس تبغي (تنوي) ان تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود
وفي مرآة الجنان: كان أبو تمام الطائي قد قصد عبد الله بن طاهر بن
الحسين الخزاعي (أمير خراسان) من العراق فلما انتهى إلى قومس وطالت
به الشقة وعظمت عليه المشقة قال (يقول في قومس صحبي) البيتين
(أقول) خراسان بالفارسية معناه مطلع الشمس فلهذا قال (أمطلع
الشمس تبغي أن تؤم بنا) قال وقيل هذان البيتان أخذهما أبو تمام من أبي
الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني الشاعر المشهور
حيث يقول:
يقول صحبي وقد جدوا على عجل * والخيل تفتن بالركبان في اللجم
أمطلع الشمس تنوي أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الكرم
قال ولما وصل أبو تمام إليه انشده قصيدته البائية البديعة التي يقول فيها
وركب كأطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل تسطو غياهبه
قال الصولي في كتاب اخبار أبي تمام: حدثنا محمد بن إسحاق
النحوي حدثنا أبو العيناء عن علي بن محمد الجرجاني قال اجتمعنا بباب
عبد الله بن طاهر من بين شاعر وزائر ومعنا أبو تمام فحجبنا أياما فكتب اليه
أبو تمام:
أيهذا العزيز قد مسنا الضر * جميعا وأهلنا أشتات
ولنا في الرحال شيخ كبير * ولدينا بضاعة مزجاة
قل طلابها فأضحت خسارا * فتجاراتنا بها ترهات
فاحتسب أجرنا وأوف لنا * الكيل وصدق فإننا أموات
فضحك عبد الله لما قرأ الشعر وقال قولوا لأبي تمام لا تعاود مثل هذا
الشعر فان القرآن أجل من أن يستعار شئ من ألفاظه للشعر قال ووجد
عليه (اه‍) وليس في هذا ما يقتضي ان يجد عليه ولكن الظاهر أن السبب
في ذلك ما سيأتي وأورد الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة القاسم بن عيسى
أبي دلف العجلي نحوا من هذه القصة قال اجتمع علي باب أبي دلف جماعة
من الشعراء فمدحوه وتعذر عليهم الوصول اليه وحجبهم حياء لضيقة نزلت به فكتبوا اليه.
أيهذا العزيز قد مسنا الدهر * بضر وأهلنا أشتات
وأبونا شيخ كبير فقير * ولدينا بضاعة مزجاة
قل طلابها فبارت علينا * وبضاعاتنا بها الترهات
فاغتنم شكرنا وأوف لنا الكيل * وصدق فإننا أموات
ويمكن ان يكون أصحاب أبي دلف أخذوا شعر أبي تمام وأرسلوه اليه
والله أعلم. وقال الخطيب التبريزي في مقدمة شرح الحماسة: كان
عبد الله بن طاهر لا يجيز شاعرا إلا إذا رضيه أبو العميثل - عبد الله بن
خليد - وأبو سعيد الضرير فقصدهما أبو تمام وأنشدهما القصيدة التي أولها:
هن (1) عوادي يوسف وصواحبه * فعزما فقدما أدرك السول طالبه



(1) في هذه الكلمة نقصان حرف وهو كثير في شعر العرب في أول القصيدة
وما يوجد في بعض النسخ من رسمها (أهن) بهمزة الاستفهام خطأ - المؤلف -
467
فلما سمعا هذا الابتداء أسقطاها فسألهما استتمام النظر فيها فمرا
بقوله.
وركب كأطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل تسطو غياهبه
لأمر عليهم أن تتم صدوره * وليس عليهم أن تتم عواقبه
فاستحسنا هذين البيتين وأبياتا اخر منها وهي:
وقلقل نأي من خراسان جاشها * فقلت اطمأني انضر الروض عازبه
إلى سالب الجبار بيضة ملكه * وآمله غاد عليه فسالبه
فعرضا القصيدة على عبد الله وأخذا له ألف دينار (اه‍) وفي هبة
الأيام حدث محمد بن العباس اليزيدي قال لما شخص أبو تمام إلى
عبد الله بن طاهر وهو بخراسان ومدحه بهذه القصيدة انكر عليه أبو العميثل
قوله (هن عوادي يوسف وصواحبه) وقال لأبي تمام لم لا تقول ما يفهم
فقال لأبي العميثل لم لا تفهم ما يقال فاستحسن منه هذا الجواب على
البديهة وفي الموازنة ان أبا العميثل وأبا سعيد لما أوصلا اليه الجائزة قالا له لم
تقول ما لا يفهم فقال لهما لما لا تفهمان ما يقال فكان هذا مما استحسن من
جوابه. وفي الأغاني عن جماعة من مشايخه وأصحابه قالوا حدثنا عبد الله بن
عبد الله بن طاهر وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن
عبد الله بن طاهر قال لما قدم أبو تمام إلى خراسان اجتمع الشعراء اليه فقالوا
نسمع شعر هذا العراقي وسألوه ان ينشدهم فقال قد وعدني الأمير أن انشده
غدا وستسمعوني فلما دخل على عبد الله أنشده:
هن عوادي يوسف وصواحبه * فعز ما فقدما أدرك السؤل طالبه (1)
فلما بلغ إلى قوله:
وقلقل نأي من خراسان جاشها * فقلت اطمأني أنضر الروض عازبه (2)
وركب كاطراف الأسنة عرسوا * على مثلها والليل تسطو غياهبه (3)
لأمر عليهم ان تتم صدوره * وليس عليهم أن تتم عواقبه (4)
صاح الشعراء بالأمير أبي العباس ما يستحق مثل هذا الشعر غير
الأمير أعزه الله وقال شاعر منهم يعرف بالرياحي لي عند الأمير أعزه الله
جائزة وعدني بها وقد جعلتها لهذا الرجل جزاء عن قوله للأمير فقال له الأمير
بل نضعفها لك ونقوم له بما يجب له علينا فلما فرع من القصيدة نثر عليه
ألف دينار فلقطها الغلمان ولم يمس منها شيئا فوجد عليه عبد الله وقال يترفع
عن بري ويتهاون بما أكرمته به فلم يبلغ ما أراده منه بعد ذلك (اه‍) وكأن
أبا تمام استقلها فلم يمسها.
وهنا أمور تستلفت النظر (أولا) انه نثر عليه ألف دينار نثرا ولم
يدفعها اليه في بدرة ولا وضعها في حجره وذلك لتظهر للناس بمظهر أروع
واعجب فقد كان الامراء يفتخرون بمثل ذلك وهم انما يعطون أموال المسلمين
لمن يمدحهم من الشعراء بالأكاذيب وبما ليس فيهم وربما كان في
فقراء المسلمين الذين لهم حقوق في بيوت الأموال كثير ممن لا يجدون القوت
(ثانيا) ان أبا تمام استقل الألف الدينار - وهي جائزة سنية - ورغب عنها
ولم يمسها حتى لقطها الغلمان وأوجب ذلك سخط ابن طاهر عليه وهذا يدل
على أن أبا تمام كان متقدما عند الامراء والملوك تقدما لا مزيد عليه ولذلك
يرى أن الألف الدينار قليلة في حقه وكان يطمع في اضعافها ولو لم تكن له
تلك المكانة عند الناس لما وجد من نفسه ذلك فالمتنبي وهو في الدرجة العالية
بين الشعراء رضي قبل أن يشتهر بدينار واحد جائزة لقصيدته حتى سميت
الدينارية (ثالثا) هؤلاء الغلمان التقطوا الدنانير لأنفسهم بمرأى من ابن
طاهر ولم يحفظوها لأبي تمام وهذا يدل على ما كان عليه ابن طاهر من البذخ
والسرف والتوسعة على غلمانه فهم كانوا يعتقدون سروره بالتقاطهم لها والا
لما التقطوها وهذا حسن لو كان هذا المال ماله لا من بيت مال المسلمين
ولكن هؤلاء الامراء كانوا يرون ما بيدهم من بيوت الأموال ملكا طلقا لهم
ليس لأحد سواهم فيه حق. وهذه القصيدة من مختار شعر أبي تمام يقول
فيها بعد المطلع يحث على الحزم وملاقاة الأهوال وأجاد.
إذا المرء لم تستخلص الحزم نفسه * فذروته للحادثات وغاربه
أعاذلتي ما أخشن الليل مركبا * وأخشن منه في الملمات راكبه
ذريني وأهوال الزمان أفانها (5) * فأهواله العظمى تليها رغائبه
ثم يقول في وصف الركاب:
ألم تعلمي أن الزماع على السرى * أخو النجح عند الحادثات وصاحبه
دعيني على أخلاقي الصمل التي * هي الوفر أو سرب ترن نوادبه (6)
فان الحسام الهندواني انما * خشونته ما لم تفلل مضاربه (7)
(وقلقل نأي من خراسان) الأبيات الثلاثة المتقدمة وبعدها
على كل موار الملاط تهدمت * عريكته العلياء وانضم حالبه (8)
رعته الفيافي بعدما كان حقبة * رعاها وماء الروض ينهل ساكبه
ويقول في المخلص:
إلى ملك لم يلق كلكل بأسه * على ملك إلا وللذل جانبه
إلى سالب الجبار بيضة ملكه * وآمله غاد عليه فسالبه
وقد قرب المرمى البعيد رجاؤه * وسهلت الأرض العزاز كتائبه (9)
سما للعلا من جانبيها كليهما * سمو عباب الماء جاشت غواربه
فنول حتى لم يجد من ينيله * وحارب حتى لم يجد من يحاربه
وذو يقظات مستمر مريرها * إذا الخطب لاقاه اضمحلت نوائبه
وابن بوجه الحزم عنه وانما * مرائي الأمور المشكلات تجاربه
أرى الناس منهاج الندى بعدما عفت * مهايعه المثلى ومحت لواحبه (10)
ففي كل نجد في البلاد وغائر * مواهب ليست منه وهي مواهبه (11)



(1) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام يقول (النساء اللواتي عذلنني في سفري ليس
لهن رآي وهن عوادي يوسف أي صوارف يوسف إلى ما صار اليه فاتركهن وامض على
عزمك (اه‍) ولعل العوادي من عدا عليه وما قال شارح هبة الأيام المطبوع من أن وزن
البيت لا يستقيم فلذلك زاد همزة في أوله هو خطأ ومثل هذا واقع في شعر العرب في أول
القصيدة فينقص من البيت حرف كما مر وديوان الحماسة جمع أبي تمام مملوء من ذلك.
(2) الجأش القلب يقول لما عزمت على الرحيل جزعت فقلت اسكني فابعد السفر أكثره فائدة كما أن
أنضر الروض أبعده عن العمران لبعده عن طئ الأقدام وعن الماشية.
(3) كأطراف الأسنة مضاء ونفاذا (وعرسوا) نزلوا في آخر الليل للاستراحة (وعلى مثلها) أي على
مثل الأسنة فنزلوا في مكان خشن كأنما هم نازلون على رؤوس الأسنة قلقا ونبو جنب
لصعوبة الموضع.
(4) أي صدوره بيدهم وعواقبه بيد الله - المؤلف -.
(5) أفانها مفاعلة من الافناء أي افنيها وتفنيني. ويروي أقانها بالقاف من المقاناة وهي المخالطة
والمداراة.
(6) الصمل الشديدة الصلبة. (والوفر) الغنى أي هذه الاخلاق اما أن تجلب الغنى أو تجلب
الموت الموجب ان ينديني سرب من النساء.
(7) أراد بخشونة السيف حدثه ومضاءه أي كما أن مضاء السيف عند عدم تفلل مضاربه فانا قوتي
وعزمي في حال شبابي
(8) الملاط ككتاب جانبا السنام (والعريكة) السنام لأنه يعرك بالركوب والحمل (والحالب) عرق
في أسفل البطن.
(9) العزاز بالفتح الصلبة الممتنعة.
(10) محت خفيت.
(11) لما كان قد علم الناس الجور فقد أصبح في كل نجد وغور منها مواهب ليست منه ولكنه
السبب فيها فهي مواهبه. - المؤلف -
468
لتحدث له الأيام شكر صناعه * تطيب صبا نجد به وجنائبه
ويا أيها الساري أسر غير محاذر * جنان ظلام أو ردى أنت هائبه
فقد بث عبد الله خوف انتقامه * على الليل حتى ما تدب عقاربه
ويوم امام الملك دحض وقفته * ولو خر فيه الدين لانهال كاثبه (1)
جلوت به وجه الخليفة والقنا * قد اتسعت بين الضلوع مذاهبه
ليالي لم يقعد بسيفك ان يرى * هو الموت الا ان عفوك غالبه
فلو نطقت حرب لقالت محقة * الا هكذا فليكسب المجد كاسبه
ويا أيها الساعي ليدرك شأوه * تزحزح قصيا أسوأ الظن كاذبه
إذا ما امرؤ القى بربعك رحله * فقد طالبته بالنجاح مطالبه
وفي الأغاني: أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي حدثني عمي الفضل
قال لما شخص أبو تمام إلى عبد الله بن طاهر وهو بخراسان اقبل الشتاء وهو
هناك فاستثقل البلد وقد كان عبد الله وجد عليه وابطأ بجائزته لأنه نثر عليه
ألف دينار فلم يمسها بيده ترفعا عنها فاغضبه وقال يحتقر فعلي ويترفع علي
فكان يبعث اليه بالشئ بعد الشئ كالقوت فقال أبو تمام لم يبق للصيف
لا رسم ولا طلل الأبيات الآتية وقال الصولي حدثني أحمد بن محمد البصري
حدثني فضل اليزيدي قال لما صار أبو تمام إلى خراسان لمدح عبد الله بن
طاهر كرهها واقبل الشتاء فاشتد عليه امر البرد فقال يذم الشتاء ويمدح
الصيف.
لم يبق للصيف لا رسم ولا طلل * ولا قشيب فيستكسى ولا سمل
عدل من الدمع ان تبكي المصيف كما * يبكي الشباب ويبكي اللهو والغزل
يمنى الزمان طوت معروفها وغدت * يسراه وهي لنا من بعدها بدل
ما للشتاء ولا للصيف من مثل * يرضى به السمع الا الجود والبخل
أما ترى الأرض غضبى والحصى قلقا * والأفق بالحرجف النكباء يقتتل
من يزعم الصيف لم تذهب بشاشته * فغير ذلك امسى يزعم الجبل
غدا له مغفر في رأسه يقق * لا تهتك البيض فوديه ولا الأسل
إذا خراسان عن صنبرها كشرت * كانت قيادا لنا أنيابه العصل (2)
ان يسر الله امرا أثمرت معه * من حيث أورقت الحاجات والأمل
فما صلائي ان كان الصلاء بها * جمر الغضا الجزل الا السير والإبل
المرضياتك ما أرغمت آنفها * والهادياتك وهي الرشد الضلل
تقرب الشقة القصوى إذا اخذت * سلاحها وهو الارقال والرمل
إذا تظلمت من ارض فضلت بها * كانت هي العز الا انها ذلل
فبلغ شعره عبد الله بن طاهر فعجل جائزته وصرفه وقال أبو فرج
فبلغت الأبيات أبا العميثل شاعر عبد الله بن طاهر فأتى أبا تمام واعتذر اليه
لعبد الله بن طاهر وعاتبه على ما عتب عليه من اجله وتضمن له ما يحبه ثم
دخل على عبد الله فقال أيها الأمير أتتهاون بمثل أبي تمام وتجفوه فوالله لو لم
يكن له ما له من النباهة في قدره والاحسان في شعره والشائع من ذكره لكان
الخوف من شره والتوقي لذمه يوجب على مثلك رعايته ومراقبته فكيف وله
بنزوعه إليك من الوطن وفراقه السكن وقد قصدك عاقدا بك امله معملا
إليك ركابه متعبا فيك فكره وجسمه وفي ذلك ما يلزمك قضاء حقه حتى
ينصرف راضيا ولو لم يأت بفائدة ولا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله:
يقول في قومس صحبي البيتين
فقال له عبد الله لقد نبهت فأحسنت وشفعت فلطفت وعاتبت
فأوجعت ولك ولأبي تمام العتبى ادعه يا غلام فدعاه فنادمه يومه وأمر له
بألفي دينار وما يحمله من الظهر وخلع عليه خلعة تامة من ثيابه وأمر ببذرقته (3) إلى آخر عمله.
وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى
الرازي حدثني محمد بن إسحاق الختلي وكان يتوكل لعبد الله بن طاهر انه
أمر له بشئ لم يرضه ففرقه فغضب عليه لاستقلاله ما أعطاه وتفريقه إياه
فشكا أبو تمام ذلك إلى أبي العميثل شاعر آل طاهر وأخص الناس بهم
فدخل على عبد الله بن طاهر فقال له أيها الأمير أتغضب على من حمل إليك
أمله من العراق وكد فيك جسمه وفكره ومن يقول فيك (يقول في قومس
صحبي) البيتين السابقين قال فدعا به ونادمه يومه ذلك وخلع عليه ووهب
له ألف دينار وخاتما كان في يده له قدر (اه‍).
فهذه الروايات تدل على أن أبا تمام استقل الألف الدينار التي نثرت
عليه فلم يمسها وأن عبد الله بن طاهر غضب عليه لأجل ذلك وأن أبا
العميثل أصلح الحال بينهما حتى رضي عنه ابن طاهر وأجازه بما أرضاه ولكن
الذي حكاه ابن عساكر في تاريخ دمشق يدل على أن أبا تمام خرج من
نيسابور ولم يقبل صلة ابن طاهر وأنه هجاه وهذا يناقض ما مر. قال ابن
عساكر قال منصور بن طلحة بن طاهر ما بلغ من الأمير عبد الله بن طاهر
شئ مما قال فيه أبو تمام ما بلغ منه قوله فيه حين خرج من نيسابور ولم يقبل
صلته قال:
يا أيها الملك المقيم ببلدة * لا تأمنن حوادث الأزمان
صاح الزمان باهل قومك صيحة (4) * خروا لشدتها على الأذقان
وثنى بأخرى مثلها فأبادهم * وأتى الزمان على بني ماهان
وغدا يصيح بال طاهر صيحة * غضب يحل بهم من الرحمن
و قال الصولي في أخبار أبي تمام: ويروى ان عبد الله بن طاهر حجبه
فكتب اليه:
صبرا على المطل ما لم يتله الكذب * وللخطوب إذا سامحتها عقب
على المقادير لوم ان رميت بها * من قادر وعلي السعي والطلب
يا أيها الملك النائي برؤيته * وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا * إن السماء ترجى حين تحتجب
قال ويروي انه كتب بها إلى أبي دلف وقيل إلى ابن أبي دؤاد وقيل في
إسحاق بن إبراهيم المصعبي. وفي الديوان قال يعاتب أبا دلف وقيل
عبد الله بن طاهر وفي خاص الخاص للثعالبي ان البيتين الأخيرين أحسن
ما قيل في تحسين الحجاب. وقال حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب
حدثني عبد الله بن أحمد النيسابوري الصولي وكان أديبا شاعرا قال: استبطأ
أبو تمام صلة عبد الله بن طاهر فكتب إلى أبي العميثل شاعر عبد الله وكان
دفع اليه رقعة ليوصلها إلى عبد الله. وفي الديوان قال يمدح عبد الله بن
طاهر ويسأل أبا العميثل شاعره عن شئ وقع له به عبد الله فتأخر عنه:



(1) كاثب اسم جبل. - المؤلف -
(2) الصنبر بالصاد المكسورة والنون المشددة المكسورة والباء الموحدة الساكنة والراء الريح الباردة
(والعصل) كقفل جمع اعصل وهو المعوج. - المؤلف -
(3) البذرقة الخفارة. - المؤلف -
(4) كذا في النسخة ولعل صوابه قومس - المؤلف -
469
ليت الظباء أبا العميثل خبرت * خبرا يروي صاديات الهام
إن الأمير إذا الحوادث أظلمت
نور الزمان وحلية الاسلام
والله ما يدري بآية حالة * يثني مجاوره على الأيام
ألما يجامعه لديه من الغنى * أم ما يفارقه من الاعدام
وأرى الصحيفة قد علتها فترة * فترت لها الأرواح في الأجسام
لولا الأمير وأن حاكم رأيه * في الشعر أصبح أعدل الحكام
لثكلت آمالي لديه بأسرها * أو كان إنشادي خفير كلامي
ولخفت في تفريقه ما بيننا * ما قيل في عمرو وفي الصمصام (1)
فكتب اليه أبو العميثل:
أفهمتنا فنقعت بالافهام * فاسمع جوابك يا أبا تمام
إن الظباء سنيحها كبريحها * في جهلها بتصرف الأقوام
جفت بأيام الفتى وبرزقه * في اللوح قبل سوابق الأقلام
قد كنت حاضر كل ما خبرته * من منطق مستحكم الابرام
فيه لطائف من قريض مونق * نطقت بذلك ألسن الحكام
ملس المتون لدى السماع كأنها * لمسا ومنظرة متون سلام (2)
وشهدت ما قال الأمير بعقبه * من أنه عسل بماء غمام
وشهدت أجمل محضر من معشر * منحوا كريم القوم نجل كرام
فعليك محمود الأناءة انها * والنجح في قرن على الأيام
وذكرت عمروا قبلنا وفراقه * صمصامة النجدات والاقدام
والله ينظمنا بعز أميرنا * وطوال مدته أتم نظام
وقال وهو بنيسابور يشكو الغربة ويذم الدهر ويتشوق إلى الشام:
صريع هوى تغاديه الهموم * بنيسابور ليس له حميم
غريب ليس يؤنسه قريب * ولا يأوي لغربته رحيم
مقيم في الديار نوى شطون * يشافههه بها كمد قديم
يمد زمامه طمع مقيم * تدرع ثوبه رجل عديم
رجاء ما يقابله رخاء * هو اليأس الذي عقباه شوم
فقد فارقت بالغربي دارا * بأرض الشام حف بها النعيم
وكنت بها الممنع غير وغد * ولا نكد إذا حل العظيم
فان أك قد حللت بدار هون * صبوت بها فقد يصبو الحليم
إذا أنا لم ألم عثرات دهر * أصبت بها الغداة فمن ألوم
وفي الدنيا غنى لم أنب عنه * ولكن ليس في الدنيا كريم
وفي الديوان المطبوع بمصر: قال غير أبي بكر: كان أبو تمام بنيسابور
على باب عبد الله بن طاهر فخرج أبو العميثل حاجبه برقعة فيها بيتان من
شعره قالهما عبد الله فقال لأبي تمام يقول لك الأمير قل في معنى هذين البيتين
ووزنهما وهما في الأفشين وكان يحارب بابك في مدينة ارشق والبيتان هما:
لعمري لنعم السيف سيف بارشق * نضى الجفن عنه خير حاف وناعل
تمنى به ضربا دراكا فأجفلت * نعامتهم عن بيضها المتقابل
فقال أبو تمام هذه القصيدة يمدح بها المعتصم ويذكر الأفشين.
غدا الملك معمور الحرا والمنازل * منور وحف الروض عذب المناهل
بمعتصم بالله أصبح ملجأ * ومعتصما حرزا لكل موائل
فأضحت عطاياه نوازع شزبا * تسائل في الآفاق عن كل سائل
مواهب جدن الأرض حتى كأنما * أخذن بأذناب السحاب الهواطل
فكم لحظة أهديتها لابن نكبة * فأصبح منها ذا عقاب ونائل
شهدت أمير المؤمنين شهادة * كثير ذوو تصديقها في المحافل
لقد لبس الافشين قسطلة الوغى * مخشي بنصل السيف غير مواكل
وجرد من آرائه حين أضرمت * له الحرب حدا مثل حد المناصل
وسارت به بين القنابل والقنى * عزائم كانت كالقنى والقنابل
رأوه إلى الهيجاء أول راكب * وتحت صبير الموت أول نازل
تسربل سربالا من الصبر وارتدى * عليه بغضب في الكريهة قاصل
وقد ظللت عقبان اعلامه ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش إلا انها لم تقاتل
عشية صد البابكي عن القنى * صدود المقالي لا صدود المجامل
فكان كشاة الرمل قيضه الردى * لقانصه من قبل بث الحبائل
فولى وما أبقى الردى من حماته * له غير اسار الرماح الذوابل
وعاذ بأطراف المعاقل معصما * وأنسي ان الله فوق المعاقل
فتوح أمير المؤمنين تفتحت * لهن أزاهير الربى والخمائل
وعادات نصر لم تزل تستعيدها * عصابة حق في عصابة باطل
وما هو إلا الوحي أوحد مرهف * تميل ظباه اخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل عالم * وهذا دواء الداء من كل جاهل
وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو عبد الله محمد بن طاهر قال
لما دخل أبو تمام ابرشهر وهي نيسابور ومعنى ابرشهر بالفارسية بلد الغيم
يراد به الخصب هوي بها مغنية كانت تغني بالفارسية وكانت حاذقة طيبة
الصوت فكان عبد الله كلما سأل عنه اخبر انه عندها فنقص عنده وفيها
يقول أبو تمام وفي الديوان وقال وقد سمع مغنية تغني بالفارسية فاستحسن
الصوت ولم يعرف المعنى.
أيا سهري ببلدة ابرشهر * ذممت إلي نوما في سواها
شكرتك ليلة حسنت وطابت * أقام سرورها ومضى كراها
إذا وهدات أرض كان فيها * رضاك (هواك) فلا نحن إلى رباها
سمعت بها غناء كان أولى * بان يقتاد نفسي من غناها
ومسمعة تفوت السمع حسنا (3) * ولم تصممه لا يصمم صداها
مرت أوتارها فشجت وشاقت * فلو يستطيع سامعها فداها
ولم افهم معانيها ولكن * ورت كبدي فلم أجهل شجاها
فبت كأنني أعمى معنى * يحب الغانيات وما يراها
قال الصولي وقد أحسن أبو تمام في هذه الأبيات ثم قال: قال ابن
أبي طاهر قلت لأبي تمام أعنيت أحدا بقولك: فبت كأنني أعمى معنى.
البيت فقال نعم عنيت بشار بن برد الضرير قال وأنا احسبه أراد قوله:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة * والاذن تعشق قبل العين أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم * الاذن كالعين توفي القلب ما كانا



(1) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام عند شرح هذا البيت ضربه مثلا لنفسه ولشعره
لما أنفذه إلى عبد الله ولم ينشده من فيه وهذا المعنى مبني على خير يروى عن عمرو بن معدي
كرب وذلك أنه لما شهر مضاء سيفه بين العرب طلبه منه بعض الملوك فأخذه فيقال انه ضرب
به عنق بعير فلم يصنع شيئا فاحضر الملك عمروا واخبره خبر السيف فقال عمرو أبيت اللعن اني
أعطيتك السيف ولم أعطك الساعد واخذ عمرو عمودا من حديد فلف عليه رداءه وجاؤه
ببعير فوضع العمود على عنقه ثم ضربه بالسيف فقطع العمود والعنق فرد الملك السيف
(اه‍). - المؤلف -
(2) السلام بالكسر الحجارة الصلبة - المؤلف -
(3) (يحار السمع فيها) مح - المؤلف -
470
وقال الصولي في أخبار أبي تمام: حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال مات
ابنان صغيران لعبد الله بن طاهر في يوم واحد فدخل عليه أبو تمام فأنشده:
ما زالت الأيام تخبر سائلا * أن سوف تفجع مسهلا أو عاقلا (1)
فلما بلغ إلى قوله:
مجد تأوب طارقا حتى إذا * قلنا أقام الدهر أصبح راحلا
نجمان شاء الله ان لا يطلعا * الا ارتداد الطرف حتى يأفلا
ان الفجيعة بالرياض نواضرا * لأجل منها بالرياض ذوابلا
لو ينسآن (2) لكان هذا غاربا * للمكرمات وكان هذا كاهلا
لهفي على تلك المخايل فيهما * لو أمهلت حتى تكون شمائلا
لغدا سكونهما حجى وصباهما * حلما وتلك الأريحية نائلا
ان الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت ان سيعود (سيصير) بدرا كاملا
قال فلما سمع هذا عبد الله وكان يتعنته كثيرا قال قد أحسنت ولكنك
تؤسفني وليس تعزيني فلما قال:
قل للأمير وان لقيت موقرا * منه بريب الحادثات حلاحلا
ان ترز في طرفي نهار واحد * رزءين هاجا لوعة وبلابلا
فالثقل ليس مضاعفا لمطية * إلا إذا ما كان وهما (3) بازلا
شمخت خلالك ان يؤسيك امرؤ * أو ان تذكر ناسيا أو غافلا
الا مواعظ قادها لك سمحة * اسجاح لبك سامعا أو قائلا
قال الآن عزيت وأمر فكتبت القصيدة ووصله (اه‍) وهي قصيدة
طويلة موجودة في الديوان. وفي مرآة الجنان: في هذه السفرة ألف أبو تمام
كتاب الحماسة وكان سبب ذلك أنه لما وصل إلى همذان اشتد البرد فأقام
ينتظر زواله وكان نزوله عند بعض الرؤساء بها وفي دار ذلك الرئيس خزانة
كتب فيها دواوين العرب وغيرها فتفرع لها أبو تمام وطالعها واختار منها ما
ضمنه كتاب الحماسة (اه‍) أقول وذلك عند رجوعه من خراسان وسيأتي
الكلام على ذلك عند ذكر مؤلفاته.
أخباره مع كتاب عبد الله بن طاهر
في الديوان قال يعتذر إلى إبراهيم والفضل الطائيين كاتبي عبد الله بن
طاهر عن تأخره عنهما بالمطر وكانا طائيين ويمدحهما (اه‍) وهذا يدلنا على أن
العرب انتشروا في بلاد العجم بعد الفتح الاسلامي فكان منهم الكتاب
والامراء كما كان منهم العلماء والشعراء والأدباء
وغيرهم قال:
قولا لإبراهيم والفضل الذي * سكنت مودته جنوب شغافي
منع الزيارة والوصال سحائب * شم الغوارب جأبة (4) الأكتاف
وعلمت ما يلقي المرور إذا همت * من ممطر ذفر وطين خفاف
فجفوتكم وعلمت في أمثالها * أن الوصول هو القطوع الجافي
وكأنما آثارها من مزنة * بالميث والوهدات والاخياف
آثار أيدي آل مصعب التي * بسطت بلا من ولا إخلاف
حتم عليك إذا حللت مغانهم * ان لا تراه عافيا من عافي
وكأنهم من برهم وحفائهم * بالمجتدي الأضياف للأضياف
وباقي أبياتها ذكرت في الصفات. وقال يمدح عبد الحميد بن غالب
والفضل بن محمد بن منصور وإبراهيم بن وهب كتاب عبد الله بن طاهر من
قصيدة.
أوما رأيت منازل ابنة مالك * رسمت له كيف الزفير رسومها
آناؤها (5) وطلولها ونجادها * ووهادها وحديثها وقديمها
اني كشفتك أزمة بأعزة * غر إذا غمر الأمور بهيمها
عبد الحميد لها وللفضل الربا (6) * فيها ومثل السيف إبراهيمها
حازوا خلائق قد تيقنت العلى * حق التيقن انهن نجومها
اخباره مع إسحاق بن إبراهيم المصعبي
المتوفي سنة 235
وهو الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي ابن عم
طاهر بن الحسين ولي بغداد أكثر من عشرين سنة. في أخبار أبي تمام
للصولي حدثني أبو بكر عبد الرحمن بن أحمد سمعت أبا علي الحسين يقول ما
كان أحد أشغف بشعر أبي تمام من إسحاق بن إبراهيم المصعبي وكان يعطيه
عطاء كثيرا. حدثنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى: حدثني أبي قال دخل
أبو تمام على إسحاق بن إبراهيم فأنشده مدحا له وجاء إسحاق بن إبراهيم
الموصلي إلى إسحاق مسلما عليه فلما استؤذن له قال له أبو تمام حاجتي أيها
الأمير ان تأمر إسحاق أن يستمع بعض قصائدي فيك فلما دخل قال له ذلك
فجلس وأنشده عدة قصائد فأقبل إسحاق على أبي تمام فقال أنت شاعر مجيد
محسن كثير الاتكاء على نفسك يريد انه يعمل المعاني - أي يخترعها - وكان
إسحاق شديد العصبية للأوائل كثير الاتباع لهم (اه‍) وفي أخبار أبي تمام
للصولي ان أبا تمام مدح المعتصم بقصيدة فأمر له بدراهم كثيرة في صك
أحاله به على إسحاق بن إبراهيم المصعبي قال أبو تمام فدخلت اليه بالصك
وأنشدته مديحا له فاستحسنه وأمر لي بدون ما أمر لي به المعتصم قليلا وقال
والله لو أمر لك أمير المؤمنين بعدد الدراهم دنانير لأمرت لك بذلك وفي
الديوان: قال أبو تمام يمدح إسحاق بن إبراهيم ويذكر ايقاعه بالمحمر
وأصحاب بابك وكانوا تواعدوا إلى موضع علم به فوقف لهم فيه فكل من
جاء قتل وجزت أذنه حتى وجه إلى المعتصم بستين ألف أذن. وهذا ما
نختاره من تلك القصيدة:
لإسحاق بن إبراهيم كف * كفت عافيه نوء المرزمين
ونورا سؤدد وحجى إذا ما * رأيتهما رأيت الشعريين
ومجد لم يدعه الجود حتى * أقام مناوئا للفرقدين
سل الجبل الممنع حين افنى * عليه زخرفا نكد ومين
أزلت الشك عنهم حين رانت * ضلالتهم عليهم أي رين
فما أبقيت للسيف اليماني * شجى فيهم ولا الرمح الرديني
وقائع أشرقت منهن جمع * إلى خيفي منى فالموقفين



(1) المسهل السالك أو النازل في السهل من الأرض والعاقل النازل بالمعقل.
(2) قال الصولي انشده المبرد ينشئان بالشين المعجمة والذي أقرأنيه أبو مالك عون بن محمد الكندي
وقال قرأته على أبي تمام ينسآن بالمهملة أي لو يؤخران وهو الأجود عندي (اه‍)
(3) يقال جمل وهم إذا كان عظيم الخلق ذلولا - المؤلف -
(4) عريضة
(5) اناؤها جمع نؤي وهو ما يحفر حول الخيمة ليتسرب فيه الماء.
(6) أصل معنى الربا الفضل والزيادة ومنه الربا المحرم في الشرع. - المؤلف -
471
ثوى بالمشرقين لها ضجاج * أطار قلوب أهل المغربين
محوت بها وقائع من ملوك * وكن وقد ملأن الخافقين
ولكن أكرتنا يوم بدر * ومشتجر الأسنة في حنين
رددت الدين وهو قرير عين * بها والكفر وهو سخين عين
ألا ان الندى أضحى أميرا * على مال الأمير أبي الحسين
إذا يده لنائله استهلت * فويل للنضار وللجين
نوالك رد حسادي فلولا * وأصلح بين أيامي وبيني
ومن مدائح أبي تمام في إسحاق قوله من قصيدة:
إذا المكارم عقت واستخف بها * أضحى السدى والندى أما له وأبا
ترضى السيوف به في الروع منتصرا * ويغضب الدين والدنيا إذا غضبا
في مصعبيين ما لاقوا مريد ردى * للملك إلا أعادوا خده تربا
وقال أبو تمام يمدح إسحاق بن إبراهيم بالقصيدة الآتية وقدم اليه قبلها
هذه الأبيات:
ألا يا أيها الملك المعلى إذا بعض الملوك غدا منيحا (1)
أعر شعري الإصاخة منك يرجع * طوال الدهر بارحه سنيحا (2)
أعره باستماعكه محلا * يفوت علوه الطرف الطموحا
فلم أمدحك تفخيما لشعري * ولكني مدحت بك المديحا
والقصيدة هذا مختارها:
أظله البين حتى أنه رجل * لو مات من شغله بالبين ما علما
أما وقد كتمتهن الخدور ضحى * فابعد الله دمعا بعدها اكتتما
لما استحر الوداع المحض وانصرمت * أواخر الصبر إلا كاظما وجما
رأيت أحسن مرئي وأقبحه * مستجمعين لي التوديع والعنما
إن الخليفة لما صال كنت له * خليفة الموت فيمن جار أو ظلما
ويوم خيرج (3) والألباب طائرة * لو لم تكن حامي الاسلام ما سلما
أضحكت منهم ضباع القاع ضاحية * بعد العبوس وأبكيت السيوف دما
بكل صعب الذرى من مصعب يقظ * ان حل متئدا أو سار معتزما
يضحي على المجد مأمونا إذا اشتجرت * سمر القنا وعلى الأرواح متهما
أمطرتهم عزمات لو رميت بها * يوم الكريهة ركن الدهر لانهدما
إذا هم نكصوا كانت لهم عقلا * وإن هم جمحوا كانت لهم لجما
أطعت ربك فيهم والخليفة قد * أرضيته وشفيت العرب والعجما
تركتهم سيرا لو أنها كتبت * لم تبق في الأرض قرطاسا ولا قلما
فخرا بني مصعب فالمكرمات بكم * عادت رعانا وكانت قبلكم أكما
تقول إن قلتم لا لا مسلمة * لقولكم ونعم إن قلتم نعما
أبو الحسين ضياء لامع وهدى * ما خام في مشهد يوما ولا سئما
إذا أتى بلدا أجلت خلائقه * عن أهله الأنكدين الخوف والعدما
وقال يمدحه من قصيدة:
أما الهوى فهو العذاب فان جرت * فيه النوى فأليم كل أليم
لا والطلول الدارسات اليه * من معرق في العاشقين صميم
ما حاولت عيني تأخر ساعة * بالدمع مذ صار الفراق غريمي
طلبتك من نسل الجديل وشدقم * كوم عقائل من عقائل كوم
فأصبن بحر نداك غير مصرد * وردا وأم نداك غير عقيم
غاديتهم بالمشرقين بوقعة * صدعت صواعقها جبال الروم
إن المنايا طوع بأسك والوغى * ممزوج كأسك من ردى وكلوم
والحرب تركب رأسها في مشهد * عدل السفيه به بألف حليم
في ساعة لو أن لقمانا بها * وهو الحكيم لكان غير حكيم
ولقد نكون ولا كريم نناله * حتى نخوض اليه ألف لئيم
ويد يظل المال يسقط كيده * فيها سقوط الهاء في الترخيم
قل للخطوب إليك عني انني * جار لإسحاق بن إبراهيم
وقال يعرض به لأنه حجبه من أبيات:
كادت لعرفان النوى ألفاظها * من رقة الشكوى تكون دموعا
منها:
متسربلا حلق المكارم انها * جعلت لاعراض الكرام دروعا
ومحجب حاولته فوجدته * نجما على الركب العفاة شسوعا
لما عدمت نواله أعدمته * شكري ورحنا معدمين جميعا
اخباره مع القاضي أحمد بن أبي دؤاد
كان ابن أبي دؤاد فصيحا مفوها وشاعرا جوادا ممدحا وكان قاضي
القضاة للمعتصم وابنه الواثق وقد مدحه أبو تمام وأخذ جوائزه ثم غضب
عليه فما زال يستعطفه ويعتذر اليه حتى رضي عنه كما يأتي تفصيله ولأبي تمام
معه أخبار حسان وهو الذي أوصله إلى المعتصم وقرضه عنده. في أخبار أبي
تمام للصولي حدثني أبو بكر الخراساني حدثني علي الرازي قال شهدت أبا
تمام وغلام له ينشد ابن أبي دؤاد:
لقد أنست مساوئ كل دهر * محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرت في الآفاق إلا * ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظن عندك والأماني * وإن قلقت ركابي في البلاد
فقال له يا أبا تمام أهذا المعنى الأخير مما اخترعته أو أخذته فقال هو لي
وقد ألممت فيه بقول أبي نواس:
وان جرت الألفاظ منا بمدحة * لغيرك انسانا فأنت الذي نعني
وفي مرآة الجنان وتاريخ ابن خلكان في ترجمة ابن أبي دؤاد انه دخل
أبو تمام عليه يوما وقد طالت الأيام في الوقوف ببابه ولا يصل اليه فعتب
عليه مع بعض أصحابه فقال له ابن أبي دؤاد أحسبك عاتبا يا أبا تمام فقال
انما يعتب على واحد وأنت الناس فكيف يعتب عليك فقال له من أين لك
هذا يا أبا تمام فقال من قول الحاذق يعني أبا نواس للفضل بن الربيع
ليس من الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد
وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله
المعروف بالزائر حدثني أبي قال دخل أبو تمام على أحمد بن أبي دؤاد وقد كان
عتب عليه في شئ فاعتذر اليه وقال أنت الناس كلهم ولا طاقة لي بغضب
جميع الناس فقال له ابن أبي دؤاد ما أحسن هذا فمن أين أخذته قال من



(1) المعلى والمنيح من سهام الميسر والمعلى أفضلها إذا فاز حاز سبعة أنصباء والمنيح السهم الذي لا
نصيب له.
(2) البارح والبريح الصيد يمر من ميامنك إلى مياسرك (والسنيح والسانح) بالعكس وكانت
العرب تتشاءم بالبارح وتتفاءل بالسانح.
(3) في معجم البلدان: خيرج بفتح أوله وبعد الراء المهملة جيم موضع (اه‍) - المؤلف -
472
قول أبي نواس وذكر البيت قال ابن خلكان ومدحه أبو تمام أيضا بقصيدته
التي أولها:
أرأيت أي سوالف وخدود * عنت لنا بين اللوى فزرود
وما الطف قوله فيها وفي مرآة الجنان: ما الطف وأبدع وأبلغ وأبرع
قوله فيها:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود
وفي الأغاني بسنده عن إسحاق بن يحيى الكاتب قال قال الواثق
لأحمد بن أبي دؤاد بلغني أنك أعطيت أبا تمام الطائي في قصيدة مدحك بها
ألف دينار قال لم أفعل ذلك يا أمير المؤمنين ولكني أعطيته خمسمائة دينار
رعاية للذي قاله للمعتصم. فاشدد بهارون الخلافة انه * سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بان ذلك معصم * ما كنت تتركه بغير سوار
فتبسم وقال إنه لحقيق بذلك. وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني
أبو علي الحسين بن يحيى الكاتب حدثني محمد بن عمرو الرومي قال ما
رأيت قط أجمع رأيا من ابن أبي دؤاد ولا احضر حجة قال له الواثق يا أبا
عبد الله رفعت إلي رقعة فيها كذب كثير قال ليس بعجيب ان أحسد على
منزلتي من أمير المؤمنين فيكذب علي قال زعموا فيها انك وليت القضاء رجلا
ضريرا قال قد كان ذاك وكنت عازما على عزله حين أصيب ببصره فبلغني
عنه انه عمي من كثرة بكائه على أمير المؤمنين المعتصم فحفظت له ذاك
وهذا يدل على أن النفاق قديم العهد في بني آدم قال وفيها انك أعطيت
شاعرا ألف دينار قال ما كان ذاك ولكني أعطيته دونها وقد أثاب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كعب بن زهير الشاعر وقال في آخر اقطع عني لسانه وهو شاعر
مداح لأمير المؤمنين محسن ولو لم ارع له الا قوله للمعتصم صلوات الله عليه
في أمير المؤمنين أعزه الله (فاشدد بهارون الخلافة) البيتين المتقدمين. فقال
قد وصلته بخمسمائة دينار. وفي الكتاب المذكور: حدثني أحمد بن إبراهيم
حدثني محمد بن روح الكلابي قال نزل علي أبو تمام الطائي فحدثني انه
امتدح المعتصم بسر من رأى بعد فتح عمورية فذكره ابن أبي دواد للمعتصم
فقال له أليس الذي أنشدنا بالمصيصة (1) الأجش الصوت قال يا أمير
المؤمنين ان معه راوية حسن النشيد - كأنه فهم من المعتصم عدم استحسانه
انشاده لأنه أجش الصوت فقال له معه راوية حسن النشيد - فاذن له
فأنشده راويته مدحه له - ولم يذكر القصيدة - فأمر له بدراهم كثيرة وصك
على إسحاق بن إبراهيم المصعبي قال أبو تمام فدخلت اليه بالصك وأنشدته
مديحا له فاستحسنه وامر لي بدون ما أمر لي به المعتصم قليلا وقال والله لو
امر لك أمير المؤمنين بعدد الدراهم دنانير لأمرت لك بذلك. وفي مرآة
الجنان وتاريخ ابن خلكان وهبة الأيام لما ولي ابن أبي دؤاد المظالم قال أبو
تمام يمدحه ويتظلم اليه من قصيدة:
ألم يأن ان تروي الظماء الحوائم * وان ينظم الشمل المبدد ناظم
لئن أرقا الدمع الغيور (2) وقد جرى * لقد رويت منه الخدود النواعم
كما كاد ينسى عهد ظمياء باللوى * ولكن أملته عليه الحمائم
بعثن الهوى في قلب من ليس هائما * فقل في فؤاد رعنه وهو هائم
لها نغم ليست دموعا فان علت * مضت حيث لا تمضي الدموع السواجم
أما وأبيها لو رأتني لأيقنت * بطول جوى تنقض منه الحيازم
رأت قسمات قد تقسم نضرها * سرى الليل والآساد فهي سواهم
وتلويح أجسام تصدع تحتها * قلوب رياح الشوق فيها سمائم
ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه * مغارم في الأقوام وهي مغانم
ولا كالعلى ما لم ير الشعر بينها * فكالأرض غفلا ليس فيها معالم
إلى احمد المحمود أمت بنا السرى * نواعب في عرض الفلا ورواسم
نجائب قد كانت نعائم مرة * من المر أو أماتهن نعائم
إلى سالم الأخلاق من كل عائب * وليس له مال على الجود سالم
جدير بأن لا يصبح المال عنده * جديرا بأن يبقى وفي الأرض غارم
وليس ببان للعلى خلق امرئ * وان جل الا وهو للمال هادم
له من أياد قمة المجد حيثما * سمت وله منها البنى والدعائم
أناس إذا راحوا إلى الروع لم ترح * مسلمة أسيافهم والجماجم
بنو كل مشبوح الذراع إذا القنا * ثنت أذرع الابطال وهي معاصم (3)
إذا سيفه أضحى على الهام حاكما * غدا العفو منه وهو في السيف حاكم
ولو علم الشيخان اد ويعرب * لسرت إذا تلك العظام الرمائم
تلاقى بك الحيان في كل محفل * جليل وعاشت في ذراك العماعم (4)
ثم أخذ في الشكوى والتظلم اليه فقال:
فما بال وجه الشعر أسود قاتما * وانف العلى من عطلة الشعر راغم
تداركه ان المكرمات أصابع * وان حلى الاشعار (5) فيها خواتم
إذا أنت ضيعت القريض وأهله * فلا عجب ان ضيعته الأعاجم (6)
فقد هز عطفيه القريض توقعا * لعدلك إذ صارت إليك المظالم
ولولا خلال سنها الشعر ما درى * بغاة العلى من أين تؤتى المكارم
ومن مدائح أبي تمام في ابن أبي دؤاد قوله:
أأحمد ان الحاسدين كثير * وما لك ان عد الكرام نظير
حللت محلا فاضلا متقادما * من الفضل والفخر القديم فخور
فكل قوي أو غني فإنه * إليك ولو نال السماء فقير
إليك تناهى المجد من كل وجهة * تصير فما يعدوك حيث تصير
وبدر أياد أنت لا ينكرونه * كذاك اياد للأنام بدور
تجنبت ان تدعى الأمير تواضعا * وأنت لمن يدعى الأمير أمير
فما من ندى الا إليك محله * وما رفقة الا إليك تسير
وفي اخبار أبي تمام للصولي: دخل أبو تمام على أحمد بن أبي دؤاد وقد
شرب دواء فأنشده:
أعقبك الله صحة البدن * ما هتف الهاتفات في الغصن
كيف وجدت الدواء أوجدك الله * شفاء به مدى الزمن
لأنزع الله منك صالحة * أبليتها من بلائك الحسن



(1) المصيصة كسفينة بلدة بالشام ولا تشدد. - المؤلف -
(2) أراد به الرقيب الغيور الذي أوجب أن يرقأ الدمع مخافة منه. - المؤلف -
(3) أي وهي كالمعاصم في القصر جبنا وهيبة.
(4) العماعم الجماعات المتفرقون.
(5) حلي الشعر (خ)
(6) في نسخة بدل هذا البيت هكذا:
إذا أنت لم تحفظه لم يك بدعة * ولا عجبا ان ضيعته الأعاجم - المؤلف -
473
لا زلت تزهى بكل عافية * مجنبا من معارض الفتن
ان بقاء الجواد احمد في * أعناقنا منة من المنتن
لو أن أعمارنا تطاوعنا * شاطره العمر سادة اليمن
ومن مدائحه في ابن أبي دؤاد قصيدته الضادية المشهورة التي هي على
روي قصيدة بشار ووزنها التي أولها:
غمض الجديد بصاحبيك فغمضا * وبقيت تطلب في الحبالة مركضا
وعارض البحتري فيها أبا تمام فقال قصيدة أولها:
ترك السواد للابسيه وبيضا * ونضا من الستين عنه ما نضا
وقد ذكرنا القصائد الثلاث في الجزء الثالث من معادن الجواهر
وقصيدة أبي تمام هي هذه.
أهلوك أمسوا شاخصا ومقوضا * ومزمما يصف النوى ومغرضا
إن يدج ليلك انهم أم اللوى * فبما أضاءهم على ذات الاضا
بدلت من برق الثغور وبردها * برقا إذا ظعن الأحبة أو مضا
لو كان أبغض قلبه فيما مضى * أحد لكنت إذا لقلبي مبغضا
قل الغضى لا شك في أوطانه * مما حشدت عليه من جمر الغضى
ما أنصف الزمن الذي بعث الهوى * فقضى علي بلوعة ثم انقضى
عندي من الأيام ما لو أنه * أضحى بشارب مرقد ما غمضا
ما عوض الصبر امرؤ الا رأى * ما فاته دون الذي قد عوضا
لا تطلبن الرزق بعد شماسه * فترومه سيحا إذا ما غيضا
يا أحمد بن أبي دؤاد دعوة * دلت بشكرك لي وكانت ريضا
لما انتضيتك للخطوب كفيتها * والسيف لا يكفيك حتى ينتضى
ما زلت أرقب تحت افياء المنى * يوما بوجه مثل وجهك أبيضا
كم محضر لك مرتضى لم تدخر * محموده عند الامام المرتضى
لولاك عز لقاؤه فيما بقي * أضعاف ما قد عزني فيما مضى
قد كان صوح نبت كل قرارة * حتى تروح في ثراك وروضا
أوردتني العد الخسيف وقد أرى * اتبرض الثمد البكي تبرضا (1)
أما القريض فقد جذبت بضبعه * جذب الرشاء مصرحا ومعرضا
أحببته إذ كان فيك محببا * وازددت حبا حين صار مبغضا
أحييته ولخلت أني لا أرى * شيئا يعود إلى الحياة وقد قضى
وحملت عب ء الدهر معتمدا على * قدم وقاك أمينها ان تدحضا
حملا لو أن متالعا حمل اسمه * لا جسمه لم يستطع أن ينهضا
قد كانت الحال اشتكت فأسوتها * أسوأ أبى امراره أن ينقضا
ما عذرها أن لا تفيق ولم تزل * لمريضها بالمكرمات ممرضا
كن كيف شئت فان فيك خلائقا * أضحى إليك بها الرجاء مفوضا
المجد لا يرضى بأن ترضى بأن * يرضى امرؤ يرجوك إلا بالرضا
ومن مدائحه في ابن أبي دؤاد قوله من قصيدة.
أعرضت برهة فلما أحست * بالنوى أعرضت عن الاعراض
غصبتها دموعها عزمات * غصبتني تصبري واغتماضي
نظرت فالتفت منها إلى أحلى * سواد رأيته في بياض
يوم ولت مريضة الطرف واللحظ * وليست جفونها بمراض
وإلى احمد نقضت عرى العجز * بوخد السواهم الأنقاض
حل في البيت من أياد إذا عدت وفي المنصب الطوال العراض
معشر أصبحوا حصون المعالي * ودروع الأحساب والاعراض
بك عاد النضال دون المساعي * واهتدين النبال للأغراض
وإذا المجد كان عوني على المرء * تقاضيته بترك النقاضي
وقال يعاتب أحمد بن أبي دؤاد من أبيات:
وكم نكبة ظلماء تحسب ليلة * تجلى لنا من راحتيك نهارها
فلا جارك العافي تناول محلها * ولا عرضك الوافي تناول عارها
فلا تمكنن المطل من ذمة الندى * فبئس أخو الأيدي الغزار وجارها
فان الايادي الصالحات كبارها * إذا وقعت تحت المطال صغارها
وما نفع من قد بات بالأمس صاديا * إذا ما سماء اليوم طال انهمارها
وما النفع بالتسويف إلا كخلة * تسليت عنها حين شط مزارها
وخير عدات الحر مختصراتها * كما أن خيرات الليالي قصارها
غضب ابن أبي دؤاد على أبي تمام واعتذار أبي تمام اليه)
كان السبب في ذلك على ما حكي عن ابن المستوفي في شرح ديوان
أبي تمام ان ابن أبي دؤاد بلغه أن أبا تمام هجا مضرا بقوله (تزحزحي عن
طريق المجد يا مضر وفي هبة الأيام أنه بلغه أن أبا تمام قال في أبي سعيد
محمد بن يوسف الغزواني الصامتي الطائي صاحب حميد الطوسي ولا توجد
في الديوان.
تزحزحي عن طريق العز يا مضر * هذا ابن يوسف ما يبقي وما يذر
هو الهزبر الذي في الغاب مسكنه * وآل عدنان في أرضيهم بقر
له حسام من الرأي الأصيل إذا * ما سله جاءت الأيام تعتذر
عضب المضارب اما نكبة طرقت * ماض صياقله الاطراق والفكر
وانما يمن نور تضئ لكم * كما يضئ لأهل الظلمة القمر
لولا سيوف بني قحطان ما قرئت * بين الصفا وحطيمي زمزم السور
ولا أحل حلال الله في بلد * من الأنام ولا حجوا ولا اعتمروا
وقيل كان السبب في ذلك أنه فخر على مضر وعاب نفرا منها، قال
الصولي في أخبار أبي تمام: حدثني عون بن محمد حدثني محمود الوراق قال
كنت جالسا بطرف الحير حير سر من رأى ومعي جماعة لننظر إلى الخيل فمر
بنا أبو تمام فجلس الينا فقال له رجل منا: يا أبا تمام أي رجل أنت لو لم
تكن من اليمن قال له أبو تمام ما أحب أني لغير الموضع الذي اختاره الله لي * فممن تحب ان أكون قال من مضر فقال أبو تمام انما شرفت مضر بالنبي
صلى الله عليه ولولا ذلك ما قيسوا بملوكنا وفينا كذا وفينا كذا ففخر وذكر
أشياء عاب بها نفرا من مضر ونمي الخبر إلى ابن أبي دؤاد فقال ما أحب أن
يدخل إلي أبو تمام فليحجب عني. وقيل كان السبب في ذلك أن الشعراء
مدحوا الأفشين ومنهم أبو تمام ومحمد بن وهيب الحميري فأمر المعتصم لهم
بمال وأن يكون تفريقه على يد ابن أبي دؤاد ففضل محمد بن وهيب على أبي
تمام في العطاء فهجاه أبو تمام وبلغه ذلك فغضب عليه. وفي هبة الأيام لما
قدم الافشين بعد ان فتح بلاد بابك الخرمي امتدحه الشعراء منهم أبو تمام
فمدحه بقوله من قصيدة:
بحر من الهيجاء يهفو ماله * إلا الجناجن والضلوع سفين
ملك تضئ المكرمات إذا بدا * للملك منه غرة وجبين



(1) العد الماء الثابت والخسيف البئر الثمد الماء القليل والبكي البئر القليلة الماء وتبرض الشئ
اخذه قليلا قليلا. - المؤلف -
474
ساس الأمور سياسة ابن تجارب * رمقته عن الملك وهو جنين
لانت مهانته فعز وانما * يشتد بأس الرمح حين يلين
لاقاك بابك وهو يزأر فانثنى * وزئيره قد عاد وهو أنين
لاقى شكائم منك معتصمية * اهزلن جنب الكفر وهو سمين
أوسعتهم ضربا تهد به الطلى * ويخف منه المرء وهو ركين
ضربا كأشداق المخاض وتحته * طعن كان وجاءه طاعون
بأس تفل به الصفوف وتحته * رأي تفل به العقول رزين
عبأ الكمين له فضل لحينه * وكمينه المخفي عليه كمين
طعن التلهف قلبه ففؤاده * من غير طعنة فارس مطعون
ورجا بلاد الروم فاستعصى به * أجل أصم عن الرجاء حرون
هيهات لم يعلم بأنك لو ثوى * بالصين لم تبعد عليك الصين
ما نال ما قد نال هامان ولا * فرعون في الدنيا ولا قارون
بل كان كالضحاك في سطواته * بالعالمين وأنت أفريذون
فليشكر الاسلام ما أوليته * والله عنه بالوفاء ضمين
ومنهم محمد بن وهيب الحميري فمدح الأفشين بقصيدة أولها:
طلول ومغانيها * تناجيها وتبكيها
فأمر المعتصم للشعراء الذين مدحوا الأفشين بثلاثمائة ألف درهم وأمر
أن يكون تفريقها على يد أحمد بن أبي دؤاد فأعطى منها محمد بن وهيب
ثلاثين ألفا وأعطى أبا تمام عشرة آلاف فتحدث الناس في ذلك قال ابن أبي
كامل قلت لعلي بن يحيى المنجم ما هذا الحظ يعطي أبا تمام عشرة آلاف
درهم وابن وهيب ثلاثين ألفا وبينهما ما بين السماء والأرض فقال لذلك علة لا
تعرفها كان ابن وهيب مؤدب الفتح بن خاقان فلذلك وصل إلى هذه الحال
وكانت هذه القضية قد أثرت في أبي تمام فقال في ابن أبي دؤاد. ولا توجد
في الديوان.
بدعة أحدثت خلاف الرشاد * تعسها قائد إلى الجور هاد
نبطي بالأمس أحدث آباء * خلاف الآباء والأجداد
يا وسيطا في نابط وبنيه * وبريئا من عامر ومراد
أنت فيما فعلت أجرأ من عمرو * جنانا والحارث بن عباد (1)
قلت إني صليبة من أياد * من أياد ففي حرام أياد (2)
فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد وزعم أبو تمام أنه مقول على لسانه واستشفع
بخالد بن يزيد الشيباني فعفا عنه، اه‍ ويمكن ان يكون غضب ابن أبي
دؤاد على أبي تمام من مجموع الأمور المتقدمة.
اعتذار أبي تمام إلى ابن أبي دؤاد ورضاه عنه
مر أنه تبرأ من الأبيات التي نسبت اليه في هجوه وزعم أنها مقولة على
لسانه وأن خالد بن يزيد شفع فيه فعفا عنه ومما قاله أبو تمام يمدح ابن أبي
داؤد ويعتذر اليه قوله من قصيدة:
سعدت غربة النوى بسعاد * فهي طوع الاتهام والإنجاد
فارقتنا فللمدامع انواء * سوار على الخدود غوادي
كل يوم يسفحن دمعا طريفا * يمتري مزنه بشوق تلاد
واقعا بالخدود والحر منه * واقع بالقلوب والأكباد
يقول فيها:
يا أبا عبد الله أوريت زندا * في يدي كان دائم الاصلاد
أنت جبت الظلام عن سبل الآمال * إذ ضل كل هاد وحاد
وضياء الآمال أفسح في الطرف * وفي القلب من ضياء البلاد
ثم وصف قوما لزموا ابن أبي دؤاد وانه أخص به مع ذلك منهم
فقال:
لزموا مركز الندى وذراه * وعدتنا عن مثل ذاك العوادي
غير أن الربى إلى سبل الأنواء * أدنى والحظ حظ الوهاد
بعدما أصلت الوشاة سيوفا * قطعت في وهي غير حداد
من أحاديث حين دوختها * بالرأي كانت ضعيفة الاسناد
فنفى عنك زخرف القول سمع * لم يكن فرصة لغير السداد
ضرب الحلم والوقار عليه * دون عور الكلام بالأسداد
وحوان أبت عليها المعالي * إن تسمى مطية الأحقاد
قال الصولي: وقد أفصح عما قرف به (يعني من هجو مضر كما يدل
عليه قوله الآتي بأني نلت من مضر) واعتذر منه إلى ابن أبي دؤاد فقال من
قصيدة قال: وهو عندي من أحسن الاعتذار.
سقى عهد الحمى سبل العهاد * وروض حاضر منه وباد
نزحت به ركي العين اني * رأيت الدمع من خير العتاد
يقول فيها:
بزهر والحذاق وآل برد (3) * ورت في كل صالحة زنادي
فان يك في بني أدد جناحي * فان أثبت ريشي من أياد
هم عظمى الأثافي من نزار * وأهل الهضب منها والنجاد
غدوت بهم أجل الناس قدرا * وأكثر من ورائي ماء واد
تفرج منهم الغمرات بيض * جلاد تحت قسطلة الجلاد
لهم جهل السباع إذا المنايا * تمشت في القنا وحلوم عاد
لقد انست مساوئ كل دهر * محاسن أحمد بن أبي دؤاد
متى تحلل به تحلل جنايا * رضيعا للسواري والغوادي
ترشح نعمة الأيام فيه * وتقسم فيه أرزاق العباد
وما اشتبهت طريق المجد الا * هداك لقبلة المعروف هاد
وما سافرت في الآفاق الا * ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظن عندك والأماني * وان قلقت ركابي في البلاد
اتاني عائر الأنباء تسري * عقاربه بداهية ناد (4)
نثا خبر كأن القلب أمسى * يجر به على شوك القتاد
كأن الشمس جللها كسوف * أو استترت برجل من جراد
باني نلت من مضر وخبت * إليك شكيتي خب الجواد
وما ربع القطيعة لي بربع * ولا نادي الأذى منى بناد
وأين يحور عن قصد لساني * وقلبي رائح برضاك غاد
ومما كانت الحكماء قالت * لسان المرء من خدم الفؤاد



(1) عمرو هو ابن معد يكرب الزبيدي (والحارث) بن عباد هو رئيس بكر وله أخبار كثيرة في
حرب البسوس - المؤلف -
(2) حذف المبتدأ هنا تفاديا من ذكره في مقام الشتم كما قال الفرزدق:
ففي است أبي الحجاج واست * عجوزه عتيد بهم ترتعي بوهاد
(3) هذه القبائل الثلاث من أياد وأياد قبيلة ابن أبي دؤاد وحذافة هم رهط بن أبي دؤاد وعن
التبريزي في شرح ديوان أبي تمام أن حذاق جمع حذاقي كما يقال روم ورومي وزنج وزنجي -
المؤلف -.
(4) العائر الخبر لا يدري أصله (ونآد) شديدة.
475
لقد جازيت بالاحسان سوءا * إذا وصبغت عرفك بالسواد
وسرت أسوق عير القوم حتى * أنخت الكفر في دار الجهاد
وليست رغوتي من فوق مذق * ولا جمري كمين في الرماد
تثبت ان قولا كان زورا * اتى النعمان قبلك عن زياد (1)
إليك بعثت ابكار المعاني * يليها سائق عجل وحاد
شداد الأسر سالمة النواحي * من الاقواء فيها والسناد
يذللها بذكرك قرن فكر * إذا حرنت فتسلس في القياد
منزهة عن السرق المورى * مكرمة عن المعنى المعاد
تنصل ربها من غير جرم * إليك سوى النصيحة والوداد
ومن يأذن إلى الواشين تسلق * مسامعه بالسنة حداد
قال الصولي: وطال غضب ابن أبي دؤاد فما رضي عنه حتى شفع
فيه خالد بن يزيد الشيباني فعمل قصيدة يمدح ابن أبي دؤاد ويذكر شفاعة
خالد بن يزيد اليه وأغمض مواضع منها في اعتذاره فما فسرها أحد قط وانما
سنح لي استخراجها لحفظي للاخبار التي أوما إليها (اه‍) وفي هبة الأيام لما
انشد أبو تمام هذه القصيدة - يعني قوله سقى عهد الحمى سبل العهاد -
لابن أبي دؤاد ولم يقبل عذره عمل القصيدة الآتية التي أولها - أرأيت اي
سوالف وخدود - يعتذر اليه أيضا ويستشفع بخالد بن يزيد الشيباني وحرص
على أن يسمعها منه وكتب اليه امامها هذه الأبيات.
أأحمد ان الحاسدين شهود (حشود) * وان مصاب المزن حيث تريد
فلا تبعدن مني قريبا فطالما * طلبت فلم تبعد وأنت بعيد
أصخ تستمع حر القوافي فإنها * كواكب الا انهن سعود
ولا تمكن الاخلاق منها فإنما * يلذ لباس البرد وهو جديد
فلما سمع الأبيات استدعاه فأنشده.
أرأيت اي سوالف وخدود * عنت لنا بين اللوى فزرود
بيضاء يصرعها الصبي عبث الصبا * أصلا بخوط البانة الأملود
وحشية ترمي القلوب إذا اغتدت * وسني فما تصطاد غير الصيد
لا حزم عند مجرب فيها ولا * جبار قوم عندها بعنيد
ظعنوا فكان بكاي حولا بعدهم * ثم ارعويت وذك حكم لبيد (2)
أجدر بجمرة لوعة اطفاؤها * بالدمع ان تزداد طول وقود
عامي وعام العيس بين وديقة * مسجورة وتنوفة صيهود (3)
حتى أغادر كل يوم بالفلا للطير عيدا من بنات العيد (4)
هيهات منها روضة محمودة * حتى تناخ بأحمد المحمود
بمعرس العرب الذي وجدت به * امن المروع ونجدة المنجود
حلت عرى أثقالها وحمولها * أبناء إسماعيل فيه وهود (5)
امل أناخ بهم وفودا فاغتدوا * من عنده وهم مناخ وفود
بدأ الندى وأعاده فيهم وكم * من مبدئ للعرف غير معيد
ومنحتني ودا حميت ذماره * وذمامه من هجرة وصدود
ولكم عدو قال لي متمثلا * كم من ودود ليس بالمودود
أضحت اياد في معد كلها * وهم اياد بنائها الممدود (6)
تنميك في قلل المكارم والعلى * زهر لزهر أبوة وجدود
ان كنتم عادي ذاك النبع ان * نسبوا وفلقة ذلك الجلمود
وشركتموهم دوننا فلأنتم * شركاؤنا من دونهم في الجود
كعب وحاتم اللذان تقسما * خطط العلى من طارف وتليد (7)
هذا الذي خلف السحاب ومات إذا * في الجود ميتة خضرم صنديد (8)
ان لا يكن فيها الشهيد فقومه * لا يسمحون به بألف شهيد (9)
ما قاسيا في المجد الا دون ما * قاسيته في العدل والتوحيد (10)
فاسمع مقالة زائر لم تشتبه * آراؤه عند اشتباه البيد (11)
يستام بعض القول منك بفعله * كملا وعفو رضاك بالمجهود (12)
اسرى طريدا للحياة من التي * زعموا وليس لرهبة بطريد
ثم أشار إلى شفاعة خالد بن يزيد الشيباني له كما أشير اليه في اخباره
مع خالد بن يزيد فقال:
كنت الربيع أمامه ووراءه * قمر القبائل خالد بن يزيد
فالغيث من زهر سحابة رأفة * والركن في شيبان طود حديد (13)
وغدا تبين ما براءة ساحتي * لو قد نفضت تهائمي ونجودي
هذا الوليد رأى التثبت بعد ما * قالوا يزيد بن المهلب مود (14)
فتزحزح الزور المؤسس (الموسوس) عنده وبناء هذا الافك غير مشيد
وتمكن ابن أبي سعيد من حجى * ملك بشكر بني الملوك سعيد (15)
ما خالد لي دون أيوب ولا * عبد العزيز ولست دون وليد
نفسي فداؤك اي باب ملمة * لم يرم فيه إليك بالاقليد (16)
لما أظلتني غمامك أصبحت * تلك الشهود علي وهي شهودي
من بعد ما ظنوا بان سيكون لي * يوم ببغيهم كيوم عبيد (17)
نزعوا بسهم قطيعة يهفو به * ريش العقوق فكان غير سديد



(1) النعمان هو ابن المنذر (وزياد) هو النابغة الذبياني وكان بلغه عنه انه يشبب بامرأته أو غير
ذلك فاعتذر اليه فقبل عذره - المؤلف -.
(2) إشارة إلى قول لبيد (ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر)
(3) الوديقة شدة الحر (والصيهود) الفلاة لا ينال ماؤها.
(4) بنات العيد النجائب تنسب إلى العيد فحل معلوم.
(5) أبناء إسماعيل معد بن عدنان وأبناء هود اليمن.
(6) اياد الأولى قبيلة الممدوح والثانية ما يعمد به البناء
(7) كعب هو ابن مامة الايادي آثر رفيقه على نفسه بالماء حتى هلك عطشا.
(8) الذي خلف السحاب حاتم من قبيلة أبي تمام والذي مات في الجود كعب بن مامة من قبيلة
الممدوح.
(9) المراد به حاتم وفي ذلك تفضيل له على ابن مامة ولعل ذلك لا يرضي ابن أبي دؤاد فكيف
قاله أبو تمام.
(10) إشارة إلى القول بعدم جواز الظلم عليه تعالى وان العبد غير مجبور على افعاله وغير ذلك
ويفهم منه ان الممدوح كان على رأي المأمون والمعتصم في هذه الأمور.
(11) اي لم تشتبه آراؤه في قصدك عند اشتباه البيد عليه.
(12) اي يطلب ثمنا لفعله هذا كله بعض القول منك الدال على قبوله ويطلب بمجهوده رضاك
عنه.
(13) زهر قبيلة أحمد بن أبي دؤاد وشيبان قبيلة خالد بن يزيد.
(14) قال الصرلي يعني الوليد بن عبد الملك لما هرب يزيد بن المهلب من حبس الحجاج واستجار
بسليمان بن عبد الملك وكتب الحجاج في قتله إلى الوليد فلم يزل سليمان بن عبد الملك
وعبد العزيز بن الوليد بكلماته فيه فقال لا بد من أن تسلموه إلي ففعل سليمان ذلك ووجه
معه بأيوب ابنة فقال لا تفارق يدك يده فان أريد بسوء فادفع عنه حتى تقتل دونه وكان أبوه
المهلب واليا على خراسان فمات وأوصى إلى ابنه يزيد فوشى به الحجاج إلى الوليد فعزله
وقدم يزيد على الحجاج فحبسه وعذبه ثم هرب من حبسه.
(15) قال الصولي (ابن أبي سعيد) يعني به يزيد بن المهلب لان كنية المهلب أبو سعيد (من حجى
ملك) يعني سليمان بن عبد الملك (بشكر بني الملوك) يعني آل المهلب وان سليمان يسعد
باقي الدهر بشكرهم له.
(6) الاقليد المفتاح.
(17) قال الصولي يعني عبيد بن الأبرص لقي النعمان في يوم بؤسه وهو يوم كان يركب فيه فلا يلقاه
أحد لا قتله وخاصة أول من يلقاه فلقيه عبيد فقتله. - المؤلف -
476
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت * ما كان يعرف طيب عرف العود
لولا التخوف للعواقب لم تزل * للحاسد النعمى على المحسود
فلما سمعها ابن أبي دؤاد رضي عنه
اخباره مع أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي
المتوفى سنة 225
كان أبو دلف هذا أحد قواد المأمون ثم المعتصم وكان كريما
سريا جوادا ممدحا شجاعا مقداما وقد مدحه أبو تمام بأحسن المدائح وأخذ
جوائزه في الأغاني واخبار أبي تمام للصولي بالاسناد عن جابر الكرخي انه
حضر أبا دلف القاسم بن عيسى وعنده أبو تمام الطائي وقد انشده قصيدته
البائية التي امتدحه بها وعنده جماعة من أشراف العرب والعجم وهي التي
أولها.
على مثلها من اربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب
أميدان لهوي من أتاح لك البلى * فأصبحت ميدان الصبا والجنائب
قلما بلغ إلى قوله.
إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد * تقطع ما بيني وبين النوائب
إذا ما غدا أغدى كريمة ماله * هديا ولو زفت لألأم خاطب
يرى أقبح الأشياء اوبة آمل * كسته يد المأمول حلة خائب
وأحسن من نور يفتحه الندى * بياض العطايا في سواد المطالب
إذا ألجمت يوما لجيم وحولها * بنو الحصن نجل المحصنات النجائب
فان المنايا والصوارم والقنا * أقاربهم في الروع دون الأقارب
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها * وزادت على ما وطدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم * عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
محاسن من مجد متى تقرنوا بها * محاسن أقوام تكن كالمعائب
مكارم لجت (1) في علو كأنما * تحاول ثأرا عند بعض الكواكب
فقال أبو دلف يا معشر ربيعة ما مدحتم بمثل هذا الشعر قط فما
عندكم لقائله فبادروه بمطارفهم وعمائمهم يرمون بها اليه فقال أبو دلف قد
قبلها وأعاركم لبسها وسأنوب عنكم في ثوابه تمم القصيدة يا أبا تمام فلما بلغ
إلى قوله.
ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت * حياضك منه في العصور الذواهب
ولكنه صوب العقول إذا انجلت * سحائب منه أعقبت بسحائب
فامر له بخمسين ألف درهم وقال أبو الفرج وقال والله ما هي بإزاء
استحقاقك وقدرك فاعذرنا فشكره وقام ليقبل يده فحلف ان لا يفعل وقال
الصولي وقال والله انها لدون شعره ثم قال ما مثل هذا القول الا ما رثيت به
محمد بن حميد قال وأي ذلك أراد الأمير قال قولك وفي الأغاني: ثم قال له
أنشدني قولك في محمد بن حميد.
وما مات حتى مات مضرب سيفه * من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوعر
(ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر (2)
فاثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من دون اخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج (حشو) ردائه * فلم ينصرف الا وأكفانه الاجر
كأن بني نبهان يوم مصابه (وفاته) * نجوم سماء خر من بينها البدر
يعزون عن ثاو تعزى به العلى * ويبكي عليه البأس والجود والشعر
فأنشده إياها فقال والله لوددت انها في فقال بل أفدي الأمير بنفسي
وأهلي وأكون المقدم قبله فقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر أو مثله
(اه‍) وقال ابن خلكان انه لما انشده القصيدة البائية المقدم ذكرها
استحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم وقال له والله انها لدون شعرك ثم قال
له والله ما مثل هذا القول في الحسن الا ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي
فقال أبو تمام وأي ذلك أراد الأمير قال قصيدتك الرائية التي أولها.
كذا فليحل الخطب وليفدح الامر * فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
ثم ذكر نحوا مما مر عن الأغاني ولكن أبا تمام مع احسان أبي دلف
اليه هذا الاحسان العظيم لما تأخر عنه بره بعض التأخر عاتبه وتهدده بالهجاء
في أبياته التي يقول فيها.
أبا دلف لم يبق طالب حاجة * من الناس غيري والمحل جديب
يسرك أني أبت عنك مخيبا * ولم ير خلق من جدك يخيب
واني صيرت الثناء مذمة * وقام بها في العالمين خطيب
فكيف وأنت السيد العالم الذي
لكل أناس من نداه نصيب
أقمت شهورا في فنائك خمسة * لقى حيث لا تهمي علي جنوب
فان نلت ما أملت فيك فإنني * جدير والا فالرحيل قريب
واستشهد الشيخ الرضي في شرح الكافية على التوليد (وهو ان يقرن
بالكلمة أو الكلام كلمة لغير القائل فيتولد بينهما كلام يناقض غرض
القائل) بقول أبي تمام في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي.
على مثلها من اربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب
فعارضه شخص فقال: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فانخزل
منه وترك الإنشاد (اه‍) ومثله في خزانة الأدب ومن هذه القصيدة سوى ما
مر ذكره قوله.
وركب يساقون الركاب زجاجة * من السير لم تقصد لها كف قاطب (3)
فقد اكلوا مها الغوارب بالسرى * وصارت لها أشباحهم كالغوارب
يرى بالكعاب الرود طلعة نائر * وبالعرمس الوجناء غرة آئب
كأن به ضغنا على كل جانب * من الأرض أو شوقا إلى كل جانب
ويقول في أبي دلف.
إذا اخذته هزة المجد غيرت * عطاياه أسماء الأماني الكواذب
يمدون من أيد عواص عواصب * تصول بأسياف قواض قواضب
إذا الخيل جابت قسطل الحرب صدعوا * صدور العوالي في صدور الكتائب
نضوت لهم سيفين رأيا ومنصلا * وكل كنجم في الدجنة ثاقب
وكنت متى تهزز لخطب تغشه * ضرائب امضى من رقاق المضارب
إليك أرحنا عازب الشعر بعدما * تمهل في روض المعاني العجائب
غرائب لافت في فنائك انسها * من المجد فهي الآن غير غرائب
أقول لأصحابي هو القاسم الذي * به شرح الجود التباس المذاهب
واني لأرجو عاجلا ان تردني * مواهبه بحرا ترجى مواهبي



(1) معال عادت خ
(2) هذا البيت لم يذكراه وهو أولى بالذكر -
(3) القاطب المازج - المؤلف -
477
ولأبي تمام في أبي دلف مدائح كثيرة كلها من غرر الشعر منها قوله من
قصيدة هذا مختارها.
اما الرسوم فقد اذكرن ما سلفا * فلا تكفن عن شانيك أو يكفا
لا عذر للصب ان يقني السلو ولا * للدمع بعد مضي الحي ان يقفا
وفي الخدور مهى لو أنها شعرت * بها طغت فرحا أو أبلست اسفا
لآلئى كالنجوم الزهر قد لبست * ابشارها صدف الاحصان لا الصدفا
غيداء جاد ولي (1) الحسن سنتها (2) * فصاغها بيديه روضة انفا (3)
ودع فؤادك توديع الفراق فما * أراه من سفر التوديع منصرفا
يجاهد الشوق طورا ثم ترجعه * مجاهدات القوافي (4) في أبي دلفا
بجوده انصاعت الأيام لابسة * شرخ الشباب وكانت جلة (5) شرفا (6)
حتى لو أن الليالي صورت لغدت * أفعاله الغر في آذانها شنفا
جم التواضع والدنيا لسؤدده * تكاد تهتز من أطرافها صلفا
تدعى عطاياه وفرا وهي ان شهرت * كانت فخارا لمن يعفوه مؤتنفا
ان الخليفة والأفشين قد علما * من اشتفى لهما من بابك وشفى
في يوم ارشق (7) والهيجاء قد رشقت * من المنية رشقا وابلا قصفا
فكان شخصك في إغفالها علما * وكان رأيك في ظلمائها سدفا (8)
ذمرت جمع الهدى فانقض منصلتا * وكان في حلقات الرعب قد رسفا
لما رأوك وإياها ململمة * يظل منها جبين الشمس منكسفا
ولوا وأغشيتهم شمسا غطارفة * لغمرة الموت كشافين لا كشفا
برق إذا برق غيث بات مختطفا * للطرف أصبح للهامات مختطفا
كتبت أوجههم مشقا ونمنمة * ضربا وطعنا يقد الهام والصلفا (9)
كتابة لا تني مقروءة أبدا * وما خططت بها لاما ولا ألفا
فظل بالظفر الأفشين مرتديا * وبات بابكها بالذل ملتحفا
اعطى بكلتا يديه حين قيل له * هذا أبو دلف العجلي قد دلفا
نامت همومي عني حين قلت لها * هذا أبو دلف حسبي به وكفى
اخباره مع الحسن بن وهب وأخيه سليمان
كان الحسن بن وهب كاتبا لمحمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم
وولي ديوان الرسائل وكان شاعرا بليغا وكان اخوه سليمان بن وهب كتب
للمأمون وهو ابن اربع عشرة سنة وولي الوزارة للمعتمد وكان شاعرا وله
ديوان رسائل وكانت صلة أبي تمام وثيقة بالحسن بن وهب وأخيه سليمان وله
فيهما مدائح كثيرة ورثى الحسن أبا تمام بعد موته كما يأتي وروى الخطيب في
تاريخ بغداد بسنده انه عني الحسن بن وهب بأبي تمام فولاه بريد الموصل
فقام بها أقل من سنتين ومات وفي انساب السمعاني: كانت للحسن بن
وهب به عناية. وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني محمد بن موسى قال عني
الحسن بن وهب بأبي تمام وكان - اي الحسن - يكتب لمحمد بن عبد الملك
الزيات فولاه بريد الموصل فأقام بها سنة ومات. وفي هبة الأيام كان
الحسن بن وهب مفرطا في محبة أبي تمام والتعصب له والذب عنه قال
جعفر بن محمد بن قدامة كتب الحسن بن وهب إلى أبي تمام وقد قدم من
سفر: جعلت فداك ووقاك وأسعدني الله بما أوفى علي من مقدمك وبلوغ
الوطر كل الوطر من انضمام اليد عليك وإحاطة الملك لك، وأهلا
وسهلا، وقرب الله دار قربك وحيا ركابا أدتك وسقى بلاد يلتقي ليلها
ونهارها عليك وجعلك من أحسن معاقله وأحفظ محارسه وأبعدها من
الحوادث مراما (اه‍).
ومن اخباره معه ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد بسنده انه اعتل أبو
علي الحسن بن وهب من حمى نافض وصالب (10) وطاولته فكتب اليه أبو تمام
حبيب بن أوس الطائي وليست في الديوان.
يا حليف الندى ويا توأم الجو * د ويا خير من حبوت القريضا
ليت حماك بي وكان لك الاجر * فلا تشتكي وكنت المريضا
وفي الديوان ابيات تدل عل ان أبا تمام قالها فيمن يكنى أبا القاسم
حين أصابته وعكة وهو من الأزد التي منها كعب وناهد وكلها قبائل
من اليمن والظاهر أنه الحسن بن وهب الا ان الحسن بن وهب كناه الخطيب في
تاريخ بغداد بأبي علي لا بأبي القاسم وكذلك أبو تمام كناه بأبي علي في
قصيدته العينية الآتية وهذه الأبيات مذكورة في الديوان بعد أبيات في
الحسن بن وهب بعنوان وقال أيضا فالظاهر أنه لما أصابته الحمى قال فيه
البيتين السابقين وقال فيه أيضا هذه الأبيات ويمكن كونها في رجل آخر.
أبا القاسم المحمود ان ذكر الحمد * وقيت رزايا ما يروح وما يغدو
وطابت بلا دانت فيها وأصبحت * ومربعها غور ومصطافها نجد
فان تك قد نالتك أطراف وعكة * فلا عجب ان يوعك الأسد الورد
وقد أصبحت من صفرة ووجوهها * وراياتها سيان غما بك الأزد
تلاقى بك الحيان كعب وناهد * فأنت لهم كعب وأنت لهم نهد
بنا لا بك الشكوى فليس بضائر * إذا صح نصل السيف ما لقي الغمد
وفي أخبار أبي تمام للصولي قال أبو أحمد ما رأيت أحدا في نفس أحد
أجل من أبي تمام في نفس الحسن بن وهب قال وكان الحسن يحفظ أكثر شعر
أبي تمام كأنه يختار من القصيدة ما يحفظه (اه‍) وفي الكتاب المذكور:
حدثني محمد بن موسى بن حماد قال وجه الحسن بن وهب إلى أبي تمام وهو
بالموصل خلعة فيها خز ووشي فامتدحه في قصيدة أولها.
أبو علي وسمي منتجعه * فاحلل بأعلى واديه أو جرعه
ثم وصف الخلعة فقال:
وقد أتاني الرسول بالملبس الفخم * لصيف امرئ ومر تبعه
لو أنها جللت أويس (11) لقد * أسرعت الكبرياء في ورعه
رئق خزاجيد سائره (12) * سكب (13) تدين الصبا لمدرعه
وسروشي كان شعري أحيانا * نسيب العيون من بدعه (14)



(1) الولي من المطر هو المطرة الثانية التي تلي الوسمي وهو أول المطر
(2) السنة الصورة
(3) الروضة الانف بضمتين التي لم ترع.
(4) ثم يجذبه إلى جهاد القوافي خ.
(5) الجلة بالكسر المسنة.
(6) الشرف بضمتين جمع شارف وهي المسنة من الإبل.
(7) ارشق جبل بنواحي موقان كانت به الوقعة التي أشار إليها.
(8) السدف الصبح وهو من أسماء الأضداد.
(9) الصلف بضمتين جمع صليف وهو صفحة العنق.
(10) الحمى الصالب الشديدة - المؤلف -.
(11) هو أويس القرني أحد الزهاد المشهورين.
(12) يلتذ ملمسه خ.
(13) السكب نوع من الثياب الرقيق.
(14) قال الخطيب التبريزي في شرح ديوان أبي تمام: سره خياره. وجنس من الثياب يكون وشيا
مثل العيون يقول شعري في حسنه مناسب للعيون التي تكون فيهامن البدع اه‍ ولولا أن
هذا البيت غير واضح المعنى وقد فسره التبريزي لما ذكرناه فذكره لا لحسنه بل للحرص على
تفسير التبريزي له. - المؤلف -
478
قال وقد وصف خلعة أخرى أحسن من هذا الوصف وجوده اه‍
وتأتي في أخباره مع محمد بن الهيثم وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني
عبد الرحمن بن أحمد قال وجدت بخط محمد بن يزيد المبرد أن أبا تمام كتب
إلى الحسن بن وهب يستسقيه نبيذا.
جعلت فداك عبد الله عندي * بعقب الهجر منه والبعاد
له لمة (1) من الكتاب (2) بيض * قضوا حق الزيارة (3) والوداد
واحسب يومهم إن لم تجدهم * مصادف دعوة منهم جماد
دعوتهم عليك وكنت ممن * نعينه على العقد الجياد (4)
وفي مروج الذهب: ذكر عبد الله بن الحسن بن سعدان عن المبرد
قال كنت في مجلس القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق وحضر جماعة
سماهم منهم الحارثي الذي قال فيه علي بن الجهم الشامي:
لم يطلعا إلا لآبدة * الحارثي وكوكب الذنب
وإن الكلام تسلسل إلى ذكر أبي تمام وشعره وإن الحارثي أنشد لأبي
تمام معاتبة أحسن فيها وأن المبرد استحيا أن يستعيد الحارثي الشعر أو يكتبه
منه لأجل القاضي قال ابن سعدان فأعلمت المبرد أني أحفظ الشعر فأنشدته
إياه فاستحسنه واستعاده مني مرارا حتى حفظه مني وهو (جعلت فداك
عبد الله عندي) وذكر الأبيات عدى الثالث. وفي أخبار أبي تمام للصولي:
زعم ابن داود أن محمد بن الحسين حدثه قال زار الحسن بن وهب وأبو تمام
أبا نهشل بن حميد (الطوسي) فقال أبو تمام وقد جلسوا (أعضك الله أبا
نهشل) ثم قال للحسن أجز فقال بخد ريم شادن أكحل ثم قال لأبي نهشل أجز فقال:
يطمع في الوصل فان رمته * صار مع العيوق في منزل
وفي هبة الأيام كان الحسن بن وهب يعاشر أبا تمام عشرة متصلة
فندب الحسن بن وهب للنظر في بعض أمر النواحي فتشاغل عن عشرة أبي
تمام فكتب إليه أبو تمام:
قالوا جفاك فلا عهد ولا خبر * ما ذا تراه دهاه قلت أيلول
شهر كأن حبال الهجر منه فلا * عقد من الوصل إلا وهو محلول
فأجابه الحسن بن وهب:
ما عاقني عنك أيلول بلذته * وطيبه ولنعم الشهر أيلول
لكن توقع وشك البين عن بلد * تحله فوكاء الدمع محلول
وفي العقد الفريد أهدى حبيب بن أوس الطائي إلى الحسن بن وهب
قلما وكتب معه إليه هذه الأبيات:
قد بعثنا إليك أكرمك الله * بشئ فكن له ذا قبول
لا تقسه إلى ندى كفك الغمر * ولا نيلك الكثير الجزيل
فاستجز قلة الهدية مني * فقليل المقل غير قليل
وقال أبو تمام يمدح الحسن بن وهب ويصف غلاما أهداه إليه من
قصيدة:
لمكاسر (5) الحسن بن وهب أطيب * وأمر في حنك الحسود وأعذب
يفديه قوم أحضرت اعراضهم * سوء المعائب والنوال مغيب
من كل مهراق الحياء كأنما * غطى غديري وجنتيه الطحلب
ضم الفتاء إلى الفتوة برده * وسقاه وسمي الشباب الصيب
ولقد رأيتك والكلام لآلئ * تؤم فبكر في النظام وثيب
تكسو الوقار وتستخف موقرا * طورا وتبكي السامعين وتطرب
ومنها في وصف الغلام المهدي:
لدن البنان له لسان أعجم * خرس معانيه ووجه معرب
وقال يمدح الحسن بن وهب أيضا من قصيدة:
أما وقد ألحقتني بالموكب * ومددت من ضبعي إليك ومنكبي
فلأعرضن عن الخطوب وجورها * ولأصفحن عن الزمان المذنب
ولألبسنك كل بيت معلم * يسدى ويلحم بالثناء المعجب
من بزة المدح الذي مشهوره * متمكن في كل قلب قلب
نوار أهل المشرق الغض الذي * يجنونه ريحان أهل المغرب
أبديت لي عن صفحة الماء الذي * قد كنت أعهده كثير الطحلب
وبرقت لي برق اليقين وطالما * أمسيت مرتقبا لبرق الخلب
والحر يسلبه جميل عزائه * ضيق المحل فكيف ضيق المذهب
هيهات يأبى أن يضل بي السرى * في بلدة وسناك فيها كوكبي
ولقد خشيت بأن تكون غنيمتي * حر الزمان بها وبرد المطلب
ولذاك كانوا لا يخشون الوغى * الا إذا عرفوا طريق المهرب
وقال يمدح الحسن بن وهب أيضا من قصيدة:
يا برق طالع منزلا بالأبرق * وأحد السحاب له حداء الأينق
دمن لوت عزم الفؤاد ومزقت * فيها دموع العين كل ممزق
قال في مديحها:
يحصى مع الأنواء فيض بنانه * ويعد من حسنات أهل المشرق
يستنزل الأمل البعيد ببشره * بشرى الخميلة بالربيع المغدق
وكذا السحائب قلما تدعو إلى * معروفها الرواد ان لم تبرق
وفي آخرها شفاعته إليه فيمن اسمه سليمان ولعله سليمان بن رزين
الذي شفع له عنده في قصيدة أخرى تأني ولعله عم دعبل وليس هو سليمان
أخاه قطعا لدلالتها على أن الشفاعة في رجل مملق رث اللباس وأخوه لم يكن
كذلك ولا يقال فيه البس سليمان الغنى وتكون الشفاعة له بألفاظ غير
هذه الألفاظ وبأسلوب غير هذا الأسلوب.
البس سليمان الغنى وافتح له * بابا إزاء الخفض ليس بمغلق
وأقرب اليه فان أحرى المزن ان * يروي الثرى ما كان غير محلق
ثم ذكر أنه لا ينبغي ازدراء الرث الهيئة ولا الاغترار بصاحب البزة
الأنيقة والمركب الفاره فقال:
وتخط بزته فربت خلة * في درج ثوب اللابس المتنوق
شنعاء بين المركب الهملاج قد * كمنت وبين الطليسان المطبق
ومن مدائح أبي تمام في الحسن بن وهب قوله من قصيدة وجه بها إليه
من الموصل:



(1) اللمة بتشديد الميم الجماعة ولا تكون مخففة ولعل أبا تمام خففها صرورة.
(2) الفتيان خ ل.
(3) الصداقة خ ل.
(4) هكذا في أخبار أبي تمام للصولي وعن التبريزي في الشرح أي دعوتهم على أن تكون مؤونتهم
عليك والعقد جمع عقدة وهو ما يدخر من الأموال الكريمة اه‍. والذي في الديوان ومروج
الذهب بدل الشطر الثاني (أناديه على النوب الشداد) - المؤلف -
(5) المكاسر جمع كسرة تقول العرب هو طيب المكسر إذا كان لين الجانب - المؤلف -
479
ليس الوقوف يكف شوقك فانزل * تبلل غليلا بالدموع فيبلل
ولطالما أمسى فؤادك منزلا * ومحلة لظباء ذاك المنزل
شاكي الجوانح من خلائق ظالم * شاكي السلاح على المحب الأعزل
قد أثقب الحسن بن وهب في الندى * نارا جلت انسان عين المجتلي
قطعت إلي الزابيين هباته * والتاث مأمول السحاب المسبل
من منة مشهودة وصنيعة * بكر وإحسان أغر محجل
ولقد سمعت فهل سمعت بموطن * ارض العراق يضيف من بالموصل
نفسي فداء أبي علي أنه * صبح المؤمل كوكب المتأمل
والحمد شهد لا ترى مشتاره * يجنيه الا من نقيع الحنظل
فمتى أروي من لقائك همتي * ويفيق قلبي من سواك ومقولي
وتهب لي بعجاج موكبك الصبا * ان السماحة تحت ذاك القسطل
بالراقصات كأنها رسل القطا * والمقربات بهن مثل الافكل
من نجل كل تليدة أعراقه * طرف معم في السوابق مخول
كالأجدل الغطريف لاح لعينه * خزر وأنت عليه مثل الأجدل
ومن مدائحه في الحسن بن وهب قوله من قصيدة:
أميلوا العيس تنفخ في براها * إلى قمر الندامى والندي
فقد جعل الاله لكم لسانا * عليا ذكره بأبي علي
فمن جود تدفق فيه سيل * على مطر ومن جود أتي
ومحدود الذريعة ساءه ما * ترشح لي من السيب الحظي
يدب إلي في شخص ضئيل * وينظر من شفا طرف خفي
ويتبع نعمتي بك عين ضغن * كما نظر اليتيم إلى الوصي
وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني أبو عبد الله الحسين بن علي حدثني
سليمان بن وهب قال رآني أبو تمام وأنا أكتب كتابا فاطلع فيه ثم قال لي يا
أبا أيوب كلامك ذوب شعري اه وهذا مدح لشعره ولنثر سليمان وقال أبو
تمام يمدح سليمان بن وهب من قصيدة:
اي مرعى عين ووادي نسيب * لحبته الأيام في ملحوب
ربما قد أراه ريان مكسو المغاني من كل حسن وطيب
بسقيم الجفون غير سقيم * ومريب الالحاظ غير مريب
في أوان من الربيع كريم * وزمان من الخريف حسيب
فسواء إجابتي غير داع * ودعائي بالقاع (بالقفز) غير مجيب
رب خفض تحت السرى وغناء * من عناء ونضرة من شحوب
ما على الوسج الرواتك من * عب إذا ما أتت أبا أيوب
حول لأفعاله مرتع الذم * ولا عرضه مراح العيوب
سرح قوله إذا ما استمرت * عقدة العي في لسان الخطيب
لا معنى بكل شئ ولا كل عجيب في عينه بعجيب
سدك الكف بالندى عابر السمع * إلى حيث صرخة (دعوة) المكروب
كل شعب كنتم به آل وهب * فهو شعبي وشعب كل أديب
كل يوم تزخرفون فنائي (بنائي) * بحباء فرد وبر غريب
لست أدلي بحرمة مستزيدا * في وداد منكم ولا في نصيب
وقال يمدح الحسن وسليمان ابني وهب من أبيات:
رأيتكما من ريب دهري هضبة * وما زلتما لا زلتما من رعانه
فأصبح لي تحت الجران فريسة * ولولاكما أصبحت تحت جرانه
لعمري لقد أصحبتما العرف صاحبا * له مقول نعما كما في ضمانه
غدا يجتني نور الوداد ويكتسي * من الورق الغض الذي تلبسانه
ويأخذ من أيديكما وهواكما * فلا عجب أن تأخذا من لسانه
وقال يمدح سليمان بن وهب ويشفع في رجل يقال له سليمان بن
رزين (ولعله عم دعبل الخزاعي) من قصيدة:
إذا ثوى جار قوم في وهادهم * فجاره نازل في رأس غمدان
هل أنت صائن أيامي ومغتلبي * بماء وجهي سليما من سليمان
مسن فكر إذا كلت مضاربه * يوما وصيقل ألباب وأذهان
ذو الود مني وذو القربى بمنزلة * وإخوتي أسوة عندي واخواني
لا تخلقن خلقي فيهم وقد سطعت * ناري وجدد من حالي الجديدان
في دهري الأول المذموم أعرفهم * فالآن أنكرهم في دهري الثاني
عصابة جاورت آدابهم أدبي * فهم وإن فرقوا في الأرض جيراني
أرواحنا من مكان واحد رغدت * أبداننا بشام أو خراسان
ورب نائي المغاني روحه أبدا * لصيق روحي ودان ليس بالداني
أفي أخ لي فرد لا قسيم له * في خالص الود من سر واعلان
ترد عن بحرك المورود راجعة * بغير حاجتها دلوي وأشطاني
ما أنس لا أنس قولا قاله رجل * غضضت في عقبه طرفي وأجفاني
(نل الثريا أو الشعرى فليس فتى * لم يغن خمسين انسانا بانسان)
وقال يسأل الحسن بن وهب أن يكلم أخاه سليمان في أمر سليمان هذا من أبيات:
إن شئت اتبعت احسانا بإحسان * فكان جودك من روح وريحان
فاسأل سليماننا تفديه أنفسنا * يأمر سليمانه يرعى سليماني (1)
وحسبه بك الا أن همته * ان يقتني مع رضوى طود ثهلان
لو كان وصما لراج أن يكون له * ركنان ما هز رمح فيه نصلان
ولم يعد من الابطال ليث وغى * زرت عليه غداة الروح درعان
أخباره مع أبي علي الحسن بن رجاء
لم نطلع على شئ مفصل من أحوال الحسن هذا يشخص لنا من هو
إنما يظهر أنه كان من الأمراء والوزراء له حجاب وكتاب وتقصده الشعراء
وممن قصده أبو تمام فمدحه وأخذ جائزته وليس هو الحسن بن رجاء المذكور
في النجوم الزاهرة في حوادث سنة 244 بقوله فيها توفي الحسن بن رجاء أبو
علي البلخي كان إماما حافظا سافر في طلب الحديث وسمع الكثير ولقي
الشيوخ وروى عنه غير واحد وإن اتفق ان هذا يكنى أبا علي وذاك كناه أبو
تمام في قصيدته السينية المتقدمة أبا علي إلا أن ذاك كما يعلم مما نقلناه من
سيرته أمير ذو حجاب وكتاب وهذا إمام حافظ محدث فاتحادها لا يحتمل
ولأبي تمام في مدح الحسن بن رجاء قصيدتان في ديوانه يطلب في الأولى منه
فرسا ويقول فيها:
جرت له أسماء حبل الشموس * والهجر والوصل نعيم وبوس
أبا علي أنت وادي الندى * وأنت مغنى المكرمات الأنيس
البيت حيث النجم والكف حيث * الغيث في الأزمة والدارخيس
ومنها في وصف الفرس الذي يطلبه:



(1) أراد بسليماننا سليمان بن وهب (وسليمانه) اخوه سليمان بن وهب (وسليماني) هو
سليمان بن رزين وساعد وجود السليمانين الثلاثة على هذا التركيب اللطيف - المؤلف -
480
إن زار ميدانا مضى سابقا * أو ناديا قام اليه الجلوس
كأنما لاح لهم بارق * في المحل أو زفت إليهم عروس
عوذه الحاسد بخلابه * ورفرفت خوفا عليه النفوس
غادرته وهو على سؤدد * وقف وفي سبل المعالي حبيس
وقد أشار إلى الثانية الصولي في أخبار أبي تمام فقال: حدثنا عون بن
محمد الكندي حدثني محمد بن سعد أبو عبد الله الرقي وكان يكتب
للحسن بن رجاء قال قدم أبو تمام مادحا للحسن بن رجاء فرأيت رجلا
علمه وعقله فوق شعره واستنشده الحسن بن رجاء فأنشده:
كفي وغاك فإنني لك قال * ليست هوادي عزمتي بتوال (1)
انا ذو عرفت فان عرتك جهالة * فأنا المقيم قيامة العذال
فلما قال:
عادت له أيامه مسودة * حتى توهم انهن ليال
قال له الحسن والله لا تسود عليك بعد اليوم فلما قال:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى * فالسيل حرب للمكان العالي
وتنظري خبب الركاب ينصها (2) * محيي القريض إلى مميت المال
قام الحسن بن رجاء وقال والله لا أتممتها الا وأنا قائم فقام أبو تمام
لقيامه وقال:
لما بلغنا ساحة الحسن انقضى * عنا تملك (تعجرف) دولة الأمحال
بسط (أحيا) الرجاء لنا برغم نوائب * كثرت بهن مصارع الآمال
أغلى غدارى الشعران مهورها * عند الكرام وإن إذا رخصن غوال
ترد الظنون به على تصديقها * وبحكم الآمال في الأموال
أضحى سمي أبيك فيك مصدقا * بأجل فائدة وأيمن وأصدق فال
ورأيتني فسألت نفسك سيبها * لي ثم جدت وما انتظرت سؤالي
كالغيث ليس له - أريد غمامه (نواله
أو لم يرد - بد من التهطال
فتعانقا وجلسا وقال له الحسن ما أحسن ما جلوت حليت هذه
العروس فقال والله لو كانت من الحور العين لكان قيامك أوفى مهورها قال
محمد بن سعيد (3) فأقام شهرين فأخذ على يدي عشرة آلاف درهم وأخذ غير
ذلك مما لم أعلم به على بخل كان في الحسن بن رجاء اه‍ وفي أخبار أبي
تمام للصولي حدثني أبو الحسن الأنصاري حدثني نصير الرومي قال كنت مع
الحسن بن رجاء فقدم عليه أبو تمام فكان مقيما عنده وكان قد تقدم إلى
حاجبه ان لا يقف ببابه طالب حاجة إلا أعلمه خبره فدخل حاجبه يوما
يضحك فقال ما شانك قال بالباب رجل يستأذن ويزعم أنه أبو تمام الطائي
قال فقل له ما حاجتك قال يقول مدحت الأمير أعزه الله وجئت لأنشده قال
أدخله فدخل فحضرت المائدة فأمره فاكل معه ثم قال له من أنت قال أبو
تمام حبيب بن أوس الطائي مدحت الأمير أعزه الله قال هات مدحك فأنشده
قصيدة حسنة فقال قد أحسنت وقد أمرت لك بثلاثة آلاف درهم فشكر
ودعا. وكان الحسن قد تقدم قبل دخوله إلى الجماعة أن لا يقولوا له شيئا
فقال له أبو تمام نريد أن تجيز لنا هذا البيت وعمل بيتا فلجلج فقال له ويحك
أما تستحي ادعيت اسمي واسم أبي وكنيتي ونسبي وأنا أبو تمام فضحك
الشيخ وقال لا تعجل علي حتى أحدث الأمير أعزه الله قصتي: أنا رجل
كانت لي حال فتغيرت فأشار علي صديق لي من أهل الأدب أن أقصد
الأمير بمدح فقلت له لا أحسن الشعر فقال أنا أعمل لك قصيدة فعمل هذه
القصيدة ووهبها لي وقال لعلك تنال خيرا فقال له الحسن قد نلت ما تريد
وقد أضعفت جائزتك فكان ينادمه ويتولعون به فيكنونه بأبي تمام وفي الكتاب
المذكور حدثني أبو بكر القنطري حدثني محمد بن يزيد المبرد قال ما سمعت
الحسن بن رجاء ذكر قط أبا تمام الا قال ذاك أبو التمام وما رأيت أعلم
بكل شئ منه.
اخباره مع أبي الحسين بن محمد بن الهيثم بن شبابة الخراساني المروزي
ولم نعثر له على ترجمة ولا عرفنا من أحواله شيئا سوى أن لأبي تمام فيه
مدائح كثيرة مذكورة في ديوانه ويظهر من مدائح أبي تمام فيه نباهته وعلو
شأنه واشتهاره وأنه من كبار الأمراء فهو يصفه بأنه ملك ويظهر من كلام
المسعودي في مروج الذهب أنه من المؤلفين فقد قال في مقدمته عند تعداد
الكتب المؤلفة في التاريخ وأسماء المؤلفين فيه: ومحمد بن الهيثم بن شبابة
الخراساني صاحب كتاب الدولة. وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني
عون بن محمد حدثني الحسين بن وداع كاتب الحسن بن رجاء (وفي بعض
المواضع الحسن بن وداع مكبرا) قال حضرت أبا الحسين محمد بن الهيثم
بالجبل وأبو تمام ينشده
اسقى ديارهم اجش هزيم * وغدت عليهم نصرة ونعيم
جادت معاهدهم عهاد سحابة * ما عهدها عند الديار ذميم
وبعد البيتين مما لم يذكره الصولي
سفه الفراق عليك يوم رحيلهم * وبما أراه وهو عنك حليم
ظلمتك ظالمة البري ظلوم * والظلم من ذي قدرة مذموم
زعمت هواك عفا الغداة كما عفت * منها طلول باللوى ورسوم
لا والذي هو عالم أن النوى * صبر وأن أبا الحسين كريم
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت * نفسي على ألف سواك تحوم
لمحمد بن الهيثم بن شبابة * مجد إلى جنب السماك مقيم
ملك إذا نسب الندى من ملتقى * طرفيه فهو له أخ وحميم
كالليث ليث الغاب الا أن ذا * في الروع بسام وذاك شتيم
طحطحت بالخيل الجبال من العدى * والكفر يقعد بالهدى ويقوم
بالسفح من همذان إذ سفحت دما * رويت بجمتة الرماح الهيم
لمعت أسنته فهن مع الضحى * شمس وهن مع الظلام نجوم
غيث حوى كرم الطبائع دهره * والغيث يكرم مرة ويلوم
وبيان ذلك أن أول من حبا * وقرى خليل الله إبراهيم
عرف غدا ضربا نحيفا عنده * شكر الرجال وإنه لجسيم
أخفيته فخفيته (4) وطويته * فنشرته والشخص منه عميم
فلما فرع أمر له بألف دينار وخلع عليه خلعة حسنة وأقمنا عنده يومنا
ومعنا أبو تمام ثم انصرف وكتب اليه في غد ذلك اليوم
قد كسانا من كسوة الصيف خرق * مكتس من مكارم ومساع



(1) الهوادي الأوائل والتوالي الأواخر.
(2) الخبب نوع من السير سريع ونص ناقته استخرج أقصى ما عندها من السير.
(3) في سند الخبر أنه محمد بن سعد فلا شك أنه صحف أحدهما بالاخر.
(4) خفاه أظهره - المؤلف -
481
حلة سابرية ورداء * كسحا القيض أو رداء الشجاع (1)
كالسراب الرقراق في النعت (الحسن) * الا انه ليس مثله في الخداع
قصبيا تسترجف الريح متنيه * بأمر من الهبوب مطاع
رجفانا كأنه الدهر منه * كبد الضب أو حشى المرتاع
يطرد اليوم ذا الهجير ولو * شبه في حره بيوم الوداع
خلعة من أغرا روع رحب الصدر * رحب الفؤاد رحب الذراع
سوف أكسوك ما يعفي عليها * من ثناء كالبرد برد الصناع
حسن هاتيك في العيون وهذا * حسنه في القلوب والأسماع
فقال محمد بن الهيثم: ومن لا يعطي على هذا ملكه والله لا بقي في
داري ثوب إلا دفعته إلى أبي تمام فامر له بكل ثوب كان يملكه في ذلك
الوقت ومن مختار مدائحه فيه قوله:
قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد * وإن هي لم تسمع لنشدان ناشد
لقد أطرق الربع المحيل لفقدهم * وبينهم اطراق ثكلان فاقد
وأبقوا لضيف الحزن مني بعدهم * قرى من جوى سار وطيف معاود
سقته ذعافا عادة الدهر فيهم * وسم الليالي فوق سم الأساود
سآوي بهذا القلب من لوعة الهوى * إلى ثعب من نطفة اليأس بارد
وأروع لا يلقى المقاليد لامرئ * وكل امرئ يلقي له بالمقالد
أغر يداه فرضتا كل طالب * وجدواه وقف في سبيل المحامد
فتى لم يقم فردا بيوم كريهة * ولا نائل الا كفى كل قاعد
ولا اشتدت الأيام إلا ألانها * أشم شديد الوطء فوق الشدائد
بلوناه فيها ماجدا ذا حفيظة * وما كان ريب الدهر فيها بماجد
غدا قاصدا للمجد حتى أصابه * وكم من مصيب قصده غير قاصد
هم حسدوه لا ملومين مجده * وما حاسد في المكرمات بحاسد
يصد عن الدنيا إذا عن سؤدد * ولو برزت في زي عذراء ناهد
إذا المرء لم يزهد وقد صبغت له * بزبرجها الدنيا فليس بزاهد
محمد يا ابن الهيثم بن شبابة * أبي كل دفاع عن المجد ذائد
هم شغلوا يوميك بالبأس والندى * وآتوك زندا في العلى غير خامد
وإن كان عام عارم المحل فاكفه * وإن كان يوم ذا جلاد فجالد
فكم للعوالي فيكم من منادم * وللموت صرفا من حليف معاقد
أفضت على أهل الجزيرة نعمة * إذا شهدت لم تخزهم في المشاهد
جعلت صميم المجد ظلا مددته * على من بها من مسلم ومعاهد
سأجهد حتى أبلغ الشعر شأوه * وإن كان لي طوعا ولست بجاهد
وكتب إلى أبي الحسين محمد بن الهيثم بن شبابة من قصيدة:
فثم الجود مشدود الأواخي * وثم المجد مضروب القباب
وأخلاق كأن المسك فيها * وصفو الراح بالنطف العذاب
يمين محمد بحر خضم * طموح الموج مجنون العباب
يفيض سماحة والمزن مكد * ويقطع والحسام العضب ناب
فلا يبعد زمان منك عشنا * بنضرته ورونقه العجاب
لياليه ليالي الوصل تمت * بأيام كأيام الشباب
كتبت ولو قدرت هوى وشوقا * إليك لكنت سطرا في الكتاب
ومن مدائحه في محمد بن الهيثم بن شبابة قوله من قصيدة:
تجرع أسى قد أقفر الجرع الفرد * ودع حسي عين يحتلب ماءه الوجد
فلا تحسبا هندا لها الغدور وحدها * سجية نفس كل غانية هند
وعين إذا هيجتها عادت الكرى * ودمع إذا استنجدت اسرابه نجد
وكم تحت أرواق الصبابة من فتى * من القوم حر دمعه للهوى عبد
محمد يا ابن الهيثم انقلبت بنا * نوى خطأ في عقبها لوعة عمد
إساءة دهر أذكرت حسن فعله * إلي ولولا الشري لم يعرف الشهد
ليالينا بالرقتين وأهلها * سقى العهد منك العهد فالعهد والعهد
لدى ملك من أيكة الجود لم يزل * على كبد المعروف من فعله برد
بأوفاهم برقا إذا أخلف السنا * وأصدقهم رعدا إذا كذب الرعد
كريم إذا القى عصاه مخيما * بأرض فقد ألقى بها رحله المجد
وقال في أبي الحسين محمد بن الهيثم بن شبابة من قصيدة بعدما مدحه
بالداليتين المتقدمتين فتأخرت صلتهما.
قفا نعط المنازل من عيون * لها في الشوق انواء غزار
عفت آياتهن وأي ربع * يكون له على الزمن الخيار
اثاف كالخدود لطمن حزنا * ونؤي مثلما انفصم السوار
وكانت لوعة ثم اطمأنت * كذاك لكل سائلة قرار
سيبتعث الركاب وراكبيها * فتى كالسيف هجعته غرار
نؤم أبا الحسين وكان قدما * فتى أعمار موعده قصار
أرى الداليتين على جفاء * لديك وكل واحدة نضار
إذا ما شعر قوم كان ليلا * تبلجتا كما انشق النهار
وقال يهنئ محمد بن الهيثم ببرئه من أبيات (2)
ألبسك الله ثوب عافية * في نومك المعتري وفي ارقك
يخرج عن جسمك السقام كما * اخرج ذم الفعال من عنقك
ومن مدائح أبي تمام في ابن شبابة قوله من قصيدة:
نثرت فريد مدامع لم تنظم * والدمع يحمل بعض شوق المغرم
ضعفت جوانح من أذقته النوى * طعم الفراق فذم طعم العلقم
إن شئت أن يسود ظلك كله * فاجعله في هذا السواد الأعظم
ليس الصديق بمن يعيرك ظاهرا * متبسما عن باطن متجهم
ولتعلم الأيام أني فتها * بأبي الحسين محمد بن الهيثم
خدم العلى فخدمنه وهي التي * لا تخدم الأقوام ما لم تخدم
ما ضر أروع يرتقي في همة * علياء ان لا يرتقي في سلم
ان الثناء يسير عرضا في الورى * ومحله في الطول فوق الأنجم
وإذا المواهب أظلمت ألبستها * بشرا كبارقة الحسام المخذم
أن القصائد يممتك شواردا * فتحرمت بنداك قبل تحرم
زهراء أحلى في الفؤاد من المنى * وألذ من ريق الأحبة في الفم
اخباره مع أبي الحسن علي بن إسحاق
كان ابن إسحاق هذا من عمال بني العباس وأمرائهم قال البديعي في



(1) القيض القشر الأعلى من البيضة (والسحا) ما تحته ورداء الشجاع سلخة والشجاع الجية كذا
عن شرح التبريزي لديوان أبي تمام
(2) ذكرنا في ج 12 راوية الشيخ الطوسي في الأمالي ان أشجع السلمي قال هذين البيتين في
الصادق عليه السلام في لما جاء ليمدحه فوجده عليلا وأشجع معاصر لأبي تمام وبين
الروايتين بعض التفاوت قال أشجع.
ألبسك الله منه عافية * في نومك المعتري وفي ارقك
يخرج من جسمك السقام كما * اخرج ذل السؤال من عنقك
والله أعلم أيهما اخذ من الاخر أو حصل بينهما توارد خاطر - المؤلف -
482
هبة الأيام: لما تولى أبو الحسن علي بن إسحاق دمشق وأعمالها كان أبو تمام
قد نازله بفندق بسر من رأى قبل أن يلي دمشق وعزم سهم بن أوس أخو
أبي تمام على الانصراف عن سر من رأى إلى منزله بدمشق وكان أهل بيته
بقرية جاسم من عمل دمشق فكتب أبو تمام مع أخيه سهم إلى علي بن
إسحاق كتابا يذكر فيه حرمته به وأنسه اليه ومنازلته إياه في الفندق بسر من
رأى وجعلها وسيلة لأخيه عنده وضرب له في كتابه مثلا فقال ومثلي مع
الأمير أعزه الله مثل عجوز كانت بالكوفة من جرم قضاعة وكان الوالي على
الكوفة رجلا من عجل فأجرم ابن العجوز جرما فحبس فتعرضت العجوز
للوالي على ظهر الطريق وقالت أصلح الله الأمير لي حاجة ولى بالأمير وسيلة
فقال ما حاجتك وما وسيلتك قالت حاجتي ان تطلق ابني من محبسه
ووسيلتي إليك ان الشاعر جمعني وإياك ببيت السوء حيث يقول:
جاءت به عجز مقابلة * ما هن من جرم ولا عكل
وأنا امرأة من جرم وأنت رجل من عكل فأمر باطلاق ابنها قال
أبو تمام وأنا أقول وسيلتي إليك أيها الأمير منازلتي إياك في الفندق بسر من رأى
مع فتور الماء وكثرة الذباب وكتب إليه في أسفل الكتاب قصيدة نونية يقول
فيها - ولكن في الديوان أنه قالها في أبي الحسن علي بن مرة
أراك أكبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن
لا تكثرن ملامي إذ عكفت على * ربع الحبيب فلم أعكف على وثن
الحب أولى بقلبي في تصرفه * من أن يغادر احشائي بلا شجن
من ذا يعظم مقدار السرود بمن * يهوى إذا لم يعظم موقع الحزن
العيس والهم والليل التمام معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن
أقول للحرة الوجناء لا تهني * فقد خلقت لغير الحوض والعطن
ما يحسن الدهر أن يسطو على أحد * إذا تعلق حبلا من أبي الحسن
كأنني حين جردت الرجاء له * محضا أخذت به سيفا على الزمن
قرم تلين صروف الحادثات له * ولم يخر ساعة منها ولم يلن
فتى تريش جناح الجود راحته * حتى يخال بأن البخل لم يكن
وتشتري نفسه المعروف بالثمن * الغالي ولو أنها كانت من الثمن
له نوال كفيض البحر ممتهن * على الحقوق وعرض غير ممتهن
إذا تبدى علي في كتائبه * لم يحجب الموت عن روح ولا بدن
كم في الندى لك والمعروف من بدع * إذا تصفحت اختيرت على السنن
لي حرمة بك فأحفظها وجازبها * يا حافظ العهد والعواد بالمنن
أولى البرية حقا ان تراعيه (تواتيه) * عند السرور الذي آساك في الحزن
ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن
وفي خاص الخاص للثعالبي أن أحسن ما قيل في كرم العهد قول أبي
تمام في هذين البيتين الأخيرين. قال البديعي فلما قرأ الكتاب وسمع الشعر
حضر سعيد بن عون الشاعر المعروف بالشعباني وكان متمكنا من علي بن
إسحاق ولم يكن لأبي تمام محبا فأوقع فيه فقال علي بن إسحاق ومتى نزلت
منزلا خشنا أو كنت في ضنك من العيش أو حزن فوصفني به في الشعر.
وحرم سهم بن أوس من صلته. قال والبيتان الأخيران نسبهما بعض
المؤرخين لإبراهيم بن العباس الصولي وهو وهم ويدل على أنهما لأبي تمام ما
قاله أبو بكر الخوارزمي من رسالة له وأورد الرسالة وذكر أنه قال في
آخرها: ولقد شهد له على قضيته قول أبي تمام (أولى البرية حقا ان
تواسيه) البيتين قال وشهادة أبي تمام في الكرم تقوم مقام شهادة أمة بل أمم
ولئن كان خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين عند الأنبياء والحكام فإن أبا تمام ذو
الشهادتين عند الأحرار والكرام اه‍ والموجود في الديوان هو البيت الأول
من هذين البيتين دون الثاني وقول علي بن إسحاق السابق ومتى نزلت منزلا
خشنا يدل على أن البيت الثاني أيضا لأبي تمام والله أعلم. اخباره مع مالك بن طوق التغلبي وأخيه عمر بن طوق
كان مالك بن طوق من الأمراء واليه تنسب رحبة مالك بأرض
الجزيرة ولأبي تمام فيه عدة مدائح ثم هجاه فيما زعمه غير الصولي كما
ستعرف وكذلك أخوه عمر بن طوق كان من الأمراء ومدحه أبو تمام فمن
مدائح أبي تمام في مالك بن طوق قوله يمدحه ويستشفع اليه في قوم من
عشيرته أساؤوا من قصيدة أولها:
لو أن دهرا رد رجع جوابي * أو كف من شأويه طول عتابي
يقول فيها:
لا جود في الأقوام يعلم ما خلا * جودا حليفا في بني عتاب
متدفقا صقلوا به أحسابهم
ان السماحة صيقل الأحساب
ولقد أجاد كل الإجادة في قوله (ان السماحة صيقل الأحساب) ثم
أخذ في الاستشفاع اليه لقومه فأبدع في ذلك وأجاد كثيرا وقدم له مقدمة
جميلة ودخل مدخلا حسنا فقال:
يا مالك ابن المالكين ولم تزل * تدعى ليومي نائل وعقاب
لم ترم ذا رحم ببائقة ولا * كلمت قومك من وراء حجاب
للجود باب في الأنام ولم تزل * كفاك مفتاحا لذاك الباب
ورأيت قومك - والإساءة منهم - * جرحى بظفر للزمان وناب
فأقل اسامة جرمها واصفح لها * عنه وهب ما كان للوهاب
رفدوك في يوم الكلاب وشققوا * فيه المزاد بجحفل غلاب
فمضت كهولهم ودبر أمرهم * احداثهم تدبير غير صواب
لا رقة الحضر اللطيف غذتهم * وتباعدوا عن فطنة الأعراب
فإذا كشفتهم وجدت لديهم * كرم النفوس وقلة الآداب
أسبل عليهم ستر عفوك مفضلا * وانفح لهم من نائل بذناب
لك في رسول الله أعظم أسوة * وأجلها في سنة وكتاب
اعطى المؤلفة القلوب رضاهم * كملا ورد اخائذ الأحزاب
وما أحسن وأبدع ما قاله بعد ذلك.
ليس الغبي بسيد في قومه * لكن سيد قومه المتغابي
فاضمم قواصيهم إليك فإنه * لا يزخر الوادي بغير شعاب
والسهم بالريش اللؤام ولن ترى * بيتا بلا عمد ولا أطناب
يا مالك استودعتني لك منة * تبقى ذخائرها على الأحقاب
ثم وصف القصيدة بما ذكرناه في موضع آخر وإذا نظرنا إلى قصيدته
الثانية في مدحه وجدنا فيهمن جودة النظم وحسن التصرف في المعاني
ووجوه البديع والمتانة والقوة والانسجام ما لا مزيد عليه على صعوبة قافيتها
ولكنها لم تخل من سقط مشين فمما ابدع فيه من أبياتها قوله:
قف بالطلول الدارسات علائا (1) * أضحت حبال قطينهن رثاثا
قسم الزمان ربوعها بين الصبا * وقبولها ودبورها أثلاثا



(1) علاثة اسم رجل وقد رخمه اي يا علاثة.
483
ثم اضطرته القافية إلى أن يأتي بألفاظ غريبة وبعضها لا يخلو من قلق
وتنافر كالرعاث والجثجات والكباث فقال.
فتأبدت من كل مخطفة الحشى * غيداء تكسي يارقا ورعاثا (1)
كالظبية الأدماء صافت فارتعت * زهر الربيع الغض والجثجاثا
حتى إذا ضرب الخريف رواقه * صافت برير اراكة وكباثا (2)
ولئن اضطرته القافية إلى هذه القوافي الثلاث فلا ضرورة به إلى
استعمال تأبدت ويارقا وبريرا الا أنه لا عيب عليه في ذلك لأنها ألفاظ
عربية جيدة قد أنس ذهنه بها ولم تكن غريبة عنده وهو يستعمل ألفاظ
العرب الأول وينحو مناحيهم كما ذكرناه في موضع آخر ثم قال فابدع.
سيافة اللحظات يغدو طرفها * بالسحر في عقد النهى نفاثا
ثم عاد باضطرار القافية إلى استعمال الألفاظ الغريبة كالدلاث
والجثجاث والدلهاث وغيرها فقال.
ان الهموم الطارقاتك موهنا * منعت جفونك ان تذوق حثاثا (3)
ورأيت ضيف الهم لا يرضى قرى * الا مداخلة القفار دلاثا (4)
ثم قال يصف الناقة وأبدع.
شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا (5)
ثم عاد إلى استعمال الغريب فقال.
أجد إذا ونت المهارى ارقلت * رقلا كتحريق الغضا جثجاثا (6)
طلبت فتى جشم بن بكر مالكا * ضرغامها وهزبرها الدلهاثا (7)
ثم قال في مديحها فابدع.
ملك إذا استسقيت مزن بنانه * قتل الصدى وإذا استغيث أغاثا
قد جربته تغلب ابنة وائل * لا خاترا غدرا ولا نكاثا
هم مزقوا عنه سبائب حلمه * وإذا أبو الأشبال احرج عاثا
لولا القرابة جاسهم بوقائع * تنسي الكلاب وملهما وبعاثا (8)
فوق متونهن فوارس * مثل الصقور إذا لقين بغاثا
لكن قراكم صفحه من لم يزل * وأبوه فيكم رحمة وغياثا
عمرو بن كلثوم بن مالك الذي * ترك العلى لبني أبيه تراثا
ردعوا الزمان وهم كهول جلة * وسطوا على أحدثه أحداثا
كم مسحب بك لوعدتك قلاصه * تبغي سواك لا وعثت ايعاثا
خولته غيثا أغن وجاملا * دثرا ومالا صامتا وأثاثا
ثم وصف قرى الفلاحين وبيوتهم وحالهم وجعل بلادهم مقابر
اللذات فقال وأجاد وأصاب.
لولا اعتمادك كنت في مندوحة * عن برقعيد وأرض باعيناثا
والكامخية لم تكن لي موطنا * ومقابر اللذات من قبراثا (9)
لم آتها من أي وجه جئتها * الا حسبت بيوتها أجداثا
بلد الفلاحة لو أتاها جرول * أعني الحطيئة لاغتدى حراثا
تصدى بها الافهام بعد صقالها * وترد ذكران العقول إناثا
ارض خلعت اللهو خلعي خاتمي * فيها وطلقت السرور ثلاثا
ومن مدائحه في مالك بن طوق قوله:
قل لابن طوق رجا سعد إذا خبطت * نوائب الدهر أعلاها وأسفلها
أصبحت حاتمها جودا وأحنفها * حلما وكيسها علما ودغفلها
مالي أرى الحجرة البيضاء مقفلة * عني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة * وليس لي عمل زاك فأدخلها
ومن مدائحه في مالك بن طوق قوله من قصيدة.
سلم على الربع من سلمى بذي سلم * عليه وسم من الأيام والقدم
ما دام عيش لبسناه بساكنه * لدنا ولو أن عيشا دام لم يدم
يا منزلا أعنقت فيه الجنوب على * رسم محيل وشعب غير ملتئم
عهدي بمغناك حسان المعالم من * حسانة الجيد والبردين والعنم
بيضاء كان لها من غيرنا * حرم فلم نكن نستحل الصيد في الحرم
كانت لنا صنما نحنو عليه ولم * نسجد كما سجد الأفشين للصنم
ظبي تقنصته لما نصبت له * في آخر الليل إشراكا من الحلم
اليوم يسليك عن طيف ألم وعن * بلى الرسوم بلاء الاينق الرسم
إذا بلغن أبا كلثوم اتصلت * تلك المنى وبلغن الحاج من أمم
بنى به الله في بدو وفي حضر * لتغلب سور عز غير منهدم
رأته في المهد عتاب فقال لها * ذوو الفراسة هذا صفوة الكرم
خذوا هنيئا مريئا يا بني جشم * منه أمانين من خوف ومن عدم
طعان عمرو بن كلثوم ونائله * ان السيور التي قدت من الأدم
مجد رعى تلعات الدهر وهو فتى * حتى غدا الدهر يمشي مشية الهرم
بناء باس وجود صادق ومتى * تبنى العلى من سوى هذين تنهدم
اصفوا ملوك بني العباس كلهم * نصيحة ذخروها عن بني الحكم
وقال يمدح مالك بن طوق حين عزل عن الجزيرة من قصيدة.
تلك الجزيرة مذ تحمل مالك * أضحت وباب الغيث منها مبهم
وعلت قراها غبرة ولقد ترى * في ظله وكأنما هي أنجم
الجو أكلف والجناب لفقده * محل وذاك الشق شق مظلم
اقوت فلم أذكر بها لما خلت * الا منى لما تقضى الموسم
إذ في ديار ربيعة المطر الحيا * وعلى نصيبين الطريق الأعظم
ذل الحمى مذ أوطئت تلك الربى * والغاب مذ أخلاه ذاك الضيغم
لا تألف الفحشاء برديه ولا * يسري اليه مع الظلام المأثم
متبذل في القوم وهو مبجل * متواضع في الحي وهو معظم
حسد العشيرة للعشيرة قرحة * تلدت وسائلها وجرح أقدم
تلكم قريش لم تكن آراؤها * تهفو ولا أحلامها تتقسم
حتى إذا بعث النبي محمد * فيهم غدت شحناؤهم تتضرم



(1) يارق كهاجر ضرب من الأسورة وهو الدستبند العريض فارسي معرب (والرعاث) ككتاب
جمع رعثة بالضم فالسكون ويحرك وهو القرط.
(2) البرير كامير الأول من ثمر الأراك (والكباث) كسحاب النضيج من ثمر الأراك
- المؤلف -
(3) تقول ما ذقت حثاثا بالفتح والكسر اي ما نمت.
(4) الدلاث ككتاب السريعة والسريع من النوق وغيرها.
(5) يقال ناقة شجعاء اي سريعة نقل القوائم (والجرة) بالكسر ويفتح ما يفيض به البعير فيأكله
ثانية واللقمة يتعلل بها البعير إلى وقت علفه (والذميل) نوع من السير سريع (والغراث)
الجياع يقول هذه الناقة سريعة يقول هذه الناقة سريعة السير صبور على الجوع لا تعلل بالجرة عند الجوع بل بالسير
السريع.
(6) ناقة أجد بضمتين قوية موثقة الخلق متصلة فقار الظهر خاص بالإناث والغضا شجر يضرب
بناره وبجمره المثل في الحرارة (والجثجات) في لسان العرب نبات سهلي ربيعي إذا أحس
بالصيف ولى وجف. يقول هذه الناقة في سرعة سيرها كسرعة نار الغضا في الجثجاث).
(7) الدلهاث الأسد والمقدم من الناس
(8) يوم الكلاب ويوم ملهم ويوم البعاث وقائع مشهورة للعرب - المؤلف -
(9) لا تغفل عن الجناس بين مقابر وقبرائنا. - المؤلف -
484
عزبت عقولهم وما من معشر * الا وهم منهم الب وأحزم
لما أقام الوحي بين ظهورهم * ورأوا رسول الله احمد منهم
ومن الحزامة أيها النطف الحشى * ان لا تؤخر من به تتقدم
ولقد جهدتم ان تزيلوا عزه * فإذا أبان قد رسا ويلملم
وطعنتم في مجده فثنتكم * زغف يفل بها السنان اللهذم
يا مال قد علمت ربيعة انه * ما كان مثلك في الاراقم أرقم
وصنيعة لك قد كتمت جزيلها * فأبى تضوعها الذي لا يكتم
مجد تلوح حجوله وفضيلة * لك سافر والحق لا يتلثم
وتشرف العليا وهل بك مذهب * عنها وأنت في المكارم قيم
ثم إنه هجا مالك بن طوق على عادة الشعراء في المدح تارة والهجو
أخرى بحسب الاعطاء والمنع فقال من أبيات وفي الديوان: لم يذكره
الصولي.
فرحلت منقطع القرينة لم * اربع على رسم ولا طلل
متمسك من مالك بقوى * ضعفت وسائلها عن الأمل
لو جئت تطلب منه فائدة * لضربت ضرب غريبة الإبل
فلأغرين به سوائر سر * ح الشعر من رجز ومن رمل
متوجها لهجائه أبدا * وهجاؤه أمر علي ولي
الذنب لي في مالك وأنا * أوطات لي قدما على زلل
وقال يمدح عمر بن طوق التغلبي أخا مالك من قصيدة.
أحسن بأيام العقيق وأطيب * والعيش في اظلالهن المعجب
ومصيفهن المستظل بظله * سرب ألمها وربيعهن الصيب
وظلالهن المشرقات بخرد * بيض كواعب غامضات الا كعب
وأغن من دعج الظباء مربب * بدلن منه أغن غير مربب
فنعمت من شمس إذا حجبت بدت * من نورها فكأنها لم تحجب
وإذا رنت خلت الظباء ولدنها * ربعية واسترضعت في الربرب
يقول في مديحها.
لكن بنو طوق وطوق قبلهم * شادوا المعالي بالثناء الأغلب
فستخرب الدنيا وأبنية العلى * وقبابها جدد بهم لم تخرب
رفعت بأيام الطعان وأغشيت * رقراق لون بالسماحة مذهب
يا طالبا مسعاتهم لتنالها * هيهات منك غبار ذاك الموكب
أنت المعنى بالغواني تبتغي * أقصى مودتها برأس أشيب
في معدن الشرف الذي من حليه * سبكت مكارم تغلب ابنة تغلب
يعطي عطاء المحسن الخضل الندى * عفوا ويعتذر اعتذار المذنب
ومرحب بالزائرين وبشره * يغنيك عن أهل لديه ومرحب
شرس ويتبع ذاك لين خليقة * لا خير في الصهباء ما لم تقطب
صلب إذا أعوج الزمان ولم يكن * ليلين صلب الخطب من لم يصلب
ومنافس عمر بن طوق ماله * من ضغنه غير الحصى والإثلب
تعب الخلائق والنوال ولم يكن * بالمستريح العرض من لم يتعب
بشحوبة في المجد أشرق وجهه * لا يستنير فعال من لم يشحب
نفق المديح ببابه فكسوته * عقدا من الياقوت غير مثقب
أولى المديح بان يكون مهذبا * ما كان منه في أغر مهذب
غربت خلائقه وأغرب شاعر * فيه فأحسن مغرب في مغرب
اخباره مع أبي العباس نصر بن منصور بن بسام
ولم نعثر له على ترجمة. في اخبار أبي تمام للصولي: دخل أبو تمام إلى
نصر بن منصور فأنشده مدحا له فلما بلغ إلى قوله.
أسائل نصر لا تسله فإنه * احن إلى الارفاد منك إلى الرفد
قال له نصر انا والله أغار على مدحك أن تضعه في غير موضعه ولئن
بقيت لأحظرن ذلك الا على أهله وأمر له بجائزة سنية وكسوة فمات نصر
بعد ذلك في شوال سنة (227) وقصيدته التي منها هذا البيت هذا مختارها.
أأطلال هند ساء ما اعتضت من هند * أقايضت حور العين بالعور والربد (1)
فلا دمع ما لم يجر في إثره دم * ولا وجد ما لم تعي عن صفة الوجد
تعصفر خديها العيون بحمرة * إذا وردت كانت وبالا على الورد
إذا زهدتني في الهوى خيفة الردى * جلت لي عن وجه يزهد في الزهد
بنصر بن منصور بن بسام انفرى * لنا شظف الأيام في عيشة رغد
بجود أبي العباس بدل أزلنا * بخفض وصرنا بعد جزر إلى مد
له خلق سهل ونفس طباعها * ليان ولكن عزمه من صفا صلد
أسائل نصر لا تسله فإنه * احن إلى الارفاد منك إلى الرفد
سأحمد نصرا ما حييت وأنني * لأعلم أن قد جل نصر عن الحمد (2)
تجلى به رشدي وأثرت به يدي * وفاض به ثمدي وأورى به زندي
وقال يمدحه من أبيات:
لا شئ ضائر عاشق فإذا نأى * عنه الحبيب فكل شئ ضائره
يا أيهذا السائلي انا شارح * لك غائبي حتى كأنك حاضره
اني ونصرا والرضا بجواره * كالبحر لا يبغي سواه مجاوره
ما ان يخاف الخذل من أيامه * أحد تيقن ان نصرا ناصره
اخباره مع أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافقي
نسبة إلى الرافقة بلدة على شاطئ الفرات قرب الرقة
كان موسى هذا على شرطة ابن عمه عيسى بن منصور بن موسى بن
عيسى الرافقي والي مصر من قبل المعتصم في عهد المأمون وبعثه المعتصم
أميرا على دمشق ولما كان أميرا عليها بعث اليه أبو تمام من الموصل بالقصيدة
السينية الآتي بعضها يدل على ذلك قوله فيها (أية دمشق فقد حويت
مكارما) البيت وقوله في آخرها.
أنا بعثنا الشعر نحوك مفردا * فإذا أذنت لنا بعثنا العيسا
ومدحه بمدائح كثيرة غيرها فلا ندري أجاءه إلى دمشق أو إلى مصر
وأنشده إياها أم كان يبعث بها اليه من الموصل كما بعث اليه بالأولى ولما يئس
أبو تمام من جائزته بعد المدح الكثير والاستحثاث على العطاء هجاه على عادة
الشعراء الذين يمدحون للعطاء ويهجون عند المنع فمن مدائحه فيه قوله من
قصيدة.
أقشيب ربعهم أراك دريسا * وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا
ولئن حبست على البلى لقد اغتدى * دمعي عليك إلى الممات حبيسا
وأرى رسومك موحشات بعدما * قد كنت مألوف المحل أنيسا
رود أصابتها النوى في خرد * كانت بدور دجنة وشموسا
بيض يدرن عيونهن إلى الصبا * فكأنهن بها يدرن كؤوسا



(1) الأعور الغراب والأربد الأسد وبعض الحيات. - المؤلف -
(2) يأتي في المبالغات ان هذا معيب. - المؤلف -
485
وكأنما أهدى شقائقه إلى * وجناتهن ضحى أبو قابوسا
ايه دمشق فقد حويت مكارما * بأبي المغيث وسؤددا قدموسا (1)
وأرى الزمان غدا عليه بوجهه * جذلان بساما وكان عبوسا
فصنيعة تسدى وخطب يعتلى * وعظيمة تكفى وجرح يوسى
لم يشعروا حتى طلعت عليهم * بدرا يشق الظلمة الحنديسا
ما في النجوم سوى تعلة باطل * قدمت وأسس أفكها تأسيسا
ان الملوك هم كواكبنا التي * تخفى وتطلع اسعدا ونحوسا
فتن جلوت ظلامها من بعد ما * مدوا عيونا نحوها ورؤوسا
كم بين قوم انما انفاقهم * مال وقوم ينفقون نفوسا
سار ابن إبراهيم موسى سيرة * سكن الزمان بها وكان شموسا
فأقر واسطة الشام وأنشرت * كفاه جودا لم يزل مرموسا
كانت مدينة عسقلان عروسها * فغدت بسيرته دمشق عروسا
فكأنهم بالعجل ضلوا حقبة * وكأن موسى إذ اتاهم موسى
ألوى يذل الصعب إن هو ساسه * وتلين صعبته إذا ما سيسا
ولذاك كانوا لا يرأس منهم * من لم يجرب حزمه مرؤوسا
من لم يقد فيطير في خيشومه * رهج الخميس فلن يقود خميسا
أعط الرياسة من يديك فلم تزل * من قبل أن تدعى الرئيس رئيسا
تلك القوافي قد أتينك نزعا * تتجشم التهجير والتغليسا
من كل شاردة تغادر بعدها * حظ الرجال من القريض خسيسا
تلهو بعاجل حسنها وتعدها * علقا لأعجاز الزمان نفيسا
وجديدة المعنى إذا معنى التي * تشقى بها الاسماع كان لبيسا
من دوحة الكلم التي لم ينفك * وقفا عليك رصينها محبوسا
كالنجم ان سافرت كان موازيا * وإذا حططت الرحل جليسا
انا بعثنا الشعر نحوك مفردا * فإذا أذنت لنا بعثنا العيسا
وقال يمدحه أيضا من قصيدة أخرى:
ولا حب مشكل النواحي * منخرق السهل والوعوث
لم تزجر العيس في قراه * مذ عصر نوح وعصر شيث
كأن صوت النعام فيه * إذا دعا صوت مستغيث
قلصته بالقلاص تهوي * بالوخد من سيرها الحثيث
يطلبن من عقد وعد موسى * غير سحيل ولا نكيث
بنان موسى إذا استهلت * للناس نابت عن الغيوث
حيث الندى والسدي جميعا * وملجأ الخائف الكريث
والمجد من تالد قديم * ثم ومن طارف حديث
خذها فما نالها بنقص * موت جرير ولا البعيث
وكن كريما تجد كريما * في مدحه يا أبا المغيث
وقال يمدحه أيضا من قصيدة:
لا تنكري أن يشتكي ثقل الهوى * بدني فما أنا من بقية عاد
كم وقعة لي في الهوى مشهورة * ما كنت فيها الحارث بن عباد
الآن جردت المدائح وانتهى * فيض القريض إلى عباب الوادي
وتبجست للجود من نفحاته * قلب يكدن يقلن هل من صاد
أضحت معاطن روضه ومياهه * وقفا على الوراد والرواد
عذنا بموسى من زمان انشرت * سطواته فرعون ذا الأوتاد
جبل من المعروف معروف له * تقييد عادية الزمان العادي
ما لمرئ أسر القضاء رجاءه * إلا رجاؤك أو عطاؤك فاد
ما للخطوب طغت علي كأنها * جهلت بأن نداك بالمرصاد
سل مخبرات الشعر عني هل بلت
في قدح نار المجد مثل زنادي
لم تبق حلبة منطق الا وقد * سبقت سوابقها إليك جيادي
أبقين في أعناق جودك جوهرا * أبقى من الأطواق في الأجياد
وفي آخر هذه القصيدة يلوح له بالهجاء ويبعثه على العطاء فيقول
وغدا تبين كيف غب مدائحي * ان ملن بي هممي إلى بغداد
ومفاوز الآمال يبعد شأوها * إن لم يكن جدواك فيها زادي
ومن العجائب شاعر قعدت به * هماته أوضاع عند جواد
ومكث أبو تمام مدة ينتظر معروف أبي المغيث فلم يكن من ذلك شئ
فقال قصيدة يمدحه في أولها ثم يعاتبه ويستبطئه ويكثر عتابه ويقارب الهجو
ولا يلج بابه وما في الديوان من أنها في عياش ابن لهيعة وقيل في أبي المغيث
ليس بصواب للتصريح فيها بأنها في أبي المغيث وأولها:
نسج المشيب له قناعا مغدفا * يققا فقنع مذرويه ونصفا
ثم ابتدأ بمدح أبي المغيث ووصفه بالشجاعة فقال:
لله در أبي المغيث إذا رحى * للحرب دارت ما أعز وأشرفا
ثم أكثر من وصفه بالكرم الذي هو بيت القصيد فقال:
يتعرف المعروف في لحظاته * بإزاء صرف الدهر حيث تصرفا
عكفت يداه على السماح فأصبحت * آمالنا وقفا عليه عكفا
كم وقعة لك في الندى مشهورة * تركت جبال المال قاعا صفصفا
ثم استثاره على بذل الجود بوعده بالمدائح الكثيرة وبالشكر الذي
ينسي متلفا ما اتلف فقال:
ثقف قني الجود تلق قصائدا * لاقت أو ابدهن فيك مثقفا
ثم أخذ في عتابه واستبطائه بافافين الكلام فقال:
لا تنس تسعة أشهر أنضيتها * دأبا وأضنتني إليك ونيفا
بقصائد لم يرو بحرك وردها * ولو الصفا وردت لفجرت الصفا
لله أي وسيلة في أول * أقوى ولكن آخرا ما أضعفا
اني أخاف وأرتجي عقباك أن * تدعى المطول وأن اسمى الملحفا
قد كان أصغر همتي مستغرقا * كرم الربيع فصرت أرضى الصيفا
ما عذر من كان النوال مطيعه * والطبع منه أن يجود تكلفا
ان أنت لم تفضل ولم تر انني * أهل له فأنا أرى (فاقلها) ان تنصفا
أسرفت في منعي وعادتك التي * ملكت عنانك أن تجود فتسرفا
الله جارك وهو جارك أن يهي (2) * ما سلف التأميل فيك وخلفا
لا تصرفن نداك عمن لم يدع * للقول عنك إلى سواك تصرفا
ثم خاطبه بما يشبه التهديد ويلوح إلى الهجاء فقال:
كم ماجد سمح ألظ بجوده * مطل فأصبح وجه نائله قفا
لم آل فيك تعسفا وتعجرفا * وتالفا وتلطفا وتطرفا
وأراك تدفع حرمتي فلعلني * ثقلت غير مؤنب فاخففا
ثم قال يمدحه ويعرض له بالهجاء وما في هبة الأيام من أنها في



(1) قدموس قديم. - المؤلف -
(2) الله جارك أن تحول وأن يهي خ.
486
عياش بن لهيعة الحضرمي اشتباه فقد صرح فيها بأنها في أبي المغيث قال:
وثناياك أنها إغريض (1) * ولآل تؤم وبرق وميض
وأقاح منور في بطاح * هزه في الصباح روض أريض
وارتكاض الكرى بعينيك في النوم * فنونا وما لعيني غموض
لتكادنني غمار من الأحادث * لم أدر أيهن أخوض
أثارتني الأيام بالنظر الشزر * وكانت وطرفها لي غضيض
كيف يمسي برأس علياء مضح * وجناح السمو منه مهيض
همة تنطح النجوم وجد * آلف للحضيض فهو حضيض
وبساط كأنما الآل فيه * وعليه سحق الملاء الرحيض (2)
قد فضضنا من بيده خاتم الخوف * وما كل خاتم مفضوض
بالمهارى يجلن فيه وقد جالت * على مسنماتهن الغروض
جازعات سود المرورات تهديها * وجوه لمكرماتك بيض
لن يهز التصريح للمجد والسؤدد * من لم يهزه التعريض
كن مآبا أبا المغيث فما زلت * مآبا يأوي إليك الجريض
كل يوم نوع يقفيه نوع * وعروض تتلوه فيك عروض
وقواف قد ضج منها لما استعمل * فيها المرفوع والمخفوض
المديح الجزيل والشكر والصدق * ومر العتاب والتحريض
وحياة القريض أحياؤك الجود * فإن مات الجود مات القريض
كن طويل الندى عريضا فقد سار * ثنائي فيك الطويل العريض
إنما صارت البحار بحارا * انها كلما استفيضت تفيض
يا محب الاحسان في زمن أصبح * فيه الاحسان وهو بغيض
قل لعا لابن عثرة ماله منها * بشئ سوى نداك نهوض
لا تكن لي ولن تكون كقوم * عودهم حين يعجمون رضيض
عندهم محضر من البشر مبسوط * لعاف ونائل مقبوض
وأقل الأشياء محصول نفع * صحة القول والفعال مريض
وقال يعاتبه في ضنه عليه بحاجة ويحوم حول هجوه
اني لأستحيي يقيني أن يرى * لشكي في شئ عليه دليل
وما زال لي علم إذا ما نصصته * كثير بأن الظرف فيك قليل
وإن يك عدا عن سواك إليك بي * رحيل فلى في الأرض عنك رحيل
أبى الحزم لي مكثا بدار مضيعة * وعيس أبوها شدقم وجديل
أبعد التي ما بعدها متلوم * عليك لحر قلت أنت عجول
سأقطع أرسان العتاب بمنطق * قصير عناء الفكر فيه طويل
وإن امر أضننت يداه على امرئ * بنيل يد من غيره لبخيل
فلما لم تند صفاة أبي المغيث بعد كل هذا العتاب هجاه أبو تمام عدة
أهاج فمن هجائه فيه قوله من أبيات:
غاب الهجاء فآب فيك بديعه * فتهن يا موسى قدوم الغائب
لا تكلفن وأرض وجهك صخرة * في غير منفعة مؤونة حاجب
خذ من غدي الجائي بخزيك ضعف ما أعطيتني في صدر املي الذاهب
فلا تحفن الركب فيك بشرد * انس يقمن مقام زاد الراكب
وقوله من أبيات:
هب من له شئ يريد حجابه * ما بال لا شئ عليه حجاب
ما ان سمعت ولا أراني سامعا * ابدا بصحراء عليها باب
من كان مفقود الحياء فوجهه * من غير بواب له بواب
وقوله من أبيات:
يا حرونا في البخل قد وأبي * بخلك عوقبت بالأصم الجموح
ببعيد المدى قريب المعاني * وثقيل الحجى خفيف الروح
سجرت كفه بحور القوافي * لك عند التعريض والتصريح
لججا لست سالما من تقاليها * ولو كنت في سفينة نوح
وقوله ولا يوجد في ديوانه
أمويس قل لي أين أنت من الورى * لا أنت معلوم ولا مجهول
أما الهجاء فدق عرضك دونه * والمدح فيك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه * عرض عززت به وأنت ذليل
قال البديعي والبيتان الأخيران ينسبان لغير أبي تمام وقال فبلغ أبا
المغيث شئ من هذه الأهاجي فاعتذر اليه أبو تمام بالقصيدة الآتية وتبرأ من
هجوه (أقول) وكيف يرجو بره بعدما هجاه فيعتذر اليه وقد منعه بره قبل
أن يهجوه فكيف بعد هجوه الا أن يكون أبو تمام ظن أنه بعد الهجو يخاف
من الزيادة فيجود فلذلك اعتذر اليه ومدحه فقال من قصيدة:
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشائع من برد
وأنجدتم من بعد اتهام داركم * فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
لعمري لقد أخلقتم جدة البكا * علي وجددتم به خلق الوجد
ومن زفرة تعطي الصبابة حقها * وتوري زناد الشوق تحت الحشى الصلد
ومن كل غيداء التثني كأنما * اتتك بليتيها من الرشأ الفرد
كأن عليها كل عقد ملاحة * وحسنا وإن أمست وأضحت بلا عقد
ومن فاحم جعد ومن قمر سعد * ومن كفل نهد ومن نائل ثمد
سأجهد نفسي والمطايا فإنني * أرى العفو لا يمتاح الا من الجهد
سرين بنا رهوا ووخدا وإنما * يبيت ويمسي النجح في ذمة الوخد
قواصد بالسير الحثيث إلى أبي * المغيث فما تنفك ترقل أو تخدي
إلى مشرق الأخلاق للجود ما حوى * ويحوي وما يخفي من الأمر أو يبدي
إذا وعد انهلت يداه فأهدتا * لك النجح محمولا على كاهل الوعد
دلو حان تفتر المكارم عنهما * كما الغيث مفتر عن البرق والرعد
سرت تحمل العتبى إلى العتب والرضى * إلى السخط والعفو المبين إلى الحقد
أموسى بن إبراهيم دعوة خامس * به ظمأ التثريب لا ظمأ الورد
جليد على ريب الخطوب وعتبها * وليس على عتب الأخلاء بالجلد
أتاني مع الركبان ظن ظننته * لففت له رأسي حياء من المجد
لقد نكب الغدر الوفاء بساحتي * إذا وسرحت الذم في مسرج الحمد
وهتكت بالقول الخنا حرمة العلى * وأسلكت حر الشعر في مسلك العبد
نسيت إذا كم من يدلك شاكلت * يد القرب أعدت مستهاما على البعد
ومن زمن ألبستنيه كأنه * إذا ذكرت أيامه زمن الورد
وانك أحكمت الذي بين فكرتي * وبين القوافي من ذمام ومن عقد
واصلت شعري فاعتلى رونق الضحى * ولولاك لم يظهر زمانا من الغمد
فكيف وما أخللت بعدك بالحجى * وأنت فلم تخلل بمكرمة بعدي
أسربل هجر القول من لو هجوته * إذا لهجاني عنه معروفه عندي



(1) الأغريض الطلع - المؤلف -
(2) البساط ما اتسع من الأرض (والآل) السراب (والسحق) الخلق (والرحيض) المغسول
الأبيض. - المؤلف -
487
كريم متى أمدحه أمدحه والورى * معي وإذا ما لمته لمته وحدي
فإن يك جرم عن اوتك هفوة * على خطأ مني فعذري على عمد
أخباره مع عياش بن لهيعة الحضرمي
وهو عياش بن لهيعة بن فرعان بن ربيعة بن ثوبان الحضرمي ثم
الأعدولي نسبة إلى أعدول بطن من الحضارمة ويقال الغافقي المصري والذي
في الديوان الاقتصار على عياش بن لهيعة الحضرمي وباقي آبائه أخذناه من
تهذيب التهذيب في ترجمة لهيعة وابنه عبد الله حيث رجحنا ان لهيعة المترجم
في تهذيب التهذيب هو والد عياش هذا بدليل وصف كل منهما بالحضرمي
وكون كليهما مصريا وهم من أهل بيوتات مصر فأبوه لهيعة كان من الرواة
وأخوه عبد الله بن لهيعة كان قاضيا فقيها راويا مكثرا لقي 72 تابعيا وحفيد
أخيه أحمد بن عيسى بن عبد الله بن لهيعة وابن أخيه لهيعة بن عيسى بن
لهيعة كانا من الرواة وأصلهم من اليمن أما عياش هذا فلم يتيسر لنا الآن
مع الفحص معرفة شئ من أحواله سوى أنه كان بمصر وله نباهة بإمارة
ونحوها بدليل قصد أبي تمام له إلى مصر ومدحه كما يأتي. في هبة الأيام سار
أبو تمام إلى مصر قاصدا عياش بن لهيعة الحضرمي ومدحه اه‍ فمن مدائحه
فيه قوله من قصيدة:
لي حرمة بك أضحى حق نازلها * وقفا عليك فدتك النفس محبوسا
لله أفعال عياش وشيمته * تزيده كرما ان ساس أو سيساما
شاهد اللبس الا كان متضحا * ولا رأى الحق إلا كان ملموسا
فاضت سحائب من أنعامه فطمت * نعماه بالبوس حتى اجتثت البوسا
فرع علا في سماء العز متخذا * أصلا ثوى في قرار المجد مغروسا
ومن مدائحه فيه قصيدة هذا مختارها
رضيت الهوى والشوق خدنا وصاحبا * فان أنت لم ترضي بذلك فاغضبي
ولي بدن يأوي إذا الحب ضافه * إلى كبد حرى وقلب معذب
تصدع شمل القلب من كل وجهة * وتشعبه بالبث من كل مشعب
بمختبل ساج من الطرف احور * ومقتبل صاف من الثغر أشنب
من المعطيات الحسن والمؤتياته * مجلببة أو عاطلا لم تجلبب
لو أن امرأ القيس بن حجر بدت له * لما قال (مر أبي علي أم جندب)
أحاولت ارشادي فعقلي مرشدي * أم استمت تأديبي فدهري مؤدبي
هما أظلما حالي ثمت أجليا * ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب
كان له دينا على كل مشرق * من الأرض أو ثارا لدى كل مغرب
رأيت لعياش خلائق لم تكن * لتكمل الا في اللباب المهذب
له كرم لو كان في الماء لم يغض * وفي البرق ما شام امرؤ برق خلب
أخو أزمات بذله بذل محسن * الينا ولكن عذره عذر مذنب
إذا أمه العافون الفوا حياضه * ملاء والفوا روضه غير مجدب
إذا قال أهلا مرحبا نبعث لهم * مياه الندى من تحت أهل ومرحب
يهولك أن تلقاه صدرا لمحفل * ونحرا لأعداء وقلبا لموكب
بأروع مضاء على كل أروع * وأغلب مقدام على كل أغلب
همام كنصل السيف كيف هززته * وجدت المنايا منه في كل مضرب
وما ضيق أقطار البلاد أضافني * إليك ولكن مذهبي فيك مذهبي
وأنت بمصر غايتي وقرابتي * بها وبنو أبيك فيها بنو أبي
فقومت لي ما أعوج من قصد همتي * وبيضت لي ما اسود من وجه مطلبي
وهاك ثياب المدح فاجرر ذيولها * عليك وهذا مركب الحمد فاركب
ولكنه لم يقل لأبي تمام اهلا ومرحبا فلم تنبع له مياه الندى من تحتهما
فلذلك قال يستبطئه من قصيدة:
غابت نجوم السعد يوم صدودهم * وأساءت الأيام فيها محضري
قتلته سرا ثم قالت جهرة * قول الفرزدق لا بظبي أعفر
ورأت شحوبا رابها في جسمه * ما ذا يريبك من جواد مضمر
ما كع عن حرب الزمان ورميه * بالصبر الا أنه لم ينصر
ما ان يزال مجد حزم مقبل * متوطئا أعقاب رزق مدبر
كم ظهر مرت مقفر جاوزته * فحللت ربعا منك ليس بمقفر
جودا كجود السيل الا أن ذا * كدر وان نداك غير مكدر
الفطر والأضحى قد انسلخا ولي * أمل ببابك صائم لم يفطر
حول ولم ينتج نداك وانما * تتوقع الحبلى لتسعة أشهر
قصر ببذلك عمر مطلك تحولي * حمدا يعمر عمر سبعة أنسر
كم من كثير البذل قد جازيته * شكرا بأطيب من نداه وأكثر
شر الأوائل والأواخر ذمة * لم تصطنع وصنيعة لم تشكر
أفديك مورق موعد لم يفدني * من قول باع انه لم يثمر
ولما لم ينجع فيه ذلك قال يعاتبه عتابا شبيها بالهجاء وينسب إعراضه
إلى قوم أفسدوه عليه من أبيات.
ذل السؤال شبحي في الحلق معترض * من دونه شرق من تحته جرض
ما ماء كفك ان جادت وان بخلت * من ماء وجهي إذ أفنيته عوض
من أشتكي وإلى من اعتزى وندى * من أجتدي كل أمر فيك منتقض
مودة ذهب أثمارها شبه * وهمة جوهر معروفها عرض
أظن عندك أقواما وأحسبهم * لم يأتلوا في ما أعدوا وما ركضوا
يرمونني بعيون حشوها شزر * نواطق عن قلوب حشوها مرض
لولا صيانة عرضي وانتظار غد * والكظم حتم علي الدهر مفترض
لما فككت رقاب الشعر عن فكري * ولا رقابهم الاوهم حيض
أصبحت يرمي نباهاتي بخاملة * من كله لنبالي كلها غرض
هجاؤه في عياش
فلما لم ينجع ذلك تدرج إلى الهجو فقال فيه من ابيات فيها هجو فيه
احتشام وتهديد بالزيادة ويظهر منها انه لم يكن قد انقطع أمله منه بالكلية
وان غلب على ظنه اليأس.
حضرمت دهري وأشكالي بكم ولكم * حتى بقيت كأني لست من أدد
ثم أطرحتم قراباتي وآصرتي * حتى توهمت اني من بني أسد
ثم انصرفت إلى نفسي لأظارها * إلى سواكم فلم تهشش إلى أحد
ومدح من ليس أهل المدح أحسبه * نفسي تفصل من قلبي ومن كبدي
قوم إذا أعين الآمال جلنهم * رجعن مكتحلات عائر الرمد
وطلعة الشعر اقلى في عيونهم * وفي قلوبهم من طلعة الأسد
قل قولة فيصلا تمضي حكومتها * في المنع ان عن لي منع أو الصفد
يحصن بها سندي أو يمتنع عضدي * أو يدن لي امدى أو يعتدل اودي
ان كنت في المطل ذا صبر وذا جلد * فلست في الذم ذا صبر وذا جلد
وحين أيقن باليأس وعلم أن رجاءه من الوسواس خرج من الاحتشام
إلى الأقذاع فقال فيه من ابيات:
ستعلم يا عياش ان كنت تعلم * فتندم ان خلاك جهلك تندم
وقفت عليك الظن حتى كأنما * لديك الغنى أوليس في الأرض درهم

488
وكفكفت عنك الذم حتى كأنما * أجارك مجد أو كأنني مفحم
تركتك ما ان في أديمك ظاهر * ولا باطن إلا ولي فيه ميسم
وانك من مال وجود ومحتد * لأعدم من أن يستريشك معدم
وما لي أهجو حضر موت كأنهم * أضاعوا ذمامي أو كأنك منهم
وقال يهجوه أيضا ويعرض بأن أصله ليس بعربي.
عياش انك للئيم وانني * إذ صرت موضع مطلبي للئيم
دنس تدبر أمره شيم له * شكس يدبر أمرهن اللوم
ومنازل لم تبق فيها ساحة * إلا وفيها سائل محروم
عرصات سوء لم يكن لسيد * وطنا ولم يربع بهن كريم
جردت في ذميك خيل قصائدي * جالت بك الدنيا وأنت مقيم
الحقن بالجميز (1) أصلك صاغرا * والشيح يضحك منك والقيصوم (2)
طبقات شحمك ليس يخفى انها * لم يبنها آء (3) ولا تنوم (4)
يا شاربا لبن اللقاح (5) تعربا * الصير (6) من يفنيه والحالوم (7)
والمدعي صوران (8) منزل جده * قل لي لمن أهناس والفيوم (9)
وقال فيه أيضا من قصيدة.
فقدتك من زمان كل فقد * وغالت حادثاتك كل غول
محت نكباته سبل المعالي * و أطفأ ليله سرج العقول
فما حيل الأديب بمدركات * عجائبه ولا فكر الأصيل
أعياش ارع أو لا ترع حقي * وصل أو لا تصل أبدا وسيلي
آراك - ومن أراك الغي رشدا - * ستلبس حلتي قال وقيل
ملاحم من لباب الشعر تنسي * قراة أبيك كتب أبي قبيل (10)
فأجدى موقفي بذراك جدوى * وقوف الصب في الطلل المحيل
فصرت أذل من معنى دقيق * بفقر إلى فهم جليل
فما أدري عماي عن ارتيادي * دهاني أم عماك عن الجميل
متى طابت جنى وزكت فروع * إذا كانت خبيثات الأصول
ندبتك للجزيل وأنت لغو * ظلمتك لست من أهل الجزيل
كلا أبويك من يمن ولكن * كلا أبوي نوالك من سلول
رويدك ان جهلك سوف يجلو * لك الظلماء عن خزي طويل
شأظعن عالما ان ليس برء * لسقمي كالوسيج وكالذميل
وقال فيه من أبيات:
ليسودن بقاع وجهك منطقي * أضعاف ما سودت وجه قصيدي
وليفضحنك في المحافل كلها * صدري كما فضحت يداك ورودي
ما كان يخبرني القياس بباطل * عنكم ولكن حرت (عشت بالتقليد
ما كل من شاء استمرت بالندى * يده ولا استوطا فراش الجود
وقال فيه من أبيات:
ألف الهجاء فما يبالي عرضه * أهجاه ألف أم هجاه واحد
سمجت بك الدنيا فما لك حامد * وسمجت بالدنيا فما لك حاسد
فلأشهرن عليك شنع أوابد * يحسبن أسيافا وهن قصائد
فيها لأعناق اللئام جوامع * تبقى وأعناق الكرام قلائد
يلزمن عرض قفاك وسم خزاية * لم يخزها بأبي عيينة خالد (11)
والله يعلم أن شعرا شابه * فيك الهجاء أو المديح لكاسد
وقال في عياش بن لهيعة من أبيات.
كذبتم ليس يزهى من له حسب * ومن له أدب عمن له أدب
يا أكثر الناس وعدا حشوه خلف * وأكثر الناس قولا كله كذب
اخباره مع الشعراء
كان في عصر أبي تمام جماعة من الشعراء وفيهم شعراء مفلقون
بعضهم موال له وبعضهم معاد وله معهم أخبار طريفة.
اخباره مع عبد الصمد بن المعذل العبدي
كان عبد الصمد هذا شاعرا فصيحا من شعراء الدولة العباسية
بصري المولد والمنشأ وكان هجاء خبيث اللسان شديد العارضة كذا في
الأغاني قال ابن خلكان: قصد أبو تمام البصرة وبها عبد الصمد ابن المعذل
الشاعر فلما سمع بوصوله وكان في جماعة من غلمانه وأتباعه خاف من قدومه
أن يميل الناس اليه ويعرضوا عنه فكتب اليه قبل دخول البلد:
أنت بين اثنتين تبرز للناس (13) * وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفك راجيا لوصال * من حبيب أو طالبا لنوال
أي ماء يبقى لوجهك هذا (14) * بين ذل الهوى وذل السؤال
فلما وقف عليها أضرب عن مقصده ورجع وقال قد شغل هذا ما يليه
فلا حاجة لنا فيه ولما قال ابن المعذل هذه الأبيات في أبي تمام كتبها ودفعها
إلى وراق كان هو وأبو تمام يجلسان اليه ولا يعرف أحدهما الآخر وأمره أن
يدفعها إلى أبي تمام فلما وافى أبو تمام وقرأها قلبها وكتب.
أفي تنظم قول الزور والفند * وأنت انقص من لا شئ في العدد
أشرجت قلبك من غيظ على حرق * كأنها حركات الروح في الجسد
أقدمت ويلك من هجوي على خطر * كالعير يقدم من خوف على الأسد
وحضر عبد الصمد فلما قرأ البيت الأول قال ما أحسن علمه بالجدل
أوجب زيادة ونقصا على معدوم ولما نظر إلى البيت الثاني قال الاشراج من
عمل الفراشين ولا مدخل له هاهنا فلما قرأ البيت الثالث عض على شفته.
وقال الصولي قد ذكر ذلك أبو الفتح محمود بن الحسين المعروف بكشاجم في
كتاب المصايد والمطارد عند قوله وأغفل الجاحظ في باب ذكر انقياد بعض



(1) الجميز بضم الجسم وتشديد الميم المفتوحة التين الذاكر.
(2) الشيح والقيصوم من نبات العرب.
(3) الآء ثمر شجر تأكله النعام.
(4) التنوم كتنور شجر له ثمر تأكله النعام حبه كحب الخروع تأكله أهل البادية.
(5) اللقاح بالكسر جمع لقوح كصبور وهي الناقة الحلوب.
(6) الصير بالكسر السميكات المملوحة تعمل منها الصحناء وهو ادام يتخذ من السمك الصغار.
(7) الحالوم ضرب من الاقط أو لبن يغلظ فيصير شبيها بالجبن الطري وهي لغة مصرية والصير
والحالوم يكثر اتخاذهما بمصر فلذلك عيره بهما ولا بد أن يكون أبو تمام اقتاتهما أيام كان يسقي
الماء بالجرة في المسجد الجامع بمصر ثم صار يعير عياشا بهما فسبحان المغير.
(8) صوران بالفتح بلدة باليمن.
(9) أهناس والفيوم بلدتان بمصر - المؤلف -.
(10) أبو قبيل حي بن هانئ المعافري المصري من الرواة كان يخطئ ولهيعة أبو عياش لما كان من
الرواة قال عنه أبو تمام هذا القول.
(11) نوعان من السير - المؤلف -
(12) هو خالد بن عبد الله بن أسيد ولاه عبد الملك بن مروان العراق وأمره بحرب الخوارج فهزموه
وأبو عيينة هو ابن المهلب بن أبي صفرة كان له بلاء في حربهم.
(13) المعذل بالذال المعجمة ورسمه بالدال كما في بعض المواضع تصحيف - المؤلف -.
(14) في رواية الصولي (تغدو مع الناس)
(15) هكذا رواه ابن خلكان والصواب رواية الصولي (أي ماء لماء وجهك يبقى) كما يأتي -
المؤلف -.
489
المأكولات لبعض الآكلات ذكر الحمار الذي يرمي بنفسه على الأسد إذا شم
ريحه (اه‍) ابن خلكان (وقد) اختلفت كلماتهم في هذه القصة التي جرت
بين أبي تمام وابن المعذل فرواها ابن خلكان كما سمعت وروايته لا تخلو من
تناف فما ذكره أولا يدل على أنه ارسل اليه الأبيات قبل أن يدخل البصرة
وانه لما قرأها رجع ولم يدخلها وما ذكره ثانيا يدل على أنه أرسلها اليه
بواسطة وراق فإن كان هذا الوراق بالبصرة - كما هو الظاهر - فقد دخلها أبو
تمام ووصلته الأبيات وهو فيها واجتمع بابن المعذل فنافى ما ذكره أولا وان
كان الوراق خارج البصرة فقد وصلت أبا تمام لما أراد دخول البصرة فما وجه
ارسالها اليه ثانيا. وروى الصولي في أخبار أبي تمام انه عزم على الانحدار
إلى البصرة والأهواز لمدح من بها فبلغ ذلك ابن المعذل فكتب اليه بالأبيات
الثلاثة فلما قرأها قال قد شغل هذا ما يليه فلا أرب لنا فيه واضرب عن
عزمه (اه‍) ولم يذكر غير ذلك سوى انه روى البيت الأخير في غير موضع
(أي ماء لماء وجهك يبقى) وصرح بأنه جعل للماء ماء. وفي الأغاني عن
ابن مهرويه عن عبد الله بن يزيد الكاتب قال جمع بين أبي تمام الطائي وبين
عبد الصمد بن المعذل مجلس وكان عبد الصمد سريعا في قول الشعر
وكان في أبي تمام ابطاء فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه وذكر الأبيات
الثلاثة سوى انه ذكر البيت الأخير هكذا (أي ماء لحر وجهك يبقى) قال
فأخذ أبو تمام القرطاس وخلا طويلا وجاء وقد كتب فيه:
أفي تنظم قول الزور والفند * وأنت أنزر من لا شئ في العدد
أشرجت قلبك من بغضي على حرق * كأنها حركات الروح في الجسد
فقال له عبد الصمد وذكر شتما قبيحا اعرضنا عن ذكره ومما قال يا
غث أخبرني عن قولك انزر من لا شئ وقولك أشرجت قلبك قلبي مفرش
أو عيبة أو خرج فاشرجه فما رأيت أغث منك فانقطع أبو تمام انقطاعا ما
يرى أقبح منه وقام فانصرف وما راجعه بحرف قال أبو الفرج: كان في ابن
مهرويه تحامل على أبي تمام لا يضر أبا تمام هذا منه وما أقل ما يقدح مثل
هذا في مثل أبي تمام (اه‍) ومنافاة هذا لما مر عن ابن خلكان ظاهرة فهو
مناف لما ذكره أولا ولما ذكره ثانيا ثم إن في هذه الحكاية التي ذكرها أبو الفرج
ما يستلفت النظر (أولا) قوله وكان في أبي تمام ابطاء وقوله وخلا طويلا فأبو
تمام الذي قال بديها في أثناء الإنشاد لما قيل له الأمير فوق من وصفت.
لا تعجبوا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
لا يعجزه أن يجيب على البداهة ابن المعذل عن شعره السخيف هذا
حتى يحتاج إلى الابطاء والخلوة طويلا (ثانيا) قوله فانقطع أبو تمام انقطاعا ما
يرى أقبح منه يصعب تصديقه فان هذه السخافة التي أوردها عبد الصمد لا
توجب انقطاع أبي تمام ولا عجزه عن جوابها وان صح ما ذكره من الشتم
القبيح لأبي تمام فالأصوب أن يكون أبو تمام صان نفسه عن جوابه وقام
وانصرف وأولى بالصواب ما مر عن ابن خلكان من أنه قرأ البيت الثالث
عض ابن المعذل على شفته ثم إن الذي في الديوان أنه قال هذه الأبيات في
هجو محمد بن يزيد لكن مع تغيير وزيادة.
أفي تنظم قول الزور والفند * وأنت أنزر من لا شئ في العدد
أسرجت قلبك من بغضي على حرق * أضر من حرقات الهجر للجسد
أنحفت جسمك حتى لو هممت بأن * ألهو بصفعك يوما لم تجدك يدي
لا تنتسب قد حويت الفخر مجتمعا * ولذكر إذ صرت منسوبا إلى حسدي
أضللت روعك حتى صرت لي غرضا * قد يقدم العير من ذعر على الأسد
فهذا ما وقفنا عليه من اختلاف كلماتهم في هذه القصة
اخباره مع أبي الهيثم خالد بن يزيد الكاتب البغدادي
واصله من خراسان وكان أحد كتاب الجيش ووسوس في آخر عمره
كذا في الأغاني وفيه أيضا ان خالدا هذا هجا أبا تمام بأبيات ثلاثة اعرضنا
عن ذكرها لما فيها من الفحش فبلغ أبا تمام ذلك فقال فيه أبياتا منها قوله.
شعرك هذا كله مفرط * في برده يا خالد البارد
فعلقها الصبيان ولم يزالوا يصيحون به يا خالد يا بارد حتى وسوس
وحكى ذلك صاحب معاهد التنصيص عن الرياشي ولم أجد الأبيات التي
هذا البيت منها في ديوان أبي تمام.
اخباره مع أبي إسحاق إبراهيم المدبر
وهو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر المتوفى 279
في الأغاني إبراهيم هذا شاعر كاتب متقدم من وجوه كتاب أهل العراق
ومتقدميهم وذوي الجاه والمتصرف في كبار الأعمال ومذكور الولايات
وكان المتوكل يقدمه ويؤثره ويفضله (اه‍) (والمدبر)
الذي يقول له مولاه
أنت حر بعد وفاتي وكان أبوه أو أحد أجداده كذلك وكان ابن المدبر يعادي
أبا تمام ويتعصب عليه ولا يوفيه حقه قال الصولي في أخبار أبي تمام حدثني
عبد الله بن المعتز قال كان إبراهيم بن المدبر يتعصب على أبي تمام ويحطه عن
رتبته فلا حاني فيه يوما فقلت له أتقول هذا لمن يقول (غدا الشيب مختطا
بفودي خطة) الأبيات الآتية عند ذكر أشعاره في الشيب وفيمن يقول - في
رثاء محمد بن حميد الطائي -.
فان ترم عن عمر تدانى به المدى * فخانك حتى لم تجد فيه منزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا
ولمن يقول:
خشعوا لصولتك التي (1) عودتهم * كالموت يأتي ليس فيه عار
فالمشي همس والنداء إشارة * خوف انتقامك والحديث سرار
أيامنا مصقولة أطرافها * بك والليالي كلها أسحار
تندى عفاتك للعفاة وتغتدي * رفقا إلى زوارك الزوار
قال وأنشدته أيضا غير ذلك فكأني والله ألقمته حجرا. ثم قال
الصولي في موضع آخر من كتاب اخبار أبي تمام: ومن الافراط في عصبيتهم
عليه ما حدثني به أبو العباس عبد الله بن المعتز قال حدثني إبراهيم بن المدبر -
ورأيته يستجيد شعر أبي تمام ولا يوفيه حقه بحديث حدثنيه أبو عمرو بن
أبي الحسن الطوسي وجعلته مثلا له قال وجه بي أبي إلى ابن الاعرابي لأقرأ
عليه أشعارا وكنت معجبا بشعر أبي تمام فقرأت عليه من أشعار هذيل ثم
قرأت عليه أرجوزة أبي تمام على أنها لبعض شعراء هذيل.
وعاذل عذلته في عذله * فظن أني جاهل لجهله
حتى أتممتها فقال اكتب لي هذه فكتبتها له ثم قلت أحسنة هي قال ما
سمعت بأحسن منها قلت إنها لأبي تمام قال خرق خرق. ثم قال الصولي.
قال ابن المعتز وهذا الفعل من العلماء مفرط القبح لأنه يجب أن لا يدفع



(1) هي عندهم خ
490
احسان محسن عدوا كان أو صديقا وأن تؤخذ الفائدة من الرفيع والوضيع
فإنه يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال
الحكمة ضالة المؤمن فخذ ضالتك ولو من أهل الشرك ويروى عن بزر
جمهر (1) أنه قال أخذت من كل شئ أحسن ما فيه حتى انتهيت إلى الكلب
والهرة والخنزير والغراب قيل وما أخذت من الكلب قال إلفه لأهله وذبه عن
حريمه قيل فمن الغراب قال شدة حذره قيل فمن الخنزير قال بكورة في
ارادته قيل فمن الهرة قال حسن رفقها عند المسالة ولين صياحها ثم قال
الصولي: قال أبو العباس - يعني عبد الله بن المعتز -: ومن عاب مثل هذه
الأشعار التي ترتاح لها القلوب وتجذل وتحرك بها النفوس وتصغى إليها
الأسماع وتشحذ بها الأذهان (ويعلم كل من له قريحة وفضل معرفة ان
قائلها قد بلغ في الإجادة ابعد غاية وأقصى نهاية) فإنما غض من نفسه
وطعن على معرفته واختياره. وقد روي عن عبد الله بن العباس رحمه الله
أنه قال: الهوى إله معبود واحتج بقول الله عز وجل (أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه) انقضى كلام عبد الله اه‍. وروى الخطيب في تاريخ بغداد هذا
الخبر عن علي بن أيوب عن المرزباني محمد بن عمران عن أبي بكر الصولي
عن ابن المعتز مثلما مر بعينه إلى قوله ولين صياحها. وروى المسعودي في
مروج الذهب هذا الخبر ببعض اختلاف فقال كان إبراهيم بن المدبر مع
محله في العلم والأدب والمعرفة يسئ الرأي في أبي تمام ويحلف انه لا يحسن
شيئا قط فقلت له يوما ما تقول في قوله (غدا الشيب مختطا) وذكر الأبيات
المتقدمة وفيمن يقول (فإن ترم عن عمر البيتين. وفيمن يقول:
شرف على أولى الزمان وانما * خلق المناسب ما يكون جديدا (1)
وفيمن يقول:
إذا أحسن الأقوام ان يتطاولوا * بلا نعمة أحسنت ان تتطولا
وفيمن يقول:
ممطر لي الحياة والمال لا * ألقاك الا مستوهبا أو وهوبا
وإذا ما أردت كنت رشاء * وإذا ما أردت كنت قليبا
والقائل (خشعوا) لصولتك) الأبيات المتقدمة وفيمن يقول:
إذا أوهدت أرضا كان فيها * رضاك فلا نحن إلى رباها
قال فوالله لكأني أغريت ابن المدبر بأبي تمام حتى سبه ولعنه فقلت إذا
فعلت ذلك لقد حدثني عمر بن أبي الحسين الطوسي الراوية أن أباه وجه به
إلى ابن الأعرابي يقرأ عليه أشعار هذيل فمرت بنا أراجيز فأنشدته أرجوزة
لأبي تمام لم أنسبها اليه و - هي أكثر من هذا في الديوان - وهي في هجاء
صالح بن عبد الله الهاشمي.
وعاذل عذلته في عذله * فظن اني جاهل من جهله
لبست ريعاني فدعني إبله * وملك في كبره ونبله
وسوقة في قوله وفعله * بذلت مدحي فيه باغي بذله
فجذ حبل املي من أصله * من بعدما استعبدني بمطله
ثم أتى معتذرا بجهله * ذا عنق في المجد لم يحله
يلحظني في جده وهزله * يعجب من تعجبي من بخله
لحظ الأسير حلقات كبله * حتى كأني جئته بعزله
فقال لابنه اكتبها فكتبها على ظهر كتاب من كتبه فقلت له جعلت
فداك إنها لأبي تمام فقال خرق خرق ثم قال وهذا من ابن المدبر قبيح مع
علمه لأن الواجب أن لا يدفع احسان محسن إلى آخر ما مر سوى أنه قال
عن بزر جمهر وكان من حكماء الفرس وقال في الكلب وذبه عن صاحبه وقال
في الخنزير بكوره في حوائجه وفي الهرة حسن نغمتها وتملقها لأهلها عند
المسألة اه‍ وقال ابن عساكر قال عبد الله بن المعتز، حدثت إبراهيم بن
المدبر ورأيته يستجيد شعر أبي تمام ولا يوفيه حقه فتذكرت حديثا حدثنيه أبو
عمرو بن أبي الحسن الطوسي جعلته مثلا له قال بعثني أبي إلى ابن الاعرابي
إلى آخر ما مر عن الصولي وقد وقع بين الروايتين اختلاف فالمسعودي روى
أن القصة كانت لابن أبي الأزهر مع ابن المدبر وأنه هو الذي ذكر لابن
المدبر قصة الطوسي مع ابن الاعرابي ليجعلها عبرة له وأن الذي كتب
الأبيات لابن الاعرابي هو ابنه والصولي جعل القصة لابن المعتز مع ابن
المدبر وأن ابن المعتز هو الذي حدث ابن المدبر بحديث الطوسي مع ابن
الاعرابي وجعله مثلا له وأن الذي كتب الأبيات لابن الاعرابي هو ابن
الطوسي ويمكن ان تكونا واقعتين وقعتا لابن أبي الأزهر ولابن
المعتز مع ابن المدبر والله أعلم. ثم إن قول المسعودي وهذا من ابن المدبر قبيح الخ
ظاهره أن هذا الكلام للمسعودي وصريح الصولي وابن عساكر أنه لابن
المعتز، ثم إن المسعودي روى الحكاية عن عمر بن أبي الحسين الطوسي
والخطيب البغدادي وابن عساكر حكوها عن أبي عمرو بن أبي الحسن
الطوسي والظاهر أن هذا هو الصواب وما في مروج الذهب تحريف من
النساخ أن في بعض المواضع ابن أبي الحسن وفي بعضها ابن أبي الحسين.
اخباره مع ابن الاعرابي
واسمه محمد بن زياد مولى بني هاشم كان من أكابر أئمة اللغة المشار
إليهم في معرفتها وبالغ المترجمون في وصفه بمعرفة اللغة والحفظ وغيرهما ولم
نجد من ذكر وجه تسميته بابن الاعرابي مع أنه مولى الا ما يمكن أن يستفاد
مما حكاه ابن خلكان في آخر ترجمته عن العزيزي في كتابه غريب القرآن أنه
يقال رجل أعجم وأعجمي إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب
ورجل عجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ورجل اعرابي إذا كان
بدويا وإن لم يكن من العرب ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن
بدويا اه‍ فكأنه سمي بابن الاعرابي لأن أباه كان من أهل البوادي وإن لم
يكن عربيا. وقد عرفت مما مر في اخباره مع ابن المدبر ان ابن الاعرابي كان
يعادي أبا تمام ويعيبه كابن المدبر وإنه لما أنشد أبياتا لأبي تمام استحسنها قبل
أن يعلم أنها له فلما علم أنها له قال خرق خرق. وفي اخبار أبي تمام
للصولي حكي ان ابن الاعرابي قال وقد انشد شعرا لأبي تمام ان كان هذا
شعرا فما قاله العرب باطل.
وحكى الصولي في اخبار أبي تمام ان ابن الاعرابي تمثل بشعر أبي تمام
وهو لا يدري قال حدثني علي بن محمد الأسدي حدثني أحمد بن يحيى
ثعلب قال وقف ابن الاعرابي على المدائني فقال له إلى أين يا أبا عبد الله
قال إلى الذي هو كما قال الشاعر.
تحمل أشباحنا إلى ملك * نأخذ من ماله ومن أدبه



(1) بضم الباء والزاي وسكون الراء وضم الجيم وكسر الميم وسكون الهاء - المؤلف -
(2) في النسخة المطبوعة (وإنما الشرف المناسب ما يكون كريما) وهو تحريف قبيح ولا شك أنه من
النساخ. ومعنى البيت ان شرفهم قديم موجود على أولى الزمان وإنما الخلق اي البالي من
المناسب اي الأنساب ما يكون جدبدا حادثا والبيت من قصيدة دالية سيأتي جمله منها في
اخبار أبي تمام مع البحتري - المؤلف -
491
قال الصولي فتمثل بشعر أبي تمام وهو لا يدري ولعله لو درى ما تمثل
به وكذلك فعل في النوادر جاء فيها بكثير من أشعار المحدثين ولعله لو علم
بذلك ما فعله اه‍ قال الآمدي في الموازنة حكاية عن صاحب أبي تمام:
وأما ابن الاعرابي فكان شديد التعصب على أبي تمام بغرابة مذهبه ولأنه كان
يرد عليه من معانيه ما لا يفهمه ولا يعلمه فكان إذا سئل عن شئ منها
يأنف أن يقول لا أدري فيعدل إلى الطعن عليه والدليل على ذلك أنه أنشد
يوما أبياتا من شعره وهو لا يعلم قائلها فاستحسنها وأمر بكتبها فلما عرف انه
قائلها قال خرقوا وكان ابن الاعرابي على علمه وتقدمه قد حمل نفسه على
هذا الظلم القبيح والتعصب الظاهر. اخباره مع علي بن الجهم
كان علي بن الجهم شاعرا مجيدا وكان صديقا لأبي تمام ورثى أبا تمام
بعد موته كما يأتي وأراد علي بن الجهم سفرا فكتب اليه أبو تمام الأبيات الآتية
يمدحه بها ويتألم لفراقه كما في ديوان أبي تمام ومن الغريب مصادقة ناصبي
وشيعي فابن الجهم كان ناصبيا حتى بلغ من نصبه أنه هجا أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام فهجاه البحتري لأجل ذلك بهجاء مقذع من
جملته:
بأية حالة تهجو عليا * بما لفقت من كذب وزور
في أبيات اخر اقذع فيها البحتري كما أن دعبلا الخزاعي كان يعادي
أبا تمام وهو على مذهبه في التشيع والبحتري كان صديق أبي تمام ودعبل
ورثاهما بعد موتهما كما يأتي فهو صديق العدوين وكذلك محمد بن وهيب
الحميري كان بينه وبين أبي تمام عداوة وهجاه أبو تمام بأبيات موجودة في
ديوانه وكلاهما شيعي. روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن
يحيى الصولي حدثنا محمد بن موسى بن حماد وفي أخبار أبي تمام للصولي
حدثني محمد بن موسى قال سمعت علي بن الجهم ذكر دعبلا فكفره ولعنه
وطعن على أشياء من شعره وقال كان يكذب على أبي تمام ويضع عليه
الاخبار ووالله ما كان اليه ولا مقاربا له وأخذ في وصف أبي تمام هكذا في
أخبار أبي تمام للصولي وفي تاريخ بغداد بعد قوله ولعنه: وقال كان قد
أغري بالطعن على أبي تمام وهو خير منه دينا وشعرا ثم قالا فقال له رجل
والله لو كان أبو تمام أخاك ما زاد على كثرة وصفك له (على مدحك له)
فقال إن لا يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة (والمودة) أو
ما سمعت قوله في (ما خاطبني به).
إن يكد مطرف الإخاء فإننا * نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا * عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا * أدب أقمناه مقام الوالد
وفي الأغاني أخبرني محمد بن يحيى الصولي حدثني محمد بن موسى
ابن حماد قال علي بن الجهم يصف أبا تمام ويفضله فقال والله لو كان أبو تمام
أخاك ما زدت على كثرة وصفك له إلى آخر ما مر ثم قال أوما سمعت ما
خاطبني به وذكر الأبيات الثلاثة المتقدمة (أقول) والى البيت الأخير ينظر
قول الشريف الرضي في رثاء أبي إسحاق الصابي
الفضل ناسب بيننا إن لم يكن * شرفي يناسبه ولا ميلادي
وهذه من جملة الأبيات التي مر أنه كتب بها اليه لما أراد سفرا وأولها:
هي فرقة من صاحب لك ماجد * فغدا إذابة كل دمع جامد
وإذا فقدت أخا فلم تفقد له * دمعا ولا صبرا فلست بفاقد
إن يكد مطرف الإخاء (الأبيات الثلاثة) ومنها:
صعب فإن سومحت كنت مسامحا * سلسا جريرك في يمين القائد
البست فوق بياض مجدك نعمة * بيضاء تسرع في سواد الحاسد
ومودة لازهدت في راغب * يوما ولا هي رغبت في زاهد
غناء ليس بمنكر أن يغتدي * في روضها الراعي أمام الرائد
ما ادعي لك جانبا من سؤدد * إلا وأنت عليه أعدل شاهد
ولكن ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: ذكر دعبل عند علي بن
الجهم فكفره ولعنه ثم ذكر ما مر عن تاريخ بغداد إلى قوله والدين والمروءة
ثم قال أو ما سمعت قوله:
ذو الود مني وذو القربى بمنزلة * واخوتي أسوة عندي واخواني
عصابة جاورت آدابهم أدبي * فهم وإن ضربوا في الأرض جيراني
أرواحنا في مكان واحد وغدت * أبداننا بشام أو خراسان
ورب نائي المغاني روحه أبدا * لصيق روحي ودان ليس بالداني
(أقول) وهذه الأبيات النونية هي من قصيدة يمدح بها الحسن بن
وهب ويشفع في رجل يقال له سليمان بن رزين هكذا في الديوان المطبوع
وسليمان بن رزين هو عم دعبل بن علي بن رزين الخزاعي ووقع في الديوان
المطبوع بعد رزين تحريف. والخطيب قال إن ابن الجهم انشد الأبيات
الدالية وابن عساكر قال إنه أنشد النونية ولعله أنشد كليهما والله أعلم.
وقال أبو تمام يعاتب علي بن الجهم من أبيات:
بأي نجوم وجهك يستضاء * أبا حسن وشيمتك الاباء
أتترك حاجتي غرض التواني * وأنت الدلو فيها والرشاء
أخباره مع دعبل بن علي الخزاعي
وشهرته تغني عن وصفه
يظهر مما ذكره المؤرخون أن دعبلا كان يعادي أبا تمام ويثلبه ويتحامل
عليه وينسبه إلى السرقة في شعره وقد مر في أخباره مع ابن الجهم ما يدل
على عداوته له ولا غرو فعدو المرء من يعمل عمله وهو ظالم له في ذلك.
ففي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني هارون بن عبد الله المهلبي قال سئل
دعبل عن أبي تمام فقال ثلث شعره سرقة وثلثه غث وثلثه صالح وقال
محمد بن داود حدثني ابن أبي خيثمة: سمعت دعبلا يقول لم يكن أبو تمام
شاعرا إنما كان خطيبا وشعره بالكلام أشبه منه بالشعر قال وكان يميل عليه
ولم يدخله في كتابه (كتاب الشعراء) اه‍ وقوله لم يكن شاعرا إنما كان
خطيبا الخ تحامل بارد وفي أخبار أبي تمام للصولي حدثني أبو بكر هارون بن
عبد الله المهلبي ورواه في الأغاني عن الصولي عن المهلبي قال كنا في حلقة
دعبل فجرى ذكر أبي تمام فقال دعبل كان يتتبع معاني فيأخذها فقال له رجل
في مجلسه وأي شئ من ذلك أعزك الله قال قولي:
إن امرءا أسدى إلي بشافع * اليه ويرجو الشكر مني لأحمق
شفيعك فاشكر في الحوائج إنه * يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فقال الرجل فكيف قال أبو تمام فقال قال:
فلقيت بين يديك حلو عطائه * ولقيت بين يدي مر سؤاله
وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة * من جاهه فكأنها من ماله

492
فقال له الرجل أحسن والله فقال كذبت قبحك الله فقال والله لئن
كان أخذه منك لقد أجاده فصار أولى به منك وإن كنت أخذته منه فما بلغت
مبلغه فغضب دعبل وانصرف اه‍ قال أبو بكر الصولي وشعر أبي تمام أجود
فهو مبتدئا ومتبعا أحق بالمعنى ثم قال ولدعبل خبر في شعره هذا مشهور
أذكره بسبب ما قبله حدثني محمد بن داود حدثني يعقوب بن إسحاق
الكندي قال: كانت على القاسم بن محمد الكندي وظيفة لدعبل في كل
سنة فأبطأت عليه فكلمني فاذكرته بها فما برح حتى أخذها فقال دعبل (ان
امرأ اسدى إلي بشافع) وذكر البيتين قال وقد تبع البحتري أبا تمام فقال في
هذا المعنى:
وعطاء غيرك ان بذلت * عناية فيه عطاؤك
وفي الأغاني باسناده عن محمد بن جابر الأزدي قال وكان يتعصب لأبي
تمام قال أنشدت دعبل بن علي شعرا لأبي تمام ولم أعلمه أنه له ثم قلت له
كيف تراه قال أحسن من عافيه بعد يأس فقلت أنه لأبي تمام فقال لعله
سرقه. وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني عون بن محمد قال شهدت
دعبلا عند الحسن بن رجاء وهو يضع من أبي تمام فاعترضه عصابة
الجرجرائي فقال يا أبا علي اسمع مني مما مدح به أبا سعيد محمد بن يوسف
فإن رضيته فذاك وأعوذ بالله فيك من أن لا ترضاه ثم أنشده قوله:
أما أنه لولا الخليط المودع * ومغنى عفا منه مصيف ومربع
فلما بلغ إلى قوله:
لقد آسف الأعداء مجد ابن يوسف * وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع
هو السيل ان واجهته انقدت طوعه * وتقتاده من جانبيه فيتبع (1)
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا * ولم أر ضرا عند من ليس ينفع
معاد الورى بعد الممات وسيبه * معاد لنا قبل الممات ومرجع
فقال دعبل لم ندفع فضل هذا الرجل ولكنكم ترفعونه فوق قدره
وتقدمونه على من يتقدمه وتنسبون اليه ما قد سرقه فقال له عصابة احسانه
صيرك له عائبا وعليه عاتبا (اه‍) وفي الأغاني بسنده عن محمد بن
موسى بن حماد: كنا عند دعبل أنا والقاسم في سنة 235 بعد قدومه من
الشام فذكرنا أبا تمام فثلبه وقال هو سروق للشعر ثم قال لغلامه يا ثقيف
هات تلك المخلاة فجاء بمخلاة فيها دفاتر فجعل يمرها على يده حتى أخرج
منها دفترا فقال اقرؤا هذا فنظرنا فإذا فيه قال مكنف أبو سلمى من ولد
زهير بن أبي سلمى وكان هجا دفاقة (دفافة) العبسي ثم مات بعد ذلك ورثاه فقال:
أبعد أبي العباس يستعذب الشعر (1) (2) * فما بعده للدهر حسن (3) ولا عذر
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر رواية هذا البيت هكذا
أبعد أبي العباس يستعتب الدهر * ولا بعده للدهر عتب ولا عذر
وزاد بعده:
ولو عوتب المقدار والدهر بعده * لما أغنيا ما أورق السلم النضر
ألا أيها الناعي دفاقة والندى (4) * تعست وشلت من أناملك العشر
أتنعى لنا من قيس عيلان صخرة * تفلق عنها من جبال العدى الصخر
إذا ما أبو العباس خلى مكانه * فلا حملت أنثى ولا نالها طهر
ولا أمطرت أرضا سماء ولا جرت * نجوم ولا لذت لشاربها الخمر
كان بني القعقاع يوم مصابه (5) * نجوم سماء خر من بينها البدر
توفيت الآمال يوم وفاته (6) * وأصبح في شغل عن السفر السفر
ثم قال سرق أبو تمام أكثر هذه القصيدة فأدخلها في قصيدته:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر * وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
(اه‍) وزاد الآمدي في الموازنة:
يعزون عن ثاو تعزى به العلى * ويبكي عليه البأس والمجد والسفر
وما كان الآمال من قل ماله * وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر
قال الآمدي قال أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراج قال أبو محمد
اليزيدي أنشدني دعبل هذه القصيدة وجعل يعجبني من الطائي في أخذه
إياها وتغييره بعض أبياتها (أقول) محل السرقة على رواية الأغاني في البيتين
الأخيرين (كان بني القعقاع) والبيت الذي بعده فهما موافقان لقول أبي
تمام:
كأن بني نبهان يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر
توفيت الآمال بعد محمد * وأصبح في شغل عن السفر السفر
وأبو تمام في غنى عن أن يسرق من قصيدة أبي سلمى وليس هو دون
أبي سلمى في الشعر ان لم يكن أشعر منه فما الذي يدعوه إلى أن يسرق منه
وقصيدته هذه من أعلى طبقات الشعر وقد تمنى أبو دلف أن تكون قيلت في
رثائه وقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر فكون أبي تمام سرق من أبي
سلمى أبياتا ادخلها في قصيدته هذه الفائقة مما لا يقبله عقل بل اما أن
يكون هذا من توارد الخاطر أو أن دعبلا ادخل من شعر أبي تمام في شعر أبي
سلمى قصدا للتشنيع على أبي تمام كما كان السري الرفا يشنع على الخالدين
بأنهما يسرقان شعره ولم يكن الخالديان بحاجة إلى سرقة شعره وهما شاعران
مفلقان ويعلمان ان السري لهما بالمرصاد ولكنها العداوة تبعث على أكثر من
هذا وكان دعبل يعادي أبا تمام ولو سلمنا جدلا أن أبا تمام أو غيره ادخل
بيتا أو بيتين استحسنهما في قصيدة هي من غرر شعره اشتبها بها ولم
يتميزا لم يقدح ذلك في شاعريته. وبعد كتابه ما تقدم رأينا الصولي أورد
هذا الحديث فقال حدثني موسى بن حماد قال كنت عند دعبل بن علي انا
والعمروي وذكر ما تقدم لكنه قال نفنف بدل ثقيف وذفافة بدل دفاقة ثم
قال وحدثني محمد بن موسى بهذا الحديث مرة أخرى فحدثت الحسن بن
وهب بذلك فقال لي اما قصيدة مكنف هذه فانا أعرفها وشعر هذا الرجل
عندي وقد كان أبو تمام ينشدنيه وما في قصيدته شئ مما في قصيدة أبي تمام
ولكن دعبلا خلط القصيدتين إذ كانتا في وزن واحد وكانتا مرثيتين ليكذب
على أبي تمام (اه‍) وفي الأغاني: أخبرني الصولي حدثني عبد الله بن
الحسين حدثني وهب بن سعيد قال جاء دعبل إلى الحسن بن وهب في حاجة
بعد موت أبي تمام فقال له رجل في المجلس يا أبا علي أنت الذي تطعن على
من يقول.
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشايع من برد
وأنجدتم من بعد اتهام داركم * فيا دمع أنجدني على ساكني نجد.



(1) شبه الممدوح بالسيل في أنه لا ينال المراد منه بالعنف وانما ينال بالملاينة كما أن السيل من
واجهه مدافعا له بالعنف اخذه ومر به ومن أخذ منه سواقي من جانبيه جرى ماؤه منها
وتبعه.
(2) يستعتب الدهر خ (3) عتبى خ (3) ذا (4) ى خ.
(5) بعد وفاته خ (6) بعد ذفافة خ. - المؤلف -.
493
فصاح دعبل أحسن والله وجعل يردد في دمع أنجدني على ساكني
نجد) ثم قال الله لو كان ترك لي شيئا من شعره لقلت انه أشعر الناس
(اه‍) وذكره الصولي في اخبار أبي تمام مثله وفي هبة الأيام: قال رجل
للحسن بن وهب أن أبا تمام سرق من رجل يقال له مكنف من ولد زهير بن
أبي سلمى وهو رجل من الجزيرة قصيدته التي يقول فيها.
كأن بني القعقاع يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر
توفيت الآمال بعد دفاقة * وأصبح في شغل عن السفر السفر
فقال الحسن بن وهب هذا دعبل حكاه وأشاعه في الناس وقد كذب
وشعر مكنف عندي ثم امر باخراجه فأخرجت هذه القصيدة فقرأها الرجل
فلم يجد فيها شيئا مما قال أبو تمام في قصيدته ثم دخل دعبل علي الحسن بن
وهب فقال يا أبا علي بلغني انك قلت في أبي تمام كيت وكيت فهبه سرق
هذه القصيدة كلها وقبلنا قولك اسرق شعره كله أتحسن ان تقول كما قال
(شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي) البيتين فانخزل دعبل واستحيا فقال
له الحسن بن وهب إن الندم توبة وهذا الرجل قد توفي ولعلك كنت تعاديه
في الدنيا حسدا على حظه منه وقد مات الآن وحسبك من ذكره فقال له
أصدقك يا أبا علي ما كان بيني وبينه شئ الا اني سألته ان ينزل لي عن
شعره فبخل علي وانا الآن امسك عن ذكره فضحك من قوله واعترافه بما
اعترف (اه‍) وهذا معنى ما مر من قوله لو كان ترك لي شيئا من شعره
لقلت انه أشعر الناس ولكن هذا لا يقبله عقل فدعبل - وهو في طليعة
الشعراء - لم يكن مفتقرا إلى أن يتنازل له أبو تمام عن شئ من شعره وهبه
كان مفتقرا فشعر أبي تمام كان مشهورا قد تناقلته الرواة ودعبل يعلم بذلك
فلو تنازل له عن شئ منه لما نسب الا إلى السرقة على اننا لم نسمع حتى
اليوم بشاعر طلب إلى آخر أن يتنازل عن شئ من شعره لينسبه إلى نفسه.
وفي اخبار أبي تمام للصولي بعد ذكر الحديث السابق للحسن بن وهب مع
دعبل ما لفظه: ولهذا الشعر خبر حدثني عبد الله بن المعتز قال جاءني
محمد بن يزيد النحوي فاحتبسته فأقام عندي فجرى ذكر أبي تمام فلم يوفه
حقه وكان في المجلس رجل من الكتاب نعماني ما رأيت أحدا احفظ لشعر
أبي تمام منه فقال له يا أبا العباس ضع في نفسك من شئت من الشعراء ثم
انظر أيحسن أن يقول مثل ما قاله أبو تمام لأبي المغيث موسى بن إبراهيم
الرافقي يعتذر اليه (شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي) البيتين - ثم مد
فيها حتى بلغ إلى قوله في الاعتذار.
اتاني مع الركبان ظن ظننته * لففت له رأسي حياء من المجد
لقد نكب الغدر الوفاء بساحتي * إذا وسرحت الذم في مسرح الحمد
جحدت إذا كم من يدلك شاكلت * يد القرب أعدت مستهاما على البعد
ومن زمن ألبستنيه كأنه * إذا ذكرت أيامه زمن الورد
وكيف وما أخللت بعدك بالحجى * وأنت فلم تخلل بمكرمة بعدي
أسربل هجو القول من لو هجوته * إذا لهجاني عنه معروفه عندي
كريم متى أمدحه أمدحه والورى * معي ومتى ما لمته لمته وحدي
فان يك جرم عن أوتك هفوة * على خطا مني فعذري على عمد
فقال أبو العباس محمد بن يزيد: ما سمعت أحسن من هذا قط ما
يهضم هذا الرجل حقه إلا أحد رجلين إما جاهل بعلم الشعر ومعرفة
الكلام وإما عالم لم يتبحر شعره ولم يسمعه قال أبو العباس عبد الله بن المعتز
وما مات أي المبرد إلا وهو منتقل عن جميع ما كان يقوله مقر بفضل أبي
تمام واحسانه (اه‍) وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثنا أبو عبد الله
الآلوسي أخبرني أبو محمد الخزاعي المكي صاحب كتاب مكة عن الأزرقي
قال بلغ دعبلا ان أبا تمام هجاه عندما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت
وهي:
أفيقي من ملامك يا ظعينا * كفاك اللوم مر الأربعينا
فقال أبو تمام:
نقضنا للخطيئة ألف بيت * كذاك الحي يغلب ألف ميت
وذلك دعبل يرجو سفاها * وحمقا ان ينال مدى الكميت
إذا ما الحي ناقض جذم قبر * فذلكم ابن زانية بزيت
وان دعبلا لما بلغته هذه الأبيات قال.
يا عجبا من شاعر مفلق * اباؤه في طئ تنمي
أنبئته يشتم من جهله * أمي وما أصبح من همي
فقلت لكن حبذا أمه * طاهرة زاكية علمي
اكذب والله على أمه * ككذبه أيضا على أمي
قال الصولي وقد رويت هذه الأبيات التائية لأبي سعد المخزومي
ورويت الأبيات الميمية لغير دعبل في أبي تمام.
اخباره مع إبراهيم بن العباس الصولي
كان إبراهيم هذا كاتبا شاعرا تنقل في الاعمال الجليلة والولايات إلى أن
مات وهو يتولى ديوان الضياع والنفقات للمتوكل وهو عم والد أبي بكر
الصولي وذكرت ترجمته في محلها من كتاب الأعيان.
في اخبار أبي تمام لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي حدثني أبو ذكوان:
حدثني عمك أحمد بن عبد الله طماس قال كنت عند عمي إبراهيم بن
العباس فدخل عليه رجل فرفعه حتى جلس إلى جانبه أو قريبا ثم حادثه إلى أن
قال له يا أبا تمام ومن بقي ممن يعتصم به ويلجأ اليه فقال أنت فلا
عدمت وكان إبراهيم تاما فأنشده.
يمد نجاد السيف حتى كأنه * بأعلى سنامي فالج يتطوح
ويدلج في حاجات من هو نائم * ويوري كريمات الندى حين يقدح
إذا اعتم بالبرد اليماني خلته * هلالا بدا في جانب الأفق يلمح
يزيد على فضل الرجال فضيلة * ويقصر عنه مدح من يتمدح
فقال له أنت تحسن قائلا وراويا ومتمثلا فلما خرج تبعته فقلت امل
علي هذه الأبيات فقال هي لأبي الجويرية العبدي يقولها للجنيد بن عبد
الرحمن فأخرجتها من شعره وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو
الحسين بن السخي حدثني الحسن بن عبد الله سمعت إبراهيم بن العباس
يقول لأبي تمام وقد أنشده شعرا له في المعتصم يا أمراء أبا تمام امراء الكلام
رعية لاحسانك فقال له أبو تمام ذك لأني استضئ برأيك وارد شريعتك.
(اخذ إبراهيم بن العباس في نثره من شعر أبي تمام)
في اخبار أبي تمام للصولي: حدثني القاسم بن إسماعيل أبو ذكوان
قال سمعت عمك (1) إبراهيم بن العباس الصولي يقول ما اتكلت في
مكاتبتي الا على ما يجيله خاطري ويجيش به صدري الا قولي: وصار ما
كان يحرزهم يبرزهم وما كان يعقلهم يعتقلهم وقولي في رسالة أخرى.



(1) هو عم أبيه لا عمه وطلق عليه انه عمه توسعا كما يطلق على الجد انه أب - المؤلف -
494
فأنزلوه من معقل إلى عقل وبدلوه آجالا من آمال فاني ألممت في قولي آجالا
من آمال بقول مسلم بن الوليد
موف على مهج في يوم ذي رهج * كأنه أجل يسعى إلى امل.
وفي المعقل والعقال بقول أبي تمام - في مدح المعتصم.
فان باشر الاصحار فالبيض والقنا * قراه واحواض المنايا مناهله
وان بين حيطانا عليه فإنما * أولئك عقالاته (1) لا معاقله
والا فاعلمه بأنك ساخط * ودعه فان الخوف لا شك قاتله
بيمن أبي إسحاق طالت يد الهدى * وقامت قناة الدين واشتد كاهله
هو البحر من أي النواحي اتيته * فلجته المعروف والجود ساحله
تعود بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبض لم تجبه أنامله
ثم قال لي أما تسمع يا قاسم قلت بلى والله يا سيدي قال إنه اخترم
وما استمتع بخاطره ولا نزح ركي فكره حتى انقطع رشاء عمره (اه‍)
(اخباره مع أبي الحسن محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن
عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي).
كان محمدا هذا شاعرا أديبا ذكره المرزباني في معجم الشعراء وقال
شاعر مشهور أديب كان ينزل قنسرين من أرض الشام بينه وبين أبي تمام
الطائي والبحتري مخاطبات (اه‍) وقد مدحه أبو تمام بقصيدة في ديوانه من
جملتها يذكر فيها النياق.
نرمي بأشباحنا إلى ملك * نأخذ من ماله ومن أدبه
نجم بني صالح وهم أنجم العالم * من عجمه ومن عربه
رهط النبي الذي تقطع أسباب * البرايا غدا سوى سببه
مهذب قدت النبوة والاسلام * قد الشراك من نسبه
من ذا كعباسه إذا اصطكت الأحساب * أم من كعبد مطلبه
مشمر ما يكل في طلب العلياء * والحاسدون في طلبه
أعلاهم دونه وأسبقهم * إلى الندى واطئ على عقبه
يتلو رضاه الغني بأجمعه * وتحذر الحادثات في غضبه
ومع مدح أبي تمام لمحمد هذا فقد هجا هو أبا تمام ولم ندر ما سبب
ذلك في اخبار أبي تمام للصولي قال محمد بن عبد الملك بن صالح يهجو أبا
تمام.
قد جاءني والمقام مختلف * شعر أبي ناقض على بعده
فكان كالسهم صاف (2) عن سدد القول * وعن قصده وعن امده
اخباره مع مخلد بن بكار الموصلي
كان مخلد هذا شاعرا وقد هجا أبا تمام فترفع أبو تمام عن هجائه قال
الصولي: حدثني أبو سليمان النابلسي قال قيل لأبي تمام قد هجاك مخلد فلو
هجوته قال الهجاء يرفع منه قال أليس هو شاعرا قال لو كان شاعرا ما كان
من الموصل يعني ان الموصل لم تخرج شاعرا قال أبو سليمان واصل مخلد من
الرحبة ثم أقام بالموصل. حدثني أحمد بن محمد البصري غلام خالد الحذاء
الشاعر وروايته حدثني الخليع الشاعر القرشي قال كان أول شعر هجا به
مخلد أبا تمام قوله.
أنت عندي عربي * الأصل ما فيك كلام
عربي عربي * أجائي ما ترام
شعر فخذيك وساقيك * خزامى وثمام
وضلوع الشلو من صدرك * نبع وبشام
وقذى عينيك صمغ * ونواصيك ثغام
لو تحركت كذا * لانجفلت منك نعام
وظباء مخصبات * ويرابيع عظام
أنا ما ذنبي إن * خالفني فيك الأنام
واتت منك سجايا * نبطيات لئام
وقفا يحلف ان ما * عرقت فيك الكرام
ثم قالوا جاسمي * من بني الأنباط خام
كذبوا ما أنت الا * عربي ما تضام
بيته ما بين سلمى * وحواليه سلام
وله من ارث آباء * قسي وسهام
ونخيل باسقات * قد دنا منها صرام
أنت عندي عربي * عربي والسلام
قال وأنشدني أبو جعفر مولى آل سليمان بن علي لمخلد في أبي تمام.
ويلك من دلاك في نسبة * قلبك منها الدهر مذعور
لو ذكرت طاء على فرسخ * اظلم في ناظرك النور
قال وأنشدني أبو سليمان الضرير لمخلد في أبي تمام.
وذكر أرجوزة طويلة اخترنا منها هذين البيتين:
هيجت مني شاعرا ازبا * يدير في فيه حساما عضبا
مهندا مداحة مسبا * يلحب اعراض اللئام لحبا
قال وكان أبو تمام لا يجيب هاجيا له لأنه كان لا يراه نظيرا ولا يشتغل
به. حدثني أبو العشائر الأزدي الشاعر حدثني أبي قال قلت لأبي تمام ويحك
قد فضحنا هذا الشاعر الموصلي بهجائه فأجبه قال إن جوابي يرفع منه
واستدر به سبه وإذا أمسكت عنه سكنت شقشقته وما في فضل مع هذا عن
مدح من اجتديه. وفي العمدة لابن رشيق: أبو تمام هجاه دعبل وغيره من
الأكفاء فجاوبهم وابتدأ بعضهم ولم يلتفت إلى مخلد بن بكار الموصلي حين
قال فيه وكانت في حبيب حبسة شديدة إذا تكلم - (يا نبي الله في الشعر)
البيتان المتقدمان وقال فيه أشعارا كثيرة بل رآه دون المهاجاة والجواب
ولو هجاه لشرف حاله وانتبه ذكره اه‍ لكن مر هناك أن البيتين لابن المعذل
أو أبي العميثل والأولى أن يكونا لأبي العميثل فإن أولهما من أعظم المدح
بجعله نبيا في الشعر كعيسى بن مريم وثانيهما يرجع إلى أن في لسانه حبسة
وهي ليست مما يرجع إلى نقص في الفضيلة ومخلد عدوه الذي هجاه بأقبح
الهجو وكذلك ابن المعذل لم يكونا ليقولا فيه هذا الشعر.
اخباره مع غلامه صالح
كان صالح هذا هو المنشد لشعر أبي تمام على ما حكاه الصولي. في
أخبار أبي تمام للصولي. حدثنا ميمون بن هارون: حدثني صالح عن أبي
تمام قال غضب علي أبو تمام فكتبت اليه بهذا الشعر وهو أول شعر قلته
قط:
إذا عاقبتي في كل ذنب * فما فضل الكريم على اللئيم



(1) عن شرح الخطيب التبريزي لديوان أبي تمام أنه قال العقالات جمع عقال وهو داء يعرض
للخيل كأن الفرس في أول جربه. - المؤلف -
(2) صاف السهم عن الهدف عدل. - المؤلف -
495
فان تكن الحوادث حركتني * فان الصبر يعصف بالهموم
فجاءني إلى الموضع الذي كنت فيه فترضاني
اخباره مع دينار بن يزيد أو ابن عبد الله
في الديوان وفي النجوم الزاهرة دينار بن عبد الله وفي اخبار أبي تمام
للصولي دينار بن يزيد. في النجوم الزاهرة في حوادث سنة 225 فيها ولي
امرة دمشق دينار بن عبد الله وعزل بعد أيام بمحمد بن الجهم اه‍ ويظهر
مما حكاه الصولي في أخبار أبي تمام أنه كان وضيعا قال قيل لأبي تمام مدحت
دينار بن يزيد فقال ما أردت بمدحه إلا أن اكشف شعر علي بن جبلة فيه
فقلت (مهاة النقي لولا الشوى والمآبض) ولم يمدحه بغيرها وهذا الشطر من
قصيدة من جملتها مهاة النقا لولا الشوى والمآبض (1) وأن محض الاعراض لي
منك ماحض
وأخرى لحتني حين لم امنع النوى * قيادي ولم ينقض زماعي ناقض
أرادت بأن يحوي الغنى وهو وادع * وهل يفرس الليث الطلى وهو رابض
اخباره مع عتبة بن أبي عاصم الكلبي الحمصي الأعور
كان عتبة هذا شاعرا ذكره المرزباني في معجم الشعراء وقال إنه هجا
بني عبد الكريم الطائي من أهل الشام فعارضه أبو تمام الطائي وهجاه
ومدحهم اه‍. وحق لأبي تمام أن ينتصر لعشيرته فيهجو من هجاهم وهو
شاعر مفلق يهجو من هو أكبر من عتبة وأعظم على بأقل مما صدر من عتبة
وقد أكثر من هجائه وذم شعره قال يرد عليه في هجوه ببني عبد الكريم
ويمدحهم من أبيات:
لو كنت من غرة الموالي إذن * لم تنث سوءا في سادة العرب
اي كريم يرضى بشتم بني * عبد الكريم الجحاجح النجب
أي فتى منهم اشاح فلم * يصب غداة الوغى ولم يصب
أي مناد إلى الندى والى * الهيجاء ناداهم فلم يجب
لم يهدم الناس ما بقوا ابدا * ما قد بنوه من ذلك الحسب
أولاك زهر النجوم ليس كمن * امسى دعيا في الشعر والنسب
وقال أيضا يهجوه على هجوه لبني عبد الكريم ويمدحهم من أبيات:
بنو عبد الكريم نجوم ليل * ترى في طئ ابدا تلوح
فلا حسب صحيح أنت فيه * فتكثرهم ولا عقل صحيح
أتبغض جوهر العرب المصفى * ولم يبغضهم مولى صريح
وما لك حيلة فيهم فتجدي * عليك بلى تموت فتستريح
وقال يهجوه أيضا على هجوه إياهم ويمدحهم من قصيدة:
أخرست إذا عاينتني حتى إذا * ما غبت عن بصري ظللت تشدق
عير رأى أسد العرين فهاله * حتى إذا ولى تولى ينهق
وتنقل من معشر في معشر * فكأن أمك أو أباك الزئبق
أإلى بني عبد الكريم شاوست * عيناك ويحك خلف من تتفوق
قوم تراهم حين يطرق حادث * يسمون للخطب الجليل فيطرق
ما زال في حزم بن عمرو منهم * مفتاح باب للندى لا يغلق
ما أنشئت للمكرمات سحابة * إلا ومن أيديهم تتدفق
شرس إذا خفقت عقاب لو أنهم * ظلت قلوب الموت منهم تخفق
يله إذا لبسوا الحديد حسبتهم * لم يحسبوا ان المنية تخلق
قل ما بدا لك يا ابن ترني (برما) * فالصدا بمهذب العقيان لا يتعلق
أفعشت حتى عبتهم قل لي متى * قد زنت ساعة ما أرى يا بيدق (2)
اني أراك حلمت انك سالم * من بطشهم ما كل رؤيا تصدق
إياك يعني القائلون بقولهم * إن الشقي بكل حبل يخنق
سر حيث شئت من البلاد فلي بها * سور عليك من الهجاء وخندق
وقبيلة يدع المتوج خوفهم * وكأنما الدنيا عليه مطبق
وقصائد تسري إليك كأنها * جن تهافت أو هموم طرق
من شاعر وقف الكلام ببابه * واكتن في كنفي ذراه المنطق
قد ثقفت منه الشآم وسهلت * منه الحجاز ورققته المشرق
ومن أبيات أخرى فيه:
فلتعلمن حرام من واهاب من * وقديم من وحديث من يتمزق
دع معشري لا معشر لك اني * من خلفهم وأمامهم لك موبق
وقال من أبيات يهجوه أيضا:
دعواك في كلب أعم فضيحة * وأخس أم دعواك في الشعراء
ما شعره كفؤ لشعري فليمت * غيظا ولا الحلقي من اكفائي
انى يفوت مخالبي في بلدة * أرضي بها مبسوطة وسمائي
وكهول كهلان وحيا حمير * كالسيل قدامي معا وورائي
فأولاك أعمامي الذين تعمموا * بالمكرمات وهذه آبائي
وقال يهجوه أيضا من أبيات:
بحسب عتبة داء قد تضمنه * لو كان في أسد لم يفرس الأسد
لا تدعون على الأعداء مجتهدا * إلا بأن يجدوا بعض الذي يجد
وقائل ما لهم يغضون عنك إذا * اربات قلت له أني أنا الرمد
أنا الحسام أنا الموت الزؤام انا * الحرب الضرام أنا الضرغامة العتد
وقال فيه أيضا من أبيات:
نبئت عتبة شاعر الغوغاء * قد ضج من عودي ومن ابدائي
حلمي على الحلماء غير مكدر * والحتف في سفهي على السفهاء
يا رب سلم انها لمصيبة * نزلت ولا سيما على الشعراء
وقال فيه أيضا من أبيات:
أعتبة إن تطاولت الليالي * عليك فإن شعري سم ساعة
فاقسم ما جسرت علي إلا * وزيد الخيل دونك في الشجاعة
ووجهك إذ رضيت به نديما * فأنت نسيج وحدك في القناعة
أخباره مع جماعة من الشعراء
في تاريخ بغداد بسنده عن علي بن الجهم قال كان الشعراء يجتمعون
كل جمعة في القبة المعروفة بهم من جامع المدينة يتناشدون (3) الشعر ويعرض
كل واحد منهم على أصحابه ما أحدث من القول بعد مفارقتهم في الجمعة



(1) أي أنت مهاة النقا لولا دقة الأطراف - المؤلف -
(2) إشارة إلى المثل المشهور (متى فرزنت يا بيدق) يضرب لمن ينتقل من حال أسفل إلى حال أعلى
بلا استحقاق (والفرزان) معرب فرزين (والبيدق) من أجزاء لعب الشطرنج والفرزان
بمنزلة الوزير للسلطان وتفرزن البيدق صار فرزانا وهو معروف عند أهل اللعب بالشطرنج -
المؤلف -
(3) الظاهر أن المراد بها مدينة المنصور بغداد لا المدينة المنورة - المؤلف -
496
التي قبلها فبينا أنا في جمعة من تلك الجمع ودعبل وأبو الشيص وابن أبي
فنن (1) والناس يستمعون انشاد بعضنا بعضا أبصرت شابا في أخريات
الناس جالسا في زي الاعراب وهياتهم فلما قطعنا الإنشاد قال لنا قد سمعت
انشادكم منذ اليوم فاسمعوا انشادي قلنا هات فأنشدنا
فحواك دل (عين) على نجواك يا مذل (2) * حتام لا يتقضى قولك الخطل
فان اسمح من تشكو اليه هوى * من كان أحسن شئ عنده العذل
ما أقبلت أوجه اللذات سافرة * مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول
إن شئت أن لا ترى صبرا لمصطبر * فانظر على أي حال أصبح الطلل
كأنما جاد مغناه فغيره * دموعنا يوم بانوا فهي تنهمل
ولو ترانا وإياهم وموقفنا * في موقف البين لاستهلالنا زجل
من حرقة أطلقتها فرقة أسرت * قلبا ومن غزل في نحره غزل (3)
وقد طوى الشوق في أحشائنا بقر * عين طوتهن في أحشائها الكلل
ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له * حتى ظننت قوافيه ستقتتل (4)
قال فعقد أبو الشيص عند هذا البيت خنصره ثم مر فيها إلى آخرها
فقلنا زدنا فأنشدنا:
دمن ألم بها فقال سلام * كم حل عقدة صبره الإلمام
ثم أنشدها إلى آخرها وهو يمدح فيها المأمون (5) واستزدناه فأنشدنا * قصيدته التي أولها:
قدك اتئب اربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي (6)
حتى انتهى إلى آخرها فقلنا له لمن هذا الشعر فقال لمن أنشدكموه
قلنا ومن تكون قال أنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي فقال له أبو الشيص
تزعم أن هذا الشعر لك وتقول:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له * حتى ظننت قوافيه ستقتتل
قال نعم لأني سهرت في مدح ملك ولم أسهر في مدح سوقة (7) فعرفناه
(فرفعناه) حتى صار معنا في موضعنا ولم نزل نتهاداه بيننا وجعلناه كأحدنا * واشتد اعجابنا به لدماثته وظرفه وكرمه وحسن طبعه وجودة شعره وكان ذلك
اليوم أول يوم عرفناه فيه ثم ترقت حاله حتى كان من أمره ما كان. وهذه
القصيدة من غرر مدائحه في المعتصم يقول فيها بعد ما تقدم
فرغن للشجو حتى ظل كل شج * حران في بعضه عن بعضه شغل
طلت دماء هريقت عندهن كما * طلت دماء هدايا مكة الهمل
هانت على كل شئ فهو يسفكها * حتى المنازل والاحداج والإبل
يخزي ركام النقا ما في مآزرها * ويفضح الكحل في أجفانها الكحل
تكاد تنتقل الأرواح لو تركت * من الجسوم إليها حين تنتقل
بيمن معتصم بالله لا أود * بالدين مذ ضم قطريه ولا خلل
يهني الرعية أن الله مقتدر * أعطاهم بأبي إسحاق ما سألوا
صلى الإله على العباس وانبجست * على ثرى رحله الوكافة الهطل
أبو النجوم التي ما ضر ثاقبها * ان لم يكن برجه ثور ولا حمل
ومشهد بين حكم الذل منقطع * صاليه أو بحبال الموت متصل
ضنك إذا خرست أبطاله نطقت * فيه الصوارم والخطية الذبل
لا يطمع المرء أن يجتاب غمرته * بالقول ما لم يكن جسرا له العمل
جليت والموت مبد حر صفحته * وقد تفرعن في أفعاله الاجل
آل النبي إذا ما ظلمة طرقت * كانوا لنا سرجا أنتم لها شعل
قوم إذا وعدوا أو أوعدوا عمروا * صدقا مذانب ما قالوا بما فعلوا
أسد العرين إذا ما الموت صبحها * أو صبحته ولكن غابها الأسل
إلى ثمال بني الدنيا الذي حليت * بحلي معروفه الأمنية العطل
يحميه حزم لحزم البخل مهتضم * جودا وعرض لعرض المال مبتذل
فكر إذا راضه راض الأمور به * رأي تفنن فيه الريث والعجل
أخباره مع البحتري
البحتري في الطبقة العالية من شعراء الدولة العباسية قل أن يدانيه
أحد وكان طائيا كأبي تمام ويقال لهما الطائيان وقد كان أبو تمام مثقف
البحتري ومربيه ومعلمه طرائق الأدب والمشفق عليه والموصي به الناس
وكان البحتري يعرف له ذلك ويعترف بفضله عليه.
في كتاب المثل السائر لابن الأثير وأنوار الربيع للسيد علي خان حكي
عن البحتري قال كنت في حداثتي أروم الشعر وكنت ارجع فيه إلى طبع
سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا
تمام وانقطعت اليه واتكلت في تعريفه عليه فكان أول ما قال لي:
وصايا أبي تمام للبحتري في نظم الشعر
يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم
أن العادة من الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شئ أو حفظه أن يختار وقت
السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من
النوم وخف عنها ثقل الغذاء وصفا من أكثر الأبخرة والأدخنة جسم الهواء
وسكنت الغماغم ورقت النسائم وتغنت الحمائم وإذا شرعت في نظم الشعر
فتغن به فإن الغناء مضماره الذي يجري فيه واجتهد في ايضاح معانيه فان
أردت التشبيب فاجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا وأكثر من بيان الصبابة
وتوجع الكآبة وقلق الأشواق والفراق والتعلل باستنشاق النسائم وغناء



(1) في تاريخ دمشق نقلا عن تاريخ بغداد ابن أبي قيس بدل ابن أبي فنن وهو تحريف من الناسخ
والصواب ابن أبي فنن وفيه زيادة والحاذري ولم يعلم من هو والظاهر أنه مصحف.
(2) المذل بفتح الميم وكسر الذال المعجمة من المذل بسكون الذال حكى ابن عساكر عن المعافى
ابن زكريا أنه قال في قول أبي تمام يا مذل: المذل الفتور والخدر قال الشاعر:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي * بدعواك من مذل بها فيهون
(3) الغزل من يتغزل به (والغزل) مصدر فزل كفرح.
(4) حكى ابن عساكر عن - القاضي المعافى بن زكريا في قول أبي تمام حتى ظننت قوافيه ستقتتل أنه قال
اسكن الياء وحقها النصب لضرورة الشعر وقد جاء مثله في كثير من العربية ومن ذلك
قول الأعشى:
فتى لو ينادي الشمس القت قناعها * أو القمر الساري لألقي المقالدا
وقال رؤبة فيه أيضا:
كأن أيديهن بالقاع الفرق * أيدي جوار يتعاطين الورق
(5) الصواب انها في مدح المعتصم كما في الديوان ولتصريحه فيها باسمه بقوله بالقائم الثامن والخليفة
الثامن من بني العباس هو المعتصم ولتصريحه فيها باسمه أيضا بقوله بيمن معتصم وبكنيته
بقوله بأبي إسحاق.
(6) قدك بفتح القاف وسكون الدال أي حسبك (واتئب) استح (واربيت) زدت (والغلواء)
قال ابن عساكر عن المعافي بن زكريا مأخوذ من الغلو وهو تجاوز الحد (والسجراء) بالسين
المهملة والجيم جمع سجير كامير وهو الصديق والخليط.
(7) لا يخلو هذا الكلام من غموض فقد مر أن أبا الشيص عقد هذا البيت خنصره يعني
استحسانا له وقوله تزعم أن هذا الشعر لك وتقول هذا البيت يدل على أنه انتقد قوله إذ
سهرت له الدال على أنه قاله بمشقة وتعب ولذلك أجابه يأتي سهرت في مدح ملك لا سوقة -
المؤلف -
497
الحمائم والبروق اللامعة والنجوم الطالعة والتبرم من العذال والوقوف على
الاطلال وإذا أخذت في مدح سيد فأشهر مناقبه وأظهر مناسيه وأرهف من
عزائمه ورغب في مكارمه واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك
بالعبارة الرديئة والألفاظ الحوشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف
الكلام وكن كأنك خياط يقدر الثياب على مقادير الأجسام وإذا عارضك
الضجر فأرح نفسك ولا تعمل الا وأنت فارع القلب ولا تنظم الا بشهوة
فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم (وجملة الحال) ان تعتبر بما سلف
من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه اه‍.
ونرى أبا تمام يوصي البحتري بترك الألفاظ الحوشية ويستعملها كما مر في
الأمور التي عيبت عليه وان كان قد لا يرى ذلك حوشيا لألفه بألفاظ العرب
الأولى كما مر أيضا. وفي اخبار أبي تمام للصولي حدثني سوار بن أبي شراعة
حدثني البحتري قال كان أول أمري في الشعر ونباهتي فيه أن صرت إلى أبي
تمام وهو بحمص فعرضت عليه شعري وكان يجلس فلا يبقى شاعر الا
قصده وعرض عليه شعره فلما سمع شعري اقبل علي وترك سائر الناس فلما
تفرقوا قال أنت أشعر من أنشدني فكيف حالك فشكوت خلة فكتب لي إلى
أهل معرة النعمان وشهد لي بالحذق وقال امتدحهم فصرت إليهم فأكرموني
بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم فكانت أول ما أصبته.
(حدثني) أبو عبد الله العباس بن عبد الرحيم الآلوسي حدثني جماعة
من أهل معرة النعمان قالوا ورد علينا كتاب أبي تمام للبحتري: يصل كتابي
على يدي الوليد بن عبادة وهو على بذاذته - اي سوء حاله - شاعر فأكرموه
وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو الحسن علي بن إسماعيل قال قال لي
البحتري أول ما رأيت أبا تمام مرة ما كنت عرفته قبلها اني دخلت علي أبي
سعيد محمد بن يوسف وقد امتدحته بقصيدتي التي أولها:
أأفاق صب من الهوى فافيقا * أو خان عهدا أو أطاع شفيقا
فأنشدته إياها فلما أتممتها سر أبو سعيد بها وقال أحسن الله إليك يا
فتى فقال له رجل في المجلس هذا أعزك الله شعر لي علقه هذا فسبقني به
إليك فتغير وجه أبي سعيد وقال يا فتى قد كان في نسبك وقرابتك ما يكفيك
ان تمت به الينا ولا تحمل نفسك على هذا فقلت هذا شعر لي أعزك الله فقال
الرجل سبحان الله يا فتى لا تقل هذا ثم ابتدأ فأنشد من القصيدة أبياتا
فقال لي أبو سعيد نحن نبلغ ما تريد ولا تحمل نفسك على هذا فخرجت
متحيرا لا أدري ما أقول ونويت أن أسال عن الرجل من هو فما أبعدت
حتى ردني أبو سعيد ثم قال جنيت عليك فاحتمل أتدري من هذا قلت
لا قال هذا ابن عمك حبيب بن أوس الطائي أبو تمام فقم اليه فقمت اليه
فعانقته ثم اقبل يقرظني ويصف شعري وقال انما مزحت معك فلزمته بعد
ذلك وكثر عجبي من سرعة حفظه (اه‍) وفي الأغاني رواية هذا الخبر على
وجه أتم فنذكرها وان لزم بعض التكرير قال حدثني علي بن سليمان -
الأخفش - حدثني أبو الغوث بن البحتري عن أبيه وحدثني عمي حدثني
علي بن العباس النوبختي عن البحتري قال أبو الفرج وقد جمعت الحكايتين
وهما قريبتان قال كان أول ما رأيت أبا تمام اني دخلت على أبي سعيد
محمد بن يوسف وقد مدحته بقصيدتي التي أولها (أأفاق صب من هوى
فافيقا) - وعدة أبياتها ثلاثة وسبعون بيتا فسر بها أبو سعيد وقال أحسنت
والله يا فتى وأجدت وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس منه فوق كل
من حضر عنده تكاد تمس ركبته ركبته فاقبل علي وقال يا فتى أما تستحي
هذا شعري تنتحله وتنشده بحضرتي فقال له أبو سعيد أحقا تقول قال نعم
وانما علقه مني فسبقني به إليك وزاد فيه ثم اندفع فأنشد أكثر هذه القصيدة
حتى شككني علم الله في نفسي وبقيت متحيرا فاقبل علي أبو سعيد
قال يا فتى لقد كان في قرابتك منا وودك لنا ما يغنيك عن هذا فجعلت
أحلف له بكل محرجة من الايمان أن الشعر لي ما سبقني اليه أحد ولا سمعته
منه ولا انتحلته فلم ينفع ذلك شيئا وأطرق أبو سعيد وقطع بي حتى تمنيت
أني سخت في الأرض فقمت منكسر البال أجر رجلي فخرجت فما هو الا ان
بلغت باب الدار حتى خرج الغلمان إلي فردوني فأقبل علي الرجل فقال
الشعر لك يا بني والله ما قلته قط ولا سمعته الا منك ولكنني ظننت انك
تهاونت بموضعي فأقدمت على الإنشاد بحضرتي من غير معرفة كانت بيننا
تريد بذلك مضاهاتي ومكاثرتي حتى عرفني الأمير نسبك وموضعك ولوددت
ان لا تلد ابدا طائية الا مثلك وجعل أبو سعيد يضحك ودعاني أبو تمام
وضمني اليه وعانقني وأقبل يقرظني ولزمته بعد ذلك واخذت عنه واقتديت به
اه‍ ثم قال أبو الفرج: هذه رواية من ذكرت وقد حدثني علي بن سليمان
الأخفش أيضا: حدثني عبد الله بن الحسين بن سعد القطربلي ان البحتري
حدثه انه دخل على أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري وقد مدحه بقصيدة
وقصده بها فألفى عنده أبا تمام وقد انشده قصيدة له فاستأذنه البحتري في
الإنشاد وهو يومئذ حديث السن فقال له يا غلام أتنشدني بحضرة أبي تمام
فقال تأذن ويستمع فقام فأنشده إياها وأبو تمام يسمع ويهتز من قرنه إلى قدمه
استحسانا لها فلما فرع منها قال أحسنت والله يا غلام فمن أنت قال من
طئ فطرب أبو تمام وقال من طئ الحمد لله على ذلك لوددت أن كل طائية
تلد مثلك وقبل بين عينيه وضمه اليه وقال لمحمد بن يوسف قد جعلت له
جائزتي فأمر محمد بها فضمت إلى مثلها ودفعت إلى البحتري وأعطى أبا تمام
مثلها (اه‍) وقال الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري: أخبرني رجل
من أهل الجزيرة يكنى بأبي الوضاح وكان عالما بشعر أبي تمام والبحتري
وأخبارهما ان القصيدة التي سمع أبو تمام من البحتري عند محمد بن يوسف
وكان اجتماعهما وتعارفهما القصيدة التي أولها (فيما ابتداركما الملام ولوعا)
وانه لما بلغ إلى قوله فيها.
في منزل ضنك تخال به القنا * بين الضلوع إذا انحنين ضلوعا
نهض اليه أبو تمام فقبل بين عينيه سرورا به وتحققا بالطائية ثم قال أبى
الله إلا أن يكون الشعر يمنيا (اه‍) ولا مانع من تعدد الواقعة. وفي هبة
الأيام حدث البحتري قال أنشدت أبا تمام شيئا من شعري فتمثل ببيت
أوس بن حجر.
إذا مقرم منا ذرا حد نابه * تخمط فينا ناب آخر مقرم
ثم قال لي نعيت والله إلي نفسي فقلت أعيذك بالله من هذا فقال إن
عمري لن يطول وقد نشأ في طئ مثلك أما علمت أن خالد بن صفوان
رأى شبيب بن شيبة وهو بين رهط يتكلم فقال يا بني لقد نعى إلي نفسي
احسانك في كلامك لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب قط الا مات من قبله
فقلت بل يطيل الله بقاءك ويجعلني فداك ومات أبو تمام بعد سنة (اه‍) وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو الحسن علي بن محمد الأنباري:
سمعت البحتري يقول أنشدني أبو تمام لنفسه وهو في هجاء عثمان بن
إدريس السامي -.
وسابح هطل التعداء هتان * على الجراء امون غير خوان
أظمى الفصوص ولم تظمأ قوائمه * فخل عينيك في ظمآن ريان

498
فلو تراه مشيحا والحصى زيم * بين السنابك (1) من مثنى ووحدان
أيقنت (2) ان لم تثبت ان حافره * من صخر تدمر أو من وجه عثمان
ثم قال لي ما هذا من الشعر قلت لا أدر قال هذا المستطرد أو قال
الاستطراد. قلت وما معنى ذلك قال يري انه يريد وصف الفرس وهو يريد
هجاء عثمان قال الصولي: فاحتذى هذا البحتري فقال في قصيدته التي
مدح فيها محمد بن علي القمي ويصف الفرس أولها.
أهلا بذلكم الخيال المقبل * فعل الذي نهواه أو لم يفعل
ثم وصف الفرس فقال:
وأغر في الزمن البهيم محجل * قد رحت منه على أغر محجل
كالهيكل المبني الا انه * في الحسن جاء كصورة في هيكل
يهوي كما تهوي العقاب إذا رأت * صيدا وينتصب انتصاب الأجدل
متوجس برقيقتين كأنما * يريان من ورق عليه موصل
وكأنما نفضت عليه صبغها * صهباء للبردان أو قطربل
ملك العيون فان بدا أعطينه * نظر المحب إلى الحبيب المقبل
ما ان يعاف قذى ولو أوردته * يوما خلائق حمدويه الأحول
وكان حمدويه هذا عدوا للذي مدحه. فحدثني عبد الله بن الحسين
وقد اجتمعنا بقرقيسياء قال قلت للبحتري انك احتذيت في شعرك - يعني
الذي ذكرناه - أبا تمام وعملت كما عمل من المعنى وقد عاب هذا عليك قوم
فقال لي أيعاب علي أن أتبع أبا تمام وما عملت بيتا قط حتى أخطر شعره
ببالي ولكنني اسقط بيت الهجاء من شعري قال فكان بعد ذلك لا ينشده
وهو ثابت في أكثر النسخ اه‍.
المفاضلة بين أبي تمام والبحتري.
من الطريف أن يكون أبو تمام والبحتري وكلاهما من طئ وفي عصر
واحد متصافيين متآلفين والبحتري يعترف لأبي تمام بالفضل عليه والناس في
عصرهما وبعده مختلفون فيهما ويتعصب لكل واحد فريق. فقد اختلف
الناس في المفاضلة بينهما وصنف أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي
كتابا في ذلك سماه الموازنة بين أبي تمام والبحتري وفهم منه الميل إلى تفضيل
البحتري وصنف أبو الضياء بشر بن تميم الكاتب كتابا في سرقات البحتري
من أبي تمام وظهر منه الميل إلى تفضيل أبي تمام حتى نسبه الآمدي في ذلك
إلى الاسراف وأبو بكر الصولي صنف كتابا في اخبار أبي تمام ويظهر منه الميل
إلى تفضيل أبي تمام، وأبو العلاء المعري يظهر منه تفضيل المتنبي عليهما
حيث شرح دواوين الثلاثة فسمى شرح ديوان أبي تمام ذكرى حبيب وشرح
ديوان البحتري عبث الوليد وشرح ديوان المتنبي معجز احمد وان صح ما
يحكى عن المتنبي أنه قال عن نفسه وعن أبي تمام نحن حكيمان والشاعر
البحتري فقد فضل البحتري على أبي تمام. وفي شذرات الذهب: قال
اليافعي: قد رجح كثير من المتأخرين أو أكثرهم ثلاثة متأخرين أبا تمام
والبحتري والمتنبي واختلفوا في ترجيح أيهم ورجح الفقيه حسين المؤرخ قول
شرف الدين بن خلكان - يعني من ترجيحهما على المتنبي - وذلك لأن الأولين
سبقوا إلى ابتكار المعاني الجزلة بالألفاظ البليغة وأحسن حالات المتأخرين ان
يفهموا أغراضهم وينسجوا على منوالهم وتبقى لهم فضيلة السبق (اه‍) وما
ابعد اليافعي وابن خلكان القاضي وحسينا الفقيه عن معرفة الحكم بين
فحول الشعراء أمثال هؤلاء الثلاثة على أن هذا الكلام الذي حكي عن ابن
خلكان لا يرجع إلى محصل فإن كان المتقدم ابتكر معاني جزلة بألفاظ بليغة
فقد شاركه المتأخر في مثل ذلك أو زاد عليه والمعاني الجزلة والألفاظ البليغة
ليست وقفا على أحد وقد يأخذ المتأخر معنى من المتقدم فينصرف فيه ويزيد
عليه فيكون أحق به واما ان أحسن حالات المتأخرين أن يفهموا أغراض
المتقدمين فهو ظلم للمتأخرين وكلام من لا يعرف قدر الناس وأما المنوال
فلكل منوال ينسج عليه وليس على أحد أن ينسج على منوال أحد بل قد
ينسج على منواله ويكون نسجه أقوى من نسجه وقد ينسج على منوال
يخترعه ويفوق فيه والذي ينبغي أن يقال إن شعر أبي تمام أقوى وأمتن وأقرب
إلى نفس العرب الأول وشعر البحتري أقرب إلى نفس المتأخرين وغزله أرق
من غزل أبي تمام وشعر أبي تمام في مجموعه يفضل شعر البحتري. وفي
أخبار أبي تمام للصولي حدثني أبو العباس عبد الله بن المعتز قال جاءني
محمد بن يزيد المبرد يوما فأفضنا في ذكر أبي تمام وسألته عنه وعن البحتري
فقال لأبي تمام استخراجات لطيفة ومعان طريفة لا يقول مثلها البحتري وهو
صحيح الخاطر حسن الانتزاع وشعر البحتري أحسن استواء وأبو تمام يقول
النادر والبارد وهو المذهب الذي كان أعجب إلى الأصمعي وما أشبه أبا تمام
الا بغائص يخرج الدر والمخشلبة (3) ثم قال والله ان لأبي تمام والبحتري من
المحاسن ما لو قيس بأكثر شعر الأوائل ما وجد فيه مثله. قال أبو بكر -
الصولي - وقول أبي العباس المبرد: ما أشبهه الا بغائص فإنما أخذه من قول
الأصمعي في النابغة الجعدي: تجد في شعره مطرفا بآلاف وكساء بواف -
أي بدرهم واف والدرهم الوافي درهم وأربعة دوانيق - (أقول) ولكنه
غائص لا يخرج في أكثر أوقاته إلا الدر وانما يخرج المخشلبة نادرا. وفي
مروج الذهب ان عبد الله بن الحسن بن سعدان قال سألت المبرد عن أبي
تمام والبحتري أيهما أشعر قال لأبي تمام استخراجات لطيفة ومعان ظريفة
وجيده أجود من شعر البحتري ومن شعر من تقدمه من المحدثين وشعر
البحتري أحسن استواء من أبي تمام لأن البحتري يقول القصيدة كلها
فتكون سليمة من طعن طاعن أو عيب عائب وأبو تمام يقول البيت النادر
ويتبعه البيت السخيف وما أشبهه إلا بغائص البحر يخرج الدر والمخشلبة في
نظام وإنما يؤتى هو وكثير من الشعراء من البخل بأشعارهم وإلا فلو اسقط
من شعره على كثرة عدده ما انكر منه لكان أشعر نظرائه فدعاني هذا القول
منه إلى أن قرأت عليه شعر أبي تمام وأسقطت خواطئه وكل ما ذم من شعره
وأفردت جيده ووجدت ما يتمثل به ويجري على السنة العامة وكثير من
الخاصة مائة وخمسين بيتا ولا أعرف شاعرا جاهليا ولا اسلاميا يتمثل له بهذا
المقدار من الشعر (اه‍) وفي أخبار أبي تمام للصولي قال كنا عند أبي علي
الحسين بن فهم فجرى ذكر أبي تمام فقال رجل أيما أشعر البحتري أو أبو تمام
فقال سمعت بعض العلماء بالشعر ولم يسمه قد سئل عن مثل هذا فقال
وكيف يقاس البحتري بأبي تمام وهو به وكلامه منه وليس أبو تمام بالبحتري
ولا يلتفت إلى كلامه (اه‍).
رأي البحتري في نفسه وفي أبي تمام
قد اعترف البحتري بتقدم أبي تمام عليه فيما ذكره الصولي في أخبار
أبي تمام قال سمعت أبا محمد عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري وقد



(1) والحصى قلق تحت السنابك - الديوان -
(2) حلفت خ ل
(3) المخشلبة بفتح الميم والشين واللام والباء وسكون الخاء خرز ابيض يشبه اللؤلؤ قال المتنبي
يريك الدر مخشلبا. - المؤلف -
499
اجتمعنا في دار عبد الله بالخلد وعنده محمد بن يزيد النحوي - المبرد سنة
276 -. وذكروا معنى تعاوره البحتري وأبو تمام أنت في هذا أشعر من أبي
تمام فقال كلا والله ذاك الرئيس الأستاذ والله ما أكلت الخبز إلا به فقال
له محمد بن يريد يا أبا الحسن تأبى إلا شرفا من جميع جوانبك وفي الأغاني
كان البحتري يتشبه بأبي تمام ويحذو مذهبه وينحو نحوه في البديع الذي كان
أبو تمام يستعمله ويراه صاحبا واماما ويقدمه على نفسه ويقول في الفرق بينه
وبينه قول منصف ان جيد أبى تمام خير من جيده ووسطه خير من وسط أبي
تمام ورديئه وكذا حكم هو على نفسه وقال الخطيب في تاريخ بغداد: أخبرني
علي بن أيوب القمي أنبأنا محمد بن عمران الكاتب (المرزباني) أخبرني
الصولي حدثني الحسين بن إسحاق قال قلت للبحتري الناس يزعمون انك
أشعر من أبي تمام فقال والله ما ينفعني هذا القول ولا يضير أبا تمام والله ما
أكلت الخبز الا به ولوددت ان الامر كما قالوا ولكني والله تابع له لائذ به آخذ
منه. نسيمي يركد عند هوائه وأرضي تنخفض عند سمائه (اه‍) هذا ان
لم يحمل كلام البحتري على هضم النفس والاعتراف بالجميل لكون أبي تمام
هو الذي رباه وعلمه طرائق الأدب ونظم الشعر كما مر وفي أخبار أبي تمام
للصولي: حدثني أبو بكر أحمد بن سعيد الطائي قال كان ابن عبد كان
وإسماعيل بن القاسم وهما علمان من أعلام الكتاب والأدب يقولان:
البحتري أشعر من أبي تمام فذكرت ذلك للبحتري فقال لي لا تفعل يا ابن
عم فوالله ما اكلت الخبز إلا به وفي اخبار أبي تمام للصولي حدثني علي بن
إسماعيل قال كنت عند البحتري فأنشدته - وهو كالمفكر - في مدح خالد ابن
يزيد الشيباني.
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا
إلى نهاية اثني عشر بيتا من هذه القصيدة فقال ما هذا وهو فزع فقلت
له ألا تعرفه هذا لأبي تمام فقال أكرتني والله وسررتني لا يحسن هذا
الاحسان أحد غيره (اه‍) وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو عبد الله
الحسين بن علي الباقطاني قلت للبحتري أيما أشعر أنت أو أبو تمام فقال
جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه قال أبو بكر الصولي: وقد
صدق البحتري في هذا جيد أبي تمام لا يتعلق به أحد في زمانه وربما اختل
لفظه قليلا لا معناه والبحتري لا يختل (اه‍) فيكون البحتري قد اعترف
بفضل أبي تمام عليه وفي الموازنة الذي نرويه عن أبي علي محمد بن العلاء
السجستاني وكان صديق البحتري انه سئل البحتري عن نفسه وعن أبي تمام
فقال هو أغوص على المعاني وانا أقوم بعمود الشعر (اه‍).
مآخذ البحتري من أبي تمام
ويناسب هنا أن نذكر ما أخذه البحتري من أبي تمام فقد اخذ منه
كثيرا حتى قال ابن الرومي يهجو البحتري ويتهمه بأن كل بيت له جيد
مسروق من أبي تمام وقد ظلمه.
وأرى البحتري يسرق ما قال * ابن أوس في المدح والتشبيب
كل بيت له يجود معناه * فمعناه لابن أوس حبيب
وحتى ألف أبو الضياء بشر بن تميم الكاتب كتابا في سرقات البحتري
من أبي تمام ذكر هذا الكتاب الآمدي في الموازنة وأشار اليه الصولي في أخبار
أبي تمام وقال الآمدي في الموازنة ان الذي أخذه البحتري من أبي تمام يزيد
على مائة بيت اه‍ على انك قد عرفت وستعرف أن مجرد التوافق لا يدل على
الأخذ لجواز توارد الخاطر وإن الأخذ لا يكون إلا في المعاني الغريبة المخترعة
دون المبذولة التي يعرفها الجميع.
ما ذكره الصولي من مآخذ البحتري من أبي تمام
ذكر الصولي في كتابه أخبار أبي تمام جملة من مآخذ البحتري من أبي
تمام فذكر الأبيات السالف ذكرها قريبا التي فيها الاستطراد ثم ذكر الباقي
فقال قال أبو تمام:
يتنزل الأمل البعيد ببشره * بشرى المخيلة بالربيع المغدق (1)
وكذا السحائب قلما تدعو إلى * معروفها الرواد ما لم تبرق
قال فحسن هذا المعنى وكمله ثم أوضحه في مكان آخر واختصره
فقال:
إنما البشر روضة فإذا * اعقب بذلا فروضة وغدير
فما زال البحتري يردد هذا المعنى في شعره ويتبع أبا تمام فيه ويقع في
أكثره دونه قال في قصيدة يمدح بها رافعا.
كانت بشاشتك الأولى التي ابتدأت * بالبشر ثم اقتبلنا بعدها النعما
كالمزنة استوقفت أولى مخيلتها * ثم استهلت بغزر تابع الديما
ولفظ البحتري في أكثر هذه أسهل ثم ردد هذا المعنى البحتري فقال
واستعاره للسيف
مشرق للندى ومن حسب السيف * لمستله ضياء حديده
ضحكات في أثرهن العطايا * وبروق السحاب قبل رعوده
ثم ردد المعنى واسقط البشر منه وصير مكانه الرعد فقال في أبي الصقر
يوليك صدر اليوم قاصية الغنى * بفوائد قد كن أمس مواعدا
سوم السحائب ما بدأن بوارقا * في عارض الا انثنين رواعدا
ثم ردد المعنى الأول بحاله فقال في المعتز بالله وأحسن
متهلل طلق إذا وعد الغنى * بالبشر اتبع بشره بالنائل
كالمزن إن سطعت لوامع برقه * أجلت لنا عن ديمة أو وابل
وقال أبو تمام:
فسواء إجابتي غير داع * ودعائي بالقاع غير مجيب
فقال البحتري نسخا له
وسألت من لا يستجيب فكنت في * استخباره كمجيب من لا يسأل
وقال أبو تمام:
إذا القصائد كانت من مدائحهم * يوما فأنت لعمري من مدائحها
فقال البحتري:
ومن يكن فاخرا بالشعر يذكر في * أصنافه فبك الاشعار تفتخر
وقال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
فقال البحتري:
ولن تستبين الدهر موضع نعمة * إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد
وقال أبو تمام:
بخل تدين بحلوه وبمره * فكأنه جزء من التوحيد



(1) المخيلة السحابة التي تحسبها ماطرة الذي يجئ زمن الربيع والمغدق الذي يجئ
بالغدق وهو الماء الكثير. - المؤلف -
500
فقال البحتري:
وتدين بالبخل حتى خلته * فرضا يدان به الاله ويعبد
وقال أبو تمام:
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا * عذب تحدر من غمام واحد
فقال البحتري:
وأقل ما بيني وبينك اننا * نرمي القبائل عن قبيل واحد
وقال أبو تمام:
ثوى بالمشرقين لهم ضجاج * أطار قلوب أهل المغربين
فقال البحتري:
غدا غدوة بين المشارق إذ غدا * فبث حريقا في أقاصي المغارب
وقال أبو تمام:
حن إلى الموت حتى ظن جاهله * بأنه حن مشتاقا إلى وطن
فقال البحتري:
تسرع حتى قال من شهد الوغى * لقاء أعاد أم لقاء حبائب
وقال أبو تمام:
شهدت جسيمات العلى وهو غائب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا
فقال البحتري:
نصحتكم لو كان للنصح سامع * لدى شاهد عن موضع الفهم غائب
وقال أبو تمام:
فإن أنا لم يحمدك عني صاغرا * عدوك فاعلم انني غير حامد
فقال البحتري:
ليواصلنك ذكر شعر سائر * يرويه فيك لحسنه الأعداء
وقال أبو تمام:
ونغمة معتفي جدواه أحلى * على أذنيه من نغم السماع
فقال البحتري:
نشوان يطرب للسؤال كأنما * غناه ما لك طئ أو معبد
وأول من سبق إلى هذا المعنى زهير ثم أخذه الناس فولدوه قال:
تراه إذا ما جئته متهللا * كإنك تعطيه الذي أنت سائله
وقال أبو تمام:
ومجربون سقاهم من بأسه * فإذا لقوا فكأنهم أغمار
فقال البحتري:
ملك له في كل يوم كريهة * اقدام غر واعتزام مجرب
وقال أبو تمام يصف شعره:
منزهة عن السرق المورى * مكرمة عن المعنى المعاد
فقال البحتري:
لا يعمل المعنى المكرر * فيه واللفظ المردد
وقال أبو تمام:
البيد والعيس والليل التمام (1) معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن
فقال البحتري:
اطلبا ثالثا سواي فإني * رابع العيس والدجى والبيد
وقال أبو تمام:
تفيض سماحة والمزن مكد * وتقطع والحسام العضب ناب
فقال البحتري:
يتوقدون والكواكب مطفاة * ويقطعن والسيوف نواب
وقال أبو تمام:
لا تدعون نوح بن عمرو دعوة * للخطب إلا أن يكون جليلا
فقال البحتري:
يا أبا جعفر وما أنت بالمدعو * الا لكل امر كبار
وقال أبو تمام:
ولقد أردتم مجده وجهدتم * فإذا أبان قد رسا ويلملم
فقال البحتري:
ولن ينقل الحساد مجدك بعدما * تمكن رضوى واطمأن متالع
وقال أبو تمام:
وتشرف العليا وهل بك (من) مذهب * عنها وأنت على المعالي قيم
فقال البحتري:
متقلقل الأحشاء (العزمات) في طلب العلى * حتى يكون على المكارم (المعالي) قيما
وقال أبو تمام:
ويلبس أخلاقا كراما كأنها * على العرض من فرط الحصانة أدرع
فقال البحتري:
قوم إذا لبسوا الدروع لموقف * لبستهم الاخلاق فيه دروعا
وقال أبو تمام:
وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوعر
فقال البحتري:
ولو أنه استام الحياة لنفسه * وجد الحياة رخيصة الأسباب
وقال أبو تمام:
وما العرب بالتسويف الا كخلة * تسليت عنها حين شط مزارها
فقال البحتري:
وكنت وقد أملت مدا لنائل * كطالب جدوى خلة لا تواصل
وقال أبو تمام:
همة تنطح النجوم وحظ * آلف للحضيض فهو حضيض
فقال البحتري:
متحير يغدو بعزم قائم * في كل نازلة وجد قاعد
وقال أبو تمام:
متواطئو عقبيك في طلب العلى * والمجد ثمت تستوي الأقدام



(1) الليل التمام أطول ليالي الشتاء. - المؤلف -
501
فقال البحتري:
حزت العلى سبقا وصلى ثانيا * ثم استوت من بعده الأقدام
وقال أبو تمام:
تندى عفاتك للعفاة وتغتدي * رفقا إلى زوارك الزوار
فقال البحتري:
ضيف لهم يقري الضيوف ونازل * متكفل فيهم ببر النزل
وقال أبو تمام:
عطفوا الخدور على البدور ووكلوا * ظلم الستور بنور حور نهد
فقال البحتري:
وبيض أضاءت في الخدور كأنها * بدور دجى جلت سواد الحنادس
فهذا ما ذكر الصولي أن البحتري أخذه من أبي تمام
ما ذكره الآمدي من مآخذ البحتري من أبي تمام
نقلا عن أبي الضياء بشر بن تميم الكاتب وصححه
ذكر الآمدي في الموازنة أن أبا الضياء هذا ألف في ذلك كتابا ويظهر
مما نقله الآمدي عن ذلك الكتاب من تلك المآخذ أن أبا الضياء استقصى
فيه استقصاء عجيبا وتتبع شعر كل من الشاعرين تتبعا كاملا لا يمكن
الاستدراك عليه وقد يظهر منه التعصب لأبي تمام على البحتري ولكن
الآمدي الذي يلوح منه التعصب للبحتري على أبي تمام صحح أكثر تلك
المآخذ وناقش في بعضها بأنها لا تعد اخذا لأنها معان مبذولة معروفة وترك
بعضها فلم يذكره وقال الآمدي في الموازنة هذا ما اخذه البحتري من معاني
أبي تمام مما نقلته من صحيح ما خرجه أبو الضياء بشر بن تميم الكاتب لأنه
استقصى ذلك استقصاء بالغ فيه حتى تجاوز إلى ما ليس بمسروق فكفانا
مؤونة الطلب ثم أورد ما صححه من ذلك ونحن نورد منه هنا ما لم يذكره
الصولي فيما تقدم قال الآمدي عن أبي الضياء.
وقال أبو تمام:
فكاد بأن يرى للشرق شرقا * وكاد بأن يرى للغرب غربا
فقال البحتري:
فأكون طورا مشرقا للمشرق * الأقصى وطورا مغربا للمغرب الاجم
وقال أبو تمام:
فإن يكن وصب عانيت سورته * فالورد (1) حلف لليث الغابة الأضم (2)
إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت * عيدان نجد ولم يعبان بالرتم (3)
فقال البحتري:
فلست ترى شوك القتادة خائفا * سموم الرياح الآخذات من الرند
ولا الكلب محموما وإن طال عمره * إلا إنما الحمى على الأسد الورد
وقال أبو تمام:
رأيت رجائي فيك وحدك همة * ولكنه في سائر الناس مطمع
فقال البحتري:
ثنى أملي فأحتازه عن معاشر * يبيتون والآمال فيهم مطامع
وقال أبو تمام بمحمد ومحسد ومسود * ومكرم وممدح ومعذل (4)
فقال البحتري ذلك المحمد والمسود * والمكرم والمحسد
وقال أبو تمام:
وقد قرب المرمى البعيد رجاؤه * وسهلت الأرض العراء ركائبه
فقال البحتري:
أدار رحاه فاغتدى جندل الفلا * ترابا وقد كان التراب جنادلا
وقال أبو تمام:
رافع كفه لبري فما * أحسبه جاءني لغير اللطام
فقال البحتري:
ووعد ليس يعرف من عبوس * انقباضهم أو عدام أو وعيد
وقال أبو تمام:
لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه * يوما ولا حجة الملهوف تستلب
فقال البحتري:
ان أغفلوا حجة لم يلف مسترقا * لها وأن يهموا في القول لم يهم
وقال أبو تمام:
مجد رعى تلعات الدهر وهو فتى * حتى غدا الدهر يمشي مشية الهرم
فقال البحتري:
صحبوا الزمان الفرط الا انه * هرم الزمان وعزهم لم يهرم
وقال أبو تمام:
كريم متى أمدحه مدحه والورى * معي فإذا ما لمته لمته وحدي
فقال البحتري:
أأشكو نداه بعد أن وسع الورى * ومن ذا يذم الغيث الا مذمم
وقال أبو تمام:
وما نفع من قد مات بالأمس صاديا * إذا ما السماء اليوم طال انهمارها
فقال البحتري:
واعلم بأن الغيث ليس بنافع * للناس ما لم يأت في ابانه
(قول) معناه غير معنى بيت أبي تمام يأتي أنه مأخوذ من بيت آخر
وقال أبو تمام:
تكاد مغانيه تهش عراصها * فتركب من شوق إلى كل راكب
فقال البحتري:
ولو أن مشتاقا تكلف غير ما * في وسعه لسعى إليك المنبر
وقال أبو تمام:
وكيف احتمالي للسحاب صنيعة * باسقائها قبرا وفي لحده البحر



(1) الورد بالكسر من أسماء الحمى.
(2) في الديوان الأضم بالضاد المعجمة وهو من أضم كفرح فهو أضم اي غضبان وفي نسخة اجم
بالجيم ويمكن كونه من الأجمة لكن الظاهر أنه تصحيف.
(3) الرتم نبات دقيق. - المؤلف -
(4) بمحمد ومكند ومحسد * ومسود وممدح ومعذل (الديوان)
502
فقال البحتري:
ملآن من كرم فليس يضره * مر السحاب عليه وهو جهام
وقال أبو تمام:
فليشكروا جنح الظلام ودروذا * فهم لدروذ والظلام موالي
فقال البحتري:
نجا وهو مولى الريح يشكر فضلها * عليه ومن يول الصنيعة يشكر
وقال أبو تمام:
أنت المقيم فما تغدو رواحله * وعزمه أبدا منه على سفر
فقال البحتري:
مسافر ومطاياه محللة * غروضها ومقيم وهو مرتحل
وقال أبو تمام:
فلم يجتمع شرق وغرب لقاصد * ولا المجد في كف امرئ والدراهم
فقال البحتري:
ليفر وفرك الموفى وان * أعوز ان يجمع الندى ووفوره
وقال أبو تمام:
ووفرت يا فوخ الجنان عن الردى * وزدت غداة الروع في نجدة النجد
فقال البحتري:
ويغدو ونجدته في الوغى * تدرب نجدات فرسانه
وقال أبو تمام:
ما زال وسواسي لعقلي خادعا * حتى رجا مطرا وليس سحاب
فقال البحتري:
وعجيب ان الغيوم يرجيهن * من لا يرى مكان الغيوم
وقال أبو تمام:
بكل صعب الذرى من مصعب يقظ * أقام متئدا أم سار معتزما
فقال البحتري:
لا يبرح الحزم يستوفي صريحته * أقام متئدا أم سار معتزما
وقال أبو تمام:
لرددت تحفته عليه وإن غلت * عن ذاك واستهديت بعض خصاله
وقال أبو تمام أيضا:
وانفح لنا من طيب خيمك نفحة * ان كانت الاخلاق مما توهب
فقال البحتري:
لا تسل ربك الكثير وسله * خصلة تستفيدها من خصاله
وقال أبو تمام:
غريبة تؤنس الآداب وحشتها * فما تحل على قوم وترتحل
فقال البحتري:
ضوارب في الآفاق ليس بنازح * بها من محل أوطنته ارتحالها
وقال أبو تمام:
كأنما خامره اولق * أو غازلت هامته الخندريس
فقال البحتري:
وتخال ريعان الشباب يروعه * من جنة أو نشوة أو افكل
وقال أبو تمام:
حمد حييت به واجر حلقت * من دونه عنقاء ليل مغرب
فقال البحتري:
فأنت تصيب المجد حيث تلألأت * كواكبه ان أنت لم تصب الأجرا
وقال أبو تمام:
تدعى عطاياه وفرا وهي ان شهرت * كانت فخارا لمن يعفوه موتنقا
فقال البحتري:
وإذا اجتداه المجتدون فإنه * يهب العلى في سيبه الموهوب
وقال أبو تمام:
وتلبس أخلاقا كراما كأنها * على العرض من فرط الحصانة أدرع
فقال البحتري:
قوم إذا لبسوا الدروع لموقف * لبسوا من الأحشاء فيه دروعا
وقال أبو تمام:
لما أظلتني غمامك أصبحت * تلك الشهود علي وهي شهودي
فقال البحتري:
ومعترضون ان حاولت امرا * بهم شهدوا علي وهم شهودي
وقال أبو تمام
انضرت ايكتي عطاياك حتى * صار ساقا عودي وكان قضيبا
فقال البحتري:
حتى يعود الذئب ليثا ضيغما * والغصن ساقا والقرارة نيقا
وقال أبو تمام:
وحشية ترمي القلوب إذا اغتدت * وسني فما تصطاد غير الصيد
فقال البحتري (وتصطاد الفوارس صيدها):
وقال أبو تمام:
الآن حين غرست في كرم الندى * تلك المنى وبنيت فوق أساس
فقال البحتري:
غفل الرجال بنوا على جدد الثرى * لما بنوا وبنيت فوق أساس
وقال أبو تمام:
فعلام الصدود من غير جرم * والصدود الفراق قبل الفراق
فقال البحتري:
على أن هجران الحبيب هو النوى * لدي وعرفان المشيب هو العذل
وقال أبو تمام:
وفتى إذا جنف الزمان فما يرى * الا إلى عزماته يتظلم
فقال البحتري:
ولو أنصفتني سر من راء لم أكن * إلى العيش من أوطانها اتظلم

503
وقال أبو تمام.
من دوحة الكلم التي لم ينفك * وقفا عليك رصينة محبوسا
فقال البحتري:
ولك السلامة والسلام فإنني * غاد وهن على علاك حبائس
وقال أبو تمام:
وكذاك لم تفرط كآبة عاطل * حتى يجاورها الزمان بحالي
فقال البحتري:
وقد زادها إفراط حسن جوارها * خلائق أصفار من المجد خلب
وقال أبو تمام:
وما العرف بالتسويف الا كخلة * تسليت عنها حين شط مزارها
فقال البحتري:
وكنت وقد حاولت مدا لحاجتي * كطالب جدوى خلة لا تواصل
وقال أبو تمام:
آساد موت مخدرات مالها * الا الصوارم والقنا آجام
فقال البحتري:
حشدت حولها سباع الموالي * والعوالي غاب لتلك السباع
وقال أبو تمام:
ولاذت بحقويه الخلافة والتقت * على خدرها أرماحه ومناصله
فقال البحتري:
لاذت بحقويه الخلافة انها * قسم لأفضل هاشم فالأفضل
وقال أبو تمام
وقد تألف العين الدجى وهو قيدها * ويرجى شفاء السم والسم قاتل
فقال البحتري:
ويحسن دلها والموت فيه * وقد يستحسن السيف الصقيل
وقال أبو تمام:
أورقت لي وعدا وثقت بنجحه * بالأمس الا انه لم يثمر
فقال البحتري:
والوعد كالورق الجني تأودت * منه الغصون ونجحه ان يثمرا
وقال أبو تمام:
ان الهلال إذا رأيت نموه * أيقنت ان سيكون بدرا كاملا
فقال البحتري:
مثل الهلال بدا فلم يبرح به * صوع الليالي فيه حتى أقمرا
وقال أبو تمام:
نرمي بأشباحنا إلى ملك * نأخذ من ماله ومن أدبه
فقال البحتري:
نغدو فاما استمحنا من مواهبه * فضلا واما استفدنا منه آدابا
وقال أبو تمام:
وما خير برق لاح في غير وقته * وواد غدا ملآن قبل أوانه
فقال البحتري:
واعلم بان الغيث ليس بنافع * للناس ما لم يأت في ابانه
وقال أبو تمام:
لا يكرم السائل المعطي وان اخذت * منه الرغائب حتى يكرم الطلب
فقال البحتري:
علمتني الطلب الشريف وانما * كنت الوضيع من اتضاع مطالبي
وقال أبو تمام:
أرسى بناديك الندى وتنفست * نفسا بعقوتك الرياح ضعيفا
فقال البحتري:
راحت لاربعك الرياح ضعيفة * وأصاب مغناك الغمام الصيب
وقال أبو تمام:
الود للقربى ولكن رفده * للأبعد الأوطان دون الأقرب
فقال البحتري:
بل كان أقربهم من سيبه سببا * من كان ابعدهم من جذمه رحما
وقال أبو تمام:
شرخ من الشرف المنيف يهزه * هز الصفيحة شرخ عمر مقبل
فقال البحتري:
أدركت ما فات الكهول من الحجى * في عنفوان شبابك المستقبل
وقال أبو تمام:
بعثن الهوى في قلب من ليس هائما * فقل في فؤاد رعنه وهو هائم
فقال البحتري:
فبعثن وجدا للخلي وزدن في * برحاء وجد الهائم المستهتر
وقال أبو تمام:
غرة مرة الا انما كنت * أغرا أيام كنت بهيما
فقال البحتري:
عجبت لتفويف القذال وانما * تفويفه لو كان غير مفوف
وقال أبو تمام:
وما زالت تجد أسى وشوقا * له وعليه اخلاق الرسوم
فقال البحتري:
فهيج وجدي ربعها وهو ساكن * وجدد شوقي رسمها وهو مخلق
وقال أبو تمام:
تراه يذب عن حرم المعالي * فتحسبه يدافع عن حريم
فقال البحتري:
حامى عن المكرمات مجتهدا * ذب المحامي عن ماله ودمه
وقال أبو تمام:
تنصل ربها من غير جرم * إليك سوى النصيحة والوداد
فقال البحتري:
أقر بما لم اجنه متنصلا * إليك على اني أخالك ألوما

504
وقال أبو تمام:
وتند عندهم العلى الاعلى * جعلت لها مرر القصيد قيودا
فقال البحتري:
والمجد قد يأبق عن أهله * لولا عرى الشعر الذي قيده
وقال أبو تمام:
شك حشاها بخطبة عنن * كأنها منه طعنة خلس
فقال البحتري:
فرحت جوانبها بخطبة فيصل * مثل لها في الروع طعنة فيصل
وقال أبو تمام:
جم التواضع والدنيا بسؤدده * تكاد تهتز من أقطارها صلفا
فقال البحتري:
ابدى التواضع لما نالها رعة * عنها فنالته فاختالت به تيها
وقال أبو تمام:
إذا أطلقوه من جوامع عقله * تيقن ان المن أيضا جوامع
فقال البحتري.
وفي عفوه لو يعلمون عقوبة * تقعقع في الاعراض ان لم يعاتب
وقال أبو تمام:
قصر ببذلك عمر وعدك تحولي * شكرا يعمر عمر سبعة انسر
فقال البحتري:
وجعلت نيلك تلو وعدك قاصرا * عمر العدو به وعمر الموعد
وقال أبو تمام.
دعا شوقه يا ناصر الشوق دعوة * فلباه طل الدمع يجري ووابله
فقال البحتري:
نصرت له الشوق اللجوج بعبرة * تواصل في اعقاب وصل تصرما
وقال أبو تمام:
من ليلة في وبلها ليلاء * فلو عصرت الصخر صار ماء
فقال البحتري:
أشرقن حتى كاد يقتبس الدجى * ورطبن حتى كاد يجري الجندل
وقال أبو تمام:
بر بدأت به ودار بابها * للخلق مفتوح ووجه مقفل
فقال البحتري:
اليم بابك معقود على خلق * وراءه مثل مد النيل محلول
فهذا ما نقله الآمدي عن أبي الضياء من مآخذ البحتري من أبي تمام
وصححه وقال أبو تمام:
زعمت هواك عفا الغداة كما عفت * منها طلال باللوى ورسوم
قال الآمدي اخذه البحتري فقال:
ما ظننت الأهواء قبلك تمحى * من صدور العشاق محو الديار
(ما ذكره الآمدي من مآخذ البحتري من أبي تمام نقلا عن أبي الضياء
ولم يصححه).
قال الآمدي في الموازنة ان أبا الضياء لم يقنع بالمسروق الذي يشهد
التأمل الصحيح بصحته حتى تعدى ذلك إلى التكثير وإلى أن ادخل في
الباب ما ليس منه بعد ان قدم مقدمة أوصى فيها ان لا يعجل الناظر في
كتابه فيقول ما هذا مأخوذ من هذا حتى يتأمل المعنى دون اللفظ وانما السرق
في الشعر ما نقل معناه دون لفظه ومن الناس من لا يعد سرقة إلا مثل بيت
امرئ القيس وطرفة إذ لم يختلفا إلا في القافية فقال امرؤ القيس.
وقوفا بها صحبي علي مطيهم * يقولون لا تهلك أسى وتحمل
وقال طرفة:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم * يقولون لا تهلك أسى وتجلد
ومنهم من يحتاجون إلى دليل من اللفظ مع المعنى وآخرون يكون
الغامض عندهم بمنزلة الظاهر وهم قليل قال الآمدي فجعل هذه المقدمة
توطئة لما اعتمده من الإطالة والحسد وان يقبل منه كل ما يورده ولم يستعمل
مما وصى به من التأمل شيئا ولو فعل لعلم ان السرق انما هو في البديع
المخترع لا في المعاني المشتركة بين الناس غير أنه استكثر من هذا الباب
وخلط به ما ليس من السرق في شئ ولا بين المعنيين تناسب ولا تقارب
واتى بضرب آخر المعاني فيه مختلفة وليس فيه الا اتفاق ألفاظ ليس مثلها ما
يحتاج واحد ان يأخذه من آخر إذ كانت الألفاظ مباحة فبلغ غرضه في توفير
الورق وتعظيم حجم الكتاب (إلى أن قال) فمما ذكر ان البحتري اخذه من
أبي تمام قول أبي تمام:
جرى الجود مجرى النوم منه فلم يكن * بغير سماح أو طعان بحالم
فقال البحتري:
ويبيت يحلم بالمكارم والعلى * حتى يكون المجد جل منامه
وقال أبو تمام:
إذا القصائد كانت من مدائحهم * يوما فأنت لعمري من مدائحها
فقال البحتري:
ومن يكن فاخرا بالشعر يذكر في * اضعافه فبك الاشعار تفتخر
وقال أبو تمام:
ثم انقضت تلك السنون وأهلها * فكأنها وكأنهم أحلام
فقال البحتري:
وأيامنا فيك اللواتي تصرمت * مع الوصل أضغاث وأحلام نائم
وقال أبو تمام:
أظلت روعك حتى صرت لي غرضا * قد يقدم العير من ذعر على الأسد
فقال البحتري:
فجاء مجئ العير قادته حيرة * إلى اهرت الشدقين تدمى أظافره
وقال أبو تمام:
هيهات لم يعلم بأنك لو ثوى * بالصين لم تبعد عليك الصين
فقال البحتري:
يضحي مطلا على الأعداء لو وقعوا * في الصين من بعدها ما استبعد الصينا
وقال أبو تمام:
كأن بني نبهان يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر

505
فقال البحتري:
فإذا لقيتهم فموكت أنجم * زهر وعبد الله بدر الموكب
وبيت أبي تمام مر انه مسروق. وقال أبو تمام:
همة تنطح النجوم وجد * آلف للحضيض فهو حضيض
فقال البحتري:
متحير يغدو بعزم قائم * في كل نائبة وجد قاعد
وقال أبو تمام:
وليست فرحة الأوبات الا * لموقوف على ترح الوداع
فقال البحتري:
ما لشئ بشاشة بعد شئ * كتلاق مواشك بعد بعد
وقال أبو تمام:
لهم نشب وليس لهم سماح * وأجسام وليس لهم قلوب
فقال البحتري:
خلق ممثلة بغير خلائق * ترجى وأجسام بلا أرواح
وقال أبو تمام:
لا تدعون نوح بن عمرو دعوة * للخطب الا ان يكون جليلا
فقال البحتري:
يا أبا جعفر وما أنت بالمدعو * الا لكل امر كبار
وقال أبو تمام:
بيض فهن إذا رمقن سوافرا * صور وهن إذا رمقن صوار
فقال البحتري:
اني لحظت فأنت جؤذر رملة * وإذا صددت فأنت ظبي كناس
وقال أبو تمام:
ولقد جهدتم ان تزيلوا عزه * فإذا ابان قد رسا ويلملم
فقال البحتري:
ولن ينقل الحساد مجدك بعدما * تمكن رضوى واطمأن متالع
وقال أبو تمام:
وفي شرف الحديث دليل صدق * لمختبر على شرف القديم
فقال البحتري:
على انا نوكل بالأداني * وتخبرنا الفروع عن الأصول
وقال أبو تمام:
ولذاك قيل من الظنون جلية * صدق وفي بعض القلوب عيون
فقال البحتري:
وإذا صحت الروية يوما * فسواء ظن امرئ وعيانه
وقال أبو تمام:
لانجم من معشر الا وهمته * عليك دائرة يا أيها القطب
فقال البحتري:
ودارت بنو ساسان طرا عليهم * مدار النجوم السائرات على القطب
وقال أبو تمام:
وأقل الأشياء محصول نفع * صحة القول والفعال مريض
فقال البحتري:
وما لمثلي في القول منك رضى * والقول في المجد غير محسوب
وقال أبو تمام:
ستر الصنيعة واستمر ملعنا * يدعو عليه النائل المظلوم
فقال البحتري:
أكافر منك فضل نعمى * وستر نعمى الكريم كفر
وقال أبو تمام:
شهدت جسيمات العلى وهو غائب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا
فقال البحتري:
بشير لكم فيها نذير لغيركم * له شاهد عن موضع الفهم غائب
وقال أبو تمام:
دعيني على أخلاقي الصمل التي * هي الوفر أو سرب ترن نوادبه
فقال البحتري:
وخد القلاص يردني لك بالغنى * في بعض ذا التطواف أو يرديني
وقال أبو تمام:
كحلت بقبح صورته فأمسى * لها انسان عيني في السياق
فقال البحتري:
شكوت قذى بعينك بات يدمى * كأنك قد نظرت إلى طماس
وقال أبو تمام:
فاقسم اللحظ بيننا ان في اللحظ * لعنوان ما يجن الضمير
فقال البحتري:
سلام وان كان السلام تحية * فوجهك دون الرد يكفي المسلما
وقال أبو تمام:
ورحب صدر لو أن الأرض واسعة * كوسعه لم يضق عن أهله بلد
فقال البحتري:
مفازة صدر لو تطرق لم يكن * ليسلكها فردا سليك المقانب
وقال أبو تمام:
انما البشر روضة فإذا ما * كان بر فروضة وغدير
فقال البحتري:
فان العطاء الجزل ما لم تحله * يبشرك مثل الروض غير منور
وقال أبو تمام:
واني ما حورفت في طلب الغنى * ولكنما حورفتم في المكارم
فقال البحتري:
إذا ابتدي بخلاء الناس عارفة * يتبعها المن فالمرزوق من حرما
وقال أبو تمام:
إذا شب نارا أقعدت كل قائم * وقام لها من خوفه كل قاعد

506
فقال البحتري:
ومبجل وسط الرجال خفوقهم * لقيامه وقيامهم لعقوده
وقال أبو تمام:
ورب يوم كأيام تركت به * من القناة ومتن القرن منقصفا
فقال البحتري
في معرك ضنك تخال به القنا * بين الضلوع إذا انحنين ضلوعا
وقال أبو تمام:
بين البين فقدها قلما يعرف * فقد للشمس حتى تغيبا
فقال البحتري:
فاضل بين الاخوان عسري وفي * ظلماء ليل تفاضلت شهبه
وقال أبو تمام:
ان الصفائح منك قد نضدت على * ملقى عظام لو علمت عظام
فقال البحتري:
مساع عظام ليس يبلى جديدها * وان بليت منهم رمائم أعظم
وقال أبو تمام:
لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فان كلهم أو جلهم بقر
فقال البحتري:
علي نحت القوافي من مقاطعها * وما علي لهم ان تفهم البقر
وقال أبو تمام:
لهان علينا ان نقول وتفعلا * ونذكر بعض الفضل منك فتفضلا
فقال البحتري:
ان الخليفة ليس يرقب في الذي * حاولت الا ان تقول ويفعلا
وقال أبو تمام:
وما يوم زرت اللحد يومك وحده * لمينا ولكن يوم زيد وحاتم
فقال البحتري:
بأبيض وضاح كأن قميصه * يزر على الشيخين زيد وحاتم
وقال أبو تمام:
لعمرك ما كانوا ثلاثة اخوة * ولكنهم كانوا ثلاث قبائل
فقال البحتري.
كانوا ثلاثة أبحر أفضى بهم * ولع المنون إلى ثلاثة أقبر
وقال أبو تمام:
كساك من الأنوار ابيض ناصع * واحمر قاني واصفر فاقع
وفي الديوان:
كساك من الأنوار اصفر فاقع * وابيض نصاع واحمر ساطع
فقال البحتري:
من واضح يقق واصفر فاقع * ومضرج جسد واحمر قاني
وقال أبو تمام:
لولا مناشدة القربى لغادركم * فريسة المرهفين السيف والقلم
فقال البحتري:
زنت الخلافة إشراقا وقد حبطت * وذدت عن حقها بالسيف والقلم
وقال أبو تمام:
أبى لي نحر الغوث ان أرأم التي * أسب بها والنجر يشبهه النجر
فقال البحتري:
سيد نجر المعالي نجره * يملك الجود عليه ما ملك
قال الآمدي وقد كان ينبغي لأبي الضياء ان لا يخرج مثل هذا في
السرق ولا يفرح نفسه وقال أبو تمام:
متواطئو عقبيك في طلب العلى * والمجد ثمة تستوي الاقدام
فقال البحتري:
حزت العلى سبقا وصلى ثانيا * ثم استوت من بعده الاقدام
وقال أبو تمام يصف الفرس:
من نجل كل تليدة أعراقه * طرف معم في السوابق مخول
فقال البحتري:
وافي الضلوع يشد عقد حزامه * يوم اللقاء على معم مخول
وقال أبو تمام:
فأذرت جمانا من دموع نظامها * على الخد الا ان صائغها الشعر
فقال البحتري:
جرى في نحرها من مقلتيها * جمان يستهل على جمان
وقال أبو تمام:
وهل للقريض الغض أو من يحوكه * على أحد الا عليك معول
فقال البحتري:
وعليك سقياهم لنا إذ لم يكن * في توبة الا عليك معول
قال الآمدي فحظر على البحري لفظة معول وحرمها عليه من اجل
ان أبا تمام لفظ بها وقال أبو تمام:
وإذا امرؤ اهدى إليك صنيعة * من جاهه فكأنها من ماله
فقال البحتري:
حاز حمدي وللرياح اللواتي * تجلب الغيث مثل حمد الغيوم
وأجاب الآمدي عن كل بيت من ابيات البحتري هذه بجواب
وبطول الكلام بنقل هذه الأجوبة على التفصيل ويرجع حاصلها إلى أن من
هذه المعاني ما هو مبذول معروف لا يعد التوافق فيه سرقة ومنها ما كان
المعنى في بيت البحتري مغايرا له في بيت أبي تمام ولم يتفق البيتان الا في
بعض الألفاظ.
ومما اخذه البحتري من أبي تمام قوله:
لا تطلبن له النظير فإنه * قمر التأمل مزنة التأميل
اخذه من قول أبي تمام:
نفسي فداء أبى علي انه * صبح المؤمل كوكب المتأمل
بعض الموازنات بين أشعار الطائيين
منقول أكثرها عن الآمدي في الموازنة:

507
الابتداءات بذكر الوقوف على الديار لأبي تمام
ما في وقوفك ساعة من باس * تقضي حقوق الأربع الادراس
قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد * وان هي لم تسمع لنشدان ناشد
قف بالطلول الدارسات علاثا (1) * أضحت حبال قطينهن رثاثا
قف نؤبن كناس هذا الغزال * ان فيه لمسرحا للمقال
ليس الوقوف يكف شوقك فانزل * وابلل غليلك بالمدامع يبلل
الابتداءات بذكر الوقوف على الديار للبحتري
ما على الركب من وقوف الركاب * في مغاني الصبا ورسم التصابي
ذك وادي الأراك فاحبس قليلا * مقصرا عن ملامتي أو مطيلا
قف العيس قد أدنى خطاها كلالها * وسل دار سعدى ان شفاك سؤالها
عرج بذي سلم فثم المنزل * فيقول صب ما أرد ويفعل
كم من وقوف على الاطلال والدمن * لم يشف من برحاء الشوق ذا شجن
استوقف الركب في أطلالها وقفا * وان أجد بلى مأثورها وعفا
الابتداءات بالتسليم على الديار لأبي تمام
دمن ألم بها فقال سلام * كم حل عقدة صبره الالمام
سلم على الربع من سلمى بذي سلم * عليه وسم من الأيام والقدم
الابتداءات بالتسليم على الديار للبحتري
هذي المعاهد من سليم فسلم * وأسال وان وجمت ولم تتكلم
حييتما من مربع ومصيف * كانا محلي زينب وصدوف
ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها * نعم ونسألها عن بعض أهليها
الابتداءات بذكر تعفية الزمان للديار لأبي تمام
لقد اخذت من دار ماوية الحقب * أنحل المغاني للبلى هي أم نهب
قال الآمدي حذف التنوين من أنحل للضرورة (اه‍) والنحل
بالضم الهبة عن طيب نفس يقول المغاني هي هبة للبلى أم نهب بالقهر؟
قد نابت الجزع من ماوية النوب * واستحقبت جدة من ربعها الحقب
الابتداء بذكر تعفية الزمان للديار للبحتري
يا مغاني الأحباب صرت رسوما * وغدى الدهر فيك عندي ملوما
أرسوم دار أم سطور كتاب * درست بشاشتها مع الأحقاب
الابتداء بذكر اقواء الديار وتعفيها لأبي تمام
طلل الجميع لقد عفوت حميدا * وكفى على رزئي بذاك شهيدا
اجل أيها الربع الذي بان آهله * لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي * ومحت كما محت وشائع من برد
ارامة كنت مألف كل ريم * لو استمتعت بالانس القديم
الابتداء بذكر اقواء الديار وتعفيها للبحتري
تلك الديار ودارسات طلولها * طوع الخطوب دقيقها وجليلها
لم يبق في تلك الرسوم بمنعج * إما سألت معرج لمعرج
هلا سألت بجو ثهمد * طللا لمية قد تأبد
أرى بين ملتف الأراك منازلا * مواثل لو كانت مهاها مواثلا
عهدي بربعك مثلا آرامه * يجلى بضوء خدودهن ظلامه
الابتداء بتعفية الرياح للديار لأبي تمام
عفت اربع الحلات للأربع الملد * لكل هضيم الكشح مجدولة القد
الابتداء بتعفية الرياح للديار للبحتري
بين الشقيقة فاللوى فالأجرع * دمن حبسن على الرياح الأربع
أصبا الاصائل ان برقة ثهمد * تشكو اختلافك بالهبوب السرمد
لا أرى بالبراق رسما يجيب * اسكتت آية الصبا والجنوب
الابتداء بالبكاء على الديار لأبي تمام
على مثلها من اربع وملاعب * أذيلت مصونات الدموع السواكب
اما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا * فلا تكفن من شانيك أو يكفا
أزعمت ان الربع ليس يتيم * والدمع في دمن عفت لا يسجم
قرى دارهم مني الدموع السوافك * وان عاد صبحي بعدهم وهو حالك
تجرع أسى قد أقفر الجرع الفرد * ودع حسي عين يحتلب ماءه الوجد
الابتداء بالبكاء على الديار للبحتري
متى لاح برق أو بدى طلل قفر * جرى مستهل لا بكي ولا نزر
لها منزل بين الدخول فتوضح * متى تره عين الميتيم تسفح
أفي كل دار منك عين ترقرق * وقلب على طول التذكر يخفق
ألما يكف في طللي زرود * بكاؤك دارس الدمن الهمود
أعن أسفه يوم الأبيرق أم حلم * وقوف بربع أو بكاء على رسنم
وقوفك في أطلالهم وسؤالها * يريك غروب الدمع كيف انهمالها
عند العقيق فما ثلاث دياره * شجن يزيد الصب في استعباره
يأبى الخلي بكاء المنزل الخالي * والنوح في دمن أقوت وأطلال
أبكاء في الدار بعد الدار * وسلوا عن زينب بنوار
الابتداء بسؤال الدار واستعجامها عن الجواب لأبي تمام
الدار ناطقة وليس تنطق * بدثورها ان الجديد سيخلق
وأبي المنازل انه لشجون * وعلى العجومة انها لتبين
من سجايا الطلول ان لا تجيبا * فصواب من مقلتي ان تصوبا
الابتداء بسؤال الدار واستعجامها عن الجواب للبحتري
لا دمنة بلوى خبت ولا طلل * ترد قولا على ذي لوعة يسل
صب يخاطب مفحمات طلول * من سائل باك ومن مسؤول
عزمت على المنازل ان تبينا * وان دمن بلين كما يلينا
أقم علها ان ترجع القول أو علي * اخلف فيها بعض ما بي من الخبل
بالله يا ربع لما زدت تبيانا * فقلت لي الحي لما بان لم بانا
هب الدار ردت رجع ما أنت سائله * وابدى الجواب الربع عما تسائله
هل الربع قد أمسى خلاء منازله * مجيب صداه أو يخبر سائله
عفت دمن بالابرقين خوالي * ترد سلامي أو تجيب سؤالي
الابتداء بما يخلف الظاعنين في الديار من الوحش والطير لأبي تمام
أطلالهم سلبت دماها الهيفا * واستبدلت وحشا بهن عكوفا



(1) علاثة اسم رجل وهو صاحبه فقال علاثا أي يا علاثا - المؤلف -.
508
أأطلال هند ساء ما اعتضت من هند * أقايضت حور العين بالعور والربد (1)
الابتداء بما يخلف الظاعنين من الوحش والطير للبحتري
ربع خلا من بدره مغناه * ورعت به عين المهى الأشباه
عهدي بربعك مأنوسا ملاعبه * أشباه آرامه حسنا كواعبه
الابتداء بما تبعثه الذيار للواقفين بها لأبي تمام
أقشيب ربعهم أراك دريا * وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا
الابتداء بما تبعثه الديسار للواقف بها للبحتري
مغاني سليمى بالعقيق ودورها * أجد الشجى أخلاقها ودثورها
لعمر المغاني يوم صحراء أربد * لقد هيجت وجدا على ذي توجد
ماجو خبت وان نأت ظعنه * تاركنا أو تشوقنا دمنه
كلما شاءت الرسوم المحيله * هيجت من أخي غليل غليله
الابتداء بالاستسقاء للدار لأبي تمام
اسقى طلولهم اجش هزيم * وغدت عليهم نضرة ونعيم
سقى عهد الحمى صوب العهاد * وروى حاضرا منهم وباد
يا برق طالع منزلا بالأبرق * واحد السحاب له حداء الأينق
أيها البرق بت بأعلى البراق * واغد فيها بوابل غيداق
يا دار دار عليك ارهام الندا * واهتز روضك في الثرى فترأدا
الابتداء بالاستسقاء للدار للبحتري
نشدتك الله من برق على اضم * لما سقيت جنوب الحزن فالعلم
سقيت الغوادي من طلول وأربع * وحييت من دار لأسماء بلقع
أناشد الغيث هل تهمي غواديه * على العقيق وان أقوت مغانيه
أقام كل ملث الودق رجاس * على ديار بعلو الشام ادراس
لا ترم ربعك السحاب تجوده * تبتدي سوقه الصبا أو تقوده
سقى دار ليلى حيث حلت رسومها * عهاد من الوسمي وطف غيومها
سقى ربعها سح السحاب وهاطله * وان لم يخبر آنفا من يسائله
لا زال محتفل الغمام الباكر * يهمي على حجرات أعلى الحاجر
الابتداء في اللوم على الوقوف بالديار وبكائها لأبي تمام
أراك كبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن
الابتداء في اللوم على الوقوف بالديار وبكائها للبحتري
فيم ابتدار كما الملام ولوعا * أبكيت الادمنة وربوعا
خذا من بكائي في المنازل أودعا * وروحا على لومي بهن أو أربعا
ذاك وادي الأراك فاحبس قليلا * مقصرا في ملامتي أو مطيلا
الابتداء لأبي تمام في لوم العذال
تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي * وليس جنيبي ان عذلت بمصحبي
دأب عيني البكاء والحزن دابي * فاتركيني وقيت ما بي لمابي
كفى وغاك فإنني لك قالي * ليست هوادي عزمتي بتوال
لأمته لأم عشيرها وحميمها * منها خلائق قد ابر ذميمها
متى كان سمعي خلسة للوائم * وكيف صغت للعاذلين عزائمي
قدك اتئب اربيت في الغلواء * كم تعذلون وأنتم سجرائي
الابتداءات للبحتري في لوم العذال
أتاركي أنت أم مغرى بتعذيبي * ولأئمي في الهوى ان كان يزري بي
يفندون وهم أدنى إلى الفند * ويرشدون وما العذال في رشد
انما الغي ان يكون رشيدا * فانقصا من ملامه أو فزيدا
ألم يك في وجدي وبرح تلددي * نهاية نهي للعذول المفند
شغلان من عذل ومن تفنيد * ورسيس حب طارف وتليد
اقصرا ان شأني الأقصار * واقلا لن يغني الاكثار
قلت لللائم في الحب أفق * لا تهون طعم شئ لم تذق
أما كان في تلك الربوع المواثل * بيان لناه أو جواب لسائل
أكثرت في لوم المحب فأقلل * وأمرت بالصبر الحميل فأجمل
رويدك ان شأنك غير شأني * وقصرك لست طاعة من نهاني
يكاد عاذلنا في الحب يغرينا * فما لجاجك في لوم المحبينا
عذيري فيك من لاح إذا ما * شكوت الحب قطعني ملاما
طفقت تلوم ولات حين ملامه * لا عند كرته ولا احجامه
أحرى الخطوب بأن يكون عظيما * قول الجهول الا تكون حليما
ما أنت للكلف المشوق بصاحب * فاذهب على مهل فليس بذاهب
في غير شانك بكرتي واصيلي * وسوى سبيلك في السلو سبيلي
بعض هذه العتاب والتنفيد * ليس ذم الوفاء بالمحمود
سرقات المتنبي من أبي تمام
ألف ابن الدهان المتوفي سنة 509 كتابا أسماه المآخذ الكندية من
المعاني الطائية ذكر فيه مآخذ المتنبي من أبي تمام وألف ابن الأثير صاحب
المثل السائر كتابا أسماه الاستدراك في الأخذ على المآخذ الكندية من المعاني
الطائية.
اعتراف أبي تمام لجماعة بالتقدم في النظم
اعترف أبو تمام لكثير وجرير وليلى الأخيلية من المتقدمين ولبشار
والسيد الحميري وأبي نواس من المحدثين بالتقدم في النظم وابن المقفع
بالتقدم في النثر فقال من قصيدة يذكر كثيرا.
لو يناجي ذكر المديح كثيرا * بمعانيه خالهن نسيبا
قال الآمدي:
أراد أن كثيرا لو فاجأه هذا المديح على حسن نسيبه لخاله نسيبا.
وخص كثيرا لشهرته بالنسيب وبراعته واحتمل ضرورة الشعر فقال
كثيرا ولم يقل جميلا ولا جريرا ولا غيرهما مما لا ضرورة في اسمه اه‍.
وحقيقته ان المديح لا يعتنى فيه بالرقة كثيرا وان كانت مطلوبة في كل نوع
وانما يعتنى بالرقة في النسيب ومع ذلك لو فوجئ كثير الذي اشتهر برقة
نسيبه بمعاني هذا المديح لخاله لرقته نسيبا وخص المفاجأة لأنها هي التي
يحصل فيها الاشتباه غالبا دون الروية.
وقال من قصيدة يذكر قسا وليلى الأخيلية وابن المقفع:
فكأن قسا في عكاظ يخطب * وكان ليلى الأخيلية تندب
وكثير عزة يوم بين ينسب * وابن المقفع في اليتيمة يسهب



(1) مر تفسيره في اخباره مع نصر بن منصور ص 386.
509
وقال:
وبقيت لولا انني في طئ * علم لقال الناس أنت جرير
وفي تاريخ دمشق لما قدم أبو تمام من العراق قيل له ما أقدمت في
سفرتك هذه قال أربعمائة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من
المال ثم أنشدها وهي لأبي نواس وذكر الأبيات الأربعة المتقدمة عند ذكر
شغفه بالشعر التي أولها (اني وما جمعت من صفد).
مشايخه
قال ابن عساكر: حدث عن صهيب بن أبي الصهباء الشاغر
والعطاف بن هارون وكرامة بن ابان العدوي وأبي عبد الرحمن يحيى بن
إسماعيل الأموي وسلامة بن جابر النهدي ومحمد بن خالد الشيباني اه‍
ويروي أيضا عن قلابة الجرمي ومالك بن دلهم وعمرو بن هاشم السروي
كما في أخبار أبي تمام للصولي.
تلاميذه
قال ابن عساكر: روى عنه خالد بن شريد (يزيد) الشاعر والوليد
ابن عبادة البحتري ومحمد بن إبراهيم بن عتاب والعبدري البغدادي اه‍
وقال الخطيب في تاريخ بغداد: وروى عنه أحمد بن أبي طاهر اخبارا مسندة
اه‍ وقال ابن الأنباري في النزهة روى عنه أحمد بن أبي طاهر وغيره اخبارا
مسندة اه‍ وهذه الأخبار رواها الصولي في كتاب اخبار أبي تمام عن أحمد بن
يزيد المهلبي عن أحمد بن أبي طاهر عن أبي تمام وسنذكر أكثرها عند ذكر ما
روي من طريقة (أقول) والبحتري كان تلميذه وخريجه في الشعر وقال
الشهيد الثاني في اجازته لوالد البهائي الشيخ حسين بن عبد الصمد انه
يروي بالاسناد عن السيد فخار الموسوي عن أبي الفتح محمد بن الميداني عن
ابن الجواليقي عن أبي الصقر الواسطي عن الحبشي عن التنيسي عن
الأنطاكي عن أبي تمام حبيب بن أوس الطائي صاحب الحماسة لها ولجميع
تصانيفه وكتبه اه‍.
مؤلفاته
قال النجاشي له كتاب الحماسة وكتاب مختار شعر القبائل أخبرنا أبو أحمد
عبد السلام بن الحسين البصري اه‍ وقال ابن النديم في فهرسته له
من الكتب كتاب الحماسة. كتاب الاختيارات من شعر الشعراء. كتاب
الفحول اه‍ ونحن نورد أسماء مؤلفاته ونتكلم على كل واحد منها.
(الأول) كتاب الحماسة أو ديوان الحماسة جمعه أبو تمام لأبي الوفاء
ابن سلمة لما كان عنده في همذان آئبا من خراسان من عند عبد الله بن
طاهر فمنعه الثلج فألف له هذا الكتاب من خزانة كتبه وهو مرتب على
عشرة أبواب (1) الحماسة (2) المراثي (3) الأدب (4) النسيب (5) الهجاء
(6) الأضياف والمديح (7) الصفات (8) السير والنعاس (9) الملح (10)
مذمة النساء. واشتهر ببابه الأول من تسمية الكل باسم الجزء. والحماسة
الشجاعة والعرب تسمي قريشا حمسا لشدتهم في القتال وهو من أشهر
الكتب ورزق خطا كبيرا واشتهر اشتهارا عظيما وكفى في اشتهاره واعتناء
العلماء به أن يكون له أربعة وثلاثون شرحا لأكابر العلماء والأدباء كما
ستعرف وأن يؤلف ثمانية من مشاهير العلماء والأدباء كتب الحماسة اقتداء
بأبي تمام أو معارضة له ولا يشتهر واحد منها اشتهار حماسة أبي تمام أو دونها
كما ستعرف وأن يؤلف شيخ العربية أبو الفتح عثمان بن جني كتاب المبهج
في تفسير أسماء شعراء الحماسة وقد طبع بدمشق وان العلماء إذا استشهدوا
ببيت مما ذكر فيه يقولون قال الحماسي اي الشاعر المذكور شعره في كتاب
الحماسة ولا ينسبونه إلى صاحبه وأن يضرب به المثل أبو الحسن علي بن أبي
القاسم زيد البيهقي في كتابه تتمة صوان الحكمة المعروف بتاريخ حكماء
الاسلام فيقول في ترجمة أبي الصقر عبد العزيز بن عثمان القبيصي الهاشمي
أن كتابة المدخل هو في كتب النجوم مثل كتاب الحماسة بين الأشعار ودل
جمعه له على فضل عظيم ومعرفة تامة بالشعر والأدب قال ابن خلكان له
كتاب الحماسة دلت على غزارة علمه واتقان معرفته وحسن اختياره اه‍ في
خزانة الأدب له كتاب الحماسة الذي دل على غزارة علمه وكمال فضله
واتقان معرفته وحسن اختياره وهو في جمعه للحماسة أشعر منه في شعره
اه‍: وقال الخطيب التبريزي في مقدمة شرح الحماسة: وأشعارهم أي
العرب كثيرة والمختار منها ما اختاره امراء الكلام وعلماء النظام ومن أجود
ما اختاروه من القصائد المفضليات ومن المقطعات الحماسة وقال إن أبا تمام
باختياره الحماسة أشعر منه في شعره.
وقال الزمخشري في الأساس: لم يجمع في المقطعات مثل ما جمع أبو
تمام ولا في المقصدات مثل ما جمع المفضل اه‍.
وعن كتاب المنتخب في تاريخ آداب العرب تأليف محمد عطايا
الدمشقي المطبوع بمصر (1913) ص 72 الحماسة وتسمى أيضا الحماسة
الكبرى وهي تحتوي على نحو 570 قطعة من الشعر قسمت إلى عشرة
أبواب - وعدها - ترجمها إلى اللاتينية العلامة فريتانح سنة 1828 وسنة
1851 ثم ترجمها إلى اللغة النمساوية العلامة فريدريك روكيرت وطبع
الترجمة سنة 1846.
ولم تشتهر حماسة أبي تمام هذا الاشتهار عن عبث ولا صدفة بل
اشتهرت بالاستحقاق وذلك لما فيها من حسن الاختيار مع أنها جمعت من
كتب مكتبة واحدة.
ولأجل ما فيها من حسن الاختيار الذي دل على قوة معرفة أبي تمام
يجيد الشعر من رديه قيل أن أبا تمام في اختياره أشعر منه في شعره.
قال المسعودي قد كان أبو تمام ألف كتابا وسماه الحماسة وفي الناس
من يسميه كتاب الخيبة انتخب فيه شعر الناس ظهر بعد وفاته اه‍ قوله
كتاب الخيبة هكذا في نسخة مطبوعة فإن لم تكن كلمة الخيبة محرفة فلا شك
انها صدرت عن حسد وشحناء. وقال الآمدي في الموازنة لأبي تمام كتب
اختيار في الشعر مشهورة (إلى أن قال) ومنها اختيار تلقط فيه أشياء من
الشعراء المقلين والشعراء المغمورين غير المشهورين وبوبه أبوابا وصدره بما
قيل في الشجاعة وهو أشهر اختياراته وأكثرها في أيدي الناس ويلقب
بالحماسة اه‍.
سبب تأليف الحماسة
ما ذكره الخطيب التبريزي يحيى بن علي في مقدمة شرح الحماسة قال
كان سبب جمع أبي تمام الحماسة انه قصد عبد الله بن طاهر وهو بخراسان
فمدحه وعاد من خراسان يريد العراق فلما دخل همذان اغتنمه أبو الوفاء بن
سلمة فأنزله وأكرمه فأصبح ذات يوم وقد وقع ثلج عظيم قطع الطرق ومنع
السابلة (والبرد بتلك النواحي خارج شديد عن حد الوصف والثلج في

510
الشتاء يساوي سطوح البيوت) فغم أبا تمام ذلك وسر أبا الوفاء فقال له
وطن نفسك على المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر الا بعد زمان واحضره
خزانة كتبه فطالعها واشتغل بها وصنف خمسة كتب في الشعر منها كتاب
الحماسة والوحشيات وهي قصائد طوال فبقي كتاب الحماسة في خزائن آل
سلمة يضنون به ولا يكادون يبرزونه لأحد حتى تغيرت أحوالهم وورد همذان
رجل من أهل دينور يعرف بأبي العواذل فظفر به وحمله إلى أصبهان فأقبل
أدباؤها عليه ورفضوا ما عداه من الكتب المصنفة في معناه فشهر فيهم ثم
فيمن يليهم اه‍ وآل سلمة هؤلاء لم اطلع على من فصل أحوالهم وينبغي
أن يكونوا من قبيلة عربية أو مستعربة كانت لها رياسة هناك وهذه منة للثلج
على الأدب العربي والشعر. وكم من محسن يعظم احسانه ويعم فضله بلا
قصد منه وهو لا يعلم بذلك ولا يحس به وهو من الجمادات فالثلج بهذه
المنة كانت له يد بيضاء ناصعة البياض أشد من بياضه الطبيعي الذي رزقه
الله إياه وهذا يدل على انتشار اللغة العربية والأدب العربية في تلك الأعصار
في بلاد العجم انتشارا عظيما ولكن أين آل سلمة وأين من يخلفهم اليوم
بهمذان ولا يوجد فيها اليوم من ينطق العربية فضلا عمن يعنى بشعر العرب
وأين أدباء أصفهان الذين أقبلوا على ديوان الحماسة ورفضوا ما سواه وليس فيها اليوم منهم عين ولا اثر واتفق في سفري إلى إيران سنة 1353 ان ذهبنا
من همذان في العربات إلى قرية من قراها تسمى بهار بدعوة من بعض أهل
العلم فقلت لصاحب معي اقرأ لنا شيئا من الشعر فجعل يقرأ فقال مضيفنا
من أهل همذان بالفارسية ما ذا يقرأ هل يقرأ دعاء قلت لا بل ينشد شعرا.
وطبع كتاب الحماسة في مصر وفي بيروت ودمشق
وكان منه في جبل عامل عند آل الزين نسخة مخطوطة بعضها وهو
القليل منها بخط قديم وقد أكملها من أولها وآخرها الشيخ عباس القريشي
النجفي بخطه المتميز ونسخت عنها نسخة بخطي قبل أن يطبع.
شروح كتاب الحماسة
شرح كتاب الحماسة شروحا كثيرة قيل أن أحسنها شرح أبي علي
أحمد بن محمد المرزوقي والمعروف منها شرح أبي زكريا يحيى بن علي الشهير
بالخطيب التبريزي مطبوع بمصر في أربع مجلدات. قال في مقدمة الشرح
المذكور وقد فسره جماعة فمنهم من قصر فيه ومنهم من عني بذكر اعراب
مواضيع منه دون ايراد المعاني. ومنهم من أورد الأخبار التي تتعلق به
واعرض عن ذكر المعاني ومنهم من ذكر المعاني دون الاعراب والاخبار اه‍
وقد شرح أربعة وثلاثين شرحا فيما اطلعنا عليه من كلام العلماء ذكر
صاحب كشف الظنون منها أحد وعشرين شرحا وذكر غيره الباقي ونوردها
جميعا فيما يلي ونبدأ بما ذكره صاحب كشف الظنون ثم نتبعه الباقي.
(1) شرح أبي المظفر محمد بن آدم الهروي النحوي المتوفي سنة 214
وفي بغية الوعاة 354 (2) شرح حسن بن بشر الآمدي المتوفي 335 (3)
شرح أبي الفتح عثمان بن جني المتوفي 392 اكتفى فيه بشرح مغلقاته واسمه
التنبيه (4) المبهج في شرح أسماء رجال الحماسة لابن جني أيضا وهذا لم
يذكره صاحب كشف الظنون (5) شرح أبي نصر منصور بن مسلم الحلبي
المعروف بان الدميك جعله تتمة ما قصر فيه ابن جني (6) شرح أبي هلال
العسكري الحسن بن عبد الله المتوفي 395 وفي فهرست الكتب المصرية
رسالة في ضبط وتحرير مواضع من الحماسة لأبي هلال العسكري ولا أعلم
انها هي هذا الشرح أم غيره (7) شرح أبي علي أحمد بن محمد بن حسن
الأصفهاني المعروف بالامام المرزوقي المتوفي 421 الذي قيل عن شرحه انه
أحسن الشروح وفي كشف الظنون شرحه معتبر مشهور (8) شرح أبي عبد
الله الخطيب الإسكافي المتوفي 421 (9) شرح أبي القاسم زيد بن علي
الفسوي المتوفي 427 وفي معجم الأدباء 467 (10) شرح أبي الحسن علي بن
إسماعيل بن سيدة اللغوي المتوفي 458 وهو شرح كبير في ستة مجلدات
سماه الأنيق (11) شرح أبي الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي المتوفي 475
(12) شرح عبد الله بن أحمد الساماني المتوفي سنة 475 (13) شرح أبي
بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفي 476 (14) شرح الأعلم أبي الحجاج
يوسف بن سليمان الشنتمري (1) المتوفي 476 في خمسة مجلدات قال ياقوت
رتب على حروف المعجم (15) شرح أبي زكريا يحيى بن علي الشهير
الخطيب التبريزي المتوفي 502 (16) شرحه المختصر ويظهر من شرحه
المطول ان له عليه شرحين فقط مختصر ومطول والمطول هو المطبوع ومن
كشف الظنون ان له عليه ثلاثة شروح مختصر ومتوسط ومطول (17) شرح
أبي المحاس مسعود بن علي بن أحمد بن عباس الصواني البيهقي المتوفي 544
(18) شرح عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبري المتوفي 584 وفي
معجم الأدباء 476 (19) شرح إبراهيم بن محمد بن ملكوت الإشبيلي المتوفي
584 (20) شرح أبي البقاء عبد الله بن حسين العكبري المتوفي 616 (21)
شرح أبي علي الحسن بن علي الأسترآبادي النحوي المتوفي بمصر هكذا في
كشف الظنون ولكن في معجم الأدباء وبغية الوعاة الحسن بن أحمد
الأسترآبادي أبو علي النحوي الأديب أوحد زمانه وكلاهما نسب إليه شرح
الحماسة والظاهر أنه هو المذكور في كشف الظنون وانه حرف أبي علي بابن
علي والصواب الحسن بن أحمد (22) شرح أبي نصر قاسم بن محمد
الواسطي النحوي المتوفي بمصر فهذا ما ذكره صاحب كشف الظنون من
شروحه عدى المبهج لابن جنى المتقدم (23) شرح أبي جعفر أحمد بن
إسماعيل بن يونس المرادي النحوي المعروف بابن النحاس ذكره صاحب
كتاب الفلاكة والمفلوكين (24) شرح أمين الدين الطبرسي (وهو صاحب
مجمع البيان ذكره عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب ج 1 ص 273
الطبعة الجديدة (25) شرح أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم عبيد الله بن
عمران الجنابي البرقي الملقب ماجيلويه عد النجاشي من جملة مؤلفاته
كتاب تفسير حماسة أبي تمام وذكر سنده اليه (26) شرح علي بن أبي الحسن
زيد البيهقي المعروف بفريد خراسان المتوفي 565 ذكره ياقوت في معجم
الأدباء (27) شرح علي بن الحسن الملقب شميم الحلي اسمه الماسة في شرح
الحماسة نسبه اليه ياقوت في معجم الأدباء (28) شرح أبي الحسن علي بن
محمد العدوي الشمشاطي في المئة الرابعة قال النجاشي له شرح حماسة أبي
تمام الأولى عملها لعبد الله بن طاهر (29) شرح المولوي فيض حسن
المدرس بلاهور المسمى بالفيضي شرح فيه أنساب وأسماء وأخبار شعراء
الحماسة نقلها من شرح التبريزي وكتب التواريخ طبع سنة 1293 بالهند
منه نسخة بالمكتبة الرضوية كما في فهرستها (30) شرح الشيخ سيد بن علي
المرصفي المصري المسمى بأسرار الحماسة كما في فهرست دار الكتب



(1) منسوب إلى شنتمرية بفتح الشين وسكون النون وفتح التاء والميم وكسر الراء وتشديد الياء
المفتوحة بعدها هاء آخر الحروف قال ياقوت شنت اظها لفظة يعنى بها البلدة أو أو الناحية
لأنها تضاف إلى عدة أسماء ومريه أظنه يراد به مريم بلغة الإفرنج. هو حصن بالأندلس
(اه‍). - المؤلف -
511
المصرية من أهل هذا العصر مطبوع (31) شرح أبي عبد الله الحسين بن
علي النمري البصري ذكره ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة الحسن بن أحمد
الاعرابي منسوبا إلى النمري في شرح مشكل ابيات الحماسة وعلى الشرح
تعليق للحسن بن أحمد بن محمد الغندجاني ذكر الأصل والتعليق في فهرست
دار الكتب المصرية بعنوان اصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله الحسين بن علي
النمري البصري مما فسره من أبيات الحماسة لأبي تمام حبيب بن أوس
الطائي أولا وثانيا تأليف الامام اللغوي النسابة أبي محمد الحسن بن أحمد بن
محمد الغندجاني المعروف بالأعرابي الأسود كان موجودا سنة 430 ه‍ بين
فيه مواضع الزلل تحت كل بيت وأثبت الصواب (اه‍) فعلم من ذلك
وجود الشرح والتعليق وقوله أولا وثانيا لعله يدل على وجود شرحين والله
أعلم. (32) شرح أبي العلاء المعري. (33) شرح محمد عبد القادر
الرافعي المعاصر اختصره من شرح التبريزي مطبوع معه. (34) شرح
الامام أبي الحسن علي بن محمد بن الحارث البياري صاحب أبي سعيد
السيرافي من علماء القرن الرابع الهجري. فهذا ما عثرنا على أسمائه من
شروح ديوان الحماسة. وقال صاحب كشف الظنون: ونثرها أي الحماسة
بأن حول النظم إلى نثر أبو سعيد علي بن محمد الكاتب المتوفي 414 وسماه
المنثور البهائي لأنه نثرها لبهاء الدولة بن بويه (اه‍) وهذا من التأليف
البارد.
مؤلفو الحماسة بعد أبي تمام
ألف جماعة من مشاهير العلماء والأدباء كتب الحماسة اقتداء بأبي تمام
أو معارضة له ولكن لم يشتهر واحد منها اشتهار حماسة أبي تمام ولا دونها وقد
ذكر صاحب كشف الظنون منها (1) حماسة البحتري جمعها للفتح بن خاقان
وزير المتوكل ورتبها على 174 باب وجدت نسختها في مكتبة ليدن وطبعها
اليسوعيون في بيروت عن نسخة نقلت عن تلك النسخة ولكنها لم ترزق من
الحظ ما رزقت حماسة أبي تمام وهما في عصر واحد وللبحتري من الشهرة في
الشعر ما لا ينقص عن شهرة أبي تمام ان لم يزد (2) حماسة أبي الحسن
علي بن الحسن المعروف بشميم الحلي المتوفي سنة 601 مرتبة على 14 بابا
(3) حماسة أبي الحجاج يوسف بن محمد البياسي الأندلسي المتوفي سنة 653
في مجلدين (4) حماسة أبي السعادات هبة الله بن علي بن الشجري المتوفي
سنة 542 (5) الحماسة البصرية لأبي الحسن علي بن أبي الفرج بن الحسن
البصري المقتول سنة 659 ألفها سنة 647 (6) الحماسة العسكرية محكية
عن كشف الظنون (7) حماسة الأعلم الشنتمري المتوفي سنة 476 ذكرها
صاحب خزانة الأدب (8) حماسة الخالديين منها نسخة في المكتبة الخديوية.
(الثاني) من مؤلفات أبي تمام الحماسة الصغرى اختارها من شعر
العرب بعد اختيار الحماسة الكبرى المتقدمة ورتبها على عشرة أبواب هي
نفس أبواب الحماسة الكبرى وتسمى الوحشيات أيضا وهي قصائد طوال
كما مر عن شرح الحماسة.
(الثالث) من مؤلفات أبي تمام كتاب فحول الشعراء قال ابن خلكان
جمع فيه طائفة كثيرة من شعراء الجاهليين والمخضرمين والاسلاميين (اه‍)
قلت رأيت منه نسخة مخطوطة في المكتبة المباركة الرضوية أولها باب
الأضياف والسخاء وآخرها تم باب الهجاء قال الآمدي في الموازنة عند ذكر
اختيارات أبي تمام في الشعر ومنها الاختيار الذي تلقط فيه محاسن شعر
الجاهلية والاسلام وأخذ من كل قصيدة شيئا حتى انتهى إلى إبراهيم بن
هرمة وهو اختيار مشهور معروف باختيار شعراء الفحول (اه‍).
(الرابع) الاختيار القبائلي الأكبر ذكره الآمدي في الموازنة وقال اختار
فيه من كل قصيدة وقد مر على يدي هذا الاختيار.
(الخامس) اختيار ترجمته القبائلي الأصغر ذكره الآمدي وقال اختار
فيه قطعا من محاسن أشعار القبائل ولم يورد فيه كبير شئ للمشهورين.
(السادس) اختيار المقطعات قال الآمدي وهو مبوب على ترتيب
الحماسة الا انه يذكر فيه أشعار المشهورين وغيرهم القدماء والمتأخرين
وصدره بذكر الغزل وقد قرأت هذا الاختيار وتلقطت منه نتفا وأبياتا كثيرة
وليس بمشهور شهرة غيره (اه‍).
(السابع) اختيار مجرد في أشعار المحدثين ذكره الآمدي وقال وهو
موجود في أيدي الناس (اه‍) وقد ذكر ابن خلكان في مؤلفاته كتاب
الاختيار من شعر الشعراء وكذلك ذكره ابن النديم كما سمعت وذكره
صاحب خزانة الأدب وقال هو دون الحماسة (اه‍) وهو أحد الاختيارات
المقدم ذكرها.
وأشار الخطيب في شرح الحماسة إلى كتاب في الشعر لم يتصل بنا
اسمه ولم يعلم مغايرته لما مر بل المظنون أنه أحدها.
(الثامن) ديوان شعره قال ابن النديم في الفهرست لم يزل شعره غير
مؤلف يكون مائتي ورقة إلى أيام الصولي - أبي بكر محمد بن يحيى - فإنه
عمله على الحروف نحو ثلاثمائة ورقة وعمله علي بن حمزة الاصفهاني (1)
أيضا فجرده على غير الحروف بل على الأنواع (اه‍) والصولي قد عمله بطلب
من مزاحم بن فاتك كما أشار اليه الصولي في رسالته إلى مزاحم المذكور التي
صدر بها كتابه في اخبار أبي تمام الذي عمله لمزاحم أيضا حيث قال فعرفتني
ان تكميل ذلك لك اي اخبار أبي تمام وبلوغي فيه أقصى ارادتك اتباعي
اخباره بعمل شعره كله معربا مفسرا حتى لا يشذ منه حرف ولا يغمض منه
معنى ولا ينبو عنه فهم فأسرعت بذلك إجابتي وتضمنت عمل شعره لك
بعد أخباره في مدحه وهجائه وفخره وغزله وأوصافه ومراثيه وأن أبدأ في كل
فن من هذه الفنون بشعره على قافية الألف والباء ثم على توالي الحروف
ليكون أقرب عليك متى أردتها ثم ذكر ما عليه أكثر المتحلين بالأدب في
زمانه مما لا يرضاه ولا حاجة بنا إلى نقله ثم قال وان أحدا منهم لم يجسر أن
ينشد قصيدة من شعر هذا الرجل ضامنا للقيام بما فيها فضلا عن ايراد
أخباره والاحتجاج لما عيب عليه والتضمن لجميع شعره والنضح عنه والذب
عن حريمه والتنبيه عن جيده ليعلم علوه في الشعر وتقدمه في الفهم (اه‍)
وقال في موضع آخر من هذه الرسالة: وليس يجب - أعزك الله - أن تنظر
إلى اختلاف الناس في أبي تمام واضطراب روايتهم لشعره فإنهم بعد اتمام
هذه النسخة يجتمعون عليها ويسقطون غيرها كما كانوا مختلفين في شعر أبي



(1) قال الشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي المعاصر فيما علقه على خزانة الأدب غلط صوابه
ان علي بن حمزة بصري وحمزة بن الحسن أصفهاني. - المؤلف -
512
نواس وأخباره ثم قد اجتمعوا عليه بعد فراغي منه حتى أن النسخة من
شعره من غير ما عملته لتباع بدراهم قد كانت قبل ذلك تباع بعددها دنانير
ولعلها بعد قليل تفقد فلا ترى وتسقط فلا تراد ويدل كلام بعضهم على أن
ديوان أبي تمام كان مجموعا في حياته وقرئ عليه وحمل إلى الأندلس ففي
بغية الوعاة عن الزبيدي وابن الفرضي ان عثمان بن المثنى القرطبي أبو عبد
الملك رحل إلى المشرق وأخذ عن علماء العربية وقرأ على أبي تمام ديوان شعره
(اه‍) وقد طبع هذا الديوان لأول مرة في مصر سنة 1292 مرتبا على
الحروف والأنواع وكأنه هو الذي جمعه الصولي. وطبع بالتصوير الشمسي
عن أصل محفوظ بمكتبة لاسكوريال بإسبانيا ثم طبع ثانيا في بيروت مرتين
ثم في مصر وهو مشتمل على سبعة أنواع، المديح. الهجاء. العتاب.
الوصف. الفخر. الغزل. المراثي. وأكثرها المديح.
شروح ديوان أبي تمام
وقد شرح هذا الديوان عدة شروح (1) شرح شرف الدين أبي
البركات مبارك بن أحمد الأريلي المعرف بابن المستوفي المتوفى (637) في عشرة
مجلدات وفي كشف الظنون اسمه النظام في شرح ديوان المتنبي وأبي تمام (2)
شرح أبي زكريا يحيى بن علي المعروف بالخطيب التبريزي المتوفي (502)
المطول شرح فيه شعره من أوله إلى آخره من غريبه واعرابه ومعانيه وما لا
بد منه وفي فهرست دار الكتب المصرية: شرح المشكل من ديوان أبي تمام
والمتنبي (3) شرحه المختصر ذكره صاحب كشف الظنون وقال ذكر فيه أن
شعره أصناف. مديح. هجاء. معاتبات. أوصاف. فخر. غزل.
مراث. وأكثرها المديح 4 شرح أبي بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفي
(335) (5) شرح أبي العلاء المعري أحمد بن عبد الله المتوفي 449 سماه
ذكرى حبيب ذكر فيه الأبيات المشكلة من شعره متفرقة وقال في هذا الشرح
انما أغلق شعر الطائي انه لم يؤثر عنه فتناقلته الضعفة من الرواة والجهلة من
الناسخين فبدلوا الحركة وغيروا بعض الأحرف بسوء التصحيف. وعن
بعض التواريخ انه فسر شعر أبي تمام في ستين كراسة. والمعري شرح
دواوين ثلاثة من فحول الشعراء أبي تمام وسمى شرحه ذكرى حبيب
والبحتري وسماه عبث الوليد والمتنبي وسماه معجز أحمد (6) شرح أبي
القاسم الحسن بن بشر الآمدي (7) شرح حسين بن محمد الرافقي النحوي
المعروف بالخالع كان حيا حدود 380 (8) شرح أبي الريحان محمد بن أحمد
الخوارزمي المعروف بالبيروني المتوفي بعد سنة (440) (9) شرح أبي
منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفي (370) هكذا في كشف الظنون وفي
بغية الوعاة محمد بن محمد بن الأزهر الأزهري اللغوي الأديب الهروي قال
وقد اختار منه أبو القاسم حسين بن علي المشهور بالوزير المغربي (10) شرح
عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن حكيم الخبري ذكره ياقوت في معجم
الأدباء (11) شرح أبي الحسن علي بن أبي القاسم زيد بن محمد البيهقي
فريد خراسان المتوفي سنة (565) فقد عد هو في مؤلفاته شرح شعر
البحتري وأبي تمام.
مختارات من شعره
أورد الثعالبي في كتابه خاص الخاص منتخبات من شعر أبي تمام في
أنواع من مقاصد الشعر تخلب الألباب ونحن نوردها كلا في موضعه وهي
من شواهد تفوق أبي تمام على ما سواه.
الغزل
انظر فما عاينت من غيره * من حسن فهو له كله
لو قيل للحسن تمنى المنى * إذا تمنى انه مثله
وقال:
يترجم طرفي عن لساني بسره * فيظهر من وجدي الذي كنت اكتم
أليس عجيبا أن بيتا يضمنا * وإياك لا نشكو ولا نتكلم
إشارة أفواه وغمز حواجب * وتكسير أجفان وكف يسلم
وألسننا ممنوعة عن مرادنا * وأبصارنا عنا تجيب وتفهم
وقال كما في تاريخ دمشق لابن عساكر ولم أجدها في الديوان
المطبوع:
خوف الرقيب علي عدل رقيب * وبعيد سري عنده كقريب
إن قلت شارك حافظي فما له * مما يحاول غير عد ذنوبي
وأصاب محجوب الضمير بظنه * فكأنه هو صاحب المحجوب
فالصد محبوب لديه بيننا * والوصل يمشي في ثياب غريب
وإذا نظرت قرأت بين عيوننا * سمة الهوى هذا حبيب حبيب
وفي الديوان أبيات ذكر فيها (هذا حبيب حبيب) وهي:
حسنت عبرتي وطال نحيبي * فيك يا كنز كل حسن وطيب
لك قد أرق من أن يحاكى * بقضيب في النعت أو بكثيب
أي شئ يكون أحسن من * صب أديب متيم بأديب
جاز حكمي في قلبه وهواه * بعدما جاز حكمه في القلوب
كاد أن يكتب الهوى بين عينيه * كتابا هذا حبيب حبيب
غير أني لو كنت أعشق نفسي * لتنغصت عشقها بالرقيب
وقال كما في تاريخ دمشق لابن عساكر ولا توجد في الديوان المطبوع.
بنفسي من أغار عليه منى * وأحسد أهله نظرا اليه
ولو أني قدرت طمست عنه * عيون الناس من حذر عليه
حبيب بث في جسمي هواه * وأمسك مهجتي رهنا لديه
فروحي عنده والجسم خال * بلا روح وقلبي في يديه
وقال:
أنت في حل فزدني سقما * افن صبري واجعل الدمع دما
محنة العاشق ذل في الهوى * وإذا استودع سرا كتما
ليس منا من شكا علته * من شكا حب حبيب ظلما
وقال:
الحسن جزء من وجهك الحسن * يا قمرا موفيا على غصن
إن كنت في الحسن واحدا فانا * يا واحد الحسن واحد الحزن
وقال أورده صاحب أنوار الربيع ولم أجده في الديوان:
إذا راح مشهور المحاسن أو غدا * يلين على لحظ العيون الغوامز
فمن لم تفز عيناه منه بنظرة * فليس بخير في الحياة بفائز
إذا ما انتضى سيف الملاحة طرفه * ونادى قلوب القوم هل من مبارز
عجزت فالقى السلم قلبي لطرفه * على أنه عن غيره غير عاجز

513
وقال:
تلقاه طيفي في الكرى متجنبا * وقبلت يوما ظله فتغضبا
وخبر أني قد مررت ببابه * لأخلس منه نظرة فتحجبا
ولو مرت الريح الصبا عند أذنه * بذكري لسب الريح أو لتعتبا
ولم تجر مني خطرة بضميره * فتظهر إلا كنت فيها مسببا
وما زاده عندي قبيح فعاله * ولا الصد والاعراض الا تحببا
وكرر أبو تمام في غزله أن المحبوب يكاد لرقته أن يذوب من النظر
فقال:
قد قصرنا دونك * الأبصار خوفا أن تذوبا
كلما زدناك لحظا * زدتنا حسنا وطيبا
مرضت ألحاظ عينيك * فأمرضت القلوبا
ما نريد الشمس والبدر * إذا كنت قريبا
وقال: يا قضيبا لا * يدانيه من الآس قضيب
فوقه ألبان ومن * تحت تثنيه الكثيب
وغزالا كلما * مر تمنته القلوب
ذهبي الخد تثنيه * من الريح الجنوب
ما لمسناه ولكن * كاد من لحظ يذوب
وقال:
لي حبيب عصيت فيه النصيحا * ليس سمحا ولا بخيلا شحيحا
كلما قلت قد رثى لسقامي * زاد قلبي بهجره تبريحا
فأثبني من القطيعة بالوصل * وإلا فاردد فؤادي صحيحا
وقال:
سقى الله من أهوى على بعد نائه * واعراضه عني وطول جفائه
أبى الله إلا أن كلفت بحبه * فأصبحت فيه راضيا بقضائه
وأفردت عيني بالدموع فأصبحت * وقد غص فيها كل جفن بمائه
فان مت من وجد به وصبابة * فكم من محب مات قبلي بدائه
وقال:
ومنفرد بالحسن خلو من الهوى * بصير بأبواب التجرم والعتب
ولوع بسوء لا يعرف الوفا * يبيت على سلم ويغدو على حرب
وقال: وفاتن الألحاظ والخد * معتدل القامة والقد
صيرني عبدا له حسنه * والطرف قد صيره عبدي
وقال: شبيه الخد بالتفاح * والريقة بالخمر
بديع الحسن قد ألف * من شمس ومن بدر
له وجه إذا أبصرته * ناجاك عن عذري
تعالى الله ما تقدحه * عيناه في صدري
وقال:
معتدل كالغصن الناضر * أبلج مثل القمر الزاهر
جفونه ترشق أهل الهوى * بأسهم من طرفه الفاتر
إن لم تجد لي صحت بين الورى * ويلاه من ظبي بني عامر
وقال:
هذا هواك وهذه آثاره * أما الفؤاد فما يقر قراره
يصل الأنين بزفرة موصولة * بغليل شوق ليس تطفى ناره
من طرف ممتنع الرقاد متيم * أرق سواء ليله ونهاره
وقال:
أما والذي أعطاك بطشا وقوة * علي وأزرى بي وضعف لي بطشي
لقد خلق الله الهوى لك خالصا * ومكنه في الصدر مني بلا غش
سل الليل عني هل أذوق رقاده * وهل لضلوعي مستقر على فرشي
عناء بمن لو قال للشمس أقبلي * للبته أو جاءت على رغمها تمشي
قضيب من الريحان في غير لونه * وأم رشا في غير أكراعها الخمش
تبرى الهوى من كل حي وحل بي * فان مت يوما فاطلبوه على نعشي
وقال:
ومضمخ بالمسك في وجناته * حسن الشمائل ساحر الألفاظ
أبدا ترى الآثار في وجناته * مما يجرحها من الالحاظ
وتراه سائر دهره متبسما * فإذا رآني مر كالمغتاظ
في القلب مني والجوانح والحشى * من حبه حر كحر شواظ
وقال: يصدني عن كلامك الشفق * فالرسل بيني وبينك الحدق
حديثنا في الضمير متفق * وأمرنا في الجميع مفترق
توحي بأسرارنا حواجبنا * وأعين بالوصال ترتشق
وقال: متطلب بصدوده قتلي * فرد المحاسن وجهه شغلي
ألحاظه في الخلق مسرعة * فيما تريد كسرعة النبل
وقال:
رقادك يا طرفي عليك حرام * فخل دموعا فيضهن سجام
ففي الدمع إطفاء لنار صبابة * لها بين أثناء الضلوع ضرام
ويا كبدي الحرى التي قد تصدعت * من الوجد ذوبي ما عليك ملام
قضيت ذماما للهوى كان واجبا * علي ولي أيضا عليه ذمام
وقال من مطلع قصيدة يمدح بها المعتصم:
فحواك دل على نجواك يا مذل (1) * حتام لا يتقضى قولك الخطل
وان أسمح من تشكو اليه هوى * من كان أحسن شئ عنده العذل
ما أقبلت أوجه اللذات سافرة * مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول
إن شئت ان لا ترى صبرا لمصطبر * فانظر على أي حال أصبح الطلل
كأنما جاد مغناه فغيره * دموعنا يوم بانوا وهي تنهمل
ولو ترانا وإياهم وموقفنا * في موقف البين لاستهلالنا زجل
وقد طوى الشوق في أحشائنا بقر * عين طوتهن في أحشائها الكلل
فرغن للشوق حتى ظل كل شج * حران في نفسه عن نفسه شغل
طلت دماء هريقت عندهن كما * طلت دماء هدايا مكة الهمل
هانت على كل شئ فهو يسفكها * حتى المنازل والاحداج والإبل
يخزي ركام النقى ما في مآزرها * ويفضح الكحل في أجفانها الكحل
تكاد تنتقل الأرواح لو تركت * من الجسوم إليها حين تنتقل
ومن نفيس شعره في الغزل قوله:
هم أماتوا صبري وهم فرقوا * نفسي شعاعا في إثر ذاك الفريق
ان في خيمهم لمفعمة الحجلين * والمتن متن خوط وريق
وهي لا عقد ودها ساعة البين * ولا عقد خصرها بوثيق



(1) المذل بفتح الميم وكسر الذال الذي يفشي سره - المؤلف -
514
الوقوف على الديار والتسليم عليها وذكر أقوالها وتعفيها
وما يشبه ذلك
وهذا قد تقدم طرف منه في أوائل القصائد والموازنة بينه وبين
البحتري فأغنى عن اعادته ومن محاسنه في ذكر الالمام بالديار قوله.
دار أجل الهوى عن أن ألم بها * في الركب إلا وعيني من منائحها
ومن ذلك قوله من قصيدة مر جملة منها:
دمن كأن البين أصبح طالبا * دينا لدى آرامها وحقودا
قربت نازحة القلوب من الجوى * وتركت شأو الدمع فيك بعيدا
خضلا إذا العبرات لم تبرح لها * وطنا سرى قلق المحل طريدا
قوله إذا العبرات لم تبرح لها وطنا أي لم تبارح وطنها وتتعداه وهو
كناية عن البكاء للحوادث التي تحدث في الوطن يقول إذا كان الناس لا
يبكون الا لما يحدث في أوطانهم فهو يبكي الاطلال النازحة عنه وهذا
كقوله:
فما وجدت على الأحشاء أبرد من * دمع على وطن لي في سوى وطني
أراد بالوطن الذي له في غير وطنه الأطلال والرسوم وفي الديوان أو
قد بدل أبرد.
التشوق إلى الأوطان
وقال يتشوق إلى دمشق وبلاد الشام ويخص وطنه الأصلي أرض
الجولان ويصف تقتير الرزق عليه بمصر من قصيدة:
سقى الرائح الغادي المهجر بلدة * سقتني أنفاس الصبابة والخبل
سحاب إذا القت على خلفه الصبا * يدا قالت الدنيا أتى قاتل المحل
فجاد دمشقا كلها جود أهلها * بأنفسهم عند الكريهة والبذل
فلم يبق في أرض النفاعين (1) بقعة * وجاد قرى الجولان بالمسبل الهطل
بنفسي أرض الشام لا أيمن الحمى * ولا أيسر الدهنا ولا أوسط الرمل
عدتني عنكم مكرها غربة النوى * لها وطر في أن تمر ولا تحلي
أخمسة أحوال مضت لمغيبه * وشهران بل يومان ثكل من الثكل
توانى وشيك النجح عنه ووكلت * به عزمات أوقفته على رجل
قضى الدهر مني نحبه يوم قتله * هواي بارقال الغريرية الفتل
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه * بلا طالع سعد ولا طائر سهل
وساوس آمال ومذهب همة * مخيمة بين المطية والرحل
نايت فلا ما لا حويت ولم أقم * فامتع إذ فجعت بالمال والأهل
بخلت على عرضي بما فيه صونه * رجاء اجتناء الجود من شجر البخل
ولو أنني أعطيت بأسي نصيبه * إذن لاخذت الحزم من مأخذ سهل
وكان ورائي من حريمة طئ * ومعن ووهب عن امامي ما يسلي
التغرب عن الأوطان
سلي هل عمرت القفر وهي سباسب * وغادرت ربعي من ركابي سباسبا
وغربت حتى لم أجد ذكر مشرق * وشرقت حتى قد نسيت المغاربا
وكنت امرأ القى الزمان مسالما * فآليت لا ألقاه إلا محاربا
الحث على الاغتراب
ما أبيض وجه المرء في طلب الغنى * حتى يسود وجهه في البيد
وزعمت أن الرزق يطلب أهله * لكن بحيلة متعب مكدود
وقال:
ولكنني لم أحو وفرا مجمعا * ففزت به إلا بشمل مبدد
ولم تعطني الأيام نوما مسكنا * ألذ به إلا بنوم مشرد
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجيته فاغترب تتجدد
فاني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الخلق أن ليست عليهم بسرمد
قال الثعالبي في خاص الخاص أحسن ما قيل في الحث على الاغتراب
البيتان الأخيران (اه‍) وقال من قصيدة.
من أبن البيوت (2) أصبح في ثوب * من العيش ليس بالفضفاض
والفتى من تعرقته (3) الليالي * في الفيافي كالحية النضناض
صلتان (4) أعداؤه حيث كانوا * في حديث من عزمه مستفاض
الحبيب الأول والمنزل الأول
قال:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل
وقال ديك الجن في عكسه:
نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى * كهوى جديد أو كوصل مقبل
ما لي أحن إلى خراب مقفر * درست معالمه كأن لم تؤهل
الخمريات
قال من قصيدة:
أغدو على صحب كأن وجوههم * سرج تزاهر أو نجوم سماء
وقديمة قبل الزمان حديثة * جاءت وما نسبت إلى آناء
روح بلا جسد تعين بلا قوى * وقوى خلقن حفية من ماء
حتى إذا فطمت وحان وصالها * حجب الرقيب مصونها بوعاء
فإذا فضضت فضضت عن مختومة * ترنو إليك بدرة حمراء
قتلتك وهي صريعة وبديعة * ان قيل ميت قاتل الأحياء
وقال من قصيدة:
بمدامة تغدو المنى لكؤوسها * خولا على السراء والضراء
راح إذا ما الراح كن مطيها * كانت مطايا الشوق في الأحشاء
عنبية ذهبية سبكت لها * ذهب المعاني صاغة الشعراء
طبعت وراض المزج سئ خلقها * فتعلمت من حسن خلق الماء
خرقاء يلعب بالعقول حبابها * كتلاعب الافعال بالأسماء
وضعيفة فإذا أصابت فرصة * قتلت كذلك قدرة الضعفاء
وكان بهجتها وبهجة كأسها * نار ونور قيدا بوعاء



(1) لم يتيسر لنا معرفة أرض النفاعين أين هي بعد التفتيش في مظان ذلك المؤلف -.
(2) ابن البيوت بتشديد النون أقام بها وقد استعمله أبو تمام في مقام آخر فقال (ابن مع السباع
الغيل) والذي وجدناه في كتب اللغة انه يقال ابن بالمكان ولم يذكروا ابن المكان.
(3) مأخوذ من تعرف العظم إذا أكل ما عليه من اللحم أي تركته الليالي بهمومها عظما بغير لحم.
(4) الصلتان النشيط الحديد الفؤاد. - المؤلف -
515
أو درة بيضاء بكر أطبقت * حملا على ياقوتة حمراء
يخفي الزجاجة لونها فكأنها * في الكف قائمة بغير اناء (1)
ومنه أخذ الصاحب بن عباد قوله:
رق الزجاج وراقت الخمر * وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر
وقال من قصيدة:
وصفراء أحدقنا بها في حدائق * تجود من الأثمار بالثعد والمعد (2)
بقاعية تجري علينا كؤوسها * فتبدي الذي نخفي وتخفي الذي نبدي
وقال من قصيدة:
وكأس كمعسول الأماني شربتها * ولكنها أجلت وقد شربت عقلي
إذا عوتبت بالماء كان اعتذارها * لهيبا كوقع النار في الحطب الجزل
إذا هي دبت في الفتى خال جسمه * لما دب فيه قرية من قرى النمل
إذا ذاقها وهي الحياة رأيته * يعبس تعبيس المقدم للقتل
الشيب والشباب
جمع الشريف المرتضى في كتاب الشهاب في الشيب والشباب 39 بيتا
من شعر أبي تمام وفي كتاب الأمالي المسمى بالغرر والدرر الذي صنفه قبل
الشهاب 27 بيتا ونحن نذكرها كلها وان كان فيها ما ليس بمختار ونزيد عليها
فبلغ مجموعها 50 بيتا قال في الأمالي: وقد أتى الفحلان المبرزان أبو تمام
وأبو عبادة في هذا المعنى بكل غريب عجيب. قال أبو تمام من قصيدة.
لعب الشيب بالمفارق بل جد * فأبكى تماضرا ولعوبا
خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد * دما ان رأت شواتي خضيبا
كل داء يرجى الدواء له * إلا الفظيعين ميتة ومشيبا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى * حسناتي عند الحسان ذنوبا
ولئن عبن ما رأين لقد * أنكرن مستنكرا وعبن معيبا
أو تصدعن عن قلى لكفي بالشيب * بيني وبينهن حسيبا
لو رأى الله أن في الشيب خيرا (فضلا) * جاورته الأبرار في الخلد شيبا
في الشهاب قال الآمدي: ومن يتعصب على أبي تمام يقول إنه ناقض
نفسه في هذه الأبيات وقالوا كيف يبكين دما على مشيبه ثم يعبنه قال
الآمدي وليس ههنا تناقض لأن الشيب انما ابكى أسفا على شبابه غير
الحسان اللواتي يعبنه وإذا تميز من أشفقن عليه ممن عابه فلا تناقض. وقال
المرتضى لا حاجة بنا إلى تمحله والمناقضة زائلة عن أبي تمام على كل حال
لأنه لا تناقض بين البكى على شبابه ممن بكاه من النساء وتلهفن عليه وبين
العيب منهن للشيب والإنكار له بل هذه مطابقة وموافقة ولا يبكي على شبابه
منهن الا من رأين الشيب عيبا وذنبا وقد ذكرنا هذا في كتاب الغرر وهذا
الذي ذكره وان كان لا يحتاج إلى ما تكلفه قد كان ينبغي ان يفطن لمثله
ونظيره في التغاير والتميز لما عابه بقوله (يضحكن من أسف الشباب المدبر)
فيجعل الضحك من شئ والبكى من غيره على ما بيناه ولا يحمله بعد
الفطنة على أن يجعل الضحك بكاء وفي معناه (اه‍) وهو يشير بذلك إلى ما
ذكره الآمدي في وقول أبي تمام في مطلع قصيدة.
يضحكن من أسف الشباب المدبر * يبكين من ضحكات شيب مقمر
قال الشريف المرتضى في الشهاب وجدت أبا القاسم الآمدي يغلو في
ذم هذا البيت. وقال هذا بيت ردئ ما سمعت من يضحك من الأسف الا في
هذا البيت وكأنه أراد قول الآخر (وشر الشدائد ما يضحك) فلم يهتد لمثل هذا
الصواب وقوله (من ضحكات ليل مقمر) ليس بالجيد أيضا ولو كان ذكر
الليل لحسن أن يقول مقمر لأنه كان يجعل سواد الشعر ليلا وبياضه بالمشيب
أقماره لأن قائلا لو قال أقمر ليل رأسي لكان من أصح الكلام وأحسنه ولو
لم يذكر الليل وقال أقمر عارضاك أو فوداك لكان حسنا مستقيما وهو دون
الأول وذلك لأنه قد علم أنهما كانا مظلمين فاستنارا (اه‍) قال المرتضى
قوله (يضحكن من أسف الشباب المدبر) يحتمل ان يكون المراد به ان
النساء اللواتي يرين بكاء عشاقهن وأسفهم على الشباب المدبر يهزأن بهم
ويضحكن منهم. وقوله (يبكين من ضحكات شيب مقمر) الأولى ان
يحمل على انهن يبكين من طلوع الشيب في مفارقهن وضحكه في رؤوسهن
لأنا لو حملناه على شيب عشاقهن لكان الذي يبكين منه هو الذي يهزأن به
وهذا يتنافى فكأنه وصفهن بالضحك والهزء من شئ في غيرهن والبكاء منه
إذا خصهن فاما حمل الضحك هاهنا على معنى البكاء وغاية الحزن فهو
مستبعد وان كان جائزا ويكون على هذا التأويل يضحكن ويبكين بمعنى
واحد فأما عيبه لقوله شيب مقمر ففي غير موضعه وليس يحتاج لي أن يذكر
الليل على ما ظنه فكما يقال أقمر ليل رأسك وأقمر عارضاك على ما استشهد
به كذلك يقال أقمر شيبك ولا يحتاج إلى ذكر الليل وانما المعنى انه أضاء بعد
الظلام وانتشر فيه البياض بعد السواد وليس هذا تتبع من يعرف الشعر حق
معرفته ولعمري ان هذا البيت خال من طبع وحلاوة لكن ليس إلى الحد
الذي ذكره الآمدي (اه‍) (وأقول) الأولى ان يحمل البيت على إرادة انهن
يضحكن من أسفه وحزنه على شبابه المدبر لأنه حزن على ما لا يرجع. وقد
قيل لا تحزن على ما فات ويبكين من ضحك الشيب في رأسه لأن من عادة
الشيب ان يكون محزنا لصاحبه وصديق صاحبه وحمله على انهن يبكين من
شيب شعورهن بعيد لأنه ليس من عادة الشعراء ان يصفوا شيب النساء ويذكروه
في أشعارهم بل يصف الشاعر شيب نفسه وان النساء تنفر منه والذي أوقع
أبا تمام في هذا التكلف ولوعه بالمحسنات البديعية فأراد ان يذكر ضحكهن
من الحزن وبكاءهن من الضحك ويقابل بين الضحك في الشطر الأول
والبكاء في الشطر الثاني فوقع في هذا التكلف. وقال من قصيدة.
أبدت أسى ان رأتني مخلس القصب (3) * وآل ما كان من عجب إلى عجب
تسع (ست) وعشرون تدعوني فأتبعها * إلى المشيب ولم تظلم (4)
ولم تحب يومي من الدهر مثل الدهر مشتهر * عزما وحزما وساعي منه كالحقب
فاصغري ان شيبا لاح بي حدثا * واكبري انني في المهد لم أشب
فلا يؤرقك ايماض القتير به * فان ذاك ابتسام الرأي والأدب (5)
رأت تغيره فاهتاج هائجها * وقال لاعجها للعبرة انسكبي
لا تنكري منه تخديدا تخلله * فالسيف لا يزدري ان كان ذا شطب



(1) هذا البيت نسبه الآمدي في الموازنة إلى البحتري وهو موجود في ديوانه كما أنه موجود في ديوان
أبي تمام المطبوع أيضا.
(2) الثعد والمعد الطري من الرطب والنبات. - المؤلف -.
(3) القصب جمع قصبة وهي الخصلة من الشعر ومخلس القصب أي في شعره سواد وبياض.
(4) من حاب بمعنى اثم.
(5) يريد ان الرأي والأدب والحلم انما يجتمع ويكامل في ون الكبر والشيب دون زمان الشباب المؤلف.
516
وقال:
وان الذي أحذاني الشيب للذي * رأيت ولم تكمل لي السبع والعشر
وقال من قصيدة:
نسج المشيب له قناعا (لفاعا) مغدفا * يققا فقنع مذرويه ونصفا
نظر الزمان اليه قطع دونه * نظر الشفيق تحسرا وتلهفا
ما اسود حتى ابيض كالكرم الذي * لم يأن حتى جئ كيما يقطفا
لما تفوقت الخطوب سوادها * بياضها عبثت به فتفوفا
ما كان يخطر قبل ذا في فكره * في البدر قبل تمامه أن يكسفا
حكى المرتضى في الشهاب عن أبي القاسم الآمدي في الموازنة أنه قال
: معنى نصفا أي قنع جانبي رأسه حتى يبلغ النصف منه وقيل أراد
بنصفا النصيف وهو قناع لطيف يكون مثل نصف القناع الكبير وقد ذكره
النابغة فقال (سقط النصيف ولم ترد اسقاطه) وذلك لا وجه له بعد ذكر
القناع وانما أراد أبو تمام ما أراده الآخر بقوله
أصبح الشيب في المفارق شاعا * واكتسى الرأس من مشيب قناعا
فالمعنى مكنف بقوله قنع مذرويه وقوله نصف أي بلغ نصف رأسه
(اه‍).
وقال المرتضى هذا غير صحيح لأنه لا يجوز أن يريد بقوله نصفا بلغ
نصف رأسه لأنه قد سماه لفاعا واللفاع ما اشتمل به المتلفع فغطى رأسه
جميعه ولأنه جعله أيضا مغدفا والمغدف المسبل السابغ التام فهو يصفه
بالسبوع على ما ترى فكيف يصفه مع ذلك بأنه بلغ نصف رأسه فالكلام
بغير ما ذكره الآمدي أشبه ويحتمل وجهين (أحدهما) أن يريد بنصفا
النصيف الذي هو الخمار والخمار ما ستر الوجه فكأنه لما ذكر انه قنع
مذرويه وهما جانبا رأسه أراد أن يصفه بالتعدي إلى شعر وجهه فقال نصفا
من النصيف الذي هو الخمار المختص بهذا الموضع وليس النصيف القناع
اللطيف على ما ظنه الآمدي بل هو الخمار وقد نص أهل اللغة على ذلك في
كتبهم وبيت النابغة الذي أنشد بعضه شاهد عليه لأنه قال:
سقط النصيف ولم ترد اسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد
وانما اتقت بيدها بان سترت وجهها عن النظر اليه فأقامت يدها مقام
الخمار بهذا الموضع (ثانيهما) أن يكون معنى نصفا بلغ الخمسين وما قاربها
إذ يقال فيمن أسن ولم يبلغ الهرم انه نصف وان كان النصف انما يستعمل
في النساء فقط لكن لا مانع من استعماله فيهما ولو على سبيل الاستعارة في
الرجال ويكون ضمير نصفا راجعا إلى ذي الشيب الراجع اليه ضمير له
ومذرويه لا إلى الشيب (اه‍) ولا يخفى ان المناسب هو الوجه الأول والثاني
بعيد قوله لم يأن حتى جئ الخ قال المرتضى في الشهاب: رأيت
الآمدي يسرف في استرذال قوله (لم يأن حتى جئ كيما يعطفا) ولعمري
انه لفظ غير مطبوع وفيه أدنى ثقل ومثل ذلك يغفر لما لا يزال يتوالى من
احسانه ويترادف من تجويده (اه‍) (قوله) ما كان يخطر البيت قال
المرتضى: وجدت الآمدي يذم أبا تمام غاية الذم على هذا البيت ويصفه
بغاية الاضطراب والاختلال وليس الامر على ما ظنه إذ البيت جيد وانما
ليس رونق الطبع فيه ظاهرا وليس ذلك بعيب (اه‍) وقال من قصيدة.
شاب رأسي وما رأيت مشيب الر * أس الا من فضل شيب الفؤاد
وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعيم طلائع الأجساد
طال انكاري البياض وان عمرت شيئا أنكرت لون السواد
نال رأسي من ثغرة الهم داء * لم ينله من ثغرة الميلاد
زارني شخصه بطلعة ضيم * عمرت مجلسي من العواد
في الشهاب رأيت الآمدي يقول إن قوما عابوا أبا تمام بقوله شيب
الفؤاد وليس عندي بمعيب لأنه لما كان الجالب للشيب القلب المهموم نسب
الشيب اليه على الاستعارة وقد أحسن عندي ولم يسئ (اه‍) قال المرتضى
فيقال له قد أحسن الرجل بلا شك ولم يسئ وما المعيب إلا من عابه. وأما
أنت أيها الآمدي فقد نفيت عنه الخطأ واعتذرت له باعتذار غير صحيح لأن
القلب إذا كان جالبا للشيب كيف يصح أن يقال قد شاب هو نفسه وانما
يقال إنه اشاب ولا يقال شاب والعذر الصحيح لأبي تمام أن الفؤاد لما كان
عليه مدار الجسد في قوة وضعف وزيادة ونقص ثم شاب رأسه لم يخل ذلك
الشيب من أن يكون من اجل تقادم السن وطول العمر أو من زيادة الهموم
والشدائد وفي كلا الحالين لا بد من تغير حال الفؤاد فسمي تغير أحواله
شيبا استعارة ومجازا كما كان تغير لون الشعر شيبا والبيت الثاني يشهد بما قلناه
لأنه جعل القلوب طلائع الأجساد في كل بؤس ونعيم (اه‍) (قوله) نال
رأسي (البيت) في الشهاب: ثغرة الهم ناحيته وكذلك ثغرة الميلاد والثغرة
في كلامهم هي الفرجة والثلمة وهي الثغر وهو البلد المجاور لبلد الأعداء
البادي لهم فكان أبا تمام أراد ان الهموم هي الجالبة لشيبه والتي دخل من
قبلها على رأسه الشيب دون جهة الميلاد لأنه لم يبلغ من السن ما يقتضي نزول
الشيب وقال الآمدي كان وجه الكلام ان يقول من ثغرة الكبر أو من ثغرة
السن لا من ثغرة الميلاد. قال المرتضى وهذا منه ليس بصحيح لأن
العبارات الثلاث بمعنى واحد ويقوم بعضها مقام بعض لأن الميلاد عبارة عن
السن فمن تقادمت سنه تقادم ميلاده ومن قربت سنه وقصرت قصر وقرب زمن
ميلاده وانكر أيضا الآمدي قوله: نال رأسي وقال كان يجب أن يقول حل
برأسي أو نزل برأسي قال المرتضى والامر بخلاف ما ظنه لأن الجميع واحد
وما نال رأسه فقد حل به ونزل (اه‍) (قوله) عمرت مجلسي من العواد.
في الشهاب قال الآمدي هذا لا حقيقة له لأنا ما رأينا ولا سمعنا أحدا جاءه
عواده يعودونه من الشيب ولا ان أحدا أمرضه الشيب وقد قال الشاعر.
أليس عجيبا بان الفتى * يصاب ببعض الذي في يديه
فمن بين باك له موجع * و بين معز مغذ اليه
ويسلبه الشيب شرخ الشباب * فليس يعزيه خلق عليه
فأحب أبو تمام ان يخرج من عادات بني آدم ويكون أمة وحده وقال
المرتضى فيقال له لم لم تقطن لمعنى أبي تمام فذممته وقد تكلمنا على هذه
الوهلة منك في كتابنا المعروف بغرر الفرائد وقلنا انه لم يرد العيادة الحقيقية
وانما تلطف في الاستعارة والتشبيه والمعنى ان الشيب لما طرقني كثر عندي
المتوجعون لي منه والمتأسفون على شبابي اما بقول أو بما هو معلوم من
قصدهم فسماهم عوادا بجامع التوجع. وذكر وجها آخر وهو ان يريد
الاخبار عن وجوب عيادته فجعل ما يجب ان يكون كائنا واقعا ونظائره كثيرة
في القرآن وكلام العرب كقوله تعالى ومن دخله كان آمنا، أي يجب أن
يكون كذلك. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: العارية مردودة والأمانة مؤداة
والزعيم غارم وهو من هذا الباب (اه‍) ونحن نقول لا حاجة إلى هذا كله
فأبو تمام يقول زارني الشيب بطلعة ضيم فأمرضني مرضا شديدا بسبب ما
نالني من الغيظ لكرهي له فكثر عوادي وهذا من باب المبالغة والادعاء

517
فالشعراء ما زالوا يقولون في الغزل أمرضني حبها واعل جسمي واجرى
دمعي دما وسقيت الأرض بدمعي فنبت فيها العشب وغير ذلك مما لا
يحصى كثرة وكل ذلك لا حقيقة له فهل رأى الآمدي أو سمع أن أحدا من
هؤلاء الشعراء حصل له شئ من هذه الأمور وانما هي الدعوى فإذا
جازت لهم هذه الدعاوى أفلا يجوز لأبي تمام ان يدعي ان الشيب أمرضه
فعاده العواد.
وقال من قصيدة:
ألم تر آرام الظباء كأنما * رأت بي سيد الرمل والصبح أدرع
لئن جزع الوحشي منها لرؤيتي * لانسيها من شيب رأسي أجزع
غدا الشيب مختطا بفودي خطة * طريق الردى منها إلى النفس مهيع
هو الزور يجفي والمعاشر يجتوى * وذو الألف يقلى والجديد يرقع
له منظر في العين أبيض ناصع * ولكنه في القلب اسود اسفع
ونحن نرجيه على الكره والرضى * وانف الفتى من وجهه وهو أجدع
وفي خاص الخاص للثعالبي ان قوله غدا الشيب الأبيات أحسن ما
قيل في ذم الشيب على كثرته. وقال المرتضى في الشهاب الاحسان في هذه
الأبيات غير مجحود ولا مدفوع قوله رأت بي سيد الرمل والصبح أدرع.
في الشهاب: وجدت أبا القاسم الآمدي يفسر ذلك ويقول أراد بسيد
الرمل الذئب وقوله (والصبح أدرع) أي أوله مختلط بسواد الليل يريد وقت
طلوع الفجر وكل ما اسود أوله وابيض اخره فهو أدرع وشاة درعاء للتي
اسود رأسها وعنقها وسائرها أبيض لأن الظباء تخاف الذئب في ذلك الوقت
لأن لونه يخفى فيه لغبشته فلا تكاد تراه حتى يخالطها وهو الوقت الذي تنتشر
فيه الظباء وتخرج من كنسها لطلب المرعى (اه‍) وقال المرتضى ان ما ذكره
الآمدي مما يحتمله البيت وله حمل أجود منه ان يراد بارام الظباء النساء على
التشبيه وبقوله والصبح أدرع الشيب وان بعض شعره أبيض وبعضه أسود
فهن ينفرن من شيبه كما ينفرن من ذئب الرمل ثم قال لئن كان الوحشي
يجزع من رؤيتي فالانسي منها من شيب رأسي اجزع والا فلا معنى لقوله
ان الظباء تنفر منه كما تنفر من الذئب لأنه لا وجه لذلك ولا فائدة فيه ولا سبب ثم
اعترض بأنه أي معنى لقوله كأنما رأت بي سيد الرمل لولا أنه أراد بالظباء
البهائم دون النساء إذ كيف تنفر النساء من الذئب وانما تنفر منه الظباء
الحقيقية وأجاب بأن النساء تنفر من الذئب لا محالة كما تنفر منه الغزلان وما
يهابه الرجال وينفرون منه أجدر ان ينفر منه النساء الغرائر ثم اعترض بأنه
كيف يصح معنى البيت الثاني لولا أن الوحشية قد نفرت منه ووقع ذلك
وخبر عنه في البيت الأول وأجاب بان البيت الثاني لا يقتضي ان يكون
الظباء في البيت الأول على الحقيقة لان من المعلوم ان الظباء الوحشية وكل
وحش ينفر من الإنس فلما قال إن النساء اللواتي يشبهن الظباء ينفرن من
شيبي جاز أن يقول بعد ذلك لئن كانت الظباء الوحشية تنفر مني فالظباء
الإنسية لأجل شيبي منهن أنفر قال وبعد فلم نفسد تأويل الآمدي وننكره
بل أجزناه وقلنا إن البيت يحتمل سواه (اه‍) (ونقول) الأولى حمل البيت
الأول على الظباء الحقيقية وانما أتى به تمهيدا للبيت الثاني فسقط الاعتراض
بأنه لا وجه لذلك ولا فائدة فيه ولا سبب وقال:
جرت في قلوب الغانيات لشيتي * قشعريرة من بعد لين وايناس
وقد كنت أجري في حشاهن مرة * مجاري معين لماء في قضب الآس
فان أمس من وصل الكواعب آيسا * فآخر آمال العباد إلى الياس
وقال من قصيدة:
رعت طرفها في هامة قد تنكرت * وصوح منها بنتها وهو بأرض
فصدت وعاضته أسى وصبابة * وما عائض منها وان جل عائض
فما صقل السيف اليماني لمشهد * كما صقلت بالأمس تلك العوارض
ولا كشف الليل النهار وقد بدا * كما كشفت تلك الشؤون الغوامض
وقال من قصيدة:
أصبحت روضة الشباب هشيما * وغدت ريحه البليل سموما
شعلة في المفارق استودعتني * في صميم الفؤاد ثكلا صميما
تستثير الهموم ما اكتن منها * صعدا وهي تستثير الهموما
غرة بهمة ألا انما كنت أغرا أيام كنت بهيما
دقة في الحياة تدعى جلالا * مثل ما سمي اللديغ سليما
حلمتني زعمتم وأراني * قبل هذا التحليم كنت حليما
وقال من قصيدة:
راحت غواني الحي عنك غوانيا * يلبسن نايا تارة وصدودا
من كل سابغة الشباب إذا بدت * تركت عميد القريتين عميدا
ارببن بالمرد الغطارف بدنا * غيدا ألفتهم لدانا غيدا (1)
أحلى الرجال من النساء مواقعا * من كان أشبههم بهن خدودا
وهذه الأبيات الأربعة أوردها الشريف المرتضى في كتاب الشهاب في
الشيب والشباب في جملة ما أورده من شعر أبي تمام باعتبار اشتمالها على أن
الغواني أعرضن عنه لشيبه ولزمن المرد الغطارف.
الخضاب
في كتاب الشهاب: لأبي تمام في الخضاب وقيل إنه منحول:
فان يكن المشيب طرا علينا * واودى بالبشاشة والشباب
فاني لست أدفعه بشئ * يكون عليه أثقل من خضاب
أردت بان ذاك وفا عذاب * فينتقم العذاب من العذاب
الطيف والخيال
قال الشريف المرتضى في الأمالي ان لأبي تمام في ذلك - أي وصف
الخيال - مواضع لا يجهل فضلها ومحاسن لا يبلغ شأوها فمما أورده المرتضى
في الأمالي من ذلك قوله:
استزارته فكرتي في المنام * فأتاني في خفية واكتتام
فالليالي احفى بقلبي إذا ما * جرحته النوى من الأيام
يا لها زورة تلذذت الأرواح * فيها سرا من الأجسام
مجلس لم يكن لنا فيه عيب * غير انا في دعوة الأحلام
وقال:
حمتنا الطيف من أم الوليد * خطوب شيبت رأس الوليد
رآنا مشعري أرق وحزن * وبغيته لدى الركب الهجود
سهاد يرجحن الطرف منه * ويولع كل طيف بالصدود
وقال وأورده المرتضى في الأمالي:



(1) ارببن بباءين موحدتين من ارب بالمكان إذا لزمه وأقام فيه وفي الديوان المطبوع ازرين بدل
ارببن وهو تصحيف. - المؤلف -
518
زار الخيال لها لا بل ازاركه * فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم
ظبي تقنصته لما نصبت له * في آخر الليل إشراكا من الحلم.
ثم اغتدى وبنا من ذكره سقم * باق وان كان معسولا من السقم
وقال وأورده المرتضى في الأمالي أيضا:
عادك الزور ليلة الرمل من * رملة بين الحمى وبين المطالي
ثم ما زارك الخيال ولكنك * بالفكر زرت طيف الخيال
الفخر والحماسة
قال يفتخر بقومه وبشجاعتهم وبجودهم ويخص منهم حاتما ويذم مصر
ويذكر سفره عنها من قصيدة:
جمعت شعاع الرأي ثم وسمته * بحزم له في كل مظلمة فجر
وصارعت عن مصر رجائي ولم يكن * ليصرع عزمي غير ما صرعت مصر
بذعلبة أوفى بوافر نحضها * فتى وافر الاخلاق ليس له وفر
فكم مهمه قفز تعسفت متنه * على متنها والبر من آله بحر
وما القفر بالبيد القفار بل التي * نبت بي وفيها ساكنوها هي القفر
فإن كان ذنبي ان أحسن مطلبي * أساء ففي سوء القضاء لي العذر
قضاء الذي ما زال في يده الغنى * ثنى غرب آمالي وفي يدي الفقر
رضيت وهل أرضى إذا كان مسخطي * من الامر ما فيه رضا من له الامر
فأشجيت أيامي بصبر حلون لي * عواقبه والصبر مثل اسمه صبر
أبي لي نجر الغوث ان أرأم التي * أسب بها والنجر يشبهه النجر
لنا غرر زيدية أددية * إذا نجمت ذلت لها الأنجم الزهر
لنا جوهر لو خالط الأرض أصبحت * وبطنانها منه وظهرانها تبر
جديلة والغوث اللذان اليهما * صغت أذن للمجد ليس بها وقر
مقاماتنا وقف على الحلم والحجى * فأمردنا كهل وأشيبنا حبر
ألنا الأكف بالعطايا فجاوزت * مدى اللين الا ان اعراضنا صخر
كان عطايانا يناسبن من أتى * ولا نسب يدنيه منا ولا صهر
إذا زينة الدنيا من المال أعرضت * فأزين منها عندنا الحمد والشكر
أبى قدرنا في الجود الا نباهة * فليس لمال عندنا أبدا قدر
ليسحج بجود من أراد فإنه * عوان لهذا الناس وهو لنا بكر
جرى حاتم في حلبة منه لو جرى * بها القطر شأوا قيل أيهما القطر
فتى ذخر الدنيا أناس فلم يزل * لها باذلا فانظر لمن بقي الذخر
فمن شاء فليفخر بما شاء من ندى * فليس لحي غيرنا ذلك الفخر
جمعنا العلى بالجود بعد افتراقها * الينا كما الأيام يجمعها الشهر
بكل كمي نحره عرضة القنا * إذا اضطرم الأحشاء وانتفخ السحر
يشيعه أبناء موت إلى الوغى * يشيعهم صبر يشيعه نصر
كماة إذا ظل الكماة بمعرك * وأرماحهم حمر وألوانهم صفر
بخيل لزيد الخيل فيها فوارس * إذا نطقوا في مشهد خرس الدهر
على كل طرف يحسر الطرف دونه * وسابحة لكن سباحتها الحضر
ضبيبية ما ان تحدث نفسها * بما خلفها ما دام قدامها وتر
فان ذمت الأعداء سوء صباحها * فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر
بها عرفت أقدارها بعد جهلها * باقدارها قيس بن عيلان والفزر
وتغلب لاقت غالبا كل غالب * وبكر فألفت حربنا بازلا بكر
وأنت خبير كيف أبقت سيوفنا * بني أسد ان كان ينفعك الخبر
مساع يضل الشعر في كنه وصفها * فما يهتدي إلا لأصغرها الشعر
وقال وهو بمصر يصف قومه ويفتخر بهم ويذم الدهر ويرثي الشعر من
قصيدة:
اسئ على الدهر الثناء فقد قضى * علي بجور صرفه المتتابع
واني إذا القى بربعي رحله * لاذعره في سربه وهو راتع
أبو منزل الهم (1) الذي لو بغى القرى * لدى حاتم لم يقره وهو طائع
إذا شرعت فيه الليالي بنكبة * تمزقن عنه وهو في الصبر شارع
وان أقدمت يوما عليه رزية * تلقى شباها وهو بالصبر دارع
له همم ما ان تزال سيوفها * قواطع لو كانت لهن مقاطع
ألا ان نفس الشعر ماتت وان يكن * عداها حمام الموت فهي تنازع
سأبكي القوافي بالقوافي فإنها * عليها ولم تظلم بذك جوازع
وعاو عوى والمجد بيني وبينه * له حاجز دوني وركن مدافع (2)
ترقت مناه طود عز لو ارتقت * به الريح فترا لانثنت وهي ظالع
أنا ابن الذين استرضع الجود فيهم * وسمي فيهم وهو كهل ويافع
سما بي أوس في السماح وحاتم * وزيد القنا والاثرمان وتافع (3)
وكان أياس ما أياس وعارف * وحارثة أوفى الورى والأصامع (4)
نجوم طواليع جبال فوارع * غيوث هواميع سيول دوافع
مضوا وكأن المكرمات لديهم * لكثرة ما أوصوا بهن شرائع
فأي يد في المحل مدت فلم يكن لها * راحة من جودهم وأصابع
هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا * فضاع وما ضاعت لدينا الودائع
بها ليل لو عاينت فيض أكفهم * لا يقنت ان الرزق في الأرض واسع
إذا خفقث بالبذل أرواح جودهم * حداها الندى واستنشقتها المطامع
رياح كريح العنبر الغض في الرضى * و لكنها يوم اللقاء زعازع



(1) أي أنا أبو منزل الهم اي الذي ينزل به الهم كما يقال فلان أبو منزلي اي الذي انزل به.
(2) قال البديعي: هذا تعريض ببعض الشعراء وكان أغراه عياش بن لهيعة الحضرمي بهجاء أبي
تمام.
(3) أوس هو ابن لام بن حارثة الطائي وهو ابن سعدى الذي يقول جرير فيه وفي كعب بن مامة:
فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك باعمر الجوادا
(وحاتم) هو حاتم بن عبد الله الطائي المعروف. في هبة الأيام: كان أوس سيدا
مقداما وفد هو وحاتم بن عبد الله الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة فدعا عمرو أوسا
فقال أأنت أفضل أم حاتم فقال أبيت اللعن لو ملكمي حاتم وولدي ولحمتي لوهبني في غداة
واحدة ثم دعا حاتما فقال أأنت أفضل أم أوس فقال أبيت اللعن انما
ذكرت باوس ولأحد أولاده أفضل مني، ودعا النعمان بن المنذر بحلة وعنده وفود
العرب وفيهم أوس فقال احضروا غدا فاني ملبس هذه الحلة أكرمكم فحضروا جميعا الا
أوس فقيل له لم تتخلف فقال إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون حاضرا وان
كنت المراد فسأطلب ويعرف مكاني فلما جلس النعمان لم يراوسا فقال اذهبوا إلى أوس وقولوا
له احضر آمنا مما خفت فحضر فالبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة اهجة ولك
ثلاثمائة ناقة فقال كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلا من عنده ثم قال: كيف الهجاء وما نتفك صالحة * من آل لام بظهر الغيب تأتيني
فهجاه بشر بن أبي حازم وأخذ الإبل فأغار أوس عليها فاخذها فجعل بشر لا يستجير حيا إلا قال
قد اجرتك إلا من أوس وكان في هجائه قد ذكر أمه فاتي به فدخل أوس على أمه فقال قد
اتينا ببشر الهاجي لك ولي قالت أو تطيعني قال نعم قالت أرى ان ترد عليه ماله وتعفو عنه
وتحبوه فإنه لا يغسل هجاءه الا مدحه فخرج فقال إن أمي سعدى التي كنت هجوتها قد
أمرت فيك بكذا وكذا فقال لا جرم والله لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك ففيه يقول:
إلى أوس بن حارثة بن لام * ليقضي حاجتي فيمن فضاها
فما وطوئ الثرى مثل ابن سعدى * ولا لبس النعال والاحتذاها
(وزيد القنا) هو زيد الخيل إضافة إلى القنا لكثرة حروبة وهو الذي سماه رسول الله (ص)
زيد الخير (والأثرم) مكسور السن ولم يعلم ما أراد بهما (وبنافع).
(4) أياس بن قبيصة الطائي من الامراء (وعارف) لم اعرفه (وحارثة) جد أوس بن لام
(والأصامع): جمع اصمع وهو الصغير الأذن ولم يعلم من أراد بها. - المؤلف -
519
إذا طئ لم تطو منشور بأسها * فانف الذي يهدي لها السخط جادع (1)
هي السم ما تنفك في كل بلدة * تسيل به أرماحهم وهو ناقع
أصارت لهم ارض العدو قطائعا * نفوس لحد المرهفات قطائع
بكل فتى ما شاب من روع وقعة * ولكنه قد شبن منه الوقائع
إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشر * أغارت عليه فاحتوته الصنائع
فتعطي الذي تعطيهم الخيل والقنى * اكف لارث المكرمات مراتع
هم قوموا درء الشآم وأيقضوا * بنجد عيون الحرب وهي هواجع
يمدون بالبيض القواطع ايديا * وهن سواء والسيوف القواطع
إذا أسروا لم يأسر البغي عفوهم * ولم يمس عان فيهم وهو كانع
إذا أطلقوا عنه جوامع غلة * تيقن ان المن أيضا جوامع
وان صارعوا عن مفخر قام دونهم * وخلفهم بالجد جد مصارع
وإذا افتخر أبو تمام بجود قومه وبشجاعتهم فحق له ذلك اما ان
يفتخر بالجود وهو شاعر يستجدي بشعره ويفتخر بالشجاعة فيقول.
محرمة اكفال خيلي على القنا * محللة لباتها والقلائد
ويقول:
حرام على أرماحنا طعن مدبر * وتندق بأسا في الصدور صدورها
فما أبعده عن ذلك. وقال يفتخر ويذم مقامه بمصر.
متى ترعى لقلبك أو تنيب * وخدناه الكآبة والنحيب
وما يبقى على إدمان هذا * ولا هاتي العيون ولا القلوب
وكم عدوية من سبي عمرو * لها حسب إذا انتسبت حسيب
لها من طئ أم حصان * نجيبة معشر وأب نجيب
تمنى ان يعود لها حبيب * منى شططا وأين لها حبيب
ولو بصرت به لرأت جريضا * بماء الدهر حليته الشحوب
كنصل السيف عرى من كساه * وفلت من مضاربه الخطوب
فأصبح حيث لا تقع لصاد * ولا نشب يلوذ به حريب
بمصر وأي مأربة بمصر * وقد شعبت أكابرها شعوب
الفخر والحماسة
قال في قومه من قصيدة:
قوم تراهم حين يطرق حادث * يسمون للخطب الجليل فيطرق
ما زال في جرم بن عمرو منهم * مفتاح باب للندى لا يغلق
ما أنشئت للمكرمات سحابة * الا ومن أيديهم تتدفق
انظر فحيث ترى السيوف لوامعا * أبدا ففوق رؤوسهم تتألق
شوس إذا خفقت عقاب لوائهم * ظلت قلوب الموت منهم نخفق
وقال وهو يشبه نفس العرب الأولى وطريقتهم في الشعر:
يومي من الدهر مثل الدهر مشتهر * عزما وحزما وساعي منه كالحقب
لا يطرد الهم الا الهم من رجل * مقلقل لبنات القفرة النجب
ماض إذا الهمم التفت رأيت له * بوخدهن استطالات على النوب
وقال:
وكهول كهلان وحيا حمير * كالسيل قدامي معا وورائي
فأولئك أعمامي الذين تعمموا * بالمكرمات وهذه آبائي
وقال يذكر نفسه بالصبر:
إذا أناخ علي الدهر كلكله * قراه صبرا وعزما مني الكرم
وان علتني من أزماته ظلم * صبرت نفسي حتى تكشف الظلم
المديح
في خاص الخاص للثعالبي: سئل أبو تمام عن أمدح بيت له فقال
قولي:
لو أن اجماعنا في فضل سؤدده * في الدين لم يختلف في الأمة اثنان
قيل ثم ما ذا قال قولي:
فلو صورت نفسك لم تزدها * على ما فيك من كرم الطباع
ويقال بل قوله:
تعود بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبض لم تحبه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير روحه * لجاد بها فليتق الله سائله
ومن محاسن شعره في المديح قوله:
إذا القصائد كانت من مدائحهم * يوما فأنت لعمري من مدائحها
وقوله:
يا طالبا مسعاهم لتنالها * هيهات منك غبار ذاك الموكب
أنت المعنى بالغواني تبتغي * أقصى مودتها برأس أشيب
شعره في أهل البيت عليهم السلام
قد عرفت في صدر الترجمة قول ابن الغضائري انه رأى نسخة عتيقة
كتبت في أيامه أو قريبا منها وفيها قصيدة يذكر فيها الأئمة حتى انتهى إلى أبي
جعفر الثاني الذي توفي في أيامه (اه‍) وقد أورد له ابن شهرآشوب في المناقب
قصيدة يذكر فيها الأئمة الاثني عشر حتى انتهى إلى الإمام المهدي عليهم
السلام والظاهر أنه ذكر فيها ما بعد أبي جعفر الثاني وان لم يدرك أيامهم
لكونه كان معتقدا امامتهم بما ثبت من الآثار المروية في الاثني عشر عليهم
السلام قال ابن شهرآشوب: فصل في الاشعار فيهم. لأبي تمام.
ربي الله والأمين نبيي * صفوة الله والوصي إمامي (2)
ثم سبطا محمد تالياه (ثالثاه) * وعلي وباقر العلم حامي
والتقي الزكي جعفر الطيب مأوى المعتر والمعتام
ثم موسى ثم الرضا علم الفضل * الذي طال سائر الأعلام
والمصفى محمد بن علي * والمعرى من كل سوء وذام
والزكي الامام مع نجله (ثم ابنه) * القائم مولى الأنام نور الظلام
أبرزت منه رأفة الله بالناس * لترك الظلام بدر التمام
فرع صدق نما إلى الرتبة القصوى * وفرع النبي لا شك نامي
فهو ماض على البديهة بالفيصل * من رأي هبرزي همام
عالم بالأمور غارت فلم تنجم * وما ذا يكون في الإنجام
هؤلاء الأولى أقام بهم حجته ذو الجلال والاكرام
وقال يمدح أمير المؤمنين عليا عليه السلام ويحتج لامامته ويمدح بقية
أهل البيت عليهم السلام من قصيدة أولها:
أظبية حيث استنت الكثب العفر * رويدك لا يغتالك اللوم والزجر
يقول فيها:
ودهر أساء الصنع حتى كأنما * يقضي نذورا في مساءتي الدهر



(1) استعمل هنا اسم الفاعل بمعنى المفعول.
(2) (وكذا بعده الوصي امامي خ) - المؤلف -
520
له شجرات خيم المحل (1) بينها * فلا ثمر جان ولا ورق نضر
وما زلت القى ذاك بالصبر لابسا * ردائيه حتى خفت ان يجزع الصبر
وان نكيرا أن يضيق بمن له * عشيرة مثلي أو وسيلته مصر
وما لامرئ من قائل يوم عثرة * لعا وخديناه الحداثة والفقر
وان كانت الأيام آضت وما بها * لذي غلة ورد ولا سائل خبر
هم الناس سار الذم والحرب بينهم * وجمز (2) أن يغشاهم الحمد والاجر
صفيك منهم مظهر عنجهية (3) * فقائده تيه وسائقه كبر
إذا شام برق اليسر فالقرب شأنه * وأناى من العيوق ان ناله عسر
أريني فتى لم يقله الناس أو فتى * يصح له عزم وليس له وفر
ترى كل ذي فضل يطول بفضله * على معتفيه والذي عنده نزر
وان الذي أحذاني الشيب للذي * رأيت ولم تكمل لي السبع والعشر
طغى من عليها واستبدوا برأيهم * وقولهم الا أقلهم الكفر
سيحدوكم استسقاؤكم حلب الردى * إلى هوة لا الماء فيها ولا الخمر
فهلا زجرتم طائر الجهل قبل أن * يجئ بما لا تباسون به الزجر
طويتم ثنايا تخبأون عوارها * فأين لكم خب ء وقد ظهر النشر
فعلتم بأبناء النبي ورهطه * أفاعيل أدناها الخيانة والغدر
ومن قبله أخلفتم لوصيه * بداهية دهياء ليس لها قدر
فجئتم بها بكرا عوانا ولم يكن * لها قبلها مثلا عوان ولا بكر
اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ ولا مثله صهر
وشد به أزر النبي محمد * كما شد من موسى بها رونه الأزر
وما زال صبارا دياجير غمرة * يمزقها عن وجهه الفتح والنصر
هو السيف سيف الله في كل مشهد * وسيف الرسول لا ددان ولا دثر (4)
فأي يد للذم لم يبر زندها * ووجه ضلال ليس فيه له اثر
ثوى ولأهل الدين أمن بحده * وللواصمين الدين في حده ذعر
يسد به الثغر المخوف من الردى * ويعتاض من أرض العدو به الثغر
بأحد وبدر حين ماج برجله * وفرسانه أحد وماج بهم بدر
ويوم حنين والنضير وخيبر * وبالخندق الثاوي بعقوته عمرو
سما للمنايا الحمر حتى تكشفت * وأسيافه حمر وأرماحه حمر
مشاهد كان الله كاشف كربها * وفارجه والامر ملتبس إمر
ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء لا فيها حجاب ولا ستر
أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر
يمد بضبعيه ويعلم أنه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر
يروح ويغدو بالبيان لمعشر * يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر
فكان له جهر بأثبات حقه * وكان لهم في بزهم حقه جهر
أثم جعلتم حظه حد مرهف * من البيض يوما حظ صاحبه القبر
بكف شقي وجهته ذنوبه * إلى مرتع يرعى به الغي والوزر
إلى منزل يلقى به العصبة الأولى * حداها إلى طغيانها الافن والخسر
هراقوا دمي سبطيهم وتمسكوا * بحبل عمى لا المحض فتلا ولا الشزر (5)
بني أصفياء الله سهل حينهم * لهم فيهم دهياء مسلكها وعر
فهلا انتهوا عن كفر ما سلفت به * صنائعهم ان لم يكن عندهم شكر
وهلا اتقوا فصل احتجاج نبيهم * إذا ضمهم بعث من الله أو حشر
أحجة رب العالمين ووارث * النبي ألا عهد وفي ولا إصر
ولو لم يخلف وارثا لعرتكم * أمور تبين الشك ساحة من تعرو
كما سأل القوم الأولى ملكا لهم * تسد به الجلى ويطلب الوتر
فلما رأوا طالوت عدوا سناءهم * عليه وما يغني السناء ولا الفخر
وما ذاك إلا أنهم كرهوا القنا * ومجر وغى يتلوه من بعده مجر
عمى وارتيابا أوضحت مشكلاته * وقيعة يوم النهر إذ ورد النهر
لكم ذخركم ان النبي ورهطه * وجيلهم ذخري إذا التمس الذخر
جعلت هواي الفاطميين زلفة * إلى خالقي ما دمت أو دام لي عمر
وكوفني ديني على أن منصبي * شآم ونجري اية ذكر النجر
لقد اسمع الداعيكم لو سمعتم * صراخا ولكن في مسامعكم وقر
فكيف وأنتم نائمون وقد حدا * لطياته اجماله ومضى السفر
فكم ليلة قضيتها متململا * إلى أن زقت اطيار سحرته الزقر
كان نجوم الليل في أخرياته * عيون له نادى بتغميضها الفجر
كأن سواد الليل ثم اخضراره * طيالسة سود لها كفف خضر
أفكر في أحلامكم أين غربت * فيصرعني طورا وأصرعه الفكر
واعلم أن لا تتركوا مخزياتكم * ولم يترك المكروه من شوكه السدر
إذا الوحي فيكم لم يضركم فإنني * زعيم لكم ان لا يضيركم الشعر
وله مدائح في جماعة لم نعثر لهم على تراجم ولا عرفنا شيئا من
أحوالهم فلهذا لم نذكرهم مع الجماعة الذين ذكرنا اخباره معهم فيما تقدم
بل ذكرنا هنا ما وقع عليه اختيارنا من مدائحه لهم. قال يمدح محمد بن
حسان الضبي من قصيدة:
أين التي كانت إذا شاءت جرى * من مقلتي دمع يعصفره دم
مظلومة للورد اطلق طرفها * في الخلق فهو مع المنون محكم
يقول في مديحها:
وفتى إذا ظلم الزمان فما يرى * الا إلى عزماته يتظلم
لولا ابن حسان المرجى لم يكن * بالرقة البيضاء لي متلوم
لا يحسب الاقلال عدما بل يرى * ان المقل من المروءة معدم
يحتل من سعد بن ضبة في ذرى * عادية قد كللتها الأنجم
قوم يمج دما على أرماحهم * يوم الوغى المستبسل المستلئم
وقال يمدح محمد بن حسان الضبي أيضا من قصيدة:
ما اليوم أول توديعي ولا الثاني * البين أكثر من شوقي وأحزاني
دع الفراق فان الدهر ساعده * فصار أملك من روحي بجثماني
خليفة الخضر من يربع على وطن * في بلدة فظهور العيس أوطاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا * بالرقمتين وبالفسطاط اخواني
وما أظن النوى ترضى بما صنعت * حتى تشافه بي أقصى خراسان
خلفت بالأفق الغربي لي سكنا * قد كان عيشي به حلوا بحلوان
غصن من البان مهتز على قمر * يهتز مثل اهتزاز الغصن في البان
أفنيت من بعده فيض الدموع كما * أفنيت في هجره صبري وسلواني
وليس يعرف كنه الوصل صاحبه * حتى يغادى بناي أو بهجران



(1) في نسخة الديوان المجد بدل المحل وهو تصحيف. - المؤلف -
(2) الذي في نسخة الديوان المطبوعة وحمر بالحاء المهملة والراء ولم نجد له معنى مناسبا في كتب
اللغة ولعله وجمز بالجيم والزاي من جمز الرجل في الأرض إذا ذهب وشدد للمبالغة.
(3) العنجهية بضم العين والجيم الكبر. - المؤلف -
(4) الددان كسحاب من لا غناء عنده والسيف الكهام (والدثر) بالفتح الرجل البطئ الخامل
النؤوم.
(5) المحض الفتل المعتاد والشزر نوع من الفتل محكم. - المؤلف -
521
إساءة الحادثات استنبطي نفقا * فقد أظلك احسان بن حسان
لو أن اجماعنا في وصف سؤدده * في الدين لم يختلف في الأمة اثنان
وفي الديوان المطبوع بمصر وقال يمدح يحيي بن ثابت وذكر القصيدة
التي أولها (قدك اتئدار بيت في الغلواء) إلا أنه ذكر فيها هذا البيت:
والى ابن حسان اغتدت بي همة * وقفت عليه خلتي واخائي
وذكر في آخرها أيضا هذا البيت:
وإلى محمد ابتعثت قصائدي * ورفعت للمستنشدين لوائي
وبعده هذا البيت:
يحيى بن ثابت الذي سن الندى * وحوى المكارم من حبا وحباء
فدل ذلك على أن هناك قصيدتين على وزن وروي واحد خلط الطابع
أو غيره بينهما (إحداهما) في محمد بن حسان (والأخرى) في يحيى بن
ثابت. ومن القصيدة التي قال إنها في يحيى بن ثابت قوله:
لما رأيتك قد غدوت مودتي * بالبشر واستحسنت وجه ثنائي
انبطت في قلبي لرأيك مشرعا * ظلت تحوم عليه طير رجائي
فثويت جارا للحضيض وهمتي * قد طوقت بكواكب الجوزاء
ايه فدتك مغارسي ومنابتي * اطرح غناءك في نحور عنائي
وقال يمدح حبيش بن المعافي قاضي الموصل ورأس العين
من قصيدة:
نسائلها أي المواطن حلت * وأي بلاد أوطنتها وأية
وماذا عليها لو أشارت فودعت * الينا بأطراف البنان وأومت
وما كان الا ان تولت بها النوى * فولى عزاء القلب لما تولت
فاما عيون العاشقين فأسخنت * واما عيون الكاشحين فقرت
ولما دعاني البين وليت إذ دعا * ولما دعاها طاوعته ولبت
فلم أر مثلي كان أوفى بعهدها * ولا مثلها لم ترع عهدي وذمتي
كأن علي الدمع ضربة لازم * إذا ما حمام الأيك في الأيك غنت
عليها سلام الله أين استقلت * وأنى استقرت دارها واطمأنت
ومجهولة الاعلام طامسة الصوى * إذا عسفتها العيس بالركب ضلت
تعسفتها والليل ملق جرانه * وجوزاؤه في الأفق لما استقلت
بمفعمة الأنساع مؤجدة القرى * امون السرى تنجو إذا العيس كلت
إلى خير من ساس البرية عدله * ووطد اعلام الهدى فاستقرت
ونادى المعالي فاستجابت نداءه * ولو غيره نادى المعالي لصمت
وأحيا سبيل العدل بعد دثوره * وانهج سبل الجود حين تعفت
ويجزيك بالحسنى إذا كنت محسنا * ويغتفر العظمى إذا النعل زلت
إذا ظلمات الرأي أسدل ثوبها * تطلع فيها فجره فتجلت
همام وري الزند مستحصد القوى * إذا ما الأمور المشكلات أظلت
أغر ربيط الجاش ماض جنانه * إذا ما القلوب الماضيات ارجحنت
له كل يوم شمل مجد مؤلف * وشمل ندى بين العفاة مشتت
إذا ما حلوم الناس حلمك وازنت * رجحت بأحلام الرجال وخفت
إذا ما امتطينا العيس نحوك لم نخف * عثارا ولم نخش اللتيا ولا التي
وقال يمدح حفص بن عمر الأزدي من قصيدة:
عفت اربع الحلات للأربع الملد * لكل هضيم الكشح مجدولة القد
ديار هراقت كل عين شحيحة * وأوطات الأحزان كل حشى جلد
فعوجا صدور الأرحبي واسهلا * بذاك الكثيب السهل والعلم الفرد
فلا تسألاني عن هوى قد طعمتما * جواه فليس الوجد إلا من الوجد
حططت إلى ارض الجديدي ارحلي * بمهرية تنباع في السير أو تخذي
تؤم شهاب الأزد حفصا فإنهم * بنو الحرب لا ينبو ثراهم ولا يكدي
ومن شك أن الجود والبأس فيهم * كمن شك في أن الفصاحة في نجد
فلم أغش بابا أنكرتني كلابه * ولم أتشبث بالوسيلة من بعد
فأصبحت لاذل السؤال أصابني * ولا قدحت في خاطري روعة الرد
فلو كان ما يعطيه غيثا لأمطرت * سحائبه من غير برق ولا رعد
درية خيل لا يزال لدى الوغى * له مخلب ورد من الأسد الورد
فأبت وقد مجت خراسان داءها * وقد نغلت أطرافها نغل الجلد
وأوباشها خزر إلى العرب الأولى * لكيما يكون الحر من خول العبد
ليالي بات العز في غير بيته * وعظم وغد القوم في زمن وغد
وما قصدوا إذ يسحبون على الثرى * برودهم الا إلى وارث البرد
وراموا دم الاسلام لا من جهالة * ولا خطا بل حاولوه على عمد
ضممت إلى قحطان عدنان كلها * ولم يجدوا إذا ذاك من ذاك من بد
قاضحت بك الاحياء أجمع ألفة * واحكم في الهيجاء نظما من العقد
وكنت هناك الأحنف الطب في بني * تميم بن مر والمهلب في الأزد
وكنت أبا غسان مالك وائل * عشية دانى حلفه الحلف بالعقد
ولما أماتت أنجم العرب الدجى * سرت وهي اتباع لكواكبك السعد
فهم منك في جيش قريب قدومه * عليهم وهم من يمن رأيك في جند
ولا مدد إلا السيوف لوامعا * ولا معقل غير المسومة الجرد
فتى برحت هماته وفعاله * به فهو في جهد وما هو في جهد
ومن محاسن شعره قوله يمدح جعفر الخياط من قصيدة:
حلفت بمستن المنى تسترشه * سحابة كف بالرغائب تمطر
إذا درجت فيه الصبا كفكفت لها * وقام يباريها أبو الفضل جعفر
تفاخرت الدنيا بأيام ماجد * به الملك يبهى والمفاخر تفخر
فتى من بديه البأس يضحك والندى * وفي سرجه بدر وليث غضنفر
وقال يمدح مهدي بن اصرم من قصيدة:
خذي عبرات عينك عن زماع * وصوني ما أذلت من القناع
اقلي قد أضاق بكاك ذرعي * وما ضاقت بنازلة ذراعي
أآلفة النحيب كم افتراق * ألم فكان داعية اجتماع
وليست فرحة الأوبات إلا * لموقوف على ترح الوداع
فتى النكبات من يأوي إذا ما * أطفن به إلى خلق وساع
يثير عجاجة في كل فج * يهيم به عدي بن الرقاع
ابن مع السباع الغيل حتى * لخالته السباع من السباع
بمهدي بن اصرم عاد عودي * إلى ايراقه وامتد باعي
أطال يدي على الأيام حتى * جزيت قروضها صناعا بصاع
إذا أكدت سوام الشعر أضحت * عطاياه وهن لها مراعي
سعى فاستنزل الشرف اقتسارا * ولولا السعي لم تكن المساعي
فلو صورت نفسك لم تزدها * على ما فيك من كرم الطباع
وقال يمدح نوح بن عمرو الكندي ويستعطفه لأخيه حوى بن عمرو
وكان مملقا من قصيدة:
يصبح في الحب لها ضارعا * من ليس عند السيف بالضارع

522
بكر إذا جردت في حسنها * فكرك دلتك على الصانع
نوح صفا من عهد نوح له * شرب العلى في الحسب البارع
مطرد الآباء في نسبة * كالصبح في إشراقه الساطع
مناسب تحسب من ضوئها * منازلا للقمر الطالع
كم فارس منهم إذا استصرخوا * مثل سنان الصعدة اللامع
ان حويا (1) حاجتي فاقضها * ورد جاش المشفق الجازع
تجاوز الخفض وافياءه * إلى السرى والسفر الشاسع
والطائر الطائر في شأنه * يلوي بحظ الطائر الواقع
ترمي العلى منه بمستيقظ * لا فاتر اللحظ ولا خاشع
وانما الفتك لذي لؤمة * شبعان أو ذي كرم جائع
فانشر له أحدوثة غضة * تصغى إليها أذن السامع
وقال يمدح نوح بن عمرو أيضا من قصيدة:
يوم الفراق لقد خلقت طويلا * لم تبق لي جلدا ولا معقولا
لو جاء مرتاد المنية لم يجد * الا الفراق على النفوس دليلا
أتظنني أجد السبيل إلى العزا * وجد الحمام إذا إلي سبيلا
رد الجموح الصعب أسهل مطلبا * من رد دمع قد أصاب مسيلا
وبنفسي القمر الذي بمحجر * امسى مصونا بالنوى مبذولا
اني تأملت النوى فوجدتها * سيفا على صبر الهوى مسلولا
من زاحف الأيام ثم عبى لها * غير القناعة لم يزل مفلولا
من كان مرعى عزمه وهمومه * روض الأماني لم يزل مهزولا
لو جاز سلطان القنوع وحكمه * في الأرض ما كان القليل قليلا
الرزق لا تحرص عليه فإنه * يأتي ولم تبعث اليه رسولا
بنت القفار متى تخد بك لا تدع * في الصدر منك على الفلاة غليلا
لا تدعون نوح بن عمرو دعوة * للخطب إلا أن يكون جليلا
يقظ إذا ما المشكلات عرونه * ألفيته المتبسم البهلولا
ثبت المقام يرى القبيلة واحدا * ويرى فيحسبه القبيل قبيلا
لو أن طول قناته يوم الوغى * ميل إذا نظم الفوارس ميلا
أوليس عمرو بث في الأرض الندى * حتى اشتهينا أن نصيب بخيلا
وقال يمدح الافشين ويذكر حربه مع بابك الخرمي من قصيدة وهو من
قواد المعتصم ثم قتله المعتصم على الزندقة فذمه أبو تمام كما مر في اخباره مع
المعتصم.
ملك تضئ المكرمات إذا بدا * للملك منه غرة وجبين
لاقاك بابك وهو يزأر وانثنى * وزئيره قد عاد وهو أنين
ولى ولم يظلم وهل ظلم امرؤ * حث النجاء وخلفه التنين
أوسعتهم ضربا تهد به الطلى * ويخف منه المرء وهو ركين
بأس تفل به الصفوف وتحته * رأي تفل به العقول رزين
عبأ الكمين له فظل لحينه * وكمينه المخفى عليه كمين
يا وقعة ما كان أعتق يومها * إذ بعض أيام الزمان هجين
ورجا بلاد الروم فاستعصى به * أجل أصم عن النجاء حرون
هيهات لم يعلم بأنك لو ثوى * بالصين لم تبعد عليك الصين
ما نال ما قد نال فرعون ولا * هامان في الدنيا ولا قارون
بل كان كالضحاك في سطواته * بالعالمين وأنت أفريذون
فسيشكر الاسلام ما أوليته * والله عنه بالوفاء ضمين
وقال في أبي الحسن علي بن مرة من قصيدة:
أراك أكبرت إدماني على الدمن * وحملي الشوق من باد ومكتمن
لا تكثرن ملامي ان عكفت على * ربع الحبيب فلم أعكف على وثن
الحب أولى بقلبي في تصرفه * من أن يغادرني يوما بلا شجن
فما وجدت على الأحشاء أوقد من * دمع على وطن لي في سوى وطني
من ذا يعظم مقدار السرور بمن * يهوى إذا لم يعظم موقع الحزن
العيس والهم والليل التمام معا * ثلاثة أبدا يقرن في قرن
أقول للحرة الوجناء لا تهني * فقد خلقت لغير الحوض والعطن
ما يحسن الدهر أن يسطو على رجل * إذا تعلق حبلا من أبي حسن
كم حال فيض نداه يوم معضلة * وبأسه بين من يرجوه والمحن
فتى تريش جناح الجود راحته * حتى يخال بان البخل لم يكن
وتشتري نفسه المعروف بالثمن * الغالي ولو أنها كانت من الثمن
كم في العلى لهم والمجد من بدع * إذا تصفحت اختيرت على السنن
قوم إذا هطلت جودا أكفهم * علمت أن الندى مذ كان في اليمن
حاطت يداه من الاسلام ضاحية * وحالتا بين طرف الدهر والوسن
لي حرمة بك فاحفظها وجاز بها * يا حافظ العهد والعواد بالمنن
أولى البرية حقا أن تراعيه * عند السرور الذي آساك في الحزن
ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن
وروى الصولي في أخبار أبي تمام انه كان لأبي تمام أخ يقال له سهم
وكان يقول شعرا دونا فجاء إلى أبي تمام يستميحه فقال له والله ما يفضل
عني شئ ولكني أحتال لك فكتب إلى يحيى بن عبد الله بقصيدة وفي
الديوان قال يمدح يحيى بن عبد الله وأرسلها اليه مع سهم أخي أبي تمام
ليصله ويسأله في أمره وهذا مختارها:
احدى بني عمر بن عبد مناه * بين الكثيب الفرد فالأمواه
ألقي النصيف فأنت خاذله الهوى * أمنية الخالي ولهو اللاهي
عرضت لنا يوم الحمى في خرد * كالسرب حولثى ولعس شفاه
بيض يجول الحسن في وجناتها * والملح بين نظائر أشباه
دعني أقم أود الشباب بذكرها * ان السفاه بها لغير سفاه
فإذا انقضت أيام تشييع الصبا * أظهرت توبة خاشع أواه
ومعاود للبيد لا يهفو به * هاف ولا يزهاه فيها زاه
مهد لالطاف الثناء إلى فتى * كالبدر لا صلف ولا تياه
سهم بن أوس في ضمانك عالم * أن لست بالناسي ولا بالساهي
اجزل له الحظين منك وكن له * ركنا على الأيام ليس بواه
بولايتين ولاية في كورة * مشهورة وولاية بالجاه
هو في الغنى غرسي وغرسك في العلى * اني انصرفت وأنت غرس الله
مدائحه في الطائيين قومه
من غرر قصائده قوله يمدح عمر بن عبد العزيز الطائي ويفتخر بقومه
طئ وبجودهم من قصيدة وتجلت فيها عاطفة القرابة منضمة إلى
شاعريته:
يا هذه اقصري ما هذه بشر * ولا الخرائد من أترابها الاخر
خرجن في خضرة كالروض ليس لها * الا الحلي على أعناقها زهر



(1) اسمه حوى بالقصر فصغره فقال حوي. - المؤلف -
523
بدرة حفها من حولها درر * أرضى غرامي فيها دمعي الدرر
ريم أبت أن يريم الحزن لي جلدا * فالعين عين بماء الشوق تنهمر
صب الشباب عليها وهو مقتبل * ماء من الحسن ما في صفوه كدر
لولا العيون وتفاح الخدود إذا * ما كان يحسد أعمى من له بصر
قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم * من فاته العين أدنى شوقه الأثر
ان الكرام كثير في البلاد وان * قلوا كما غيرهم قل وان كثروا
لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فان جلهم أو كلهم بقر
لو لم تصادف شياة البهم أكثر ما * في الخيل لم تحمد الأوضاح والغرر
فكلما أمست الاخطار بينهم * هلكى تبين من أمسى له خطر
نعم الفتى عمر في كل نائبة * نابت وقل له نعم الفتى عمر
مجرد سيف رأي من عزيمته * للناس صيقله الاطراق والفكر
عضبا إذا سله في وجه نائبة * جاءت اليه صروف الدهر تعتذر
وسائل عن أبي حفص فقلت له * امسك عنانك عنه انه القدر
هو الهمام هو الموت المريح هو * الحتف الوحي هو الصمصامة الذكر
ساماه قوم وطعم الجود في فمه * كالشهد وهو على أحناكهم صبر
فدى له مقشعر حين تسأله * خوف السؤال كأن في جلده إبر
لله در بني عبد العزيز فكم * اردوا عزيز عدى في خده صعر
تتلى وصايا المعالي بين أظهرهم * حتى لقد ظن قوم أنها سور
يا ليت شعري من هاتا مآثره * ما ذا الذي ببلوع النجم ينتظر
سافر بطرفك في أقصى مكارمنا * إذ لم يكن لك في تأثيلها سفر
هل أورق المجد إلا في بني أدد * أو اجتني قط لولا طئ ثمر
لولا أحاديث أبقتها أوائلنا * من السدى والندى لم يعرف السمر
وقال يمدح داود بن الطائي:
أضحى ابن داود محسودا لسؤدده * لا زال مكتسيا سربال محسود
فتى متى ما ينلك الدهر صالحة * يقل لأمثالها من فعله عودي
وقال فيه أيضا:
أأفرق أن تماطلني بنيل * وحوضك لم يزل عذب الورود
جحدت إذا بياض نداك عندي * على نوب من الأيام سود
وقال يمدح أبا المستهل محمد بن شقيق الطائي من قصيدة:
تحمل عنه الصبر يوم تحملوا * وعادت صباه في الصبي وهي شمأل * بيوم كطول الدهر في عرض مثله * ووجدي من هذا وهذاك أطول
تولوا فولت لوعتي تحشد الأسى * علي وجاءت مقلتي وهي تهمل
نذرت لهم مكنون دمعي فان ونى * فشوقي على أن لا يجف موكل
أأتبع ضنك الامر والامر مدبر * وأدفع في صدر الغنى وهو مقبل
محمد يا ابن المستهل تهللت * عليك سماء من ثنائي تهطل
بلوناك اما كعب عرضك في العلى * فعال و لكن جد مالك أسفل
تحملت ما لو حمل الدهر شطره * لفكر دهر أي عبأيه أثقل
أبوك شقيق لم يزل وهو للندى * شقيق وللملهوف حرز ومعقل
أفاد من العليا كنوزا لو أنها * صوامت مال ما درى أين تجعل
فحسب امرئ أنت امرؤ آخر له * وحسبك فخرا أنه لك أول
فهل للقريض الغض أو من يصوغه * على أحد الا عليك معول
ليهن امرأ يثني عليك فإنه * يقول وان اربى ولا يتقول
سهلن عليك المكرمات فوصفها * علينا إذا ما استعجمت فيك أسهل
وقال يمدح أحمد بن عبد الكريم الطائي من قصيدة:
يا دار دار عليك ارهام الندى * واهتز روضك في الثرى فترأدا
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن * ما كان قلبي للصبابة معهدا
لم يعط نازلة الهوى * حق الهوى دنف أطاف به الهوى فتجلدا
صب توعدت الهموم فؤاده * ان أنتم أخلفتموه موعدا
يقول في مديحها:
أفنيت منه الشعر في متمدح * قد ساد حتى كاد يفني السؤددا
عضب العزيمة في المكارم لم يدع * في يومه شرفا يطالبه غدا
وانا الفداء إذا الرماح تشاجرت * لك والرماح من الرماح لك الفدا
هيهات لا ينأى الفخار وان نأى * عن طالب كانت مطيته الندى
لا تعدمنك طئ فلقلما * عدمت عشيرتك الجواد السيدا
وقال في بني عبد الكريم الطائيين من جملة قصيدة يهجو بها عتبة بن
عاصم تأتي أبيات منها في الهجاء ويأتي بعضها في المواعظ والحكم ونذكر هنا
ما يتعلق بمدحهم خاصة قال:
قوم تراهم حين يطرق حادث * يسمون للخطب الجليل فيطرق
ما زال في جرم بن عمرو منهم * مفتاح باب للندى لا يغلق
ما أنشئت للمكرمات سحابة * الا ومن أيديهم تتدفق
انظر فحيث ترى السيوف لوامعا * أبدا ففوق رؤوسهم تتألق
شوس إذا خفقت عقاب لوائهم * ظلت قلوب الموت منها تخفق
بله إذا لبسوا الحديد حسبتهم * لم يحسبوا ان المنية تخلق
وقال يمدح بعض بني عبد الكريم الطائيين من قصيدة:
ارامة كنت مألف كل ريم * لو استمتعت بالانس المقيم
ومما ضرم البرحاء اني * شكوت فما شكوت إلى رحيم
أظن الدمع في خدي سيبقي * رسوما من بكائي في الرسوم
وليل بت أكلؤه كأني * سليم أو سهرت على سليم
أراعي من كواكبه هجانا * سواما لا تريغ إلى المسيم
فاقسم لو سألت دجاه عني * لقد أنباك عن خطر عظيم
أنخنا في ديار بني حبيب * بنات السير تحت بني العزيم
وما ان زال في جرم بن عمرو * كريم من بني عبد الكريم
تراه يذب عن حرم المعالي * فتحسبه يدافع عن حريم
سفيه الرمح جاهله إذا ما * بدا فضل السفيه على الحليم
فان شهد المقامة يوم فصل * رأيت نظير لقمان الحكيم
أولئك قد هدوا في كل مجد * إلى نهج الصراط المستقيم
لهم غرر تخال إذا استنارت * بواهرها ضرائر للنجوم
إذا نزلوا بمحل روضوه * بآثار كآثار الغيوم
لكل من بني حواء عذر * ولا عذر لطائي لئيم
من يسأل الممدوح يستغني فيعود مسؤولا
من المعاني التي أكثر منها أبو تمام في شعره أن من يسأل الممدوح
يستغني فيعود مسؤولا قال:
وما يلحظ العافي نداك مؤملا * سوى لحظة حتى يعود مؤملا
وقال يخاطب أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري.
أحين رفعت من شأوي (نظري) وعادت * حويلي في ذراك الرحب حالا

524
وحف بي الأقاصي والأداني * عيالا لي وكنت لهم عيالا
فقد أصبحت أكثرهم عطاء * وقبلك كنت أكثرهم سؤالا
وقال:
كم حل في أكنافها من معدم * امسى بكم يأوي اليه المعدم
وقال:
وكنت أخا الاعدام لسنا لعلة (كذا) * فكم بك بعد العدم أغنيت معدما
وإذ أنا ممنون علي ومنعم * فأصبحت من خضراء نعماك منعما
وقال:
وكن سجاياه يضيف ضيوفه * ويرجى مرجيه ويسأل سائله * واني لأرجو عاجلا ان تردني * مواهبه بحرا ترجى مواهبي
مصاحبة الطير والوحش للجيش
هذا المعنى قد تداوله الشعراء ونظمه أبو تمام في غير موضع من شعره
فقال في قصيدته الرائية التي يفتخر فيها بقومه ويذم مصر بعد مفارقتها في
صفة الخيل:
فان ذمت الأعداء سوء صباحها * فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر
وقال من قصيدة أخرى فأجاد.
وقد ظللت عقبان اعلامه ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش الا انها لم تقاتل
قال البديعي: وأول من اخترعه الأفوه الأودي حيث قال:
وترى الطير على آثارنا * رأي عين ثقة ان ستمار
وقال حميد بن ثور يصف ذئبا.
إذا ما غدا يوما رأيت غيابة * من الطير ينظرن الذي هو صانع
وقال بكر بن النطاح:
وترى السباع من الجوارح * فوق عسكرنا جوانح
ثقة بأنا لا نزال * نمير ساغبها الذبائح
وقال النابغة:
إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه * عصائب طير تهتدي بعصائب
جوانح قد أيقن ان قبيله * إذا ما التقى الجمعان أول غالب
وقال أبو نواس:
يتوخى الطير غدوته * ثقة باللحم من جزره
وقال مسلم بن الوليد:
قد عود الطير عادات وثقن بها * فهن يتبعنه في كل مرتحل
وقال أيضا وقد أغرب.
أشربت أرواح العدى وقلوبها * خوفا فانفسها إليك تطير
لو حاكمتك فطالبتك بذحلها * شهدت عليك ثعالب ونسور
وقال مروان بن أبي الجنوب في المعتصم.
لا تشبع الطير الا في وقائعه * فأينما سار سارت خلفه زمرا
عوارفا انه في كل معترك * لا يغمد السيف حتى يكثر الجزرا
وقد تبع أبا تمام في ذلك كثير ممن تأخر عنه منهم المتنبي فكرر ذلك في
شعره فقال:
له عسكرا خيل وطير إذا رمى * بها عسكرا لم تبق إلا جماجمه
فقد مل ضوء الصبح مما تغيره * ومل سواد الليل مما تزاحمه
سحاب من العقبان يزحف تحتها * سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه
وقال:
يفدي أتم الطير عمرا سلاحه * نسور الملا احداثها والقشاعم
وما ضرها خلق بغير مخالب * وقد خلقت أسيافه والقوائم
وقال:
وذي لجب لا ذو سلاح أمامه * بناج ولا الوحش المثار بسالم
تمر عليه الشمس وهي ضئيلة * تطالعه من بين ريش القشاعم
إذا ضوؤها لاقى من الطير فرجة * تدور فوق البيض مثل الدراهم
وقال أبو فراس الحمداني:
واظمأ حتى ترتوي البيض والقنا * واسغب حتى يشبع الذئب والنسر
وقال ابن جهور:
ترى جوارح طير الجو فوقهم * بين الأسنة والرايات تختفق
وقال أبو عامر بن أبي مروان بن شهيد الأندلسي:
وتدري سباع الطير ان كماته * إذا لقيت صيد الكماة سباع
تطير جياعا فوقه وتردها
ظباه إلى الأوكار وهي شباع
العتاب
قال يمدح من اسمه جعفرا ولعله جعفر الطائي الذي يأتي انه رثاه
ويعرض له ببعض العتاب من قصيدة وظاهر الديوان المطبوع انها في
عياش بن لهيعة لكنها صريحة انها في جعفر.
يعجبن مني ان سمحت بمهجتي * وكذاك أعجب من سماحة جعفر
ملك إذا ما الشعر حار ببلدة * كان الدليل لطرفه المتحير
يا من يبشرني بأسباب الغنى * منه بشائر وجهه المستبشر
عش سالما تبني العلى بيد الندى * حتى تكون مناويا للمشتري
ولقلما عبأت خيل مدائحي * الا رجعت بهن غير مظفر
وأعوذ باسمك أن تكون كعارض * لا يرتجى وكنابت لم يثمر
وقال يعاتب ابن أبي سعيد من أبيات:
فلئن شطت الديار وغال * الدهر في آلف وفي مألوف
فعزائي بأن عرضي مصون * سائغ الورد والسماح حليفي
راكب للأمور في حلبة الأيام للمنجيات أو للحتوف
ذو اعتداء على ثراء فتى الجو * د الشريف الفعال وابن الشريف
ليت شعري ما ذا يريبك مني * ولقد فقت فطنة الفيلسوف
أنا ذو منطق شريف لاعطاء * وذو منطق لمنع عنيف
الاعتذار عن تقطيب الوجه
ان تعط وجها كاسفا من تحته * كرم وحلم خليقة لا يجهل
فلرب سارية عليك مطيرة * قد جاء عارضها وما يتهلل
تحسين الحجاب
قال الثعالبي في خاص الخاص أحسن ما قيل في تحسين الحجاب قول
أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:

525
يا أيها الملك النائي برؤيته * وجوده لمراعي جوده كثب
ليس الحجاب بمقص عنك لي املا * ان السماء ترجى حين تحتجب
البقاء على العهد
قال من أبيات:
فلم يبق مني طول شوقي إليهم * سوى حسرات في الحشى تتردد
خليلي ما ارتعت طرفي ببهجة * ولا انبسطت مني إلى لذة يد
ولا حلت عن عهدي الذي قد عهدتما * فدوما على العهد الذي كنت أعهد
الرجوع إلى المودة بعد المباعدة
قال في عبد الله بن البر الطائي من أبيات:
ذقنا الصدود فلما اقتاد أرسننا * حنت حنين عجول بيننا الرحم
سيعلم الهجر انا من إساءته * وظلمه بالوصال العذب تنتقم
اما الوجوه فكانت وهي عابسة * اما القلوب فكانت وهي تبتسم
سعاية من رجال لا طباع لهم * قالوا بما جهلوا فينا وما علموا
إذا خدمنا القلى جهلا بنا وعمى * فاليوم نحن جميعا للرضي خدم
الهجاء
كان أبو تمام كسائر الشعراء الذين يكتسبون ويرتزقون بشعرهم
فيمدحون الشخص بما ليس فيه ويبالغون في المدح والكذب فيه ويمدحون
الفسقة والظلمة و قد يصفونهم بأعلى من صفات الأنبياء والمرسلين ويهجون
من منعهم أو لم ترضهم جائزته بأقبح الهجو وأقذعه وأفحشه ويثلبون الاعراض
ولا يتورعون عن شئ في هذا السبيل فكانت يهابهم لأجل ذلك الخلفاء
والملوك والامراء فمن دونهم فعندهم لأخذ الجوائز وسائل (إحداها).
المدح الذي يرغب فيه كل أحد ولو كان بالباطل إلا ما ندر والمدح بالشعر
يرغب فيه أكثر من غيره لأنه مما يحفظ وينتشر وتطرب وتهتز له النفوس
ويستهوي الألباب وتحدى به الركاب وينشد في المحافل ويبقى على مر
الدهور لا سيما إذا كان من شاعر مشهور جيد الشعر متفنن في أساليب
الشعر وكثيرا ما يرتفع به الوضيع وتقضي به الحوائج كما حصل في مواضع
كثيرة لا يتسع المقام لذكرها (ثانيتها) هجو أعداء الممدوح الذي كان يعتمده
الشعراء في أثناء مدائحهم لمن يمدحونه لعلمهم بان ذلك مما يعجبهم
ويسرهم فهو احدى الوسائل لبعثهم على العطاء (ثالثتها) الهجو الذي يخاف
منه الناس أكثر من خوفهم من السلاح للعلة المتقدمة في المدح من اشتهاره
وانتشاره بين الناس وحفظهم له وبقائه على مر الدهور وهجا بعضهم قاضيا
بقوله:
إذا كلمته ذات دل لحاجة * وهم بان يقضي تنحنح أو سعل
فقال المهجو ربما أخذني السعال وأنا في المستراح فاحبسه لما شاع من
هذا الشعر وقال شاعر في الشعبي:
فتن الشعبي لما * رفع الطرف إليها
فحفظه الناس حتى القصارون فمر الشعبي على قصار وهو يقول
(فتن الشعبي لما) ويكرره ولا يحفظ تمام البيت فأتمه له الشعبي. وعظماء
الملوك وان كان يمكنهم عقاب من يهجوهم بالحبس والضرب بل بالقتل الا
انهم علموا أن ذلك لا يغسل عنهم عار الهجاء الذي ينتشر ويحفظ فكان
عقلاؤهم لا يلجأون إلى هذه الطريق لعلمهم بأنها لا تفيد بل يحافظون على
ارضاء الشاعر لئلا يهجوهم ويرون أن الدفع أسهل من الرفع ومن لجأ إليها
أولا عاد عنها ثانيا فهشام بن عبد الملك لما مدح الفرزدق زين العابدين عليه
السلام بالقصيدة المشهورة أمامه وأمام أكابر أهل الشام وغاظه ذلك أمر
بحبسه فهجاه في الحبس بقوله:
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها
فاضطر هشام إلى اطلاقه خوفا أن يقول فيه ما هو أدهى وأمر وحفظ
الناس هذا الهجاء واستمر حفظه إلى اليوم وبعد اليوم وبشار لما هجا
موسى الهادي بالبيتين المشهورين امر بضربه حتى مات ولكن ذلك لم يغسل
عنه وصمة الهجاء الذي حفظه الناس وأودعه المؤلفون كتبهم وكان بنو أمية
يكرمون الفرزدق وهم يعلمون تشيعه لأهل البيت أعدائهم الألداء
فيحتملون ذلك منه طلبا لمدحه وخوفا من هجائه وهذا باب واسع لا يمكننا
استيفاؤه بهذه العجالة ومر عند الكلام على شاعرية أبي تمام ما يرتبط بالمقام
فراجع. ومرت له أهاج في جماعة عند ذكر اخباره معهم وقال يهجو
الجلودي حين انهزم من النويرة من قصيدة.
الله أعطاك الهزيمة إذ * جذبتك أسباب الردى جذبا
لاقتك ابطال تحث إلى * ضنك المقام شوازبا قبا
فنزلت بين ظهورهم أشرا * فقروك ثم الطعن والضربا
في حيث يلفي الرمح يشرع في
نطف الكلى والمرهف العضبا
والخيل سانحة وبارحة * والموت يغشى الشرق والغربا
والبيض تلمع في أكفهم * رأد الضحى فتخالها شهبا
وأتتك خيل لو صبرت لها * لنهبن روحك في الوغى نهبا
من حي عدنان وإخوتهم * قحطان لاميلا ولا نكبا
وعصمت بالليل البهيم وقد * القى عليك ظلامه حجبا
وقال في أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد من أبيات:
فما أنت اللئيم أبا ولكن * زمان سدت فيه هو اللئيم
أتطمع أن تعد كريم قوم * وبابك لا يطيف به كريم
كمن جعل الحضيض له مهادا * ويزعم أن اخوته النجوم
لنمت ونام عرضك والقوافي * سواخط لا تنام ولا تنيم
وقال يهجو يوسف السراج الشاعر المصري من أبيات:
سمعت بكل داهية نآد * ولم اسمع بسراج أديب
أما لو أن جهلك كان علما * إذا لنفذت في علم الغيوب
فما لك بالغريب يد ولكن * تعاطيك الغريب من الغريب
فلو نبش المقابر عن زهير * لصرح بالعويل وبالنحيب
متى كانت قوافيه عيالا * على تفسير بقراط الطبيب
فكيف ولم يزل للشعر ماء * يرف عليه ريحان القلوب
وقال:
وما ان سمعت ولا أراني سامعا * حتى الممات بشاعر سراج
وما يمنع السراج أن يكون أديبا شاعرا كما لم يمنعه هو كونه غلام
حائك وسقاء للماء بالجرة أن يكون من أعاظم الشعراء ولكنه الشعر وأفانينه
والهجاء وتشعباته. وقال في ابن الأعمش ومغنية له
انا مجمل لكم سماجتها * وجه ابن الأعمش عندها قمر
ومفسر لكم غثاثتها * لفظ ابن الأعمش عندها سمر
وقال في أهل سامراء وتعرف بالعسكر.
سأوطئ أهل العسكر الآن عسكرا * من الذل محاء لتلك المعالم
فاني ما حورفت في طلب الغنى * ولكنكم حورفتم في المكارم

526
رويدا يقر الأمر في مستقره * فما المجد عما تفعلون بنائم
وما لي من ذنب إلى الرزق خلته * سوى أملي إياكم للعظائم
بعين العلى أصبحتم بين هادم * دعائمها الطولى وبان كهادم
وقال يهجو شاعرا سرق شعره:
من بنو بجدل من ابن الحباب * من بنتغلب غداة الكلاب
من طفيل من عامر ومن الحارث * أم من عتيبة بن شهاب
انما الضيغم الهصور أبو الأشبال * مناع كل خيس وغاب
من عدت خيله على سرح شعري * وهو للحين راتع في كتابي
غارة أسخنت عيون القوافي * واستحلت محارم الآداب
يا عذارى الكلام صرتن من * بعدي سبايا تبعن في الاعراب
عبقات بالسمع تبدي وجوها * كوجوه الكواعب الأتراب
قد جرى في متونهن من الافرند * ماء نظير ماء الشباب
طال رعبي يا رب مما ألاقيه * ورهبي إليك فاحفظ ثيابي
وقال في عتبة:
فاقسم ما جسرت علي إلا * وزيد الخيل دونك في الشجاعة
ووجهك إذ رضيت به قديما * فأنت نسيج وحدك في القناعة
وقال في عثمان بن إدريس السامي:
وسابح هطل التعداء هتان * على الجراء أمون غير خوان
فلو تراه مشيحا والحصى قلق * تحت السنابك من مثنى ووحدان
حلفت ان لم تثبت ان حافره * من صخر تدمر أو من وجه عثمان
وقال في محمد بن الحسن الشاعر:
نعمنا بالبشاشة والسرور * وأيام الربيع المستنير
وقد ضحك النبات بكل أرض * وتاه العود بالورق النضير
فحين مضى الربيع وأعقبتنا * ليالي الصيف فيها بالحرور
اتانا الأحذمي ببرد شعر * رمى منه البلاد بزمهرير
في ذكر الحساد والأعداء
وملآن من ضغن كواه توقلي * إلى الهمة القعسا سناما وغاربا
شهدت جسيمات العلى وهو غائب * ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا
شكوى الزمان والاخوان
لقد ساسنا هذا الزمان سياسة * سدى لم يسسها قبل عبد مجدع
تروح علينا كل يوم وتغتدي * خطوب كان الدهر منهن يصرع
حلت نطف منه لنكس وذو الحجى * يداف له سم من العيش منقع
وقال:
كم ذقت في الدهر من عسر ومن يسر * وفي بني الدهر من رأس ومن ذنب
أغضي إذا صرفه لم يغض سورته * عني وارضى إذا مالج في الغضب
بأي وخد قلاص واجتياب فلا * ادراك رزق إذا ما كان في الهرب
ماذا علي إذا ما لم يزل وترى * في الرمي ان زلن أغراضي فلم أصب
في كل يوم أظافيري مفللة * تستنبط الصبر لي عن معدن الذهب
ما كنت كالسائل الأيام مجتهدا * عن ليلة القدر في شعبان أو رجب
بل سافع بنواصي الامر مشتمل * على قواصيه في بدء وفي عقب
ما زلت ارمي بآمالي مراميها * لم يخلق العرض مني سوء مطلبي
بغربة كاغتراب الجود ان برقت * بأوبة ودقت بالخلف والكذب
إذا عنيت لشأو قلت اني قد * أدركته أدركتني حرفة الأدب
وخيبة نبتت في غيبة شسعت * بأنحس طلعت في كل مضطرب
ما آب من آب لم يظفر بحاجته * ولم يغب طالب بالنجح لم يخب
وقال:
أنكرتهم نفسي وما ذلك الإنكار * إلا من شدة العرفان
واساءات ذي الإساءة يذكرنك * يوما احسان ذي الاحسان
وقال:
وتكشف الاخوان ان كشفتهم * ينسيك طول تصرف الأيام
وقال كما في تاريخ دمشق ولا توجد في الديوان.
ومن الشقاوة أن تحب * ومن تحب يحب غيرك
أو أن تسير لوصل من * لا يشتهي للوصل سيرك
أو ان تريد الخير * بالإنسان وهو يريد ضيرك
سيان إن أوليته * خيرا وان أمسكت خيرك
وقال من قصيدة:
ان شئت أن يسود ظنك كله * فأجله في هذا السواد الأعظم
ليس الصديق بمن يعيرك ظاهرا * متبسما عن باطن متجهم
وقال:
أخو ثقة نأى فبقيت لما * نأى عرضا لاخوان السلام
ذوي الهمم الهوامد والأكف * الجوامد والمروءات النيام
يظل عليك أصفحهم حقودا * لرؤيا ان رآها في المنام
وقال في صديق له من أبيات:
ليس جدع الأنوف جدعا ولكن * تيه من تصطفيه جدع الأنوف
لو بأسد الغريف نيطت عرى المن لذلت رقاب أسد الغريف
وقال من قصيدة:
فقدتك من زمان كل فقد * وغالت حادثاتك كل غول
محت نكباته سبل المعالي * وأطفأ ليله سرج العقول
فما حيل الأديب بمدركات * عجائبه ولا فكر الأصيل
الرثاء
قال أبو القاسم الآمدي هو أشعر الناس في المراثي وليس فيها أحسن
وأجود من قوله:
ألا ان في كف المنية مهجة * تظل لها عين العلى وهي تدمع
هي النفس ان تبك المكارم فقدها * فمن بين أحشاء المكارم تنزع
مراثيه في بني حميد الطائي
وقع في الديوان المطبوع بمصر خلل وقصور في عناوين القصائد التي
رثى بها أبو تمام حميد هؤلاء فقال في القصيدة اللامية المكسورة التي أولها
(ذكرت أبا نصر بفقد محمد) انها في رثاء بني حميد وقد مات بعد أبي نصر
اخوان له محمد وهو الأكبر والآخر قحطبة وفي القصيدة التي أولها (كذا
فليجل الخطب وليفدح الامر) انها في رثاء محمد وقحطبة وأبي نصر
بني حميد الطوسي وفي القصيدة التي أولها (أي القلوب عليكم ليس ينصدع) انها في
رثاء بني حميد وفي القصيدة التي أولها (أصم بك الناعي وان كان اسمعا)
انها في رثاء أبي نصر محمد بن حميد الطائي وفي القصيدة التي أولها (بأبي

527
وغير أبي وذاك قليل) انها في رثاء محمد بن حميد وأخيه. مع أن الرائية في
رثاء محمد وحده واللامية المرفوعة في رثاء بني حميد الثلاثة محمد ومحمد
وقحطبة كما وقع التصريح بذلك فيها فينبغي أن يكون عنوان الرائية للامية
وعنوان العينية المنصوبة لها وللرائية ثم إن عنوان اللامية لاثنين والصواب ان
يكون للثلاثة وقد ظهر لنا من مراجعة هذه القصائد التي رثى بها أبو تمام بني
قحطبة وعناوينها انهم ثلاثة اثنان منهم اسمهما محمد ويكنى أحدهما أبا نصر
وهو الأصغر الذي كان من قواد المأمون وقتل في حرب بابك والثاني وهو
الأكبر مات بعده والثالث اسمه قحطبة مات بعد أبي نصر أيضا ويدل بيت
لأبي تمام انه قتل في الحرب وهو قوله (لو لم يمت بين أطراف الرماح) الخ
فقد صرح باسم محمد في الرائية في موضعين وقد صرح في العينية المنصوبة
باسم أبي نصر وفي عنوانها بان اسمه محمد وقد صرح في اللامية المرفوعة
باسم محمد وان كنيته أبا نصر وباسم قحطبة وبمحمد ومحمد وصرح في
اللامية المخفوضة باسم أبي نصر ومحمد وقحطبة ودل الوصف بالطائي تارة
وبالطوسي أخرى على أنهم طائيون وطوسيون فكأنهم من العرب الذين
توطنوا بلاد العجم فنسبوا إليها فمن مراثي أبي تمام فيهم ما رثى به محمد بن
حميد الطائي الطوسي المكنى بأبي نصر وهي من أحسن مراثي أبي تمام
وابدعها وكأنما كان لعاطفة القرابة تأثير في حسن هذه القصيدة زيادة على
شاعرية أبي تمام. وكان محمد هذا من قواد المأمون فوجهه المأمون لمحاربة
بابك الخرمي فقتل سنة 214 قال البديعي في هبة الأيام وحين بلغ أبا تمام
نعيه غمس طرف ردائه في مداد ثم ضرب به كتفيه وصدره وأنشد القصيدة
الآتية ولشدة استحسان أبي دلف العجلي لهذه القصيدة تمنى أن تكون قيلت
في رثائه كما مر في أخباره مع أبي دلف ولشدة استحسان النقيب يحيى بن زيد
العلوي لها قال في ابيات منها كأنها ما قيلت إلا في الحسين عليه السلام وفي
قوله (فتى مات بين الطعن والضرب) إلى قولة (تردى ثياب الموت) وقال
البديعي أيضا وإلى ذلك أشار ابن الرنجي الكاتب المغربي من مرثيته في ابن
خلدون:
لولا الحياء وأن أجئ بفعلة * تقضي علي بها سيوف ملام
وأكون متبعا لأشنع سنة * قد سنها قبلي أبو تمام
للبست ثوب الثاكلات وكنت * في سود الوجوه كأنني من حام
وهذه هي القصيدة وكلها غرر.
كذا فليجل الخطب وليفدح الامر * وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد * وأصبح في شغل عن السفر السفر
وما كان الآمال من قل ماله * وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر
وما كان يدري مجتدي جود كفه * إذا ما استهلت انه خلق العسر
ألا في سبيل الله من عطلت له * فجاج سبيل الله وانثغر الثغر
فتى كلما فاضت عيون قبيلة * دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر
فتى دهره سطران فيما ينوبه * ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة * تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه * من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوغر
ونفس تعاف العار حتى كأنما * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوة والحمد نسج ردائه * فلم ينصرف إلا وأكفانه الاجر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجا * لها الليل إلا وهي من سندس خضر
كأن بني نبهان يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر
يعزون عن ثاو تعزى به العلى * ويبكي عليه البأس والجود والشعر
أمن بعد طي الحادثات محمدا * يكون لأثواب الندى أبدا نشر
إذا شجرات العرف جذت أصولها * ففي أي فرع يوجد الورق النضر
لئن غدرت في الروع أيامه به * فما زالت الأيام شيمتها الغدر
لئن البست فيه المصيبة طئ * فما عريت منها تميم ولا بكر
سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه * وان لم يكن فيه سحاب ولا قطر
وكيف احتمالي للغيوث صنيعة * باسقائها قبرا وفي لحده البحر
مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة * غداة ثوى الا اشتهت انها قبر
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى * ويغمر صرف الدهر نائله الغمر
عليك سلام الله وقفا فإنني * رأيت الكريم الحر ليس له عمر
وقال يرثي أبا نصر محمد بن حميد الطائي أيضا من أبيات:
أصم بك الناعي وان كان اسمعا * وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا
للحد أبي نصر تحية مزنة * إذا هي حيث ممعرا عاد ممرعا
ووالله لا تقضي العيون الذي له * عليها ولو صارت مع الدمع أدمعا
فتى كان شربا للعفاة ومرتعا * فأصبح للهندية البيض مرتعا
فما كنت الا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا
وقال يرثي محمدا أبا نصر واخاه محمدا وأخاهما قحطبة بني حميد من
قصيدة وفي الديوان قال يرثي محمد بن حميد وأخاه:
بأبي وغير أبي وذاك قليل * ثاو عليه ثرى النباج مهيل
كفي فقتل محمد لي شاهد * ان العزيز مع القضاء ذليل
أنسي أبا نصر نسيت إذا يدي * في حيث ينتصر الفتى وينيل
هيهات لا يأتي الزمان بمثله * ان الزمان بمثله لبخيل
ما أنت بالمقتول صبرا إنما * أملي غداة نعيك المقتول
للسيف بعدك حرقة وعويل * وعليك للمجد التليد غليل
يا يوم قحطبة لقد أبقيت لي * حرقا أرى أيامها ستطول
لم يود منه واحد لكنما * أودى به من أسودان قييل
أضحت عراص محمد ومحمد * وأخيهما وكأنهن طلول
مستبسلون كأنما مهجاتهم * ليست لهم الا غداة تسيل
ألفوا المنايا فالقتيل لديهم * من لم يخل الحرب وهو قتيل
وقال من ابيات رثى بها أبا نصر وأخويه محمدا وقحطبة بني حميد
الطائي وقد مات الاخوان محمد وهو الأكبر وقحطبة بعد أبي نصر.
ذكرت أبا نصر بفقد محمد * وقحطبة ذكرى طويل البلابل
ثووا في الثرى من بعد أن سربلوا العلى * ومن بعد أن سموا نجوم المحافل
لعمرك ما كانوا ثلاثة اخوة * ولكنهم كانوا ثلاث قبائل
وقال يرثي بني حميد الطائيين:
أي القلوب عليكم ليس ينصدع * وأي نوم عليكم ليس يمتنع
بني حميد بنفسي أعظم لكم * مهجورة ودماء منكم دفع
ما غاب عنكم من الاقدام أكرمه * في الروع إذ غابت الأنصار والشيع
إذا هم شهدوا الهيجاء هاج بهم * تغطرف في وجوه الموت يطلع
وانفس تسع الأرض الفضاء فلا * يرضون أو يجشموها فوق ما تسع
يود أعداؤهم لو أنهم قتلوا * وانهم صنعوا بعض الذي صنعوا

528
عهدي بهم تستنير الأرض ان نزلوا * بها وتجتمع الدنيا إذا اجتمعوا
ويضحك الدهر منهم عن غطارفة * كأن أيامهم من حسنها جمع
فيم الشماتة اعلانا بأسد وغى * أفناهم الصبر إذ أبقاكم الجزع
لاغروا ان قتلوا صبرا ولا عجب * فالقتل للحر في حكم العلى تبع
وقال يرثي بني حميد الطائي أيضا ويخص منهم قحطبة بن حميد من
أبيات والبيت الأخير يدل على أنه قتل في الحرب.
ان ينتحل حدثان الموت أنفسكم * ويسلم الناس بين الحوض والعطن
فالماء ليس عجيبا ان أعذبه * يفنى ويمتد عمر الآجن الأسن
رزء على طئ القى كلا كله * لا بل على أدد لا بل على اليمن
لم يثكلوا ليث حرب مثل قحطبة * من قبل قحطبة في سالف الزمن
لو لم يمت بين أطراف الرماح إذا * لمات إذ لم يمت من شدة الحزن
وقال يرثي غالبا الصغدي من أبيات:
وقلت أخي قالوا أخ من قرابة * فقلت نعم ان الشكول أقارب
نسيبي في عزم ورأي ومذهب * وان باعدتنا في الأصول المناسب
ولم اتجهم ريب دهر برأيه * فلم يجتمع لي رأيه والنوائب
على أنها الأيام قد صرن كلها * عجائب حتى ليس فيها عجائب
وقال يرثي إسحاق بن أبي ربعي من قصيدة:
شق جيوبا من رجال لو * استطاعوا لشقوا ما وراء الجيوب
أظلمت الآمال من بعده * وعريت من كل حسن وطيب
فما لنا اليوم ولا العلى * من بعده إلا الأسى والنحيب
وقال يرثي أحمد بن هارون القرشي من أبيات:
دأب عيني البكاء والحزن دابي * فاتركيني وقيت ما بي لما بي
فجعتني الأيام بالصادق * النطق فتى المكرمات والآداب
وتراءته أعين الناظرية * قمرا باهرا ورئبال غاب
وعلى عارضيه ماء الندى * الجاري وماء الحجى وماء الشباب
وقال يرثي جعفرا الطائي من أبيات:
مثل الموت بين عينيه والذل * فكلا رآه خطبا عظيما
ثم سارت به الحمية قدما * فأمات العدى ومات كريما
وقال يرثي هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعي من قصيدة:
لنمنا وصرف الدهر ليس بنائم * خزمنا له قسرا بغير خزائم
ليال إذا انحت عليك عيونها * ارتك فتورا في عيون الاراقم
إذا فقد المفقود من آل مالك * تقطع قلبي رحمة للمكارم
خليلي من بعد الأسى والجوى قفا * ولا تقفا فيض الدموع السواجم
ألما فهذا مصرع البأس والندى * وحسب البكا أن قلت مصرع هاشم
ألم تريا الأيام كيف فجعننا * به ثم قد شاركننا في المآتم
ولو عاش فينا بعض عيش فعاله * لأخلق اعمار النسور القشاعم
لئن كان سيف الموت أسود صارما * لقد فل منه حد أبيض صارم
أصاب امرأ كانت كرائم ماله * عليه إذا ما سيل غير كرائم
جرى المجد مجرى النوم منه فلم يكن * بغير طعان أو سماح بحالم
فان يوه في الدنيا دعائم عمره * فما جوده فيها بواهي الدعائم
إذا المرء لم تهدم علاه حياته * فليس لها الموت الجميل بهادم
أهاشم صار الدمع ضربة لازم * وما كان لولا أنت ضربة لازم
أهاشم للحيين فيك مصائب * حوائم منهم في قلوب حوائم
مساع تشظت في المواسم كلها * ولو جمعت كانت كبعض المواسم
وما يوم زرت اللحد يومك وحده * علينا ولكن يوم عمرو وحاتم
فكم ملحد في ذلك اليوم غانم * وكم منبر في يوم ذلك غارم
لئن عم ثكلا كل شئ مصابه * لقد خص أطراف السيوف الصوارم
وما نكبه فاتت به بعظيمة * ولكنها من أمهات العظائم
بني مالك قد نبهت خامل الثرى * قبور لكم مستشرفات المعالم
رواكد قيد الشبر من متناول * وفيها على لا ترتقى بالسلالم
رأيتهم ريش الجناح إذا ذوت * قوادم منها أيدت بقوادم
إذا اختل ثغر المجد أضحى جلادهم * ونائلهم من حوله كالعواصم
فلا تطلبوا أسيافهم في جفونها * فقد أسكنت بين الطلى والجماجم
إذا ما رماح القوم في الروع أكرمت * مشاربها عاشوا كرام المطاعم
وقال يرثي عمير بن الوليد ويعزي عنه ولده محمدا من قصيدة:
كف الندى أضحت بغير بنان * وقناته أمست بغير سنان
أنعى عمير بن الوليد لغارة * بكر من الغارات أو لعوان
أنعى فتى الفتيان غير مكذب * قولي وأنعى فارس الفرسان
عثر الزمان ونائبات صروفه * بمقيلنا عثرات كل زمان
أأصاب منك الموت فرصة ساعة * فعدا عليك وأنتما أخوان
فمن الذي يبغى ليوم كريهة * ومن الذي يدعى ليوم طعان
ان تخذلوه فقد حماه مثقف * لدن ومصقول الذباب يمان
فمحمد كهف الكهوف وعمدة * الملهوف من عاف رجاه وعان
حمال ما لو حل أصغره على * ثهلان لانهدت ذرى ثهلان
وإذا تدنست الرجال فإنه * عف السريرة طاهر الاعلان
يحكي فعال أب كريم في ندى * وشجاعة وبلاغة وبيان
فلأشغلن بمدح ذا وبندب ذا * أبدا لساني ما ملكت لساني
وقال يرثي أخا له من أبيات:
اني أظن البلى لو كان يفهمه * صد البلى عن بقايا وجهه الحسن
يا يومه لم تدع حسنا ولا أدبا * إلا حكمت به للحد والكفن
وقال يرثي القاسم بن طوق من قصيدة:
لقد فجعت عتابه وزهيره * وتغلبه أخرى الليالي ووائله
ومبتدر المعروف تسري هباته * إليهم ولا تسري إليهم غوائله
فتى لم تكن تغلي الحقود بصدره * وتغلي لأضياف الشتاء مراجله
طواه الردى طي الرداء وغيبت * فضائله عن قومه وفواضله
طوى شيما كانت تروح وتغتدي * وسائل من أعيت عليه وسائله
وقال يرثي إدريس السامي من ولد سامة بن لؤي من قصيدة:
أإدريس ضاع المجد بعدك كله * ورأي الذي يرجوه بعدك أضيع
وضل بك المرتاد من حيث يهتدي * وضرت بك الأيام من حيث تنفع
وقد كان يدعى لابس الصبر حازما * فأصبح يدعى حازما حين يجزع
غدوا في زوايا نعشه وكأنما * قريش قريش يوم مات مجمع
ألم تك ترعانا من الدهر إن سطا * وتحفظ من أموالنا ما يضيع
وتلبس أخلاقا كراما كأنها * على العرض من فرط الحصانة أدرع
وتبسط كفا في الحقوق كأنما * أناملها في البأس والجود أذرع

529
وتربط جاشا والكماة قلوبها * تزعزع خوفا من قنا تتزعزع
وأمنية المرتاد يحضرك الندى * فيشفع في ملء الملا فيشفع
فانطق فيه حامد وهو مفحم * وأفحم فيه حاسد وهو مصقع
وقال يرثي يحيى بن عمران القمي ويعزي ابنه الحسين بن يحيى من
قصيدة:
لا يتبع المن ما جادت يداه به * ولا تحكم في معروفه العلل
المشعل الحرب نارا وهي خامدة * والمستبيح حماها وهي تشتعل
بكل يوم وغى تصدى الكماة به * على يديه وتروي البيض والأسل
يغشى الوغى بالقنا و الخيل عابسة * بالخيل لا عاجز فيها ولا وكل
إذا الرجال رأوه وهو يفعل ما * أعياهم فعله قالوا كذا الرجل
ان ما يدل منك بالموت العدى فبما * دارت عليهم بلا موت بك الدول
أيام سيفك مشهور وبحرك * مسجور وقرنك مقصور له الطول
إذ لابس الذلة المقطوع ذو رحم * قطعته وإذ الموصول من تصل
فأي معتمد يزكو به عمل * وأي منتظر يحيا به امل
لكن حسين وأمثال الحسين إذا * ما الناس يوم حفاظ حصلوا قلل
تنبي المواقف عنه انه سند * ويخبر الروع عنه انه بطل
يعطي فيجزل أو يدعى فينزل أو * يؤتى لمحمل أعباء فيحتمل
وقال يرثي أخا له وفي الديوان انه لم يروه الصولي:
بار ان لي خل مقيم وصاحب * تهون الرزايا بعده والمصائب
محا فقده من صورة المجد رونقا * وردت على أعقابهن المطالب
ولو كان قدر المجد عندي بكاؤه * لكانت دما فيه الدموع السواكب
قصرت أراه باقيا وهو ميت * وكنت أراه شاهدا وهو غائب
أخ كان أدنى من يدي يد نصره * إذا بسطت كفا إلي النوائب
كلانا أصاب الموت إلا حشاشة * من الروح تحميها الأماني الكواذب
وقال يرثي جارية له:
ألم ترني خليت نفسي وشأنها * ولم أحفل الدنيا ولا حدثانها
لقد خوفتني النائبات صروفها * ولو أمنتني ما قبلت أمانها
وكيف على نار الليالي معرسي * إذا كان شيب العارضين دخانها
أصبت بخود سوف أغبر بعدها * حليف اسى أبكي زمانا زمانها
يقولون هل يبكي الفتى لخريدة * إذا ما أراد اعتاض عشرا مكانها
وهل يستعيض المرء من عشر كفه * ولو صاع من حر اللجين بنانها
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال القاضي أبو الفرج زكريا بن
المعافى كان بعض رؤساء الزمان أنشد الأبيات (لقد خوفتني) البيت
(يقولون هل يبكي) والذي بعده فاستحسنها جدا وقال ونحن بحضرته
جماعة أتعرفون لهذه الأبيات أو لا فقلت ان هذه كلمة لأبي تمام مشهورة أولها
(ألم ترني) البيت والذي بعده فاضطرب عند الانتهاء لهذا البيت وجعل
يردده ويتفانى فيه إلى أن حفظه وقال هذا الزمن كله سراب وعناء (اه‍).
التعازي
من أحسن ما قيل في التعزية قول أبي تمام يعزي مالك بن طوق عن
أخيه القاسم بن طوق.
تأمل رويدا هل تعدن سالما * إلى آدم أم هل تعد ابن سالم
متى ترع هذا الموت عينا بصيرة * تجد عادلا منه شبيها بظالم
فان تك مفجوعا بأبيض لم يكن * يشد على جدواه عقد التمائم
بفارس دعمي وهضبة وائل * وكوكب عتاب وجمرة هاشم
شجا الريح فازدادت حنينا لفقده * وأحدث شجوا في بكاء الحمائم
فمن قبله ما قد أصيب نبينا * أبو القاسم النور المبين بقاسم
وخبر قيس بالجلية في ابنه * فلم يتغير وجه قيس بن عاصم
وقال علي في التعازي لأشعث * وخاف عليه بعض تلك المآثم
أتصبر للبلوى عزاء وحسبة * فتؤجر أم تسلو سلو البهائم
وللطرفات يوم صفين لم يمت * خفاتا ولا حزنا عدي بن حاتم
خلقنا رجالا للتصبر والأسى * وتلك الغواني للبكا والمآتم
وهل من حكيم ضيع الصبر بعدما * رأى الحكماء الصبر ضربة لازم
ولم يحمدوا من عالم غير عامل * خلافا ولا من عامل غير عالم
فلا برحت تسطو ربيعة منكم * بأرقم عطاف وراء الأراقم
فأنت وصنواك الكريمان اخوة * خلقتم سعوطا للأنوف الرواغم
ثلاثة أركان وما انهد سؤدد * إذا ثبتت فيه ثلاث دعائم
وقال يعزي حوى بن عمرو بن نوح بن حوى بابنه من أبيات:
وأكثر حالات ابن آدم خلقه * يضل إذا فكرت في كونها الفكر
فيفرح بالشئ المعار بقاؤه * ويحزن لما صار وهو له ذخر
عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبس * فان ابنك المحمود بعد ابنك الصبر
وما أوحش الرحمن ساحة عبده * إذا عاشر الجلى ومونسه الأجر
الوصف والتشبيه
وصف المطر
قال من قصيدة يمدح بها ابن الزيات ويصف المطر:
ديمة سمحه القياد سكوب * مستغيث بها الثرى المكروب
لو سعت بقعة لاعظام نعمى * لسعى نحوها المكان الجديب
لذ شؤبوبها وطاب فلو تستطيع * قامت فعانقتها القلوب
فهي ماء يجري وماء يليه * وعزال (1) تنشأ وأخرى تذوب
كشف الروض رأسه واستسر * المحل منها كما استسر المريب
فإذا الري بعد محل وجرجان * لديها يبرين أو ملحوب (2)
وقال في وصف المطر أيضا من أبيات يعتذر بها إلى كاتبي ابن طاهر
من تأخره بالمطر.
منع الزيارة والوصال سحائب * شم الغوارب جأبة (3) الأكتاف
ظلمت بني الحاج (4) الملم وأنصفت * عرض البسيطة أيما انصاف
قامت بمنفعة الرياض وضرها * أهل المنازل ألسن الوصاف (5)
لما استقلت ثرة أخلاقها * ملمومة الارجاء والأكناف



(1) العزالي كصحاري وحبالي جمع عزلاء وهو مصب الماء من الرواية
(2) الري وجرجان من بلاد العجم ويبرين وملحوب موضعان ببلاد العرب قيل معناه ان الري
وجرجان صارا بدوام هذه الديمة صحاري كيبرين وملحوب فخربا وقيل معناه انهما صارا في
الخصب كيبرين وملحوب وأرى ان قوله بعد محل يؤيد القول الثاني.
(3) جأبة غليظة
(4) الحاج جمع حاجة
(5) السن الوصاف فاعل أتت يعني انها نفعت الرياض بسقيها إياها وضرت أهل المنازل بتشمت
منازلهم أو تهدمها فوصفت الألسن نفعها وضرها. - المؤلف -
530
شهدت لها الأنواء أجمع انها * من مزنة لكريمة الأطراف
ما ينقضي منها النتاح ببلدة * حتى تسر له لقاح كشاف (1)
كم أهدت الخضراء (2) في احمالها * للأرض من تحف ومن ألطاف
فكأنني بالروض قد أجلى لها * عن حلة من وشية أفواف
عن ثامر (3) ضاف ونبت قرارة * واف ونور (4) كالمراجل (5) خاف (6)
وكأنني بالظاعنين وطية (7) * يبكي لها الآلاف للآلاف
وكأنني بالشدقمية وسطه * خضر اللهى والوظف والاخفاف
ان الشتاء على شتامة وجهه * لهو المفيد طلاقة المصطاف
وقال في وصف المطر أيضا:
لم أر عيرا جمة الدئوب * تواصل التهجير بالتأويب
أبعد من أين ومن لغوب * نجائبا وليس من نجيب
منقادة لعارض غربيب * كالشيعة التفت على النقيب
آخذه بطاعة الجنوب * تكف غرب الزمن العصيب
محاءة للأزمة اللزوب * محو استلام الركن للذنوب
لما بدت للأرض من قريب * تشوفت لوبلها السكوب
تشوف المريض للطبيب * وطرب المحب للحبيب
وفرحة الأديب بالأديب * وخيمت صادقة الشؤبوب
فقام فيها الرعد كالخطيب * وحنت الريح حنين النيب
والشمس ذات شارق (حاجب) محجوب * قد غربت ما غروب
والأرض من ردائها القشيب * في زهر (زاهر) من نبتها رطيب
بعد اشهباب الثلج والضريب * كالكهل بعد السن والتحنيب (والتجريب)
تبدل الشباب بالمشيب * لذيذة الريق والصبيب
كأنها تهمي على القلوب
وقال في وصف المطر أيضا:
سارية وسمحة القياد * مسودة مبيضة الايادي
سهارة نوامة بالوادي * كثيرة التعريس بالوهاد
نزالة عند رضا العباد * قد جعلت للمحل بالمرصاد
سيقت ببرق ضارم الزناد * كأنه ضمائر الأغماد
ثم برعد صخب الإرعاد * يسلقها بالسن حداد
لما سرت في حاجة البلاد * ولحق الاعجاز بالهوادي
واختلط السواد بالسواد * أظفرت الثرى بمن تعادي
فرويت هاماته الصوادي * كم حملت لمقتر من زاد
هدية من صمد جواد * ليس بمولود ولا ولاد
وقال في وصف الغمامة:
سارية لم تكتحل بغمض * كدراء ذات هطلان محض
تمضي وتبقي نعما لا تمضي * قضت بها السماء حق الأرض
وصف الروض والمطر
قال من قصيدة:
ومعرس للغيث يخفق فوقه * رايات كل دجنة وطفاء
نشرت حدائقه فصرن مآلفا * بطرائف الأنواء والأنداء
فسقاه مسك الطل كافور الندى * وانحل فيه خيط كل سماء
غني الربيع بروضة فكأنما * اهدى اليه الوشي من صنعاء
صبحته بمدامة صبحتها * بسلافة الخلطاء والندماء
وقال من قصيدة في وصف الروض:
وفي روضة نبتية صبغت لنا * جداولها أنوارها صبغة الدهن
أراد أن الماء لشدة صفائه تنعكس صور الأزهار فيه فكأنه شئ قد
نقش بعدة نقوش مختلفة الألوان بصبغة الدهن التي هي أثبت الأصباغ.
وصف الربيع
بوركت من وقت ومن أوان * فالأرض نشوى من ثرى نشوان
تختال في مفوف الألوان * في زهر كالحدق الرواني
من فاقع وناصع وقان * عجبت من ذي فكرة يقظان
رأى جفون زهر الألوان * فشك ان كل شئ فان
وقال في وصف زمن الربيع:
يا صاحبي تقصيا نظريكما * تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا مشمسا قد شابه * زهر الربى فكأنما هو مقمر
دنيا معاش للورى حتى إذا * حل الربيع فإنما هي منظر
أضحت تصوع بطونها لظهورها * نورا تكاد له القلوب تنور
من كل زاهرة ترقرق بالندى * فكأنها عين إليك تحدر
تبدو يحجبها الجميم (8) كأنها * عذراء تبدو تارة وتخفر
حتى غدت وهداتها ونجادها * فئتين في حلل الربيع تبختر
من فاقع غض النبات كأنه * درر تشقق قبل ثم تزعفر
أو ساطع في حمرة فكأنما * يدنو اليه من الهواء معصفر
صبغ الذي لولا بدائع لطفه * ما عاد أصفر بعد إذ هو أخضر
وصف المصيف والشتاء والصحو والمطر
نزلت مقدمة المصيف حميدة * ويد الشتاء جديدة لا تكفر
لولا الذي غرس الشتاء بكفه * قاسى المصيف عشائما (9) لا تثمر
كم ليلة آسى البلاد بنفسه * فيها ويوم وبله مثعنجر
مطر يذوب الصحو منه وبعده * صحو يكاد من الغضارة يقطر
غيثان فالأنواء غيث ظاهر * لك وجهه والصحو غيث مضمر
وندى إذا دهنت به لمم الثرى * خلت السحاب اتاه وهو معذر
ما كانت الأيام تسلب بهجة * لو أن حسن الروض كان يعمر
أولا ترى الأشياء ان هي غيرت * سمجت وحسن الأرض حين تغير
وصف الموت
وفاجع موت لا عدوا يخافه * فيبقى ولا يلقى صديقا يجامله



(1) الكشاف ككتاب ان تلقح الناقة حين تنتج.
(2) الخضراء السماء.
(3) اثامر الذي خرج ثمره.
(4) النور بفتح النون الزهر.
(5) المراجل جمع مرجل كمنبر وهو القدر شبهه به في هيأة تدوره.
(6) لم يظهر بعد من الأكمام.
(7) الطيبة الحاجة.
(8) الجميم ما تكائف من النبات
(9) يابسة. - المؤلف -
531
وصف مصلوب
قال في وصف صلب بابك الخرمي من أبيات مرت في أخباره مع
المعتصم:
لا كعب أسفل موضعا من كعبه * مع أنه عن كل كعب عالي
سام كأن العز يجذب ضبعه * وسموه من ذلك وسفال
متفرع أبدا وليس بفارع * من لا سبيل له إلى الأشغال
وقال في وصف صلب بابك والافشين وحرقه ومازيار وباطس من
قصيدة مرت في أخباره مع المعتصم أيضا فقال في الأفشين:
نارا يساور جسمه من حرها * لهب كما عصفرت نصف (شق) ازار
شبه تأثير النار في بعض جسم الافشين وهو مصلوب بثوب صبغ
نصفه بالعصفر.
رمقوا أعالي جذعه فكأنما * وجدوا الهلال عشية الافطار
ولقد شفى الأحشاء من برحائها * ان صار بابك جار مازيار
وكأنما ابتدرا لكيما يطويا * عن باطس خبرا من الاخبار
سود اللباس كأنما نسجت لهم * أيدي السموم مدارعا من قار
بكروا اواسر لفي متون ضوامر * قيدت لهم من مربط النجار
لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الاسفار
الوصف بالقلة
قال من أبيات:
وهي نزر لو أنها من دموع الصب لم تشف منه حر الغليل
وكأن الأنامل اعتصرتها * بعد كد من ماء وجه البخيل
وقال:
نزر كما استكرهت عائر نفحة * من فأرة المسك التي لم تفتق
تطاير النبل
وإذا القسي العوج طارت نبلها * سوم الجراد يشيح حين يطار
وقال يصف فرسا حمله عليه الحسن بن وهب من قصيدة تقدم بعضها
في أخباره معه:
تغرى العيون به فيغرى شاعر * في نعته وصفا وليس بمفلق
بمصعد من نعته ومصوب * ومجمع من حسنه ومفرق
صلتان يبسط ان عدا أو إن ردى * في الأرض باعا منه ليس بضيق
مسود شطر مثل ما اسود الدجى * مبيض شطر كابياض المهرق
قد سالت الأوضاح سيل قرارة * فيه فمفترق عليه وملتقي
صافي الأديم كأنما ألبسته * من سندس بردا ومن إستبرق
امليسه املوده لو علقت * في صهوتيه العين لم تتعلق
في مطلب أو مهرب أو رغبة * أو رهبة أو موكب أو فيلق
امطاكه الحسن بن وهب أنه * داني ثرى اليد من رجاء المملق
وصف كتاب
قال يصف كتابا كتبه اليه الحسن بن وهب من قصيدة:
لقد جلى كتابك كل بث * جو وأصاب شاكلة الرمي
فضضت ختامه فتبلجت لي * غرائبه عن الخبر الجلي
وكان أغض في عيني وأندى * على كبدي من الزهر الجني
وأحسن موقعا مني وعندي * من البشرى أتت بعد النعي
وضمن صدره ما لم تضمن * صدور الغانيات من الحلي
فكائن فيه من معنى خطير * وكائن فيه من لفظ بهي
بيان لم ترثه ثرات دعوى * ولم تنبطه من حسي بكي
وصف القلم
في أمالي المرتضى أجمع العلماء أن هذه الأبيات أحسن وأفخم من
جميع ما قيل في القلم.
لك القلم الاعلى الذي بشباته * تصاب من الامر الكلي والمفاصل
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه * وأري الجنا اشتارته أيد عواسل
له ريقة طل ولكن وقعها * بآثاره في الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب * واعجم ان خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت * عليه شعاب الفكر وهي حوافل
اطاعته أطراف القنا وتقوضت * لنجواه تقويض الخيام الجحافل
إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت * أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقد رفدته الخنصران وسددت * ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلا شأنه وهو مرهف * ضني وسمينا خطبه وهو ناحل
وصف النجوم وسواد الليل
قال من قصيدة:
كأن نجوم الليل في أخرياته * عيون له نادى بتغميضها الفجر
كان سواد الليل ثم اخضراره * طيالسة سود لها كفف خضر
وصف خلعة
وقال في وصف خلعة كساه إياها محمد بن الهيثم بن شبابة:
قد كسانا من كسوة الصيف خرق * مكتس من مكارم ومساع
حلة سابرية ورداء * كسحى القيض أو رداء الشجاع (1)
كالسراب الرقراق في النعت إلا * انه ليس مثله في الخداع
قصبيا تسترجف الريح متنيه * بأمر من الرياح مطاع
رجفانا كأنه الدهر منه * كبد الضب أو حشى المرتاع
يطرد اليوم ذا الجهير ولو * شبه في حره بيوم الوداع
وصف الفرو والبرد
قال من قصيدة يمدح بها علي بن مر ويستهديه فروا:
وأيامنا خزر العيون عوابس * إذ لم يحصها (2) الحازم المتلبب
ولا بد من فرو إذا اجتابه (3) امرؤ * غدا وهو سام في الصنابر (4) أغلب
تظل البلاد ترتمي بضريبها (5) * وتشمل (6) من أقطارها وهو يجنب (7)



(1) السحى هو القشر الرقيق الذي تحت قشر البيض الاعلى اليابس ويسمى غرقئ البيض وبه
تشبه الثياب الرقاق وأصل السحى القشر يقال سحى الأرض أي قشرها ومنه سميت
المسحاة التي يقشر بها الأرض (والقيض) القشرة العليا اليابسة على البيضة (والشجاع)
الحية ورداؤه قشره.
(2) في القاموس الاحتياص الحزم والتحفظ.
(3) لبسه. (4) صنابر الشتاء شدة برده. - المؤلف -
(5) الضريب الثلج.
(6) تشمل تهب فيها ريح الشمال الباردة.
(7) يكون في حرارة ريح الجنوب.
532
إذا البدن المقرور (1) ألبسه غدا * له راشح من تحته يتصبب (2)
إذا عد ذنبا ثقله منكب امرئ * يقول الحشى احسانه حين يذنب
اثيث إذا استعتبت مصقعة به * تملأت علما أنها سوف تعتب
إذا ما أساءت بالثياب فقوله * لها كلما لاقته أهل ومرحب
إذا اليوم أمسى وهو عضبان لم يكن * طويل مبالاة به حين يغضب
فهل أنت مهديه بمثل شكيره (3) * من الشكر يعلو مصعدا ويصوب
له زئبر (4) يحمي من الذم كلما * تجلببه في محفل متجلبب
فأنت العليم الطب أي وصية * بها كان أوصى في الثياب المهلب (5)
ومن تشبيهاته البديعة قوله وقد سمع مغنية تغني بالفارسية فاستحسن
الصوت ولم يفهم المعنى.
فبت كأنني أعمى معنى * يحب الغانيات وما يراها
تشبيهه الأثافي والنؤي
أثاف كالخدود لطمن حزنا * ونؤي مثلما انفصم السوار
وفي أمالي المرتضى من مستحسن ما وصف به النؤي قول أبي تمام:
والنؤي أهمد شطره فكأنه * تحت الحوادث حاجب مقرون
وصف شعره
قال:
وما هو إلا القول يسري فيغتدي * له غرر في أوجه ومواسم
يرى حكمة ما فيه وهو فكاهة * ويقضي (ويرضى) بما يقضي به وهو ظالم
وقال:
وجديدة المعنى إذا معنى التي * تشقى بها الاسماع كان لبيسا
كالنجم ان سافرت كان موازيا * وإذا حططت الرحل كان جليسا
وقال:
وسيارة في الأرض ليس بنازح * على وخدها حزن سحيق ولا سهب
تذر ذرور الشمس في كل بلدة * وتمسي جموحا ما يرد لها غرب
إذا أنشدت في القوم ظلت كأنها * مسرة كبر أو تداخلها عجب
مفصلة باللؤلؤ المنتقى لها * من الشعر الا انه اللؤلؤ الرطب
وقال:
يا خاطبا مدحي اليه بجوده * ولقد خطبت قليلة الخطاب
خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى * والليل أسود رقعة الجلباب
بكرا تورث في الحياة وتنثني * في السلم وهي كثيرة الاسلاب
ويزيدها مر الليالي جدة * وتقادم الأيام حسن شباب
وقال:
احفظ وسائل شعري فيك ما ذهبت * خواطف البرق الا دون ما ذهبا
يغدون مغتربات في البلاد فما * يزلن يؤنسن في الآفاق مغتربا
وقال:
فلنلقينك حيث كنت قصائد * فيها لأهل المكرمات مآرب
فكأنما هي في السماع جنادل * وكأنما هي في القلوب كواكب
وغرائب تأتيك إلا انها * لصنيعك الحسن الجميل أقارب
نعم إذا رعيت بشكر لم تزل * نعما وان لم ترع فهي مصائب
وقال:
من بزة المدح الذي مشهوره * متمكن في كل قلب قلب
نوار أهل المشرق الغض الذي * يجنونه ريحان أهل المغرب
وقال:
خذها مغربة في الأرض آنسة * بكل فهم غريب حين تغترب
من كل قافية فيها إذا اجتنيت * من كل ما يشتهيه المدنف الوصب
الجد والهزل في توشيع لحمتها * والنبل والسخف والأشجان والطرب
لا يستقي من حفير الكتب رونقها * ولم تزل تستقي من بحرها الكتب
حسيبة في صميم المدح منصبها * إذ أكثر الشعر ملقى ما له حسب
وقال:
إليك أثرت من تحت التراقي * قوافي تستدر بلا عصاب
هي القرطات في الآذان تبقى * بقاء الوحي في الصم الصلاب
عراض الجاه تجزع كل واد * مكرمة وتفتح كل باب
مضمنة كلال الركب تغني * غناء الزاد عنهم والركاب
إذا عارضتها في يوم فخر * مسحت خدود سابقة عراب
وقال:
خذها فما نالها بنقص * موت جرير ولا البعيث
وقال:
ان القوافي والمساعي لم تزل * مثل الجمان إذا أصاب فريدا
هي جوهر نثر فان ألفته * بالشعر صار قلائدا وعقودا
فان القصائد لم نكن خفراءها * لم ترض منها مشهدا مشهودا
من اجل ذلك كانت العرب الأولى * يدعون هذا سؤددا محدودا
وتند عندهم العلى الا على * جعلت لها مرر القصيد قيودا
وقال:
سل مخبرات الشعر عني هل بلت * في قدح نار المجد مثل زنادي
لم تبق حلبة منطق إلا وقد * سبقت سوابقها إليك جيادي
أبقين في أعناق جودك جوهرا * أبقى من الأطواق في الأجياد
وقال:
ولأشهرن عليك شنع أوابد * يحسبن أسيافا وهن قصائد
فيها لأعناق اللئام جوامع * تبقى وأعناق الكرام قلائد
وقال:
إليك بعثت ابكار المعاني * يليها سائق عجل وحاد
شداد الأسر سالمة النواحي * من الاقواء فيها والسناد
يذللها بذكرك قرن فكر * إذا حرنت فتسلس في القياد
منزهة عن السرق الموري * مكرمة عن المعنى المعاد
وقال:
خذها مهذبة القوافي ربها * لسوابغ النعماء غير كنود
حذاء تملأ كل أذن حكمة * وبلاغة وتدر كل وريد (6)



(1) الذي أصابه القر وهو البرد.
(2) أراد به العرق.
(3) الزئير ما يظهر من درز الثوب. (5) مر تفسيره. - المؤلف -
(6) الحذاء السريعة الخفيفة كناية عن اشتهارها وتناقل الرواة لها وفي القاموس الحذاء القصيدة
السائرة التي لا عيب فيها (وتدر كل وريد) أتتي نقتل الحساد بسماعهم لها أو تنتفخ أوداجهم
حنقا وغيظا. - المؤلف -
533
كالطعنة النجلاء من يد ثائر * بأخيه أو كالضربة الأخدود
كالدر والمرجان ألف نظمه * بالشذر في جيد الفتاة الرود
كشقيقة البرد المنمنم وشيه * في أرض مهرة أو بلاد تزيد (1)
يعطى بها البشرى الكريم ويحتبى * بردائها في المحفل المشهود
بشرى الغني أبي البنات تتابعت * بشراؤه (2) بالفارس المولود
كرقى الأساود والأراقم طالما * نزعت حماة سخائم وحقود (3)
وقال:
نظمت له عقدا من المدح تنضب * البحور وما داناه من حليها عقد
تسير منسير الريح مطرفاتها * وما السير منها لا العنيق ولا الوخد
تروح وتغدو بل يراح ويغتدى * بها وهي حيرى لا تروح ولا تغدو
تقطع آفاق البلاد سوابقا * وما ابتل منها لا عذار ولا خد
غرائب ما تنفك فيها لبانة * لمرتجز يحدو ومرتجل يشدو
إذا حضرت ساح الملوك تقيلت * عقائل حسن غير ملموسة ملد
أهين لها ما في البدور وأكرمت * لديهم قوافيها كما يكرم الوفد
وقال:
سأجهد حتى أبلغ الشعر شأوه * وان كان لي طوعا ولست بجاهد
بسياحة تنساق من غير سائق * وتنقاد في الآفاق من غير قائد
جلامد تخطوها الليالي وان بدت * لها موضحات في متون الجلامد
إذا شردت سلت سخيمة شانئ * وردت غروبا من قلوب شوارد
أفادت صديقا من عدو وصيرت * أقارب دنيا من رجال أباعد
مخيمة ما ان تزال ترى لها * إلى كل أفق وافدا غير وافد
ومحلفة لما ترد أذن سامع * فتصدر إلا عن يمين وشاهد
وقال:
لا زلت من شكري في حلة * لابسها ذو سلب فاخر
يقول من تقرع أسماعه * كم ترك الأول للآخر
وقال:
نشر يسير به شعر يهذبه * فكر يجول مجال الروح في الجسد
ساعات شكر غذاهن البقاء به * فهن أطول أعمارا من الأبد
إذا دجاها أحاطت بي أحطت بها * قلبا متى أسر في مصباحه يقد
وقال:
وما المال أحمى عنك من نصل مدحة * لها بين أبواب الملوك معسكر
نحل بقاع المجد حتى كأنها * على كل رأس من يد المدح مغفر
لها بين أبواب الملوك مزامر * من الذكر لم تنفخ ولا هي تزمر
إذا أزور عنها الوغد أصغى بسمعه * إليها امرؤ عنه المكارم تنشر
إليك بها عذراء زفت كأنها * عروس عليها حليها يتكسر
وقال:
تلك القوافي قد أتينك نزعا * تتجشم التهجير والتغليسا
من كل شاردة تغادر بعدها * حظ الرجال من القريض خسيسا
تلهو بعاجل حسنها وتعدها * علقا لأعجاز الزمان نفيسا
وجديدة المعنى إذا معنى التي * تشقى بها الاسماع كان لبيسا
من دوحة الكلم التي لم ينفكك * وفقا عليك رصينها محبوسا
كالنجم ان سافرت كان موازنا * وإذا حططت الرحل كان جليسا
وقال:
كل يوم نوع يقفيه نوع * وعروض يتلوه فيك عروض
وقواف قد ضج من طول ما * استعمل فيها المرفوع والمخفوض
المديح الجزيل والشكر والصدق * ومر العتاب والتحريض
وقال:
كما علم المستشعرون بأنهم * بطاء عن الشعر الذي أنا قارض
كأني دينار ينادي ألا فتى * يبارز إذ ناديت من ذا يقارض
فلا تنكروا ذل القوافي فقد رأى * محرمها اني له الدهر رائض
وقال:
كم معان وشيتها فيك بالمدح * فأضحت ضرائرا للرياض
بقواف هن البواقي على الدهر * ولكن أثمانهن مواض
وقد صدق أبو تمام في أن شعره بقي مع بقاء الدهر وأثمانه مضت
وقال:
فكم شاعر قد رامني فقذعته * بشعري فولى وهو حزيان ضارع
كشفت قناع الشعر عن حر وجهه * فطيرته عن وكره وهو واقع
بغر يراها من يراها بسمعه * ويدنو إليها ذو الحجى وهو شاسع
يود ودادا أن أعضاء جسمه * إذا أنشدت شوقا إليها مسامع
وقوله فيمن خلع عليه خلعة:
فالبس بها مثلها لمثلك من * فضفاض ثوب القريض متسعه
صعب القوافي الا لغارسه * أبي نسج العروض ممتنعه
وقال:
فدونكها لولا ليان نسيبها * لظلت صلاب الصخر منها تصدع
لها أخوات قبلها قد سمعتها * وان لم ترع بي مدتي فستسمع
وقال:
لقد لبست أمير المؤمنين بها * حليا نظاماه بيت سار أو مثل
غريبة تؤنس الآداب وحشتها * فما تحل على قوم فترتحل
وقال:
ووالله لا أنفك أهدي شواردا * إليك يحملن الثناء المنخلا
تخال به بردا عليك محبرا * وتحسبها عقدا عليك مفصلا
ألذ من السلوى وأطيب نفحة * من المسك مفتوتا وأيسر محملا
أخف على روح وأثقل قيمة * وأقصر في جمع الجليس وأطولا
ويزهى بها قوم ولم يمدحوا بها * إذا مثل الراوي بها أو تمثلا
وقال:
فأين قصائد لي فيك تأبى * وتأنف أن أهان وان أذالا
من السحر الحلال لمجتنيه * ولم أرقب لها سحرا حلالا
وقال:
منحكتها تشفي الجوى وهو لاعج * وتبعث أشجان الفتى وهو ذاهل



(1) شقيقة البرادي القطعة المشقوقة منه (ومهرة) قبيلة باليمن (وتزيد) أيضا قبيلة باليمن من
قضاعة واليهم تنسب البرود التزيديات
(2) البسراء جمع بشير.
(3) الحماة جمع حمة وهي ما يلدغ به العقرب (والسخائم) الضغائن - المؤلف -
534
ترد قوافيها إذا هي أرسلت * هوامل مجد القوم وهي هوامل
فكيف إذا حليتها بحليها * تكون وهذا حسنها وهي عاطل
وقال:
ان القصائد يممتك شواردا * فتحرمت بنداك قبل تحرم
زهراء أحلى في النفوس من المنى * وألذ من ريق الأحبة في الفم
وقال:
من كل بيت يكاد الميت يفهمه * حسنا ويحسده القرطاس والقلم
ما لي وما لك شبه حين انشده * الا زهير وقد أصغى له هرم
بكل سالكة للفكر مالكة * كأنه مستهام أو به لمم
وقال:
جاءتك من نظم اللسان قلادة * سمطان فيها اللؤلؤ المكنون
حذيت حذاء الحضرمية أرهفت * وأجابها التخصير والتلسين
انسية وحشية كثرت بها * حركات أهل الأرض وهي سكون
ينبوعها خضل وحلي قريضها * حلي الهدى ونسيجها موضون
أما المعاني فهي أبكار إذا * نصت ولكن القوافي عون
أحذاكها صنع الضمير يمده * جفر إذا نصب الكلام معين
ويسئ بالاحسان ظنا لا كمن * هو بابنه وبشعره مفتون
وقال:
جنى لي فيك من ثمرات مدحي * لسان الشكر أبياتا جنيه
وقد أهديتها لك وهي عندي * على الأيام من أزكى هديه
وقال:
أنا من كساك محبة لا حلة * حبر القصائد فوفت تفويفا
متنخل حلاك نظم بدائع * صارت لآذان الملوك شنوفا
وقال في وصف القصائد:
ناعمات الأطراف لو أنها * تلبس أغنت عن الملاء الرقاق
وعذاب لو أنها طعمت زادت * على الشهد بسطة في المذاق
جدد كلما غدا يوم فخر * بعضهم في أخلاقه الأخلاق
وقال يصف نفسه بالشعر:
من شاعر وقف الكلام ببابه * واكتن في كنفي ذراه المنطق
قد ثقفت منه الشآم وسهلت * منه الحجاز ورققته المشرق
المواعظ والآداب والحكم
حكمت لأنفسها الليالي أنها * أبدا تفرقنا ولا تتفرق
عمري لقد نصح الزمان وانه * لمن العجائب ناصح لا يشفق
ان تلغ موعظة الليالي بعدما * وضحت فكم من جوهر لا ينفق
ان العزاء وان فتى حرم الغنى * رزق جزيل لامرئ لا يرزق
همم الفتى في الأرض أغصان المنى * غرست وليست كل حين تورق
وقال: ما غبن المغبون مثل عقله * من لك يوما بأخيك كله
وقال: ان المنون إذا استمر مريرها * كانت لها جنن الأنام مقاتلا
ما ان ترى شيئا لشئ محييا * حتى تلاقيه لآخر قاتلا
من ذاك أجهد أن أراه فلا أرى * حقا سوى الدنيا يسمى باطلا
وقال:
ينال الفتى من عيشه (دهره) وهو جاهل * ويكدي الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الاقسام تجري على الحجى * هلكن إذا من جهلهن البهائم
فلم يجتمع شرق وغرب لقاصد * ولا المجد في كف امرئ والدراهم
ولم أر كالمعروف تدعى حقوقه * مغارم في الأقوام وهي مغانم
وليس ببان للعلى خلق امرئ * وان جل الا وهو للمال هادم
وقال:
ومن لم يسلم للنوائب أصبحت * خلائقه طرا عليه نوائبا
وقد يكهم السيف المسمى منية * وقد يرجع السهم المظفر خائبا
فافة ذا أن لا يصادف راميا * وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا
وقال:
ألا ترى كيف يبلينا الجديدان * ونحن نلعب في سر واعلان
لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها * فان أوطانها ليست بأوطان
وامهد لنفسك من قبل الممات ولا * يغررك كثرة أصحاب واخوان
ولكنه تخلص من هذا الوعظ إلى هجو معدان بأقبح هجو صنا كتابنا
عن ذكره. وقال:
حشم الصديق عيونهم بحاثة * لصديقه عن صدقه ونفاقه
فلينتظرن المرء من غلمانه * فهم دلائله على أخلاقه
وقال:
ما آب من آب لم يظفر بحاجته * ولم يغب طالب بالنجح لم يخب
وقال:
إذا جاريت في خلق دنيا * فأنت ومن تجاريه سواء
رأيت الحر يجتنب المخازي * ويحميه عن الغدر الوفاء
وما من شدة إلا سيأتي * لها من بعد شدتها رخاء
لقد جربت هذا الدهر حتى * أفادتني التجارب والعناء
إذا ما رأس أهل البيت ولى * بدا لهم من الناس الجفاء
يعيش المرء ما استحيا بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخش عاقبة الليالي * ولم تستحي فاصنع ما تشاء
لئيم الفعل من قوم كرام * له من بينهم أبدا عواء
وقال كما في تاريخ ابن عساكر ولم أجده في الديوان.
ان الليالي لم تحسن إلى أحد * إلا أساءت اليه بعد إحسان
العيش حلو ولكن لا بقاء له * جميع ما الناس فيه ذاهب فان
وقال:
فقسا لتزدجروا ومن يك حازما * فليقس أحيانا على من يرحم
وقال:
فلقبل أظهر صقل سيف اثره * فبدا وهذبت القلوب همومها
والحادثات وان أصابك بؤسها * فهو الذي أنباك كيف نعيمها
شروط الصديق
من لي بانسان إذا أغضبته * وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا طربت إلى المدام شربت من * أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغى للحديث بقلبه * وبسمعه ولعله أدرى به

535
الصبر
ما عوض الصبر امرؤ إلا رأى * ما فاته دون الذي قد عوضا
وقال: اصبري أيتها النفس * فان الصبر أحجى
نهنهي الحزن فان الحزن * إن لم ينه جا
والبسي الياس من الناس * فان اليأس ملجا
ربما خاب رجاء * وأتى ما ليس يرجى
وقال ومر قسم منها في الأمثال:
ما يحسم العقل والدنيا تساس به * ما يحسم الصبر في الاحداث والنوب
الصبر كأس وبطن الكف عارية * والعقل عار إذا لم يكس بالنشب
ما أضيع العقل إن لم يرع ضيعته * وفر وأي رحى دارت بلا قطب
القناعة وترك الحرص
لا تطلبن الرزق بعد شماسه * فترومه سبعا إذا ما غيضا (1)
ومر في الأمثال عدة أبيات في القناعة:
المودة
لا خير في قربى بغير مودة * ولرب منتفع بود أباعد
وإذا القرابة أقبلت بمودة * فاشدد لها كف القبول بساعد
الغيرة على العلم
أورد له ابن عساكر في تاريخ دمشق قوله:
وما أنا بالغيران من دون عرسه * إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم
طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجة * ومذهب همي والمفرج للغم
الملح والنوادر
أنا ثاو بحمص في كل ضرب * من ضروب الاكبار والافخام
كل فدم أخاف حين أراه * مقبلا ان يشجني بالسلام
رافعا كفه لبري فما * أحسبه جاءني لغير اللطام
وقال يهجو رجلا عظيم اللحية:
خلق الله لحية لك لو * تحلق لم يدر ما غلاء المسوح
الاستشهاد ببيت من شعر غيره
قال في ختام قصيدة في مدح المعتصم:
لقد لبست أمير المؤمنين بها * حليا نظاماه بيت سار أو مثل
(غريبة تؤنس الآداب وحشتها * فما تحل على قوم فترتحل)
وقال في ختام قصيدة يمدح بها الحسن بن وهب:
ما انس لا انس قولا قاله رجل * غضضت في عقبه طرفي وأجفاني
(نل الثريا أو الشعرى فليس فتى * لم يغن خمسين انسانا بانسان)
وقال في ختام قصيدة يعزي بها عبد الله بن طاهر عن ولديه:
شمخت خلالك أن يؤسيك امرؤ * أو أن تذكر ناسيا أو غافلا
ألا مواعظ قادها لك سمحة * أسجاح لبك سامعا أو قائلا
(هل تكلف الأيدي بهز مهند * الا إذا كان الحسام الفاصلا)
بعض ما روي من طريقه
المفاضلة بين الكلام والصمت
في أخبار أبي تمام للصولي: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي: حدثنا أحمد
بن أبي طاهر حدثني أبو تمام حدثني أبو عبد الرحمن الأموي قال ذكر
الكلام في مجلس سليمان بن عبد الملك فذمه أهل المجلس فقال سليمان كلا
ان من تكلم فأحسن قدر على أن يسكت فيحسن وليس كل من سكت
فأحسن قدر على أن يتكلم فيحسن (اه‍) ورواه الخطيب في تاريخ بغداد
أسنده عن أحمد بن أبي طاهر عن أبي تمام مثله. وفي أخبار أبي تمام بالاسناد
المتقدم عن أبي تمام قال تذاكرنا (تذوكر) الكلام في مجلس سعيد بن عبد
العزيز التنوخي وحسنه والصمت ونبله فقال ليس النجم كالقمر انك انما
تمدح السكوت بالكلام ولن تمدح الكلام بالسكوت وما نبأ (أنبا) عن شئ
فهو أكبر منه (اه‍) وحكاه الخطيب في تاريخ بغداد عن حبيب مثله وفي
أخبار أبي تمام بالاسناد المتقدم عن أبي تمام عن أبي عبد الرحمن الأموي قال
تكلم رجل عند هشام فأحسن فقال هشام ان أحسن الحديث ما أحدث
بالقلوب عهدا وبهذا الاسناد عن حبيب بن أوس عن عمرو بن هاشم
السروي قال تحدثنا عند محمد بن عمرو الأوزاعي - والأوزاع من حمير -
ومعنا اعرابي من بني عليم بن جناب لا يتكلم فقلنا له بحق ما سميتم
خرس العرب. ألا تحدث القوم فقال: ان الحظ للمرء في أذنه وان الحظ
في لسانه لغيره فقال الأوزاعي وأبيه لقد أحسن.
وبهذا الاسناد عن أبي تمام قال رجل لرجل ما أحسن حديثك فقال له
انما حسنه حسن جوار سمعك.
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن يحيى بن إسماعيل الأموي حدثني
إسماعيل بن عبد الله قال قال جدي الصمت منام العقل والنطق يقظته ولا
منام إلا بيقظة ولا يقظة إلا بمنام.
خبر الطرماح
في أخبار أبي تمام للصولي حدثنا الحسن بن عليل العنزي حدثني أبو
بكر محمد بن إبراهيم بن عتاب حدثني أبو تمام الطائي قال مر الطرماح
بمسجد البصرة وهو يخطر في مشيته فقال رجل من هذا الخطار فقال أنا الذي
أقول:
لقد زادني حبا لنفسي أنني * بغيض إلى كل امرئ غير طائل
إذا ما رآني قطع الطرف دونه * ودوني فعل العارف المتجاهل
ملأت عليه الأرض حتى كأنها * من الضيق في عينيه كفة حابل
الكذب
في أخبار أبي تمام للصولي: حدثني أحمد بن يزيد المهلبي: حدثني أبو
الفضل أحمد بن أبي طاهر حدثني أبو تمام حبيب بن أوس الطائي: حدثنا
العطاف بن هارون عن يحيى بن حمزة قاضي دمشق وكان فيمن تولى قتل
الوليد بن يزيد قال إني لفي مجلس يزيد بن الوليد الناقص إذ حدثه رجل
فكذبه فعلم يزيد انه قد كذبه فقال له يا هذا إنك تكذب نفسك قبل أن
تكذب جليسك فما زلنا نعرف ذلك الرجل بعد ذلك بالتوقي.



(1) غيض السبع الف الغيضة. - المؤلف -
536
نصرة الصدق قد تقضي إلى الكذب
وبهذا الاسناد إلى أبي تمام حدثني شيخ من الحي قال كان فينا رجل
شريف فأتلف ماله في الجود فصار بعد لا يفي فقيل له أصرت كذابا فقال
نصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب قال الصولي فنقل هذا ابن أبي طاهر
شعرا له فقال:
قد كنت انجز دهرا ما وعدت إلى * أن أتلف الدهر ما جمعت من نشب
فان أكن صرت في وعدي أخا كذب * فنصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب
العي
وبهذا الاسناد عن أبي تمام حدثني أبو عبد الرحمن الأموي قال وصف
ابن لسان الحمرة - وهو ربيعة بن حصن من بني تيم اللات ابن ثعلبة - قوما
بالعي فقال منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه ومنهم من لا يبلغ
كلامه أذن جليسه ومنهم من يقتسر الآذان فيحملها إلى الأذهان عب ء ثقيلا.
الهذر
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن كرامة: تكلم رجل في مجلس
الهيثم بن صالح فهذر ولم يصب فقال يا هذا بكلام أمثالك رزق الصمت
المحبة.
فضل الدرع
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن رجل من كلب قال كنت مع يزيد بن
حاتم بإفريقية فاعترض دروعا وبالغ فيها وكانت جيادا فقيل له في ذلك
فقال انما أشتري اعمارا لا دروعا.
العطاء كتائب لا مقانب
وبهذا الاسناد عن أبي تمام قال كان يزيد بن الحصين بن تميم السكوني
لا يعطي فإذا أعطى اعطى كثيرا ويقول أحب أن تكون مواهبي كتائب كتائب
ولا أحب أن تكون مقانب مقانب.
النعمة
وبهذا الاسناد عن أبي تمام قال حدثني كرامة قال قدم رجل من ولد
معدان بن عبيد المعني من عند البرامكة فقلنا له كيف تركتهم فقال:
تركتهم وقد أنست بهم النعمة حتى كأنها بعضهم قال أبو تمام قال كرامة
فحدثت بهذا ثعلبة بن الضحاك العاملي فقال لقد سمعت من بعض
اعرابكم نحوا من هذا قدم علينا غسان بن عبد الله بن خيبري في عنفوان
خلافة هشام فرأى آل خالد القسري فقال إني أرى النعمة قد لصقت بهؤلاء
القوم حتى كأنها من ثيابهم. قلت فان صاحب هذا الكلام ابن عم صاحب
هذا الحديث فيما أرى أما ترى كلامه ابن عم كلامه.
زوال النعمة
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن سلامة بن جابر النهدي: سمعت
اعرابيا يصف قوما لبسوا النعمة ثم عروا منها فقال ما كانت نعمة آل فلان
الا طيفا ولى مع انتباههم.
انصاف العدو عدوه
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن سلامة بن جابر: سأل هشام أسد بن
عبد الله القسري عن نصر بن سيار وكان عدوه فقال ذلك رجل محاسنه أكثر
من مساوئه لا يضرب طبقة الا انتصف منها. لا يأتي امرا يعتذر منه. قسم
أخلاقه بين أيام الفضل فجعل لكل خلق نوبة لا يدري اي أحواله أحسن
ما هداه اليه عقله أو ما كسبه إياه أدبه فقال هشام لقد مدحته على سوء
رأيك فيه فقال نعم لأني فيما يسألني أمير المؤمنين عنه كما قال الشاعر:
كفى ثمنا لما أسديت اني * صدقتك في الصديق وفي عدايا
واني حيث تندبني لأمر * يكون هواك أغلب من هوايا
قال ذلك الظن بك.
كثرة الشك من المحاماة عن اليقين
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن محمد بن خالد الشيباني: قال رجل
يوما لدقبة بن مصقلة العبدي من أي شئ كثرة شكك قال من محاماتي عن
اليقين.
الاقدام
وبهذا الاسناد عن حبيب بن أوس الطائي عن قلابة الجرمي قال
يزيد بن المهلب يوما لجلسائه أراكم تعنفوني في الاقدام قالوا نعم والله انك
لترمي بنفسك في المهالك فقال إليكم عني فوالله لو لم آت الموت مسترسلا
لأتاني مستعجلا إني لست آتي الموت من حبه انما آتيه من بغضه وقد أحسن
الحصين بن الحمام المري حيث يقول:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد * حياة لنفسي مثل ان أتقدما
السيوف مأمورة
وبهذا الاسناد عن أبي تمام قال رجل من بني عمرو بن تميم يزعم
الناس أن السيوف مأمورة تقطع وتكهم والله ما رأيت يزيد بن المهلب قط قنبا
سيفه ثابت قطنة والله لو لم تكن السيوف مأمورة لصيرتها يد يزيد مأمورة.
من رثى ولده
وبهذا الاسناد عن أبي تمام عن مالك بن دلهم عن الكلبي قال مات ابن
لأرطاة بن سهية المري يقال له عمرو وسهية أم أرطاة وأبوه زفر أحد بني مرة
في زمن معاوية فجزع عليه حتى ذهب عقله أو قارب فوقف على قبره
فقال:
وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن * وقوفي عليه غير مبكى ومجزع
عن الدهر فاصفح انه غير معتب * وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
هل أنت ابن سلمى ان نظرتك رائح * مع القوم أو غاد غداة غد معي
الحديث المسلسل بالشعراء
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: أخبرنا أبو الحسين الموفدة أنبأنا
القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم بن نصر النسفي أنبأنا عبد الحي بن
عبد الله بن موسى الجوهري الشاعر ببجارى أنبأنا أبي أبو الحسن الشاعر
حدثنا أبو علي المفضل بن المفضل الشاعر أنبأنا خالد بن يزيد الشاعر (1)
حدثني أبو تمام حبيب بن أوس الشاعر حدثني صهيب بن أبي الصهبان (2)
الشاعر حدثني الفرزدق همام بن غالب الشاعر حدثني عبد الرحمن بن
حسان بن ثابت الشاعر حدثني أبي حسان بن ثابت الشاعر قال قال لي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باحسان اهجهم وجبريل معك وقال لي ان من الشعر حكمة



(1) مر في تلاميذه انه خالد بن شريد.
(2) مر انه ابن أبي الصهباء. - المؤلف -
537
وقال لي إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت بالكلام (اه‍) قال
وأخرجه الخطيب البغدادي عن أبي تمام بالسند السابق (اه‍) (أقول) لم
أجده في تاريخ بغداد للخطيب.
مراثيه
في مروج الذهب رثاه الشعراء بعد وفاته والأدباء من اخوانه وفي
أخبار أبي تمام للصولي قال علي بن الجهم يرثيه:
غاضت بدائع فطنة الأوهام * وعدت عليها نكبة الأيام
وغدا القريض ضئيل شخص باكيا * يشكو رزيته إلى الأقلام
وتأوهت غرر القوافي بعده * ورمى الزمان صحيحها بسقام
اودى مثقفها ورائض صعبها * وغدير روضتها أبو تمام
وقال الحسن بن وهب يرثيه ببيتين رواهما الخطيب في تاريخ بغداد
وقال ابن خلكان قيل إنهما لديك الجن وفي شذرات الذهب عن ابن الأهدل
انهما لأبي نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل (اه‍) وفيه اشتباه من وجهين
(أولا) انه لم يل الموصل وانما ولي بريدها (ثانيا) ان الذي ولاه بريدها
الحسن بن وهب لا أبو نهشل.
فجع القريض بخاتم الشعراء * وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معا فتجاورا في حفرة * وكذاك كانا قبل في الأحياء
ورثاه أيضا الحسن بن وهب بقوله كما في أخبار أبي تمام للصولي:
سقى (سقت بالموصل القبر الغريبا * سحائب ينتحبن له نحيبا
إذا أظللنه أطلقن فيه * شعيب المزن منبعقا يتبعها) شعيبا
ولطمت البروق به خدودا * وشققت الرعود به جيوبا
فان تراب ذاك القبر يحوي * حبيبا كان يدعى لي حبيبا
ظريفا شاعرا فطنا لبيبا * أصيل الرأي في الجلى أريبا
إذا شاهدته رواك مما * يسرك رقة منه وطيبا
فقدنا منك علقا لا ترانا * نصيب له مدى الدنيا ضريبا
أبا تمام الطائي إنا * لقينا بعدك العجب العجيبا
وكنت أخا لنا تدني الينا * صميم الود والنسب القريبا
وكانت مذحج تطوى علينا * جميعا ثم تنشرنا شعوبا
فلما بنت نكرت الليالي * قريب الدار والأقصى الغريبا
وأبدى الدهر أقبح صفحتيه * ووجها كالحا جهما قطوبا
فاحر بأن يطيب الموت فيه * واحر بعيشه أن لا تطيبا
ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم وهو حينئذ وزير رواه
الخطيب في تاريخ بغداد والصولي في أخبار أبي تمام وقال ابن خلكان وقيل إنهما
لعبد الله بن الزبرقان الكاتب مولى بني أمية:
نبأ أتى أعظم الأنباء * لما ألم مقلقل الأحشاء
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم * ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
وقال محمد بن عبد الملك الزيات أيضا يرثيه كما في أخبار أبي تمام
للصولي.
ألا لله ما جنت الخطوب * تخرم من أجبتنا حبيب
فمات الشعر من بعد ابن أوس * فلا أدب يحس ولا أديب
وكنت ضريب وحدك يا ابن أوس * وهذا الناس أخلاق ضروب
لئن قطعتك قاطعة المنايا * لمنك وفيك قطعت القلوب
وقال عبد الله بن أبي الشيص كما في اخبار أبي تمام للصولي.
أصبح في ضنك من الأرض * أكثر في الأرض من الأرض
من عرض ذكراه ومن طولها * كالأرض ذات الطول والعرض
أكرم بملحود يدانى إلى * وجهك يا ابن الكرم المحض
ما من حبيب لابن أوس أسى * يجمع بين الجفن والغمض
حار ذوو الآداب إذ فوجئوا * منه بيوم غير مبيض
انتقض الابرام من عمر من * كان أبا الابرام والنقض
طود من الشعر دعا بعضه * بعضا فهد البعض بالبعض
بحر من الشعر له جائش * ملتطم باللؤلؤ البض
كأنما الشعر شعار له * أو ورق في غصن غض
لما أتم الله فيك الذي * أملت من بسط ومن قبض
رماك رام للمنايا وما * آذن عند الرمي بالنبض
لو كان للشعر عيون بكت * لكوكب للشعر منقض
وقال ابن أبي الشيص أيضا كما في اخبار أبي تمام للصولي قال الصولي
ووجدته بخط ابن مهرويه.
يا حفرة الطائي اي امرئ * أثويت منه في ثرى الرمس
شعاره أنت ولم تشعري * بأنه أشعر ذي نفس
كم بين اثنائك من حكمة * كانت شفاء النفس بالأمس
وقال الصولي في اخبار أبي تمام أنشدني أبو الغوث لأبيه (1) يرثي أبا
تمام ودعبلا ومات دعبل بعد أبي تمام وكان صديق البحتري.
قد زاد في كلفي (حزني) وأوقد لوعتي * مثوى حبيب يوم مات ودعبل
وبقاء ضرب الخثعمي وشبهه * من كل مضطرب القريحة مهمل
أهل المعاني المستحيلة إن هم * طلبوا البداعة والكلام المعضل (2)
أخوي لا تزل السماء مخيلة * تغشا كما بحيا مقيم مسبل (3)
جدث على (لدى) الأهواز يبعد دونه * مسرى النعي ورمة بالموصل
وروى الصولي في اخبار أبي تمام لأحمد بن يحيى البلاذري يرثي أبا
تمام ويهجو أبا مسلم بن حميد الطوسي.
أمسى حبيب رهن قبر موحش * لم تدفع الاقدار عنه بأيد
لم ينجه لما تناهى عمره * أدب ولم يسلم بقوة كيد
قد كنت أرجو ان تنالك رحمة * لكن أخاف قرابة ابن حميد
وحكى ابن خلكان في تاريخه انه سئل شرف الدين محمد بن عنين عن
معنى قوله:
سقى الله دوح الغوطتين ولا ارتوى * من الموصل الحدباء الا قبورها
لم حرمها وخص قبورها فقال لأجل أبي تمام.
هذا ما تيسر لنا جمعه من سيرة أبي تمام بعد ما بذلنا جهودا كثيرة
وأوقاتا طويلة وثمينة وأعملنا الفكر وأجهدنا النفس وأسهرنا الطرف في
البحث والتنقيب والتمحيص وتصفحنا الكتب الكثيرة والاسفار المتنوعة في



(1) أبو الغوث هو يحيى بن أبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري ولا توجد هذه الأبيات في ديوان
البحتري.
(2) طلبوا البراعة بالكلام المقفل خ - المؤلف -
(3) تغشا كما بحيا السحاب المسبل خ.
538
جمع هذه الترجمة وترتيبها وتنميقها وتنسيقها بما لا تجده في كتاب غير هذا
الكتاب وحوت من الفوائد المتنوعة ما لم يسبق اليه سابق. ولئن كنا لم نحط
بسيرته كلها فلم يفتنا جلها وأحطنا منها بما في وسعنا. واستقرأنا ديوانه
بحسب الإمكان وربما يكون قد فاتنا بعض ما يجب ان نبحث عنه من كنوز
ديوانه فإنه كنز لغة وأدب وغريب وتاريخ وبيان وفوائد ونوادر وغيرها يعسر
الإحاطة والتنقيب عن كل ما يحويه من ذلك لا سيما ان نسخته المطبوعة غير
ممحصة ولم يتيسر لنا الوقوف على الكتب المؤلفة في شرحه سوى بعض نتف
منقولة عنها ولكن المرء لا يكلف الا بما تسعه طاقته ومن بذل جهده فقد اعذر.
وبها تم الجزء التاسع عشر من كتاب أعيان الشيعة وكان الفراع من جمعها
عصر يوم الثلاثاء 21 شهر ربيع الأول سنة 1361 هجرية على يد مؤلفه
العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم
الحسيني العاملي الشهير بالأمين نزيل دمشق الشام صينت عن طوارق الأيام
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين وسلم
تسليما. بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم
تسليما.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد
الكريم الأمين (الحسيني العاملي الشقرائي) نزيل دمشق الشام عامله الله
بفضله ولطفه وعفوه: هذا هو الجزء العشرون من كتابنا (أعيان الشيعة)
في بقية من اسمه حبيب وما بعده وفق الله تعالى لإكماله، ومنه نستمد
المعونة والهداية والتوفيق والتسديد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي.
في أسد الغابة: أورده أبو العباس بن عقدة وغيره من الصحابة روى
حديثه زر بن حبيش قال: خرج علي من القصر فاستقبله ركبان متقلدو
السيوف فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا مولانا
ورحمة الله وبركاته. فقال علي: من هاهنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقام
اثنا عشر منهم قيس بن ثابت بن شماس وهاشم بن عتبة وحبيب بن
بديل بن ورقاء فشهدوا انهم سمعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي
مولاه اخرجه أبو موسى اه‍. وفي الإصابة حبيب بن بديل بن ورقاء
الخزاعي له ولأبيه ولأخيه عبد الله صحبة، ذكره ابن شاهين في الصحابة،
وروى حديثه ابن عقدة في كتاب الموالاة باسناد ضعيف من رواية أبي مريم
عن زر بن حبيش قال: قال علي من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
فقام اثنا عشر رجلا منهم قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء فشهدوا
انهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اه‍. وأخوه
عبد الله بن بديل قتل مع علي عليه السلام بصفين، وهم أهل بيت تشيع،
وخزاعة كانت حليفة بني هاشم في الجاهلية وعيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
الاسلام.
حبيب بن بشار الكندي مولاهم الكوفي
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام: حبيب بن بشار
الكندي. وقال في أصحاب الصادق عليه السلام: حبيب بن بشار مولى
كندة تابعي كوفي اسكاف اه‍. هكذا في بعض النسخ وفي بعضها:
حبيب بن يسار، وهو الصواب ويأتي.
حبيب بن بشر بالشين المعجمة أو بسر المهملة أو بسرة على اختلاف
النسخ.
عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام، ونقل
بعض أهل العصر عن المنهج أنه قال: وفي الكافي بشر وكأنه الصحيح
(اه‍). ولم أجد ذلك في المنهج، وفي لسان الميزان: حبيب بن بشر ذكره
الطوسي في رجال الشيعة. وقال أبو عمرو الكشي كان مستقيما من الرواة
عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى (اه‍). وليس له ذكر في رجال
الكشي.
عن جامع الرواة انه نقل رواية الحسين بن أبي العلاء عنه عن أبي
عبد الله عليه السلام في باب التقية من الكافي اه‍.
الشيخ حبيب البغدادي الكاظمي
يأتي بعنوان: حبيب بن طالب بن علي.
حبيب بن جري العبسي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام وقال: مشكوك
فيه، وذكره في أصحاب الصادق عليه السلام وقال: فيه نظر. وفي
الخلاصة حبيب بن جري بضم الجيم العبسي الكوفي قال الشيخ فيه نظر
وهو من أصحاب الباقر والصادق عليه السلام. وقال في موضع آخر: انه
مشكوك فيه اه‍. ووجه الشك والنظر الذي في كلام الشيخ يتحمل
وجوها (أحدها) ان يكون راجعا إلى اتحاده مع حبيب العبسي والد
عائذ بن حبيب المذكور في كلام الشيخ قبل هذا من أصحاب الصادق
والباقر عليهما السلام، وهذا الوجه نفى الميرزا عنه البعد في منهج المقال فقال:
اعلم أن في رجالهما - اي الباقر والصادق عليهما السلام - قبل هذا الرجل
حبيب العبسي الكوفي والد عائذ بن حبيب ولا يبعد ان يكون النظر والشك
من حيث الاتحاد اه‍. (الثاني) ان يكون راجعا إلى وثاقته، ولعله يلوح
من كلام الخلاصة السابق فإنه قال: وهو من أصحابهما، بعدما حكى
النظر عن الشيخ ويلوح منه ان كونه من أصحابهما عند الشيخ محقق (ثالثا)
ان يكون راجعا إلى كونه اماميا ذكره بعض المعاصرين واستشهد له بذكر
العلامة له في القسم الثاني. وفيه ان الشيخ لم يلتزم في كتاب رجاله بذكر
الامامية خاصة كما هو معلوم، وانما التزم ذلك في فهرسته، ويكفي لذكره
في القسم الثاني كونه مجهولا وان كان اماميا. والظاهر أن الشك والنظر
راجعان إلى ما قاله في المنهج والله أعلم. وفي لسان الميزان: حبيب بن
جزي العبسي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال: روى عن
الصادق، ويقال انه أدرك الباقر رحمه الله تعالى اه‍. ورسم في لسان
الميزان جزي بالزاي وفيما تقدم بالراء.
حبيب الجماعي.
في التعليقة: في نسختي من عبارة المفيد في رسالته في الرد على
الصدوق ان من الفقهاء والرؤساء الأعلام حبيب الجماعي قال: ويحتمل
ان يكون الجماعي مصحف الخثعمي والله يعلم اه‍. وفي منتهى المقال:

539
في نسخة عندي من رسالة المفيد أيضا حبيب الجماعي اه‍. ويأتي في
حبيب الخزاعي ما له ربط بالمقام.
حبيب مصغرا بن حبيب أخو حمزة الزيات.
في ميزان الذهبي: روى عن أبي إسحاق وغيره وهاه أبو زرعة وتركه
ابن المبارك اه‍. وفي لسان الميزان: وقال ابن معين لا أعرفه، وقال
محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثقة، وقال ابن عدي حدث بأحاديث عن
الثقات لا يرويها غيره اه‍. واخوه حمزة بن حبيب الزيات من القراء ومن
أصحاب الصادق عليه السلام. ومن ذلك قد يظن تشيع المترجم، ويؤيده
قدح القوم فيه، فإنهم كثيرا ما قدحوا لأجل التشيع.
حبيب بن حسان بن أبي الأشرس الأسدي مولاهم.
ذكره الشيخ في رجاله بهذا العنوان في أصحاب علي بن الحسين عليهما
السلام وقال: روى عنه وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وقال في
أصحاب الباقر عليهما السلام حبيب بن حسان بن أبي الأشرس الأسدي كوفي
مولى بني أسد اه‍. وفي ميزان الاعتدال: حبيب بن أبي الأشرس هو
حبيب بن أبي هلال له عن سعيد بن جبير وغيره قال أحمد والنسائي متروك
عنه مروان بن معاوية وإسماعيل بن جعفر وقال ابن حبان منكر جدا،
وكان قد عشق نصرانية فقيل إنه تنصر وتزوج بها، فاما اختلافه إلى البيعة من اجلها
فصحيح وقال ابن المثنى ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن حدثنا عن سفيان عن
حبيب بن حسان بن أبي الأشرس شيئا قط وروى عباس عن ابن معين حبيب بن
حسان ليس بثقة كانت له جاريتان نصرانيتان فكان يذهب معهما إلى البيعة (اه‍).
وذكره أيضا بعنوان حبيب بن حسان الكوفي وقال هو جد صالح بن محمد
الحافظ ضعفوه اه‍. وفي لسان الميزان وروى أبو معاوية عن الأعمش عن
حبيب بن أبي الأشرس عن أبي عبيدة قال قال عبد الله إذا رأيتم أحدكم قد
أصاب حدا فلا تلعنوه ولا تعينوا عليه الشيطان، لكن قولوا اللهم اغفر له
اللهم ارحمه. وقال أبو داود ليس حديثه بشئ، روى عنه سفيان ولا
يصرح به. قال أبو بكر بن عياش: لو عرف الناس حبيب بن حسان
لضربوا على بابه الختم. وقال الساجي: قال عمرو بن علي سمعت
عبد الله بن سلمة الأفطس يقول تزوج ابن أبي الأشرس جارية نصرانية
وكان يعشقها فتنصر. وقال عمرو بن
علي: فذكرت ذلك ليحيى بن سعيد القطان فقال أفرط الأفطس، قال
الساجي واحسب ان القول قول يحيى. ورأيت هذه الحكاية في تاريخ
عمرو بن علي ولم يقل أفرط الأفطس وإنما قال كان يقال قال ولم يزد على
ذلك. وقال النسائي أيضا ليس بثقة. وقال أبو أحمد الحاكم ذاهب
الحديث. وأورد له ابن عدي أحاديث وقال له غير ما ذكرت وقد سبرت
رواياته فلم أر بها بأسا وأما رداءة دينه فهم اعلم به. وذكره الطوسي في
رجال الشيعة وقال: روى عن الحسين بن علي وابنه زين العابدين علي بن
الحسين وعن أبي جعفر الباقر وعن الصادق كذا قال اه‍. وعلم له في
منهج المقال نقلا عن رجال الشيخ علامة (ين) وهي علامة أصحاب
الحسين، ولم يعلم له علامة أصحاب علي بن الحسين التي هي (سين)
فاحتملنا ان يكون الصواب كونه من أصحاب علي بن الحسين، وانه ابدل
احدى العلامتين بالأخرى ولا يبعد ان يكون الصواب ما نقله ابن حجر،
وأن تكون علامة علي بن الحسين تركت سهوا من النساخ والله أعلم. وأما
هؤلاء الذين عابوه بأنه تزوج نصرانية كان يعشقها وأنه كان يذهب معها
إلى البيعة، وأفرط بعضهم فرماه بأنه تنصر، فظاهر انهم لم يصيبوا في
ذلك، فإنه ان صح فتزوجه بالنصرانية لم يعلم أنه على اي وجه كان هل
هو بعقد منقطع أو عقد دائم والأول جائز باتفاق منا، والثاني فيه قول
للعلماء غير بعيد عن الصواب، ولعلها أسلمت فتزوجها. وأما ذهابه معها
إلى البيعة فلا يعلم لأي شئ كان حتى يعاب به. وأما تنصره فافراط من
قائله وبهتان كما أشار اليه يحيى القطان ووافقه الساجي، وما كان ليصحب
أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد ارتد عن دين الاسلام.
حبيب بن حسان بن أبي المخارق
في لسان الميزان هو حبيب بن أبي الأشرس.
حبيب بن الحسن.
روى الكليني عنه عن محمد بن الوليد وعنه عن محمد بن عبد الجبار
في باب حد النباش من الكافي، وكذا، باب حد السرقة من التهذيب.
حبيب الخثعمي.
قال الشيخ في الفهرست له أصل رويناه عن عدة من أصحابنا عن
أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عنه
اه‍. ولا يبعد أن يكون هذا هو حبيب بن المعلل الخثعمي الآتي بدليل
رواية ابن أبي عمير عنهما. وفي منهج المقال: والظاهر أن هذا هو ابن
المعلل الخثعمي ويأتي، أما كونه الأحول فمحتمل اه‍.
حبيب الخزاعي.
عنه يونس بن عبد الرحمن في التهذيب في باب علامة أول شهر
رمضان. وفي الاستبصار في باب حكم الهلال إذا رئي قبل الزوال وفي
بعض النسخ الجماعي (كذا في مستدركات الوسائل).
حبيب بن خلاد الأنصاري
هو حبيب بن زيد الآتي.
حبيب بن زيد الأنصاري الندبي أو المدني.
نسبه
في أنساب السمعاني: الندبي بفتح النون والدال المهملة وفي آخرها
الباء الموحدة، هذه النسبة إلى ندب وهو حي من الأزد اه‍. وقد اختلفت
نسخ كتب الرجال في هذا الوصف في ترجمة هذا الرجل، ففي لسان الميزان
الندبي، وعن بعض نسخ رجال الشيخ الندبي وهو تصحيف الندبي قطعا،
وعن بعضها المدني، وكذلك في منتهى المقال والوسيط نقلا عن رجال
الشيخ ولكنه قد صحف المدني في منهج المقال المطبوع بالذي. وفي
مستدركات الوسائل المسندي. وفي تهذيب التهذيب المدني. ويوشك ان
يكون ذلك تصحيف الندبي اما من المؤلفين أو من النساخ، ويوشك ان
يكون الشيخ في رجاله ذكره الندبي كما يرشد اليه وجود الندي في بعض النسخ
الذي هو تصحيف الندبي قطعا. ثم صحفه الناقلون عن كتب
الشيخ بالمدني لأن الندبي غير معروف فظنوه المدني والله أعلم.

540
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال حبيب بن
زيد الأنصاري المدني دخل الكوفة عداده في الكوفيين ثم ذكر أيضا في
أصحاب الصادق عليه السلام حبيب بن زيد الأنصاري. وعن تقريب ابن
حجر: حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري المدني وقد ينسب إلى جده.
من السابعة وفي تهذيب الكمال قال أبو حاتم صالح وقال النسائي ثقة روى له
الأربعة اه‍. وفي لسان الميزان حبيب بن زيد الأنصاري الندبي ذكره
الطوسي في رجال الشيعة وقال عن جعفر الصادق رحمة الله تعالى اه‍.
وفي تهذيب التهذيب: حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري المدني روى عن
عباد بن تميم وأنيسة بنت زيد بن أرقم وليلى مولاة جدته أم عمارة. روى
عنه شعبة وابن إسحاق ونسبه إلى جده وشريك. قال أبو حاتم صالح،
وقال النسائي ثقة. قلت: وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة. وقال
ذكره ابن حبان في الثقات. ووقع في معاني الآثار للطحاوي عن إبراهيم بن
أبي داود البرنسي ان عبد الله بن زيد بن عاصم هو جد حبيب بن زيد
هذا، فلعله جده لأمه اه‍.
حبيب السجستاني.
روى الكشي في رجاله عن محمد بن مسعود ان حبيب السجستاني
كان أولا شاريا - أي خارجيا - ثم دخل في هذا المذهب، وكان من
أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام منقطعا اليهما اه‍. وذكره
الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام، وقال في
أصحاب الباقر عليه السلام: حبيب السجستاني روى عنه وعن أبي عبد الله
عليهما السلام، وذكره في أصحاب الصادق وقال روى عنهما اي الباقر
والصادق عليهما السلام. وعن كتاب طب الأئمة عليهم السلام عن
محمد بن إبراهيم السراج عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب
السجستاني وكان اقدم من حريز السجستاني الا ان حريزا كان أسبغ علما من
حبيب هذا، قال: شكوت إلى الباقر عليه السلام (الخبر)
اه‍. ولا
يبعد اتحاده مع حبيب بن المعلى السجستاني الآتي وهو الذي استظهره
صاحب النقد. وفي التعليقة حبيب السجستاني. حكم خالي - اي المجلسي
الثاني محمد باقر - بكونه ممدوحا، وكذا في البلغة، ولعله لحكاية الانقطاع
اليهما عليهما السلام ولا يخلو من تأمل، وخالي حكم بكونه ثقة أيضا، ولعله
لاتحاده عنده مع ابن المعلل الآتي لما سيجئ عنهما ان في بعض النسخ ابن
المعلى، وهذا أيضا لا يخلو من تأمل، لكن الجماعة وصفوا حديثه بالصحة
في كتاب الديات، واتفاقهم عليه بإرادة الصحة اليه بعيد اه‍. وفي رجال
أبو علي الظاهر وقوع اشتباه في نسخته من الوجيزة، والذي رأيته ابن المعلى
السجستاني وابن المعلل الخثعمي ثقة. وفي بعض نسخ الحديث ابن المعلى ا
ه‍. وكيف كان فابن المعلى السجستاني لا وجه لاتحاده مع ابن المعلل
الخثعمي سواء أكان ابن المعلى أم المعلل.
الشيخ حبيب بن طالب بن علي بن أحمد بن جواد البغدادي الكاظمي مسكنا
الشيبي المكي أصلا - كما وجدناه بخطه - نزيل جبل عامل.
كان حيا سنة 1269، والله أعلم كم عاش بعدها.
شاعر مجيد متفنن خفيف الروح، يجمع شعره الرقة والانسجام
وأنواع الطرائف، الا أنه غير مهذب. أصله من العراق من بلد الكاظمين
عليهما السلام (الكاظمية). سكن جبل عامل ومدح أمراءها حمد البك
وأبناء عمه في القرن الثالث عشر وأعيانها، ثم عاد إلى الكاظمية وتوفي
هناك. ولا تزال ذريته في جبل عامل إلى اليوم. ذكره الشيخ محمد آل
مغنية في كتابه (جواهر الحكم) فقال: الشاعر المفلق الذي إذا خطب
أعجب وإذا انشد أطرب، لم أر في عصري افكة من هذا الشاعر المجيد،
وكان اسرع الناس بديهة وأذكى قريحة، رأيته مرارا لا يتوقف في كتابة ما
أراد من الشعر والإملاء، سريع البديهة حسن المحاضرة، صاحب أجوبة
مسكتة، جزل الكلام، إذا تكلم أعجب كل سامع. ينشئ القصيدة
الطويلة في الوقت القصير، وشعره كثير لا يكاد يحصى، من السهل
الممتنع. تعلق أولا على أمير عامل وأحد رجال الدنيا المرحوم حمد البك أيام
خموله ثم لما نبه الدهر من شأن البك وحكم جبل عامل وصارت له الرياسة
المطلقة وحارب عسكر إبراهيم باشا في نواحي صفد وأطراف جبل عامل
مدحه بقصيدته الطنانة اه‍. (تأتي) في ترجمة حمد البك. ومن طرائفه انه
مدح محمد بك الأسعد بقصيدة كان قد مدح بها غيره فلما رآها عاتبه في
ذلك. فقال: البرذعة برذعتي واضعها على اي دابة شئت. وكان له ولد
رضيع وأمه نائمة - وهي زوجة الشيخ عبد النبي الكاظمي تزوجها بعد
وفاته - فجعل الولد يبكي وأراد ايقاظها ونسي اسمها فجعل يصيح يا أم
الولد يا زوجة الشيخ حبيب حتى انتبهت.
أشعاره في أهل البيت عليهم السلام
بني النبي لكم في القلب منزلة * بها لغير ولاكم قط ما جنحا
يلومني الناس في تركي مديحكم * وكم زجرت بكم من لامني ولحا
عذرا بني المصطفى ان عنكم جمحت * قريحتي وهي مثل الزند مقتدحا
فلا أرى الوهم والافهام مدركة * ما عنون الذكر من أسراركم مدحا
سبقتم الناس في علم ومعرفة * والأمر تم بكم ختما ومفتتحا
إلى أن يقول:
لكنما الناس في عشواء خابطة * ليلا وآثاركم في المعجزات ضحى
ان شاهدوا الحق فيما لا تحيط به * عقولهم جعلوا للحق منتزحا
تجارة الله لم تبذل نفائسها * الا لمن كان عن غش الهوى نزحا
وربما خاضت الألباب إذ شعرت * و مضامن النور دون الستر قد لمحا
فآض كل على دعوى مكاشفة * توهما ان باب الستر قد فتحا
شاموا ظواهر آيات لها وقفت * ألبابهم غير أن الوهم قد شرحا
وهم على خوض ما ألفوه من اثر * كمثل أعمش من بعد رأى شبحا
فليس يدري لتشعيب الظنون به * أسانحا ما رأى أم بارحا سرحا
ان المدى لبعيد والسراة غدت * فيه كلالا وكل في السرى دلحا
وكلما شيم من آثار معجزة * فإنها رشح ما عن فيضكم طفحا
فالحجب عن سعة الآثار ما بخلت * والحكم في صفة الأسرار ما سمحا
إلى أن يقول:
ورب مدح لقوم عنكم جنحوا * أنشدته حيث عذري كان متضحا
نأتي من الوصف ما لا يدركون له * معنى ولا شربوا من كأسه قدحا
ولو اتيناهم في حق وصفهم * لأوهم الناس ان الروم قد فتحا
فأين هم عن مدى القوم الذين لهم * صنع المهيمن ممن خف أو رجحا
وله يرثي الحسين عليه السلام في سنة 1250:

541
خل النسيب فلست بالمرتاد * لهو الحديث بزينب وسعاد
ما لي وكاعبة تكلفني الهوى * شتان بي مرادها ومرادي
دعني وفيض محاجري فلقد غدت * تقري ضيوف الهم نار فؤادي
واذكر مصاب الطف فهي رزية * فصم الضلال بها عرى الارشاد
يوم أصاب الشرك فيه حشى الهدى * بمسدد الأضغان والأحقاد
يوم غدا فيه على رغم العلا * رأس الحسين هدية ابن زياد
يوم رمي سبط النبي بعصبة * جبلت على ما سن ذو الأوتاد
آلت على أن لا تغادر للنبي * بقية واتت بكل فساد
أبدت خفايا حقدها واستظهرت * في كربلا بضمائر الأغماد
نشرت صحائف غدرها واستقبلت * وجه الهدى بصفائح وصعاد
فترى الحسين مشمرا عن ساعد * الايمان مدرعا دلاص رشاد
و بكفه قلم الحتوف فلم يزل * يمحو سطور الشرك والالحاد
في عصبة رأت المنية منية * في الله فانتهزت منال مراد
فرماحها لحشى الصدور مشوقة * وسيوفها لدم الرقاب صوادي
لله أكبر يا ليوم في الورى * لبست به الأيام ثوب سواد
يوم به نكسن اعلام الهدى * حتى تداعى شمله ببداد
يوم به عجت بنات محمد * من مبلغ عنا النبي الهادي
يا جد لو أبصرت ما بلغ العدى * منا وما نالته آل زياد
اما الحسين ففي الوهاد واننا * في الأسر والسجاد في الأصفاد
يا جد ما آووا ولا راعوا ولا * ادكروا بأن الله بالمرصاد
أهون بكل رزية الا التي * صدعت بعاشوراء كل فؤاد
لك في جوانحنا زعازع لم تزل * منها تصب من الجفون غوادي
مولاي يا من حبه وولاؤه * حرزي ومدخري ليوم معادي
أينال مني من علمت شفاءه * ويريد بي سوءا وأنت عمادي
وعليكم صلى المهيمن ما سرت * نيب الفلا وحدا بهن الحادي
وقال لما ورد الكاظمية زائرا وقد ركب دجلة:
وافت إليكم تجوب الماء حاملة * نارا من الشوق لا يطفأ لها لهب
حتى ترى الطور والأنوار تشمله * من نار موسى وفيه السر محتجب
وقال لما زار سامراء:
لله تربك سامراء فاح به * ريح النبوة إشماما وتعبيقا
هنئت يا طرف فيما متعتك به * يد المواهب تأييدا وتوفيقا
لم يطرق العقل بابا من سرائرهم * الا وكان عن الافهام مغلوقا
وفي المعاجز والآثار تبصره * لرائم غرر الايضاح تحقيقا
هذا الكتاب فسله عنهم فبه * صراحة المدح مفهوما ومنطوقا
أبصر بعينك واسمع واعتبر وزن * المعقول واختبر المنقول توثيقا
وجل بطرفك أيمانا وميسرة * وطف بسعيك تغريبا وتشريقا
فهل ترى العروة الوثقى بغيرهم * حيث الولاء إذا بالغت تدقيقا
وهل ترى نار موسى غير نورهم * وهل ترى نعتهم في اللوح مسبوقا
وهل ترى صفوة الآيات معلنة * لغيرهم ما يؤدد الفكر تشقيقا
قوم إذا مدحوا في كل مكرمة * قال الكتاب نعم أو زاد تصديقا
أضحى الثناء لهم كالشمس رأد ضحى * وبات في غيرهم كذبا وتلفيقا
اني وان قل عن أوصافهم خطري * وهل ترى زمنا ينتاش عيوقا
تعسا لقوم تعامت عن سنا شهب * ايضاحها طبق الأكوان تطبيقا
ان الإمامة والتوحيد في قرن * فكيف يؤمن من يختار تفريقا
يا من إليهم حملت الشوق ممتطيا * أقتاب دجلة لا خيلا ولا نوقا
الماء يحملني والنار احملها * من لاعج الوجد تبريحا وتشويقا
أنتم رجائي وشوقي كل آونة * وأنتم فرجي مهما أجد ضيقا
في يوم لا والد يغني ولا ولد * ولا يفرج وفر المال تضييقا
ونحن في هذه الدنيا لحبكم * نرعى على الضيم جبريا وزنديقا
من بين مبدئ عداء لا نطيق له * ردا وآخر حقدا يخزر الموقا
وقال يمدح الإمام الرضا عليه السلام:
أبا الحسن الرضا قصدتك منا * قلوب قد وردن نداك هيما
ولاحت قبة كالشمس تمحو * أشعتها عن القلب الهموما
فلم تر غير حبكم نجاة * ولم تر غير فضلكم نعيما
إلى أن يقول:
ألستم خير أهل الأرض طرا * وخير من ارتدى الشرف العميما
ولو بكم استجارت آل عاد * لما عادت لياليها حسوما
ألستم في الورى كسفين نوح * ومن ركب السفين نجا سليما
تبصر من تبصر في ولاكم * فلم يعد الصراط المستقيما
ومن جاب الفيافي في ولاكم * فلا بأس يخاف ولا جحيما
ولما توفي حسين بك السلمان وقام بالحكم بعده ولده ثامر بك من
أمراء جبل عامل، قال يرثي الفقيد ويهنئ الجديد:
الحمد لله هذا الدهر قد سمحا * بطالع نجمه ليل النحوس محا
فأي زند من العليا به قدحا * من بعد ما صب من صاب العنا قدحا
واي باب بها صعب الهموم دحا * فعاد غب الرثا أنشأ به مدحا
شكر يدوم بحمد الله ما برحت * شمس النهار وبدر المجد ما برحا
بثامر دوح هذا المجد قد ينعت * أزهاره وهزار البشر قد صدحا
فان يكن غاب عنا للعلا قمر * فليهنك اليوم هذا البدر متضحا
وان يكن ساخ منا في الثرى علم * فليهنك اليوم طود للسما طمحا
وان يكن غاض للعافين بحر ندى * فليهنك اليوم بحر للندى طفحا
يوم بيوم وكم لله من منن * لم ينقض الحزن حتى أعقب الفرحا
بشارة للمعالي وهي موجبة * شكر الاله وكم أسدى لنا منحا
بجبهة الصبح منه سيرة وضحت * بالعدل حتى نرى الليل البهيم ضحى
وعزمة منه دون السيف قد فتحت * بابا من العز قبل اليوم ما فتحا
واستدرك الغاية القصوى التي * امتنعت عن كل ساع إلى ادراكها طمحا
ولا تزال بحفظ الله محتجبا * عن كل سوء وباب العز مفتتحا
وله أيضا، وقد جاءت القضاة لاصلاح الحال بين الشيخ حسين
السلمان وبين ابن عمه الشيخ حمد البيك من امراء جبل عامل. فلما وردوا
إلى حضرة حسين بيك السلمان ذكرهم اختلافاتهم وكشف عن حالتهم.
وكان الخلاف بينهم قائما على قدم وساق، فوعظهم ووبخهم وأصلح فيما
بينهم:
أتتك القضاة أبا ثامر * ليقضوا صلاحا وينفوا احتجاجا
فجالوا بغيهب آرائهم * فكانوا الظلام وكنت السراجا
وصالوا وصلت على كيدهم * فكانوا السقام وكنت العلاجا
فكنت النصير لدين الهدى * وكنت البصير إذا الغي راجا
فشربك في الدين عذب الفرات * وأسقيتهم منك ملحا أجاجا

542
وله في مدح جبع وآل الحر الكرام ويخص منهم الشيخ أحمد والشيخ
سعيد:
أبا الفردوس وجدك أم جباع * وفي كلتيهما تهوى الخلودا
ولو كنت المخير في خلودي * فعن جبع وحقك لن أحيدا
أأعدل (بالمشارع) ما سواها * وقد اخذت على الصفو العهودا
بأشجار وانهار وروض * تقيم لصادق الدعوى شهودا
وقد شهدت (برأس العين) عيني * غصونا خلتها حملت عقودا
قطوف دانيات لو تراها * خضعت لها ركوعا أو سجودا
على ماء تسيل به خدود * تذكرنا السوالف والخدودا
يردن مياهها آرام نجد * وفي غاباتها ضمت أسودا
وفي حسنات آل الحر تمحى * كبائرها وان كثرت عديدا
فحسبك أحمد المختار منها * سنام المجد والعز المشيدا
يجرد من حديد الفكر عضبا * يفل به المعاضل لا الحديدا
فيكشف غامض المطوي منه * ويبرزه فتحتقر النضيدا
وتخبرني السعادة عن صحيح * بما دانت ولم تخطئ سعيدا
ولا برحت بآل الحر تسمو * دعائم للمكارم لن تميدا
وقال متغزلا:
ما لآرام رامة وظباها * حين سلت على القلوب ظباها
حين قامت على القدود شهود * أثبتت انها عضون نقاها
وقال:
أهيل الكرخ لي قلب معنى * أسير في يد الأشواق عاني
وأين حشاشتي مني ولبي * هما عني وحقك ظاعنان
أمن حق المروءة أن تركتم * فؤادي فيكم رهن الأماني
أمن حق المروءة أن جعلتم * من الأحلام أيام التداني
وقال أيضا:
بنو الأيام قد ملكوا * وأي الطرق قد سلكوا
فكم شادوا وكم سادوا * وكم أحيوا وقد هلكوا
فان تجمع كما جمعوا * ألا فانظر لما تركوا
وتلك الحال دائرة * وفيها قد جرى الفلك
وقال أيضا:
وقد تمنع الأيام مثلي حقوقه * وتعطي بليد القوم ما قد تمناه
ولي آية في الصبر لو أنها بدت * لأيوب لم يشك المهيمن بلواه
تغربت عن بغداد لا عن ملالة * ولكن للانسان ما قدر الله
وقال أيضا يمدح بعض أهل أصفهان:
اسقنا والرفاق عند رياض * ضحكت عن مباسم الأقحوان
ثم قل للحبيب عن قلب صب * لعبت فيه أعين الغزلان
هل سمعت الحمام ليلة بتنا * كيف غنى بدوحه فشجاني
والصبا هب والندامى نشاوى * كيف قاد الهوى إليك عناني
وحديث الغرام أطيب شئ * حدثتنا الجفون عند التداني
فهي تملي على الفؤاد حديثا * والهوى كاتب بغير بنان
فاخذنا نطالع الخد لثما * وبأيدي العفاف معتنقان
وبدا الساقيان ينشد كل * (مرضي من مريضة الأجفان)
أيها الساقيان: بالله قوما، * عللاني بذكرها عللاني
واعرفا بنت كرمة واذكراها * واسقيا الحب صرفها واسقياني
واحملاني إلى القيان ومرا * فإذا ما وصلتما القياني
أيها البالغ الكمال كمالا * قاصر في المديح فيك لساني
غير اني أقول قولا وجيزا * ثابتا عن قواطع البرهان
منتهى العلم والتقى والمعالي * والندى والأمان والايمان
صاغها بارئ الخلائق جسما * فقضاها بهيكل الإنسان
ومحل حواه سام فأمسى * كعبة الوفد مشعر الركبان
فهي دار وبالحقيقة كنز
قد حوى ما يجل عن تبيان
وعجيب لها السماك محل * كيف صار المحل في أصفهان
وقال يمدح بعض الأمراء ويعرض بذم غيره:
ان كنت والناس في الناسوت متحدا * فالعود والعود ذا ند وذا حطب
ان الجواهر تصدأ بالسنين ولا * يصدأ ثناك وان مرت به الحقب
بلغت كالشمس أوصاف العلا كملا * فان قلاك لها شأن فلا عجب
قد يهجر الشمس من أودى به رمد * ويكره الماء من أودى به الكلب
من بات يقرع ناب الليث مقتحما * لا يأمنن ففي أنيابه العطب
رميته حجرا من قبل ذاك رمى * داود فيه فذل القوم وانقلبوا
وقام يسري إلى الجوزاء مجتهدا * توهما انها التفاح والعنب
لا قرب الله رذلا كله حمق * وباعد الله نذلا كله كذب
أبا المكارم لا زالت يداك على * أيدي العداة وفي أحشائها لهب
وقال يعاتب حمد البك صاحب تبنين ويظهر الانحياز إلى خصمه
حسين بيك السلمان صاحب بنت جبيل ويمدحه:
يا بيك عندي للعتاب لسان * فيه لغيرك صارم وسنان
يوليك بالعتبي مدائح شاكر * وإن استمر لحظة النقصان
تعطي وتمنع حسبما يقضي به * حكم اللبيب وحدسك الميزان
وافى إليك الجاعدون بنظمهم * شعرا له تتعاكف الديدان
فحبوتهم منك الجزيل ولم تزل * تحبوهم ما جادك الإمكان
وجعلت بينهم وبيني قسمة * يعنو لها الإنصاف والاذعان
لهم الغباوة والفسالة والعطا * والفضل لي والمدح والحرمان
هذا الذكاء وذا العطاء و هذه * شيم الكرام وهكذا العرفان
أنت الحكيم بكل ما تأتي به * ما رسططاليس و ما لقمان
من كان مثلك لا عدمت حياته * أفديه مما سامه الحدثان
يا بحر عشر بعدها خمس مضت * لك مركب سار ولي أشطان
ما ان اجر به ليعلو موطئي * الا وجر برجلي الخذلان
فاصح ما ألفيت ان وعودكم * مثل السراب ومثلي الظمآن
تغري بنا الأوهام في أطماعها * حرصا على الموهوم وهو عيان
ان خاب متجرها أعادت ثانيا * فكأنما مرغوبها الخسران
فالله يجزي عنكم أوهامنا * خيرا وجاد شبابها الريعان
لكم بها حسن الثناء مؤبدا * ولنا بهن مذلة وهوان
ورسمت ان تقربي لك باعث * قطعي صدقت وفي النوى الرجحان
فليشكر الرحمان من هو عنكم * ناء ويغني عنكم السلوان
ولقد سألتك بالذي فلق النوى * وبمن اتى في حقه القرآن
الا أجبت عن السؤال فإنني * انا للجواب العاطش الغرثان

543
ان لم تكن لي في الحياة وأنت في * زمن له في راحتيك عنان
فهل ادخرتك للمعاد إذا سعى * بي مالك أو صدني رضوان
أم في غد في القبر انشد مدحكم * للمنكرين فينتهي رومان
أم في الصراط تمدني بفوارس * فتهابك النيران والخزان
ولعل رأيك أن تكون مواصلا * في يوم لا دنيا ولا سكان
بعناكم دينا لنشري منكم * دنيا فلا الدنيا ولا الايمان
هذا جزاء الطامعين بأنهم * خانت بهم أوهامهم إذ خانوا
فلو انني استغفرت قدر مدائحي * لكم أتاني العفو والغفران
ما ان أقمت لكم صلاة مدائح * الا وكرر للقنوت أذان
أنا في المديح وأنت حين قطعتني * كل له في صنعه اتقان
ومن العجائب ان ذاتي جردت * أدبا وجرد ذاتك العرفان
ويضيع مثلي عند مثلك؟ ان ذا * أمر تضل بمثله الأذهان
لكنما حظي وجودك نائم * هذا وهذا ساهر يقظان
فتباعد الضدان في حاليهما * ولكل حال حجة وبيان
ما شد ضبعي في الورى الا الذي * قد شق نبعة دوحه سلمان
لأروع الشهم الهمام الأريحي * اللوذعي الضارب الطعان
وله يمدح مصطفى بك طوقان:
دعن شرح الحديث عن الثقات * وحدث بالكؤوس عن السقاة
ففي شرح المدام حديث وجد * يترجمه نشيد الساجعات
حكت عن عهد بقراط فأملت * عن الراووق عن ماء الحياة
سكرنا بالصفات وما شربنا * كأن الذات أمست في الصفات
وروض تغمز الأزهار فيه * على الندماء ألحاظ الوشاة
تطوف بنا القلوب على بدور * تطوف ببيت شمس النيرات
ولي عين أقول إذا استهلت * دعوها فهي تتلو المرسلات
وجسم قد كساه الحب ثوبا * عليه طراز آي النازعات
فرحنا في يد النسمات نهبا * أسارى للحاظ الفاتكات
وهل بسوى مديح البيك تشفى * قلوب من صروف الحادثات
كأن من العناية في يديه * طلاسم للموالي والعداة
ففيها للموالي أي حرز * يقيه من سهام النائبات
وللأعداء قاضية المنايا * على حد الشفار الماضيات
إذا نامت عيون القوم سلت * لها الأحلام قاطعة الشباة
فيعدو الرعب في الأوهام منها * فيقتل قبل عدو الصافنات
فهذي المرهفات البيض سلت * وصلت فوق هامات العداة
وهذا السيف يعلن فيك شكرا * لما توليه من وفر الصلات
وقد غذيته الجريال حتى * ظننا انه بعض العفاة
وما يشكوه الا المال نهبا * على أيدي الوفود الحاشدات
أبا الفياض قد وافتك بكر * المدائح بالعقود الزاهرات
وفيك تنافس الشعراء مدحا * بابكار المعاني الساميات
ولو نظموا بمدحك مقتضاه * لجاءوا بالنجوم المشرقات
وقال وكتبها إلى بعض اخوانه من السفر يعتذر عن عدم الوداع:
اني سألت فؤادي قبل بينهم * هل تستطيع لدى التفريق توديعا
ففر عني من خوف تقطعه * يد الصبابة بالأشجان تقطيعا
وكتب إليهم أيضا:
اني سألت فؤادي قبل فرقتهم * يا قلب هل أنت للتوديع ذو جلد
ففر عني فرار الطير حين رأى * حبلة الصيد قد مدت ولم يعد
وقال:
بي أغيد تفضح الديجور طلعته * ويعطس الصبح من رياه إذ نشقا
كافور غرته مع مسك طرته * صبح وليل على فرق قد اتفقا
كم ليلة بات يسقيني وأشربها * حمراء حتى أرتني ضوءها الشفقا
فخلت ليلي زقا والصباح طلا * عنه قد انحل خيط الفجر فاندلقا
وقال أيضا:
أقول وقد رمت الوداع فأسرعت * عجالا بهم تلك الجياد السوابق
قفوا ودعوا صبايكا فؤاده * يطير اشتياقا وهو في الصدر خافق
فأتبعتهم عيني لأطلب أثرهم * فردت بفيض والنوى لا تسابق
فودعت روحي ثم قلت أسرعي لهم * واني بكم ان قدر الله لاحق
وقال:
ألا قل لمن في دار سلمى إليكم * سفكتم دماء واستجزتم محرما
واحرمتمونا الماء والماء عندنا * وفزتم على بعد ومتنا من الظما
فيا ليتكم متم وطالت حياتكم * لكي تعلموا تلك الحياة وذا المما
وقال أيضا:
عليكم أهيل الحي مني تحية * صفت وصفاها من صفاودي المحض
تحية صب يسبق الريح خطوها * وليس يباري ومضها البرق في الومض
محب يرى أن المحبة ذمة * وان مراعاة الوداد من الفرض
يعم شذاها الخافقين بنفحة * ويختص فيها صاحب الخلق الغض
وقال يهنئ علي بك الأسعد بإمارته الجديدة بعد عمه حمد البك ويعزيه
به إذ تخلف بعده:
بشراك غاض الحزن عن متأسف * أودى بمهجته جوى المتلهف
صبغ البكاء ثيابه من دمعه * فيروح بين مطرز ومفوف
حزنا على من قد شربت بقربه * راح الصفا بمزاج راح قرقف
حتى قضى فعرفت ما صنع القضا * بجفون أسوان ومهجة مدنف
وقد اتنشت غب الذبول خميلة * ينعت بوارق كل مجد مشرف
فتراجعت تلك السنون وأهلها * بمهذب لبس العلا ومقذف
سار على متن النجوم بعزة * نجمت بأيمن طالع وتصرف
ريان من ماء الكمال يزينه * علم ابن روزبة وحلم الأحنف
بحلاوة المستطرفين ورقة * المتقشفين وعفة المتصوف
ومقذف غير أن لم يخط العلا * متقرب العزمات غير مسوف
فغدت به الدنيا عروسا غضة * تختال في جلباب عيش مترف
من عد للجلى وكل ملمة * غوث الصريخ بها وغيث المعتفي
فالناس تمرح في ربيع مخصب * منه وتسقى من عهاد موكف
وقال - وهو بأصفهان - يتشوق إلى جبل عامل:
(سامر يلحو وأشواق تلح) * هاجها من ظن أن العذل نصح
نهب الصبر ادكاري سرحة * عند (لبنان) لها في القلب سرح
لست أنساها ليال سلفت * ألف صبح لي بها والدهر صلح
وشموس الراح تجلى كلما * غاب صبح قام يجلو الكاس صبح

544
ومغان نقلت عنها الصبا * خبر الند وفيه طال شرح
فضضت جيد الربى أزهارها * وعليه من سقيط الطل رشح
نقط الطل على أوراقها * وله في الرمل اسقاط وطرح
يغمز الدهر علينا طرفه * فلنا شطح وللورقاء صدح
كلنا في الغصن الا اننا * ما علينا لو نروم الوصل جنح
ليت شعري، والأماني سلوة، * هل لها وصل وهل للهم نزح
فإلى كم ومنائي عهدها * يثبت العزم وكف الحظ تمحو
يا اوداي بسفحي (عامل) * أن شوقي عامل والدمع سفح
هل وفى بالعهد من بعدكم * مدمع سح وقلب لا يصح
هاكم دمعي فقد أشهدته * وله في الخد تعديل وجرح
من لمشتاق لكم من بعدكم * (بات ساهي الطرف والشوق يلح)
فكرة تمضي وتأتي فكرة * (والدجى ان يمض جنح يأت جنح)
حارب الجفن الكرى ليتهما * عرفاني هل يرى للسلم جنح
لا رعاني المجد ان لم يرني * ولخيلي في ربي (لبنان) سبح
ومن (القبلي) من شاطئه * خبر المجد وعندي فيه شرح
برجال لم يشنهم لو ولا * فيهم يلفى بغير العرض شح
آل همدان هم لا غيرهم * وكفاهم من أمير النحل مدح
قد أبت الا المعالي مسلكا * ولهم في متجر الايمان ربح
كم لهم في الدين من سابقة * ساقها أيد من الله وفتح
وقال يمدح الوزير مشير أيالة صيدا محمد أمين باشا سنة 1268:
ان حدد الناس الجهات فليس * للوجه الذي لك في العلا تحديد
قد حزتها ذاتها فكنت بعقدها * جيدا بنورك عقدها والجيد
وان ادعاها الأجنبي فإنما * فيها محلك قائم وشهيد
من يبلغ الشرف المنيف فهكذا * أو لا فكل مكابر مردود
أين البزاة من البغاث وأين من * ملح الأجاج السائغ المورود
ان الامارة كالعقيلة مهرها * كرم الطباع وبيتها التسديد
لا كالذي بحث التراب وظنه * ملك الكنوز وما له مرصود
جليت عليك وأنت من أكفائها * قدما وللنسب القديم تعود
ما نال غيرك شأوها ومقامها * ولديك منها موثق وعهود
قل للمطاول من علاك محله * الأدنى وكيف يكابر المشهود
ومكارم تفني الزمان وانما * لك في يد الذكرى بهن خلود
تعطي الكثير وما حويت قليله * وتجود فضلا بعدها وتجود
لم يلهك السكر القديم كمن مضى * كلا ولا رقصت لديك الغيد
لم تهو الا الراقصات إذا الوغى * فيها تساوى الليث والرعديد
ومن الغواني البيض عند نشيدها * بصليلها الترجيع والترديد
ومن الرماح اللدن كل مثقف * تصغي لصوت صريره فتميد
أغناك عن صوت الغناء صريرها * وعن القدود المائسات القود
لانت بمرهفك الصعاب كأنما * أعطاك حكمة سره داود
وأصبت بالرأي السديد مواقع * البيض الحداد فخافك الجلمود
قد ضاع شعري في سواك وضاء في * علياك فهو اللؤلؤ المنضود
نبهت كلي في ثناك فكنت لي * متنبها والجاهلون رقود
ومددت ضبعي حين بت سواكم * حبلي، فنعم المنهل المورود
وحمدت ربي حين شتت شملهم * هيهات شمل الظلم كيف يعود
أوليتني النعم التي لا ينقضي * شكري لها وعلى الزمان تزيد
يا دوحة الشرف المنيع وقد سمت * فرعا وثابت أصلها ممدود
قل للحسود الغمر جاء أميننا * فأربع على ضلع وأنت طريد
يولي حديث المكرمات بسابق * فالمجد منه سابق وجديد
لا زلتم والعز في أكنافكم * ابدا وورق علاكم غريد
وقال يمدح الأمير حمد البك بن محمد بن محمود بن الشيخ ناصيف بن
نصار العاملي السالمي ويعتذر اليه ويستشفع بجدنا السيد علي:
أين الظباء من الحسان الخود * في العطف منها والفروع السود
أين الورود من الخدود وأين من * خمر الرضاب لها ابنة العنقود
لكنما لعب الكلام بألسن * الشعراء في التشبيه و التحديد
فعدلت عن غزلي بغزلان النقى * ومها العقيق وحاجر وزرود
لمديح من عقد اللواء على الولا * ء له الزمان وقد مشى بجنود
في بيض مرهفة وسود وقائع * و نفوذ رأي في الزمان سديد
قد نابذت جيش المكارم فانثنت * عن كل ظل من ذراه مديد
حمد العلا من طوقت آلاؤه * بالفضل منه كل عاطل جيد
مستدرك الأمد البعيد بأقرب * الايحاء دون تكلف المجهود
فكان دائرة المدار قضت له * فيما يرى من موعد ووعيد
يقضي بأحكام العلاء وسمعه * يستن بين العذل والتفنيد
يدنو لأخطار الزمان وعزمه * ناء ونوء نداه غير بعيد
يعطي الرغائب مبدئا ويعيدها * أكرم بأفضل مبدئ ومعيد
لم تثنه نار الكفاح عن الندى * كلا ولا عن عزمه بصدود
يعطي ويلقى والعداة كأنها * وفد العفاة ولات حين وفود
يغري ويغرب خلقه وجنانه * لطف النسيم وقسوة الجلمود
متبسما عند الكفاح وسيفه * يذري العقيق على خدود البيد
فالقضب تركع بالحني على الشوى * والهمام خاضعة له بسجود
وسما على كرم الطباع بأربع * جبلت مع الايمان والتوحيد
في عدل كسرى في شجاعة رستم * في جود حاتم في ذكاء لبيد
يا صاحب الغايات قد أدركت ما * جاز المدى ووطئت كل شديد
ان كانت العتبى تقدم لي بها * ذنب فان العفو عين ورود
وشفيع ذنبي عين آل محمد * أعني عليا كهف كل طريد
العالم البحر الذي لا ينثني * عن كل وجه للعلاء حميد
يا من بهم دوح المكارم يانع * ابدا وورق المدح في تغريد
حمد الاله الناس عند ولائكم * وتوسلوا بمحمد المحمود
جعل المهيمن عيدكم وهلاله * البادي الأغر علي أسعد عيد
وقال يرثي السيدة زينب زوجة حمد البك واحدى عقائل بني الأسعد
ويعزيه عنها ويعزي ابن أخيه علي بك الأسعد ويذكر تاريخ وفاتها، وقد
توفيت سنة 1263 ودفنت بجوار نبي الله يوشع عليه السلام:
قصدوا المسير وأزعموا ان يذهبوا * واستحسنوا دار البقا فتأهبوا
لبسوا لها بيض الثياب كأنها * أحسابهم وبها ارتدوا وتنقبوا
وذكا بهم طيب الحنوط وذكرهم * عبق ومن طيب الأفاوه أطيب
وتزودوا للسير من أعمالهم * ما زينوا فيه القصور وطيبوا
نزلوا بها متنعمين وغادروا * بين القلوب لواعجا تتقلب
وفقيدة الأيام أورث فقدها * رزءا تهون النائبات ويصعب
ويتيمة ردت إلى صدف الثرى * ولها إلى الملأ العلي تقرب

545
ما هذه الغبراء وجه أديمها * بحر فكيف به اليتيمة ترسب
وعجبت للنعش الصموت وقد سرى * والجو مضطرب الجهات مقطب
هل يعلم القوم الذين سروا به * للقبر من حملوا به وتنكبوا
قد كاد ينطق نعشها لكنما * هو أعجم وهي المكارم تعرب
لولا صراخ الحاسرات وراءه * ونداوءها حتى أجابت يثرب
لسمعت للحدباء رنة واجد * أسفا تنوح على الفقيد وتندب
فمن المعزي الليث نجل محمد * حمدا له تعزى العلاء وتنسب
فطن تخط له البصيرة مظهرا * في مرقب الايمان لا يتحجب
صبرا لماتمها وان عز العزا * فالصبر أولى باللبيب وانسب
ان المنية لا تطيش سهامها * ابدا وليس من المنية مهرب
ولو أن هذا السهم يدرأ بالفدا * لفدا فقيدك دارع ومدرب
خلق البرية للفناء فكلنا * نغدو إلى هذا المقر ونذهب
ان كان قد عز السلو فإنه * بك يا علي ليستطاب فيعذب
الأروع الندب الكريم الأريحي * أبو المكارم والسليل الأنجب
سقيا لقبر أنت مضمر سره * فيه النزاهة والعفاف مغيب
هي زينب شمس وذا تاريخها * نادى وقد وردت ليوشع زينب
وقال يمدح الشيخ حسين السلمان بقصيدة منها:
وهل بسوى الحسين ينال رشد * له الخريث قد ضل السبيلا
وأخمد وقد صالية شبوب * بها لم يبرد الماء الغليلا
وبت يد الهوان وبت رأيا * برى بحديدة السيف الصقيلا
ألم تسمع بيوم الجسر لما * تجاسرت الفوادح ان تصولا
به مدت رواق الشر قوم * على روح تحاول ان تميلا
وعاد الناس بالآراء تسعى * لغايتها ولم تجد الوصولا
تجاذبه باشطان غلال * شددت برأسها خطبا مهولا
فكان المستجار لها حسين * فأسكنها مع الآساد غيلا
ومد لها مدى الأيام ظلا * على مستنجد النعما ظليلا
وقد بسط العناية من قدير * له كف حوت فضلا جزيلا
بها خضع الملوك له فأمست * تمنى من مكارمه قبولا
ألم تنس البليت وقد تسامت * توثب للعناية لن تزولا
كما اهدى المليك له احتفالا * تفائس تصحب النصر الجميلا
وكم ملك تمناها وفيها * نرى شرف السنا جيلا فجيلا
فأي مدرع بالحزم يلقى * لشاو يأخذ الجوزا مقيلا
أبو الشبلين ثامرها المرجى * وسلمان وحسبك ان تقولا
وقال يمدح الشيخ حسين السلمان ويذكر بناءه (السراية) في بنت
جبيل، ويمدح ولده ثامر بك:
هنيئا للمشيد بالمشاد * وما رفع العماد من العماد
هنيئا في مكررها هنيئا * هنيئا لا يؤول إلى نفاد
ألا فاهنأ حسين بما أجدت * لك الأيام من شرف المهاد
هنيئا كلما يبدو صباح * باشراق كوجهك للعباد
هنيئا كلما انهلت سحاب * كراحك بالرغائب والتلاد
هنيئا كلما ومضت بروق * بمثل ظباك آونة الجلاد
هنيئا كلما ابتسمت رياض * كوجهك عند مشتبك الصعاد
هنيئا ما همت كفاك جودا * بانواء المواهب لا العهاد
هنيئا ما علت نار بليل * كمثل ظباك في مهج الأعادي
لكم وقف الثناء بكل ربع * وسال نداكم في كل وادي
وقد أحكمتم عقد المعالي * على أيدي السوابغ والحداد
وكل مثقف عال طرير * يهز بكف أروع ذي سداد
فلا تعزى لغيركم انتسابا * على رغم المكابر والمعادي
ملأت مسامع الأيام * ذكرا بأفواه المكارم والأيادي
فكم قلدت بالاحسان جيدا * وكم عاف حملت على الجياد
وذكرك والنجوم مدى الليالي * سواعد في البلاد وفي العباد
تؤمن كل جارحة إذا ما * دعا قلبي لعزك بازدياد
ومتع بالبقا بأجل عز * سليلك صاحب المجد المشاد
طويل الباع ثامر من اليه * سعى الاقبال يمرح في القياد
فكان محله كمحل نور * العيون الناظرات من السواد
وقال يمدح علي بك الأسعد ويذكر بناء قصره في قلعة تبنين:
علي أنت للأمراء فخر * وأنت بدارة العلياء بدر
رفعت بهامة الجوزاء قصرا * ولم ير قبله في النجم قصر
كأن القلعة الشماء منه * سماء كواكب والقصر فجر
تبدى عن شروق علاك صبحا * فأدى فرضه المجد المقر
وأديت الصلاة به ابتهالا * وتسبيحي به حمد وشكر
سما صرحا فصرح فيه معنى * له في دارة العيوق سر
تسامى شاهقا في الجو حتى * يخال له على الأفلاك وتر
فهذا المهرجان فقم لنجلي * عرائس عيشنا فالعيد دهر
وقال وقد بلغه ان الشيخ عطوي غدار اتسعت دنياه بعد ما كان
فقيرا، فأرسل اليه هذه الأبيات:
يا من غدوت على الأيام طبالا * والدهر يرقص ألوانا وأشكالا
بالله هل صفقت أيامكم طربا؟ * من حيث وافتك بالانعام ايصالا
فكلنا في عنا الافلاس مرتهن * وكلنا لم يزل يسترحم المالا
بالله ان صافت الأقدار حالكم * فانفخ بزمرك كي تصفى لنا حالا
وبشرونا بانعام الزمان لكم * لعلنا ان نرى من شأنكم فالا
... على الضر والاعصار ان ذهبا * وكن على هامة الافلاس بوالا
وقال في شكوى الزمان:
أشكو إلى الله ما لاقيت من زمني * حالا تفرق بين الجفن والوسن
لفظت عزمي بأطراف النوى بطرا * فرحت ألطم وجه الريح بالغين
حتى استقر النوى في ارض (عاملة) * فخيرتني بين الذل والشجن
كأنما حين قام العيس يصدع بي * نشز الآكام وطي المهمة الحزن
كنت المشوق (لقانا) أم (جوية) أم * (لدير قانون) لا حيا بها سكني
فليت شعري ما ذا كان باعثها * عن نفخة أرتعيها في ربي عدن
أكنت قبل النوى اشتاق (ترمسها) * أم قادني الشوق (للبلوط) والشعن
أم (للبليلة) لا بلت لها غلل * أم (بقلة الفول) عنها كنت غير غني
أم (للسميد) بلحم الني منجبلا * ورب واضع زيت فيه يكرمني
أم كان قد مر بي دهر فعودني * (بربورة) طبخت بالماء واللبن
أم (للمدبس) إذ يعلو معتقة * من عهد افلاط بين النتن واللخن
ما قرقرت بطنها الا فست نتنا * على اللحى دفعا من ريحها النتن

546
وله في شكوى الزمان أيضا:
متى ترجو من الدنيا صلاحا * وأولها وآخرها فساد
كمثل التتن: أوله دخان * بلا نفع وآخره رماد
وله في مثل ذلك:
يظل محاربي زمن كنود * وعرضي من رذائله سليم
يسايرني الهوان به كأني * فقيه وهو فلاح لئيم
وقال بديهة عن لسان أحد الأدباء وقد باع برذونه واشترى بثمنه
جبة:
انظر إلى الدهر وأفعاله * وقبح ما يصنع بالحر
يعاكس الحر بآماله * حتى يرد الغمز للصدر
قد كان برذوني الذي بعته * يحملني في موقع الضر
أحوجني العسر إلى يسر * كحاجة المذنب للعذر
إذ اقبل البرد بسلطانه * وليس عندي مانع القر
فبعته وابتعت لي جبة * ترد ميت البرد للنشر
كأنما الأيام في مزحها * تضحك باليسر على العسر
لا يحتسى الشهد بها مرة * حتى تديف الشهر بالمر
كحال برذون لنا قد مضى * كنت عليه صاحب القصر
وكنت اختال على ظهره * فصار يختال على ظهري
وببالي ان هذه القضية مسبوقة، والبيت الأخير ليس للشيخ حبيب.
وقال راثيا من اسمه محمد الأمين - ويرجح انه والد جدنا:
أناخوا قليلا في الديار وعرجوا * على المنزل الاعلى الذي هو أبهج
أقاموا فما غير المحامد منزل * وساروا وما غير الإنابة منهج
وحدث عنهم صادق القيل منطق * إذ لجلج المنطيق لا يتلجلج
سوابق آثار ترينا مقامهم * بروضة نعمى صفوها ليس يمزح
لها أسرجوا خيل المنايا وبادروا * مصابيح في أوج المكارم تسرج
لهم من نعيم الخلد راح وراحة * ونار لنا بين الضلوع تؤجج
بكل يد للمكرمات محمد * أمين على التقوى وفيها متوج
أقام قليلا ثم بادر مسرعا * لدى ربها للروح والقدس معرج
صفا شربه السلسال فيها وشربنا * به كدر في مرة العيش يمزج
فمن مبلغ مني رسالة وامق * إلى كوكب فوق الغريين يسرج
يلم بطوافين لله عكف * من الملأ العلوي تهوي وتعرج
أبا حسن لي في حماك وديعة * امنت عليها ما يخاف ويزعج
فأنت الذي لا يختشي الضيم جاره * وعند عظيمات الشدائد تفرج
هنيئا لمن امسى لتربك لاثما * ويوم القضا من ذلك الترب يخرج
فما غيركم للخير فيها وسيلة * ولا بسواكم للشفاعة منهج
وقال يرثي الشيخ علي شمس الدين العاملي والد الشيخ مهدي
شمس الدين من قصيدة:
أعلي شمس الدين بعدك أصبحت * مكسوفة والمجد بعدك أجدع
حملت بك الأعناق كل فضيلة * منها إلى عين الحقائق مشرع
رفعت بك الايمان يصحبه الهدى * فيقل لو أن المجرة مضجع
ولقد وقفت على ثراك مسلما * تسليم من هو للحياة مودع
فبكيت حتى كل شئ رق لي * ورثيت حتى كل عضو مدمع
عظم المصاب فأي رزء اتقي * من بعده ومسرة أتوقع
وقال:
وعد المحبوب وصلا * في سحير بعد هجر
فحبست الدمع حتى * قلت هذا الفجر فاجر
وقال:
يا من أناط على العيون تمائما * فمن المنيط على القلوب تمائما
تخشى العيون وسهم حائل * بين القلوب ومنه سل صوارما
لو كنت أعطيت القلوب أمانها * من مقلتيك لما اغتدين غنائما
لم تأخذ الابصار منك نعيمها * حتى أقمت على القلوب مآتما
وقال يذكر أصفهان:
قل للحبيب وللخليط المؤنس * نفسي الفداء لذات ذاك المجلس
من لي بتلك وكيف بي لو عن لي * ذكراهم ومدار تلك الأكؤس
أواه من طمع يكلف للنوى * نفسا يعللها المنى بالأنفس
فتروح تذرع بالسرى بيد الفلا * وتشق بالتسهاد توب الحندس
تبني له الآمال فوق ذرى السهى * بيتا وتكسوه ثياب السندس
حتى إذا أخذ النوى أطرافه * هزئت وقالت يا رقيع تنفس
تسعى النفوس إلى المنى ولربما * يجني ثمار الغرس من لم يغرس
ما في الأماني راحة لكنما * هي راحة صفعت قفاء المفلس
أما تسل عن أصفهان وما جرى * فالغيث دمعي والبروق تنفسي
إذ شمت مالا ارتضي وألفت ما * لا أقتضي وحسوت ما لم احتس
ما غبت عن نحس الوجوه تطلبا * دفع الأذى الا وقعت بأنحس
ماذا أروم من العلا في معشر * جعلت اهاب الضأن زين الأرؤس
تبتاع فضلات الأنام بأوفر * وتبيع فضل الأكملين بأبخس
صم إذا حدثتهم أو حدثوا * خرس وهل يجديك صوت الأخرس
فأروح لا مستأنسا بحديثهم * ابدا ومن لي بالحديث المؤنس
مالي أرى الآمال ان ضاحكتها * يوما تلقتني بوجه أعبس
ما بال حظي كلما نبهته * من نومه يأوي لحال اوكس
قد كنت أطمع في الجواري برهة * فحظيت لكن بالجواري الكنس
كم كنت أرعاها كأني حارس * والهم يرعاني لغير تحرس
وطني يعز علي الا انه * ألف السهام البعد من جور القسي
ان جئتم دار السلام فبلغوا * عني السلام أولي المحل الأقدس
واشرح لهم متن الصحيفة قائلا * اني حملت صحيفة المتلمس
وله قصائد في مدح عمنا السيد محمد الأمين ذكرت في ترجمته.
وقال هذه الأرجوزة يصف بها رحلته إلى العراق:
أحمد خير منعم وهاب * معلل الأشياء بالأسباب
ثم الصلاة للنبي المرسل * وآله الغر ذوي الفضل الجلي
وبعد لما زم رحلي للسفر * مصاحبا في السير أمجادا غرر
لقوله وهو الذي يسير * فيه اشات لمن يعتبر
وليس للانسان الا ما سعى * به اعتبار واضح لمن وعى
نؤم بالسير الهداة البررة * آل النبي والولاة السفره
من بهم قد أعلن الكتاب * والحق قد أوضح والصواب

547
وغاية المقصد لثم تربهم * والفوز بازديارهم وقربهم
فلثم ذاك الترب من أرض النجف * قد ضمن الفوز منالا والشرف
ولثم ترب كربلا أكرم بها * من تربة للفضل فيها المنتهى
أحببت ان أثبت ما قد حصلا * مرتبا ومنزلا فمنزلا
فحين سرنا من بلاد (عامله) * بحمد خير منعم والشكر له
فبدء سيري كان من (تبنين) * غب وداع الطرف الأمين
ذاك السري الأريحي الأمجد * والعلم الفذ العلي الأسعد
قد عمني بفيضه احسانا * كالغيث جاد وبله هتانا
حتى وفدت بالمسير (الطيبة) * لخير من حاز النعوت الطيبة
ذاك الهمام اللوذعي الأنجد * محمد الأسعد وهو الأوحد
فنالني من بره الإنعام * وعم غيري الفضل والاكرام
وثم كان ملتقى الرفاق * أصحابنا القصاد للعراق
فضمنا النادي الزكي المعتبر * بالصفو والأنس بذي الوجه الأغر
بليلة طاف السرور والصفا * فيها علينا واغتنمنا الشرفا
وكان في المجلس شيخ فاضل * له بعلم الرمل باع طائل
سألت منه ان يخوض الرملا * ويلحظ الاشكال شكلا شكلا
فما يرى ينطق عن هذا السفر * فبان نجح ومنال وظفر
عدا ثلاث في بيوتات النسا * منكوسة ما بين عل وعسى
وقد نهضنا عند ضوء الفجر * نفري الفلا من مهمه وقفر
حتى وردنا الشق وهو منبع * صاف كعين الديك صرف يلمع
حط لديه الركب في الفلاة * وبات بالانس إلى الغداة
وهاجنا صوت رفيق معجب * ينشد الرفاق شعرا يطرب
والكل منا في الهيام والجوى * تشب في احشائه نار النوى
حتى إذا ضاء الصباح وانجلى * سار المطي طاويا نشر الفلا
وقد وردنا العصر للديماس * في منزل خال من الايناس
وبكر الركب إلى الشآم * ولا تسل عن ذلك المقام
كل يؤم طامعا تكييشا * يبحث في جيوبنا تفتيشا
حتى وردنا حارة (الخراب) * من الشام مركز الأنجاب
وقد تلاقينا بنعم الملتقى * مع فتية ترعى المعالي والتقى
عن موعد كان لنا من (عامله) * يجمعنا لولا اختلاف القافلة
وقد توافينا بيوم واحد * في الشام بلغة المقاصد
وبدء من أمعن بالاكرام * جواد آل حمزة اللحام
نعم الجواد الأروع الجواد * نعم الفتى عزت له الأنداد
مهذب الاخلاق غير مائل * عن سنن المجد إلى التكاسل
قد بسط الاخلاق بالمعروف * وكل معنى حسن ظريف
حين تلقى سمعه ورودي * كان الينا أول الوفود
حتى إذا وافى مقري لم يدع * ان حمل الأسباب طرا ورجع
لم يك الا في حماه منزلي * ونعم دار كان فيها معقلي
فاختلف الأصحاب والاخوان * ومن له في الأدب اقتران
ونحن في اخفض عيش وصفا * مع جيرة تمزح بالحلم الوفا
ودأبنا بعد تمام الأنس * نضرب للتحميل طبل العرس
فالبعض يختار المسير ممعنا * قلاطة والبعض يختار الونى
والبعض يختار السرى إلى حلب * وبعضهم في لقم الشول رغب
ومانع السير على الجهات * جميعها تعرض العتات
إذ عاثت اللصوص والغزاة * بكل وجه وهم العصاة
وقد أشار بعض اخوان الصفا * وهو الذي حاز كمالا ووفا
ان نكتري بغال جند الدولة * لما لهم من منعة وصوله
فاختير هذا الرأي فاكترينا * كما أشار ذو السدا علينا
وكان في البين المشير واسطه * على شروط قررت ورابطه
وقد بقينا في دمشق شهرا * مرادفا لليلتين أخرى
ونحن في اليوم نسير أو غدا * وكل يوم نستجد موعدا
حتى إذا ما أذن الله لنا * في السير سرنا وانتهى ذاك الونى
وصحبنا تسع وعشرون عدد * بين ذكور وإناث وولد
وقد سرينا من دمشق عصرا * (براه ذي الحجة أرخ يسرا)
سنة 1263
حتى وردنا الخان عند المغرب * ثلاث ساعات بوخد المركب
وبكر الركب إلى القطيفه * عن كدة مسرعة عنيفه
بها أقمنا ليلة ونافله * منتظرين لعميد القافلة
ثم ارتحلنا قبل ضوء الفجر * حتى وردنا النبك بعد الظهر
ودون خان النبك كان المنزل * وهو لعمري للفساد معقل
بها أقمنا ليلة وليله * حتى اتى العميد يزجي خيله
وفي الصباح جد وخد السير * نمعن بالجد إلى القصير
وقد وردناه قبيل المغرب * والكل نشوان بخمر التعب
وجد في الصبح مسير القافلة * حتى أتينا حمص عند القائلة
بها أقمنا ليلة وثانيه * وصحبنا للسير غير وانية
وقد توافينا بيوم واحد * مع خل صدق وخليل ماجد
قد جد يسعى من بلاد عامله * لأرض فوعة لأمر كان له
فجد بالالحاح ان نمضي معه * لفوعة لعل فيها منفعه
وفي صباح الثالث الركب ارتحل * إلى حماه والعصير قد وصل
حتى إذا ارتحنا من الاعياء * قمنا نزيل الرنق بالصفاء
نطوف في خلالها تفرجا * وقد سلكنا منهجا فمنهجا
كم جنة صح بها النعيم * الا النعامى والصبا سقيم
وللنواعير حنين موجع * لكل قلب بالنوى يصدع
تدور سعيا وتئن كمدا * كأنها تطلب ألفا فقدا
خاطبتها ولي فؤاد قد حوى * نار الجوى وبالفراق قد ذوى
قلت لها وللنوى اختلاق * لك الحنين ولي الفراق
فأين أنت والغرام والهوى * الكل لي وأنت تبدين الجوى
فأين نار القلب منك والشجن * من نار قلبي حين فارقت الوطن
ثم قصدنا بعدها شيخونا * صبحا فجئنا الخان قائلينا
وقد وجدنا في الطريق جندا * يقارب الألف خيولا عدا
سألت من بعضهم استفهاما * فقال من بغداد نبغي الشام
ومن أمر ما وجدنا جهدا * في الركب تركي يضاهي القردا
مقلد طنبوره نهارا * والليل ينهي ضربه الأوتارا
غناه صوت الدب إذ ما أحرجا * وهو أبح كيف يروي الهزجا
وضربه للعود كال‍... * من جوف متخوم من الاخلاط
فصوته ووجهه وبشره * برد الشتا وليله وضره
قيل الغناء يدفع الآلاما * وصوت هذا يجلب الأسقاما
يورث داء السل والزحير * ويغلب البرد على المحرور

548
فليلة الخان حوت كل الأذى * بريحه ورمله وصوت ذا
ثلاثة نلنا بها غثاثه * وبالغت في ضرنا الثلاثة
ثم ارتحلنا بعد للمعره * وهي لعمري للصلاح ضره
بها وجدنا رجلا مجنونا * وقد تسمى بينهم دحنونا
يقول من ذا يبتغي الرضوانا * يفعل بي فيدخل الجنانا
وعين الفعل بسبع عشره * ويكثر الفوز لمن قد كثره
يكبس النساء والرجالا * والكل منهم طالب منالا
يرجون من تكبيسه الشفاء * ويدعون كم أزاح داء
هذا الذي منهم بدا علانيه * والله أدرى بالتي في الثانية
فقبح الله بني المعره * وشبهها في الناس ألف مره
ثم ارتحلنا عند ضوء الفجر * حتى اتوا سرمين بعد الظهر
وفي الصباح قصد الركب حلب * وسرت للفوعة من أجل الإرب
وصاحبي الفذ الحسين المنتقى * ومن بحمص كان فيه الملتقى
حتى نزلنا بالهمام المتقي * محمد ابن الفاضل الحبر التقي
وقد حبينا منه بالاكرام * والبر والاحسان والإنعام
وما عجيب منهم الافضال * لحالة موروثة تدال
وهو يزيد البشر آنا آنا * ويتبع الحسنى له احسانا
وقد أقمنا عنده ثلاثا * وزاد في ايناسه اكتراثا
ثم توادعنا وسرنا صبحا * مع صحبة حوت تقى ونجحا
حتى وردنا حلبا عصيرا * وكم شهدنا جامعا وديرا
ثم تلاقينا مع الرفاق * وانضم مشتاق إلى مشتاق
فلم نجد في حلب ما ينتقى * غير الشقاق والنفاق والشقا
وقد رأينا جامعا عظيما * مزخرفا منوعا قديما
تتيه فيه العين والألباب * وكم تليه خوخة وباب
مرمره في الأرض صفو الماء * يريك شكل الطير في السماء
وكم به من منبع وساقيه * وبركة لها سقوف واقية
يجري إليها الماء صاف يلمع * كذاك منها لسواها يسرع
ترى صفاء الماء في الرخام * كأنه الخيال في الأوهام
ولا أزيد وصفه خوف الملل * فاعتبر الجامع في حسن العمل
تسعة أيام أقمنا عددا * ثم ارتحلنا حيث نبغي المقصدا
سرنا صباحا حيث طاب السرى * حتى وردنا اخترين عصرا
وقاصرون بعدها ونزبا * كلا اتيناها نزولا مغربا
ثم وردنا لبراجيك ضحى * وقد تعسفنا عبورا وانتحا
بها أقمنا ليلة ثم إلى * نحو هربزان قصدنا منزلا
فضل في طريقنا الدليل * وما له الا النجا سبيل
فثم أم الركب بوغزلانا * ظهرا وما أطيبه مكانا
لنشأة الأمواه والأزهار * للطير تغريد على الأشجار
بها أقمنا لغروب الشمس * على ارتياح وصفا وأنس
ثم سرينا الليل سيرا ضبحا * حتى وردنا هربزان صبحا
ويومه الثاني ارتحلنا فجرا * حتى وردنا نحو (ارفا) ظهرا
بها شهدنا بركة الخليل * تجري بها الحيتان كالخيول
فلو وزنت الماء والحيتانا * زادت على مياهها رجحانا
كأنها السطور حشو الطرس * آمنة من صائد ومس
والمنجنيق اثره مبين * يخبر عما ارتكب اللعين
ومات في الركب شقي محرب * يدعى غزالا وهو كلب أجرب
فعوق الركب عن المسير * ضحى إلى أن حل في القبور
فكان ذا عن البكور عذرا * لذا وردنا جلمان ظهرا
ثم سرينا في الدجى وشيكا * حتى الغروب فوردنا نيكا
وحينما طير الثريا جنحا * سرنا فجئنا لسويرك ضحى
فأخبرت ناس لهم درايه * بحالة اللصوص والسعايه
بأن قوما من عتاة العرب * هم مائتان ولنا في طلب
كانوا لنا مرتقبين مذ سرى * ركب لنا فخيبت ان تظفرا
وقد بقي عميدنا محتارا * ليلا يرى المسير أم نهارا
من اي وجه يأخذ الطريقا * وهو بسكر الفكر لن يفيقا
حتى استقر الرأي عن نهوك * ان يسري الركب إلى شرموك
خرافة
وفي سويرك شهدنا آية * ثابتة بالنقل والدرايه:
أن بها من عصبة المختار * ستة أجسام بلا تواري
أجسامهم على مرور الحجج * باقية تنمو بطيب الأرج
واحدهم شيخ كبير أشيب * يدعى عليا وهو فيهم معطب
مبضع الصدر طعين الخاصره * باد لعيني ناظر وناظره
وابنان في جنبيه وابنتان * وزوجة له على البيان
وهم على مرتفع كالمصطبة * أجسادهم مصفوفة مرتبه
هذا ونحن حين جئنا للمحل * شمناه صدقا مثلما الرائي نقل
سوى الجسوم كل جسم جعلا * خلال تابوت رفيع اعتلى
ثلاثة كنا به تماما * قد التمسنا من يلي الأجساما
ان يفتح التابوت للمشاهده * وبعد بذل الجهد والمراوده
قد قابل التابوت بالتعظيم * وقارن الآداب بالتسليم
وكان تابوت علي مثلما * يدعى وقد كان الغطا مسنما
فمذ تجلى النور من حجابه * واسفر البدر بلا نقابه
مددت طرفي نحوه تأملا * رأيته بالقطن قد تزملا
سوى قليل من محياه بدا * وسائر الجسم عن العين ارتدى
ورام ان يكشف عن كل الجسد * لكي نراه عن ثبات معتمد
فمد واحد يديه عاجلا * خلاله فاغتاظ ذاك قائلا:
ما هذه حسن سجايا وأدب * وأغلق الباب وما نلنا الإرب (1)
ثم رجعنا لمحط القافلة * وقد أخذنا كلما نحتاج له
حتى إذا أربى الظلام سترا * سرنا لشرموك فجئنا عصرا
بها أقمنا ليلة وأخرى * لم نلف الا برة وبرا
وقد وجدنا عندها حماما * بلا وقيد لاهبا ضراما
به اغتسلنا وجميع من حضر * ثم تهيأنا إلى حيث السفر
حتى إذا ما كان قبل الفجر * سرنا فجئنا الخان بعد الظهر
وكان نزل من بني الأكراد * بالقرب منه عيبة الفساد
تغتنم الفرصة في الحرام * والكل عاط جذر اللئام
وحولنا الأجناد كل محترس * يشبه ذا اللبدة حين يفترس
والخان مدعو بخان كفر * منه ارتحلنا لديار بكر
وقد نزلنا ثم بئس المنزل * خان لأرذال الطغام معقل

549
وصاحب الخان لئيم الذات * منغمس بأرذل الصفات
يدعى بعبد الله في الاسماع * وهو عبيد الخزي والأطماع
كم رام فينا عثرة وما ظفر * وكم لتأييد الاله من عبر
فنقمة الله عليه ابدا * ما هبت الريح على طول المدى
والرأي قد اجمع منا في السرى * بدجلة والحال قد تعذرا
لصادر التحريج في الأكلاك * وضبطها لذخرة الأتراك
وثم آلات حروب وعدد * لنحو بغداد لأمر قد ورد
ونحن في امر السرى حيارى * انكتري ظهرا أو اصطبارا
واختزلت جماعة منا على * مسيرها برا ليأس حصلا
فعندها شمرت عن ساق الهمم * أشد للسعي وللجهد الحزم
نظمت مدحا للوزير أحمدا * أبديت من بعد الثناء المقصدا
فمذ تلاها باعتناء وابتهر * أوما باحضاري لشخص وامر
ومذ رآني أظهر التعظيما * وأكثر الآداب والتسليما
أومأ إلى جانبه لمجلسي * بطلق وجه بالجمال مكتسي
وكان لي بالصحبة ندب أغر * وهو الحسين الماجد الفذ الأبر
فأخرج التوقيع بالمطلوب * في غاية المأمول والمرغوب
وأرسل التابع للديوان * توصية باللطف والاحسان
بكل ما نريد ان لا يمتنع * من كلك أو عبرة أو مجتمع
وحين قمنا قام للاجلال * يشير بالمعروف والافضال
حتى اتينا صاحب الديوان * فبلغ المأمور باللسان
ما قاله الندب الوزير، وامر * فجئ بالكلاك حالا فحضر
فبلغ الأمر وأوصوه بما * أوصى به الفذ الوزير مكرما
فثم بادرنا لخير نقله * من ذلك الخان لشاطي الدجله
به أقمنا عن تعلات الونى * خمسا وليس السير فيها ممكنا
وعلة الإمهال للأماني * نسري مع الاكلاك للأمان
وقد أقمنا في ديار بكر * سبعا وعشرا في هنا وضر
ثم سرينا نقتفي التوكلا * على الرؤوف البرنبغي الموصلا
وكان ماء دجلة ضعيفا * وسيرنا كان به عنيفا
كم شعبة للماء فيه تفترق * لضعفه ونحن فيها نخترق
فجزرة تأتي عقيب جزره * يستوقف الكلاك فيها العبرة
حتى وردنا الحصن بعد الظهر * رابع يوم من ديار بكر
وهو الذي يدعى بحصن كيفا * وقد بدا عالي الذرا كنيفا
والنهر في واديه يجري سائلا * مدفقا كالسهم يرمي صائلا
بيوته تسمو على ارتفاع * مبثوثة كالوشم في الذراع
فبعضها تحت وبعضها عمل * وبعضها جامع دين مختزل
فكم بها من جامع قديم * ومدرس أعد للتعليم
وكم قصور رفعت وصرح * يطول فيها ان وصفت شرحي
قديمة الآثار من عهد القدم * تنبئ عن ثروة من صاروا رمم
وأهلها جميعهم أكراد * دأبهم الشقاق والفساد
وما لبثنا دون ان شرينا * ما نبتغي وبالوحي سرينا
من ثم كان الماء في ازدياد * فارتاحت الأنفس في المهاد
حتى وردنا بعدها الجزيرة * وهي لعمري بلدة خطيره
وقد خلت من نضرة ومن شجر * ومن قصور ترتقى ومن أثر
وما بها سوى المياه دائره * مثل الغواة حول بنت حاسره
رخيصة الأسعار خذ ولا تسل * اللحم والسمن كثير والعسل
وأهلها في الخفض والليانة * كأنها العانة في المثانه
وهم من القوم الأولى عنها كشف * غطاؤها ومن رآها يعترف
بها أقمنا ليلة وأخرى * ثم سرينا حيث طاب المسرى
حتى وردنا موصلا في الخامس * وهي لعمري مجمع النفائس
وقد نزلنا الخان حول الجسر * فزال عنا فيه كل عسر
لما به من نشأة ولطف * يطول شرحي فيه حين وصفي
بالجانب الشرقي زرنا يونسا * في نينوى طابت هناك مغرسا
وقبره على كثيب مشرف * منوع التحسين بالتزخرف
معظم بناؤه رحب الحرم * زواره كثيرة جم الخدم
مختلف الوضيع والشريف * وموئل الأقيال والضعيف
فليس يخلو قبره من زائر * بكل آن ذاهب وغابر
ثم قفلنا نبتغي المنالا * نزور جرجيس ودانيالا
قبراهما بالجانب الغربي * جئنا اليهما بغير عي
حتى أتينا دانيالا أولا * وقد رأينا مرقدا مبجلا
معظم الشعار في الآثار * منوع الاشكال في الاستار
رحب المكانين ضريح وحرم * خلاله الزوار كثر والخدم
بقربه قبر أويس القرني * خلال سرداب قديم قد بني
ثم قصدنا بعده جرجيسا * وقد رأينا مرقدا نفيسا
معظم الشعار في البناء * سامي الذرا متسع الأرجاء
أستاره من الحرير السندسي * بعض وبعض من حرير أنفس
قد زاد بذل المال في اصطناعه * مع سعة الضريح وارتفاعه
وما يلي الضريح رحب والحرم * يكثر فيه الزائرون والخدم
متصلا بجامع أعظم به * من جامع بصنعه ورحبه
ثم انثنينا بعد انهاء الوطر * من الصلاة والدعاء والنظر
نطوف في المدينة اعتبارا * نعتبر الأحوال والآثارا
فكم بها من اثر قديم * وكم بها من معبد عظيم
وهي لعمري بلدة عظيمه * أحوالها باللطف مستقيمه
فماؤها دجلة والهواء * فيها لكل علة شفاء
زاهية الجنات بالأشجار * لكثرها رخيصة الأسعار
وخبزها مثل صدور غيد * مهفهفات كاعبات رود
أشهى إلى العين من الرقاد * من ناعس بالغ في السهاد
كذلك القمير كالزنود * منهن والتفاح كالخدود
والضرب الماذي كالرضاب * من فم من تهوى من الأحباب
أحلى من الوصل عقيب الهجر * ومن منال القصد بعد الصبر
ولا أطيل الشرح في حسن الثمر * فعن جنان الخلد قد ذاع الخبر
سبعة أيام بها أقمنا * ثم إلى تكريت قد عزمنا
حتى إذا تمت ليال أربعة * جئنا لتكريت بخفض ودعه
وهي لعمري بلدة سخيفه * وأهلها كالدود وسط جيفه
وما بها شئ يسر الناظر * به سوى البطيخ وهو وافر
كذا النساء كالظباء في الحور * والحسن والرجال أمثال البقر
بها أقمنا ليلة أخرى * ثم سرينا فوصلنا عصرا
لنحو سامراء فابتدرنا * سرعان للمزار فاغتسلنا
والكل منا شيق طروب * للشوق في احشائه وجيب

550
نلثم بالعيون والشفاه * وبالخدود الترب والجباه
حتى وردنا مغرب الشموس * وموضع التهليل والتقديس
نمرغ الخدود بالوجين * ونمسح الدموع باليمين
حتى إذا جئنا بترتيب العمل * فرضا ونفلا ودعاء قد حصل
ثنى بنا القصد إلى السرداب * للثم ترب الأرض والأعتاب
ثم قضينا العمل المرتبا * من كل ما فيه اليه ندبا
صلى الاله ما سرى ريح الصبا * على امام في فناه غيبا
وقد أقمنا ليلتين واقتضى * مسيرنا منها إلى أبي الرضا
حتى إذا ما كان يوم الرابع * بدا لنور الطهر أسنى لامع
يلوح للقبة من بعيد * فعندها شرعت في قصيدي
قصيدته في حمد البك
ومن شعره قصيدة تتجاوز مائة بيت، نظمها في انتصار حمد البك
المحمود على جيوش إبراهيم باشا يرد بعضها في ترجمة حمد البك المحمود في
الجزء الثامن والعشرين.
حبيب بن عبد الله.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام.
حبيب العبسي والد عائذ بن حبيب.
عده الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام.
حبيب بن العلاء السجستاني
في لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وذكر عنه أبو
عمرو الكشي انه سمع من جعفر الصادق قصة في الكتاب الذي انزل على
موسى فجعله عند هارون، واستمر عند ذريته إلى أن أضاعه بعضهم،
وساقها مطولة. وآثار الوضع لائحة عليها، وقد ذكرتها بتمامها في ترجمة
يغوث من كتابي الإصابة في تمييز الصحابة. والشيخ الطوسي في رجاله ذكر
حبيب بن المعلى السجستاني كما ستعرف، ولم يذكر حبيب بن العلاء.
واحتمال التصحيف بين المعلى والعلاء قريب، ولكن الكشي ليس في كتابه
ذكر لحبيب بن العلاء ولا لهذه القصة التي أشار إليها. وأغرت من ذلك أنه قال
في ترجمة يغوث: جاء في ذكره في خبر أظنه مصنوعا، قرأت في كتاب
طبقات الامامية لابن أبي طي اه‍. لم يزد على ذلك شيئا مع أن قوله
(قرأت) يدل على أن الكلام ناقص لأنه لم يذكر المقروء الا ان يكون
الصواب قرأته والله أعلم.
الشيخ حبيب ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الجناحي النجفي صاحب
كشف الغطاء.
توفي سنة 1307.
كان عالما صالحا. ولما توفي رثاه جعفر الحلي بقصيدة في ديوانه من
جملتها:
لله بدر الجعفريين الذي * أبدى برغم المكرمات غروبا
أودى فأبناء الشريعة بعده * شقت له بدل الجيوب قلوبا
أدعوك يا غوث الصريخ فلم تجب * ولقد عهدتك للصريخ مجيبا
قد كان وجهك يا حبيب ذريعة * بك من غدا يدعو الاله أجيبا
وبه تحل عرى المحول فان ابدا * لم يبق وجه سحابة محجوبا
ومنها في تعزية أخيه الشيخ عباس:
صبرا أبا الهادي وان يك رزؤكم * بسهامه الدين الحنيف أصيبا
صوب وصعد مقلتيك مكررا * من عينك التصعيد والتصويبا
أفهل ترى وجه امرئ ما غادرت
لطمات نائبة عليه ندوبا
ان تخلق الأيام جدة عالم * من بيتكم فقد ارتديت قشيبا
لك فكرة في العلم ان وجهتها * أبدت بمنة ذي الجلال غيوبا
هل كيف تحجب عنكم وأبوكم * كشف الغطاء فبين المحجوبا
تزهو المحارب ان تقوم مصليا * بك والمنابر ان تقوم خطيبا
و تعد نافلة العطاء فريضة * والعذر في آثارها تعقيبا
حبيب بن أبي ثابت قيس، ويقال: هند بن دينار أبو يحيى الأسدي
الكاهلي مولاهم الكوفي.
توفي سنة 119 وقيل سنة 122 حكاه في خلاصة تذهيب الكمال.
صفته
في طبقات ابن سعد: روي لي عن حفص بن غياث: رأيت
حبيب بن أبي ثابت رجلا طويلا أعور.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام فقال حبيب بن
أبي ثابت. وذكره في أصحاب الحسين عليه السلام فقال حبيب بن أبي ثابت
أبو يحيى الأسدي الكوفي تابعي، وكان فقيه الكوفة أعور، مات سنة
119. وذكره في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام فقال: حبيب بن
أبي ثابت الأسدي الكوفي تابعي اه‍. وفي مستدركات الوسائل ظاهر ثقة
الاسلام في باب الفرق بين من طلق على غير السنة وغيره أنه عامي. وعن
تقريب ابن حجر: حبيب بن أبي ثابت قيس، ويقال: هند بن دينار
الأسدي مولاهم أبو يحيى كوفي ثقة ثقة جليل، وكان كثير الارسال
والتدليس من الثالثة، مات سنة 119. وفي ميزان الاعتدال حبيب بن أبي
ثابت من ثقات التابعين قال البخاري: سمع ابن عمرو وابن عباس تكلم
فيه ابن عون. قلت: وثقه يحيى بن معين وجماعة، واحتج به كل من أفراد
الصحاح بلا تردد وغاية ما قال فيه ابن عون: كان أعور، وهذا وصف لا
جرح ولولا أن الدولابي وغيره ذكره لما ذكرته اه‍. وفي طبقات ابن سعد:
حبيب بن أبي ثابت الأسدي مولى لبني كاهل، ويكنى أبا يحيى واسم أبي
ثابت قيس بن دينار. قال أبو بكر بن عياش: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم
رابع: حبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان، وكان
هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا وهم المشهورون، وما كان بالكوفة أحد الا
يذل لحبيب أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن عمر - الواقدي - قالا: مات
حبيب بن أبي ثابت سنة 119. وفي تهذيب التهذيب: قال البخاري عن
علي بن المديني له نحو مائتي حديث. وقال العجلي كوفي تابعي ثقة وقال
ابن معين والنسائي ثقة. وعن ابن معين ثقة حجة قيل له ثبت؟ قال نعم
انما روى حديثين، قال: أظن يحيى يريد منكرين حديث المستحاضة تصلي
وان قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم، وقال أبو حاتم
صدوق ثقة ولم يسمع حديث المستحاضة من عروة. وقال ابن حبان في
الثقات: كان مدلسا. وقال العقيلي: غمزه ابن عون. وقال القطان: له

551
غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقال الأزدي روي
عن ابن عون انه تكلم فيه، وهو خطأ من قائله انما قال ابن عون: حدثنا
حبيب وهو أعور. قال الأزدي وحبيب ثقة صدوق. وقال الآجري عن أبي
داود: ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شئ يصح. وقال ابن عدي:
هو أشهر وأكثر حديثا من أن احتاج اذكر من حديثه شيئا، وقد حدث عنه
الأئمة وهو ثقة حجة كما قال ابن معين. وقال العجلي: كان ثقة ثبتا في
الحديث سمع من ابن عمر غير شئ ومن ابن عباس، وكان فقيه البدن
(البلد ظ)، وكان مفتي الكوفة قبل الحكم وحماد. وذكره أبو جعفر
الطبري في طبقات الفقهاء وكان ذا فقه وعلم. وقال ابن خزيمة في
صحيحه: كان مدلسا وقد سمع من ابن عمر. وقال ابن جعفر النحاس
كان يقول إذا حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقا.
ونقل العقيلي عن القطان قال حديثه عن عطاء ليس بمحفوظ قال العقيلي:
وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها منها: حديث عائشة لا تسبحي عنه.
وقال سليمان بن حرب في قول حبيب (رأيت هدايا المختار تأتي ابن عمر)
ما علمه بهذا وهو صبي. ونافع اعلم بأمر ابن عمر منه اه‍. وذكره أبو
نعيم في حلية الأولياء فقال ومنهم المتعبد المنافق المتوكل على المولى الرزاق
مطعم القراء ومعلم السفهاء حبيب بن أبي ثابت تواضع فارتفع وتطاوع
فانتفع ثم روى بسنده عن أبي يحيى القتات قدمت مع حبيب بن أبي ثابت
الطائف فكأنما قدم عليهم نبي وعده ابن رستة في الأعلاق النفيسة من
الشيعة.
أخباره
في حلية الأولياء بسنده عن كامل بن أبي العلاء أنفق حبيب بن أبي
ثابت على القراء مائة ألف. وبسنده عن أبي بكر بن عياش رأيت حبيب بن
أبي ثابت ساجدا فلو رأيته قلت ميت - يعني من طول السجود - وبسنده قال
حبيب بن أبي ثابت ما استقرضت من أحد شيئا أحب إلي من نفسي أقول
لها أمهلي حتى يجئ من حيث أحب. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده
عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبت العلم وما لي فيه نية ثم رزق الله
النية. وفي حلية الأولياء بسنده عن حبيب بن أبي ثابت طلبنا هذا الأمر وما
نريد به - يعني الحديث - ثم رزق الله النية - يعني في الحديث - وفي الطبقات
بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال ما عندي كتاب في الأرض الا حديث
واحد في تابوتي. وبسنده عن أبي بكر بن عياش قال: سمعت حبيب بن
أبي ثابت يقول أتى علي ثلاث وسبعون سنة.
ما جاء عنه من المواعظ والحكم
في حلية الأولياء: قال حبيب بن أبي ثابت: من وضع جبينه لله
تعالى فقد برئ من الكبر. وقال كان يقال ائتوا الله في بيته فإنه لم يؤت
مثله في بيته ولا أحد أعرف بالحق من الله.
ما روي من طريقه من مختلف الأخبار
الاقبال بالحديث على الكل
في حلية الأولياء بسنده عن حبيب بن أبي ثابت قال إن من السنة إذا
حدث الرجل القوم ان يقبل عليهم جميعا ولا يخص أحدا دون أحد.
الشكوى
وبسنده عنه كان يعقوب عليه السلام قد كبر حتى رفع حاجبيه بخرقة
فقيل له ما بلغ بك ما أرى؟ قال طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى اليه
ربه أتشكوني؟ قال رب خطيئة أخطأتها فاغفرها.
القتل
وبسنده عنه عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أن أهل السماء
وأهل الأرض اجتمعوا على قتل امرئ مسلم لعذبهم جميعا.
الصبر على الأذى
وبسنده عنه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمن الذي يخالط الناس
فيؤذونه فيصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس فيؤذونه
فيصبر على أذاهم.
تواضع النبي عليه الصلاة والسلام
وبسنده عنه عن انس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبس الصوف وينام على
الأرض ويأكل على الأرض ويركب الحمار ويردف خلفه ويعقل العنز
فيحتلبها ويجيب دعوة العبد.
بر الوالدين
وبسنده من طريق حبيب بن أبي ثابت جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
يستأذنه في الجهاد فقال له أحي أبواك قال نعم قال اجلس عندهما قال وفي
رواية ففيهما فجاهد.
الحمادون
وبسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من
يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء.
الأرواح جنود مجندة
بسنده عن أبي الطفيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأرواح جنود مجندة، فما
تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
التوبة
وبسنده عن زيد بن وهب عن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان يوم
القيامة جئ بالتوبة في أحسن صورة وأطيب ريح، فلا يجد ريحها الا
مؤمن، فيقول الكافر يا ويلتاه أتاك هو لك يزعمون أنهم يجدون ريحا طيبة
ولا نجدها! فتكلمهم التوبة فتقول لو قبلتموني في الدنيا لأطبت ريحكم
اليوم! فيقول الكافر انا أقبلك الآن فينادي ملك من السماء لو أتيتم بالدنيا
وما فيها وكل ذهب وفضة وبكل شئ كان في الدنيا ما قبل منكم توبة
فتبرأ منهم التوبة وتبرأ منهم الملائكة، وتجئ الخزنة فمن شمت منه ريحا
طيبة تركته ومن لم تشم منه ريحا طيبة ألقته في النار.
مشايخه
في حلية الأولياء روى عن عدة من الصحابة منهم ابن عباس وابن
عمر وجابر وحكيم بن حزام وأنس بن مالك وابن أبي أوفى وأبو الطفيل وزاد

552
في تهذيب التهذيب انه روى عن زيد بن أرقم وإبراهيم بن سعد بن أبي
وقاص ونافع بن جبير بن مطعم ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وأبي
صالح السمان وزيد بن وهب وعطاء بن يسار وميمون بن شبيب وأبي
المطوس وثعلبة بن يزيد الحماني وخلق. قال ومن أقرانه عن ذر بن عبد الله
الهمذاني وعبدة بن أبي لبابة وعمارة بن عمير ومحمد بن علي بن عبد الله بن
عباس وغيرهم وأرسل عن أم سلمة وقال أبو زرعة لم يسمع من أم سلمة
وعن حكيم بن حزام: وروى عن عروة بن الزبير حديث المستحاضة،
وجزم الثوري انه لم يسمع منه وانما هو عروة المزني آخر، ومر انه صحب
الأئمة عليا والحسين والباقر والصادق عليهم السلام.
تلاميذه
في حلية الأولياء: روى عنه عدة من التابعين منهم عطاء وعبد العزيز
بن أبي رفيع والشيباني والأعمش وعامة حديثه عند الأئمة والأعلام
الثوري ومسعر وشعبة اه‍. وفي تهذيب التهذيب: روى عنه الأعمش
وأبو إسحاق الشيباني حصين بن عبد الرحمن وزيد بن أبي أنيسة والثوري
وشعبة والمسعودي وابن جريح وأبو بكر بن عياش ومسعر ومطرف بن
طريف وأبو الزبير وغيره من أقرانه وعطاء بن أبي رباح وهو شيخه وجماعة ا
ه‍. ويأتي انه روى عنه عامر بن السمط والحسن.
ميرزا حبيب بن ميرزا محمد علي الشيرازي.
توفي سنة 1270.
كان من الشعراء الفرس له كتاب اسمه الكليات يشتمل على شكوى
الزمان والغزل وغير ذلك.
حبيب بن عمرو.
من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام. وفي أمالي الصدوق في
المجلس 52 الحديث 4 حدثنا أبي حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي حدثنا
أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر الخزاز عن عمر بن
شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي حمزة الثمالي عن حبيب بن عمرو:
دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مرضه الذي
قبض فيه فحل عن جراحته فقلت يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشئ وما
بك من بأس فقال لي يا حبيب انا والله مفارقكم الساعة فبكيت عند ذلك
وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة عنده فقال لها ما يبكيك يا بنية فقالت ذكرت
يا أبي انك تفارقنا الساعة فبكيت فقال لها يا بنية لا تبك فوالله لو ترين ما
يرى أبوك ما بكيت قال حبيب وما الذي ترى يا أمير المؤمنين فقال يا حبيب
أرى ملائكة السماوات والأرضين بعضهم في أثر بعض والنبيين وقوفا إلى أن
يتلقوني وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس عندي يقول اقدم فان
امامك خير لك مما أنت فيه فما خرجت من عنده حتى توفي (الحديث).
التمييز
عن جامع الرواة انه نقل رواية عامر بن السمط عنه ورواية محمد بن
يعقوب عن الحسن عنه اه‍.
الشيخ حبيب الكاظمي
مضى بعنوان حبيب بن طالب بن علي بن أحمد.
الشيخ حبيب بن محمد بن مهدي آل مغنية العاملي
توفي في أوائل المحرم سنة 1362
كان أديبا شاعرا، ومن شعره قوله يمدح ابن عمنا السيد علي ابن
السيد محمود حين وروده من حج بيت الله الحرام سنة 1320.
سعدت والناس فيك اليوم قد سعدوا * فحمدهم لك عمر الدهر إذ حمدوا
قد وحد الله في معناك جمعهم * فالجسم مختلف والرأي متحد
ملكت قاصيهم قسرا ودانيهم * لا يدهمنك من دهمائهم عدد
كالشمس فضلك في الآفاق منتشر * ما شك في ذاك الا من به رمد
أنت الجميع وفيك الكل متحد * وليس موردهم الا الذي ترد
ان غبت فالربع فيه لم يكن أحد * وان حضرت فعنه لم يغب أحد
كم حاولوا نيل امر فات مطلبه * وقد وصلت وهم عن نيله بعدوا
الباذل الزاد عام المحل ان بخلوا * والمطعم الطرف ايقاظا إذا رقدوا
كم رام شاوك أقوام ذوو عدد * حتى إذا نهضوا من عجزهم قعدوا
لا يأسفن على ما فات من نشب * ولا يبيت على تيه إذا يجد
سيان يوماه في عدم وفي جدة * له طريق إلى العلياء مطرد
من كل فج أتتك الناس وافدة * طوعا كأنهم للبيت قد وفدوا
ان يقصدوك بهم تهوي مطيهم * فزمزم ومنى والبيت قد قصدوا
بنى الاله لنا بيتا وعظمه * وانما أنت منه الركن والعمد
وان يكن حجة في العمر واحدة * فان حجك فرض ما له عدد
نهضت تصدع بالأحكام منفردا * وأنت بالفضل بين الناس منفرد
وفهت بالعلم مثل البحر مندفقا * لكن علمك بحر ما له أمد
حبيب بن مظاهر.
روى حماد بن عثمان عنه عن أبي عبد الله عليه السلام في الفقيه في
باب حكم من قطع عليه الطواف بصلاة أو غيرها.
أبو القاسم حبيب بن مظهر أو مظاهر بن رئاب ابن الأشتر بن حجوان بن
فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد
الأسدي الكندي ثم الفقعسي.
استشهد مع الحسين عليه السلام بكربلاء سنة 61.
(مظهر) في الخلاصة: بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وتشديد الهاء
والراء أخيرا وقيل مظاهر (اه‍). وفي رجال ابن داود حبيب بن مظاهر
وقيل مظهر بفتح الظاء وتشديد الهاء وكسرها والأول بخط الشيخ رحمه الله
(اه‍). والذي في أكثر النسخ من كتب التاريخ وغيرها مظهر بوزن مطهر
وهو الصواب، وما في الكتب الحديثة انه ابن مظاهر خلاف المضبوط
قديما.
أقوال العلماء فيه
كان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام
ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم وهم
يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ويقولون لا عذر لنا عند رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ان قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله. ولقد خرج
حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يضحك، فقال له برير بن خضير

553
الهمداني (1) وكان يقال له سيد القراء يا أخي ليس هذه بساعة ضحك قال
فأي موضع أحق من هذا بالسرور؟ والله ما هو الا أن تميل علينا هذه
الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور بالعين. قال الكشي: هذه الكلمة
مستخرجة من كتاب مفاخرة البصرة والكوفة (اه‍). وفي لسان الميزان
حبيب بن مظهر الأسدي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ذكره
الطوسي في رجال الشيعة. وقال عمرو الكشي: كان من أصحاب علي،
ثم كان من أصحاب الحسن والحسين، وذكر له قصة مع ميثم التمار،
ويقال ان حبيب بن مظهر قتل مع الحسين بن علي رضي الله عنهم (اه‍).
وفي مجالس المؤمنين. عن روضة الشهداء أنه قال: حبيب رجل ذو جمال
وكمال وفي يوم وقعة كربلاء كان عمره 75 سنة وكان يحفظ القرآن كله
وكان يختمه في كل ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر (اه‍).
وفي ابصار العين: قال أهل السير ان حبيبا نزل الكوفة وصحب عليا عليه
السلام في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه (اه‍). وعن
البحار أن فيه. محمد بن الحسين عن محمد بن جعفر عن أحمد بن أبي
عبد الله قال: قال علي بن الحكم من أصفياء أصحاب علي عليه السلام
عمرو بن الحمق الخزاعي عربي وميثم التمار وهو ميثم بن يحيى مولى
ورشيد الهجري وحبيب بن مظهر الأسدي ومحمد بن أبي بكر (اه‍).
هل هو صاحبي أو تابعي
يظهر من عدم عد الشيخ له في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعده
في أصحاب علي والحسنين عليه السلام أنه ليس بصحابي ولم يذكره صاحبا
الاستيعاب وأسد الغابة في عداد الصحابة ولكن في الإصابة حبيب بن
مظهر بن رئاب بن الأشتر بن حجوان بن فقعس الكندي ثم الفقعسي له
ادراك وعمر حتى قتل مع الحسين بن علي، ذكره ابن الكلبي مع ابن عمه
ربيعة بن خوط بن رئاب اه‍. وفي مجالس المؤمنين: حبيب بن مظاهر
الأسدي محسوب من أكابر التابعين، ثم حكى عن كتاب روضة الشهداء ما
ترجمته: انه تشرف بخدمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه أحاديث، وكان معززا
مكرما بملازمة حضرة المرتضى علي اه‍.
أخباره في واقعة كربلاء
روى الطبري في تاريخه وتبعه ابن الأثير ان حبيب بن مظاهر كان من
جملة الذين كتبوا إلى الحسين عليه السلام لما امتنع من بيعة يزيد وخرج إلى
مكة. وكانت صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم لحسين بن علي من
سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر
وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فانا نحمد
إليك الله الذي لا إله إلا هو! أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار
العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير
رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها
وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود انه ليس علينا امام فأقبل لعل الله يجمعنا
بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة
ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا انك قد أقبلت الينا أخرجناه حتى
نلحقه بالشام إن شاء الله والسلام ورحمة الله وبركاته عليك. وقال
الطبري: انه لما ورد مسلم بن عقيل الكوفة ونزل دار المختار بن أبي عبيد
وأقبلت الشيعة تختلف اليه فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فاني لا أخبرك عن الناس ولا اعلم ما في
أنفسهم وما أغرك منهم والله أحدثك عما انا موطن نفسي عليه: والله
لأجيبنكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى
القى الله لا أريد بذلك الا ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي
فقال رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، ثم قال: وانا
والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه اه‍. وفي ابصار العين:
قال أهل السير جعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين عليه السلام في
الكوفة حتى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذل أهلها عن مسلم وتفرق
أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلما ورد الحسين كربلاء خرجا اليه
مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه اه‍. وروى محمد بن
أبي طالب في مقتله انه لما وصل حبيب إلى الحسين (ع) ورأى قلة أنصاره
وكثرة محاربيه قال للحسين عليه السلام، ان ههنا حيا من بني أسد فلو
أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك لعل الله ان يهديهم وان يدفع
بهم عنك! فاذن له الحسين عليه السلام فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في
ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد قد جئتكم بخير ما أتى به رائد
قومه، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين، وقد أطافت به أعداؤه
ليقتلوه، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، فوالله لئن
نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة، وقد خصصتكم بهذه المكرمة
لأنكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحما. فقام عبد الله بن بشير
الأسدي وقال: شكر الله سعيكم يا أبا القاسم! فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر
بها المرء الأحب فالأحب! أما انا فأول من أجاب و أجاب جماعة بنحو
جوابه فنهدوا مع حبيب وانسل منهم رجل فأخبر ابن سعد فأرسل الأزرق في
خمسمائة فارس، فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلما
علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا عن منار لهم،
وعاد حبيب إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما كان، فقال عليه السلام
(وما تشاؤون الا ان يشاء الله) ولا حول ولا قوة إلا بالله. وروى الطبري
انه لما نزل الحسين عليه السلام كربلاء واقبل عمر بن سعد من الغد في
أربعة آلاف حتى نزل بالحسين أرسل ابن سعد إلى الحسين كثير بن عبد الله
الشعبي فلما رآه أبو تمامة الصائدي قال للحسين: أصلحك الله أبا عبد الله
قد جاءك شر أهل الأرض وأفتكهم فقام اليه فقال ضع سيفك فأبى قال فاني
آخذ بقائم سيفك ثم تكلم فأبى ثم استبا و انصرف. فأرسل ابن سعد
قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين مقبلا قال أتعرفون هذا؟ فقال
حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا ولقد كنت
اعرفه بحسن الرأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتى سلم
على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد اليه. فقال له الحسين كتب إلي
أهل مصركم هذا ان اقدم فاما إذ كرهتموني فانا انصرف عنهم. ثم قال له
حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع إلى القوم الظالمين!
انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك. فقال له
قرة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي اه‍. وروى الطبري
أيضا انه لما زحف ابن سعد إلى الحسين عليه السلام يوم التاسع من
المحرم، قال العباس بن علي اتاك القوم! فقال اركب يا أخي حتى تلقاهم



(1) في نسخة رجال الشيخ: يزيد بن حصين، وهو تصحيف. - المؤلف -
554
وتسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم:
زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فسألهم العباس فقالوا: جاء أمر الأمير بأن
نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. قال: فلا تعجلوا حتى
ارجع إلى أبي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا وانصرف العباس
راجعا يركض إلى الحسين ووقف أصحابه يخاطبون القوم، فقال حبيب بن
مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم ان شئت وان شئت كلمتهم، فقال له
زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم. فقال لهم حبيب بن مظاهر:
أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه
السلام وعترته وأهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم وعباد أهل هذا العصر المجتهدين بالأسحار
والذاكرين الله كثيرا. فقال له عزرة بن قيس: انك لتزكي نفسك ما
استطعت، فاجابه زهير بن القين بما سيذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وذكر الطبري وابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما عبأ أصحابه يوم
عاشوراء جعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة. وروى
أبو مخنف وحكاه عنه الطبري وذكره ابن الأثير ان الحسين عليه السلام لما
خطب يوم عاشوراء الخطبة التي يقول فيها أما بعد فانسبوني فانظروا من
انا الخ؟ فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدري
ما تقول. قال له حبيب بن مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله على سبعين
حرفا وانا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك.
وروى الطبري عن أبي مخنف انه لما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى
الناس فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد،
فقالا: من يبارز؟ فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير، فقال لهما الحسين
اجلسا فقام عبد الله بن عمير الكلبي واستأذن الحسين عليه السلام في مبارزتهما
فأذن له، فقالا، لا نعرفك! ليخرج الينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر،
وجرى بينه وبينهما كلام إلى أن قتلهما - كما يأتي في ترجمته (انش) وروى
الطبري عن أبي مخنف بسنده انه لما صرع مسلم بن عوسجة الأسدي أول
أصحاب الحسين مشى اليه الحسين وحبيب بن مظاهر فدنا منه حبيب
فقال: عز علي مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنة! فقال له مسلم قولا
ضعيفا: بشرك الله بخير! فقال له حبيب: لولا أني اعلم اني في اثرك
لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما همك حتى أحفظك
في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين قال بل انا أوصيك بهذا
رحمك الله - وأهوى بيده إلى الحسين - ان تموت دونه. قال: افعل ورب
الكعبة. وروى الطبري عن أبي مخنف وذكره ابن الأثير انه لما حضر وقت
صلاة الظهر وقال الحسين: سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا، فقال
لهم الحصين ابن تميم: انها لا تقبل. قال له حبيب بن مظاهر زعمت لا
تقبل الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقبل منك يا خمار أو يا حمار! فحمل
عليه حصين بن تميم وخرج اليه حبيب بن مظاهر فرضب وجه فرسه
بالسيف فشب ووقع عنه وحمله أصحابه فاستنقذوه واخذ حبيب يقول:
أقسم لو كنا لكم اعدادا * أو شطركم وليتم الأكتادا
يا شر قوم حسبا وآدا
وجعل يقول يومئذ:
انا حبيب وأبي مظهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة واظهر * حقا واتقى منكم واعذر
وقاتل حبيب قتالا شديدا، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني من بني
عقفان من خزاعة فضربه حبيب بالسيف على رأسه فقتله وحمل عليه آبر من
بني تميم فطعنه فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف
فوقع ونزل اليه التميمي فاحتز رأسه، فقال له الحصين انا شريكك في
قتله، فقال الآخر: والله ما قتله غيري. فقال الحصين أعطنيه أعلقه في
عنق فرسي كيما يرى الناس اني شركت في قتله ثم خذه وامض به إلى ابن
زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه، فأبى عليه فاصلح قومه فيما بينهما على هذا
فدفع اليه رأس حبيب. فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه. ثم
دفعه بعد ذلك اليه. فانظر إلى ما آلت اليه حالة الاسلام والمسلمين.
والحصين بن تميم هو صاحب شرطة ابن زياد يتنازع مع آخر في رأس رجل
هو من خيار المسلمين ويتجادل معه طويلا، لماذا؟ لأجل ان يأخذ الرأس
فيعلقه في عنق فرسه يضربه بركبتيه ويجول به في العسكر ليعلم الناس انه
شرك في قتله!! فيكون خبث وخسة واستخفاف بالدين أكثر من هذا؟! -
فلما رجعوا إلى الكوفة اخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ثم اقبل
به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابنه القاسم بن حبيب - وهو يومئذ قد
راهق فاقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه وإذا خرج
خرج معه، فارتاب به، فقال ما لك يا بني تتبعني؟ قال لا شئ! قال بلى
يا بني أخبرني! قال له ان هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى
أدفنه؟ قال يا بني لا يرضى الأمير ان يدفن وانا أريد ان يثيبني الأمير على
قتله ثوابا حسنا. فقال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك الا أسوأ
الثواب، أما والله لقد قتلته خيرا منك وبكى، فمكث الغلام حتى إذا
أدرك لم يكن له همة الا اتباع اثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه. فلما
كان زمن مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا - وهو موضع بأرض
الموصل - دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فاقبل يختلف في
طلبه والتماس غرته، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى
برد. وروى أبو مخنف انه لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك حسينا وقال:
عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي.
حبيب بن المعلى الخثعمي
هو حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني الآتي، فان في بعض النسخ
من كتب الحديث ابدال المعلل بالمعلى - كما ستعرف - وفي مشيخة الفقيه
والى حبيب بن المعلى. أبي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن
الوليد الخزار عن حماد بن عثمان عنه. وستعرف في ابن المعلل ان حماد
ابن عثمان أحد الرواة عن ابن المعلل. وفي لسان الميزان: حبيب بن
المعلى الخثعمي ذكره الطوسي وابن النجاشي في رجال الشيعة. وقال
علي بن الحكم: كان صحيح الرواية معروفا بالدين والخير يروي عنه ابن
عمير اه‍. وعلي بن الحكم من قدماء علماء الشيعة له كتاب في الرجال
كان عند ابن حجر ونقل عنه كثيرا في لسان الميزان، وذهبت به الأيام فلم
يره علماء الشيعة المتأخرون، وابن المعلى هذا المذكور في لسان الميزان هو
ابن المعلى الآتي بعينه، فإنه هو الذي ذكره الطوسي والنجاشي وهو الذي
يروي عنه ابن أبي عمير. وهذا يدل على أن الذي كان موجودا في نسخة
ابن حجر من رجال النجاشي والشيخ وعلي بن الحكم هو ابن المعلى لا ابن
المعلل. وهو يؤيد وجود المعلى بدل المعلل في كثير من النسخ. ويأتي
حبيب بن المعلى السجستاني ولا دليل على اتحاده مع هذا، بل إن وصف

555
هذا بالمدائني - كما ستعرف في ابن المعلل - بناء على اتحاده معه، وهذا
بالسجستاني دال على التغاير.
حبيب بن المعلى السجستاني
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام حبيب بن
المعلى. ولا يبعد اتحاده مع حبيب السجستاني المتقدم كما أستظهره في
النقد.
حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني.
في الخلاصة المعلل بالميم المضمومة والعين المهملة.
وقال النجاشي: روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا عليم
السلام ثقة ثقة صحيح له كتاب رواه ابن أبي عمير وأخبرنا ابن نوح عن أبي
حمزة الطبري عن ابن بطة الصفار عن أحمد بن محمد بن عن ابن أبي عمير عن حبيب
وقال الشيخ في الفهرست ما تقدم في حبيب الأحول الخثعمي. وذكره
الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال حبيب بن المعلل
الخثعمي مولى كوفي. وفي الخلاصة: روى ابن عقدة من محمد بن أحمد بن
خاقان النهدي حدثنا الحسن بن الحسين اللؤلؤي حدثنا عبد الله بن محمد
الحجال عن حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام مضمونه انه كان
يكذب علي، مع أنه لا يزال لنا كذاب. قال في الخلاصة بعد نقل ذلك:
وهذه الرواية لا اعتمد عليها، والمرجع فيه إلى قول النجاشي. وقال ابن
داود بعد نقل توثيقه عن النجاشي: لكن روى ابن عقدة الطعن فيه ولم
يثبت اه‍. ومر في ابن المعلل الخثعمي قول علي بن الحكم كان صحيح
الرواية معروفا بالدين والخير يروي عنه ابن أبي عمير وانه هو ابن المعلل
هذا بعينه. وفي التعليقة الوجيزة والبلغة: في بعض نسخ الحديث - اي
كتب الحديث - ابن المعلى قلت ربما يتصرف في الألقاب والأسامي الحسنة
بالردة إلى الردية إهانة وبالعكس تعظيما أو تنزها عن الفحش، فلعله معلل
فقيل معلى أو بالعكس. ويؤيده عدم توجه النجاشي إلى المشهور الذي توجه اليه
الكشي حسب، لكن يبعده بقاؤه من زمان زين العابدين إلى زمان الرضا صلوات
الله عليهما (اه‍). (أقول): قد عرفت ان الصدوق في مشيخة الفقيه قال أيضا
حبيب بن المعلى. والمراد به ابن المعلل، هذا اما قول صاحب التعليقة
ويؤيده عدم توجه النجاشي إلى المشهور الذي توجه اليه الكشي حسب فلا
يخلو من غموض. ولعله يريد بالمشهور الذي توجه اليه الكشي وحده أي ذكره
هو حبيب السجستاني فإنه هو الذي ذكره الكشي ولم يذكره النجاشي وحبيب
السجستاني مشهور بين الرواة، ومر منه في حبيب السجستاني احتمال اتحاده مع
ابن المعلل الخثعمي بناء على نسخته المغلوطة من الوجيزة، فالكشي وحده
حذف ابن المعلل السجستاني لكونه لقبا غير لائق والنجاشي ذكر ابن المعلل
السجستاني، ولم يتوجه إلى المشهور الذي توجه اليه الكشي، وقوله يبعده
الخ... أراد به ان حبيب السجستاني المحتمل اتحاده مع ابن المعلل
الخثعمي ذكره الشيخ في أصحاب زين العابدين وابن المعلل الخثعمي ذكره
النجاشي في أصحاب الرضا فلو اتحدا لكان باقيا من زمن زين العابدين إلى
زمن الرضا عليهما السلام، وقد كنا نجل المحقق البهبهاني عن أن يسبق إلى
ذهنه شئ من هذه الاحتمالات، فالسجستاني لا وجه لاحتمال اتحاده مع
الخثعمي حتى يحتاج إلى توجيه ذكر الكشي له وعدم ذكر النجاشي بهذا
الوجه الركيك وحتى يستبعد بقاؤه من زمن السجاد ولكن العصمة لله وحده
ولمن عصمه. ثم قال صاحب التعليقة: قوله روى ابن عقدة الخ قال
جدي المجلسي الأول محمد تقي -: ذكر أصحاب الرجال هذا الخبر
وغفلوا عن انه لا يمكن عادة ان يروي الراوي على نفسه مثل هذه الرواية
ومتى رأيت أن يواجه المعصوم أحدا بمثل هذا، والظاهر أن حبيب ينقل هذا
لغيره المتقدم ذكره فتوهموا عن نفسه، واحتمال ان يكون الحجال سمعه منه
عليه السلام وان كان بعيدا من اللفظ غير ممكن بحسب المرتبة فإنه من
رجال الرضا ولم ينقل روايته عن أبي الحسن فكيف عن الصادق عليهما
السلام فالتوثيق لا معارض له. وعلى تقدير ما فهمه فعدم العمل به
لضعف رجاله اه‍. وقال البهبهاني على أن الرواية غير مذكورة بعبارتها
حتى ينظر فيها اه‍.
التمييز
يعرف بروايته عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام، وفي
مشتركات الطريحي باب حبيب المشترك بين يوثق به وغيره ويمكن استعلام
أنه ابن المعلل الثقة برواية ابن أبي عمير عنه اه‍. وزاد الكاظمي في
مشتركاته في تمييز ابن المعلل رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر وعبد الله بن
المغيرة عنه. وزاد في جامع الرواة فيما حكى عنه رواية سعيد بن بكر
وعلي بن الحسن بن رباط والقاسم بن محمد الجوهري وحماد بن عثمان
وعلي بن إسماعيل الميثمي عنه.
الشيخ حبيب ابن الحاج مهدي ابن الحاج محمد من آل شعبان النجفي.
ولد في حدود سنة 1290 بالنجف وتوفي في الهند في بلدة رامبور سنة
1336 ودفن فيها.
(وآل شعبان) من البيوت القديمة في النجف أدركنا جماعة منهم،
وهم تجار بزازون أتقياء أبرار معروفون بذلك. قال الشيخ محمد علي
اليعقوبي فيما كتبه في جريدة الهاتف النجفية: انه من الأسر التي كانت لها
نيابة سدانة الروضة الحيدرية في عهد (آل الملا) قبل قرن من الزمن، أما
اليوم فلهم الحق في خدمة الحرم الحيدري فقط وفي أيديهم صكوك ووثائق
رسمية (فرامين عثمانية) هي التي تخولهم الحق في تلك الخدمة - شأن
أمثالهم من الخدمة - وحدث جماعة من شيوخهم ان أصلهم يرجع إلى
الشعبانيين المذكورين في كتب الأنساب العربية وهم على ما ذكر ابن غدة في
نهاية الإرب وغيره بطن من حمير من القحطانية، واشتهر جماعة من أفراد
هذه الأسرة بالتجارة وسعة الحال، ولم ينبغ من رجالها أحد في فضل أو
أدب قديما وحديثا سوى صاحب الترجمة اه‍. وكان أبوه بزازا فمالت
نفسه هو إلى طلب العلم، فاشتغل به ودرس وتأدب في النجف. فقرأ
فيها: النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والأصول والفقه. رأيناه
هناك وعاشرناه، وكان فاضلا كاملا شاعرا أديبا، ذا أخلاق فاضلة.
وخرجنا من النجف وهو هناك مشغول بطلب العلم. وعلمنا بعد خروجنا
منها بمدة انه انتقل إلى كربلاء، فقرأ على السيد محمد باقر الطباطبائي في
الفقه مدة، وكان من أخص ملازميه إلى أن وقع بينهما فتور، ففارق كربلا
لا باء فيه وشهامة وعزة نفس حتى ورد البصرة. فركب البحر منها إلى
الهند. وذلك حوالي سنة 1325 فكان آخر العهد به. وانقطعت أخباره إلى
سنة 1336 فوردت كتب من رامبور تنبئ بوفاته هناك وعلم بعد ذلك أنه
حاز منزلة سامية عند أهلها وكان من مراجع الدين. ومن شعره قوله يرثي

556
الحسين عليه السلام من قصيدة:
هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا * لذلك لا تنفك عشاقها سكرى
ضعائف لا تقوى قلوب ذوي الهوى * على هجرها حتى تموت به صبرا
وما انا ممن يستملن فؤاده * وينفثن بالألحاظ في عقله سحرا
ولا بالذي يشجيه دارس مربع * فيسقيه من أجفانه أدمعا حمرا
أأبكي لرسم دارس حكم البلى * عليه ودار بعد سكانها قفرا
ومنها:
عليك أبا السجاد ما أحسن البكا * وما أقبح الدنيا لفقدك والصبرا
أتقضي ولم تشرب من الماء قطرة * تريبا وفيك الناس تستنزل القطرا
وتعدو عليك العاديات جواريا * ترض لك الصدر الذي استودع السرا
ويرفع فوق الرمح منك محجب * إذا ما تبدى حجب الشمس والبدرا
وقوله:
سقاك الحيا الهطال يا معهد الألف * ويا جنة الفردوس دانية القطف
فكم مر لي عيش حلا فيك طعمه * ليالي اصفى الود فيها لمن يصفي
بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لنا * قلوب على صافي المودة والعطف
فشتتنا صرف الزمان وانه * لمنتقد شمل الأحبة بالصرف
كأن لم تدر ما بيننا أكؤس الهوى * ونحن نشاوى لا نمل من الرشف
ولم نقض أيام الصبا وبها الصبا * تمر علينا وهي طيبة العرف
أيا منزل الأحباب ما لك موحشا * بزهرتك الأرياح أودت بما تسفي
تعفيت يا ربع الأحبة بعدهم * فذكرتني قبر البتولة إذ عفي
ويقول في آخرها:
أبا حسن يا راسخ الحلم والحجى * إذا فرت الأبطال رعبا من الزحف
ويا واحدا أفنى الجموع ولم يزل * بصيحته في الروع يأتي على الألف
لمن اشتكى الا إليك ومن به * ألوذ وهل لي غير ربعك من كهف
وقوله:
يا أمة نبذت وراء ظهورها * بعد النبي امامها وكتابها
ماذا نقمت من الوصي ألم يكن * لمدينة العلم الحصينة بابها
أم هل سواه أخ لأحمد مرتضى * من دونه قاسى الكروب صعابها
حبيب بن نزار بن حيان الهاشمي مولاهم الكوفي الصيرفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال: اسند
عنه. وفي لسان الميزان: حبيب بن نزار بن حيان الهاشمي مولاهم ذكره
الطوسي في رجال الشيعة اه‍. وروى الشيخ في المجالس عن ابن عقدة عن
محمد بن الحسن التيملي قال: وجدت في كتاب أبي حدثنا محمد بن مسلم
الأشجعي عن محمد بن نوفل قال: دخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت فذكرنا
أمير المؤمنين ودار بيننا كلام فيه. فقال أبو حنيفة: قد قلت لأصحابنا لا تقروا
لهم بحديث غدير خم فيخصموكم. فتغير وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي
وقال له: لم لا يقرون به! أما هو عندك يا نعمان؟ قال هو عندي وقد
رويته قال فلم لا يقرون به وقد حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل
عن زيد بن أرقم ان عليا عليه السلام أنشد الله في الرحبة من سمعه. فقال
أبو حنيفة أفلا ترون انه قد جرى في ذلك خوض حتى يستشهد علي الناس
لذلك. فقال الهيثم: فنحن نكذب عليا أو نرد قوله. فقال أبو حنيفة: ما
نكذب عليا ولا نرد قوله، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا فيهم قوم. فقال
الهيثم: يقول رسول الله ويخطب ونشفق نحن فيه ونتقيه لغلو غال أو قول
قائل؟. ثم جاء من قطع الكلام بمسالة سال عنها ودار الحديث بالكوفة،
وكان معنا في السوق حبيب بن نزار بن حبان. فجاء إلى الهيثم فقال ما دار
عنك في علي وقوله وكان حبيب مولى لبني هاشم. فقال له الهيثم: النظر
يمر فيه أكثر من هذا. فحججنا بعد ذلك ومعنا حبيب، فدخلنا على أبي
عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، فسلمنا عليه فقال له حبيب يا أبا
عبد الله قد كان من الأمر كذا وكذا. فتبين الكراهة في وجه أبي عبد الله
فقال له حبيب: هذا محمد بن نوفل حضر ذلك. فقال أبو عبد الله: أي
حبيب كف! خالطوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم بأعمالكم، فان لكل
امرئ ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب، لا تحملوا الناس عليكم
وادخلوا في دهماء الناس فان لنا أياما ودولة يأتي بها الله إذا شاء. فسكت
حبيب فقال عليه السلام أفهمت يا حبيب لا تخالفوا امرى فتندموا. قال لن
أخالف امرك. قال أبو العباس - ابن عقدة - سألت علي بن الحسن - بن
فضال عن محمد بن نوفل فقال كوفي، فقلت ممن؟ فقال احسبه مولى لبني
هاشم. وكان حبيب بن نزار بن حبان مولى لبني هاشم، وكان الخبر فيما
جرى بينه وبين أبي حنيفة حين ظهر أمر بني العباس فلم يمكنهم اظهار ما
كان عليه اه‍.
حبيب بن النعمان الاعرابي الأسدي.
قال النجاشي: حبيب بن النعمان الأعرابي رجل من بني أسد من
أهل البادية له كتاب أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران حدثنا يزيد بن
سبحان بن يزيد حدثنا محمد بن الحسين بن عبيد الله التميمي الكناني حدثنا
حبيب بن النعمان الأعرابي في ديار بني عقيل على يوم ونصف من حران
حدثنا جعفر بن محمد سنة 122 بالكتاب اه‍. وفي نسخة منهج المقال
المطبوعة بعد عبارة النجاشي هكذا (جش. قر) وجش علامة لرجال
النجاشي وقر علامة لأصحاب الباقر، والظاهر أنه من سهو الناسخ. وفي
القاموس: حبيب كزبير بن النعمان تابعي وهو غير ابن النعمان الأسدي
عن خريم اه‍. وفي تاج العروس ان التابعي الذي روى عن انس له
مناكير، وان الأسدي الذي روى عن خريم بن فاتك الأسدي هو بالفتح
وهو ثقة اه‍. وفي ميزان الذهبي (حبيب مخفف دق) تصغير حب: هو
حبيب بن النعمان الأسدي له عن انس بن مالك وخريم أو أيمن بن خريم قال
عبد الغني بن سعيد له مناكير اه‍. و (دق) إشارة إلى أنه اخرج له
(دق). وقد ذكر المؤلف في ترجمة زياد أبي ورقاء عن حبيب بن النعمان
عن أيمن بن بريم قال وقيل عن حبيب عن خريم (1) فأشار إلى ما ذكرت ثم
فرق بينهما في المشتبه فقال وبالتخفيف حبيب بن النعمان عن انس له مناكير
وهذا غير حبيب بن النعمان الأسدي عن خريم بن فاتك اه‍. وهذه
التفرقة فيها نظر، والذي يظهر ان الجميع واحد اه‍. لسان الميزان.
حبيب بن النعمان الهمداني الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان حبيب بن النعمان الهمداني الطوسي في رجال الشيعة اه‍.



(1) الذي في الميزان في ترجمة زياد أبي الورقاء عن حبيب عن خريم بن فاتك، وقيل عن حبيب
عن أيمن بن خريم. - المؤلف -
557
التمييز
في مشتركات الطريحي باب حبيب المشترك بين من يوثق به وغيره
ويمكن استعلام انه ابن النعمان برواية محمد بن الحسين بن عبيد الله عنه.
وفي مشتركات الكاظمي باب حبيب بن النعمان ولم يذكره شيخنا مشترك
بين رجلين مجهولين أحدهما الهمداني الكوفي من أصحاب الصادق عليه
السلام.
حبيب بن يسار الكندي مولاهم الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال
حبيب بن يسار مولى كندة تابعي كوفي اسكاف اه‍. ومر في حبيب بن
بشار انه ذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام بهذه العبارة
المذكورة هنا، وانه ذكر في أصحاب الباقر عليه السلام حبيب بن بشار
الكندي، والظاهر أن ذلك تصحيف وانه رجل واحد اسم أبيه يسار بمثناة
تحتية وسين مهملة. وعن تقريب ابن حجر ثقة من الثالثة. وفي تهذيب
التهذيب حبيب بن يسار الكندي الكوفي قال ابن معين وأبو زرعة ثقة
أخرجا له حديثا واحدا في اخذ الشارب وصححه الترمذي. قلت: وذكره
ابن حبان في الثقات. وقال الآجري عن أبي داود ثقة. واخرج ابن عدي
هذا الحديث في ترجمة مصعب بن سلام عنه عن الزبرقان السراج عن أبي
رزين عن زيد بن أرقم وقال أظن أبا رزين هو حبيب بن يسار اه‍.
مشايخه
في تهذيب التهذيب روى عن زيد بن أرقم وعبد الله بن عباس
وعبد الله بن أبي أوفى وسويد بن غفلة وزاذان الكندي.
الرواة عنه
في تهذيب التهذيب عنه زكريا بن يحيى الحميري وأبو الجارود زياد بن
المنذر ويوسف بن صهيب وغيرهم.
حبيب بن يساف الأنصاري
أورد له ابن شهرآشوب هذه الأبيات في وقعة الجمل وهي:
أبا حسن أيقظت من كان نائما * وما كل من يدعو إلى الحق يتبع
وان رجالا بايعوك وخالفوا * هواك وأجروا في الضلال وأوضعوا
وطلحة فيها والزبير قرينه * وليس لما لا يدفع الله مدفع
وذكرهم قتل ابن عفان خدعة * هم قتلوه والمخادع يخدع
ولسنا نعلم من أحواله شيئا غير هذا. وفي ميزان الذهبي (حبيب بن
يساف س) عن قتادة لا يعرف. وروى حبيب بن سالم عن حبيب بن
يساف عن النعمان بن بشير وقيل بل هو عن حبيب بن سالم عن النعمان
قال أبو حاتم مجهول اه‍. وفي تهذيب التهذيب: حبيب بن يساف عن
النعمان بن بشير فيمن وقع على جارية امرأته وعنه حبيب بن سالم، وقيل
غير ذلك في اسناده. قال أبو حاتم: مجهول اه‍. وفي الإصابة:
حبيب بن أساف الأنصاري الخزرجي الطبراني وابن عبد البر في حرف الحاء
المهملة، وهو تصحيف وانما هو خبيب بالخاء المعجمة مصغرا، وذكره في
المهملة عبدان أيضا فقال حبيب بن أساف رجل من أهل بدر قديم اه‍.
ولكن الموجود في نسخة الإستيعاب لابن عبد البر المطبوعة بهامش الإصابة
ذكره في الخاء المعجمة فقال خبيب بن اساف ويقال يساف الخ... وفي أسد الغابة
: حبيب بن اساف ويقال يساف الأنصاري ويقال حبيب بالخاء
المعجمة ويرد نسبه في الخاء هناك فإنه أصح وهذا تصحيف من بعض رواته
اه‍. وكيف كان فهو غير المترجم لأنهم ذكروا انه توفي في خلافة عمر أو
عثمان والمترجم أدرك حرب الجمل.
الميرزا حبيب الله الاصفهاني
كان عالما عاملا كاملا، ونال لقب شيخ الاسلام من السلطان
فتح علي شاه القاجاري، وسكن رستاق جابلاق. ومن تلاميذه: ملا حسن
الشفتي والد صاحب القوانين. والمترجم هو جد السيد محمد شفيع ابن
السيد علي أكبر الموسوي الحسيني العلوي الجابلقي صاحب الإجازة المسماة
(بالروضة البهية في الطرق الشفيعية) من قبل أمه، فان أمه بنت الميرزا
حبيب الله المذكور. ذكره السيد محمد شفيع المذكور في اجازته المذكورة مع
أخيه الميرزا هداية الله فقال عند ذكر الآخوند ملا حسن الشفتي والد
صاحب القوانين الميرزا أبو القاسم انه - اي ملا حسن - سافر من شفت
التي هي من قرى رشت إلى أصفهان لتحصيل العلوم الشرعية وقرأ فيها على
العالمين العاملين الكاملين ميرزا حبيب الله جد السيد محمد شفيع من قبل
أمه وأخيه ميرزا هداية الله جد صاحب القوانين من قبل أمه. ثم إن
المترجم واخاه سافرا إلى جابلاق لأمر القضاء والحكومة بين الناس وترويج
الأمور الشرعية بطلب من أهلها، وجعلهما سلطان العصر شيخي الاسلام
وتوطنا فيها. وسافر معهما تلميذهما ملا حسن المذكور وتزوج ابنة ميرزا
هداية الله، وولد له منها هناك ابنه صاحب القوانين اه‍.
المولي حبيب الله التوسركاني
في رياض العلماء: فاضل عالم ماهر في علوم الرياضي. وله
من المؤلفات: شرح على رسالة فارسي الهيئة. والظاهر أنه من علماء عصر
الشاه عباس الصفوي الأول اه‍.
السيد ميرزا حبيب الله بن الحسين بن الحسن الحسيني الموسوي الكركي
نزيل أصفهان.
في أمل الآمل: كان عالما جليل القدر عظيم الشأن كثير العلم سافر
إلى أصفهان وتقرب عند الملوك حتى جعلوه صدر العلماء والأمراء وأولاده
وأبوه وجده كانوا فضلاء يأتي ذكر بعضهم. وقد تقدم ذكر أخيه السيد
احمد، وكانا معاصرين لشيخنا البهائي وقابلا عنده الحديث اه‍.
السيد مجد الدين حبيب الله الحسيني من ذرية السيد أبي الحسن علي بن أبي
عبد الله جعفر بن أحمد السكين بن جعفر بن محمد بن زيد الشهيد بن
علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام.
في هامش عمدة الطالب المطبوع ما لفظه: ومن أولاد السيد أبي
الحسن علي بن أبي عبد الله بن أحمد السكين سادات الدشتكي من توابع دار
العلم شيراز، وهم علماء محدثون. وعد منهم جماعة إلى أن قال: والسيد
السند مجد الدين حبيب الله.
الملا حبيب الله العباس آبادي الاصفهاني.
في نجوم السماء: ذكره الشيخ علي الحزين في تذكرته فقال: العارف
بالله المولى حبيب الله طاب ثراه الساكن بعباس آباد أصفهان كان مشهور

558
زمانه في التعليقات وطبق نتائج أفكار الحكماء مع معارف أصحاب
الشهود، وكان قد انس بمشرب ومسلك الصوفية واعتاده وأصابه مرض
السوداء، ثم رجع إلى حاله الأول بفضل المعالجات المفيدة، فعاد إلى
التدريس والإفادة. وله بهذا الفقير أنس تام. وتوفي ببلدة عباس آباد ا
ه‍.
ميرزا حبيب الله ابن ميرزا عبد الله الاصفهاني.
له توصيف الوزراء في أحوال وزراء السلاطين الصوفية فارسي ذكره
صاحب الرياض في أثناء ترجمته السيد حسين بن محمد المعروف بخليفة
سلطان زمانه ذكر أحوال خليفة سلطان المذكور قال: هذا خلاصة ما أورده
ميرزا حبيب الله ابن ميرزا عبد الله الأصبهاني قدس سره في رسالة (توصيف
الوزراء بالفارسية في أحوال وزراء السلاطين الصفوية اه‍.
السيد ميرزا حبيب الله ابن ميرزا عبد الله الرضوي المشهدي.
كان حيا سنة 1196.
في الشجرة الطيبة: كان من أجلة العلماء العظام والفقهاء الكرام
ملجأ الصغير والكبير يؤم الناس في مسجد كوهر شاد الجامع وكان في
الأحكام الشرعية في أعلى درجات الديانة. وفي وقفية علي شاه الموجودة في
المكتبة الرضوية: هو من جملة المدرسين وخدام الآستانة من موجبات
الافتخار، حتى أنه كان نقش خاتمه الشريف حبيب الله الرضوي الخادم.
وكان معاصرا للشيخ حسين الكبير امام الجمعة والجماعة في المشهد
الرضوي وكان حيا في حدود 1196 كما وجد في بعض القبالات والوقفيات
التي عليها خاتمه اه‍. وفي كتاب مطلع الشمس الحاج ميرزا حبيب الله
سيد المجتهدين من أجلاء علماء وفقهاء المشهد المقدس الرضوي بل تمام
بلاد خراسان منوط به، وهو امام الجماعة في مسجد كوهر شاد زاهد
درويش، له معرفة تامة بالعربية والأدبيات، وله شعر بالعربي والفارسي.
أدركت صحبته مد الله ظلاله على رؤوس المسلمين اه‍.
آقا حبيب الله ابن آقا عبد الله ابن آقا محمد جعفر ابن آقا محمد علي ابن آقا
محمد باقر الوحيد البهبهاني.
توفي سنة 1214.
عالم فاضل له معرفة بالحكمة الإلهية، وله تفسير سورة التوحيد كذا
أفاد بعض أهل بيته والعهدة عليه.
السيد الشريف زين الدين علي الجرجاني ثم الشيرازي
كان حيا سنة 930.
في رياض العلماء: قال خواند أمير في أواخر تاريخ حبيب السير
بالفارسية ما معناه ان هذا السيد من أحفاد الأمير السيد الشريف العلامة
الجرجاني. والأمير السيد الشريف الصدر الذي كان صدرا في دولة
السلطان الشاه إسماعيل الصفوي الأول، واستشهد مع جماعة من الأمراء
والعساكر وفي وقعة ذلك السلطان مع السلطان سليم العثماني في الموضع
المسمى جالدران وغلبه السلطان العثماني هو ابن أخي السيد الأمير حبيب
الله هذا، وهذا السيد الآن بشيراز ممتاز من بين سائر السادات بعلو الشأن
وسمو المكان وشرف السلسلة الرفيعة البنيان وهو في هذا الزمان يعني سنة
930، وهي بعينها سنة وفاة السلطان الشاه إسماعيل المذكور متقلد لمنصب
قضاء شيراز، وهمته مصروفة لفصل القضاء بين البرايا اه‍. قال صاحب
الرياض: ولعله لم يكن في درجة العلماء الأفاضل، والا لصرح بذلك هذا
المؤرخ اه‍.
المولى حبيب الله بن علي مدد الساوجي نزيل كاشان
توفي في 23 جمادى الثانية سنة 1340 بكاشان.
عالم فاضل له عدة مؤلفات (1) توضيح البيان في تسهيل الأوزان
فارسي في بيان المقادير والأوزان واختلافها (2) تسهيل الأوزان في تعيين
الموازين الشرعية مطبوع (3) منقذ المنافع في شرح المختصر النافع، فرغ
منه في شعبان سنة 1294 مطبوع (4) تفسير سورة الاخلاص (5) تفسير
سورة الفاتحة (6) تفسير سورة الفتح مطبوع وغير ذلك.
الشيخ حبيب الله القمي.
عالم فاضل له درر الفوائد ترجمة كشف الفوائد.
القاضي حبيب الله
في رياض العلماء: فاضل فقيه محدث، وقد رأيت تعليقاته على
بعض كتب الأحاديث، وهي تدل على فضله. ولا يبعد ان يكون هو
قاضي أصفهان في الزمن السابق اه‍.
حبيب الله بن نور الدين محمد بن حبيب الله الطبسي التوني.
رأى صاحب الذريعة له كتابا فارسيا في الطب في مكتبة الشيخ نعمة
الطريحي النجفي في جزءين (أولهما) في مقالتين (إحداهما) في معالجة
أمراض الأعضاء والثانية فيما لا يختص بعضو يذكر اسم المرض.
سببه. علامته. استفراغه. علاجه للفقراء. علاجه للملوك. علاجه
العام (وثانيهما) في قرابادين مرتبا على الحروف يذكر اسمها. ماهيتها.
نوعها. اختيارها. مزاجها. قوتها. كيفية استعمالها. كميتها.
مضرتها. اصلاحها. بدلها.
ويمكن ان يستدل على تشيعه بقوله في مدح الآل عليهم السلام:
دست بدامان آل زن كه نباشد * جز بمحمد مال آل محمد
الشيخ ميرزا حبيب الله بن الميرزا محمد علي خان الكيلاني الرشتي.
توفي في النجف ليلة الخميس 14 جمادى الآخرة سنة 1312، وقد
طعن في السن وذرف على الثمانين، ودفن في المشهد الغروي، وقبره
معروف. ورثاه الشعراء.
وكان أبوه من أكابر أهل كيلان وبيته من أعظم البيوت وكان المترجم
أستاذ علماء عصره: فقيها أصوليا محققا مؤسسا في الأصول وحيد عصره في
ابكار الأفكار، لم ير أشد فكرا منه وأحسن تحقيقا. قرأ مبادئ العلوم في
رشت وبعد تكميلها توجه إلى قزوين فقرأ في العلوم الدينية على الشيخ عبد
الكريم القزويني ثم هاجر من قزوين إلى النجف أيام صاحب الجواهر،
فأخذ عنه في الفقه، ثم عاد إلى بلده ورجع إلى النجف بعد وفاة صاحب
الجواهر فاخذ عن الشيخ مرتضى الأنصاري فقها وأصولا وخلفه بعد وفاته
على التدريس وانتهى امره اليه وعمر مجلس درسه بما يزيد على ثلاثمائة فيهم

559
أفاضل العلماء وأكثر العلماء والفقهاء المشهورين بعده في العراق وإيران
اخذوا عنه واستفادوا منه.
وتخرج على يده مئات من العلماء. ولم يكن في زمانه أرقى تدريسا منه
وأكثر فوائد وله التدريس العام المشتمل على أصناف العلماء مع ما في درسه
من التطويل المستغنى عنه، فقد قيل إنه بقي في تعريف البيع شهورا ولكن
ذلك كان متعارفا في ذلك العصر وقبله عند الكثيرين وهو من تضييع العمر
فيما لا فائدة فيه. وفي سنة 1302 خرج إلى خراسان فنال رعاية الشاه ناصر
الدين القاجاري وحفاوة الأمة الإيرانية وأهديت اليه من الفريقين الأموال
والهدايا الكثيرة. رأيناه في النجف الأشرف وبقي حيا ونحن فيها ثلاث
سنين ونصفا وذلك من منتصف ذي الحجة سنة 1308 إلى حين وفاته
فرأيناه شيخا تعلوه المهابة والوقار ودرسه عامر بشيوخ العلماء من الفرس
والعرب، والشيوخ من بيوتات العلم في النجف كلهم يحضرون درسه
ويأنفون من الحضور في غير درسه أمثال العباسين من آل الشيخ جعفر
والشيخ عبد الحسن ابن الشيخ راضي والسيد حسين القزويني وغيرهم ومع ما كان
عليه من المرتبة العلمية لم يقلد ولم تجب اليه الأموال وانما كان ذلك لمعاصره
وشريكه في الدرس عند الشيخ مرتضى الأنصاري وهو الميرزا السيد محمد
حسن الشيرازي نزيل سامراء على أن الشيرازي كان يصرح باجتهاده
ويطالع في مؤلفاته أحيانا ويستجيدها وربما يعزى عدم تقليده وجباية الأموال
اليه إلى سذاجته وسلامة نفسه واعراضه عن الرياسة، وذلك مما لا يعاب
به. ومما يحكى من عدم مبالاته بالدنيا وأهلها أنه جاء بعض أمراء الفرس -
ويلقب علاء الدولة - ومعه من الأموال ما يريد دفعه لأحد كبار العلماء،
فأشير عليه بالمترجم وأحضروه اليه وطلبوا إلى المترجم ان يحترمه ويعتني به.
فلما دخل وسلم وجلس التفت اليه بعد هنيهة وقال له (تو علاء الدولة
هستي) أأنت علاء الدولة؟ لم يزده على ذلك. فخرج وصرف تلك الأموال
إلى غيره. ومما يحكى عنه: أنه لما دخل إلى محل الاستقبال في قصر ناصر
الدين شاه وكل حيطانه مرايا جعل يرى صورته وصورة من معه في تلك
المرايا أينما التفت، فيظن انهم جماعة من العلماء فيسلم عليهم حتى نبه على
ذلك. وكان متورعا في الفتوى شديد الاحتياط ولعله لشدة احتياطه لم يقلد
ولم يمرض ان يقلده أحد. وكان دائم العبادة مواظبا على السنن كثير الصلاة
كثير الصمت يدأب في العبادة حتى في السفر، فهو في جميع أوقاته - حتى في حال خروجه للدرس ولزيارة الحضرة الشريفة ذاهبا وآيبا مشغول
بصلاة النافلة والذكر وقراءة القرآن دائم الطهارة، وكان في الزهد على
جانب عظيم. ومن شدة ورعه ما ينقل أنه كان يمر ناعلا في السقيفة التي
خلف الحضرة الشريفة العلوية من جهة الغرب لما جاء في بعض الروايات
ان رأس الحسين مدفون فوق رأس أبيه عليهما السلام ولم يعين محله فمن
المحتمل كونه في ذلك الدهليز. ومن تثبته في الأحكام ما حكاه الشيخ
كاظم الحكيم النجفي وكان من الملازمين - لمجلسه انه سمع مرة الشهادة
باثبات هلال شوال فبلغ الشهود فوق الأربعين فقال له (آشيخ كاظم
نزديك قطع شداست) اي صار قريب القطع فقال له: تصدعت يا
شيخنا! شهادة أربعين تفيد قريب القطع؟ فما الذي يفيد القطع؟! وكان
الشيخ كاظم هذا يقول: الفرق بيني وبين الميرزا حبيب الله في مجالس انشاد
الشعر أنني أعرف ان قول أحسنت ليس جزءا من البيت، أما هو فلا! ومما
جرى، والحديث شجون، أن كبار من يحضرون مجلس درسه - في الزمن
الذي كنا فيه في النجف اتفقوا على أن يصنع كل منهم دعوة غداء للشيخ
وحضار مجلس درسه، ففعلوا وبالغوا في التأنق في تلك الولائم. فلما
وصلت النوبة إلى الشيخ عبد الحسن بن الشيخ راضي النجفي اقترحوا عليه
ان يصنع لهم طعاما عربيا وهو (شلة ماش). فعمل دعوة وتأنق فيها،
وكان من الطعام شلة عليها القيمر. فنقم الناس عليهم ذلك وعدوه خلاف
الأولى لما ينبغي ان يكون عليه أهل العلم من التقشف واعتاده العامة منهم
وان لم يكن فيما فعلوه كراهة ولا حظر في الشرع (قل من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق) فاتفق أن الشيخ عبد الحسن اجتمع
بالسيد علي ابن عمنا السيد محمود فقال له من باب المطايبة لما كان عليه من
حسن اخلاق هل تذكر ان أحدا غضب منك؟ فقال: لا لكنني غاضب
منك. قال ولما ذا؟ قال لما تصنعونه من هذه الولائم التي أوجبت نقمة
الناس عليكم. فقال: ما أصنع؟ وهل يمكنني أن لا أعمل لهم وليمة وقد
طلبوها مني هكذا كانت سيرة أهل العلم في ذلك الزمن.
مشايخه
قد عرفت انه قرأ المبادئ على علماء رشت وأنه قرأ في الأصول والفقه
على الشيخ عبد الكريم القزويني وصاحب الجواهر والشيخ مرتضى
الأنصاري وغيرهم.
تلاميذه
له تلاميذ لا يحصون كثرة ويعدون بالمئات بل عرفت ان جل علماء
الفرس والعرب خريجو مجلس درسه. وممن أخذ عنه السيد عبد المجيد الكروخي
والملا غلام رضا القمي والميرزا أبو القاسم امام مسجد طهران والشيخ عبد
الله المازندراني وغيرهم من مشاهير فقهاء الفرس والعرب الذين مر ذكر
بعضهم. ويروي عنه بالإجازة المولى محمد طاهر بن محمد كاظم الأصفهاني
نزيل مشهد عبد العظيم بالري. ويروي عنه بالإجازة أيضا الأمير عبد
الصمد التستري.
مؤلفاته
(1) البديع في الأصول مطبوع (2) كتاب الطهارة في مجلدين
(3) كتاب الزكاة (4) كتاب صلاة المسافر (5) كتاب خلل الصلاة
(6) كتاب التجارة فيه الإجارة ومعه بيع الفضولي والمعاطاة وفيه: الغصب
والرهن واللقطة شرح على الشرائع مطبوع، وكتاب الغصب مطبوع مستقلا
(7) كتاب القضاء والشهادات شرح على الشرائع ويمكن ان يكون تقرير
بحثه في مجلد كبير رأيت منه نسخة في طهران في مكتبة شريعتمدار الرشتي
(8) كتاب الوقف والصدقات واحياء الموات والصيد والذباحة (9)
كاشف الظلام في علم الكلام (10) تقريرات في الإمامة وبعض مباحث
الأصول و الفقه وفي الذريعة كتاب الإمامة فارسي مبسوط أقام عليها براهين
لم يسبق إلى الاستدلال بها (11) رسالة في المشتق مطبوعة (12) تقريرات
بحث أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري في الأصول في مجلدين فيهما تمام
مسائل الأصول من المباحث اللفظية والأدلة العقلية ومنها تقريره لمسألتي تقليد
الميت وتقليد الأعلم مطبوعان في آخر كتاب الغصب (13) تقرير بحث
أستاذه المذكور في الفقه في الخلل وصلاة المسافر والوقف في عدة مجلدات
ويمكن ان يكون كتاب صلاة المسافر وكتاب خلل الصلاة المتقدمين بعضا
منها (14) كتاب في أصول الدين فارسي ويمكن كونه التقريرات في الإمامة
المتقدم ذكره.

560
أولاده
خلف ثلاثة أولاد علماء فضلاء وهم: الشيخ محمد توفي سنة 1316
ودفن مع أبيه والشيخ إسماعيل توفي سنة 1343 ودفن مع أبيه وأخيه
والشيخ إسحاق سكن طهران وتوفي سنة 1357 وحمل إلى النجف فدفن مع
أبيه وأخويه ومرت ترجمته في بابها من هذا الكتاب. ومما يجدر ذكره انه لما
ولد ولده الشيخ إسماعيل وأراد ان يسميه تفال بالقرآن الكريم فخرجت
الآية: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) فسماه
إسماعيل ونوى ان رزقه الله ولدا غيره ان يسميه إسحاق فولد وسماه
إسحاق.
مراثيه
رثاه جماعة من الشعراء السيد جعفر الحلي، فقال يرثيه ويعزي عنه
ابن امام جمعة طهران - الذي أقام له مجلس الفاتحة - من جملة قصيدة:
علام دموع أعيننا تصوب * إذا لحبيبه اشتاق الحبيب
أصابك يا حبيب الله حتف * أصيب به القبائل والشعوب
أقم، والله جارك، في ضريح * موسدة به معك القلوب
ألا لاحان يومك فهو يوم * على دين الهدى يوم عصيب
نظرت بنور ربك كل غيب * فكانت نصب عينيك الغيوب
ترى العلماء حشدا واحتفالا * لتعلم كيف تسأل أو تجيب
سترت عيوب هذا الدهر حينا * فبعدك ملء عيبته عيوب
وكنت بقية الحسنات منه * فبعدك كل ما فيه ذنوب
نشرت العلم في الآفاق حتى * طوى أضلاع شانئك الوجيب
تساقط حكمة فتطير فيها * إلى الناس الشمائل والجنوب
قضيت العمر في تعب وجهد * وما نال المنى الا التعوب
فلم يرقدك عن علم شباب * ولم يقعدك عن نفل مشيب
وتترك ما يريبك كل حين * مجاوزة إلى ما لا يريب
أرواد العلوم ألا أقيموا * بيأس ان مرتعه جديب
فقد والله قشع من سماه * ضحوك البرق وكاف سكوب
ألا يا دهر هذا منك خطب * علينا فيه هونت الخطوب
فبعد صنيعك ارم فلا نبالي * أتخطئنا سهامك أم تصيب
فيا صبرا امام الناس صبرا * فمثل الناس مثلك قد أصيبوا
لقد صدق المخيلة منك بشر * يلوح وراءه كرم وطيب
وبشر سواك كان له شبيها * سراب القاع والبرق الخلوب
لقد كرمت طباعك في زمان * به كرم الطباع هو العجيب
أقول لمن يحاول ان يباري * علاك وغره الأمل الكذوب
نعم ستنال ما تبغي ولكن * إذا ما عاد للضرع الحليب
الميرزا حبيب الله الملقب اقائي ابن ميرزا محمد علي الملقب گلشن.
توفي سنة 1272.
من شعراء الفرس له كتاب (بريشان) بالباء الفارسية منظوم فارسي
عارض فيه گلستان سعدي الشيرازي، ألفه باسم السلطان محمد شاه
القاجاري مطبوع.
السيد حبيب الله محمد بن هاشم الموسوي الخوئي.
توفي بطهران حدود سنة 1326
عالم فاضل مؤلف له كتاب منهج البراعة في شرح نهج البلاغة في
زهاء ثمانية مجلدات طبع منها سبعة، وله ترجمة نهج البلاغة إلى الفارسية
أدرجه في هذا الشرح.
حبيبة المكناة أم داود وأم خالد البربرية.
هي أم ولد بربرية وقيل رومية كانت للحسن بن الحسن المثنى فأولدها
أبا سليمان داود بن الحسن، وقيل إن أم داود شريفة علوية واسمها
فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم والله أعلم، ويحتمل كون فاطمة أمه وحبيبة
مرضعته، واليها ينسب عمل أم داود الذي علمها إياه الصادق عليه
السلام حتى تخلص ابنها وكان محبوسا في حبس المنصور، وكانت أرضعت
الصادق عليه السلام بلبن ابنها داود. وكانت امرأة صالحة ذات عبادة
وسدادة، وأقوى دليل على صلاحها ائتمان الصادق عليه السلام لها على
الدعاء الذي في العمل المذكور، وفي عمدة الطالب: كان داود رضيع
جعفر الصادق عليه السلام وحبسه المنصور الدوانيقي فأفلت منه بالدعاء
الذي علمه لأمه أم داود، ويعرف بدعاء أم داود وبدعاء يوم الاستفتاح
وهو النصف من رجب (اه‍).
حبيش بن عبد الرحمن وقيل حبيش بن منقذ أبو قلابة الجرمي.
في معجم الأدباء: كان أحد الرواة الفهمة، وكان بينه وبين
الأصمعي مماظة لأجل المذهب، لأن الأصمعي كان سنيا حسن الاعتقاد
(بل كان ناصبيا) وكان أبو قلابة شيعيا رافضيا، ولما بلغه وفاة الأصمعي
قال:
أقول لما جاءني نعيه * بعدا وسحقا لك من هالك
يا شر ميت خرجت نفسه * وشر مدفوع إلى مالك
وله فيه أيضا:
لعن الله أعظما حملوها * نحو دار البلى على خشبات
أعظما تبغض النبي وأهل * البيت والطيبين والطيبات
قال وكان أبو قلابة صديقا لعبد الصمد بن المعذل وبينهما مجالسة
وممازحة، وله معه اخبار حدث المرزباني قال: قال - يعني عبد الصمد -
أنشدت أبا قلابة قولي فيه:
يا رب ان كان أبو قلابة * يشتم في خلوته الصحابة
فابعث عليه عقربا دبابه * تلسعه في طرف السبابة
واقرن اليه حية منسابه * وابعث على جوخانه سنجابه
وأبو قلابة ساكت فلما قلت (وابعث على جوخانه سنجابه) قال:
الله الله! ليس مع ذهاب الخبز عمل. (الجوخان) بالفتح: البيدر.
و (السنجاب): دويبة معروفة. وقال: حدث المبرد في الروضة: حدثني
عبد الصمد بن المعذل قال: جئت أبا قلابة الجرمي - وهو أحد الرواة
الفهمة - ومعه الأرجوزة التي تنسب إلى الأصمعي وهي:
تهزأ مني أخت آل طيسله * قالت أراه مملقا لا شئ له
فسألته ان يدفعها اليه فأبى. فعملت أرجوزتي التي أولها:
تهزأ مني - وهي رود طله - * ان رأت الاحناء مقفله

561
قالت أرى شيب القذال احتله * والورد من ماء اليرنا (1) حله
ودفعتها اليه على أنها لبعض الاعراب واخذت منه تلك. ثم مضى
أبو قلابة إلى الأصمعي يسأله عن غريبها فقال له: لمن هذه؟ قال لبعض
الاعراب. فقال ويحك هذه لبعض الدجالين دلسها عليك، أما ترى فيها
كيت وكيت؟ فخزي أبو قلابة واستحيا اه‍.
حبيش بن مبشر
اسمه محمد بن مبشر بن أحمد بن محمد وحبيش لقب وذكر هناك.
حجاج الابزاري الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
حجاج بن أرطأة أبو أرطأة النخعي الكوفي.
وفاته
توفي سنة 145 عن ابن حبان في الثقات وفي خلاصة تذهيب الكمال
147 قال الهيثم بن عدي: مات بخراسان مع المهدي. وقال خليفة بن
خياط وابن سعد مات بالري.
نسبه
في الطبقات الكبير لمحمد بن سعد: الحجاج بن أرطاة بن ثور بن
هبيرة بن شراحيل بن كعب بن سلامان بن عامر بن حارثة بن سعد بن
مالك بن النخع من مذحج ويكنى الحجاج أبا أرطأة. وفي تاريخ بغداد:
والنخع هو ابن عامر بن عمرو بن عكة بن جلد بن مالك وهو مذحج بن
أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن
يعرب بن قحطان.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام فقال حجاج بن
أرطأة أبو أرطاة النخعي الكوفي مات بالري في زمن أبي جعفر وذكره بهذا
العنوان في أصحاب الصادق عليه السلام بدون قوله مات الخ... وروي
في كشف الغمة عن حجاج بن أرطأة قال قال لي أبو جعفر عليه السلام كي
تواسيكم؟ قلت صالح. قال أيدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ
حاجته؟ قلت اما هذا فلا. قال اما لو فعلتم ما احتجتم اه‍. وقال أبو
نعيم في حلية الأولياء في ترجمة الإمام الباقر عليه السلام روى عنه من
الأئمة والاعلام حجاج بن أرطأة اه‍. وفي الطبقات الكبير لابن سعد:
الحجاج بن أرطاة (إلى قوله) ويكنى الحجاج أبا أرطأة - كما تقدم قال -
وكان شريفا سريا (2) وكان في صحابة أبي جعفر فضمه إلى
المهدي فلم يزل معه حتى توفي بالري والمهدي بها يومئذ في خلافة
أبي جعفر وكان ضعيفا في الحديث (اه‍). وفي خلاصة تذهيب
الكمال حجاج بن أرطأة النخعي أبو أرطأة قاضي البصرة أحد الاعلام مات
سنة 147 اه‍. وعن تقريب ابن حجر: حجاج بن أرطأة الكوفي القاضي
أحد الفقهاء كثير الخطأ والتدليس من السابعة مات سنة 45 اي بعد المائة
ه‍. وفي تاريخ بغداد: حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي كان مع أبي جعفر
المنصور في وقت بناء مدينته ويقال انه ممن تولى خططها ونصب قبلة جامعها
والحجاج أحد العلماء بالحديث والحفاظ له وكان مدلسا يروي عمن لم
يلقه. ثم روى بسنده عن محمد بن عمرو بن مسلم الحافظ قال ذكروا عن
مشيخة أهل المدينة انهم زعموا ان حجاج بن أرطأة نصب قبلة مسجد مدينة
أبي جعفر المنصور ولحجاج قطيعة ببغداد في الربض تعرف بقطيعة حجاج.
والحجاج أحد العلماء بالحديث والحفاظ اه‍. ثم روى عن عبد الملك بن
عبد الحميد حدثني أبي غير مرة قال مكث الحجاج بن أرطأة يعيش من غزل
أمة له كذا وكذا من سنة أو قال ستين سنة ثم أخرجه أبو جعفر مع ابنه
المهدي إلى خراسان بسبعين مملوكا. ثم روى بأسانيده عن جماعة فعن عبد
الحميد أنه قال ربما رأيته - يعني الحجاج - يضع يده على رأسه ويقول قتلني
حب الشرف. وعن سفيان قال الحجاج بن أرطأة: أهلكني حب الشرف.
وعن حماد بن زيد قدم علينا جرير بن حازم من المدينة فاتيناه فسلمنا عليه فما
برحنا حتى تذاكرنا الحديث فقال في بعض ما يقول حدثنا قيس بن سعد عن
الحجاج بن أرطأة فلبثنا ما شاء الله فقدم علينا الحجاج ابن ثلاثين أو احدى
وثلاثين فرأيت عليه من الزحام ما لم أر على حماد بن أبي سليمان رأيت عنده
مطرا الوراق وداود بن أبي هند ويونس بن عبيد جثاة على أرجلهم
يقولون: يا أبا أرطأة ما تقول في كذا يا أبا أرطأة ما تقول في كذا. وعن
هشيم سمعت الحجاج بن أرطأة يقول: استفتيت وانا ابن ست عشرة
سنة. وعن عمار كان حجاج بن أرطأة من فقهاء الناس. وعن سفيان
سمعت ابن أبي نجيح يقول: ما جاء منكم مثله - يعني الحجاج بن أرطأة -
وعن حفص بن غياث قال لنا سفيان الثوري يوما: من تأتون؟ قلنا
الحجاج بن أرطأة قال عليكم به، فإنه ما بقي أحد اعرف بما يخرج من
رأسه منه. وعن حفص بن غياث رآني سفيان بن سعيد وانا مقبل من ناحية
الحجاج فقال تأتون الحجاج؟ قلت نعم. قال أما انكم لا تأتون مثله.
وعن سفيان الثوري رأيت أحفظ من حجاج بن أرطأة. وعن سفيان
الثوري: ما تأتون أحدا احفظ من حجاج بن أرطأة. وعن حفص بن
غياث: سمعت حجاجا يقول ما خاصمت أحدا قط ولا جلست إلى قوم
يختصمون. وعن حماد بن زيد كان الحجاج عندنا اقهر لحديثه من سفيان
الثوري وفي حديث ابن الفضل كان الحجاج اقهر للحديث من سفيان
الثوري. وعن شعبة: ان أردت الحديث فعليك بالحجاج بن أرطأة
ومحمد بن إسحاق. وفي رواية الذهبي اكتبوا عن حجاج بن أرطأة وابن
إسحاق فإنهما حافظان. وعن أبي عاصم أول من ولي القضاء لبني العباس
بالبصرة الحجاج بن أرطأة فجاء إلى حلقة البتي في عرض الحلقة. فقيل له
ارتفع أعز الله القاضي إلى الصدر! فقال أنا صدر حيث كنت. وقال انا
رجل حبب إلي الشرف. وعن خالد بن عبد الله كنا في مسجد الجامع
فدخل الحجاج بن أرطأة، فقالوا له قبالتنا يا أبا أرطأة. فقال حيثما جلست
فانا صدرها. وعن أبي يوسف كان الحجاج بن أرطأة لا يشهد جمعة ولا
جماعة يقول: اكره مزاحمة الأنذال. وعن الأصمعي: أول من ارتشى من
القضاة بالبصرة الحجاج بن أرطأة. وعن عبد الله بن عبد الله بن الأسود
الحارثي كان الحجاج بن أرطأة يقيم على رؤوسنا غلاما له أسود فيقول من
رأيته يكتب فخذ برجله. قام اليه رجل فقال سوأة لك يا أبا أرطأة يأتيك
نظراؤك وأبناء نظرائك من أبناء القبائل. ثم تأمر هذا الأسود بما تأمره! فلم
يأمره بعد ذلك كأنهم كانوا يكتبون حديثه فأراد ان يحفظوه في مجلسه ثم يكتبوه إذا
خلوا، فيكون أقر له في أذهانهم أو لغير ذلك من الاغراض أو انه أراد ان



(1) اليرنا الحناء.
(2) في النسخة المطبوعة مريا وصوابه سريا.
562
لا يكتبوه بخلا به فيكون ذما له. وعن علي بن المديني عن سفيان قال حدث
منصور بحديث، فقالوا عمن يا أبا عتاب؟ فقال ويحكم لا تريدوه فألحوا به،
فقال هو عن الحجاج بن أرطأة اذهبوا الآن. وعن علي بن المديني كان يحيى
لا يحدث عن الحجاج بن أرطأة كان يرسل (1) وكان قاضيا بالكوفة لأبي
جعفر بالبصرة وكان يحدث عن الأعمش وهو حي وحماد بن سلمة. كتب
عنه عن حماد قبل ان يلقى حمادا، وما اعلم أحدا تركه غير يحيى بن
سعيد. وعن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن يحيى ان حجاما لم ير الزهري،
وكان سئ الرأي فيه جدا ما رأيته أسوأ رأيا في أحد منه في حجاج
ومحمد بن إسحاق وليث وهمام لا يستطيع أحد ان يراجعه فيهم،
وقوله: وكان - أي أحمد أو يحيى - وعن أحمد بن عبد الله العجلي: حجاج
ابن أرطاة النخعي أبو أرطاة: كان فقيها: وكان فيه تيه وكان
يقول قتلني حب الشرف وولي قضاة البصرة وكان جائز الحديث الا
انه صاحب ارسال كان يرسل عن يحيى بن أبي كثير وعن مكحول وعن
مجاهد وعن الزهري ولم يسمع منهم شيئا فإنما يعيب الناس منه التدليس.
قال الخطيب قلت ذكر يحيى بن معين ان حجاجا سمع من مكحول ثم روى
ذلك مسندا، قال وروى نحوا من 600 حديث اه‍. وعن إبراهيم بن
يعقوب الجوزجاني قال الحجاج بن أرطأة كان يروي عن قوم لم يلقهم
الزهري وغيره. ويقال ان سفيان أتاه يوما ليسمع منه فلما قام من عنده قال
حجاج بري بني ثور انا نحفل به انا لا نبالي جاءنا أو لم يجئنا. وكان حجاج
تياها. وكان قد ولي الشرط. ويقال عن حماد بن زيد: قدم علينا حماد بن
أبي سليمان وحجاج بن أرطاة، فكان الزحام على حجاج أكثر منه على
حماد. وكان حجاج يقع في أبي حنيفة ويقول إنه لا يعقل لله عقله (2).
وعن زائدة: اطرحوا حديث أربعة: حجاج بن أرطأة وجابر وحميد
والكلبي. وعن أبي عبيد القاسم بن سلام: ناظرت يحيى بن سعيد القطان
في حجاج بن أرطأة وظننت انه تركه ولم يرو عنه من أجل لبسه السواد،
فقلت: لم تركته؟ فقال للغلط. قلت في اي شئ؟ فحدث يحيى بغير
حديث - أي مما غلط فيه حجاج - وذكر منها أبو عبيد حديثا واحدا. وعن
عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين الحجاج بن أرطأة فقال
صالح. وعن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول الحجاج بن أرطأة
كوفي صدوق وليس بالقوي. وسئل يحيى مرة أخرى عن الحجاج بن أرطأة
فقال ضعيف. وقال يحيى الحجاج بن أرطأة يدلس. وعن عبد الخالق بن
منصور سئل يحيى عن حجاج بن أرطاة فقال صدوق وليس بالقوي في الحديث
وليس هو من أهل الكذب. وعن يعقوب بن شيبة الحجاج بن أرطاة
صدوق وفي حديثه اضطراب. وعن النسائي حجاج بن أرطاة كوفي ليس بالقوي.
وعن الرحمن بن يوسف بن خراش كان حجاج بن أرطأة مدلسا وكان حافظا
للحديث. وقال ابن عبد الحكم عن الشافعي عن الحجاج بن أرطأة لا تتم
مروءة الرجل يترك الصلاة في الجماعة. وقال عبد الله بن إدريس كنت
أرى الحجاج بن أرطأة يفلي ثيابه ثم خرج إلى المهدي ثم قدم معه أربعون
راحلة عليها أحمالها. وقال احمد كان حجاج يدلس إذا قيل له حدثك يقول
لا تقولوا هذا قولوا من ذكرت. وفي ميزان الذهبي حجاج بن أرطاة الفقيه أبو
أرطاة النخعي أحد الاعلام على لين في حديثه. وقال احمد كان من الحفاظ وقال
القطان هو وابن إسحاق عندي سواء. وقال أبو حاتم إذا قال أنبأنا فهو صالح لا
يرتاب في صدقه وحفظه. وقال الدارقطني وغيره لا يحتج به. وقال معمر بن
سليمان تسألوننا عن حديث حجاج وعبد الله بن بشير عندنا أفضل منه. وقال
يوسف بن واقد رأيت الحجاج بن أرطأة عليه سواد مخضوبا بسواد. قال ابن
حبان كان حجاج صلفا خرج مع المهدي إلى خراسان فولاه القضاء، ومات
منصرفه من الري سنة 145 تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي
وابن معين واحمد كذا قال ابن حبان، وهذا القول فيه مجازفة. ثم روى
ابن واقد بسنده عن عيسى بن يونس كان الحجاج بن أرطأة لا يحضر
الجماعة، فقيل له في ذلك، فقال احضر مسجدكم حتى يزاحمني فيه
الحمالون والبقالون. وقد طول ابن حبان وابن عدي ترجمته، وأكثر ما نقم
عليه التدليس، وفيه تيه لا يليق باهل العلم. وذكره النسائي في المدلسين ا
ه‍. وفي تهذيب التهذيب (بخ م 4) حجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة بن
شراحيل النخعي أبو أرطأة الكوفي القاضي. قال ابن عيينة سمعت ابن أبي
نجيع يقول ما جاءنا منكم مثل الحجاج بن أرطأة. وعن أحمد كان من
الحفاظ قيل فلم ليس هو عند الناس بذاك؟ قال لأن في حديثه زيادة على
حديث الناس ليس يكاد يوجد له حديث الا فيه زيادة. وعن ابن معين:
صدوق ليس بالقوي يدلس عن عمرو بن شعيب وعن يحيى القطان بن
أرطأة ومحمد بن إسحاق عندي سواء وتركت الحجاج عمدا ولم اكتب عنه
حديثا قط. وقال أبو زرعة صدوق يدلس. وقال أبو حاتم صدوق يدلس
عن الضعفاء يكتب حديثه، وأما إذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في
صدقه وحفظه إذا بين السماع لا يحتج بحديثه لم يسمع من الزهري ولا من
هشام بن عروة ولا من عكرمة. وقال هشيم قال لي الحجاج بن أرطأة صف
لي الزهري فاني لم أره. وقال ابن المبارك كان الحجاج يدلس، فكان يحدثنا
بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه العرزمي متروك. وقال ابن
عدي: انما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وغيره وربما أخطأ في
بعض الروايات، فاما ان يتعمد الكذب فلا وهو ممن يكتب حديثه. وقال
يعقوب بن شيبة واهي الحديث في حديثه اضطراب كثير، وقال صدوق
وكان أحد الفقهاء. قال ابن حجر: قلت رأيت له في البخاري رواية
واحدة متابعة تعليقا في كتاب العتق. وقال الساجي كان مدلسا صدوقا
سئ الحفظ ليس بحجة في الفروع والأحكام. وقال ابن خزيمة لا احتج به
الا فيما قال أنبأنا وسمعت. وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم.
وقال البزار: كان حافظا مدلسا وكان معجبا بنفسه، وكان شعبة يثني
عليه، ولا أعلم أحد لم يرو عنه - يعني ممن لقيه - الا عبد الله بن إدريس.
وقال الحاكم والدارقطني لا يحتج به. وقال ابن عيينة كنا عند منصور بن
المغتمر، فذكروا حديثا، فقال من حدثكم؟ قالوا الحجاج بن أرطأة، قال
والحجاج يكتب عنه؟ قالوا نعم قال لو سكتم لكان خيرا لكم. وقال ابن
حبان: تركه ابن المبارك وابن مهدي ويحيى القطان ويحيى بن معين
وأحمد بن حنبل قرأت بخط الذهبي هذا القول فيه مجازفة، وأكثر ما نقم
عليه التدليس وكان فيه تيه لا يليق باهل العلم اه‍. وقال إسماعيل
القاضي مضطرب الحديث لكثرة تدليسه. وقال محمد بن نصر: الغالب
على حديثه الارسال والتدليس وتغيير الألفاظ اه‍.
(أقول): كلامهم فيه لا يخلو من تناقض ولا يبعد ان يكون الحامل
على ذمه عن التحامل فقد وصفه أجلاؤهم بأنه صدوق وأنه لا يرتاب في
صدقه وحفظه وانه لا يتعمد الكذب وانه ممن يكتب حديثه وانه فقيه

563
مفت، واكد الثوري لزوم الأخذ عنه بقوله: عليكم به. وكان شعبة يثني
عليه، وكان العلماء يزدحمون على مجلسه يسألونه جثاة على ركبهم!! ومع
ذلك: يصفه البعض بضعف الحديث، ولين الحديث، واضطراب
الحديث، وسوء الحفظ، وكثرة الخطا؟!!. مع أن سوء الحفظ وكثرة
الخطا ينافيان الحفظ، فهل هذا الا تناقض؟ ويأمر زائدة بترك حديثه ولم
يبين السبب، ويسئ بعضهم الرأي فيه!... ومن يكون بالصفات
المتقدمة من الصدق والحفظ لا ينبغي إساءة الرأي فيه!!. أما التدليس
المنسوب اليه بروايته عمن لم يره، فان صح لم يوجب القدح فيه، فقد وقع
مثله كثيرا لمن عدوه من أجلاء الرواة - كما يظهر بالتتبع -. وقد قال ابن
حجر في التقريب في حبيب بن أبي ثابت قيس: انه ثقة ثقة جليل وكان كثير
الارسال والتدليس. وهو بعينه الارسال الذي يقع من الرواة كثيرا.
ويظهر من كلام العجلي انه ليس فيه ما يعاب الا التدليس بروايته عمن لم
يره. ولذلك قال الذهبي ان هذا القول - أي تركهم له - فيه مجازفة،
وأكثر ما نقم عليه التدليس. مع أنه يظهر مما حكوه عنه انه إذا قيل له
حدثك، يقول: لا تقولوا هذا الخ... انه نفى عن نفسه التدليس بنفي
الحديث!!. أما ما رووه عنه من أنه لا تتم مروءة الرجل حتى يترك
الصلاة في الجماعة، وانه كان لا يحضر الجماعة معتذرا بأنه يزاحمه
الحمالون والبقالون: فلا يقبل عقل ان يصدر عن مثله، وهو يناقض
وصفه بالفقه والإفتاء ولو صح لأمكن حمله على الصلاة خلف الفجرة
والفساق عملا بجواز الصلاة خلف البر والفاجر المنافي لقول أئمة أهل البيت
عليهم السلام (صل خلف من تثق بدينه وأمانته) ويمكن ان يكون
تركه الجماعة لذلك مظهرا الاعتذار بمزاحمة الحمالين والبقالين لعدم تمكنه
من بيان العذر الحقيقي. واما رمي الأصمعي له بالرشوة فمتى كان
الأصمعي ممن يقبل قوله في الرواة جرحا وتعديلا خصوصا ان كانوا من
اتباع أهل البيت المعلوم انحرافه عنهم، ولذلك لم ينقله ابن حجر واقتصر
نقله على الذهبي، مع أن الذهبي أيضا لم يعتن به ولذلك قال أكثر ما نقم
عليه التدليس. وكذلك العجلي نفى ان يكون فيه ما يعاب غير التدليس،
ولو صح عنده ما قاله الأصمعي لكان أعظم من التدليس، وأما الاستشهاد لذلك
بقول عبد الله بن إدريس انه كان يراه أولا يفلي ثيابه لفقره، ولما قدم بعد خروجه
إلى المهدي قدم معه أربعون راحلة معها أحمالها. فعبد الله بن إدريس يظهر
تحامله عليه من قول البزار لا اعلم أحدا لم يرو عنه الا عبد الله بن
إدريس. وإذا كان ذهب إلى المهدي فقيرا وعاد من عنده بأربعين راحلة
محملة من عطاياه وجوائزه ومن رزقه من بيت المال على القضاء، فأي عيب
عليه في ذلك؟ وهل كان العلماء والقضاء الذي يتصلون بهم لنيل بركتهم
والاخذ من دينهم وتقواهم حتى يكون هو كذلك؟... وأما عيبهم له بالتيه
والاعجاب بنفسه واستشهادهم لذلك بأنه كان يقول أهلكني حب الشرف
فهذا القول يدل على أنه كان يمقت التيه ويوبخ نفسه عليه ان وقع منه
وجلوسه دون الصدر يدل على تواضعه. وقوله انا صدر حيث كنت بيان
للواقع وبيان لأن الرجل الشريف لا يعيبه الجلوس دون رتبته، فهو إلى
المدح أقرب إلى القدح!!. فهذه الأقوال في ذمه - بعد أن كانت مناقضة
للأقوال في مدحه - لا ينبغي الاصغاء إليها، ولكن أصحابنا لم يوثقوه ولم
يقدحوا فيه لكونه مجهول الحال عندهم والله أعلم بحقيقة امره.
مشايخه
في تهذيب التهذيب: روى عن الشعبي حديثا واحدا وعن عطاء بن
أبي رباح وجبلة بن سحيم وزيد بن جبير الطائي وعمرو بن شعيب
وسماك بن حرب ونافع مولى ابن عمر وأبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير
والزهري ومكحول - وقيل لم يسمع منهما - ويحيى بن أبي كثير ولم يسمع منه
وجماعة اه‍. وذكر في خلاصة تذهيب الكمال انه يروي عن عكرمة وفي
تاريخ بغداد سمع عطاء بن أبي رباح وجماعة من بعده.
تلاميذه
في تهذيب التهذيب: عنه شعبة (بن الحجاج) وهشيم (بن بشير)
وابن نمير والحمادان والثوري وحفص بن غياث وغندر وأبو معاوية ويزيد بن
هارون وعدة. وروى عنه منصور بن المعتمر وهو من شيوخه ومحمد بن
إسحاق وقيس بن سعد المكي وهما من أقرانه وغيرهم، وزاد في تاريخ
بغداد فيمن روى عنه عبد الله بن المبارك، وزاد في ميزان الاعتدال فيمن
روى عنه عبد الرزاق.
الحجاج بن بدر التميمي السعدي.
استشهد مع الحسين عليه السلام سنة 61.
في ابصار العين كان الحجاج بصريا من بني سعد بن تميم جاء بكتاب
مسعود بن عمرو إلى الحسين عليه السلام فبقي معه وقتل بين يديه فان أهل
السير ذكروا ان الحسين عليه السلام كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي
يدعوه إلى نصره. والسيد ابن طاوس في الملهوف قال إنه كتب إلى يزيد بن
مسعود النهشلي فجمع المذكور قومه وخطبهم ثم كتب إلى الحسين
عليه السلام قال بعض أهل المقاتل مع الحجاج بن بدر السعدي
وبقي الحجاج معه حتى قتل بين يديه. قال صاحب الحدائق
الوردية قتل مبارزة بعد الظهر. وقال غيره قتل في الحملة الأولى قبل
الظهر. هذه خلاصة ما في ابصار العين. وفي كتاب لبعض المعاصرين لا
يعتمد على ضبطه سماه الحجاج بن زيد السعدي التميمي البصري وقال
حمل كتاب يزيد بن مسعود النهشلي من البصرة إلى الحسين عليه السلام
وبقي معه حتى استشهد بين يديه وله ذكر في زيارة الناحية المقدسة اه‍.
حجاج بن حرة الكندي مولاهم الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام كما عن بعض
النسخ. وعن بعضها حجاج بن حمزة. وفي لسان الميزان حجاج بن حمزة
الكندي الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال: روى عنه إبراهيم بن
سليمان اه‍. ورواية إبراهيم بن سليمان عنه لا توجد في كلام الشيخ،
وانما الذي روى عنه إبراهيم بن سليمان هو حجاج بن الآتي. والظاهر أن
نسخة الفهرست التي كانت عنده ناقصة فاخذ رواية إبراهيم بن سليمان من
ترجمته وألحقها بترجمة أخرى، ويدل عليه انه لا ذكر لحجاج بن دينار في
لسان الميزان.
حجاج بن خالد بن حجاج
عنه أحمد بن محمد بن عيسى في التهذيب في باب الصيد والزكاة.
حجاج بن دينار الواسطي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام، وقال
النجاشي حجاج بن دينار له كتاب، وفي الفهرست حجاج بن دينار له

564
كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل الشيباني عن حميد عن
إبراهيم بن سليمان عنه اه‍. وفي ميزان الذهبي: حجاج بن دينار (ق)
الواسطي عن معاوية بن فروة وجماعة وعنه شعبة وعيسى بن يونس وطائفة،
قال أحمد ويحيى: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال
الدارقطني: ليس بالقوي، وقد وثقه ابن المبارك ويعقوب بن شيبة والعجلي
اه‍. وفي تهذيب التهذيب (د ت س ق حجاج) بن دينار الأشجعي
وقيل السلمي مولاهم الواسطي روى عن الحكم بن عتبة ومنصور وأبي بشر
ومعاوية بن قرة وأبي جعفر الباقر وأبي غالب صاحب أبي أمامة وغيرهم.
وعنه إسرائيل وشعبة وإسماعيل بن زكريا وعيسى بن يونس بن محمد بن
بشر العبدي ويعلى بن عبيد وغيرهم، قال ابن المبارك: ثقة، وقال أحمد:
ليس به باس وقال ابن معين: صدوق ليس به باس، وقال زهير بن حرب
ويعقوب بن شيبة والعجلي: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح صدوق مستقيم
الحديث لا باس به، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: يمكن استعلام أن حجاج بن
دينار برواية إبراهيم بن سليمان عنه.
حجاج بن رفاعة الكوفي الخشاب.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، وقال
في الفهرست: حجاج الخشاب له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي
المفضل عن حميد بن زياد عن أحمد بن ميثم عنه اه‍. وقال النجاشي:
حجاج بن رفاعة أبو رفاعة وقيل أبو علي الخشاب كوفي روى عن أبي
عبد الله عليه السلام ثقة، ذكره أبو العباس، له كتاب يرويه عدة من
أصحابنا منهم محمد بن يحيى الخزار: أخبرنا أحمد بن محمد بن
هارون حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن عبد الله بن غالب حدثنا
محمد بن عبد الحميد العطار حدثنا محمد بن يحيى الخزار عن حجاج
اه‍. وفي التعليقة: التوثيق - أي الذي في كلام النجاشي - من أبي
العباس، والظاهر أنه ابن نوح وانه ثقة سالم عن الطعن مضافا إلى أن
الظاهر ارتضاؤه عند النجاشي، يؤيده رواية عدة من أصحابنا كتابه
ورواية الأجلة مثل العباس بن عامر ومحمد بن يحيى وغيرهما اه‍. ومر في
بسطام بن سابور الزيات ما يلزم أن يراجع. وفي الخلاصة: حجاج بن
رفاعة أبو رفاعة وقيل أبو علي الخشاب كوفي روى عن أبي عبد الله عليه
السلام ثقة ثقة ذكره أبو العباس اه‍. وقال الشهيد الثاني في حواشي
الخلاصة ما صورته: تكرير توثيقه مرتين لم يذكره أحد من أصحاب الرجال
غير المصنف، والمعلوم من طريقة المصنف ان ينقل في كتابه لفظ النجاشي
في جميع الأبواب، ويزيد عليها ما يقبل الزيادة، ولفظ النجاشي هنا بعينه
جميع ما ذكره المصنف، غير أنه اقتصر على توثيقه مرة واحدة، والنسخة
بخط السيد ابن طاوس اه‍ - أي نسخة كتاب النجاشي -. وفي منهج
المقال: وكذلك في نسخة عليها خط ابن إدريس وخط ابن طاوس اه‍.
وفي لسان الميزان: حجاج بن رفاعة الخشاب الكوفي أبو رفاعة ذكره
الطوسي وابن عقدة في رجال الشيعة. وقال ابن النجاشي: روى عنه
محمد بن يحيى الخزار. وقال الطوسي: روى عنه أحمد بن ميثم بن أبي
نعيم والعباس بن عامر اه‍. ولا نعلم أن ابن عقدة ذكره، وانما حكى
النجاشي ذلك عن أبي العباس، والمراد به ابن نوح كما مر لا ابن عقدة،
وكأنه ظن أن المراد به ابن عقدة.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب حجاج المشترك بين الثقة
وغيره، ويمكن استعلام انه ابن رفاعة الخشاب الثقة برواية محمد بن يحيى
الخزار عنه ورواية أحمد بن ميثم عنه، وزاد الكاظمي رواية العباس بن
عامر عنه وجعفر بن بشير عنه. وعن جامع الرواة انه نقل رواية ابن فضال
وعلي بن الحكم عنه. الحجاج بن سفيان العبدي
في التعليقة: روى عن العسكري عليه السلام، كان اماميا كما يظهر
من كشف الغمة.
الحجاج بن علاط بن خالد ثويرة بن حنثر بن هلال بن عبيد بن ظهر
(ظفر) بن سعد بن عمر بن تيم بن بهز بن امرئ القيس بن بهئة بن
سليم بن منصور السلمي ثم البهزي أبو كلاب وقيل أبو محمد وقيل أبو
عبد الله.
اختلف في وفاته: مات في أول خلافة عمر وقيل: بل بقي إلى
خلافة علي وكان موجودا يوم الجمل. وقال ابن عساكر: لما قتل
المعرض بن علاط يوم الجمل قال فيه اخوه، كما يأتي. والذي صوبه ابن
حجر في الإصابة ان ذلك ابنه نصر والله أعلم. وفي تاريخ دمشق عن
محمد بن أبي حاتم انه مدفون بقاليقا من أرض الروم.
(علاط) في الإصابة: بكسر المهملة وتخفيف اللام (وثويرة) بالمثلثة
مصغرا (وحنثر) في آبائه مذكور في أسد الغابة ولم يذكر في الاستيعاب
والإصابة (وظفر) في أسد الغابة والإصابة، وظهر في الاستيعاب، ولعله
من تحريف النساخ.
أقوال العلماء فيه
أصله من أهل مكة وهاجر إلى المدينة وسكنها. وفي الاستيعاب
وغيره: هو معدود في أهل المدينة سكنها وبنى بها دارا ومسجدا يعرف به.
وقال ابن عساكر: الحجاج بن علاط بن خالد بن ثويرة السلمي الفهري له
صحبة أسلم عام خيبر، وله حديث واحد وسكن المدينة ثم تحول إلى
الشام، وكان له بها دار تسمى دار الخالديين، وصارت بعده إلى ابنه. وذكر
أبو الحسين الرازي عن شيوخه الدمشقيين بأسانيدهم ان الدار التي في سوق
الطرائف الأولة وأنت جائي من سوق الطير المعروفة بدار الخالديين هي دار
الحجاج المذكور وفي الاستيعاب: روينا من حديث واثلة بن الأسقع قال:
كان اسلام الحجاج بن علاط البهزي انه خرج في ركب من قومه إلى مكة
فلما جن عليه الليل، وهو في واد موحش مخوف، قعد فقال له أصحابه:
يا أبا كلاب! قم فاتخذ لنفسك ولأصحابك أمانا (كانوا إذا خافوا الجن
استعاذوا بهم بشئ يقولونه)، فقام الحجاج بن علاط يطوف عليهم
يكلؤهم وهو يقول:
أعيذ نفسي وأعيذ صحبي * من كل جني بهذا النقب
حتى أؤوب سالما وركبي

565
فسمع قائلا يقول: (يا معشر الجن والإنس ان استطعتم ان تنفذوا
من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان). فلما قدموا
مكة أخبر بذلك نادي قريش، فقالوا له: صبات والله يا أبا كلاب! ان
هذا فيما يزعم محمد أنه أنزل عليه. قال: والله لقد سمعته وسمعه هؤلاء
معي. فسال عن النبي ص فقيل له: هو بالمدينة. فاسلم الحجاج وحسن
اسلامه. وروى مثل ذلك في أسد الغابة في الطبقات، لكن يظهر ان
الأصل الذي أخذ منه المطبوع كان ناقصا، فلذلك كانت ترجمته في
الطبقات ناقصة من أولها. وفي الإصابة قال ابن سعد: قدم على النبي صل الله عليه وآله وسلم
وهو بخيبر فاسلم، وسكن المدينة واختط بها دارا ومسجدا. وفي تاريخ
دمشق عن ابن سعد في الطبقة الثالثة أنه قال: قدم الحجاج بن علاط
السلمي على النبي صل الله عليه وآله وسلم وهو بخيبر فاسلم، وسكن المدينة وبنى دارا
ومسجدا، وكان صاحب غارات في الجاهلية وله حديث اه‍. قال:
وروى عنه أنس بن مالك. وقال عبد الصمد بن سعيد في تسمية من نزل
حمص من الصحابة: نزل الحجاج بحمص بالدار المعروفة بدار الخالديين
نسبة إلى خالد بن عبيد الله بن الحجاج، واستعمل معاوية ابنه عبيد الله على
أرض حمص وله بها عقب، وكانت معه راية بني سليم يوم فتح مكة اه‍.
وفي الإصابة عن ابن السكن انه نزل حمص. وعن الشعبي ان عمر كتب
إلى أهل الشام ان ابعثوا إلي رجلا من أشرافكم. وفي رواية: أنه كتب إلى
كل عمل ان يبعثوا اليه رجلا من صالحيها، فبعثوا اليه من الشام
الحجاج بن علاط اه‍. وهو والد نصر بن الحجاج صاحب القصة
المشهورة، وهي أن عمر كان يعس ليلا بالمدينة، فسمع امرأة تقول:
هل من سبيل إلى خمر فاشربها * أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى طيب الأعراق مقتبل * سهل المحيا كريم غير ملجاج
فلما أصبح أرسل إلى نصر بن حجاج فقال: بلغ من جمالك أن تتغنى بك
العواتق في خدورها، فامر بقص شعره فخرج أجمل مما كان، فقال: لا
تساكنني في بلد! ونفاه إلى البصرة. وقال في ذلك نصر: (أأن غنت
الذلفاء) الأبيات، ولم تحضرنا الآن. ولما طال أمره جاءت أمه إلى عمر
وقالت: أيسرك أن تكون مع أولادك وابني بعيد عني؟ فقال: ان أولادي
لم تتغن بهم النساء. وبقي منفيا حتى قتل عمر.
حيلته على قريش
في أسد الغابة بسنده: انه لما أسلم شهد خيبر، فقال: يا رسول الله
ان لي بمكة مالا على التجار ومالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة
أخت بني عبد الدار وأنا أتخوف ان علموا باسلامي أن يذهبوا بمالي، فائذن
لي باللحوق بهم لعلي أتخلصه فاذن له، فقال: انه لابد لي أن أقول.
فقال: قل وأنت في حل. قال: فلما انتهيت إلى ثنية البيضاء إذا بها نفر
من قريش يتحسسون الأخبار، فلما رأوني قالوا: هذا الحجاج وعنده الخبر
قلت: هزم الرجل أقبح هزيمة سمعتم بها وقتل أصحابه وأخذ محمد أسيرا.
فقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتل بين
أظهرهم. ثم جئنا مكة فصاحوا بها: هذا الحجاج قد جاءكم بالخبر: إن
محمدا قد أسر وانما تنتظرون ان تؤتوا به فيقتل بين أظهركم!. فقلت:
أعينوني على جمع مالي فاني أريد أن الحق بخيبر فاشتري مما أصيب من محمد
قبل أن يأتيهم التجار، فجمعوا مالي أحث جمع، وقلت لصاحبتي: مالي!
مالي! لعلي ألحق فأصيب من فرص البيع فدفعت إلى مالي. فلما استفاض
ذلك بمكة أتاني العباس وانا قائم في خيمة تاجر، فقام إلى جنبي منكسرا
مهموما فقال: ما هذا الخبر؟ فقلت: استاخر عني حتى تلقاني خاليا،
ففعل، ثم قصد إلي. وفي الطبقات: أن العباس سمع بذلك فانخزل
ظهره فلم يستطع القيام، فأرسل غلاما له يقال له أبو زبيبة إلى الحجاج
فقال: قل له الله أعلى وأجل من أن يكون الذي تخبره حقا! فقال
الحجاج: قل له أخلني في بعض بيوتك حتى آتيك ظهرا فاتاه، فقال: ما
عندك؟ فقلت الذي يسرك والله تركت ابن أخيك قد فتح الله عليه خيبر
وقتل من قتل من أهلها وصارت أموالها له ولأصحابه، وتركته عروسا على
ابنة ملكهم (حيي بن أخطب وقتل بني أبي الحقيق)، ولقد أسلمت وما
جئت الا لأخذ مالي ثم ألحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاكتم علي الخبر ثلاثا فاني
أخشى الطلب، وانطلقت. فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلة وتخلق
وأخذ عصاه وأقبل يخطر حتى وقف على باب الحجاج، فقال لامرأته: أين
الحجاج؟ فقالت: انطلق إلى غنائم محمد وأصحابه ليشتري منها. فقال
العباس ان الرجل ليس لك بزوج الا أن تتبعي دينه: انه قد اسلم وحضر
الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم خرج إلى المسجد واستلم الركن، فنظر اليه
رجال من قريش فقالوا: يا أبا الفضل! هذا والله التجلد على حر
المصيبة. فقال: كلا والذي حلفتم به! ولكنه قد فتح خيبر وصارت له
ولأصحابه ترك عروسا على ابنة حيى بن أخطب، فضرب أعناق بني أبي
الحقيق البيض الجعاد الذين رأيتموهم سادة النضير من يثرب وخيبر!.
قالوا: من أخبرك هذا؟ فقال: الحجاج بن علاط، ولقد أسلم وتابع
محمدا على دينه، وما جاء الا ليأخذ ماله ثم يلحق به، فقالوا، خدعنا
والله اه‍.
- - - تشيعه
ومما يظن أن الحجاج هذا من شرط كتابنا قوله يوم أحد يمدح عليا
عليه السلام. أنشده المرزباني في معجم الشعراء فيما حكي عنه، وذكره
ابن هشام في سيرته فقال: أنشدني أبو عبيدة للحجاج بن علاط السلمي
يمدح علي بن أبي طالب ويذكر قتله طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد
الدار صاحب لواء المشركين يوم أحد. وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق
قال: لما كانت واقعة أحد كانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة بن
عبد العزى فقتله علي بن أبي طالب، فقال الحجاج:
لله أي مذبب عن حرمة * أعني ابن فاطمة المعم المخولا
سبقت (جادت) يداك له بعاجل * طعنة تركت طليحة للجبين مجدلا
وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالجر إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالنجيع ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا
(الجر) موضع الوقعة بأحد. وأخول أخولا: قال ابن هشام: أي
متفرقين متشتتين (1).



بعد طبع ما تقدم عثرنا على ابيات نصر بن حجاج التي قلنا أنها لم تحضرنا.
لعمري لئن سيرتني أو حرمتني * وما نلت من شتمي عليك حرام
أأن غنت الذلفاء يوما بمنية * وبعض أماني النساء غرام
ظننت بي الظن الذي ليس بعده * بقاء فمالي في الندي كلام
فأصبحت منفيا على غير ريبة * وقد كان لي في المكتين مقام
ويمنعني - مما تظن - تكرمي * وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها - مما تظن - صلاتها * وحال لها في قومها وصيام
فهاذان حالانا؟ فهل أنت راجعي؟ * فقد جب مني كاهل وسنام
566
من أشعاره
في تاريخ ابن عساكر: لما قتل المعرض بن علاط يوم الجمل، قال
فيه أخوه:
ألم أر يوما كان أكثر ساعيا * يلف شمالا أرضها ويمينها
وسلهبة تحنو على ركبانها * يقي سرجها وقع الجنوب جبينها
لقد فزعت نفسي لقتل معرض * وعيني جادت بالدموع شؤونها
لنعم الفتى وابن العشيرة انه * يوقي الأذى أعراضها ويزينها
عليم بتشريف الكرام وحقهم * واكرامها ان اللئيم يهينها
قال: ومن كلام الحجاج بن علاط:
تركت الراح إذا أبصرت رشدي * فلست بعائد أبدا لراح
أأشرب شربة تزري بعقلي * وأصبح ضحكة لذوي الفلاح
معاذ الله أن أزري بعرضي * ولا أشري الخسارة بالرياح
سأترك شربها وأكف نفسي * وألهيها بالبان اللقاح
الحجاج بن عمرو
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام، ولا يبعد أن
يكون هو الحجاج بن غزية الأنصاري الآتي.
الحجاج بن عمرو بن غزية بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن
غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني الخزرجي، وفي الطبقات زياد
عمرو بين غزية وثعلبة، قال علي بن المديني: ويقال الحجاج بن أبي
الحجاج وهو الحجاج بن عمرو المازني الأنصاري.
في الاستيعاب قال البخاري: له صحبة، روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام حديثين روى أحدهما عن عكرمة والآخر كثير بن العباس،
وهو الذي ضرب مروان يوم الدار فأسقطه وحمله أبو حفصة مولاه وهو لا
يعقل، قال علي بن المديني: له صحبة وهو الذي روى عنه ضمرة بن
سعيد عن زيد بن ثابت في العزل اه‍. وفي أسد الغابة: روى عنه عكرمة
مولى ابن عباس وكثير بن العباس وغيرهما وشهد مع علي صفين، وهو الذي
كان يقول عند القتال: يا معشر الأنصار! أتريدون أن نقول لربنا إذا
لقيناه: (أنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) اخرجه الثلاثة اه‍.
وفي الإصابة: روى له أصحاب السنن حديثا صرح بسماعه فيه عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في الحج. قال ابن المديني: هو الذي ضرب مروان يوم الدار حتى
سقط. وقال أبو نعيم: شهد صفين مع علي، وروى عنه ضمرة بن سعيد
وعبد الله بن رافع وغيرهما، واما العجلي وابن البرقي وابن سعد فذكروه في
التابعين اه‍. وفي الطبقات: أمه أم الحجاج بنت قيس من اسلم، توفي
وليس له عقب. وفي تهذيب التهذيب (4 حجاج) بن عمرو بن غزية
الأنصاري المازني المدني له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعنه ابن أخيه
ضمرة بن سعيد وعبد الله بن أبي رافع وعكرمة، وقيل عن عكرمة عن
عبد الله بن رافع، وروى له الأربعة حديثا واحدا، قلت: قد صرح
بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجوه له في الحج. وذكره
بعضهم في التابعين منهم العجلي وابن البرقي، وذكره ابن سعد في الطبقة
الثانية من تابعي أهل المدينة اه‍. (أقول): ذكره نصر بن مزاحم في
كتاب صفين في جملة الأنصار الذين بعث إليهم معاوية يوم صفين يعاتبهم
على ما قاله فيه قيس بن سعد وكانوا مع علي عليه السلام، الا أنه قال:
الحجاج بن غزية فنسبه إلى جده. وفي خلاصة تذهيب الكمال:
حجاج بن عمرو المازني الأنصاري المدني صحابي شهد صفين مع علي،
وعنه ابن أخيه ضمرة بن سعد (سعيد) وعكرمة له عند (عمم) فرد
حديث. وعن تقريب ابن حجر: حجاج بن عمرو بن غزية بفتح المعجمة
وكسر الزاي وتشديد المثناة التحتانية الأنصاري المازني المدني صحابي، له
رواية عن زيد بن ثابت، وشهد صفين مع علي اه‍. وقد شهد
الحجاج بن غزية حرب الجمل وحرب صفين مع علي عليه السلام، وابلى
فيهما بلاء حسنا. روى الطبري وتبعه ابن الأثير أن عليا عليه السلام لما
أراد المسير من الربذة إلى البصرة، قام اليه الحجاج بن غزية الأنصاري
فقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول وقال:
دراكها دراكها قبل الفوت * فانفر بنا واسم بنا نحو الصوت
لا وألت نفسي ان هبت الموت
والله لننصرن الله كما سمانا أنصارا. وقال ابن شهرآشوب في
المناقب عن ذكر حرب الجمل: فقال الحجاج بن عمرو الأنصاري:
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل * اني أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل * ما كان في الأنصار جبن وفشل
وكل شئ ما خلا الله جلل
وروى الطبري في تاريخه وتبعه ابن الأثير أنه لما قتل عبد الله بن
بديل بن ورقاء الخزاعي وهاشم بن عتبة المرقال يوم صفين، قال الحجاج
ابن غزية الأنصاري:
فان تفخروا بابن البديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
ونحن تركنا عند معترك القنا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا
ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما مقشبا
وقال المسعودي في مروج الذهب: انه لما قتل عمار بن ياسر يوم
صفين، قال الحجاج بن غزية أبياتا يرثيه بها:
يا للرجال لعين دمعها جاري * قد هاج حزني أبو اليقظان عمار
أهوى اليه أبو حوا فوارسه * يدعو السكون وللجيشين اعصار
فاختل صدر أبي اليقظان معترضا * للرمح قد وجبت فينا له النار
الله عن جمعهم لا شك كان عفا * أتت بذلك آيات وآثار
من ينزع الله غلا من صدورهم * على الأسرة لم تمسسهم النار
قال النبي له تقتلك شرذمة * سيطت لحومهم بالبغي فجار
فاليوم يعرف أهل الشام أنهم * أصحاب تلك وفيها النار والعار
وروى الطبري في تاريخه، وتبعه ابن الأثير، وأورده ابن أبي الحديد
في شرح النهج أن الحجاج بن غزية كان مع محمد بن أبي بكر بمصر، فلما
قتل محمد رجع إلى علي عليه السلام وأخبره بقتله قالوا وقدم الحجاج بن
غزية الأنصاري على علي وكان مع محمد بن أبي بكر بمصر، فحدثه
الأنصاري بما عاين وشاهد وأخبره بهلاك محمد.
الحجاج بن غزية الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام وهو الحجاج بن عمر بن غزية المتقدم بعينه، نسب إلى جده.
وما يوجد في منهج المقال

567
عربة بالعين المهملة والراء والباء الموحدة تصحيف كما أن الحجاج بن عمرو
المتقدم المذكور في رجال الشيخ في أصحاب علي عليه السلام، الظاهر أنه
هو هذا، فهما رجل واحد وثناهما الشيخ.
حجاج بن كثير كوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام، وفي لسان
الميزان: حجاج بن كثير الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة: وقال:
أسند عن أبي جعفر الباقر اه‍.
حجاج الكرخي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام.
حجاج بن مالك.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام.
حجاج بن مرزوق.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام وفي
لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
الحجاج بن مسروق الجعفي
استشهد مع الحسين عليهما السلام بكربلاء سنة 61.
في ابصار العين: الحجاج بن مسروق بن جعف بن سعد العشيرة
المذحجي الجعفي كان من الشيعة، صحب أمير المؤمنين عليه السلام في
الكوفة، ولما خرج الحسين إلى مكة خرج من الكوفة إلى مكة لملاقاته
فصحبه، وكان مؤذنا له في أوقات الصلاة. وكان هو ويزيد بن المغفل
الجعفي رسولي الحسين إلى عبيد الله بن الحر الجعفي لما رأى الحسين
فسطاطه في قصر بني مقاتل وهو سائر إلى العراق - كما في خزانة الأدب
الكبرى -، ثم حكى عن ابن شهرآشوب وغيره أنه لما كان اليوم العاشر
من المحرم ووقع القتال تقدم الحجاج بن مسروق الجعفي إلى الحسين عليه
السلام واستأذنه في القتال، فاذن له، ثم عاد اليه - وهو مخضب بدمائه -
فأنشده:
فدتك نفسي هاديا مهديا * اليوم ألقى جدك النبيا
ثم أباك ذا الندى عليا * ذاك الذي نعرفه الوصيا
فقال له الحسين عليه السلام: نعم! وأنا ألقاهما على أثرك، فرجع
يقاتل حتى قتل اه‍. ونقول: لم يذكر المصدر المنقول عنه في جل ما
نقله، أما أنه كان مؤذنا للحسين عليه السلام في أوقات الصلاة فيمكن
استفادته مما ذكره المؤرخون أنه لما التقى الحسين عليه السلام مع الحر
وحضرت صلاة الظهر، أمر الحسين الحجاج بن مسروق أن يؤذن، وأما
الرجز الذي حكاه عنه فهو يخالف ما أورده ابن شهرآشوب في المناقب، ولم
يذكر من أين نقله. قال ابن شهرآشوب ثم برز الحجاج بن مسروق
الجعفي وهو يقول:
أقدم حسين هاديا مهديا * فاليوم نلقى جدك النبيا
ثم أباك ذا الندى عليا * ذاك الذي نعرفه وصيا
فقتل خمسة و عشرين رجلا (اه‍). وفي لواعج الأشجان - ولا أعلم
الآن من أين نقلته - زيادة على الرجز المنقول عن ابن شهرآشوب قوله:
والحسن الخير الرضا الوليا * وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيا
الحجال
هو عبد الله بن محمد الأسدي.
حجر بن الأدبر
هو حجر بن عدي الكندي قتيل مرج عذري الآتي.
حجر الخير
هو حجر بن عدي الكندي قتيل مرج عذري الآتي، سمي حجر
الخير في مقابلة ابن عمه حجر بن يزيد المسمى حجر الشر الذي كان مع
معاوية يوم صفين.
حجر بن زائدة الحضرمي الكوفي أبو عبد الله.
(حجر) بضم الحاء وسكون الجيم.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال:
حجر بن زائدة الحضرمي الكوفي. وفي الفهرست: حجر بن زائدة له
كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن عن الحسن بن متيل
ومحمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عنه. ورواه محمد بن
علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى
وأحمد بن إدريس عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى
عن عبد الله بن مسكان عنه اه‍. وقال النجاشي: حجر بن زائدة
الحضرمي أبو عبد الله روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
صحيح المذهب صالح من هذه الطائفة، له كتاب يرويه عدة من
أصحابنا. أخبرنا أبو الحسن ابن الجندي: حدثنا ابن همام: حدثنا
عباس بن محمد بن حسين: حدثنا أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن
حجر بكتابه اه‍. وقد عد من حواري الباقر والصادق في الرواية التي ذكر
فيها حواري النبي والأئمة صلوات الله وسلامه عليه وعليهم. روى
الكشي في ترجمة سلمان الفارسي عن محمد بن قولويه: حدثني سعد بن
عبد الله بن أبي خلف: حدثني علي بن سليمان بن داود الرقي: حدثنا
علي بن أسباط عن أبيه أسباط بن سالم قال: قال أبو الحسن موسى بن
جعفر عليهما السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري
محمد بن عبد الله رسول الله (إلى أن قال): ثم ينادي المنادي: أين
حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد فيقوم، وعد جماعة. إلى أن
قال: وعامر بن عبد الله بن جذاعة وحجر بن زائدة اه‍.
ما ورد في ذمه والجواب عنه
قال الكشي: في عامر بن جذاعة وحجر بن زائدة.
علي بن محمد حدثني أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد يرفعه
عن عبد الله بن الوليد قال لي أبو عبد الله: ما تقول في المفضل؟ قلت:
وما عسيت أن أقول فيه بعد ما سمعت منك! فقال رحمه الله، لكن

568
عامر بن جذاعة وحجر بن زائدة أتياني فعاباه عندي، فسألتهما الكف عنه
فلم يفعلا، ثم سألتهما ان يكفا عنه وأخبرتهما بسروري بذلك فلم يفعلا،
فلا غفر الله لهما اه‍. وقال الكشي في ترجمة المفضل بن عمر: محمد بن
مسعود، عن إسحاق بن محمد البصري: أخبرنا محمد بن الحسين عن
محمد بن سنان عن بشير الدهان قال: أبو عبد الله عليه السلام لمحمد بن
كثير الثقفي: ما تقول في المفضل بن عمر؟ قال ما عسيت ان أقول فيه!
لو رأيت في عنقه صليبا وفي وسطه كشطيحا (كسحا) لعلمت انه على الحق
بعدما سمعتك تقول فيه ما تقول. قال: رحمه الله، لكن حجر بن زائدة
وعامر بن جذاعة أتياني فشتماه عندي، فقلت لهما: لا تفعلا فاني أهواه
فلم يقبلا فسألتهما وأخبرتهما أن الكف عنه حاجتي فلم يفعلا فلا غفر الله
لهما!. أما اني لو كرمت عليهما لكرم عليهما من يكرم علي. ولقد كان كثير
عزة في مودته لها أصدق منهما في مودتهما لي حيث يقول:
لقد علمت بالغيب أني أخونها * إذ انا لم يكرم علي كريمها
أما اني لو كرمت عليهما لكرم عليهما من يكرم علي. وروى الكليني
في روضة الكافي في الصحيح عن ابن أبي عمير عن حسين بن أحمد المنقري
عن يونس بن ظبيان: قلت للصادق عليه السلام: ألا تنهى هذين الرجلين
عن هذا الرجل؟ فقال: من هذا الرجل ومن هذين؟ قلت: ألا تنهى
حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة عن المفضل بن عمر؟ قال يا يونس قد
سألتهما أن يكفا عنه فلم يفعلا فدعوتهما وسألتهما وكتبت اليهما وجعلته
حاجتي اليهما فلم يكفا عنه فلا غفر الله لهما، فوالله لكثير عزة أصدق في
مودته منهما فيما ينتحلان من مودتي حيث يقول:
ألا زعمت بالغيب أن لا أحبها * إذا أنا لم يكرم علي كريمها
ورواه في الكافي في كتاب الحجة أيضا. قال العلامة في الخلاصة
بعدما ذكر الرواية الدالة على أنه من الحواري: وروى أن عبد الله قال: لا
غفر الله له إشارة إلى حجر بن زائدة إلا أن الراوي الحسين بن سعيد رفعه
إلى أبي عبد الله (اه‍). وقال المحقق البهبهاني بعد إيراد رواية الكليني
المتقدمة عن الروضة وكتاب الحجة ان في متن الروايتين شيئا مما لا يقبله
العقل مضافا إلى ما في روايات القدح بأمور (أولا) ضعف سندها فان
رواية الحسين بن سعيد مرفوعة، فلا يدري من هو الساقط من سندها
وعبد الله بن الوليد مشترك، ورواية بشير الدهان في سندها إسحاق بن
محمد البصري، وهو غال أو مجهول، وبشير الدهان لم يوثق، والثقفي
كذلك. ورواية الروضة في سندها: المقري وهو ضعيف ويونس بن ظبيان
مذموم أشد الذم ومنسوب إلى فساد العقيدة. (ثانيا) ضعف المتن وهو
الذي أشار إليه البهبهاني بان فيه ما لا يقبله العقل، وهو ان يسألهما الامام
الكف عنه فلا يفعلا ثم يدعوهما إليه ويسألهما ذلك فلا يفعلا ثم يكتب
اليهما ويؤكد في ذلك فلا يفعلا. فالعقل لا يقبل أن يصدر ذلك ممن يعتقد
بإمامته. (ثالثا): المعارضة بالرواية التي فيها عدة من الحواري وان
اشتركا في ضعف السند. وبما يأتي في ترجمة المفضل من رواية الكشي في
الصحيح دخول حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة على الصادق عليه السلام
ونقلهما له عن المفضل قولا أوجب لعنه له وبراءته منه، على أن التحقيق أن
المفضل أيضا ثقة من أهل الأسرار، وأن مثل هذا اللعن كان بمنزلة خرق
السفينة والله أعلم، مع أن في توثيق النجاشي لحجر كفاية. وفي لسان
الميزان: حجر بن زائدة الحضرمي الكندي ذكره أبو عمرو الكشي والطوسي
في رجال الشيعة، وقال ابن النجاشي: كان ثقة صحيح السماع، روى
عنه عبد الله بن مسكان (اه‍). والشيخ الطوسي وصفه بالكوفي لا
بالكندي، والنجاشي قال: صحيح المذهب لا صحيح السماع.
حجر بن عدي الملقب بالأدبر بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن
معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن
مرتع بن معاوية بن كنده الكندي الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف بحجر
الخير وبحجر بن الأدبر.
هكذا نسبه في أسد الغابة وغيره وفي طبقات ابن سعد وذيل المذيل:
حجر بن عدي بن جبلة، ولم يذكر معاوية. وفي الطبقات أيضا ابن كندي
بدل ابن كندة.
قتل في ولاء علي ع بمرج عذرى أو عذراء في شعبان سنة
51 كما في الاستيعاب واحدى روايتي المستدرك وتاريخ دمشق: أو 53 كما
في مروج الذهب ورواية المستدرك وتاريخ دمشق الثانية، وقيل سنة 50 حكاه في
مروج الذهب. ودفن بقرية عذرى التي ينسب المرج إليها من قرى دمشق
على أميال منها إلى جهة الشرق، وقبره بها معروف، وتأتي صفته في آخر
الترجمة. وفي الاستيعاب الموضع الذي قتل فيه حجر وأصحابه يعرف بمرج
عذراء.
(وحجر) بضم الحاء وسكون الجيم، وعن ابن ماكولا: ويجوز
ضمها، والأدبر لقب أبيه عدي ولقب به اما لأنه طعن على أليته موليا كما في
أسد الغابة. وفي الطبقات: وذيل المذيل أبوه عدي الأدبر طعن موليا
فسمى الأدبر اه‍. أو لأنه ضرب بالسيف على أليته كما في الاستيعاب.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: سمي أبوه الأدبر لأنه طعن رجلا وهو
هارب مولي فسمي بالأدبر اه‍. هكذا في النسخة المطبوعة، وهي كثيرة
الغلط، ولعل الصواب، لأنه طعنه رجل وهو هارب والله أعلم. وحينئذ
فما في الاستيعاب والنبذة المختارة للمرزباني من أنه حجر بن عدي بن الأدبر
أما سهو أو يراد انه يقال له ابن عدي وابن الأدبر. وكذا قول الاستيعاب
انه هو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن الأدبر يراد به أنه يقال له ابن
الأدبر. وفي تاج العروس: قال أبو عمرو الأدبر بن عدي وقد وهم اه‍. (والأكرمين) كأنه مضاف اليه أو صفة لما قبله. (وعذرى) بالقصر كما
يجري على ألسن الناس، ورسمت كذلك في مواضع من طبقات ابن سعد
وغيره. وفي بعض الكتب: عذرا بالألف بدون مد. وفي مواضع اخر من
طبقات ابن سعد رسمت عذراء بالمد، وكذلك في المد في معجم البلدان
وغيره، ووقعت بالمد أيضا في شعر عبد الله بن خليفة الطائي الذي رثى به
حجرا ويأتي. في معجم البلدان: عذراء بالفتح والسكون والمد قرية بغوطة
دمشق من إقليم خولان معروفة، واليها ينسب مرج عذراء، وإذا انحدرت
من ثنية العقاب وأشرفت على الغوطة فتأملت على يسارك أول قرية تلي
الجبل، وبها منارة، وبها قتل حجر بن عدي الكندي، وبها قبره، وقيل إنه
هو الذي فتحها، وبالقرب منها راهط الذي كانت فيه الوقعة بين
الزبيرية والمروانية اه‍. ويأتي عن الطبري انها على اثني عشر ميلا من

569
دمشق. وعن روضة الصفا أنها على أربعة فراسخ منها، والأربعة الفراسخ
تبلغ اثني عشر ميلا، فان كل فرسخ ثلاثة أميال. وما في مجالس المؤمنين
من أنها على فرسخين من دمشق اشتباه.
صفته
أسند الأغاني عن الجاحظ: كان الجمال بالكوفة ينتهي إلى أربعة
نفر: المغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس،
وحجر بن عدي وكلهم كان أعور اه‍.
أقوال العلماء فيه
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام حجر بن عدي
الكندي كان من الابدال اه‍. وفي القاموس: رجل بدل الكسر ويحرك
شريف كريم والجمع أبدال. وذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن
عليه السلام حجر بن عدي. واما الذي ذكره في أصحاب الصادق عليه
السلام بقوله: حجر بن عدي الكوفي الكندي فهو اما غيره أو ذكره سهو
منه كما يأتي بعد هذه الترجمة. وقال الكشي في رجاله، قال الفضل بن
شاذان: ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم: جندب بن زهير قاتل
الساحر وعبد الله بن بديل وحجر بن عدي الخ. وجعله من التابعين سهو
كما ستعرف. وقال الكشي في رجاله أيضا: (حجر بن عدي الكندي).
يعقوب: حدثنا ابن عيينة حدثنا طاوس عن أبيه أنبأنا حجر بن عدي قال:
قال لي علي عليه السلام: كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلعني؟
قلت: كيف اصنع؟ قال: العني ولا تتبرأ مني فاني على دين الله. قال
ولقد ضربه محمد بن يوسف وأمره ان يلعن عليا عليه السلام واقامه على
باب مسجد صنعاء، فقال: ان الأمير امرني ان ألعن عليا فالعنوه: لعنه
الله. فرأيت مجوازا من الناس الا رجلا واحدا فهمها وسلم (مجوازا) أي
جازت عليهم (وسلم) راجع إلى حجر اي قالها وروى وسلم. وفي
الدرجات الرفيعة: عندي في هذا الخبر نظر فان محمد بن يوسف انما ولي
اليمن في زمن عبد الملك بن مروان وهو أخو الحجاج بن يوسف استعمله
اخوه الحجاج على صنعاء اليمن وحجر بن عدي قتله معاوية بن أبي
سفيان، فكيف يصح ان يكون محمد بن يوسف ضرب حجرا ليلعن أمير
المؤمنين عليه السلام وليس في عمال معاوية على اليمن من اسمه محمد بن
يوسف كما تنطق به التواريخ فان معاوية لما استقبال خلافة استعمل على
اليمن عثمان الثقفي فأقام به مدة، ثم عزله بأخيه عتبة بن أبي سفيان،
فأقام سنتين ثم لحق بأخيه معاوية، واستخلف على اليمن فيروزا الديلمي
فأقام ثمان سنين، ثم عاد إليها عتبة بن أبي سفيان (1) فلما توفي عتبة
استعمل معاوية مكانه النعمان بن بشير الأنصاري فأقام باليمن سنة ثم عزله
ببشر بن سعيد الأعرج - فيما قاله الجندي - وقيل استعمل سعيد بن دادويه
الفارسي فأقام تسعة أشهر ثم مات، فاستعمل معاوية على اليمن
الضحاك بن فيروز الديلمي، فلم يزل على اليمن حتى هلك معاوية في
رجب سنة 60 للهجرة. هؤلاء جميع عمال معاوية على اليمن وليس فيهم مسمى
بمحمد بن يوسف والله أعلم اه‍. ويوشك أن تكون هذه الواقعة مع
المغيرة بن شعبة، فقد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: أمر المغيرة بن
- شعبة وهو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية - حجر بن عدي أن يقوم في
الناس فيلعن عليا، فأبى ذلك فتوعده، فقام فقال: أيها الناس! ان
أميركم أمرني ان ألعن عليا، فالعنوه، فقال أهل الكوفة: لعنه الله، وعاد
الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد اه‍. (وسيأتي لحجر المدري قصة مع
أحد عمال بني أمية يوشك ان يكون حصل اشتباه بها (وذكر الكشي في
رجاله في ترجمة عمرو بن الحمق، والطبرسي في الاحتجاج فيما كتبه الحسين
عليه السلام إلى معاوية جوابا: وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني فإنما رقاه
إليك الملاقون المشاؤون بالنميم وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا وأيم الله
اني لخائف الله في ترك ذلك، وما أظن الله راضيا بترك ذلك، ولا
عاذرا بدون الاعذار اليه فيك وفي أوليائك القاسطين الملحدين حزب
الظلمة وأولياء الشياطين ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه
الصالحين المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر
والبدع ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعدما
كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك
وبينهم ولا باحنة تجدها في نفسك عليهم الحديث.
وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 51: فيها قتل حجر بن عدي
الكندي وأصحابه يقال بأمر معاوية، وله صحبة ووفادة وجهاد وعبادة ا
ه‍. ولا أعجب من قوله: يقال الدال على نوع من الشك، فهذه الواقعة
لم يبق مؤرخ ولا أحد ينسب إلى علم وتصنيف الا ذكرها والشك فيها
كالشك في وجود حجر ومعاوية والكوفة ودمشق ومرج عذرا. وفي
الاستيعاب كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وكان
على كندة يوم صفين، وكان على الميسرة يوم النهروان. وقال احمد قلت
ليحيى بن سليمان: أبلغك ان حجرا كان مستجاب الدعوة. قال: نعم
وكان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه‍. وفي أسد الغابة: هو المعروف
بحجر الخير وهو ابن الأدبر وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأخوه هانئ وشهد
القادسية، وكان من فضلاء الصحابة، وكان على كندة بصفين وعلى الميسرة
يوم النهروان، وشهد الجمل أيضا مع علي وكان من أعيان أصحابه وكان في
250 (2) من العطاء، وكان قتله سنة 51 وقبره مشهور بعذراء، وكان
مجاب الدعوة اه‍. وفي طبقات ابن سعد الكبير: كان حجر بن عدي
جاهليا اسلاميا وذكر بعض رواة العلم انه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أخيه هانئ بن
عدي، وشهد حجر القادسية، وهو الذي افتتح عذرى، وكان في 2500
من العطاء، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل
وصفين، وكان ثقة معروفا، ولم يرو عن غير علي شيئا اه‍ وفي الإصابة:
حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين
الكندي المعروف ابن حجر الأدبر حجر الخير ذكر ابن سعد ومصعب الزبيري فيما
رواه الحاكم عنه انه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية، وانه شهد بعد
ذلك الجمل وصفين، وصحب عليا فكان من شيعته، وقتل بمرج عذراء
بأمر معاوية، وكان حجر هو الذي افتتحها فقدر ان قتل بها. وقد ذكر ابن
الكلبي جميع ذلك. وذكره يعقوب بن سفيان في امراء علي يوم صفين.
وروى ابن السكن وغيره من طريق إبراهيم بن الأشتر عن أبيه انه شهد
هو وحجر بن الأدبر موت أبي ذر بالربذة اه‍. وقال الحاكم في المستدرك:
ذكر مناقب حجر بن عدي وهو راهب أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذكر مقتله. ثم



(1) الذي في النسخة بعد قوله: فأقام ثمان سنين. ولما توفي عتبة بن أبي سفيان استعمل
معاوية مكانه الخ. فظننا ان يكون الصواب ما ذكرناه فليراجع.
(2) سيأتي عن ابن سعد وغيره انه كان في 2500 - المؤلف -
570
روى بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال: حجر بن عدي
الكندي يكنى أبا عبد الرحمن، كان قد وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد
القادسية، وشهد الجمل وصفين مع علي، قتله معاوية بن أبي سفيان بمرج
عذراء، وكان له ابنان عبد الله وعبد الرحمن قتلهما مصعب بن الزبير
صبرا، وقتل حجر سنة 53. واسند الحاكم أيضا عن إبراهيم بن يعقوب
قال: قد أدرك حجر بن عدي الجاهلية وأكل الدم فيها، ثم صحب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه، وشهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين، وقتل في
موالاة علي اه‍. وذكره المرزباني في النبذة المختارة من كتاب تلخيص أخبار
شعراء الشيعة - كما في نسخة مخطوطة عندنا، وهذه النبذة هي التي كنا نظن
أنها من كتاب معجم الشعراء للمرزباني، ثم تبين لنا أنها ليست منه،
وأشرنا إليها في أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب، وأحمد بن خلاد
الشروي، وإسماعيل بن محمد الحميري، وهم ثمانية وعشرون رجلا،
وحجر بن عدي هو التاسع منهم - قال المرزباني: حجر بن عدي بن
الأدبر (1) الكندي. وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية وهو الذي فتح
مرج عذرا، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين، وهو من العباد الثقات
المعروفين، روى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه‍ وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: حجر بن
عدي الأدبر بن معاوية بن جبلة بن عدي يتصل نسبه بكهلان بن سبأ.
وحجر هذا هو الكندي من أهل الكوفة وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان مع الجيش
الذي فتح الشام. وشهد صفين مع علي بن أبي طالب وقتل بعذرا من قرى
دمشق ومسجد قبره بها معروف - ولا يزال معروفا إلى اليوم كما سنشرحه -.
وقال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة حجر الكندي قتله
معاوية. وقال في الطبقة الرابعة: هو جاهلي اسلامي، وفد على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد القادسية والجمل مع علي، وكان له 250 من العطاء، وقتل
مصعب بن الزبير ابنيه عبيد الله وعبد الرحمن صبرا، وكانا يتشيعان. وكان
حجر ثقة معروفا، ولم يرو عن علي شيئا، كذا قال (والذي في الطبقات -
كما مر - انه لم يرو عن غير علي شيئا. فكان لفظة غير سقطت من
الناسخ). قال: وقال البخاري في تاريخه: انه سمع عليا وعمارا، وهو
معدود في الكوفيين. وقال ابن ماكولا: أكثر أصحاب الحديث لا
يصححون لحجر رواية، وكان مع علي حجران: حجر الخير وهو
الكندي، وحجر الشر وهو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة (والصواب أن
حجر الشر كان مع معاوية وحجر الخير مع علي كما يأتي في أخباره بصفين).
قال: وقال أبو معشر: كان حجر عابدا، وما أحدث الا توضأ وما توضأ
الا صلى، وكان يلمس فراش أمه بيده فيتهم غليظ يده فينقلب على ظهره
فإذا أمن أن يكون عليه شئ نامت أمه اه‍. وفي مروج الذهب: في سنة
53 قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، وهو أول من قتل صبرا في
الاسلام، وقيل إن قتله وأصحابه كان في سنة 50 اه‍ وفي ذيل المذيل:
حجر بن عدي وهو حجر الخير، وكان حجر بن عدي جاهليا اسلاميا،
وقد ذكر بعض رواة العلم انه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أخيه هانئ بن عدي،
وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء، وكان
من أصحاب علي عليه السلام، شهد معه الجمل وصفين اه‍.
مجمل أحواله المستفادة مما تقدم
هو من خيار الصحابة: رئيس قائد شجاع أبي النفس عابد زاهد
مستجاب الدعوة عارف بالله تعالى مسلم لأمره مطيع له مجاهر بالحق مقاوم
للظلم لا يبالي بالموت في سبيل ذلك باذل في سبيل الله كل ما يملك حتى
نفسه التي هي عزيزة عليه فرضى ربه أعز منها عليه، خالص الولاء لأمير
المؤمنين عليه السلام، بالغ في ذلك الغاية (أما كونه من خيار الصحابة)
فقد شهد له بذلك كبار العلماء. (أما رياسته وشجاعته) الموجبة لاستحقاقه
تولي قيادة الجيوش، فيدل عليها تولية أمير المؤمنين عليه السلام له الامارة
على الجيوش في حروب الجمل وصفين وغير ذلك، وظهرت شجاعته في
لحوقه الضحاك بن قيس الجبار العنيد الشجاع المطرق، من العراق إلى
غربي تدمر بعدة لا تزيد عن عدته حتى قتل من أصحابه تسعة عشر رجلا
في عشية واحدة وفر هاربا ليلا وتحمل العار والشنار وعير بذلك (واما إباء
نفسه) فقد حمله على تمني الموت قبل الرغم والذل (وأما عبادته) فكفى فيها
وصف الحاكم له في المستدرك بأنه راهب الصحابة وانه ما أحدث الا توضأ
وما توضأ الا صلى فرضا أو نفلا (وأما زهده) في هذه الدنيا
الفانية فلا أدل عليه من اختياره الآخرة عليها حتى استشهد في طلب الدار
الآخرة. وأما معرفته بالله تعالى وتسليمه لأمره ووصوله في المعرفة
والتسليم إلى درجة تقارب درجات الأنبياء والمرسلين فان أصحابه يطلبون
منه، كما ستعرف، أن يدعو الله بخلاصه وخلاصهم فلا يزيد على قوله
ثلاثا: (اللهم خر لنا). (وأما تسليمه لأمر الله تعالى) فلا مقام أجل وأعظم من مقامه في
تسليم نفسه للقتل واختياره ذلك على البراءة من علي بن أبي طالب، وهو لو
فعل ذلك دفعا عن نفسه لكان معذورا لا اثم عليه، فقد رخص الله تعالى
في اظهار كلمة الكفر وشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (الا من أكره وقلبه مطمئن)،
ولكن كان عدم البراءة والصبر على القتل أفضل وأعلى درجة، وكان حجر
في ذلك قدوة لأصحابه الذين صبروا معه على القتل ولم يبرأوا، ولا مقام
أعلى وارفع من طلبه تقديم قتل ابنه ان كان امر بقتله خوفا من أن يرى
هول السيف على عنق أبيه فيرجع عن ولاية علي بن أبي طالب، والبلاء
للنفوس كالمحك للمعادن، ويأتي أنه لما قال الخثعمي يقتل نصفنا ويسلم
النصف، قال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض،
وقال العنزي: اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم، وكلاهما مصيب في قوله،
الا ان مقام العنزي أعلا واما اطاعته الله تعالى فهي في أعلى درجات
الإطاعة، فقد ثبت في مقام تزل فيه الأقدام وتذهب فيه العقول واختار
القتل على البراءة ولا مقام أعلا من هذا في الإطاعة، وأين هذا من الصلاة
والصيام والحج وايتاء الزكاة وبر الوالدين وغيرها من جميع الطاعات التي
تهون عند تسليم النفس للقتل اختيارا للآخرة على الدنيا؟ وبره بأمه في
عدم اكتفائه بوضع يده على فراشها خوفا أن يكون عليه شئ حتى يمسه
بظهره لأن يديه خشنتان قد لا يحسان بما على الفراش، وان كان له مقام
عال في الطاعة، لكن أين هو من الأعلا منه من تسليم النفس للقتل.
(واما مجاهرته بالحق ومقاومته الظلم ومجابهته الفراعنة في ذلك) فهو أيضا
مقام تزل فيه الاقدام وتزيغ الأحلام، وقد ثبت فيه ثبوتا لا مزيد عليه غير
هياب ولا وجل ورد عليهم في الملأ وعلى رؤوس الأشهاد، ولم يغره
زخرف الدنيا الفانية، وقد بذل له زياد ما يجب ان كف عما هو فيه فلم
يفعل. ومع ذلك فقد احتاط لنفسه في بعض المواضع ولجأ إلى المداراة فلم
يخلع معاوية. وأعلن بأنه على بيعته. واخلاصه الشديد في ولاء أمير
المؤمنين البالغ أقصى الغايات قد ظهر مما مر.



(1) هكذا في النسخة، وصوابه حذف ابن قبل الأدبر. - المؤلف -
571
هو صحابي لا تابعي
مر قول صاحبي الاستيعاب وأسد الغابة أنه كان من فضلاء
الصحابة، وقول يحيى بن سليمان: كان من أفاضل الصحابة، وقول ابن
سعد: كان جاهليا اسلاميا، وحكايته عن بعض رواة العلم وفوده على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقول صاحب أسد الغابة انه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحكاية
صاحب الإصابة عن ابن سعد ومصعب الزبيري فيما رواه الحاكم عن
مصعب بن عبد الله الزبيري ان حجر بن عدي كان وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورواية الحاكم عن إبراهيم بن يعقوب أن حجرا أدرك الجاهلية ثم صحب
رسول الله (وسمع منه. وقول المرزباني في النبذة المختارة انه وفد على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه. وقول ابن عساكر أنه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعن
المرزباني قول حجر: لقد أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيومي هذا. ويأتي
عند تعداد أسماء المقتولين بعذرا قول الشهيد الأول أنه صاحب راية النبي
صلى الله عليه وآله وسلم. إلى غير ذلك مما هو نص في أنه صحابي. هذا ولكن بعض العلماء
ذكر انه تابعي، فقد مر عن الفضل بن شاذان عده من التابعين الكبار
ورؤسائهم وزهادهم. وفي الإصابة عن البخاري وابن أبي حاتم عن أبيه
وخليفة بن خياط ابن حبان انهم ذكروه في التابعين. قال: وكذا ذكره ابن
سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة فاما أن يكون ظنه آخر واما ان
ذهل اه‍. وفي تاريخ دمشق: قال ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي
أهل الكوفة حجر الكندي وقال في الطبقة الرابعة: هو جاهلي اسلامي،
وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم اه‍. (أقول): ذكر ابن سعد أولا من نزل الكوفة
من الصحابة ومن كان من التابعين وغيرهم من أهل الفقه والعلم، وعد
جماعة من الصحابة. ثم قال الطبقة الأولى من أهل الكوفة بعد الصحابة
ممن روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود
وغيرهم، ثم ذكر جماعة أولهم طارق بن شهاب وقال: انه روى عن
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن الخلفاء الأربعة وغيرهم ثم ذكر جماعة ممن أدرك النبي
صلى الله عليه وآله وسلم. وروى عن الخلفاء وغيرهم وجماعة ممن روى عن الخلفاء وبعض
الصحابة. ثم قال: ومن هذه الطبقة ممن روى عن فلان وفلان من
الصحابة ولم يرو واحد منهم عن عمر وعلي وابن مسعود شيئا، وعد جماعة
ثم قال: ومن هذه الطبقة ممن روى عن علي بن أبي طالب عليه السلام
حجر بن عدي الخ. وحينئذ فالجمع بين عده في الطبقة الأولى من تابعي
أهل الكوفة وعده في الصحابة أنه لم يقتصر في هذه الطبقة على التابعين فقط
بدليل أنه عد فيها طارق بن شهاب، وصرح بروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والجمع
بين قوله السابق انه لم يرو عن غير علي شيئا وبين قوله الدال على أنه
صحابي: أن له ادراكا وليس له رواية، مع أنه ان ثبت ان له رواية أمكن
ان يريد انه لم يرو عن غير علي من الصحابة، لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بدليل عد طارق بن شهاب من هذه الطبقة مع التصريح بروايته عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم.
أخباره يوم الجمل
قال ابن الأثير في الكامل: أنه لما أرسل علي عليه السلام إلى أهل
الكوفة يستنجدهم يوم الجمل، قام حجر بن عدي فيمن قام، فقال: أيها
الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا مروا وأنا أولكم. وقال
أيضا: انه لما نفر الناس إلى علي عليه السلام حين بعث يستنفرهم من
الكوفة يوم الجمل كان على مذحج والأشعرين حجر بن عدي، وقال أيضا:
كان رؤساء الجماعة من الكوفيين فلان وفلان وأمثال لهم ليسوا دونهم الا
انهم لم يؤمروا منهم حجر بن عدي. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج
مما رويناه من الشعر المقول في صدر الاسلام المتضمن كون علي عليه السلام
وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول حجر بن عدي يوم الجمل من رواية أبي مخنف في
كتاب الجمل:
يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا * لا خطل الرأي ولا غويا
بل هاديا موقفا مهديا * واحفظه ربي واحفظ النبيا
فيه فقد كان له وليا * ثم ارتضاه بعده وصيا
ويأتي له رجز يشبه هذا الرجز عند ذكر اخباره بصفين من رواية
نصر بن مزاحم وبينهما بعض التفاوت، ولعله قال الرجزين في يومي الجمل
وصفين مع تفاوت بينهما والله أعلم.
أخباره بصفين
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين انه لما أراد علي المسير إلى أهل الشام
دعا اليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله واثنى
عليه وقال: أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مقاويل بالحق
مباركو الفعل والامر وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا
برأيكم. فجعلوا يقومون واحدا بعد واحد ويبذلون الطاعة والنصر. ثم
روى بسنده في كتاب صفين: أنه خرج حجر بن عدي، وعمرو بن
الحمق يظهران البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل اليهما علي أن كفا عما
بلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟ قال: بلى! قالا
فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين
تشتمون وتتبرأون، ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم: من سيرتهم
كذا وكذا ومن عملهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر،
وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: (اللهم احقن دماءنا ودماءهم
وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من
جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به) كان هذا أحب إلي وخيرا لكم
فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك وتكلم عمرو فقال
كلاما دل على بلوغه الغاية في ولاء أمير المؤمنين ونصحه فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: ليت أن في جندي مائة مثلك! فقال حجر إذن والله يا أمير
المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك! ثم قام حجر فقال: يا أمير
المؤمنين! نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها قد ضارستنا ولنا
أعوان ذوو صلاح وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب وباس محمود وأزمتنا
منقادة لك بالسمع والطاعة فان شرقت شرقنا وان غربت غربنا وما أمرتنا به
من أمر فعلناه. فقال علي عليه السلام: أكل قومك يرى مثل رأيك؟
قال: ما رأيت منهم الا حسنا وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وبحسن
الإجابة. فقال له علي خيرا. وقال: ان عليا عليه السلام أمر حجر بن
عدي على كندة وحضر موت وقضاعة ومهرة (وقال نصر) ان عليا عليه
السلام عقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم جعلهم رؤساءهم
وأمراءهم: فجعل على كندة حجر بن عدي الكندي. وقال أيضا: كان
علي عليه السلام قد قسم عسكره أسباعا. إلى أن قال: وحجر بن عدي
الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة، فجعل علي يأمر هذا الرجل
الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ويخرج اليه من أصحاب معاوية رجل

572
معه جمع فيقتتلان وأخذوا يكرهون ان يتزاحفوا بجميع الفيلق من أهل
العراق وأهل الشام مخافة الاستئصال، ثم ذكر من كان يخرجهم علي عليه
السلام فعد منهم حجر بن عدي.
حجر الخير وحجر الشر
وكان لحجر بن عدي ابن عم يسمى حجر بن يزيد، وكان مع
معاوية بصفين، روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمرو بن شمر
عن جابر عن الشعبي: ان أول فارسين التقيا بصفين في اليوم السابع من
صفر سنة 39 (1) وكان من الأيام العظيمة في صفين ذا أهوال شديدة،
حجر الخير وحجر الشر: أما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وحجر الشر ابن عمه حجر بن
يزيد الكندي، وذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي إلى المبارزة وكلاهما
من كندة، فأجاب فاطعنا برمحيهما ثم حجز بينهما خزيمة بن ثابت الأسدي
وكان مع معاوية فضرب حجر بن عدي ضربة كسر بها رمحه وحمل أصحاب
علي فقتلوا الأسدي وأفلتهم حجر بن يزيد هاربا والتحق بصف معاوية.
ثم إن حجر الشر حمل على الحكم بن أزهر فقتله، فحمل رفاعة بن الحكم
الحميري على حجر الشر فقتله، فقال علي: الحمد لله الذي قتل حجرا
بالحكم بن أزهر اه‍. هذا ولكن ابن عساكر في تاريخ دمشق قال - كما
مر - كان مع علي حجران حجر الخير وحجر الشر، ثم ترجم حجر الشر
بعد فراغه من ترجمته حجر بن عدي فقال: حجر بن يزيد بن سلمة بن
مرة بن حجر بن عدي بن ربيعة الكندي المعروف بحجر وفد على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، وعاد إلى اليمن، ثم نزل الكوفة، وشهد الحكمين بدومة الجندل،
وكان شريفا وسمي حجر الشر لان حجر بن عدي كان حجر الخير،
فأرادوا أن يفصلوا بينهما، وكان شريرا، وكان أحد شهود الحكمين مع
علي، وولاه معاوية بعد ذلك أرمينية، وبقي حيا إلى سنة 51. وذكره في
الإصابة بنحو ذلك. وحكى عن ابن سعد انه ذكره في الطبقة الرابعة
وقال: انه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاسلم، وكان مع علي بصفين، وكان أحد
شهود الحكمين، ثم اتصل بمعاوية. وذكره يعقوب بن سفيان في أمراء علي
يوم الجمل اه‍. وذكره في أسد الغابة بنحو ذلك، وهو يخالف ما مر عن
نصر في كتاب صفين: فنصر جعله من أصحاب معاوية وقال إنه قتل
بصفين وابن عساكر جعله من أصحاب علي وقال إنه بقي إلى سنة
(51). ويوشك ان يكون حجر بن يزيد اثنين والله أعلم. وقال حجر في
صفين - وأورده نصر -:
يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المهذب التقيا
المؤمن المسترشد الرضيا * واجعله هادي أمة مهديا
لا خطل الرأي ولا بغيا * واحفظه ربي حفظك النبيا
فإنه كان له وليا * ثم ارتضاه بعده وصيا
وأورد هذا الرجز صاحب الدرجات الرفيعة، كما أورده ابن أبي
الحديد، لكنه قال إنه قاله يوم الجمل. ومن مواقف حجر يوم صفين ما
ذكره ابن شهرآشوب في المناقب قال: خرج أدهم بن لام القضاعي يوم
صفين، وقال مرتجزا مخاطبا سعيد بن قيس:
أثبت لوقع الصارم الصقيل * فأنت لا شك أخو قتيل
فقتله حجر بن عدي، فخرج الحكم بن أزهر قائلا:
يا حجر حجر بني عدي الكندي * أثبت فاني ليس مثلي بعدي
فقتله حجر، فخرج اليه مالك بن مسهر القضاعي يقول:
اني انا مالك وابن مسهر * انا ابن عم الحكم بن الأزهر
فاجابه حجر:
اني حجر وانا ابن مسعر * أقدم إذا شئت ولا تؤخر
فقتله حجر.
كلامه يوم غارة الغامدي على الأنبار
حكى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن كتاب الغارات
لإبراهيم بن محمد بن هلال الثقفي انه لما أغار سفيان بن عوف على الأنبار
وقتل حسان بن حسان البكري وندب أمير المؤمنين عليه السلام إلى الجهاد
تباطئوا، قام حجر بن عدي الكندي وسعيد بن قيس الهمذاني فقالا: لا
يسوءك الله يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك نتبعه فوالله ما نعظم جزعا على أموالنا
ان نفدت ولا على عشائرنا ان قتلت في طاعتك - (الحديث).
خبره مع الضحاك بن قيس
قال ابن الأثير في حوادث سنة 39: فيها وجه معاوية الضحاك بن
قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يمر بأسفل واقصة ويغير على كل من مر به ممن
هو في طاعة علي من الأعراب، فسار وأخذ الأموال، ومضى إلى الثعلبية
وقتل وأغار على مسلحة علي، وانتهى إلى القطقطانة، فلما بلغ ذلك عليا
أرسل اليه حجر بن عدي في أربعة آلاف وأعطاهم خمسين درهما، فلحق
الضحاك بتدمر فقتل حجر منهم تسعة عشر رجلا وقتل من أصحابه رجلان
وحجز بينهم الليل، فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه ا
ه‍. وروى ابن أبي الحديد عن إبراهيم بن هلال الثقفي أن معاوية دعا
الضحاك بن قيس الفهري فوجهه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف ليغير
على أعمال علي عليه السلام، فاقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل من
لقي من الاعراب حتى مر بالثعلبية فأغار على الحجاج فاخذ أمتعتهم، ثم
أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي فقتله في طريق الحاج. فدعا
أمير المؤمنين عليه السلام حجر بن عدي الكندي فعقد له على أربعة
آلاف، فخرج حجر حتى مر بالسماوة وهي أرض كلب، فلقي بها امرأ
القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي وهم أصهار
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فكانوا أدلاءه على الطريق وعلى
المياه. فلم يزل مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا
ساعة، فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا وقتل من أصحاب حجر
رجلان وحجز الليل بينهم، فمضى الضحاك، فلما أصبحوا لم يجدوا له
ولأصحابه أثرا. قال إبراهيم بن هلال الثقفي: وذكر محمد بن مخنف أنه
سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان يخطب على منبر الكوفة وقد كان
بلغه أن قوما من أهلها يشتمون عثمان ويبرمون منه، قال فسمعته يقول:
يلغني أن رجالا منكم ضلالا يشتمون أئمة الهدى ويعيبون أسلافنا
الصالحين، أما والذي ليس له ند ولا شريك لئن لم تنتهوا عما يبلغني عنكم
لأضعن فيكم سيف زياد ثم لا تجدونني ضعيف السورة ولا كليل الشفرة!
أما اني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم فكنت أول من غزاها في



(1) هكذا في النسخة، والصواب 37.
573
الاسلام وشرب من ماء الثعلبية ومن شاطئ الفرات، أعاقب من شئت
وأعفو عمن شئت، لقد ذعرت المخدرات في خدورهن، وان كانت المرأة
ليبكي ابنها فلا ترهبه ولا تسكته الا بذكر اسمي فاتقوا الله يا أهل العراق،
أنا الضحاك بن قيس أنا أبو أنيس انا قاتل عمرو بن عميس. فقام اليه
عبد الرحمن بن عبيد فقال: صدق الأمير وأحسن القول! ما أعرفنا والله بما
ذكرت لقد لقيناك بغربي تدمر فوجدناك شجاعا مجربا صبورا، ثم جلس
وقال: أيفخر علينا بما صنع علينا ببلادنا أول ما قدم، أما والله
لأذكرنه أبغض مواطنه اليه. قال فسكت الضحاك قليلا وكأنه خزي
واستحيا ثم قال: نعم كان ذلك اليوم، باخرة بكلام ثقيل، ثم نزل.
قال محمد بن مخنف: قلت لعبد الرحمن بن عبيد: أو قيل له لقد اجترأت
حين تذكره هذا اليوم وتخبره انك كنت فيمن لقيه؟ فقال: لن يصيبنا إلا ما
كتب الله لنا.
أخباره عند حرب الخوارج
قال ابن الأثير: ان عليا عليه السلام لما استنفر الناس بالكوفة إلى
حرب أهل الشام بعد الحكمين، وطلب من الرؤساء ان يكتب له كل
رئيس ما في عشيرته من المقاتلة، قام اليه جماعة من الرؤساء وقالوا: سمعا
وطاعة، وكتبوا له ما طلب، فكان من جملة الذين قاموا حجر بن عدي.
ثم قال ابن الأثير: ان عليا عليه السلام عبا أصحابه يوم النهروان، فكان
على ميمنته حجر بن عدي.
كلامه بعد وقعة النهروان
في الدرجات الرفيعة: ومن كلامه لأمير المؤمنين عليه السلام حين
استنفر أهل الكوفة للقتال بعد وقعة النهروان فلم يجيبوه بما يرضاه وأكثروا
اللغط في حضرته فساءه ذلك منهم، فقام حجر فقال: لا يسؤك يا أمير
المؤمنين! مرنا بأمرك نتبعه فوالله ما نعظم جزعا على أموالنا ان نفذت ولا
على عشائرنا ان قتلت في طاعتك اه‍.
خبره ليلة قتل أمير المؤمنين عليه السلام
روى الشيخ المفيد وغيره ان ابن ملجم وصاحبيه وردان التيمي
وشبيب بن بجرة الأشجعي لما عزموا على قتل أمير المؤمنين عليه السلام
ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم فواطأهم عليه، وحضر
الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه وكان
حجر بن عدي في تلك الليلة بائنا في المسجد، فسمع الأشعث يقول لابن
ملجم: النجاء النجاء بحاجتك، فقد فضحك الصبح!. فأحس حجر بما
أراد الأشعث وقال له قتلته يا أعور. وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين
ليخبره بالخبر ويحذره من القوم، فخالفه أمير المؤمنين عليه السلام في
الطريق فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف، فاقبل حجر
والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين اه‍. وفي مروج الذهب. قد كان ابن
ملجم مر بالأشعث وهو بالمسجد فقال له فضحك الصبح! فسمعها
حجر بن عدي، فقال: قتلته يا أعور قتلك الله اه‍.
أخباره مع الحسن عليه السلام
في شرح النهج الحديدي عن أبي الفرج ان الحسن عليه السلام لما
بلغه مسير معاوية بالعساكر قاصدا العراق وأنه عبر جسر منبج تحرك وبعث
حجر بن عدي فامر العمال والناس بالتهيؤ الخ... ومن أخباره مع الحسن
عليه السلام ما ذكره المدائني وغيره انه لما كان من صلح الحسن عليه السلام
لمعاوية ما كان دخل عبيدة بن عمرو الكندي، وهو من قوم حجر بن
عدي، على الحسن عليه السلام وكان على وجهه ضربة أصابته وهو مع
قيس بن سعد بن عبادة، فقال الحسن عليه السلام: ما الذي أرى
بوجهك؟ فقال: جرح أصابني مع قيس. فالتفت حجر إلى الحسن
فقال: لوددت انك مت قبل هذا اليوم ومتنا معك ولم يكن ما كان! انا
رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا!. فتغير وجه الحسن
عليه السلام وغمز الحسين عليه السلام حجرا فسكت. فقال الحسن: يا
حجر! ليس كل الناس يحب ما تحب، ولا رأيه رأيك، وما فعلت ما
فعلت الا ابقاء عليكم والله كل يوم في شأن اه‍. ولا شك أن هذا الكلام
فيه سوء أدب من حجر مع الحسن، ولكنه دعاه اليه شدة الحب وزيادة
الغيظ مما كان.
من أخباره مع معاوية
ما ذكره ابن الأثير قال: كتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زيادا وحجر بن
عدي وسليمان بن صرد وجماعة بالصلاة في الجماعة، فكانوا يحصرون معه
الصلاة. وانما ألزمهم ذلك لأنهم كانوا من شيعة علي اه‍.
مقتله والسبب فيه
ننقل ذلك من عدة كتب معتمدة مشهورة نذكر أسماءها، ونشير إلى
مواقع الاختلاف والزيادة والنقصان فيها. وقد يمكن للناظر أن يستنتج
الصواب أو القريب منه من مجموع ذلك.
خبره مع المغيرة بن شعبة
روى الطبري في تاريخه عن هشام بن محمد بأسانيده، وذكره ابن
الأثير في تاريخه ان معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في
جمادى الأولى سنة 41، قال: قد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة فانا تاركها
اعتمادا على بصرك، ولست تاركا ايصاءك بخصلة لا تترك شتم علي
وذمه، والترحم على عثمان، والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم،
والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم. فقال: قد جربت وجربت وعملت
قبلك لغيرك فلم يذممني، وستبلوا فتحمد أو تذم، وأقام المغيرة عاملا
لمعاوية على الكوفة سبع سنين وأشهرا. وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق:
كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: اني قد احتجت إلى مال فأمدني بالمال
فجهز المغيرة اليه عيرا تحمل مالا، فلما فصلت العير بلغ حجرا وأصحابه.
فجاء حتى أخذ بالقطار فحبس العير وقال: والله لا تذهب حتى تعطي كل
ذي حق حقه، فبلغ المغيرة ذلك، فقال شباب ثقيف: ائذن لنا حتى
نأتيك برأسه الساعة. فقال: لا والله ما كنت لأقتل حجرا ابدا. فبلغ
ذلك معاوية فعزله و استعمل زيادا اه‍. والذي ذكره المؤرخون أن معاوية
لم يستعمل زيادا على الكوفة الا بعد موت المغيرة كما يأتي. وذكر الطبري في
تتمة حديثه السابق وابن الأثير وأبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني
بأسانيده، وذلك منتزع من جميع كلامهم أن المغيرة بن شعبة لما ولي
الكوفة، كان لا يدع ما وصاه به معاوية من شتم علي والوقوع فيه،
والدعاء لعثمان والاستغفار له والتزكية لأصحابه فكان يقوم على المنبر فيذم
علي بن أبي طالب وشيعته وينال منهم، ويلعن قتلة عثمان ويستغفر لعثمان

574
ويزكيه وأصحابه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: بل إياكم قد ذم الله
ولعن، ان الله عز وجل يقول (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله ولو على أنفسكم) واني أشهد ان من تذمون أحق بالفضل ممن
تطرون ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون!. فيقول له المغيرة: يا حجر
ويحك اكفف عن هذا واتق غضبة السلطان وسطوته فإنها كثيرا ما تقتل
مثلك، ثم يكف عنه. فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيام
امارته يخطب على المنبر فنال من علي بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن
شيعته كما كان يفعل، فوثب حجر فصاح بالمغيرة صيحة أسمعت كل
من في المسجد وخارجه، فقال له: انك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع أو
هرمت؟ مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا فإنك قد حبستها عنا ولم يكن ذلك لك،
ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير
المؤمنين وتقريظ المجرمين. فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا. هكذا في
الأغاني، وفي الدرجات الرفيعة: فقام معه نحو ثلاثين ألفا. وفي تاريخي
الطبري وابن الأثير: أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر
وبر! مر لنا بأعطياتنا فانا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا وأكثروا في
ذلك، فنزل المغيرة ودخل القصر فاستأذن عليه قومه ودخلوه ولاموه في
احتماله حجرا، فقال لهم: اني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: انه
سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه فيأخذه عند أول
وهلة فيقتله شر قتلة، انه قد اقترب أجلي وضعف عملي وما أحب ان
ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم فيسعدوا بذلك وأشقى
ويعز معاوية في الدنيا ويذل المغيرة في الآخرة سيذكرونني لو قد جربوا
العمال. ثم هلك المغيرة سنة 50، وقال الطبري عن عوانة سنة 51
فجمعت الكوفة والبصرة لزياد.
خبره مع زياد بن سمية وسبب قتله
كلام المؤرخين في سبب قتله لا يخلو من بعض اختلاف مع اتفاقهم
على أن السبب فيه انكاره المنكر على زياد ونحن ونورد كل ما عثرنا عليه من
كلامهم في هذا الباب ومنه لعلم الاختلاف في سبب قتله فنقول: روى
الطبري في تاريخه باسناده عن هشام عن محمد بن سيرين قال: خطب يوما
زياد في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له عدي: الصلاة،
فمضى في خطبته، ثم قال: الصلاة، فمضى في خطبته. فلما خشي
حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصى وثار إلى الصلاة وثار
الناس معه. فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما فرع من صلاته
كتب إلى معاوية في أمره، وكثر عليه، فكتب اليه معاوية أن شده في
الحديد ثم احمله إلي. فلما جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه،
فقال لا، ولكن سمع وطاعة، فشد في الحديد ثم حمل إلى معاوية. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن هشام بن حسام عن ابن سيرين أن زيادا
أطال الخطبة، فقال حجر بن عدي: الصلاة، فمضى في خطبته، فقال
له: الصلاة، وضرب بيده إلى الحصى وضرب الناس بأيديهم إلى الحصى
فنزل فصلى ثم كتب فيه إلى معاوية، فكتب معاوية أن سرح به إلي فسرحه
اليه الحديث وفي الاستيعاب وأسد الغابة: لما ولى معاوية زيادا العراق
وما وراءها وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر، خلعه حجر ولم يخلع
معاوية، وتابعه جماعة من أصحاب علي وشيعته وحصبه يوما في تأخير
الصلاة هو وأصحابه. فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره أن يبعث به اليه
و بأصحابه فبعث بهم اليه اه‍. وفي الإصابة: روى أحمد في الزهد
والحاكم في المستدرك من طريق ابن سيرين قال: أطال زياد الخطبة فقال
حجر الصلاة فمضى في خطبته، فحصبه حجر والناس. فنزل زياد فكتب
إلى معاوية فكتب اليه أن سرح به إلي اه‍. وفي الدرجات الرفيعة: لما
ولى معاوية زياد بن أبيه الكوفة خطب زياد فقال: أما بعد فان غب البغي
وخيم! وأيم الله لئن لم تستقيموا لأدواينكم بدوائكم ولست لشئ ان لم
أحم ناحية الكوفة من حجر بن عدي وأدعه نكالا لمن بعده اه‍. وفي
مروج الذهب: في سنة 53 قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وهو أول من قتل
صبرا في الاسلام حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة
وأربعة من غيرها، ولما صار إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدم
البريد باخبارهم إلى معاوية فبعث برجل أعور. فلما أشرف على حجر
و أصحابه. قال رجل منهم أن صدق الزجر فإنه سيقتل منا النصف وينجو
الباقون، أما ترون الرجل المقبل مصبا بإحدى عينيه؟ فلما وصل إليهم قال
لحجر: ان أمير المؤمنين أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر
والطغيان والمتولي أبي تراب وقتل أصحابك الا ان تراجعوا عن كفركم
وتلعنوا صاحبكم وتبرأوا منه. فقال حجر وجماعة ممن كان معه: ان الصبر
على حد السيف لأيسر علينا مما تدعونا اليه، ثم القدوم على الله وعلى نبيه
وعلى وصيه أحب الينا من دخول النار! وأجاب نصف من كان معه إلى
البراءة من علي. وقال المرزباني في النبذة المختارة المتقدم إليها الإشارة:
كان السبب في قتله انه تكلم زياد يوما على المنبر فقال إن من حق أمير
المؤمنين، أعادها مرارا. فقال حجر: كذبت ليس كذلك. فسكت زياد
ساعة ثم أخذ في كلامه حتى غاب عنه ما جرى فقال: ان من حق أمير
المؤمنين. فاخذ حجر كفا من حصى فحصبه وقال: كذبت. فانحدر زياد
عن المنبر ودخل دار الامارة وانصرف حجر فبعث اليه زياد الخيل والرجال
فقالوا: أجب الأمير. فقال: اني والله ما أنا بالذي يخاف ولا آتيه أخافه
على نفسي. وقال ابن سيرين: لو مال لمال أهل الكوفة معه، غير أنه كان
رجلا ورعا. وأبى زياد أن يرفع عنه الخيل والرجل حتى سلسله وأنفذه في
أناس من أصحابه - وكانوا ثلاثة عشر رجلا - إلى معاوية اه‍. وقال
محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير كان السبب في قتله أنه لما
قدم زياد بن أبي سفيان (كذا يقول ابن سعد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الولد
للفراش وللعاهر الحجر) واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي، فقال:
تعلم أني أعرفك، وقد كنت وإياك على ما قد علمت - يعني من حب
علي بن أبي طالب - وانه قد جاء غير ذلك، واني أنشدك الله أن تقطرني من
دمك قطرة فاستفرغه كله! املك عليك لسانك، وليسعك منزلك وهذا
سريري فهو مجلسك وحوائجك مقضية لدي. فاكفني نفسك، فاني أعرف
عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة
وهؤلاء السفهاء ان يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت علي أو استخففت
بحقك لم أخصك بهذا من نفسي. فقال حجر: قد فهمت ثم انصرف إلى
منزله. فإذا اخوانه من الشيعة فقالوا: ما قال لك الأمير قال: قال لي كذا
وكذا. قالوا: ما نصح لك. فأقام وفيه بعض الاعتراض وكانت الشيعة
يختلفون اليه ويقولون انك شيخنا وأحق الناس بانكار هذا الأمر. وكان إذا
جاء إلى المسجد مشوا معه. فأرسل اليه عمرو بن حريث - وهو يومئذ
خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة -: أبا عبد الرحمن ما هذه الجماعة
وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنكرون ما

575
أنتم فيه؟ إليك وراءك أوسع لك!. فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى
زياد وكتب اليه: ان كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل - وعمرو بن حريث
هذا من بني مخزوم قيل إن له صحبة سكن الكوفة وكان يجالس زيادا وابنه
عبيد الله ويأكل من دنياهم. وقال ابن سعد: ولي الكوفة لزياد وابنه
عبيد الله - فأخذ زياد السير حتى قدم الكوفة فأرسل إلى عدي بن حاتم وعدة
من أشراف أهل الكوفة ليعذر اليه وينهاه عن هذه الجماعة وان يكف لسانه
عما يتكلم به فاتوه فلم يجبهم إلى شئ ولم يكلم أحدا منهم وجعل يقول:
يا غلام اعلف البكر - وبكر في ناحية الدار - فقال له عدي بن حاتم:
أمجنون أنت أكلمك وأنت تقول يا غلام اعلف البكر!... فقال عدي
لأصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى. فنهض
القوم عنه وأتوا زيادا فأخبروه ببعض وخزنوا بعضا وحسنوا أمره، وسألوا
زيادا الرفق به. فقال: لست أذن لأبي سفيان!. فأرسل اليه الشرط
والبخارية فقاتلهم بمن معه ثم انفضوا عنه وأتي به زياد وبأصحابه اه‍.
والذي ذكره من رد حجر على رسول ابن حريث ومن انه لم يكلم أحدا من
رسل ابن زياد وما جرى من الحوار بينه وبين عدي بن حاتم لم يذكره غيره.
وفي الأغاني: انه لما جمعت الكوفة والبصرة لزياد بعد هلاك المغيرة دخل
الكوفة ووجه إلى حجر فجاءه - وكان له قبل ذلك صديقا - فقال له: قد
بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك، واني والله لا أحتملك على مثل
ذلك ابدا. أرأيتني ما كنت تعرفني به من حب علي ووده فان الله قد سلخه
من صدري فصيره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية
وعداوته فان الله قد سلخه من صدري وحوله حبا ومودة - وكذب! فما
سلخ ذاك فصيره بغضا وعداوة وهذا فصيره حبا ومودة الا الشيطان - واني
أخوك الذي تعهد إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي محل مجلسي،
وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك ولك عندي في كل
يوم حاجتان: حاجة غدوة وحاجة عشية. انك ان تستقم تسلم لك دنياك
ودينك، وان تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك وتشط عندي دمك. اني لا
أحب التنكيل قبل التقدمة ولا آخذ بغير حجة اللهم اشهد!... فقال
حجر: لن يرى الأمير مني الا ما يحب وقد نصح وأنا قابل نصيحته، ثم
خرج من عنده فكان يتقيه ويهابه وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضله،
والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه. وقال الطبري وابن الأثير: لما جمعت
الكوفة والبصرة لزياد أقبل حتى دخل القصر بالكوفة ثم صعد المنبر فذكر
عثمان وأصحابه فقرظهم ولعن قتلته فقام حجر وفعل كما كان يفعل
بالمغيرة، ورجع زياد إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث.
وقال أبو الفرج في الأغاني والطبري وابن الأثير في تاريخيهما واللفظ مقتبس
من المجموع: كان زياد يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة يقيم في هذه ستة
أشهر وفي هذه ستة أشهر، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب وعلى
الكوفة عمرو بن حريث فقال له عمارة بن عقبة (1): ان الشيعة تختلف إلى
حجر وتسمع منه ولا أراه عند خروجك الا ثائرا. فدعاه زياد فحذره
ووعظه وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث. فجعلت الشيعة
تختلف إلى حجر ويجئ حتى يجلس في المسجد فتجتمع اليه الشيعة حتى
يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه وتطيف بهم النظارة ثم يمتلئ المسجد، ثم
كثروا وكثر لغطهم وارتفعت أصواتهم بذم معاوية وشتمه ونقص زياد،
وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعد المنبر واجتمع اليه أشراف أهل المصر
فحثهم على الطاعة والجماعة وحذرهم الخلاف فوثب اليه عنق من أصحاب
حجر يكبرون ويشتمون حتى دنوا منه فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل
القصر وأغلق عليه بابه، وكتب إلى زياد بالخبر، فلما اتاه انشده يتمثل
بقول كعب بن مالك:
فلما غدوا بالعرض قال سراتنا * علام إذا لم نمنع العرض نزرع
ما أنا بشئ إذا لم أمنع الكوفة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ويل
أمك حجر لقد سقط بك العشاء على سرحان (2). وقال الطبري وابن
الأثير: ان هذا الكلام قاله زياد على المنبر بالكوفة. ثم أقبل زياد حتى أتى
الكوفة، فدخل القصر، ثم خرج، وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر
وقد فرق شعره، وحجر جالس في المسجد وحوله أصحابه أكثر ما كانوا.
فصعد المنبر فخطب وحذر الناس. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن
مولى زياد قال أرسلني زياد إلى حجر بن عدي - ويقال ابن الأدبر - فأبى ان
يأتيه ثم أعادني الثانية فأبى أنه يأتيه، فأرسل اليه اني أحذرك أن تركب
أعجاز أمور هلك من ركب صدورها. وقال ابن الأثير: وأرسل زياد إلى
حجر يدعوه وهو بالمسجد. وأسند الطبري في تاريخه عن حسين بن عبد الله
الهمداني قال: كنت في شرط زياد فقال زياد: لينطلق بعضكم إلى حجر
فليدعه، فقال لي شداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرطة: اذهب اليه فادعه.
فاتيته فقلت: أجب الأمير. فقال أصحابه لا يأتيه ولا كرامة!. فرجعت
فأخبرته، فامر صاحب الشرطة أن يبعث معي رجالا، بعث نفرا، فاتيناه
فقلنا أجب الأمير فسبونا وشتمونا. وفي الأغاني في تتمة الخبر السالف بعد
قوله: وحذر الناس. ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرط: اذهب
فائتني بحجر. فذهب اليه فدعاه فقال أصحابه لا يأتيه ولا كرامة، فسبوا
الشرط. فرجعوا إلى زياد فأخبروه. فجمع أهل الكوفة فقال يا أشراف
أهل الكوفة أو يا أهل الكوفة تشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم عندي
وأهواؤكم مع هذا الهجهاجة الأحمق المذبوب أنتم معي واخوانكم وأبناؤكم
وعشيرتكم مع حجر؟ فقالوا: معاذ الله ان يكون لنا فيما هاهنا رأي الا
طاعتك وطاعة أمير المؤمنين وكل ما ظننت ان يكون فيه رضاك فمرنا به.
قال: ليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة التي حول حجر فليدع
الرجل أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من
استطعتم. ففعلوا وجعلوا يقيمون عنه أصحابه حتى تفرق أكثرهم وبقي
أقلهم - وهكذا يفعل الكبراء في التخذيل عن أهل الحق ارضاء للظلمة كما
قال الله تعالى (وقالوا ربنا انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) فكما
خذل أشراف الكوفة الناس عن حجر ارضاء لزياد بن سمية حتى قبض
عليه وقتل خذلوا الناس عن مسلم بن عقيل ارضاء لنغله عبيد الله بن
مرجانة حتى أسر وقتل فلما رأى زياد خفة أصحابه قال لصاحب شرطته
شداد بن الهيثم بن شداد: اذهب فائتني بحجر فان تبعك والا فمر من
معك أن ينتزعوا عمد السوق (3) ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوا به ويضربوا
من حال دونه. فلما أتاه شداد قال له: أجب الأمير. فقال أصحاب
حجر: لا والله ولا نعمة عين لا يجيبه فقال لأصحابه: علي بعمد السوق،
فاشتدوا إليها فاقبلوا بها قد انتزعوها فقال عمير بن يزيد الكندي من بني



(1) هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد بن عقبة.
(2) مثل يضرب في طلب الحاجة يؤدي صاحبها إلى التلف، والسرحان الذئب.
(3) في نسخة الأغاني المطبوعة: عمد السيوف والظاهر أنه تصحيف، وفي تاريخ ابن الأثير:
والا فشدوا عليهم بالسيوف. - المؤلف -
576
هند وهو أبو العمرطة انه ليس معك رجل معه سيف غيري فما يغني
سيفي. قال: فما ترى؟ قال: قم من هذا المكان فالحق باهلك يمنعك
قومك. فقام وزياد ينظر على المنبر إليهم فغشوا حجرا بالعمد. قال
الطبري وابن الأثير: وانحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة وانتزع
عائذ بن حملة التميمي عمودا من بعض الشرط فقاتل به وحمى حجرا وأصحابه
حتى خرجوا من تلقاء أبواب كندة، وبغلة حجر موقوفة فاتى بها أبو
العمرطة اليه ثم قال: اركب لا أب لغيرك! فوالله ما أراك الا قد قتلت
نفسك وقتلتنا معك. فوضع حجر رجله في الركاب فلم يستطع ان ينهض
فحمله أبو العمرطة على بغلته ووثب أبو العمرطة على فرسه، فما هو الا أن
استوى عليه حتى انتهى اليه يزيد بن طريف المسلي فضرب أبا العمرطة
بالعمود على فخذه، واخترط أبو العمرطة سيفه فضرب به رأس يزيد فخر
لوجهه، ومضى حجر وأبو العمرطة إلى دار حجر، واجتمع إلى حجر ناس
كثير من أصحابه، وخرج قيس بن فهدان الكندي على حمار له يسير في
مجالس كندة يقول:
يا قوم دافعوا وصاولوا * وعن أخيكم ساعة فقاتلوا
لا يلفين منكم لحجر خاذل * أليس فيكم رامح ونابل
وفارس مستلئم وراجل * وضارب بالسيف لا يزايل
فلم يأته من كندة كثير أحد. فقال زياد وهو على المنبر: لتقم همذان
وتميم وهوازن وأبناء بغيض ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبانة كندة
وليمضوا من ثم إلى حجر فليأتوني به. فلما رأى حجر قلة من معه قال
لأصحابه انصرفوا فوالله ما لكم طاقة بمن اجتمع عليكم من قومكم وما
أحب أن أعرضكم للهلاك فذهبوا لينصرفوا فلحقتهم أوائل خيل مذحج
وهمدان فعطف عليهم عمير بن يزيد وقيس بن يزيد وعبيدة بن عمرو وجماعة
فتقاتلوا معهم فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا واسر قيس بن يزيد وأفلت سائر
القوم، فقال لهم حجر: تفرقوا لا تقتلوا فاني آخذ في بعض الطرق، ثم
اخذ نحو طريق بني حوت من كندة حتى أتى دار رجل منهم يقال له
سليمان أو سليم بن يزيد فدخل داره، وجاء القوم في طلبه حتى انتهوا إلى
تلك الدار، فاخذ سليمان بن يزيد سيفه ثم ذهب ليخرج إليهم فبكت
بناته، فقال له حجر ما تريد: أريد والله ان ينصرفوا عنك فان فعلوا والا
ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمة في يدي دونك!. فقال له حجر: لا أبا
لغيرك بئس إذن والله ما دخلت به على بناتك قال: اني والله ما أمونهن ولا
أرزقهن وما رزقهن الا على الحي الذي لا يموت ولا اشتري العار بشئ ولا
تؤخذ من داري أسيرا ولا قتيلا وانا حي أملك قائم سيفي فان قتلت دونك
فاصنع ما بدا لك! فقال حجر: أما في دارك هذه حائط اقتحمه أو خوخة
اخرج منها عسى الله ان يسلمني منهم ويسلمك فان القوم ان لم يقدروا علي
في دارك لم يضرك امرهم. قال: بلى هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر
من كندة فخرج حتى مر ببني ذهب فخرج معه فتية يقصون له الطريق
ويسلكون به الأزقة حتى أفضى إلى النخع فقال عند ذلك: انصرفوا
يرحمكم الله، فانصرفوا عنه واقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر
فدخلها فإنه لكذلك قد القى له عبد الله الفرش وبسط له البسط وتلقاه
ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له: ان الشرط تسال عنك في النخع
وذلك أن أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت لهم من تطلبون؟ قالوا
نطلب حجرا فقالت: هو ذا قد رأيته في النخع. فانصرفوا نحو النخع.
فخرج متنكرا، وركب معه عبد الله ليلا حتى اتى دار ربيعة بن ناجد
الأزدي فنزل بها فمكث يوما وليلة فلما أعجزهم دعا زياد محمد بن الأشعث
فقال: أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة الا قطعتها ولا دارا الا
هدمتها ثم لا تسلم مني بذلك حتى أقطعك اربا اربا فقال له: أمهلني
اطلبه. قال: قد أمهلتك ثلاثا فان جئت به والا فاعدد نفسك من
الهلكى، واخرج محمد نحو السجن ممتقع اللون يتل تلا عنيفا فقال
حجر بن يزيد الكندي من بني مرة لزياد: ضمنيه مخلى سربه أحرى ان
يقدر عليه منه إذا كان محبوسا. قال: أتضمنه لي؟ قال نعم. قال: اما
والله لئن حاص عنك لأوردنك شعوب وان كنت الآن علي كريما. قال:
انه لا يفعل فخلى سبيله. ثم إن حجرا بعث إلى محمد بن الأشعث انه قد
بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد فلا يهولنك شئ من امره فاني خارج
إليك فاجمع نفرا من قومك وادخل عليه واساله ان يؤمنني حتى يبعثني إلى
معاوية فيرى في رأيه وحجر وابن الأشعث كلاهما كندي فما أحب حجر ان
يصيب ابن عمه بسببه سوء. ولكن شتان ما بينهما: فحجر من أصدق
الناس ولاء لأمير المؤمنين علي عليه السلام، ومحمد بن الأشعث من أعدى
أعدائه ورث العداوة من أبيه لا عن كلالة وهو الذي شرك في دم مسلم
وهانئ فخرج محمد إلى حجر بن يزيد وجرير بن عبد الله وعبد الله أخي
الأشتر فدخلوا على زياد فطلبوا اليه فيما سأله حجر فأجاب، فبعثوا فأعلموه
بذلك فاقبل حتى دخل على زياد. وفي كتاب روضة الصفا، وهو
بالفارسية ما تعريبه: ان زيادا لما جاء إلى الكوفة بعد ما كتب اليه عمرو بن
حريث بما تقدم أمر بسريره فوضع في المسجد وجلس عليه فكان أول داخل
عليه من أشراف الكوفة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي فسلم عليه
فقال زياد: لا سلم الله عليك ائتني الساعة بابن عمك حجر بن عدي.
فقال محمد: أيها الأمير أنا لا خلطة لي بحجر ولا مجالسة لي معه تعلم أن ما
بيني وبينه من العداوة إلى أي حد!. فقال جرير بن عبد الله: أنا آتي به
بشرط أن تبعثه إلى معاوية فيرى فيه رأيه، فاجابه زياد إلى ذلك وجاء به
جرير فامر به زياد إلى الحبس إلى أن يتم القبض على أصحابه.
ما جرى لحجر بعد مجيئه إلى زياد
في روضة الصفا كما سمعت أنه امر به إلى الحبس إلى أن يتم القبض
على أصحابه، وفي الأغاني وتاريخي الطبري وابن الأثير: فقال له مرحبا
بك يا أبا عبد الرحمن حرب في أيام الحرب وحرب وقد سالم الناس على
نفسها تجني براقش فقال حجر: ما خلعت يدا عن طاعة ولا فارقت
جماعة واني لعلى بيعتي. فقال: هيهات يا حجر! أتشج بيد وتأسو
بأخرى، وتريد إذ أمكننا الله منك أن نرضى؟ هيهات والله فقال ألم تؤمني
حتى آتي معاوية فيرى في رأيه؟ قال: بلى انطلقوا به إلى السجن، فلما



(1) مثل يضرب لمن يعمل عملا يرجع ضرره عليه (وبراقش) قيل كلبة كانت لبعض العرب
فأغير عليهم فهربوا ومعهم براقش فاتبع القوم آثارهم بنباح براقش فاصطلموهم (وقيل)
براقش امرأة كانت لبعض الملوك فسافر واستخلفها وكان لهم موضع إذا فزعوا دخنوا فيه فاجتمع
الجند فدخن جواربها ليلة عبثا فجاء الجند فقال لها نصحاؤها: ان رددتهم ودخنت مرة
أخرى لم يأتك منهم أحد فأمرتهم فبنوا بناء فلما جاء الملك سأل عنه فأخبروه بالقصة فقال
على أهلها تجني براقش (وقيل) براقش امرأة لقمان بن عاد وكان قومه لا يأكلون لحوم الإبل
فأصاب منها غلاما وأولم قومها فجاء ابها تعرق من جزور فأكله لقمان فاستطابه وأسرع في
ابلها وابل قومها فقيل على أهلها تجني براقش - المؤلف -
577
مضي به قال زياد: أما والله لولا أمانه ما برح حتى يلفظ عصبه (1) أو حتى
يلفظ مهجة نفسه وقال ابن الأثير: فلما ولى قال زياد: والله لأحرصن على
قطع خيط رقبته. فحبس عشر ليال اه‍. وفي الطبقات: انه لما أتي به إلى
زياد وبأصحابه قال له: ويلك ما لك؟ فقال إني على بيعتي لا أقيلها ولا
أستقيلها وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إسحاق: رأيت
حجر بن عدي وهو يقول: ألا اني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع
الله والناس. وروى الطبري بسنده عن أبي إسحاق ان حجرا لما قفي به
من عند زياد نادى بأعلى صوته: اللهم إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع
الله والناس. قال أبو الفرج في الأغاني والطبري: وزياد ما له عمل
غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر، فجد في طلبهم وهم يهربون منه
ويأخذ من قدر عليه منهم حتى جمع منهم اثني عشر رجلا في السجن.
الشهادة على حجر من وجوه الكوفة
في الطبقات الكبير لابن سعد أنه لما أتي زياد بحجر وأصحابه جمع
زياد سبعين رجلا من وجوه أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر
وأصحابه ففعلوا، ثم وفدهم على معاوية وبعث بحجر وأصحابه اليه.
ويدل كلامه الآتي على أنه أرسل الشهود معهم. وفي الأغاني وتاريخي
الطبري وابن الأثير: بعث زياد إلى رؤوس الأرباع يومئذ فاحضرهم
وقال: اشهدوا على حجر بما رأيتموه وهم الأربعة الأولون الآتية أسماؤهم
فشهدوا ان حجرا جمع اليه الجموع وأظهر شتم الخليفة وعيب زياد ودعا إلى
حرب أمير المؤمنين وزعم أن هذا الامر لا يصلح الا في آل أبي طالب ووثب
بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه
والبراءة من عدوه وأهل حربه وان هؤلاء الذين معه رؤوس أصحابه وعلى
مثل رأيه. فنظر زياد في الشهادة فقال: ما أظن هذه شهادة قاطعة وأحب
ان يكون الشهود أكثر من أربعة قال الطبري وأبو الفرج: فكتب أبو
بردة بن أبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه أبو بردة بن
أبي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق
الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع اليه الجموع يدعوهم
إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله كفرة صلعاء.
فأعجبت زيادا هذه الشهادة فقال على مثل هذه الشهادة فاشهدوا والله
لأجهدن في قطع عنق الخائن الأحمق فشهد رؤوس الأرباع الثلاثة الآخرون
على مثل ذلك ثم دعا الناس فقال: اشهدوا على مثل ما شهد عليه رؤوس
الأرباع فقام عناق بن شرحبيل التيمي تيم الله بن ثعلبة أول الناس فقال:
اكتبوا اسمي، فقال زياد: ابدأوا بقريش ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه
أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة. وكان من جملة الشهود شداد بن المنذر
أخو الحضين بن المنذر وكان يدعى ابن بزيعة، فقال زياد: أما لهذا أب
ينسب إليه ألغوا هذا من الشهود، فقيل له: انه أخو الحضين بن المنذر،
فقال: انسبوه إلى أبيه فنسب، فبلغ ذلك شدادا فقال: وا لهفاه على ابن
الزانية! أو ليست أمه أعرف من أبيه! فوالله ما ينسب إلا إلى أمه سمية.
ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن شعبة إلى الشهادة فراغا. وفي
مجالس المؤمنين عن تاريخ أبي حنيفة الدينوري أن زياد ابن أبيه بعث أبا
بردة بن أبي موسى الأشعري وشريح بن هانئ وشريح بن الحارث وأبا
عبيدة القعيني إلى معاوية ليشهدوا عنده بما صدر من حجر وأصحابه فشهدوا
فقتلهم معاوية.
أسماء الشهود
على ما ذكره الطبري وغيره أولهم رؤوس الأرباع الأربعة (1)
عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة (2) خالد بن عرفطة على ربع تميم
وهمدان (3) قيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة
وكندة (4) أبو بردة بن أبي موسى الأشعري على ربع مذحج وأسد (5) و
(6) و (7) إسحاق وموسى وإسماعيل بنو طلحة بن عبيد الله (8)
المنذر بن الزبير (9) عمارة بن عقبة بن أبي معيط (10) عبد الرحمن بن
هبار أو هناد (11) عمر بن سعد بن أبي وقاص (12) عامر بن جارية بن
ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس (14) عبيد الله بن شعبة الحضرمي
(15) عناق بن شرحبيل التيمي (16) وائل بن حجر الحضرمي (17)
كثير بن شهاب بن حصين الحارثي (18) قطن بن عبد الله بن حصين
(19) السري بن وقاص الحارثي، قال الطبري: كتبت شهادته وهو
غائب في عمله (20) السائب بن الأقرع الثقفي (21) عبد الله بن أبي
عقيل الثقفي (22) مصقلة بن هبيرة الشيباني (23) القعقاع بن شور
الذهلي (24) ضرار بن هبيرة (25) شداد بن المنذر بن الحارث (26)
حجار بن أبجر العجلي (27) عمرو بن الحجاج الزبيدي (28) لبيد بن
عطارد التميمي (29) محمد بن عمير بن عطارد التميمي (30) سويد بن
عبد الرحمن التميمي (31) أسماء بن خارجة الفزازي كان يعتذر من امره
(32) شمر بن ذي الجوشن العامري (33) زحر بن قيس الجعفي
(34) شبث بن ربعي (35) سماك بن مخرمة الأسدي صاحب مسجد
سماك (36) و (37) شداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان (38)
حصن بن ثعلبة من عائذة قريش (39) الهيثم بن الأسود النخعي، وكان
يعتذر إليهم (40) عبد الرحمن بن قيس الأسدي (41) و (42) الحارث
وشداد ابنا الأرفع الهمدانيان (43) كريب بن سلمة بن يزيد الجعفي
(44) عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي (45) قدامة بن العجلان الأزدي
(46) عزرة بن عزرة الأحمسي (47) عمر بن قيس ذو اللحية (48)
هانئ بن حية الوداعي، وشهد معهم آخرون حتى بلغوا سبعين رجلا،
فقال زياد ألقوهم إلا من عرف بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتى صيروا إلى
هذه العدة وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ
فاما شريح بن الحارث فقال: سألني عنه فقلت: اما انه كان صواما
قواما، اما شريح بن هانئ فقال: ما شهدت وبلغني ان شهادتي كتبت
فأكذبته ولمته (اه‍). ومن النظر في حال هؤلاء الشهود وما شاع من قبيح
سيرتهم وخبث سريرتهم لا تعجب من شهادتهم.
كتاب زياد إلى معاوية في
حجر وأصحابه
وكتب زياد إلى معاوية مع وائل وكثير - على ما في الأغاني وتاريخ
الطبري: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد
ابن أبي سفيان اما بعد فان الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فاداله من عدوه
وكفاه مؤونة من بغى عليه ان طواغيت الترابية السابة السبائية رأسهم حجر بن
عدي خلعوا (خالفوا) أمير المؤمنين وفارقوا (فأظهرنا) الله عليهم وأمكننا منهم
وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى (السن) والدين منهم
فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت



(1) في القاموس: العصب محركه أطناب المفاصل، ولا يخفى عدم مناسبته للفظ الا ان يراد به استرخاء
المفاصل ولعله محرف. - المؤلف -
578
شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا. ودفع زياد
الكتاب إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب وبعثهما عليهم وأمرهما أن
يخرجوهم، وبلغ زيادا أن قوما يريدون أن يعرضوا لهم إذا أخرجوا فبعث
إلى الكناسة فابتاع إبلا صعابا فشد عليها المحامل ثم حملهم عليها في الرحبة
أول النهار حتى إذا كان العشاء قال من شاء ليعرض فلم يتحرك من الناس
أحد فأخرجهم وائل وكثير عشية. وفي روضة الصفا أن زيادا أرسل معهم
مائة رجل ممن يعتمد عليه اه‍. قال الطبري وسار معهم أصحاب الشرط
حتى أخرجوهم من الكوفة ومروا بهم على عبيد الله بن الحر الجعفي فقال:
ألا عشرة رهط استنقذ بهم هؤلاء؟ ألا خمسة؟ فجعل يتلهف، فلم يجبه
أحد فمضوا فلحقهم شريح بن هانئ بكتاب فقال: بلغوا هذا عني أمير
المؤمنين فلم يرض كثير أن يأخذه حتى يعلم ما فيه فتحمله وائل بن حجر ا
ه‍. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن زياد بن علاقة قال: رأيت
حجر بن الأدبر حين أخرج به زياد إلى معاوية ورجلاه من جانب وهو على
بعير اه‍. قال الطبري: ثم مضوا بهم حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء
وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا، وفي روضة الصفا: أربعة فراسخ،
وقال أيضا: فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء فحبسوا بها. وفي أسد
الغابة: فانزل وأصحابه عذراء وهي قرية عند دمشق. وفي الأغاني في تتمة
الخبر السابق: ومضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء فحبسوا به فبعث
معاوية إلى وائل وكثير فأدخلهما وفض كتابهما. وقال الطبري: فبعث
معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وفض كتابهما فقرأه على
أهل الشام. ويظهر من كلامهما أن أول وصولهم كان إلى مرج عذراء
فحبسوه به ولا يظهر منهم أنهم أدخلوا دمشق ولا أنهم ادخلوا على معاوية،
أما ابن سعد في الطبقات فيدل كلامه على أنهم أدخلوا دمشق ولم يدخلوهم
على معاوية حيث قال بعد قوله: وبعث بحجر وأصحابه إلى معاوية فقال
معاوية لا أحب أن أراهم ولكن أعرضوا علي كتاب زياد فقرئ عليه
الكتاب وجاء الشهود فشهدوا فقال: معاوية أخرجوهم إلى عذرى فاقتلوهم
هناك فحملوا إليها. وأما المرزباني في النبذة المختارة المقدم إليها الإشارة
والحاكم في المستدرك وابن عبد البر في الاستيعاب والطبري في تاريخه وابن
حجر في الإصابة فإنهم صرحوا بدخولهم على معاوية. والاعتبار يقضي بأنه
لا بد ان يكون أتي بهم أولا إلى دمشق، والمظنون أنهم أدخلوا على معاوية
كما هي العادة في مثل هذا المقام، ويحتمل أنهم لم يدخلوا عليه وانه قال:
لا أحب ان أراهم كما مر عن ابن سعد، أما انه اتي بهم أولا إلى مرج عذرا
ولم يدخلوا عليه فكالمقطوع بعدمه. وفي الأغاني أن معاوية لما قرأ كتاب زياد
قال: ما ترون في هؤلاء؟ فقال يزيد بن أسد البجلي: أرى ان تفرقهم في
قرى الشام فتكفيكهم طواغيتها. وقال الطبري: لما قرأ معاوية الكتاب
وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم
قومهم بما تسمعون؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي: أرى ان تفرقهم في
قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها. ودفع وائل كتاب شريح إلى معاوية فقرأه
فإذا فيه بعد البسملة: لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من شريح بن هانئ
اما بعد فقد بلغني ان زيادا كتب إليك بشهادتي على حجر بن عدي وان
شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة
ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام المال والدم فان شئت فاقتله وان
شئت فدعه، فقرأ كتابه على وائل وقال: ما أرى هذا الا قد أخرج نفسه
من شهادتكم (وشريح هذا: هو شريح بن هانئ وهو غير شريح
القاضي) وقال أبو الفرج والطبري: كتب معاوية إلى زياد فهمت ما
اقتصصت من أمر حجر وأصحابه والشهادة عليهم فأحيانا أرى ان قتلهم
أفضل وأحيانا أرى ان العفو عنهم أفضل من قتلهم. فكتب زياد اليه مع
يزيد بن حجة التيمي: قد عجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم مع شهادة
أهل مصرهم عليهم وهم أعلم بهم فان كانت لك حاجة في هذا المصر فلا
تردن حجرا وأصحابه اليه. فمر يزيد بحجر وأصحابه بعذراء فأخبرهم بما
كتب به زياد وقال: مروني بما أحببتم مما ترون أنه لكم نافع أعمل به لكم
وأنطق به. فقال له حجر: أبلغ معاوية أنا على بيعته لا نقيلها ولا نستقيلها
وانه انما شهد علينا الأعداء والأظناء، فقدم يزيد بن حجية على معاوية
بالكتاب واخبره بقول حجر، فقال معاوية: زياد أصدق عندنا من حجر.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عمرو بن بشير الحضرمي قال: لما
بعث زياد بحجر بن عدي إلى معاوية أمر معاوية بحبسه بمكان يقال له مرج
عذراء. ثم استشار الناس فيه فجعلوا يقولون: القتل القتل. فقام
عبد الله بن يزيد بن أسد البجلي فقال: يا أمير المؤمنين أنت راعينا ونحن
رعيتك وأنت ركننا ونحن عمادك ان عاقبت قلنا أصبت وان عفوت قلنا
أحسنت والعفو أقرب للتقوى وكل راع مسؤول عن رعيته فتفرق الناس
عن قوله. وفي طبقات ابن سعد: فقال عبد الرحمن بن عثمان الثقفي يا
أمير المؤمنين جدادها جدادها لا تعن بعد العام أبرا اه‍. وقال الطبري:
فقال عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ويقال عثمان بن عمير الثقفي جذاذها
جذاذها، فقال له معاوية لا تعن ابرا. فخرج أهل الشام ولا يدرون ما
قال معاوية وعبد الرحمن، فاتوا النعمان بن بشير، فقالوا له مقالة ابن أم
الحكم فقال النعمان: قتل القوم اه‍. وبين الروايتين ما ترى من التفاوت
فابن سعد جعل الكلام كله لعبد الرحمن والطبري جعله خطابا وجوابا
وحذف منه بعد العام. والذي في الطبقات: جدادها جدادها بالدال
المهملة، والذي في تاريخ الطبري بالذال المعجمة، وكلاهما له مناسبة.
فالجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة: قطع ثمرة النخل والإبر
تلقيح النخل كأنه يقول: اقطع ثمرة هذه النخلة ولا تتعب نفسك في
تأبيرها بعد العام أشار عليه بقتلهم. والجذاذ بالذال المعجمة من الجذ وهو
القطع المستأصل كما في القاموس، ومنهم من قيده بالوحي حكاه في تاج
العروس. وفي القاموس: والاسم الجذاذ مثلثة اه‍. أشار عليه ابن أم
الحكم بجذهم واستئصالهم فاجابه معاوية بأنه سيقطع هذه النخل وانه
سوف لا يتعب بتأبيرها وتلقيحها، ولذلك قال النعمان: قتل القوم. قال
ابن الأثير والطبري: فوصل إليهم، وهم بمرج عذراء، الرجلان اللذان
ألحقهما زياد بحجر وأصحابه وهما عتبة بن الأخنس السعدي وسعيد أو
سعد بن نمران الهمداني الناعطي كما يأتي فلما وصلا سار عامر بن الأسود
العجلي من عذراء إلى معاوية ليعلمه بهما فقام اليه حجر بن عدي يرسف
في القيود، فقال: يا عامر اسمع مني أبلغ معاوية أن دماءنا عليه حرام واخبره أنا
قد أومنا وصالحناه وصالحنا، وأنا لم نقتل أحدا من أهل القبلة فتحل له دماؤنا،
فليتق الله ولينظر في أمرنا، وزاد الطبري هنا شيئا لم يذكره ابن الأثير وهو مغلوط
في نسخة الطبري المطبوعة، والمفهوم منه ان حجرا أعاد اليه الكلام مرارا،
فقال له قد فهمت وانك قد أكثرت فقال له حجر: انك والله تحبى وتعطى،
وان حجرا يقدم ويقتل فلا ألومك أن تستثقل كلامي، أذهب عنك،
فكأنه استحيا، فقال والله ما ذلك بي ولأبلغن ولأجهدن - وكان يزعم أنه
فعل ولكن معاوية أبى هذا ما فهمناه من ذلك الكلام وبقي فيه ما لم

579
نستطع فهمه لشدة تحريفه، فمن وجد له نسخة صحيحة فليلحقه بهذا
المكان فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين اه‍.
ما قاله حجر حين حمل إلى عذراء
في الطبقات: قال معاوية أخرجوهم إلى عذرا فاقتلوهم هناك،
فحملوا إليها فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا عذراء. قال الحمد لله
أما والله اني لأول مسلم نبح كلابها في سبيل الله ثم أتي بي اليوم إليها
مصفودا. وفي أسد الغابة: لما أشرف حجر على مرج عذراء قال: اني
لأول المسلمين كبر في نواحيها. وقال المرزباني: لما قدم حجر عذرا.
قال: ما هذه القرية؟ فقيل عذرا. فقال: الحمد لله! أما والله اني لأول مسلم ذكر
الله فيها وسبحه، وأول مسلم نبح عليه كلابها في سبيل الله ثم انا اليوم احمل
إليها مصفدا في الحديد اه‍. قال أبو الفرج والطبري وابن الأثير:
وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي قال الطبري من بني سلامان بن
سعد والحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدي إلى حجر وأصحابه ليقتلوا
من أمروا بقتله منهم، فاتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور
مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا. وفي طبقات ابن سعد: وكان معاوية قد
بعث رجلا من بني سلامان بن سعد يقال له هدبة بن فياض فقتلهم وكان
أعور فنظر اليه رجل منهم من خثعم فقال: ان صدقت الطير قتل نصفنا
ونجا نصفنا فلما قتل سبعة أردف معاوية برسول بعافيتهم جميعا فقتل سبعة
ونجا ستة أو قتل ستة ونجا سبعة وكانوا ثلاثة عشر رجلا. وقال ابن
الأثير: فتركوا ستة وقتلوا ثمانية. قال أبو الفرج والطبري وابن الأثير:
فقال سعيد سعد بن نمران اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض،
فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راض،
فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلا ما أراد. وجاء رسل
معاوية الذين أرسلهم لقتلهم فإنهم لمعهم إذ جاء رسول معاوية بتخلية ستة
منهم وقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: انا قد أمرنا ان نعرض عليكم
البراءة من علي واللعن له فان فعلتم هذا تركناكم وان أبيتم قتلناكم وأمير
المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه قد
عفا عن ذلك فابرأوا من هذا الرجل يخل سبيلكم. قالوا: لسنا فاعلين
فامر بقبورهم فحفرت واتي بأكفانهم فقاموا الليل كله يصلون، فلما أصبحوا
قال أصحاب معاوية يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم
الدعاء فاخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم
وعمل بغير الحق فقالوا: أمير المؤمنين قد كان اعرف بكم، ثم قاموا إليهم
وقالوا تبرأون من هذا الرجل؟ قالوا بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه، فاخذ
كل رجل منهم رجلا يقتله، فوقع قبيصة في يد أبي شريف (صريف)
البدي فقال له قبيصة: ان الشر بين قومي وقومك آمن أي آمن فليقتلني
غيرك، فقال برتك رحم فاخذ أبو صريف شريك بن شداد الحضرمي فقتله
وقتل هدبة القضاعي قبيصة بن ضبيعة.
كيفية قتل حجر رضوان الله عليه وولده
في طبقات ابن سعد: ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أهل الشام
ليقتله ودفع حجر إلى رجل من حمير فقدمه ليقتله فقال يا هؤلاء دعوني أصل
ركعتين فتركوه فتوضأ وصلى ركعتين فطول فيهما، فقيل له: طولت
أجزعت؟ فانصرف فقال: ما توضأت قط الا صليت وما صليت صلاة قط
أخف من هذه، ولئن جزعت: لقد رأيت سيفا مشهورا وكنفا منشورا
وقبرا محفورا. وكانت عشائرهم جاءوا بالأكفان وحفروا لهم القبور، ويقال
بل معاوية الذي حفر لهم القبور وبعث إليهم الأكفان. وروى الحاكم
بسنده عن هشام بن حسان عن ابن سيرين في تتمة الحديث السابق قال:
فلما انطلقوا به طلب منهم ان يأذنوا له فيصلي ركعتين فاذنوا له فصلى
ركعتين. وقال أبو الفرج وغيره: ثم قال لهم حجر دعوني أتوضأ، قالوا له
توضأ، فلما أن توضأ قال لهم دعوني أصلي ركعتين فاني والله ما توضأت قط
الا صليت فقالوا له صل فصلى ثم انصرف فقال والله ما صليت صلاة قط
أقصر (أخف) منها ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن
أستكثر منها. وفي الاستيعاب: لما قدم للقتل قال دعوني أصلي ركعتين
فصلاهما خفيفتين، ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما والله
لئن كانت صلاتي لم تنفعني فيما مضى ما هما بنافعتي. وفي النبذة المختارة:
ثم قال حجر للذي أمر بقتلهم: دعني أصلي ركعتين فصلى ركعتين
خفيفتين، لولا أن يقولوا جزع من الموت لأحببت أن يكونا أنفس مما
كانتا. وأيم الله ان لم تكن صلاتي فيما مضى تنفعني ما هاتان بنافعتي شيئا. وفي
أسد الغابة: ولما أرادوا قتله صلى ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي
بي لأطلتهما. وفي تاريخي الطبري وابن الأثير: فقال حجر للذين يلون
أمره: دعوني حتى أصلي ركعتين فقالوا صله فصلى ركعتين خفف فيهما ثم
قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي أنا عليه لأحببت أن تكونا أطول مما
كانتا، ولئن لم يكن فيما مضى من الصلاة خير فما في هاتين خير. وفي
مروج الذهب، فلما قدم حجر ليقتل قال دعوني أصلي ركعتين فجعل
يطول في صلاته، فقيل له: أجزعا من الموت؟ فقال: لا! ولكنني ما
تطهرت للصلاة قط الا صليت وما صليت قط أخف من هذه! وكيف لا
أجزع واني لأرى قبرا محفورا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا؟... ثم قدم
فنحر وألحق به من وافقه على قوله. ثم إن المسعودي صرح بأنه طول
الركعتين، وابن عبد البر والمرزباني والطبري صرحوا بأنه خففهما، وأبو
الفرج ليس في كلامه تصريح بأحد الأمرين، والمظنون: أنه طولهما بالنسبة
إلى متعارف الناس، وقصرهما بالنسبة إلى عادته وانه لما قيل له في تطويلهما
أجزعا من الموت؟ قال ما صليت أقصر منهما، فظن بعض الرواة انه
خففهما عن المتعارف فرووا انه صلاهما خفيفتين، والصواب أنه خففهما عن
عادته لا عن المتعارف، فما ذكره المسعودي هو الأصح. وفي الاستيعاب
بسنده عن محمد بن سيرين انه كان إذا سئل عن الركعتين عند القتل قال:
صلاهما خبيب وحجر وهما فاضلان. وقال الطبري عن مخلد عن هشام:
كان محمد إذا سئل عن الشهيد يغسل حدثهم حديث حجر. وفي الأغاني
وتاريخي الطبري وابن الأثير: ثم قال اللهم انا نستعديك على أمتنا فان
أهل الكوفة قد شهدوا علينا وان أهل الشام يقتلوننا! أما والله لئن قتلتموني
بها فاني أول فارس من المسلمين سلك في واديها وأول رجل من المسلمين
نبحته كلابها. وفي الطبقات: فان أهل العراق شهدوا علينا وان أهل الشام
قتلونا. قال المرزباني: ثم اخذ ثوبه فتحزم به، ثم قال لمن حوله
من أصحابه: لا تحلوا قيودي فاني اجتمع انا ومعاوية على هذه المحجة.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن حسان بن هشام عن ابن سيرين في
تتمة الحديث السابق: ثم قال لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما
وادفنوني في ثيابي فاني مخاصم، فقتل، قال هشام: كان محمد بن سيرين
إذا سئل عن الشهيد ذكر حديث حجر. وروى الحاكم في المستدرك أيضا

580
بسنده عن محمد بن سيرين قال حجر بن عدي: لا تغسلوا عني دما ولا
تطلقوا عني قيدا وادفنوني في ثيابي فانا نلتقي غدا بالجادة وفي الاستيعاب:
ثم قال لمن حضر من أهله: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني
ملاق معاوية على الجادة. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمد
قال: لما أتي بحجر فامر بقتله قال: ادفنوني في ثيابي فاني أبعث مخاصما.
وفي الإصابة في تتمة رواية أحمد في الزهد والحاكم في المستدرك من طريق
ابن سيرين فقال: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق
معاوية بالجادة واني مخاصم، وفي أسد الغابة قال: لا تنزعوا عني حديدا
ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة، وفي تاريخ دمشق:
فقال حجر لأصحابه: ان قتلني معاوية لا تفكوا قيودي وادفنوني بها ولا
تغسلوا عني دما فاني القى معاوية بذلك غدا، وقال الطبري ثم قال لمن
حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ألاقي
معاوية غدا على الجادة. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي مخنف أن
هدبة بن فياض الأعور أمر بقتل حجر بن عدي فمشى اليه بالسيف
فارتعدت فرائصه، فقال: يا حجر! أليس زعمت أنك لا تجزع من
الموت، فانا ندعك وابرأ من صاحبك. فقال وما لي لا أجزع وانا أرى قبرا
محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا. واني والله ان أقول ما يسخط الرب
فقتله وذلك في شعبان سنة 51. وقال أبو الفرج والطبري وابن الأثير:
فمشى اليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف فارتعدت فصائله (فأرعدت
خصائله) فقالوا زعمت أنك لا تجزع من الموت فانا ندعك فابرأ من
صاحبك، فقال: ما لي لا اجزع وانا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا
مشهورا واني والله ان جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقتله. وقال
المرزباني: ثم مشى اليه هدبة الأعور بالسيف فشخص اليه حجر، فقال:
ألم تقل انك لا تجزع من الموت؟ فقال: أرى كفنا منشورا وقبرا محفورا
وسيفا منشورا فما لي لا اجزع اما والله لئن جزعت لا أقول ما يسخط
الرب، فقال له فابرأ من علي وقد أعد لك معاوية جميع ما تريد ان
فعلت. فقال ألم أقل لك اني لا أقول ما يسخط الرب، ثم قال: ان كنت
أمرت بقتل ولدي فقدمه، فقدمه فضربت عنقه، فقيل له تعجلت الثكل
فقال: خفت ان يرى ولدي هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية أمير
المؤمنين علي عليه السلام ولم يذكر قتل ولده غير المرزباني. قال ابن سعد:
فقيل لحجر مد عنقك. فقال: ان ذلك لدم ما كنت لأعين عليه فقدم
فضربت عنقه. وقال المرزباني: قيل لما قدم ليقتل قيل له: مد عنقك.
فقال ما كنت لأعين الظالمين. قال أبو الفرج والطبري: وأقبلوا يقتلونهم
واحدا واحدا حتى قتلوا ستة نفر. وقال ابن الأثير: فقتلوه (أي حجر)
وقتلوا ستة. فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف
الخثعمي: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته
فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فقال ائتوني بهما. قال الطبري: ولما حمل العنزي
والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر: يا حجر لا يبعدنك الله فنعم أخو
الاسلام كنت، وقال الخثعمي: لا تبعد ولا تفقد فقد كنت تأمر بالمعروف
وتنهى عن المنكر، ثم ذهب بهما واتبعهما حجر بصره وقال: كفى بالموت
قطاعا لحبل القرائن وقال المرزباني: فلما حمل عبد الرحمن بن حسان العنزي
وكريم بن عفيف الخثعمي وكانا من أصحاب حجر، قال العنزي: يا
حجر لا تبعد ولا يبعد (ثوابك) مثواك فنعم أخو الاسلام كنت، وقال
الخثعمي يا حجر لا تبعد ولا تفقد فلقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر ثم ذهب بهما إلى القتل فاتبعهما حجر بصره وقال:
كفى بشفاه (1) القبر بعدا لهالك * وبالموت قطعا لحبل القرائن
وفي هذا المقام أمور تستدعي النظر (أولا) ان قول صاحب الأغاني
والطبري: فاقبلوا يقتلونهم حتى قتلوا ستة، فقال عبد الرحمن الخ. يدل
على أن الستة غير حجر لقوله بعد ذلك: فالتفتنا إلى حجر، فيكون
المقتولون سبعة حجر والستة الذين معهم ومنهم ولده همام، وإذا أضيف
إليهم عبد الرحمن بن حسان الذي دفنه زياد حيا كانوا ثمانية، (ثانيا) قول
ابن الأثير: فقتلوه وقتلوا ستة فقال عبد الرحمن الخ... يدل على أن قتل
حجر قبل قول عبد الرحمن والحال أنه بعده كما يدل عليه خطابهما لحجر
(ثالثا) قول المرزباني: ثم ذهب فإنه انما ذهب بهما إلى معاوية كما قال أبو
الفرج والطبري، وكما يدل عليه قوله: فاتبعهما حجر بصره، فإنه يدل
على أنه ذهب بهما إلى بعيد وقتلهم انما كان في مكان واحد (رابعا) المرزباني
يقول إن المتمثل بالبيت هو حجر و أبو الفرج والطبري يقولان: ان المتمثل
به هو العنزي. قال أبو الفرج والطبري وابن الأثير فلما دخلا على معاوية
قال الخثعمي: الله الله يا معاوية فإنك من هذه الدار الزائلة إلى الدار
الآخرة الدائمة ومسئول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا فقال له
معاوية ما تقول في علي؟ قال أقول فيه قولك قال أتتبرأ من دين علي الذي
كان يدين الله به؟ فسكت وهذا تصريح من معاوية بأنه هو يتبرأ من دين
علي الذي كان يدين الله به، والذي يظهر لي انه انما طلب منه هذه البراءة
بهذا اللفظ الفظيع لاعتقاده انه لا يتبرأ فيقول لا، فيجد سبيلا إلى قتله،
وقد علم هو ذلك فسكت. أما قول الطبري بعد قوله فسكت وكره معاوية
أن يجيبه خلاف الظاهر فإنه لو كان يريد العفو عنه ويكره أن يجيبه بلا
الموجبة لقتله عنده لما شدد عليه بهذه العبارة السيئة التي هي كفر صريح -
قال: وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه، فقال: هو لك غير اني
حابسه شهرا فحبسه ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان،
فنزل الموصل، فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية
بشهر. وأقبل على عبد الرحمن بن حسان العنزي فقال له يا أخا ربيعة ما
تقول في علي؟ قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك! قال والله لا أدعك
حتى تخبرني عنه، قال أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا والآمرين
بالمعروف (بالحق والقائمين بالقسط) والناهين عن المنكر والعافين عن
الناس. قال فما تقول في عثمان؟ قال هو أول من فتح أبواب الظلم وأرتج
أبواب الحق. قال قتلت نفسك. قال بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي -
يعني أنه ليس ثمة أحد من قومه فيتكلم فيه - فبعث به معاوية إلى زياد
وكتب اليه: ان هذا شر من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله
شر قتلة، فبعث به زياد إلى قس الناطف فدفنه به حيا - وقس الناطف
موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي - قال المرزباني: لما
اجتمع إلى حجر أصحابه لتوديعه قال:
فمن لكم مثلي لدى كل غارة * ومن لكم مثلي إذا الباس أصحرا
ومن لكم مثلي إذا الحرب قلصت * وأوضع فيها المستميت وشمرا



(1) الذي في الأغاني بشفاة بالشين المعجمة والهاء المنقوطة، وفي نسخة مخطوطة من كتاب
المرزباني بسفاه بالسين المهملة والهاء المنقوطة وكلاهما تصحيف، والصواب بشفاه بشين
معجمة وهاء غير منقوطة مصدر من شافهه مشافهة وشفاها إذا دنى اليه فقد جعل دنو القبر
بعدا. - المؤلف -
581
- هكذا أورد المرزباني هذين البيتين ونسبهما لحجر بن عدي وقد
وجدتهما من جملة قصيدة لعبد الله بن خليفة الطائي بعد ما هرب إلى جبلي
طئ يرثي بها حجرا ويخاطب عدي بن حاتم ليسعى في رجوعه وستأتي
الأبيات المختصة منها برثاء حجر وأصحابه عند ذكر مراثيه. وفي الدرجات
الرفيعة: وفي رواية أن معاوية كتب إلى الموكل بهم (1) أعرض على حجر
وأصحابه، وكانوا ثمانية، ليتبرأوا من علي فقالوا بل نتولاه ونتبرأ ممن
برئ منه، فحفرت لهم قبورهم ونشرت أكفانهم، فقال حجر: يكفوننا
كانا مسلمون ويقتلوننا كانا كافرون. وعرض عليهم البراءة عدة دفعات
فلم يفعلوا فقتلوا اه‍.
عدد أصحاب حجر المأخوذين معه وأسماؤهم
في الأغاني: جمع زياد من أصحاب حجر بن عدي اثني عشر رجلا
في السجن وأتبعهم برجلين فكانوا أربعة عشر رجلا. وقال ابن سعد في
الطبقات: كانوا ثلاثة عشر رجلا فقتل سبعة ونجا ستة أو قتل ستة ونجا
سبعة. وقال المرزباني كما مر: أنفذه في أناس من أصحابه وكانوا ثلاثة
عشر رجلا. وفي الاستيعاب: بعث زياد إلى معاوية بحجر في اثني عشر
رجلا كلهم في الحديد فقتل معاوية منهم ستة واستحيا ستة، وكان حجر
ممن قتل. وفي أسد الغابة: فقتل حجر وستة معه وأطلق ستة. وقال
الطبري وابن الأثير: كانوا أربعة عشر رجلا. وهذه أسماؤهم على ما في
الأغاني وتاريخ الطبري (1) حجر بن عدي الكندي (2) الأرقم بن
عبد الله الكندي (3) شريك بن شداد الحضرمي (4) صيفي بن فسيل
الشيباني (5) قبيصة بن حرملة العبسي (6) كريم بن عفيف
الخثعمي (7) عاصم بن عوف البجلي (8) ورقاء بن سمي البجلي (9)
كدام بن حيان العنزي (10) عبد الرحمن بن حسان العنزي (11) محرز بن
شهاب التميمي المنقري (12) عبد الله بن حؤية السعدي التميمي. قال أبو الفرج
والطبري وابن الأثير: وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود العجلي وهما (13)
عتبة بن الأخنس من سعد بن بكر (14) وسعيد (سعد) بن نمران الهمداني
الناعطي. فهؤلاء 14 رجلا، ومن ذلك يظهر ان الصواب كونهم 14
رجلا لا 13 رجلا الا ان يراد 13 غير حجر، وإذا أضفنا إليهم همام بن
حجر كانوا 15.
أسماء من قتل منهم
في الأغاني: قال أبو مخنف عن رجاله فكان من قتل منهم سبعة نفر
وكذلك في تاريخي الطبري وابن الأثير (1) حجر بن عدي (2)
شريك بن شداد الحضرمي (3) صيفي بن فسيل الشيباني (4) قبيصة بن
ضبيعة العبسي (5) محرز بن شهاب التميمي السعدي ثم المنقري (6)
كدام بن حيان العنزي (7) عبد الرحمن بن حسان العنزي الذي بعثه
معاوية إلى زياد فدفنه حيا. قال ابن الأثير: فهؤلاء السبعة قتلوا ودفنوا
وصلي عليهم، وإذا أضفنا إليهم ابن حجر كانوا ثمانية. وقال الشهيد فيما
يأتي عنه كان اسم ابن حجر الذي قتل معه همام. في الدرجات الرفيعة:
قال شيخنا الشيخ محمد بن مكي المعروف بالشهيد الأول قدس الله روحه:
الشهداء الذين بعذراء دمشق الذين قتلهم معاوية بعد أن بايعوه وأعطاهم
العهود والمواثيق، حجر بن عدي الكندي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولده
همام، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، وصيفي بن فسيل، وشريك بن شداد
الحضرمي ومحرز بن شهاب السعدي، وكرام بن حيان العبدي كلهم في
ضريح واحد في جامع عذراء. قال الشيخ محمد بن مكي، أنشدني
خادمهم هذه الأبيات:
جماعة بثرى عذراء قد دفنوا * وهم صحاب لهم فضل واعظام
حجر قبيصة صيفي شريكهم * ومحرز ثم همام وكرام
عليهم ألف رضوان ومكرمة * تترى تدوم عليهم كلما داموا
قال محمد بن مكي فزدت:
ومثلها لعنات للذي سفكوا * دماءهم وعذاب بالذي ساموا
اه‍. (أقول) الذي في النسخة المنقول عنها من الدرجات كرام بالراء ولا
شك انها كانت كذلك في نسخة الشهيد بدليل ما في الأبيات وكأن الشهيد
أخذ اسمه من الأبيات، والذي وجدناه في سائر الكتب كدام بالدال،
ولعله هو الصواب وان كان كل من كرام وكدام موجودا في الأعلام
العربية. والذي في الدرجات الرفيعة: العبدي وفي غيره العنزي، وقول
هذا الشاعر وهم صحاب ان أراد به أنهم صحابيون فليس بصواب إذ ليس
فيهم من الصحابة غير حجر.
صفة مشهدهم بعذراء
وفي سنة 1351 ونحن بدمشق قصدنا عذراء لزيارة قبر حجر
وأصحابه فوجدناهم مدفونين في ضريح وعليهم قبة ببنيان محكم تظهر عليه
آثار القدم في جانب مسجد واسع فيه منارة عظيمة قديمة وقبتهم التي فيها ضريحهم
الشريف مهملة مهجورة قد نسجت عليها العناكب وتراكمت فيها الأتربة
وليس في أرضها الا تراب وزيارتها متروكة عند أهل هذه البلاد، ولو كانت
منسوبة لاحد المتصوفين أو من تدعى لهم الولاية وخوارق العادات والجذبة
أو كانوا من المجانين لكانت معظمة مخدومة مزورة، ويظهر من كلام
الشهيد المتقدم انها كانت في عصره مزورة. ورأينا مكان صخرة كانت على
باب القبة وقلعت وبقي محلها ظاهرا، ولا شك أنه كانت عليها كتابة كما
أخبرنا بذلك بعض أهل القرية، وأرونا صخرة غيرها صغيرة مطروحة في
أرض القبة مكتوبة بخط قديم لا تاريخ فيها، وهذه صورة ما كتب فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم سكان هذا الضريح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
حجر بن عدي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيفي بن فسيل الشيباني
وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكدام بن حيان ومحرز بن شهاب السعدي
وشريك بن شداد الحضرمي اه‍. والصواب كما عرفت انه ليس فيهم من
الصحابة غير حجر (2)
المشهد المنسوب إليهم بمحلة مسجد القصب
ويوجد في مدينة دمشق محلة تسمى (مز القصب) والظاهر أن (مز)
محرف مسجد وان اسم المحلة (محلة مسجد القصب) لما ستعرف من أن
هذا المسجد يسمى مسجد القصب، وفيها جامع يسمى جامع السادات،
ومسجد الأقصاب في مدخله ضريح عليه صندوق معلق على أحد جوانبه
لوحة حفر عليها ما صورته: هذا مرقد سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
حجر بن عدي الكندي وصيفي بن أبي شكر الشيباني وكدام بن حيان



(1) الذي في الأصل كتب إلى زياد، ولكن هذا الكلام يناسب ان يكون كتب به إلى الموكل بهم
لا إلى زياد.
(2) يبدو ان بناء الضريح والقبة والمنارة كان في عهد من العهود الشيعية التي سادت بلاد الشام
حينا من الزمن، ثم أهمل البناء بعد ذلك (ح).
582
العبدي وشريك بن شداد الحضرمي وقبيصة العبسي ومحرز بن شهاب
التميمي وثمامة بن عبد الله الزبيدي رضي الله عنهم. سنة 1262. ولا
يعلم أحد ما هو أصل هذا المسجد المسمى بمسجد السادات نسبة إليهم ولا
أصل هذا الضريح، ولم يذكر مؤرخ من المؤرخين انهم دفنوا بدمشق بل
كلهم قالوا إنهم دفنوا بمرج عذراء، وكيف الجمع بين وجود ضريح لهم
بعذراء وآخر بدمشق. ويدور على ألسنة العوام حديث لا يصح التعويل
عليه، وهو أن هذا مدفن أقصابهم والله أعلم. وقد ذكر هذا المسجد ابن
عساكر في تاريخ دمشق، لكنه لم يشر إلى هذا الضريح الذي في مدخله
بشئ فقال عند تعداد المساجد التي في خارج دمشق في أرباضها مما ليس في
قرية مسكونة: مسجد عند رأس زقاق سطرا يعرف بمسجد القصب على
بابه قناة وهو قديم اه‍. والمظنون انه هو هذا المسجد - على أن كاتب هذه
اللوحة قد أخطأ في جعلهم من الصحابة إذ ليس غير حجر كما تقدم وثمامة
الذي عده معهم ليس من أصحاب حجر ولا يعلم من هو، وصيفي بن
فسيل سماه صيفي بن أبي شكر. ويغلب على الظن أن كاتبها قد كتبها
ليدعو الزائرين إلى زيارة ضريح لم يعلم من فيه، فنسبه إلى قوم معروفين
ليرغب في زيارتهم وأضاف إليهم ثمامة. وقد يكون هذا الضريح لجماعة
أخيار سواهم والله أعلم. أسماء من سلم منهم
قال أبو مخنف: ونجا منهم سبعة (1) كريم بن عفيف الخثعمي
شفع فيه عبد الله بن ثمر الخثعمي كما مر (2) عبد الله بن حوية التميمي
طلب فيه حبيب بن مسلمة فخلى سبيله (3) عاصم بن عوف البجلي (4)
ورقاء بن سمي البجلي قام يزيد بن أسد البجلي فشفع فيهما وكان جرير بن
عبد الله البجلي قد كتب فيهما إلى معاوية يزكيهما ويشهد لهما بالبراءة مما شهد
عليهما فقال معاوية ليزيد هما لك (5) أرقم بن عبد الله الكندي طلب فيه
وائل بن حجر فتركه (6) عتبة بن أخنس السعدي من هوازن طلب فيه أبو
الأعور السلمي فوهبه له (7) سعيد (سعد) بن نمران الهمداني طلب فيه
حمزة بن مالك الهمداني فوهبه له قال الطبري ذهب بعقبة بن الأخنس
وسعد بن نمران بعد حجر بأيام فخلى سبيلهما. ومن ذلك يظهر ان الصواب
انه قتل سبعة ونجا سبعة. قال الطبري وابن الأثير: وقام مالك بن هبيرة
السكوني فقال لمعاوية دع لي ابن عمي حجرا فقال: ان ابن عمك رأس
القوم، وأخاف ان خليت سبيله ان يفسد علي مصره فيضطرني غدا إلى أن
أشخصك وأصحابك اليه بالعراق، فقال: والله ما أنصفتني يا معاوية
قاتلت معك ابن عمك بصفين حتى ظفرت ولم تخف الدوائر، ثم سألتك
ابن عمي فسطوت وتخوفت فيما زعمت عاقبة الدوائر ثم انصرف فجلس في
بيته مغضبا واجتمع اليه قومه من كندة والسكون وناس من اليمن كثير فقال
والله لنحن أغنى عن معاوية من معاوية عنا وانا لنجد في قومنا منه بدلا ولا
يجد منا في الناس خلفا سيروا إلى هذا الرجل فلنخله من أيديهم، فاقبلوا
يسيرون ولم يشكوا انهم بعذراء لم يقتلوا، فاستقبلهم قتلتهم فلما رأوه في جمع
ظنوا انه انما جاء ليخلص حجرا منهم، فقال لهم ما وراءكم؟ قالوا ثاب
القوب وجئنا لنخبر معاوية. فسكت ومضى نحو عذراء، فاستقبله بعض
من جاء منها وأخبره بأنهم قتلوا فقال علي بالقوم وتبعتهم الخيل وسبقوهم
حتى دخلوا على معاوية وأخبروه خبر مالك ومن معه فقال لهم اسكنوا فإنما
هي حرارة يجدها في نفسه وكأنها قد طفئت. ورجع مالك إلى منزله ولم يأت
معاوية. فأرسل اليه معاوية فأبى ان يأتيه، فلما كان الليل بعث اليه بمائة
ألف درهم وقال قل له: انه لم يمنعه أن يشفعك في ابن عمك الا شفقة
عليك، وان حجرا لو بقي خشيت ان يكلفك وقومك الشخوص اليه،
فقبلها ورضي.
ما قاله أصحاب حجر بعد شهادته
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: لما قتل حجر اجتمع شيعته فقال
بعضهم: أسال الله أن يجعل قتله (يعني معاوية) على أيدينا. فقال
بعضهم: مه ان القتل كفارة، ولكننا نسأله تعالى أن يميته على فراشه.
ما جرى بين الحسين عليه السلام وبين معاوية بشأن قتل حجر
في احتجاج الطبرسي عن صالح بن كيسان قال: لما قتل معاوية
حجر بن عدي وأصحابه حج ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليه السلام
فقال: يا أبا عبد الله! هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة
أبيك؟ فقال: وما صنعت بهم؟ قال: قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم،
فضحك الحسين عليه السلام وقال: خصمك القوم يا معاوية، ولكنا لو
قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم ولا قبرناهم - الحديث. ومر في
أقوال العلماء فيه المكاتبة بين الحسين عليه السلام ومعاوية فيما يتعلق بقتل
حجر.
ندم معاوية على قتل حجر حيث لا ينفعه
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير
قال: ما وفد جرير قط الا وفدت معه وما دخل على معاوية الا دخلت معه
وما دخلنا معه عليه الا ذكر قتل حجر بن عدي. قال المرزباني: قيل إن
معاوية عند موته: أي يوم لي من حجر وأصحاب حجر يردد ذلك ويقول:
ان تناقش يكن نقاشك يا ر * ب عذابا لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز فأنت رب رحيم * عن مسئ ذنوبه كالتراب
ثم يقول: يومي من حجر بن عدي يوم طويل ويردد قوله ثم مات.
قال ابن عساكر: قال معاوية ما قتلت أحدا الا وانا اعرف فيم قتلته ما خلا
حجرا فاني لا أعرف باي ذنب قتلته. وفي تاريخ الطبري وابن الأثير: قال
ابن سيرين بلغنا أن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالصوت ويقول:
يومي منك يا حجر يوم طويل. وفي تاريخ الطبري: قال أبو مخنف زعموا
أن معاوية قال عند موته: يوم لي من ابن الأدبر طويل، ثلاث مرات يعني
حجرا. وفي الدرجات الرفيعة: ذكر كثير من أهل الأخبار ان معاوية لما
حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول: ان يومي منك يا حجر بن عدي
لطويل. وفي كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي أبي علي محسن بن
القاسم من نسخة مخطوطة قال: ذكر أبو الحسين المدايني في كتابه كتاب
الفرج بعد الشدة والضيقة عن عبد الله بن عمير قال: كتب معاوية إلى زياد
انه قد ثلج في صدري شئ من أمر حجر بن عدي فابعث إلي رجلا من
أهل المصر له فضل ودين وعلم، فدعا عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقال له:
ان. أمير المؤمنين كتب إلي يأمرني ان أوجه اليه برجل من أهل المصر له دين
وفضل وعلم ليسأله عن حجر بن عدي فكنت عندي ذلك الرجل فإياك ان
تقبح له رأيه في حجر فاقتلك، وأمر له بألفي درهم وكساه حلتين وحمله
على راحلتين. قال عبد الرحمن: فسرت وما في الأرض خطوة أشد علي من
خطوة تدنيني إلى معاوية فقدمت بابه فاستأذنت فدخلت فسألني عن سفري

583
وما خلفت من أهل المصر وعن خبر العامة والخاصة، ثم قال لي انطلق
فضع ثياب سفرك والبس الثياب التي لحضرك وعد، فانصرفت إلى منزل
أنزلته ثم رجعت اليه فذكر حجرا فقال: أما والله لقد تلجلج في صدري
منه شئ ووددت أن لم أكن قتلته، قلت: وأنا والله يا معاوية وددت أنك لم
تقتله، فبكى ثم قلت: والله لوددت انك حبسته، فقال لي: وددت أني
كنت فرقتهم في كور الشام فيكفينيهم الطواعين. قلت وددت ذلك. فقال
لي كم أعطاك زياد؟ قلت: ألفين وكساني حلتين وحملني على راحلتين.
قال: فلك مثل ما أعطاك اخرج إلى بلدك فخرجت وما في الأرض شئ
أشد علي من أمر يدنيني من زياد مخافة منه فقلت آتي اليمن ثم فكرت فقلت
لا أخفى بها فأجمعت على آتي بعض عجائز الحي فأتوارى عندها إلى أن يأتي
الله بالفرج قال: وقدمت الكوفة فامر بجهينة حين طلع الفجر ومؤذنهم
يؤذن فقلت: لو صليت، فنزلت فصرت في المسجد حتى أقام المؤذن ولما
قضينا الصلاة إذا رجل في مؤخر الصف يقول: هل علمتم ما حدث
البارحة؟ قالوا: وما حدث؟ قال: مات الأمير زياد فما سررت بشئ
كسروري بذلك اه‍.
أول ذل دخل الكوفة
أسند الطبري من طريق أبي مخنف عن أبي إسحاق: أدركت الناس
وهم يقولون إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن
عدي ودعوة زياد، وأرسله ابن الأثير في تاريخه مثله.
متى ذل الناس
روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين بسنده عن عمرو بن بشير الهمداني
قلت لأبي إسحاق السبيعي متى ذل الناس؟؟ قال: حين مات الحسن عليه
السلام وادعي زياد وقتل حجر بن عدي.
ما فعلته وقالته أم المؤمنين بشأن حجر
في طبقات ابن سعد الكبير انه بلغ عائشة الخبر - يعني باخذ حجر
وأصحابه فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي إلى معاوية
تسأله ان يخلي سبيلهم. فقدم عبد الرحمن على معاوية برسالة عائشة وقد
قتلوا فقال يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان فقال غيبة مثلك
عني من قومي. قال: والله لا تعد لك العرب حلما قعد هذا أبدا ولا
رأيا: قتلت قوما بعث بهم إليك أسارى من المسلمين قال: فما أصنع كتب
إلي فيهم زياد يشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون علي فتقا لا يرقع، ثم قدم
معاوية المدينة فدخل على عائشة فكان أول ما بدأته به قتل حجر في كلام
طويل جرى بينهما ثم قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا اه‍. وفي
رواية ان عائشة قالت له أين كان حلمك عن حجر بن عدي؟ فقال: يا أم
المؤمنين لم يكن يحضرني رشيد. وفي الاستيعاب روينا عن أبي سعيد
المقبري قال: لما حج معاوية جاء المدينة زائرا فاستأذن على عائشة فاذنت
له، فلما قعد قالت له: يا معاوية! أأمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي
محمد؟ فقال: بيت الأمان دخلت. قالت يا معاوية! أما خشيت الله في
قتل حجر وأصحابه؟ قال انما قتلهم من شهد عليهم. ورواه الطبري مثله
عن أبي سعيد المقبري من طريق أبي مخنف. قال وعن مسروق بن
الأجدع: سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: أما والله لو علم معاوية ان
عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى
يقتلهم بالشام ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس، أما والله ان
كانوا لجمجمة العرب عزا ومنعة وفقها! لله در لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم * ويعاب قائلهم وان لم يشغب
وأسند الطبري في تاريخه من طريق أبي مخنف وذكره ابن الأثير قال: كانت
عائشة تقول: لولا أنا لم نغير شيئا الا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه
لغيرنا قتل حجر؟ أما والله ان كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا - وحجر
كان في حرب الجمل، فهل كانت أم المؤمنين لو ظرفت به فاعلة به دون
فعل معاوية؟ وهل كان ذنبه إليها دون ذنبه إلى معاوية؟ الله أعلم - ثم إن
عبد الرحمن رسول أم المؤمنين غاية ما كان عنده في عتاب معاوية أن
قال له أين عزب عنك حلم أبي سفيان وان العرب لا تعدله حلما بعد هذا
ولا رأيا ولو كان نافذ البصيرة صادق اليقين لقال له: بماذا استحللت دماء
حجر وأصحابه أبانهم لم يبرأوا من علي بن أبي طالب ودينه الذي يدين الله
به وهل هذا يحل لك دماءهم. ولكن ذلك يدل على فساد الزمان وأهله
وإذا فسد الرأس فسد الجسد، ولا أعجب من قوله لأم المؤمنين: (فدعيني
وحجرا حتى نلتقي عند ربنا) أفتراه يظن أن له حجة أو عذرا عنه ربه،
وكان على أم المؤمنين ان لا تأذن له في الدخول ليكون أروع في انكار
المنكر، وهي قادرة على ذلك، وهو لا يستطيع ان ينالها بسوء، وكلامها
معه المتقدم عن الاستيعاب هو إلى المطايبة أقرب منه إلى التوبيخ والمعاتبة.
بكاء ابن عمر على حجر
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن نافع قال: لما كان ليالي بعث
حجر إلى معاوية جعل الناس يتخبرون ويقولون ما فعل حجر، فاتى خبره
ابن عمر وهو محتب في السوق، فاطلق حبوته ووثب وانطلق فجعلت أسمع
نحيبه وهو مول. وفي الإصابة: روى ابن أبي الدنيا والحاكم وعمرو بن
شبة من طريق ابن عون عن نافع قال: لما انطلق بحجر بن عدي كان ابن
عمر يتخبر عنه، فأخبر بقتله وهو بالسوق فاطلق حبوته وولى وهو يبكي.
وفي الاستيعاب وأسد الغابة بالاسناد عن نافع: كان ابن عمر في السوق
فنعي اليه حجر، فاطلق حبوته وقام وقد غلبه النحيب.
قول الحسن البصري في قتل حجر
أسند الطبري عن أبي مخنف عن الصعقب بن الزهير عن الحسن
ورواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار في الموفقيات، وحكاه في الدرجات
الرفيعة عن الزبير بن بكار عن رجاله عن الحسن البصري وقال ابن أبي
الحديد: رواه الناس ممن عني بنقل الآثار والسير عن الحسن البصري.
أقول: وذكره ابن الأثير في تاريخه عن الحسن البصري أنه قال: أربع
خصال كن في معاوية لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه
على هذه الأمة بالسفهاء (بالسيف) حتى ابتزها امرها بغير مشورة منهم
وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكيرا
خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجر بن عدي وأصحابه فيا
ويلا له من حجر وأصحاب حجر، مرتين اه‍. ورواه المرزباني نحوه مع
بعض التفاوت، قال المرزباني: قال الحسن البصري أربع خصال كن في
معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة كانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة

584
بالسفهاء وفيها بقايا الصحابة وذوو الفضل، وادعاؤه زيادا وقد قال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر، واستخلافه يزيد من بعده سكيرا خميرا
يزوج بين الدب والذئب والكلب والضبع ينظر ما يخرج بينهما، وقتله
حجر بن عدي وأصحابه فيا ويله ثم يا ويله. وأسند في الاستيعاب ان
الحسن البصري قال وقد ذكر معاوية: وقتله حجرا وأصحابه ويل لمن قتل
حجرا وأصحاب حجر. وفي أسد الغابة: كان الحسن البصري يعظم قتل
حجر وأصحابه. وقال الطبري وابن الأثير: حجر وأصحابه سبعة قتلوا
وكفنوا وصلي عليهم، قال: فزعموا أن الحسن لما بلغه قتل حجر وأصحابه
قال صلوا عليهم وكفنوهم ودفنوهم واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا نعم.
قال: حجوهم ورب الكعبة.
دعاء الربيع عامل معاوية على نفسه بالموت لما بلغه قتل حجر
في الاستيعاب: لما بلغ الربيع بن زياد الحارثي من بني الحارث بن
كعب وكان فاضلا جليلا وكان الحسن بن أبي الحسن كاتبه فلما بلغه قتل
معاوية حجر بن عدي دعا الله عز وجل فقال: اللهم ان كان للربيع عندك
خير فاقبضه إليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات اه‍. ونحوه
في أسد الغابة، وفي الدرجات الرفيعة: روى الشيخ في الأمالي قال: أخبرنا
محمد بن محمد أخبرني أبو الحسن علي بن مالك النحوي حدثنا الحسين بن
عطاء الصواف حدثنا محمد بن سعيد البصري (1) قال: كنت غازيا زمن
معاوية بخراسان وكان علينا رجل من التابعين فصلى بنا يوما الظهر ثم صعد
المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس انه قد حدث في الاسلام
حدث عظيم لم يكن منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مثله بلغني ان معاوية قتل حجرا
وأصحابه فان يك عند المسلمين غير فسبيل ذلك وان لم يكن عندهم غير
فاسال الله ان يقبضني اليه وان يعجل ذلك، قال الحسن بن أبي الحسن:
فلا والله ما صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه الصياح اه‍. والظاهر أنه
هو الربيع بن زياد الحارثي المتقدم.
وكان حجر بن عدي فيما رواه أبو مخنف من جملة الذين كتبوا إلى
عثمان من رجال أهل الكوفة ونساكهم وذوي بأسهم ينقمون عليه أمور
وينصحونه وينهونه عنها وكانوا اثني عشر رجلا فيهم عمرو بن الحمق
الخزاعي، وسليمان بن صرد الخزاعي، ويزيد بن قيس الهمداني الأرحبي،
ومالك بن حبيب اليربوعي، وزياد بن النضر الحارثي، وزياد بن خصفة
التميمي، وعبد الله بن الطفيل العامري، ومعقل بن قيس اليربوعي،
وذلك في امارة سعيد بن العاص على الكوفة، وأرسلوا الكتاب مع أبي
ربيعة العنزي، وسنذكر الكتاب في ترجمة كعب بن عبدة ذي الحبكة
النهدي.
ما روي من طريق حجر
في الإصابة: روى ابن قانع في ترجمته أي ترجمة حجر بن عدي
الكندي من طريق شعيب بن حرب عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن
حجر بن عدي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ان قوما
يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها اه‍. وفي الطبقات بسنده عن غلام
لحجر بن عدي الكندي قال: قلت لحجر اني رأيت ابنك دخل الخلاء ولم
يتوضأ، قال: ناولني الصحيفة من الكوفة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما سمعت علي بن أبي طالب يذكر ان الطهور نصف الايمان اه‍.
وروى ابن عساكر في تاريخه عن حجر أنه قال: سمعت علي بن أبي طالب
يقول: الوضوء نصف الايمان. ورواه العسكري بلفظ الطهور نصف
الايمان، وقال أبو عبيد شطر الايمان. وروى ابن عساكر في تاريخه أيضا
باسناده إلى حجر بن عدي أنه قال سمعت شراحيل بن مرة يقول سمعت
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي أبشر يا علي حياتك وموتك معي. وأسند الحاكم
في المستدرك عن مخشي بن حجر بن عدي عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبهم
فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا يوم حرام. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا بلد
حرام. قال: فأي شهر هذا؟ قالوا شهر حرام. قال: فان دماءكم
وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا
كحرمة بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض.
ما رثي به حجر
قال المرزباني: قالت امرأة من كندة ترثيه وفي طبقات ابن سعد
وتاريخ الطبري: قالت هند بنت زيد بن مخربة (مخرمة) الأنصارية وكانت
شيعية حين سير بحجر إلى معاوية ونحوه في تاريخ دمشق:
ترفع آيها القمر المنير ترفع (2) * المؤلف هل ترى حجرا يسير (3)
يسير إلى معاوية بن حرب (4) * ليقتله كما زعم الخبير (5)
ألا يا ليت حجرا مات موتا * ولم ينحر كما نحر البعير (6)
تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير (7)
وأصبحت البلاد له محولا * كان لم يحيها يوما مطير (8)
ألا يا حجر حجر بني عدي * تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديا * وشيخنا في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حتما * له من شر أمته وزير (9)
فان تهلك فكل عميد (10) قوم * إلى هلك من الدنيا يصير (11)
قال ابن عساكر: وتروى هذه الأبيات لأخت حجر بن عدي رواه
عبد الله بن الإمام أحمد، ولما رواه أبو بكر بن عياش قال: قاتلها الله ما
أشعرها. وفي مروج الذهب: لما صار حجر على أميال من الكوفة يراد به
دمشق، أنشأت ابنته تقول: - ولا عقب له من غيرها:
ترفع أيها القمر المنير * لعلك أن ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله كذا زعم الأمير
ويصلبه على بابي دمشق * وتأكل من محاسنه النسور
تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير



(1) هكذا في نسخة الأماني المطبوعة. وفي الدرجات الرفيعة: روى الشيخ الطوسي في أماليه
باسناده عن عطاء بن مسلم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: كنت غازيا الخ. ومن
ذلك يظهر ان في نسخة الأمالي المطبوعة نقصا.
(2) تبصر
(3) لعلك ان ترى حجرا يسير (مرزباني)
(4) صخر (مرزباني والطبري
(5) الأمير (م ط)
(6) هذا البيت ذكره المرزباني والطبري
(7) هذا آخر ما ذكره المرزباني
(8) مزن مطير (طبري).
(9) هذا البيت ذكره الطبري وحده
(10) زعيم (ط).
(11) من الدنيا إلى هلك (ط). - المؤلف -
585
ألا يا حجر حجر بني عدي * تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عليا (عديا) * وشيخا في دمشق له زئير
ألا يا ليت حجرا مات موتا * ولم ينحر كما نحر البعير
فان تهلك فكل عميد قوم * إلى هلك من الدنيا يصير
وقال ابن عساكر: وقال قيس بن فهدان يرثيه - وهي في النسخة
مغلوطة وأصلحناها بقدر الإمكان:
يا حجر يا ذا الخير والحجر * يا ذا الفضال (الفعال) ونابه الذكر
كنت المدافع عن ظلامتنا * عند الظلوم ومانع الثغر
اما قتلت فأنت خيرهم * في العسر ذي العصا وفي اليسر
يا عين بكي خير ذي يمن * وزعيمها في العرف والنكر
فلأبكين عليك مكتئبا * فلنعم ذو القربى وذو الصهر
يا حجر أمن المتعفين إذا * رم الشتاء وقل من يقري
من لليتامى والأرامل ان * حقن الربيع وضن بالوفر
أم من لنا بالحرب ان بعثت * مستبسلا يفري كما تفري
فسعدت ملتمس التقى وسقى * قبرا أجنك مسبل القطر
كانت حياتك إذا حييت لنا * عزا وموتك قاصم الظهر
وتريشنا في كل نازلة * نزلت بساحتنا ولا تبري
يا طول مكتابي لقتلهم * حجرا وطول حزازة الصدر
قد كدت أصعق جازعا أسفا * وأموت من جزع على حجر
فلقد خذلت وقد قتلت ومن * لم تشعبنه حوادث الدهر
فلذاك قلبي مسعر كمدا * ولذاك دمعي ليس بالنزر
ولذاك نسوتنا حواسر * يستبكين بالاشراق والظهر
ولذاك رهطي كلهم أسف * جم التأوه دمعه يذري
قال الطبري: وقالت الكندية ترثي حجرا، ويقال: بل قائلها
الأنصارية المقدم ذكرها:
دموع عيني ديمة تقطر * تبكي على حجر وما تفتر
لو كانت القوس على أسره * ما حمل السيف له الأعور
وقال عبد الله بن خليفة الطائي يرثي حجرا وأصحابه من قصيدة
ذكرها الطبري وابن الأثير وأورد ابن عساكر منها أبياتا، وعبد الله هذا كان
من أصحاب حجر وهرب إلى جبلي طئ:
تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا * وذكر الصبا برح على من تذكرا
وولى الشباب فافتقدت غضونه * فيا لك من وجد به حين أدبرا
فدع عنك تذكار الشباب وفقده * وأسبابه إذ بان عنك فاقصرا (فاجمرا)
وبك على الخلان لما تخرموا * ولم يجدوا عن منهل الموت مصدرا
دعتهم مناياهم ومن حان يومه * من الناس فاعلم أنه لن يؤخرا
أولئك كانوا شيعة لي وموئلا * إذا اليوم ألفي ذا احتدام مذكرا
وما كنت أهوى بعدهم متعللا * بشئ من الدنيا ولا ان أعمرا
أقول ولا انسى ادكارهم (فعالهم) * سجيس الليالي أو أموت فأقبرا
على أهل عذراء السلام مضاعفا * من الله ولتسق الغمام الكنهورا (1)
ولاقى بها حجرا من الله رحمة * فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا
ولا زال تهطال ملث وديمة * على قبر حجر أو ينادي فيحشرا
فيا حجر من للخيل تدمى نحورها * وللملك المعزي (2) إذا ما تغشمرا
ومن صادع بالحق بعدك ناطق * بتقوى ومن أن قيل بالجور غيرا
فنعم أخو الاسلام كنت وانني * لأطمع ان تؤتى الخلود وتخبرا
وقد كنت تعطي السيف في الحرب حقه * وتعرف معروفا وتنكر منكرا
فيا أخوينا من هميم عصمتما * ويسرتما للصالحات فأبشرا
ويا أخوي الخندفيين أبشرا * بما معنا (3) حييتما ان تبشرا
ويا أخوتا من حضرموت غالب * وشيبان لقيتم حسابا ميسرا
سعدتم فلم اسمع بأصوب منكم * حجاجا لدى الموت الجليل وأصبرا
سأبكيكم ما لاح نجم وغرد * الحمام ببطن الواديين وقرقرا
قال الطبري: وقال عبيدة الكندي ثم البدي وهو يعير محمد بن
الأشعث بخذلانه حجرا:
أسلمت عمك لم تقاتل دونه * فرقا ولولا أنت كان منيعا
وقتلت وافد آل بيت محمد * وسلبت أسيافا له ودروعا
لو كنت من أسد عرفت كرامتي * ورأيت لي بيت الحباب شفيعا
(أقول) المراد بوافد آل بيت محمد: مسلم بن عقيل بن أبي طالب.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب حجر المشترك بين ابن عدي
وابن زائدة الثقة، ويمكن استعلام أنه الأول بروايته عن علي عليه السلام
لأنه من أصحابه اه‍. وزاد أبو علي: وعن الحسن والحسين، ويمكن
استعلام انه ابن زائدة برواية ابن مسكان عنه، وروايته هو عن أبي جعفر
عليه السلام، وزاد الكاظمي: ورواية جعفر بن بشير عنه وروايته عن أبي
عبد الله عليه السلام، ومر عن الشيخ رواية محمد بن الحسين عنه، وعن
جامع الرواة رواية أبان بن عثمان عنه.
حجر بن عدي الكوفي الكندي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وهو غير
حجر بن عدي الكندي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام قطعا لان ذاك
قتله معاوية، وربما حمل ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام على
السهو، ففي منهج المقال قتله في زمن معاوية ينافي عده من رجال الصادق
عليه السلام، وكونه غيره لا يخلو من بعد، وفي النقد يظهر من الكشي ان
حجر بن عدي قتل في زمان معاوية، فذكره في أصحاب الصادق عليه
السلام محمول على التعدد أو السهو اه‍. وقوله يظهر من الكشي الخ.
يدل على قصور في معرفة التاريخ فواقعة قتله في زمن معاوية من مشهورات
وقائع التاريخ كحرب صفين وواقعة كربلاء وأمثالهما، فلا ينبغي الاقتصار
على استظهار ذلك من الكشي، ويؤيد السهو أنه لم يذكر أحد له حديثا
عن الصادق عليه السلام خصوصا من استقصى الأخبار في هذا الشأن
كالحاج محمد الأردبيلي في جامع الرواة.



(1) يسبقها السحاب الكنهورا.
(2) أو الملك العادي.
(3) فقد كنتما. - المؤلف -
586
حجر بن العنبس أو ابن قيس أبو العنبس ويقال أبو السكن الحضرمي
الكوفي.
كنيته
في الاستيعاب: كنيته أبو العنبس، وقيل يكنى أبا السكن كني أبا
العنبس في حديث وائل بن حجر عن النبي عليه السلام في التأمين
وغير شعبة يقول حجر أبو السكن، وذكر في أسد الغابة وتهذيب التهذيب
يكنى أبا السكن ويقال أبو العنبس وفي تهذيب التهذيب ذكر الترمذي عن
البخاري أن شعبة أخطأ فيه فقال حجر أبو العنبس وانما هو أبو السكن.
أقوال العلماء فيه
في الاستيعاب: حجر بن عنبس الكوفي أدرك الجاهلية وشرب فيها
الدم ولم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه آمن به في حياته وهو معدود في كبار التابعين،
ذكره البخاري قال: حدثنا أبو نعيم عن موسى بن قيس الحضرمي قال:
سمعت حجرا اه‍. وفي أسد الغابة: حجر بن العنبس وقيل ابن قيس
الكوفي شهد مع علي الجمل وصفين وروى عنه موسى بن قيس الحضرمي
قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى النبي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لك يا
علي؟ ورواه عبد الله بن داود الحربي عن موسى بن قيس فقال
حجر بن قيس اه‍. وفي الإصابة: حجر بن العنبس ويقال
له ابن قيس الحضرمي الكوفي ذكره الطبراني في الصحابة وابن
حبان في ثقات التابعين. وقال ابن معين: شيخ كوفي ثقة مشهور
وأخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود والترمذي وروى الطبراني من
طريق موسى بن قيس عنه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم هل لك يا علي. قلت واتفقوا على أن حجر بن العنبس لم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فكأنه سمع هذا من بعض الصحابة اه‍. وفي تهذيب التهذيب:
حجر بن العنبس الكوفي، قال ابن معين شيخ كوفي ثقة مشهور، وقال أبو
حاتم شهد مع علي الجمل وصفين وصحح الدارقطني حديثه، وذكره ابن
حبان في الثقات في التابعين، ثم قال في أتباع التابعين: حجر بن عنبس
أبو العنبس من أهل الكوفة. وفي تاريخ بغداد: حجر بن عنبس أدرك
الجاهلية غير أنه لم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن سكن الكوفة وصحب عليا وسار
معه إلى النهروان لقتال الخوارج وورد المدائن في صحبته، وكان ثقة احتج
بحديثه غير واحد من الأئمة، ثم أسند عن المغيرة بن أبي الحر الكندي عن
حجر بن عنبس الحضرمي قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب إلى النهروان
حتى إذا كنا ببابل حضرت صلاة العصر فقلنا الصلاة فسكت، فلما خرج
منها صلى وقال: ما كنت لأصلي بأرض خسف بها ثلاث مرات (اه‍).
مشايخه
في الاستيعاب وتاريخ بغداد: روايته أو روى عن علي بن أبي طالب
و وائل بن حجر. وفي الإصابة: له رواية عن علي وغيره اه‍. وقال ابن
حبان: روى عن علقمة بن وائل.
تلاميذه
في تهذيب التهذيب وغيره عنه سلمة بن كهيل و علقمة بن مرثد
وموسى بن قيس الحضرمي والمغيرة بن أبي الحر.
حجر بن قحطان الوداعي الهمداني.
كان شاعرا وكان مع علي عليه السلام بصفين ولما ردت خيل همدان
مع سعيد بن قيس الهمداني خيل معاوية وهرب معاوية ففاتها ركضا، قال
حجر يخاطب سعيد بن قيس، رواه نصر في كتاب صفين:
ألا يا ابن قيس قرت العين إذ رأت * فوارس همدان بن زيد بن مالك
على عارفات للقاء عوابس * طوال الهوادي مشرفات الحوارك
موقرة بالطعن (1) في ثغراتها * يزلن ويلحقن القنا بالسنابك (2)
عباها علي لابن هند وخيله * فلو لم يفتها كان أول هالك
وكانت له في يومه عند ظنه * وفي كل يوم كاسف الشمس حالك
وكانت بحمد الله في كل كربة * حصونا وعزا للرجال الصعالك
فقل لأمير المؤمنين أن ادعنا * متى (إذا) شئت انا عرضة للمهالك
ونحن حطمنا السمر في حي حمير * وكندة والحي الخفاف السكاسك
وعك ولخم شائلين سياطهم * حذار العوالي كالإماء العوارك
حجر بن قيس الهمداني المدري اليمني ويقال الحجوري.
(المدري) نسبة إلى مدر كجبل بلدة باليمن، وفي معجم البلدان
على عشرين ميلا من صنعاء (والحجوري) عن لب اللباب: بفتح الحاء
المهملة وضم الجيم وراء نسبة إلى حجور بطن من همدان.
كان من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي عليه السلام. روى
الحاكم في المستدرك في تفسير سورة النحل بسنده عن عبد الله بن طاوس
عن أبيه قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب، قال طاوس: رأيت حجر المدري وقد أقامه
أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ليلعن عليا أو يقتل، فقال
حجر: أما ان الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه
الله، فقال طاوس: فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما
قال اه‍. وفي تهذيب التهذيب: حجر بن قيس الهمداني المدري اليمني
ويقال الحجوري، روى عن زيد بن ثابت وعلي وابن عباس، وعنه:
طاوس وشداد بن جابان أخرجوا له حديثا واحدا في العمري. قلت: قال
العجلي: تابعي ثقة كان من خيار التابعين، وذكره ابن حبان في الثقات ا
ه‍. وذكره ابن سعد في الطبقات في الطبقة الأولى ممن كان باليمن بعد
الصحابة من المحدثين فقال: حجر المدري من همدان روى عن زيد بن
ثابت وروى عنه طاوس اه‍. وقال الحاكم في المستدرك: حدثنا الأستاذ
الإمام أبو الوليد حدثنا أبو عبد الله البوشنجي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا
عبد الرزاق أنبأنا معمر بن شداد بن جابان الصنعاني عن حجر بن قيس
المدري قال: بت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فسمعته وهو يصلي
من الليل يقرأ فمر بهذه الآية: (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن
الخالقون) قال بل أنت يا رب ثلاثا ثم قرأ (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم
تزرعونه أم نحن الزارعون) قال: بل أنت يا رب بل أنت يا رب بل أنت
يا رب ثم قرأ (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن
المنزلون) قال: بل أنت يا رب ثلاثا ثم قرأ: (أفرأيتم النار التي تورون
أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون) قال بل أنت يا رب ثلاثا.



(1) معودة للطعن.
(2) يجلن فيحطمن الحصى بالسنابك.
587
حجر بن جندب بن حجير الكندي الخولاني.
عن كتاب الحدائق الوردية في أئمة الزيدية أنه قتل مع الحسين عليه
السلام هو وأبوه جندب، ولم نجد من ذكره غيره والله أعلم.
حجة الاسلام الاصفهاني الرشتي
اسمه السيد محمد باقر بن تقي الموسوي الرشتي.
حديد بن حكيم أبو علي الأزدي المدائني.
قال النجاشي: ثقة وجه متكلم روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن
عليهما السلام، له كتاب يرويه محمد بن خالد البرقي، أخبرني عدة من
أصحابنا عن الحسن بن حمزة العلوي حدثنا ابن بطة عن أحمد بن محمد بن
خالد حدثنا أبي عن حديد بن حكيم بكتابه، وقال الشيخ في الفهرست:
حديد والد علي بن حديد له كتاب أخبرنا عدة من أصحابنا عن أبي المفضل
عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن حديد وذكره الشيخ في
رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال حديد بن حكيم الأزدي
المدائني أسند عنه اه‍. وقال النجاشي في ترجمة أخيه مرازم بن حكيم:
وأخواه محمد بن حكيم وحديد بن حكيم وهو أحد من بلي باستدعاء الرشيد
له واخوه أحضرهما الرشيد مع عبد الحميد بن غواص فقتله وسلما، ولهم
حديث ليس هذا موضعه اه‍. وفي لسان الميزان حديد بن حكيم الأزدي
عن أبي جعفر الباقر وجعفر الصادق وهو أخو مرازم ذكرهما الدارقطني في
المؤتلف والمختلف وقال: من شيوخ الشيعة وذكره الطوسي في رجال
الشيعة وقال: يكنى أبا علي، وقال ابن النجاشي كان ثقة. وقال علي
بن الحكم: كان عظيم القدر وافر العقل مشهورا بالفضل، روى عنه ابنه علي
وغيره اه‍. ولا رواية له عن الباقر وانما روى عن الصادق والكاظم عليهم
السلام وعلي بن الحكم الذي نقل عنه من رجال الشيعة، له كتاب في
الرجال كان عند ابن حجر.
التمييز
يعرف بروايته عن الصادق والكاظم عليهما السلام وبرواية محمد بن
خالد البرقي عنه وعن جامع الرواة انه نقل رواية حماد بن حريز ومرازم
أخيه والحسن بن محبوب وموسى بن بكير وأبان بن عثمان الأحمر ومحمد بن
سنان عنه اه‍.
الحذاء
هو أبو عبيدة زياد بن عيسى.
حذيفة بن الأحدب
في لسان الميزان: ذكره أبو عمرو والكشي في رجال الشيعة اه‍.
وليس في رجال الكشي له ذكر ولا بد في أن يكون وقع اشتباه أو تحريف في
اسمه والله أعلم، ولعله صحف بحذيفة بن أسيد الآتي.
حذيفة بن أسيد بن خالد بن الاغوز بن واقعة بن غفار بن مليل أبو سريحة
الغفاري.
توفي سنة 42 بالكوفة.
هكذا نسبه أسد الغابة ومثله في الإصابة الا انه ترك مليل، ومثله في
الاستيعاب في باب الكنى عن خليفة الا أنه قال الأغوس بن الوقيعة بدل
الأغوز بن واقعة. وحكى في الاستيعاب عن ابن الكلبي حذيفة بن
أسيد بن الأغوز بن واقعة بن غفار. وفي المستدرك للحاكم عن مصعب
الزبيري انه حذيفة بن أسيد بن الأغوس بن واقعة بن حرام بن غفار وقيل
ابن أسيد بن خالد بن الأغوز، وفي الإصابة وتاريخ دمشق وتهذيب
التهذيب: ويقال ابن أمية بن أسيد، ويأتي قول الشيخ وهو ابن أمية،
وقول ابن إدريس آمنة بدل أمية وكأنه إشارة إلى هذا.
(أسيد) بفتح الهمزة قاله ابن حجر في التقريب والإصابة. وفي
تاريخ دمشق: أسيد بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية،
(والأغوز) بالغين المعجمة والزاي كما مر عن ابن الكلبي، وفي أسد الغابة
أغوز قاله الأمير أبو نصر وقيل أغوس بالسين (والأغرس) بالغين المعجمة
والواو والسين كما مر عن مصعب الزبيري، (وواقعة) وقيل وقيعة كما مر
(وغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء (وسريحة) بمهملتين مفتوح
الأول عن التقريب، وفي الإصابة بمهملتين وزن عجيبة، وفي طبقات ابن
سعد المطبوعة وضعت ضمة فوق السين واختلفت النسخ فيها وفي أكثرها
سريحة بالسين والحاء المهملتين، وعن رجال الشيخ أبو سرعة، وفي رجال
ابن داود أبو شريحة ووضعت ضمة فوق الشين المعجمة وفتحة من فوق
الراء كما في نسخة عندي مصححة والظاهر أن كل ذلك تصحيف
أقوال العلماء فيه
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن أسيد
الغفاري أبو سرعة صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ابن أمية (ونقل ابن إدريس
آمنة بدل أمية)، وقال في أصحاب الحسن عليه السلام حذيفة بن أسيد
الغفاري. وروى الكشي بالسند المتقدم في حجر بن زائدة ثم ينادي المنادي
أين حواري الحسن بن علي ابن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله
فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري. وفي ترجمة أبي
ذر من رجال الكشي بالاسناد عن حذيفة بن أسيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: انما مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل سفينة نوح في لجة البحر من
ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ألا هل بلغت. وفي منهج المقال في بعض
طرق الكشي في ترجمة أبي ذر: حذيفة بن أسيد، وفي المتن ايماء إلى حسن
اعتقاده أيضا اه‍. والامر كما قال: وعن ابن حجر: صحابي من
أصحاب الشجرة مات سنة 42. وفي طبقات ابن سعد الكبير حذيفة بن
أسيد الغفاري ويكنى أبا سريحة وأول مشهد شهده مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديبية،
ونزل الكوفة بعد ذلك اه‍. وقال الحاكم في المستدرك: ذكر حذيفة بن
أسيد الغفاري ثم روى بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال:
حذيفة بن أسيد يكنى أبا سريحة تحول من المدينة إلى الكوفة ومات بها. وفي
الاستيعاب: حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري كان ممن بايع تحت
الشجرة، وزاد في الكنى بيعة الرضوان ونزل الكوفة وتوفي بها وصلى عليه
بها زيد بن أرقم وكبر عليه أربعا وهو بكنيته أشهر، وقال في الكنى، وفي
الإصابة مشهور بكنيته شهد الحديبية وذكر فيمن بايع تحت الشجرة ثم نزل
له الكوفة وروى أحاديث أخرج له مسلم وأصحاب السنن اه‍. وفي
تاريخ دمشق: حذيفة بن أسيد أبو شريحة (1) الغفاري (2) صاحب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه أحاديث كثيرة وكان ممن بايع تحت الشجرة وهو أول من



(1) هكذا في النسخة المطبوعة شريحة بالشين المعجمة ومر بالمهملة
(2) في النسخة المطبوعة العبادي وهو تصحيف.
588
شهد تلك البيعة روى عنه أبو الطفيل عامر بن واثلة وعامر الشعبي
ومعبد بن خالد الجدلي وكان ممن شهد فتح دمشق مع خالد بن الوليد وأغار
على عذرا واستوطن الكوفة بعد ذلك، وكان أول من وقف من المسلمين
على باب عذرا بالشام في الفتوح، وكان يكنى أبا شريحة وكانت أول
مشاهده مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديبية، وروى المدائني أن حذيفة روى عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أربعة أحاديث، وقال الإمام مسلم له صحبة اه‍. وفي تاريخ ابن
الأثير ان عمر لما فتحت المدائن ولى الخراج النعمان وسويدا ابني مقرن
سويدا على ما سقى الفرات والنعمان على ما سقت دجلة ثم استعفيا فولى
عملهما حذيفة بن أسيد وجابر بن عمر والمزني ثم ولى عملهما بعد حذيفة
النعمان وعثمان بن حنيف. وفي تهذيب التهذيب حذيفة بن أسيد ويقال
ابن أمية بن أسيد أبو سريحة الغفاري شهد الحديبية وقيل إنه بايع تحت
الشجرة وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبي بكر وعلي وأبي ذر عنه أبو الطفيل
والشعبي ومعبد بن خالد وهلال بن أبي حصين وغيرهم وعن أبي سلمان
المؤذن توفي أبو سريحة فصلى عليه زيد بن أرقم وقال ابن حبان سنة 42
(اه‍).
الذين روى عنهم حذيفة بن أسيد
في الإصابة: له عن أبي بكر وأبي علي ذر وعلي.
من روى عن حذيفة بن أسيد
في الاستيعاب في الكنى: روى عنه أبو الطفيل والشعبي، وفي
الإصابة عنه أبو الطفيل، ومن التابعين الشعبي، وفي أسد الغابة في الكنى
روى عنه الأسود بن يزيد قصة مع سبيعة الأسلمية. ومر رواية معبد بن
خالد وهلال بن أبي حصين عنه. ما روي من طريقه
في أسد الغابة في الكنى: أخبرنا إبراهيم وإسماعيل وغيرهما
باسنادهم عن أبي عيسى حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد جعفر أخبرنا
شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو
زيد بن أرقم شك شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه،
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد
الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تجئ الريح التي يقبض الله فيها نفس
كل مؤمن ثم طلوع الشمس من مغربها وهي الآية ذكرها الله عز وجل في
كتابه - الحديث. وروى الحاكم في المستدرك أيضا بسنده عن الشعبي عن
حذيفة بن أسيد قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما
فيقول:. اللهم هذا عن محمد وآل محمد ويقرب الآخر فيقول: اللهم هذا
عن أمتي من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ اه‍.
حذيفة بن شعيب السبيعي الهمداني
في الخلاصة: كوفي يعرف حديثه وينكر وأكثر تخليطه فيما يرويه عن
جابر وأمره مظلم اه‍. وفي رجال ابن داود: حذيفة بن شعيب السبيعي
الهمداني رمي بالتخليط وخاصة فيما رواه عن جابر وأمره مظلم اه‍. وفي
النقد جابر وأمره مظلم اه‍. وفي النقد اما في غيرهما أي الخلاصة ورجال
ابن داود حميد بن شعيب، كما يجئ اه‍. وقال في حميد بن شعيب لم أجد
في كتب الرجال حتى في ايضاح الاشتباه الا حميدا كما نقلناه وكأنه اشتبه على
العلامة، وأخذ ابن داود عنه حيث لم يسم المأخذ كما هو دأبه في الباب
الأول بعنوان حميد اه‍. (أقول) عبارة الخلاصة المتقدمة يعرف حديثه
وينكر إلى قوله مظلم هي عبارة ابن الغضائري في حميد بن شعيب - كما يأتي
فيه - وحينئذ فلا ينبغي الارتياب في أن نسخة العلامة من كتاب ابن
الغضائري كان فيها حذيفة بدل حميد، فلذلك ذكره العلامة في حذيفة،
ويدل عليه أنه لم يذكر حميد بن شعيب في الخلاصة أصلا لا في القسم الأول
ولا في القسم الثاني، وانه لا يوجد حذيفة بن شعيب الا في كلام العلامة
وابن داود الذي اخذ عنه، أما ابن داود فذكر حذيفة بن شعيب في
القسم الثاني، كما مر، وذكر حميد بن شعيب في القسم الأول، كما يأتي،
فدل على أنه تبع في حذيفة بن شعيب العلامة في الخلاصة، وتبع في
حميد بن شعيب الشيخ والنجاشي وان أبدل النجاشي بالكشي على عادته في
أغلاط كتابه، وتلخص أن حذيفة بن شعيب لا وجود له. وميزه الطريحي
والكاظمي بروايته عن جابر، ولكن ذلك فرع وجوده.
حذيفة بن حسيل العبسي
يأتي بعنوان حذيفة بن اليمان
حذيفة بن عامر الربعي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، وفي لسان
الميزان: حذيفة بن عامر الربعي ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حذيفة بن محدوج بن بشر بن خوط الذهلي الشيباني وباقي النسب يأتي في
حسان بن خوط.
قتل مع علي عليه السلام يوم الجمل سنة 36.
في الإصابة في ترجمة حسان بن خوط: كان لواء علي يوم الجمل مع
حسين بن محدوج بن بشر بن خوط فقتل فاخذه أخوه حذيفة فقتل.
حذيفة بن منصور بن كثير بن سلمة بن عبد الرحمن الخزاعي مولاهم
الكوفي أبو محمد بياع السابري.
ذكره الشيخ في رجاله أصحاب الصادق عليه السلام فقال:
حذيفة بن منصور الخزاعي مولاهم كوفي وذكره في أصحاب الباقر عليه
السلام فقال حذيفة بن منصور بن كثير أبو محمد الخزاعي مولاهم كوفي بياع
السابري. وقال الشيخ في الفهرست: حذيفة بن منصور له كتاب رويناه
عن عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن حميد عن القاسم بن إسماعيل
عنه، وأخبرنا به عدة من أصحابنا عن التلعكبري عن أحمد بن سعيد عن
أحمد بن عمر بن أبي كيسبة عن الطاطري عن محمد بن أبي حمزة عن
حذيفة بن منصور. وقال النجاشي: حذيفة بن منصور بن كثير بن
سلمة بن عبد الرحمن الخزاعي أبو محمد ثقة روى عن أبي جعفر وأبي
عبد الله وأبي الحسن عليهم السلام وابناه الحسن ومحمد رويا الحديث له
كتاب يرويه عدة من أصحابنا أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان
حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد الشريف الصالح حدثنا عبيد الله بن
أحمد بن نهيك حدثنا ابن أبي عمير عن حذيفة وقال الكشي: (ما في حريز
وفضل بن عبد الملك البقباق وحذيفة بن منصور) حمدويه ومحمد قالا:
حدثنا محمد بن عيسى عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سالت

589
أبا العباس فضل البقباق لحريز الاذن على أبي عبد الله عليه السلام، فلم
يأذن له فعادوه فلم يأذن له. فقال أي شئ للرجل أن يبلغ في عقوبة
غلامه، قال: على قدر ذنوبه. فقال: قد عاقبت والله حريزا بأعظم مما
صنع. قال: ويحك اني فعلت ذلك أن حريزا جرد السيف ثم قال: أما لو
كان حذيفة بن منصور ما عاودني فيه بعد ان قلت لا. وقال العلامة في
الخلاصة: حذيفة بن منصور روى الكشي حديثا في مدحه أحد رواته
محمد بن عيسى وفيه قول ووثقه شيخنا المفيد ومدحه، وقال ابن
الغضائري: حذيفة بن منصور بن كثير بن مسلم الخزاعي أبو محمد روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (ع) حديثه غير تقي يروي الصحيح
والسقيم وأمره ملتبس ويخرج شاهدا والظاهر عندي التوقف فيه لما قاله هذا
الشيخ ولما نقل عنه انه كان واليا من قبل بني أمية ويبعد انفكاكه عن القبيح
وقال النجاشي انه ثقة اه‍. وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة كما
حكي عنه: هذا الحديث رواه محمد بن عيسى عن يونس وهو ضعف آخر
لان بعض من عمل بروايته استثنى منها ما يرويه عن يونس، كما سيأتي ا
ه‍. وفي منهج المقال: ان رواية الكشي السابقة ليس فيها ذكر ليونس
أصلا ولم أجد غيرها، ثم إن الرواية ليست صريحة في المدح وان أفادته
بالنسبة، وما قيل إنه لا يبعد استفادة التوثيق منها لا يخفى بعده، وفي
التعليقة انها وان لم تكن صريحة في المدح الا انها ظاهرة لا انها تفيده
بالنسبة. (أقول): الرواية التي فيها محمد بن عيسى عن يونس هي رواية
أخرى تأتي في ترجمة حريز وليس لها تعلق بحذيفة بن منصور وكأن الاشتباه
حصل منها، وفي التعليقة أيضا: الظاهر عدم التأمل في جلالة شأنه (أي
محمد بن عيسى) والوثوق بقوله كما سنشير اليه في ترجمته - والأمر كما قال -
قال: والشهيد الثاني نفسه قوى قبول روايته في ترجمته وقبل روايته، وكلام
ابن الغضائري ليس ظاهرا في قدحه بل ظاهر في عدمه مع أن الظاهر
ارتفاع الوثوق بتضعيفاته وبعد الانفكاك عن القبيح لا يقاوم التوثيق
الصريح كيف وكثير من الثقات ولاة وعمال للظلمة مضافا إلى ما في حذيفة
من أمارات الجلالة والاعتماد التي مرت في الفوائد، وقال جدي (المجلسي
الأول:) الظاهر أن حديثه المنكر حديث أن شهر رمضان لا ينقص عن
ثلاثين يوما ولم نر له حديثا منكرا غير والذي يخطر بالبال أن ميل العلامة إلى
ضعفه لهذا الخبر، والا فهو يرجح أبدا قول النجاشي على قول ابن
الغضائري كيف وقد اجتمع معه قول المفيد، مع أن كلام ابن الغضائري
لا يدل على ضعفه مطلقا بل فيما كان منكرا والولاية ليست بمنكر كما وقع
من علي بن يقطين وغيره، ويمكن على تقدير صحتها أن تكون باذن المعصوم
اه‍. والمفيد في رسالته في الرد على الصدوق عند ذكر الرواية عنه في عدم
نقصان شهر رمضان لم يطعن عليها من جهته بل من جهة محمد بن سنان
حسب، والشيخ في التهذيب عند ذكر هذا الحديث قال: وهذا الخبر لا
يصح العمل به من وجوه (أحدهما) ان متن الخبر لا يوجد في شئ من
الأصول المصنفة وانما هو موجود في الشواذ من الأخبار (ومنها) أن كتاب
حذيفة عري منه والكتاب معروف مشهور، ولو كان هذا الحديث صحيحا
لضمنه كتابه اه‍. وفي كلامه فوائد كثيرة منها كون حذيفة جليلا
صحيح الحديث موثوقا به (ومنها) أن الأخبار التي نقلها المشايخ عنه على سبيل
الاعتماد والإفتاء بها انما هي من كتابه المعروف المشهور (ومنها) أن الشاذ من الأخبار
ليس بصحيح عنده ولا يعمل به، وانما الصحيح والمعمول به وما وجد في
شئ من الأصول، وأن الحديث المروي عن رجل ولم يوجد في كتابه ليس
بصحيح إلى غير ذلك اه. وتلخص ان الصواب توثيقه لتوثيق النجاشي
والمفيد الشيخين الجليلين له، وقدح ابن الغضائري، لو سلم، انه قدح
لا يعارض توثيقهما وان كان الجرح مقدما على التعديل لما هو المعلوم من
حاله انه لما يسلم من قدحه أحد من الاجلاء، على أن ما ذكره ليس قدحا
فيه نفسه مع اعتضاد توثيقهما برواية الكشي ان سلم انها لا تفيد التوثيق.
وفي رواية الكشي وجه آخر ربما يضعف دلالتها على التوثيق، وهو ان يكون
المراد بها لو كان حذيفة بن منصور الذي هو أقل درجة منك لم يعاودني فيه،
فكيف تعاودني فيه، ومثل هذا كثير في العرف، فيكون أقرب إلى الذم أو
لا يفيد مدحا ولا ذما. لكن هذا الوجه لم يحتمله أحد وكلهم فهموا المدح
وفي مستدركات الوسائل: حذيفة بن منصور من اجلاء الثقات لوجوه (أ)
توثيق النجاشي (ب) رواية ابن أبي عمير عنه وصفوان بن يحيى
وعبد الله بن المغيرة وابان بن عثمان وحماد بن عثمان وجميل بن دراج وهؤلاء
الستة من أصحاب الاجماع لا يروون جميعهم أو الأولان منهم الا عن الثقة
وغيرهم من الثقات كمحمد بن سنان ومحمد بن مسكين (ج) توثيق المفيد
(د) ما مر عن الشيخ في التهذيب (ه‍) ما مر عن الكشي اه‍. وفي لسان
الميزان: حذيفة بن منصور صاحب الإسقاط ذكره الطوسي في رجال الشيعة
وذكره ابن النجاشي فقال: هو حذيفة بن منصور بن كثير بن سلمة بن عبد
الرحمن الخزاعي يكنى أبا محمد وقال: انه يروي عن الباقر والصادق
والكاظم رحمة الله عليهم روى عنه القاسم بن إسماعيل ومحمد بن سنان
وأيوب بن الحر وقال: مات في عهد موسى الكاظم رحمه الله اه‍. وما في
كلامه من وصفه بصاحب الاسقاط لم يذكره غيره والإسقاط: ردي المتاع
ولعل صوابه السقلاط وهو ثوب من الكتان وهو كان يبيع السابري وهو
ثوب رقيق جيد، والذي قال إنه يروي عنه القاسم بن إسماعيل هو الشيخ
الطوسي لا النجاشي، ولم يقل واحد منهما: انه يروي عنه محمد بن سنان
وأيوب بن الحر.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب حذيفة المشترك بين من يوثق
به وغيره ويمكن استعلام انه ابن منصور المختلف في شأنه بالجرح والتوثيق
برواية ابن أبي عمير عنه ورواية القاسم بن إسماعيل عنه ورواية محمد بن
أبي حمزة عنه، وزاد الكاظمي: ورواية صفوان بن يحيى، وزاد أبو علي في
رجاله وعبد الله بن المغيرة ومحمد بن سنان وروايته هو عن أبي عبد الله وأبي
الحسن، وزاد الكاظمي مشارك. وعن جامع الرواة انه وحماد بن عثمان
وجميل بن دراج ومحمد بن الفضيل وعبد الصمد بن بشير عنه اه‍.
حذيفة بن منصور مولى حسين بن زيد العلوي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال.
كوفي، ووقع في طريق الصدوق في الفقيه في باب ما يصلى فيه وما لا
يصلى، ووقع في مشيخة الفقيه أيضا.
التمييز
في مشتركات الكاظمي باب حذيفة بن منصور ولم يذكره شيخنا
مشترك بين أبي محمد بن كثير الخزاعي بياع السابري الثقة الراوي عن الباقر
والصادق والكاظم عليهم السلام، ويميز برواية ابن أبي عمير عنه ورواية
محمد بن أبي حمزة وبين مولى حسين بن زيد العلوي الكوفي المذكور في

590
أصحاب الصادق عليه السلام من رجال الشيخ.
حذيفة بن اليمان القطعي العبسي أبو عبد الله حليف بني عبد الأشهل.
وفاته ومدفنه
توفي بالمدائن في 5 صفر سنة 36، وذلك لما ستعرف من أنه توفي بعد
بيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام بأربعين يوما، وكانت بيعته لخمس بقين
من ذي الحجة سنة 35. وفي الاستيعاب: مات حذيفة سنة 36، والأول
أصح اه‍. وفي المستدرك للحاكم بسنده عن عبد الله بن نمير قال: مات
حذيفة سنة 36 وقيل إنه مات بعد عثمان بأربعين ليلة وبسنده عن محمد بن
عمر الواقدي عاش حذيفة إلى أول. خلافة علي سنة 36 وزعم بعضهم
ان وفاته كانت بالمدائن سنة 35 بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة. ثم روى
بسنده عن محمد بن جرير قال هذا القول - يعني وفاته سنة 35 - خطا وأظن
لصاحبه اما ان يكون لم يعرف الوقت الذي قتل فيه عثمان، واما ان يكون
لم يحسن ان يحسب، وذلك لأنه لا خلاف بين أهل السير كلهم أن عثمان
قتل في ذي الحجة من سنة 35 من الهجرة، وقالت جماعة منهم: قتل
لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه. فإذا كان مقتل عثمان في ذي الحجة وعاش
حذيفة بعده أربعين ليلة، فذلك في السنة التي بعدها اه‍. وقال ابن
الأثير في حوادث سنة 36: فيها مات حذيفة بن اليمان بعد قتل عثمان
يسير ولم يدرك الجمل. وفي تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن سعد: جاء
نعي عثمان وحذيفة بالمدائن ومات حذيفة بها سنة 36 اجتمع على ذلك
محمد بن عمر - يعني الواقدي - والهيثم بن عدي، ثم روى بسنده عن
بلال بن يحيى: عاش حذيفة بعد قتل عثمان أربعين ليلة، وبسنده عن
عمرو بن علي ومحمد بن المثنى أبي موسى قالا: مات حذيفة بن اليمان
بالمدائن سنة 36 قبل قتل عثمان بأربعين ليلة. وقولهما قبل قتل عثمان خطأ
لأن عثمان قتل في آخر سنة 35 اه‍. وفي تاريخ دمشق قال أبو نعيم:
مات حذيفة بعد قتل عثمان بن عفان وروي انه عاش بعده أربعين ليلة،
وأكثر الروايات انه مات سنة 36 وقيل سنة 35 والله أعلم اه‍. وفي
مروج الذهب: كان حذيفة عليلا بالكوفة (1) في سنة 36 فبلغه قتل عثمان
وبيعة علي، إلى أن قال: ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل
بأربعين يوما اه‍. وفي طبقات ابن سعد قال محمد بن عمر (الواقدي):
مات حذيفة بالمدائن بعد قتل عثمان بن عفان وجاء نعيه وهو يومئذ
بالمدائن، ومات بعد ذلك بأشهر سنة 36 اه‍ وقبره بالمدائن مزور معروف
كان قريبا من الشط فخيف طغيان الماء عليه فنقل ترابه إلى مشهد سلمان في
زماننا هذا، وعمل له ضريح وزرناه مرتين ثانيتهما في سنة 1352. ونقل
الكفعمي في حاشية كتابه المعروف بالمصباح عن تلخيص الآثار أن قبره
بالمدائن. ونقل عن جمال الدين بن داود أن حذيفة توفي بالكوفة (اه‍).
وابن داود، كما يأتي، لم يقل انه توفي بالكوفة وانما قال: انه سكن الكوفة
وتوفي بالمدائن، وكان نسخته من رجال ابن داود كانت مغلوطة، نعم
يظهر ذلك من المسعودي كما مر وليس بصواب.
نسبه
في الاستيعاب وأسد الغابة: أنه حذيفة بن اليمان بن جابر بن
عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن قطيعة (2) ابن عبس بن بغيض بن
ريث بن غطفان. وفي تاريخ بغداد: حذيفة بن اليمان واليمان لقب
واسمه حسل ويقال حسيل بن جابر بن أسيد بن عمرو بن مازن وقيل
اليمان بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن
ربيعة بن قطيعة الخ. وفي الطبقات الكبير لابن سعد حذيفة بن اليمان وهو
ابن حسيل (3) بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة وهو اليمان بن
الحارث بن قطيعة بن عبس. وفي المستدرك للحاكم بسنده عن محمد بن
عمر قال: حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة وجروة
هو اليمان الذي ولده حذيفة. وفي الإصابة: حذيفة بن اليمان العبسي هو
حذيفة بن حسيل أو حسل المعروف باليمان بن جابر بن ربيعة بن فروة بن
الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس فصاحبا الاستيعاب وأسد الغابة:
قدما عمرو على ربيعة وصاحبا الطبقات والمستدرك عكسا وصاحب الإصابة
أسقط ابن عمرو، ولعل اسقاطه من النساخ، والأربعة قالوا جروة وهو
وحده جعل بدله فروة، والظاهر أنه تصحيف من النساخ.
من هو الملقب باليمان وسبب تلقيبه بذلك
دل كلام الطبقات المتقدم ان اليمان لقب لأبيه حسل ولجده جروة
كليهما، وكذلك كلام الاستيعاب الآتي، وصاحب الإصابة ليس في كلامه
المتقدم ان اليمان يلقب به جده، بل الذي صرح به أنه لقب أبيه وصاحب
المستدرك وصرح في كلامه السابق بان اليمان لقب جروة ولم يقل انه يلقب
به أبوه، لكن قوله الذي ولده حذيفة بظاهره غير صحيح فان حذيفة ليس
ولد جروة الا ان يريد من الولد الحفيد وربما كان في عبارته سقط من
النساخ، فان كون اليمان لقب أبيه متفق عليه وربما كان صوابها وجروة هو
اليمان وهو لقب حسيل الذي ولده حذيفة أو نحو ذلك. وابن الأثير، كما
يأتي جعل اليمان لقب أبيه، ونقل عن ابن الكلبي أنه لقب جده جروة.
(واليمان) نسبة إلى اليمن، وقياس النسبة فيه يمني، ولكنهم قالوا:
يماني، ويمان بحذف ياء النسبة على خلاف القياس وكأنهم في يمان جعلوا
الألف عوضا عن ياء النسبة المحذوفة وربما قالوا يمني على القياس. اما
سبب تلقيبه باليمان ففي الاستيعاب: انما قيل لأبيه حسيل اليمان لأنه
من ولد اليمان جروة بن الحارث وكان جروة أيضا يقال له اليمان لأنه أصاب في
قومه دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لأنه
حالف اليمانية. وفي أسد الغابة اليمان لقب حسل بن جابر، وقال ابن
الكلبي: هو لقب جروة بن الحارث، وانما قيل له ذلك - أي لجروة - لأنه
أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار
فسماه قومه اليمان لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن. وفي المستدرك
بسنده عن الواقدي: جروة هو اليمان الذي ولده حذيفة وانما قيل له
اليمان لأنه أصاب في قومه دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل
فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية اه‍. وفي الإصابة: كان أبوه قد
أصاب دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان
لكونه حالف اليمانية وتزوج والدة حذيفة فولد له بالمدينة. وفي شذرات
الذهب: سمي حذيفة بن اليمان لان جده حالف بني عبد الأشهل وهم
من اليمن اه‍. وفي تهذيب التهذيب اسم اليمان حسيل ويقال حسل بن
جابر العبسي حليف بني عبد الأشهل هرب إلى المدينة فحالف بني عبد
الأشهل فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية اه‍. والاختلاف بين هذه



(1) كذا في النسخة وصوابه بالمدائن.
(2) في القاموس قطيعة كجهينة بن عبس، وفي تاج العروس: النسبة اليه قطعي كجهني
(3) لعل صوابه وهو حسيل. - المؤلف -
591
الأقوال ظاهر بين، فصاحب الاستيعاب جعل اليمان لقبا لحسل ولجروة
معا وقال: ان الذي أصاب دما هو جروة لا حسل، وان سبب تلقيب
جروة باليمان محالفته بني عبد الأشهل وهم من اليمن وسبب تلقيب حسل
باليمان كونه من أولاد جروة. ويبعده انه كيف لقب باليمان حسل وحده
ولم يلقب به باقي أولاد جروة وصاحب أسد الغابة جعل اليمان لقبا لحسل
وجعل تلقيب جروة به حكاية عن ابن الكلبي، وابن حجر في الإصابة
وتهذيب التهذيب: قال: ان الذي أصاب دما فهرب إلى المدينة فحالف
بني عبد الأشهل فسمي اليمان هو حسيل أبو حذيفة لا جده جروة.
والحاكم - ان لم يكن في عبارته سقط كما مر - يلوح من كلامه ان الذي
يلقب باليمان هو جروة فقط لا حسل وأن حذيفة يقال له ابن اليمان لأنه
من أولاد جروة، وصاحب الشذرات كلامه كالصريح في ذلك. ولا يبعد
ان يكون هذا الأخير هو الصواب وأن تكون نسبة حذيفة إلى اليمان نسبة
إلى جده لا إلى أبيه، فحيث أن في أجداده من له نسبة غريبة وهي اليمان
قيل حذيفة بن اليمان ونسب حذيفة إلى اليمان دون باقي آبائه لتكرر ذكره
وذكر أحواله فاحتيج إلى تمييزه بلقب لأحد أجداده مشهور، أما أن أباه
حسل يلقب باليمان فتوهم نشا من قولهم حذيفة بن اليمان فتوهم أن
اليمان لقب أبيه حسل وكذلك كون أبيه حسل أصاب دما في الجاهلية
فهرب إلى المدينة نشا من ذلك، والا فالذي جرى له هذا هو جده جروة لا
أبوه حسل نعم كون أبيه حسل تزوج بالمدينة من بني عبد الأشهل فولد له
منها حذيفة هو صواب والله أعلم.
كنيته
اتفق الكل على أنه يكنى أبا عبد الله وروى الحاكم في المستدرك
بسنده إلى ربعي بن خراش قال: جاء رجل إلى حذيفة فقال: يا أبا
عبد الله.
أبوه
يسمى أبوه حسل بحاء مهملة مكسورة وسين مهملة ساكنة أو حسيل
مصغرا ويلقب باليمان، كما مر. وفي رجال بحر العلوم: شهد حذيفة
أحدا هو وأبوه حسل أو حسيل بن جابر بن اليمان، وقتل أبوه يومئذ
المسلمون خطا يحسبونه العدو وحذيفة يصيح بهم فلم يفقهوا قوله حتى قتل
فلما رأى حذيفة أن أباه قد قتل استغفر للمسلمين فقال: يغفر الله لكم وهو
أرحم الراحمين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فزاده خيرا اه‍. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن عروة قال قتل أبوه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم
أحد أخطأ المسلمون به يومئذ فحسبوه من المشركين فطفق حذيفة يقول:
أبي أبي فلم يفهموه حتى قتلوه فامر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فودي. وفي تاريخ
دمشق: قال البرقي قتل أبوه يوم أحد قتله المسلمون ولم يعرفوه فتصدق
حذيفة بديته على المسلمين. وقال عروة بن الزبير: ان حذيفة وأباه لما كانا
في غزوة أحد أخطأ المسلمون فجعل حذيفة يقول: انه أبي انه أبي فلم
يفقهوا قوله حتى قتلوه، فقال حذيفة عند ذلك: يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين، فزادت تلك الكلمة خيرا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج ديته. وفي
الأغاني عن محمد بن إسحاق باسناده انه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أحد
رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش بن
زعورا في الأطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان
كبيران: لا أبا لك ما تنتظر؟ فوالله ان بقي لواحد منا من عمره الا ظم ء
حمار، انما نحن هامة اليوم أو غد! أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لعل الله يرزقنا شهادة معه، فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في
الناس ولم يعلم أحد بهما. فاما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما
حسيل بن جابر اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه
فقال: حذيفة أبي، قالوا: والله ان عرفناه وصدقوا، قال حذيفة: يغفر
الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يديه فتصدق حذيفة
بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرا.
أمه
في الاستيعاب أمه امرأة من الأنصار من الأوس من بني عبد الأشهل
اسمها الرباب بنت كعب بن عدي بن عبد الأشهل ونحوه في الطبقات
وتاريخ بغداد.
أولاده
كان له من الأولاد سعد أو سعيد وصفوان، وسيأتي عند ذكر خطبته
وبيعته عليا عليه السلام، ان المسعودي حكى عنه أنه قال لابنيه صفوان
وسعيد: احملاني وكونا مع علي عليه السلام فسيكون له حروب كثيرة
فيهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا ان تستشهدا معه فإنه والله على الحق
ومن خالفه على الباطل، واستشهد ولداه صفوان وسعد مع علي عليه
السلام بصفين. وقال المسعودي في أخبار صفين بعدما ذكر شهادة هاشم
المرقال: واستشهد في ذلك اليوم صفوان وسعد ابنا حذيفة بن اليمان، وفي
الاستيعاب: قتل صفوان وسعيد ابنا حذيفة بصفين، وكانا قد بايعا عليا
بوصية أبيهما بذلك إياهما. وفي رجال بحر العلوم: أوصى حذيفة ابنيه
سعيدا وصفوان بلزوم أمير المؤمنين عليه السلام واتباعه، فكانا معه بصفين
وقتلا بين يديه رضي الله عنهما وعن أبيهما. ولكن المسعودي نفسه ذكر في
أخبار التوابين: انه اتاهم مددا سعد بن حذيفة في أهل المدائن، وكذلك
ابن الأثير ذكر في أخبار التوابين انه جاءهم من أخبر بمسير سعد بن حذيفة
في 170 من المدائن لانجادهم. وهذا يدل على أن سعدا لم يقتل بصفين
وبقي بعدها زمانا طويلا، ويمكن أن يكون له من الأولاد سعد وسعيد
أحدهما قتل مع صفوان بصفين والثاني بقي إلى أيام التوابين والله أعلم.
صفته
في مسند أحمد بسنده عن خالد بن خالد اليشكري قال: قدمت
الكوفة فدخلت المسجد فإذا أنا بحلقة فيها رجل صدع من الرجال حسن
الثغر. الصدع: كجبل المتوسط في خلقه لا صغير ولا كبير، قاله
الزمخشري في الفائق في تفسير الحديث.
مؤاخاته
في ذيل المذيل للطبري: ذكر ابن عمر عن عبد الله بن جعفر أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان اه‍. وفي
السيرة الحلبية ان ذلك كان بعد الهجرة.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: حذيفة بن

592
اليمان أبو عبد الله سكن الكوفة ومات بالمدائن بعد بيعة أمير المؤمنين عليه
السلام بأربعين يوما. وذكره في أصحاب علي عليه السلام فقال:
حذيفة بن اليمان العبسي عداده في الأنصار وقد عد من الأركان الأربعة ا
ه. وعده الكفعمي في حواشي كتابه المعروف بالمصباح أحد الأركان
الأربعة. وفي رجال ابن داود: حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي أصحاب علي عليه
السلام، شهد بدرا واحدا، أحد الأركان الأربعة، سكن الكوفة ومات
بالمدائن بعد بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بأربعين يوما. وفي الخلاصة:
حذيفة بن اليمان عداده في الأنصار أحد الأركان الأربعة من أصحاب أمير
المؤمنين عليه السلام اه‍.
الأركان الأربعة
في تكملة الرجال: تكرر من الشيخ أن أركان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أربعة، فذكر في ترجمة جندب بن جنادة - أعني أبا ذر - انه أحدها، وفي
ترجمة سلمان الفارسي في أصحاب علي عليه السلام انه أول الأركان
الأربعة، وفي ترجمة عمار بن ياسر انه رابع الأركان، وفي ترجمة المقداد أنه
ثاني الأركان الأربعة وفي ترجمة حذيفة انه قد عد من الأركان الأربعة،
والمصنف - صاحب نقد الرجال - لما عدهم في ترجمة جندب بن جنادة أسقط
عمارا منهم، فيظهر من الشيخ وقوع الخلاف في عد حذيفة من الأركان
الأربعة، فلابد ان يكون من يعده منهم مسقطا لغيره، لأن الظاهر ولم
يذكر الشيخ البدل المقابل، فيكون الخلاف واقعا في اثنين اللهم الا ان
يكون من يعد حذيفة منهم يعدهم خمسة، ولم أجد فيما روي فيهم من
الأخبار تسميتهم بالأركان ولعل هذا اصطلاح من المحدثين من حيث أنهم
فاقوا جميع الصحابة بالفضل والتمسك باهل البيت عليهم السلام والمواساة
لهم ظاهرا وباطنا اه‍. وقال الكفعمي في حواشي كتابه المعروف
بالمصباح: الأركان الأربعة: هم حذيفة، وأبو ذر، وسلمان الفارسي،
والمقداد بن الأسود اه‍. فاسقط عمارا وجعل بدله حذيفة.
روايات الكشي في حقه
روى الكشي في ترجمة سلمان الفارسي عن جبرئيل بن أحمد الفارياني
البرناني حدثني الحسين بن خرذاذ حدثني ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب
عليهم السلام قال: ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون وبهم تنصرون وبهم
تمطرون: منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة رحمة الله
عليهم، وكان علي عليه السلام يقول: وانا امامهم، وهم الذين صلوا
على فاطمة عليها السلام. وقال في ترجمة حذيفة:: حدثنا ابن مسعود
أخبرني أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضال حدثني محمد بن
الوليد البجلي حدثني العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
ذكر ان حذيفة لما حضرته الوفاة، وكان آخر الليل، قال لابنته أي ساعة
هذه قالت آخر الليل، قال الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوال ظالما
على صاحب حق، فبلغ زيد بن عبد الرحمن بن عبد يغوث فقال: كذب
والله! لقد والى على عثمان، فاجابه بعض من حضره أن عثمان والاه
(والله خ ل) يا أخا زهرة والحديث منقطع، وقال الكشي في ترجمة
عبد الله بن مسعود: سئل الفضل بن شاذان عن ابن مسعود وحذيفة،
فقال: لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود لان حذيفة كان زكيا وابن مسعود
خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم. وقال أيضا: ان من السابقين
الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ذيفة وعد معه جماعة. وقال
في ترجمة مسعود حدثني علي بن الحسن بن علي بن فضال حدثني
العباس بن عامر وجعفر بن محمد بن حكيم عن أبان بن عثمان الأحمر
عن فضيل الرسان عن أبي داود قال: حضرته عند الموت وجابر الجعفي
عند رأسه فهم أن يحدث فلم يقدر قال: محمد بن جابر: اساله، فقلت:
يا أبا داود حدثنا الحديث الذي أردت، قال: حدثني عمران بن حصين
الخزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر فلانا وفلانا أن يسلما على علي عليه السلام
بإمرة المؤمنين، فقالا: من الله أو من رسوله؟ فقال من الله ومن رسوله،
ثم أمر حذيفة وسلمان يسلمان عليه، ثم امر المقداد فسلم وأمر بريدة أخي
وكان أخاه لأمه فقال: انكم سألتموني من وليكم بعدي وقد أخبرتكم به
وقد أخذت عليكم الميثاق كما أخذ تعالى على بني آدم: (ألست بربكم قالوا
بلى!) وأيم الله لئن نقضتموها لتكفرن اه‍. الكشي. وفي رجال بحر
العلوم الطباطبائي: حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله حليف الأنصار
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحابي ابن صحابي شهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا
هو وأبوه. وعد بعضهم حذيفة من الأركان الأربعة مكان أخيه عمار
الذي آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبينه في مؤاخاة المهاجرين للأنصار، ثم ذكر
خبر ضاقت الأرض بسبعة المتقدم، ثم قال: وجلالة حذيفة وشجاعته
وعلمه ونجدته وتمسكه بأمير المؤمنين عليه السلام ظاهرة بينة وهو من كبار
الصحابة. وروي عن حذيفة ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يسألونه عن
الخير وكنت أساله عن الشر مخافة أن أقع فيه اه‍. وذكره ابن سعد في
الطبقات الكبير في موضعين (أحدهما) فيمن نزل الكوفة من الصحابة
(وثانيهما) فيمن كان بالمدائن منهم، فقال: حذيفة بن اليمان وهو
حسيل بن جابر من بني عبس حلفاء بني عبد الأشهل ويكنى أبا
عبد الله ثم روى بسنده انه كان يكنى أبا عبد الله شهد أحدا وما بعد
ذلك من المشاهد وتوفي بالمدائن سنة 36 وقد كان جاءه نعي عثمان
بها وقد كان نزل الكوفة والمدائن وله عقب بالمدائن. ثم حكى عن
محمد بن عمر الواقدي أنه قال: لم يشهد حذيفة بدرا وشهد أحدا هو
وأبوه وأخوه صفوان بن اليمان وقتل أبوه يومئذ، وشهد حذيفة الخندق وما
بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي تاريخ بغداد: لم يشهد
حذيفة بدرا وشهد أحدا، وقتل أبوه يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحضر ما بعد
أحد من الوقائع، وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقربه منه وثقته به وعلو
منزلته عنده، وولاه عمر المدائن فأقام بها إلى حين وفاته. وفي
الاستيعاب: حذيفة بن اليمان العبسي القطعي (1) حليف لبني عبد الأشهل
من الأنصار، شهد حذيفة وأبوه حسيل وأخوه صفوان أحدا وقتل أباه يومئذ
بعض المسلمين وهو يحسبه من المشركين، كان حذيفة من كبار أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق ينظر إلى قريش
فجاءه بخبر رحيلهم وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله وهو
حليف للأنصار لبني عبد الأشهل، مات سنة 36 بعد قتل عثمان
في أول خلافة علي وكان موته بعد أن نعي عثمان إلى الكوفة
ولم يدرك الجمل (اه‍) وفي أسد الغابة حذيفة بن اليمان أبو
عبد الله العبسي هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخيره بين الهجرة والنصرة



(1) في النسخة القطيعي بالياء بين الطاء والعين، والصواب القطعي بحذف الياء كما مر عن
القاموس. - المؤلف -
593
فاختار النصرة، وشهد مع النبي أحدا وقتل أبوه بها (اه‍). وكلامه هذا لا
يخلو من غموض، وسيأتي تفسيره عند ذكر أخباره (انش ء). قال: وكان
يسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الشر ليتجنبه، وأرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الأحزاب سرية
ليأتيه بخبر الكفار ولم يشهد بدرا لان المشركين اخذوا عليه الميثاق لا يقاتلهم
فسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيقاتل أم لا؟ قال: بل تفي لهم ونستعين الله عليهم أ
ه‍. وفي الإصابة: حذيفة بن اليمان العبسي من كبار الصحابة، أسلم
حذيفة وأبوه وأراد شهود بدر فصدهما المشركون وشهد أحدا فاستشهد اليمان بها
روى حديث شهودهما أحدا واستشهاده بها البخاري، وشهد حذيفة الخندق وله بها
ذكر حسن وما بعدها. وفي الصحيحين: ان أبا الدرداء قال لعلقمة: أليس
فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره وفي رواية الذي لم يكن يعلمه غيره -
يعني حذيفة وفيهما عن عمر أنه سال حذيفة عن الفتنة. وذكره الطبري في ذيل
المذيل في جملة من روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن آمن به واتبعه في حياته وعاش
بعده من قبائل اليمن فقال ومنهم حذيفة بن اليمان أبو عبد الله أصله من
عبس بن بغيض، وهو حليف لبني عبد الأشهل روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا
كثيرا اه‍. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: حذيفة بن اليمان أبو عبد الله
العبسي حليف بني عبد الأشهل صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب سره من
المهاجرين وسكن الكوفة. وقال علي بن المديني: هو رجل من عبس
حليف الأنصار، ويكنى بأبي عبد الله. وترجمه ابن سعد في الطبقة الثانية،
وقال أيضا في الطبقة الثانية ممن لم يشهد بدرا حذيفة بن اليمان شهد أحدا
وجاءه نعي عثمان وهو بالمدائن ومات فيها سنة 36، اجتمع على ذلك
الواقدي والهيثم بن عدي، ولحذيفة رواية كثيرة اه‍. وقال الحاكم في
المستدرك: ذكر مناقب حذيفة بن اليمان وانما هو حذيفة بن حسيل وحذيفة
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم روى بسنده عن عروة ان حذيفة بن اليمان كان أحد
بني عبس، وكان حليفا في الأنصار. وبسنده عن محمد بن عمر - الواقدي -:
وأما حذيفة فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشاهده بعد بدر وعاش إلى أول خلافة علي
سنة 36 (اه‍). وفي حلية الأولياء: ومنهم العارف بالمحن وأحوال القلوب
والمشرف على الفتن والآفات والعيوب سال عن الشر فاتقاه وتحرى الخير
فاقتناه سكن عند الفاقة والعدم وركن إلى الإنابة والندم وسبق رنق الأيام
والأزمان أبو عبد الله حذيفة بن اليمان. وقد قيل إن التصوف مرامقه صنع
الرحمن والموافقة مع المنع والحرمان اه‍. وعن تقريب ابن حجر كان حذيفة
جليلا من السابقين، صح في مسلم عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه بما كان
وما يكون إلى أن تقوم الساعة. وعن الذهبي في الكاشف: كان صاحب
السر ومنعه وأباه شهود بدر استحلاف المشركين لهما. وفي الدرجات
الرفيعة: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: حذيفة بن اليمان من أصفياء
الرحمن وفي مرآة الجنان: في أول سنة 36 توفي حذيفة بن اليمان أحد
الصحابة أهل النجدة والنجابة الذي كان يعرف المؤمنين من المنافقين بالسر
الذي خصه به سيد المرسلين قال: كان الناس يتعلمون الخير من رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وكنت أتعلم منه الشر مخافة أن أقع فيه اه‍. وفي شذرات الذهب في
حوادث سنة 36: وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب
السر المكنون في تمييز المنافقين، ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى
يصلي عليه حذيفة يخشى أن يكون من المنافقين اه‍. وفي تهذيب
التهذيب: أسلم هو وأبوه وأرادا حضور بدر فاخذهما المشركون
فاستحلفوهما فحلفا لهم ان لا يشهدا فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: نفي لهم بعهدهم
ونستعين الله عليهم، وشهدا أحدا فقتل اليمان بها. قال العجلي استعمله
عمر على المدائن ومات بعد مقتل عثمان بأربعين يوما، سكن الكوفة،
وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومناقبه كثيرة مشهورة اه‍.
خلاصة أحواله
هو صحابي من أجلاء الصحابة وخيارهم وعلمائهم وفقهائهم، عالم
بالكتاب والسنة، وشجعانهم ذوي نجدتهم، قديم الاسلام شهد المشاهد
كلها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عدى بدر، لان المشركين كانوا قد أخذوا عليه عهدا ان
لا يقاتلهم فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء لهم - ولكونه من علماء الصحابة كان
صاحب حلقة تجتمع عليه الناس بمسجد الكوفة فيحدثهم و يسألونه فيجيبهم
ويفتيهم. ولكونه من فقهائهم سأله سعيد بن العاص في غزوة طبرستان عن
صلاة الخوف كيف صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلمه فصلاها المسلمون، ووقع
اختلاف في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين قوم على خص فأرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ليقضي بينهم فقضى ان الخص لمن اليه معاقد القمط فامضى ذلك رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم واستحسنه، وجرت به السنة في الاسلام. وامتاز بمعرفة المنافقين
حتى أن الخليفة كان يسأله عنهم فلا يخبره، وكان صاحب سر رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بما كتمه عن غيره من أمثاله عن الاسرار وأحوال الناس. وكان
زاهدا في الدنيا مواليا لعلي عليه السلام مقدما له.
هو أنصاري أم مهاجري
قد سمعت قول الشيخ والعلامة عداده في الأنصار، وسمعت قول
ابن عساكر انه من المهاجرين وقول ابن الأثير هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخيره بين
الهجرة والنصرة فاختار النصرة، وقد عرفت وستعرف ان أباه كان من أهل
المدينة هرب إليها هو أو جده لما أصاب دما في الجاهلية وحالف بني عبد
الأشهل وتزوج أبوه منهم فولد له حذيفة بالمدينة وصار هو وأبوه من أهلها
وحينئذ فحذيفة مدني أنصاري لا مهاجري، وتم قول الشيخ والعلامة ان
عداده في الأنصار، أما الجمع بين ذلك وبين كلام ابن عساكر وابن الأثير
فيمكن أن يقال أن أباه بعدما تزوج بأمه بالمدينة عاد إلى بلاد عبس ونقل
زوجته معه فولد حذيفة هناك أو ولد بالمدينة ثم عاد مع أبيه إلى بلاد عبس
وتصالح معهم على الدم الذي أصابه، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء هو وأبوه
إلى النبي وأسلما، وحينئذ يتضح معنى تخيير النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياه بين الهجرة
والنصرة واختياره النصرة بان يكون بين الهجرة إلى المدينة والبقاء في ديار
قومه والنصرة للاسلام، والا فالهجرة لا تنافي النصرة بل تؤكدها ويكون
هذا في أول الأمر ثم هاجر بعد ذلك وبهذا الاعتبار صح عده من المهاجرين
والله أعلم.
أخباره
أصله من عرب البادية من بني عبس، أصاب أبوه حسيل أو جده
جروة دما في قومه في الجاهلية فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من
اليمن والا فهو عبسي لا يماني وتزوج أبوه امرأة منهم اسمها الرباب بنت
كعب فولد منها حذيفة هكذا ذكر المؤرخون، لكنهم لم يذكروا ان قومه بني
عبس أين كانوا حين هرب منهم إلى المدينة، وقد عرفت في وجه الجمع بين
كون عداده من الأنصار وقول بعضهم انه من المهاجرين احتمال أن يكون
أبوه تزوج بأمه في المدينة، ثم نقلها معه إلى بلاد عبس فولد حذيفة هناك أو
ولد بالمدينة ثم ذهب به أبوه إلى بلاد عبس فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر إلى
المدينة جاء هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلما وبقيا بديار عبس فلما بلغهما خبر بدر
خرج هو وأبوه قاصدين المدينة ليقاتلا مع النبي فظفر بهما مشركو قريش

594
فقالوا: انكم تريدون محمدا وأرادوا قتلهما فأظهرا انهما انما يريدان المدينة
لحاجة لهما فيها فاخذوا عليهما العهد والميثاق ان لا يقاتلوهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فلما وصلا إلى المدينة أخبرا النبي بذلك ووقفا عند أمره فان أمرهما بالقتال
معه قاتلا وان أمرهما بالوفاء بالعهد وفيا، فامرهما بالوفاء بالعهد وان كان
مع جماعة مشركين فلم يحضر حذيفة وأبوه بدرا. روى الحاكم في المستدرك
بسنده عن مصعب بن سعد قال: أخذ حذيفة وأباه المشركون قبل بدر
وأرادوا أن يقتلوهما فاخذوا عليهما عهد الله وميثاقه ان لا يعينا عليهم فحلفا
لهم فأرسلوهما فاتيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه فقالا: انا قد حلفنا لهم فان شئت
قاتلنا معك، قال: نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم. ورواه أحمد في
مسنده عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرا
الا اني خرجت انا وأبي حسيل فاخذنا كفار قريش فقالوا: انكم تريدون
محمدا قلنا ما نريد الا المدينة فاخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة
ولا نقاتل معه فاتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال: انصرفوا نفي
بعهدهم ونستعين الله عليهم اه‍. فلما كانت وقعة أحد حضرها حذيفة
وأبوه فقتل أبوه بها قتله المسلمون خطا وهم يظنونه من المشركين فلم يزد
حذيفة على أن استغفر لهم وتصدق بديته على المسلمين فزاده ذلك خيرا عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما سبق، ثم شهد حذيفة بعد ذلك المشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
استعماله على الصدقة وشدة ورعه
اخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
استعمل حذيفة بن اليمان على بعض الصدقة فلما قدم قال: يا حذيفة هل
بقي من الصدقة شئ؟ فقال لا يا رسول الله أنفقنا بقدر الا ان ابنة لي
أخذت جديا من الصدقة. فقال: كيف بك يا حذيفة إذا ألقيت في النار
وقيل لك ائتنا به؟ فبكى حذيفة ثم بعث إليها فجئ به فألقي في
الصدقة.
سكناه الكوفة والمدائن ونصيبين
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل من المدينة إلى الكوفة وسكنها، وكان ذلك
بعد سنة 15 في خلافة عمر. قال اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب واضح
الكاتب في كتاب البلدان ص 310: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن
أبي وقاص لما افتتح العراق يأمره ان ينزل الكوفة ويأمر الناس ان يختطوها،
فاختطوها كل قبيلة مع رئيسها، إلى أن قال: واقطع حذيفة بن اليمان مع
جماعة من عبس نصف الآري، وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين اه‍.
وكان تمصير الكوفة سنة 15 من الهجرة، وكان حذيفة في الجيش الذي فتح
العراق، فلما أقطعه سعد الآري ابتنى دارا وسكنه مع عشيرته، أما سكناه
المدائن فلا يبعد أن تكون لما وليها من قبل عمر فانتقل باهله وعياله إليها من
الكوفة حسب مجرى العادة ولكن مبدأ تولية عمر إياه المدائن مجهول، الا
انه كان واليا عليها سنة 21 كما يأتي، ويحتمل أن يكون حين ولي المدائن
حضر إليها بنفسه وأبقى أهله وعياله بالكوفة، فكان يتردد إليهم ويعود إلى
المدائن، ولعله يرشد اليه ما يأتي، من أنه لما ولي المدائن لم يكلفهم الا
طعامه وعلف حماره الدال على أنه لم يكن عنده ما يحتاج إلى مؤونة غير نفسه
وحماره وربما يرشد اليه أيضا ما في تاريخ دمشق لابن عساكر: قال أبو
بكر بن عياش سمعت إسحاق يقول: كان حذيفة يجئ كل جمعة من
المدائن إلى الكوفة، فقال أبو بكر: فقلت لإسحاق هل كان يستطيع
ذلك؟ قال نعم كانت عنده بغلة فارهة اه‍. لكن الظاهر أن مجيئه وحده
إلى المدائن كان في أول ولايته وأنه أحضر عياله إليها بعد ذلك كما يدل قول
ابن سعد المتقدم، وله بالمدائن عقب، وان ذهابه إلى الكوفة كل جمعة لم
يكن لزيارة أهله بل كان للصلاة في مسجدها أو لغير ذلك من المصالح وقد
كان له بالكوفة أيام سكناه بها حلقة يحدث فيها كما دل عليه خبرا اليشكري
الآتيان ومر انه نزل نصيبين وتزوج بها ولكنهم لم يذكروا تاريخ ذلك ولا انه
في أي زمان كان.
اخباره يوم الخندق
لما كانت وقعة الخندق وقتل علي عليه السلام عمرو بن عبد ود
وانكسرت شوكة المشركين بقتله ووقع الرعب في قلوبهم وكفى الله المؤمنين
القتال وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا كان حذيفة رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
الليلة القابلة من قتل عمرو يتعرف له خبر المشركين فدخل بينهم وجاءه
بخبرهم. اخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة حذيفة وأخرجه أبو
يعلى ومسلم بن الحجاج وابن شاهين عن إبراهيم التيمي عن أبيه أنه قال:
كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلت معه وأبليت
معه. فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك لقد رأينا معه ليلة الأحزاب
وأخذتنا ريح شديدة وقر. وفي رواية ابن شاهين: فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يصلي من الليل في ليلة باردة لم نر قبلها ولا بعدها بردا كان أشد منه. فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا
فلم يجبه منا أحد ثم قال فسكتنا - وفي رواية: ثم الثانية ثم الثالثة مثله -
فقال قم: وسياق الحديث يدل على أن هذا كان بعد قتل عمرو بن عبد ود
في الليلة القابلة من قتله. وفي رواية ابن شاهين: ثم قال: قم يا أبا
بكر، فقال استغفر الله ورسوله، ثم قال: ان شئت ذهبت. فقال: يا
عمر!. فقال: أستغفر الله ورسوله. ثم قال: يا حذيفة، فلم أجد بدا
إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب وائتنا بخبر القوم ولا تذعرهم،
قال حذيفة: فلما وليت من عنده جعلت أمشي كأني في حمام. قال ابن
عساكر: وفي رواية ابن شاهين: قمت حتى أتيت وان جنبي ليضطربان من
البرد فمسح رأسي ووجهي ثم قال: ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم
ولا تحدثن حدثا حتى ترجع ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه
وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته حتى يرجع!. فلان يكون ذلك
أو مثله كان إلي من الدنيا وما فيها فانطلقت فوجدتهم قد أرسل الله عليهم
ريحا فقطعت أطنابهم وكسرت آنيتهم وذهبت بخيولهم ولم تدع لهم شيئا الا
أهلكته، ورأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته في كبد
قوسي وأردت ان أرميه وكان حذيفة راميا فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
(لا تحدث حدثا حتى ترجع) فرددت سهمي في كنانتي، ولو رميته
لأصبته، فرجعت وانا امشي في مثل الحمام فلما أتيته وأخبرته خبر القوم
وفرغت قررت - أي بردت - فألبسني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل عباءة كانت عليه
يصلي فيها، فلم أبرح نائما حتى الصبح فلما أصبحت قال لي: قم يا
نومان. رواه ابن عساكر بطرق متعددة أخصر من هذا، وفيها يكمل
القصة على لسان حذيفة: وتنادوا بالرحيل، قال حذيفة: فرأيت أبا
سفيان وثب على جمل له معقول فجعل يزجره للقيام فلا يستطيع فجئت
فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى رأيت أنيابه. وروى ابن عساكر أيضا في
ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب نحوا من هذا. ولا شك ان الذهاب

595
لمعرفة خبر القوم أهون من مبارزة عمرو وقد جعل جزاء فاعله أن يجعله الله
معه يوم القيامة كما ضمن لمبارز عمرو الجنة، ولكنهم جبنوا عن الذهاب
لمعرفة خبرهم كما جبنوا عن مبارزة عمرو وزهدوا في هذا الجزاء العظيم لما
استولى عليهم من الخوف، وبرد الحجاز ليس بردا قارصا يصعب تحمله،
ولم يشأ أن يدعو لمعرفة خبرهم عليا بعد ما قتل عمرا، فان هذا أمر تافه لا
يدعى له مثل علي مع امكان أن يقوم به غيره: (وللشدة الصماء تقنى
الذخائر). ثم شهد حذيفة بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
خبره في غزوة تبوك
ومنها غزوة تبوك ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك وانحدر في
العقبة، وكانت ليلة مظلمة وأراد جماعة من المنافقين اثنا عشر أو أربعة عشر
رجلا ان ينفروا الناقة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حذيفة قد أخذ بزمامها يقودها
وعمار يسوقها فبرقت حتى رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحذيفة وعرفهم حذيفة
بأعيانهم فعند ذلك هربوا ودخلوا في غمار الناس، ولذلك كان حذيفة
أعلم الناس بالمنافقين. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حذيفة مع أمير المؤمنين
عليه السلام. وكان في جملة النفر الذين صلوا على فاطمة عليها السلام
وحضروا دفنها، كما مر عن الكشي.
أخباره في الفتوح
شهد حذيفة فتح العراق والشام وبلاد الجزيرة وبلاد الفرس.
وكانت وقعة اليرموك سنة 13.
وفي أسد الغابة: شهد حذيفة فتح الجزيرة ونزل نصيبين وتزوج بها أ
ه‍ وكان فتح الجزيرة سنة 17 وقيل 19.
وفي الاستيعاب: شهد حذيفة نهاوند فلما قتل النعمان بن مقرن أخذ
الراية، وكان فتح همذان والري والدينور على يد حذيفة، وكانت فتوحه
كلها سنة 22. ويظهر من كلام ابن الأثير الآتي ان ذلك كان أثناء ولايته
المدائن. وقال ابن الأثير: وقعة نهاوند كانت سنة 21 وقيل سنة 18 وقيل
19، قال: وكان النعمان بن مقرن يومئذ معه جمع من أهل الكوفة قد
اقتحموا جند يسابور والسوس وقيل بل كان بكسكر فكتب اليه عمر يأمره
بنهاوند فسار فكتب عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان ليستنفر الناس
مع النعمان، فخرج الناس منها وعليهم حذيفة بن اليمان حتى قدموا على
النعمان واجتمع الناس على النعمان وفيهم حذيفة بن اليمان فرحل النعمان وعبأ
أصحابه وهم ثلاثون ألفا على مقدمتهم نعيم بن مقرن وعلى مجنبته حذيفة بن
اليمان وسويد بن مقرن، فانتهوا إلى أسببذهان وضرب فسطاط النعمان فابتدر
أشراف الكوفة فضربوه منهم حذيفة بن اليمان وعد معه جماعة من أشرافهم، ثم
اقتتلوا والحرب بينهم سجال، فلما كان يوم جمعة وقد خرج الفرس من
خنادقهم قال النعمان: اني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الثالثة فاني حامل فاحملوا
وان قتلت فالأمير بعدي حذيفة، ثم كبر وحمل والناس معه وانهزم الأعاجم
وقتل مقتلة عظيمة وقتل النعمان وكتموا مقتله، فاخذ الراية أخوه نعيم
وناولها حذيفة وتقدم إلى موضع النعمان. ودخل المشركون همذان
والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها، فلما رأى ذلك أميرها
استأمنهم، ولما تم الظفر للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان،
فقال لهم اخوه معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له
بالشهادة فاتبعوا حذيفة، وأتاهم الهربذ صاحب بيت النار على أمان فأبلغ
حذيفة فقال: أتؤمنني ومن شئت على أن اخرج لك ذخيرة لكسرى تركت
عندي لنوائب الزمان، وقال: نعم، فاحضر جوهرا نفيسا في سفطين
فنفل حذيفة منهما وأرسل الباقي إلى عمر، وبلغ الخبر الماهين بفتح همذان
فراسلوا حذيفة فأجابهم إلى ما طلبوا. قال ابن الأثير: وفيها بعث عمر
عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى نهاوند، ورجع حذيفة إلى عمله على ما
سقت دجلة وما وراءها. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر قال أبو عبيدة في
سنة 22 مضى حذيفة إلى نهاوند فصالحه صاحبها على ثمانمائة ألف درهم في
كل سنة. وغزا الدينور فافتتحها عنوة وكان سعد قد فتحها ثم نقضت
العهد - ثم غزا ماه سبذان فافتتحها عنوة وكان سعد قد فتحها أيضا ثم
نقضت - ثم غزا همذان فافتتحها وافتتح الري كلاهما عنوة ولم تكونا فتحتا
من قبل اه‍. ولكن ابن الأثير كما مر قال: ان فتح همذان كان سنة 21
وقال: انها فتحت ثانيا سنة 22 فإنه لما تراجع عنها نعيم بن مقرن وأصحابه
كفر أهلها فلما قدم عهد نعيم من عند عمر ودع حذيفة وسار يريد همذان
فافتتحها ثانيا وعاد حذيفة إلى الكوفة.
أخباره في فتح بلاد خراسان
روى الطبري في تاريخه في حوادث سنة 30 بسنده أنه غزا سعيد بن
العاص من الكوفة سنة 30 يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان، إلى أن
قال: وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان فنزل أبرشهر
(وهي نيسابور) وبلغ نزوله ابرشهر سعيدا فنزل سعيد قومس وهي صلح
صالحهم حذيفة بعد نهاوند، فاتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف، ثم أتى
طميسة وهي كلها من طبرستان متاخمة جرجان وهي مدينة على ساحل البحر
فقاتله أهلها حتى صلاة الخوف فقال لحذيفة كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون. ثم روى الطبري
بسنده أنه صرف حذيفة عن غزو البري إلى غزو الباب (وهي المدينة
المعروفة بباب شروان على بحر طبرستان وهو بحر الخزر) مددا لعبد
الرحمن بن ربيعة وخرج معه سعيد بن العاص فبلغ معه آذربيجان، وكذلك
كانوا فأقام حتى قفل حذيفة، ثم رجعا. وذكر ابن الأثير في حوادث سنة
30. وقال الطبري وتبعه ابن الأثير في حوادث سنة 32: في هذه السنة
استعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على فرج بلنجر وأمد الجيش
الذي كان به مقيما مع حذيفة باهل الشام. ثم روى الطبري بسنده ان
سعيدا استعمل على الغزو باهل الكوفة حذيفة بن اليمان، وكان على ذلك
الفرج قبل ذلك عبد الرحمن بن ربيعة وأمدهم عثمان في سنة عشر باهل
الشام عليهم حبيب بن مسلمة القرشي فتأمر عليه سلمان وأبى عليه حتى
قال أهل الشام: لقد هممنا بضرب سلمان، فقال الكوفيون: إذن والله
نضرب حبيبا ونحبسه وان أبيتم كثرت القتلى فينا وفيكم، فكان ذلك أول
اختلاف وقع بين أهل الكوفة والشام، وأراد حبيب ان يتأمر على صاحب
الباب كما كان يتأمر أمير الجيش إذا جاء من الكوفة، فلما أحس حذيفة أقر
وأقروا فغزاها حذيفة بن اليمان ثلاث غزوات فقتل عثمان في الثالثة ولقيهم
مقتل عثمان (الخبر).
خبره يوم الجرعة
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة سعيد بن العاص حين ذكر
اختلاف أهل الكوفة مع سعيد بن العاص لما كان واليا على الكوفة من قبل

596
عثمان وذهابه إلى عثمان إلى المدينة وذهاب جماعة من أهل الكوفة اليه فيهم
الأشتر وامتناع عثمان من عزل سعيد أن الأشتر عاد إلى الكوفة واستولى
عليها وبعث من رد سعيد بن العاص إلى المدينة وصعد المنبر فقال: وقد
وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم وثغركم وحذيفة بن اليمان على فيئكم أ
ه‍. ويفهم من تاريخ ابن الأثير ان ذلك كان سنة 34، ويعرف ذلك
اليوم يوم الجرعة، وهي موضع بين الكوفة والحيرة.
خبره في امر المصاحف
قال ابن الأثير: لما عاد حذيفة من غزو الباب قال لسعيد بن
العاص: لقد رأيت في سفرتي هذه امرا لئن تركه الناس ليختلفن في القرآن
ثم لا يقومون عليه أبدا: رأيت أناسا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم
خير من قراءة غيرهم وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد، ورأيت أهل دمشق
يقولون: ان قراءتهم خير من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون
مثل ذلك وانهم قرأوا على ابن مسعود، وأهل البصرة يقولون مثل ذلك
وانهم قرأوا على أبي موسى ويسمون مصحفه (لباب القلوب) فلما وصلوا
إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذرهم ما يخاف فوافقه أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكثير من التابعين وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تنكر
ألسنا نقرأ على قراءة ابن مسعود، فغضب حذيفة ومن وافقه وقالوا: انما
أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطا وقال حذيفة: والله - لئن عشت -
لآتين أمير المؤمنين ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك، فاغلظ له
ابن مسعود فغضب سعيد وقام وتفرق الناس وغضب حذيفة.
مصحف عثمان
قال: وسار حذيفة إلى عثمان فأخبره بالذي رأى وقال: انا النذير
العريان فأدركوا الأمة!. فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر فأعظموه
ورأوا جميعا ما رأى حذيفة، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي الينا
بالصحف ننسخها وهي التي كتبت أيام أبي بكر فان القتل لما كثر في
الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: اني أخشى أن يستحر القتل
بالقراء فيذهب من القرآن كثير واني أرى ان تأمر بجمع القرآن، فامر أبو
بكر زيد بن ثابت فجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال، فكانت
الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر، فلما توفي أخذتها حفصة فاخذها
عثمان منها فامر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد
الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها من المصاحف وقال عثمان إذا
اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا فلما نسخوا
الصحف ردها عثمان إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف وحرق ما
سوى ذلك وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سوى ذلك. فكل الناس
عرفوا فضل هذا الفعل الا ما كان من أهل الكوفة فان أصحاب عبد الله
ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس (الخبر). في الاتقان في مغازي
موسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما أصيب المسلمون باليمامة خاف أبو بكر
ان يذهب من القرآن طائفة فاقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع في
الورق (إلى أن قال): روى البخاري عن أنس ان حذيفة بن اليمان قدم
على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل
العراق، فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان أدرك الأمة قبل
أن يختلفوا، فأرسل إلى حفصة ان أرسلي الينا الصحف ننسخها في
المصاحف فامر زيد بن ثابت وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن
الحارث فنسخوها في المصاحف وقال: ان اختلفتم وزيد بن ثابت في شئ
من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه انما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا
نسخوا الصحف في المصاحف رد الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق
بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف ان
يحرق، قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت
اسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدنا مع خزيمة بن ثابت
(الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) في سورتها في
المصحف. قال ابن حجر: وكان ذلك سنة 25، قال: وغفل بعض من
أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة 30 ولم يذكر له مستندا اه‍. ويفهم
من ذلك أن عثمان امر باحراق جميع المصاحف ما عدى المصحف الذي
جمعه وفرق نسخته على الأقطار سواء أكان فيها مخالفة لما في المصحف الذي
جمعه أم لم يكن، قصدا لجمع الناس على مصحف واحد، وان الداعي إلى
جمعه القرآن هو اختلاف القراءات.
أول من جمع القرآن
وحيث انجر الكلام إلى جمع القرآن الكريم فلا باس باستيفاء الكلام
على أول من جمعه، فان الحديث شجون. قد عرفت مما مر ان مقتضى
بعض الأخبار أن أول جمع القرآن كان في زمن أبي بكر جمعه زيد بن ثابت،
ولكن الحاكم في المستدرك قال: ان القرآن الكريم جمع ثلاث مرات أولها
في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستدل بحديث أسنده عن زيد بن ثابت قال: كنا عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نؤلف القرآن من الرقاع (الحديث) قال: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفيه البيان الواضح ان جمع القرآن
لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جمع بعضه
بحضرة أبي بكر، والجمع الثالث هو في ترتيب السور كان في خلافة عثمان
اه‍. وعد ابن النديم في الفهرست من الجماع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
علي بن أبي طالب. وحكى في الاتقان عن البخاري انه روى أنه جمع
القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير واحد وذكر أسماءهم. وروى في
الاتقان أيضا ما يدل على أن أول من جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو
علي بن أبي طالب قال: أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن
سيرين قال: قال علي لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي إلا
لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته، قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف
لانقطاعه، وأجاب السيوطي عن ذلك في الاتقان بقوله: قد ورد من
طريق أخرى اخرجه ابن الضريس في فضائله حدثنا بشر بن موسى حدثنا
هودة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان
بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر قد كره
بيعتك، فأرسل اليه، فقال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد
فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي الا لصلاة حتى أجمعه - الحديث، قال:
وأخرجه ابن اشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه - أي
علي عليه السلام - كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وان ابن سيرين قال:
تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه، وأخرج ابن سعد
وابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن سيرين قال: نبئت أن عليا أبطا عن
بيعة أبي بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: آليت يميني أن لا أرتدي برداء
الا للصلاة حتى أجمع القرآن قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال
محمد - ابن سيرين -: فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم قال ابن

597
عوف: فسالت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه اه‍. وفي الاتقان
أيضا قال ابن حجر وقد ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول
عقب موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم - اخرجه ابن أبي داود اه‍. واخرج أبو نعيم في
الحلية والخطيب في الأربعين من طريق السدي عن عبد خير عن علي قال: لما
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقسمت أو حلفت ان لا أضع ردائي على ظهري حتى
أجمع ما بين اللوحين فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن اه‍. وفي
فهرست ابن النديم بسنده عن عبد خير عن علي عليه السلام انه رأى من
الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاقسم أن لا يضع على ظهره رداءه حتى يجمع
القرآن فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن فهو أول مصحف جمع فيه
القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر اه‍. وفي مناقب ابن
شهرآشوب في اخبار أهل البيت عليهم السلام أن عليا (ع) آلى ان لا يضع
رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه فانقطع عنهم مدة إلى أن
جمعه - الحديث. وقال ابن شهرآشوب في المناقب أيضا: ذكر الشيرازي -
امام أهل السنة في الحديث والتفسير في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب
في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى (ان علينا جمعه وقرآنه) قال:
ضمن الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع القرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي
طالب، قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد
موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر. قال: وفي أخبار أبي رافع ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: يا علي هذا كتاب الله خذه إليك،
فجمعه علي في ثوب فمضى به إلى منزله، فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلس علي
فألفه كما أنزله الله وكان به عالما. قال: وحدثني أبو العلاء العطار والموفق
خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عليا
بتأليف القرآن فألفه وكتبه اه‍. وقال ابن شهرآشوب في المعالم: الصحيح
أن أول من صنف في الاسلام علي عليه السلام جمع كتاب الله جل جلاله.
وفي عدة الرجال بعد نقل هذا عن المعالم: كأنه انما عد جمع القرآن المجيد
في التصنيف لأنه أراد بالتصنيف مطلق التاليف، أو لأنه - عليه السلام - لم
يقتصر فيما جمع وجاءهم به على التنزيل، بل ضم اليه البيان والتأويل فكان
أعظم مصنف اه‍. فظهر من مجموع ما تقدم ان أول جمع للقرآن كان في
عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وان أول من جمعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو علي بن أبي
طالب، وان هذا القرآن كان عند أهل البيت حتى انتهى إلى آل جعفر،
كما مر عن ابن النديم، ولا يدري انهم آل جعفر الطيار أو آل جعفر
الصادق والظاهر الثاني، وهذا القرآن لم يحرق فيما أحرقه عثمان من
المصاحف لأنه كان محفوظا عند أهل البيت لم ينشر بين الناس.
المراسلة بينه وبين أبي ذر
في كتاب مخطوط من مؤلفات أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي عندنا
منه قطعة ذهب منها أوله وآخره فلم نعرف اسمه، قال أبو مخنف حدثني
الصلت عن زيد بن كثير عن أبي أمامة قال: كتب أبو ذر إلى حذيفة بن
اليمان يشكو اليه ما صنع به عثمان وذكر الكتاب، فكتب اليه حذيفة،
وذكر الجواب، وقد مر الكتاب والجواب كلاهما في ترجمة أبي ذر في الجزء
السادس عشر (1).
ولاؤه وتشيعه لأمير المؤمنين علي وأهل البيت عليهم السلام
يدل عليه ما مر في روايات الكشي عند ذكر أقوال العلماء فيه
المتضمنة عد علي عليه السلام إياه من السبعة الذين بهم ينصرفون وبهم
يمطرون، وانه من جملة الذين صلوا على فاطمة عليها السلام، وانه من
الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الأخبار
، ويدل عليه أيضا ما مر وما يأتي من أخباره عند ذكر توليته
المدائن، وما يأتي من قوله علي عليه السلام، وقوله لما حضره الموت، وقال
الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب حدثنا يحيى بن
أبي طالب حدثنا أبو محمد الزبيري حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن
ثابت عن أبي راشد قال: لما جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال: لا أبايع
بعده الا أصعر أو أبتر الاصعر والأبتر المعرض عن الحق والذاهب بنفسه
والذليل. ومر ايصاؤه ابنيه بملازمة أمير المؤمنين عليه السلام وقتلهما معه
بصفين. وفي شرح النهج: قال حذيفة بن اليمان لو قسمت فضيلة علي
عليه السلام بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم. وقد
روى المفيد في الارشاد وابن أبي الحديد في شرح النهج خبرا عن حذيفة في
شان وقعة الأحزاب يدل على معرفته فضل أمير المؤمنين عليه السلام حق
معرفتها وعدم مخالطة قلبه بشئ من الشوائب، وبين الروايتين تفاوت،
ونحن نجمع بينهما فنذكر ما في شرح النهج ثم التفاوت الذي في رواية المفيد
قال المفيد وابن أبي الحديد: روى قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي
عن ربيعة بن مالك السعدي قال: اتيت حذيفة بن اليمان فقلت: يا أبا
عبد الله ان الناس يتحدثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه فنقول لهم
فيقول لنا أهل البصرة: انكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل (انكم
تفرطون في علي)، فهل أنت محدثي بحديث عنه (فيه) أذكره للناس؟
فقال حذيفة: يا ربيعة وما الذي تسألني عن علي؟ وما الذي أحدثك
عنه!؟ والذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع أعمال أمة (أصحاب)
محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كفة الميزان منذ بعث الله تعالى محمدا إلى يوم الناس هذا
ووضع عمل واحد من اعمال علي في الكفة الأخرى لرجح على أعمالهم
كلها!!. فقال ربيعة: هذا المدح الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل اني
لأظنه اسرافا يا أبا عبد الله فقال حذيفة: يا لكع وكيف لا يحمل وأين كان
المسلمون يوم الخندق وقد عبر إليهم عمرو وأصحابه فملكهم الهلع والجزع
ودعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتى برز اليه علي فقتله! والذي نفس حذيفة
لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا اليوم والى ان
تقوم القيامة. وفي رواية المفيد: فقال حذيفة يا لكع كيف لا يحمل وأين
كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم عمرو بن عبد ود
وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فإنه برز اليه وقتله الله
على يده الخ. وفي الدرجات الرفيعة: روي أن عليا عليه السلام لما أدرك
عمرو بن ود لم يضربه فوقع الناس في علي فرد عنه حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
يا حذيفة ان عليا سيذكر سبب وقفته، ثم إنه ضربه فلما جاء سأله النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال قد كان شتم أمي وتفل في وجهي فخشيت ان أضربه
لحظ نفسي فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله. قال صاحب الدرجات
الرفيعة: وانما ذكرنا هذا الحديث ليعلم به من اخلاص حذيفة لأمير
المؤمنين عليه السلام من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الدرجات أيضا: روى أبو
مخنف، قال: لما بلغ حذيفة بن اليمان ان عليا عليه السلام قد قدم ذا قار
واستنفر الناس دعا أصحابه فوعظهم و ذكرهم الله وزهدهم في الدنيا



(1) ذكرنا هناك أننا نقلنا الكتابين عن كتاب الفصول للمرتضى عن أبي مخنف، والصواب اننا
نقلناهما عن كتاب لأبي مخنف مذكور مع الفصول في مجلد واحد، وهو الذي أوقع في
الاشتباه. - المؤلف -
598
ورغبهم بأمير المؤمنين وسيد المسلمين فان من الحق ان تنصروه وهذا ابنه
الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفران الناس فانفروا، فنفر أصحاب
حذيفة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومكث حذيفة بعد ذلك خمس عشرة
ليلة وتوفي اه‍. وقال المسعودي في مروج الذهب: كان حذيفة عليلا
بالمدائن في سنة 36 فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال: أخرجوني
وادعوا: الصلاة جامعة، فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
النبي وآله ثم قال: أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله
وانصروا عليا ووازروه فوالله انه لعلى الحق آخرا وأولا وانه لخير من
مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره، ثم قال:
اللهم اشهد اني قد بايعت عليا، وقال: الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا
اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: احملاني وكونا معه فسيكون له حروب
يهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا ان تشهدا (تستشهدا) معه فإنه والله
على الحق ومن خالفه على الباطل!. ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة
أيام وقيل بأربعين يوما اه‍. وشهد ابناه المذكوران بعد ذلك صفين مع
أمير المؤمنين عليه السلام، وقتلا بها شهيدين أو أحدهما كما مر. وسيأتي
عند ذكر تولية المدائن خبر بيعته لعلي عليه السلام وما خطب به ما له تعلق
بهذا المقام فراجع.
فقهه ومعرفته بالقضاء
روى ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة جارية بن ظفر اليمامي
بسنده عنه ان دارا كانت بين أخوين فحظرا في وسطها حظرا ثم هلكا
فادعى عقب كل منهما ان الحظار له واختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل
حذيفة بن اليمان ليقضي بينهما، فقضى بالحظار لمن وجد معاقد القمط
تليه، ثم رجع فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أصبت أو أحسنت اه‍. (تفسير
ذلك) ان الحظار هو الحاجز بين الملكين من قصب ونحوه شبه الحائط،
والقمط: ما يربط به ذلك القصب من حبل ونحوه، فمن كانت أطراف
تلك الحبال معقودة مما يليه فالحظار له.
علمه بالكتاب والسنة
في رجال بحر العلوم: أثبت أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري
(البصري) في الايضاح لحذيفة عند ذكر الدرجات درجة العلم بالسنة،
ويستفاد من بعض الأخبار أن له درجة العلم بالكتاب أيضا وقد روي أن
حذيفة كان يقول: اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم،
فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد
ضللتم ضلالا بعيدا. وانه كان يقول للناس: خذوا عنا فانا لكم ثقة ثم
خذوا عن الذين يأخذون عنا ولا تأخذوا عن الذين يلونهم، قالوا لم،
قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مره ولا يصلح حلوه الا بمره.
تجويزه الكذب للضرورة
في حلية الأولياء بسنده عن النزال بن سبرة قال: كنا مع حذيفة في
البيت فقال له عثمان: يا أبا عبد الله ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال ما
قلته، فقال له عثمان: أنت أصدقهم وأبرهم. فلما خرج قلت له: يا أبا
عبد الله ألم تقل ما قلت! قال بلى ولكن اشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن
يذهب كله. وأورده ابن عساكر في تاريخ دمشق نحوه. وكان يقول: ما
أدرك هذا الامر أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا قد اشترى بعض دينه
ببعض، قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله: اني لادخل على أحدهم،
وليس أحد الا وفيه مساوئ ومحاسن، فاذكر من محاسنه وأعرض عن
مساويه، وربما دخلت على أحدهم وهو على الغداء فدعاني فأقول اني صائم
ولست بصائم. كأنه لا يريد أن يأكل من طعام لا يعلم بطيبه.
كان حذيفة صاحب حلقة في المسجد
يدل ما سيأتي عند ذكر حديثه عن الفتن انه كان صاحب حلقة
بالكوفة يجلس في المسجد ويجتمع عليه الناس فيحدثهم، روى ذلك الإمام أحمد
بن حنبل في حديثين له عن خالد بن خالد اليشكري، ورواه الشيخ
الطوسي في الأمالي بسنده عن خالد بن خالد اليشكري كما سيأتي هناك.
حديثه مع الفتن
في الاستيعاب وأسد الغابة: سئل حذيفة: أي الفتن أشد؟ قال أن
يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركب. وروى الإمام أحمد بن
حنبل في مسنده بسنده عن خالد بن اليشكري قال خرجت زمان فتحت
تستر حتى قدمت الكوفة فدخلت المسجد فإذا انا بحلقة فيها رجل صدع من
الرجال حسن الثغر يعرف فيه أنه من رجال أهل الحجاز. فقلت من الرجل؟ فقال
القوم أوما تعرفه قلت لا، فقالوا هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، فقعدت وحدث القوم فقال: ان الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
الخير وكنت أساله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه، فقال لهم: اني
سأخبركم بما أنكرتم من ذلك: جاء الاسلام حين جاء، فجاء أمر ليس كأمر
الجاهلية، وكنت قد أعطيت في القرآن فهما، فكان رجال يجيئون
فيسألون عن الخير، فكنت أساله عن الشر، فقلت: يا رسول الله أيكون
بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ فقال نعم، قلت فما العصمة يا رسول
الله، قال السيف قلت وهل بعد هذا السيف بقية، قال: نعم تكون امارة
على أقذاء وهدنة على دخن، قلت: ثم ماذا؟ قال ثم تنشأ دعاة الضلالة
فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمه والا
فمت وأنت عاض على جذل شجرة الحديث. ورواه الشيخ الطوسي في
أماليه باسناده عن خالد بن اليشكري مثله الا أنه قال: فإذا أنا بحلقة فيها
رجل جهم من الرجال، فقلت من هذا الخ. وقال أعطيت من القرآن
فقها بدل فهما، وقال: فان رأيت يومئذ خليفة عدل فالزمه، والا فمت
عاضا على جذل شجرة اه‍. (الجذل) بكسر الجيم وفتحها وسكون
الذال المعجمة أصل الشجرة يقطع. قاله في النهاية. وروى الإمام أحمد في
المسند بسنده عن نصر بن عاصم الليثي قال: اتيت اليشكري في رهط من
بني ليث عن حديث حذيفة (إلى أن قال) قدمنا الكوفة باكرا من النهار،
فدخلت المسجد فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رؤوسهم (1) يستمعون إلى حديث
رجل، فقمت عليهم، فجاء رجل فقام إلى جنبي، فقلت من هذا؟ قال
أبصري أنت، قلت نعم، قال قد عرفت لو كنت كوفيا لم تسال عن هذا
هذا حذيفة بن اليمان، فسمعته يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن الخير وأساله عن الشر وعرفت ان الخير لن يسبقني، قلت: يا رسول
الله أبعد هذا الخير شر، قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه،
ثلاث مرات، قلت يا رسول الله أبعد هذا الشر خير قال هدنة على
دخن وجماعة على أقذاء قلت يا رسول الله الهدنة على دخن ما هي قال: لا



(1) لعله كناية عن السكون وعدم الحركة وشدة الاصغاء.
599
ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه قلت يا رسول الله أبعد هذا الخير
شر؟ قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار وأنت أن تموت يا
حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم. وبسنده
عن حذيفة بن اليمان أنه قال يا رسول الله انا كنا في شر فذهب الله بذلك
الشر وجاء بالخير على يديك فهل بعد الخير من شر؟ قال نعم، قال ما هو؟
قال: فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر
لا تدرون أيا من أي. وبسنده عن حذيفة: قلت يا رسول الله هل بعد
هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال: يا حذيفة اقرأ كتاب الله واعمل بما
فيه فاعرض عني فأعدت عليه ثلاث مرات فقلت هل بعد هذا الخير من شر
قال نعم فتنة عمياء (عماء أو غماء) صماء ودعاة ضلالة على أبواب جهنم
من أجابهم قذفوه فيها. وفي حلية الأولياء بسنده عن حذيفة انه سئل عن
قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفتن التي تموج موج البحر، فقال: تعرض الفتن
على القلوب عرض الحصيد فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء واي
قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى تصير القلوب على قلبين. قلب
أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود
مربدا كالكوز مجخيا (1) - وأمال كفه - لا يعرف معروفا ولا
ينكر منكرا الا ما أشرب من هواه - الحديث. وفي الحلية أيضا بسنده
عن حذيفة قال: ان الفتنة تعرض على القلوب فأي قلب أشربها
نكتت فيه نكتة سوداء فان أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء فمن أحب
منكم ان يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان يرى حراما ما كان يراه
حلالا أو يرى حلالا ما كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة. وفي الحلية أيضا
بسنده عن حذيفة قال: أتتكم الفتن ترمي بالنشف، ثم أتتكم ترمي
بالرضف، ثم أتتكم سوداء مظلمة. وفي الفائق للزمخشري عن حذيفة
انه ذكر الفتنة فقال: أتتكم الدهيماء ترمي بالنشف، ثم التي تليها ترمي
بالرضف، والذي نفسي بيده ما اعرف لي ولكم الا ان نخرج منها كما
دخلنا فيها. قال الزمخشري: (الدهيماء) هي تصغير الدهماء وهي الفتنة
المظلمة وهو التصغير الذي يقصد به التعظيم (والنشف) جمع نشفة وهي
الفهر السوداء كأنها محرقة (والرضف) الحجارة المحماة الواحدة رضفة.
ذكر تتابع الفتن وفظاعة شانها وضرب رميها بالحجارة مثلا لما يصيب الناس
من شرها ثم قال: ليس الرأي الا ان تنجلي عنا ونحن في عدم التباسنا
بالدنيا كما دخلنا فيها اه‍. (الفهر) الحجر قدر ما يملأ الكف. وفي
الحلية أيضا بسنده عن حذيفة قال: ثلاث فتن والرابعة تسوقهم إلى الدجال
التي ترمي بالرضف والتي ترمي بالنشف والسوداء المظلمة التي تموج كموج
البحر والرابعة تسوقهم إلى الدجال.
كان حذيفة يسأل عن الشر دون الخير
مر بعض ما يدل على ذلك وروى احمد بسنده قال حذيفة: كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الخير وكنت أساله عن الشر، قيل لم فعلت
ذلك؟ قال: من اتقى الشر وقع في الخير. وفي تاريخ دمشق: أخرج ابن
مردويه عن حذيفة أنه قال - وهو في مجلس كان ناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن الخير وأساله عن الشر فنظر اليه الناس كأنهم ينكرون عليه فقال لهم
كأنكم أنكرتم ما أقول كان الناس يسألونه عن القرآن، وكان الله قد
أعطاني منه علما، فقلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي أعطاناه الله
من شر - الحديث.
تمنيه العزلة عن الناس
في حلية الأولياء بسنده قال حذيفة: لوددت ان لي انسانا يكون في
مالي ثم أغلق علي الباب فلم أدخل علي أحدا حتى ألقى الله عز وجل.
صبره على البلاء
في تاريخ دمشق: قال خرج البيهقي عن حذيفة أنه قال: كنتم
تسألونه عن الرخاء وكنت أساله عن الشدة لأتقيها ولقد رأيتني وما من يوم
أحب إلي من يوم يشكو إلي فيه أهلي الحاجة ان الله تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه
حتى يقول عظ عظك (2) وشد شدك ان قلبي يحبك. وأخرج ابن عساكر
من طريق عبد الله بن وهب عن حذيفة أنه قال: ان أقر أيامي يوم أرجع
فيه إلى أهلي فيشكون لي فيه الحاجة، و الذي نفسي بيده لقد سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ان الله ليتعاهد عبده بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير
وان الله تعالى ليحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي المريض أهله
الطعام. وفي حلية الأولياء بسنده عن حذيفة قال: أقر ما أكون عينا حين
يشكو إلي أهلي الحاجة وان الله تعالى ليحمي المؤمن من الدنيا كما يحمي
أهل المريض مريضهم الطعام. وبسنده عن حذيفة أنه كان يقول: ما من
يوم أقر لعيني ولا أحب لنفسي من يوم آتي أهلي فلا أجد عندهم طعاما
ويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول إن الله تعالى أشد حمية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام
والله تعالى أشد تعاهدا للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير.
كلامه في النفاق والمنافقين في زمانه
في حلية الأولياء بسنده عن أبي الشعثاء المحاربي: سمعت حذيفة
يقول: ذهب النفاق فلا نفاق انما هو الكفر بعد الايمان. اليوم شر منهم
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.
أسند الحاكم في المستدرك في حديث: سئل علي عن حذيفة فقال:
كان أعلم بالمنافقين. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن حذيفة أنه قال
: مر بي عمر بن الخطاب وانا جالس في المسجد فقال: يا حذيفة ان
فلانا قد مات فأشهده، ثم مضى، حتى إذا كاد ان يخرج من المسجد
التفت إلي فرآني وانا جالس فعرف، فرجع إلي فقال يا حذيفة أمن القوم
انا؟ فقلت اللهم لا أبرئ أحدا بعدك. وفي تاريخ دمشق أيضا: روى
ابن منده عن أبي البختري الطائي انه سئل (عليه السلام). إلى أن قال:
وسئل عن حذيفة فقال: علم المنافقين وسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وسئل عن
نفسه فقال: كنت إذا سالت أعطيت وإذا سكت ابتديت. وفي رواية
أخرى: سئل عن حذيفة فقال: أعلم الناس بالمنافقين، قالوا: أخبرنا
عن نفسك، قال: إياها أردتم كنت إذا سكت ابتديت وإذا سالت أعطيت
فان بين دفتي علما جما قال أبو البختري - أحد رواة هذا الحديث -: فقلت
لإسماعيل بن خالد ما معنى ما بين الدفتين؟ قال جنبيه. وفي لفظ آخر:
وسئل عن حذيفة فقال ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات وعلم أسماء
المنافقين ان تسألوه عنها تجدوه بها عالما. وفي الدرجات الرفيعة: سئل أمير
المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فقال: كان عارفا بالمنافقين وسأل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المعضلات فان سألتموه وجدتموه بها خبيرا اه‍. قال: وكان



(1) المجخي بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الخاء: المائل عن الاستقامة والاعتدال.
(2) عن المزهر: تشترك الضاد والظاء في عض الحرب والزمان. - المؤلف -
600
حذيفة يسمى صاحب السر وكان عمر لا يصلي على جنازة لا يحضرها
حذيفة اه‍. وفي تاريخ دمشق: أخرج ابن سعد عن جبير بن مطعم أنه قال
: لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسماء المنافقين الذين حضروا ليلة العقبة الا
حذيفة وهم اثنا عشر رجلا من الأنصار أو من حلفائهم اه‍. وروى
الإمام أحمد في مسنده باسناده عن قيس: قلت لعمار أرأيتم صنيعكم هذا
الذي صنعتم فيما كان امر علي رأيا رأيتموه أم شيئا عهده إليكم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لم يعهد الينا رسول الله شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن
حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: في أصحابي اثنا عشر رجلا لا يدخلون
الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وبسنده عن الوليد بن جميع وأبي
الطفيل قال: كان بين حذيفة وبين رجل من أهل العقبة ما يكون بين
الناس، فقال: أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة؟ فقال له القوم اخبره
إذ سالك، قال: ان كنا نخبر أنهم أربعة عشر قال فان كنت منهم فقد كان
القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في
الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. قال أبو أحمد في حديثه: وقد كان - أي
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرة فمشى فقال للناس: ان الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد،
فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ اه‍. ولا يخفى ان هذه الروايات تدل
على أن هؤلاء المنافقين قوم يحتشم من التصريح بأسمائهم، والا لم يخف
حذيفة أسماؤهم ولم يجهلهم الخليفة ولم يسال هل هو منهم، وانهم ليسوا
من المعروفين بالنفاق الذين لا يؤبه لهم كابن أبي سلول وأضرابه. وفي
الدرجات الرفيعة: روى المفضل بن عمر عن جعفر بن محمد عليهما السلام
أنه قال: كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرفون الا ببغض
علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان حذيفة يعرفهم لأنه كان ليلة العقبة
يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمار يسوقها، وقد قعد المنافقون على العقبة ليلا
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند منصرفه من غزوة تبوك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلف
عليا بالمدينة على أهله ونسائه، فقال المنافقون بعضهم لبعض: ان محمدا
بغض نفسه إلى أصحابه بسبب علي، وعلي هو الذاب عنه والمجاهد دونه لا
يعمل فيه أحر والبرد والسيف والسنان وقد استخلفه بالمدينة، فبادروا هذا
الذي لولا علي لكان أهون من فقع بقرقر، ولولا أبو طالب بمكة لم يتبعه
أحد، فإنه آواه ونصره وذب عنه وجاهد قريشا فيه حتى استفحل أمره
وعظم شانه، فلما استقر قراره أعاد الملك والسلطان إلى بني أبيه من دون
قريش، أفقريش لبني هاشم خول واتباع، وقد اجتمعت كلمتهم بالاسلام
بعد ان كانوا مختلفين فتقدموا واخشوشنوا واجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم
اطلبوا بثأركم ممن اختدعكم عن دينكم وأدخلكم في دينه، ثم جعلكم
أتباعه وأتباع بني هاشم ومواليهم وعبيدهم إلى أن تقوم الساعة، والا
فعيشوا أشقياء عباديد بعد الآلهة أذلة ما بقيتم. وكان القائل رجل من
المهاجرين من قريش يحرض أصحابه ليلة العقبة على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فضرب الله وجوههم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان ذلك الرجل يشكو حذيفة
إلى أبي بكر فيقول دعه فالسكون خير من الخوض في أمره فلما بويع عمر
بعث إلى حذيفة (إلى أن قال) ثم اقبل على أصحابه فقال لهم صاحب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعلم أصحابه بالمنافقين انا كنا نعرف المنافقين على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببغضهم عليا فكان حذيفة يقول: السكينة تنطق على
لسانك، بقوله لحذيفة: انك اعرف الناس بالمنافقين. وفي الدرجات
الرفيعة: ذكر مختار العراقيين يوم الحكمين عند حذيفة بالدين فقال: أما
أنتم فتقولون ذلك، وأما انا فاشهد انه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في
الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة
ولهم سوء الدار. قال: وروي ان عمارا سئل عنه فقال: لقد سمعت فيه
من حذيفة قولا عظيما، سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود صاحب
البرنس الأسود ثم كلح كلوحا، علمت أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط
وكان حذيفة عارفا بهم، وروى البخاري في صحيحه في تفسير سورة النساء
بسنده عن الأسود قال: كنا في حلقة عبد الله فجاء حذيفة حتى قام علينا
فسلم ثم قال لقد انزل الله النفاق على قوم خير منكم قال الأسود سبحان
الله! (ان الله يقول إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) فتبسم
عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه،
فرماني بالحصى فاتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما
قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم ا
ه‍. في ارشاد الساري: (عبد الله) أي ابن مسعود. (حذيفة) ابن
اليمان خير منكم باعتبار انهم كانوا من طبقة الصحابة فارتدوا أو نافقوا
فتبسم عبد الله متعجبا من كلام حذيفة وبما قام به من قول الحق وما
حذر منه. قال الأسود (فرماني) أي حذيفة (بالحصى) أي ليستدعيني
(عجبت من ضحكه) مقتصرا على الضحك اه‍. والذي يلوح ان مراد
حذيفة بقوله: لقد أنزل النفاق الخ. توبيخ ابن مسعود وأصحاب
حلقته: أي لا تغتروا بأنفسكم فقد كان قوم يراهم الناس خيرا منكم
وكانوا منافقين لان حذيفة كان أعلم الناس بالمنافقين، كما مر، واستعظم
ذلك الأسود لدلالة الآية على أن المنافقين من أهل النار بل في الدرك
الأسفل منها، وتبسم ابن مسعود يحتمل وجوها (منها) ما مر عن ارشاد
الساري (ومنها) أن يكون سخرية وتعجبا من نسبة حذيفة لهم إلى النفاق
ونسبته إلى من هو خير منهم (ومنها) أن يكون استحسانا لجواب الأسود.
ويؤيد الوجه الثاني قول حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت،
أي أن مرادي: نافقوا ثم تابوا فتاب الله عليهم، فإذا عرف ان هذا مرادي
لا ينبغي له أن يضحك تعجبا من قولي، ولكن هذا الاعتذار بظاهره غير
صواب لأنه لا دليل على أن كل من نافق ممن هو خير منهم تاب، ولعله انما
قصد بهذا العذر المدافعة عن نفسه.
من هو المنافق
في حلية الأولياء بسنده: قيل لحذيفة من المنافق؟ قال الذي يصف
الاسلام ولا يعمل به.
بعض رواياته النبوية
أخرج له أحمد في مسنده روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدل قرائن
الأحوال ومخالفة بعضها لضرورة الدين ان جملة منها مكذوبة، وأخرج له
أصحاب كتب التراجم أيضا عدة روايات، ونحن ننتقي روايات مما أخرج
له فنوردها هنا.
الامراء الكذابون الظالمون
روى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
انها ستكون أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على
ظلمهم فليس منا ولست منهم ولا يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم
بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه وسيرد علي الحوض. وفي
حلية الأولياء بسنده عن حذيفة قال: ليكونن عليكم امراء لا يزن أحدهم
عند الله يوم القيامة قشر شعيرة.

601
رواياته في النمام
مر رجل قالوا هذا مبلغ الامراء قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول: لا يدخل قتات الجنة - القتات النمام -. وبسنده عن حذيفة انه
بلغه عن رجل ينم الحديث، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا
يدخل الجنة نمام. وبسنده عن همام بن الحارث: كنا عند حذيفة فقيل له
ان فلانا يرفع إلى عثمان الأحاديث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
لا يدخل الجنة قتات. وفي رواية أخرى بالاسناد عن همام عن حذيفة كان
رجل يرفع إلى عثمان الأحاديث من حذيفة، قال حذيفة سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يدخل الجنة قتات يعني نماما. وبسنده قيل لحذيفة ان رجلا
ينم الحديث، قال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يدخل الجنة
نمام.
في النهي عن الحرير وآنية
الذهب والفضة
روى أحمد في مسنده باسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة
قال: نهى رسول الله ص عن لبس الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة
وقال هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة. وبسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تشربوا في الذهب ولا في
الفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة.
وبسنده عن ابن أبي ليلى ان حذيفة كان بالمدائن فجاءه دهقان بقدح من
فضة، فاخذه فرماه به وقال: اني لم افعل هذا الا اني قد نهيته فلم ينته،
وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني عن الشرب في آنية الذهب والفضة والحرير
والديباج وقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وبسنده عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى: خرجت مع حذيفة إلى بعض هذا السواد فاستسقى
فاتاه دهقان باناء من فضة فرماه به في وجهه، قلنا اسكتوا اسكتوا فانا ان
سألنا لم يحدثنا، فسكتنا، فلما كان بعد ذلك، قال: أتدرون لم رميت به
في وجهه؟ قلنا لا، قال إني كنت قد نهيته، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تشربوا في
الذهب ولا في الفضة ولا تلبسوا الحرير ولا الديباج فإنهما لهم في الدنيا ولكم
في الآخرة. وبسنده عن ابن أبي ليلى ان حذيفة استسقى فاتاه انسان باناء
من فضة فرماه به وقال؟ اني كنت قد نهيته فأبى ان ينتهي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
نهانا أن نشرب في آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير والديباج وقال هو
لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. وبسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
استسقى حذيفة من دهقان أو علج، فاتاه باناء فضة فحذفه به، ثم أقبل
على القوم اعتذارا وقال: اني انما فعلت ذلك به عمدا لأني كنت نهيته
قبل هذه المرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن لبس الديباج والحرير وآنية الذهب
والفضة، وقال: هو لهم في الدنيا وهو لنا في الآخرة. وبسنده عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى كنت مع حذيفة بن اليمان بالمدائن فاستسقى فاتاه دهقان
باناء فرمى به ما يألوه أن يصيب به وجهه، ثم قال: لولا أني تقدمت اليه
مرة أو مرتين لم أفعل به هذا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا أن نشرب في آنية
الذهب والفضة وان نلبس الحرير والديباج قال هو لهم في الدنيا ولنا في
الآخرة.
كل معروف صدقة
روى أحمد بن حنبل بسنده عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كل
معروف صدقة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن حذيفة بن اليمان
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب
لكم. وفي رواية أو ليبعثن عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجاب لكم.
وبسنده عن حذيفة: ان كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فيصير (بها) منافقا واني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع
مرات لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير أو ليسحتنكم
الله جميعا بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب
لهم ورواه في حلية الأولياء بسنده عن حذيفة مثله. وفي حلية الأولياء بسنده
عن حذيفة قال لعن الله من ليس منا والله لتأمرن بالمعروف ولتناهون عن
المنكر أو لتقتتلن بينكم فليظهرن شراركم على خياركم فليقتلنهم حتى لا
يبقى أحد يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ثم تدعون الله عز وجل فلا
يجيبكم يمقتكم. وبسنده عن حذيفة ليأتين عليكم زمان خيركم من لم يأمر
بمعروف وينه عن منكر اه‍. يعني ان الناس في ذلك الزمان بين آمر بمنكر
وناه عن معروف وساكت وهو خيرهم.
التكبير خمسا على الجنازة
في مسند أحمد بن حنبل بسنده عن يحيى بن عبد الله الجابر قال
صليت خلف عيسى مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة فكبر خمسا ثم التفت
الينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي
حذيفة بن اليمان، صلى على جنازة وكبر خمسا ثم التفت الينا فقال: ما
نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جنازة فكبر
خمسا.
فضل الصوم والاطعام والكسوة
في تاريخ دمشق: أخرج أبو يعلى عن حذيفة أنه قال أتيت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفاه الله فيه (إلى أن قال) فقال يا حذيفة من ختم الله
له بصوم يوم أراد به وجه الله تعالى أدخله الله الجنة، ومن أطعم جائعا أراد
به وجه الله تعالى أدخله الله الجنة، ومن كسا عاريا أراد به الله تعالى أدخله
الله الجنة الحديث. في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن ابن مسعود وحذيفة قالا قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا فرطكم على الحوض أنظركم ليرفع لي رجال منكم حتى
إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول رب أصحابي أصحابي! فيقال انك لا
تدري ما أحدثوا بعدك. وبسنده عن أبي وائل عن حذيفة: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ليردن علي الحوض أقوام فإذا رأيتهم اختلجوا دوني، فأقول أي رب
أصحابي أصحابي! فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
اخباره ببعض الأحداث
في شرح النهج لابن أبي الحديد: قال حذيفة بن اليمان أول ما
تفقدون من دينكم الخشوع وفي حلية الأولياء بسنده عن عبد العزيز ابن أخ
لحذيفة قال سمعته منذ خمس وأربعين سنة قال أول ما تفقدون من دينكم
الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة.

602
ما اثر عنه من المواعظ والحكم
في تاريخ دمشق لابن عساكر: قال حذيفة: تعودوا الصبر فان
الصبر خير، وتعودوا البلاء فإنه يوشك ان ينزل بكم البلاء مع أنه لا
يصيبكم أشد مما أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ورواه في حلية الأولياء
بسنده عن صلة عن حذيفة الا أنه قال: تعودوا الصبر فأوشك ان ينزل
بكم البلاء! أما انه لا يصيبكم أشد الخ. وفيه قال حذيفة ان الله يقول
(اقتربت الساعة وانشق القمر) إلا أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
الا ان الساعة قد قربت، الا ان المضمار اليوم والسبق غدا. وفي حلية
الأولياء بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: انطلقت إلى الجمعة مع
أبي بالمدائن وبيننا وبينها فرسخ وحذيفة بن اليمان على المدائن، فصعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه وقال: (اقتربت الساعة وانشق القمر) الا وان القمر
قد انشق، الا وان الدنيا قد آذنت بفراق الا وان اليوم المضمار وغدا
السباق، فقلت لأبي ما يعني بالسباق؟ فقال من سبق إلى الجنة اه‍.
وأخرج ابن عساكر من طريق البغوي عن حذيفة، ورواه أبو نعيم في الحلية
بسنده عن حذيفة أنه قال: بحسب المرء من العلم ان يخشى الله عز وجل
وبحسبه من الكذب أن يقول استغفر الله ثم يعود. وقال فيما رواه ابن
المبارك: ان الحق ثقيل وهو مع ثقله شاف، وان الباطل خفيف وهو مع
خفته وبئ، وترك الخطيئة أيسر، وخير من طلب التوبة، ورب شهوة ساعة
أورثت حزنا طويلا. وأخرج البيهقي عنه انه انشد يوما:
ليس من مات فاستراح بميت * انما الميت ميت الأحياء
فقيل له: ما ميت الأحياء؟ قال الذي لا يعرف المعروف بقلبه ولا
ينكر المنكر بقلبه، وفي رواية: هو الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا
بقلبه. وقال يوما لرجل: أراك إذا دخلت الكنيف أبطأت في مشيتك وإذا
خرجت أسرعت، فقال: ادخل وانا على وضوء وأخرج وأنا على غير وضوء
فأخاف ان يدركني الموت قبل ان أتوضأ، فقال له حذيفة: انك لطويل
الأمل، لكني ارفع قدمي فأخاف ان لا أضع الأخرى حتى أموت. وأخرج
ابن عساكر وابن أبي شيبة عن حذيفة أنه قال: لوددت لو أن لي من يصلح
لي مالي فاغلق علي بأبي فلا يدخل علي أحد حتى الحق بالله عز وجل.
وقيل له: ما لك لا تتكلم؟ فقال: ان لساني سبع أخاف ان تركته يأكلني.
وقال: ليس خياركم من ترك الدنيا للآخرة. ولكن خياركم من أخذ من
كل شئ أحسنه. وقال خياركم الذين يأخذون من دنياهم لآخرتهم ومن
آخرتهم لدنياهم. وسئل يوما عن مسالة فقال: انما يفتي أحد ثلاثة من
عرف الناسخ والمنسوخ أو رجل ولي سلطانا فلا يجد من ذلك بدا أو
متكلف. وفي حلية الأولياء بسنده عن حذيفة أنه قال إذا أذنب العبد نكت
في قلبه نكتة سوداء فان أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير كالشاة
الربداء. وبسنده عن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما
مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير
فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه. وبسنده عن الأعمش: بلغني أن
حذيفة كان يقول: ليس خيركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ولا الذين
يتركون الآخرة للدنيا، ولكن الذين يتناولون من كل. وبسنده عن
كردوس قال: خطب حذيفة بالمدائن فقال أيها الناس تعاهدوا ضرائب
غلمانكم فان كانت من حلال فكلوها وان كانت من غير ذلك فارفضوها،
فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: انه ليس من لحم ينبت من سحت
فيدخل الجنة. وأخرج أبو نعيم أيضا في الحلية من طريق أحمد بن حنبل
عن حذيفة: ان بائع الخمر كشاربها ألا ان مقتني الخنازير كأكلها تعاهدوا
أرقاءكم فانظروا من أين يجيئون بضرائبهم فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من
سحت. وبسنده عن حذيفة قال: ان في القبر حسابا وفي القيامة حسابا
فمن حوسب يوم القيامة عذب.
التنزه
عن منازعة الأشرار والفجار
في كشكول البهائي: قال حذيفة بن اليمان لرجل أتحب ان تغلب
شر الناس؟ قال نعم. فقال إنك لن تغلبه حتى تكون شرا منه اه‍. وفي
حلية الأولياء بسنده قال حذيفة لرجل أيسرك انك قتلت أفجر الناس؟ قال
نعم. قال إذا تكون أفجر منه اه‍. يريد بذلك انه ينبغي التنزه عن منازعة
الأشرار والفجار.
ما أثر عنه من الدعاء
في تاريخ دمشق ان حذيفة قال يوما: لأقومن اليوم ولأمجدن ربي عز
وجل، قال الراوي فسمعت صوتا لم أسمع صوتا قط أحسن منه فقال
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله واليك يرجع الأمر كله علانية وسرا
اغفر لي ما سلف مني واعصمني فيما بقي.
القلوب أربعة
في حلية الأولياء بسنده عن حذيفة قال: القلوب أربعة: قلب
أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب أجرد
فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه نفاق وايمان فمثل الايمان
كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل القرحة يمدها قيح ودم
فأيهما ما غلب عليه غلب.
التلاعن
في حلية الأولياء عن حذيفة: ما تلاعن قوم قط الا حق عليهم
القول.
من روى عنهم حذيفة
في الإصابة: روى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير وعن عمر.
الراوون عن حذيفة.
في تاريخ دمشق: روى عنه جماعة، وفي أسد الغابة: روى عنه ابنه
أبو عبيدة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقيس بن أبي حازم وأبو
وائل وزيد بن وهب وغيرهم، (أقول): لم يكن علي بن أبي طالب - وهو
باب مدينة العلم - ليروي عن حذيفة ولا غيره وأحر بان يروي حذيفة
عنه. وفي الإصابة: روى عنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وأبو الطفيل
في آخرين. ومن التابعين ابنه بلال وربعي بن خراش وزيد بن وهب
وزر بن حبيش وأبو وائل وغيرهم. قلت: وروى عنه عبد الرحمن بن أبي
ليلى.
توليته على المدائن ووفاته بها
ذكر المؤرخون أن عمر ولاه المدائن، لكنهم لم يذكروا في أي سنة
كان ذلك، ولكن الظاهر أن ذلك كان بعد خروج سعد من المدائن وبنائه

603
الكوفة، وقد اختلف في فتح المدائن فقيل: انه كان سنة 16 وقيل سنة 19
ذكر القولين ابن الأثير في الكامل، وقال ابن الأثير: قيل إن حذيفة كان
مع سعد، فكتب حذيفة إلى عمر يشكو تغير أجسام العرب. فكتب عمر
إلى سعد ان أبعث سلمان وحذيفة رائدين، فخرج سلمان في غربي الفرات
وحذيفة في شرقيه حتى أتيا الكوفة فأعجبتهما، فارتحل سعد من المدائن حتى
نزل الكوفة في المحرم سنة 17، بناء على أن فتح المدائن سنة 16 أو
سنة 20، بناء على أن فتح المدائن سنة 19. وفي الطبقات الكبير لابن
سعد عن الواقدي قال: استعمل عمر بن الخطاب حذيفة على المدائن، ثم
روى بسنده عن طلحة قال: قدم حذيفة بالمدائن على حمار باكافه سادلا
رجليه ومعه عرق ورغيف وهو يأكل. ورواه أبو نعيم في الحلية، وفي
بعض رواياته: وهو يأكل على الحمار وهو سادل رجليه من جانب. وفي
الإصابة: قال العجلي استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد
قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوما. ومثله في تاريخ دمشق. وروى
الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن ابن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب
إذا بعث أميرا كتب إليهم: اني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا،
فاسمعوا له وأطيعوا. فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم: اني قد
بعثت إليكم فلانا فأطيعوه. فقالوا: هذا رجل له شان فركبوا ليتلقوه،
فلقوه على بغل تحته أكاف وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم
يعرفوه فأجازوه فلقيهم الناس فقالوا لهم: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي
لقيتم فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل،
فسلموا عليه فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف، فلما غفل ألقاه
أو قال أعطاه خادمه وفي أسد الغابة قال محمد بن سيرين كان عمر إذا
استعمل عاملا كتب عهده: وقد بعثت فلانا وأمرته بكذا. فلما استعمل
حذيفة على المدائن كتب في عهده ان اسمعوا له وأطيعوه وأعطوه ما سألكم
فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين فلما قرأ عهده قالوا سلنا ما شئت، قال:
أسألكم طعاما آكله وعلف حماري ما دمت فيكم، فأقام فيهم. ثم كتب
اليه عمر ليقدم عليه، فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق، فلما رآه
عمر على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه عمر فالتزمه وقال: أنت أخي
وانا أخوك اه‍. وقد صرح المؤرخون بأنه بقي واليا على المدائن إلى أن قتل
عثمان وبويع علي بن أبي طالب ومات بعد بيعته بأربعين يوما، لكنهم لم
يذكروا أن عثمان ولاه المدائن أو عزله ثم ولاه، الا ان الديلمي في ارشاد
القلوب روى مرفوعا قال لما استخلف آوى اليه عمه الحكم بن العاص
وولده مروان والحارث بن الحكم ووجه عماله في الأمصار وكان فيمن وجه
الحارث بن الحكم إلى المدائن، فأقام بها مدة يتعسف أهلها ويسئ
معاملتهم، فوفد منهم إلى عثمان وفد يشكونه وأعلموه بسوء ما يعاملهم به
وأغلظوا عليه في القول، فولى حذيفة بن اليمان عليهم وذلك في آخر
أيامه، فلم ينصرف حذيفة عن المدائن إلى أن قتل عثمان واستخلف
علي بن أبي طالب فأقام حذيفة عليها، وكتب اليه علي عليه السلام.
كتاب علي عليه السلام إلى
حذيفة بتوليته المدائن
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى حذيفة بن
اليمان سلام عليك أما بعد فاني قد وليتك ما كنت عليه لمن كان قبلي من
جرف المدائن، وقد جعلت إليك أعمال الخراج والرستاق وجباية أهل
الذمة فاجمع إليك ثقاتك ومن أحببت ممن ترضى دينه واعانته، واستعن بهم
على أعمالك، فان ذلك أعز لك ولوليك وأكبت لعدوك. واني آمرك
بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية، وأحذرك عقابه في المغيب والمشهد،
وأتقدم إليك بالاحسان إلى المحسن والشدة على المعاند، وآمرك بالرفق في
أمورك واللين والعدل في رعيتك، فإنك مسؤول عن ذلك، وانصاف
المظلوم، والعفو عن الناس، وحسن السيرة ما استطعت فالله يجزي
المحسنين، وآمرك ان تجبي خراج الأرضين على الحق والنصفة، ولا تتجاوز
ما تقدمت به إليك ولا تدع منه شيئا ولا تبتدع فيه امرا ثم اقسمه بين أهله
بالسوية والعدل واخفض لرعيتك جناحك، وواس بينهم في مجلسك وليكن
القريب والبعيد عندك في الحق سواء واحكم بين الناس بالحق وأقم فيهم
بالقسط ولا تتبع الهوى ولا تخف في الله لومة لائم فان الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون وقد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا
رأينا فيهم وفي جميع المسلمين فاحضرهم واقرأه عليهم، وخذ البيعة لنا
على الصغير والكبير منهم انشاء الله تعالى. فلما وصل عهد أمير المؤمنين
عليه السلام إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم، ثم أمر بالكتاب فقرئ
عليهم وهو:
كتاب علي عليه السلام إلى أهل المدائن حين ولى عليهم
حذيفة
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه
كتابي هذا من المسلمين! سلام عليكم فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو
وأساله أن يصلي على محمد وآله. فاما بعد فان الله تعالى اختار الاسلام
دينا لنفسه وملائكته ورسله أحكاما لصنعه وحسن تدبيره ونظرا منه لعباده،
وخص به من أحب من خلقه، فبعث إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعلمهم الكتاب
والحكمة اكراما وتفضيلا لهذه الأمة، وأد بهم لكي يهتدوا وجمعهم لئلا
يتفرقوا ووقفهم لئلا يجوروا، فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى
رحمة الله به حميدا محمودا، ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا
بهداهما وسيرتهما، فأقاما ما شاء الله، ثم توفاهما الله عز وجل، ثم ولوا
بعدهما الثالث فأحدث أحداثا ووجدت الأمة عليه فعالا، فاتفقوا عليه ثم
نقموا منه فغيروا، ثم جاءوني كتتابع الخيل فبايعوني فاني أستهدي الله بهداه
وأستعينه على التقوى، الا وان لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه عليه
السلام والقيام عليكم بحقه واحياء سنته والنصح لكم بالمغيب والمشهد
وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل، وقد وليت أموركم
حذيفة بن اليمان وهو ممن ارتضي بهداه وأرجو صلاحه، وقد أمرته
بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بجميعكم، أسال الله
لنا ولكم حسن الخبرة والاحسان ورحمة الله الواسعة في الدنيا والآخرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
محمد وآل محمد ثم قال:
خطبة حذيفة بالمدائن لما وليها من قبل علي عليه السلام ودعوته
الناس إلى البيعة
الحمد لله الذي أحيا الحق وأمات الباطل وجاء بالعدل ودحض الجور
وكبت الظالمين، أيها الناس! انما وليكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقا حقا

604
وخير من نعلمه بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأولى الناس بالناس وأحقهم الأمر وأقربهم إلى
الصدق وأرشدهم إلى العدل وأهداهم سبيلا وأدناهم إلى الله وسيلة
وأمسهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحما. أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما وأكثرهم
علما وأقصدهم طريقة وأسبقهم ايمانا وأحسنهم يقينا وأكثرهم معروفا
وأقدمهم جهادا وأعزهم مقاما أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه وأبي الحسن
والحسين وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين، فقوموا أيها الناس
فبايعوا على كتاب وسنة نبيه فان لله في ذلك رضى ولكم مقنع وصلاح
والسلام. فقام الناس بأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بأحسن
بيعة وأجمعها، فلما استتمت البيعة قام اليه فتى من أبناء العجم وولاة
الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان أخي أبي الهيثم بن التيهان يقال له
مسلم متقلدا سيفا فنادى من أقصى الناس أيها الأمير وسأله عن أمر،
وقال: فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله ولا تكتمنا فإنك ممن شهد وغبنا
ونحن مقلدون ذلك في أعناقكم والله شاهد عليكم فيما تأتون به من
النصيحة لأمتكم وصدق الخبر عن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فقال حذيفة: أيها الرجل أما
إذا ما سالت وفحصت هكذا فاسمع وافهم ما أخبرك به: ان من تسمى
بإمرة المؤمنين قبل علي بن أبي طالب فإنهم تسموا بذلك وسماهم به الناس
وعلي بن أبي طالب سماه بهذا الاسم جبرائيل عن الله تعالى وشهد له رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سلام جبرائيل له بإمرة المؤمنين. قال الفتى: كيف كان ذلك؟
قال حذيفة: ان الناس كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قبل الحجاب -
إذا شاؤوا فنهاهم ان يدخل أحد عليه وعنده دحية بن خليفة الكلبي لان
جبرائيل كان يهبط عليه في صورته، قال حذيفة واني أقبلت يوما لبعض
أموري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجرا رجاء ان ألقاه خاليا، فإذا أنا بشملة قد
سدلت على الباب، فرفعتها وهممت بالدخول فإذا أنا بدحية قاعد عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والنبي نائم، ورأسه في حجر دحية، فلما رأيته انصرفت
فلقيني علي بن أبي طالب، فقال من أين أقبلت؟ قلت من عند رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال وماذا صنعت عنده؟ قلت: أردت الدخول عليه في كذا وكذا
فكان عنده دحية الكلبي، وسالت عليا معونتي في ذلك الأمر، قال:
ارجع فرجعت وجلست بالباب ورفع علي الشملة ودخل فسلم فسمعت
دحية يقول: وعليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته اجلس فخذ
رأس أخيك وابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به، فجلس وأخذ
رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعله في حجره، وخرج دحية من البيت، فقال علي
عليه السلام: ادخل يا حذيفة فدخلت وجلست، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فضحك في وجه علي، ثم قال: يا أبا الحسن من حجر من أخذت
رأسي؟ قال من حجر دحية الكلبي، فقال ذلك جبرائيل يا علي ان
جبرائيل سلم عليك بإمرة المؤمنين عن أمر الله عز وجل وقد أوحى إلي عن
ربي أن أفرض ذلك على الناس. فلما كان من الغد بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى
ناحية فدك في حاجة فلبثت أياما ثم قدمت فوجدت الناس يتحدثون ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس أن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين - الحديث.
اه‍ ما أردنا نقله من ارشاد الديلمي.
خطبته وبيعته عليا عليه السلام على رواية المسعودي
وقال المسعودي في مروج الذهب: كان حذيفة عليلا بالكوفة (1) في
سنة 36 فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي، فقال: أخرجوني وادعوا
الصلاة جامعة فوضع على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى
آله ثم قال أيها الناس ان الناس قد بايعوا عليا فعليكم بتقوى الله وانصروا
عليا ووازروه فوالله انه لعلى الحق آخرا وأولا وانه لخير من مضى بعد نبيكم
ومن بقي إلى يوم القيامة ثم أطبق بيمينه على يساره ثم قال اللهم اشهد قد
بايعت عليا وقال الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان
وسعد: احملاني وكونا معه فسيكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من
الناس فاجتهدا ان تستشهدا معه فإنه والله على الحق ومن خالفه على
الباطل.
ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام وقيل بأربعين يوما واستشهد
ولداه صفوان وسعد مع علي بصفين اه‍. وفي معجم البلدان عند ذكر
السواد: مسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات ومات بالمدائن والقناطر
المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة اليه وذلك لأنه نزل عندها وكان ذراعه وذراع
ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وابهاما ممدودة. وفيه أيضا: قناطر حذيفة
بسواد بغداد منسوبة إلى حذيفة بن اليمان الصحابي لأنه نزل عندها وقيل:
لأنه رمها وأعاد عمارتها وقيل: قناطر حذيفة بناحية الدينور اه‍.
خطبته بالمدائن في أمر الساعة
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عطاء بن السائب عن أبي عبد
الرحمن السلمي قال نزلنا من المدائن على فرسخ فلما جاءت الجمعة حضر
وحضرت فخطبنا حذيفة فقال إن الله عز وجل يقول (اقتربت الساعة
وانشق القمر) الا وان الساعة قد اقتربت الا وان القمر قد انشق الا وان
الدنيا قد آذنت بفراق الا وان اليوم المضمار وغدا السباق. فقلت لأبي:
أيستبق الناس غدا؟ قال: يا بني انك لجاهل؟ انما يعني العمل اليوم
والجزاء غدا. فلما جاءت الجمعة الأخرى حضرنا فخطبنا حذيفة فقال إن
الله عز وجل يقول (اقتربت الساعة وانشق القمر) الا وان اليوم المضمار
وغدا السباق ألا وان الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
أخباره لما حضرته الوفاة
- وصيته
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن بلال بن يحيى قال: لما حضر
حذيفة الموت وكان قد عاش بعد عثمان أربعين يوما قال لنا: أوصيكم
بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وفي تاريخ دمشق عن
خالد بن ربيع العبسي في حديث ان حذيفة أوصى أبا مسعود الأنصاري
حين جاء إليه إلى المدائن لما سمع بوجعه فقال: عليك بما تعرف ولا تكن
بأمر الله واهنا.
ما قاله في مرضه
في تاريخ دمشق: قيل له في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي
الجنة. فقيل له ما تشتكي؟ فقال: أشتكي الذنوب. قالوا: ألا ندعو لك
الطبيب؟ فقال: الطبيب أمرضني لقد عشت فيكم على خلال ثلاث:
الفقر فيكم أحب إلي من الغنى، والضعة فيكم أحب إلي من الشرف،
ومن حمدني فيكم ولامني في الحق سواء، وقال: اللهم انك تعلم لولا أني



(1) لعل الصواب بالمدائن كما مر.
605
أرى هذا اليوم أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا لم أتكلم بما
أتكلم به، اللهم انك تعلم اني كنت أختار الفقر على الغنى وأختار الذلة
على العز وأختار الموت على الحياة، مرحبا بالموت وأهلا بحبيب جاء على
فاقة لا أفلح من ندم، اللهم إني لم أحب الدنيا لحفر الأنهار ولا لغرس
الأشجار ولكن لسهر الليل وظماء الهواجر وكثرة الركوع والسجود والذكر
والجهاد في سبيل الله ومزاحمة العلماء بالركب. وفي حلية الأولياء بسنده عن
زياد مولى ابن عباس قال حدثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات
فيه فقال: لولا أني أرى هذا اليوم آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة
لم أتكلم به اللهم انك تعلم انني كنت أحب الفقر على الغنى وأحب الذلة
على العز وأحب الموت على الحياة، حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم ثم
مات. وبسنده عن الحسن قال حضر حذيفة الموت قال: حبيب جاء على
فاقة لا أفلح من ندم الحمد لله الذي سبق بي الفتنة قادتها وعلوجها اه‍.
قوله لما ثقل وجئ بأكفانه ووصيته فيها
في حلية الأولياء بسنده عن أبي وائل قال: لما ثقل حذيفة أتاه أناس من
بني عبس فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال: أتيناه وهو بالمدائن حتى
دخلنا عليه جوف الليل فقال لنا: أي ساعة هذه؟ قلنا جوف الليل أو آخر
الليل، فقال أعوذ بالله من صباح إلى النار، ثم قال أجئتم معكم بأكفان؟
قلنا نعم. قال فلا تغالوا بأكفاني فإنه ان يكن لصاحبكم عند الله خبر فإنه
يبدل بكسوته كسوة خيرا منها والا يسلب سلبا. وفي تاريخ دمشق قال
خالد بن ربيع العبسي سمعنا بوجع حذيفة فركب اليه أبو مسعود
الأنصاري في نفر انا فيهم إلى المدائن - والظاهر أنهم جاءوا من الكوفة -
فاتيناه في بعض الليل فقال أي ساعة من الليل الآن؟ قلنا جوف الليل،
فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار - وفي هذا دلالة على شدة خوفه من
الله تعالى - ثم قال: هل جئتم بأكفاني؟ قلنا نعم. قال: فلا تغالوا بكفني
فان يكن لصاحبكم عند الله خير يبدله خيرا من كسوتكم والا يسلب سلبا
سريعا، وقال: لا يكفني الا ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص - هكذا
وردت هذه الرواية، والثابت في الشرع وجوب ثلاثة أثواب: قميص وازار
و رداء. - وروى الحاكم في المستدرك بسنده إلى قيس بن أبي حازم قال: لما
أتي حذيفة بكفنه وكان مسندا إلى أبي مسعود فاتي بكفن جديد فقال: ما
تصنعون بهذا و ان كان صاحبكم صالحا ليبدلن الله له وان كان غير ذلك
ليضربن الله به وجهه يوم القيامة. وبسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال:
أغمي على حذيفة من أول الليل ثم أفاق فقال: أي الليل هذا؟ قلت
السحر الأعلى قال: عائذ بالله من جهنم، مرتين أو ثلاثا، ثم قال:
ابتاعوا لي ثوبين فكفنوني فيهما ولا تغلوا علي فان صاحبكم ان يرض عنه
لبس خيرا منهما والا سلبهما سلبا سريعا. وفي حلية الأولياء بسنده عن قيس
عن أبي مسعود قال: لما أتي حذيفة بكفنه وكان مسندا إلى أبي مسعود، فاتي
بكفن جديد، فقال: ما تصنعون بهذا ان كان صاحبكم صالحا ليبدلن الله
تعالى به وان كان غير ذلك ليترامن (ليترامين ظ) به رجواها إلى يوم
القيامة. وفي الحلية بسنده عن صلة بن زفر: أن حذيفة بعثني وأبا مسعود
فابتعنا له كفنا حلة عصب بثلاثمائة درهم فقال: أرياني ما ابتعتما لي فأريناه
فقال: ما هذا لي بكفن انما يكفيني ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص فاني
لا أترك الا قليلا حتى أبدل خيرا منهما أو شرا منهما، فابتعنا له ريطتين
بيضاوين. وفي تاريخ دمشق: روى أبو سليمان ان حذيفة لما اتي بالكفن
قال إن يصب أخوكم خيرا فعسى وإلا فليترامين في رجواها قال الخطابي
يريد برجواها ناحيتي القبر وانما أنت على نية الأرض أو إرادة الحفرة كقوله
تعالى (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة) ولم
يتقدم للأرض ذكر، وكقوله (حتى توارت بالحجاب) ولم يتقدم للشمس
ذكر، وقال حاتم.
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
يريد النفس، وأعمال الضمير في كلام العرب قال تعالى (والملك
على ارجائها) وواحده رجى مقصور والتثنية رجوان اه‍ قال الشاعر:
كأن لم تري قبلي أسيرا مكبلا * ولا رجلا يرمى به الرجوان اه‍
ما جرى له عند الموت
في أسد الغابة: قال ليث بن أبي سليم لما نزل بحذيفة الموت جزع
جزعا شديدا وبكى بكاء كثيرا فقيل ما يبكيك؟ فقال: ما أبكى أسفا على
الدنيا بل الموت أحب إلي ولكني لا أدري على ما أقدم علي رضا أم سخط.
وقيل لما حضره الموت قال هذه آخر ساعة من الدنيا اللهم انك تعلم اني
أحبك فبارك لي في لقائك ثم مات. وفي تاريخ دمشق في تتمة خبر
خالد بن ربيع العبسي السابق: ولما نزل بحذيفة الموت، وذكر مثله إلى
قوله أم على سخط ثم قال: فرب يوم أتاني به الموت فلم أشك، فاما اليوم
فقد خالطت أشياء لا أدري ما أنا فيها، ثم قال: وجهوني فوجهناه. وفي
حلية الأولياء بسنده: قال حذيفة عند الموت: رب يوم لو أتاني الموت لم
أشك، فاما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا فيها. ومن كلام
حذيفة في الاخبار عن المغيبات ما حكاه الطبرسي في جوامع الجامع، قال
عن حذيفة: أنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقهم حذو
النعل بالنعل والقذة بالقذة غير اني لا أدري أتعبدون العجل أم لا. ولا
شك ان ذلك مما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فائدة
ذكر ابن الشجري في أماليه ان اليمان والد حذيفة أصله اليماني نسبة
إلى اليمن، ثم خفف بحذف الياء فلم يقل فيه الا اليمان.
حذيم بن شريك الأسدي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين عليه السلام. وفي لسان
الميزان: حذيم بن شريك الأسدي ذكره الطوسي في رجال الشيعة. وعن
تقريب ابن حجر في حذيم بن عمرو السعدي ان (حذيم) بكسر أوله
وسكون ثانيه وفتح التحتانية.
حرام بن عثمان بن عمرو بن يحيى بن النضر بن عبد بن كعب الأنصاري
السلمي المدني.
وفاته
توفي سنة 150 وقيل 149 و 136 في تاريخ بغداد كان قدم الأنبار على

606
أبي العباس السفاح فيقال: انه مات بالأنبار وقيل: بل رجع إلى المدينة
فمات بها. وفي تاج العروس عن الذهبي: توفي سنة 150، وأسند في
تاريخ بغداد عن محمد بن سعد انه مات بعد خروج محمد بن عبد الله وكان
خروجه سنة 145، قال: وقيل مات سنة 150 وأسند عن عبيد الله بن
يحيى بن بكير انه مات سنة 149 وأسند عن علي بن سراج الحرشي انه مات
بالأنبار سنة 136 قدم علي أبي العباس وأسند عن محمد بن سعد انه مات
بالمدينة. وأسند عن هشام بن عروة قال: رأيت عبد الله بن الحسين قام
على قبر حرام بن عثمان.
(حرام) رسم على الحاء كسرة في تاريخ بغداد المطبوع مكررا ولكن
في القاموس فيمن اسمه حرام من الصحابة انه كسحاب، وكذلك في
هامش تهذيب التهذيب في حرام بن حكيم ان حرام بمهملتين مفتوحتين.
وفي القاموس: حرام - أي بالراء - اسم شائع بالمدينة اه‍. وفي تاج
العروس: قال الذهبي بنو حرام مدنيون وهذا رائج في أهل المدينة، قال
الحافظ: وحزام بالزاي أكثر اه‍.
أقوال العلماء فيه
هو من تابعي التابعين كما وجدته في مسودة الكتاب ولا أعلم الآن
من أين نقلته. وفي تاريخ بغداد عن محمد بن سعد: حرام بن عثمان
الأنصاري ثم أحد بني سلمة. وفي تاريخ بغداد أيضا حرام بن عثمان بن
عمرو بن يحيى بن النضر بن عبد بن كعب الأنصاري السلمي من مدينة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم روى بسنده عن يحيى بن سعيد: سالت مالكا
عن حرام بن عثمان فقال: لا تأخذ عنه شيئا. وقال عبد الله - هو ابن
أحمد بن حنبل - سالت أبي عن حرام بن عثمان فضعفه جدا وقال ضعف
يحيى بن سعيد كتبه فترك حديث حرام بن عثمان. وبسنده عن يحيى - بن
سعيد - قلت لحرام بن عثمان: عبد الرحمن بن جابر ومحمد بن جابر وأبو
عتيق هم واحد؟ قال: ان شئت جعلتهم عشرة. وأسند عن الشافعي:
الرواية عن حرام حرام. وأسند عن يحيى بن معين ليس بشئ. وعنه
ليس بثقة أو مديني ليس بثقة. عن الدراوردي مدني متروك. وعن أحمد بن
حنبل: هذا شيخ قد ترك الناس حديثه. وعن أحمد بن صالح: رجل
متروك الحديث. وعن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سمعت من يقول:
الحديث عن حرام حرام لأنه لم يقتصد. وعن البخاري منكر الحديث.
وعن أبي داود: ليس بشئ. وعن أبي صالح بن محمد: الحديث عن
حرام حرام عامة حديثه منكر. وعن الدارقطني ضعيف الحديث. وفي
القاموس: حرام بن عثمان مدني واه اه‍. وفي تاج العروس: قال
البخاري هو أنصاري سلمى منكر الحديث مدني. وقال النسائي هو مدني
ضعيف كذا في شرح مسلم للنووي اه‍. وفي تهذيب التهذيب: حرام بن
عثمان روى له مسلم، كذا ذكره عبد الغني في الكمال، ولم ينسبه ولا
عمن روى ولا من روى عنه فان أراد المدني فهو ضعيف جدا، ولم يخرج له
مسلم ولا غيره من أصحاب الكتب الستة. وفي ميزان الاعتدال: حرام بن
عثمان الأنصاري المدني قال مالك ويحيى ليس بثقة. وقال أحمد:
ترك الناس حديثه. وقال الشافعي وغيره: الرواية عن حرام حرام. وقال
ابن حيان: كان غاليا في التشيع يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، قال
إبراهيم بن يزيد الحافظ: سالت يحيى بن معين عن حرام فقال: الحديث
عن حرام حرام، وكذا قال الجوزجاني اه‍.
ما روي من طريقه
في ميزان الاعتدال: قال الدراوردي حدثنا حرام بن عثمان عن عبد
الرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: صل في
القميص الواحد إذا لم يكن رقيقا شد عليك وزر. ابن أبي حازم عن حرام
عن ابني جابر عن أبيهما مرفوعا قال لو حج الاعرابي عشرا لكانت عليه
حجة إذا هاجر من استطاع اليه سبيلا. وبه مرفوعا احتاطوا لأهل الأموال
في العامل والواطئة والنوائب وما يجب في التمر من الحق. مسلم الربخي
حدثنا حرام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر مرفوعا انه حرم خراج الأمة
الا ان يكون لها عمل أو كسب يعرف وجهه. زهير بن عباد حدثنا
حفص بن ميسرة عن حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما مرفوعا قال.
لا يمين لولد مع يمين والد ولا يمين لزوجة مع يمين زوج ولا يمين لمملوك مع
يمين مليك ولا يمين في قطيعة ولا في معصية. عبد بن حميد حدثنا يحيى بن
إسحاق حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا حرام بن عثمان عن ابني جابر عن
أبيهما مرفوعا إذا أتى أحدكم باب حجرته فليسلم فإنه يرجع قرينة فإذا دخل فليسلم
يخرج ساكنها من الشياطين، ولا تبيتوا القمامة معكم - الحديث بطوله و
قال سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن حرام بن عثمان عن ابني جابر أراه
عن جابر قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن مضجعون في المسجد فضربنا
بعسيب فقال: أترقدون في المسجد انه لا يرقد فيه فأجفلنا وأجفل علي، فقال:
تعال يا علي انه يحل لك من المسجد ما يحل لي والذي نفسي بيده انك لذواد
عن حوضي يوم القيامة. وهذا حديث منكر جدا (اه‍). وروايته أمثال هذا
الحديث هو الذي أوجب ان يقال فيه ما قيل، وكيف تطيق النفوس ان
يكون علي يمتاز عن غيره من الصحابة بأنه يحل له ما يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
وبانه الذواد عن حوضه وهم يرونه لا يمتاز عن غيره بفضل وغيره أفضل
منه. ونسبة الغلو في التشيع اليه هي التي أوجبت رميه بما رمي به، ولعله
يشير اليه قول من حكى عنه الجوزجاني تحريم الحديث عنه: لأنه لم
يقتصد، أي أفرط في التشيع ولم يقتصد فيه وأكثرهم، كما سمعت،
ضعفه ولم يذكر وجه الضعف أو نهى عن الأخذ عنه أو قال ليس بشئ، أوليس
بثقة، أو متروك الحديث، أو حرم الحديث عنه، أو نحو ذلك
والذين ذكروا السبب ذكروا لذلك ثلاثة أسباب (أولا) انه لم يقتصد
(ثانيا) انه منكر الحديث (ثالثا) أنه يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. أما
عدم الاقتصاد فلم يظهر معناه جليا فإن كان المراد منه ما قدمنا من إفراطه
في التشيع فهو غير قادح، وأما نكارة حديثه، فلم نجد فيما مر من أحاديثه
حديثا منكرا، الا ان يريدوا الحديث الأخير المتضمن انه يحل لعلي من
المسجد ما يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانه الذواد عن حوضه يوم القيامة. وان
من أشد المنكر عده منكرا، وهو معتضد بحديث سد الأبواب كلها من
المسجد الا باب علي وكونه صاحب الحوض والذائد عنه، مروي من طرق
الفريقين، وقد رواه موفق بن أحمد من طرق غيرنا فلا نكارة فيه فما مر من
قول صاحب الكتاب المسمى ميزان الاعتدال: هذا حديث منكر جدا لا
شئ انكر منه جدا جدا. وربما يظن أن حديث وجوب حج الاعرابي إذا
هاجر وان حج قبل ذلك عشرا، منكر، ولعل ذلك من باب الاستحباب،
لأنه قبل الهجرة قد لا يعلم أحكام الحج، وأما حديث: احتاطوا لأهل

607
الأموال، فظاهر ان لا نكارة فيه. في النهاية في الحديث أنه قال
للخراص: احتاطوا لأهل الأموال في النائبة والواطئة المارة والسابلة،
يقول: استظهروا لهم في الخرص لما ينوبهم وينزل بهم من الضيفان، وقيل
غير ذلك. واما حديث السلام فلا يأباه عقل ولا شرع. وأما قلب
الأسانيد ورفع المراسيل فالله أعلم بصحته ولم يذكروا له شاهدا ولا نستطيع
قبول قولهم فيه بعد نسبتهم الرجل إلى الغلو في التشيع الذي يوجب عندهم
العداوة والترك، والله أعلم بحاله وهو المطلع على أسرار عباده.
تشيعه
في تاج العروس: قال الزبيري كان يتشيع، ومر قول ابن حبان كان
عاليا في التشيع، وفي تاريخ بغداد: قال ابن الغلابي كان حرام شيعيا
اه‍. ويرشد اليه قيام عبد الله بن الحسن على قبره كما مر.
مشايخه
في تاريخ بغداد: حدث عن سعد بن معاذ بن ثابت وحمزة بن سعيد
يونس وعبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله اه‍. ويروي عن أبي عتيق
عن جابر ولعله أحدهما.
تلاميذه
في تاريخ بغداد: روى عنه معمر بن راشد ومحمد بن إبراهيم
الهاشمي المعبدي وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ومسلم بن خالد
وحاتم بن إسماعيل اه‍. ويفهم من الأحاديث الآتية التي أوردها الذهبي
في ميزانه من طريق حرام انه يروي عنه ابن أبي حازم ومسلم الربخي -
وكأنه مسلم بن خالد - وحفص بن ميسرة ويحيى بن أيوب.
حرب بن الحسن الطحان الكوفي.
قال النجاشي: حرب بن الحسن الطحان كوفي قريب الأمر في
الحديث له كتاب عامي الرواية. أخبرنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن
محمد الرازي: حدثنا الرزاز حدثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن حرب
اه‍.
ومر في باب الحارث ان العلامة في الخلاصة اشتبه عليه بالحارث
فذكره في باب الحارث، وان ابن داود ذكره في البابين وان الصواب انه
حرب بالباء الموحدة لا حارث بالثاء المثلثة وفي ميزان الاعتدال: حرب بن
الحسن الطحان ليس حديثه بذاك قاله الأزدي اه‍. وفي لسان الميزان ذكره
ابن حبان في الثقات. وقال ابن النجاشي عامي الرواية اي شيعي قريب
الأمر، له كتاب روى عنه يحيى بن زكريا اللؤلؤي اه‍. وفي عبارته قلب
وكان أصلها قريب الأمر اي شيعي، له كتاب عامي الرواية روى عنه
يحيى بن زكريا. وفي التعليقة: قريب الأمر أخذه أهل الدراية مدحا ويحتاج
إلى التأمل اه‍. وفي شرح الدراية للشهيد الثاني: وأما قريب الأمر فليس
بواصل إلى حد المطلوب - أي من العدالة -، والا لما كان قريبا منه، بل
ربما كان قريبا إلى المذهب من غير دخول فيه رأسا اه‍. (أقول): الظاهر أنهم
حملوا قريب الأمر على القرب إلى العدالة والوثاقة، ولذلك جعلوه
مدحا، ويرشد اليه قول النجاشي السابق: قريب الأمر في الحديث، ولا
يبعد أن يريد بقرب أمره في الحديث ان أحاديثه قريبة من أحاديثنا، وقوله
له كتاب عامي الرواية اي رواته من العامة، لكن أحاديثه من نسخ
أحاديثنا. وابن حجر حمله على القرب في المذهب، ولذلك فهم منه
التشيع، كما مر، ويرشد إلى تشيعه قول الأودي المتقدم رأيت حرب بن
الحسن الطحان وجماعة من أصحابنا جلوسا، فان ظاهره أن الطحان من
أصحابنا.
حرب بن سريج بن المنذر المنقري أبو سفيان البصري البزار.
عن التقريب: (سريج) بالمهملة والجيم. في تهذيب التهذيب: انه
يروي عن أبي جعفر الباقر، وعن الحسن وأيوب وابن أبي مليكة وقتادة
ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، وعنه المبارك وزيد بن الحباب وعمرو بن
عاصم وأبو قتيبة وشيبان بن فروخ وأبو سلمة وطالوت بن عباد وغيرهم
اه‍. ومن روايته عن الباقر عليه السلام قد يظن تشيعه، ثم قال: قال
الطيالسي لم يكن به بأس، وقال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن معين
ثقة، وقال أبو حاتم: ينكر عن الثقات - أي يروي الأحاديث المنكرة
عنهم ليس بقوي، وقال ابن عدي: ليس بكثير الحديث وكل حديثه
غريب وإفراده أرجو انه لا باس به، وقال البخاري فيه نظر، وقال ابن
حبان: يخطئ كثيرا حتى يخرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد وقال
الدارقطني صالح اه‍.
الأمير أبو الهيجاء حرب بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي
أخو أبي فراس.
توفي في شعبان سنة 382.
وأبو الهيجاء كنية اثنين من بني حمدان (أحدهما) عبد الله بن حمدان
والد ناصر الدولة الحسن وسيف الدولة علي (والثاني) المترجم وكان لسيف
الدولة ولد اسمه عبد الله وكنيته أبو الهيجاء توفي صغيرا في حياة أبيه ورثاه
المتنبي بقصيدة في ديوانه، لكن هذا لكونه توفي صغيرا ولم يشتهر لا يصح
ان يعد في جملة من يكنى أبا الهيجاء منهم ووقع في ج 7 من هذا الكتاب
خطأ في (أبو الهيجاء الحمداني) وصوابه ما ذكر هنا.
كان المترجم من أمراء بني حمدان المعروفين وشجعانهم وذوي المكانة
فيهم جوادا ممدحا، ووصفه الشريف الرضي - في مرثيته الآتية - بصفات
عالية هي أقرب إلى الصدق، فإنه وان كان أكثر الشعراء يمدح ويرثي لا
لبيان الحقائق بل للارضاء ونيل الجزاء، فالرضي وهو بعيد عن بني حمدان
لا يرجو نوالهم ولا جزاءهم أقرب إلى أن لا يقول الا الحقيقة. وللسري
الرفاء في المترجم مدائح كثيرة، سنأتي على ذكر بعضها ولأخيه أبي فراس
الحارث بن سعيد مراسلات اليه ومخاطبات مرت في ترجمة أبي فراس، ومما لم
يمر هناك ما كتبه أبو فراس إلى أخيه أبي الهيجاء:
ولقد أبيت وجل ما أدعو به * حتى الصباح وقد أقض المضجع
لا هم ان أخي لديك وديعة * مني وليس يضيع ما تستودع
وللسري الرفا فيه مدائح كثيرة منها قوله من قصيدة يظهر منها انه

608
يهنئه بعيد الفطر وان له ولدا يكنى أبا العلاء بكنية جده:
مثلث له مرآته فبكى وكم * مثلت له مرآته فتبسما
كان الهوى صبحا بليل شبابه * فدجا باصباح المشيب وأظلما
وأغن دافعت الهوى بوصاله * وشقيت في حبيه كيما أنعما
ينمى العفاف إلي مغتربا كما * ينمى السماح إلى الأمير إذا انتمى
الآن جنبني الزمان أذاته * وأعاد لي بؤسي الحوادث أنعما
بأغر يمنحني السبيك المقتني * كرما وامنحه الحبيك المعلما
وقريب مجنى العزف الا انه * ترمي به الهمات أبعد مرتمى
كالغيث يحيى ان همى والسيل يردي * ان طما والدهر يصمي ان رمى
شتى الخلال يروح اما سالبا * نعم العدى قسرا واما منعما
مثل الشهاب أصاب فجا معشبا * بحريقه وأضاء فجا مظلما
أو كالغمام الجون ان بعث الحيا * أحيا وان بعث الصواعق أضرما
أو كالحسام إذا تبسم متنه * عبس الردى في حده فتجهما
ويلم من شعث العلا بشمائل * أحلى من اللعس الممنع واللمى
وفصاحة لو أنه ناجى بها * سحبان أو قس الفصاحة أفحما
لولاه لم أمدد بعارفة يدا * تندى ولم أفغر بقافية فما
لا يخطبن إلي حلي مدائحي * أحد فقد وجد السوار المعصما
تلك المكارم لا أرى متأخرا * أولى بها منه ولا متقدما
عفو أظل ذوي الجرائم ظله * حتى لقد حسد المطيع المجرما
وندى إذا استمطرت عارض مزنه * حن الحيا الربعي فيه وأرزما
ولرب يوم لا تزال جياده * تطأ الوشيج مخضبا ومحطما
معقودة غرر الجياد بنقعه * وحجولها مما تخوض به الدما
يلقاك من وضح الحديد موضحا * طورا ومن رهج السنابك أدهما
أقدمت تفترس الفوارس جرأة * فيه وقد هاب الردى ان يقدما
اسلم أبا الهيجاء للشرف الذي * نجمت علاك به فكانت أنجما
والق الهوى غضا بفطرك والمنى * مجموعة لك والسرور متمما
حتى تريك أبا العلاء خلاله * كأبي العلاء نجابة وتكرما
قد كنت القى الدهر أعزل حاسرا * فلقيته بك صائلا مستلئما
ما عذر من بسطت يمينك كفه * أن لا ينال بها السهى والمرزما
وقال يمدحه أيضا ويعاتبه على جفوة لحقته منه بعقب مصيبة أصابته
من قصيدة:
رد جفني بسافح الدمع يندى * حين حييته فأحسن ردا
سمحت لي به السجوف فما حاد * عن العين والركائب تحدى
قمر كلما منحناه لحظا * منح اللحظ جلنارا ووردا
هو كالريم ما تلفت جيدا * وهو كالغصن ما تأود قدا
أنا ان راح أو غدا لفراق * في رواح من الحمام ومغدى
أيها البرق ان وجدت غماما * فاسق نجدا به ومن حل نجدا
وتعهد تلك الخيام ففيها * ظبيات يفتكن بالصب عمدا
قد غنينا عن السحاب ولو كان * رحيقا بين السقاة وشهدا
أصبحت راحة الأمير أبو * الهيجاء أحلى جنى وأعذب وردا
سيد يهدم الثراء ويبني * سؤددا في حمى النجوم ومجدا
غمرتنا له سجال عطايا * كسجال الغمام أسرف جدا
يضعف الشكر عن مكافأة ما * نوول فيه وما أفاد وأسدى
أنت سعد العفاة يا ابن سعيد * وكفاهم بان تطاول سعدا
أنا جلد على الخطوب ولكن * لست فيها على جفائك جلدا
أوسع الدهر مذ تعتبت ذما * بعد ما كنت أوسع الدهر حمدا
أجفاء مرا ولم أجن ذنبا * فأجازى به بعاد وصدا
حين جارت علي أحداث دهر * ليس يسلكن بي إذا سرت قصدا
نوب لو علت شماريخ رضوى * أوشكت ان تخر منهن هدا
أنا حر إذا انتسبت ولكن * جعلتني لك الصنائع عبدا
لا أقول الغمام مثل أياديك * ولا السيف مثل عزمك حدا
أنت أمضى من الحسام وأصفى * من حيا المزن في المحول وأندى
وقال يمدحه أيضا ويعاتبه على جفوة لحقته منه ويصف ما جرى عليه
من الاعراب من قصيدة:
ما ضر ليلتنا بسفح محجر * لو باعدت سفر الصباح المسفر
بات العناق يهز من أعطافنا * غصنين في ورق الشباب الأخضر
لا تنكري خفقان قلب خافق * نفرت به غيد الظباء النفر
لله صادرة الليالي انها * صدرت بطيب العيش أسرع مصدر
عندي لها نفس المشوق إذا جرت * خطراتهن وانة المتذكر
ولرب ساق توجت يده يدي * باناء ياقوت المدام الأحمر
وغريرة جاهرت غير أن الهوى * بوصالها فنعمت غير مغرر
وحدائق يسيبك وشي برودها * حتى تسب لها سبائب عبقر
يجري النسيم خلالها وكأنما * غمست فضول ردائه في العنبر
باتت قلوب المحل تخفق بينها * لخفوق رايات السحاب الممطر
من كل نائي الحجزتين مقنع * بالبرق داني الطرتين مشهر
يحدي بالسنة الرعود عشاره * فتسير بين مغرد ومزمجر
وكأنما عرضت لزاهر زهرها * كف الأمير بعارض مثعنجر
ملك إذا ما مد خمس أنامل * في الجود فاض بهن خمسة أبحر
تلقاه يوم الروع فارس معرك * ضنك ويوم السلم فارس منبر
متفرع من دوحة عدوية * هي والسماح تفرعا من عنصر
شرف يقول لمن يناوئه اكتئب * وعلا يقول لمن يجاريه اخسر
ويد تساوي الناس في معروفها * فيد المقل تناله والمكثر
يا تغلب الغلباء طلت بطوله * ونجاره قمم الكواكب فافخري
وأغر مغرى بالصفوف يشقها * وظبا السيوف تشق جيب المغفر
غمرت أبا الهيجاء ربعك نعمة * موصولة بك عمر سبعة أنسر
وسقتك طيبة النسيم كأنما * تهمي عليك بها حياض الكوثر
أسهرت ليلي إذا عتبت فلم أذق * غمضا ومن تعتب عليه يسهر
لو لم تكن متنكرا لي لم أكن * لأذم صرف الحادث المتنكر
وإذا رميت بعتب مثلك خاتني * جلدي فلم أصبر ولم أتصبر
أنسيت غر مدائح حليتها * بعلاك باقية بقاء الادهر
تغدو عليك من الثناء بناهد * معشوقة وتروح منك بمعصر

609
بدع تضوع نشرها فكأنما * كتبت صحائفها بمسك أذفر
هذا ولم أجن القبيح فاجتني * غضبا ولم أهجر لديك فاهجر
هب قد ركبت من الذنوب عظيمها * ورجوت عفوك فاعف عني واغفر
فلقد تعمد ثغرتي بسهامه * واش تعمدني بقبح المحضر
يا سيد الامرا دعوتك شاكرا * ان تعط أو تحرم صنيعك يشكر
ومظفر بندى يديك ولو غدا * بالحمد غيرك عاد غير مظفر
أذكى له المريخ جمر نحوسه * وتغيبت عنه سعود المشتري
نوب سللن عليه شعلة أبيض * عضب المضارب أو شرارة أسمر
ورمت به شقراء تحسب بردها * ينقد من شية الجواد الأشقر
هي وعكة كانت ثقاف مقوم * لدن المهزة أو صقال مذكر
تاج كبدر التم عاد ضياؤه * بعد الكسوف فراق عين المبصر
أو كالحسام جلا الصياقل متنه * حتى ترقرق منه ماء الجوهر
ان النضار إذا تتابع سبكه * خلص النضار وزاد نضرة منظر
فليكمد الأعداء أو فليحمدوا * إذا قدروا فيه الذي لم يقدر
وقال يمدحه أيضا ويعتذر اليه من قصيدة:
يؤرقه إذا البرق استنارا * هوى يقتاد عبرته اقتسارا
فرحت أسائل الركبان عنه * باي جنوب كاظمة استطارا
لاذكرني أعز الناس جارا * وأحلى الأرض في عيني دارا
وناعمة الصبا تسجو فتشجو * قلوبا من صبابتها حرارا
أقول لها إذا سفرت ومارت * أغصن البان أثمر جلنارا
أصابهم وان بعدوا منالا * على العشاق أو بعدوا مزارا
نسيم الريح ما راحت جنوبا * وصوب المزن ما ابتكرت عشارا
سأعفي الدهر من تكدير عذلي * فأعذره وان خلع العذارا
لقينا من حوادثه جيوشا * وخضنا من نوائبه غمارا
فلم نظهر له الا قراعا * ولم نلبس له الا وقارا
ومن يكن الأمير له مجيرا * يكن للكوكب العلوي جارا
فررت اليه من صرف الليالي * فنكب جورها عني فرارا
وكان القرب منه جمال دنيا * نرى أيامها حسنا قصارا
وعيشا ناضر الأفنان غضا * يرف إذا اهتصرناه اهتصارا
فما برح العدا حتى أعادوا * حلاوة نشوتي منه خمارا
فعوضني من الأنس انحرافا * وبدلني من البشر ازورارا
فصرت أرى نهاري منه ليلا * وكنت أرى به ليلي نهارا
أبيت ومقلتي تذري نجيعا * وقد أفنت مدامعها الغزارا
أبا الهيجاء أصبحت القوافي * تخب إليك حجا واعتمارا
عتابا كالنسيم جرى لعتب * تضرم في الحشا منه استعارا
أيجمل أن أرى منك انحرافا * ولا عارا أتيت ولا شنارا
ولم أجحد صنائع منك جلت * ولم أسلبك مدحا فيك سارا
ولكني كسوتك حلي قوم * رأيتك منهم أزكى نجارا
تحن إليك ابكار القوافي * إذا اجتليت رواحا وابتكارا
وتؤثرك الثناء على ملوك * تعد مقامها فيهم خسارا
تبين زهوها في العيد لما * رأت مولى يتوجها فخارا
فهزت عطفها طربا اليه * وألقت عن محاسنها الخمارا
فان تك هفوة عرضت سرارا * فقد أصبحتها عذرا جهارا
ومما شيد الشرف المعلى * ذنوب صادفت منك اغتفارا
وقال يمدحه أيضا من قصيدة:
طوى الشوق لولا بارق يتألق * وطيف بأسباب الكرى يتعلق
وقفنا وتذراف الدموع خليقة * طبعنا عليه والعزاء تخلق
ولما اعتنقنا خلت ان قلوبنا * تناجى بافعال النوى وهي تخفق
هي الدار لم يخل الغمام ولا الهوى * معالمها من عبرة تترقرق
فلا عيش الا ما أفاد بها الصبا * ولا وجد الا ما أفاد التفرق
وموسومة كاساتها بفوارس * من الفرس تطفو في المدام وتغرق
أقبل منهم كل شاك سلاحه * وفي يده سهم إلي مفوق
ولو لم أكن جار الأمير لكان لي * أديم بظفر النائبات ممزق
بجود أبي الهيجاء البست نعمة * مجددة تضفو علي وتشرق
قطعت لها في الأرض عقل مدائح * تغرب في أقطارها وتشرق
فلا هو مسبوق إلى غاية الندى * ولا أنا في شأو المحامد أسبق
غمام متى تخفق لساريه راية * على الأرض لا يقلع وفي الأرض مخفق
رفيق إذا الجاني استجار بعفوه * ولكنه بالقرن لا يترفق
حوت تغلب سيفا به وحوى بها * كسمراء يمضيها سنان مذلق
ويوم كان الشمس فيه مريضة * مرنقة ألحاظها حين ترمق
إذا اسود فيه النقع أومضت الظبا * فغودر من ايماضها وهو أبلق
توردته والحلم تحت رواقه * أسير الحفاظ المر والجهل مطلق
فجليت من ظلمائه وهو حالك * ووسعت من أرجائه وهو ضيق
بضرب كشق الأتحمي ترى له * جيوب العذارى في الخدور تمزق
وطوقت قوما في الرقاب صنائعا * كأنهم منها الحمام المطوق
أتتك وقد أعدت خلالك لفظها * خلالا ففيه من خلالك رونق
معان كأنفاس الرياح بسحرة * تمر بنوار الرياض فتعبق
يقصر عنها خاطب وهو مصقع * ويعجز عنها شاعر وهو مفلق
وقال يمدحه أيضا ويعاتبه على جفوة لحقته منه، وقد نالته علة
وجراحات في بعض أسفاره من قصيدة:
بلاني الحب فيك بما بلاني * فشاني ان تفيض غروب شاني
أبيت الليل مرتفقا أناجي * بصدق الوجد كاذبة الأماني
فتشهد لي على الأرق الثريا * ويعلم ما أجن الفرقدان
إذا دنت الخيام بهم فأهلا * بذاك الخيم والخيم الدواني
فبين سجوفها أقمار تم * وبين عمادها أغصان بان
ومذهبة الخدود بجلنار * مفضضة الثغور بأقحوان
سقانا الله من رياك ريا * وحيانا باوجهك الحسان
ستصرف طاعتي عمن نهاني * دموع فيك تلحى من لحاني
فيا ولع العواذل خل عني * ويا كف الغرام خذي عناني
وصائنة ببرقعها جمالا * يروح لها الهوى رب الصيان
تراوحني بأرواح الأغاني * وتصحبني بأرواح الدنان
على روض كان صباه بلت * غلائلها بماء الزعفران
كأن يد الأمير دنت اليه * بأوطف من سجال العرف داني
فتى حلو النوال إذا استميحت * أنامل كفه مر الطعان
وراح وكنزه جرد المذاكي * وأطراف المثقفة اللدان
منادمة القنا أحلى لديه * وأعظم من منادمة القيان

610
فقل لعدوه يكفيك منه * سماعك بالردى دون العيان
بسطت على الزمان يدي فأضحى * وليس له بما فعلت يدان
وكنت أروض من دهري أمانا * فعاد الدهر يسألني أماني
بسيف حين يندب من سيوف * ورعن حين ينسب من رعان
و أزهر كاليماني العضب يسطو * فينقع غلة العضب اليماني
يجرده كبرق الثغر صاف * ويغمده كورد الخد قاني
أتغلب قد حللت به مكانا * يريك النجم منخفض المكان
فضلت بفضله يوم العطايا * وفزت بسبقه يوم الرهان
أبا الهيجاء عشت قرير عين * سليم العيش من نوب الزمان
ولا زالت رباعك مخصبات * قريبات الجنى من كل جان
وان أعرضت عن تعريض شكر * أثوب فيه تثويب الأذان
أوان تحامت الأيام سلمي * وعدن علي بالحرب العوان
وعض السيف مني كل عضو * جدير بالكرامة لا الهوان
تهذب في الثناء عليك فكري * ورقت فيه حاشيتا لساني
ولو نطق الحديد لناب عني * ذباب السيف أو حد السنان
وقال الشريف الرضي يرثي أبا الهيجاء وأخاه أبا فراس من قصيدة:
رجونا أبا الهيجاء إذ مات حارث * فمذ مضيا لم يبق للمجد وارث
الا ان قرمي وائل ليلة السرى * أقاما وقد سار المطي الدلائث
هما البازلان المقرمان تناوبا * عرى المجد لما عج بالعب ء لاهث
رفيقان ما باغاهما العز صاحب * نديمان ما ساماهما المجد ثالث
حسامان ان فتشت كل ضريبة * فاثرهما فيها قديم وحادث
بقية أسياف طبعن مع الردى * فجاء وجاءت عائثات وعائث
ثم أخذ في وصف بني حمدان في سعيد بن حمدان في ابيات - ذكرناها
في ترجمة - أبي فراس الحارث بن حمدان - ووصف في آخرها وقائعهم
وحروبهم ثم قال:
حروب من الاقدار طاح عراكها * بحرب ولم يسلم عليهن حارث
وكان سنانا أوجر الخطب حده * وكان يدا أردي بها من الأوث
باخلاق آباء يعود بها الأذى * وعورا على الأعداء وهي دمائث
أقول لناعيه إلى المجد والعلا * رمى فاك مسموم الغرارين فارث
كأن سواد القلب طار بلبه * إلى الطود أقنى ينفض الطل ضابث
ورزء رمى بين القلوب شواظه * أجيج المصالي أسعرتها المحارث
برغمي تمسي نازلا دار هجرة * وأنت المصافي والقريب المنافث
وأن لا أجافي الترب عنك براحة * ولو نازعتنيها الرقاق الفوارث
وان تشتمل ارض عليك فإنما * على ماء عيني النقا والكثاكث
حرب بن شرحبيل الشبامي
في تاريخ ابن الأثير ان عليا عليه السلام لما رجع من حرب صفين
ودخل الكوفة، مر بالشباميين فسمع رجة شديدة فوقف فخرج اليه
حرب بن شرحبيل الشبامي، فقال له علي: أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن
عن هذا الرنين؟ قال: يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو ثلاثا قدرنا على
ذلك ولكن قتل من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس دار الا وفيها
البكاء، فاما نحن معشر الرجال فانا لا نبكي ولكنا نفرح بالشهادة. قال
علي: رحم الله قتلاهم وموتاكم فاقبل يمشي معه وعلي راكب، فقال له:
ارجع ووقف، ثم قال له ارجع فان مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة
للمؤمن اه‍. ومن ذلك يمكن الاستدلال على تشيعه وحسن حاله، مع أن
شباما معروفة بالتشيع لأمير المؤمنين عليه السلام.
حرب صاحب الحواري
في لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة اه‍. ولا وجود له
في كتب الطوسي ولا غيرها والله أعلم بماذا حرف.
الحر بن سعيد النخعي الكوفي.
في ميزان الاعتدال: حدث عن شريك بذاك الحديث الباطل:
(علي خير البشر). قال: وهذا الرجل لم أظفر لهم فيه بكلام اه‍. وفي
لسان الميزان: وقد قال الخطيب في المؤتلف والمختلف: لم يروه عن شريك
غير الحر، وهو في عداد المجهولين اه‍. ومن ذلك قد يظن تشيعه مع
اشتهار النخع بالتشيع. وجزم الذهبي ببطلان الحديث لا وجه له، ولا
يشك من عنده انصاف بان عليا - بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - خير البشر.
الحر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك.
كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام المخلصين وشهد معه
صفين قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: لما خرج علي عليه السلام من
الكوفة إلى حرب صفين خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف وهو يرتجز
ويقول:
يا فرسي سيري وأمي الشاما * واقطعي الحزون والأعلاما
ونابذي من خالف الاماما * اني لأرجو ان لقينا العاما
جمع بني أمية الطغاما * ان نقتل العاصي والهماما
وان نزيل من رجال هاما
قال نصر: ثم سار عليه السلام حتى انتهى إلى مدينة بهرسير وإذا
برجل من أصحابه يقال له حجر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك
ينظر إلى آثار كسرى ويتمثل بقول الأسود بن يعفر:
جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد
فقال عليه السلام: ألا قلت (كم تركوا من جنات وعيون وزروع
ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين وما كانوا
منظرين) ان هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ولم يشكروا النعمة
فسلبوا دنياهم بالمعصية، إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم، انزلوا بهذه
الفجوة (اه‍).
الحر الكوفي.
في ميزان الاعتدال: الحر الكوفي عن علي وعنه حبيب بن أبي ثابت
مجهول اه‍. وفي لسان الميزان ذكره ابن حبان في الثقات اه‍. وهو مظنون
التشيع.
الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرمى بن رياح بن يربوع بن
حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي. هكذا
ذكر نسبه في ابصار العين، وفي رجال الشيخ: الحر بن يزيد بن ناجية بن
سعد من بني رياح بن يربوع.
استشهد الحر مع الحسين عليه السلام بكربلاء سنة 61.

611
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين عليه السلام، كان الحر
من رؤساء أهل الكوفة. أرسله ابن زياد من القادسية أميرا على ألف
فارس يستقبل بهم الحسين لئلا يدخل الكوفة. وجعله ابن سعد يوم
عاشوراء على ربع تميم وهمدان، وقال يوسف قزأوغلي المعروف بسبط بن
الجوزي في تذكرة الخواص: كان الحر بن يزيد اليربوعي من سادات أهل
الكوفة اه‍. وفي ابصار العين: كان الحر شريفا في قومه جاهلية واسلاما،
فان جده عتابا كان رديف النعمان وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات فردف
قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون. فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة،
قال: والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر وهو زيد بن عمرو بن
قيس بن عتاب اه‍. (أقول) في الإصابة: زيد بن عمرو بن قيس بن
عتاب بن هرمى بن رياح بن يربوع التميمي اليربوعي ولم يذكر انه يسمى
الأخوص ولم يذكره في الاستيعاب وأسد الغابة.
خبره يوم كربلاء إلى حين شهادته
ليس لدينا شئ من أخبار الحر رغم كونه من الرؤساء - سوى
أخباره يوم كربلاء. ويفهم من كلام المؤرخين أن الحر كان مع الحصين بن
تميم بالقادسية أخرجه ابن زياد معه من الكوفة. وقد كان ابن زياد بعث
الحصين بن تميم صاحب شرطته وأمره ان ينزل القادسية ويقدم الحر بين
يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين قال ابن الأثير: كان مجئ الحر من
القادسية أرسله الحصين بن تميم في ألف يستقبل بهم الحسين، وانفرد ابن
عساكر بقوله: انه لم يبلغ الحسين قتل مسلم حتى كان بينه وبين القادسية
ثلاثة أميال فلقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: ارجع فاني لم أدع لك
خلفي خيرا، وأخبره الخبر فهم ان يرجع وكان معه اخوة مسلم فقالوا والله
لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نقتل فساروا اه‍. وهذا اشتباه فان الحر جاء
ليمنع الحسين من دخول الكوفة وقد منعه من الرجوع ولم يذكر أحد أنه
أشار عليه بالرجوع، والحسين بلغه قتل مسلم قبل ذلك. روى أبو مخنف
عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين، وروى نحوه ابن
طاوس في (كتاب الملهوف) قالا: كنا نساير الحسين، فنزل الحسين
شراف، فلما كان السحر أمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه ففعلوا ثم
ساروا صباحا فرسموا (1) صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبر رجل منهم
فقال الحسين: الله أكبر لم كبرت؟ قال: رأيت النخل، قالا: فقلنا إن
هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، قال: فما تريانه رأى؟ قلنا: رأى
هوادي (2) الخيل وفي الملهوف: فما ترونه؟ قالوا: نراه والله أسنة الرماح
وآذان الخيل! قال: وأنا والله أرى ذلك. ثم قال الحسين: أما لنا ملجأ
نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ قالوا: بلى! هذا ذو
حسم - وهو اسم موضع - عن يسارك تميل إليه فان سبقت القوم فهو كما
تريد فاخذ ذات اليسار، فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل
فتبيناها فعدلنا عنهم، فلما رأونا عدلنا عدلوا معنا كان أسنتهم اليعاسيب
وكأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم اليه، وأمر
الحسين بابنيته فضربت وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد
التميمي حتى وقف هو وخيله في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون
متقلدو أسيافهم، فقال الحسين لفتياته: اسقوا القوم وارووهم من الماء
ورشفوا الخيل ترشيفا فاقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها
من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى
سقوها عن آخرها. وكانت ملاقاة الحر للحسين على مرحلتين من الكوفة.
ولما التقى الحر مع الحسين عليه السلام، قال له الحسين: ألنا أم علينا؟
فقال: بل عليك يا أبا عبد الله! فقال الحسين: لا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت
صلاة الظهر، فامر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي وكان معه أن يؤذن
فاذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام في ازار ورداء ونعلين
فخطبهم وقال من جملة خطبته: اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم أن اقدم علينا
لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم
وان كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه،
فسكتوا، فقال للمؤذن: أقم فأقام الصلاة فقال للحر: أتريد ان تصلي
بأصحابك؟ قال: لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك، فصلى بهم الحسين
عليه السلام، ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه، ودخل الحر خيمة
نصبت له واجتمع عليه جماعة من أصحابه وعاد الباقون إلى صفهم الذي
كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما
كان وقت العصر امر الحسين عليه السلام ان يتهيأوا للرحيل ففعلوا، ثم
أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين عليه السلام وقام فصلى ثم
سلم وانصرف إليهم بوجهه وخطبهم وقال في جملة كلامه: ونحن أهل بيت
محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم
والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وان أبيتم الا الكراهية لنا والجهل بحقنا
وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم. فقال له الحر:
أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين عليه
السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما
كتبهم إلي، فاخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه. فقال له
الحر: انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ان
لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله. فقال له الحسين عليه
السلام: الموت أدنى إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا
فركبوا وانتظر هو حتى ركبت نساؤه، فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا
لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين (ع) للحر:
ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو
على مثل هذه الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من
كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه،
فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن انطلق بك إلى
الأمير عبيد الله بن زياد. فقال إذن والله لا أتبعك، فقال إذن والله لا
أدعك، فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم
أؤمر بقتالك انما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ
طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى
أكتب إلى ابن زياد وتكتب إلى يزيد ان شئت أو إلى ابن زياد ان شئت فلعل
الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشئ من أمرك، فخذها
هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية. فتياسر الحسين عليه السلام وبينه
وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا وسار والحر يسايره. فقال له الحر: اني
أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما
أرى. فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم

612
الخطب ان تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك! ولكني أقول كما قال أخو
الأوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخوفه ابن عمه
وقال أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
(وآسى) وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما
فان عشت لم أندم وان مت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما (1)
فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين (ع)
حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة
لنصرة الحسين ومعهم دليلهم الطرماح، فاتوا إلى الحسين وسلموا عليه،
فاقبل الحر وقال: ان هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممن
أقبل معك وانا حابسهم أو رادهم. فقال الحسين (ع): لأمنعهم مما أمنع
منه نفسي! انما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ان لا تعرض
لي بشئ حتى يأتيك جواب عبيد الله؟ فقال: اجل لكن لم يأتوا معك.
قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني
وبينك والا ناجزتك. فكف عنهم الحر. ولم يزل الحسين (ع) سائرا حتى
انتهى إلى قصر بني مقاتل ثم ارتحل من قصر بني مقاتل، فاخذ يتياسر
بأصحابه فيأتيه الحر فيرده وأصحابه، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا
شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى
نينوى، فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من
الكوفة، فوقفوا ينتظرونه جميعا فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم
يسلم على الحسين عليه السلام وأصحابه فإذا هو مالك بن النسر الكندي، فدفع
إلى الحر كتابا من عبيد الله فإذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك
كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزلنه الا بالعراء في غير حصن وعلى غير
ماء، وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري
والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين (ع) ومعه الرسول فقال:
هذا كتاب الأمير يأمرني ان أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه،
وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره وأخذهم بالنزول في
ذلك المكان فقال له الحسين دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه - يعني
نينوى والغاضرية - أو هذه - يعني شفية - قال لا والله لا أستطيع ذلك هذا
رجل قد بعث علي عينا ثم إن الحسين (ع) قام وركب وكلما أراد المسير
يمنعونه تارة ويسايرونه تارة أخرى حتى بلغ كربلاء: قال أبو مخنف: لما
اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين (ع) جعل ابن سعد على كل ربع
من الأرباع أميرا، فكان على تميم وهمدان الحر بن يزيد فشهد هؤلاء
الامراء الذين جعلهم كلهم قتال الحسين (ع) الا الحر فإنه عدل اليه وقتل
معه.
مقتل الحر رضوان الله عليه
ثم إن ابن سعد جاء لقتال الحسين (ع) بأربعة آلاف وانضم اليه
الحر وأصحابه فصار في خمسة آلاف، قال أبو مخنف وغيره: ثم إن الحر لما
زحف عمر بن سعد بالجيوش قال: أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا
الرجل؟ قال عمر: أي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح
الأيدي قال الحر: أفما لك في واحدة من الخصال التي عرض عليك
رضا؟ فقال: أما والله لو كان الأمر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى فاقبل
الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال قرة بن قيس
الرياحي، فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال لا! قال فما
تريد أن تسقيه؟ قال: فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال
وكره ان أراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه، فقلت انا منطلق
فأسقيه، فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو أطلعني على الذي
يريد لخرجت معه إلى الحسين (ع). فاخذ الحر يدنو من الحسين قليلا
قليلا، فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل فلم
يجبه وأخذه مثل العرواء (2)، وفي رواية مثل الافكل (3)، فقال له المهاجر:
ان أمرك لمريب! وما رأيت منك في موقف قط مثل شئ أراه الآن؟ ولو
قيل لي: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟ فقال
الحر: اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئا
ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين (ع) ويده على
رأسه وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب على فقد أرعبت قلوب أوليائك
وأولاد بنت نبيك، فلما دنا منهم قلب ترسه (4) فقالوا: مستأمن، حتى إذا
عرفوه سلم على الحسين وقال: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا
صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في
هذا المكان! والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما
عرضته عليهم ابدا ولا يبلغون منك هذه المنزلة فقلت في نفسي: لا أبالي
أن أصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما
هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، والله لو
ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى
ربي ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، فهل ترى لي من توبة؟
قال: نعم! يتوب الله عليك ويغفر لك فانزل. قال: أنا لك فارسا خير
مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول ما يصير آخر أمري قال:
فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فتقدم الحر أمام أصحابه ثم قال: أيها
القوم! ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم
فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ فقال عمر: لقد حرصت لو وجدت إلى
ذلك سبيلا. فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل (5) والعبر (6)! دعوتم ابن
رسول الله (وفي رواية): أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم
أسلمتموه وزعمتم انكم قاتلو أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم
بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله
العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه
نفعا ولا ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري،
فها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في دينه لا سقاكم الله
يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم
هذه. فحملت عليه الرجال ترميه بالنبل، فرجع حتى وقف امام الحسين
(ع) وقال الحر للحسين (ع): فإذا كنت أول من خرج عليك فائذن لي



(1) كفى بك عارا ان تلام وتندما (خ). المؤلف
(2) العرواء بالعين المهملة المضمومة والراء المفتوحة قرة الحمى ورعدتها. - المؤلف -
(3) الافكل مثل أحمد الرعدة
(4) قلب الترس: علامة عدم الحرب.
(5) الهبل كجبل الثكل
(6) في الصحاح العبر بالتحريك (أي بفتحين) سخنة في العين تبكيها، والعبر بالضم (أي
ضم العين وسكون الباء) مثله يقال: لامه العبر والعبر اه‍. المؤلف
613
ان أكون أول قتيل يقتل بين يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلى الله عليه وآله وسلم
غدا في القيامة - هكذا في بعض الروايات، ولا يخفى ان مقتضى بعض
الروايات انه قتل جماعة قبل الحر، وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير،
فلذلك حمل قوله: أول قتيل بين يديك، على أن المراد أول قتيل من
المبارزين، ويمكن كون الحر أول المقتولين. وعدم صحة ما دل على خلاف
ذلك، كما لعله يفهم من ارشاد المفيد فإنه لم يذكر أن أحدا تقدم الحر في
القتل سوى ابن عوسجة صرع قبله - قال ابن الأثير: وقاتل الحر بن يزيد
مع الحسين قتالا شديدا، وبرز اليه يزيد بن سفيان فقتله الحر وقال
غيره: فحمل الحر على أصحاب عمر بن سعد وجعل يرتجز ويقول - كما في
مناقب ابن شهرآشوب وغيره:
اني انا الحر ومأوى الضيف * أضرب في أعراضكم بالسيف
عن خير من حل بلاد الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف
وروى أبو محنف ان يزيد بن سفيان الثغري من بني الحارث بن تميم
كان قال: أما والله لو رأيت الحر حين خرج لاتبعته السنان. فبينما الناس
يتجاولون ويقتتلون، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثل بقول
عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتى تسربل بالدم
وان فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وان دماءه لتسيل إذ قال
الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمناه قال
نعم! وخرج اليه فقال له: هل لك يا حر بالمبارزة؟ قال: نعم قد
شئت، فبرز له، قال الحصين: وكنت انظر اليه فوالله لكان نفسه كانت
في يد الحر، فخرج اليه فما لبث الحر ان قتله. وروى أبو مخنف عن
أيوب بين مشرح الخيواني انه كان يقول: جال الحر على فرسه فرميته بسهم
فحشأت (1) فرسه، فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه
الحر وكأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:
ان تعقروا بي فانا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
قال: فما رأيت أحدا يفري فرية، وأخذ يقاتل راجلا وهو يقول:
آليت لا أقتل حتى أقتلا * ولن أصاب اليوم الا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا معضلا (مفصلا) * لا ناكلا عنهم ولا مهللا
لا عاجزا عنهم ولا مبدلا * أحمي الحسين الماجد المؤملا
وقال ابن الأثير: قاتل الحر راجلا قتالا شديدا، وفي رواية: أنه
كان يرتجز ويقول:
اني انا الحر ونجل الحر
أشجع من ذي لبد هزبر
ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر
وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا - على بعض
الروايات، وعلى بعضها ثمانية عشر رجلا. وقال ابن الأثير: وحمل الحر
وزهير بن القين فقاتلا قتالا شديدا، فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل
الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة. وفي ذلك يقول عبيد الله بن عمرو
البدائي من بني البداء وهم من كندة:
سعيد بن عبد الله لا تنسينه * ولا الحر إذ آسى على قسر
ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيوب بن * مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة، فاحتمله أصحاب الحسين حتى
وضعوه بين يدي الحسين وبه رمق، فجعل يمسح التراب عن وجهه
ويقول: أنت الحر كما سمتك أمك حر في الدنيا وسعيد في الآخرة. وفي
رواية انه اتاه الحسين ودمه يشخب فقال: بخ بخ لك يا حر! أنت حر كما
سميت في الدنيا والآخرة. وقبر الحر على فرسخ من مدينة كربلاء في مشهد
مزور معظم، ولا يدري ما سبب دفنه هناك. ويدور على الألسن أن قومه
أو غيرهم نقلوه من موضع المعركة فدفنوه هناك.
تنبيه
وقع في مقتل منسوب لأبي مخنف وقد طبع مع الجزء العاشر من
البحار، وطبع أيضا في بمبئي ذكر أمور تتعلق بالحر بن يزيد لم تعلم صحتها
أو علم بطلانها مثل نسبة الأبيات الميمية التي قالها عبيد الله بن الحر الجعفي
الآتية في ترجمة عبيد الله وأولها:
يقول أمير غادر حق غادر * ألا كنت قد قاتلت الشهيد بن فاطمة
إلى نهاية 15 بيتا إلى الحر بن يزيد مع تغيير البيت الأول إلى قوله:
أكون أميرا غادرا وابن غادر * إذا كنت قد قاتلت الحسين بن فاطمة
وتغيير بعض أبيات أخر وانقاصها إلى تسعة أبيات. ومثل ان الحر
حمل على القوم وأنشأ يقول:
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع * فأنت بكأس الموت لا شك جارع
وحام عن ابن المصطفى وحريمه * لعلك تلقى حصد ما أنت زارع
لقد خاب قوم خالفوا الله ربهم * يريدون هدم الدين والله شارع
يريدون عمدا قتل آل محمد * وجدهم يوم القيامة شافع
ومثل: أنهم رموا رأس الحر بين يدي الحسين، فأنشأ الحسين عليه
السلام يقول:
فنعم الحر حر بني رياح * صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر في رهج المنابا * إذ الأبطال تخطر بالصفاح
ونعم الحر إذ واسى حسينا * فجاد بنفسه عند الصياح
لقد فاز الأولى نصروا حسينا * وفازوا بالهداية والفلاح
ولما تأملت بعض هذا المقتل المطبوع المنسوب إلى أبي مخنف علمت أنه
ليس لأبي مخنف وانه منه برئ، وانما ألفه رجل ونسبه إلى أبي مخنف.
وربما يكون فيه شئ من مقتل أبي مخنف، بأن يكون هذا الرجل عمد إلى
مقتل أبي مخنف فمسخه وغيره وحرفه تحريفا قبيحا، فزاد عليه ونقص منه
وغير وبدل. وأبو مخنف من رؤساء أهل الأخبار، وكل من ألف في
التاريخ نقل عنه وأخذ منه، وأكثر ما في هذا المقتل لا يمكن صدوره من
أبي مخنف. فالأبيات الميمية هي لعبيد الله الحر الجعفي، كما ذكره جميع
المؤرخين، منهم ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 68 ومنهم أبو مخنف
نفسه فيما حكاه صاحب خزانة الأدب عن أبي سعيد السكري عن أبي
مخنف، والابيات نفسها تشهد أنها ليست للحر فهو يقول فيها:
فيا ندمي ان لا أكون نصرته * ألا كل نفس لا تواسيه نادمه



(1) حشأته: أصبت أحشاءه. - المؤلف -
614
فهو صريح في ندمه على أمر قد فات منه لا يمكنه تداركه، وهو نصر
الحسين والحر لم يفته نصره ليندم عليه ويقول أيضا:
أهم مرارا أن أسير بجحفل * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه
فكفوا والا زرتكم بكتائب * أشد عليكم من رخوف الديالمه
فهل هو يتهدد بذلك أصحاب ابن سعد؟ كلا! ويقول
أيضا:
سقى الله أرواح الذين تآزروا * على نصره سحبا من الغيث دائمه
وقفت على أجسادهم وقبورهم * فكاد الحشى ينفت والعين ساجمه
فهل وقف على أجسادهم وقبورهم قبل أن يقتلوا ويقبروا، ويقول
أيضا:
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى * سراعا إلى الهيجا ليوثا ضراغمه
وهو صريح في أنه يخبر عن قوم كانوا ومضوا، لا عن قوم هو
بينهم.
والعجب من الشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي أستاذ آداب اللغة
العربية في جامعة عليكره بالهند في تعليقه على خزانة الأدب طبع مصر سنة
1348 ج 2 ص 138 حيث قال: ان الأبيات الميمية ليست لعبيد الله بن
الحر الجعفي البتة، وانما هي للحر بن يزيد الرياحي كما هو عند أبي
مخنف. فلا أدري هل هذا الوهم من أبي سعيد أو من نساخ كتابه أو من
البغدادي (صاحب الخزانة). قال: وفي الخبر أيضا اختلاف وذلك أن
حسينا لما رأى جد القتال استصرخ واحدا من أصحابه إلى أن استنجد الحر
فقدم ولده فاستشهد ثم استأذن الحر الحسين في البراز بنفسه، فبرز وانشد
(أكون أميرا غادرا وابن غادر) الأبيات، ثم برز فقتل وألقوا رأسه بين
يدي الحسين، فرثاه بقوله: (فنعم الحر حر بني رياح) الأربعة الأبيات
اه‍. وإذا كان لا يدري ان الوهم المزعوم هو من السكري أو البغدادي،
فنحن ندري ان وهمه نشا من الكتاب المنسوب لأبي مخنف، وهو برئ
منه. ولكن ما كان ينبغي له، وهو أستاذ آداب اللغة العربية في جامعة
بالهند، ان يقع في مثل هذا الوهم فيحكم حكما جازما قاطعا بأن الأبيات
للحر بن يزيد لا لعبيد الله بن الحر، وكان عليه أقلا ان ينظر في هذه
الأبيات ليعلم انها لا يمكن أن تكون للحر، ومما يعجب له أيضا استرساله
في النقل عن هذا المقتل ان الحسين استصرخ واحدا واحدا من أصحابه
حتى انتهت النوبة إلى الحر فقدم ولده، مما لا أصل له ولم يذكره مؤرخ.
وكل المؤرخين ذكروا رجوع الحر إلى الحسين عليه السلام، وكيفية شهادته
بما لا مساس له بشئ مع ما ذكر في هذا المقتل المختلق، والحر لم يقتل معه
ولده، ولم يذكر ذلك مؤرخ. والأبيات الأربعة التي نسبت إلى الحسين
عليه السلام انه رثى بها الحر موضوعة مختلقة لم يذكرها مؤرخ. وكفى في
ذلك افتتاحها بالفاء في قوله فنعم الحر مع أن فاعل نعم لا يكون علما الا في
بعض الشواذ، وكذلك الأبيات الأربعة التي نسبها واضع هذا المقتل
المكذوب على أبي مخنف إلى الحر لم يذكرها مؤرخ، وهي من نظم واضع
المقتل، والشطر الأول منها مأخوذ من بيت لبعض الشعراء، لا أتذكر
اسمه الآن، وهو:
هو البين فاصنع وبك ما أنت صانع * فان تك مجزاعا فما البين جازع
الشيخ أمرس الدين حرز بن الحسين البحراني القطيفي.
وصفه في رياض العلماء بالشيخ الجليل العالم وقال: كان من
معاصري الشيخ مفلح بن الحسين الصيمري وأضرابه قبل الشيخ علي
الكركي، ووجدت له فوائد عديدة منقولة عنه في الأحساء فلاحظ مجموعة
الإجازات وقد ينقل بعض تلامذته عنه بعض الاستخارات اه‍.
الشيخ حرز ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين الشاطري العسكري
البحراني.
في أنوار البدرين: العسكري نسبة إلى العسكر قرية في البحرين في
أطرافها الجنوبية، وهي الآن خراب، وأهلها سكنوا المغاير وعمروها اه‍.
قال الشيخ سليمان الماحوزي في رسالته في علماء البحرين له مصنفات منها
كتاب (مقتل أمير المؤمنين عليه السلام) جيد الترتيب كبير اه‍.
الشيخ حرز الدين البحراني الأوالي.
في أنوار البدرين: الشيخ حرز الدين البحراني كان تلميذ الشيخ
فخر الدين بن مخدم البحراني ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي
وفي اجازته للسيد محسن الرضوي، وذكره المحدث الصالح الشيخ
عبد الله بن صالح اه‍. وفي رياض العلماء: الشيخ حرز الدين الأوالي (1)
فاضل عالم جليل من مشايخ ابن جمهور الأحساوي ويروي عن الشيخ فخر
الدين أحمد بن مخدم الأوالي. كذا قال ابن جمهور المذكور في أول غوالي
اللئالي، فقال في وصف الطريق الثالث عن الشيخ العالم المشهور النبيه
الفاضل حرز الدين الأوالي اه‍.
حريث بن جابر الحنفي البكري.
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام: حريث بن جابر
الحنفي اه‍. وكان حريث رئيس بني حنيفة، ومن أصحاب أمير المؤمنين
(ع) المخلصين في ولائه، وشهد معه حرب صفين وكان شاعرا، قال
نصر: وأمره علي (ع) على لهازم البصرة يوم صفين. وسيأتي في ترجمة
حسان بن مخدوج عن نصر في كتاب صفين انه لما عزل علي عليه السلام
الأشعث بن قيس عن رياسة كندة وربيعة وجعل تلك الرياسة لحسان بن
مخدوج وتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن وقالوا يا أمير المؤمنين ان رياسة
الأشعث لا تصلح الا لمثله، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث، فغضبت
ربيعة. قال حريث بن جابر: يا هؤلاء رجل برجل، وليس بصاحبنا عجز
في شرفه وموضعه ونجدته وبأسه، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه.
فقال النجاشي في ذلك أبياتا تأتي في ترجمة حسان، ومن جملتها هذان
البيتان:
فلولا أمير المؤمنين وحقه * علينا لاشجينا حريث بن جابر
فلا تطبينا يا حريث فإننا * لقومك ردء في الأمور الغوامر
وغضب رجال اليمنية، فتكلم حريث بن جابر فقال: يا هؤلاء لا
تجزعوا فإنه ان كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الاسلام فان
صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها. وذكر نصر في عبيد الله بن
عمر بن الخطاب فقال: قد اختلف الرواة في قاتله فقالت همدان نحن قتلناه



(1) الذي في النسخة الأوابي، هنا وفيما يأتي وصوابه الأوالي نسبة إلى جزيرة أوال بالضم من
جزر البحرين. - المؤلف
615
قتله هانئ بن الخطاب الهمداني، وقالت حضرموت: نحن قتلناه قتله
مالك بن عمرو الحضرمي، وقالت بكر بن وائل نحن قتلنا قتله محرز بن
الصحصح من بني تيم اللات بن ثعلبة. قال: وقد روي أن قاتله
حريث بن جابر الحنفي، وكان رئيس بني حنيفة يوم صفين مع علي عليه
السلام حمل عبيد الله بن عمر على صف بني حنيفة وهو يقول:
أنا عبيد الله ينميني عمر * خير قريش من مضى ومن غبر
الا رسول الله والشيخ الأغر * قد أبطأت عن نصر عثمان مضر
والربعيون فلا سقوا المطر * وسارع الحي اليمانون الغرر
والخير في الناس قديما يبتدر
فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول:
قد سارعت في نصرها ربيعه * في الحق والحق لهم شريعه
فاكفف فلست تارك الوقيعة * في العصبة السامعة المطيعة
حتى تذوق كأسها الفظيعة (القطيعة)
فطعنه فصرعه. فقال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام يرثي
عبيد الله. قال ابن أبي الحديد: والشعر يدل على أن ربيعة قتلته لا همدان
ولا حضرموت. وذكر نصر عشرة ابيات أولها:
الا انما تبكي العيون لفارس * بصفين أجلت خيله وهو واقف
يقول فيها:
وقرت تميم سعدها وربابها * وخالفت الخضراء فيمن يخالف
وليس في الأبيات ما يدل على أن ربيعة قتلته الا ما يمكن أن يكون في
هذا البيت. وقال المسعودي في مروج الذهب: ان عبيد الله بن عمر برز
أمام الناس في أربعة آلاف من الخضرية معممين بشقق الحرير الأخضر،
وابن عمر يقدمهم وهو يقول: (أنا عبيد الله ينميني عمر) الرجز السابق،
فناداه علي: ويحك يا ابن عمر علا م تقاتلني؟ قال: أطلب بدم عثمان.
قال: أنت تطلب بدم عثمان، والله يطلبك بدم الهرمزان؟ وأمر علي
الأشتر النخعي بالخروج اليه، فخرج الأشتر اليه وهو يقول:
اني انا الأشتر معروف الشتر * اني انا الأفعى العراقي الذكر
لست من الحي ربيع أو مضر * لكنني من مذحج البيض الغرر
فانصرف عنه عبيد الله ولم يبارزه. ثم قال المسعودي: كان
عبيد الله بن عمر إذا خرج إلى القتال قام اليه نساؤه فشددن عليه سلاحه ما
خلا الشيبانية بنت هانئ بن قبيصة - وهو صاحب وقعة ذي قار مع كسرى
التي انتصر فيها العرب على كسرى - فخرج في هذا اليوم وأقبل على
الشيبانية وقال لها: اني قد عبأت اليوم لقومك وأيم الله اني لأرجو ان أربط
بكل طنب من أطناب فسطاطي سيدا منهم. فقالت: ما أبغض إلي ان
تقاتلهم. قال ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم صنديد الا أبادوه، وأخاف
أن يقتلوك، وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم ان يهبوا لي جيفتك! فرماها
بقوس فشجها وقال لها: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك. ثم توجه
فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي (1) فطعنه فقتله، وقيل إن الأشتر
النخعي هو الذي قتله، وقيل إن عليا ضربه فقطع ما عليه من الحديد حتى
خالط سيفه حشوة جوفه، وان عليا قال حين هرب فطلبه ليقيد منه
بالهرمزان: لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره - وكان عبيد الله قتل
الهرمزان لما قتل أبو لؤلؤة عمر فأراد علي ان يقيده به فهرب - وكلمت نساؤه
معاوية في جيفته، فامر ان تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف،
فاستأمرت ربيعة عليا فقال: ان جيفته لا يحل بيعها، فاجعلوا جيفته لبنت
هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته. فاتت القوم وقالت: أنا بنت هانئ بن
قبيصة وهذا زوجي القاطع الظالم قد حذرته ما صار اليه فهبوا لي جيفته،
ففعلوا وألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه وكان قد شد في رجله طنب
فسطاط من فساطيطهم اه‍. وهو قد كان وعدها ان يربط بكل طنب من
أطناب فسطاطه سيدا من قومها، ففعل الله به ذلك. وفعل علي كما فعل
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما بذل له مال في جيفة بعض المشركين. وقال الصلتان
العبدي يذكر مقتل عبيد الله، وان حريث بن جابر الحنفي قتله من
أبيات:
ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا * ببكر لها تهدي اللقا والتهددا
وكنت سفيها قد تعودت عادة * وكل امرئ جار على ما تعودا
حباك أخو الهيجا حريث بن جابر * بجياشة تحكي (تهدي) الهدير المبددا
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: كان حريث بن جابر نازلا بين
العسكرين في قبة له حمراء، وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب
من اللبن والسويق والماء، فمن شاء أكل أو شرب، وفي ذلك يقول
الشاعر:
لو كان بالدهنا حريث بن جابر * لاصبح بحرا بالمفازة جاريا
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ما يدل على رسوخ قدم
حريث بن جابر وثباته في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام - ولا بد من ذكر
أول القصة باختصار ليرتبط الكلام وان طال قال ذكروا ان الناس لما
رفعت المصاحف بصفين باحوا وقالوا: أكلتنا الحرب وقتلت الرجال. وقال
قوم: نقاتل القوم على ما قتلناهم عليه أمس، ولم يقل هذا الا قليل من
الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة،
فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: انه لم يزل أمري معكم على ما أحب
إلى أن اخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وأخذت من
عدوكم فلم تترك وانها فيهم أنكى وأنهك، الا اني كنت أمس أمير المؤمنين
فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء وليس
لي ان أحملكم على ما تكرهون. ثم قعد، وتكلمت رؤساء القبائل، فاما
ربيعة، وهي الجبهة العظمى، فقام كردوس بن هانئ البكري فحث على
طاعة علي عليه السلام بأبلغ كلام فقال أيها الناس! انا والله ما تولينا
معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي منذ توليناه وان قتلانا لشهداء وان
أحياءنا لأبرار وان عليا لعلى بينة من ربه وما أحدث الا الإنصاف وكل محق
منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هلك. ثم قام شقيق بن ثور البكري
فدعا إلى التحكيم والموادعة. ثم قام حريث بن جابر البكري فايد ما قاله
كردوس فقال: أيها الناس! ان عليا لو كان خلوا من هذا الأمر لكان
المفزع اليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وانه والله ما قبل من القوم اليوم الا
ما دعاهم اليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعنت ولا يلحد في هذا الامر
الا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور فما بيننا وبين من طغى علينا الا



(1) في النسخة الجعفي بدل الحنفي وهو تصحيف.
(2) بحاسمة تحكي بها النهر مزيدا (خ). المؤلف
616
السيف. ثم قام خالد بن المعمر فكان كلامه أقرب إلى الموادعة الا انه
علقها على رضا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال في جملة كلامه: انا لا
نرى البقاء الا فيما دعاك اليه القوم ان رأيت ذلك فإن لم تره فرأيك أفضل.
ثم قام الحضين الربعي (هو الحضين بن المنذر بن وعلة الرقاشي) وهو من
أصغر القوم سنا، فأيد قول كردوس وحريث فقال في جملة كلامه: أيها
الناس، انما بني هذا الدين على التسليم، وان لنا داعيا قد حمدنا ورده
وصدره، وهو المصدق على ما قال، المأمون على ما فعل، فان قال لا قلنا
لا وان قال نعم قلنا نعم. فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة (1)
فقال يا مصقلة ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة! قال: ما هم منك
بأبعد من غيرهم، وانا باعث إليهم فيما صنعوا. فبعث مصقلة إلى
الربعيين فذم من أبى التحكيم مثل كردوس وحريث والحضين وندد بربيعة
عموما، ومدح من دعا إلى الموادعة والتحكيم مثل خالد بن المعمر فقال:
لن يهلك القوم ان تبدى نصيحتهم * الا شقيق أخو ذهل وكردوس
وابن المعمر لا تنفك خطبته * فيها البيان وامر القوم ملبوس
أما حريث فان الله ضلله * إذ قام معترضا والمرء كردوس
طأطأ حضين عناني فتنة جمحت * ان ابن وعلة فيها كان محسوس
منوا علينا ومناهم وقال لهم * قولا تهيج له البزل القناعيس
كل القبائل قد أدى نصيحته * الا ربيعة رغم القوم محبوس
فقال النجاشي يجيبه بأبيات ويمدح فيها كردوس بن هانئ تركنا ذكرها
هنا ونذكرها في ترجمة كردوس (انش). وقال خالد بن المعمر أبياتا يذكر
هؤلاء الجماعة ومنهم حريث بن جابر:
وفت لعلي من ربيعة عصبة * بصم العوالي والصفيح المذكر
شقيق وكردوس ابن سيد تغلب * وقد قام فيها خالد بن المعمر
وقارع بالشورى حريث بن جابر * وفاز بها لولا حضين بن منذر
لان حضينا قام فينا بخطبة * من الحق فيها منية المتخير
أمرنا بمر الحق حتى كأنها * خشاش تفادى من خطام بقرقر
وكان أبوه خير بكر بن وائل * إذا خيف من يوم أغر مشهر
نماه إلى عليا عكابة عصبة * وأب أبي للدنية أزهر
وقال الصلتان يذكرهم ومعهم حريث بن جابر:
شقيق بن ثور قام فينا بخطبة * يحدثها الركبان أهل المساعر
بما لم يقف فينا خطيب بمثلها * جزى الله خيرا من خطيب وناصر
وقد قام فينا خالد بن معمر * وكردوس الحامي ذمام العشائر
بمثل الذي جاءا به حذو نعله * وقد بين الشورى حريث بن جابر
فلا يبعدنك الدهر ما هبت الصبا * ولا زلت مسقيا باسحم ماطر
ولا زلت تدعى في ربيعة أولا * باسمك في أخرى الليالي الغوابر
وقال حريث بن جابر:
اتى نبأ من الأنباء ينمى * وقد يشفى من الخبر الخبير
حريث بن زيد الأنصاري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال: شهد بدرا
وأحدا. ولم يعلم أنه من شرط كتابنا.
حريث بن شريح البصري
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. هذا على
بعض النسخ، وفي بعضها الحارث وقد مر. وصحفه ابن حجر في لسان
الميزان فقال: حرب بن سريح البصري روى عن جميل بن دراج ذكره
الطوسي في رجال الشيعة. ولم يذكر الطوسي روايته عن جميل بن دراج،
ولعله وجدها في غيره.
حريث بن سليم.
في ميزان الاعتدال: حريث بن سليم عن علي (عليه السلام) وعنه
بكير بن غطاء لا يعرف اه‍. وفي لسان الميزان: ذكره ابن حبان في الثقات
اه‍.
حريث بن عمارة الجعفي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، وفي لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عمرو كوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقال غير الشيخ:
انه والد عمرو بن حريث، ولم يعلم أنه من شرط كتابنا، وذكرناه لذكر
الشيخ له.
حريث بن عمير العبدي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وقال: أسند
عنه اه‍. وفي لسان الميزان: حريث بن عمير العبدي يكنى عمير ذكره الطوسي في
رجال الشيعة اه‍.
حريث بن مهران الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وصحفه ابن
حجر في لسان الميزان فقال: حرب بن مهران الكوفي ذكره الطوسي في
رجال الشيعة.
حريز بن عبد الله بن الحسين السجستاني أبو محمد الأزدي الكوفي.
(حريز) بالحاء المهملة والراء والمثناة التحتية والزاي بوزن أمير
(والسجستاني) بكسر السين المهملة والجيم نسبة إلى سجستان. في أنساب
السمعاني: هي أحد البلاد المعروفة بكابل، وينسب إليها السجستاني
والسجزي على غير القياس اه‍. وفي معجم البلدان: أن سجز اسم
سجستان، قال: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة وهي جنوبي هراة بينها
وبينها عشرة أيام ثمانون فرسخا اه‍.
ونسب حريز إلى سجستان اما لأنه أكثر السفر والتجارة إليها كما يأتي
عن النجاشي أو لأنه انتقل إليها وسكنها، كما يأتي عن الكشي والشيخ،
وفي معجم البلدان أيضا نقلا عن محمد بن بحر الرهني السجستاني ان من
سجستان حريز (2) بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر،
ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجل من
هذا كله انه لعن علي بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على



(1) مصقلة هذا هو الذي ضمن المال عن بني ناجية فأدى بعضه ثم هرب إلى معاوية فدل خبره
هنا على أن نفاقه قديم قبل قصة بني ناجية وان معاوية كان يعلم منه ذلك.
(2) في النسخة المطبوعة جرير وهو تصحيف. المؤلف
617
منبرها الا مرة وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم وان لا يلعن على
منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة - لان بلادهم كثيرة
الأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي - قال: وأي شرف أعظم من امتناعهم من
لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة
والمدينة اه‍. وسيعرف عن لسان الميزان أن أباه كان قاضي سجستان،
فلعله لذلك كان يكثر التردد إليها أو سكنها.
هو عربي أو مولى
ستعرف ان بعض العلماء نسبوه الأزدي وظاهره انه من أنفسهم،
وان الشيخ في رجاله قال إنه مولى الأزد، وان الكشي قال إنه عربي.
قتله
سيأتي قول الكشي انه قتل بسجستان، ويأتي عن لسان الميزان انه
حكى ذلك عن النجاشي وصوابه عن الكشي. وعن المفيد في الإختصاص
أنه قال: حريز بن عبد الله انتقل إلى سجستان وقتل بها، وكان سبب قتله
ان له أصحابا يقولون بمقالته، وكان الغالب على سجستان الشراة - فرقة
من الخوارج - وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليه
السلام وسبه، فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك
فيأذن لهم، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل فلا يتوهمون على
الشيعة لقلة عددهم ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم، وما زال الأمر هكذا حتى
وقفوا على الأمر، فطلبوا الشيعة، فاجتمع أصحاب حريز اليه في
المسجد، فعرقبوا عليهم المسجد وقلبوا أرضه عليهم رحمهم الله اه‍.
أقوال العلماء فيه
ذكره ابن النديم في الفهرست عند ذكر فقهاء الشيعة ومحدثيهم
وعلمائهم وأسماء ما صنفوه من الكتب: كتاب الزكاة، كتاب الصلاة،
كتاب الصيام، كتاب النوادر. وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق
عليه السلام: حريز بن عبد الله السجستاني مولى الأزد. وقال الشيخ في
الفهرست حريز بن عبد الله السجستاني ثقة كوفي سكن سجستان له كتب
منها: كتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام، وكتاب النوادر،
وتعد كلها في الأصول، أخبرنا بجميع كتبه وبرواياته الشيخ أبو عبد الله
محمد بن النعمان عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبي القاسم جعفر بن محمد
العلوي الموسوي عن ابن نهيك عن ابن أبي عمير عن حماد عن حريز،
وأخبرنا عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن سعد بن
عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن
موسى بن جعفر كلهم عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد وعلي بن
حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى الجهني عن حريز
وأخبرنا الحسين بن عبد الله عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي وعن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن حريز. وقال النجاشي: حريز بن
عبد الله السجستاني أبو محمد الأزدي من أهل الكوفة أكثر السفر والتجارة
إلى سجستان فعرف بها، وكانت تجارته في السمن والزيت قيل روى عن
أبي عبد الله عليه السلام، وقال يونس لم يسمع من أبي عبد الله الا
حديثين، وقيل روى عن أبي الحسن موسى ولم يثبت ذاك، وكان ممن شهر
السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله، وروي انه جفاه
وحجبه عنه. له كتاب الصلاة كبير وآخر ألطف منه، وله كتاب النوادر،
فاما الكبير فقرأناه على القاضي أبي الحسين محمد بن عثمان قال: قرأته على
أبي القاسم جعفر بن محمد الموسوي قال: قرأت على مؤدبي أبي العباس
عبيد الله بن أحمد بن نهيك قال: قرأت على ابن أبي عمير قال: قرأت على
حماد بن عيسى قال: قرأت على حريز، وأخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا
أبو حسين محمد بن الفضل بن تمام من كتابه وأصله حدثنا محمد بن علي بن
يحيى الأنصاري المعروف بابن أخي رواد من كتابه في جمادى الأولى سنة 309 حدثنا
علي بن مهزيار أبو الحسن في المحرم سنة 229 وكان نازلا في خان لخال عمرو عن
حماد عن حريز بالنوادر اه‍. وقال العلامة في الخلاصة: هذا القول من
النجاشي لا يقتضي الطعن لعدم العلم بتعديل الراوي للجفاء، وروى
الكشي ان أبا عبد الله عليه السلام حجبه عنه. وفي طريقه محمد بن عيسى
وفيه قول، مع أن الحجب لا يستلزم الجرح لعدم العلم بالسر فيه اه‍.
ومحمد بن عيسى الأصح توثيقه، لكن عدم العلم بالسر وجيه، والحديث
الذي رواه الكشي في حجبه تقدم في ترجمة حذيفة بن منصور. وروى
الكليني في الحسن كالصحيح بابن هاشم عن أبي العباس قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما للرجل يعاقب مملوكه؟ فقال: على قدر ذنبه. فقلت
عاقبت حريزا بأعظم من جرمه. فقال: ويلك مملوك لي هو؟! ان حريزا
شهر السيف. وقال الكشي: محمد بن مسعود حدثني جعفر بن أحمد بن
أيوب حدثني العمركي حدثني أحمد بن شيبة عن يحيى بن المثنى عن علي بن
الحسن وزياد عن حريز قال: دخلت على أبي حنيفة وعنده كتب كادت
تحول فيما بيننا وبينه، فقال لي: هذه الكتب كلها في الطلاق وأنتم ما
عندكم؟ وأقبل يقلب بيده. قلت: نحن نجمع هذا كله في حرف
واحد. قال ما هو؟ قلت: قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) فقال لي: فأنت لا تعلم شيئا الا
برواية؟ قلت أجل! قال لي ما تقول في مكاتب كانت مكاتبته ألف درهم
فادى تسعمائة وتسعة وتسعين درهما ثم أحدث - يعني الزنا - فكيف حده؟
فقلت عندي بعينها حديث حدثني محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه
السلام ان عليا (ع) كان يضرب بالسوط وبثلثه وبنصفه وببعضه بقدر
أدائه. فقال لي اما اني أسألك عن مسالة لا يكون فيها شئ فما تقول في
جمل أخرج من البحر؟ فقلت: ان شاء فليكن جملا وان شاء فليكن بقرة
ان كانت عليه فلوس أكلناه والا فلا اه‍. ولعل هذا وأمثاله هو الذي كان
يحكيه عنه يونس من الفقه الكثير، كما يأتي، فان أبا حنيفة أراد انكم حيث
لا تعلمون بالقياس ولا تعلمون الا بالنص و الرواية، ففي بعض الفروع
الدقيقة النادرة تبقون متحيرين لا تعرفون حكمها مثل المكاتب الذي كتابته
ألف درهم وأداها الا درهما واحدا، فقد عتق منه تسعمائة وتسعة وتسعون
جزءا وبقي منه جزء واحد رق، فإذا وجب عليه الحد - وحد الحر غير حد
الرق - فكيف نحده عن هذا الجزء الذي هو واحد من ألف إذا وجب عليه
خمسون جلدة مثلا، والجلدة لا تقسم، فاجابه بأنه روى في ذلك عن علي
عليه السلام بأنه يمكن تقسيم الجلدة بان يقبض على السوط ويبقي نصفه أو
ثلثه أو ربعه أو عشره أو غير ذلك، فيكون ذلك نصف جلدة أو أقل حسبما
يريد، فسأله عن فرع نادر جدا حتى إذا كان عنده في هذا رواية لا يكون
عنده في ذلك، وهو جمل أخرج من البحر فاجابه انه ان لم يكن عندنا فيه
بخصوصه رواية فعندنا فيه رواية عامة يدخل فيها جملا كان أو بقرة أو اي
شئ كان وهي انه لا يحل من صيد البحر الا ما له فلس. وقال الكشي
أيضا: حمدويه وإبراهيم قالا: حدثنا محمد بن عيسى عن يونس قال:

618
قلت لحريز يوما يا أبا عبد الله كم يجزيك ان تمسح على شعر رأسك في
وضوء الصلاة؟ قال: بقدر ثلاث أصابع - وأوما بالسبابة والوسطى
والثالثة، ويزعم حريز ان ذلك رواية. وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا.
حريز بن عبد الله الأزدي عربي كوفي انتقل إلى سجستان فقتل بها رحمه
الله. وقال الكشي أيضا في عبد الله بن مسكان: محمد بن مسعود حدثني
محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن يونس قال: لم يسمع حريز بن
عبد الله من أبي عبد الله عليه السلام الا حديثا أو حديثين وكذلك
عبد الله بن مسكان الا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج اه‍. رواية
حريز عن أبي عبد الله عليه السلام كثيرة جدا، ويبعد الحكم بارسالها،
وكان هذه الرواية هي مستند قول النجاشي عن يونس ذلك اه‍. وفي
مستدركات الوسائل: حريز من أعاظم الرواة وعيونها، ثقة ثبت لا مغمز
فيه، ظاهر الحكمة مبين المراد قد أكثر الأجلاء من الرواية عنه، ولعدم
الحاجة طوينا الكشح عن عدهم اه‍. وقد أكثر المتأخرون في الجواب عن
خبر الحجب، وقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، فأغنى عن كل ذلك
قول العلامة إنه لم يعلم السر فيه، فالإمام عليه السلام علل حجبه بأنه
شهر السيف في حرب الخوارج، وهذا أمر محتمل لوجوه وغير ظاهر
الوجه، فلا يعارض توثيق الشيخ، ولا يعارض ما ظهر من جلالة قدر
حريز بكونه صاحب أصول مقبولة عند اجلاء الأصحاب الذين صححوا
روايته وأكثروا من الرواية عنه. وقال صاحب المدارك مع كثرة تدقيقه في
الأسانيد: ان كتاب حريز أصل معتمد معول عليه، ويكفي في علو شأنه
ما روي عن حماد في الصحيح ان أبا عبد الله عليه السلام قال لحماد:
أتحسن ان تصلي؟ قال: يا سيدي! أنا احفظ كتاب حريز في الصلاة.
قال: لا عليك! قم صل الحديث. فإنه يدل دلالة واضحة على اشتهار
كتاب حريز بينهم واعتمادهم عليه، وان من يحفظ كتاب حريز في الصلاة
فقد بلغ الغاية في صحة صلاته، وان الإمام عليه السلام لم يرد عليه صحة
كتاب حريز، ولكنه قال (لا عليك قم صل)، ولا ينافي هذا ما بينه له
من النقص في صلاته بنقصان بعض المستحبات، فإنه يريد منه أن تكون
على أكمل الوجوه. ولا حاجة إلى ما أكثر فيه المتأخرون من توجيه سبب
الحجب. وفي لسان الميزان: حريز بن أبي حريز عبد الله بن الحسين
الأزدي الكوفي ابن قاضي سجستان قال الدارقطني في المؤتلف والمختلف:
كان من شيوخ الشيعة، قلت: وذكره الطوسي في مصنفي الشيعة، وقالوا
كوفي أزدي سكن سجستان، يكنى أبا عبد الله، وكان من الرواة عن جعفر
الصادق. روى عنه حماد بن عيسى. وقال ابن النجاشي: كان ممن شهر
السيف في قتال الخوارج، وقال إنه انتقل إلى سجستان فقتل بها اه‍.
والذي مر عن النجاشي انه أكثر السفر إلى سجستان لا انه سكنها وانه
عرف بها أي نسب إليها لا انه قتل بها.
من يروي حريز عنهم
عن جامع الرواة انه حكى رواية حماد عنه عن أبي عبد الله وأبي جعفر
عليهما السلام، وانه حكى رواية حريز بتوسط بعض الرواة عن أبي جعفر
والسجاد عليهما السلام، وممن يروي عنه حريز: زرارة بن أعين ومحمد بن
مسلم.
من روى عن حريز
يروي عنه حماد بن عيسى الجهني كما مر عن الشيخ والنجاشي،
ويروي عنه يونس بن عبد الرحمن، كما مر أيضا. وعن جامع الرواة انه
نقل جماعة عن حريز وهم عبد الله بن مسكان وياسين و عبد الله بن يحيى
وابان بن عثمان وعبد الله بن المغيرة والقاسم بن سليمان ويونس بن عبد
الرحمن ومحمد بن عمارة وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم وصفوان بن يحيى
وأبو علي الحذاء وسليم أو سليمان مولى طربال وسليم الفرا وعبد الله بن
محمد ونوح بن شعيب ومحمد بن أبي عمير ومحمد بن زياد وهارون بن حمزة
الغنوي وأبي أيوب الخزار وعبد الله بن أبي شيبة والحسن بن محبوب وأبو
عبد الله الفرا (لعله سليم المتقدم) وعبد الله بن بحر وشعيب وبشير
وأيوب بن نوح ومحمد بن أبي حمزة ومنصور والقاسم بن محمد الجوهري وأبو
عبد الله البرقي ومحمد بن عمرو وعلي بن الحسن بن رباط وسليمان بن أبي
زينب وعلي بن رئاب ومروان بن مسلم وسعد بن سعد وربعي وعلي بن
إسماعيل ويعقوب بن شعيب وعثمان بن عيسى وإسحاق وسليمان بن محمد
وفضالة بن أيوب وعلي بن داود الحذاء وابن بكير وعمرو بن شمر
والحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران وغيرهم وفي
لسان الميزان: عنه علي بن رباط وعبد الله بن عبد الرحيم الأصم وغيرهما
اه‍. ومر أنه عبد الرحمن لا عبد الرحيم.
تنبيه
من أغلاط رجال ابن داود أنه قال: حريز بن عبد الملك
البقباق ق كش ممدوح اه‍. يعني: ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب
الصادق (ع)، وقال الكشي انه ممدوح. وهذا اشتباه فان حريز بن عبد
الملك لا وجود له، وانما نشا الاشتباه من قول الكشي (ما روي في حريز
وفضل بن عبد الملك البقباق) فتوهم ان حريز وفضل كلاهما ابنا عبد الملك
البقباق، وليس كذلك بل المراد بحريز حريز بن عبد الله السجستاني وفضل
هو ابن عبد الملك.
حريز بن محرز
في لسان الميزان: ذكره الكشي في رجال الشيعة اه‍. ولا أثر لذلك
في رجال الكشي، والظاهر أنه اشتباه باسم آخر.
حريش بن يزيد.
في ميزان الاعتدال: حريش بن يزيد عن جعفر بن محمد وعنه ابنه
محمد، قال الدارقطني: هما ضعيفان اه‍.
حريم بن سفيان الأسدي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب السجاد عليه السلام.
حريمة بن عمار الجهني المدني.
حزام بن إسماعيل العامري الكوفي.
حزم بن عبيد الله البكري.
ذكرهم الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام، وحزام
في لسان الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم القرشي
المخزومي أبو وهب جد سعيد بن المسيب بن حزن.
قتل سنة 11 من الهجرة يوم اليمامة أو يوم بزاخة.

619
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال حزن بن أبي
وهب. جد سعيد بن المسيب بن حزن.
قتل سنة 11 من الهجرة يوم اليمامة أو يوم بزاخة.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال حزن بن أبي
وهب وروى الكشي في ترجمة سعيد بن المسيب عن الفضل بن شاذان ان
سعيد بن المسيب رباه أمير المؤمنين (ع) قال: وكان حزن جد سعيد
أوصى إلى أمير المؤمنين (ع) وفي ايصائه إلى أمير المؤمنين (ع) دلالة
على تشيعه، ويأتي في المسيب بن حزن عن الخلاصة ان المسيب أوصى إلى
أمير المؤمنين (ع)، وان الشهيد الثاني رده بان الذي أوصى اليه (ع) هو
حزن لا المسيب، ولكن ابن حجر في الإصابة حكى عن الزبير بن بكار في
الموفقيات من طريق محمد بن إسحاق ان حزن بن أبي وهب قام يوم السقيفة
لما سمع خطبة خالد بن الوليد فقال:
وقام رجال من قريش كثيرة * فلم يك في القوم القيام كخالد
أخالد لا تعدم لؤي بن غالب * تقاتل فيها عند قذف الجلائد
كساك الوليد بن المغيرة مجده * وعلمك الشيخان ضرب القماحد
وكنت لمخزوم بن يقظة جنة * كذا اسمك فيها ماجد وابن ماجد
وفي الاستيعاب: حزن هو جد سعيد بن المسيب. كان حزن من
المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية، وهو الذي اخذ الحجر من
الكعبة حين فرغوا من قواعد إبراهيم فنزا الحجر من يده حتى رجع إلى
مكانه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحزن بن أبي وهب ما اسمك؟ فقال حزن
فقال له رسول الله: أنت سهل فقال اسم سماني به أبي. ويروى أنه قال
: انما السهولة للحمار. قال سعيد بن المسيب: فما زالت تلك الحزونة
تعرف فينا حتى اليوم. وقال أهل النسب في ولده حزونة وسوء خلق
معروف، ذلك فيهم لا تكاد تعدم منهم اه‍. وفي أسد الغابة، بعد ذكر
نزوان الحجر من يده: وقيل الذي رفع الحجر أبو وهب والد حزن وهو
الصحيح واخوته هبيرة ويزيد بنو أبي وهب اخوة هبار بن الأسود لامه أمهم
جميعا، فاختة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير، وقد انكر الزبير بن
مصعب هجرته وقال: هو وابنه المسيب من مسلمة الفتح، واستشهد حزن
يوم اليمامة وقيل استشهد يوم بزاخة أول خلافة أبي بكر اه‍.
حزين القاري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام.
الشيخ حسام الدين بن جمال الدين بن محمد علي (1) بن أحمد بن علي بن
أحمد بن طريح بن فياض بن حيمة بن خميس بن جمعة المسيلمي العزيزي
الطريحي الرماحي النجفي، هكذا ساق نسبه بعض الطريحيين.
ولد في النجف سنة 1005 وتوفي فيها سنة 1095 أو بعد سنة
1096، هكذا قال بعض الطريحيين انه توفي سنة 1095، وأعطانا بعض
الطريحيين أيضا أوراقا فيها تراجم آل طريح، وفيها ان الشيخ حسام الدين
توفي سنة 1095، ولكن وجدنا بخطنا في مسودة الكتاب عند ذكر التذكرة
الحسامية من مؤلفاته: انه فرع منها سنة 1096، ولكن في الذريعة انه
فرع منها سنة 1094 والله أعلم.
(والمسيامي) أو المسلمي يدعي الطريحيون انه نسبة إلى مسلم بن
عوسجة الأسدي شهيد كربلاء وانهم من سلالته، ولكن السيد مهدي
القزويني في كتابه (أنساب القبائل)) يقول: الطريحيون قوم ينسبون إلى بني
أسد من ولد حبيب بن مظاهر الأسدي الشهيد مع الحسين عليه السلام
بالطف اه‍. ومن ذلك يظن أن أمثال هذه الدعاوى لا تستند إلى دليل،
ويحتمل أن تكون نسبتهم إلى بني مسلم الذين قال عنهم السيد مهدي في
الكتاب المذكور انهم قبيلة من بني الحسناء في العراق والله أعلم، وعلى كل
حال فما ذكرناه في جمال الدين بن محمد علي من أنهم ينسبون بالمسيلمي أو
المسلمي تصحيف (والعزيزي) لست أعرف وجه هذه النسبة، وفي
أنساب القبائل للسيد مهدي القزويني ان آل عزيز قبيلة من الأقرع في العراق
وقبيلة من آل فتلة في العراق اه‍. (والطريحي) نسبة إلى جدهم
طريح بضم الطاء المهملة (والرماحي) نسبة إلى الرماحية بتشديد الميم من
قرى العراق أصلهم منها قبل انتقالهم إلى النجف.
وآل طريح بيت علم وفضل، مر اجمال ذكرهم في جمال الدين بن
محمد علي، وقد صلى المحقق الكركي في مسجدهم المعروف إلى اليوم
يرتقي عهدهم في العراق إلى القرن السابع أو السادس الهجري، ويقولون
انه كانت إليهم سدانة الحرم الشريف الغروي وانه يستفاد ذلك كله من
بعض الصكوك والسجلات التي لديهم، كما أخبرنا بذلك بعض
الطريحيين. خرج منهم عدة علماء مثل: فخر الدين وصفي الدين وجمال
الدين وابنه حسام الدين وجلال الدين وعلاء الدين وابنه نعمة وعبد
الحسين بن نعمة وصافي واخوه محمد، ويأتي ذكر علمائهم كل في بابه.
أقوال العلماء فيه
وصفه السيد جابر بن طعمة النجفي في بعض مكتوباته بجامع
المعقول والمنقول. وفي أمل الآمل: الشيخ حسام الدين بن جمال الدين بن
طريح النجفي من فضلاء المعاصرين عالم ماهر محقق فقيه جليل شاعر
اه‍. وفي رياض العلماء: فاضل جليل معاصر وقد روي أنه كان بحرا
اه‍. وقال بعض الطريحيين: كان عالما فاضلا محدثا لغويا عابدا زاهدا
ورعا اه‍. وهو من شيوخ الإجازة.
هو ابن أخي فخر الدين لا ابن عمه
ستعرف تصريح الشيخ يونس النجفي والشيخ محمد جواد الكاظمي
بان فخر الدين صاحب مجمع البحرين عمه. ولكن صاحب رياض العلماء
قال: وهو ابن عم فخر الدين بن طريح النجفي المعاصر المشهور وقد
أدركتهما اه‍.
مشايخه
قرأ على عمه فخر الدين وروى عنه إجازة.
تلاميذه
من تلاميذه: الشيخ يونس بن يونس ابن الشيخ ياسين النجفي وله
منه إجازة صرح فيها بان فخر الدين عمه وان حسام الدين يروي عن عمه
فخر الدين. ومن تلاميذه أيضا الشيخ محمد جواد بن كربلائي علي



(1) في أمل الآمل في ترجمة فخر الدين الذي هو عم المترجم انه ابن محمد بن علي، ولكن
الظاهر محمد علي كما في المقال وغيره. - المؤلف -
620
الكاظمي وله منه إجازة، وصرح في تلك الإجازة بان حسام الدين يروي
عن عمه وشيخه وأستاذه فخر الدين الطريحي.
مؤلفاته
(1) شرح فخرية عمه (2) شرح الصومية البهائية (3) شرح
مبادئ الوصول إلى علم الأصول للعلامة (4) تفسير القرآن الكريم
الموسوم ب (الوجيز في تفسير القرآن العزيز) (5) التبصرة الجلية والتذكرة
الحسامية في مبهمات المسائل الرضاعية فرع منه يوم الجمعة من ربيع الثاني
سنة 1096 في المشهد الرضوي كما وجدناه بخطنا في مسودة الكتاب، أو
1094 كما في الذريعة (6) الرسالة البهية في الصلوات اليومية فرع منها
سنة 1288 (7) شرح شرائع الاسلام (8) الدرة البهية في مدح خيرة
البرية وكأنها قصيدة (9) جامع الشتات في فروق اللغات ذكرهما بعض
الطريحيين.
حسام الدين الحلي
اسمه محمود بن درويش علي.
حسام الدين بن درويش علي الحلي النجفي
اسمه محمود كما مر.
حسام الدين أبو فراس الحلي الكردي الورامي.
لم نعرف ان حسام الدين اسمه أو لقبه والمتعارف كونه لقبا.
ذكره ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة 622 فقال: وفيها هرب
أمير حاج العراق وهو حسام الدين أبو فراس الحلي الكردي الورامي وهو
ابن أخي الشيخ ورام كان عمه من صالحي المسلمين وخيارهم من أهل
الحلة السيفية، فارق الحاج بين مكة والمدينة وسار إلى مصر. حكى لي
بعض أصدقائه انه انما حمله على الحرب كثرة الخرج في الطريق وقلة المعونة
من الخليفة، ولما فارق الحاج خافوا خوفا شديدا من العرب فأمن الله
خوفهم ولم يرعهم ذاعر في جميع الطريق ووصلوا آمنين الا ان كثيرا من
الجمال هلك أصابها غدة عظيمة لم يسلم الا القليل اه‍. وعمه الشيخ
ورام هو صاحب المجموعة المعروفة في المواعظ وهو ورام بن أبي فراس
عيسى من ذرية مالك الأشتر، فاذن هو عربي الأصل لا كردي، ولم نعلم
اسمه، ولا اطلعنا من أحواله على غير هذا، وله ذكر في موضع آخر من
تاريخ ابن الأثير غاب عنا الآن.
الأمير حسام الدين الكردي البشنوي.
في تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة 541: في هذه السنة سير أتابك
زنكي جيشا إلى قلعة فنك وهي تجاور جزيرة ابن عمر بينهما فرسخان،
فحصرها وصاحبها حينئذ الأمير حسام الدين الكردي البشنوي، وكان قد
حصر أيضا قلعة جعبر وهي بيد سالم بن مالك العقيلي أراد ان لا يكون في
وسط بلاده ملكا لغيره، فقاتله من بقلعة جعبر، فلما طال الامر ارسل إلى
صاحبها مع الأمير حسان المنبجي ليسلمها ويضمن له الاقطاع الكثير والمال
الجزيل فان امتنع فقل له: والله لأقيمن عليك إلى أن أملكها عنوة ومن
الذي يمنعك مني. فادى حسان الرسالة، فامتنع من التسليم، فقال له ما
أوصاه به من التهديد، فقال: يمنعني منه الذي منعك من الأمير بلك -
وكان بلك ابن أخي ايلغازي حاصر حسانا هذا في منبج وضيق عليه فجاءه
يوما سهم لا يعرف من رماه فقتله وخلص حسان من الحصر - فعاد حسان
إلى زنكي وأخبره بامتناع حسام الدين ولم يخبره بباقي كلامه فقتل زنكي بعد
أيام اه‍. والأكراد البشنوية كانوا شيعة فيغلب على الظن تشيع المترجم.
الشيخ حسام الدين بن عذافة النجفي.
من مشايخ السيد حسين بن حيدر بن قمر الحسيني الكركي ومعاصر
للشيخ البهائي والمير الداماد وغيرهما، وجد بخطه نسخة الجمانة البهية في
نظم الألفية الشهدية للحسن بن راشد.
المولى حسام الدين الماشيني.
من أهل أوائل المائة الحادية عشرة.
(والماشيني) بالشين الفارسية لا أعلم هذه النسبة إلى اي شئ.
يظهر انه من أطباء الفرس، وصفه صاحب الذريعة بأفلاطون
الزمان، وذكر من مؤلفاته التنباكية وهي رسالة فارسية في منافع تدخين
التنباك ومضاره ألفها قرب اختراع النارجيلة، وكان شيوع تدخين التنباك
بالنارجيلة سنة 1012، وقد عربها المولى عبد الله بن حسين بابا السمناني
تلميذ محمد باقر الداماد، ونسب إلى محمد مقيم بن محمد حسين السمناني
انه انتحلها ولم يتحقق ذلك.
حسان بن أبي عيسى الصيقلي.
في لسان الميزان: ذكره علي بن الحكم في مصنفي الشيعة، وقال
روى عنه الحسن بن علي بن يقطين حديثا كثيرا.
حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن
وأبو الوليد
توفي سنة 54 عن 120 سنة، عاش ستين منها في الجاهلية وستين
في الاسلام.
ليس هو من شرط كتابنا، فإنه كان عثمانيا مجاهرا بذلك، وهو
القائل:
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان بين علي وابن عفانا
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
لتسمعن وشيكا في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا
- ولما عزل علي (ع) قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجاء إلى
المدينة جاء اليه حسان شامتا ومؤنبا فزجره قيس وأخرجه، وكان حسان
جبانا. وانما ذكرناه لأنه في أول أمره كان يمدح أمير المؤمنين وأهل البيت
عليهم السلام وكان شاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لا زلت
مؤيدا بروح القدس ما دمت ناصرنا. وفي التقييد بذلك معجزة. وفي
تكملة الرجال: نظم حديث الغدير، كما في ارشاد المفيد ومناقب
الخوارزمي وغيرهما، ثم رجع القهقرى وخالف النص وصار دعاؤه على
نفسه بقوله (وكن للذي عادى عليا معاديا) اه‍. فمن شعره في مدح أمير
المؤمنين عليه السلام قوله كما في المناقب لابن شهرآشوب:
جزى الله خيرا والجزاء بكفه * أبا حسن عنا ومن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقلبك ممتحن

621
وله في التصدق بالخاتم أورده ابن شهرآشوب في المناقب وقال: وهو
في ديوان الحميري، فاذن لم يتحقق انه لحسان:
علي أمير المؤمنين أخو الهدى * وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
وأول من أدى الزكاة بكفه * وأول من صلى ومن صام طاويا
فلما أتاه سائل مد كفه * اليه ولم يبخل ولم يك جافيا
فدس اليه خاتما وهو راكع * وما زال أواها إلى الخير داعيا
فبشر جبريل النبي محمدا * بذاك وجاء الحق في ذاك ضاحيا
وقال في يوم الغدير كما في ارشاد المفيد ومناقب ابن شهرآشوب وعن
مناقب الخوارزمي:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا
يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولا تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا
وقال في غزوة بني قريظة:
لله أي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع
أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع
وقال كما في مناقب ابن شهرآشوب:
وان مريم أحصنت فرجها * وجاءت بعيسى كبدر الدجى
فقد أحصنت فاطم بعدها * وجاءت بسبطي نبي الهدى
حسان بن حسان البكري
وقيل اسمه أشرس بن حسان، وذكر في أشرس.
حسان بن خوط بن مسعر بن عتود بن مالك بن الأعور بن ذهل بن
ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر الشيباني.
في الإصابة: هكذا نسبه ابن الكلبي وقال: كان شريفا في قومه
وكان وافد بكر بن وائل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعاش حتى شهد الجمل مع علي
عليه السلام ومعه ابناه الحارث وبشر وأخوه بشر بن خوط وأقاربه اه‍. وفي
الاستيعاب: حسان بن خوط الذهلي ثم البكري، كان شريفا في قومه،
وكان وافد بكر بن وائل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وله بنون جماعة
منهم الحارث وبشر شهد الجمل مع علي (عليه السلام)، وبشر هو القائل
يومئذ:
انا ابن حسان بن خوط وأبي * وافد بكر كلها إلى النبي
ومثله في أسد الغابة إلى قوله جماعة، ثم قال: وشهد الجمل مع
علي، وابنه بشر القائل: (أنا ابن حسان) البيت، قال بشر هذا الشعر
يوم الجمل اه‍. فصرح صاحبا الإصابة وأسد الغابة بشهوده الجمل مع
علي عليه السلام، ولم يصرح صاحب الاستيعاب بسوى شهود ابنيه على ما
في النسخة المطبوعة بهامش الإصابة.
حسان بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي.
قتل سنة 405.
كان من امراء بني دبيس المشهورين أصحاب الحلة السيفية وغيرها.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 405: في هذه السنة في المحرم كانت الحرب
بين أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي وبين مضر ونبهان وحسان وطراد بني
دبيس لأنهم كانوا قد قتلوا أخاه أبا الغنائم بن مزيد في حرب بينهم فتجهز
في هذه السنة للاخذ بالثار وجمع جمعا من العرب والأكراد وسار إليهم، فلما
قرب منهم خرجت زوجته ابنة دبيس وقصدت أخاها مضر بن دبيس ليلا،
وقالت له: قد أتاكم ابن دبيس بما لا قبل لكم به، وهو يقنع منكم بابعاد
نبهان قاتل أخيه، فأبعدوه وقد تفرقت هذه العساكر، فأجابها أخوها مضر
إلى ذلك وامتنع اخوه حسان، فكان ذلك سبب قتله. فلما سمع ابن مزيد
بما فعلته زوجته أنكره وأراد طلاقها فقالت له: خفت ان أكون في هذه
الحرب بين فقد أخ حميم وزوج كريم ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح،
فزال ما عنده منها - ونعم ما فعلت فان فعلها يدل على أنها كانت من
عاقلات النساء، وبئس ما فعل أخوها حسان من عدم قبوله ما أشارت به
حتى صار سببا لقتله - وتقدم ابن مزيد إليهم وتقدموا اليه، واقتتلوا أشد
القتال فظفر بهم ابن مزيد وهزمهم وقتل حسان ونبهان ابني دبيس.
الشيخ حسان الربعي النجفي.
توفي في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، كتب لنا ترجمته بعض آله
في العراق، والعهدة عليه، فقال: انه اليه ينتهي نسب العائلة المشتهرة
الشيخ حسان، وينتهي نسبهم إلى امراء ربيعة. وقد جاء الشيخ حسان إلى
النجف الأشرف طالبا للعلم، وكان له مال كثير ورثه عن أبيه، فسكن
النجف واشترى عدة دور حوالي القرن الثاني عشر الهجري، واشترى
عقارات وأراض زراعية في الهاشمية التي تبعد عن الحلة نحو أربعة
فراسخ، وأوقف تلك الأراضي في سبيل الله. وكان ذا علم ودين. يروى
عنه أنه قال: ما زلنا موالي لآل البيت، وما زال فينا محدث فقيه منذ زمن
جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام إلى يومنا هذا. وكانت له مكتبة
عامرة بالمخطوطات النفيسة ولا زال أكثرها باقيا إلى يومنا هذا. توفي الشيخ
حسان في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، وخلف أربعة أولاد وبنتين،
وكان أكبر أولاده، والذي لا يزال عقبه موجودا، يدعى الشيخ محمد
الحساني ويأتي.
حسان السكوني
في التعليقة: سيجئ في محبوب ابن حسان ما يشير إلى معروفيته على
ما هو في نسختي اه‍. والذي كان في نسخته: محبوب بن حسان وقيل أبوه
حسان السكوني وهو كذلك في بعض النسخ وفي بعضها ابن حسان وقيل
أبو حسان وهو الصواب، ونسخة أبوه بالهاء من تحريف النساخ لا معول
عليها.
حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو بن ظريف بن
عمرو بن ثمامة بن ذهل بن خذعان بن سعد بن طئ.
قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر ان حسانا هو المقتول
بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام. وفي كتاب لبعض المعاصرين:

622
حسان بن شريح السعدي البصري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قتل معه بصفين اه‍.
الشيخ حسان الطريحي.
عالم فاضل مؤلف، لا نعلم من أحواله شيئا الا ان له منظومة في
الأصول وعليها شرح لأخيه الشيخ محمد.
حسان العامري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب السجاد عليه السلام، وفي لسان
الميزان ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حسان بن عبد الله الجعفي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام وفي لسان
الميزان: حسان بن عبد الله الجعفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة. وقال
علي بن الحكم: كان ثقة قليل الحديث اه‍. وعلي بن الحكم من رجال
الشيعة له كتاب في الرجال كان عند ابن حجر.
حسان العجم
اسمه إبراهيم بن علي الشرواني المعروف بالخاقاني.
حسان بن المختار.
روى الكليني في الكافي في باب صوم الوصال وصوم الدهر عنه عن
أبي عبد الله عليه السلام وليس له ذكر في كتب الرجال.
حسان بن مخدوج.
من أصحاب علي (ع) وكان معه يوم صفين وجعل له علي (ع)
رياسة كندة وربيعة لما عزل عنها الأشعث بن قيس. قال نصر بن مزاحم في
كتاب صفين: بلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين فنشطوا وجدوا،
غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزل علي إياه عن الرياسة،
وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث فدعا علي حسان بن مخدوج
فجعل له تلك الرياسة، فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن منهم الأشتر
وعدي الطائي وزحر بن قيس وهانئ بن عروة فقاموا إلى علي فقالوا: يا
أمير المؤمنين ان رياسة الأشعث لا تصلح الا لمثله! وما حسان بن مخدوج
مثل الأشعث فغضبت ربيعة، فقال حريث بن جابر - ما مر في ترجمته -
وقال النجاشي في ذلك:
رضينا بما يرضى علي لنا به * وان كان فيما يأتي جدع المناخر
وصي رسول الله من دون أهله * ووارثه بعد العموم الأكابر
رضي بابن مخدوج فقلنا الرضا به * رضاك وحسان الرضا للعشائر
وللأشعث الكندي في الناس فضله * توارثه من كابر بعد كابر
متوج آباء كرام أعزة * إذ الملك في أولاد عمرو بن عامر
فلولا أمير المؤمنين وحقه * علينا لاشجبنا حريث بن جابر
فلا تطلبنا يا حريث فإننا * لقومك ردء في الأمور الغوامر
وما بابن مخدوج بن ذهل نقيصة * ولا قومنا في وائل بعوائر
وليس لنا الا الرضى بابن حرة * أشم طويل الساعدين مهاجر
على أن في تلك النفوس حزازة * وصدعا يؤبيه (يوئاه) أكف الجواير
وغضب رجال اليمينة، فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فقال ما
رأيت قوما أبعد رأيا منكم، وتكلم بكلام فيه لوم لهم وقال في آخر كلامه
أو هل تجد ربيعة ناصرا من مضر؟ القول ما قال علي والرأي ما صنع
فتكلم حريث بن جابر بما مر في ترجمته. فقال حسان للأشعث: لك راية
كندة ولي راية ربيعة، فقال معاذ الله لا يكون ذلك ابدا: ما كان لك فهو
لي وما كان لي فهو لك. وبلغ معاوية ما صنع بالأشعث. فدعا مالك بن
هبيرة فقال: اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه على علي، فدعوا شاعرا لهم
فقال هذه الأبيات، فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث وكان له صديقا
وكان كنديا:
من كان في القوم مثلوجا بأسرته * فالله يعلم اني غير مثلوج
زالت عن الأشعث الكندي رياسته * واستجمع الامر حسان بن مخدوج
يا للرجال لعار ليس بغسله * ماء الفرات وكرب غير مفروج
ان ترض كندة حسانا بصاحبها * ترضى الدناة وما قحطان بالهوج
هذا لعمرك عار ليس ينكره * أهل العراق وعار غير ممزوج
كان ابن قيس هماما في أرومته * ضخما يبوء بملك غير مفلوج
ثم استقل بعار في ذوي يمن * والقوم أعداء يأجوج ومأجوج
ان الذين تولوا بالعراق له * لا يستطيعون طرا ذبح فروج
ليست ربيعة أولى بالذي حذيت * من حق كندة حق غير محجوج
فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هانئ: يا أهل
اليمن! ما يريد صاحبكم الا ان يفرق بينكم وبين ربيعة، وان حسان بن
مخدوج مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره، فقال
الأشعث: ان هذه الراية عظمت على علي! وهي والله أخف علي من زف
النعام، ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم. فعرض عليه علي بن أبي طالب
ان يعيدها اليه فأبى وقال: يا أمير المؤمنين! ان يكن أولها شرفا فليس
آخرها بعار. فقال له علي: أنا أشركك فيه فقال له الأشعث: ذلك
إليك. فولاه على ميمنته وهي ميمنة أهل العراق اه‍. والأشعث كان من
أعداء أمير المؤمنين وكان رئيس كندة وربيعة كما سمعت، فلم يشأ أمير
المؤمنين ان يبقي له هذه الرياسة لما يعلم من عداوته، فجعلها لحسان بن
مخدوج. وهذا يدل على مكانة حسان واخلاصه، فلما غضبت اليمنية
تعصبا للأشعث أراد الأشتر وعدي وهانئ، وهم من خلص أصحاب أمير
المؤمنين (ع) تدارك الأمر، فقالوا ما سمعت وأشاروا برد الرياسة إلى
الأشعث فغضبت ربيعة عشيرة حسان بن مخدوج لتفضيل هؤلاء الجماعة
الأشعث عليه وقولهم ان رياسة ربيعة وكندة لا تصلح الا له وعرض حسان
على الأشعث أن تكون رياسة ربيعة عشيرة حسان لحسان ورياسة كندة
عشيرة الأشعث للأشعث، فلما لم يقبل جاء بالراية إلى دار الأشعث فركزها
فيها لتكون له الرياسة كلها ارضاء له، وهذا يدل على اخلاص حسان
وتقديمه المصلحة العامة على مصلحته الخاصة. وقول الأشعث: ان هذه
الراية عظمت على علي وهي والله أخف علي من زف النعام، يدل على
موجدة كانت في نفسه من ذلك. ثم تلافى الامر أمير المؤمنين عليه السلام
فولى الأشعث على ميمنة أهل العراق، وبقيت رياسة القبيلتين لحسان.
(واعلم) أن الشيخ في رجاله، كما ستعرف، ذكر في أصحاب علي عليه
السلام حسان بن مخزوم، ولم يذكر هذا، والمظنون انه قد صحف مخدوج
بمخزوم، وان المذكور في كلام الشيخ هو هذا، وان ابن مخزوم لا وجود

623
له، ولا يمكن ان يكون صحف مخزوم بمخدوج للتصريح في الأبيات
السابقة بأنه ابن مخدوج.
حسان بن مخزوم البكري
قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي (ع): حسان بن مخزوم
البكري كان معه اه‍. ومر في حسان بن مخدوج انه يغلب على الظن انه
صحف بحسان بن مخزوم وان ابن مخزوم لا وجود له والله أعلم.
حسان المداري
في لسان الميزان: روى عن علي بن الحسين زين العابدين، وأدرك
بعض الصحابة، وكان عارفا بالتفسير، روى عنه ابن جريج وغيره، ذكره
الكشي في رجال الشيعة وقال: ثقة مستقيم الطريق اه‍. ولا أثر له في
رجال الكشي، ولا شك انه حصل تصحيف واشتباه في اسمه.
حسان بن المعلم.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق (ع)، وفي لسان
الميزان: حسان المعلم ذكره الطوسي في رجال الشيعة.
حسان بن مهران الجمال مولى بني كاهل بن أسد، وقيل مولى لغني.
هكذا عنونه النجاشي وقال: روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن
عليهما السلام ثقة ثقة أصح من صفوان وأوجه له كتاب يرويه عدة من
أصحابنا منهم علي بن النعمان أخبرنا الحسين بن عبيد الله حدثنا أحمد بن
جعفر، حدثنا حميد حدثنا القاسم بن إسماعيل حدثنا علي بن النعمان عن
حسان بكتابه. وفي الفهرست: حسان بن مهران الجمال له كتاب رواه
علي بن النعمان عنه أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن حميد
عن القاسم بن إسماعيل عن حسان الجمال وذكر الشيخ في رجاله في
أصحاب الباقر (ع): حسان بن مهران وذكر في أصحاب الصادق (ع)
حسان بن مهران الجمال الكوفي ثم حسان بن مهران الغنوي الكوفي. وذكر
العلامة في الخلاصة عين ما ذكره النجاشي إلى قوله وأوجه. وقال الشهيد
الثاني في حاشية الخلاصة: هذا لفظ النجاشي وحاصله ان حسان بن
مهران واحد، وفي كتاب الرجال انهما رجلان حسان بن مهران الجمال
وحسان بن مهران الغنوي اه‍. وقال ابن داود في رجاله: وعندي انما
اثنان: حسان الجمال الكاهلي أسدي، والآخر مولى وقد فصل بينهما
الشيخ أبو جعفر في كتاب الرجال اه‍. وفي منهج المقال ما ذكره الشيخ وان
كان ظاهره التعدد، الا ان عادة الشيخ في الكتاب نقل جميع ما ذكره
الأصحاب وان احتمل الاتحاد، وظاهر النجاشي تحقيق الحال وذكر ما هو
المال والله أعلم بحقيقة الحال اه‍. فظهر ان التعدد غير متحقق، ولا يمكن
استفادته من كلام الشيخ وفي لسان الميزان: حسان بن مهران الجمال أخو
صفوان كوفي كاهلي ويقال غنوي، روى عن أبي جعفر الباقر وولده جعفر
وغيرهما، ويقال انه روى أيضا عن موسى بن جعفر. روى عنه علي بن
النعمان و علي بن سيف. والكشي وعلي بن الحكم في رجال الشيعة ووثقه
الطوسي وابن النجاشي، وفرق الطوسي بين الغنوي والكوفي وهما واحد،
وبذلك جزم ابن عقدة اه‍. والطوسي لم يوثقه ولا اثر له في رجال
الكشي.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: باب حسان المشترك بين الثقة وبين
غيره ويمكن استعلام انه ابن مهران الثقة برواية القاسم بن النعمان عنه
ورواية القاسم بن إسماعيل عنه وزاد الكاظمي: رواية سيف بن عميرة عنه
ونقل بعض عن الكاظمي رواية عبد الصمد بن بشير عنه، ولا وجود
له في نسختين. وروايته هو عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام
حيث لا مشارك. وعن جامع الرواة انه نقل رواية أحمد بن محمد بن أبي
نصر عنه عن هاشم بن أبي عمارة الجنبي عن أمير المؤمنين عليه السلام،
ورواية داود بن فرقد عنه عن أبي عبد الله عليه السلام.
حسكا بن بابويه
في رياض العلماء: اسمه شمس الاسلام الحسن بن الحسين وسماه
صاحب أمل الآمل حسكة كما ستعرف. ويأتي في الحسن بن الحسين بيان
معنى حسكا وحسكة.
الحسكاني
اسمه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحاكم الحسكاني.
الشيخ حسكة بن بابويه
في أمل الآمل: فقيه فاضل اسمه الحسن بن الحسين اه‍. وفي
رياض العلماء: الظاهر أن كلامه هذا إشارة إلى جد الشيخ منتجب الدين
أعني الشيخ شمس الاسلام الحسن بن الحسين المعروف بحسكا بن
الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي. ولكن
هذا سهو منه، أما أولا فلان الحسن بن الحسين المذكور لقبه حسكا لا
حسكة، وأما ثانيا فلان حسكا المشار اليه كان تلميذ الشيخ الطوسي وابن
البراج وسلار كما سيجئ في ترجمته، وحسكة هو جد الشيخ أبي الحسين
جعفر بن الحسين بن حسكة، وجعفر هذا من مشايخ الشيخ الطوسي،
ويروي عنه الصدوق كما مر في ترجمته فإذا كان ابن ابنه من مشايخ الطوسي
فكيف يكون هو تلميذ الطوسي فحسكة جد جعفر غير حسكا جد منتجب
الدين (أقول): في أمل الآمل بعد ما ترجم حسكة بما سمعت ترجم
الحسن بن الحسين الملقب حسكا وصرح انه جد منتجب الدين.
الحسن
إذا اطلق في لسان الفقهاء يراد به الحسن بن أبي عقيل العماني.
الشيخ أبو محمد الحسن.
في رياض العلماء: له كتاب المعراج كذا قال الشيخ حسن بن
سليمان تلميذ الشهيد في كتاب المختصر، وقد ينقل عن كتابه المذكور فيه
ويصفه بالصلاح وهو من المتأخرين ولم أعلم خصوص عصره اه‍
الشيخ أبو محمد الحسن الآذري.
من أهل المائة الثامنة أو التاسعة.
(والآذري) نسبة إلى آذربيجان في لغة من مده.
كان عالما نسابة وكتب الينا ترجمته السيد شهاب الدين التبريزي
النسابة نزيل قم ووصفه بالشيخ وقال: انه من الامامية له كتاب في مشجرة

624
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغزواته وبيان أسرته الكريمة وعقاره، وله رسالة في تشجير
نسب السيد محمد شاه البخاري، وكلاهما موجود في المكتبة الرضوية،
وصرح فيهما بروايته عن صاحب عمدة الطالب وانه أخذ علم النسب عنه
اه‍.
الحسن بن ابان القمي.
غير مذكور في الرجال، وانما ذكر الشيخ في الفهرست في ترجمة
الحسين بن سعيد الأهوازي - كما يأتي - انه تحول إلى قم فنزل على الحسن بن
ابان. وقال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة: ان الحسن بن ابان غير
مذكور في كتب الرجال. مع أن هذا المذكور يدل على أنه جليل مشهور
(اه‍). وفي النقد: ربما يدل هذا على عظم شانه (اه‍). ولذلك عد
صاحبا الوجيزة والبلغة حديثه حسنا وهو كذلك. وللحسن هذا ابن اسمه
الحسين سيأتي في بابه كثرة رواياته وجلالة شأنه.
التمييز
عن جامع الرواة انه نقل رواية محمد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو
عنه في باب النية وكتاب الكفر والايمان من الكافي.
الحسن بن أبجر.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: الحسن بن أبجر ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال علي بن
الحكم: أسند عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى وهو قليل الحديث اه‍.
وعلي بن الحكم ذكرنا غير مرة انه من أجلاء رجال الشيعة له كتاب في
الرجال وكان عند ابن حجر وعدم في الأعصار الأخيرة.
الشيخ حسن بن إبراهيم بن باقر النجمابادي الطهراني.
توفي حدود 1232 في النجف.
(والنجمابادي) نسبة إلى نجماباد من قرى ساوج بلاع في نواحي
طهران.
عالم فاضل من تلاميذ الشيخ مرتضى الأنصاري، في الذريعة: كان
أرشد تلاميذه متسالم على فقهه، توفي بعد أستاذه بقليل، له كتاب البيع
الاستدلالي ومعه بعض خلل الصلاة وبعض فروع الصوم في مجلد كبير،
وكان والده وعمه الشيخ مهدي والد الشيخ هادي الذي توفي بطهران سنة
1321 من علماء عصر السلطان فتح علي شاه الفاجاري.
الشيخ صفي الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن بندار الجيروي أو
الخبروي.
(الجيروي) بالجيم والمثناة التحتية والراء والواو وياء النسبة لا أعرف
هذه النسبة إلى أي شئ ويحتمل ان يكون ذلك محرف الجيرفتي، وفي
بعض النسخ الخبروي بالخاء المعجمة والموحدة التحتية والراء والواو، ولا
أعرفها إلى أي شئ أيضا.
قال منتجب الدين في الفهرست: فقيه صالح، وفي رياض العلماء
حيث ذكره منتجب الدين فهو من العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي،
قال: ورأيت بخط بعض الأفاضل على ظهر بعض نسخ رجال النجاشي،
كما سننقله في ترجمة الشيخ تاج الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين أبي
الفتوح الحسين بن علي الخزاعي، ما يدل على أن الشيخ صفي الدين هذا
قد كان شريك الدرس للشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست في قراءة
ذلك الكتاب على الشيخ أبي الفتوح المذكور في سنة 551، ولكن هناك قد
كان هكذا الشيخ الإمام أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن سيار الجيروي (والجيروي) فيه بالجيم ثم المثناة التحتية ثم الراء ثم ياء النسبة ولعله أظهر
اه‍. وذلك الكتاب الظاهر أنه إشارة إلى رجال النجاشي وأبو بكر بن
سيار، الظاهر أنه تصحيف إبراهيم بن بندار. وفي لسان الميزان:
الحسن بن إبراهيم بن بندار ذكره ابن بابويه في الذيل، وقال: كان اماميا
فقيها صالحا يلقب صفي الدين اه‍.
الحسن بن إبراهيم تاتانة
في التعليقة: يروي عنه الصدوق مترضيا، ولعله الحسين بن إبراهيم
الآتي، ويحتمل كونه أخاه اه‍. بل الظاهر أنهما واحد صحف أحدهما
بالآخر.
أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن الحسين بن علي بن
خلف بن راشد بن عبد العزيز بن سليمان زولاق الليثي بالولاء المصري
المؤرخ المعروف بابن زولاق.
هكذا نسبه في لسان الميزان. وقال ياقوت وابن خلكان: الحسن بن
إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي بن خلف بن راشد بن عبد الله بن
سليمان بن زولاق، الا ان ابن خلكان قال خالد بدل خلف.
ولد في شعبان سنة 306 لأنه قال عن بعض الفقهاء انه توفي في
جمادى الأولى سنة 306 قبل مولدي بثلاثة أشهر حكاه ابن خلكان وفي
لسان الميزان انه ولد سنة 336. وتوفي يوم الأربعاء أو الثلاثاء لخمس بقين
من ذي القعدة سنة 386 وقيل 387، قال ياقوت: والأول أظهر.
(وزولاق) قال ابن خلكان: بضم الزاي وسكون الواو وبعد اللام
ألف وقاف (والليثي) هذه النسبة إلى الليث بن كنانة وهي قبيلة كبيرة،
حكى ابن خلكان عن ابن يونس المصري انه ليثي بالولاء.
أقوال العلماء فيه
في معجم الأدباء: كان من أعيان علماء أهل مصر ووجوه أهل العلم
فيهم، وكان لمحبته للتواريخ والحرص على جمعها وكتبها كثيرا ما ينشد:
ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا * حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا
وفي لسان الميزان: ولي المظالم في أيام الفاطمية، ورماه ابن أعين
الغزال بالكذب، وابن أعين الغزال لا أعرفه، وابن زولاق صدوق لا
شك فيه لكنه كان يظهر التشيع للفاطميين، ولا يبعد انه كان حقيقة فان
ذلك يظهر من تصانيفه التي صنفها قديما. وقال ابن خلكان: كان فاضلا
في التاريخ وكان جده الحسن بن علي من العلماء المشاهير.
تشيعه
قد سمعت قول ابن حجر انه كان يظهر التشيع للفاطميين وان ذلك
يظهر من تصانيفه فيكون إسماعيليا، ويمكن كونه اثنا عشريا.
مشايخه
قال ابن خلكان: روى عن الطحاوي. وفي لسان الميزان: اخذ

625
عن الكندي، وتفقه على ابن الحداد، وسمع من جمع كثير، يعرف ذلك
من تصانيفه.
تلاميذه
في معجم الأدباء: كان قد سمع الحديث ورواه فسمع منه
عبد الله بن وهبان بن أيوب بن صدقة وغيره.
مؤلفاته
قال ياقوت: له من الكتب (1) سيرة محمد بن طغج الاخشيد
(2) سيرة جوهر (3) سيرة الماذرائيين (4) التاريخ الكبير على السنين
قال ابن خلكان انه مصنف جيد (5) فضائل مصر (6) سيرة كافور
(7) سيرة المعز (8) سيرة العزيز وغير ذلك اه‍. (9) خطط مصر قال
ابن خلكان: له كتاب في خطط مصر استقصى فيه (10) أخبار قضاة
مصر قال ابن خلكان: جعله ذيلا على كتاب أبي عمرو محمد بن يوسف بن
يعقوب الكندي الذي ألفه في أخبار قضاة مصر وانتهى فيه إلى سنة 246
فكمله ابن زولاق المذكور وابتدأ بذكر القاضي بكار بن قتيبة وختمه بذكر
محمد بن النعمان وتكلم على أحواله إلى رجب سنة 386.
بعض أخباره
في معجم الأدباء: حدث ابن زولاق في كتاب سيرة العزيز من
تصنيفه حاكيا عن نفسه قال: لما خلع على الوزير يعقوب بن كلس وكان
يهوديا فاسلم، وكان مكينا من العزيز فلما أسلم قلده وزارته وخلع عليه،
قال ابن زولاق: وكنت حاضرا مجلسه فقلت: أيها الوزير روى الأعمش
عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود أنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ان الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه وهذا علو
سماوي فقال الوزير ليس الامر كذلك وانما أفعالي وتوفيراتي وكفايتي ونيابتي
ونبتي وحرصي الذي كان يهجر ويعاب وقد كان هذا القول بحضرة القوم
الذين حضروا قراءة السجل الذي خرج من العزيز في ذكر تشريفه، قال
ابن زولاق: فأمسكت وقلت وفق الله الوزير انما رويت حديثا صحيحا
وقمت وخرجت وهو ينظر إلي وانصرف الوزير إلى داره بما حباه العزيز
قال: فحدثني أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الحسيني الزينبي قال عاتبت
الوزير على ما تكلم به: وقلت انما روى حديثا صحيحا بجميع طرقه وما
أراد الا الخير، فقال لي: وحقي عليك انما هذا مثل قول المتنبي:
ولله سر في علاك وانما * كلام العدى ضرب من الهذيان
واجمع الناس على أن ذلك هجو في كافور لأنه أعلمه انه تقدم بغير
سبب، وابن زولاق هجاني على لسان صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله وسلم فما أمكنني
السكوت وكان في نفسي شئ فجعلت كلامه سببا. قال أبو عبد الله
الزينبي: فاشهد ان الوزير لم ينقض يومه حتى تكلم بمثل كلامه الذي
أورده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن رجلا عرض عليه رقعة فقال: كم رقاع كم
حرص هو ذا الرجل يطوف البلدان ويتقلب في الدول ويسافر فلا ينجح
وآخر يأتيه أمله عفوا قد فرع الله من الأرزاق والآجال والمراتب ومن الشقاوة
والسعادة ثم التفت إلي وضحك وقطع كلامه قال ابن زولاق. وكنت هنأت
ابن رشيق بهذه التهنئة في مجلس عظيم حفل حين جاءته الخلع من بغداد
والتقليد وألبسوه ورويت هذا الخبر فبكى وشكر وحسدني على ذلك أكثر
الحاضرين وكافاني عليه أحسن مكافأة اه‍.
الحسن بن إبراهيم بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ذكره صاحب مقاتل الطالبيين فيمن كان مع أبي السرايا وانه لما توفي
محمد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن
علي بن أبي طالب الخارج أيام أبي السرايا واتفق العلوية على محمد بن
محمد بن زيد فبايعوه فرق عماله فولى المترجم واسطا فخرج إليها اه‍.
السيد حسن ابن السيد إبراهيم ابن السيد حسين ابن السيد رضا ابن
السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي.
توفي بالنجف في 19 جمادى الأولى سنة 1355.
كان فاضلا شاعرا كأبيه، له التاريخ المنظوم فيما يقرب من ألف بيت
فيها تواريخ وفيات بعض مشاهير العلماء وولادة ووفاة بعض أسرته وبعض
الحوادث المهمة ومدائح الأئمة عليهم السلام.
الحسن بن أبي طاهر إبراهيم بن سعيد بن يحيى بن محمد الخشاب الحلبي.
توفي في جمادى الآخرة سنة 648.
في أعلام النبلاء عن تاريخ الذهبي في وفيات سنة 648 أنه قال في
حقه: من كبراء الحلبيين وهم بيت حشمة وتشيع مات في جمادى الآخرة
اه‍. وعن أبي ذر: أحمد بن إبراهيم الحلبي في تاريخه كنوز الذهب في
تاريخ حلب أنه قال واليهم ينسب درب بني الخشاب بحلب واليهم تنسب
التربة الخشابية بالقرب من باب قنسرين جددها المترجم في 633 قال:
ولبني الخشاب تربة أخرى، إلى أن قال: ولم يبق من آثار التربة المذكورة
سوى جدارها الشرقي وهناك حجرة قديمة كتب عليها بعد البسملة (انما
وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون) جدد عمارة هذه التربة المعروفة ببني الخشاب تغمد الله ساكنيها
بالرحمة الفقير إلى رحمة الله الحسن بن الخشاب (اي المترجم) في شهور سنة 633 اه‍.
الحسن بن إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي.
في معجم الأدباء في ترجمة أبيه إبراهيم: حدث الجهشياري عن
وهب بن سليمان بن وهب قال: كنت اكتب لإبراهيم بن العباس على
ديوان الضياع ولم يكن له في الخراج تقدم وكان بينه وبين أحمد بن المدبر
تباعد فقال ابن المدبر للمتوكل قلدت إبراهيم ديوان الضياع وهو لا يحسن
قليلا ولا كثيرا وطعن عليه طعنا قبيحا، فقال المتوكل غدا اجمع بينكما، فلما
كان الغد حضر إبراهيم وابن المدبر، فقال المتوكل لابن المدبر هات اذكر ما
كنت فيه أمس، فقال اي شئ أذكر عنه فإنه لا يعرف أسماء عماله في
النواحي ولا يعلم ما في دساكرهم من تقديراتهم وكيولهم وحمل من حمل
منهم ومن لم يحمل ولا يعرف أسماء النواحي التي تقلدها وقد اقتطع صاحبه
بناحية كذا كذا ألفا واختلت ناحية كذا في العمارة وأطال في ذكر هذه الأمور
فالتفت المتوكل إلى إبراهيم فقال ما سكوتك فقال يا أمير المؤمنين جوابي في
بيتي شعر قلتهما فان أذن أمير المؤمنين أنشدتهما فقال: هات فأنشد:
رد قولي وصدق الأقوالا * وأطاع الوشاة والعذالا
تراه يكون شهر صدود * وعلى وجهه رأيت الهلالا

626
فقال المتوكل زه زه أئتوني بمن يعمل في هذا لحنا وهاتوا ما نأكل
وجيئوا بالنساء ودعونا من فضول ابن المدبر واخلعوا على إبراهيم بن
العباس فخلع عليه وانصرف إلى منزله قال الحسن فمكث يومه فقلت له
هذا يوم سرور وجذل بما جدد الله لك من الانتصار على خصمك فقال يا
بني الحق أولى بمثلي وأشبه اني لم أدفع أحمد بحجة ولا كذب في شئ مما ذكر
وانما فلجت برطازة ومخرقة فلا أبكي فضلا عن أن اغتم من زمان يدفع ذلك
كله اه‍. فظاهر هذا ان لإبراهيم بن العباس ابن اسمه الحسن والولد على
سر أبيه ومرت هذه الحكاية في ترجمة إبراهيم.
الحسن بن إبراهيم بن عبد الصمد الخزار الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام وقال: روى
عن التلعكبري وسمع منه سنة 337 وليس له منه إجازة اه‍. وفي
التعليقة: كونه من مشايخ الإجازة يشير إلى الوثاقة كما مر في الفوائد اه‍.
وفي لسان الميزان: الحسن بن إبراهيم بن عبد الصمد الخزار ذكره الطوسي
في رجال الشيعة وقال: سمع من موسى بن هارون التلعكبري سنة 337
بالكوفة وأثنى عليه اه‍. وآخره لم يذكره الشيخ.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي باب حسن المشترك بين من يوثق به
وغيره ويمكن استعلام انه إبراهيم بن عبد الصمد برواية التلعكبري عنه
اه‍.
الحسن بن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك التميمي النيسابوري أبو
علي بن أبي القاسم.
عاش إلى ما بعد 500.
في لسان الميزان: ذكره ابن أبي طي فقال: كان أحد علماء الشيعة
الفضلاء وأحد وجوه نيسابور، وقد حدث كثيرا وكان من تلامذة أبي سعيد
منصور بن ناصر السنجري وعاش إلى ما بعد 500 اه‍.
الحسن التنج الأول بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن
السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
(التنج) هكذا في عمدة الطالب مكررا خمس مرات بالتاء المثناة
والنون والجيم وفي نهاية الاختصار الثج بالثاء المثلثة والجيم وفي المشجر
الكشاف الثج بالثاء المثناة والجيم والظاهر أنهما تصحيف ولست أعلم وجه
التسمية به ولا معناه ولا رأيت له أصلا في اللغة العربية ووصف المترجم
بالتنج الأول في مقابل ولده الحسن الذي يلقب بالتنج أيضا وحفيده أبو
جعفر محمد بن الحسن بن الحسن بن الديباج يقال له أيضا كما في عمدة
الطالب.
في غاية الاختصار عند ذكر إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن
السبط عليه السلام ما لفظه: ومنهم بنو التنج الحسن الأول محبوس فخ
مدحه مزيد الخشكري بقطعة مسدسه اشتهرت وحفظها الناس وغني بها
أولها.
سعود يدوم بشرب المدام * ببنت الكروم مع ابن الكرام
حسونا بطاس وكاس وجام * عدوة باء وخاء ولام
فمن غاب عنا أصاب الملام * بجامعة الشمل بعد انفصام
فيقال انه اجازه بألف دينار وقال ما اسمعها الا وانا قائم وكان ذا
مروءة وشرف وعلم وولاية وتقدم ورياسة ونيابة ضخمة اه‍. (قوله)
محبوس فخ يمكن ان يكون صوابه الحسن الأول بن إسماعيل محبوس فخ
لأنهم ذكروا ان أباه إسماعيل الديباج شهد فخا وحبسه الرشيد نيفا
وعشرين سنة حتى خلاه المأمون ولم يذكروا ان ابنه الحسن حبس أيضا
ويمكن ان يكون شهد فخا وحبس كما حبس أبوه والله أعلم.
الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام المدني.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وفي لسان
الميزان: ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال: كان من رجال جعفر
الصادق اه‍. وأبوه إبراهيم قتيل باخمرى قتله جيش المنصور وفي عمدة
الطالب: أعقب إبراهيم من ابنه الحسن لا عقب له من غيره وأم الحسن
أمامة بنت عصمة العامرية من بني جعفر بن كلاب وكان وجيها مقدما
طلبت له زوجته أمانا من المهدي فأعطاها إياه وكان المنصور الدوانيقي قد
بالغ في طلبه وطلب عيسى بن زيد بعد قتل إبراهيم فلم يقدر عليهما اه‍.
ولكن كلام الطبري يدل على أن المنصور كان قد حبسه فبقي محبوسا حتى
ولي المهدي بن المنصور ثم هرب من الحبس فجاء به يعقوب بن داود بأمان
قال الطبري في تاريخه في حوادث سنة 159: فيها أمر المهدي باطلاق من
كان في سجن المنصور الا من كان قبله تباعة من دم أو معروفا بالفساد أو
لأحد عنده مظلمة أو حق، فأطلقوا فكان ممن اطلق من المطبق يعقوب بن
داود مولى بني سليم وكان معه في ذلك الحبس محبوسا الحسن بن
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فلما اطلق
يعقوب ولم يطلق الحسن بن إبراهيم ساء ظن الحسن وخاف على نفسه
فالتمس مخرجا لنفسه وخلاصا، فدس إلى بعض ثقاته فحفر له سربا من
موضع مسامت للموضع الذي هو فيه محبوس وبلغ يعقوب بن داود ما عزم
عليه الحسن بن إبراهيم من الهرب فاتى ابن علاثة وهو قاضي المهدي بمدينة
السلام وكان يعقوب بعد ما أطلق يطيف بابن علاثة ويلزمه حتى أنس به
فأخبره ان عنده نصيحة للمهدي وسأله ايصاله إلى أبي عبيد الله الوزير
فأوصله فسأله ايصاله إلى المهدي فأوصله فلما دخل على المهدي شكر له
بلاءه عنده في اطلاقه إياه ثم أخبره ان له عنده نصيحة فسأله عنها بمحضر
الوزير والقاضي فاستخلاه منهما فاعلمه ثقته بهما فأبى ان يخبره بشئ حتى
يقوما فقاما فأخبره خبر الحسن بن إبراهيم وما أجمع عليه من ليلته المستقبلة
فوجه المهدي من يثق به فاتاه بتحقيق ذلك فامر بتحويله من محبسه في المطبق
إلى نصير فلم يزل في حبسه إلى أن احتال واحتيل له فخرج وافتقد فشاع
خبره فطلب فلم يظفر به وتذكر المهدي دلالة يعقوب إياه كانت عليه فرجا
عنده من الدلالة عليه مثل ما كان منه أولا فسال الوزير عنه فأخبره انه
حاضر وقد كان لزم الوزير فدعا به المهدي خاليا فذكر له المهدي ما كان من
فعله في الحسن بن إبراهيم أولا ونصحه له فيه فقال يعقوب: انه لا علم له
بمكانه وانه ان أعطاه أمانا يثق به ضمن له أن يأتيه به على أن يتم له
على أمانة ويصله ويحسن اليه فأعطاه المهدي ذلك في مجلسه وضمنه له، فقال
يعقوب: فاله يا أمير المؤمنين عن ذكره ودع طلبه فان ذلك يوحشه ودعني
وإياه حتى أحتال له فآتيك به فأعطاه المهدي ذلك. وجعل يعقوب يعظ

627
المهدي وينصحه فحظي بذلك عنده وبما رجا أن ينال به من الظفر
بالحسن بن إبراهيم وامر أن لا يحجب عنه واتخذه أخا في الله واخرج في
ذلك توقيعا وأثبت في الدواوين فتسبب مائة ألف درهم ولم تزل مكانته تسمو
إلى أن صير الحسن بن إبراهيم في يد المهدي بعد ذلك. وقال في حوادث
سنة 160: انه حج بالناس في هذه السنة المهدي وكان ممن شخص معه
يعقوب بن داود على منزلته التي كانت عنده فاتاه حين وافى مكة الحسن بن
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الذي استأمن له يعقوب من المهدي على
أمانه فأحسن المهدي صلته وجائزته وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز اه‍.
وذكر مثل ذلك ابن الأثير في تاريخه باختصار.
الحسن بن إبراهيم العلوي النصيبي من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق
عليه السلام. في لسان الميزان: ذكره أبو المفضل الشيباني (1) في وجوه الشيعة وقال:
سمعت عليه حديثا كثيرا، وله تصنيف في طريق حديث الغدير (2) وروى
عن محمد بن علي من حمزة وغيره اه‍.
الشيخ حسن بن إبراهيم بن علي بن عبد العالي الشهير بابن مفلح العاملي
الميسي.
في أمل الآمل: فاضل عالم جليل معاصر اه‍. وكأنه حفيد المحقق
الشيخ علي الميسي. وفي رياض العلماء بعد نقل عبارة أمل الآمل: ولعله
نسبة إلى الجد إذ الشيخ علي الميسي المشهور في عصر الشيخ علي الكركي
قال: ثم بالبال انه يسكن الآن بأصبهان اه‍.. وكأنه استبعد ان يكون
حفيد الميسي لان الميسي توفي سنة 933 وصاحب أمل الآمل المعاصر
للمترجم فرع منه سنة 1097 ولا بعد فيه، مع أن معنى المعاصر من أدرك
عصره وان سبقه بالوفاة.
الحسن بن إبراهيم الكوفي
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام، وذكر فيهم
أيضا ان الحسن بن إبراهيم كوفي. وفي لسان الميزان: الحسن بن إبراهيم
الكوفي ذكره الطوسي في رجال الشيعة وقال: روى عن علي بن موسى
الرضا، وعنه علي بن سلمان اه‍.
التمييز
عن جامع الرواة انه نقل رواية إبراهيم بن هاشم عنه ورواية
الحسين بن أبي السري عنه ورواية الحسن السري عنه.
الحسن بن إبراهيم بن محمد بن جعفر الحمصي.
توفي سنة 540.
في لسان الميزان: ذكره ابن أبي طي وقال أخذ عنه أبي وقال: كان
فقيها اماميا مناظرا مات سنة 540 وقد عمر طويلا اه‍.
السيد حسن بن إبراهيم بن محمد معصوم الحسيني القزويني.
توفي قبل سنة 1208.
عالم فاضل. في الذريعة كان في غاية الزهد له كتاب الأدعية نقل فيه
عن كتاب والده في الأدعية والأذكار وهو أخو السيد محمد حسين شيخ بحر
العلوم.
حسن السكاكيني.
هو حسن بن أبي بكر بن القاسم الهمذاني الأصل الدمشقي
السكاكيني، كان والده شيخ الشيعة بدمشق ومتكلمهم، عالما بالفقه، وقد
اتهم بما اتهم به أحمد بن يوسف المقصاتي وذلك يدل على مؤامرة بهؤلاء
وائتمار بهم ليقتلوهم في ذلك العصر عصر الاضطهاد الديني الشنيع، وقد
حكم عليه بعض القضاة البغاة بالقتل فضربت عنقه بسوق الخيل بدمشق
في جمادى الأولى سنة 744.
الشيخ صفي الدين أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن سيار الجيروي أو
الخيروي.
مر بعنوان الشيخ صفي الدين أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن بندار
الخبروي.
الشيخ حسن بن أبي جامع العاملي.
في رياض العلماء: كان من أجلة تلامذة الشيخ علي الكركي ورأيت
بعض فوائده وفتاواه، وكانت حسنة الفائدة ولم أعثر له إلى الآن على مؤلف
اه‍.
الحسن بن أبي جعفرك النيسابوري.
في الرياض: جعفرك تصغير جعفر في اللغة الفارسية، فالكاف في
آخر الكلمة في لغتهم بمنزلة ياء التصغير في وسط الكلمة في اللغة العربية
اه‍. قال ابن شهرآشوب في المعالم له المختصر في الأصول اه‍. ولكن
الموجود في نسخ المعالم الحسن بن أبي جعفر بدون كاف وكذلك نقله صاحب
أمل الآمل عن المعالم بدون كاف.
الشيخ أسد الدين الحسن بن أبي الحسن بن أبي محمد الوراميني المعروف
بقهرمان
قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: مناظر عالم أديب اه‍. فهو
من المتأخرين عن الطوسي والذي في نسخة الفهرست المطبوعة في البحار ابن
محمد بترك لفظة أبي. وفي أمل الآمل قال: نقلا عن الفهرست: مناظر
صالح.
السيد حسن بن أبي الحسن آل نور الدين الحسيني الشامي العاملي.
كان حيا سنة 1213.
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا قرأ في جبل عامل وفي العراق. وفي
بعض التواريخ العاملية المخطوطة أنه حضر من العراق إلى بلاد الشقيف
السيد حسن نور الدين سنة 1213 (اه‍). ومن شعره الذي وجدناه في
بعض المجاميع المخطوطة قوله:
جاروا على مهجتي ظلما بلا سبب * فليت شعري إلى من في الهوى عدلوا
وأطلقوا عبرتي من بعد بعدهم * والعين أجفانها بالسهد قد كحلوا
يا من تعذب في تسويفهم كبدي * ما آن يوما لقطع الحبل أن تصلوا



(1) في النسخة المطبوعة النباتي وهو تصحيف.
(2) في النسخة المطبوعة العزيز وهو تصحيف. - المؤلف -
628
جادوا على غيرنا بالوصل متصلا * وفي الزمان علينا مرة بخلوا
الحسن بن أبي الحسن الديلمي
يأتي بعنوان الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي.
الحسن بن أبي الحسن الديلمي المفسر.
يأتي في ترجمة الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي أن له تفسيرا وأنه
ينقل عن تفسيره الكراجكي في كنز الفوائد وأنه غير صاحب ارشاد
القلوب، لأن الكراجكي توفي سنة 449 وصاحب ارشاد القلوب توفي بعد
هذا العصر بكثير، فراجع ترجمة الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي
الآتية.
الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي
يأتي في ترجمة الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي احتمال ان يكون
أبو الحسن كنية والده واسمه، وأن يكون محمد اسم جده فراجع.
السيد حسن ابن السيد أبي الحسن بن السيد محمد ابن السيد عبد الحميد
الموسوي البهبهاني الأصل الاصفهاني المسكن النجفي الهجرة والمدفن.
قتل في أواخر سنة 1348.
كان من أهل العلم والفضل والنجابة، ووالده السيد أبو الحسن فقيه
الشيعة في عصره الرئيس الشهير العزيز النظير والمترجم قتله رجل ينسب إلى
العلم يسمى الشيخ علي من أهل قم طلب من والده زيادة على حقه مما
يأخذه من أموال الفقراء وطلبة العلم فحملته نفسه الخبيثة على الانتقام من
السيد بقتل ولده فاخذ سكينا وشحذها وجاء اليه - وهو في التعقيب بعدما
صلى صلاة المغرب خلف والده في الصحن الشريف العلوي والصحن مملوء
بالمصلين خلف والده - وذبحه ذبح الشاة وفر من بين تلك الجموع إلى
المخفر القريب من باب الصحن خوفا من أن يقتل والسكين مشهورة بيده
فسلم بذلك من القتل وحكم عليه بالسجن. فكانت فاجعة عظيمة نادرة
المثيل، ورثاه جماعة وعزوا عنه والده بقصائد نختار منها ما يلي: قال الشيخ
محسن ابن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ موسى ابن الشيخ امين آل شرارة
يرثيه من قصيدة:
سرايا الأفق مالت بالتفات * الينا في العشية راجفات
أخالجها بهذا الخلق ريب * فلاحت في الدجنة موهنات
أراك تخبئين لديك أمرا * عظيما لم يكن في الحادثات
فهل طرق المدينة بعض شر * فرحت لما بدا لك موجفات
على عظم المصيبة قف قليلا * إلى التوديع يا ابن الطاهرات
فقدا وافى إليك أبوك يسعى * مروعا ليس يملك من ثبات
فكنت كما علي خر قدما * وكان كما الحسين اليه آتي
بني صدعتني! هل ما أراه * ثيابك بالدماء مزملات
تركت دموع هذي الناس طرا * تذوب من القلوب الداميات
وخلفت البلاد تموج حزنا * فكان رداك أم الفاجعات
وفود الرافدين اتت جموعا * تقاطر بالألوف وبالمئات
وكل واضع أسفا يديه * على قلب تصعد في لهات
وما اهتزت بك الأسلاك حتى * لك اضطربت أسى كل الجهات
وخلف النعش صار أبوك شمسا * محاطا بالبدور المقمرات
ففيك من الحسين الذبح صبرا * ولم تك فرصة بك للحماة
وفيك من الوصي كثير شبه * لأنك فزت في فرض الصلاة
جروح بعضهن نتاج بعض * وقد بلغت بها أيدي الجناة
تسيل على الثرى منها دماء * تفور إلى القيامة زاكيات
حياة كلها خدع ومكر * تعالج بالأكف الآثمات
الا اهنا قد خلصت إلى حياة * طهور ليس فيها من هناة
وخلفت الورى كلا لكل * يمد شباكه في الموبقات
تضيق بأنفس الأحرار دنيا * تفسح للجناة وللخطاة
أبا حسن جميل الصبر أولى * وأنت امام هذه الكائنات
ألم تر حولك الأبصار ترنو * شخوص ضليلة للنيرات
فعلمها فإنك ان ضللنا * هدانا في القضايا المشكلات
ورثت من النبي فصول علم * باسرار الإمامة محكمات
وحملك الاله خطير رأي * به افتتحت رتاج المعضلات
فقمت بأمر ما حملت صرحا * قويا غير موهون القناة
ورحت إذ التوت فيه القضايا * تسدده بحلمك والأناة
تضم عن الدنايا منك كفا * وتبسطها بكل المكرمات
كذلك كان جدك في قريش * أبو حسن يمر على الفئات
ودمت لنا اما الخلق ظلا * تمر بك الجموع مفيئات
ولا برحت غوادي السحب تترى * على مثوى شهيدك مسبلات
وقال الشيخ حسن ابن الشيخ كاظم السبتي البغدادي يرثيه من
قصيدة:
ما للوفود تسابقت بورودها * تنحو الغري بجمعها وعديدها
ولمن علت أصواتها بتفجع * تفتن في انشائها ونشيدها
هل رابها حدثان دهر جائر * فاتت إلى سلطانها وعميدها
بل انها وافت تعزي المرتضى * وحماة دينهم برزء شهيدها
وافت أبا حسن امام زمانها * وزعيم ملتها وسيد صيدها
وافت أبا حسن مقيل عثارها * وعمادها السامي وبدر سعودها
فاتت برنتها تقيم عزاءها * للمجتبى الحسن الفعال حميدها
وافى اليه زنيم قم عامدا * فأصاب أرباب التقى بوريدها
الله أكبر يا لها من مدية * قطعت من العلياء أتلع جيدها
تالله ما نحر الزكي وانما * نحر الفرائض كلها بحدودها
ومضى زكيا بالدماء مخضبا * يشكو إلى مبدئ الورى ومعيدها
عند الغروب كسته ثوبا احمرا * وأتى العشا وعليه خضر برودها
أجرى ماقينا وبات منعما * بعناق حور في جنان خلودها
ناحت عليه المكرمات وأعولت * غر الصفات له بخمش خدودها
فاسلم أبا حسن لشرعة أحمد * ولملة قد قمت في تشييدها
الخالق استرعاك امر عباده * واليك رد الأمر في تقليدها
أنت الامام معز شرعة أحمد * المختار محييها مقيم حدودها
يا أيها المبعوث فينا آية * لبني الهدى أحرارها وعبيدها
قاسيت فيها يا امام الحق ما * قاسى خليل الله من نمرودها
ورأيت فيها ما أراه صالحا * من عقر ناقته شقي ثمودها
لك مكرمات سيدي قد حزتها * من كاظم فرد الأنام وحيدها
أحييت أياما وأحكاما له * أظهرتها وتجد في تجديدها

629
عزت أبا حسن شريعة أحمد * بك إذ بذلت النفس في تأييدها
كم غامض أو مشكل يجلى به * ومعقدات حل من تعقيدها
صبرا على عظم البلا فجدودكم * قتلتهم الدنيا بشر عبيدها
وأذكر لكم رهطا بعرصة كربلا * أضحوا على البوغا بحر صعيدها
وأبوكم قطعوا عليه صلاته * وقضى ببغداد بحبس رشيدها
وقال الشيخ حسن المذكور يرثيه أيضا من قصيدة:
أبا حسن يا خيرة الله في الورى * ويا علما فينا الاله اقامه
براك اله الناس يسرا لمعسر * إذا حبس الرحمن عنا غمامه
إذا جاءك الملهوف أدرك غوثه * وان أمك اللاجي رآك عصامه
أبا حسن صبرا على نازل القضا * فبالصبر نال المرء ما كان رامه
فلم يقض منكم سيد حتف أنفه * وبالسيف أو بالسم لاقى حمامه
أبا حسن يا غيظ كل منافق * ويا من بنى فوق الثريا خيامه
فما غاب عن عينيك شبلك ميتا * أما انه حي ووافى مقامه
فقدت فتى برا تقيا مهذبا * وبدر هدى فارقت وافى تمامه
تذكر حسينا وهو ينتظر طفله * وقد جعلوا بالسهم ذبحا فطامه
ووافى عليا وهو يشبه جده * وقد فلقوا بالمشرفية هامه
وظل على وجه الصعيد مجردا * توسد من وادي الطفوف رغامه
وقال يرثيه أيضا من قصيدة:
لك في البلاد بكل قطر مأتم * لا رزء بعدك في الورى يستعظم
لك منزل في الخلد قد بوءته * سامي الذرى وله الشهادة سلم
الله يا كوفان كم بك سيد * غدروا به وعلى حماه تقحموا
وافى إليك بمدية مشحوذة * بالغدر من أشقى البرية مجرم
أدى الغروب مسلما وعليه قد * صلى ملائكة السماء وسلموا
وقضى العشاء مع النبي وآله * في جنة الفردوس وهو منعم
صبرا أبا حسن ومثلك من به * نسلوا إذا نزل القضاء المبرم
لم يفقد ابنا من له كل الورى * ولد وأنت الوالد المترحم
وقال الشيخ هادي آل الشيخ خضر من قصيدة:
ناع نعاك إلى الأنام فليته * من قبل نعيك يا نعي نعانا
قطعت يد مدت إليك وليتها * شلاء لم تمدد إليك بنانا
أرداك - بعد فريضة أديتها * بحمى الوصي - فليته لا كانا
هلا رحمت شبابه وتركته * لأبيه يا أشقى الورى سلوانا
صبرا أبا حسن فمثلك نال من * رب السماء العفو والرضوانا
وغدا بروضات الجنان منعما * لم يلف الا الروح والريحانا
والقتل عادتكم وتلك فريضة * وبها يبشر شيبها الشبانا
فأسلم أبا حسن عميدا للهدى * طول الزمان ومن هداك هدانا
وقال الشيخ حسن ابن الشيخ محمد من نسل صاحب الجواهر:
لمن الوفود يزينها الاعظام * ولمن ترفرف هذه الأعلام
قمر بأفق الدين شع ضياؤه * ثم اعتراه الخسف وهو تمام
قد غيبته يد المنون وأوحشت * منه الديار ففي الديار ظلام
غض الشباب قصيرة أيامه * قد غيبته جنادل ورغام
لفوه في كفن الشهادة مدرجا * وعليه من أثر السجود وسام
شلت يمين صوبت لك مدية * عند الفريضة والأنام قيام
صبرا أبا حسن فديت فإنما * هذي الحياة جميعها آلام
ومن قصيدة لآخر لم يصلنا اسمه:
من غادر الحسن الزكي قتيلا * وملا البسيطة رنة وعويلا
خفت بنعشك والرقاب تقله * أمم تحملت المصاب ثقيلا
قاست قلوبهم الهموم رواسيا * ودموعهم فيك انحدرن سيولا
أنت الذبيح وان والدك الذي * رب السماء قد اصطفاه خليلا
ان تضرب الأمثال فيه فذاته * عن مثلها عدم الوجود مثيلا
ذكرتك يا حسن الصلاة فرددت * بنعوتك التكبير والتهليلا
الحسن بن أبي حمزة الثمالي
يأتي بعنوان الحسين بن حمزة ثابت بن دينار الثمالي.
السيد حسن بن أبي حمزة الحسيني.
في رياض العلماء: فاضل عالم وقد نسب اليه شيخنا المعاصر في
فهرست كتابه اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، كتاب التفهيم مع أنه لم
يذكره في أمل الآمل، فلاحظ إذ لعله مذكور بتغيير ما اه‍.
الحسن بن أبي سارة النيلي الأنصاري القرظي أبو علي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام فقال
الحسن بن أبي سارة النيلي وذكره في أصحاب الباقر عليه السلام فقال
الحسن بن أبي سارة النيلي الأنصاري القرظي مولى محمد بن كعب وهو ابن
عم معاذ الهراء وله ابن يقال له أبو جعفر الرؤاسي النحوي كنية الحسن بن
أبي سارة أبو علي. وفي الخلاصة: الحسن بن أبي سارة ثقة ثقة روى عن
أبي عبد الله عليه السلام. وقال النجاشي في ترجمة ابنه محمد بن الحسن بن
أبي سارة جعفر الرؤاسي سكن هو وأبوه قبله النيل، روى هو وأبوه عن أبي
عبد الله عليه السلام وابن عمه معاذ بن مسلم بن أبي سارة وهم أهل بيت
فضل وأدب إلى أن قال: وهم ثقات لا يطعن عليهم بشئ اه‍. محل
الحاجة. وفي التعليقة: يأتي في ابنه محمد عن النجاشي والخلاصة انه وأباه
وابن عمه معاذ أهل بيت فضل وأدب وثقات، ولعل المصنف غفل عنه
ولعل توثيق الخلاصة الحسن ومعاذ مما ذكره النجاشي اه‍. بل لا ريب انه
منه، وقد روى الحسن عن الباقر والصادق عليهما السلام فلا وجه لاقتصار
العلامة على الصادق وحده وفي تكملة الرجال: الحسن بن أبي سارة هو غير
معلوم لعدم ذكره في الكتب المصنفة في تحقيق الرجال اه‍. وهو غريب
بعدما سمعت. وفي لسان الميزان الحسن بن أبي سارة النيلي مولى محمد بن
كعب القرظي روى عن جعفر الصادق أشياء منكرة، وعنه محمد بن أبي
عمير وصالح بن سيابة ذكره الطوسي في رجال الامامية اه‍.
التمييز
في مشتركات الطريحي والكاظمي: يمكن استعلام ان الحسن هو ابن
أبي سارة الثقة على ما في الخلاصة بروايته عن أبي عبد الله عليه السلام
حيث لا مشارك وعن جامع الرواة انه روى عنه محمد بن أبي عمير
وصالح بن سيابة وابن مسكان اه‍. وقد عرفت روايته عن الباقر والصادق
عليهما السلام.

630
الحسن بن أبي سعيد المكاري
يأتي بعنوان الحسن بن أبي سعيد هاشم.
السيد الشريف أبو محمد الحسن بن أبي الضوء العلوي الحسيني نقيب مشهد
الامامين عليهما السلام بمقابر قريش المعروف بمشهد باب التبن.
توفي سنة 537.
في الدرجات الرفيعة: الشريف أبو محمد الحسن بن أبي الضوء
العلوي الحسيني نقيب مشهد باب التبن ببغداد كان سيدا جليلا عالما فاضلا
أديبا حسن الشعر ذكره العماد الكاتب في الخريدة، وأنشد له من قصيدة
يرثي بها النقيب الطاهر أبا عبيد الله:
احملاني ان لم يكن لكما عقر * إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كان * دمي من نداه لو تعلمان
قال العماد: توفي الشريف أبو محمد المذكور سنة 537 اه‍. ثم قال
السيد علي خان في كتاب الدرجات المذكور. وفي كتاب أنوار الربيع:
ذكرت بهذين البيتين حكاية ذكرها الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
في كتاب الأذكياء وهي تنافي كون هذين البيتين للسيد أبي محمد المذكور
(وصورة الحكاية) قال: بلغني عن بعض أصحاب المبرد أنه قال: انصرفت
عن مجلس المبرد فعبرت على خربة فإذا أنا بشيخ قد خرج منها وفي يده حجر
فهم ان يرميني به فتسترت بالمحبرة والدفتر فقال لي مرحبا بالشيخ! فقلت
وبك. فقال لي: من أين أقبلت؟ فقلت: من مجلس المبرد! قال البارد،
ثم قال: ما الذي أنشدكم وكان عادته ان يختم مجلسه ببيت أو بيتين فقلت
أنشدنا:
أعار الغيث نائله * إذا ما ماؤه نفدا
وان أسد شكا جبنا * أعار فؤاده الأسدا
فقال أخطأ قائل هذا الشعر! قلت كيف؟ قال: ألا تعلم أنه إذا
أعار الغيث نائله بقي بلا نائل، وإذا أعار الأسد فؤاده بقي بلا فؤاد، هلا
قال مثل هذا وأنشد:
علم الغيث نداه فإذا * ما وعاه علم البأس الأسد
فله الغيث مقر بالندى * وله الليث مقر بالجلد
فكتبتهما عنه وانصرفت، ثم مررت به بعد أيام فإذا به قد خرج
وبيده حجر فكاد يرميني ثم ضحك وقال: مرحبا بالشيخ أتيت من مجلس
المبرد؟ فقلت نعم! فقال ما الذي أنشدكم فقلت أنشدنا:
ان السماحة والمروة ضمنا * قبرا بمرو على الطريق الواضح
فإذا مررت بقبره فاعقر به * كوم الجياد وكل طرف سابح
فقال لي: أخطأ قائل هذا الشعر! قلت كيف؟ قال ويحك؟ لو نحر
نجب خراسان ما اثر في حقه، هلا قال مثل هذا وأنشد:
احملاني ان لم يكن لكما عقر * إلى جنب قبره فاعقراني
وانضحا من دمي عليه فقد كان * دمي من نداه لو تعلمان
فلما عدت إلى المبرد قصصت عليه القصة، فقال لي: أتعرفه؟ قلت
لا! فقال ذاك خالد الكاتب تأخذه السوداء في أيام الباذنجان اه‍. قال:
فان صحت هذه الحكاية بطل نسبة البيتين المذكورين إلى السيد أبي محمد
المذكور لان المبرد توفي سنة 286 أو 285، وقد علمت أن وفاة السيد أبي
محمد المذكور سنة 537، فيتعين كون نظم البيتين المذكورين قبل وجوده
بمدة مديدة، فيحتمل ان يكون ضمنهما قصيدته فنسبا اليه والله أعلم اه‍.
الشيخ زين الدين أو عز الدين أبو محمد الحسن بن أبي طالب بن ربيب
الدين بن أبي المجد اليوسفي الآوي أو الآبي.
كان حيا سنة 672 والله أعلم كم عاش بعد ذلك.
نسبته
أما (اليوسفي) فلا نعلم هذه النسبة إلى أي شئ (والآوي) نسبة
إلى آوة بالواو ويقال لها آبة أيضا بالباء الموحدة فلهذا يقال في نسبته تارة
الآوي وأخرى الآبي قيل: هي قرية من قرى أصفهان أو ساوة، قال
ياقوت: آوة بليدة تقابل ساوة بينهما نحو فرسخين. وقال في موضع آخر:
ان آوة مدينة وساوة مدينة، وان ساوة بين الري وهمذان في وسط الطريق،
وأهل ساوة سنية شافعية، وأهل آوة شيعة إمامية ولا يزال يقع بينهما
عصبية، ولا تزال الحروب بين البلدين قائمة على المذهب. قال القاضي
أبو نصر أحمد بن العلاء الميمندي:
وقائلة أتبغض أهل آبه * وهم أعلام نظم والكتابة
فقلت إليك عني ان مثلي * يعادي كل من عادى الصحابة
ونسب بحر العلوم في رجاله البيتين إلى القاضي أبي الطيب. وقال
(الآبي) نسبة إلى آبة ويقال لها آوة بلدة قرب الري وبينها وبين ساوة نهر
عظيم كان عليه قنطرة عجيبة سبعون طاقا قيل ليس على وجه الأرض
مثلها، ومن هذه القنطرة إلى ساوة أرض طينها لازب إذا وقع عليها المطر
امتنع السلوك فيها اتخذوا لها جادة من الحجر المفروش مقدار فرسخين
وأهلها قديما وحديثا شيعة متصلبون في المذهب وفيهم العلماء والأدباء
بخلاف أهل ساوة فإنهم كانوا من غير الشيعة.
لقبه
لقبه صاحب الرياض وبعض تلامذة الكركي زين الدين وبحر
العلوم قال: يلقب عز الدين والشيخ أسد الله لقبه عز الدين كما يأتي.
أقوال العلماء فيه
في رياض العلماء: الشيخ زين الدين أبو محمد الحسن بن ربيب
الدين أبي طالب بن أبي المجد أيضا الفاضل العليم الفقيه الجليل صاحب
كتاب كشف الرموز المعروف بابن الربيب الآوي وتلميذ المحقق، ورأيت
في أول كشف الرموز المذكور: هكذا يقول المولى الامام الصدر الكبير
الأفضل الأكرم الأحسب الأنسب أفضل المتأخرين مفتي الحق مقتدى الخلق
زين الملة والدين ظهير الاسلام والمسلمين أبو محمد الحسن بن الصدر
الأعظم ربيب الدين مجد الاسلام أبو طالب بن أبي المجد اليوسفي الآوي (1)
روح الله روحه وزاد في الآخرة فتوحه قال: ثم قد سبق ترجمة الشيخ نظام
الدين أحمد بن محمد بن عبد الغني الفقيه المعروف بابن الربيب أيضا،
ولعلهما أبنا عم، قال: وقال بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته



(1) قال في الرياض: ان الذي في النسخة الأملي وقال: انه من سهو النساخ والصواب
الاوي. - المؤلف -
631
المعمولة لأسامي المشايخ: ومنهم الشيخ زين الملة والدين اليوسفي أبو محمد
الحسن بن أبي طالب الآبي شارح النافع لشيخه نجم الدين اه‍. وفي رجال
بحر العلوم: الحسن بن أبي طالب الآبي اليوسفي يلقب عز الدين، من
تلامذة المحقق أبي القاسم نجم الدين وشارح كتابه النافع بالشرح المسمى
كشف الرموز وهو أول من شرح هذا الكتاب، عالم فاضل فقيه محقق قوي
الفقاهة، حكى الأصحاب كالشهيدين والسيوري وغيرهم أقواله ومذاهبه
في كتبهم ويعبرون عنه بالآبي وابن الربيب وشارح النافع وتلميذ المحقق
وشهرة هذا الرجل دون فضله وعلمه أكثر من ذكره ونقله اه‍. وفي
المقاييس عند ذكر ألقاب العلماء: ومنها الآبي للشيخ الفاضل الحسن بن أبي
طالب اليوسفي السامي وهو تلميذ المحقق وشارح كتاب النافع شرحا حسنا
مستوطنا موسوما بكشف الرموز ونقل عنه جملة من الأقوال والفوائد جماعة
من الأماجد اه‍.
مؤلفاته
لم يعرف له مؤلف غير كشف الرموز، فرع من تأليفه في رمضان أو
شعبان سنة 672. في رياض العلماء: من مؤلفاته كشف الرموز وهو شرح
على مرموزات المختصر النافع ومشكلاته لأستاذه المحقق وقد رأيت نسختين
عتيقتين من هذا الكتاب، وتاريخ فراع الشارح من هذا الشرح سنة
672، وقد ألفه في حياة المحقق، وقد وعد في آخر هذا الشرح بتأليف
شرح واف بعد رجوعه من السفر على النافع والشرايع، فلعله ألفهما أيضا
وكان في أوان تأليف كشف الرموز في السفر، وقد كتب في موضعين من
تلك النسخة أنه كتاب كشف الرموز لابن الربيب الآوي، ولم ينقل
عن ابن الجنيد لأنه كان يقول بالقياس كما صرح به في أول الشرح اه‍.
وتأليفه له في السفر دليل على ما كان له من علو الهمة. وفي رجال
بحر العلوم: وكتابه كشف الرموز كتاب حسن مشتمل على فوائد كثيرة
وتنبيهات جيدة مع ذكر الأقوال والأدلة على سبيل الايجاز والاختصار،
ويختص بالنقل عن السيد ابن طاوس أبي الفضائل في كثير من المواضع،
وهو ممن اختار المضايقة في القضاء وعدم مشروعية الجمعة في زمن الغيبة،
وحرمان الزوجة من الرباع وان كانت ذات ولد. وعندي من كتابه نسخة
قديمة بخط بعض العلماء وعليها خط العلامة المجلسي طاب ثراه، وفي
آخرها أن فراغه من تأليف الكتاب في شهر رمضان (شعبان) سنة 672،
ويظهر من ذلك أن تأليف الكتاب المذكور قد كان قبل تأليف العلامة
للمختلف ووقع بينه وبين المختلف اختلاف في النقل، فان تولد العلامة
طاب ثراه على ما صرح به في الخلاصة سنة 648، فيكون بينه وبين فراغ
الآبي من كتابه 24 سنة، وقد صرح العلامة في المنتهى وهو أول تصانيفه:
ان سنه إذ ذاك 32 سنة، فيكون المختلف متأخرا عن هذا الكتاب بكثير.
والغرض من ذلك بيان حصول المعاضدة به فيما يوافق المختلف، حيث إنه
مثله في النقل من أصول الأصحاب، وأنهما إذا اختلفا تعارض النقل ولزم
الرجوع إلى الأصل المنقول عنه ليتبين حقيقة الحال، بخلاف الكتب
المتأخرة عن المختلف فإنها مأخوذة عنه غالبا اه‍.
السيد حسن بن السيد طالب الطباطبائي.
وفي سنة (1167) أو (1168).
في تتمة أمل الآمل للشيخ عبد النبي القزويني ما لفظه: الفاضل ابن
الفاضل والعالم ابن العالم والكامل ابن الكامل فخر السادة وزين أرباب
السيادة وشرف أولي السعادة. كان فاضلا عالما فقيها نبيلا أصوليا مفسرا
حكيما متكلما محدثا بارعا، استوفى خلال الفضل واستقصى خصال
التحقيق، وكان صالحا نزيها ذا أخلاق حسنة، تشرفت بلقائه في كازرون
سنة 1166، وتوفي بعد ذلك بسنة أو سنتين. رأيت له مقالا في تحقيق
أصحاب الاجماع من الرواة.
الحسن بن أبي عبد الله الطيالسي التميمي
يأتي بعنوان الحسن بن خالد بن عمرو الطيالسي.
الحسن بن أبي العرندس الكندي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في رجال الصادق عليه السلام فقال الحسن بن
أبي العرندس الكندي الكوفي، وفي رجال الكاظم عليه السلام فقال
الحسن بن أبي العرندس.
الحسن بن أبي العز بن أميركا الحسيني ميسرة الكليني.
في فهرست الشيخ منتجب الدين: عالم صالح اه‍. فهو متأخر عن
الشيخ الطوسي، وميسرة اسم أميركا ويحتمل أنه اسم أبي العز.
الحسن بن أبي عقيل العماني
يأتي بعنوان الحسن بن أبي عقيل علي أو ابن عيسى.
الحسن بن أبي علي بن الحسن السبزواري
هكذا في أمل الآمل عن منتجب الدين، وصوابه الحسن بن أبي علي
الحسن ويأتي. وفي نسخة فهرست منتجب الدين المطبوعة في الجزء 33 من
البحار: الحسن بن علي بن الحسن السبزواري، وهو تحريف أيضا.
أبو عبد الله الحسن بن أبي الغنائم بن مزيد الأسدي من امراء بني مزيد
أصحاب الحلة السيفية.
ذكره ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة 420 فقال إن دبيس بن
مزيد الأسدي لما فارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وكان قد خالف عليه قوم
وتركوا الجامعين فأتاهم وقاتلهم فظفر بهم وأسر منهم جماعة منهم أبو عبد الله
الحسن بن أبي الغنائم بن مزيد وحملهم إلى الجوسق.
السيد عز الدين الحسن بن أبي الفتح الدهان الحسيني.
في أمل الآمل: عالم فاضل صالح من مشايخ ابن معية، يروي كل
واحد منهما عن الآخر. وقال ابن معية عند ذكره السيد الجليل الفقيه العالم
اه‍. وكأنه أخذ ذلك من الإجازات. وفي الرياض بعد نقله: وعلى هذا
فهذا السيد في درجة الشيخ الشهيد في الجملة، لان ابن معية هذا - أعني:
السيد النسابة تاج الدين أبا عبد الله محمد بن السيد جلال الدين أبي جعفر
القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن معية بن سعيد الديباجي من
مشايخ الشهيد اه‍. وقال السيد تاج الدين بن معية في اجازته للشهيد
المنقولة عن خطه: وممن صاحبته واستفدت منه فرويت عنه وروى عني
السيد الجليل الفقيه العالم عز الدين الحسن بن أبي الفتح بن الدهان الحسيني
اه‍.

632
الشيخ أبو محمد الحسن بن أبي الفضل بن الحسين بن أبي البركات أحمد بن
محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن العباس الدربي.
في مجموعة الجباعي: قال الشيخ محمد بن مكي (الشهيد): نقلت
هذه الآباء من خطه بيده. وقال في وصفه الشيخ الامام العالم العامل ملاذ
الملة والدين تفقه بابن رطبة وبالشيخ سديد الدين أبي الفضل شاذان
وغيرهما، وسمع من مشايخ لا تحصى كثرة وله اليد الطولى في الرواية
والروية رحمه الله ورضي عنه، وأجاز لجماعة منهم السيد المعظم أبو حامد
محمد بن عبد الله بن زهرة العلوي الحسيني الإسحاقي ومنتجب الدين بن
أبي طي اه‍.
الحسن بن أبي قتادة
يأتي بعنوان الحسن بن أبي قتادة علي بن محمد.
الحسن بن أبي المعالي مسعود الحلي النحوي
الشيخ عز الدين أبو علي الحسن بن أبي الهيجا الأربلي.
في أمل الآمل: فاضل عالم شاعر أديب يروي عن علي بن عيسى بن
أبي الفتح الأربلي، كتاب كشف الغمة له وله منه إجازة رأيتها بخط بعض
علمائنا اه‍.
الحسن بن أحمد بن إبراهيم.
ذكره بحر العلوم في رجاله في مشايخ النجاشي صاحب الرجال فقال:
ومنهم الحسن بن أحمد بن إبراهيم روى عنه في أحمد بن عامر بن سليمان
ومحمد بن تميم النهشلي اه‍. وذكرنا روايته عنه في الموضعين في ج 9. وفي
رياض العلماء: من مشايخ النجاشي، ويروي عن أبيه أحمد بن إبراهيم
على ما قاله بعض الفضلاء من أصحاب التعاليق على رجال النجاشي اه‍.
الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان.
في رياض العلماء: كان من قدماء العلماء، ويروي عن أحمد بن
يعقوب الاصفهاني عن أحمد بن علي الاصفهاني عن إبراهيم بن محمد بن
سعيد الثقفي عن أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليماني عن محمد بن
إبراهيم الأصبحي وسليمان بن عمرو الأصبحي جميعا عن الباقر عليه
السلام، كذا يظهر من فتح الأبواب للسيد ابن طاوس، ولم أجده في كتب
الرجال، ولكن هو في درجة ابن قولويه وأظن أنه من سلسلة الفضل بن
شاذان اه‍.
السيد أبو علي الحسن ابن السيد عماد الدين أحمد بن أبي علي الحسيني
القمي.
قال منتجب الدين في الفهرست: صالح فاضل اه‍. فهو من
المتأخرين عن الشيخ الطوسي.
الشيخ أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن حبيب الفارسي
في رياض العلماء: كان من أجلاء هذه الطائفة ومن المعاصرين
للشيخ الطوسي، ويروي عنه المفيد أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد الله بن
علي الرازي، وهو يروي عن الشيخ أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد مفيد
الجرجرائي كما يظهر من أواخر مجمع البيان للشيخ الطبرسي فلاحظ أحواله
في كتب الرجال.
السيد فخر الدين أبو محمد الحسن بن أحمد بن الحسن بن الحسين بن
إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن زيد بن الحسين بن زيد الأسود بن
إبراهيم بن محمد بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل
الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي
طالب.
وصفه في عمدة الطالب بالسيد الأمير الجليل الجواد المشهور، وقال:
له عقب اه‍. وقال في موضع الحسين.
النقيب ظهير الدولة زكي الدين أبو منصور الحسن الزكي الثالث ابن
زكي الدين أبي طالب احمد الزكي الثاني ابن زكي الدين أبي منصور الحسن
الزكي الأول ابن الحسين القصري ابن أبي الطيب محمد بن الحسين
الفيومي بن علي بن الحسين بن أبي القاسم علي المعروف بابن معية - وهي
أمه - ابن الحسن بن الحسن بن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الغمر ابن
الحسن المثنى ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).
(والقصري) نسبة إلى قصر ابن هبيرة قرب الكوفة.
في عمدة الطالب: بنو معية ذوو جلالة ورياسة وتقدم اه‍. وقال
أيضا: ان ابنه جلال الدين أبو جعفر القاسم بسببه نكب الخليفة الناصر آل
المختار العلويين وتولى هو تعذيبهم واستخراج أموالهم. قال: وكان الوزير
ناصر بن مهدي الحسيني البطحاني يبغض النقيب الزكي الثالث ويقصده
بالأذى، واشتدت البغضة والعداوة لما فعل ابنه النقيب جلال الدين بآل
المختار ما فعل واستشعر هو منه ذلك فعمل الوزير على هلاكه واستئصاله.
وكان النقيب ضمن قوسان بغير اختيار الوزير، فضمن الوزير قوسان
بأضعاف ما كان مقدار ضمانها، وعزم النقيب الزكي الثالث على الهرب
فكره ذلك منه ابنه جلال الدين وتقبل بذلك الضمان ولاطف الوزير، ثم
خرج إلى قوسان فعسف وظلم وفعل بقوم كان له معهم عداوة ولهم قرية
تسمى بالهور ما لم يسمع بمثله، حمل جميع ما حصل في القرية وأحال عليهم
بالخراج، فهجاه مزيد الخشكري الشاعر بقصيدة طويلة منها:
فكأنما الهور الطفوف وأهله الشهداء * وابن معية ابن زياد
وانما تجرأ على هجوه ظنا منه ان الوزير يستأصله وأباه اما بالقتل أو
بان يهربا إلى اليمن كعادتهما، وكانا قد هربا قبل ذلك وهرب معهما قوم من
أهلهما فأقاما بالبادية تارة وبمكة أخرى وباليمن أوقاتا حتى استمال الخليفة
الزكي الثالث فرجع إلى العراق اه‍.
الحسن بن أحمد بن الحسن الخطيب.
في رياض العلماء: كان من مشايخ شيخ المفيد أبي محمد عبد
الرحمن بن أحمد الواعظ الحافظ المشهور، ويروي عنه قراءة عليه في ذي
القعدة سنة 437 ويروي عن الشيخ منتجب الدين ابن بابويه بواسطتين
وهو يروي عن الشريف أبي عقيل محمد بن علي بن محمد العلوي العباسي
كما يظهر من اسناد بعض الحكايات المنقولة في آخر كتاب الأربعين للشيخ
منتجب الدين المذكور، ولكن لم يورد له ترجمة في كتاب الفهرس، ولذلك
قد يظن كونه من علماء العامة، ولكن الحق انه من الخاصة، لأن الراوي

633
والمروي عنه كلاهما من الخاصة مع قرائن أخرى كما لا يخفى اه‍.
أبو محمد الحسن الناصر الصغير النقيب ببغداد ابن أبي الحسين أحمد بن أبي
محمد الحسن الناصر الكبير ابن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
توفي ببغداد سنة 368.
وهو الجد الأدنى للشريفين المرتضى والرضي من قبل أمهما فاطمة
بنت الناصر هذا ويسمى الناصر الصغير مقابل الناصر الكبير جده
الحسن بن علي، والمسائل الناصرية التي شرحها الشريف المرتضى منسوبة
إلى الناصر الكبير كما يأتي في ترجمته لا إلى هذا. والمترجم ذكره الشريف
المرتضى في أول شرح المسائل الناصرية فقال: ان والدته فاطمة بنت أبي
محمد الحسن بن أحمد أبي الحسين صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد
الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي السجاد زين العابدين ابن
الحسين السبط الشهيد ابن أمير المؤمنين صلوات الله عليه والطاهرين من
عقبه عليهم السلام والرحمة. ثم قال وهذا نسب عريق في الفضل والنجابة
والرياسة أما أبو محمد الحسن الملقب بالناصر الذي شاهدته وكاثرته،
وكانت وفاته ببغداد سنة 368 فإنه كان خيرا فاضلا دينا نقي السريرة جميل
النية حسن الاخلاق كريم النفس، وكان معظما مبجلا مقدما في أيام معز
الدولة وغيرها رحمهما الله لجلالة نسبه ومحله في نفسه، لأنه كان ابن خالة
بختيار عز الدولة فان أبا الحسين أحمد والده تزوج در حجير (كنز حجير)
بنت سهلان كساء (سهلان السالم) الديلمي وهي خالة بختيار وأخت
زوجة معز الدولة، ولوالدته هذه بيت كبير في الديلم وشرف معروف
وولي أبو محمد الناصر جدي الأدنى النقابة على العلويين بمدينة السلام عند
اعتزال والدي رحمه الله سنة 362 اه‍. وفي رياض العلماء عن كتاب
المجدي: كان أبو الحسين أحمد بن الناصر الكبير سلف معز الدولة اه‍.
أي زوجتاهما أختان، فلهذا كان المترجم ابن خالة عز الدولة بختيار بن معز
الدولة. وفيه أيضا عن المجدي ان أبا محمد الحسن الناصر ابن أحمد توفي
ببغداد سنة 368، قال شيخنا أبو الحسن هو الناصر الصغير نقيب بغداد
ويعرف بناصرك ومن ولد الناصر الصغير فاطمة بنت الحسن بن أحمد
خرجت إلى أبي احمد الموسوي نقيب النقباء فأولدها المرتضى والرضي رضي
الله عنهم أجمعين اه‍. وعن كتاب المجدي ان من ولده الحسين بن أبي
محمد اه‍.
الشيخ ضياء الدين الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن سهل بن سلمة
العطار الهمذاني صدر الحفاظ أبو العلاء.
ولد يوم السبت 14 ذي الحجة سنة 488 بهمذان، وتوفي ليلة
الخميس 14 جمادى الأولى سنة 569.
أقوال العلماء فيه
في فهرست منتجب الدين: صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن
أحمد بن الحسن العطار الهمذاني العلامة في علم الحديث والقراءة، وكان
من أصحابنا وله تصانيف في الأخبار والقراءة منها كتاب الهادي في معرفة
المقاطع والمبادي شاهدته وقرأته عليه اه‍. ومثله في مجموعة الجباعي إلى
قوله: والمبادي. وفي بغية الوعاة للسيوطي الحسن بن أحمد بن الحسن بن
محمد بن سهل بن سلمة العطار أبو العلاء الهمذاني قال القفطي كان اماما
في النحو واللغة وعلوم القرآن والحديث والأدب والزهد وحسن الطريقة
والتمسك بالسنن، قرأ القرآن بالروايات ببغداد على البارع الحسين الدباس
وبواسط وأصفهان، وسمع من أبي علي الحداد وأبي القاسم بن بيان
وجماعة، وبخراسان من أبي عبد الله العزاوي وحدث وسمع منه الكبار
والحفاظ وحدث وسمع منه الكبار والحفاظ وانقطع إلى اقراء القرآن
والحديث إلى آخر عمره، وكان بارزا على حفاظ عصره في الأنساب
والتواريخ والرجال، وله تصانيف في أنواع من العلوم، وكان يحفظ
الجمهرة، وكان عفيفا لا يتردد إلى أحد ولا يقبل مدرسة ولا رباطا وانما كان
يقرئ في داره، وشاع ذكره في الآفاق وعظمت منزلته عند الخاص
والعام، فما كان يمر على أحد الا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود، وكانت
السنة شعاره ولا يمس الحديث إلا متوضئا ولد يوم السبت
في 14 ذي الحجة سنة 488 بهمذان وتوفي ليلة الخميس 14 جمادى
الأولى سنة 569 اه‍. ومما ذكره القفطي في هذه الترجمة تعلم ما كان
عليه من حسن المعاشرة لكل أحد، ولهذا قال بعض من ترجمه من
أصحابنا: انه كان يحسن المعاشرة مع غير الشيعة من المسلمين على الموازين
الشرعية المحبوبة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فقد وفاه ابن القفطي حقه من الترجمة مع
ميل إلى الاختصار الغير المخل، أما منتجب الدين فما كان ينبغي له ان
يقتصر في ترجمته على هذه الكلمات القصار التي سمعتها وهو شيخه وأعرف
الناس به كما فعل مع غيره من جميع الذين ترجمهم فاتى بما لا يسمن ولا
يغني من جوع وبعضهم وجدت لهم تراجم مطولة ذكرها غيره فنقلناها في
مطاوي هذا الكتاب، وأكثرهم بقيت تراجمهم على اقتضابها واختصارها كما
ذكرها لعدم الاطلاع على أحوالهم، ولا شك ان جلهم ان لم يكن كلهم لهم
تراجم شائقة كان يمكن تطويلها ومعرفة أحوالهم منها ولو في الجملة.
مؤلفاته
قد سمعت ان له تصانيف في أنواع العلوم ومنها الحديث والقراءة ولم
يصل بنا من أسمائها سوى اسم كتابين: (1) الهادي في معرفة المقاطع
والمبادئ في القراءة (2) زاد المسافر ينقل عنه رضي الدين علي بن طاوس
في رسالة المضايقة نقل عنه فيها صلاة الكفارة لقضاء الصلاة.
مشايخه
قد عرفت مما مر انه قرأ القراءات على البارع الحسين الدباس وسمع
من أبي علي الحداد وأبي القاسم بن بيان وأبي عبد الله الغراوي وغيرهم.
تلاميذه
قد سمعت انه سمع منه الكبار والحفاظ، وممن قرأ عليه منتجب
الدين صاحب الفهرست. ومن تلاميذه شاذان بن جبرائيل القمي.
* * *
تم هذا الجزء العشرون من كتاب (أعيان الشيعة) بعون الله وحسن
توفيقه على يد مؤلفه العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن الأمين (الحسيني
العاملي) في رجب المرجب سنة 1361 بمنزلي في دمشق الشام صينت عن
طوارق الأيام، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على رسوله محمد وآله
وسلم.

634
/ 1