بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: بلاغة الإمام علي بن الحسين (ع) المؤلف: جعفر عباس الحائري الجزء: الوفاة: معاصر المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة تحقيق: جمع وتحقيق : جعفر عباس الحائري الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1425 - 1383ش المطبعة: دار الحديث الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر ردمك: 964-7489-81-1 ملاحظات: ايران : قم المقدسة ، شارع معلم ، رقم 125 ، هاتف : 02517740545 - 02517740523 / لبنان : بيروت ، حارة حريك ، شارع دكاش ، هاتف : 03553892 - 01272664 / عنوان الاينترنت : www.hadith.net البريد الالكتروني : hadith@hadith.net بسم الله الرحمن الرحيم
1 مركز بحوث دار الحديث: 78 حائري، جعفر، 1315 -، گرد آورنده. بلاغة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، خطب ورسائل وكلمات / جمع وتحقيق: جعفر عباس الحائري. - - - قم: دار الحديث، 1425 ق = 1383. 336 ص.: نمونه. - - - (مركز تحقيقات دار الحديث؛ 78) 16000 ريال ISBN: 964 - 7489 - 81 - 1 فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا. كتاب نامه: ص 283 - 300؛ همچنين به صورت زيرنويس. 1. على بن حسين (عليهما السلام)، امام چهارم، 38 - 64 ق - أحاديث. 2. على بن حسين (عليهما السلام)، امام چهارم، 38 - 64 ق - كلمات قصار. 3. على بن حسين (عليهما السلام)، امام چهارم، 38 - 64 ق - نامه ها. الف. على بن حسين (عليهما السلام)، امام چهارم، 38 - 64 ق. ب. عنوان. 21383 ح 8 ب / 54 / 140 BP فهرست نويسي توسط كتاب خانه تخصصي دار الحديث
2 بلاغة الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) خطب ورسائل وكلمات جمع وتحقيق: جعفر عباس الحائري
3 بلاغة الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) جمع وتحقيق: جعفر عباس الحائري المقابلة المطبعية: محمود سپاسي، مصطفى أوجي نضد الحروف والإخراج الفني: فخر الدين جليلوند الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر الطبعة: الأولى، 1425 ق / 1383 ش المطبعة: دار الحديث الكمية: 1000 نسخة الثمن: 1600 تومان مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية دار الحديث للطباعة والنشر دار الحديث للطباعة والنشر: قم، شارع معلم، قرب ساحة الشهداء، الرقم 125 الهاتف: 7741650 و 7740523 (0251) ص. ب: 4468 / 37185 شابك:؟؟؟ ISBN:... hadith @ hadith. net E - mail: http: / / www. hadith. net Internet:
4 الفهرس الإجمالي تصدير... 7 الإهداء... 9 مقدمة المؤلف... 13 الباب الأول: في خطب الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وما جرى مجراها...... 15 الباب الثاني: في كتب ورسائل الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)... 107 الباب الثالث: في القصار من كلمات الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)... 145 الفهارس... 259
5 بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): " نحن نور لمن تبعنا، ونور لمن اقتدى بنا ". (1) مما لا شك فيه أن نور الأئمة الأطهار، بلغ وما انفك يبلغ الأجيال التي تلتهم عن طريق أحاديثهم وكلماتهم، التي يبينون فيها لأتباعهم حقيقة الدين والهداية. وقد تحمل الرواة والمحدثون الكبار على امتداد التاريخ، مشقة نقل الحديث وأدائه على أحسن وجه ممكن؛ من رواية وكتابة وإجازة وغير ذلك، لينهضوا - بصفتهم ورثة هذا الإرث القيم والثمين - بمهمة إيصاله بكل أمانة إلى شيعة وموالي تلك الأنوار الإلهية، ويبينوا للناس سبل الهداية. الإمام الرابع سيد الساجدين وزين العابدين، علي بن الحسين (عليه السلام) واحد من هؤلاء الأئمة العظام، وقد عاش في ظروف بالغة الصعوبة، إذ تصدى لشؤون الإمامة ابتداء من عام 61 ه إلى عام 94 ه واضطلع بمهمة الجهاد والمقاومة في تلك الظروف، التي كان فيها خلفاء بني أمية سكارى بنشوة انتصارهم الظاهري على أهل البيت. وشهد هذا الإمام واقعة كربلاء، وشارك أباه في وقائع الثورة وفي ميادين القتال. وأخذ بعد ذلك مع من أخذ من سبايا كربلاء. وكان حضوره وخطبته الغراء، قد قلبت الانتصار الظاهري لبني أمية إلى مرارة في أفواههم. وبعد ان عاد الإمام السجاد إلى المدينة، إتبع سياسة تقوم على مبدأ فضح بني أمية، ثم انتهج بعد ذلك أسلوب الصمت، ليوفر بذلك الفرصة الكافية، لإعادة الأمل إلى نفوس شيعته والمبادرة إلى تعليمهم وتربيتهم. نهض الإمام في تلك الفترة بمهمة تعليم القرآن وتفسيره، فأدى تلك المهمة خير أداء. وحارب المعتقدات المخالفة لحقيقة الإسلام كالجبر، والتشبيه، والتجسيم، والارجاء. وأعلن في تلك الظروف الحساسة المليئة بالخوف والرعب، إمامته وولايته، وأعلن في الوقت المطلوب أيضا إمامة وولاية ولده. اختار (عليه السلام) أسلوب التربية الأخلاقية، والرقي الأخلاقي كطاقة محركة للشيعة، ومسلك الزهد والعبادة كمعالم وملامح مبينة لطبيعة شخصيته، ومنهج البكاء على سيد الشهداء كوسيلة لاحياء واقعة كربلاء واتخاذها كسلاح للمجابهة والاصلاح في مقابل الفساد السياسي والاجتماعي للأمويين. ووصف عمال الحكومة بأعوان الظلمة، مستنكرا بأساليب بيانية ساخطة أي نوع من التعاون معهم. حتى بات الخلفاء
1. راجع: في فضائل عترة النبي ص 67. 7 الأمويون يعرفون بين أكثر أهل السنة تقريبا بالظلمة، معتبرين تردد العلماء على بلاطهم نوعا من إعانة الظلمة. (1) جاءت كل هذه المعطيات كحصيلة لجهود ذلك الإمام الهمام، التي أشار فيها إلى أهدافه بأسلوب الخطابة تارة، أو بواسطة الرسائل تارة أخرى، أو أحيانا بصيغة الكلمات القصيرة، أو حتى بصيغة الأدعية البليغة. وفضلا عن كتابه المعروف ب " الصحيفة السجادية " الذي يمثل أسمى حالات العرفان، والارتباط الروحي للداعي بربه، فان كلماته أيضا لا تخلو من إرشاد إلى الحقائق التي سبق ذكرها. ويعتبر هذا الكتاب الذي بين يديك مكملا لذلك الكتاب العظيم، وهو يضم بين دفتيه خطبه، ورسائله، وقصار كلماته. ويتمخض عن مطالعته إلى - جانب الصحيفة السجادية - إبراز معالم شاملة للامام السجاد (عليه السلام) وتعاليمه وإرشاداته. ونظرا إلى أهمية الموضوع من جهة، وعدم وجود مصدر للاطلاع على كلماته من جهة أخرى، ارتأى مركز البحوث في دار الحديث، إجراء إعادة نظر كاملة، وتحقيق جديد ونشر كتاب " بلاغة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) " الذي جمعه وشرح غرائبه حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جعفر الحائري حفظه الله، وطبعه في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وقم المحمية. ولا يسعنا هنا إلا أن نقدم له جزيل الشكر لما أبداه من تعاون مع هذا المركز، ولما قام به من مراجعة نهائية للكتاب. كما نشر الأخ الكريم حجة الإسلام مهدي هوشمند الذي تكفل بمهمة مراجعة المصادر، والأخ الكريم مرتضى وفائي الذي أخذ على عاتقه مراجعة النص. نرى هنا ضرورة الإشارة إلى اننا ذكرنا في الحواشي السفلية - لغرض تعميم الفائدة - اختلافات النسخ التي ذكرها المؤلف سابقا، ولكن النص نقل عينا على أساس الإرجاعات التي ذكرت في الهوامش. محمد كاظم رحمان ستايش معاون شؤون البحوث في مركز بحوث دار الحديث
1. ويقول أحد الأساتذة المتخصصين: إن الإمام هو المؤسس الثاني للمدرسة في الإسلام بعد جده علي بن أبي طالب المؤسس الأول، إن لزين العابدين وجده يعود الفضل في تكوين الفكر الإسلامي، واعداد العلماء، ولولا زين العابدين لاستطاع الأمويون أن يمضوا في تجهيل الأمة إلى أبعد الحدود، والحضارة الإسلامية مديونة بوجودها إلى زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام). 8 الإهداء إلى رضيع لبان الرسالة ووارث علم الأنبياء. إلى المرتشف من منهل الوحي الإلهي المقدس. إلى من أوتي جوامع الكلم ومقود البلاغة. إلى من تجسم فيه المثل الأعلى للخلافة الإلهية والإنسانية الكاملة. إلى من أطاح صروح الظلم والذل والطغيان بخطبه الدامية. إليك يا سيد العابدين وزين العابدين، الإمام الرابع علي بن الحسين (عليه السلام). أهدي بضاعتي المزجاة التي أودعتها في ثمار جهودك، وبنات أفكارك - حين لفظت بها للملأ عبر قرون، وهي اليوم تعود إليك - ورجائي من فضلك العميم أن تتقبلها بأحسن الرضا والقبول؛ لتكون ذريعتي ليوم فاقتي: (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم). رقك الشيخ جعفر عباس الحائري
9 رسالة كريمة تفضل بها الشريف، المصلح الأكبر، آية الله العظمى الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي - نضر الله مرقده - فتوج بها هذا المؤلف. باسم الله، الحمد لله، السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ورحمة الله وبركاته، يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما. أخي في الله وفي رسوله (صلى الله عليه وآله) وفي أوليائه عليهم الصلاة والسلام، وولي فيهم. السلام عليكم وعلى من إليكم ورحمة الله وبركاته. لكم الشكر وحسن الذكر، وعظيم الأجر بما أوليتم الأمة من سفركم الجليل بلاغة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام). ولعمري أن مؤلفكم هذا لنعمة أسديتموها إلى الأمتين؛ - الإسلامية بأجناسها، والعربية من سائر أديانها - فحق عليهما أن تنشرا رياط الحمد على ما أسديتم، وتخلعا حلل الثناء على ما أوليتم. ولله هديتكم المشكورة، وما أولاها بقول القائل: " إن الهدية على مقدار مهديها ". فلأثنين على جميلك الزاهر هذا ثناء الزهر على القطر، شكرا لا ينقطع مدى الدهر. والسلام عليكم أولا وآخرا، ورحمة الله وبركاته. صور 20 / ربيع الأول / 1375 ه عبد الحسين شرف الدين الموسوي
10 صورة رسالة العلامة عبد الحسين شرف الدين إلى المؤلف
11 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف حمدا لك يا من مننت علينا بولاية العترة الطاهرة، وجعلتنا ممن يستضيء بنور علومهم ومعارفهم، ونقلوا من حاد عنهم وناصبهم العداء، ونستهدي بلوائح حكمهم النافعة، وكلماتهم الجامعة، وعظاتهم البالغة، وبراهينهم الساطعة. وصلى الله على من أشرف بالدين، وسيد الأنبياء والمرسلين، محمد خاتم النبيين، وآله الأئمة الهداة المهديين، الخلفاء الحجج الميامين، واللعنة الأبدية على أعدائهم ما تنكبوا عن الصراط المستقيم، وخلدوا في الجحيم. وبعد، فهذه نتف من عقود ذهبية، وطرف من جواهر الكلم الطيب، وحقائق ناصعة مأثورة عن مولانا وإمامنا زين العابدين، وسيد الساجدين علي بن الحسين - صلوات الله عليه -، جمعت شتاتها، وألفت بين متفرقاتها، من شتى المصادر المعتمد عليها عند الفريقين، ولم آل جهدا في تنسيق شذورها، وتنضيد عقودها، فجاءت كما شاءت لها الحقيقة، ألقا في جبهة الدهر، وعبقا بين أعطاف الزمن، وكلها جواهر فردة من علية الحكم النواصع، فمن دونها وشي الربيع في أزهاره، والروض المندى، وفائح نواره. وإني أراني مقدما لحملة لغة الضاد أسمى هدية، يوم قدمت لها، مما لفظه لفظة الوحي الإلهي، ونطق به لسان العلم الربوبي، من خطب وكتب، وكلمات يقصر عنها الإدراك البشري، ويدق خفاه عن فهم الذكي، فليهنؤوا بإرتشاف
13 العلم، وغذاء الفضائل، وليتلذذوا بالنمير العذب من صفو الكمال الراقي، وليأخذوا ما لذ لهم وطاب - وكله الطيب الشهي - من جملها وفصولها. وكلما وصفناها به دون ما يحق لها، فإنها صادرة من منبثق أنوار النبوة والرسالة، ومعدن علم الإمامة والوصاية، صاحب الصحيفة البيضاء، المتلوة منذ الحقب والأعوام الطوال، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تطفح عليها البلاغة والبراعة، وتطفو حقيقة العبودية والإنسانية الكاملة. وقد احتوت مضامين درية لا تجارى ولا تبارى، صلى الله على من تضرع بها، ووصل بين حلقاتها الذهبية، ما دامت للفصاحة صولة، وللبلاغة دولة. ولم أقصد في ذلك كله إلا وجهه الكريم، والله من وراء القصد، وعليه أتوكل وإليه أنيب، إنه خير موفق ومعين. كربلاء المقدسة جعفر الشيخ عباس الحائري
14 الباب الأول: في خطب الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وما جرى مجراها من بليغ كلامه وفصيح بيانه (عليه السلام)
15 بسم الله الرحمن الرحيم فمن كلام له (عليه السلام) يحمد الله ويثنى عليه، ثم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده (1)، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام (2) الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا، واخترعهم (3) على مشيئته اختراعا (4)، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيرا (5) عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه،
1. في نسخة: " معه ". 2. الأوهام: جمع وهم، ما يقع في القلب من الخاطر، ويطلق على القوة الوهمية، وهي من الحواس الباطنة في الإنسان، من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كشجاعة زيد وسخاوته. قال السيد علي خان في شرح الصحيفة الكاملة: " وقد شاع في الاستعمال ودلت عليه مضامين الأخبار، أن المراد بالوهم هنا إدراك المتعلق بالقوة العقلية المتعلقة بالمعقولات، والقوة الوهمية المتعلقة بالمحسوسات جميعا ". 3. في نسخة: " واخترع ". 4. الابتداع والاختراع لفظان متحدان في المعاجم العربية، يقال: ابتدعت الشيء اخترعته، واخترعت الشيء ابتدعته. وهكذا في جميع مخلوقاته ومصنوعاته، يقول الأصبهاني (قدس سره): وكل مصنوعاته بديعة * وفي الجميع حكمة متبعة 5. في نسخة: " تأخرا ". 17 لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد. ثم ضرب له في الحياة (1) أجلا موقوتا، ونصب له أمدا محدودا، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه (2) بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره (3)، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه (ليجزى الذين أسائوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) (4) عدلا منه، تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، (لا يسل عما يفعل وهم يسلون) (5). والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده - على ما أبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة - لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) (6). والحمد لله على ما عرفنا من نفسه، وألهمنا (7) من شكره، وفتح لنا من أبواب العلم (8) بربوبيته، ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده، وجنبنا من الإلحاد والشرك في أمره، حمدا نعمر به فيمن حمده من خلقه، ونسبق به فيمن سبق إلى رضاه وعفوه، حمدا يضيء لنا به ظلمات البرزخ (9)، ويسهل علينا به سبيل
1. في بعض النسخ: " الحياة الدنيا ". 2. رهقت الشيء رهقا من باب تعب قربت منه. 3. الأثر: " الأجل "، ومنه الحديث: " من سره أن يبسط الله في رزقه، وينسأ في أثره - أي في أجله - فليصل رحمه ". 4. النجم: 31. 5. الأنبياء: 23. 6. الفرقان: 44. 7. قال في تفسير غريب القرآن: " يقال لما يقع في النفس من عمل الخير إلهام، ولما يقع من الشر وما لا خير فيه وسواس ". 8. في نسخة: " المعرفة ". 9. البرزخ في اللغة: " الحاجز بين الشيئين "، وأطلق على الحالة التي تكون بين الموت والبعث. نفس المصدر. 18 المبعث، ويشرف به منازلنا عند مواقف الأشهاد (لتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) (1) (يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون) (2)، حمدا يرتفع منا إلى أعلى عليين، في كتاب مرقوم يشهده المقربون، حمدا تقر به عيوننا إذا برقت (3) الأبصار، وتبيض به وجوهنا إذا اسودت الأبشار (4)، حمدا نعتق به من أليم نار الله إلى كريم جوار الله، حمدا نزاحم به ملائكته المقربين، ونضام (5) به أنبياؤه المرسلين في دار المقامة (6) التي لا تزول، ومحل كرامته التي لا تحول. والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق، وأجرى علينا طيبات الرزق، وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق، فكل خليقته منقادة لنا بقدرته، وصائرة إلى طاعتنا بعزته. والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه، فكيف نطيق حمده، أم متى نؤدي شكره، لا متى (7)؟! والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط، وجعل لنا أدوات القبض، ومتعنا بأرواح الحياة، وأثبت فينا جوارح الأعمال، وغذانا بطيبات الرزق، وأغنانا بفضله، وأقنانا (8) بمنه، ثم أمرنا ليختبر طاعتنا؛ ونهانا ليبتلي شكرنا، فخالفنا عن طريق أمره، وركبنا متون زجره، فلم يبتدرنا بعقوبته، ولم يعاجلنا بنقمته، بل تأنانا برحمته تكرما، وانتظر مراجعتنا برأفته حلما.
1. الجاثية: 22. 2. الدخان: 41. 3. " برق البصر برقا وبروقا ": تحير فزعا حتى لا تطرف، أو دهش فلم يبصر. 4. " الأبشار ": جمع بشر - بالتحريك - كسبب وأسباب، وهو جمع بشرة، وهي ظاهر جلد الإنسان. 5. " انضم الشيء ": اجتمع بعضه إلى بعض. 6. " المقامة ": مصدر بمعنى الإقامة، ألحقت به التاء، أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدا. 7. قد يتوهم أنه وقع من العبارة شئ، ولكن ليس كذلك، والمعنى: لا يمكن تأدية شكره متى يمكن ذلك. 8. " القنا " - بالكسر والقصر -: مثل إلا، بمعنى الرضا، يقال: " أقناه الله "، أي أرضاه. 19 والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلا من فضله فلو لم نعتدد من فضله إلا بها، لقد حسن بلاؤه عندنا، وجل إحسانه إلينا، وجسم فضله علينا، فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا (1)، لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به، ولم يكلفنا إلا وسعا، ولم يجشمنا إلا يسرا، ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذرا، فالهالك منا من هلك عليه، والسعيد منا من رغب إليه. والحمد لله بكل ما حمده به أدنى ملائكته إليه، وأكرم خليقته عليه، وأرضى حامديه لديه، حمدا يفضل سائر الحمد، كفضل ربنا على جميع خلقه، ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا، وعلى جميع عباده الماضين والباقين، عدد ما أحاط به علمه من جميع الأشياء، ومكان كل واحدة منها، عددها أضعافا مضاعفة أبدا سرمدا إلى يوم القيامة، حمدا لا منتهى لحده ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمده، حمدا يكون وصلة إلى طاعته وعفوه، وسببا إلى رضوانه، وذريعة إلى مغفرته، وطريقا إلى جنته، وخفيرا (2) من نقمته، وأمنا من غضبه، وظهيرا على طاعته، وحاجزا عن معصيته، وعونا على تأدية حقه ووظائفه، حمدا نسعد به في السعداء من أوليائه، ونصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه، إنه ولي حميد. و (3) الحمد لله الذي من علينا بمحمد نبيه (صلى الله عليه وآله)، دون الأمم الماضية، والقرون السالفة، بقدرته التي لا تعجز عن شئ وإن عظم، ولا يفوتها شئ وإن لطف، فختم بنا على جميع من ذرأ (4)، وجعلنا شهداء على من جحد، وكثرنا على من قل.
1. المقصود: بنو إسرائيل، الذين كانت سنة الله تعالى لهم في التوبة قتل النفس لا الندم فقط، كما جاء في القرآن الكريم. 2. " الخفير ": هو المجير والمحامي من باب ضرب. 3. من هنا شرع دعاء آخر، جاء في المصدر بعنوان: وكان من دعائه (عليه السلام) بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله). 4. " ذرأ ": خلق. 20 اللهم فصل على محمد أمينك على وحيك، ونجيبك من خلقك، وصفيك من عبادك، إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة، كما نصب لأمرك نفسه، وعرض فيك للمكروه بدنه، وكاشف في الدعاء إليك حامته (1)، وحارب في رضاك أسرته، وقطع في إحياء دينك رحمه، وأقصى الأدنين على جحودهم، وقرب الأقصين على استجابتهم لك، ووالى فيك الأبعدين، وعادى فيك الأقربين، وأدأب نفسه في تبليغ رسالتك وأتعبها بالدعاء (2) إلى ملتك، وشغلها بالنصح لأهل دعوتك، وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحل النأي عن موطن رحله، وموضع رحله ومسقط رأسه، ومأنس نفسه، إرادة منه لإعزاز دينك، واستنصارا على أهل الكفر بك، حتى استتب (3) له ما حاول في أعدائك، وأستتم ما دبر في أوليائك، فنهد (4) إليهم مستفتحا بعونك، ومتقويا على ضعفه بنصرك، فغزاهم في عقر ديارهم، وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم، حتى ظهر أمرك، وعلت كلمتك، ولو كره المشركون. اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك، حتى لا يساوى في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وعرفه في أهله الطاهرين، وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته، يا نافذ العدة، يا وافي القول، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات، إنك ذو الفضل العظيم. (5)
1. " حامة الرجل ": خاصته من أهله وولده. 2. في نسخة: " في الدعاء ". 3. " استتب له الأمر ": أي استقام وتم، قاله الزمخشري في أساس اللغة، وقال ابن الأثير في النهاية في حديث الدعاء حتى استتب له " ما حاول في أعدائك: أي استقام واستمر ". 4. " نهد ": أي ظهر وبرز من بابي نفع وقتل. 5. الصحيفة الكاملة السجادية، ص 22 - 33. نقل القندوزي في الينابيع شذرات ومقتطفات منه، لاحظ: ينابيع المودة، ج 3، ص 412. 21 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في التوحيد (1)) وذلك لما دخل علي بن الحسين (عليه السلام) مسجد المدينة، فرأى قوما يختصمون، قال (عليه السلام) لهم: فيما تختصمون؟ قالوا: في التوحيد. قال (عليه السلام): اعرضوا علي مقالتكم. قال بعض القوم: إن الله يعرف بخلق سماواته وأرضه، وهو في كل مكان. (2) قال علي بن الحسين (عليه السلام): قولوا: نور لا ظلام فيه، وحياة لا موت فيه، وصمد لا مدخل فيه، ثم قال (عليه السلام): من كان ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، وكان نعته لا يشبه نعت شئ فهو ذاك. (3) وفي رواية أخرى، لما كان (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه، ففزع لذلك وارتاع له، ونهض حتى أتى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقف عنده، ورفع صوته يناجي ربه، فقال في مناجاته: إلهي بدت قدرتك، ولم تبد هيبة (4)، فجهلوك وقدروك بالتقدير على غير ما
1. قال العلامة المجلسي (رحمه الله): اعلم أن التوحيد يطلق على معان، أحدهما نفي التشريك في الإلهية، أي استحقاق العبادة، وهي أقصى غاية التذلل والخضوع، ولذا لا يستعمل إلا في التذلل لله تعالى؛ لأنه هو المولى لأعظم النعم، بل جميعها، فهو المنتهى لأقصى الخضوع وغايته، والمخالف في ذلك مشركو العرب وأضرابهم، فإنهم بعد علمهم بأن صانع العالم واحد، كانوا يشركون الأصنام في عبادته. ثانيها: نفي التشريك في صانعية العالم، والمخالف في ذلك الثنوية وأضرابهم. ثالثها: ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى من النقص والعجز والجهل والتركيب والاحتياج والمكان، وغير ذلك من الصفات السلبية، وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية. رابعها: ما تشمل تلك المعاني وتنزيهه عما يوجب النقص في أفعاله أيضا من الظلم وترك اللطف وغيرها. وبالجملة بكل ما يتعلق به سبحانه تعالى ذاتا وصفاتا وأفعالا إثباتا ونفيا. 2. وقال الصادق (عليه السلام): إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، عن ذكر الله، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن، وتستجيز الكذب. الأمالي، الصدوق، ص 340. 3. جامع الأخبار، ص 38، ح 27، نقله المجلسي في بحار الأنوار، ج 4، ص 304، ح 33. 4. ليس في المصدر: جلالك، في بعض النسخ: هيبة. 22 أنت به، شبهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك! ليس كمثلك شئ، إلهي ولن يدركوك، وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك! وفي خلقك يا إلهي مندوحة (1) أن يتأولوك! بل ساووك بخلقك! فمن ثم لم يعرفوك! واتخذوا بعض آياتك ربا! فبذلك وصفوك! فتعاليت يا إلهي عما به المشبهون نعتوك. (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يذكر فيه خلق العرش) قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء، الهواء، والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر، احمرت منه الحمرة، ونور أبيض، وهو نور الأنوار، ومنه ضوء النهار (3)، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه، ويقدسه بأصوات مختلفة، وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف
1. " مندوحة ": الفسحة والوسعة. 2. الإرشاد، ج 2، ص 152؛ كشف الغمة، ج 2، ص 301؛ نقله المجلسي في بحار الأنوار، ج 3، ص 293، ح 15؛ وذكر مثله الصدوق في الأمالي، ص 487 عن الإمام الرضا (عليه السلام)؛ وكذا في التوحيد، ص 124، ح 2؛ والعيون، ج 1، ص 116، ح 5؛ والطبري في بشارة المصطفى، ص 320. وقيل لأبى الحسن الأول (عليه السلام): بما أوحد الله؟ فقال له: لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل. الكافي ج 1 ص 56. 3. قال الشهرستاني في المعارف العالية، ص 33: كان العلماء في خلال أعصار مرت على هذا الحديث يعدونه من المتشابه الذي لا يعرف تأويله، حتى وقفت سنة 1335 ق على جزء الطبيعيات من النقش في الحجر تأليف فانديك الأمريكي، فإذا به يحلل ضوء الشمس إلى أنوار مختلفة هي: النور الأخضر، ومنه تبدو الخضرة على الأجسام، والنور الأحمر ومنه تبدو الحمرة... الخ، زاعما أن الذي اكتشف هذه الحقيقة قبل كل أحد هو إسحاق نيوتن الإنجليزي (م 1140 ق)، فعرفت تأويل الحديث - إلى أن يقول -: غير أن الدين الإسلامي نطق به على لسان أوليائه وأمنائه قبل ألف وقرون. 23 البحار، ولأهلك ما دونه. له ثمانية أركان، على كل ركن منها من الملائكة، ما لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار، ولو حس شئ فما فوقه، ما قام لذلك طرفة عين لهم بينه، وبين إحساس الجبروت والكبرياء والعظمة، والقدس والرحمة، ثم العلم، وليس وراء هذا مقال (1). (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في الزهد والتقوى والتحذير من سخط الباري ونقمته) وذلك لما كان يعظ الناس، ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في الآخرة (3) في كل جمعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفظ عنه وكتب، كان يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اتقوا الله، واعلموا أنكم إليه ترجعون، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا، وما عملت من سوء، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه (4)، ويحك يا بن آدم الغافل! وليس بمغفول عنه، إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك (5)، ويوشك أن يدركك، وكان قد أوفيت أجلك، وقد قبض الملك روحك، وصرت إلى منزل وحيد، فرد (6) إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان، منكر ونكير لمساءلتك
1. وفي نسخة: " وليس بعد هذا مقال " أي لا يوصف ما فوق هذا الأمور بالقول. 2. التوحيد، ص 325؛ الاختصاص، ص 72؛ الكافي، ج 1، ص 129؛ اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 275؛ تفسير القمي، ج 2، ص 23؛ تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 288؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 374، ح 103؛ و ج 55، ص 24. 3. في الكافي: " في أعمال الآخرة ". 4. أي عقوبته. 5. أي مسرعا حريصا. 6. وصرت إلى قبرك وحيدا في نسخة. 24 وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده؟ وعن نبيك الذي أرسل إليك؟ وعن دينك الذي كنت تعبده (1)؟ وعن كتابك الذي كنت تتلوه؟ وعن إمامك الذي كنت تتولاه؟ ثم عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته (2)؟ فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعد للجواب قبل الامتحان، والمساءلة والاختبار، فإن تك مؤمنا تقيا، عارفا بدينك، متبعا للصالحين (3)، مواليا لأولياء الله، لقاك الله حجتك، وأنطق (4) لسانك بالصواب، وأحسنت الجواب، وبشرت بالجنة والرضوان من الله عز وجل والخيرات الحسان، واستقبلك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج (5) لسانك، ودحضت (6) حجتك، وعييت عن الجواب، وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، وتصلية جحيم. واعلم يا بن آدم، أن وراء هذا أعظم وأفظع، وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ذلك ينفخ فيه الصور، ويبعث ما في القبور، ذلك يوم الآزفة (7)، إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة (8)، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فدية، ولا تقبل من أحد فيه معذرة، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات، والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير
1. في نسخة: " كنت تدين به ". 2. في نسخة: " فيما أنت أنفقته ". 3. في نسخة " الصادقين " بدل " الصالحين ". 4. في بعض النسخ: " انطلق ". 5. " تلجلج في الكلام ": تردد ولم يظهر. 6. " دحضت الحجة ": بطلت. 7. يوم القيامة. 8. في نسخة: " كاظمين " عدا نسخة من أمالي الصدوق. 25 وجده، ومن كان من المؤمنين، عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فأحذروا أيها الناس من المعاصي والذنوب، فقد نهاكم الله عنها، وحذركموها في الكتاب الصادق، والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه، من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا، فإن الله عز وجل يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) (1). وأشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم الله من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئا حذره، ومن حذر شيئا نكله (2)، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا، فتكونوا من الذين مكروا السيئات، وقد قال تعالى: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم) (3) فاحذروا ما حذركم الله، واتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما يوعد به القوم الظالمون في الكتاب (4)، تالله لقد وعظتم بغيركم (5)، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في الكتاب ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (وكم قصمنا (6) من قرية كانت ظالمة) (7)، وإنما عنى بالقرية أهلها، حيث يقول: (وأنشأنا بعدها قوما
1. الأعراف: 201. 2. في بعض النسخ: " تركه ". 3. النحل: 45 - 47. 4. في بعض النسخ: " بعض ما تواعد به القوم الظالمين ". 5. في بعض النسخ: " وعظكم الله في كتابه بغيركم ". 6. أي: حطمناها وهشمناها، وذلك عبارة عن الهلاك، يقال: " قصمت الشيء قصما "، كسره كسرا فيه انفصال. 7. الأنبياء: 11. 26 آخرين) (1)، وقال تعالى: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) (2) - يعني يرهبون - وقال سبحانه: (لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) (3) - فلما أتاهم العذاب - (قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). (4) وأيم الله، إن هذه لعظة (5) لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل: (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن ياويلنا إنا كنا ظالمين) (6)، فإن قلتم أيها الناس، إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك، فكيف ذلك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) (7)؟ واعلموا عباد الله، أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين (8)، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا (9)، وإنما نصب الموازين، ونشر الدواوين لأهل الاسلام، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها، ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته،
1. الأنبياء: 11. 2. الأنبياء: 12. 3. الأنبياء: 13. 4. الأنبياء: 13. 5. في بعض النسخ: " موعظة ". 6. الأنبياء: 46. 7. الأنبياء: 47. 8. " الدواوين " صحائف الأعمال. 9. أي: جماعات في تفرقة، واحداتها زمر، وهي الجماعة من الناس. 27 وأيم الله، لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وصرف الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون، ولا قوة إلا بالله. فازهدوا فيما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا، فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق: (إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط بهى نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاهآ أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون). (1) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، فلا تركنوا إلى الدنيا، فإن الله قد قال لمحمد نبيه (صلى الله عليه وآله) ولأصحابه: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2)، ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار، ومنزل استيطان، فإنها دار بلغة، ومنزل قلعة (3)، ودار عمل، فتزودوا فإن خير الزاد الأعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها (4)، وقبل الإذن من الله في خرابها، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها، وهو ولي ميراثها، فاسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى، والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة، فإنما نحن به وله، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (5)
1. يونس: 24. 2. هود: 113. 3. " دار بلغة ": أي دار عمل يتبلغ فيها من صالح الأعمال ويتزود، و " منزل قلعة ": أي يتحول عنها من دار إلى دار. 4. في بعض النسخ هكذا: " فتزودا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها ". 5. الكافي، ج 8، ص 72 - 76؛ الأمالي، الصدوق، ص 593 - 596؛ تحف العقول، ص 249 - 252؛ رواه المجلسي عن الأمالي في بحار الأنوار، ج 6، ص 223. 28 (ومن خطبة له (عليه السلام)) (في التحذير عن الدنيا) حمد الله، وأثنى عليه، وذكر جده فصلى عليه ثم قال: أيها الناس أحذركم من الدنيا وما فيها، فإنها دار زوال وانتقال، تنتقل بأهلها من حال إلى حال، وهي قد أفنت القرون الماضية (1) والأمم الماضية، وهم الذين كانوا أكثر منكم مالا، وأطول أعمارا، وأكثر آثارا، أفنتهم أيدي الزمان، وأحتوت عليهم الأفاعي والديدان، أفنتهم الدنيا فكأنهم لا كانوا لها أهلا ولا سكانا، وقد أكل التراب لحومهم، وأزال محاسنهم، وبدد أوصالهم وشمائلهم، وغير ألوانهم، وطحنتهم أيدي الزمان، أفتطمعون بعدهم بالبقاء، هيهات هيهات، فلابد من اللحوق والملتقى (2)، فتدركوا (3) ما مضى من عمركم وما بقي، وافعلوا فيه ما سوف يعد لكم من الأعمال الصالحة (4) قبل انقضاء الأجل، وفروغ الأمل، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور، حزينين غير مسرورين، فكم والله من فاجر قد استكملت عليه الحسرات، وكم من عزيز وقع في مسالك الهلكات، حيث لا ينفعه الندم ولا يغاث من ظلم، وقد وجدوا ما أسلفوا، واحذروا ما تزودوا، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا، فهم في منازل البلوى همود (5)، وفي عسكر الموتى خمود، ينتظرون صيحة القيامة، وحلول يوم الطامة (6)
1. في بعض النسخ: " الخالية ". 2. ليس في بعض النسخ: " من اللحوق ". 3. في بعض النسخ: " فتدبروا ". 4. في بعض النسخ: " ما فعلوا فيه، ما سوف يلقى عليكم بالأعمال الصالحة ". 5. " الهمود ": الموت. 6. " الطامة ": الداهية؛ لأنها تطم كل شئ، أي تعلوه وتغطيه، غريب القرآن، ص 161 للسجستاني. 29 (ليجزى الذين آمنوا) (7) (ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) (8). (9) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في إدبار الدنيا، وإقبال الآخرة) قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، ألا إن الزاهدين في الدنيا، اتخذوا الأرض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، وقرضوا (1) من الدنيا تقريضا ألا ومن اشتاق إلى الجنة، سلا من الشهوات، ومن أشفق من النار، رجع من المحرمات، ومن زهد في الدنيا، هانت عليه المصائب. ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم (2)، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء (3) علماء، بررة أتقياء، كأنهم القداح (4)، قد براهم
7. يونس: 4. 8. النجم: 31. والخطبة مذكورة في ناسخ التواريخ، ج 1، ص 484، من أحواله (عليه السلام) نقلا عن نور العين للإسفرائيني (قرن 10 ق)؛ ولمعات الأفكار، مخطوط للواعظ الكبير المرحوم الشيخ نظر علي الحائري بزيادة. 9. انظر نور العين في مشهد الحسين (عليه السلام)، ص 69. 1. " وقرضوا من الدنيا تقريضا ": أي أخذوا من الدنيا بقدر الكفاف. 2. أي: يرفعون صوتهم بالدعاء. 3. في نسخة: " فحكماء ". 4. مفرده " القدح "؛ السهم قبل أن ينصل ويراش، ومنه قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): لو أن امرءا كان أقوم من قدح، لكان له غامزا، و " براهم ": برى يبرى بريا، السهم والقلم نحته، الشخص هزله وأضعفه. 30 الخوف من العبادة، وينظر إليهم الناظر فيقول: " مرضى "! وما بالقوم من مرض! أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر العذاب وما فيها. (1) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يصف فيه المؤمنين والمنافقين) قال: إن المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض (2)، وإذا سجد نقر (3)، يمسي وهمه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر. والمؤمن خلط عمله بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدث بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئا من الحق رياء، ولا يتركه حياء، إن زكى خاف مما يقولون، واستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضره جهل من جهله. (4) وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): إن المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، وإذا قام إلى الصلاة اعترض. قيل له: يا بن رسول الله، وما الاعتراض؟ قال: الالتفات، وإذا ركع ربض، يمسي وهمه العشاء وهو مفطر، ويصبح
1. الكافي، ج 2، ص 131، رواه ابن شعبة بأدنى تفاوت في تحف العقول، ص 281؛ رواه المجلسي عن الكليني في بحار الأنوار، ج 70، ص 43. 2. " ربض ": بفتح الباء، مأوى الغنم، وكل ما يؤوى إليه ويستراح إليه. 3. " نقر ": بفتح النون، أي خفف السجود، وفي رواية أخرى بعدها: وإذا جلس شغر، أي أقعى كإقعاء الكلب، وقيل غيره. أنظر الكافي، ج 2 ص 396. 4. تحف العقول، ص 280؛ ورواه الكليني في الكافي، ج 2، ص 396 مع اختلاف، ورواه الصدوق في الأمالي، ص 582 بتقديم وتأخير مع زيادة؛ رواه عن الأمالي في بحار الأنوار، ج 69، ص 205. 31 وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن غبت اغتابك، وإن وعدك أخلفك. (1) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يذكر فيه آل محمد (صلى الله عليه وآله)) قال: نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد (2) بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا تنشر الرحمة، وتخرج بركات أهل الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها. ثم قال (عليه السلام): ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. (3) (ومن كلام له (عليه السلام)) عليك بالقرآن! فإن الله خلق الجنة بيده، لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل ملاطها (4) المسك، وترابها الزعفران، وحصائها اللؤلؤ، وجعل درجاتها على
1. رواه في الكافي، ج 2، ص 396 عن ابن مسكان، عن أبي حمزة؛ وفي الوسائل، ج 15، ص 342، ح 20694. 2. " تميد ": تحرك واضطرب. 3. الأمالي، الصدوق، ص 253 و 352؛ كمال الدين، ص 207؛ الاحتجاج، ج 2، ص 48؛ كشف الغمة، ج 3، ص 360؛ ينابيع المودة، ج 1، ص 75؛ روضة الواعظين، ص 199؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 305؛ بحار الأنوار، ج 33، ص 6؛ خلاصة عبقات الأنوار، ج 4، ص 326. 4. " الملاط ": الطين الذي يطلى به الحائط. 32 قدر آيات القرآن، فمن قرأ منها قال له اقرأ وارق، ومن دخل منهم الجنة، لم يكن في الجنة أعلى درجة منه، ما خلا النبيين والصديقين. (1) (ومن دعاء له (عليه السلام)) (في المناجاة وكلام له فيه موعظة وتحذير) عن طاووس اليماني قال: مررت بالحجر، فإذا أنا بشخص راكع وساجد، فتأملته فإذا هو علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقلت: يا نفس، رجل صالح من أهل بيت النبوة، والله لاغتنم (2) دعاءه، فجعلت أرقبه، حتى فرغ من صلاته، ورفع باطن كفيه إلى السماء، وجعل يقول: سيدي، سيدي، هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة، وعيناي بالرجاء ممدودة، وحق لمن دعاك بالندم تذللا، أن تجيبه بالكرم تفضلا. سيدي أمن أهل الشقاق خلقتني فأطيل بكائي؟ أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي؟ سيدي ألضرب المقامع خلقت أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟ سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه، لكنت أول الهاربين منك، لكني أعلم أني لا أفوتك. سيدي لو أن عذابي بما يزيد في ملكك، لسألتك الصبر عليه، غير أني أعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين. سيدي ما أنا وما خطري؟ هب لي بفضلك، وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك، إلهي وسيدي، ارحمني وأنا مصروعا على الفراش،
1. تفسير القمي، ج 2، ص 259؛ مستدرك الوسائل، ج 4، ص 256، ح 4635؛ نقل عن القمي في بحار الأنوار، ج 8، ص 133. 2. في الأمالي: " لأغتنمن ". 33 تقلبني أيدي أحبتي، وارحمني مطروحا على المغتسل، يغسلني صالح جيرتي، وارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتي. قال طاووس (1): فبكيت حتى علا نحيبي، فالتفت إلي وقال: ما يبكيك يا يماني؟ أو ليس هذا مقام المذنبين؟ فقلت: حبيبي، حقيق على الله أن لا يردك وجدك محمد (صلى الله عليه وآله). قال: فبينا نحن كذلك، إذ أقبل نفر من أصحابه، فالتفت إليهم فقال: معاشر أصحابي، أوصيكم بالآخرة، ولست أوصيكم بالدنيا، فإنكم بها مستوصون، وعليها حريصون، وبها مستمسكون، معاشر أصحابي! إن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم، واخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، أما رأيتم وسمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الماضية، ألم تروا كيف فضح مستورهم، وأمطر مواطر الهوان عليهم بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم، صاروا حصائد النقم، ومدارج المثلات (2)، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. (3)
1. طاووس بن كيسان، أبو عبد الرحمن الهمداني اليماني، أحد أعلام التابعين، سمع أبا هريرة وابن عباس، وروى عنه مجاهد، وعمرو بن دينار، توفي سنة 106 ق. وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام السجاد (عليه السلام). وفي قاموس الرجال، التستري، ج 5، ص 156: روى الحلية مسندا عنه، عن بريدة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من كنت مولاه، فعلي مولاه. قال ابن قتيبة والطبري: طاووس شيعي، وقد عرفت في المقدمة، أنه أعم من الإمامي، وإنما المساوق للإمامي عندهم الرافضي والشيعي الغالي. 2. " المثلة " - بفتح وضم -: العقوبة والتنكيل، جمع مثلات. 3. الأمالي، الصدوق، ص 288؛ روضة الواعظين، ص 198؛ المزار، الشهيد، ص 267؛ مستدرك الوسائل، ج 3، ص 442؛ رواه عن الأمالي في بحار الأنوار، ج 778، ص 146. 34 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في الموعظة أيضا) قال: إن بين الليل والنهار روضة يرتع في نورها (1) الأبرار (2)، ويتنعم في حدائقها المتقون، فدأبوا (3) سهرا في الليل، وصياما في النهار، فعليكم بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، وإذا ورد النهار فأحسنوا مصاحبته بفعل الخيرات، وترك المنكرات، وترك ما يرديكم من محقرات الذنوب، فإنها مشرفة بكم على قبائح العيوب، وكأن الموت قد دهمكم (4) والساعة قد غشيتكم، فإن الحادي قد حدا بكم يحدي، لا يلوي دون غايتكم (5)، فاحذروا ندامة التفريط، حيث لا ينفع الندامة إذا زلت الأقدام (6). (7) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في أوصاف الزاهدين) إن علامة الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، تركهم كل خليط وخليل، ورفضهم كل صاحب، لا يريد ما يريدون، ألا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت أهبته، الحاث على العمل قبل فناء الأجل،
1. " النور " - بفتح النون -: أول ما يطلع من الأزهار، والروضة ما بين الطلوعين. 2. في بعض النسخ: " يرتعي في رياضها ". 3. في بعض النسخ: " فذابوا ". 4. في بعض النسخ زيادة: " وكأن الرحلة قد أضلتكم ". 5. الحادي من يتغنى للإبل، وهنا مستعار للزمان. 6. في نسخة زيادة: " جعلنا الله وإياكم ممن أغبطه فهمه، ونفعه علمه ". 7. إرشاد القلوب، ج 1 ص 70 تحقيق الشعراني (قدس سره)؛ الدر النظيم، الباب السادس، فصل في ذكر نبذ من كلامه، (مخطوط)؛ عنه الأنوار البهية، ص 117. ولا يلوى دون غايتكم، يعنى ان الزمان يسوقكم إلى الموت، ولا يترككم إلى ان يوصلكم إلى غايتكم. 35 ونزول ما لابد من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين، فإن الله عز وجل يقول: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صلحا فيما تركت) (1) فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته. واعلموا عباد الله، أنه من خاف البيات (2) تجافى عن الوساد، وامتنع عن الرقاد، وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف ويحك يا بن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة؟! وأخذه الأليم، وبياته لأهل المعاصي والذنوب، مع طوارق المنايا بالليل والنهار؟! فذلك البيات الذي ليس منه (3) منجى، ولا من دونه ملتجأ، ولا منه مهرب، فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين، وأهل التقوى، فإن الله يقول: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد). (4) فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها، وسرورها وشرورها، وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنة، وحبها خطيئة، واعلم ويحك يا بن آدم! إن قسوة القلوب البطنة، وكظة الملاة (5)، وسكرة الشبع، وغرة الملك مما يثبط (6) ويبطئ عن العمل، وينسي الذكر، ويلهي عن اقتراب الأجل، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب، وإن العاقل عن الله، الخائف منه، العامل له، ليمرن نفسه، ويعودها الجوع، حتى ما تشتاق إلى الشبع، وكذلك تضمر الخيل (7)
1. المؤمنون: 99 و 100. 2. " البيات ": الهجوم على الأعداء ليلا. 3. في نسخة " له " بدل " منه ". 4. إبراهيم: 14. 5. في نسخة " فطرة الميلة " بدل " كظة الملاة ". 6. " ثبط ": بمعنى عوقه. 7. " تضمير الفرس ": إن تعلفه حتى يسمن، ثم ترده عن القوت، وذلك في أربعين يوما. 36 لسبق الرهان، فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه، وخائف عقابه، فقد لله أنتم أعذر وأنذر، وشوق وخوف، فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه، تشتاقون فتعملون، ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه، وأليم عذابه ترهبون فتنكلون، وقد نبأكم الله في كتابه: (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون). (1) ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه، وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم). (2) فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله، وما أعلم إلا كثيرا منكم قد هلكته (3) عواقب المعاصي فما حذرها، وأضرت بدينه فما مقتها، أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال: (اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم). (4) وقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون). (5) فاتقوا عباد الله، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له، فإن الله لم يخلقكم عبثا،
1. الأنبياء: 94. 2. التغابن: 15. 3. في بعض النسخ: " نهكته ". 4. الحديد: 20 و 21. 5. الحشر: 18 و 19. 37 ولم يترككم سدى، قد عرفكم نفسه، وبعث إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه، فيه حلاله وحرامه، وحججه وأمثاله (1)، فاتقوا الله ما استطعتم، فإنه لا قوة إلا بالله، ولا تكلان إلا عليه، وصلى الله على محمد نبيه وآله. (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يصف شيعته) وذلك لما كان علي بن الحسين (عليهما السلام) قاعدا في بيته إذ قرع قوم عليه الباب، فقال: يا جارية انظري من بالباب؟ فقالت: قوم من شيعتك، فوثب (عليه السلام) عجلا حتى كاد أن يقع، فلما فتح الباب ونظر إليهم فرجع. قال (عليه السلام): كذبوا فأين السمت (3) في الوجوه، أين أثر العبادة، أين سيماء السجود؟ إنما شيعتنا يعرفون بعبادتهم وشعثهم، قد قرحت العبادة منهم الآناف، ودثرت الجباه والمساجد، خمص البطون (4)، ذبل (5) الشفاه، قد هبجت (6) العبادة وجوههم، وأخلق سهر الليالي، وقطع الهواجر جثثهم، المسبحون إذا سكت الناس، والمصلون إذا نام الناس، والمحزونون إذا فرح الناس. (7)
1. في بعض النسخ زيادة: " فقد احتج عليكم ربكم فقال: (ألم نجعل لهو عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين) البلد: 8 - 10 فهذه حجة عليكم ". 2. تحف العقول، ص 272، نقل عنه في بحار الأنوار، ج 78، ص 128. 3. " السمت " - بكسر السين -: العلامة. 4. " خمص البطون " بالضم: أي ضامر البطن، بحيث يلتصق إلى ظهره. 5. " ذبل جلده ": أي يبس وذهبت نضارته. 6. في نسخة " اصفر " بدل " هبجت ". 7. في بعض النسخ زيادة: " يعرفون بالزهد، كلامهم الرحمة، وتشاغلهم بالجنة "، أنظر: صفات الشيعة، ص 28؛ نقل عنه في مستدرك الوسائل، ج 4، ص 468؛ وبحار الأنوار، ج 68، ص 169. وبحار الأنوار، ج 10 ط قديم، عن صفات الشيعة، الصدوق. ويقول جده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): " عشرة خصال اختص بها شيعتنا، هو الشاجون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيرة ألوانهم، مصفرة وجوههم، إذا جنهم الليل، اتخذوا الأرض فراشا، واستقبلوها بجباههم، كثير سجودهم، غزيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون ". ناسخ التواريخ، ج 3، ص 968، ط حجر. 38 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في الاقتداء بآل محمد (عليهم السلام) والنهي عن القياس) قال (عليه السلام): إن دين الله عز وجل لا يصاب بالعقول الناقصة، والآراء الباطلة، والمقاييس الفاسدة، ولا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدى، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله، أو نقضي به حرجا، كفر بالذي أنزل السبع المثاني (1)، والقرآن العظيم، وهو لا يعلم. (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في أولياء الله الصالحين) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي بن الحسين (عليه السلام): (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (3) إذا أدوا فرائض الله، وأخذوا سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتورعوا عن محارم الله، وزهدوا في عاجل زهرة الحياة الدنيا، ورغبوا فيما عند الله، واكتسبوا الطيب من رزق الله لوجه الله، لا يريدون به التفاخر والتكاثر، ثم أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة، فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا، ويثابون على ما قدموا لآخرتهم. (4)
1. " السبع المثاني ": سورة الحمد، وإنما سميت به لأنها نزلت مرتين، وقيل غير ذلك. 2. كمال الدين، ص 324؛ نقل عنه مستدرك الوسائل، ج 17، ص 262؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 303. 3. يونس: 62. 4. تفسير العياشي، ج 2، ص 124؛ تفسير التبيان، ج 5، ص 401؛ تفسير الصافي، ج 2، ص 409؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 277. وفي حديث آخر لما سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم فأجاب: إن أولياء الله سكتوا، فكان سكوتهم ذكرا، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لولا الآجال التي قد كتب الله عليهم، لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب، وشوقا إلى الثواب (بحار الأنوار، ج 66، ص 289). 39 (ومن دعاء له (عليه السلام)) (في الاستسقاء عند الجدب) (1) اللهم اسقنا الغيث، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق (2) من السحاب المنساق، لنبات أرضك المونق في جميع الآفاق، وامنن على عبادك بايناع الثمرة، وأحي بلادك ببلوغ الزهرة، واشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع، دائم غزره، واسع درره، وابل سريع عاجل، تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات، وتخرج به ما هو آت، وتوسع به في الأقوات، سحابا متراكما هنيئا مريئا طبقا مجلجلا (3)، غير ملث (4) ودقه، ولا خلب برقه (5)، اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريعا ممرعا عريضا، واسعا غزيرا، ترد به النهيض، وتجبر به المهيض، اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظراب (6) وتملأ منه الجباب، وتفجر به الأنهار، وتنبت به الأشجار، وترخص به الأسعار في جميع الأمصار، وتنعش به البهائم والخلق، وتكمل لنا به طيبات الرزق، وتنبت لنا به الزرع، وتدر به الضرع، وتزيدنا به قوة إلى قوتنا، اللهم لا تجعل ظله علينا سموما، ولا تجعل
1. " الجدب " - بفتح الجيم وسكون الدال -: هو انقطاع المطر ويبس الأرض. 2. " المغدق ": الماء الكثير القطر، يقال: أغدق المطر إغداقا فهو مغدق. 3. هو السحاب الذي يسمع منه الرعد. 4. " ألث السحاب ": دام فهو ملث، وأصله من ألث فلان بالمكان، إذا قام لا يبرح، والودق المطر، كما في شرح الصحيفة. 5. " البرق ": الخلب الذي لا غيث فيه. 6. " الظراب ": رؤوس الجبال. 40 برده علينا حسوما، ولا تجعل صوبه (1) علينا رجوما، ولا تجعل ماءه علينا أجاجا (2)، اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا من بركات السماوات والأرض، إنك على كل شئ قدير. (3) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في القدر) لما قال رجل له (عليه السلام): جعلني الله فداك! أبقدر يصيب الناس ما أصابهم، أم بعمل؟ فقال (عليه السلام): إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد، فالروح بغير جسد لا يحس، والجسد بغير روح صورة لا حراك بها، فإذا اجتمعا قويا وصلحا، كذلك العمل والقدر، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل، لم يعرف الخالق من المخلوق، وكان القدر شيئا لا يحس، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر، لم يمض ولم يتم، ولكنهما باجتماعهما قويا، ولله فيه العون لعباده الصالحين. ثم قال (عليه السلام): ألا من أجور الناس من رأى جوره عدلا، وعدل المهتدي جورا، ألا إن للعبد أربعة عيون، عينان يبصر بهما أمر آخرته، وعينان يبصر بهما أمر دنياه، فإذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما العيب، وإذا أراد غير ذلك، ترك القلب بما فيه. (4) ثم التفت إلى السائل من القدر فقال: هذا منه، هذا منه. (5)
1. " الصوب " - بالفتح -: نزول المطر وانصبابه. 2. " الأجاج " - بالضم -: شديد الملوحة. 3. الصحيفة السجادية، ص 97، رقم 19. 4. في نسخة " بما فيه " بدل " عافية ". 5. التوحيد، ص 366؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 137. أي: إن فتح العينين وتركهما من القدر. 41 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في المناجاة وفيما أجاب به طاووس الفقيه) قال: رأيته يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبد، فلما لم ير أحدا، رمق (1) السماء بطرفه وقال: إلهي، غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد (صلى الله عليه وآله) في عرصات القيامة، ثم بكى وقال: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي (2) نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخي به علي، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عني؟ فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز، أم مع المثقلين أحط؟ ويلي ويلي! كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربي! ثم بكى، وأنشأ يقول: أتحرقني بالنار يا غاية المنى * فأين رجائي ثم أين محبتي أتيت بأعمال قباح زرية (3) * وما في الورى خلق جنى كجنايتي ثم بكى (عليه السلام) وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى! وتحلم كأنك لم تعص! تتودد
1. " رمقه ": أطال النظر إليه. 2. في نسخة: " سمك لي ". 3. " زرية " - بتقديم المعجمة -: من قولهم: " زري عليه "، أي عابه وعاتبه، وفي بعض النسخ: " ردية ". 42 إلى خلقك بحسن الصنيع، كأن بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيدي الغني عنهم. ثم خر إلى الأرض ساجدا، فدنوت منه وشلت برأسه (1)، فوضعته على ركبتي، وبكيت حتى جرت دموعي على خده، فاستوى (عليه السلام) جالسا فقال: من الذي أشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاووس يا بن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون خافون (حافون)، أبوك الحسين بن علي (عليهما السلام)، وأمك فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وجدك رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فالتفت إلي وقال: هيهات هيهات يا طاووس! دع عني حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن، وإن كان عبدا حبشيا، وخلق الله النار لمن عصاه وإن كان ولدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (2). والله ما ينفعك غدا، إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح. (3) (ومن كلام له (عليه السلام)) (احتج به، وانتصر أباه عليا (عليه السلام)) لما جاء إليه رجل من أهل البصرة فقال: يا علي بن الحسين، إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين! فهملت عينا علي بن الحسين (عليه السلام) دموعا حتى امتلأت كفه منها، ثم ضرب بها على الحصى، ثم قال (عليه السلام): يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل علي (عليه السلام) مؤمنا، ولا قتل مسلما، وما أسلم القوم، ولكن استسلموا وكتموا الكفر، وأظهروا الإسلام، فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه،
1. " وشلت بالشيء " - بالضم -: أي رفعته (بحار الأنوار). 2. المؤمنون: 101. 3. الصحيفة السجادية، دعائه (عليه السلام) في السحر، رقم 91؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 291؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 81، و ج 87، ص 200. 43 وقد علمت صاحبة الحدث والمستحفظون (1) من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن أصحاب الجمل، وأصحاب صفين، وأصحاب النهروان، لعنوا على لسان النبي الأمي، وقد خاب من افترى. فقال شيخ من أهل الكوفة: يا علي بن الحسين، إن جدك كان يقول: إخواننا بغوا علينا! فقال علي بن الحسين (عليه السلام): أما تقرأ كتاب الله: (وإلى عاد أخاهم هودا) (2)! فهم من مثلهم، أنجى الله عز وجل هودا والذين معه، وأهلك عادا بالريح العقيم. (3) (ومن وصية له (عليه السلام)) (لابنه محمد بن علي - صلوات الله عليه - في أنه الإمام من بعده) قال (عليه السلام): يا بني، إني جعلتك خليفتي من بعدي، لا يدعي فيما بيني وبينك أحد، إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من النار، فأحمد الله على ذلك وأشكره، يا بني، اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرته، فإنه لا يزول نعمة إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر يشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه بها الشكر. وتلا علي بن الحسين (عليه السلام): (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) (4). (5)
1. قرئت بوجهين، بالبناء للفاعل، والمعنى استحفظوا الأمانة، أي حفظوها، والبناء للمفعول، والمعنى استحفظهم الله إياها، والمراد هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام). (مجمع البحرين، مادة حفظ) 2. الأعراف: 65. 3. الاحتجاج، ج 2، ص 40. 4. إبراهيم: 7. 5. كفاية الأثر، ص 241. 44 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في النهي عن الاغترار بما يعمله المرائي) قال: إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا، وركوب الحرام منها، لضعف نيته (1) ومهانته، وجبن قلبه، فنصب الدين فخا لها، فهو لا يزال يختل (2) الناس بظاهره، فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف المال الحرام فرويدا لا يغرنكم، فإن شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك، فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متينا، فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا أمع هواه يكون عقله، أم يكون مع عقله هواه؟ وكيف محبته للرياسات الباطلة وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرياسة الباطلة، أفضل من لذة الأموال، والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة، حتى إذا قيل له: اتق الله (أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (3)، فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمده ربه (4) بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، لا يبالي ما فات من دينه، إذا سلمت له
1. في بعض المصادر: " قيمته "، وفي بعض: " بنيته ". 2. في بعض المصادر: " يخيل "، وفي بعض: " يحيل ". 3. البقرة: 206. 4. في بعض النسخ: " يمد يده ". 45 الرياسة، التي قد شقى من أجلها، فأولئك مع الذين (غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم) (1) عذابا مهينا. ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل، هو الذي جهل هواه تبعا لأمر الله، وقواه مبذولة في رضا الله، يرى الذل مع الحق أقرب إلى العز الأبد من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها، يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد، وأن كثيرا ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول، فذلكم الرجل، نعم الرجل، فيه فتمسكوا، وبسنته فاقتدوا، وإلى ربكم فبه فتوسلوا، فإنه لا ترد له دعوة، ولا تخيب له طلبة. (2) (ومن دعاء له (عليه السلام)) (يشير فيه إلى الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام)) منه: اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علما لعبادك، ومنارا في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك، والذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذرت معصيته، وأمرت بامتثال أوامره، والانتهاء عند نهيه، وألا يتقدمه متقدم، ولا يتأخر عنه متأخر، فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين، وبهاء العالمين. (3)
1. الفتح: 6. 2. تفسير الإمام العسكري، ص 55؛ عنه تنبيه الخواطر، ج 2، ص 98؛ وبحار الأنوار، ج 2، ص 84؛ وفي ص 85 عن الاحتجاج، ج 2، ص 52؛ وعنه وسائل الشيعة، ج 8، ص 317. 3. الصحيفة السجادية، من دعائه يوم عرفة، رقم 47؛ عنه في تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 193. 46 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في بيان خروج القائم (عليه السلام)) عن أبي خالد الكابلي قال: قال لي علي بن الحسين (عليه السلام): يا أبا خالد، لتأتين فتن كقطع الليل المظلم، لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، أولئك مصابيح الهدى، وينابيع العلم، وينجيهم الله من كل فتنة مظلمة، كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم، بظهر كوفان، في ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وإسرافيل أمامه، ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نشرها، لا يهوي بها إلى قوم، إلا أهلكهم الله عز وجل. (1) (ومن دعائه له (عليه السلام)) اللهم فأوزع لوليك (2) شكر ما أنعمت به علينا، وأوزعنا مثله فيه، وآته من لدنك سطانا نصيرا، وافتح له فتحا يسيرا، وأعنه بركنك الأعز، واشدد أزره، وقو عضده، وراعه بعينك، واحمه بحفظك، وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله، وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك، وأجل به صداء الجور عن طريقتك، وابن به الضراء من سبيلك، وأزل به الناكبين عن صراطك، وامحق به بغاة قصدك عوجا، وألن جانبه لأوليائك، وابسط يده على أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته، وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين مطيعين، وفي رضاه ساعين، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكتفين، وإليك وإلى رسولك - صلواتك اللهم عليه وآله - بذلك متقربين. (3)
1. الأمالي، المفيد، ص 45؛ عنه بحار الأنوار، ج 51، ص 135. 2. قيل: كناية عن المهدي (عليه السلام). وقال في مكيال المكارم: إن المراد بالولي المطلق في ألسنتهم ودعواتهم (عليهم السلام) هو مولانا صاحب العصر - عجل الله فرجه -، وجعلنا من أنصاره وأعوانه، و " أوزع " بمعنى: ألهم. 3. الصحيفة السجادية، من دعائه يوم عرفة، رقم 47. 47 (ومن كلام له (عليه السلام)) (لما سأله رجل من قريش: كيف الدعوة إلى الدين؟) فقال (عليه السلام): تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أدعوك إلى الله تعالى، وإلى دينه، وجماعه أمران؛ أحدهما معرفة الله، والآخر العمل برضوانه، وأن معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية، والرأفة والرحمة، والعلم والقدرة، والعلو على كل شئ، وأنه النافع الضار القاهر لكل شئ، الذي لا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير. وإن محمدا عبده ورسوله، أن ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى، وما سواهما هو الباطل، فإذا أجابوا إلى ذلك، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين. (1) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يحرض شيعته على قضاء الحاجة واصطناع المعروف) قال (عليه السلام): معاشر شيعتنا، أما الجنة فلن تفوتكم، سريعا كان أو بطيئا، ولكن تنافسوا في الدرجات، واعلموا أن أرفعكم درجات، وأحسنكم قصورا ودورا وأبنية فيها، أحسنكم إيجابا بإيجاب المؤمنين (2)، وأكثركم مؤاساة لفقرائهم. إن الله ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة، يكلم أخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مئة عام بقدمه (3)، وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم، حيث لا يقوم مقام ذلك شئ غيره. (4)
1. الكافي، ج 5، ص 36؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 141، ح 239؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 44. 2. في بعض المصادر: " لإخوانه المؤمنين ". 3. في بعض المصادر: " مئة ألف سنة نقدمه ". 4. تفسير الإمام العسكري، ص 204؛ عنه بحار الأنوار، ج 74، ص 308؛ تفسير البرهان، ج 1، ص 69. 48 (ومن كلام له (عليه السلام)) (كلم به عبد الملك بن مروان) حين دخل عليه، فاستعظم ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: " يا أبا محمد، لقد بين عليك الاجتهاد، ولقد سبق لك من الله الحسنى، وأنت بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قريب النسب، وكيد السبب، وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وذوي عصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك، إلا من مضى من سلفك "، وأقبل يثني عليه ويطريه (1). فقال علي بن الحسين (عليه السلام): كلما وصفته وذكرته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه، فأين شكره على ما أنعم؟ يا أمير المؤمنين، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقف في الصلاة حتى ترم قدماه، ويظمأ في الصيام حتى يعصب (2) فوه، فقيل له: يا رسول الله، ألم يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول (صلى الله عليه وآله): أفلا أكون عبدا شكورا! الحمد لله على ما أولى وأبلى، وله الحمد في الآخرة والأولى، والله لو تقطعت أعضائي، وسالت مقلتاي على صدري، أن أقوم لله جل جلاله، لم أشكر (3) عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون، ولا يبلغ حد نعمة منها على جميع حمد الحامدين، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شئ عن شكره وذكره في ليل ولا نهار، ولا سر ولا علانية، ولولا أن لأهلي علي حقا، ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقا - لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة، حتى أؤديها إليهم - لرميت بطرفي إلى السماء، وبقلبي إلى الله، ثم
1. " يطريه ": يمدحه. 2. " ورم - يرم " بالكسر: أي انتفخت من طول قيامه. " العصب ": جفاف الريق في الفم. 3. في نسخة: لم يشكر. 49 لم أردهما حتى يقضي الله على نفسي، وهو خير الحاكمين. وبكى (عليه السلام) وبكى عبد الملك وقال: شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها، وبين من طلب الدنيا من أين جاءته! ما له في الآخرة من خلاق. (1) قوله (عليه السلام): " أو يراني الله " بمعنى: " إلى أن " أو " إلا أن "، أي: لا والله لا أترك الإجتهاد إلى أن يراني الله على تلك الحال. (ومن دعائه (عليه السلام)) (لأبويه (عليهما السلام)) اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته الطاهرين، واخصصهم بأفضل صلواتك ورحمتك وبركاتك وسلامك، واخصص اللهم والدي بالكرامة لديك، والصلاة منك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآله، وألهمني علم ما يجب لهما علي إلهاما، واجمع لي علم ذلك كله تماما، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه، حتى لا يفوتني استعمال شئ علمتنيه، ولا تثقل أركاني عن الحفوف فيما ألهمتنيه. اللهم صل على محمد وآله كما شرفتنا به، وصل على محمد وآله كما أوجبت لنا الحق على الخلق بسببه. اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما بر الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقر لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثر على هواي هواهما، وأقدم على رضاي رضاهما، واستكثر برهما بي وإن قل، واستقل بري بهما وإن كثر.
1. فتح الأبواب، ص 18؛ عنه في بحار الأنوار، ج 46، ص 56، مستدرك الوسائل، ج 1، ص 125، ح 165. 50 اللهم خفض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألن لهما عريكتي، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقا، وعليهما شفيقا. اللهم اشكر لهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري. اللهم وما مسهما مني من أذى، أو خلص إليهما عف من مكروه، أو ضاع قبلي لهما من حق، فاجعله حطة لذنوبهما، وعلوا في درجاتهما، وزيادة في حسناتهما، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات. اللهم وما تعديا علي فيه من قول، أو أسرفا علي فيه من فعل، أو ضيعاه لي من حق، أو قصرا بي عنه من واجب، فقد وهبت لهما، وجدت به عليهما، ورغبت إليك في وضع تبعته عنهما، فإني لا أتهمهما على نفسي، ولا أستبطئها في بري، ولا أكره ما تولياه من أمري، يا رب فهما أوجب حقا علي، وأقدم إحسانا إلي، وأعظم منة لدي من أن أقاصهما بعدل، أو أجازيهما على مثل، أين إذا - يا إلهي - طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة علي؟ هيهات! ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب علي لهما، ولا أنا بقاض وظيفة خدمتهما. فصل على محمد وآله، وأعني يا خير من استعين به، ووفقني يا أهدى من رغب إليه، ولا تجعلني في أهل العقوق للآباء والأمهات، يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون. اللهم صل على محمد وآله وذريته، واخصص أبوي بأفضل ما خصصت به آباء عبادك المؤمنين وأمهاتهم، يا أرحم الراحمين. اللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي آن من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري. اللهم صل على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرهما بي مغفرة
51 حتما، وارض عنهما بشفاعتي لهما رضى عزما، وبلغهما بالكرامة مواطن السلامة. اللهم وإن سبقت مغفرتك لهما، فشفعهما في، وإن سبقت مغفرتك لي، فشفعني فيهما حتى نجتمع برأفتك في دار كرامتك، ومحل مغفرتك ورحمتك، إنك ذو الفضل العظيم والمن القديم، وأنت أرحم الراحمين (1). (2) (ومن دعائه (عليه السلام)) (لما تهيأ إلى الصلاة ووثب قائما) يا من جاز كل شئ ملكوتا، وقهر كل شئ جبروتا، أولج قلبي فرح الإقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك. يا من قصده الضالون (3) فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه معقلا (4)، ولجأ إليه العابدون فوجدوه موئلا (5)، متى راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتى فرح من قصد سواك بنيته. إلهي، قد انقشع الظلام ولم أقض خدمتك وطرا، ولا من حياض مناجاتك صدرا، صل على محمد وآله، وافعل بي أولى الأمرين بك، يا أرحم الراحمين. (6)
1. في مفاهيم انسانية للعلامة البحاثة مغنية قال: أهديت نسخا من الصحيفة السجادية إلى شيوخ مصر وفلسطين ولبنان، ثم أهديت إلى الأسقف الماروني بولس معوشي، وبعد أيام تشكر مني الأسقف من هذه الهدية الثمينة، وسئلت منه: حضرت الأسقف أي شئ جلب نظرك من هذه الصحيفة؟ أجاب: دعاء الإمام لأبويه، لما قرأته أثر في عميقا، ولهذا التأثر في ذهني أشكرك. 2. الصحيفة السجادية، دعاء 25 و 63. 3. في بعض المصادر: " الطالبون ". 4. في بعض المصادر: " متفضلا ". 5. في بعض المصادر: " نوالا ". 6. الصحيفة السجادية الجامعة، دعاء 84؛ فتح الأبواب، ص 46؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 4، ص 142؛ الخرائج والجرائح، ج 1، ص 266؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 77. 52 (ومن دعائه (عليه السلام)) (في الاعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى) اللهم إنه يحجبني عن مسألتك خلال ثلاث، وتحدوني عليها خلة واحدة، يحجبني أمر أمرت به فأبطأت عنه، ونهي نهيتني عنه فأسرعت إليه، ونعمة أنعمت بها علي فقصرت في شكرها، ويحدوني على مسألتك، تفضلك على من أقبل بوجهه إليك، ووفد بحسن ظنه إليك، إذ جميع إحسانك علي تفضل، وإذ كل نعمك ابتداء. فهأنذا يا إلهي واقف بباب عزك وقوف المستسلم الذليل، وسائلك على الحياء مني سؤال البائس المعيل، مقر لك بأني لم أستسلم وقت إحسانك إلا بالإقلاع عن عصيانك، ولم أخل في الحالات كلها من امتنانك، فهل ينفعني يا إلهي إقراري عندك بسوء ما اكتسبت؟ وهل ينجيني منك اعترافي لك بقبيح ما ارتكبت؟ أم أوجبت لي في مقامي هذا سخطك، أم لزمني في وقت دعائي مقتك، سبحانك لا أيئس منك، وقد فتحت لي باب التوبة إليك، بل أقول مقال العبد الذليل الظالم لنفسه، المستخف بحرمة ربه، الذي عظمت ذنوبه فجلت، وأدبرت أيامه فولت، حتى إذا رأى مدة العمل قد انقضت، وغاية العمر قد انتهت، وأيقن إنه لا محيص له منك، ولا مهرب له عنك، تلقاك بالإنابة، وأخلص لك التوبة، فقام إليك بقلب طاهر نقي، ثم دعاك بصوت حائل خفي، قد تطأطأ لك فانحنى، ونكس رأسه فانثنى، قد أرعشت خشيته رجليه، وغرقت دموعه خديه، يدعوك يا أرحم الراحمين، ويا أرحم من انتابه المسترحمون، ويا أعطف من أطاف به المستغفرون، ويا من عفوه أكثر من نقمته، ويا من رضاه أوفر من سخطه، ويا من تحمد إلى خلقه بحسن التجاوز، ويا من عود عباده قبول الإنابة، ويا من استصلح فاسدهم بالتوبة، ويا من رضا من فعلهم باليسير، ويا من كافي
53 قليلهم بالكثير، ويا من ضمن لهم إجابة الدعاء، ويا من وعدهم على نفسه بتفضله حسن الجزاء، ما أنا بأعصى من عصاك فغفرت له، وما أنا بألوم من اعتذر إليك فقبلت منه، وما أنا بأظلم من تاب إليك فعدت عليه، أتوب إليك في مقامي هذا، توبة نادم على ما فرط منه مشفق مما اجتمع عليه، خالص الحياء مما وقع فيه، عالم بأن العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك، وإن التجاوز عن الإثم الجليل لا يستصعبك، وإن احتمال الجنايات الفاحشة لا يتكأدك (1)، وإن أحب عبادك إليك من ترك الاستكبار عليك، وجانب الإصرار، ولزم الاستغفار، وأنا أبرأ إليك من أن أستكبر، وأعوذ بك من أن أصر، وأستغفرك لما قصرت فيه، وأستعين بك على ما عجزت عنه. اللهم صل على محمد وآله، وهب لي ما يجب علي لك، وعافني مما أستوجبه منك، وأجرني مما يخافه أهل الإساءة، فإنك مليء بالعفو، مرجو للمغفرة، معروف بالتجاوز، ليس لحاجتي مطلب سواك، ولا لذنبي غافر غيرك، حاشاك ولا أخاف على نفسي إلا إياك، إنك أهل التقوى، وأهل المغفرة. صل على محمد وآل محمد، واقض حاجتي، وأنجح طلبتي، واغفر ذنبي، وآمن خوف نفسي، إنك على كل شئ قدير، وذلك عليك يسير، آمين رب العالمين. (2) (ومن كلام له (3) (عليه السلام)) في تفسير قوله تعالى: (وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء) (4).
1. لا يتكأدك: أي لا يشق عليه. 2. الصحيفة السجادية، ص 95، دعاء 12. 3. رواه في الكافي عنه، عن أبي عبيدة الحذاء، عن ثوير بن أبي فاختة، عن رسول الله، عن علي (عليه السلام). 4. الزمر: 69. 54 قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله الناس من حفرهم عزلا مهلا (1)، جردا مردا في صعيد واحد، يسوقهم النور، وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر، فيركب بعضهم بعضا، ويزدحمون دونها، فيمنعون من المضي، فتشتد أنفاسهم، ويكثر عرقهم، وتضيق بهم أمورهم، ويشتد ضجيجهم، وترفع أصواتهم، وهو أول هول من أهوال القيامة. فعندها يشرف الجبار تبارك وتعالى من فوق العرش (2)، ويقول: يا معشر الخلائق، انصتوا واسكتوا، واسمعوا منادي الجبار. فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فتنكسر أصواتهم عند ذلك، فتخشع قلوبهم، وتضطرب فرائصهم، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت، مهطعين إلى الداعي، ويقول الكافر: هذا يوم عسير. فيأتي النداء من قبل الجبار (3): أنا الله لا إله إلا أنا، الحكم الذي لا يجور، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي، لا يظلم اليوم عندي أحد، آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة من القصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم، ولا أحد عنده مظلمة، إلا مظلمة يهبها لصاحبها، وأثيبه عليها، وآخذ له بها عند الحساب، فتلازموا أيها الخلائق، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا، وأناشدكم عليها (4)، وكفى بي شهيدا. فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحد له مظلمة عند أحد أو حق إلا لزمه، فيمكثون ما شاء الله، فيشتد حالهم، ويكثر عرقهم، ويشتد غمهم، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد، ويتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها.
1. في الكافي: " بهما ". 2. في الكافي زيادة: " في ظلال من الملائكة، فيأمر ملكا من الملائكة، فينادى فيهم ". 3. في الكافي هكذا: " فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم ويقول ". 4. في الكافي: " أنا شاهد لكم عليهم ". 55 فيأتي النداء من قبل الجبار - جل جلاله -: أيها الخلائق (1)، انصتوا لداعي الله واسمعوا، إن الله يقول: أنا الوهاب، إن أحببتم تواهبتم، وإلا أخذتم بمظالمكم. فيفرحون بذلك لشدة جهدهم، وضيق مسلكهم وتزاحمهم، فيهب بعضهم مظلمته لبعض؛ رجاء الخلاص مما هم فيه، ويبقى بعضهم يقولون: يا رب، مظالمنا أعظم من أن نهبها. فعندها يأمر المولى خازن الجنان (2) أن يظهر قصرا من فضة بما فيه، ثم يأمرهم - جل شأنه - أن يرفعوا رؤوسهم وينظروا إلى كرامة الله تعالى، فإذا رأوا ذلك القصر، تمنى كل منهم أن يكون له. فيأتي النداء: هذا لكل من عفا عن مؤمن، فعندها يعفون إلا القليل. فيقول الله: لا يجوز إلى جنتي ظالم. ثم يدفعون إلى العقبة يكرد بعضهم بعضا، فينتهون إلى العرش، وقد نشرت الدواوين، وأحضر النبيون والشهداء، وهم الأئمة يشهد كل إمام على أهل عالمه إنه قد قام فيهم بأمر الله، ودعاهم إلى سبيله. فقال رجل لعلي بن الحسين: إذا كان للمؤمن على الكافر حق، فأي شئ يؤخذ منه، وهو من أهل النار؟ قال (عليه السلام): يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر، ويعذب الكافر بها مع عذابه بكفره. فقال الرجل: وإن كان للمسلم على المسلم مظلمة فما يؤخذ منه؟ قال (عليه السلام): يؤخذ من حسنات الظالم، ويعطى للمظلوم بقدر ما له عليه، فقال
1. في الكافي هكذا: " ويطلع الله عز وجل على جهدهم، فينادي مناد من عند الله - تبارك وتعالى - يسمع آخرهم كما يسمع أولهم، يا معشر الخلائق ". 2. في الكافي هكذا: " فينادي مناد من تلقاء العرش: أين رضوان خازن الجنان؛ جنان الفردوس. فيأمره الله عز وجل ". 56 الرجل: وإن لم يكن للظالم حسنات مما يؤخذ منه؟ قال (عليه السلام): إن كان للمظلوم سيئات تزاد على سيئات الظالم، بقدر ماله من الحق عليه. (1) وإذا صار أهل الجنان إلى منازلهم، واتكأ كل أحد على أريكته، وحفت بهم الخدم، وتهدلت عليهم الثمار، وجرت من تحتهم الأنهار، وبسطت لهم الزرابي، وصففت لهم النمارق، وأتتهم الخدم بما شاءت لهم شهواتهم. أتاهم المنادي من قبل الله تعالى: أوليائي وأهل طاعتي، هل أنبئكم بخير مما أنتم عليه؟ فيقولون: ربنا، وأي شئ خير مما نحن فيه؟ فيقول سبحانه: رضائي عنكم، ومحبتي لكم خير مما أنتم. فيقولون: ربنا رضاك ومحبتك خير لنا، وأطيب لأنفسنا، وهو قوله تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومسكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) (2). (3) (ومن دعائه (عليه السلام)) (لأهل الثغور) اللهم صل على محمد وآله، وحصن ثغور المسلمين بعزتك، وأيد حماتها بقوتك، وأسبغ عطاياهم من جدتك.
1. إلى هنا ورد في الكافي. 2. التوبة: 72. 3. الكافي، ج 8، ص 104، نقل عنه في تفسير البرهان، ج 4، ص 733؛ وتفسير نور الثقلين، ج 5، ص 176، وبحار الأنوار، ج 7، ص 268. 57 اللهم صل على محمد وآله وكثر عدتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألف جمعهم، ودبر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحد بكفاية مؤنهم، وأعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر. اللهم صل على محمد وآله، وعرفهم ما يجهلون، وعلمهم ما لا يعلمون، وبصرهم ما لا يبصرون. اللهم صل على محمد وآله، وآنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصب أعينهم، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد، ومنازل الكرامة، والحور الحسان، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار. اللهم أفلل بذلك عدوهم، واقلم عنهم أظفارهم، وفرق بينهم وبين أسلحتهم، واخلع وثائق أفئدتهم، وباعد بينهم وبين أزودتهم، وحيرهم في سبلهم، وضللهم عن وجههم، واقطع عنهم المدد، وانقص منهم العدد، واملأ أفئدتهم الرعب، واقبض أيديهم عن البسط، وأخرم ألسنتهم عن النطق، وشرد بهم من خلفهم، ونكل بهم من ورائهم، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم. اللهم عقم أرحام نسائهم، ويبس أصلاب رجالهم، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم، لا تأذن لسمائهم في قطر، ولا لأرضهم في نبات. اللهم وقو بذلك محال أهل الإسلام، وحصن به ديارهم، وثمر به أموالهم، وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك، وعن منابذتهم للخلوة بك حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك، ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك. اللهم أعز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين، وامددهم بملائكة من عندك مردفين، حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلا في أرضك وأسرا، أو يقروا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك.
58 اللهم واعمم بذلك أعدائك في أقطار البلاد من الجند والروم والترك والخزر، والحبش والنوبة والزنج، والسقالبة والديالمة وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم، وقد أحصيتهم بمعرفتك، وأشرفت عليهم بقدرتك. اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين، وخذهم بالنقص عن تنقصهم، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم. اللهم اخل قلوبهم من الأمنة، وأبدانهم من القوة، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال، وجبنهم عن مقارعة الأبطال، وابعث عليهم جندا من ملائكتك ببأس من بأسك، كفعلك يوم بدر، تقطع به دابرهم، وتحصد به شوكتهم، وتفرق به عددهم. اللهم وامزج مياههم بالوباء، وأطعمتهم بالأدواء، وارم بلادهم بالخسوف، وألح عليها بالقذوف، وأفرعها بالمحول، واجعل ميرهم في أحص أرضك، وأبعدها عنهم، وامنع حصونها منهم، أصبهم بالجوع المقيم، والسقم الأليم. اللهم وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك، ليكون دينك الأعلى، وحزبك الأقوى، وحظك الأوفى، فلقه اليسر، وهيئ له الأمر، وتوله بالنجح، وتخير له الأصحاب، واستقو له الظهر، وأسبغ عليه في النفقة، ومتعه بالنشاط، وأطف عنه حرارة الشوق، واجزه من غم الوحشة، وآنسه ذكر الأهل والولد، وآثر له حسن النية، وتوله بالعافية، واصحبه السلامة، واعفه من الجبن، وألهمه الجرأة، وارزقه الشدة، وأيده بالنصرة، وعلمه السير والسنن، وسدده في الحكم، واعزل عنه الرياء، وخلصه من السمعة، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك، فإذا صاف عدوك وعدوه فقللهم في عينه، وصغر شأنهم في قلبه، وأدل له منهم ولا تدلهم منه، فإن ختمت له بالسعادة، وقضيت له بالشهادة، فبعد أن يحتاج عدوك بالقتل، وبعد أن يجهد بهم الأسر، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين، وبعد أن يولي عدوك مدبرين.
59 اللهم وأيما مسلم خلف غازيا أو مرابطا في داره، أو تعهد خالفيه في غيبته، أو عانه بطائفة من ماله، أو أمده بعتاد، أو شحذه على جهاد، أو اتبعه في وجهه دعوة، أو رعى له من ورائه حرمة، فاجر له مثل أجره وزنا بوزن، ومثلا بمثل، وعوضه من فعله عوضا حاضرا، يتعجل به نفع ما قدم، وسرور ما أتى به إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك، وأعددت له من كرامتك. اللهم وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام، وأحزنه تحزب أهل الشرك عليهم، فنوى غزوا أو هم بجهاد فقعد به ضعف، أو أبطأت به فاقة، أو أخره عنه حادث، أو عرض له دون إرادته مانع، فاكتب اسمه في العابدين، وأوجب له ثواب المجاهدين، واجعله في نظام الشهداء والصالحين. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآل محمد، صلاة عالية على الصلوات، مشرفة فوق التحيات، صلاة لا ينتهي أمدها، ولا ينقطع عددها، كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك، إنك المنان الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما تريد. (1) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في تفسير قوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) (2)) كان يقول: معنى هذه الآية إنه سبحانه جعل الأرض ملائمة لطبائعكم، موافقة لأجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحماء والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم (3)، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم
1. الصحيفة السجادية، دعاء 27. 2. البقرة: 22. 3. في نسخة: " فتصدعكم ". 60 وأبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنه عز وجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثيرا من منافعكم، وجعل السماء سقفا محفوظا من فوقكم (1)، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم، وأنزل من السماء ماء من علا؛ ليبلغ قلل جبالكم، وتلالكم (2) وهضابكم (3) وأوهادكم (4)، ثم مزقه رذاذا ووبلا (5)، لا هطلا (6)، فيفسد أرضكم وأشجاركم، وزرعكم وثماركم، وأخرج من الأرض رزقا لكم، فلا تجعلوا مع الله أندادا وأشباها، وأمثالا وأصناما لا تعقل، ولا تبصر ولا تسمع، وأنتم تعلمون أنها لا تقدر على شئ من هذه النعم الجليلة، التي أنعم بها عليكم ربكم تبارك وتعالى. (7) (ومن كلام له (عليه السلام)) (لمحمد بن مسلم بن شهاب الزهري يعظه) لما دخل عليه (عليه السلام) وهو كئيب حزين، فقال له زين العابدين (عليه السلام): ما بالك مغموما؟ قال: يا بن رسول الله، غموم وهموم تتوالى علي لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين في، وممن أرجوه، وممن أحسنت إليه، فيخلف ظني.
1. في العيون هكذا: " فلذلك جعل الأرض فراشا لكم، ثم قال عز وجل: (والسماء بناء) [البقرة: 22] سقفا من فوقكم محفوظا ". 2. " التلال ": جمع تل، من التراب معروف، وهو الرابية. 3. " الهضاب ": جمع الهضبة، الجبل المنبسط على الأرض. 4. " الأوهاد ": جمع الوهد، الأرض المنخفضة. 5. " الرذاذ ": المطر الضعيف، و " وبلت السماء ": مطرت الوبل. 6. " الهطل ": المطر أنزل متتابعا متفرقا، عظيم القطر. 7. عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 1، ص 137؛ التوحيد، ص 404 مع اختلاف فيهما. وجاء في تفسير الإمام العسكري نقلا عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام). 61 فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): احفظ عليك لسانك، تملك به إخوانك. قال الزهري: يا بن رسول الله، إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي. قال علي بن الحسين (عليه السلام): هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري، من لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أيسر ما فيه. ثم قال: يا زهري، أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل قربك منهم بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء أن تظلم، وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه، وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره، وإن عرض لك إبليس - لعنه الله - بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: " قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح، فهو خير مني "، وإن كان أصغر منك فقل: " قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني "، وإن كان تربك (1) فقل: " إنا على يقين من ذنبي، وفي شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي "، وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: " هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاء وانقباضا فقل: " هذا الذنب أحدثته "، فإنك إذا فعلت ذلك، سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاءك، وقل أعداءك وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم. واعلم إن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فأيضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس من بعده عليهم من كان مستعففا، وإن كان إليهم محتاجا، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه، كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها، ومكنهم من بعضها، كان أعز وأكرم. (2)
1. " الترب ": جمع أتراب، من ولد معك في يوم واحد. 2. الاحتجاج، ج 2، ص 51؛ تفسير الإمام العسكري، ص 12. 62 (ومن دعائه (عليه السلام)) (حين بلغه توجه مسرف بن عقبة (1) إلى المدينة) رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري، وكم من معصية أتيتها فسترتها ولم تفضحني، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته (2) صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا (3)، ويا ذا النعماء التي لا تحصى أمدا (4)، صل اللهم على محمد وآل محمد، وبك أدفع في نحره، وبك أستعيذ من شره، وادفع عني شره، فإني أدرأ (5) بك في نحره، وأستعيذ بك من شره. فقدم مسرف بن عقبة المدينة - وكان يقال: إنه لا يريد غير علي بن الحسين (عليه السلام) - فسلم منه، وأكرمه وحباه ووصله. (6)
1. ذكر المؤرخون: إنه كان رجلا فاسقا فاجرا شريرا، أمره يزيد بن معاوية - لعنه الله - على الجيش الذي أرسله إلى المدينة لنهبها، لما امتنعوا بيعته، وقال له: إن ظفرت بهم فأبحها ثلاثة أيام بما فيها من الرجال والنساء والأطفال والأموال والسلاح، فإذا مضت ثلاثة أيام فاكفف عنهم، ففعل ما أمره يزيد، بل أسرف في ذلك حتى سمي ب " مسرف " من القتل والنهب وهتك الأعراض، حتى ولد في المدينة من تلك الوقعة أربعة آلاف مولود، لا يعرف له أب، وشدوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله). ويقول اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 25: أباح حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ولدت الابكار لا يعرف من أولادهن. قال الراوي: رأيت الخيل حول قبر النبي (صلى الله عليه وآله). قال سعيد بن المسيب: وكان السجاد (عليه السلام) في تلك الأيام على قلق ووجل، وهو يأتي قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويدعو عنده، وكنت أنا معه. 2. في بعض النسخ: " بلائه ". 3. في بعض النسخ: " ينقطع ". 4. في بعض النسخ: " عددا ". 5. " ادرأ ": أي أدفع. 6. الصحيفة السجادية، دعاء 154؛ الإرشاد، ج 2، ص 151؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 302؛ شرح الأخبار، ج 3، ص 274؛ كنز العمال، ج 2، ص 662، ح 5014. 63 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في نعم الله تعالى جل وعلا) وكان (عليه السلام) إذا قرأ هذه الآية: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (1) يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنه لا يدركه، فشكر - جل وعز - معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما جعل علم العالمين إنهم لا يدركونه إيمانا، علما منه أنه قد وسع العباد، فلا يجاوزون ذلك، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في فضائل عترة النبي (صلى الله عليه وآله)) قال (عليه السلام): إن محمدا (صلى الله عليه وآله) كان أمين الله في أرضه، فلما انقبض محمد (صلى الله عليه وآله) كنا - أهل البيت - أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وبحقيقة النفاق، وإن شيعتنا لمكتوبون معروفون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله الميثاق علينا وعليهم، يردون موردنا، ويدخلون مداخلنا، ليس على ملة إبراهيم خليل الله غيرنا وغيرهم، إنا يوم القيامة آخذون بحجزة نبينا، ونبينا آخذ بحجزة ربه، وإن الحجزة النور، وشيعتنا آخذون بحجزنا، من فارقنا هلك، ومن تبعنا نجا، والجاحد
1. النحل: 18. 2. الصحيفة السجادية، دعاء 6؛ الكافي، ج 8، ص 394؛ تحف العقول، ص 283، مع اختلاف في كل المصادر. 64 لولايتنا كافر، ومتبعنا وتابع أوليائنا مؤمن، لا يحبنا كافر، ولا يبغضنا مؤمن، من مات وهو محبنا كان حقا على الله أن يبعثه معنا، نحن نور لمن تبعنا، ونور لمن اقتد بنا، من رغب (1) عنا ليس منا، ومن لم يكن معنا فليس من الإسلام في شئ، بنا فتح الله الدين، وبنا يختمه، وبنا أطعمكم عشب الأرض، وبنا أنزل عليكم مطر السماء، وبنا أمنكم الله من الغرق في بحركم، ومن الخسف في بركم، وبنا نفعكم الله في حياتكم، وفي قبوركم، وفي محشركم، وعند الصراط، وعند الميزان، وعند دخول الجنان، إن مثلنا في كتاب الله كمثل المشكاة، والمشكاة في القنديل، فنحن المشكاة فيها المصباح، والمصباح هو محمد (صلى الله عليه وآله)، المصباح في زجاجة، نحن الزجاجة، كأنها كوكب دري توقد من شجرة مباركة زيتونة، لا شرقية ولا غربية، لا منكرة ولا دعية، يكاد زيتها نور يضيء ولو لم تمسسه نار، نور القرآن نور على نور (يهدي الله لنورهي من يشاء... والله على كل شئ قدير) (2)، على أن يهدي من أحب لولايتنا، حقا على الله أن يبعث ولينا مشرقا وجهه، نيرا برهانه، عظيما عند الله حجته، ويجيء عدونا يوم القيامة مسودا وجهه، مدحضة عند الله حجته، وحق على الله أن يجعل ولينا رفيق النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، حق على الله أن يجعل عدونا رفيقا للشياطين والكافرين، وبئس أولئك رفيقا، ولشهيدنا فضل على شهداء غيرنا بعشر درجات، ولشهيد شيعتنا على شهيد غيرنا سبع درجات، فنحن النجباء، ونحن أفراط (3) الأنبياء، وأبناء الأوصياء، ونحن خلفاء الأرض، ونحن أولى الناس بالله، ونحن المخصوصون في كتاب الله، ونحن أولى الناس بدين الله، ونحن الذين شرع الله لنا دينه، فقال الله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا
1. بمعنى أعرض. 2. النور: 35. 3. " الفرط ": العلم المستقيم يهتدى به، والجمع أفرط وأفراط. 65 إليك وما وصينا بهى إبر هيم وموسى وعيسى). (1) فقد علمنا وبلغنا ما علمنا، واستودعنا علمهم، ونحن ورثة الأنبياء، ونحن ذرية أولي العلم، أن أقيموا الدين بآل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا تتفرقوا فيه، وكونوا على جماعتكم (2) كبر على المشركين بولاية علي بن أبي طالب ما تدعوهم إليه من ولاية علي. إن الله يا محمد، يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب، ويجيبك إلى ولاية علي بن أبي طالب. (3) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في اختلاف المذاهب بعد النبي (صلى الله عليه وآله)) قال (عليه السلام): وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها أئمة الدين، وشجرة النبوة، إخلاص الديانة، وأخذوا أنفسهم في مخائل الرهبانية، وتغالوا في العلوم، ووصفوا الإسلام (4) بأحسن صفاتهم، وتحلوا بأحسن السنة، حتى إذا طال عليهم الأمد، وبعدت عليهم الشقة، وامتحنوا بمحن الصادقين، رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى وعلم النجاة، يتفسخون تحت أعباء الديانة تفسخ حاشية الإبل تحت أوراق (5) البزل. ولا تحرزوا السبق الرزايا (6) وإن جرت * ولا يبلغ الغايات إلا سبوقها
1. الشورى: 13. 2. في نسخة: " جملتكم ". 3. الكافي، ج 1، ص 223؛ تفسير فرات الكوفي، ص 283؛ تفسير القمي، ج 2، ص 104؛ بصائر الدرجات، ص 118؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 298؛ بحار الأنوار، ج 26، ص 142، نقلا عن البصائر. 4. في نسخة: " الإيمان ". 5. " الأوراق " - جمع الورق -: الحي من كل حيوان، و " البزل " - جمع البازل -: البعير الذي انشق نابه بدخوله في السنة التاسعة. 6. في بعض النسخ: " الرزاح ". 66 وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأولوا بآرائهم، واتهموا بمأثور الخبر مما استحسنوا، يقتحمون في أغمار الشبهات، ودياجير الظلمات، بغير قبس نور من الكتاب، ولا إثرة علم من مظان العلم بتحذير مثبطين، زعموا أنهم على الرشد من غيهم. وإلى من يفزع خلف هذه الأمة؟ وقد درست أعلام الملة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف، يكفر بعضهم بعضا، والله تعالى يقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا منم بعد ما جائهم البينات). (1) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة، وتأويل الحكمة، إلا أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة، هل تعرفوهم أو تجدونهم، إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات، وافترض (2) مودتهم بالكتاب: هم العروة الوثقى وهم معدن التقى * وخير حبال العالمين وثيقها (3) أقول: من أخبار نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) الغيبية الذي نطق به هذا الكلام، رواه جميع علماء السنة والشيعة: " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، وإن منهم فرقة ناجية، والباقون في النار " (4).
1. آل عمران: 105. 2. في نسخة: " اقترن ". 3. الصحيفة السجادية، دعاء 219؛ كشف الغمة، ج 2، ص 310؛ بحار الأنوار، ج 27، ص 193. 4. راجع: الخصال، ص 585؛ كفاية الأثر، ص 155؛ نهج الحق، ص 331؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 241؛ سنن أبي داوود، ج 2، ص 390. وبقية الحديث: فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله، ومن الفرقة الناجية؟ فقال (عليه السلام): ما أنت عليه وأصحابك. أنظر عوالي اللئالي العزيزية، الأحسائي، ج 4، ص 65، ط قم، قال محققه: رواه العلامة في نهج الحق في المطلب الخامس فيما رواه الجمهور في حق الصحابة، فقال ما لفظه: وقد روى الحديث الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر، مثل تفسير أبي سوف يعقوب بن سليمان، وتفسير بن جريح، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير وكيع بن جراح، وتفسير يوسف بن موسى القطان، وتفسير قتادة، وتفسير أبي عبد الله القاسم بن سلام، وتفسير علي بن حرب الطائي، وتفسير السدي، وتفسير مجاهد، وتفسير أبي صالح. 67 وإن الامام في هذه الكلمات، يشرح الاختلاف، وما كان له من آثار سيئة، ونتائج وخيمة، ويبين أن الطريق الوحيد للتخلص منه، هو الآخذ بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، والتمسك بحبالهم " وأهل البيت أدرى بما في البيت "، وكما أمر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وجدهم المعظم بالاقتداء بهم، وأقرنهم بالكتاب الكريم في ذلك الحديث المشهور المتواتر، الذي جاء عن طرق كثيرة، وردت عن نيف وعشرين صحابيا. (1) (ومن وصية له (عليه السلام)) (وصى بها ابنه محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)) وذلك لما مرض علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في مرضه الذي توفي فيه، فجمع أولاده محمدا (عليه السلام) والحسن، وعبد الله، وعمر، وزيد، والحسين، وأوصى إلى ابنه محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، وكناه الباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في وصيته أن قال: يا بني، إن العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والعقل ترجمان العلم، واعلم إن العلم أبقى، واللسان أكثر هذرا (2)، واعلم يا بني إن صلاح شأن الدنيا (3) بحذافيرها في كلمتين بهما إصلاح شأن المعايش؛ ملء مكيال ثلثاه فطنة، وثلثه
1. أنظر: تعريب عبقات الأنوار، ج 1، ص 277، ط قم، ولفظ الحديث ما ذكره في الصواعق، ص 25، عن الطبراني وغيره بسند صحيح أنه (صلى الله عليه وآله) قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي. 2. " الهذر ": اسم بمعنى الكثير الردى، سقط الكلام الذي لا يعبأ به. 3. في نسخة: " اصلاح الدنيا ". 68 تغافل؛ لأن الإنسان لا يتغافل إلا عن شئ قد عرفه ففطن له. (1) واعلم أن الساعات تذهب عمرك، وإنك لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى، فإياك والأمل الطويل، فكم من مؤمل أملا لا يبلغه، ولجامع مال لا يأكله، ومانع مال سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراما، وورثه عدوا احتمل إصره، وباء بوزره. (ذلك هو الخسران المبين) (2). (3) (ومن وصية له (عليه السلام)) (أيضا لابنه محمد الباقر (عليه السلام) في النهي عن مصاحبة الأحمق) قال: إياك يا بني أن تصاحب الأحمق أو تخالطه! واهجره ولا تحادثه، فإن الأحمق هجنة (4) عياب (5) غائبا كان أو حاضرا، إن تكلم فضحه حمقه، وإن سكت فقر به عنه، وإن عمل أفسد، وإن استرعى أضاع، لا علمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود أمه لو أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس، أغنى من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسدهم من دونه. (6) أقول: ويجيء في الباب الثالث من هذا الكتاب حديثه مع ابنه (عليه السلام)، يحذره من المصاحبة بأشخاص، منهم الأحمق.
1. قال الحافظ: لم يجعل لغير الفطنة نصيبا من الخير، ولا حظا من الصلاح: لأن الإنسان لا يتغافل عن شئ إلا وقد عرفه وفطن له. قال الشاعر: ليس الغبي بسيد في قومه * لكن سيد قومه المتغابي 2. الحج: 11. 3. كفاية الأثر، ص 239، عنه في مستدرك الوسائل، ج 9، ص 37، ح 10139. 4. " الهجنة ": القبيح وما يعيبه الإنسان، و " العبن " - بتشديد النون -: الغليظ الخشن. 5. في نسخة: " عبن "، والعياب والعيابة والعيبة: الكثير العيب للناس. 6. الأمالي، الطوسي، ص 613، ح 1268؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 34، ح 15569، بحار الأنوار، ج 74، ص 198. 69 (ومن وصية له (عليه السلام)) (وصى بها ولده أيضا بهذا الدعاء) إن قال لهم: إذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا، أو نزلت بكم فاقة، أو أمر فادح فليتوضأ الرجل ويحسن وضوءه، ويصلي أربع ركعات، وبعد الفراغ يقول: يا موضع كل شكوى، يا سامع كل نجوى، يا شافي كل بلاء، ويا عالم كل خفية، ويا كاشف ما يشاء، يا نجي موسى، ويا مصطفى محمد، ويا خليل إبراهيم، أدعوك دعاء الغريب الغريق، الفقير الذي لا يجد لكشف ما فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. قال (عليه السلام): من أصابه البلاء، ودعا بهذا الدعاء، أصابه الفرج من الله تعالى. (1) (ومن كلام له (عليه السلام)) (يذكر فيه أرض كربلاء) قال (عليه السلام): اتخذ الله أرض كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرما بأربعة وعشرين ألف عام، وإنه إذا زلزل الله تعالى الأرض وسيرها، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون، (2) وأنها لتزهر بين رياض الجنة، كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض، يغشي نورها أبصار أهل الجنة، وهي تنادي أنا أرض الله المقدسة، الطيبة
1. الصحيفة السجادية، دعاء 175؛ الكافي، ج 2، ص 560؛ بحار الأنوار، ج 91، ص 374. 2. في نسخة: أو قال: أولو العزم من الرسل. 70 المباركة، التي تضمنت سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة. (1) قلت: إن هذا الكلام لدليل على أفضلية كربلاء المقدسة على مكة المشرفة، وأشرفيتها عليها، وأشار إلى هذه المزية السيد مهدي بحر العلوم (رحمه الله) في منظومته القيمة حيث قال: ومن حديث كربلاء والكعبة * لكربلاء بان علو الرتبة (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في الحث على التقوى) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كان (عليه السلام) إذا تلا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين) (3) قال: اللهم ارفعني (4) في أعلى درجات هذه الندبة، وأعني بعزم الإرادة، وهبني حسن المستعتب (5) من نفسي، وخذني منها حتى تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك، وارزقني قلبا ولسانا يتجاريان في ذم الدنيا، وحسن التجافي منها، حتى لا أقول إلا صدقا، وأرني مصاديق إجابتك بحسن توفيقك، حتى أكون في كل حال حيث أردت. فقد قرعت بي باب فضلك فاقة * بحد سنان نال قلبي فتوقها وحتى متى أصف محن الدنيا ومقام الصديقين؟ وأنتحل عزما من إرادة مقيم بمدرجة الخطايا؟ أشتكي ذل ملكة الدنيا وسوء أحكامها علي، فقد رأيت
1. رواه المفيد في المزار، ج 1، ص 35؛ مستدرك وسائل الشيعة، ج 10، ص 323، ح 12095. 2. ويضيف إليها المرحوم الهادي كاشف الغطاء قوله: لم تخلق الكعبة لولا كربلاء * وكربلا نالت بما فيه العلا تزهو كربلا لأهل الجنة * كالكوكب الدري في الدجنة 3. التوبة: 119. 4. في نسخة: " ادفعني ". 5. في نسخة: " المستعقب ". 71 وسمعت لو كنت أسمع في أداة فهم، أو أنظر بنور يقظة. وكيلا ألاقي نكبة وفجيعة * وكأس مرارات ذعافا (1) أذوقها وحتى متى أتعلل بالأماني، وأسكن إلى الغرور، وأعبد نفسي للدنيا على غضاضة (2) سوء الاعتداد من ملكاتها؟ وأنا أعرض لنكبات الدهر علي، أتربص اشتمال البقاء، وقوارع الموت تختلف حكمي في نفسي، ويعتدل حكم الدنيا. وهن المنايا أي واد سلكته * عليها طريقي أو علي طريقها وحتى متى تعدني الأيام فتختلف؟! وأتمنها فتخون! لا تحدث جدة (3) إلا بخلوق جدة، ولا تجمع شمل إلا بتفريق شمل (4)، حتى كأنها غيرى (5)، محجبة ضناء، تغار على الألفة (6)، وتحسد على أهل النعم. فقد آذنتني بانقطاع وفرقة * وأومض لي من كل أفق بروقها (7) ومن أقطع عذرا من مغذ سيرا (8)، يسكن إلى معرس غفلة (9)، بأدواء نبوة الدنيا (10)، ومرارة العيش، وطيب نسيم الغرور، وقد أمرت تلك الحلاوة على القرون
1. " ذعاف " - بالذال والعين المهملة والفاء -: القتل السريع، ومنه قولهم: " ذعفة "، إذا قتله قتلا سريعا، وقيل: الذعاف كعزاب السم. 2. " الغضاضة " - جمع غضائض -: الذلة والمنقضة. 3. في نسخة: " لا تحدث جديدة إلا تخلق مثلها ". 4. في نسخة: " بتفريق بين "، و " البين ": الفراق والوصل، ضد. والمراد هنا الثاني، ويمكن أن يقرأ بتشديد الياء بأن يكون صفة. (العوالم، ج 18، ص 124) 5. " غيرى " - بوزن فعلى -: من الغيرة. 6. وفي مناقب ابن شهرآشوب " أو محتجبة تغار على آلاف ". 7. " أومض البرق ": لمع خفيفا وظهر. 8. " أغذ في السير ": أسرع. 9. " وعرس القوم ": نزلوا في السفر، والموضع: المعرس - بتخفيف الراء وتشديده -، يقول الشاعر: كرام بأرض الغاضرية عرسوا * فطابت بهم أرجاء تلك المنازل 10. " النبوة ": ما أرتفع من الأرض، يقال: هو يشكو نبوة الزمان: خطبه وجفوته. 72 الخالية، وحال دون ذلك النسيم هبوات (1) وحسرات، وكانت حركات فسكنت، وذهب كل عالم بما فيه. فما عيشة إلا تزيد مرارة * ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها فكيف يرقأ دمع لبيب؟! أو يهدأ طرف متوسم على سوء أحكام الدنيا، وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات، وسكون الحركات! وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي تفجع الآباء بالأبناء؟! وتلهي الأبناء عن الآباء! تعدمهم أشجان قلوبهم، وتسلبهم قرة عيونهم. وترمي قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق لا يبوخ حريقها (2) وما عسيت أن أصف محن الدنيا، وأبلغ عن كشف الغطاء، عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب، ولست أذكر منها إلا قليلا منه أفنته، أو مغيب ضريح تجافت عنه، فاعتبره أيها السامع بهلكات الأمم، وزوال النعم، وفظاعة ما تسمع وتروى من سوء آثارها في الديار الخالية، والرسوم الفانية، والربوع الصموت. (3) وكم عالم أفنت فلم تبك شجوة * ولابد أن تفنى سريعا لحوقها فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ (4)، وتأمل معاقل الملوك، ومصانع الجبارين، وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء، وجاهرتهم بالمنكرات، وسحبت عليهم أذيال البوار، وطحنتهم طحن الرحا للحب، واستودعتهم هوج الرياح (5)، تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض. فتلك مغانيهم وهذي قبورهم * توارثها أعصارها وحريقها (6)
1. " الهبوات " جمع الهبوة، الغبار. 2. " باخ ": سكن وفر، وباخ النار: خمدت. 3. " الربوع " - جمع الربع -: الرجل، النعش، المنزل. 4. " البذخ ": الكبر. 5. " الهوجاء ": الريح التي لا تستوي في هبوبها وتقلع البيوت. 6. في نسخة: " قبورها " بدل " حريقها ". 73 أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من الأمم السالفة، توقف وتفهم، وانظر إليه! أي عز ملك، أو نعيم أنس، أو بشاشة ألف، إلا نغصت أهله قرة أعينهم! وفرقتهم أيدي المنون، وألحقتهم بتجافيف التراب! فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون، وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا في الأرض هامدون. وآليت لا تبقى الليالي بشاشة * ولا جدة إلا سريعا خلوقها وفي مطامع أهل البرزخ، وخمود تلك الرقدة، وطول تلك الإقامة، طفئت مصابيح النظر، واضمحلت غوامض الفكر، وذم الغفول أهل العقول. وكم بقيت متلذذا في طوامس (1) هوامد (2) تلك الغرفات، فنوهت بأسماء الملوك، وهتفت بالجبارين، ودعوت الأطباء والحكماء، وناديت معادن الرسالة والأنبياء، أتملل تملل السليم، وأبكي بكاء الحزين، وأنادي ولات حين مناص. سوى أنهم كانوا فبانوا وإنني * على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب الفهم، وغضاضة فطن العقول، بتذكر قلب جريح، فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة، ومن عجب كيف يسكن إليها من يعرفها، وقد استذهلت عقله بسكونها، وتزين المعاذير، وخسأت أبصارهم عن عيب التدبير، وكلما تراءت الآيات ونشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية، وحالهم وما بهم، وكيف كانوا، وما الدنيا وغرور الأيام. وهل هي إلا لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها (3) وقد أغرق في ذم الدنيا الأدلاء على طرق النجاة من كل عالم، فبكت العيون
1. " طمس الشيء ": درس وانمحى. 2. " الهوامد " - جمع الهامد -: أرض هامدة، يابسة مجدبة. 3. " الجوى ": الحرقة وشدة الحزن، تطاول المرض. 74 بشجن القلوب فيها دما، ثم درست تلك المعالم، فتنكرت الآثار، وجعلت في برهة من محن الدنيا، وتفرقت ورثة الحكمة، وبقيت فردا كقرن الأعضب (1) وحيدا، أقول فلا أجد سميعا، وأتوجع فلا أجد مشتكى. وإن أبكهم أجرض (2) وكيف تجلدي * وفي القلب مني لوعة لا أطيقها وحتى متى أذكر حلاوة مذاق الدنيا، وعذوبة مشارب أيامها، وأقتفي آثار المريدين، وأتنسم أرواح الماضين (3) مع سبقهم إلى الغل والفساد، وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الأخلاء، فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى، وخانني الصبر حتى كأنني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا وفراق الأحبة. فلو رجعت تلك الليالي كعهدها * رأت أهلها في صورة لا تروقها فمن أخص بمعاتبتي، ومن أرشد بندبتي، ومن أبكي، ومن أدع؟ أشجو بهلكة الأموات! أم بسوء خلف الأحياء! وكل يبعث حزني، ويستأثر بعبراتي، ومن يسعدني فأبكي، وقد سلبت القلوب لبها، ورق الدمع، وحق للداء أن يذوب على طول مجانبة الأطباء، وكيف بهم وقد خالفوا الآمرين؟ وسبقهم زمان الهادين، ووكلوا إلى أنفسهم، يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات. حيارى وليل القوم داج نجومها * طوامس لا تجري بطيء خفوقها (4)
1. " الأعضب ": الظبي الذي انكسر أحد قرنيه. 2. " أجرض ": أهلك. 3. في نسخة: الصالحين. 4. الصحيفة السجادية، دعاء 219؛ كشف الغمة، ج 2، ص 306؛ عنه بحار الأنوار، ج 78، ص 154. قال الإربلي (رحمه الله): هذا الفصل من كلامه، قد نظمه بعض الشعراء، وأجاد في قوله: قد كنت أبكي ما قد فات من زمني * وأهل ودي جميع غير أشتات واليوم إذ فرقت بيني وبينهم * نوى بكيت على أهل المروات وما حياة امرئ أضحت مدامعه * مقسومة بين أحياء وأموات 75 (ومن كلام له (عليه السلام)) (وكان لما يحاسب نفسه، ويناجي ربه) ويقول: يا نفس، حتام إلى الحياة سكونك، وإلى الدنيا وعمارتها ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك! ومن وارته الأرض من ألافك (1)، ومن فجعت به من إخوانك، ونقل إلى الثرى (2) من أقرانك (ونقلت إلى دار البلى من أقرانك) فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم (3) * وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمتهم نحو (4) التراب الحفائر كم خرمت (5) أيدي المنون من قرون بعد قرون؟ وكم غيرت الأرض ببلائها، وغيبت في ترابها (6)، ممن عاشرت من صنوف الناس، وشيعتهم إلى الأرماس، ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس. وأنت على الدنيا مكب منافس * لخطابها فيها حريص مكاثر على خطر تمسي وتصبح لاهيا * أتدري بماذا لو عقلت تخاطر وإن امرأ يسعى لدنياه جاهدا * ويذهل عن أخراه لا شك خاسر حتام على الدنيا إقبالك، وبشهواتها اشتغالك، وقد وخطك القتير (7)، ووافاك النذير، وأنت عما يراد بك ساه، وبلذة يومك لاه، وقد رأيت انقلاب الشهوات،
1. " ألاف " - جمع ألف، مثل كافر وكفار -: الصديق، وفي نسخة: " الألاف " - جمع الإلف بالكسر - بمعنى الأليف. قال الشاعر: إذا مض الألاف عنك لظعنه * والمؤنسون فأنت أول ذاهب (إرشاد القلوب ص 16 ج 1) 2. في الصحيفة " دار البلى " بدل " الثرى ". 3. " أقوت الدار ": أي خلت. 4. في الصحيفة " تحت " بدل " نحو ". 5. في نسخة: " كم أخرمت " وفي نسخة أخرى: " وكم تخرمت ". 6. في البحار: " في ثرائها ". 7. " وخط الشيب ": خالط سواد شعره. " القتير ": الشيب، أو أول ما يظهر منه. 76 وعانيت ما حل بهم المصيبات. وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر أبعد اقتراب الأربعين تربص * وشيب القذال (1) منذ ذلك ذاعر كأنك معني بما هو ضائر * لنفسك عمدا أو عن الرشد حائر أنظر إلى الأمم الماضية، والقرون الفانية، والملوك العاتية، كيف إنتفتهم (2) الأيام، فأفناهم الحمام (3)، فأمحت (4) من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم. وأضحوا (5) رميما في التراب وأقفرت * مجالس منهم عطلت ومقاصر وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأنى لسكان القبور التزاور فما إن ترى إلا قبورا (6) ثووا بها * مسطحة (7) تسفي عليها الأعاصر كم عاينت من ذي منعة وسلطان (8)، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الأموال (9) والذخائر، وملح السراري والحرائر. فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوى إليه الذخائر ولا دفعت أهل الحصون التي بنى * وحفت بها أنهارها (10) والدساكر (11)
1. في نسخة: " وشيب القذال منذر لك ". 2. في نسخة: " انتسفتهم ". 3. في نسخة: " كيف أختطفهم عقبان الأيام، ووافاهم الحمام ". 4. في نسخة: " فامتحت "، وفي نسخة أخرى: " فانمحت ". 5. في نسخة: " وأمسوا ". 6. في الصحيفة " جثى " بدل " قبورا ". 7. في الصحيفة: " مسنمة ". 8. في نسخة: " كم عانيت من ذي عز ". 9. في نسخة " الأعلاق " بدل " الأموال ". 10. في نسخة: " وحف بها أنهاره ". 11. " الدسكرة ": القرية العظيمة، أو بيوت يكون فيها الشراب والملاهي، أو بناء كالقصر تكون حواليه بيوت يجتمع فيها الشطار، جمع دساكر. 77 ولا قارعت أهل المنية حيلة * ولا طمعت في الذب عنه العساكر أتاه من أمر الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين، الذي ذل لعزه كل سلطان، وباد بقوته كل ديان. مليك عزيز لا يرد (1) قضائه * حكيم عليم نافذ الأمر قاهر عنى كل ذي عز لعزة وجهه * فكم من عزيز (2) للمهيمن صاغر لقد خضعت (3) واستسلمت وتضاءلت * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر فالبدار البدار! الحذار الحذار! من الدنيا ومكائدها، وما نصبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها، وأبرزت لك من شهواتها، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها. وفي دون ما عاينت من فجعاتها * إلى دفعها (4) داع وبالزهد آمر فجد ولا تغفل وكن متيقضا * فعما قليل يترك الدار عامر فشمر ولا تفتر فعمرك زائل * وأنت إلى دار الإقامة (5) صائر ولا تطلب الدنيا فإن نعيمها (6) * وإن نلت منها غبة (7) لك صائر فهل يحرص عليها لبيب، أو يسر بها (8) أريب، وهو على ثقة من فنائها، وغير
1. في نسخة: " ما يرد ". 2. في نسخة: " فكل عزيز ". 3. في نسخة: " خشعت ". 4. في نسخة: " إلى رفضها ". 5. في نسخة: " إلى دار المنية ". 6. في نسخة: " فإن طلابها ". الطلاب والمطالبة: طلب منه حقا له عليه. 7. " الغبة " - بالضم -: البلغة من العيش. 8. في نسخة: " بلذتها ". 78 طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشى البيات؟ وتسكن نفس من توقع جميع أموره الممات (1). ألا، لا ولكنا نغر نفوسنا * وتشغلنا اللذات عما نحاذر وكيف يلذ العيش من هو موقن * بموقف عدل يوم تبلى السرائر كأنا نرى أن لا نشور وأننا * سدى ما لنا بعد الممات مصادر (2) وما عسى أن ينال صاحب (3) الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها، وقوارع فجائعها، وكثرة عذابه في مظانها وطلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها، وآلامها (4): أما قد ترى في كل يوم وليلة * يروح علينا صرفها ويباكر تعاورنا (5) آفاتها وهمومها * وكم قد نرى يبقى لها المتغاور فلا هو مغبوط بدنياه آمن * ولا هو عن تطلابها النفس قاصر كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تشفه من عثرته، ولم تنفذه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبرأ من سقمه، ولم تخلصه من وصمه. (6)
1. في نسخة: " من يتوقع الممات ". 2. في نسخة: " بعد الفناء مصائر ". 3. في نسخة: " طالب ". 4. في نسخة: " مع فنون مصائبها، وأصناف عجائبها، وكثرة تعبه في طلابها، وتكادحه في اكتسابها، وتكابده من أسقامها وأوصابها ". " الوصب ": المرض. 5. في نسخة: " تعاوره ". تعاور القوم فلانا واعتوروه ضربا: إذا تعاونوا عليه، فكلما أمسك واحد ضرب واحد، والتعاون عام في كل شئ. (لسان العرب، ج 9، ص 191، ط لبنان) 6. في نسخة: " فلم تنعش من صرعته، ولم تقله من عثرته، ولم تداوه من سقمه، ولم تشفعه من ألمه ". 79 بلى أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء ما لهن مصادر فلما رأى أن لا نجاة وأنه * هو الموت لا ينجيه منه التحاذر (1) تندم إذا لم تغن عنه ندامة * عليه وأبكته الذنوب الكبائر إذ بكى على ما أسلف من خطاياه، وتحسر على ما خلف من دنياه، واستغفر حيث ما لا ينفعه الاستغفار (2)، ولا ينجيه الاعتذار عند هول المنية، ونزول البلية. أحاطت به أحزانه (3) وهمومه * وأبلس (4) لما أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارج * وليس له مما يحاذر ناصر وقد جشأت (5) خوف المنية نفسه * ترددها منه اللهاة (6) والحناجر هنالك خف عنه عواده، وأسلمه أهله وأولاده، وارتفعت الرنة والعويل، ويأسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدوا عند خروج روحه رجليه، وتخلى عنه الصديق والصاحب الشفيق. فكم موجع يبكي عليه تفجعا * ومستنجد صبرا وما هو صابر ومسترجع داع له الله مخلصا * يعدد منه كل خير ما هو ذاكر وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل للذي (7) صار صائر فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه،
1. في نسخة: " الموازر ". 2. في الصحيفة " الاستعبار " بدل " الاستغفار ". 3. في نسخة: " آفاته ". 4. " وابلس ": أي خاب. 5. " جشأت نفسه ": نهضت من حزن. 6. " اللهاة ": اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم، جمعها: لهوات، المنجد. وفي نسخة: " ترددها دون اللهاة الحناجر ". 7. في نسخة: " كالذي ". 80 (وتوجع لرزئه إخوانه)، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى. وضل أحب القوم كان بقربه (1) * يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاض للقبر حائر وكفن في ثوبين واجتمعت له * مشيعة خوانه (2) والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، فغشى (3) من الجزع عليه، وقد خضبت الدموع عينيه (4)، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه واحرباه (5)! لعاينت (6) من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر أكابر بأولاد يهيج اكتئابهم * إذا ما تناساه البنون الأصاغر ورنة نسوان عليه جوازع * مدامعها فوق الخدود غوازر (7) ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد، وهيء عليه اللبن، احتوشته أعماله، وأحاطت به خطاياه، وضاق ذرعا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وأيسوا من النظر إليه، وتركوه رهنا بما كسب وطلب. فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر
1. في نسخة: " لقربه ". 2. في نسخة: " إخوانه ". 3. في نسخة: " فيخشى ". 4. في الصحيفة: " خديه ". 5. كلمة يندب بها الميت، وتستعمل للتأسف. 6. في نسخة: " لأبصرت ". 7. في الصحيفة: " غزائر ". 81 كشاء رتاع (1) آمنين بدالها * بمديته (2) بادي الذراعين حاسر فريعت (3) ولم ترتع قليلا وأجفلت * فلما نأى عنها الذي هو جازر عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال الأنعام أقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلا (4)، واعتبر بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى. ثوى مفردا (5) في لحده وتوزعت * مواريثه أولاده والأصاهر (6) وأحنوا على أمواله يقسمونها (7) * فلا حامد منهم عليها وشاكر فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها * ويا آمنا من أن تدور الدوائر كيف أمنت هذه الحالة وأنت صائر إليها لا محالة؟ أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك إلى مماتك؟ أم كيف تشبع من طعامك (8) وأنت منتظر حمامك؟ أم كيف تهنأ بالشهوات وهي مطية الآفات؟ (أم كيف تتهنأ بحياتك وهي مطيتك إلى مماتك)؟ ولم تتزود للرحيل وقد دنا * وأنت على حال وشيك مسافر فيا لهف (9) نفسي كم أسوف (10) توبتي * وعمري فان والردى (11) لي ناظر
1. " الرتاع ": الذي يتتبع بإبله المراتع المخصبة. 2. " المدية ": الشفرة العظيمة، وفي نسخة: " بمدية ". 3. في نسخة: " فراعت ". 4. في الصحيفة: " إلى الثرى ". 5. في الصحيفة: " هوى مصرعا ". 6. في نسخة: " أرحامه والأواصر ". 7. في نسخة: " يخصمونها ". 8. في نسخة: " تسيغ ". 9. في نسخة: " فياويح ". 10. " أسوف ": أماطل وأقول مرة بعد أخرى، كما في الصحاح للجوهري. 11. الردى: الهلاك والسقوط. 82 وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت * يجازى عليه عادل الحكم قادر (1) فكم ترقع بآخرتك دنياك؟ وتركب غيك في ذلك وهواك؟ أراك ضعيف اليقين (2)، يا مؤثر الدنيا على الدين، أبهذا (3) أمرك الرحمن؟ أم على هذا نزل القرآن (4)؟ أما تذكر ما أمامك من وسدة الحساب، وشر المآب؟ أما تذكر حال من جمع وثمر، ورفع البناء وزخرف وعمر؟ أما صار جمعهم بوارا، ومساكنهم قبورا؟ تخرب ما يبقى وتعمر فانيا * ولا ذاك موفور ولا ذاك عامر وهل لك إن وافاك حتفك بغتة * ولم تكتسب خيرا لك الله (5) عاذر أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي * ودينك منقوص ومالك وافر فبك يا إلهنا نستجير، يا عليم يا خبير، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك، ومن نرجو لغفران ذنوبنا سواك، وأنت المتفضل المنان، القائم الديان، العائد علينا بالإحسان بعد الإساءة منا والعصيان، يا ذا العزة والسلطان، والقوة والبرهان، وأجرنا (6) من عذابك الأليم، واجعلنا من سكان دار النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين. (7)
1. في نسخة: " قاهر ". 2. في نسخة: " إني لأراك ". 3. في نسخة: " أفبهذا ". 4. في نسخة: " ذلك القرآن ". 5. في نسخة: " لدى الله ". 6. في نسخة: " أجرنا ". 7. الصحيفة السجادية، دعاء 214، المناجاة المعروفة بالندبة؛ البلد الأمين، ص 320؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 292؛ عنه بحار الأنوار، ج 46، ص 82؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 109، رواه عن الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عبد الله المقري، عن سفيان بن عيينة، عن الزهوي. وذكر سنده العلامة الحلي في إجازته الكبيرة لبني زهرة المذكورة في بحار الأنوار، ج 26، ص 21، ط قديم. 83 (ومن كلام له (عليه السلام)) (أيضا كان يناجي به ربه تعالى) ويقول: قل لمن قل عزاؤه، وطال بكاؤه، ودام عناؤه، وبان صبره، وتقسم فكره، والتبس عليه أمره من فقد الأولاد، ومفارقة الآباء والأجداد، والإمتعاظ بشماتة الحساد: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد). (1) تعز فكل للمنية ذائق * وكل ابن أنثى للحياة مفارق فعمر الفتى للحادثات ذريئة * تناهبه ساعاتها والدقائق كذا تتفانى (2) واحد بعد واحد * وتطرقنا بالحادثات الطوارق فحسن الأعمال، وجمل الأفعال، وقصر الآمال الطوال، فما عن سبيل المنية مذهب، ولا عن سيف الحمام مهرب، ولا إلى قصد النجاة مطلب. فيا أيها الإنسان المتسخط على الزمان، والدهر الخوان، مالك والخلود إلى دار الأحزان؟ والسكون إلى دار الهوان؟ وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن: (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلل والاكرام) (3). وفيم وحتام الشكاية والردى * جموح (4) لآجال البرية لاحق فكل ابن أنثى هالك وابن هالك * لمن ضمنته غربها والمشارق فلابد من إدراك ما هو كائن * ولابد من إتيان ما هو سابق فالشباب للهرم، والصحة للسقم، والوجود للعدم، وكل حي لا شك مخترم (5)، بذلك جرى القلم على صفحة اللوح في القدم، فما هذا التلهف والندم؟!
1. الفجر: 6 - 7. 2. في نسخة: " نتفانى ". 3. الرحمن: 26 - 27. 4. " جمح الرجل ": إذا ركب هواه. 5. اخترمته المنية: اخذته. 84 وقد خلت من قبلكم الأمم. أترجو نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق (1) سرورك موصول بفقدان لذة * ومن دون ما تهواه تأتي العوائق وحبك للدنيا غرور وباطل * وفي ضمنها للراغبين البوائق (2) أفي الحياة طمع؟ أم إلى الخلود نزع؟ أم لما فات مرتجع؟ ورحى المنون دائرة، وأفراسها غائرة، وسطواتها قاهرة، فقرب الزاد ليوم المعاد، ولا تتوط على غير مهاد، وتعمد للصواب، وحقق الجواب، فلكل أجل كتاب: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (3). فسوف تلاقي حاكما ليس عنده * سوى العدل لا يخفى عليه المنافق يميز أفعال العباد بلطفه * ويظهر منه عند ذاك الحقائق فمن حسنت أفعاله فهو فائز * ومن قبحت أفعاله فهو زاهق أين السلف الماضون؟ والأهل والأقربون؟ والأولون والآخرون؟ والأنبياء والمرسلون؟ طحنتهم والله المنون، وتوالت عليهم السنون، وفقدتهم العيون، وإنا إليهم لصائرون، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إذا كان هذا نهج من كان قبلنا * فإنا على آثارهم نتلاحق فكن عالما إن سوف تدرك من مضى * ولو عصمتك الراسيات الشواهق (4) فما هذه دار المقامة فاعلمن * ولو عمر الإنسان ما ذر شارق (5)
1. " رشقه بالسهم ": رماه. 2. " بأقه عليه ": الويل أصابه وفاجأه. 3. الرعد: 39. 4. " الرواسي الشواهق ": الجبال الثوابت المرتفعات. 5. " ذرت الشمس " - بالتشديد -: اطلعت الشارق، الشمس حين تشرق. 85 أين من شق الأنهار؟ وغرس الأشجار؟ وعمر الديار؟ ألم تمح منهم الآثار؟ وتحل بهم دار البوار؟ (1) فاخش الجوار، فلك اليوم بالقوم اعتبار، فإنما الدنيا متاع، والآخرة دار القرار. تخرمهم (2) ريب المنون فلم تكن * لتنفعهم جناتهم والحدائق ولا حملتهم حين ولوا بجمعهم * نجائبهم والصافنات السوابق وراحوا عن الأموال صفرا وخلفوا * ذخائرهم (3) بالرغم منهم وفارقوا (4) أين من بنى القصور والدساكر؟ وهزم الجيوش والعساكر؟ وجمع الأموال والذخائر؟ وحاز الآثام والجرائر (5)، أين الملوك والفراعنة؟ والأكاسرة والسياسنة (6)؟ أين العمال والدهاقنة؟ أين ذوو النواحي والرساتيق؟ والأعلام والمناجيق، والعهود والمواثيق. كأن لم يكونوا أهل عز ومنعة * ولا رفعت أعلامهم والمناجق ولا سكنوا تلك القصور التي بنوا * ولا أخذت منهم بعهد مواثق وصاروا قبورا دارسات وأصبحت * منازلهم تسفي عليها الخوافق ما هذه الحيرة والسبيل واضح! والمشير ناصح! والصواب لائح! عقلت فأغفلت، وعرفت فأنكرت، وعلمت فأهملت، هو الداء الذي عز دواؤه، والمرض الذي لا يرجى شفاؤه، والأمل الذي لا يدرك انتهاؤه، أفأمنت الأيام، وطول الأسقام، ونزول الحمام، والله يدعو إلى دار السلام!
1. " دار البوار ": جهنم. 2. " تخرمهم ": إنفصهم. 3. في نسخة: " ديارهم ". 4. في نسخة: " فارق ". 5. في نسخة: " الجوائز ". 6. في نسخة: " الغساسنة ". 86 لقد شقيت نفس تتابع غيها * وتصدف (1) عن إرشادها وتفارق وتأمل ما لا يستطاع بحمله * وتعصيك أن خالفتها وتشافق وتصغى إلى قول الغوي وتنثني * وتعرض عن تصديق من هو صادق فيا عاقلا راحلا، ولبيبا جاهلا، ومتيقظا غافلا، أتفرح بنعيم زائل، وسرور حائل، ورفيق خاذل، فيا أيها المفتون بعمله، الغافل عن حلول أجله، والخائض في بحار زلله، ما هذا التقصير؟ وقد وخطك القتير، ووافاك النذير، وإلى الله المصير. طلابك أمرا لا يتم سروره * وجهدك باستصحاب من لا يوافق وأنت كمن يبني بناء وغيره * يعاجله في هدمه ويسابق وينسج آمالا طوالا بعيدة * وتعلم أن الدهر للنسج خارق ليست الطريقة لمن ليس له الحقيقة، ولا يرجع إلى خليقة، إلى كم تكدح ولا تقنع؟ وتجمع ولا تشبع، وتوفر لما تجمع، وهو لغيرك مودع! ماذا الرأي العازب (2)، والرشد الغائب، والأمل الكاذب، ستنقل عن القصور وربات الخدور، والجذل والسرور، إلى ضيق القبور، ومن دار الفناء إلى دار الحبور (كل نفس ذائقة الموت... وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور) (3). فعالك هذي غرة وجهالة * وتحسب يا ذا الجهل أنك حاذق تظن بجهل منك إنك راتق (4) * وجهلك بالعقبى لدينك فاتق توخيك من هذا أدل دلالة * وواضح برهانا بأنك مائق (5)
1. " تصدف ": أي ينصرف ويهمل. 2. " العازب ": الكلاء البعيد المطلب. 3. آل عمران: 185. 4. " راتق ": يقال: راتق وفاتق، أي مصلح الأمر. 5. " المائق ": الأحمق الجاهل. 87 عجبا لغافل عن صلاحه، مبادرا إلى لذاته وأفراحه، والموت طريده في مسائه وصباحه، فيا قليل التحصيل، ويا كثير التعطيل، ويا ذا الأمل الطويل (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (1). بناؤك للخراب، ومالك للذهاب، وأجلك إلى اقتراب. وأنت على الدنيا حريص مكاثر * كأنك منها بالسلامة واثق تحدثك الأطماع أنك للبقاء * خلقت وإن الدهر خل موافق كأنك لم تبصر أناسا ترادفت * عليهم بأسباب المنون اللواحق هذه حالة من لا يدوم سروره، ولا تتم أموره، ولا يفك أسيره، أتفرح بمالك ونفسك، وولدك وعرسك، وعن قليل تصير إلى رمسك، وأنت بين طي ونشر، وغنى وفقر، ووفاء وغدر، فيا من القليل لا يرضيه، والكثير لا يغنيه، اعمل ما شئت إنك ملاقيه: (يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه). (2) سيقفر بيت كنت فرحة (3) للأهله * ويهجر مثواك الصديق المصادق وينساك من صافيته وألفته * ويجفوك ذو الود الصحيح الموافق على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة * وميت ومولود وقال ووامق أف لدنيا لا يرقى سليمها، ولا يصح سقيمها، ولا يندمل كلومها (4)، وعودها كاذبة، وسهامها صائبة، وآمالها خائبة، لا تقيم على حال، ولا تمتع بوصال، ولا تسر بنوال: وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تعبده أفعالها والطرائق يسر بها من ليس يعرف غدرها * ويسعى إلى تطلابها ويسابق إذا عدلت جارت على أثر عدلها * فمكروهة أفعالها (5) والخلائق
1. الفيل: 1. 2. عبس: 34 - 37. 3. في نسخة: " فرخا ". 4. " الكلوم ": الجرح. 5. في نسخة: " فمكر وهذا فعالها ". 88 فيا ذا السطوة والقدرة، والمعجب بالكثرة، ما هذه الحيرة والفترة، لك فيمن مضى عبرة، وليؤذن الغافلون عما إليه تصيرون، إذا تحققت الظنون، وظهر السر المكنون، وتندمون حين لا تقالون (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) (1). سيندم فعال على سوء فعله * ويزداد منه عند ذلك التشاهق (2) إذا عاينوا من ذي الجلال اقتداره * وذو قوة من كان قدما يداقق هنالك تتلو كل نفس كتابها * فيطفو ذو عدل ويرسب فاسق إلى كم ذا التشاغل بالتجارة والأرباح؟ وإلى كم ذا التهور بالسرور والأفراح؟ وحتام التغرير بالسلامة في مراكب النياح؟ من ذا الذي سالمه الدهر فسلم، ومن ذا الذي تاجر الزمان فغنم، ومن ذا الذي استرحم الأيام فرحم، اعتمادك على الصحة والسلامة خرق، وسكونك إلى المال والولد حمق، والاغترار بعواقب الأمور خلق، فدونك وحزم الأمور، والتيقظ ليوم النشور، وطول اللبث في صفحات القبور (فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (3). فمن صاحب الأيام سبعين حجة (4) * ولذاتها لا شك منه طوالق فعقبى حلاوات الزمان مريرة * وإن عذبت حينا فحينا خرابق (5) ومن طرقته الحادثات بويلها * فلابد أن تأتيه فيها الصواعق فما هذه الطمأنينة وأنت مزعج؟ وما هذه الولوج وأنت مخرج؟ جمعك إلى تفريق، ووفرك إلى تمزيق، وسعتك إلى ضيق. فيا أيها المفتون، والطامع بما لا يكون (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) (6).
1. المؤمنون: 15. 2. في نسخة: " التسابق ". 3. لقمان: 33. 4. أي سبعين سنة، ومنه قول الشاعر: وإن امرأ قد عاش ستين حجة * فلم يتزود للمعاد فجاهل 5. في نسخة: " خوانق ". 6. المؤمنون: 115. 89 ستندم عند الموت شر ندامة * إذا ضم أعضاك الثرى والمطابق وعانيت أعلام المنية والردى * ووافاك ما تبيض منه المفارق وصرت رهينا في ضريحك مفردا * وباعدك الجار القريب الملاصق فيا من عدم رشده، وجار قصده، ونسي ورده، إلى متى تواصل بالذنوب؟ وأوقاتك محدودة، وأفعالك مشهودة، أفتعول على الاعتذار، وتهمل الأعذار والإنذار، وأنت مقيم على الإصرار (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) (1). إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وأبلس محجاج وأخرس ناطق وأججت النيران واشتد غيضها * إذا افتتحت أبوابها والمغالق وقطعت الأسباب من كل ظالم * يقيم على اصراره وينافق فقدم التوبة، واغسل الحوبة (2)، فلابد أن تبلغ بك النوبة، وحسن العمل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، فكل غائب قادم، وكل غريب عازم (3)، وكل مفرط نادم. فاعمل للخلاص قبل القصاص، والأخذ بالنواص. فإنك مأخوذ بما قد جنيته * وإنك مطلوب بما أنت سارق وذنبك إن أبغضته فمعانق * ومالك إن أحببته فمفارق فقارب وسدد واتق الله وحده * ولا تستقل الزاد فالموت طارق (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (4). (5)
1. إبراهيم: 42. 2. الحوبة: " الإثم ". 3. في نسخة: " غارم ". 4. البقرة: 281. 5. معالم العبر في استدراك البحار، السابع عشر، ص 275 ط قديم للنوري، قال: حدث شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل، عن عبد الجبار الهاشمي، عن أبي عيينة، عن الزهري، عنه (عليه السلام) قال: كان...، نقل عنه الشيخ المحمودي في نهج السعادة، ج 7، ص 63. 90 (ومن كلام له (عليه السلام)) (في ذكر وقعة الطف المؤلمة) إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي (عليه السلام)، وقتل من كان معه من ولده واخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري، واشتد لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليه السلام). فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك، يا بقية جدي وأبي وأخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع (1)، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي، وولد عمتي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعرى، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟! فقالت: لا يجزعنك ما ترى، فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جدك وأبيك وعمك. ثم أخبر الإمام (عليه السلام) لزائدة بن قدامة - راوي الخبر - الحديث الطويل، ناقلا عن عمته زينب الكبرى (عليها السلام). تركناه لأجل خروجه عن نطاق كتابنا. قال زائدة: قال الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) بعد أن حدثني بهذا الحديث: خذه إليك، أما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا. (2)
1. " أهلع ": بمعنى أجزع. 2. كامل الزيارات، ص 261؛ عنه بحار الأنوار، ج 45، ص 179. كناية عن شدة المسير، وجاء هذا التعبير عن جده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قال: " خمس لو ضربتم إليها آباط الإبل كن لذلك أهلا... "، كامل الزيارات، ص 260، ط النجف؛ بحار الأنوار، ج 1، ص 238، ط قديم؛ وزائد بن قدامة من الرواة الموثقين، ذكره الشيخ الطوسي في رجاله، ص 123، ط النجف، وصاحب تنقيح المقال، ج 2، ص 20، ط النجف. 91 (ومن كلام له (عليه السلام)) (كان يقوله في أسر بني أمية له) أيها الناس، إن كل صمت ليس فيه فكر فهو عي، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو هباء، ألا وإن الله تعالى أكرم (1) أقواما بآبائهم، فحفظ الأبناء بالآباء لقوله تعالى: (وكان أبوهما صلحا) (2) فأكرمهما، ونحن والله عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأكرمونا (3) لأجل رسول الله؛ لأن جدي رسول الله كان يقول في منبره: " احفظوني في عترتي، وأهل بيتي، فمن حفظني حفظه الله، ومن آذاني فعليه لعنة الله. ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ". حتى قالها ثلاث مرات. ونحن والله أهل بيت أذهب الله عنا الرجس، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونحن والله أهل بيت اختار الله لنا الآخرة، وزوى عنا الدنيا ولذاتها، ولم يمتعنا بلذاتها. (4) (ومن كلام له (عليه السلام)) (في بيان ما جرى عليه وعلى بقية العترة من المصائب والهوان) (بعد ما قال له منهال: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟) فقال (عليه السلام): كيف حال من أصبح وقد قتل أبوه، وقل ناصره؟ وينظر إلى حرم من حوله أسارى، قد فقدوا الستر والغطاء، وقد أعدموا الكافل والحمى، فما تراني إلا أسيرا ذليلا، قد عدمت الناصر والكفيل، قد كسيت أنا وأهل بيتي ثياب
1. في بعض المصادر " ذكر " بدل " أكرم ". 2. الكهف: 82. 3. في بعض المصادر: " فاحفظونا ". 4. منتخب الطريحي، ص 236. 92 الأسى، وقد حرمت علينا جديد العرى، فإن تسأل فها أنا كما ترى، قد شمتت فينا الأعداء، ونترقب الموت صباحا ومساء. ثم قال (عليه السلام): قد أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) منهم، وأصبحت قريش تفتخر على سائر الناس، بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) منهم، ونحن أهل بيته أصبحنا مقتولين مظلومين! قد حللت بنا الرزايا، نساق سبايا، ونجلب هدايا! كأن حسبنا من أسقط الحسب! ونسبنا من أرذل النسب! كأن لم نكن على هام المجد رقينا، وعلى بساط جليل سعينا، وأصبح الملك ليزيد - لعنه الله - وجنوده، وأصبحت بنو المصطفى (صلى الله عليه وآله)، من أدنى عبيده. (1) (ومن خطبة له (عليه السلام)) (في الإحتجاج على أهل الكوفة، وفيها بيان غدرهم) قال حذيم (2) بن شريك الأسدي: خرج زين العابدين (عليه السلام) إلى الناس، وأومئ إليهم أن اسكتوا فسكتوا - وهو قائم -، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين، المذبوح بشط الفرات من غير ذحل (3) ولا ترات، أنا ابن من أنتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا (4)، وكفى بذلك فخرا. أيها الناس، ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه! وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة! وقاتلتموه وخذلتموه، فتبا لكم ما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي؟!
1. مقتل الحسين، أبو مخنف، ص 217. 2. في نسخة: " حذام ". 3. " الذحل ": الثار، و " الترات " - جمع ترة، وهي أيضا -: الثار. 4. " قتلته صبرا ": وكل ذي روح يوثق حتى يقتل، فقد قتل صبرا. كما في المصباح المنير للفيومي. 93 قال: فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية بالبكاء والعويل، وجعل يدعو بعضهم بعضا: " هلكتم وما تعلمون! ". فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله، وفي أهل بيته، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا بن رسول الله، سامعون مطيعون، حافظون لدمائك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك رحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذه ترت وترتنا عمن ظلمك وظلمنا (1)، وبرء منه. فقال علي بن الحسين (عليه السلام): هيهات هيهات أيتها الغدرة المكرة! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل، كلا ورب الراقصات (2) إلى منى، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم يأنس (فلم ينسني) ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين شق لهازمي (3) ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش (4) صدري، ومسألتي ألا تكونوا لنا ولا علينا، ثم قال: لا غرو إن قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين وأكرما فلا تفرحوا يا آل كوفان بالذي * أصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشط النهر نفسي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما ثم قال: رضينا منكم رأسا برأس، فلا يوم لنا، ولا يوم علينا. (5)
1. في نسخة: بريئون ممن ظلمك وظلمنا. 2. " الراقصات ": هي الأجمال - جمع جمل - التي تركض. 3. في نسخة: ثكل أبي ووجده بين لهاتي. 4. " الفراش ": كل عظم رقيق يقال: " فراش "، وفراشة كسحاب وسحابة. 5. الاحتجاج، ج 2، ص 27؛ اللهوف على قتلى الطفوف، ص 68؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 382؛ بحار الأنوار، ج 4، ص 113. 94 (ومن خطبة له (عليه السلام)) (ذم بها يزيد بن معاوية حين دخل عليه) وذلك لما قال له: كيف رأيت يا علي بن الحسين؟ قال: رأيت ما قضاه الله U قبل أن يخلق السماوات والأرض. فشاور يزيد جلساءه في أمره، فأشاروا بقتله، وقالوا له: لا نتخذ من كلب سوء جروا! فابتدر أبو محمد الكلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا يزيد، لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى وهارون، فإنهم قالوا له: (أرجه وأخاه) (1). وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا، ولهذا سبب. فقال يزيد: وما السبب؟ فقال (عليه السلام): إن أولئك كانوا الرشدة (2)، وهؤلاء لغير رشدك. ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلا أولاد الأدعياء. فأمسك يزيد مطرقا. (3) (ومن خطبة له (عليه السلام)) (في الشام) وتجمع هذه الخطبة من فضائله ومناقبه ما لا تجمعها خطبة غيرها، لما أمر يزيد بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ الحسين وأبيه علي (عليهما السلام)، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وأكثر الوقيعة في علي والحسين (عليهما السلام)،
1. الأعراف: 7. 2. الرشدة بالفتح والكسر ثم السكون: ضد الزينة: يقال ولد لرشدة. 3. إثبات الوصية، ص 182. 95 وأطنب (1) في تقريظ معاوية بن يزيد عليهما اللعنة. فصاح به علي بن الحسين (عليهما السلام): " ويلك أيها الخاطب! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوأ مقعدك من النار "، ثم قال: " يا يزيد، ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد (2)، فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجلساء أجر وثواب ". فأبى يزيد. فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد، فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال لهم: إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. فقالوا: وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال له: إنه من أهل بيت قد زقوا (3) العلم زقا، ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود. فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها: أيها الناس، أعطينا ستا، وفضلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة، والفصاحة والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين (4)، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد (صلى الله عليه وآله)، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا
1. أي أطال. 2. عبر الإمام (عليه السلام) بالأعواد ولم يقل بالمنبر؛ لأن المنبر محل شريف، ومكان رفيع، لا يجلس عليه إلا أولياء الله، وعباده الصالحون، لا أمثال يزيد ومعاوية - لعنهما الله -، ومرتزقتهما المنبوذين، ومن لف لفهما. 3. " زق الطير ": وضع الطعام في فمه. وهذا مثل قوله: " غر الطائر فرخه، يغره غرارا "، أي زقه. وفي حديث معاوية قال: " كان النبي (صلى الله عليه وآله) يغر عليا العلم "، أي يلقمه إياه. وفي حديث علي (عليه السلام): " من يطع الله يغره، كما يغر الغراب بجه ": أي فرخه. وفي حديث ابن عمر، وذكر الحسن والحسين (عليه السلام) فقال: " إنما كانا يغران العلم غرا "، و " الغر ": اسم ما زقته به، وجمعه غرور. (لسان العرب، ص 18، ج 5، ط بيروت). 4. إشارة إلى هذه الآية: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) (سورة مريم، الآية 96)، إنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال السجستاني في غريب القرآن، ص 255، ط مصر: قال أبو عمرو: قال ابن عباس: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) - لما سئل عن هذه الآية - وقال: ما من مسلم إلا ولعلي في قلبه محبة. 96 سيدة نساء العالمين فاطمة البتول (1)، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة، فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي؛ أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة (2) بأطراف الرداء وأعطاها إلى الفقراء والمساكين، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حج ولبى، أنا ابن من حمل على البراق (3) في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسري! أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلى، فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى (4)، أنا ابن من صلى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى
1. سئل الرسول (صلى الله عليه وآله): ما البتول؟ فإنا سمعناك تقول: إن مريم بتول، وإن فاطمة بتول. فقال: البتول، التي لم تر حمرة قط، ولم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء. (روضة الواعظين، الفتال الشهيد (رحمه الله)) 2. في أكثر النسخ: " حمل الركن بأطراف الرداء "، وهو الصحيح، لتكون إشارة إلى ما اشتهر عند المؤرخين من أن الكعبة قد تهدمت بالسيل قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) في سنة خمس وثلاثين من عام الهجرة أو غيره، فاجتمعت القبائل لبنائها، وعندما أرادوا وضع الحجر في موضعه على الركن، تنازعوا بينهم فيمن ينصبه؟ ويكتسب ذاك الشرف العظيم، وكاد أن يقع بينهم قتال كبير، لكنهم اتفقوا أخيرا على أن يتحاكموا إلى أول من يدخل المسجد ذلك الحين، فدخل محمد (صلى الله عليه وآله) فقالوا: " جاء الأمين "، فتحاكموا إليه، فنزع ردائه (صلى الله عليه وآله) وبسطه على الأرض، ورفع الحجر فوضعه في الرداء، وأمر أن يأخذ كل رئيس قبيلة بطرف من أطراف الرداء، ويحمله إلى قرب البيت، فحملوه فتقدم (صلى الله عليه وآله) وأخذ الحجر بنفسه، ونصبه في موضعه من الكعبة، وبذلك اكتسب (صلى الله عليه وآله) العظمة لنفسه، والقى التعب والثقل عن رؤساء القبائل، وقطع النزاع، وأخذ الفتنة. ملخص من تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 113، ط النجف، وتاريخ مكة، الأرزقي، ج 1، ص 103. 3. " البراق ": دابة نحو البغل، كان يركبه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عند العروج إلى السماء. (مجمع البحرين؛ الموسوعة العربية الميسرة، جماعة من كبار المصريين، ص 337، ط مصر). 4. إشارة إلى الآية في سورة النجم: (ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى). قيل: إن المراد من القوسين طرفي القوس، وقيل: المراد من القوس ما يقاس به الشيء، والمقصود مقدار ذراعين، يقال: " قاس الشيء بقوسه، إذا قدره "، وألقاب: هو القدر. 97 قالوا: " أشهد أن لا إله إلا الله ". أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفين، وطعن برمحين (1)، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين (2)، وصلى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين، من آل يس، ورسول رب العالمين. أنا ابن المؤيد بجبرائيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (3)، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب واستجاب لله من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة
1. يحتمل أن يكون كناية عن نوعين من الجهاد، الأول في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، والثاني بعده، كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): " يا علي، ستقاتل بعدي على التأويل، كما تقاتل على التنزيل "، أو كان (عليه السلام) في شدة الحرب يقاتل بسيفين، أو رمحين، بيده اليمنى واليسرى. 2. الهجرة الأولى إلى شعب أبي طالب (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله)، والثانية من المكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وهي مبدأ التاريخ الرسمي للمسلمين، والبيعة الأولى هي بيعته (عليه السلام) من بين عشيرته في ابتداء دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) لعشيرته، والثانية هي بيعة الرضوان. 3. قال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج في بيان معنى كلام الإمام (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية حيث يقول: " فلما نهضت بالأمر، نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون " قال: فأما الطائفة الناكثة، فهم أصحاب الجمل. وأما طائفة القاسطين فأصحاب صفين، وسماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) القاسطين. وأما طائفة المارقة فأصحاب النهروان. وأشرنا نحن بقولنا: " سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) القاسطين " إلى قوله (صلى الله عليه وآله): " ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين "، وهذا الخبر من دلائل نبوته (صلى الله عليه وآله)؛ لأنه إخبار صريح بالغيب، لا يحتمله التمويه والتدليس، كما تحتمله الأخبار المحملة، وصدق قوله (صلى الله عليه وآله): والمارقين أولا في الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وصدق قوله: " الناكثين ". كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، وقد كان (عليه السلام) يتلو وقت مبايعتهم له: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (سورة الفتح، الآية 10). وأما أصحاب صفين فإنهم عند أصحابنا مخلدون في النار؛ لفسقهم، فصح فيهم قوله تعالى: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (الجن، الآية 72). 98 العابدين (1)، وناصر دين الله، وولي أمر الله، وبستان (2) حكمة الله، وعيبة (3) علم الله، سمح سخي، بهلول زكي، أبطحي رضي، مرضي مقدام، همام صابر صوام، مهذب قوام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرق الأحزاب، أربطهم جنانا، وأطلقهم عنانا، وأجرأهم لسانا، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة (4)، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة، وقربت الأعنة، طحن الرحى، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق (5)، الإمام بالنص والاستحقاق، مكي مدني، أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري. من العرب سيدها، ومن الوغى (6) ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين، الحسن والحسين، مظهر العجائب، ومفرق الكتائب (7)، والشهاب الثاقب، والنور العاقب (8)، أسد الله الغالب، مطلوب كل طالب، غالب كل غالب، ذاك جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام). أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة (9) الرسول. قال: ولم يزل يقول: " أنا أنا " حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن، فقطع عليه الكلام وسكت، فلما قال المؤذن: " الله أكبر " قال علي بن الحسين: كبرت كبيرا لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شئ أكبر من الله، فلما قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " قال علي (عليه السلام) شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعظمي، فلما قال: " أشهد
1. في نسخة: " لسان حكمة رب العالمين ". 2. في نسخة " لسان " بدل " بستان ". 3. " العيبة ": موضع السر. 4. " الشكيمة ": الانتصار من الظلم. 5. " كبش العراق ": رئيسهم وسيدهم، وكبش الكتيبة: قائدها. (لسان العرب، ج 6، ص 328) 6. في نسخة " العجم " بدل " الوعي ". 7. " الكتائب ": جمع مفرده كتيبة، وهي القطعة من الجيش. 8. في نسخة " الغالب " بدل " العاقب ". 9. " البضعة " - بالفتح والكسر -: قطعة من اللحم. 99 أن محمدا رسول الله "، التفت علي من على المنبر إلى يزيد وقال: يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت، وإن قلت: إنه جدي، فلم قتلت عترته؟ قال: وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة، فتقدم يزيد وصلى صلاة الظهر. (1) قلت: وخطبة الإمام (عليه السلام) في مجلس الطاغي يزيد بن معاوية كانت متممة لنهضة والده أبى الشهداء الحسين بن على (عليه السلام) وأنها أبانت فشل يزيد أمام التاريخ، والأجيال القادمة، ما كر الجديدان واختلف الملوان. (2) (ومن كلام له (عليه السلام)) (ليزيد بن معاوية وتوبيخه على شنائع أفعاله) وذلك لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد، وفيها رأس الحسين (عليه السلام)، قال يزيد: نفلق (3) هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما (4) ثم قال لعلي بن الحسين (عليهما السلام): يا بن حسين، أبوك قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني في سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت. فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم
1. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، ص 76؛ مثير الأحزان، ص 102؛ اللهوف على قتلى الطفوف، ص 82؛ الفتوح، ج 1، ص 247؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 137. 2. ويقول العلامة القرشي في الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ج 1، ص 8: أما خطاب الإمام زين العابدين (عليه السلام) في بلاط يزيد بن معاوية، فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام، وأنه من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة، التي لم يعرف التاريخ مثيلا في دنيا الشجاعة والبطولات... 3. نفلق: أي نشق. 4. يقول الجوالقي: اختال بالكبر على ربه يقرع بالعود ثناياه بحيث قد كان نبي الهدى يلثم في قبلته فاه 100 إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (1). فقال لابنه: أردد عليه، فلم يدر خالد ما يرد عليه، فقال يزيد: قل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) (2). فقال (عليه السلام): (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (3)، ثم قال: يا بن معاوية وهند وصخر، لم تزل النبوة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد، ولقد كان جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في يوم بدر، وأحد والأحزاب في يده راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبوك وجدك في أيديهم رايات الكفار، ثم أنشد (عليه السلام): ماذا تقولون إذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم ثم قال (عليه السلام): ويلك يا يزيد! إنك لو تدري ماذا صنعت؟! وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي، وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس ابن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم، وهو وديعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأبشر بالخزي والندامة، غدا إذا اجتمع الناس ليوم القيامة. (4)
1. الحديد: 22. 2. الشورى: 30. 3. الزمر: 42. 4. الارشاد، ج 1، ص 119؛ وقعة الطف، ص 271؛ الفتوح، ج 1، ص 243. مرحوم نير تبريزي مي گويد: خواجة سجاد، سبط مستطاب * كرد با آن دل سيه، روى عتاب گفت: ويحك أي سيه بخت جهول * هين! گمانت چيست در حق رسول؟ گر بدانستى چه كردي از جفا * با سليل دودمان مصطفى مى گرفتى راه دشت وكوه، پيش * مى گرستى روز وشب بر حال خويش ريختى غم خاك عالم بر سرت * بود بالين، توده خاكسترت باش تا در موقف يوم النشور * آيدت پيش، آنچه كردى از غرور 101 (ومن خطبة له (عليه السلام)) (في الشام - نسخة أخرى) لما أنه (عليه السلام) سأل يزيد أن يخطب يوم الجمعة، فقال: نعم. فلما كان يوم الجمعة، أمر ملعونا أن يصعد المنبر، ويذكر ما جاء على لسانه من المساوئ في علي والحسين (عليهما السلام)، ويقرر الثناء والشكر على الشيخين. فصعد الملعون المنبر وقال ما شاء من ذلك. فقال الإمام (عليه السلام): ائذن لي حتى أخطب أنا أيضا، فندم يزيد على ما وعده من أن يأذن له، فلم يأذن له، فشفع الناس فيه، فلم يقبل شفاعتهم، ثم قال معاوية ابنه - وهو صغير السن -: يا أباه ما يبلغ خطبته، ائذن له حتى يخطب. قال يزيد: أنتم في أمر هؤلاء في شك أنهم ورثوا العلم والفصاحة، وأخاف أن يحصل من خطبته فتنة علينا وبالها، ثم أجازه، فصعد (عليه السلام) المنبر وقال: الحمد لله الذي لا بداية له، والدائم الذي لا نفاذ له، والأول الذي لا أول لأوليته، والآخر الذي لا آخر لآخريته، والباقي بعد فناء الخلق، قدر الليالي والأيام، وقسم فيما بينهم الأقسام، فتبارك الله الملك العلام. (وساق (عليه السلام) الخطبة إلى أن قال): إن الله تعالى أعطانا العلم والحلم، والشجاعة والسخاوة، والمحبة في قلوب المؤمنين، ومنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه، وسيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، وسبطا هذه الأمة، والمهدي الذي يقتل الدجال. أيها الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بحسبي ونسبي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن (1) بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من
1. سبق في شرح الخطبة السابقة تفسير حمل الركن. 102 حج ولبى، أنا ابن من أسري به إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به إلى سدرة المنتهى (1)، أنا ابن من دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سدرة المنتهى، أنا ابن شجرة طوبى، أنا ابن المرمل بالدماء، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء، أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهواء. فلما بلغ كلامه (عليه السلام) إلى هذا الموضع، ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة، فقام المؤذن وقال: " الله أكبر الله أكبر "، فقال الإمام (عليه السلام): " نعم، الله أكبر وأعلى وأجل، وأكرم مما أخاف وأحذر ". فلما قال: " أشهد أن لا إله إلا الله "، قال (عليه السلام): " نعم، أشهد مع كل شاهد، وأحتمل على كل جاحد أن لا إله غيره، ولا رب سواه ". فلما قال: " أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) "، أخذ عمامته من رأسه وقال للمؤذن: " أسألك بحق محمد هذا، أن تسكت ساعة "، ثم أقبل على يزيد وقال: " يا يزيد، هذا الرسول العزيز الكريم، جدي أم جدك؟ فإن قلت: إنه جدك، يعلم العالمون إنك كاذب، وإن قلت: إنه جدي، فلم قتلت أبي ظلما، وانتهبت ماله، وسبيت عياله ". فقال (عليه السلام) هذا، وأهوى إلى ثوبه فشقه. ثم بكى وقال: " والله، لو كان في الدنيا من جده رسول الله فليس غيري، فلم قتل هذا الرجل أبي ظلما؟! وسبانا كما تسبى الروم! ". ثم قال: " يا يزيد، فعلت هذا ثم تقول: محمد رسول الله، وتستقبل القبلة! فويل لك من يوم القيامة حيث كان خصمك جدي وأبي! ". فصاح يزيد بالمؤذن أن يقيم بالصلاة، فوقع بين الناس دمدمة وزمزمة عظيمة، فبعض صلى، وبعضهم لم يصل حتى تفرقوا. (2)
1. هي مقام في يمين العرش، ينتهي إليها علوم الناس، كما جاءت به النصوص الواردة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وقيل: ينتهي إليها علم الملائكة. 2. كامل بهائي، ج 2، ص 299، نقل عنه في نفس المهموم، ص 410. 103 (ومن خطبة له (عليه السلام)) (في الشام أيضا في نسخة أخرى) بعد أن صعد الخطيب المنبر، فخطب ونزل، فتكلم الإمام معه فاعتذر. ثم صعد الإمام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه. وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، فأنا علي بن الحسين بن علي المرتضى - صلوات الله عليه وسلامه -، أنا ابن من حج ولبى، أنا ابن من طاف وسعى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن فاطمة الزهراء. أنا ابن المذبوح من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن من منعوه عن الماء وأحلوه على سائر الورى، أنا ابن محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن من راحت أنصاره تحت الثرى، أنا ابن من غدت حريمه أسرى، أنا ابن من ذبحت أطفاله من غير سوء، أنا ابن من أضرم الأعداء في خيمته لظى، أنا ابن من أضحى صريعا بالعرى (1)، أنا ابن من لا له غسل ولا كفن يرى، أنا ابن من رفعوا رأسه على القنا، أنا ابن من هتك حريمه بأرض كربلاء، أنا ابن من جسمه بأرض ورأسه بأخرى، أنا ابن من لا يرى حوله غير الأعداء، أنا ابن من سبيت حريمه وإلى الشام تهدى، أنا ابن من لا ناصر له ولا حمى. ثم بكى وقال: أيها الناس، قد فضلنا الله بخمس خصال: فينا والله مختلف الملائكة، ومعدن الرسالة، وفينا نزلت الآيات، ونحن قدنا العالمين للهدى، وفينا الشجاعة فلم نخف بأسا، وفينا البراعة والفصاحة، إذا افتخر الفصحاء، وفينا الهدى إلى سواء السبيل، والعلم لمن أراد أن يستفيد علما، والمحبة في قلوب المؤمنين من الورى، ولنا الشأن الأعلى في الأرض والسماء، ولولانا ما خلق الله الدنيا، وكل فخر دون فخرنا يهوى، ومحبنا يسقى، ومبغضنا يوم القيامة يشقى.
1. في نسخة " بالنقي ". وفي نسخة: " الثرى ". 104 فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب، وعلت الأصوات، فخاف يزيد الفتنة، فأمر المؤذن أن يقطع عليه خطبته (1)، فصعد المنبر وأذن، وقال: الله أكبر، قال الإمام (عليه السلام): " كبرت تكبيرا، وعظمت تعظيما وقلت حقا "، ثم قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الإمام: " أشهد بها مع كل شاهد، وأقر بها مع كل جاحد ". ثم قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الإمام بعد أن بكى بكاء عاليا: " يا يزيد، أسألك بالله، محمد جدي أم جدك؟ ". فقال يزيد: بل جدك، فقال الإمام: " فلم قتلت أهل بيته؟ وقتلت أبي، وأيتمتني على صغر سني؟ " فما أجابه، ورجع إلى محله، وقال: ليس لي حاجة بالصلاة. (2) أقول: كررت هذه الخطبة للاختلاف الكثير فيها، بحيث يستقل كل واحد منها أن تكون رأسا بعينها، والمسك ما كررته يتضوع. (ومن خطبة له (عليه السلام)) (لما وصل إلى المدينة فأومأ بيده أن اسكتوا، فسكنت فورتهم) فقال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظام الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة (3)، الفادحة الجائحة (4). أيها القوم - الناس -: أن الله تعالى - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) وعترته، وسبي نساؤه وصبيته،
1. في نسخة هكذا: " ولما سمع يزيد هذه الكلمات من الإمام، غضب غضبا شديدا، بعد أن توجه قلوب الناس إليه، ثم أمر المؤذن أن يقطع خطبته ". 2. مقتل أبي مخنف، ص 214. 3. " كظه الأمر كظا ": كربه وجهده. 4. " الجائحة ": كل مصيبة عظيمة. 105 وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل (1) السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية. أيها الناس، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضن (2) عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله! وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان في لجج البحار، والملائكة المقربون، وأهل السماوات أجمعون. يا أيها الناس، أي قلب لا ينصدع (3) لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت (4) في الإسلام ولا يصم؟ أيها الناس، أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين (5) عن الأمصار، كأننا أولاد ترك أو كابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلا اختلاق (6)، والله لو كان النبي (صلى الله عليه وآله) تقدم إليهم في قتالنا، كما تقدم إليهم في الوصاية بنا، لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها، وأفجعها وأكظها، وأفظعها وأمرها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا، وما بلغ بنا، فإنه عزيز ذو انتقام. (7) وقد تم ما تيسر لي جمعه من خطبه وكلامه (عليه السلام)، وهو آخر الباب الأول، فلنشرع في الباب الثاني من كتبه ورسائله إلى أوليائه وأعدائه.
1. في نسخة " عالي " بدل " عامل ". 2. " تضن ": تبخل. 3. " انصدع ": انشق. 4. " الثلمة " - بالضم -: في الحائط ونحوه الخلل، محل الكسر من المكسور. 5. " مذودين ": مطرودين، و " شاسعين ": مبعدين. 6. " اختلق الكذب ": افتراه، مأخوذ من هذه الآية في سورة ص: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلق). 7. اللهوف على قتلى الطفوف، ص 228؛ عنه بحار الأنوار، ج 45، ص 146؛ نفس المهموم، ص 427؛ الخصائص الحسينية، ص 132، ط قديم. 106 الباب الثاني: في كتب ورسائل الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) لأوليائه وأعدائه
107 بسم الله الرحمن الرحيم (كتابه (عليه السلام) إلى أصحابه يذكرهم بالموعظة والحكمة) عن أبي حمزة الثمالي قال: كتب الإمام السجاد (عليه السلام) إلى أصحابه: بسم الله الرحمن الرحيم، كفانا الله وإياكم كيد الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبارين. أيها الناس، مصيبتكم (1) الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها، وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا، واحذروا ما حذركم الله منها، وأزهدوا فيما زهدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها قرار، ومنزل استيطان (2)، والله إن لكم مما فيها عليها دليلا من زينتها، وتصرف أيامها، وتغير انقلابها، وسيلانها ومثلاتها (3)، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل (4)، وتضع الشريف، وتورد النار أقواما غدا، ففي هذا معتبر ومختبر، وزاجر لمنتبه، وإن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات (5) الفتن،
1. في بعض المصادر " لا يفتننكم " بدل " مصيبتكم ". 2. في بعض المصادر: " من أعدها دارا وقرارا ". 3. " المثلات ": العقوبات. 4. " الخامل " - من الرجال -: الساقط الذي لا نباهة له. 5. في بعض المصادر: " مظلمات ". 109 وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان، ليذر القلوب (1) عن تنبيهها، وتذهلها عن موجود الهدى، ومعرفة أهل الحق، إلا القليل ممن عصم الله - جل وعز -، وليس يعرف تصرف أيامها، وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها، إلا من عصمه الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك سبيل (2) القصد، ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا، وتجافى عن لذاتها، ورغب في نعيم دار الآخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ (3) الحياة مع القوم الظالمين. فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة (4)، حديدة النظرة، وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور ملوك الظلمة، فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي، والفساد في الأرض بغير الحق، فاستعينوا بالله، وارجعوا إلى طاعته، وطاعة من هو أولى بالطاعة، ممن اتبع فأطيع، فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة، والقدوم على الله، والوقوف بين يديه، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم، وساء مصيرهم، وما العز (5) بالله والعمل بطاعته إلا ألفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له، ورغبوا إليه، وقد
1. في بعض المصادر " لتثبط القلوب "، وفي نسخة " لتثبط التثبيط ": التعويق والشغل عن المراد. 2. في بعض المصادر: " طريق ". 3. شنأ الحياة: أي أبغضها. 4. في بعض النسخ " بعين قرة "، يقال " قرت قرة " بضم القاف وفتحها، و " قرورة عينه " بردت سرورا أو جف دمعها، ورأت ما كانت متشوقة له، فحص قرير العين، وعينه قريرة. (القاموس وتاج العروس) 5. في بعض المصادر: " العلم بدل العز ". 110 قال الله: (إنما يخشى الله من عباده العلماؤا) (1)، فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، واغتنموا أيامها، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله، فإن ذلك أقل للتبعة، وأدنى من العذر، وأرجى للنجاة، فقدموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم، من طاعة الطواغيت، وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته، وطاعة أولي الأمر منكم. واعلموا أنكم عبيد الله، ونحن معكم، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا، وهو موقفكم ومسائلكم، فعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة، والعرض على رب العالمين: يومئذ (لا تكلم نفس إلا بإذنه) (2) واعلموا إن الله لا يصدق يومئذ كاذبا، ولا يكذب صادقا، ولا يرد عذر مستحق، ولا يعذر غير معذور، بل لله الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل. فاتقوا الله عباد الله، واستقبلوا من اصلاح أنفسكم وطاعة الله، وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما وقد ندم على ما قد فرط بالأمس في جنب الله، وضيع من حق الله، واستغفروا الله وتوبوا إليه، فإنه يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما تفعلون. وإياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا من فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم، واعلموا أنه من خالف أولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبد بأمره دون أمر ولي الله، كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا، وقد غابت عنها أرواحها، غلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار. (3) فاعتبروا يا أولي الأبصار، واحمدوا الله على ما هداكم، واعلموا أنكم
1. فاطر: 28. 2. هود: 105، والآية هكذا: يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد. 3. قال المجلسي في مرآة العقول، ج 4، ص 253: بأن المراد أنهم موتى في دار الدنيا بالغفلة عما يراد بهم، فلا يجدون حر نار والسخط والخذلان، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض ذلك. 111 لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة، وتأدبوا بآداب الصالحين. (1) (كتابه (عليه السلام)) (إلى محمد بن مسلم الزهري (2) يعظه) كفانا الله وإياك من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وعرفك من سنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، فرضى (3) لك في كل نعمة أنعم بها عليك، وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك، وأبدى فيك فضله عليك، فقال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). (4) فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله، فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير، وراضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات! ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال تعالى: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه). (5)
1. الأمالي، المفيد، ص 200؛ الكافي، ج 8، ص 15؛ تحف العقول، ص 252. 2. الزهري بالضم والسكون الفقيه التابعي المدني، وقد ذكره علماء الجمهور وأثنوا عليه كما في الكنى وألقاب ج 2 ص 27 ط صيدا للمحدث القمي، وأما علماؤنا فقد ضعفوه ولم يقيموا له وزنا، ويقول الحائري في منتهى المقال في ترجمته: لا ريب في عداوته ونصبه لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقال المقرم في الإمام زين العابدين (عليه السلام) ومن جميع ما تقدم جزم شيخنا المامقاني في التنقيح بتلونه وعدم استقامة رأيه، ولد سنة 58 وتوفي سنة 1204. 3. في نسخة: " وفرض ". 4. إبراهيم: 7. 5. آل عمران: 187. 112 واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخف ما احتملت، أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دعيت. فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا، ولم ترد باطلا حين أدناك، وأحببت من حاد الله. أو ليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطبا أداروا بك رحا مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم، إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا، فكيف ما خربوا عليك، فانظر لنفسك، فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه، صغيرا كان أو كبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) (1) إنك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت بالرحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس لمن يموت، وتبقى ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت، إنك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسب إني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب (2) من دينك، وذكر قول الله تعالى
1. الأعراف: 169. 2. " عزب ": بعد وغاب. 113 في كتابه: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (1). أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب. أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه، وعلمت شيئا جهلوه، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة، وكلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا، وإن حرمت حرموا، وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحب الرئاسة، وطلب الدنيا منك ومنهم، أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك، وهو المستعان. أما بعد، فاعرض عن كلما فيه أنت، حتى تلحق بالصالحين، الذين دفنوا في أسمالهم (2)، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا، ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك، ورسوخ عملك (3)، وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه؟! الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله، إنا لله وإنا إليه راجعون، على من المعول به؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثنا (4) وما نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك! فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وكيف أعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا؟ وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا؟
1. الذاريات: 55. 2. " السمل ": الثوب الخلق البالي، جمعه أسمال. 3. في نسخة: " عقلك ". 4. " البث ": أشد الحزن. 114 ما لك لا تنتبه من نعستك! وتستقيل من عثرتك فتقول: " والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا، أو أمت له فيه باطلا "، فهذا شكرك لمن استحملك! ما أخوفني أن تكون كمن قال الله في كتابه: (أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) (1) استحملك كتابه! واستودعك علمه فاضعتها! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام. (2) (كتابه (عليه السلام)) (لرجل بعدما كتب إليه: يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة) بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه من طلب رضا الله بسخط الناس، كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، وكله إلى الناس، والسلام. (3) قلت: وروي هذا عن أبيه أبي الشهداء الحسين (عليه السلام) كما في بلاغة الحسين (عليه السلام)، ص 104، عن البحار. (كتابه (عليه السلام)) (إلى عبد الملك بن مروان جوابا) وذلك أن أم زين العابدين (عليه السلام) زوجها (4) بعد أبيه بزيد مولى أبيه، وأعتق جارية
1. مريم: 59. 2. تحف العقول، ص 274؛ عنه بحار الأنوار، ج 78، ص 132. 3. الاختصاص، ص 225 للمفيد، روضة الواعظين، ص 443؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 208. ناسخ التواريخ، ج 1، ص 278 من أحواله (عليه السلام)، ط قم، عن الأمالي، وقريب من هذا الكلام كلام جده النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من انقطع إلى الله، كفاه الله كل مؤنة، ومن انقطع إلى الدنيا، وكله الله إليها، ومن أراد أن يرزقه الله من حيث لا يحتسب فليتوكل على الله. إرشاد القلوب، ج 1، ص 16. 4. لما صدرت الطبعة الأولى من الكتاب، ثارت جماعة من فضلاء أهل العلم وغيرهم، مع عدم علمهم بالحديث والتاريخ حول هذه الكلمة. وما دروا أن أمه (عليه السلام) ماتت في نفاسها، فسلمه أبوه الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أم ولد له، وكان (عليه السلام) يدعوها بالأم، والعبارة تقصد هذا، كما يذكر المؤرخون. وكما جاء في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ص 27، ط قديم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال للنوشجاني: إن أم علي بن الحسين ماتت في نفاسها به، فكفله بعض أمهات ولد أبيه، فسماها الناس أمه، وإنما هي مولاته، وزعموا " زوج أمه "، ومعاذ الله من ذلك، وإنما زوج هذه. والسبب في إقدام الأم على زواجها يذكره الصدوق في نفس المصدر المتقدم فراجع. 115 وتزوجها، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيره بذلك. فكتب إليه زين العابدين (عليه السلام): لقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة، وقد أعتق رسول الله (صلى الله عليه وآله) صفية بنت حي بن أخطب وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة وزوجه بنت عمته، زينب بنت جحش. (1) (كتابه (عليه السلام)) (إلى عبد الملك بن مروان أيضا) بسم الله الرحمن الرحيم، إلى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين (عليهما السلام)، أما بعد: فإنك كتبت في يوم كذا وشهر كذا إلى الحجاج بن يوسف الثقفي في حقنا لبني عبد المطلب بما هو كيت وكيت، وقد شكر الله لك ذلك. ثم طوى الكتاب وختمه، وأرسل به مع غلام له. (2)
1. تهذيب الكمال، ج 20، ص 398؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 41، ص 399؛ الطبقات الكبرى، ج 5، ص 214. 2. الفصول المهمة، ابن الصباغ، ص 186؛ نور الأبصار، الشبلنجي، ص 23؛ وكان كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد، فانظر في دماء بني عبد المطلب فاجتنبها، فإني رأيت إلى آل أبي سفيان، ولما ولعوا فيها لم يلبثوا إلا قليلا، والسلام. ويقول الإمام علي (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما عادانا بيت وإلا خرب، ولا ناوانا كلب إلا وجرب، ومن لم يصدق، فليجرب. فيض العلام، القمي، ص 100، عن شرح الصحيفة للسيد علي خان (رحمه الله). 116 (كتابه (عليه السلام)) (إلى عبد الملك بن مروان أيضا جوابا) أخبر عبد الملك أن علي بن الحسين (عليه السلام) تزوج مولاة له بعد أن أعتقها، فكتب إليه: إنك علمت أنه كان في أكفائك من قريش من تمجد به في الصهر، وتستنجبه في الولد، فلا لنفسك نظرت، ولا على ولدك أبقيت، والسلام. فكتب إليه السجاد (عليه السلام): أما بعد، فقد بلغني كتابك، تعنفني فيه بتزويجي مولاتي، وتزعم أنه كان من قريش من أتمجد به في الصهر، واستنجبه في الولد، وأنه ليس فوق رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرتقى في مجد، ولا مستزاد في كرم، وكانت هذه الجارية ملك يميني، خرجت مني إرادة الله - عز وعلا -، بأمر ألتمس فيه ثوابه، ثم ارتجعتها على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن كان زكيا في دين الله، فليس يخل به شئ من أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة (1)، وتمم به النقيصة، وأذهب اللؤم، فلا لؤم على امرئ مسلم، إنما اللؤم لؤم الجاهلية، والسلام. فلما وقف عبد الملك على الكتاب، رمى به إلى ولده سليمان، وبعد أن قرأه قال: يا أمير المؤمنين، لشد ما فخر عليك علي بن الحسين (عليهما السلام)؟ فقال: يا بني لا تقل ذلك، فإنه ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف من بحر، إن علي بن الحسين (عليهما السلام) يرتفع من حيث يتضع الناس. (2)
1. " الخسيسة ": الرذالة والنقص. 2. الكافي، ج 5، ص 345؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 48؛ حلية الأبرار، ج 2، ص 61؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 165. 117 (كتابه (عليه السلام)) (إلى بعض أصحابه المعروف برسالة الحقوق) (1) (بصورة مفصلة) اعلم - رحمك الله - إن لله عز وجل عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض. وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق، ومنه تتفرع، ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا، ولسمعك عليك حقا، وللسانك عليك حقا، وليدك عليك حقا، ولرجلك عليك حقا، ولبطنك عليك حقا، ولفرجك عليك حقا. فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال. ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا، ولصومك عليك حقا، ولصدقتك عليك حقا، ولهديك عليك حقا، ولأفعالك عليك حقا. ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها
1. طبعت هذه الرسالة القيمة مرات عديدة مستقلة، وفي ضمن بعض الكتب بدون شرح، وقد نشرت أخيرا مع شرح وافي يناسب شخصية الإمام الخالدة في مجلدين ضخمين بقلم أحد العلماء البارعين، باسم شرح رسالة الحقوق. ويقول أحد العلماء: وها نحن نقرأها اليوم - في القرن العشرين - فنجدها وكأنها بنت الساعة في تفكيرها وتسلسلها، وتنظيمها لحقوق كل فرد مع ربه ونفسه، ومع غيره من بني الإنسان، بل نجد في بعض الحقوق ما لم تعمل به إلى اليوم أكبر دول الحضارة والتقدم في العالم. وبهذه المناسبة يقول العلامة البحاثة السيد الجلالي في كتابه القيم جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)، ص 267: وينسب إلى الإمام زيد الشهيد باسم الرسالة الناصحة، والحقوق الواضحة، وتشبه أن تكون مختصرة من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين (عليه السلام) كما جاء في مؤلفات الزيدية، الحسيني، ج 2، ص 44، رقم 1608. 118 عليك حقوق أئمتك، ثم حقوق رعيتك، ثم حقوق رحمك. فهذه حقوق تتشعب منها حقوق. فحقوق أئمتك ثلاثة، أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان، ثم حق سائسك في بالعلم، ثم حق سائسك بالملك، وكل سائس إمام. وحقوق رعيتك ثلاثة، أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم، فإن الجاهل رعية العالم، وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان. وحقوق رحمك كثيرة، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، فأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك، ثم الأقرب فالأقرب، والأول فالأول. ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليك، ثم حق ذوي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك، ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك المدعي عليك، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل، أو مسرة بذلك بقول أو فعل، عن تعمد منه، أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحول، وتصرف الأسباب. فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه! ووفقه وسدده. 1. فأما حق الله الأكبر عليك: فإن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما.
119 2. وأما حق نفسك عليك: فأن تستوفيها في طاعة الله عز وجل، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك. 3. وأما حق اللسان: فإكرامه عن الخنا (1)، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، وإجمامه (2) إلا لموضع الحاجة، والمنفعة للدين والدنيا، وإعفائه عن الفضول الشنعة، القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ويعد شاهد العقل، والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 4. وأما حق السمع: فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة (3) تحدث في قلبك خيرا، أو تكسبك خلقا كريما، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله. 5. وأما حق بصرك: فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا، أو تستفيد بها علما، فإن البصر باب الاعتبار. 6. وأما حق رجليك: فألا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها، فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين، والسبق لك، ولا قوة إلا بالله.
1. " الخنا ": الفحش في الكلام. 2. " الإجمام ": الراحة، من إجمام الفرس، إذا ترك فلم يركب والمراد هنا حبس اللسان عن الكلام. (لسان العرب، ج 12، ص 107). 3. فاه يفوه فوها، بكذا نطق به. 120 7. وأما حق يديك: فألا تبسطها إلى ما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل. 8. وأما حق بطنك: فألا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير، وأن تقتصد له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين، وذهاب المروءة، وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم، وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة، ومذهبة للمروءة. 9. وأما حق فرجك: فحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر - فإنه من أعون الأعوان - وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به. ثم حقوق الأفعال 10. فأما حق الصلاة: فأن تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل، وإنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك، كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب، والخائف الراجي، المسكين المتضرع، المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق، وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه، والرغبة (1) إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك، ولا قوة إلا بالله.
1. في بعض المصادر " الطلب " بدل " الرغبة ". 121 11. وأما حق الصوم: فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك، وفرجك وبطنك؛ ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث: " الصوم جنة من النار " (1)، فإن سكنت أطرافك في حجبتها، رجوت أن تكون محجوبا، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها، وترفع جنبات الحجاب، فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة، والقوة الخارجة عن حد التقية لله، لم تأمن من أن تخرق الحجاب، وتخرج منه، ولا قوة إلا بالله. 12. وأما حق الصدقة: فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا، أوثق منك بما استودعته علانية، وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك، لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم لم تمن بها على أحد؛ لأنها لك، فإذا امتننت بها، لم تأمن أن تكون بها، مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه؛ لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك لم تمتن بها على أحد، ولا قوة إلا بالله. 13. وأما حق الهدي: فأن تخلص (2) بها الإرادة إلى ربك، والتعرض لرحمته وقبوله، ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك، لم تكن متكلفا ولا متصنعا، وكنت إنما تقصد إلى الله. واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير، كما أراد بخلقه التيسير، ولم يرد بهم التعسير، وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن (3)؛ لأن الكلفة والمؤونة في
1. الكافي، ج 2، ص 19؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 74. 2. وفي نسخة: " أن تخلس " - بالسين -: الشيء سلبه بمخاتلة وعاجلا. 3. " التدهقن ": اصطناع الوجاهة. 122 المتدهقنين، فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما، ولا مؤونة عليهما؛ لأنهما الخلقة، وهما موجودان في الطبيعة، ولا قوة إلا بالله. ثم حقوق الأئمة 14. فأما حق سائسك بالسلطان: فأن تعلم إنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان، وأن تخلص له في النصيحة، وألا تماحكه (1) وقد بسطت يده عليك، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه. وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك، ولا يضر بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازه (2) ولا تعانده، فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك، فعرضتها لمكروهة، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك، وشريكا له فيما أتى إليك، ولا قوة إلا بالله. 15. فأما حق سائسك بالعلم (3) فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتزكي له قلبك، وتجلي له بصرك بترك اللذات، ونقض الشهوات، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (4)
1. " المماحكة ": الملاجة. 2. أي: لا تعارضه في العزة والعظمة. 3. أي: مالك أمرك في التعليم، من سست الرعية، أي ملكت أمورهم. 4. وفي شرح آداب المتعلمين للعلامة الجلالي، ص 77، لبعض علماء الزيدية: اصبر على مر الجفا من معلم * فإن رسوب العلم في نفراته فمن لم يذق مر التعلم ساعة * تجرع مر الجهل طول حياته ومن فاته التعليم وقت شبابه * فكبر عليه معلنا لوفاته حياة الفتى والله بالعلم والتقى * إذا لم يكن بالاعتبار بذاته 123 16. وأما حق سائسك بالملك: فنحو من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذلك، تلزمك طاعته فيما دق وجل منك، إلا أن تخرجك من وجوب حق الله، فإن حق الله يحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق، فإذا قضيته رجعت إلى حقه، فتشاغلت به، ولا قوة إلا بالله. ثم حقوق الرعية 17. فأما حقوق رعيتك بالسلطان: فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية، وصير حكمك عليه نافذا، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالله، بالرحمة والحياطة والأناة، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة - التي قهرت بها - أن تكون لله شاكرا، ومن شكر الله، أعطاه فيما أنعم عليه، ولا قوة إلا بالله. 18. وأما حق رعيتك بالعلم: فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم، وولاك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك، وقمت به لهم مقام الخازن الشفيع (1)، الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب، الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه، كنت راشدا، وكنت لذلك آملا معتقدا، وإلا كنت له خائنا، ولخلقه ظالما، ولسلبه وعزه متعرضا. 19. وأما حق رعيتك بملك النكاح: فأن تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا، وأنسا وواقية، وكذلك كل واحد منكما، يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب
1. في بعض المصادر: " الشفيق ". 124 أن يحسن صحبة نعمة الله، ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت، ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها، وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله. 20. وأما حق رعيتك بملك اليمين: فأن تعلم أنه خلق ربك، ولحمك ودمك، وأنك تملكه، لا أنت صنعته دون الله، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا، ولا أجريت له رزقا، ولكن الله كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه لتحفظه فيه، وتسير فيه بسيرته، فتطعمه مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كرهته، خرجت إلى الله منه، واستبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله. وأما حق الرحم 21. فحق أمك: فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يطعم أحد أحدا، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها، وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة، مؤابلة (1) محتملة لما فيه مكروهها وألمها، وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة، وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها، وكأن بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا، وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدير عليه إلا بعون الله وتوفيقه.
1. " موبلة ومؤابلة ": المواظبة. 125 22. وأما حق أبيك: فأن تعلم أنه أصلك، وأنك فرعه، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، واحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله. 23. وأما حق ولدك: فأن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه - فيما بينك وبينه - بحسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوة إلا بالله. 24. وأما حق أخيك: فأن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم بحق الله، ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في الله، فإن انقاد إلى ربه، وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك، وأكرم عليك منه. 25. وأما حق المنعم عليك بالولاء: فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، وأطلقك من أسر الملكة، وفك عنك حلق العبودية، وأوجدك رائحة العز، وأخرجك من سجن القهر، ودفع عنك العسر، وبسط لك لسان الإنصاف، وأباحك الدنيا كلها، فملكك نفسك، وحل أسرك، وفرغك لعبادة ربك، واحتمل بذلك التقصير في ماله، فتعلم أنه أولى الخلق بك، بعد أولي رحمك في حياتك وموتك، وأحق الخلق بنصرك ومعونتك، ومكانفتك (1) في ذات الله، فلا تؤثر عليه
1. " المكانفة ": الحفظ والإعانة. 126 نفسك ما احتاج إليك أبدا. 26. وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك: فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه، وواقية وناصرا ومعقلا، وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه، فبالحري أن يحجبك عن النار، فيكون في ذلك ثوابك منه في الآجل، ويحكم لك بميراثه في العاجل، إذا لم يكن له رحم، مكافأة لما أنفقته من مالك عليه، وقمت به من حقه بعد انفاق مالك، فإن لم تقم بحقه، خيف عليك ألا يطيب لك ميراثه، ولا قوة إلا بالله. 27. وأما حق ذي المعروف عليك: فأن تشكره وتذكر معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك، كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته، وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها. 28. وأما حق المؤذن: فأن تعلم أنه مذكرك بربك، وداعيك إلى حظك، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك، وإن كنت في بيتك متهما، لم تكن لله في أمره متهما، وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها، فأحسن صحبة نعمة الله، بحمد الله عليها على كل حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 29. وأما حق إمامك في صلواتك: فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله، والوفادة إلى ربك، وتكلم عنك، ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وطلب فيك، ولم تطلب فيه، وكفاك هم المقام بين يدي الله، والمساءلة له فيك، ولم تكفه ذلك، فإن كان في شئ من ذلك تقصير، كان به دونك، وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، ووقى صلاتك بصلاته، فتشكر له على ذلك،
127 ولا حول ولا قوة إلا بالله. 30. وأما حق الجليس: فأن تلين له كنفك، وتطيب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تغرق في نزع اللحظ (1) إذا لحظت، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت، وإن كنت الجليس إليه، كنت في القيام عنه بالخيار، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار، ولا تقوم إلا بإذنه، ولا قوة إلا بالله. 31. وأما حق الجار: فحفظه غائبا، وكرامته شاهدا، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصنا حصينا، وسترا ستيرا، لو بحثت الأسنة عنه ضميرا، لم تتصل إليه لانطوائه عليه، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم، لا تسلمه عند شديدة، ولا تحسده عند نعمة، تقيل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلما له، ترد عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 32. وأما حق الصاحب: فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا، وإلا فلا أقل من الانصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصر به عما يستحق من المودة، تلزم نفسك نصيحته وحياطته، ومعاضدته على طاعة ربه، ومعونته على نفسه، فيما يهم به من معصية ربه، ثم تكون عليه رحمة، ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله. 33. وأما حق الشريك: فإن غاب كفيته، وإن حضر ساويته، ولا تعزم على حكمك دون حكمه،
1. " نزع اللحظ ": رميه. 128 ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، وتتقي (1) خيانته فيما عز أو هان، فإنه بلغنا: " إن يد الله على الشريكين، ما لم يتخاونا "، ولا قوة إلا بالله. 34. وأما حق المال: فألا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في حله، ولا تحرفه عن مواضعه، ولا تصرفه عن حقائقه، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه، وسببا إلى الله، ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك، وبالحري ألا يحسن خلافته في تركتك، ولا يعمل فيه بطاعة ربك، فتكون معينا له على ذلك، أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا لنفسه، فيعمل بطاعة ربه، فيذهب بالغنيمة، وتبوء بالإثم والحسرة، والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله. 35. وأما حق الغريم المطالب لك: فإن كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته، ولم تردده وتمطله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " مطل الغني ظلم " (2). وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، وطلبت إليه طلبا جميلا، ورددته عن نفسك ردا لطيفا، ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته، فإن ذلك لؤم، ولا قوة إلا بالله. 36. وأما حق الخليط: فألا تغره ولا تغشه، ولا تكذبه ولا تغفله، ولا تخدعه ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو، الذي لا يبقى على صاحبه، وإن اطمأن إليك أستقصيت له على نفسك، وعلمت أن غبن المسترسل ربا، ولا قوة إلا بالله. ثم حق الخصم 37. وأما حق الخصم المدعي عليك: فإن كان ما يدعي عليك حقا لم تنفسخ في حجته، ولم تعمل في إبطال
1. في بعض المصادر: " تنفي عنه " بدل " تتقي ". 2. كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 380. 129 دعوته، وكنت خصم نفسك له، والحاكم عليها، والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود، فإن ذلك حق الله عليك، وإن كان ما يدعيه باطلا رفقت به وروعته (1)، وناشدته بدينه، وكسرت حدته عنك بذكر الله، وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك، بل تبوء (2) بإثمه، وبه يشحذ عليك سيف عداوته؛ لأن لفظة السوء تبعث الشر، والخير مقمعة للشر، ولا قوة إلا بالله. 38. وأما حق الخصم المدعى عليه: فإن كان ما تدعيه حقا، أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه، وقصدت قصد حجتك بالرفق، وأمهل المهلة، وأبين البيان، وألطف اللطف، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال، فتذهب عنك حجتك، ولا يكون لك في ذلك درك، ولا قوة إلا بالله. ثم حق المشاورة والنصيحة 39. وأما حق المستشير: فإن حضرك له وجه رأي، جهدت له في النصيحة، وأشرت عليه بما تعلم، أنك لو كنت مكانه عملت به، ليكن ذلك منك في رحمة ولين، فإن اللين يؤنس الوحشة، وإن الغلظ يوحش موضع الأنس، وإن لم يحضرك له رأي، وعرفت له من تثق برأيه، وترضى به لنفسك، دللته عليه، وأرشدته إليه، فكنت لم تأله خيرا، ولم تدخره نصحا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 40. وأما حق المشير عليك: فلا تتهمه فيما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنما هي الآراء، وتصرف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه، فأما
1. وفي بعض النسخ " وروعته "، والصحيح ما أثبتناه. 2. أي تقر باثمه. 130 تهمته فلا يجوز لك، إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته، فإذا واقفك حمدت الله، وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك، ولا قوة إلا بالله. 41. وأما حق المستنصح: فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أن يحمل، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه، وليكن مذهبك الرحمة، ولا قوة إلا بالله. 42. وأما حق الناصح: فأن تلين له جناحك ثم تشرئب (1) له قلبك، وتفتح له سمعك، حتى تفهم عنه نصيحته، ثم تنظر فيها، فإن كان وفق فيها للصواب حمدت الله على ذلك، وقبلت منه، وعرفت له نصيحته، وإن لم يكن وفق لها فيها رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه لم يألك نصحا إلا أنه أخطأ، إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على كل حال، ولا قوة إلا بالله. ثم حق السن 43. وأما حق الكبير: فإن حقه توقير سنه، وأجلال إسلامه، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام، بتقديمه فيه، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تؤمه في طريق، ولا تستجهله، وإن جهل عليك تحملت، وأكرمته بحق إسلامه مع سنه، فإنما حق السن بقدر الإسلام، ولا قوة إلا بالله. 44. وأما حق الصغير: فرحمته وتثقيفه وتعلميه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له،
1. " اشرأب الرجل للشيء وإلى الشيء ": مد عنقه إليه. 131 والستر على جرائر حداثته، فإنه سبب للتوبة والمداراة له، وترك مما حكته، فإن ذلك أدنى لرشده. ثم حق السائل والمسؤول 45. وأما حق السائل: فإعطاؤه إذا تهيأت (1) صدقة، وقدرت على سد حاجته، والدعاء له فيما نزل به، والمعاونة له على طلبته، وإن شككت في صدقه، وسبقت إليه التهمة له، ولم تعزم على ذلك، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان، أراد أن يصدك عن حظك، ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك، فتركته بستره، ورددته ردا جميلا، وإن غلبت نفسك في أمره، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه، فإن ذلك من عزم الأمور. 46. وأما حق المسؤول: فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له، والمعرفة لفضله، وطلب وجه العذر في منعه، وأحسن به الظن، واعلم أنه إن منع فماله منع، وإن ليس التثريب (2) في ماله، وإن كان ظالما، فإن الإنسان لظلوم كفار. 47. وأما حق من سرك الله به وعلى يديه: فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا، ثم شكرته على ذلك، بقدره في موضع الجزاء، وكافأته على فضل الابتداء، وأرصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها، حمدت الله أولا، ثم شكرته، وعلمت أنه منه توحدك بها، وأحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك، وترجو له بعد ذلك خيرا، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت، وإن كان لم يتعمد، ولا قوة إلا بالله.
1. في بعض المصادر: " تيقنت ". 2. " تثرب عليه ": لامه وعيره بذنبه. 132 48. وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل: فإن كان تعمدها، كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله من الخلق، فإن الله يقول: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) (1) إلى قوله عز وجل: (من عزم الأمور) (2)، وقال عز وجل: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم بهى ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) (3). هذا في العمد، فإن لم يكن عمدا، لم تظلمه بتعمد الانتصار منه، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ، ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه، ولا قوة إلا بالله. ثم حق بقية الناس 49. وأما حق أهل ملتك عامة: فإضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم، وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه وكفاك مؤنته، وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك، وانصرهم جميعا بنصرتك، وأنزلهم جميعا منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه. 50. وأما حق أهل الذمة: فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم
1. الشورى: 41. 2. آل عمران: 186. 3. الشورى: 41. 133 من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله حائل، فإنه بلغنا أنه قال: " من ظلم معاهدا كنت خصمه " فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (1) (كتابه (عليه السلام)) (إلى بعض أصحابه المعروف برسالة الحقوق) (بصورة مختصرة) اعلم إن لله عز وجل عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة نزلتها، أو خارجة قلبتها، أو آلة تصرفت فيها. فأكبر حقوق الله - تبارك وتعالى - عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقه الذي هو أصل الحقوق، ثم ما أوجب الله عز وجل عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل عز وجل للسانك عليك حقا، ولسمعك عليك حقا، ولبصرك عليك حقا، وليدك عليك حقا، ولبطنك عليك حقا، ولفرجك عليك حقا. فهذه الجوارح السبع التي فيها تكون الأفعال. ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا، ولصومك عليك حقا، ولصدقتك عليك حقا، ولهديك عليك حقا، ولأفعالك عليك حقوقا. ثم يخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها عليك حقوق أئمتك، ثم حقوق رعيتك، ثم حقوق رحمك. فهذه حقوق تتشعب منها حقوق. فحقوق أئمتك ثلاثة، أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان، ثم حق سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك، وكل سائس إمام.
1. تحف العقول، ص 255؛ عنه في مستدرك الوسائل، ج 11، ص 154. 134 وحقوق رعيتك ثلاثة، أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم، فإن الجاهل رعية العالم، ثم حق رعيتك بالملك من الأزواج، وما ملكت الأيمان. وحقوق رحمك كثيرة، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، وأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك، ثم الأقرب فالأقرب، والأولى فالأولى. ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجاري نعمته عليك، ثم حق ذوي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك، ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك المدعي عليك، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل، عن تعمد منه أو غير تعمد، ثم حق أهل ملتك عليك، ثم حق أهل ذمتك، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال، وتصرف الأسباب، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفقه لذلك وسدده. 1. فأما حق الله الأكبر عليك، فإن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة. 2. وحق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عز وجل، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك. 3. وحق اللسان إكرامه عن الخنا، وتعويده الخير، وترك الفضول التي
135 لا فائدة فيها، والبر بالناس، وحسن القول فيهم. 4. وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة، وسماع ما لا يحل سماعه. 5. وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. 6. وحق يدك ألا تبسطها إلى ما لا يحل لك. 7. وحق رجليك ألا تمشي بهما إلى ما لا تحل لك، فبهما تقف على الصراط، فانظر ألا تزلا بك، فتتردى في النار. 8. وحق بطنك ألا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع. 9. وحق فرجك أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن ينظر إليه. 10. وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل، وإنك فيها قائم بين يدي الله عز وجل، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير، الراغب الراهب، الراجي الخائف، المسكين المستكين، المتضرع، المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. 11. وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك، وبه (1) قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عز وجل عليك. 12. وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عز وجل على لسانك وسمعك وبصرك، وبطنك وفرجك، ليسترك الله بهن النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك. 13. وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عز وجل، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها، فإذا علمت ذلك كنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.
1. في نسخة: " وفيه ". 136 14. وحق الهدي أن تريد به الله عز وجل، ولا تريد به خلقه، ولا تريد به إلا التعرض لرحمة الله عز وجل، ونجاة روحك يوم تلقاه. 15. وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك، بما جعله الله عز وجل له عليك من السلطان، وإن عليك ألا تتعرض لسخطه فتلقى بيديك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء. 16. وحق سائسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه، وألا ترفع عليه صوتك، وألا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب. ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك، شهدت لك ملائكة الله عز وجل بأنك قصدته، وتعلمت علمه لله - عز وجل اسمه - لا للناس. 17. وأما حق سائسك بالملك فأن تطيعه بالملك، ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عز وجل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 18. وأما حق رعيتك (1) بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك، فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعالجهم بالعقوبة، وتشكر الله عز وجل على ما أتاك من القوة عليهم. 19. وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما لهم فيما أتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله عز وجل أن يسليك العلم وبهاءه، ويسقط
1. في نسخة " سائسك " بدل " رعيتك ". 137 من القلوب محلك. 20. وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عز وجل عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها؛ لأنها أسيرك، وتطعمها وتسقيها وتكسوها، فإذا جهلت عفوت عنها. 21. وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك، وابن أبيك وأمك، ومن لحمك ودمك لم تملكه؛ لأنك ما صنعته دون الله، ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا، ولكن الله عز وجل كفاك ذلك، ثم سخره لك وائتمنك عليه، واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله عز وجل، ولا قوة إلا بالله. 22. وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله تعالى وتوفيقه. 23. وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله. 24. وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب، والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره، عمل من يعمل أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه. 25. وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على
138 معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه، والنصيحة له، فأن أطاع الله تعالى، وإلا فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوة إلا بالله. 26. وأما حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، فأطلقك من أسر الملكة، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك، وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك ومماتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك وما أحتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله. 27. وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه، وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة. 28. وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافيته. 29. وأما حق المؤذن فأن تعلم أنه مذكر لك بربك عز وجل، وداع لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فاشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك. 30. وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عز وجل، فإن كان نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك. 31. وأما حق جليسك فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا. 32. وأما حق جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما،
139 ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك ونصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله. 33. وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافأته (1)، وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة، ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله. 34. وأما حق الشريك فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا حكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فإن يد الله - تبارك وتعالى - على أيدي الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله. 35. وأما حق مالك فألا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله. 36. وأما حق غريمك الذي يطالبك فإن كنت موسرا أعطيته، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردا لطيفا. 37. وأما حق الخليط ألا تغره ولا تغشه ولا تخدعه، وتتقي الله - تبارك وتعالى - في أمره. 38. وأما حق الخصم المدعي عليك فإن كان ما يدعي عليك حقا، كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه، وأوفيته حقه، وإن كان ما يدعي به باطلا رفقت
1. إشارة إلى هذه الآية: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (النساء: 85). ولما حيت جارية أبي الشهداء الحسين (عليه السلام) بطاقة ريحان له، فقال لها: أنت حرة لوجه الله! فقيل له: تحييك جارية بطاقة ريحان فتعتقها؟! قال: كذلك أدبنا الله، قال الله: (وإذا حييتم بتحية...) [عوالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ج 17، ص 64] ثم قال (عليه السلام): إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * على الناس طرا قبل أن تتفلت فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا هي ولت 140 به، ولم تأت في أمره غير الرفق، ولم تسخط ربك في أمره، ولا قوة إلا بالله. 39. وأما حق خصمك الذي كنت تدعي عليه، فإن كنت محقا في دعواك، أجملت مقاولته (1)، ولم تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك، اتقيت الله عز وجل، وتبت إليه، وتركت الدعوى. 40. وأما حق المستشير، فإن علمت أن له رأيا حسنا أشرت عليه به، وإن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم. 41. وحق المشير عليك ألا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت الله عز وجل. 42. وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به. 43. وأما حق الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب، حمدت الله عز وجل، وإن لم يوفق رحمته، ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك إلا أن يكون مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال، ولا قوة إلا بالله. 44. وحق الكبير توقيره لسنه، واجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته، وأكرمته لحق الإسلام وحرمته. 45. وأما حق الصغير فرحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له. 46. وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته. 47. وحق المسؤول إنه إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره.
1. من القول، وهو الكلام على الترغيب والترهيب. 141 48. وحق من سرك لله تعالى أن تحمد الله عز وجل أولا، ثم تشكره. 49. وحق من ساءك، أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو عنه يضره انتصرت، قال الله - تبارك وتعالى -: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل). (1) 50. وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم، والرحمة بهم، والرفق بمسيئهم، وتألفهم واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكف الأذى عنهم، وإن تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة أخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، فالصغار بمنزلة أولادك. 51. وأما حق أهل الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عز وجل بعهده، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على خير خلقه محمد وآله أجمعين وسلم تسليما. (2) الخاتمة فهذه خمسون حقا محيطا بك، لا تخرج منها في حال من الأحوال، يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله - جل ثناؤه - على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين. (3)
1. الشورى: 41. 2. الخصال، الصدوق، ص 564، ح 2؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 67؛ مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص 455. ويقول الشيخ النوري (رحمه الله) في مستدرك الوسائل، ج 11، ص 169: إن هذا الخبر الشريف المعروف بحديث الحقوق مروي في رسائل الكليني على النحو المعروف في التحف، لا على المعروف الموجود في الفقيه والخصال، والظاهر لكل من له أنس بالأحاديث، أن الثاني مختصر من الأول، واحتمال أنه (عليه السلام) ذكر هذه الحقوق - بهذا الترتيب - مرة مختصرة لبعضهم، وأخرى بهذه الزيادات لآخر في غاية البعد، ويظهر من بعض المواضع أن الصدوق (رحمه الله) كان يختصر الخبر الطويل، ويسقط منه ما أدى نظره لاسقاطه. 3. تحف العقول، ابن شعبة، ص 225 (ط طهران)؛ وعنه أعيان الشيعة، ج 4، ص 501. 142 (كتابه (عليه السلام)) (إلى عبد الملك بن مروان جوابا) وذلك أنه لما تزوج سرية كانت للحسن بن علي (عليهما السلام)، فبلغ ذلك إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إليه في ذلك كتابا: إنك صرت بعل الإماء. فكتب (عليه السلام): إن الله رفع بالإسلام الخسيسة، وأتم به الناقصة، وأكرم به من اللؤم، فلا لؤم على مسلم، وإنما اللؤم لؤم الجاهلية، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنكح عبده، ونكح أمته. فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك، قال لمن عنده: أخبروني عن رجل إذا أتى ما يضع الناس لم يزده إلا شرفا؟ قالوا: ذاك أمير المؤمنين. قال: لا والله، ما هو ذاك! قالوا: ما نعرف إلا أمير المؤمنين. قال: فلا والله، ما هو بأمير المؤمنين، ولكنه علي بن الحسين. (1) (كتابه (عليه السلام)) (إلى عبد الملك بن مروان أيضا جوابا) لما بلغ عبد الملك إن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنده، فبعث يستوهبه منه، ويسأله الحاجة، فأبى (عليه السلام)، فكتب إليه عبد الملك يهدده، وإنه يقطع رزقه من بيت المال. فأجابه (عليه السلام)، أما بعد: فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال - جل ذكره -: (إن الله لا يحب كل خوان كفور). (2) فانظر أينا أولى بهذه الآية؟ (3)
1. الكافي، ج 5، ص 346؛ عنه بحار الأنوار، ج 46، ص 105. 2. الحج: 38. 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 302؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 95. 143 (كتابه (عليه السلام)) (إلى الحجاج بن يوسف الثقفي) كتب ملك الروم إلى عبد الملك: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة! لأغزونك بجنود مئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف. فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث إلى زين العابدين (عليه السلام) ويتوعده، ويكتب إليه ما يقول، ففعل. فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن لله لوحا محفوظا يلحظه في كل يوم ثلاثمئة، ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء، وإني لا أرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة. فكتب بها الحجاج إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم، فلما قرأه قال: ما خرج هذا إلا من كلام النبوة. (1) وقد انتهى ما ظفرت عليه من كتبه ورسائله، وهو آخر الباب الثاني، ونشرع الآن في الباب الثالث في قصار كلماته (عليه السلام).
1. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 132. 144 الباب الثالث: في القصار من كلمات الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وفيها حكم، ومواعظ، ومحاسن آداب
145 بسم الله الرحمن الرحيم 1. سئل (عليه السلام) عن الصمد؟ (1) فقال (عليه السلام): الصمد الذي لا شريك له، ولا يؤوده حفظ شئ، ولا يعزب عنه شئ، والذي لا جوف له، والذي قد انتهى سؤدده، والذي لا يأكل ولا يشرب، والذي لا ينام، والذي لم يزل ولا يزال. (2) 2. وسئل (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال (عليه السلام): إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالى: (قل هو الله أحد) (3) والآيات من سورة الحديد إلى قوله: (وهو عليم بذات الصدور) (4)، فمن رام وراء ذلك فقد هلك. (5) 3. وقال (عليه السلام): عجبا للمتكبر الفخور (6)، الذي كان بالأمس نطفة، وهو غدا
1. " الصمد " فعيل بمعنى مفعول، من صمد إليه، إذا قصده، وهو السيد الذي يصمد المقصود إليه في الحوائج، فهو عبارة عن وجوب الوجود والاستغناء المطلق، واحتياج كل شئ في جميع أموره إليه. أي الذي يكون عنده ما يحتاج إليه كل شئ، ويكون رفع حاجة الكل إليه، ولم يفقد في ذاته شيئا مما يحتاج إليه الكل، وإليه يتوجه كل شئ بالعبادة والخضوع، وهو المستحق لذلك، كما في مرآة العقول للعلامة المجلسي (رحمه الله). 2. أنظر: التوحيد، ص 90؛ معاني الأخبار، ص 7؛ مجمع البيان، ج 5، ص 565. 3. الإخلاص: 1. 4. الحديد: 6. 5. أصول الكافي، ج 1، ص 124. وفي التوحيد، ص 283: فمن رام ما وراء هنالك هلك. 6. قلت: وقريب منه روايات وردت؛ قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): عجبا كل العجب للمختال الفخور، إنما خلق من نطفة، ثم يعود إلى جيفة، وهو بين ذلك لا يدري ما يفعل به. كما في مرآة العقول، ج 2، ص 315. وقال علي (عليه السلام): ابن آدم أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو في بينهما يحمل العذرة. كما في الكشكول، البهائي، ج 2، ص 377، ط قم. وقال الجواد (عليه السلام): عجبا للمختال الفخور، إنما خلق من نطفة، ثم يعود جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع. كما في أصول الكافي بهامش مرآة العقول، ج 2، ص 315، ط إيران؛ والإمام زين العابدين، ص 208. وقد نظمها بعض الشعراء كما في غرر الخصائص، الوطواط، ص 45. عجبت من معجب بصورته * وكان من قبل نطفة قذرة وفي غد بعد حسن صورته * يصير في الأرض جيفة قذرة وهو على عجبه ونخوته * ما بين هذين يحمل العذرة 147 جيفة (1)، والعجب كل العجب لمن شك في الله وهو يرى الخلق! والعجب كل العجب لمن أنكر الموت، وهو يرى من يموت في كل يوم وليلة! والعجب كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى! والعجب كل العجب لمن عمل لدار الفناء، وترك دار البقاء! (2) 4. وقال (عليه السلام): إن قوما عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوه شكرا، فتلك عبادة الأحرار. قلت: وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): العبادة إن كانت رهبة فعبادة العبيد، وإن كانت رغبة فعبادة التجار...، وإن كانت شكرا فعبادة الأحرار. (3) وروي هذا عن الإمامين علي والحسين (عليهما السلام)، كما في النهج، وبلاغة الحسين (عليه السلام) (4)، ولا غرو إن وافق كلامه (عليه السلام) كلامهما، فإن من بحرهما الزاخر يغترف، ومن علمهما الغامر يقتبس. (5) 5. وعن الباقر (عليه السلام) قال: كان زين العابدين (عليه السلام) إذا نظر إلى الشباب الذين
1. إلى هنا نقل عنه (عليه السلام) في الكافي، ج 2، ص 328. 2. المحاسن، ج 1، ص 378، ح 832؛ عنه بحار الأنوار، ج 7، ص 42. 3. وفي الحديث: لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فالرغبة هي السؤال والطلب، والرهبة هي الخوف. (مجمع البحرين، ج 2، ص 71) 4. نهج البلاغة، ج 3، ص 53، مع اختلاف، بلاغة الحسين (عليه السلام)، ص 153. 5. حلية الأولياء، ج 3، ص 134؛ تذكرة الخواص، ص 326؛ صفوة الصفوة، ج 2، ص 53. 148 يطلبون العلم أدناهم إليه، وقال: مرحبا بكم، أنتم ودائع العلم، ويوشك إذ أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين. (1) وقريب من هذا كلام عمه الإمام الحسن (عليه السلام) لبنيه وبني أخيه، فقال: يا بني، إنكم اليوم صغار قوم، أوشك أن تكونوا كبار قوم، فعليكم بالعلم، فمن لم يحفظ منكم فليكتبه، وليجعله في بيته في نسخة. (2) 6. وقال (عليه السلام): إن الذنوب التي تغير النعم؛ البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر. قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (3) والذنوب التي تورث الندم، قتل النفس التي حرم الله. قال الله تعالى في قصة قابيل - حين قتل أخاه هابيل، فعجز عن دفنه -: فسولت له نفسه قتل أخيه فقتله (فأصبح من الندمين) (4). وترك صلة القرابة حتى يستغنوا (5)، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وترك الوصية، ورد المظالم، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق اللسان. والذنوب التي تنزل النقم (6)؛ عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم. والذنوب التي تدفع القسم (7)؛ إظهار الافتقار، والنوم عن صلاة العتمة وعن
1. الأنوار البهية، ص 102. 2. انظر: سنن الدارمي، ج 1، ص 130؛ كنز العمال، ج 10، ص 257، ح 29369؛ تقييد العلم، ص 91؛ جامع بيان العلم وفضله، ج 1، ص 82. 3. الرعد: 11. 4. المائدة: 31. 5. في نسخة: " ترك صلة الرحم حين يقدر ". 6. في نسخة: " تنزل النعم ". 7. في نسخة: " النعم " بدل " القسم ". 149 صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوى المعبود عز وجل. والذنوب التي تهتك العصم؛ شرب الخمر، ولعب القمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو، والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. والذنوب التي تنزل البلاء؛ ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. والذنوب التي تديل الأعداء؛ المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، والإتباع للأشرار. والذنوب التي تعجل الفناء؛ قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة، والزنا، وشد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق. والذنوب التي تقطع الرجاء؛ اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله تعالى، والتكذيب بوعد الله. والذنوب التي تظلم الهواء؛ السحر والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين. والذنوب التي تكشف الغطاء؛ الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة على الباطل، والبخل على الأهل والأولاد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الزجر والكسل، والاستهانة بأهل الدين. والذنوب التي ترد الدعاء؛ سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلاة المفروضة حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء، والفحش في القول. والذنوب التي تحبس غيث السماء؛ جور الحكام في القضاء، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والقرض والماعون، وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل. (1)
1. معاني الأخبار، ص 270. 150 7. وقال (عليه السلام): الصبر والرضا عن الله رأس كل طاعة، ومن صبر ورضى عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره، لم يقض الله عز وجل - فيما أحب أو كره - إلا ما هو خير له. (1) 8. وقال (عليه السلام): فقد الأحبة غربة. (2) 9. وقال (عليه السلام): من قنع بما قسم الله له، فهو من أغنى الناس. (3) 10. وقال (عليه السلام): أعظم الناس قدرا من لم يبال الدنيا في يد من كانت. (4) 11. وقال (عليه السلام): رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شئ، ورد أمره إلى الله عز وجل في جميع أموره، استجاب الله عز وجل له في كل شئ. (5) 12. وقال (عليه السلام): إن أفضل الاجتهاد عفة البطن والفرج. (6) 13. وقال (عليه السلام): لا تمتنع من ترك القبيح، وإن كنت قد عرفت به. ولا تزهد في مراجعة الجهل (7)، وإن كنت قد شهرت بخلافه. وإياك والرضا بالذنب! فإنه أعظم من ركوبه، والشرف في التواضع، والغنى في القناعة. (8) 14. وقال (عليه السلام): يا بن آدم، لا تزال بخير ما دام لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا، والحزن دثارا. يا بن آدم، إنك ميت ومبعوث، وموقوف بين يدي الله عز وجل ومسؤول، فأعد له جوابا. (9)
1. الكافي، ج 2، ص 60 وفيه " رأس طاعة الله " بدل " رأس كل طاعة "؛ مشكاة الأنوار، ص 75؛ كنز الفوائد، ج 1، ص 131 مع اختلاف؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 159. 2. البداية والنهاية، ج 9، ص 132؛ حلية الأولياء، ج 3، ص 134؛ صفوة الصفوة، ج 2، ص 53؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158. 3. الأمالي، المفيد، ص 185؛ تحف العقول، ص 278؛ مشكاة الأنوار، ص 231؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 153. 4. إرشاد القلوب، ص 25. 5. الكافي، ج 2، ص 148، وص 320؛ مشكاة الأنوار، ص 226؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 110. 6. مشكاة الأنوار، ص 275 وص 431. 7. في أعلام الدين: " الجميل " بدل " الجهل ". 8. أعلام الدين، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 161. 9. الأمالي، المفيد، ص 337؛ تحف العقول، ص 280؛ إرشاد القلوب، ص 105؛ مشكاة الأنوار، ص 138. 151 15. وقال (عليه السلام): يغفر الله للمؤمنين كل ذنب، ويطهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين، ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان. (1) 16. وقال (عليه السلام): هلك من ليس له حكيم يرشده، وذل من ليس له سفيه يعضده. (2) 17. وقال (عليه السلام): خير مفاتيح الأمور الصدق، وخير خواتيمها الوفاء. (3) 18. وقال (عليه السلام): من سعادة المرء أن يكون متجره في بلده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين به. ومن شقاء المرء أن تكون عنده المرأة يعجب بها وهي تخونه في نفسها. (4) 19. وقال (عليه السلام): من عمل بما افترض الله عليه، فهو من خير الناس. ومن اجتنب عما حرم الله عليه، فهو من أعبد الناس ومن أورع الناس. ومن قنع بما قسم الله له، فهو من أغنى الناس. (5) 20. وقال (عليه السلام): ما من خطوة أحب إلى الله من خطوتين؛ خطوة يشد بها صفا في سبيل الله، وخطوة إلى ذي رحم قاطعة. وما من جرعة أحب إلى الله من جرعتين؛ جرعة غيظ ردها مؤمن بحلمه، أو جرعة مصيبة ردها مؤمن بصبر. وما من قطرة أحب إلى الله من قطرتين؛ قطرة في سبيل الله، أو قطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها عبد إلا الله عز وجل (6). ثم ذكر ما هو أرفع من السماء بتمامه.
1. تفسير الإمام العسكري، ص 321؛ جامع الأخبار، ص 95؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 415. 2. كشف الغمة، ج 2، ص 113؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 159. 3. نزهة الناظر، ص 93؛ أعلام الدين، ص 300؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 161. 4. الكافي، ج 5، ص 258؛ مشكاة الأنوار، ص 458. 5. الأمالي، المفيد، ص 185؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 402. 6. الخصال، ص 50، ح 60؛ الأمالي، المفيد، ص 11؛ الغايات، ص 224؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 378؛ وج 78، ص 152. 152 21. وقال (عليه السلام) لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، (1) فإن الرجل إذا كذب في الصغير، اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقا، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كاذبا. (2) 22. وقال (عليه السلام): إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الاقتار، والتوسع على قدر التوسع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إياهم بالسلام. (3) 23. وقال (عليه السلام): ثلاث منجيات للمرء؛ كف لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغال نفسه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته. (4) 24. وقال (عليه السلام): نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن؛ للمودة والمحبة له عبادة. (5) 25. وقال (عليه السلام): ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله (6)، وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر؛ من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصية الله، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس. (7)
1. يقول الشاعر: خل الذنوب كبيرها وصغيرها فهو التقى * واصنع كماش فوق أرض في الفلى الشوك يحذر ما يرى * لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى 2. الكافي، ج 2، ص 338؛ تنبيه الخواطر، ص 207؛ إرشاد القلوب، ص 178؛ الفصول المهمة في أصول الأئمة، ص 526؛ بحار الأنوار، ج 72، ص 235. 3. الكافي، ج 2، ص 241؛ تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 361. 4. تحف العقول، ص 282؛ معدن الجواهر، ص 34؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 140. 5. تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 140. 6. " الكنف " - بالتحريك -: الجانب والناحية، والأكناف الجوانب والنواحي، ومنه الخبر " أفاضلكم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤن أكنافا "، وفي الدعاء: " اللهم اجعنلي في كنفك "، أي في حرزك (مجمع البحرين، الطريحي، ج 4، ص 76). 7. تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 141. 153 26. وقال (عليه السلام): لا حسب لقرشي ولا عربي إلا بالتواضع، ولا كرم إلا بالتقوى، ولا عمل إلا بالنية، ولا عبادة إلا بالتفقه، ألا وأن أبغض الناس إلى الله عز وجل من يقتدي بسنة إمام، ولا يقتدي بأعماله. (1) 27. وقال (عليه السلام): لا يهلك المؤمن بين ثلاث خصال؛ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسعة رحمة الله. (2) 28. وقال (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلا الله هي الفطرة، وصلاة الفريضة هي الملة، والطاعة لله هي العصمة. (3) 29. وقال (عليه السلام) لولده الباقر (عليه السلام): كف الأذى، ورفض البذيء (4)، (5) واستعن على الكلام بالسكوت، فإن للقول حالات تضر، فاحذر الأحمق. (6) 30. وقال (عليه السلام): كل عين ساهرة يوم القيامة إلا ثلاث عيون، عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله. (7) 31. وقال (عليه السلام): الكريم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بملكه. (8) 32. وقال (عليه السلام): لكل شئ فاكهة، وفاكهة السمع الكلام الحسن. (9)
1. الخصال، ص 18؛ تحف العقول، ص 280؛ بحار الأنوار، ج 1، ص 207؛ وج 70، ص 204. 2. نزهة الناظر، ص 89؛ كشف الغمة، ج 2، ص 108؛ أعلام الدين، ص 299. 3. نزهة الناظر، ص 89. 4. في بعض النسخ: " الندى ". 5. في الحديث: إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء. البذيء - على فعيل -: السفيه، من قولهم: بذا على القوم يبذو بذاء، بالفتح والمد: سفه عليهم وأفحش في منطقه، وإن كان صادقا فيه، ولعلهما في الحديث واحد مفسر بالآخر. (مجمع البحرين، ج 1، ص 172) 6. أعلام الدين، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 161. 7. نزهة الناظر، ص 93؛ أعلام الدين، ص 300؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 161. 8. نثر الدر، ج 1، ص 343؛ أعلام الدين، ص 300؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 143. 9. نزهة الناظر، ص 91، أعلام الدين، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 160. 154 33. وقال (عليه السلام): من عتب على الزمان طالت معتبته. (1) قلت: وورد عن جده الإمام علي (عليه السلام) هكذا: من عتب على الدهر طال معتبه. (2) 34. وقال (عليه السلام): خف الله تعالى لقدرته عليك، واستح منه لقربه منك، ولا تعادين أحدا وإن ظننت أنه يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى ترجو صديقك، ولا تدري متى تخاف عدوك، ولا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره، وإن علمت أنه كاذب، وليقل عيب الناس على لسانك. (3) 35. وقال (عليه السلام): سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وسادة الناس في الآخرة الأتقياء. (4) 36. وقال (عليه السلام): من زوج لله ووصل الرحم، توجه الله بتاج الملك يوم القيامة. (5) 37. وقال (عليه السلام): أشد ساعات بني آدم ثلاث ساعات؛ الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فأما إلى الجنة وأما إلى النار. قال: إن نجوت يا بن آدم عند الموت فأنت أنت، وإلا هلكت، وإن نجوت يا بن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت، وإلا هلكت، فإن نجوت حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت، وإلا هلكت، وإن نجوت حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت، وإلا هلكت. ثم قال: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) (6) قال: هو القبر، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة،
1. نزهة الناظر، ص 90؛ الدرة الباهرة، ص 26؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 155. 2. عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص 441؛ غرر الحكم، رقم 8570. 3. نزهة الناظر، ص 89؛ الدرة الباهرة، ص 26؛ أعلام الدين، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 336؛ وج 74، ص 180. 4. روضة الواعظين، ص 385؛ مشكاة الأنوار، ص 409؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 350. 5. مشكاة الأنوار، ص 288؛ عنه في مستدرك الوسائل، ج 15، ص 237. 6. المؤمنون: 100. 155 أو حفرة من حفر النار. ثم أقبل على رجل من جلسائه فقال له: لقد علم ساكن السماء ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين أنت؟ وأي الدارين دارك؟ (1) 38. وجاء إليه رجل وقال: أنا رجل عاص، ولا أصبر على المعصية! فعظني بموعظة. فقال (عليه السلام): افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت، فالأول: لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت، والثاني: اخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت، والثالث: اطلب موضعا لا يراك الله وأذنب ما شئت، والرابع: إذا جاء ملك الموت لقبض روحك، فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار، فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت! (2) قلت: من خصائص اللغة العربية وسننها هو فعل ظاهره أمر، وباطنه زجر مثل: إذا لم تستح فافعل، وفي الحديث: " إذا لم تستح فافعل ما شئت " (3)، وفي القرآن: (اعملوا ما شئتم) (4)، وأيضا فيه: " ومن شاء منكم فليكفر ". وكذلك قول الإمام (عليه السلام): " افعل خمسة أشياء "... الخ. (5) 39. وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام): أوصاني أبي فقال (عليه السلام): يا بني لا تصحبن خمسة، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت: - جعلت فداك! - يا أبت من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها. فقلت: وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها. قلت: يا أبت ومن الثاني؟ قال: لا تصحبن بخيلا، فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه. قلت:
1. الخصال، ص 119؛ الغايات، ص 229؛ بحار الأنوار، ج 6، ص 159. 2. جامع الأخبار، ص 130؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 126. 3. نثر الدر، ج 1، ص 207؛ نهج البلاغة، الحكمة 67. 4. فصلت، 40. 5. راجع فقه اللغة للثعالبي تجد كثيرا من الأمثلة. 156 ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كاذبا، فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب، ويقرب منك البعيد. قال: قلت: ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمقا، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. قال: قلت: ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع. (1) أقول: والمواضع الثلاثة هذه: أ - في سورة محمد الآية " 22 ": (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصرهم). ب - في سورة الرعد الآية " 25 ": (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار). ج - في سورة البقرة الآية " 27 ": (الذين ينقضون عهد الله منم بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله بهى أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون). (2) 40. وجاء رجل إلى علي بن الحسين يشكو إليه حاجة. فقال (عليه السلام): مسكين ابن آدم! له في كل يوم ثلاث مصائب، لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا. فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف، والعمر لا يرده (3). والثانية: إنه يستوفي رزقه، فإن كان حلالا حوسب به، وإن كان
1. الفصول المهمة، ص 187؛ كشف الغمة، ج 2، ص 121؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 185. 2. وقال المجلسي (رحمه الله): وقوله (عليه السلام): وجدته معلونا في ثلاثة مواضع: اللعن في الآية الأولى والثانية ظاهر، وأما الثالثة فلاستلزام الخسران...، اللعن والبعد من رحمة الله، والله سبحانه في أكثر القرآن وصف الكفار بالخسران. (بحار الأنوار، ج 71، ص 211) 3. وقد أخذ من هذه الجملة " أبو بكر بن عياش الخياط الأسدي " من علماء الحديث في القرن الثاني حيث قال: " مسكين محب الدنيا! يسقط منه درهم فيظل نهاره يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وينقص عمره ودينه ولا يحزن عليهما ". أنظر هدية الأحباب للقمي. 157 حراما عوقب عليه. قال: والثالثة أعظم من ذلك! قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة، لا يدري على الجنة أم على النار. (1) 41. وقال (عليه السلام): أكبر ما يكون ابن آدم، اليوم الذي يلد من أمه! قالت الحكماء: ما سبقه إلى هذا أحد. (2) 42. وقال (عليه السلام): الرضا بمكروه القضاء أرفع (3) درجات اليقين. (4) 43. وقال (عليه السلام): من كرمت عليه نفسه، هانت عليه الدنيا. (5) 44. وقال (عليه السلام): لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل مع ما يتقبل. (6) 45. وقيل له: من أعظم الناس خطرا؟ قال (عليه السلام): من لم ير للدنيا خطرا لنفسه. (7) 46. وقال (عليه السلام): كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك. (8) 47. وقال (عليه السلام): الخير كله صيانة الإنسان نفسه. (9) 48. وقال (عليه السلام): طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة، ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر. (10)
1. الاختصاص، ص 342؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 160. 2. الاختصاص، ص 342؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 160. 3. في بعض المصادر: " من أعلى " بدل " أرفع ". 4. التمحيص، ص 60؛ تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 135. 5. تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 135. 6. تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 135. 7. تحف العقول، ص 278؛ نثر الدر، ج 1، ص 339؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 135. 8. تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 136. 9. تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 136. 10. تحف العقول، ص 279؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 136. 158 49. وقال (عليه السلام): إجابة دعاء المؤمن ثلاث (1)؛ إما أن يدخر له، وإما أن يعجل له، وإما أن يدفع له بلاء يريد أن يصيبه. (2) قلت: وقريب من هذا ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما من مسلم يدعو الله بدعاء إلا يستجيب له، فأما أن يعجل في الدنيا، وأما أن يدخر له للآخرة، وأما أن يعجل من ذنوبه. (3) 50. وقال (عليه السلام): خمس لو رحلتم فيهن لأنضيتموهن (4) وما قدرتم على مثلهن؛ لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. (5) 51. وقال (عليه السلام): كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج (6) بالإحسان إليه. (7) 52. وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: ويل لمن غلبت آحاده عشراته! (8) فقلت له: وكيف هذا؟ فقال: أما
1. في نسخة: " المؤمن من دعائه على ثلاث "، أي دعاء المؤمن يقبل واحدا من الثلاث. 2. تحف العقول، ص 280؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 138. 3. أنظر: بحار الأنوار، ج 93، ص 302؛ كنز العمال، ج 2، ص 65، ح 3129. 4. " أنضت الدابة ": هزلتها الأسفار، وفي بعض النسخ: " لو دخلتم فيهن لأبعتموهن ". 5. تحف العقول، ص 281؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 139. 6. استدراج الله العبد: كلما جدد خطيئة جدد سبحانه له نعمة، وأنساه الاستغفار، فيأخذه الله قليلا قليلا، ولا يباغته. قاله في القاموس، ج 1، ص 188، وذكر الآلوسي في روح المعاني، ج 9، ص 129 عند قوله تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) (الأعراف، 182): معناه فتح النعيم عليهم، فيأنسون بلذات الدنيا وما أعطوا فيها، فينسون الموت، ويتمادون في الطغيان، فيأخذهم سبحانه على حين غفلة وغرة. وقد ورد في أصول الكافي، ج 2 ص 451، باب الاستدراج حديث في هذا المعنى. 7. تحف العقول، ص 281؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 139. 8. في بعض المصادر: " أعشاره ". 159 سمعت الله عز وجل يقول: (من جاء بالحسنة فلهو عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) (1)، فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرة، والسيئة الواحدة كتبت له واحدة. فنعوذ بالله ممن يرتكب في يوم واحد عشر سيئات، ولا تكون له حسنة واحدة، فتغلب حسناته سيئاته. (2) وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): يا سوأتاه لمن غلبت آحاده عشراته! فإن السيئة بواحدة، والحسنة بعشرة. (3) 53. وقال (عليه السلام): أربع عزهن ذل؛ البنت ولو مريم، والدين ولو درهم، والغربة ولو ليلة، والسؤال ولو كيف الطريق. (4) 54. وقال (عليه السلام): إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه (5)، وحلمه وصبره، وحسن خلقه. (6) 55. وقال (عليه السلام): ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه، ومن اتكل على حسن اختيار الله عز وجل له، لم يتمن إنه في غير الحال التي اختار الله له. (7) 56. وقال (عليه السلام) - لما قال له رجل ما الزهد؟ قال -: الزهد عشرة أجزاء، فأعلى درجاته أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع، أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين، أدنى درجات الرضا، وأن الزهد آية في كتاب الله: (لكيلا تأسوا
1. الأنعام: 160. 2. معاني الأخبار، ص 248؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 243. 3. راجع: تحف العقول، ص 281؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 139. 4. نور الأبصار، الشبلنجي، ص 142. 5. في نسخة: " المراء ". 6. الكافي، ج 2، ص 240؛ الخصال، ص 290؛ مشكاة الأنوار، ص 391؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 129. 7. الدرة الباهرة، ص 26؛ أعلام الدين، ص 159؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 155. 160 على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (1). (2) 57. وقال (عليه السلام): من ضحك ضحكة، مج من علمه مجة (3) علم. (4) وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): ما مزح الرجل مزحة إلا مج من عقله مجة. (5) 58. وقال (عليه السلام): إن الجسد إذا لم يمرض أشر (6)، ولا خير في جسد يأشر. (7) 59. وقال رجل له: ما أشد بغض قريش لأبيك؟ (8) فقال (عليه السلام): لأنه أورد أولهم النار، وألزم وقلد آخرهم العار. قال: ثم جرى ذكر المعاصي، فقال: عجبت لمن يحتمي الطعام لمضرته، ولا يحتمي الذنب (9) لمعرته! (10) وقريب منه ما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب! (11)
1. الحديد: 23. 2. الخصال، ص 437؛ تحف العقول، ص 278؛ روضة الواعظين، ص 432؛ مشكاة الأنوار، ص 205؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 136. 3. المجة: المرة من المج، يقال: ما بقي في الإناء إلا مجة، اي قدر ما يج. (المنجد) 4. كشف الغمة، ج 2، ص 102؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158؛ سنن الدارمي، ج 1، ص 144. 5. نهج البلاغة، قصار الحكم 450. 6. " أشر ": أي بطر ومرح. 7. كشف الغمة، ج 2، ص 102؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158. 8. في بعض النسخ: " لم أبغضت قريش عليا ". 9. قال الشيخ البهائي في أربعينه ص 642: إن اطلاق الحمية على اجتناب الذنوب من باب المشاكلة. 10. نثر الدر، ج 1، ص 340؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 159، وفي بحار الأنوار ج 29، ص 489، باب العلة التي من أجلها ترك الناس عليا (عليه السلام): قال أبو زيد النحوي: سألت الخليل بن أحمد العروضي، فقلت: لم هجر الناس عليا (عليه السلام)، وقرباه من رسول الله قرباه وموضعه، من المسلمين موضعه، وعناؤه في الإسلام عناؤه؟ فقال: بهر والله نوره أنوارهم، وغلبهم على صفو كل منهم، والناس إلى أشكالهم أميل، أما سمعت قول الأول حيث يقول: وكل شكل إلى أشكالهم ألف * أما ترى الفيل يألف الفيلا 11. الأمالي، الصدوق، ص 247، ص 265؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 65؛ و ج 75، ص 263. 161 60. ورأى عليلا قد برئ، فقال (عليه السلام): يهنؤوك الطهور من الذنوب، إن الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره. (1) أقول: وقد روي هذا الحديث عن عمه الإمام المجتبى الحسن (عليه السلام) باختلاف لما دخل على عليل فقال (عليه السلام) له: إن الله تعالى قد نالك (2) فاشكره، وذكرك فاذكره. (3) 61. وقال (عليه السلام): رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا، يأكل ويشرب وهو لا يدري، لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم. (4) 62. وقال (عليه السلام): ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج، وما من شئ أحب إلى الله من أن يسأل. (5) 63. وقال (عليه السلام) لابنه محمد (عليه السلام): افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان له أهل (6)، فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل، كنت أنت أهله. وإن شتمك رجل عن يمينك، ثم تحول إلى يسارك، واعتذر إليك فاقبل عذره. (7) 64. وقال (عليه السلام): مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الأمر تمام العز، واستثمار (8) المال (9) تمام المروءة، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة للبدن،
1. التمحيص، ص 42؛ تحف العقول، ص 280؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 138. 2. نال خيرا: أي أصاب، وأصله نيل، كتعب. راجع صحاح الجوهري، ج 5، ص 1838. 3. الكشكول، البحراني، ج 3، ص 43. 4. تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 140. 5. تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 140. 6. في نسخة: " فإن كان أهله ". 7. مسائل علي بن جعفر (عليه السلام)، ص 342؛ الكافي، ج 8، ص 152؛ تحف العقول، ص 282؛ مشكاة الأنوار، ص 137؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 141. 8. في بعض النسخ: " استنماء ". 9. " استثمار المال ": أي استنمائه بالتجارة والمكاسب، دليل تمام الإنسانية وموجب له أيضا؛ لأنه لا يحتاج إلى غيره، ويتمكن من أن يأتي بما يليق به (مرآة العقول، ج 1، ص 64). 162 عاجلا وآجلا. (1) 65. وقال (عليه السلام): من قال: " لا إله إلا الله "، فلن يلج (2) ملكوت السماء، حتى يتم قوله بعمل صالح. ولا دين لمن دان الله بغير إمام عادل، ولا دين لمن دان الله بطاعة - ظالم. ثم قال: وكل القوم ألهاهم التكاثر، حتى زاروا المقابر. (3) 66. وقال (عليه السلام): أظهر اليأس من الناس فإن ذلك من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم فإن ذلك فقر حاضر، وإياك وما يعتذر منه، وصل صلاة مودع، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا من أمس، وغدا خيرا من اليوم فافعل. (4) 67. وقيل له (عليه السلام): إن الحسن البصري قال: " ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا! ". فقال (عليه السلام): أنا أقول: ليس العجب ممن نجا كيف نجا، إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله! (5) 68. ونظر (عليه السلام) إلى سائل يبكي، فقال (عليه السلام): لو أن الدنيا كانت في كف هذا، ثم سقطت منه، ما كان ينبغي له أن يبكي عليها! (6) 69. وسئل: لم أوتم النبي (صلى الله عليه وآله) من أبويه؟ فقال (عليه السلام): لئلا يوجب عليه حق المخلوق. (7) أقول: وروي هذا الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) باختلاف. سئل منه لم أوتم
1. تحف العقول، ص 283؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 141. 2. ولج الشيء في غيره: دخل فيه. 3. الزهد، الكوفي، ص 19؛ الأمالي، المفيد، ص 184، بحار الأنوار، ج 69، ص 402؛ و ج 78، ص 152. 4. الأمالي، المفيد، ص 184؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 152. 5. الأمالي، المرتضى، ج 1، ص 113؛ أعلام الورى، ص 261؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 153. 6. كشف الغمة، ج 2، ص 106؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158. 7. نثر الدر، ج 1، ص 338؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158. 163 النبي (صلى الله عليه وآله) عن أبويه؟ فقال: لئلا يكون لمخلوق أمر عليه. (1) 70. وقال (عليه السلام) لابنه: إياك ومعاداة الرجال! فإنه لن يعدمك مكر حليم، أو مفاجأة لئيم. (2) 71. وقال (عليه السلام): من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه، ومن لم يعرف داءه أفسد دواءه. (3) أقول: وقريب من الجملة الأولى هذه الجملة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال - كما في نهج البلاغة -: من أسرع إلى الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون. (4) 72. وقال (عليه السلام): إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا، وإن أعظمكم عند الله عملا (5) أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا، وإن أرضاكم عند الله أسعاكم (6) على عياله، وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله. (7) 73. وقال (عليه السلام): إن أسرع الخير ثوابا البر، وأسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر في عيوب غيره، ويعمى عن عيوب نفسه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه، أو ينهى الناس عما لا يستطيع تركه. (8)
1. معاني الأخبار، ص 53 وفيه: " لئلا يكون لأحد عليه طاعة "، وفي العيون، ج 1، ص 46، مع اختلاف قليل. 2. نثر الدر، ج 1، ص 338؛ كشف الغمة، ج 2، ص 106؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 158. 3. نزهة الناظر، ص 91؛ الدرة الباهرة، ص 26؛ أعلام الدين، ص 299؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 261؛ و ج 78، ص 160. 4. نهج البلاغة، الحكمة 35؛ غرر الحكم، ج 5، ص 379؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 151. 5. في بعض المصادر: " خطأ ". 6. في بعض المصادر: " أسبغكم ". 7. كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 408؛ الكافي، ج 8، ص 68؛ تحف العقول، ص 279، أعلام الدين، ص 90، مشكاة الأنوار، ص 143؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 136. 8. الكافي، ج 2، ص 460؛ الاختصاص، ص 228؛ إرشاد القلوب، ص 183. 164 74. وقال (عليه السلام): لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج (1)، وخوض اللجج، إن الله - تبارك وتعالى - أوحى إلى دانيال: إن أمقت عبيدي إلي الجاهل، المستخف بأهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وإن أحب عبيدي إلي، التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء. (2) 75. وقيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ فقال (عليه السلام): أصبحت وأنا مطلوبا بثمان؛ الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي (صلى الله عليه وآله) بالسنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان بالمعصية (3)، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب. (4) 76. وعن محمد بن حوب قال: أوصى علي بن الحسين ولده أبا جعفر محمد (عليهما السلام)، فقال (عليه السلام): يا بني اصبر للنوائب، ولا تتعرض للحتوف، ولا تعط نفسك، ما ضره عليك أكثر من نفعه. (5) أقول: وفي رواية أخرى، بدل الجملة الأخيرة هذه العبارة: " ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك، أكثر من منفعتك له ". 77. وقال (عليه السلام): متفقه في الدين، أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد. (6)
1. " المهجة ": دم القلب خاصة، والجمع مهج (مجمع البحرين، ج 4، ص 242)، و " اللجج ": جمع اللجة، وهي معظم الماء، ووسط ماء البحر. قال تعالى في سورة النمل، الآية 44: (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها). ويقول الإمام علي (عليه السلام): من اقتحم اللجج غرق (نهج البلاغة، رقم 349). 2. الكافي، ج 1، ص 35؛ بحار الأنوار، ج 1، ص 185. 3. في بعض المصادر: " باتباعه ". 4. الأمالي، الطوسي، ص 641، ح 1330؛ الدعوات، ص 127؛ جامع الأخبار، ص 90؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 69؛ و ج 76، ص 15. 5. كشف الغمة، ج 1، ص 554 وص 582. 6. بصائر الدرجات، ص 7؛ الدعوات، ص 62؛ بحار الأنوار، ج 1، ص 213. 165 78. وقال (عليه السلام): لا يوصف الله بمحكم وحيه، عظم ربنا عن الصفة، وكيف يوصف من لا يحد، وهو يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير. (1) وقريب من هذه الرواية عنه (عليه السلام) قال: يا أبا حمزة، إن الله لا يوصف بمحدودية، عظم ربنا عن الصفة، فكيف يوصف بمحدودية، من لا يحد، ولا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير. (2) 79. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: لولا آية في كتاب الله، لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة. فقلت له: أية آية؟ قال: قول الله: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (3). (4) 80. وقال (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم؛ المدخل فينا من ليس منا، والمخرج منا من هو منا، والقائل إن لهما في الإسلام نصيبا، يعني: هذين الصنمين. 81. وقال (عليه السلام): بئس القوم قوم ختلوا (5) الدنيا بالدين، وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا. (6) 82. وقال (عليه السلام): كلكم سيصير حديثا، فمن استطاع أن يكون حديثا حسنا، فليفعل. (7)
1. تفسير العياشي، ج 1، ص 373، ح 78؛ تفسير البرهان، ج 1، ص 548؛ بحار الأنوار، ج 3، ص 308. وقال المجلسي في ذيل الحديث: أي دل محكم الآيات على أنه لا يوصف، كقوله تعالى: " ليس كمثله شئ " وقوله تعالى: " لا تدركه الأبصار ". 2. الكافي، ج 1، ص 100. 3. الرعد: 39. 4. تفسير العياشي، ج 1، ص 215؛ بحار الأنوار، ج 4، ص 118. 5. في الحديث: " تختل الدنيا بالدين ": أي تطلب الدنيا بعمل الآخرة. يقال: ختله يختله: إذا خدعه راوغه. 6. تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 304. 7. تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 304. 166 وهذا المعنى نظمه ابن دريد في المقصورة: وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى (1) 83. وعن أبي مالك: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): أخبرني بجميع شرائع الدين. فقال (عليه السلام): قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد. (2) 84. وقال (عليه السلام): إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل. (3) 85. وقال (عليه السلام): القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسي في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة. (4) 86. وقال (عليه السلام): إذا نصح العبد لله في سره أطلعه الله على مساوئ عمله، فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس. (5) 87. وقال (عليه السلام): لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا الله بعظمته، لم يقدروا. (6) 88. وقال (عليه السلام): عبادة الأحرار لا تكون إلا شكرا لله، لا خوفا ولا رغبة. (7) 89. وقال (عليه السلام): ما بهمت البهائم، فلم تبهم عن أربعة؛ معرفتها بالرب - تبارك وتعالى - ومعرفتها بالموت، ومعرفتها بالأنثى من الذكر، ومعرفتها بالمرعى الخصب. (8)
1. يقول النحوي في تخميسه للمقصورة، ص 52 (ط بغداد). يقضي الفتى نحبا ويحوي لحده * ويذكر الناس جميعا عهده ينشر كل ذمه أو حمده * وإنما المرء حديث بعده 2. الخصال، ص 112، ح 90؛ عنه في مستدرك وسائل الشيعة، ج 11، ص 316، ح 13139. 3. الكافي، ج 1، ص 70؛ المحاسن، ج 1، ص 221؛ مشكاة الأنوار، ص 265. 4. الخصال، ص 317، ح 100؛ روضة الواعظين، ص 370؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 310. 5. إسعاف الراغبين، ص 239. 6. الكافي، ج 1، ص 102. 7. إسعاف الراغبين، ص 240. 8. الكافي، ج 6، ص 539؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 288؛ الخصال، ص 260، ح 136؛ بحار الأنوار، ج 64، ص 50. 167 قلت: قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه بعد هذا الحديث: وأما الخبر الذي روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون، ما أكلتم منها سمينا قط! " فليس بخلاف هذا الخبر؛ لأنها تعرف الموت، لكنها لا تعرف منه ما تعرفون. (1) 90. وقال (عليه السلام): إني لأكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطيع، إن طمع عمل، وإلا لم يعمل، وأكره أن أعبده إلا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل، وقيل: فلم تعبده؟ قال: لما هو أهله بأياديه علي وإنعامه. (2) 91. وقال (عليه السلام): إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح، فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا، ويناشدونه، ويقولون: إنما نثاب بك ونعاقب بك (3). (4) أقول: وقريب من هذه الرواية ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا أصبح ابن آدم، كانت الأعضاء كلها تكفر اللسان وتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن أعوججت أعوججنا. (5) وما ورد عن الصادق (عليه السلام): ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد، يكفر اللسان (6) ويقول: نشدتك الله أن نعذب فيك. (7)
1. أنظر: كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 288. 2. تفسير الإمام العسكري، ص 328؛ عنه بحار الأنوار، ج 70، ص 198؛ تنبيه الخواطر، ص 108. 3. هذا من باب الاستعارة والمجاز؛ لأن الجوارح لا لسان لها فتتكلم وتقول الجواب، وسماه بعض علماء الكلام بلسان الحال. 4. الاختصاص، ص 230؛ ثواب الأعمال، ص 282؛ الخصال، ص 6، ح 15؛ الكافي، ج 2، ص 115. 5. سنن الترمذي، ج 4، ص 31؛ مسند أحمد، ج 3، ص 96. 6. قال في الوافي (ج 2، ص 34): يكفر اللسان، أي يذل ويخضع، التكفير: هو أن ينحني الإنسان، ويطأطئ رأسه قريبا بالركوع. 7. الكافي، ج 2، ص 115؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 302. 168 92. وقال (عليه السلام): ضمنت على ربي ألا يسألني أحد من غير حاجة، إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة. (1) 93. وقال (عليه السلام): إنما التوبة العمل، والرجوع عن الأمر، وليست التوبة بالكلام. (2) 94. وقال (عليه السلام): من كتم علما أحدا، أو أخذ عليه أجرا رفدا صفدا (3)، فلا ينفعه أبدا. (4) وقال النبي (صلى الله عليه وآله): من كتم علما نافعا، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. (5) 95. وعن محمد بن بشير، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: من استمع حرفا من كتاب الله تعالى من غير قراءة، كتب الله له به حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة، ومن قرأ نظرا من غير صوت، كتب الله له بكل حرف حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة، ومن تعلم منه حرفا ظاهرا، كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات. قال: لا أقول بكل آية، ولكن بكل حرف باء وتاء أو شبههما. قال: ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلاته، كتب الله له خمسين حسنة، ومحا عنه خمسين سيئة، ورفع له خمسين درجة، ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلاته، كتب الله له بكل حرف مئة حسنة، ومحا عنه مئة سيئة، ورفع له مئة درجة مستجابة، ومن ختمه كانت له دعوة مؤخرة أو معجلة. قال: قلت: - جعلت فداك! - إذا ختمه كله؟ قال: ختمه كله. (6)
1. الكافي، ج 4، ص 19؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 70؛ عدة الداعي، ص 89؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 158. 2. كشف الغمة، ج 2، ص 101؛ حلية الأبرار، ج 2، ص 32. 3. " الصفد " - محركة -: العطاء. 4. حلية الأولياء، ج 3، ص 140؛ كشف الغمة، ج 2، ص 103. 5. نص النصوص، ص 16؛ عوالي اللئالي، ج 4، ص 71، ح 40؛ كنز العمال، ج 10، ص 216، ح 29142. 6. الكافي، ج 2، ص 613؛ وسائل الشيعة، ج 6، ص 188؛ كنز العمال، ج 1، ص 543، ح 2429، نقلا عن ابن عباس. 169 96. وقال (عليه السلام): ويلمه فاسقا من لا يزال مماريا! ويلمه (1) فاجرا من لا يزال مخاصما! ويلمه آثما من كثر كلامه في غير ذات الله! (2) 97. وقال (عليه السلام): الحسود لا ينال شرفا، والحقود يموت كمدا، واللئيم يأكل ماله الأعداء، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. (3) 98. وقال (عليه السلام): يكتفي اللبيب بوحي الحديث، وينبو البيان عن قلب الجاهل، ولا ينتفع بالقول وإن كان بليغا، مع سوء الاستماع، وحسن المنطق. (4) 99. وقال (عليه السلام): أسعد الناس من جمع إلى حزمه عزما في طاعة الله. (5) 100. وقال (عليه السلام): أخذ الناس ثلاثا عن ثلاثة: أخذوا الصبر عن أيوب، والشكر عن نوح، والحسد من بني يعقوب. (6) 101. وقال (عليه السلام): العقل دليل الخير، والهوى مركب المعاصي، والفقه (7) وعاء العمل، والدنيا سوق الآخرة، والنفس تاجره، والليل والنهار رأس المال، والمكسب الجنة، والخسران النار، هذا هو والله التجارة التي لا تبور، والبضاعة التي لا تخسر. (8) 102. وقال (عليه السلام): الورع نظام العبادة، فإذا انقطع ذهبت الديانة، كما إذا انقطع السلك، اتبعه النظام. (9)
1. " ويلمه ": ويل لأمه. 2. الكافي، ج 8، ص 391؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 237. 3. نزهة الناظر، ص 92؛ عنه مستدرك الوسائل، ج 12، ص 20، ح 13400. 4. نزهة الناظر، ص 93. 5. نزهة الناظر، ص 93. 6. عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 45، بحار الأنوار، ج 11، ص 291؛ و ج 71، ص 44. 7. في نسخة: " والعفة ". 8. إرشاد القلوب، ص 59. 9. الأمالي، الطوسي، ص 703، ح 1507؛ تنبيه الخواطر، ص 88؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 308. 170 103. وقال (عليه السلام): الفكر مرآة ترى المؤمن سيئاته (1) فيقلع عنها، وحسناته فيكثر منها، فلا تقع مقرعة التقريع عليه، ولا تنظر عين العواقب شزرا إليه. ويقول الإمام الصادق (عليه السلام):... والفكر مرآة الحسنات، وكفارة السيئات، وضياء للقلب، وفسحة للخلق، وإصابة في إصلاح المعاد، واطلاع على العواقب، واستزادة في العلم، وهي خصلة لا يعبد الله بمثلها. (2) 104. وسئل عن العصبية؟ فقال (عليه السلام): العصبية التي يأثم صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم. (3) قلت: وجاء هذا المعنى عن جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، قيل له: الرجل يحب قومه، أعصبي هو؟ قال: لا، العصبي الذي يعين قومه على الظلم. (4) 105. وقال (عليه السلام): من أطعم مؤمنا من جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنا من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمنا ثوبا، كساه الله من الثياب الخضر، ولا يزال في ضمان الله عز وجل ما دام عليه منه سلك. (5) 106. وقال (عليه السلام): أربع من كن فيه كمل إسلامه، ومحصت (6) عنه ذنوبه، ولقى ربه U وهو عنه راض؛ من وفى ربه عز وجل (7) بما يجعل على نفسه للناس، وصدق لسانه مع
1. إلى هنا يوجد في تاريخ مدينة دمشق، ج 41، ص 408؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 123. 2. مصباح الشريعة، ص 114؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 326. 3. الكافي، ج 2، ص 308؛ بحار الأنوار، ج 73، ص 288. 4. نثر الدر، ج 1، ص 231. 5. الأمالي، المفيد، ص 9؛ المؤمن، ص 63؛ ثواب الأعمال، ص 164. 6. " محص الشيء ": نقصه بالشر، يقال: محص الله عن فلان ذنوبه، أي نقصها وطهره منها. (عن هامش الخصال، ص 222) 7. في بعض المصادر " لله " بدل " ربه ". 171 الناس، واستحي من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله. (1) 107. وسئل منه ما بال المتهجدين في الليل من أحسن الناس وجها؟ فقال (عليه السلام): لأنهم خلوا بالله (2)، فكساهم الله من نوره. (3) 108. وعن زرارة قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال (عليه السلام): يا زرارة، الناس في زماننا على ست طبقات؛ أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير، وشاة. فأما الأسد فملوك الدنيا، يحب كل واحد منهم أن يغلب فلا يغلب. وأما الذئب فتجاركم، يذمون إذا اشتروا، ويمدحون إذا باعوا. وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم، ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم. وأما الكلب يهر على الناس بلسانه ويكرمه الناس من شر لسانه. وأما الخنزير فهؤلاء المخنثون وأشباههم، لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا. وأما الشاة المؤمنون الذين تجز شعورهم، ويؤكل لحومهم، ويكسر عظمهم، فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير؟ (4) 109. وقال (عليه السلام): ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم (5)، وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ، لا أكافي بها صاحبها. (6)
1. الخصال، ص 222، ج 50؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 385. 2. في بعض النسخ " بربهم " بدل " بالله ". 3. علل الشرائع، ص 366؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 1، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 159 وفي وسائل الشيعة، ج 2 ص 27، عن الصادق (عليه السلام): صلاة الليل تحسن الوجه، وتحسن الخلق، وتطيب الريح، وتدر الرزق، وتقضي الدين، وتذهب بالهم، وتجلو البصر. 4. الخصال، ص 339، ح 43؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 225. 5. " النعم " - بفتح النون والعين -: الإبل، والأحمر منه ثمين غال جدا. قال المجلسي: أي لا أحب بذل نفسي وإن حصلت لي به حمر النعم، أو لا أحب ذل نفسي ولا أرضى بذله حمر النعم، فيكون تمهيدا لما بعده، فإن شفاء الغيظ مورث للذل. (بحار الأنوار، ج 46 ص 102) 6. الكافي، ج 2، ص 109، الزهد، الكوفي، ص 62؛ الخصال، ص 23، ح 81؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 102. 172 110. وقال (عليه السلام): إن الكذب، هو خراب الإيمان. (1) 111. وقال (عليه السلام): الدنيا سبات (2)، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث أحلام. (3) 112. وقال (عليه السلام): أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب، ومن طاعة الشيطان إذا حرد (4). (5) 113. وقال (عليه السلام): - لما سئل عن الزهد؟ -: هو المتبلغ بدون قوته، المستعد ليوم موته. (6) 114. وقال (عليه السلام): خمس خصال من فقد منهن واحدة، لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب، فأولهن صحة البدن، والثانية الأمن، والثالثة السعة في الرزق والدار، والرابعة الأنيس الموافق. فقيل له: وما الأنيس الموافق؟ قال (عليه السلام): الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخلط الصالح، والخامسة وهي مجمع هذه الخصال الدعة (7). (8) 115. وقال (عليه السلام): آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر فيها. (9)
1. إرشاد القلوب، ص 178؛ رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) في الكافي، ج 2، ص 339؛ عنه بحار الأنوار، ج 72، ص 247. 2. " السبات ": النوم الخفيف. 3. إرشاد القلوب، ص 83؛ الكشكول، البحراني، ج 3، ص 450. 4. " حرد ": أي غضب. 5. إرشاد القلوب، ص 83؛ الكشكول، البحراني، ج 3، ص 450. 6. إرشاد القلوب، ص 83؛ نزهة الناظر، ص 130؛ كشف الغمة، ج 2، ص 306؛ الدرة الباهرة، ص 38. 7. " الدعة ": خفض العيش والراحة، وفي الألفين للعلامة الحلي، الدعة: سكون النفس عند هيجان الشهوة. وفي كلام الإمام علي (عليه السلام): " ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوء خفض الدعة " (نهج البلاغة الثاني، ج 2، ص 15 لجامع الكتاب، ص 87، رقم 371). 8. مكارم الأخلاق، ص 199؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 186؛ الخصال، ص 284، عن أبي عبد الله (عليه السلام). 9. الكافي، ج 2، ص 609؛ عدة الداعي، ص 267؛ بحار الأنوار، ج 92، ص 216. 173 116. وقال (عليه السلام) لشيعته: عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ائتمنني على السيف الذي قتل به، لأديته إليه. (1) أقول: وردت هذه الرواية باختلاف ضئيل عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: اتقوا الله، وعليكم بأداء الأمانات إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل أمير المؤمنين ائتمنني على أمانة، لأديتها إليه. (2) 117. وقال (عليه السلام): من تعرى (3) عن الدنيا بثواب الآخرة، فقد تعرى عن حقير بخطير، وأعظم من ذلك من عد فائتها سلامة نالها، وغنيمة أعين عليها. (4) 118. وقال (عليه السلام): إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه. (5) 119. وقال (عليه السلام): ما من عبد مؤمن تنزل به بلية فيصبر ثلاثا لا يشكو إلى أحد، إلا كشف الله عنه. (6) 120. وقال (عليه السلام): سألت ربي ثلاثا فأعطاني؛ سألته أن يحل فيما حل في سميي من قبل ففعل تعالى، وأن يرزقني العبادة ففعل، وأن يلهمني التقوى ففعل تعالى. (7) 121. وقال (عليه السلام): من مأمنه يؤتى الحذر. (8) 122. وقيل له (عليه السلام): إن فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع؟
1. الأمالي، الصدوق، ص 318، ح 374؛ معاني الأخبار، ص 108؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 114. 2. روضة الواعظين، ص 373. 3. في المصدر: تعزى. 4. الأمالي، الطوسي، ص 613، ح 1266؛ عنه في مستدرك الوسائل، ج 2، ص 480، ح 2513. 5. الكافي، ج 2، ص 112؛ مشكاة الأنوار، ص 380؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 404. 6. مشكاة الأنوار، ص 481. 7. دلائل الإمامة، ص 200. 8. نزهة الناظر، ص 90. 174 فقال (عليه السلام): ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما ليس أعلمه، إن الموت يعمنا، والبعث محشرنا، والقيامة موعدنا، والله يحكم بيننا. إياك والغيبة! فإنها أدام كلاب أهل النار، واعلم أن من أكثر ذكر عيوب الناس، شهد عليه الإكثار، إنه إنما يطلبه بقدر ما فيه. (1) وفي نسخة أخرى قيل له (عليه السلام): إن فلانا يقول فيك ويقول، فقال (عليه السلام) له: والله ما حفظت حق أخيك إذ خنته وقد استئمنك! ولا حفظت حرمتنا إذا سمعتنا ما لم يكن لنا حاجة بسماعه، أما علمت أن نقلة النميمة هم كلاب النار! قل لأخيك: إن الموت يعمنا، والقبر يضمنا، والقيامة موعدنا، والله يحكم بيننا. (2) 123. وقال (عليه السلام): اللجاجة مقرونة بالجهالة، والحمية موصولة بالبلية، وسبب الرفع التواضع. (3) 124. وقال (عليه السلام): من عف عن محارم الله كان عابدا، ومن رضى بقسم الله كان غنيا، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما، ومن صاحب الناس بما يحب أن يصاحبوه به كان عدلا. (4) 125. وعن طاووس اليماني قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: علامات المؤمن خمس. قلت: وما هن يا بن رسول الله؟ فقال (عليه السلام): الورع في الخلوة، والصدقة في القلة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف. (5)
1. الاحتجاج، ج 2، ص 45؛ مشكاة الأنوار، ص 557؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 246. 2. إرشاد القلوب، ص 118. 3. نزهة الناظر، ص 91. 4. كنز الفوائد، ج 1، ص 162؛ تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 303. 5. الخصال، ص 269، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 293. 175 126. وقال (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس فيقال: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة. قالوا: قبل الحساب؟! قالوا: نعم. قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: أهل الفضل. قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم يقول: ينادي مناد ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس. فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: نحن أهل الصبر. قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من الناس، وهم قليل، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقال لهم: مثل ذلك. قالوا: وبم جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله. قالوا: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. (1) 127. وسئل منه عن الكلام والسكوت، أيهما أفضل؟ فقال (عليه السلام): لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل من السكوت. قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟ قال: لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما يبعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجب ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت، ولا يجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام، وما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنك تصف فضل
1. حلية الأولياء، ج 3، ص 139؛ كشف الغمة، ج 2، ص 103، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 303 باختلاف يسير؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 325. 176 السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت (1). (2) 128. وقال (عليه السلام): الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والغنى في القناعة. (3) 129. وقال (عليه السلام): كثرة النصح، تدعو إلى التهمة (4). (5) 130. وقال (عليه السلام): اتقوا المحرمات كلها، واعلموا أن غيبتكم المؤمن من شيعة آل محمد أعظم في التحريم من الميتة، قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) (6). (7)
1. قال على (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية: ما خلق الله عز وجل شيئا أحسن من الكلام ولا أقبح منه، بالكلام ابيضت الوجوه، وبالكلام اسودت الوجوه. واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فإن اللسان كلب عقور، فإن أنت خليته عقر، ورب كلمة سلبت نعمة من سبب عذاره، قاده إلى كل كريهة وفضيحة، ثم لم يخلص منه دهره إلا على مقت من الله وذم من الناس. (الوسائل ج 8 ص 535) وقال الشاعر: تكلم وسدد ما استطعت وإنما * كلامك حي والسكوت جماد فإن لم تجد قولا سديدا تقوله * فصمتك من غير السديد، سداد (روضة الواعظين، ص 471) 2. الاحتجاج، ج 2، ص 46؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 274. 3. نزهة الناظر، ص 92؛ إرشاد القلوب، ص 115. 4. نزهة الناظر، ص 93؛ الدرة الباهرة، ص 26؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 66. 5. وقريب من هذه الكلمة ما قاله الفيلسوف اليوناني أفلاطون: " الإفراط في النصحية يهجم بصاحبها كثير من الظنة "، راجع عيون الأنباء، ابن أصيبعة، ج 1، ص 82، ط بيروت، وإليه يشير الشاعر: وكم سقت في آثاركم من نصيحة * وقد يستفيد الظنة المتنصح مجمع البحرين، ج 4، ص 318، ط النجف. 6. الحجرات: 12. 7. تفسير الإمام العسكري، ص 586؛ بحار الأنوار، ج 26، ص 234. 177 131. وقال (عليه السلام): إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين قام مناد فنادى نداء يسمع الناس، فيقول: أين المتحابون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة بغير حساب. قال: فيقولون: فأي حزب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله. قالوا: وأي شئ كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله، ونبغض في الله. قال: فيقولون: نعم أجر العاملين. (1) 132. وسئل منه أي الأعمال أفضل عند الله؟ فقال (عليه السلام): ما من عمل بعد معرفة الله، ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا، فإن لذلك شعبا كثيرة، وللمعاصي شعبا، فأول ما عصي الله به الكبر، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر، وكان من الكافرين. ثم الحرص، وهي معصية آدم وحواء (عليهما السلام) حين قال الله عز وجل لهما: (وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) (2)، فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة، فلذلك إن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه. ثم الحسد، وهي معصية ابن آدم حين حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في الدنيا، فقالت الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: " حب الدنيا رأس كل خطيئة "، والدنيا دنياءآن؛ دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة (3). 133. وقال (عليه السلام): لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم، إلا أوشك أن
1. الكافي، ج 2، ص 126؛ المحاسن، ج 1، ص 264؛ إرشاد القلوب، ص 86؛ مسكن الفؤاد، ص 49؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 245. 2. البقرة: 35. 3. الكافي، ج 2، ص 131، وص 317؛ مشكاة الأنوار، ص 465؛ بحار الأنوار، ج 73، ص 19. 178 يقول فيه من الشر ما لا يعلم، ولا يصطحب اثنان على غير طاعة الله، إلا أوشكا أن يفترقا على غير طاعة الله. (1) 134. وعن ثابت بن دينار قال: سألت علي بن الحسين (عليهما السلام) عن الله - جل جلاله -، هل يوصف بمكان؟ فقال (عليه السلام): تعالى الله عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماء والأرض، وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه. قلت: فقول الله عز وجل: (ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى) (2)؟ قال: ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى (صلى الله عليه وآله)، فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى. (3) 135. وقيل له: أنت من أبر الناس، فلا نراك تؤاكل مع أمك في صحفة (4)؟ فقال (عليه السلام): أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها (5). وفي رواية أخرى: فأعقها. 136. وإن رجلا سأله عن يوم القيامة؟ فقال (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، وجمع ما خلق في صعيد واحد، ثم نزلت ملائكة السماء الدنيا، وأحاطت بهم صفا، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية، وأحاطوا بالسرادق، ثم
1. تاريخ مدينة دمشق، ج 41، ص 399؛ تهذيب الكمال، ج 20، ص 398؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 126. 2. النجم: 8 و 9. 3. الأمالي، الصدوق، ص 213، ح 238؛ علل الشرائع، ج 1، ص 132؛ روضة الواعظين، ص 60؛ بحار الأنوار، ج 3، ص 314؛ و ج 18، ص 347. 4. " الصحفة ": إناء من آنية الطعام. 5. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 300؛ التعريف، الكراجكي، ص 9. 179 ضرب حولهم سرادق من نار حتى نزلت ملائكة السماء الثالثة، فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، حتى عد ملائكة سبع سماوات وسبع سرادقات. فصعق الرجل، فلما أفاق قال: يا بن رسول الله، أين علي وشيعته؟ قال: على كثبان المسك (1)، يؤتون بالطعام والشراب. قال: لا يحزنهم ذلك. (2) 137. وقال (عليه السلام): التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاة. قيل: وما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى. (3) 138. وقال (عليه السلام): من أحبنا لله نفعه حبنا، ولو كان في جبل الديلم. ومن أحبنا لغير ذلك، فإن الله يفعل ما يشاء، إن حبنا أهل البيت يساقط عن العباد الذنوب كما يساقط الريح الورق من الشجر. (4) 139. وقال (عليه السلام): إن المؤمن إذا حم حمى واحدة، تناثرت الذنوب منه كورق الشجر، فإن صار على فراشه، فأنينه تسبيحة، وصياحه تهليل، وتقلبه على فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله، فإن أقبل يعبد الله بين إخوانه وأصحابه كان مغفورا له، فطوبى له إن مات، وويل له إن عاد، والعافية أحب إلينا. (5) 140. وقال (عليه السلام): من ختم القرآن بمكة، لم يمت حتى يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويرى منزلته في الجنة، وتسبيحة بمكة تعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله، ومن صلى بمكة سبعين ركعة، فقرأ بكل ركعة (قل هو الله أحد) (6)، و (إنا
1. " كثبان ": جمع كثيب، وهو الرمل المستطيل المحدودب. 2. بشارة المصطفى، ص 47؛ عنه بحار الأنوار، ج 7، ص 175. 3. حلية الأولياء، ج 3، ص 140؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 134؛ أعيان الشيعة، ج 3، ص 394. 4. بشارة المصطفى، ص 3؛ بحار الأنوار، ج 68، ص 116. 5. ثواب الأعمال، ص 192؛ جامع الأخبار، ص 163؛ أعلام الدين، ص 397؛ الفصول المهمة، ص 501؛ بحار الأنوار، ج 81، ص 205. 6. الإخلاص: 1. 180 أنزلناه) (1)، و " آية الكرسي "، لم يمت إلا شهيدا، والطاعم بمكة كالصائم في ما سواها، وصيام يوم بمكة يعدل صيام سنة فيما سواها، والماشي بمكة كالصائم لله عز وجل. (2) 141. وقال (عليه السلام): ليس الخوف خوف من بكى وإن جرت دموعه، ما لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله، وإنما ذلك خوف كاذب. (3) 142. وقال (عليه السلام): لا يفخر أحد على أحد فإنكم عبيد، والمولى واحد. (4) 143. وقال (عليه السلام): إن الدعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة، إن الدعاء ليرد البلاء
1. القدر: 1. 2. كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 227؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 468؛ بحار الأنوار، ج 99، ص 82. 3. عدة الداعي، ص 163؛ بحار الأنوار، ج 93، ص 335. 4. الكشكول، البهائي، ج 2، ص 552. قلت: إن هذه النفسية المثلى التي تمثلت في شخصيته الفذة، وإنسانيته العميقة، هي مستقاة من نفسية جده العظيم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) الذي كان يرى أنه لا فرق بين عربي وعجمي، وبين أسود وأبيض... وإنما الفارق هو التقوى، والتحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن رذائلها. ويقول العلامة الجلالي في كتابه القيم جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)، ص 137: لقد قاوم هذه الردة الاجتماعية (أي الفرق بين الناس) عن الإسلام بكل قوة، وتمكن بحكم موقعه الاجتماعي وأصالته النسبية أن يقتحم على بني أمية بلا رادع ولا حرج... ثم نقل عن كتاب نظرية الإمامة، ص 2576 للدكتور صبحي فيما كان الأمويون يقيمون ملكهم على العصبية العربية عامة، كان زين العابدين (عليه السلام) يشيع نوعا من الديمقراطية الاجتماعية بالرغم مما يجري في عروقه من دم أصيل أبا وأما، وقد أقدم على ما زعزع التركيب الاجتماعي للمجتمع الإسلامي الذي أراد له الأمويون أن يقوم على العصبية. (انتهى) ثم قال: وقد قاوم الإمام زين العابدين (عليه السلام) ذلك نظريا بما قدمه من تصريحات، وعمليا بما أقدم عليه من مواقف. وكان يقول: " لا يفخر واحد على أحد... " وكان يجالس مولى لعمر بن الخطاب، فقال له رجل من قريش: أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد، وتجلس معه؟! فقال (عليه السلام): أتي من أنتفع بمجالسته في ديني. كما في سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 388؛ حلية الأولياء، ج 3، ص 137؛ صفة الصفوة، ج 2، ص 98. 181 وقد أبرم إبراما (1). (2) 144. وعن أبي الحسن (3) (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل. (4) 145. ولقى الإمام (عليه السلام) رجل فسبه فقال (عليه السلام): يا هذا، إن بيني وبين جهنم عقبة، إن أنا جزتها فلا أبالي بما قلت، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول. فاستحى الرجل، وانكب على قدميه وقال: أشهد أنك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). (5) 146. وكان الإمام (عليه السلام) يطوف بالبيت، وكان عبد الملك آنذاك يطوف ولم يلتفت إليه، فقال عبد الملك: من هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا؟ فقيل له: علي بن الحسين. فقال له: يا علي، إني لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المسير إلي؟ فقال (عليه السلام): إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، إن أحببت أن تكون كهو، فكن! (6) 147. وسئل (عليه السلام) عن أفضل الأعمال؟ فقال (عليه السلام): أن تقنع بالقوت، وتلزم السكوت، وتصبر على الأذية، وتندم على الخطيئة. (7)
1. أي: نزل ولا مناص عنه. 2. الكافي، ج 2، ص 469؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 36. 3. الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام). 4. الكافي، ج 2، ص 469؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 37. 5. لم أعثر عليها، ولكن روى مثلها في التذكرة، ص 31؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 123؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 99. 6. الصحيفة السجادية، دعاء 265؛ الخرائج والجرائح، ج 1، ص 255؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 121. 7. الكشكول، البهائي، ج 3، ص 238؛ مستدرك الوسائل، ج 15، ص 232، ح 18094. 182 148. وقال الزهري: إن بعض أصحابه (عليه السلام) شكا إليه دينا، وقد عجز عن وفائه، فأخذ (عليه السلام) يبكي، فسأله الرجل عن بكائه؟ فقال (عليه السلام): وهل البكاء إلا للمحن الكبار؟! وأي محنة أكبر من أن يرى الإنسان أخاه المؤمن في حاجة لا يتمكن على قضائها، وفي فاقة لا يطيق دفعها؟! ولما قضى (عليه السلام) حاجته بإذن الله تعالى، فقال (عليه السلام): جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله - جل ثناؤه -، وترك الاقتراح عليه، والرضا بما يدبرهم به، إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبرا لم يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بإزاء ما وجب لهم نجح جميع طلباتهم، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم. (1) 149. وقال (عليه السلام) لخادمه: إذا أعطيت سائلا، فمره أن يدعو بالخير، فإن دعاءه لا يرد. (2) 150. وقال (عليه السلام): من قضى لأخيه حاجة، فبحاجة الله بدئ، وقضى الله له بها مئة حاجة، في إحداهن الجنة. (3) 151. وكان يقول (عليه السلام): اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع (4) العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي، فإذا عدت فعد علي. (5)
1. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 287؛ روضة الواعظين، ص 196. وفيه: وهل يعد البكاء إلا المصائب والمحن الكبار؟ قالوا: كذلك يا بن رسول الله. قال: فأية محنة ومصيبة أعظم على حرمة مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلة، فلا يمكن عنها سدها، ويشاهده على فاقة، فلا يطيق رفعها! 2. عدة الداعي، ص 59؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 425. 3. ثواب الأعمال، ص 175؛ عوالي اللئالي، ج 1، ص 355؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 303. 4. في بعض النسخ: " لوائح ". 5. البداية والنهاية، ج 9، ص 132؛ حلية الأولياء، ج 3، ص 134. 183 152. ومر (عليه السلام) على الحسن البصري، وهو يعظ الناس بمنى، فقال (عليه السلام): يا هذا، أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم، أترضاها لنفسك فيما بينك وبين الله تعالى إذا نزل بك الموت؟ قال: لا. فقال (عليه السلام): أفتحدث نفسك بالتحول، والانتقال من الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟ فأطرق الحسن البصري مليا، ثم قال: إني أقول ذلك بلا حقيقة. فقال (عليه السلام): أفترجو نبيا بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، تكون لك معه سابقة؟ قال: لا. فقال (عليه السلام): أفترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟ قال: لا. فقال (عليه السلام): أرأيت أحدا به مسكة عقل، رضي لنفسه من نفسه بهذا؟ إنك على حال لا ترضاها، ولا تحدث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة، ولا ترجو نبيا بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا دارا غير الدار التي أنت فيها فترد إليها وتعمل فيها، وأنت تعظ الناس! ثم انصرف (عليه السلام) عنه، فسأل الحسن البصري من هذا؟ قيل: إنه علي بن الحسين (عليهما السلام). فقال: هو من أهل بيت علم، وارتفع عن الوعظ. (1) 153. وقال (عليه السلام): من اهتم بمواقيت الصلاة، لم تستكمل له لذة الدنيا. (2) 154. وقال (عليه السلام): أشحنوا (3) قلوبكم بالخوف من الله تعالى، فإن لم تسخطوا شيئا من صنع الله تعالى بكم، فاسألوا ما شئتم. (4)
1. الاحتجاج، ج 2، ص 43؛ بحار الأنوار، ج 10، ص 146. 2. الكافي، ج 3، ص 275؛ وسائل الشيعة، ج 4، ص 118. 3. " أشحنوا ": املؤوا. 4. نزهة الناظر، ص 97؛ مستدرك الوسائل، ج 5، ص 205، ح 5702. 184 155. وقال (عليه السلام): من المنجيات القصد في الغنى والفقر. (1) 156. وقال (عليه السلام): أحب السبيل إلى الله جرعتان؛ جرعة غيض يردها بحلم، وجرعة مصيبة يردها بصبر. (2) 157. وقال (عليه السلام): إني أحب أن أقدم على ربي تعالى وعملي مستو. (3) 158. وقال (عليه السلام): الدعاء بعدما ينزل البلاء لا ينتفع به. (4) 159. وقال (عليه السلام): لو مات مؤمن ما بين المشرق والمغرب لما استوحشت، بعد أن يكون القرآن معي. (5) 160. وقال قاسم بن عوف: كنت آتي (6) علي بن الحسين (عليه السلام) مرة، ومحمد بن الحنفية مرة، فلقيني علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال لي: إياك أن تأتي أهل العراق فتخبرهم ما استودعناك علما! فإنا والله ما فعلنا ذلك، وإياك أن تترأس بنا، فيضعك الله، وإياك أن تستأكل بنا، فيزيدك الله فقرا. واعلم أنك أن تكون ذنبا في الخير، خير لك من أن تكون رأسا في الشر. واعلم أن من يحدث عنا بحديث سألناه يوما، فإن حدث صدقا كتبه الله صديقا، وإن حدث كذبا، كتبه الله كذابا. وإياك أن تشد راحلة ترحلها، فإنما هاهنا يطلب العلم، حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج. يبعث الله لكم غلاما من ولد فاطمة (عليها السلام)، تنبت الحكمة في صدره، كما ينبت
1. الكافي، ج 4، ص 53. 2. الكافي، ج 2، ص 110؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 411. 3. الكافي، ج 2، ص 83؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 102. 4. الكافي، ج 2، ص 472؛ بحار الأنوار، ج 93، ص 314. 5. الكافي، ج 2، ص 602؛ تفسير العياشي، ج 1، ص 23؛ بحار الأنوار، ج 92، ص 239. 6. في نسخة: " أتردد بين علي بن الحسين ومحمد بن الحنفية ". 185 الطل الزرع. قال: ولما مضى علي بن الحسين (عليهما السلام) حسبنا الأيام والجمع والشهور والسنين، فما زاد يوما ولا نقص، حتى تكلم محمد بن علي بن الحسين باقر العلم (عليهم السلام). (1) 161. وسمع (عليه السلام) ناعية (2) في بيته، وعنده جماعة، فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه. فقيل له: أمن حدث كانت الناعية (3)؟ قال: نعم، فعزوه، وتعجبوا من صبره. فقال (عليه السلام): إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب، ونحمده فيما نكره. (4) 162. وكان يقول (عليه السلام) (5): عتبت على الدنيا وقلت إلى متى * أكابد بؤسا همه ليس ينجلي أكل كريم من علي نجاره (6) * يروح عليه الماء (7) غير محلل فقالت نعم يا بن الحسين رميتكم * بسهمي عنادا منذ طلقني علي (8) 163. وقال (عليه السلام): موت الفجأة تخفيف للمؤمن، وأسف على الكافر. (9) وإن المؤمن ليعرف غاسله وحامله، فإن كان له عند ربه خير، ناشد حملته
1. اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 340؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 162. 2. في بعض المصادر: " واعية ". 3. في بعض المصادر: " الواعية ". 4. كشف الغمة، ج 2، ص 103؛ حلية الأولياء، ج 3، ص 138؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 95. 5. تمثلت الدنيا بصورة جميلة وجاءت إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم الطف وقالت: " تزوجني أرد عنك هذا الجمع ". قال (عليه السلام): اعزبي ويحك، أما علمت أن مطلقات الآباء لا تحل للأبناء. أنظر البطل العلقمي، المظفري، ج 3، ص 364. وذيل نهج البلاغة الثاني ج 1، ص 364، لجامع الكتاب. 6. " النجار ": الأصل والحسب. 7. وفي كشف الغمة (ج 1، ص 175): " حرام عليه الرزق ". 8. الكشكول، البهائي، ج 1، ص 183؛ الأنوار النعمانية، ج 4، ص 7. 9. إلى هنا رواه في الكافي، ج 3، ص 112، بإسناده إلى جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). 186 بتعجيله، وإن كان غير ذلك، ناشدهم أن يقصروا به. فقال ضمرة بن سمرة (1): إن كان كما تقول، أقفز من السرير، ضحك وأضحك. وقال (عليه السلام): اللهم إن ضمرة بن سمرة ضحك وأضحك بحديث ابن رسولك، فخذه أخذة أسف، فمات فجأة. فأتى بعد ذلك مولى لضمرة زين العابدين، فقال: أصلحك الله، إن ضمرة مات فجأة، وإني لأقسم لك بالله إني سمعت صوته، وأنا أعرفه، كما كنت أعرف صوته في حياته في الدنيا وهو يقول: الويل لضمرة بن سمرة! تخلى مني كل حميم، وخلدت وحللت بدار الجحيم، وبها مميتي والمقبل. فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): الله أكبر، هذا جزاء من ضحك وأضحك من حديث ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) 164. ولقى الحسن البصري الإمام السجاد (عليه السلام) فقال له: يا حسن، أطع من أحسن إليك، وإن لم تطعه فلا تعص له أمرا، وإن عصيته فلا تأكل له رزقا، وإن عصيته وأكلت رزقه، وسكنت داره، فأعد له جوابا، وليكن صوابا. (3) 165. وقال (عليه السلام): من لزم الصمت هابته العيون، وحسنت فيه الظنون. (4) 166. وقال (عليه السلام): العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثة. (5) وورد هذا الحديث عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله). 167. وعن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام)، وقد سقط
1. قال في قاموس الرجال، ج 5، ص 153: " الظاهر أنه ابن سمرة بن جندب "، وأشار إلى هذا الحديث. 2. الصحيفة السجادية، دعاء 73؛ الخرائج والجرائح، ج 2، ص 586؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 91؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 27. 3. الكشكول، البهائي، ج 1، ص 286. 4. الكشكول، البهائي، ج 3، ص 238. 5. الاثنا عشرية، ص 113 للبهائي. 187 رداؤه عن منكبه، فلم يسوه حتى فرغ من صلاته، فقلت له في ذلك؟ فقال (عليه السلام): ويحك، أتدري بين يدي من كنت! إن العبد لا تقبل منه صلاة، إلا ما أقبل فيها. فقلت: - جعلت فداك! - إذا هلكنا. فقال (عليه السلام): كلا، إن الله يتم ذلك بالنوافل (1). (2) 168. قال (عليه السلام): المراء يفسد الصداقة البعيدة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون به المغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب القطيعة. (3) 169. ورأى الزهري علي بن الحسين (عليهما السلام) في ليلة باردة ممطرة، وعلى ظهره دقيق، يريد أن يتصدق به على الفقراء، فقال: يا بن رسول الله، ما هذا؟ قال (عليه السلام): أريد سفرا أعد له زادا، أحمله إلى موضع حريز. (4) قال: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى. فقال: أنا أحمله عنك، فإني أرفعك عن حمله. فقال (عليه السلام): لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري، ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت بحاجتك وتركتني، فانصرف. فلما كان بعد أيام قال: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا.
1. قال الإمام الباقر (عليه السلام): إنما جعلت النافلة ليتم بها ما يفسد من الفريضة. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): يرفع للرجل من الصلاة ربعها أو ثمنها أو نصفها، أو أكثر بقدر ماسها، ولكن الله يتم ذلك بالنوافل. (وسائل الشيعة، ج 3، ص 54) وذكر المجلسي في رسالته الاعتقادية: اعلم يا أخي إن النوافل اليومية، وصلاة الليل، متممة للفرائض، وهي من سنن النبي، لم يتركها إلى أن مضى من الدنيا، فلا تتركها، فإن تركتها فاقض حيث ما تيسرت. 2. تهذيب الأحكام، ج 2، ص 342، ح 1415؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 62؛ و ج 84، ص 265. 3. نزهة الناظر، ص 139؛ أعلام الدين، ص 311؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 369. 4. " الحرز ": الموضع الحصين. يقال: هذا ما حرز حريز. 188 قال (عليه السلام): بلى يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنه الموت، وله كنت أستعد، إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام، وبذل الندى في الخير. (1) 170. قال (عليه السلام): من وصف ببذل نفسه (2) لطلابه، لم يكن سخيا، وإنما السخي من يبتدي بحقوق الله في أهل طاعته، وتنازعه (3) نفسه إلى حب الشكر له، إذا كان يقينه (4) بثواب الله تاما. (5) 171. وعن الثمالي إنه سمع علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول لمولاه: لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه، فإن اليوم يوم الجمعة. قلت له: ليس كل من يسأل مستحقا. فقال (عليه السلام): أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقا، فلا نطعمه ونرده، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب! (6) 172. وقال (عليه السلام): إذا أراد الله بعبد خيرا، أخذ فيه بعقول الرجال حتى ينفذ أمره فيهم، ثم يرد إليهم عقولهم، ألا ترى إلى الرجل يقول: فعلت كذا وكذا، وليس معي عقلي. (7) 173. ومر (عليه السلام) على رجل يدعو الله أن يرزقه الصبر. فقال (عليه السلام): لا تقل هذا، وسل الله العافية والشكر على العافية، فإن الشكر على العافية، خير من الصبر على البلاء. (8)
1. علل الشرائع، ص 231؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 293؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 65. 2. في المحجة: " ماله ". 3. في المحجة: " لا تنازعه ". 4. في المحجة: " ثقته ". 5. المحجة البيضاء، ج 6، ص 64. 6. علل الشرائع، ص 45؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 413. 7. مشكاة الأنوار، ص 436. 8. مشكاة الأنوار، ص 450؛ بحار الأنوار، ج 92، ص 292. 189 174. وقال (عليه السلام): من زار أخاه في الله، طلبا لإنجاز موعد الله، شيعه سبعون ألف ملك، وهتف به هاتف من خلف: ألا طبت، وطابت لك الجنة. فإذا صافحه غمرته الرحمة. (1) 175. وسمع (عليه السلام) رجلا يقول: اللهم أغنني من خلقك. فقال (عليه السلام) له: لا تقل هذا، فإن الناس بالناس، ولكن قل: اللهم أغنني عن شرار خلقك. (2) وإلى هذا يشير أبو العلاء المعري في ديوانه اللزوميات: الناس للناس من بدو وحاضرة * بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم 176. وقال (عليه السلام): كفى بالمرء عيبا، أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه. (3) 177. وقال له رجل: إني أحبك في الله حبا شديدا! فنكس (عليه السلام) رأسه ثم قال (عليه السلام): اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض. وقال لذلك الرجل: أحبك للذي تحبني فيه. (4) 178. وقال (عليه السلام): طوبى لمن طاب خلقه! وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه. (5) 179. وقال (عليه السلام): من أطعم مؤمنا حتى يشبعه، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا الله رب العالمين.
1. مشكاة الأنوار، ص 363. 2. الصحيفة السجادية، دعاء 56؛ تحف العقول، ص 278؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 135. 3. الكافي، ج 2، ص 460؛ الاختصاص، ص 228. 4. الصحيفة السجادية، دعاء 264؛ الخصال، ص 518؛ تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 62. 5. الكافي، ج 2، ص 144؛ الاختصاص، ص 228؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 400؛ و ج 75، ص 30. 190 ثم قال: من موجبات المغفرة إطعام المؤمن السغبان، ثم تلا قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة) (1). (2) 180. وقال (عليه السلام): من سره أن يمد الله في عمره، وأن يبسط له في رزقه، فليصل رحمه، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة، يقول: يا رب صل من وصلني، واقطع من قطعني. فالرجل ليرى بسبيل خير، إذ أتته الرحم التي قطعها، فتهوي به إلى أسفل قعر في النار. (3) 181. وقال (عليه السلام): لا تحلفوا إلا بالله، ومن حلف بالله فليرض، ومن حلف بالله فلم يرض، فليس من الله. (4) 182. وقال (عليه السلام): من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه، حتى أرشده وهداه، قال الله تعالى: " أيها العبد الكريم المواسي، أنا أولى بالكرم منك، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر، وضموا إليه ما يليق بها من سائر النعم ". (5) 183. وقيل له (عليه السلام): أي الأعمال أفضل؟ فقال (عليه السلام): الحال المرتحل. فقيل له: وما ذاك؟ قال: هو فتح القرآن وختمه، فإنه كلما جاء بأوله ارتحل بآخره، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أعطاه الله القرآن، فرأى أن رجلا أعطى أفضل مما أعطاه الله، فقد صغر عظيما، وعظم صغيرا. (6)
1. البلد: 14 - 16. 2. الكافي، ج 2، ص 201؛ ثواب الأعمال، ص 136؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 373. 3. الكافي، ج 2، ص 156؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 130. 4. الكافي، ج 7، ص 438؛ تهذيب الأحكام، ج 8، ص 284، ح 1040؛ النوادر، الأشعري، ص 50؛ بحار الأنوار، ج 104، ص 286. 5. الاحتجاج، ج 1، ص 8. 6. الكافي، ج 2، ص 605؛ معاني الأخبار، ص 190؛ بحار الأنوار، ج 92، ص 204. وفي النهاية، ابن الأثير، ج 1، ص 430، أنه سئل (صلى الله عليه وآله): أي الأعمال أفضل؟ فقال: الحال المرتحل. قيل: وما ذاك؟ قال: الخاتم المفتح، وهو الذي يختم القرآن بتلاوته، ثم يفتتح التلاوة من أوله. 191 184. وقال (عليه السلام): أحق الناس بالاجتهاد والورع، والعمل بما عند الله ويرضاه، الأنبياء وأتباعهم. (1) 185. وقال (عليه السلام): ليس لك أن تقعد مع من شئت؛ لأن الله تعالى يقول: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) (2)، وليس لك أن تتكلم بما شئت؛ لأن الله يقول: (ولا تقف ما ليس لك بهى علم) (3)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو صمت فسلم، وليس لك أن تسمع ما شئت؛ لأن الله يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (4). (5) 186. وقال (عليه السلام): إذا تكلفت عناء الناس، كنت أغواهم. (6) 187. وقال (عليه السلام): من قضى لأخيه (7) حاجة فيحاجه الله بها، وقضى الله له بها مئة حاجة في إحداهن الجنة. ومن نفس عن أخيه (8) كربة، نفس الله عنه كربه يوم القيامة، بالغا ما بلغت. ومن أعانه على ظالم له، أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام. ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له، فسر بقضائها، فكان كإدخال السرور
1. مستدرك الوسائل، ج 1، ص 125، ح 163. 2. الأنعام: 68. 3. الإسراء: 36. 4. الإسراء: 36. 5. علل الشرائع، ج 2، ص 605؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 116. 6. نزهة الناظر، ص 90. 7. في بعض النسخ: " لأخيه المؤمن ". 8. في بعض النسخ " مؤمن " بدل " أخيه ". 192 على رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم. ومن أطعمه من جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة. ومن كساه من عري، كساه الله من إستبرق وحرير. ومن كساه من غير عري، لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك. ومن أخدم أخاه المؤمن، أخدمه الله من الولدان، وأسكنه مع أوليائه. ومن كفاه بما أهمه، أخدمه الله الولدان. ومن كفاه الله بما هو يمتهنه، ويكف وجهه، ويصل به يده، أخدمه الله الولدان المخلدين. ومن حمله على راحلة، بعثه الله يوم القيامة إلى الموقف على ناقة من نوق الجنة، يباهي به الملائكة. ومن كفنه عند موته، كساه الله كيوم ولدته أمه إلى أن يموت. ومن زوجه زوجة يأنس بها، ويسكن إليها، آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله. ومن عاده في مرضه، حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف، ويقول: طبت وطابت لك الجنة، والله لقضاء حاجته، أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين، باعتكافهما في المسجد الحرام. (1) 188. ولما كان بينه (عليه السلام) وبين محمد بن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قيل له: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك لكشف عنك، وكان (عليه السلام) بمكة والوليد فيها.
1. ثواب الأعمال، ص 146؛ عوالي اللئالي، ج 1، ص 355. 193 فقال (عليه السلام): ويحك أفي حرم الله أسأل غير الله! إني آنف أن أسأل الدنيا خالقها، فكيف أسأل مخلوقها؟! (1) 189. وقال (عليه السلام): ما من شئ أحب إلى الله من أن يسأل. (2) 190. وقال (عليه السلام): إني لأكره للرجل (3) أن يعافي في الدنيا، فلا يصيبه شئ من المصائب. (4) 191. وقال (عليه السلام): لينفق الرجل بالقصد، وبلغة الكفاف، ويقدم الفضل منه لآخرته (5)، فإن ذلك أبقى للنعمة، وأقرب إلى المزيد من الله تعالى، وأنفع في العافية (6) (في العاقبة). (7) 192. وقال (عليه السلام): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق. (8) 193. وقال (عليه السلام): وددت إني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض ساعدي، وهما النزق (9)، وقلة الكتمان. (10) 194. وقال (عليه السلام): إذا التاجران صدقا وبرا، بورك لهما، وإذا كذبا وخانا، لم يبارك لهما. (11)
1. علل الشرائع، ج 1، ص 230؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 63. 2. تحف العقول، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 141. 3. في بعض النسخ: " في الرجل ". 4. اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 40؛ الكافي، ج 2، ص 256؛ بحار الأنوار، ج 81، ص 237. 5. في نسخة: " لاخوته ". 6. الكافي، ج 4، ص 52؛ وسائل الشيعة، ج 21، ص 551. 7. وقال الصادق (عليه السلام): إن القصد أمر يحبه الله، وإن السرف أمر يبغضه الله... (جامع السعادات، ج 2، ص 105) 8. الكافي، ج 2، ص 99، عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بحار الأنوار، ج 7، ص 303. 9. " النزق ": الخفة في كل الأمور، العجلة في جهل. 10. الخصال، ص 44، ح 40؛ الكافي، ج 2، ص 221؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 103، بحار الأنوار، ج 71، ص 416. 11. الخصال، ص 45، عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بحار الأنوار، ج 103، ص 95. 194 195. وقال (عليه السلام): إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله. (1) 196. وقال (عليه السلام): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، من جحد إماما من الله، أو ادعى إماما من غير الله، أو زعم أن لفلان وفلان نصيبا في الإسلام. (2) وقال (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم، المدخل فينا من ليس منا، والمخرج منا من هو منا، والقائل أن لهما نصيبا في الإسلام؛ أعني هذين الصنمين. (3) وقريب منه ما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام). (4) 197. وقال (عليه السلام) لرجل: أيما أحب إليك صديق كلما رآك أعطاك بدرة دنانير، أو صديق كلما رآك نصرك لمصيدة من مصائد الشيطان، وعرفك ما تبطل به كيدهم، وتخرق شبكتهم، وتقطع حبائلهم؟ فقال: بل صديق كلما رآني علمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي، فأدفع عني بلاءه. قال (عليه السلام): فأيهما أحب إليك استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الكافرين، أو استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الناصبين؟ فقال: يا بن رسول الله، سل الله أن يوفقني للصواب في الجواب. فقال (عليه السلام): اللهم وفقه. فقال: بل استنقاذي المسكين الأسير من أيدي الناصبين، فإنه توفير الجنة
1. تحف العقول، ص 246؛ الخصال، ص 16؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 118. 2. تفسير العياشي، ج 1، ص 178؛ تفسير البرهان، ج 1، ص 293؛ بحار الأنوار، ج 25، ص 111. 3. دلائل الإمامة، ص 91؛ إثبات الوصية، ص 187. 4. أنظر: الغيبة، النعماني، ص 112؛ الخصال، ص 106. 195 عليه، وانقاذه من النار، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا، ودفع الظلم عنه فيها، والله يعوض هذا المظلوم بأضعاف ما لحقه من الظلم، وينتقم من الظالم، بما هو عادل بحكمه. فقال (عليه السلام): وفقت لله أبوك، أخذته من جوف صدري، لم تخرم ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرفا واحدا! (1) 198. وقال (عليه السلام): إن الله أخفى أربعة في أربعة، أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئا من طاعته، فربما وافق رضاه، وأنت لا تعلم. وأخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرن شيئا من معصيته، فربما وافق سخطه، وأنت لا تعلم. وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرن شيئا من دعائه، فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم. وأخفى وليه في عباده، فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله، فربما يكون وليه، وأنت لا تعلم. (2) 199. وقال له رجل: إني مبتلى بالنساء، فأزني يوما، وأصوم يوما، فيكون ذا كفارة لذا؟ فقال (عليه السلام): إنه ليس شئ أحب إلى الله من أن يطاع ولا يعصى، فلا تزني ولا تصم. (3) 200. وقال (عليه السلام): يحشر الناس يوم القيامة، أعرى ما يكون، وأجوع ما يكون، وأعطش ما يكون. فمن كسا مؤمنا ثوبا في دار الدنيا، كساه الله من حلل الجنة، ومن أطعم مؤمنا في دار الدنيا، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنا في دار الدنيا شربة من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم. (4)
1. تفسير الإمام العسكري، ص 349؛ عنه بحار الأنوار، ج 2، ص 9. 2. معاني الأخبار، ص 112؛ الخصال، ص 209؛ كمال الدين، ص 296؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 274. 3. الكافي، ج 5، ص 542؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 286. 4. الأمالي، المفيد، ص 9، مشكاة الأنوار، ص 181. 196 201. وقال (عليه السلام) لابنه: يا بني، إن الله لم يرضك لي، فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك (1). (2) واعلم أن خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودة إلى التفريط فيه، وخير الأبناء للآباء، من لم يدعه التقصير إلى العقوق. (3) وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): إن الله رضيني لك فلم يرضك لي، فأوصاك بي، ولم يوصني بك. 202. وسئل عنه (عليه السلام): ما هذا الأثر الذي نراه في ظهر أبيك؟ فبكى طويلا فقال (عليه السلام): هذا أثر مما كان يحمل قوتا على ظهره إلى منازل الفقراء والأرامل واليتامى والمساكين، وإنه كان ينقل لهم طعاما في جراب، وينقله إلى دورهم طول ليلته، وكانت نفقته سرا لا جهرا؛ لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب. (4) 203. وعن أبي حازم: قال رجل لزين العابدين (عليه السلام): تعرف الصلاة؟ فحملت عليه. فقال (عليه السلام): " مهلا يا أبا حازم، فإن العلماء هم الحلماء الرحماء "، ثم واجه السائل فقال (عليه السلام): " نعم أعرفها ". فسأله عن أفعالها وتروكها، وفرائضها ونوافلها
1. في بعض المصادر: " ورضيني لك فحذرنيك ". 2. قال شيخنا البهائي (رحمه الله) في الكشكول، ج 2، ص 353، طبع قم، في شرح الكلمة: فاعرف - وفقك الله - الفرق بين هاتين المرتبتين، وميز عقلك بين المنزلتين، ثم عد إلى بديهة عقلك الشاهدة لك بوجوب شكر المنعم عليك. وانظر هل ترى أحد من البشر أكثر نعمة عليك من أبيك وأمك، وأولى منهما بشكرك وبرك؟ فقابل ذلك بالإجلال والتعظيم والطاعة، والانقياد لهما ما داما حيين، وبالإستغفار لهما، وأداء ما عليهما من الحقوق، وتعاهد زيارتهما، والترحم عليهما إن كانا ميتين، كما تحب أن تفعل أولادك بك حال حياتك وبعد مماتك. 3. نثر الدر، ج 1، ص 350؛ كتاب التعريف، ص 3؛ مستدرك الوسائل، ج 15، ص 203. 4. المنتخب، الطريحي، ص 367؛ حلية الأبرار، ج 1، ص 582. 197 حتى بلغ قوله: ما افتتاحها؟ قال: " التكبير ". قال: ما برهانها؟ (1) قال: " القراءة ". قال: ما خشوعها؟ قال: " النظر إلى موضع السجود ". قال: ما تحريمها؟ قال: " التكبير ". قال: ما تحليلها؟ قال: " التسليم ". قال: ما جوهرها؟ قال: " التسبيح ". قال: ما شعارها؟ قال: " التعقيب ". قال: ما تمامها؟ قال: " الصلاة على محمد وآل محمد ". قال: ما سبب قبولها؟ قال: " ولايتنا، والبراءة من أعدائنا ". قال: ما تركت لأحد حجة! ثم نهض يقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (2)، وتوارى. (3) 204. وعن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: أخبرني عن قول الله عز وجل: (والذين في أموالهم حق معلوم) (4) ما هذا الحق المعلوم؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): الحق المعلوم الشيء يخرجه الرجل من ماله، ليس من الزكاة، ولا من الصدقتين المفروضتين. قال: وإذا لم يكن من الزكاة، ولا من الصدقة، فما هو؟ قال: الشيء يخرجه الرجل من ماله، إن شاء أكثر، وإن شاء أقل، على قدر ما يملك. فقال الرجل: فما يصنع به؟ فقال (عليه السلام): يصل به رحما، ويقوي ضعيفا، ويحمل به كلا (5)، ويصل به أخا له في الله، أو لنائبة تنوبه.
1. " البرهان ": الحجة والدليل، أي أنها حجة لطالب الأجر، من أجل أنها يحادي الله به وعليه. (النهاية، ج 1، ص 132) 2. الأنعام: 124. 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 274؛ بحار الأنوار، ج 84، ص 244. 4. المعارج: 24. 5. " الكل ": الثقل. 198 فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته. (1) 205. وقال (عليه السلام): النجدة؛ الإقدام على الكريهة، والصبر عند النائبة، والذب عن الإخوان. (2) 206. وقال (عليه السلام): استتمام المعروف أفضل من ابتدائه. (3) 207. وقال (عليه السلام): غريبتان؛ كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها، فإنه لا حليم إلا ذو عسرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة. (4) 208. وقال (عليه السلام): إذا نصح العبد لله تعالى في سره أطلعه الله تعالى على مساوئ عمله، فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس. (5) 209. وكان (عليه السلام) إذا توضأ اصفر وجهه، فيقول أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول (عليه السلام): أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ (6) 210. وقال (عليه السلام): كيف يكون صاحبكم، من إذا فتحتم كيسه، فأخذتم فيه حاجتكم، فلم ينشرح لذلك؟ (7) 211. وشكا إليه الجعفي جابر بن يزيد من جور بني أمية وأتباعهم، أنهم
1. الكافي، ج 3، ص 500؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 268. 2. مشكاة الأنوار، ص 414. 3. مشكاة الأنوار، ص 425، عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بحار الأنوار، ج 69، ص 405. 4. الأمالي، الطوسي، ص 589. وقال النبي (صلى الله عليه وآله): الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها حيث وجدها. (بحار الأنوار، ج 2 ص 105) وقال علي (عليه السلام): الحكمة ضالة المؤمن، فاطلبوها ولو عند المشرك، تكونوا أحق بها وأهلها. (بحار الأنوار، ج 75، ص 34) 5. الطبقات الكبرى، الشعراني، ج 1، ص 31. 6. الطبقات الكبرى، الشعراني، ج 1، ص 31. 7. الطبقات الكبرى، الشعراني، ج 1، ص 31. 199 قد قتلونا، ولعنوا مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر والمنارات، والأسواق والطرقات، حتى أنهم يجتمعوا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيلعنون عليا علانية، ولا ينكر أحد ذلك، فإذا قام أحد ينكره، أخذوه وقالوا: هذا رافضي، أبو ترابي، وجاؤوا به إلى أميرهم، ويقولون: " هذا ذكر أبا تراب "، ثم بعدئذ قتلوه. فلما سمع الإمام (عليه السلام) ذلك، حتى نظر إلى السماء. فقال (عليه السلام): سبحانك سيدي ما أحلمك، وأعظم شأنك في حلمك، وأعلى سلطانك، يا رب قد مهلت عبادك في بلادك حتى ظنوا أنك مهلتهم أبدا، وهذا كله بعينك لا يغالب قضاؤك، ولا يرد المحتوم من تدبيرك، كيف شئت وأنت أعلم به منا. (1) 212. وقال (عليه السلام): إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه، فإن العفو عن قدرة فضل من الكرم. (2) 213. وقال (عليه السلام): العفو زكاة الظفر، وأولى الناس بالعفو، أقدرهم للعقوبة. (3) 214. وقيل له: ما الموت؟ فقال (عليه السلام): للمؤمن كنزع ثياب وسخة، وسخط قملة، وفك قيود، وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب، وأطيبها روائح، وأوطئ المراكب، وأنس المنازل. وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ
1. إلزام الناصب، ج 1، ص 137؛ الدمعة الساكبة، ج 6، ص 34؛ بحار الأنوار، ج 94، ص 124. 2. لئالئ الأخبار، ج 2، ص 162. ويقول أحد الحكماء: إن لذة العفو أطيب من لذة التشفي، لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي تلحقها الندامة. ويقول الشاعر الفارسي: با تو گويم كه چيست غايت حلم؟ * هر كه زهرت دهد، شكر بخشش هر كه بخراشدت جگر به جفا * همچو خان كريم، زر بخشش كم مباش از درخت سايه فكن * هر كه سنگش زند، ثمر بخشش 3. لئالئ الأخبار، ج 2، ص 162. 200 الثياب وأخشنها (1)، وأوحش المنازل، وأعظم العذاب. (2) 215. وعن الزهري قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: من لم يتعز بعزاء الله (3)، تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، والله ما الدنيا وما الآخرة إلا ككفتي الميزان، فأيهما رجح، ذهب (4) بالآخر. ثم تلا قوله تعالى في سورة الواقعة: (إذا وقعت الواقعة) (5) يعني القيامة (ليس لوقعتها كاذبة * خافضة) (6)، خفضت والله أعداء الله إلى النار (رافعة) (7) رفعت والله أولياء الله إلى الجنة. ثم أقبل على رجل من جلسائه، فقال له: اتق الله، وأجمل في الطلب، ولا تطلب ما لم يخلق، فإن من طلب ما لم يخلق، تقطعت نفسه حسرات، ولم ينل ما طلب. ثم قال: كيف ينال ما لا يخلق؟ فقال الرجل: فكيف يطلب ما لم يخلق؟ فقال (عليه السلام): من طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا، فإنما يطلب ذلك للراحة، والراحة لم تخلق في الدنيا، ولا لأهل الدنيا، إنما خلقت الراحة في الجنة، ولأهل الجنة، والتعب والنصب خلقا في الدنيا ولأهل الدنيا، وما أعطي أحد منها جفنة (8) إلا أعطي من الحرص مثليها. ومن أصاب من الدنيا أكثر، كان فيها أشد فقرا؛ لأنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله، ويفتقر إلى كل آلة من آلات الدنيا. فليس في غنى الدنيا راحة، ولكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في جميع
1. في نسخة: " أثخنها ". 2. الاعتقادات، الصدوق، ص 31؛ معاني الأخبار، ص 289؛ بحار الأنوار، ج 6، ص 155. 3. أراد بالتعزي في هذا الحديث التأسي والتصبر عند المصيبة، وأن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون). وقوله: " بعزاء الله " أي: بتعزية الله تعالى إياه، فأقام الاسم مقام المصدر. (النهاية، ابن الأثير، ج 3، ص 233) 4. في نسخة: " نصب ". 5. في نسخة: " نصب ". 5 - 7. سورة الواقعة، الآيات 1 - 3. 8. " الجفنة " - بالفتح -: القصعة الكبيرة. 201 ذلك المال راحة، وإنما يسوقه إلى التعب في الدنيا والحساب عليه في الآخرة. (1) ثم قال (عليه السلام): كلا ما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا، بل تعبوا في الدنيا للآخرة. ألا ومن اهتم لرزقه، كتب عليه الخطيئة، كذلك قال المسيح للحواريين: إنما الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) (2). (3) 216. وقال (عليه السلام): من كان عنده فضل ثوب، فعلم أن بحضرته مؤمن يحتاج إليه، فلم يدفعه إليه، أكبه الله على منخريه في النار. (4) 217. وقال (عليه السلام): ما من عبد مؤمن تنزل به بلية، فيصبر ثلاثا لا يشكو إلى أحد، كشف الله عنه. (5) 218. وقال (عليه السلام): الإنسان إذا لبس الثوب اللين طغا، ومن أحب حلاوة الإيمان، فليلبس الصوف. (6) 219. وقال (عليه السلام): طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجليه على رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له إلى الأرضين السابعة. (7) 220. وقال (عليه السلام): قضاء حاجة الإخوان أحب إلى الله تعالى من صيام شهرين متتابعين، واعتكافهما في المسجد الحرام. (8) 221. وقال (عليه السلام): معطي الصدقة إذا قبل يده عندما يدفع الصدقة إلى الفقير،
1. في نسخة: "... في الدنيا، للدنيا ". 2. سورة الرحمن، الآية 19 - 20. 3. الخصال، ص 64، ح 95؛ بحار الأنوار، ج 73، ص 92. 4. ثواب الأعمال، ص 250؛ المحاسن، ج 1، ص 98؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 387. 5. مشكاة الأنوار، ص 481. 6. لئالئ الأخبار، ج 1، ص 78. 7. لئالئ الأخبار، ج 2، ص 246، عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). 8. لئالئ الأخبار، ج 3، ص 117. 202 وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. (1) 222. وقال (عليه السلام): من عاد مؤمنا في مرضه، حفته الملائكة، ودعت له حتى ينصرف، تقول له: طبت وطابت له الجنة. (2) 223. وقال (عليه السلام): ما اختلج عرق ولا صدع مؤمن قط إلا بذنبه، وما يعفو الله عنه أكثر. (3) 224. وقال (عليه السلام): ما دخل قلب إمرىء شئ من الكبر، إلا نقص من عقله مثل ما دخله. (4) 225. وقال (عليه السلام): ليس شئ في الدنيا أعون من الإحسان إلى الإخوان. (5) 226. وقال (عليه السلام): اعرف المودة في قلب أخيك، بما له في قلبك. (6) 227. وقال (عليه السلام): من رضى بالقليل من الرزق، رضى الله منه بالقليل من العمل. (7) 228. وقال (عليه السلام): جيران الله الذين يتزاورون في الله، ويتجالسون في الله، ويبذلون ما لهم في الله تعالى. (8) 229. وقال (عليه السلام): إياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين. (9)
1. لئالئ الأخبار، ج 3، ص 30. 2. لئالئ الأخبار، ج 3، ص 161. 3. الأمالي، المفيد، ص 35؛ عنه بحار الأنوار، ج 81، ص 186. 4. تنبيه الخواطر، ص 199؛ كشف الغمة، ج 2، ص 132، وص 147؛ بحار الأنوار، ج 87، ص 186. 5. لواقح الأنوار، ص 28؛ رواه ابن شعبة، عن أبي جعفر (عليه السلام)؛ تحف العقول، ص 259. 6. لواقح الأنوار، ص 28. 7. الأمالي، الطوسي، ص 405، ح 907، عنه، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ الفصول المهمة، ص 283. 8. حلية الأولياء، ج 3، ص 140. 9. الأمالي، المفيد، ص 203؛ الكافي، ج 8، ص 16؛ تحف العقول، ص 254؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 151. 203 230. وقال (عليه السلام): الرزق الحلال قوت المصطفين. (1) 231. وقال (عليه السلام): للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويشتري ما ليس له. (2) 232. وقال (عليه السلام): من عبد الله فوق عبادته، أتاه الله فوق كفايته وأمانيه. (3) قلت: وهذا قريب من قول جدته فاطمة الزهراء (عليها السلام): من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته. (4) 233. وقال (عليه السلام): لم أر مثل التقدم في الدعاء، فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل وقت. (5) 234. وعن إبراهيم بن محمد قال: سمعت من السجاد (عليه السلام) ليلة من الليالي هذه المناجاة، يقول: يا الهي وسيدي ومولاي، لو بكيت حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت إليك حتى ينقطع صوتي، وقمت لك حتى تنتشر قدماي، وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتقفأ حدقتاي، وأكلت تراب الأرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك، ما استوجبت لذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي، وإن كنت تغفر لي حين استوجبت مغفرتك، وتعفو عني حين استحق عفوك، فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ولا أنا أهل باستيجاب، إذا
1. الكافي، ج 2، ص 553؛ و ج 5، ص 89؛ قرب الإسناد، ص 380؛ بحار الأنوار، ج 103، ص 2. 2. الخصال، ص 98؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 167؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 304. 3. مصادقة الإخوان، الصدوق، ص 32. 4. تفسير الإمام العسكري، ص 327؛ عنه بحار الأنوار، ج 71، ص 184؛ وأورده في تنبيه الخواطر، ج 2، ص 108 مرسلا؛ وفي عدة الداعي، ص 218. 5. الإرشاد، ج 2، ص 151؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 122. 204 كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي. (1) 235. وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): إذا أردت أن يطيب الله ميتتك، ويغفر ذنبك يوم تلقاه، فعليك بالبر، وصدقة السر، وصلة الرحم، فإنهن يزددن في العمر، وينفين الفقر، ويدفعن عن صاحبهن سبعين ميتة سوء. (2) 236. ولما رجع مولانا زين العابدين (عليه السلام) من الحج استقبله الشبلي (3)، فقال (عليه السلام) له: حججت يا شبلي؟ قال: نعم يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال (عليه السلام): أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب، فاغتسلت؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين تجردت عن مخيط ثيابك، نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق، والدخول في الشبهات؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما نزلت الميقات، ولا تجردت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت. ثم قال (عليه السلام): تنظفت وأحرمت وعقدت بالحج؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين تنظفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال: لا.
1. الصحيفة السجادية، دعاء 16؛ الأنوار النعمانية، ج 3، ص 147. 2. عدة الداعي، ص 91؛ بحار الأنوار، ج 96، ص 159. 3. أحد رجال العرفان: وشبيلة اسم قرية من قرى بلاد ما وراء النهر، وقد خرج منها جماعة من رجال الفضل والزهد، منها هو. أنظر وفيات الأعيان لابن خلكان، ويقول العلامة المحقق الجلالي في كتابه جهاد الإمام السجاد، ص 175: ويلاحظ أن الراوي عن الإمام مسمى بشبلي، وليس في الرواة عنه، ولا من عاصره بهذا الاسم، ولعله مصحف شيبة، وهو ابن نعامة المذكور في أصحابه (عليه السلام). 205 قال (عليه السلام): فحين أحرمت، نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عز وجل؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله؟ قال: لا. قال له (عليه السلام): ما تنظفت ولا أحرمت، ولا عقدت الحج. ثم قال (عليه السلام) له: أدخلت الميقات وصليت ركعتي الإحرام ولبيت؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين صليت الركعتين، نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة، وصمت عن كل معصية؟ قال: لا. قال له (عليه السلام): ما دخلت الميقات ولا صليت ولا لبيت. ثم قال (عليه السلام) له: أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصليت؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة ولا صليت. ثم قال (عليه السلام): طفت بالبيت، ومسست الأركان وسعيت؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله، وعرف ذلك منك علام الغيوب؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما طفت بالبيت، ولا مست الأركان ولا سعيت. ثم قال (عليه السلام) له: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم (عليه السلام)، وصليت به ركعتين؟ قال: نعم. فصاح (عليه السلام) صيحة كاد يفارق الدنيا، ثم قال: آه آه.
206 ثم قال (عليه السلام): من صافح الحجر الأسود، فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين، لا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقبض الحرام نظير أهل الآثام. ثم قال (عليه السلام): نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أنك وقفت على كل طاعة وتخلفت عن كل معصية؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك صليت بصلاة إبراهيم (عليه السلام)، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟ قال: لا. قال (عليه السلام) له: فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صليت فيه ركعتين. ثم قال (عليه السلام) له: أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): أنويت أنك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها. ثم قال (عليه السلام) له: أسعيت بين الصفا والمروة ومشيت وترددت بينهما؟ قال: نعم. قال (عليه السلام) له: نويت أنك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما سعيت ولا مشيت ولا ترددت بين الصفا والمروة. ثم قال (عليه السلام): أخرجت إلى منى؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما خرجت إلى منى. ثم قال له: أوقفت الوقفة بعرفة وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك، واطلاعه على سريرتك وقلبك؟ قال: لا.
207 قال (عليه السلام): نويت بطلوعك جبل الرحمة إن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة، ويتوالى كل مسلم ومسلمة؟ قال: لا. قال (عليه السلام): نويت عند نمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجر؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السماوات؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات. ثم قال (عليه السلام): مررت بين العلمين، وصليت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟ قال: نعم. قال (عليه السلام): فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر، تنفي كل عسر، وتيسر كل يسر؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما مشيت بين العلمين، ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا نويت ألا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى، نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل وثبت كل علم وعمل؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فما مررت بالعلمين، ولا صليت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام. ثم قال (عليه السلام) له: وصلت منى، ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصليت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة؟ قال: نعم.
208 قال (عليه السلام): فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار أنك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربك لك كل حاجتك؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس، وعصيته بتمام حجك النفيس؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما حلقت رأسك، نويت أنك تطهرت من الأدناس، ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب، كما ولدتك أمك؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما صليت في مسجد الخيف، نويت أنك لا تخاف إلا الله U وذنبك، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما ذبحت هديك، نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع، وأنك اتبعت سنة إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده، وثمرة فؤاده، وريحان قلبه، وحاجه سنته لمن بعده، وقربه إلى الله تعالى لمن خلقه؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فعندما رجعت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة نويت انك أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته، وتمسكت بوده، وأديت فرائضه، وتقربت إلى الله تعالى؟ قال: لا. قال له زين العابدين (عليه السلام): فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أديت (ذبحت) نسكك، ولا صليت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإفاضة ولا تقربت، ارجع فإنك لم تحج. فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين. (1)
1. مستدرك الوسائل، ج 10، ص 166، بنقل عن السيد الجزائري في شرح النخبة. 209 237. ورأى (عليه السلام): الحسن البصري عند الحجر الأسود يقص، فقال (عليه السلام): يا هناه (1)، أترضى نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب؟ قال: لا. قال: فثم دار العمل؟ قال: لا. قال: فلله في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا. قال: فلم تشغل الناس عن الطواف؟ ثم مضى. قال الحسن: ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط، أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا: هذا زين العابدين. فقال الحسن: ذرية بعضها من بعض. (2) 238. ولقى عباد البصري الإمام (عليه السلام) في طريق مكة، فقال له: يا علي بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحج ولينه، وإن الله عز وجل يقول: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) (3) إلى قوله: (وبشر المؤمنين). (4) فقال (عليه السلام): اقرأ ما بعدها: (التلبون العبدون) (5) إلى آخرها. ثم قال (عليه السلام): إذا ظهر هؤلاء، لم نؤثر على الجهاد شيئا. (6) وفي رواية: إذا رأينا هؤلاء الذين صفتهم هذه، فالجهاد معهم أفضل من
1. " يا هناه ": أي يا هذا، فهذه اللفظة لا تستعمل إلا في النداء، فلا تقال: هذا هناه ولا مررت بهناه، وإنما يكنون بهذه الكلمة عن اسم نكره، كما يكنون بفلان عن الاسم العلم، وهي مع ذلك كلمة ذم. قال امرؤ القيس: قد رابني قولها يا هنا * ه ويحك ألحقت شرا بشر فمعنى قولها: " يا هناه " أي: يا رجل سوء، كما في معجم النحو. 2. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 297؛ عنه بحار الأنوار، ج 46، ص 132. 3 - 5. التوبة: 111 - 112. 6. الاحتجاج، ج 2، ص 45؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 298؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 116. 210 الحج. (1) 239. وعن أبي حمزة قال: رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي، فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى، ومرة على رجله اليسرى، ثم سمعته يقول بصوت كأنه باك: يا سيدي، تعذبني وحبك في قلبي! أما وعزتك لئن فعلت لتجمعن بيني وبين قوم طالما عاديتهم فيك. (2) 240. وانتهى (عليه السلام) إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم، فقال (عليه السلام) لهم: إن كنتم صادقين فغفر الله لي، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم. (3) 241. وسأل أبو حمزة عنه (عليه السلام): الأئمة يحيون الموتى، ويبرؤون الأكمة والأبرص، ويمشون على الماء؟ فقال (عليه السلام): ما أعطى الله نبيا شيئا إلا وقد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله)، وأعطاه ما لم يعطهم ولم يكن عندهم، فكل ما كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أعطاه أمير المؤمنين، ثم الحسن والحسين، ثم إماما بعد إمام إلى يوم القيامة، مع الزيادة التي تحدث في كل سنة، وفي كل شهر، وفي كل يوم. (4) 242. واستسقى جماعة من عباد البصرة... وانصرفوا خائبين، فإذا هم بفتى قد أقبل، وقد أكربته أحزانه، وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطا. ثم أقبل علينا وسمانا واحدا واحدا، فقلنا لبيك يا شاب. فقال: أما فيكم أحد يجيبه الرحمن؟ فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة.
1. الكافي، ج 5، ص 22؛ تفسير القمي، ج 1، ص 306. 2. الكافي، ج 2، ص 579؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 107. 3. الخصال، ص 518؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 297؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 96. 4. الخرائج والجرائح، ج 2، ص 583؛ بصائر الدرجات، ص 269؛ بحار الأنوار، ج 17، ص 136، و ج 18، ص 7. 211 فقال: ابعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يجيبه الرحمن لأجابه. ثم أتى الكعبة، فخر ساجدا، فسمعته يقول في سجوده: سيدي بحبك لي ألا أسقيتهم الغيث. فما استتم الكلام، حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب، ثم ولى عنا قائلا: من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فهذا شقي ما ضر في الطاعة ما ناله * في طاعة الله وماذا لقي ما يصنع العبد بعز الغنى * والعز كل العز للمتقي فسئل عنه، فقالوا: هذا زين العابدين (عليه السلام). (1) 243. وخرج (عليه السلام) إلى مكة، فإذا هو برجل يقطع الطريق فقال للإمام: انزل. فقال (عليه السلام): تريد ماذا؟ قال: أريد أن أقتلك، وآخذ ما معك. قال: فأنا أقاسمك ما معي وأحللك! فقال اللص: لا. قال: فدع معي ما ابتلغ به، فأبى. قال: فأين ربك؟ قال: نائم. فإذا أسدان مقبلان بين يديه، فأخذ هذا برأسه، وهذا برجليه. ثم قال (عليه السلام): زعمت أن ربك عنك نائم. (2) 244. وقال (عليه السلام): ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة، فآثرت الدنيا، إلا رأيت ما أكره قبل أن أمسي. (3) 245. وقال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع (4) فيه. فأعرض الزبيري عنه، ثم دار الكلام، فسب الزبيري علي بن الحسين،
1. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 51. 2. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 41. 3. الزهد، الكوفي، ص 50؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 92. 4. " قذعه " - كمنعه -: رماه بالفحش. 212 فأعرض عنه ولم يجبه، فقال له الزبيري: ما يمنعك من جوابي؟ فقال (عليه السلام): ما يمنعك من جواب الرجل! (1) 246. وكان (عليه السلام) يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار في الليل، ويقول: يا بني، ليس هذا عليكم بواجب، ولكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها. (2) 247. وقال (عليه السلام): إن طبائع الناس كلها مركبة على الشهوة والرغبة، والحرص والرهبة، والغضب واللذة، إلا أن في الناس من قد ضم هذه الخلال بالتقوى، والحياء والأنف، فإذا دعت نفسك إلى كبيرة من الأمر فارم ببصرك إلى السماء، فإن لم تخف ممن فيها، فانظر إلى من في الأرض لعلك أن تستحي ممن فيها، فإن كنت لا ممن في السماء تخاف، ولا ممن في الأرض تستحي، فعد نفسك في البهائم. (3) 248. وقال (عليه السلام): إن العبد المؤمن ليطلب الإمارة والتجارة، فإذا أشرف من ذلك على ما يهوى، بعث الله إليه ملكا يصده عن أمر لو دخل فيه لاستخف النار، فنزل الملك ويصده عن ذلك الأمر بلطف الله تعالى، ويصبح العبد يقول: لقد دهاني من دهاني فعل الله به، وفعل ما يدري، أن الله عز وجل هو الناظر له في ذلك، ولو تركه وذلك الشيء لدخل النار. (4) 249. عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا هم بأمر حج أو عمرة، أو بيع أو شراء أو عتق، تطهر ثم قال: اللهم إن كان كذا وكذا خيرا في ديني، وخيرا لي في دنياي وآخرتي، وعاجل أمري وآجله، فيسره لي، رب اعزم على رشدي، وإن كرهت ذلك وأبته نفسي. (5)
1. نثر الدر، ج 1، ص 342؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 101. 2. كشف الغمة، ج 2، ص 75؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 98. 3. نزهة الناظر، ص 104؛ مستدرك الوسائل، ج 11، ص 213. 4. التمحيص، ص 56؛ مشكاة الأنوار، ص 514؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 243. 5. المحاسن، ج 2 ص 600، تهذيب الأحكام، ج 3، ص 180 مع اختلاف؛ الجامع للشرائع، ص 113 مع اختلاف. 213 250. وعن الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام): لأي علة حجب الله U الخلق عن نفسه؟ قال: لأن الله - تبارك وتعالى - بناهم بنية على الجهل، فلو أنهم كانوا ينظرون إلى الله عز وجل لما كانوا بالذي يهابونه، ولا يعظمونه، نظير ذلك أحدكم إذا نظر إلى بيت الله الحرام أول مرة عظمه، فإذا أتت عليه أيام وهو يراه، لا يكاد أن ينظر إليه إذا مر به، ولا يعظمه ذلك التعظيم. (1) 251. وقال (عليه السلام): لو أنزل الله تعالى كتابا أنه معذب رجلا واحدا، لخفت أن أكونه، أو أنه راحم رجلا واحدا، لرجوت أن أكونه، أو أنه معذبي لا محالة، ما ازددت إلا اجتهادا، لئلا أرجع على نفسي بلائمة. (2) 252. وقال (عليه السلام): لباسي للدنيا التجمل والصبر * ولبسي للأخرى البشاشة والبشر إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا (3) * لأني من القوم الذين لهم فخر ألم تر أن العرف قد مات أهله * وأن الندى والجود ضمهما قبر على العرف والجود السلام فما بقي * من العرف إلا الرسم في الناس والذكر وقائلة لما رأتني مسهدا * كأن الحشا مني يلذعها الجمر أباطن داء لو حوى منك ظاهرا * فقلت الذي بي ضاق عن وسعة الصدر تغير أحوال وفقد أحبة * وموت ذوي الأفضال قالت كذا الدهر (4) 253. وقال (عليه السلام): إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب، أو يذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير، وهو غائب
1. علل الشرائع، ج 1، ص 119؛ بحار الأنوار، ج 3، ص 15. 2. نثر الدر، ج 1، ص 131. 3. في نسخة: " العزا ". 4. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 304؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 97. 214 عنك، وتذكره بخير، قد أعطاك الله عز وجل مثل ما سألت له، وأثنى عليك مثلي (1) ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه، وإذا هم سمعوه يذكر أخاه بسوء، ويدعو عليه، قالوا: بئس الأخ أنت لأخيك! كف أيها المستتر على ذنوبه وعورته، وارجع على نفسك، واحمد الله الذي ستر عليك، واعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك. (2) 254. وقال (عليه السلام): إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض منها، فلم ينظر إليها من هوانها عليه. (3) 255. وقال (عليه السلام): يتزين كل منكم يوم العيد إلى الغسل وإلى الكحل، وليدع ما بلغ ما استطاع، ولا يكونن أحدكم أحسن هيئة (4)، وأرذلكم عملا. (5) 256. وقال (عليه السلام): في تفسير هذه الآية: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنت تجرى من تحتها الأنهر خالدين فيها ومسكن طيبة في جنت عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). (6) إذا صار أهل الجنة في الجنة، ودخل ولي الله جناته ومساكنه، واتكى كل مؤمن منهم على أريكته، حفته خدامه، وتهدلت عليه الثمار، وتفجرت حوله العيون، وجرت من تحته الأنهار، وبسطت له الزرابي، وصففت له الثمار (7)، وأتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك. وقال (عليه السلام): ويخرج عليهم الحور العين من الجنان، فيمكثون بذلك (8) ما شاء الله.
1. في نسخة: " مثل ". 2. الكافي، ج 2، ص 508؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 111. 3. كنز العمال، ج 3، ص 190، ح 6100، عن ابن عساكر. 4. في بعض النسخ: " حياة ". 5. مستدرك الوسائل، ج 6، ص 150، ح 6670، عن لب اللباب. 6. التوبة: 72. 7. في بعض النسخ: " النمارق ". 8. أي بلقائهم بالحور العين. 215 ثم إن الجبار يشرف عليهم فيقول: أوليائي وأهل طاعتي، وسكان جنتي في جواري، ألا هل أنبئكم بخير مما أنتم فيه؟ فيقول: ربنا وأي شئ خير مما نحن فيه؟ نحن فيما اشتهت أنفسنا، ولذت أعيننا من النعم في جوار الكريم. وقال (عليه السلام): فيعود عليهم بالقول، فيقولون: " ربنا نعم يا ربنا، رضاك علينا، ومحبتك لنا، خير لنا وأطيب لأنفسنا " ثم قرأ الآية السابقة. (1) 257. وقال (عليه السلام) في قول الله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) (2) قال: العفو من غير عتاب. (3) 258. وخرج (عليه السلام) يوما وهو يقول: أصبحت والله يا جابر، محزونا مشغول القلب. فقلت: - جعلت فداك! - ما حزنك وشغل قلبك؟ كل هذا على الدنيا؟ فقال (عليه السلام): لا يا جابر، ولكن حزن هم الآخرة. يا جابر، من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان، شغل عما في الدنيا من زينتها. (4) 259. وقال (عليه السلام) لبنيه: جالسوا أهل الدين والمعرفة، وإن لم تقدروا عليهم، فالوحدة آنس وأسلم، فإن أبيتم إلا مجالسة الناس، فجالسوا أهل المروءات؛ فإنهم لا يرفثون في مجالسهم (5). (6) 260. وقال في تفسير قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من
1. تفسير العياشي، ج 1، ص 96؛ تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 241. 2. الحجر: 85. 3. الأمالي، الصدوق، ص 416، ح 547؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 171. 4. تحف العقول، ص 287؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 165. 5. أي: لا يفحشون في كلامهم. 6. اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 788. 216 عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير). (1) قال: نزلت والله فينا أهل البيت - ثلاث مرات -. قال الراوي: أخبرنا من فيكم الظالم لنفسه؟ قال (عليه السلام): الذي استوت حسناته وسيئاته، وهو في الجنة. قال الراوي: والمقتصد؟ قال (عليه السلام): العابد في الله في بيته حق يأتيه واليقين. قال الراوي: فقلت السابق والخيرات؟ قال (عليه السلام): من شهر سيفه ودعا إلى سبيل ربه. (2) 261. وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قلت: قولك مجدوا الله في خمس كلمات ما هي؟ فقال (عليه السلام): إذا قلت: " سبحان الله وبحمده " رفعت الله عما يقول العادلون (3) به. فإذا قلت: " لا إله إلا الله، وحده لا شريك له "، فهي كلمة الإخلاص التي لا يقولها عبد، إلا أعتقه الله من النار، إلا المستكبرين والجبارين. ومن قال: " لا حول ولا قوة إلا بالله "، فوض الأمر إلى الله. ومن قال: " استغفر الله، وأتوب إليه "، فليس بمستكبر ولا جبار، إن المستكبر يصر على الذنب الذي قد غلبه هواه فيه، وآثر دنياه على آخرته. ومن قال: " الحمد لله "، فقد أدى شكر كل نعمة لله عز وجل عليه. (4) 262. وقال (عليه السلام): إن للحمق دولة على العقل، وللمنكر دولة على المعروف،
1. فاطر: 32. 2. شواهد التنزيل، ج 2، ص 155؛ تنبيه الغافلين، ص 143. 3. " العادلون ": المشركون. 4. الخصال، ص 299، بحار الأنوار، ج 93، ص 193. 217 وللشر دولة على الخير، وللجهل دولة على الحلم، وللجزع دولة على الصبر، وللخوف (1) دولة على الرفق، وللبؤس دولة على الخصب، وللشدة دولة على الرخاء، وللرغبة دولة على الزهد، وللبيوت الخبيثة دولة على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة. (2) 263. وقال (عليه السلام): عجبت لطالب فضيلة ترك فريضة! وليس ذلك إلا لحرمان معرفة الأمر وتعظيمه، وترك رؤية مشيته، بما أهله لأمره، واختاره لهم. (3) خاتمة في مواضيع مختلفة 264. سئل منه (عليه السلام) عن إيمان أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال (عليه السلام): واعجباه! إن الله تعالى نهى رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يقر مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد (4) من
1. في نسخة: " للخرق ". 2. تاريخ مدينة دمشق، ج 41، ص 410، وفيه إضافة: " وما من شئ إلا وله دولة، حتى تنقضي دولته، فتعوذوا بالله من تلك الدول، ومن الحياة في النقمات ". 3. مصباح الشريعة، ص 112؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 216. وفي شرح الگيلاني للمصباح: أي ترك أهم الفضائل من الواجبات، ولا يكون في تحصيلها، ويختار المرجوح على الأرجح، والمفضول على الفاضل، وليس إلا لحرمان معرفة الأمر. ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): وكان السلف لا يزالون من وقت الفريضة إلى وقت الفرض في إصلاح الفرضين جميعا، وترى أهل الزمان يشتغلون بالفضائل دون الفرائض. كيف يكون جسد بلا روح؟! وعجبت لطالب فضيلة.... 4. قالت الدكتورة بنت الشاطئ في بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء، ص 23، ط مصر: زوجة أبي طالب عم النبي، وأول سيدة تزوجت هاشميا وولدت وأدركت النبي (صلى الله عليه وآله)، وأسلمت وحسن إسلامها.... وفي الطبقات الكبرى لابن سعد، والسيرة النبوية لابن هشام، ومقاتل الطالبيين للأصبهاني، عن ابن عباس: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله قميصه، واضطجع معها في قبرها، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة؟ فقال: إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها، إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها. 218 السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب، إلى أن ماتت. (1) وفي رواية أخرى قال (عليه السلام): واعجباه! أيطعنون على أبي طالب، أو على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد نهاه أن تقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) من المؤمنات الصادقات (2)، فإنها لم تزل تحت أبي طالب، حتى مات أبو طالب. (3) قلت: وهذا الكلام بيان حاسم من الإمام في عقيدة أبي طالب بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ورد لأولئك الأشخاص الذين أعماهم التعصب الذميم، وراحوا يقولون في أبي طالب (عليه السلام) كذا وكذا. وقد ألف في أبي طالب كثير من العلماء الشيعة والسنة في طارف الزمن وتليده، يثبتون إيمانه، ويفندون الأقوال الكاذبة التي اتهم بها، فراجع. 265. وعن عبد الله البرقي قال: سألت علي بن الحسين (عليهما السلام) عن النبيذ؟ فقال (عليه السلام): قد شربه قوم، وحرمه قوم صالحون، فكان شهادة الذين دفعوا (4) بشهادتهم شهواتهم، أولى بأن تقبل من الذين جروا بشهادتهم شهواتهم. (5) 266. قال (عليه السلام): لئن أدخل السوق ومعي دراهم، ابتاع به لعيالي لحما، وقد قرموا (6) إليه، أحب إلي من أن أعتق نسمة. (7)
1. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، ص 312؛ الدرجات الرفيعة، ص 50؛ الغدير، ج 7، ص 380؛ بحار الأنوار، ج 35، ص 157. 2. في بعض المصادر: " السابقات ". 3. شرح الأخبار، القاضي نعمان، ج 3، ص 221؛ بحار الأنوار، ج 25، ص 115. 4. في نسخة: " منعوا ". 5. الاحتجاج، ج 2، ص 45؛ اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 343؛ بحار الأنوار، ج 66، ص 482. 6. " القرم ": شدة الشهوة على اللحم. 7. الكافي، ج 4، ص 12؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 66. 219 267. وقال (عليه السلام): أحبونا حب الإسلام (1) لله عز وجل، فإنه ما برح بنا حبكم، حتى صار علينا عابا. (2) 268. وقال (عليه السلام): الإمام منا لا يكون إلا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف بها، ولذلك لا يكون إلا منصوصا. (3) 269. وعن الزهري، قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه، فقلت: يا بن رسول الله، إن كان أمر الله مالا بد لنا فيه، فإلى من نختلف بعدك؟ فقال (عليه السلام): يا أبا عبد الله، إلى ابني هذا - وأشار إلى محمد الباقر (عليه السلام) - فإنه وصيي ووارثي، وعيبة علمي، هو معدن العلم وباقره. قلت: يا بن رسول الله، ما معنى الباقر؟ قال: سوف يختلف إليه خلاص شيعتي، ويبقر العلم عليهم بقرا. قال: ثم أرسل محمدا ابنه في حاجة له إلى السوق، فلما جاء محمد قلت: هلا أوصيت إلى أكبر ولدك؟ قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله، ليست الإمامة بالكبر والصغر، هكذا عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهكذا وجدناه مكتوبا في اللوح والصحيفة. قلت: يا بن رسول الله، كم عهد إليكم نبيكم أن يكون الأوصياء بعده؟ قال (عليه السلام): وجدناه في الصحيفة واللوح، اثنا عشر اسما مكتوبة إمامتهم،
1. وفي عوالم العلوم، ج 18، ص 97: لعل المراد، النهى عن الغلو، أي أحبونا حبا يكون موافقا لقانون الإسلام ولا يخرجكم عنه، ولا زال حبكم كان لنا حتى أفرطتم، وقلتم فينا ما لا نرضى به، فصرتم شينا وعيبا علينا، حيث يعيبوننا الناس بما تنسبون إلينا. 2. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 300؛ حلية الأولياء، ج 3، ص 136؛ البداية والنهاية، ج 9، ص 122، وفي المصدر: " عارا " بدل " عابا ". 3. معاني الأخبار، ص 132؛ بحار الأنوار، ج 25، ص 194؛ نور الثقلين، ج 3، ص 141. 220 وأسماء آبائهم وأمهاتهم. ثم قال (عليه السلام): يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهدي (عليه السلام). (1) 270. وكان يقول (عليه السلام): إني لأكتم من علمي جواهره * كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال المسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا (2) 271. وأيضا كان يقول (عليه السلام): نحن بنو المصطفى ذوو غصص * يجرعها في الأنام كاظمنا عظيمة في الأنام محنتنا * أولنا مبتلى وآخرنا يفرح هذا الورى بعيدهم * ونحن أعيادنا مآتمنا والناس في الأمن والسرور وما * يأمن طول الزمان خائفنا وما خصصنا به من الشرف ال * - طائل بين الأنام آفتنا يحكم فينا والحكم فيه لنا * جاحدنا حقنا وغاصبنا (3) 272. وعن عبد الصمد بن علي قال: دخل رجل على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال (عليه السلام): من أنت؟ قال: أنا منجم (4). (5)
1. كفاية الأثر، ص 243؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 232. 2. تفسير روح المعاني، الآلوسي ج 6، ص 190؛ الإتحاف بحب الأشراف، الشبراوي، ص 50؛ نور الأبصار، الشبلنجي، ص 121، وذكر البيت الأول والرابع. 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 295 وفيه: ذو غصص، والصحيح ما أثبتناه؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 92. 4. من ينظر في النجوم، يحسب مواقيتها، وسيرها، ويستطلع من ذلك أحوال الكون. 5. وفي دلائل الإمامة، للطبري، ص 210 قال: أنا منجم وأبي عراف، فنظر إليه، ثم قال له: هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف عالم. وفي نسخة: أربعة عشر ألف. قوله: " مر في أربع عشر عالما ": أشار إلى النور المودع فيه وبه، وكان هو والخلفاء من آبائه وأبنائه يتمكنون من الوقوف على ما كان ويكون، والتحديد بهذا العدد لم يكن للحصر، بحيث لا يتجاوز علمه إلى أكثر منه، وإنما المقصود منه التقرب إلى الأذهان ببيان سعة مالهم الوقوف عليه، وقد ورد نظيره في تحديد ما علمه أمير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ألف باب من العلم، يفتح له منه ألف باب، إذ ليس المقصود قصر علم سيد الأوصياء على ذلك، وإنما الغرض إشارة إلى أكثر معلوماته، ولذا ورد في بعض الأحاديث: " ينفتح منه ألف ألف باب " فالاختلاف في الأحاديث للتعريف بسعة المعلومات. قاله في الإمام زين العابدين، ص 58 (ط النجف). 221 قال: فأنت عراف. قال: فنظر إليه، ثم قال: هل أدلك على رجل قد مر قبل أن دخلت علينا في أربع عشر عالما، كل عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرات، لم يتحرك من مكانه؟ قال: من هو؟ قال: أنا! وإن شئت أنبأتك بما أكلت وما ادخرت في بيتك. (1) 273. وقال (عليه السلام): للدابة على صاحبها ست خصال: بيده يعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضربها إلا على الحق، ولا يحملها إلا ما تطيق، ولا يكلفها من السير إلا طاقتها، ولا يقف عليها إلا فواقا. (2) 274. وقال (عليه السلام): لا تحتقروا اللؤلؤة النفيسة أن تجتلبها من الكبا الخسيسة (3)، فإن أبي حدثني قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن الكلام من الحكمة لتلجلج في صدر المنافق نزاعا إلى مظانها، حتى يلفظ بها، فيسمعها المؤمن، فيكون أحق بها وأهلها، فيلقفها. (4) 275. وقال (عليه السلام): إن كان الأبوان عظم حقهما على أولادهما لإحسانهما إليهم، فإحسان محمد وعلي - صلوات الله عليهما وعلى أبنائهما -، إلى هذه الأمة أجل
1. بصائر الدرجات، ص 401؛ الاختصاص، ص 320؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 26. 2. الأشعثيات، ص 85؛ مستدرك الوسائل، ج 8، ص 258، ح 9393. 3. الكبا: الزبد المتكاثف في جنبات الماء. 4. الأمالي، الطوسي، ص 625، ح 1291؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 97. 222 وأعظم، فهما أحق بأن يكونا أبويهم. (1) 276. وقال (عليه السلام): من أحبنا لدنيا يصيبها منا، وعادى عدونا لا لشحناء كانت بينه وبينه، أتى يوم القيامة مع محمد وعلي وإبراهيم (عليهم السلام). (2) 277. وقال (عليه السلام): طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم ثم طوبى لهم! هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة. (3) 278. وقال (عليه السلام): لا يقدس الله أمة فيها بربط (4) يقعقع، وناية تفجع (5). (6) 279. وقال (عليه السلام): من اعتدي عليه في صدقة ماله، فقاتل وقتل فهو شهيد. (7) 280. وقال (عليه السلام): الأسير إذا أسلم، حقن دمه، وصار فيئا. (8) 281. وقال (عليه السلام): من رد عن قوم مسلمين عادية نار أو ماء، وجبت له الجنة. (9) 282. وقال (عليه السلام): لا تنم (10) قبل طلوع الشمس، فإن الله يقسم أرزاق العباد في ذلك الوقت، ويجريها على أيدينا. (11)
1. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، ص 330؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 260؛ و ج 36، ص 9. 2. المحاسن، ج 1، ص 165؛ بحار الأنوار، ج 27، ص 56. 3. كمال الدين، ص 361؛ كفاية الأثر، ص 265؛ اعلام الورى، ص 433؛ الوافي، ج 2، ص 442. 4. " البربط ": ملهاة تشبه العود، وهو فارسي معرب، وأصله بربت؛ لأن الضارب به يضعه على صدره، واسم الصدر بر. (النهاية، ابن الأثير، ج 1، ص 112) 5. وفي نسخة: " لأقدست أمة فيها البربط ". 6. الكافي، ج 6، ص 434؛ وسائل الشيعة، 2 ج 12، ص 233. 7. تهذيب الأحكام، ج 6، ص 166؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 122. 8. علل الشرائع، ج 2، ص 566؛ الكافي، ج 5، ص 35؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 153؛ بحار الأنوار، ج 100، ص 33. 9. الكافي، ج 2، ص 164؛ وج 5، ص 55؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 340. 10. في المصادر: " لا تنامن ". 11. بصائر الدرجات، ص 343؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 24؛ وج 76، ص 185. 223 283. وقال (عليه السلام): حجوا واعتمروا، لتصح أبدانكم، وتتسع أرزاقكم، وتكفون مؤنات عيالاتكم. (1) 284. وقال (عليه السلام): من كسا مؤمنا كساه الله من الثياب الخضر، ولا يزال في ضمان الله ما دام عليه سلك. (2) 285. وقال (عليه السلام): بادروا إلى رياض الجنة. فقيل له: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر. (3) 286. وقال (عليه السلام): تسعة أعشار الرزق في التجارة، والباقي في الغنم. (4) 287. وقال (عليه السلام): من شقاء المرء أن تكون عنده امرأة يعجب بها، وهي تخونه في نفسها. (5) 288. وقال (عليه السلام): الحاج مغفور له، وموجب له الجنة، ومستأنف له العمل، ومحفوظ في أهله وماله. (6) 289. سمع (عليه السلام) رجلا يسأل الناس يوم عرفة فقال (عليه السلام): ويحك! أغير الله تسأل في هذا المقام (7)! إنه ليرجى ما في بطون الحبالى أن يكون سعيدا. (8) وفي رواية أخرى: لما في بطون الجبال أن يكون الجبال سعيدا. (9) 290. وقال (عليه السلام): استبشروا بالحاج إذا قدموا، وصافحوهم وعظموهم
1. ثواب الأعمال، ص 70؛ الكافي، ج 4، ص 252؛ بحار الأنوار، ج 62، ص 267. 2. الأمالي، المفيد، ص 9؛ الكافي، ج 2، ص 205؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 381. 3. معاني الأخبار، ص 321؛ بحار الأنوار، ج 1، ص 202. 4. الخصال، ص 446؛ بحار الأنوار، ج 64، ص 118. 5. الكافي، ج 5، ص 258 مع اختلاف؛ مشكاة الأنوار، ص 458. 6. الكافي، ج 4، ص 252؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 9. 7. في بعض المصادر " اليوم " بدل " المقام ". 8. كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 211؛ الخصال، ص 517؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 62. 9. أنظر: عدة الداعي، ص 47. 224 تشاركوهم في الأجر قبل أن تخالطهم الذنوب. (1) 291. وقال (عليه السلام): لا تنزلوا النساء الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور. (2) 292. وقال (عليه السلام): الصواعق تصيب المؤمن وغيره، ولا تصيب الذاكر لله تعالى. (3) 293. وقال (عليه السلام): تسحروا ولو بجرع من الماء، فإن لله تعالى ملائكة يصلون على المتسحرين بالأسحار والمستغفرين. (4) 294. وقال (عليه السلام): حدثوا الناس بما يعرفونه، ولا تحملوهم مالا يطيقون، فتغرونهم بنا. (5) 295. وقال (عليه السلام): من خلف حاجا في أهله وماله، كان له كأجره، حتى كأنه يستلم الأحجار. (6) 296. وقال (عليه السلام): لا يدخل الجنة إلا من خلص من آدم (7). (8) 297. وقال (عليه السلام): يا معشر قريش، إنكم تحبون الماشية فأقلوا منها، فإنكم بأرض يقل فيها المطر، وأحرثوا فإن الحرث مبارك. (9) 298. وقال (عليه السلام): الخضاب يجلو البصر، وينبت الشعر، ويطيب الريح،
1. الكافي، ج 4، ص 264؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 228؛ المحاسن، ج 1، ص 71؛ بحار الأنوار، ج 99، ص 386. 2. الأشعثيات، ص 98؛ نوادر الراوندي، ص 215. 3. كشف الغمة، ج 2، ص 132؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 186. 4. الأشعثيات، ص 63؛ الأمالي، الطوسي، ص 497، وفيه: " يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار ". 5. الغيبة، النعماني، ص 35؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 78. 6. المحاسن، ج 1، ص 70؛ بحار الأنوار، ج 99، ص 387. 7. يريد طهارة المولد. 8. المحاسن، ج 1، ص 139؛ بحار الأنوار، ج 5، ص 287. 9. السنن الكبرى، ج 6، ص 138؛ كنز العمال، ج 4، ص 33، ح 9359. 225 ويسكن الزوجة. (1) 299. وقال (عليه السلام): الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة. (2) 300. وقال (عليه السلام): لا تنهكوا للعظام، فإن للجن فيها نصيبا، فإن فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك. (3) 301. وقال (عليه السلام): ما أزرع الزرع لطلب الفضل فيه، وما أزرعه إلا ليناله المعتر (4)، وذو الحاجة، وتناله القبرة منه خاصة من الطير (5). (6) 302. وكان لعلي بن الحسين (عليهما السلام) جليس مات ابن له، فجزع عليه جزعا شديدا، فعزاه (عليه السلام) ووعظه. فقال: يا بن رسول الله، إن ابني كان مسرفا على نفسه. فقال (عليه السلام): لا تجزع فإن من ورائه ثلاث خلال، أولهن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن سيدنا محمدا رسول الله، والثانية شفاعة جدي (صلى الله عليه وآله)، والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شئ، فأين يخرج ابنك عن واحدة من هذه الخلال؟! (7) 303. وقال له حذلم بن بشير: صف لي خروج المهدي (عليه السلام)، وعرفني
1. الكافي، ج 6، ص 483؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 95، في المصادر: " اخضبوا بالحناء فإنه يجلو البصر... ". 2. الإمام زين العابدين (عليه السلام)، المقرم، ص 229. 3. الكافي، ج 6، ص 322؛ المحاسن، ج 2، ص 472؛ بحار الأنوار، ج 66، ص 466. 4. في بعض المصادر: " وما أزرعه إلا ليتناوله الفقير ". 5. روى الإمام الباقر (عليه السلام) عن أبيه الإمام السجاد (عليه السلام): خير الأعمال زرع يزرعه، فيأكل البر والفاجر... ويأكل منه السباع والطير (سفينة البحار، ج 1 ص 549). وفي حديث في قول الله عز وجل: (ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفلاحين؟ فقال: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، فما في الأفعال شئ أحب إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا إدريس، فإنه كان خياطا. (وسائل الشيعة، ج 2 ص 223) وعنه (عليه السلام): الزارعون كنوز الأنام، يزرعون طيبا أخرجه الله عز وجل، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة، يدعون المباركين. (الكافي ج 2، ص 404) 6. الكافي، ج 6، ص 225؛ بحار الأنوار، ج 64، ص 304. 7. المستطرف في كل فن مستظرف، ج 2، ص 535؛ سفينة البحار، ج 1 ص 549. 226 دلائله وعلاماته؟ فقال (عليه السلام): قبل خروجه خروج رجل يقال له: " عوف السلمي " (1) بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت (2)، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح بسمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون بالواد اليابس (3)، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان الملعون، فإذا ظهر السفياني، أخذ (4) في المهدي (عليه السلام)، ثم يخرج بعد ذلك، وقال (عليه السلام): المقعدون (5) عن فرشهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، فيصبحون بمكة، وهو قول الله تعالى: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا) (6)، وهم أصحاب القائم (عليه السلام). (7) 304. وقال (عليه السلام): إذا علا نجفكم السيل والمطر، وظهرت النار في الحجاز والمدن، وملكت بغداد الترك (8)، فتوقعوا ظهور القائم المنتظر. (وفي خبر آخر قال): العلم من النجف، وظهوره في بلدة يقال لها قم، والري دليل على ظهوره. (9) 305. وقال (عليه السلام): في القائم سنة من سبعة أنبياء: سنة من أبينا آدم (عليه السلام)، وسنة من
1. في بعض المصادر: " السلمي ". 2. تكريت: اسم أعجمي مركب من " تاك " بمعنى كرمة العنب، ومن " رود " بمعنى النهر، سميت البلدة به في عهد ولاية الفرس لكثرة أعنابها. قاله الشهرستاني في الدلائل والمسائل، ج 1، ص 48 (ط بغداد). 3. تكريت: اسم أعجمي مركب من " تاك " بمعنى كرمة العنب، ومن " رود " بمعنى النهر، سميت البلدة به في عهد ولاية الفرس لكثرة أعنابها. قاله الشهرستاني في الدلائل والمسائل، ج 1، ص 48 (ط بغداد). 4. في بعض المصادر: " اختفى المهدي ". 5. في بعض المصادر: " المفقودون ". 6. البقرة: 148. 7. الخرائج والجرائح، ج 3، ص 1155؛ الغيبة، الطوسي، ص 443؛ إثبات الهداة، ج 7، ص 408؛ بحار الأنوار، ج 52، ص 213. 8. في إثبات الهداة: " التتر ". 9. إثبات الهداة، ج 3، ص 578؛ عنه بشارة الإسلام، ص 94. 227 نوح، وسنة من إبراهيم، وسنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من أيوب، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله). فأما من آدم ونوح، فطول العمر. يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره في صورة شاب دون أربعين سنة. وأما من إبراهيم فخفاء الولادة، واعتزال الناس. وأما من موسى فالخوف والغيبة. وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه، فمنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: مات، ومنهم من يقول: قتل وصلب. وأما من أيوب، فالفرج بعد البلوى. وأما من محمد (صلى الله عليه وآله) فالخروج بالسيف. (1) 306. وعن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على علي بن الحسين وهو جالس في محرابه، فجلست حتى انثنى، وأقبل علي بوجهه يمسح يده على لحيته، فقلت: يا مولاي، أخبرني كم يكون الأئمة بعدك؟ قال (عليه السلام): ثمانية. قلت: فكيف ذاك؟ قال: لأن الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إثنا عشر إماما، عدد الأسباط، ثلاثة من الماضين وأنا الرابع، وثمانية من ولدي، أئمة أبرار، من أحبنا وعمل بأمرنا، كان معنا في السنام الأعلى، ومن أبغضنا وردنا، أو رد واحدا منا، فهو كافر بالله وبآياته. (2) 307. وقال (عليه السلام): من ثبت على ولايتنا (3) في غيبة قائمنا، أعطاه الله أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر وأحد. (4) 308. وقال (عليه السلام): والله، لا يخرج واحد منا قبل خروج القائم (عليه السلام)، إلا كان مثله مثل
1. كمال الدين، ص 322، وص 577؛ إعلام الورى، ص 427؛ بحار الأنوار، ج 51، ص 217؛ منتخب الأثر، ص 300. 2. كفاية الأثر، ص 237؛ عنه بحار الأنوار، ج 36، ص 388. 3. في بعض المصادر: " موالاتنا ". 4. كمال الدين، ص 323؛ إعلام الورى، ص 428؛ كشف الغمة، ج 2، ص 522؛ منتخب الأنوار المضيئة، ص 79؛ علم اليقين، ص 816؛ إثبات الهداة، ج 3، ص 467؛ بحار الأنوار، ج 52، ص 125؛ جلاء العيون، ج 3، ص 164؛ كشف الحق، ص 82؛ إلزام الناصب، ج 1، ص 470. 228 فرخ طار من وكره، قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان، فعبثوا به. (1) 309. وقال (عليه السلام): إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل من شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا، ويكونون حكام الأرض وسنامها (2). (3) 310. وقال (عليه السلام): والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا إن الأبرار منا أهل البيت، وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه. (4) 311. وقال (عليه السلام): ما ينقم الناس (5) منا، فنحن والله شجرة النبوة، وبيت الرحمة ومعدن العلم، ومختلف الملائكة. (6) 312. وقال (عليه السلام): إن في اللوح المحفوظ تحت العرش مكتوب: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام). (7) 313. وقال (عليه السلام): إن الله خلق محمدا (صلى الله عليه وآله) وعليا وأحد عشر من ولده من نور عظمته، فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبحون الله ويقدسونه، وهم الأئمة من ولد رسول الله. (8)
1. الكافي، ج 8، ص 264؛ شرح الأخبار، ج 3، ص 357؛ بحار الأنوار، ج 52، ص 303. 2. " السنام ": ما ارتفع من ظهر الجمل، والجمع " أسنمة ". 3. الخصال، ص 541؛ روضة الواعظين، ص 295؛ بحار الأنوار، ج 52، 317. 4. تفسير فرات الكوفي، ص 314؛ مجمع البيان، ج 7، ص 239؛ البرهان، ج 3، ص 219؛ مشكاة الأنوار، ص 173؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 168. 5. بمعنى ما ينكره الناس، يقال: " نقم الأمر " إذا أنكره، أو بمعنى " هل تكرهون " أو " هل تسخطون "، وسمي العذاب نقمة؛ لأنه يجب على من ينكر من القول. قاله محى الدين في البيان في غريب القرآن، ج 2، ص 85 (ط النجف). 6. الكافي، ج 1، ص 221؛ بصائر الدرجات، ص 58. 7. اليقين، ص 152، وص 281؛ إثبات الهداة، ج 2، ص 281؛ بحار الأنوار، ج 37، ص 299. 8. الكافي، ج 1، ص 530؛ بحار الأنوار، ج 57، ص 202. 229 وفي رواية أخرى، عن الثمالي عنه (عليه السلام) أنه قال: إن الله خلق محمدا وعليا، والطيبين من ذريتهما من نور عظمته، وأقامهم أشباحا قبل المخلوقات. ثم قال: أتظن إن الله لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى والله، لقد خلق الله ألف ألف آدم، وألف ألف عالم، وأنت والله في آخر تلك العوالم. (1) 314. وعن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): ما معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال (عليه السلام): أخبرهم أنه الإمام من بعده. (2) 315. وقال (عليه السلام): إن الله خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة، وجعل خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك، وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر، ويلد الكافر المؤمن (3)، وهاهنا يصيب المؤمن السيئة، ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه، وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه. (4) 316. وقال (عليه السلام): أيما مؤمن دمعت عيناه بقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا، بوأه الله
1. مشارق أنوار اليقين، ص 41؛ بحار الأنوار، ج 25، ص 25. 2. معاني الأخبار، ص 65؛ الأمالي، الطوسي، ص 107؛ الأمالي، الصدوق، ص 185، ح 191. 3. وسئل عن الإمام الصادق (عليه السلام): من أي شئ خلق الله طينة المؤمن؟ قال: من طينة عليين، ثم يسأل فمن أي شئ خلق المؤمن؟ قال: من طينة الأنبياء، فلن ينجسه شئ. (بحار الأنوار، ج 67، ص 78) 4. الكافي، ج 2، ص 2؛ علل الشرائع، ج 1، ص 82؛ المحاسن، ج 1، ص 133؛ بصائر الدرجات، ص 15؛ الاختصاص، ص 24؛ بحار الأنوار، ج 5، ص 239. 230 مبوأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مصاحبة (1) ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخط النار (2). (3) 317. وقيل: تشاجر هو وبعض الناس في مسألة من الفقه، وقال (عليه السلام): يا هذا إنك لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا، أفيكون أحد أعلم بالسنة منا؟! (4) 318. وسأل رجل علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) فقال له: أخبرني يا بن رسول الله بماذا فضلتم الناس جميعا وسدتموهم؟ فقال (عليه السلام): أنا أخبرك بذلك، اعلم إن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة: أما رجل أسلم على يد جدنا (صلى الله عليه وآله)، فهو مولانا ونحن سادته، وإلينا يرجع بالولاء، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النار، أو رجل أخذنا منه جزية عن يد وهو صاغر، ولا رابع للقوم، فأي فضل لم نحزه، وشرف لم نحصله بذلك؟ (5) 319. وقال (عليه السلام): علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف كلمة. (6)
1. في بعض المصادر: " مضاضة ". 2. يقول الشيخ هادي كاشف الغطاء في المقبولة الحسينية: فابك دما على قتيل العترة * والسيد السبط شهيد العترة عبرة كل مؤمن ومتقي * فما بكى باك عليه فشقي وإن يفتك أن تكون الباكي * فلا يفتك الأجر بالتباكي وقال الإمام الرضا (عليه السلام): من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا، فبكى وأبكى، لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. (بحار الأنوار، ج 44 ص 278) 3. تفسير القمي، ج 1، ص 291؛ كامل الزيارات، ص 100، ثواب الأعمال، ص 108؛ بحار الأنوار، ج 44، ص 281. 4. بحار الأنوار، ح 78، ص 161، وروى مثله في بصائر الدرجات، ص 12. 5. الفصول المختارة، ص 25؛ بحار الأنوار، ج 10، ص 146. 6. الخصال، ص 650؛ بصائر الدرجات، ص 309؛ الاختصاص، ص 285؛ بحار الأنوار، ج 40، ص 133. 231 وفي رواية أخرى:... والألف كلمة، تفتح كل كلمة ألف كلمة. 320. وقال (عليه السلام): فينا نزلت هذه الآية: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله) (1). وفينا نزلت هذه الآية: (وجعلها كلمة باقية في عقبه) (2)، والإمامة في عقب الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وإن للغائب منا غيبتين، أحدهما أطول من الأخرى، أما الأولى فستة أيام، أو ستة أشهر، أو ستة سنين، وأما الأخرى فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يلبث عليه إلا من قوى يقينه، وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا، وسلم لنا أهل البيت. (3) 321. وعن أبي خالد الكابلي قال: قلت للإمام زين العابدين (عليه السلام): سيدي أخبرني بالذين فرض الله علينا طاعتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال (عليه السلام): يا كنكر، إن الذين جعلهم الله أئمة للناس، وأوجب عليهم طاعتهم؛ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، ثم انتهى الأمر إلينا، وسكت. فقلت له: يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الأرض لا تخلو عن حجة الله على عباده، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: الإمام ابني محمد، فاسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقرا، هو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له: فكيف صار اسمه صادق وكلكم صادقون؟ فقال (عليه السلام): حدثني أبي عن أبيه، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق؛ لأن الخامس من ولده - الذي اسمه جعفر - يدعي الإمامة افتراء على الله وكذبا عليه، فسموه جعفر الكذاب،
1. الأنفال: 75. 2. الزخرف: 28. 3. الإمامة والتبصرة، ص 13؛ كمال الدين، ص 323؛ بحار الأنوار، ج 51، ص 134. 232 المفتري على الله، والمدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك اليوم الذي يروم كشف سر الله عند غيبة ولي الله. ثم بكى علي بن الحسين بكاء شديدا، قال: ثم قال: كأني بجعفر الكذاب، وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه، جهلا منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه، حتى يأخذه بغير حق. فقال أبو خالد الكابلي: فقلت له: يا بن رسول الله، وإن ذلك لكائن؟ فقال: أي وربي، إن ذلك لكائن، عندنا في الصحيفة التي ذكر فيها المحن، التي تجري علينا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ثم بماذا يكون؟ قال: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده. يا أبا خالد الكابلي، إن أهل زمان غيبته، والقائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كل زمان؛ لأن الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت بهم الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، أولئك المخلصون حقا، وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا. وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أفضل العمل. (1) 322. ولما أراد أن يواري جسد أبيه الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) المقدس، اعتنقه وبكى بكاء عاليا، ثم بسط كفيه تحت ظهره وقال (عليه السلام): باسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
1. الاحتجاج، ج 2، ص 48؛ إعلام الورى، ص 407؛ كمال الدين، ص 319؛ إلزام الناصب، ج 1، ص 216؛ بحار الأنوار، ج 36، ص 386، مع اختلاف في الجميع. 233 ثم وضع خده على منحره الشريف قائلا: طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر، فإن الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أما الليل فمسهد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مقيم، وعليك مني السلام يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورحمة الله وبركاته. وكتب على القبر: " هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل عطشانا ". ثم مشى إلى قبر عمه العباس (عليه السلام)، وجاء ليواريه، ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلا: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته. (1) 323. وعن أبي جعفر الثاني، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): لما أشتد الأمر بالحسين (عليه السلام)، نظر إليه من كان معه، فإذا هو بخلافهم؛ لأنهم كلما أشتد الأمر، تغيرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم، ووجلت قلوبهم ووجبت جنوبهم، وكان الحسين (عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم. (2) 324. وقال (عليه السلام) لعمته زينب الكبرى (عليها السلام) - بعد أن خطبت تلك الخطبة الدامية في غدر أهل الكوفة، حين دخلتها بعد مقتل أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) -: فقال (عليه السلام): يا عمة اسكتي، ففي الباقي من الماضي اعتبار، وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة، إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر. (3) 325. وعن أبي حمزة الثمالي قال: نظر علي بن الحسين (عليهما السلام) يوما إلى عبيد الله بن العباس بن علي (عليهم السلام) فاستعبر، ثم قال (عليه السلام):
1. مقتل الحسين، المقرم، ص 320. 2. الاعتقادات، الصدوق، ص 51؛ معاني الأخبار، ص 288؛ بحار الأنوار، ج 6، ص 154. 3. الاحتجاج، ج 2، ص 31؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 164. 234 ما من يوم أشد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يوم أحد؛ قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله، وبعده يوم مؤتة؛ قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب (عليهما السلام). ثم قال (عليه السلام): لا يوم كيوم الحسين، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل، يزعمون أنهم من هذه الأمة، كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون، حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا. ثم قال (عليه السلام): رحم الله عمي العباس، فلقد آثر وأبلى (1)، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله - تبارك وتعالى - منزلة، يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. (2) 326. وعن أبي خالد الكابلي قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن اليهود أحبوا عزيرا حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عزير منهم، ولا هم من عزير، وإن النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عيسى منهم، ولا هم من عيسى، وإنا على سنة من ذلك، إن قوما من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت
1. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): كان عمنا العباس نافذ البصيرة، صلب أو صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأبلى بلاء حسنا، ومضى شهيدا. (قاموس الرجال، ج 5، ص 241) قال الشاعر: بذلت أيا عباس نفسا نفيسة * لنصر حسين عز بالجد عن مثل أبيت التذاذ الماء قبل التذاذه * فحسن فعال المرء فرع عن الأصل فأنت أخو السبطين في يوم مفخر * وفي بذل يوم الماء أنت أبو الفضل 2. الأمالي، الصدوق، ص 374؛ بحار الأنوار، ج 22، ص 274. وجاء في الأمالي، الصدوق، ص 177: قال الحسن (عليه السلام) في حين استشهاده لأخيه الحسين (عليه السلام):... لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحش في الفلوات والحيتان في البحار. 235 اليهود في عزير، وما قالت النصارى في عيسى، فلا هم منا ولا نحن منهم. (1) 327. وقال (عليه السلام): نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، وإن الله - تبارك وتعالى - أخذ ميثاق من يحبنا، وهم في أصلاب آبائهم، فلا يقدرون على ترك ولايتنا؛ لأن الله عز وجل جعل جبلتهم على ذلك. (2) 328. وقال (عليه السلام): إن الله تعالى وكل بالأسعار ملكا يدبرها، فلن يغلو من قلة، ولن يرخص من كثرة. (3) 329. وقال (عليه السلام) - لما ذكرت التقية عنده -: والله، لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق، إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. فقال: وإنما صار سلمان من العلماء؛ لأنه امرؤ منا أهل البيت، فلذلك نسبته (4) إلى العلماء (5). (6) 330. وسأله ابنه الإمام محمد الباقر (عليه السلام) عن حمل يزيد له فقال (عليه السلام): حملني على
1. اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 336؛ عنه بحار الأنوار، ج 25، ص 288. 2. ينابيع المودة، ج 1، ص 76، و ج 3، ص 359. 3. الكافي، ج 5، ص 162، عن أبي عبد الله (عليه السلام). 4. في الاقبال: " أكف " وفي العوالم " فأكف " أميل وأشرف على السقوط. 5. هذا الحديث من مشكلات الأخبار، وقد أوضح " السيد شبر " فقراته في مصابيح الأنوار، ج 1، ص 438 (ط نجف)، وشرحه المجلسي في مرآة العقول، ج 1، ص 300، فقال: وقوله (عليه السلام): " لقتله " يحتمل وجوها، ذكرها السيد في الغرر والدرر، وأقربها: إن الضمير المرفوع عائد إلى العلم الذي في قلب سلمان، والضمير المنصوب عائد إلى أبي ذر، والمعنى: إن أبا ذر لا يحتمل كل ذلك العلم، فلو علمه لقتله - ثم يقول -: ويؤيده الحديثان الآتيان، ألا ترى أن بعضهم جن وذهب عقله بسبب حديث واحد، وبعضهم شاب رأسه ولحيته لأجل ذلك، ولو لم ينس الحديث لمات، وقتله علمه. وفي حديث النبي (صلى الله عليه وآله) له: لو عرض علمك على مقداد لكفر. 6. بصائر الدرجات، عنه عن أبيه؛ الكافي، ج 1، ص 401؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 124؛ بحار الأنوار، ج 2، ص 190. 236 بعير يظلع (1) بغير وطأء، ورأس أبي الحسين (عليه السلام) على علم، ونسوتنا خلفي على بغال مؤكفة (2)، والفارطة (3) خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتى إذا دخلنا دمشق، صاح صائح: " يا أهل الشام، هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون " (4). (5) 331. وقال له جابر بن عبد الله الأنصاري - لما دخل عليه، ووجده في محرابه قد أنضته (6) العبادة -: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد بأبي هو وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم. وقيل له: أتفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا. فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، وليس يغني فيه من قول من يستمليه من الجهد والتعب إلى القصد، قال: يا بن رسول الله، البقيا (7) على نفسك، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء ويستكشف اللاواء (8)، وبهم يستمطر السماء (9). فقال: يا جابر، لا أزال على منهاج أبوي، متأسيا بهما - صلوات الله عليهما -
1. في البحار: " يطلع "، وفي نسخة: " يطبع ". 2. في الاقبال: " أكف " وفي العوالم " فأكف " أي أميل وأشرف على السقوط. 3. " الفارطة ": الجلاوزة. 4. ردا على الله وجرأة عليه، إذ يقول في سورة الأحزاب: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). 5. إقبال الأعمال، ج 3، ص 89؛ العوالم، الإمام الحسين (عليه السلام)، ص 413؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 154. 6. " الإنضاء ": الإبلاء، ورجل أنضته العبادة: أبلته وأهزلته. 7. " البقيا ": الاسم من أبقيت عليه إبقاء، إذا رحمته وأشفقت عليه. 8. " اللاواء ": الشدة والمحنة. 9. وفي نسخة: " تستمسك السماء ". 237 حتى ألقاهما. فأقبل جابر على من حضر، فقال لهم: ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف، إن منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (1) 332. وعن عبد الله بن مبارك قال: حججت بعض السنين إلى مكة، فبينما أنا سائر في عرض الحاج، وإذا صبي سباعي أو ثماني (2)، وهو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد ولا راحلة، فتقدمت إليه وسلمت عليه، وقلت له: مع من قطعت البر؟ فقال الإمام (عليه السلام): مع الباري! فكبر في عيني. فقلت: يا ولدي أين زادك وأين راحلتك؟ فقال الإمام: زادي تقواي، وراحلتي رجلاي، وقصدي مولاي! فعظم في نفسي، فقلت: يا ولدي ممن تكون أنت؟ فقال الإمام: مطلبي. فقلت: أبن لي؟ فقال الإمام: هاشمي. فقلت: أبن لي؟ فقال الإمام: علوي فاطمي. فقلت: يا سيدي، هل قلت شيئا من الشعر؟ فقال الإمام: نعم. فقلت: أنشد لي من شعرك، فأنشد: لنحن على الحوض رواده (3) * يفوز ويسعد (4) وراده وما فاز من فاز إلا بنا * وما خاب من حبنا زاده
1. الأمالي، الطوسي، ص 637؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 289؛ بشارة المصطفى، ص 114؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 61. 2. قال في الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ص 252: لم أعرف المراد منه، ولكن في تاج العروس، ج 4، ص 146، عن ابن شميل يقال: " رباعي " لمن بلغ أربعة أشبار. وقال الليث: " الخماسي " من الوصائف لمن كان طوله خمسة أشبار، ولا يقال: " سداسي " ولا " سباعي " إذا بلغ ستة أو سبعة؛ لأنه رجل. 3. وفي نسخة " ونحن على الحوض ذواده ". 4. في بعض المصادر: " نذوق ونسقى ". 238 ومن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده ثم غاب عن عيني إلى أن أتيت مكة، فقضيت حجتي ورجعت، فأتيت الأبطح (1)، فإذا بحلقة مستديرة، فاطلعت لأنظر من بها، فإذا هو صاحبي، فسألت عنه، فقيل: هذا زين العابدين (عليه السلام) (2). (3) 333. وكان (عليه السلام) يعطف على آل عقيل (4)، ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر، فقيل له في ذلك؟ قال (عليه السلام): إني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فأرق لهم. (5) 334. وقيل له (عليه السلام): إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة؟ فقال (عليه السلام): أكره أن آخذ برسول الله مالا أعطي مثله. (6) وفي الأغاني لأبي الفرج الإصبهاني: قال نافع: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): ما أكلت بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا قط. (7)
1. " الأبطح ": يضاف إلى مكة ومنى؛ لأن مسافته واحدة، ربما كان إلى منى أقرب، وهو المحصب، وهو خيف بني كنانة. (مراصد الاطلاع، الحموي، ج 1، ص 17، ط بيروت) 2. وعنه من معالم الإسلام، ص 62، ط النجف، لمؤلف الكتاب، طبعتها ونشرتها " سلسلة منابع الثقافة الإسلامية " التي كانت تصدر في كربلاء المقدسة بجوار حرم الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، بإشراف جماعة من كبار العلماء، في سنتها الثانية في العدد الرابع. والحقيقة التي لا غبار عليها أنها كانت موفقة لصالح الإسلام والمسلمين. ومن المؤسف جدا أن انقطعت هذه السلسلة القيمة قبل مدة. 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 295؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 91. 4. قلت: إن الذين استشهدوا من بني عقيل مع سيد الشهداء (عليه السلام) سبعة، مسلم في الكوفة، وجعفر وعبد الرحمن أبناء عقيل، ومحمد بن مسلم وعبد الله بن مسلم وجعفر بن محمد بن عقيل ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل، وزاد ابن شهرآشوب عونا ومحمدا ابنا عقيل، كما في بحار الأنوار، ج 45، ص 61. 5. شرح الأخبار، ج 3، ص 237؛ نقله في كامل الزيارات ص 214، مع اختلاف؛ عنه مستدرك وسائل الشيعة، ج 2، ص 466. 6. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 300؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 93. 7. الأغاني، ج 14، ص 75. 239 335. وقال نافع بن جبير له (عليه السلام): إنك تجالس أقواما دونا؟! فقال له (عليه السلام): إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني. (1) 336. وحج (عليه السلام) فقيل له: هل لك في الزهري؟ فقال (عليه السلام): إن لي فيه. قال أبو العباس: هكذا كلام العرب: " إن لي فيه "، لا يقال غيره. فدخل عليه فقال له: إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك، فابعث بدية مسلمة إلى أهله، واخرج إلى أهلك، ومعالم دينك (2). (3) 337. وروى أيضا الزهري قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام) يوما: يا زهري، من أين جئت؟ فقلت: من المسجد. قال: فبم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شئ واجب، إلا صوم شهر رمضان. فقال (عليه السلام): يا زهري، ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة، وصوم السفر والمرض. قلت: - جعلت فداك! - فسرهن لي.
1. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 300؛ خلاصة عبقات الأنوار، ج 4، ص 248؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 41، ص 368؛ تهذيب الكمال، ج 20، ص 385؛ سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 388؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 93. 2. قال في عوالم العلوم، ج 18 ص 18 عن كشف الغمة: قال أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت، قالت الشيعة: إنما سمي علي بن الحسين سيد العابدين؛ لأن الزهري رأى في منامه، كان يده مخضوبة غمسة، قال: فعبرها، فقيل له: إنك تبتلي بدم خطأ. قال: وكان عاملا لبني أمية، فعاقب رجلا، فمات في العقوبة، فخرج هاربا وتوحش ودخل إلى غار، وطال شعره. 3. كشف الغمة، ج 2، ص 317؛ خاتمة مستدرك وسائل الشيعة، ج 4، ص 300؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 7. 240 قال: أما الواجبة؛ فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار؛ لقول الله تعالى: (الذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) (1) إلى قوله: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين). (2) وصيام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوما من شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، لقول الله عز وجل: (ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) (3) إلى قوله عز وجل: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما). (4) وصوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب. قال الله عز وجل: (فصيام ثلاثة أيام ذلك كفرة أيمانكم إذا حلفتم). (5) هذا لمن لا يجد إلا طعام، كل ذلك متتابع، وليس بمتفرق. وصيام أذى حلق الرأس واجب، قال الله: (فمن كان منكم مريضا أو بهى أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (6)) (7) فصاحبها فيها بالخيار، فإن صام صام ثلاثة أيام. وصوم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي، قال الله عز وجل: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج... فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة). (8) وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله عز وجل: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم بهى ذوا عدل منكم هديا بلغ الكعبة أو كفرة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما) (9)، أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يازهري؟ قال: قلت: لا أدري. قال: يقوم الصيد قيمة، ثم تفض تلك القيمة على البر،
1 - 2. المجادلة: 3 - 4. 3 - 4. النساء: 92. 5. المائدة: 89. 6. " نسك ": جمع نسيكة، الذبيحة. 7 - 8. البقرة: 196. 9. المائدة: 95. 241 ثم يكال ذلك البر صواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما. وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر أو في حال المرض - فهو عاص -، فعليه القضاء، فإن الله عز وجل يقول: فمن كان منكم مريضا فعدة من أيام أخر. وأما الصوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وثلاثة أيام من أيام التشريق، وصوم يوم الشك، أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا به أن نصوم مع صيام شعبان، ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. فقلت له: - جعلت فداك! - فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك إنه صام من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره. فقلت: وكيف يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا، وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان، ثم علم بعد ذلك، لأجزأ عنه؛ لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه. وصوم الوصال (1) حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام.
1. قوله " صوم الوصال ": ذهب الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب إلى أن صوم الوصال هو أن ينوي صوم وليلة إلى السحر. وذهب الشيخ في الاقتصاد وابن إدريس إلى أن معناه أن يصوم يومين مع ليلة بينهما، وإنما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزءا من الصوم، أما لو أخره الصائم بغير نية؛ فإنه لا يحرم فيها، قطع به الأصحاب، والاحتياط يقتضي اجتناب ذلك. وأما صوم الصمت: فهو أن ينوي الصوم ساكتا، وقد أجمع الأصحاب على تحريمه. وصوم الدهر حرمته إما لاشتماله على الأيام المحرمة، إن كان المراد كل السنة، وإن كان المراد ما سوى الأيام المحرمة، فلعله إنما يحرم إذا صام على اعتقاد أنه سنة مؤكدة، فإنه يقتضي الافتراء على الله، ويمكن حمله على الكرهة أو التقية، لاشتهار الخبر بهذا المضمون بين العامة. قال الجزري في النهاية: وفي الحديث أنه سئل عمن يصوم الدهر؟ فقال: " لا صام ولا أفطر "، أي لم يصم ولم يفطر، كقوله تعالى: (لا صدق ولا صلى) (القيامة، الآية 31)، وهو إحباط الأجرة على صومه، حيث خالف السنة. (مرآة العقول، ج 16، ص 243) 242 وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة (1)، والخميس، وصوم البيض، وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء. فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأما صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من نزل على قوم، فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم. وأما صوم التأديب، فأن يؤخذ الصبي إذا راهق (2) بالصوم تأديبا. وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار، ثم قدم أهله، أمر بالإمساك بقية يومه، وليس بفرض. (3) وأما صوم الإباحة لمن أكل أو شرب ناسيا، أو قاء (4) من غير تعمد، فقد أباح الله له ذلك وأجزأ عنه صومه. وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة قد اختلفت في ذلك. فقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر، أو في حال المرض، فعليه القضاء، فإن الله عز وجل يقول: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (5)، فهذا تفسير الصيام. (6) 338. ولما دخل الكميت عليه (عليه السلام)، فقال له: إني مدحتك بما أرجو أن يكون لي
1. وزاد في كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 43: " يوم الاثنين ". 2. أي إذا قارب بالاحتلام. 3. وفي التهذيب، ج 1، ص 303: وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية أيامها. 4. في نسخة: " أو تقيأ ". 5. البقرة: 184. 6. الكافي، ج 4، ص 84 - 87؛ كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 77 - 81؛ الخصال، ص 534؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 294 - 297؛ بحار الأنوار، ج 93، ص 259 - 262. 243 وسيلة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أنشد قصيدته التي أولها: من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام (1) فلما أتى على آخرها، قال (عليه السلام): ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه، فإن الله لا يعجز عن مكافأتك، اللهم اغفر للكميت. ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك (2) وذرية نبيك بنفسه، حين ظن الناس وأظهر ما كتمه غيره من الحق، فأحيه سعيدا، وأمته شهيدا، وأره الجزاء عاجلا، وأجزل له جزيل المثوبة أجلا، فإنا قد عجزنا عن مكافأته. قال الكميت: ما زلت أعرف بركة دعائه. (3) 339. واستشار زيد أباه (عليه السلام) في الخروج فنهاه وقال (عليه السلام): أخشى أن تكون المقتول المصلوب، أما علمت أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة قبل خروج السفياني إلا قتل، فكان كما قال (عليه السلام) (4). (5)
1. شرح الهاشميات، ص 195. 2. قد ورد في إحقاق الحق، ج 12، ص 61: " إن الكميت جاء في آل رسولك "، ولكن الصحيح هو الذي أثبتناه. 3. الدرجات الرفيعة، ص 570؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 50، ص 237. 4. قال في زيد الشهيد (عليه السلام)، ص 88، ط النجف: إن هذا النهي، نهي تنزيهي، ويحمل على الشفقة وخوف القتل، ويؤيده هذه الرواية: عن الحسن بن راشد قال: ذكرت زيد بن علي، فتنقصته عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقال: " لا تفعل، رحم الله عمي زيدا، أنه أتى إلى أبي وقال: إني أريد الخروج على هذا الطاغية، فقال: لا تفعل، فإني أخاف أن تكون المقتول، المصلوب على ظهر الكوفة، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل ثم قال: يا حسن، إن فاطمة لعظمها على الله، حرم ذريتها على النار، وفيهم نزلت: (ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات). يا حسن، لا يخرج أحدنا من الدنيا حتى يتبين ذي فضل فضله ". ويقول الشاعر المصري أحمد شوقي في دول العرب وعظماء الإسلام: يطلب بالحجة حق بيته * والحق لا يطلب إلا بالقنا سائل عليا فهو ذو علم بها * واستخبر الحسين يعلم البنا فتى بلا رأي ولا تجربة * جرى عليه من هشام ما جرى فمات مقتولا وطال طلبه * وأحرقت جثته بعد البلا 5. نور الأبصار، ص 246؛ عنه في إثبات الهداة، ج 3، ص 32. 244 340. وقال (عليه السلام) لأبي حمزة: يا أبا حمزة، إن عشت بعدي لترين هذا الغلام - يعني زيدا - في ناحية الكوفة مقتولا مدفونا، منبوشا مصلوبا، مسحوبا مصلوبا في الكناسة، ثم ينزل فيحرق، ويدق ويذرى في البر. فشاهد أبو حمزة جميع ذلك. (1) 341. وكان يقول (عليه السلام) في طريقه إلى الشام: ساد العلوج فما ترضى بذا العرب (2) * وصار يقدم رأس الأمة الذنب يا للرجال لما يأتي الزمان به * من العجيب الذي ما مثله عجب آل الرسول على الأقتاب عارية * وآل مروان تسري تحتهم نجب (3) 342. وأيضا يقول (عليه السلام) في ذلك الطريق: هذا الزمان فما تفنى عجائبه * عن الكرام ولا تهدى مصائبه فليت شعري إلى كم ذا يحاربنا * بصرفه وإلى كم ذا تحاربه يسري بنا فوق أعياس بلا وطاء * وسائق العيس يحمى عنه عازبه كأننا من بنات الروم بينهم * أو كل ما قاله المختار كاذبه كفرتم برسول الله ويحكم * يا أمة السوء أخلفتم مذاهبه (4) 343. وعن سعيد بن جبير: إنه سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)؟ (5) فقال (عليه السلام): هي قرابتنا أهل البيت من محمد (صلى الله عليه وآله). (6)
1. فرحة الغري، ص 115؛ عنه بحار الأنوار، ج 46، ص 183. 2. " العلج ": كل جاف شديد من الرجال. 3. مقتل الحسين، أبو مخنف، ص 186. 4. مقتل الحسين، أبو مخنف، ص 189؛ العوالم، ص 428، مع اختلاف فيهما. 5. الشورى: 23. 6. تفسير فرات الكوفي، ص 392؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 247. 245 344. وروي عن العالم (عليه السلام) (1): إن علي بن الحسين أخذ بيد أبي حمزة ديران بن أبي صفية الثمالي فقال (عليه السلام): يا أبا حمزة علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شئ، إن هذا لهو الفضل المبين. (2) 345. وبلغه (عليه السلام) قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال: كان يسكته الحلم، وينطقه العلم! فقال (عليه السلام): " كذب، بل كان يسكته الحصر، (3) وينطقه البطر " (4). وورد هذا عن أبيه الإمام الحسين (عليه السلام). 346. وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): أي البقاع أفضل؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم. وقال (عليه السلام): إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، ويصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع (5)، ثم لقى الله عز وجل بغير ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئا (6). (7) 347. وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال (عليه السلام): أصبحنا خائفين برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأصبح جميع الإسلام آمنين به. (8) 348. ويروى أنه مرض، فدخل عليه جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعودونه. فقالوا: كيف أصبحت يا بن رسول الله فدتك أنفسنا؟
1. الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام). 2. إثبات الوصية، ص 184؛ بصائر الدرجات، ص 342؛ دلائل الإمامة، ص 205؛ الاختصاص، ص 293. 3. " الحصر " - بالتحريك -: العي. و " بطر فلان بطرا ": غلا في المرح والزهو. 4. نثر الدر، ج 1، ص 339؛ كنز الفوائد، ج 1، ص 32؛ بحار الأنوار، ج 33، ص 219. 5. ورد في ثواب الأعمال: " في ذلك المقام "، وفي المحاسن: " في ذلك المكان ". 6. في ثواب الأعمال: " لم ينتفع بذلك شيئا ". 7. ثواب الأعمال، ص 204؛ بشارة المصطفى، ص 70؛ الأمالي، الطوسي، ص 132؛ المحاسن، ج 1، ص 91؛ شرح الأخبار، ج 3، ص 479؛ بحار الأنوار، ج 27، ص 172. 8. نثر الدر، ج 1، ص 340؛ كشف الغمة، ج 2، ص 107؛ بحار الأنوار، ج 78، ص 159. 246 فقال (عليه السلام): في عافية، والله المحمود على ذلك، فكيف أصبحتم أنتم جميعا؟ قالوا: أصبحنا والله لك محبين وادين. فقال لهم: من أحبنا، أسكنه الله في ظل ظليل يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله. ومن أحبنا يريد مكافأة، كافأه الله عنا الجنة. ومن أحبنا لغرض دنياه، أتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب. (1) 349. وقال طاووس: رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب، يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلاة، فإذا هو علي بن الحسين (عليهما السلام)! فقلت: يا بن رسول الله، رأيتك على حالة كذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها أنك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والثاني شفاعة جدك، والثالث رحمة الله. فقال (عليه السلام): يا طاووس، أما إني ابن رسول الله فلا تؤمنني، وقد سمعت الله تعالى يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون) (2)، وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (3)، وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) (4)، ولا أعلم أني من المحسنين. (5) 350. وقال (عليه السلام): ليس بين الله وبين حجته حجاب، فلا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سره. (6) 351. وعن أبي الطفيل، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال أبوه (عليه السلام) في حديث: أما أن
1. نور الأبصار، ص 245؛ الفصول المهمة، ص 188. 2. المؤمنون: 101. 3. الأنبياء: 28. 4. الأعراف: 56. 5. نثر الدر، ج 1، ص 342؛ كشف الغمة، ج 2، ص 108؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 101. 6. معاني الأخبار، ص 35؛ بحار الأنوار، ج 24، ص 12. 247 في صلبه - يعني ابن عباس - وديعة ذريت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا، وستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد (عليهم السلام)، تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون، ويصابرون حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين. (1) 352. وكان (عليه السلام) واقفا بعرفات ومعه الزهري، فقال (عليه السلام): كم تقدر هاهنا من الناس؟ قال الزهري: أقدر أربعة آلاف كلهم حجاج، قصدوا الله بأموالهم، ويدعونه بضجيج أصواتهم. فقال (عليه السلام): يا زهري، ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج! فقال الزهري: أهؤلاء قليل؟! فعندها أمره الإمام أن يدنو منه، فإنما دنا منه (2)، فمسح بيده المباركة على وجهه، وقال له: " انظر ". فعندها قال الزهري: أرى هؤلاء كلهم قردة إلا القليل. ثم استدناه (عليه السلام) ومسح بيده الشريفة على وجهه، فرأى أولئك خنازير. ثم مسح على وجهه، فإذا هم دواب إلا النفر اليسير، فقال له: بأبي أنت وأمي، أدهشتني آياتك وحيرتني عجائبك! قال (عليه السلام): يازهري، ما الحجيج من هؤلاء إلا اليسير من ذلك الجمع الغفير. ثم قال: إن من والى موالينا، وهجر معادينا، ووطن نفسه على طاعتنا، ثم حضر الموقف مسلما إلى الحجر الأسود، ما قلده الله من أماناتنا، ووفانا بما ألزمه من عهودنا، فذلك هو الحاج، والباقون من قد رأيتهم. ثم حدثه بحديث عن أبيه، عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فضل شيعتهم والموالين لهم. (3)
1. تفسير القمي، ج 2، ص 24؛ الغيبة، النعماني، ص 199؛ الاختصاص، ص 73؛ اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 275؛ بحار الأنوار، ج 42، ص 150. 2. كذا، ولكن جاء في المصدر: " فأدناه إليه ". 3. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، ص 608 مع اختلاف، وهكذا إثبات الهداة، ج 3، ص 22. 248 353. ولما قال الزهري وعروة بن الزبير وذكرا عليا (عليه السلام) بالسوء، فبلغه ذلك، فجاء (عليه السلام) حتى وقف عليهما، فقال (عليه السلام): أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى الله، فحكم لأبي على أبيك، وأما أنت يا زهري، فلو كنت بمكة لأريتك بيت (1) أبيك. (2) 354. وقال (عليه السلام): لكم ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتمونا * كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم * وقاضينا الإله فنعم قاض (3) 355. وقال (عليه السلام): إن معاصي إبليس أعظم من معاصي من كفر بإغوائه، فأهلك الله من شاء منهم، كقوم نوح وفرعون، ولم يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك، فما باله سبحانه وتعالى أهلك الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المحرمات (4)، أما كان ربنا سبحانه حكيما في تدبيره، أهلك هؤلاء بحكمته، واستبقى إبليس! فكذلك هؤلاء الصائدون يوم السبت، والقاتلون الحسين (عليه السلام)، يفعل بالفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة: (لا يسل عما يفعل وهم يسلون) (5). (6) 356. وقال (عليه السلام) لحميد بن مسلم لما دافع عنه حين أرادوا قتله (عليه السلام): جزيت خيرا، فوالله لقد دفع الله عني بمقالتك شرا. (7)
1. في بعض المصادر: " لأريتك كرامتك ". 2. العوالم، ص 282؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 143. 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 310؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 146. 4. في بعض المصادر: " المخزيات ". 5. الأنبياء: 23. 6. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، ص 271؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 296. 7. البداية والنهاية، ج 8، ص 205. 249 357. ولما التفت ابن زياد إليه (عليه السلام) فقال: من هذا؟ فقيل: علي بن الحسين. فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فقال (عليه السلام): قد كان لي أخ يقال له: " علي بن الحسين " قتله الناس. فقال: بل قتله الله. وفي رواية: قال: كان لي أخ يسمى علي، فقتله الناس، أو " قد قتل ". فقال: إن الله قتله. فقال (عليه السلام): (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها). (1) فقال ابن زياد: ألك جرأة على جوابي! اذهبوا به فاضربوا عنقه. فسمعت به عمته زينب الكبرى، فقالت: " يا بن زياد، إنك لم تبق منا أحدا، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه "، فكف عنه. (2) فقال (عليه السلام) لعمته: أسكتي يا عمتي حتى أكلمه، ثم أقبل (عليه السلام) على ابن زياد: أبالقتل تهددني يا بن زياد؟! أما علمت إن القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة. (3) 358. وقال له (عليه السلام) رجل: إنكم أهل بيت مغفور لكم. فغضب (عليه السلام) فقال: إن الله تعالى يقول: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضعف لها العذاب ضعفين) - إلى قوله -: (نؤتها أجرها مرتين) (4). ثم قال (عليه السلام): نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، من أن نكون كما تقول. إنا نرى
1. الزمر: 42. 2. هناك عدة مرات وقفت هذه الحرة الكريمة ودافعت عن ابن أخيها دفاع الأبطال، صونا لأجل حياة إمام عصرها وبقية السلف الماضين، منها هذه المرة. وثانيها بعد شهادة أخيها أبي الشهداء (عليه السلام) وأصحابه لما هجموا الأعداء خيمتها، وأراد الطاغي شمر بن ذي الجوشن - عليه لعائن الله - أن يقتل ابن أخيها. أقبلت إليه وأهوت عليه وقالت: " والله لا يقتل حتى أقتل دونه "، فكفوا عنها، كما في مقتل الحسين (عليه السلام)، ج 2، ص 38، ط النجف؛ نفس المهموم، القمي، ص 205. 3. الفتوح، ج 1، ص 229؛ العوالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ص 384. 4. الأحزاب: 31 و 32. 250 لمحسننا ضعفين من الأجر، ولمسيئنا ضعفين من العذاب. (1) 359. وقال (عليه السلام): لما وفدنا على يزيد بن معاوية، أتونا بحبال وربقونا (2) مثل الأغنام، وكان الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم، وبكتف زينب وسكينة والبنات ويساقونا، وكلما قصرنا عن المشي ضربونا حتى أوقفونا بين يدي يزيد، فتقدمت إليه وهو على سرير ملكه، فقلت: أنشدك الله يا يزيد، ما ظنك برسول الله (صلى الله عليه وآله) لو رآنا على هذه الحالة؟ ثم أمر يزيد بالحبال فقطعت، فكان رأس أبي أمامه والنساء من خلفه. فقلت له: أتأذن لي بالكلام؟ فقال: قل ولا تقل هجرا. فقال: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر (3). (4) 360. وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فخلا به، فقال: يا بن أخي قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم عد باقي الأئمة (عليهم السلام)، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني. فقال (عليه السلام): يا عم، اتق الله ولا تدعي - تدع - ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي - صلوات الله عليه - يا عم أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندي، فلا تتعرض لهذا فإني أخاف عليك نقص العمر، وتشتت الحال. (5)
1. مجمع البيان، ج 8، ص 153؛ بحار الأنوار، ج 22، ص 175. 2. في بعض المصادر: " ربطونا ". 3. " الهجر " - بالضم -: الكلام القبيح، الفحش في المنطق. وليس هذا ببعيد من يزيد الفاسق الكافر أن ينسب إلى الإمام المعصوم الطاهر، حجة الله على خلقه، هذا الكلام السيئ والجسارة الوقحة، ومن قبل قد نسب هذا إلى جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بمحضر منه، ردا على الله وجرأة عليه، إذ يقول في كتابه الكريم: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى). 4. المنتخب، الطريحي، ص 487؛ الدمعة الساكبة، ج 5، ص 102. 5. في نسخة: " شتات الأمر ". 251 إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام)، فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه، ونسأله عن ذلك. ثم انطلقا وتحاكما إلى الحجر الأسود، فأعطى الحق للإمام (عليه السلام) بقوله: إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) (1). (2) 361. وقال الشهرزوري: كنت في دمشق لما جاؤوا برأس الحسين وأصحابه، وسبايا أهل البيت، وعلى رأسهم علي بن الحسين (عليهما السلام)، ثم قلت له: أنا من الشيعة الموالين لكم، ليتني كنت معكم! فأكون أول شهيد في نصرتكم، ألك حاجة يا مولاي؟ قل لي. فقال (عليه السلام): نعم، هل معك شئ من الدراهم؟ قلت: بلى، ألف دينار وألف درهم عندي. فقال: خذ شيئا من ذلك وأدفعه إلى الذي يحمل رأس أبي، وقل له: أن يبتعد عن النساء، ليشتغل الناس بالنظر إليه عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال سهل: ففعلت. فجئت إليه فقال لي: جزاك الله خيرا، وحشرك معنا في يوم القيامة في زمرتنا، ثم أنشد هذه الأبيات: أقاد ذليلا في دمشق كأنني * من الزنج عبد غاب عنه نصير وجدي رسول الله في كل مشهد * وشيخي أمير المؤمنين أمير (3)
1. وأشار إلى هذا السيد الحميري (قدس سره) بقوله: عجبت لكر صروف الزمان * وأمر أبي خالد ذي البيان ومن رده الأمر لا ينثني * إلى الطيب الطهر نور الجنان علي وما كان من عمه * برد الأمانة عطف العيان وتحكيمه حجرا أسودا * وما كان من نطقه المستبان بتسليم عم بغير امتراء * إلى ابن أخ منطقا باللسان شهدت بذلك حقا كما * شهدت بتصديق آي القرآن علي إمامي ولا أمتري * وخليت قولي بكان وكان (راجع مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 288) 2. الكافي، ج 1، ص 348؛ بحار الأنوار، ج 42، ص 77. 3. في بعض النسخ: " وزير ". 252 فياليت أمي لم تلدني ولم أكن (1) * يراني يزيد في البلاد أسير (2) (3) 362. ولما قال له (عليه السلام) يزيد: واعجبا لأبيك سمى عليا وعليا! فقال (عليه السلام): إن أبي أحب أباه، فسمى باسمه مرارا. (4) 363. وأيضا لما قال له (عليه السلام): اذكر حاجاتك الثلاثة... فقال (عليه السلام): الأولى: أن تريني وجه سيدي وأبي ومولاي الحسين (عليه السلام)، فأتزود منه، وأنظر إليه وأودعه. والثانية: أن ترد علينا ما أخذ منا. والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن. فقال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا، وأما قتلك فقد عفوت عنك، وأما النساء فلا يردهن إلى المدينة غيرك، وأما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته. فقال (عليه السلام): أما مالك فما نريده، وهو موفر عليك، وإنما طلبت ما أخذ منا؛ لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، ومقنعتها وقلادتها وقميصها... (5) 364. عن معتب (6)، عن الإمام الصادق (عليه السلام): كان علي بن الحسين (عليهما السلام) شديد
1. في بعض النسخ: " فياليت لم أنظر دمشق ولم أكن ". 2. مقتل الحسين، أبو مخنف، ص 196. 3. ولآية الله الغروي الإصفهاني قصيدة يقول فيها: ناله " يا ليت أم لم تلدني " بركشيد * بهر هتك حرمت ناموس رب العالمين آن كه همچون نقطه مركز شود ثابت قدم * كي نهد پا از محيط صبر بيرون اين چنين " إنه شيء عجاب صبره عند المصاب " * زشت باشد آفرين بر صبر آن صبر آفرين آن كه از وى شد نظام عالم هستى به پاى * سر برهنه شد به پا، در محفل پستى لعين شاهد گيتى سراپا سوخت در بزم شراب * همچون شمع از سوز دل با شعله آه وامين " لا تقل هجرا " شنيد از معدن جهل وغرور * عين اسرار علوم اولين وآخرين بس كه تلخى ها چشيد آن خسرو شيرين لبان * زهر را نوشيد در آخر نفس چون انگبين 4. مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 309؛ عوالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ج 17، ص 411. 5. عوالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ج 7، ص 454 عن اللهوف، ومثير الأحزان، ابن نما، وبحار الأنوار، ج 45، ص 144. 6. معتب مولى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، ثقة كما في الخلاصة، ص 17، ط النجف. وفي رجال الشيخ: مدني أسند عنه. ويقول إسحاق بن عمار، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: موالي عشرة غيرهم معتب. (قاموس الرجال، ص 49، ج 9) 253 الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم، وليله قائم، فأضر ذلك بجسمه. فقلت: يا أبه، كم هذا الدؤب. (1) فقال (عليه السلام): أتحبب إلى ربي، لعله يزلفني. قال السوسي: على السجود تالي القرآن (2) وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، قال: كنا نعلم مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسراياه، كما نعلم السورة من القرآن. (3) 365. أبو حمزة الثمالي، قال: سألت علي بن الحسين (عليه السلام)، عن زيارة الحسين (عليه السلام)؟ فقال (عليه السلام): زره كل يوم، فإن لم تقدر فكل جمعة، فإن لم تقدر فكل شهر، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله). (4) 366. ولقى المنهال بن عمرو علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال له: كيف أصبحت يا بن رسول الله أصلحك الله؟ فقال (عليه السلام): أصبحنا! أما تعلم! آن لك أن تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر، وأصبح عدونا يعطى المال والشرف، وأصبح من يحبنا محقودا منقوصا حقه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمدا كان منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن
1. " الدؤب ": الجد والتعب. 2. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 4، ص 157؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 91. 3. البداية والنهاية، ج 3، ص 297. 4. فضل زيارة الحسين (عليه السلام)، ص 42. 254 محمدا كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا كان منها، وأصبحنا آل محمد لا يعرف لنا حق! هكذا أصبحنا. (1) 367. ولما دخل سبايا آل محمد بالشام، وفيهم علي بن الحسين (عليهما السلام) فجاءه شيخ فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم. فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): إني قد أنصت لك حتى فرغت من منطقك، وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء، فانصت لي كما أنصت لك. فقال له: هات. قال علي (عليه السلام): أما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. فقال له (عليه السلام): أما قرأت هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2)؟ قال: بلى. فقال: نحن أولئك، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا. فقال: أما قرأت هذه الآية: (وآت ذا القربى حقه) (3)؟ قال: نعم. قال علي (عليه السلام): فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم. فقال الشامي: إنكم لأنتم هم؟! فقال علي (عليه السلام): نعم. فهل قرأت هذه الآية: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) (4)؟ فقال له الشامي: بلى. فقال علي (عليه السلام): فنحن ذو القربى، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون الإسلام؟ فقال: لا. قال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما قرأت هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم
1. تفسير القمي، ج 2، ص 134؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 84. 2. الشورى: 22. 3. الإسراء: 26. 4. الأنفال: 41. 255 الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (1) قال: فرفع الشامي يده إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أتوب إليك - ثلاث مرات -، اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد، وأبرأ إليك ممن قتل أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، ولقد قرأت القرآن منذ دهر، فما شعرت بها قبل اليوم. (2) 368. وبكى (عليه السلام) على أبيه الحسين (عليه السلام) عشرين سنة، أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا يبكي (3) حتى قال له مولى له: - جعلت فداك! - يا بن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. فقال (عليه السلام): إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله مالا تعلمون، ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. (4) 369. وقال له (عليه السلام) مولاه: يا مولاي أما آن لحزنك أن ينقضي وليكأنك أن يقل؟ فقال (عليه السلام): ويحك (ويلك) إن يعقوب نبي ابن نبي كان له إثنا عشر ولدا، فغيب الله عنه واحدا منهم، فبكى حتى ذهب بصره (5)، واحدودب (تحدب) ظهره، وشاب رأسه من الغم، وكان ابنه حيا يرجو لقاءه، فإني (وانا) رأيت أبي وأخي وأعمامي وبني أعمامي، وثمانية عشر مقتلين صرعى، تسفي عليهم الريح. فكيف ينقضي عبرتي، وترقا عبرتي؟ (6) ثم بكى بكاء شديدا، وجعل يقول الأبيات: إن الزمان الذي قد كان يضحكنا * بقربهم ضاربا لتفريق يبكينا حالت لفقدهم أيامنا فغدت * سودا وكانت بهم بيضا ليالينا فهل ترى الدار بعد البعد آنسة * أم هل يعود كما قد كان نادينا
1. الأحزاب: 33. 2. الاحتجاج، ج 2، ص 33؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 166. 3. في جميع المصادر " بكى ". 4. كامل الزيارات، ص 107؛ الخصال، ص 273؛ روضة الواعظين، ص 170؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 108. 5. في بعض المصادر: " فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه ". 6. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 303؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 63. 256 يا ظاعنين (1) بقلبي أينما ظعنوا * وبالفؤاد مع الأحشاء داعينا ترفقوا بفؤادي في هواد حكم * فقدته يوم راحت من أراضينا فوالذي حجت الركبان كعبته * ومن إليه مطايا الكل ساعونا لقد جرى حبكم مجرى دمى فدمي * من الفراق جرى سؤلا لبادينا (2) 370. وقيل له: إنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا؟ فقال (عليه السلام): نفسي قتلتها، وعليها أبكي. (3) وقد تم تحرير ما أردت جمعه، مما وقفت عليه من خطبه وكتبه وقصار كلماته المأثورة عنه في يوم الخميس السادس والعشرين، من شهر ربيع الثاني سنة 1374 من الهجرة. وتم ما أضفت عليه، وشرحت بعض كلماته الغريبة، فصار ضعف الكتاب، في يوم الاثنين من شهر شعبان المعظم سنة 1385 ق في مدينة كربلاء المقدسة، على مشرفها آلاف السلام والتحية. وتمت الإضافات في المرة الثالثة حين اعتكافي في أيام البيض من شهر رجب الأصب في مسجد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، بقم عش آل محمد (عليهم السلام) سنة 1413 ق. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله، مصابيح الدجى وأعلام التقى، وسلم تسليما كثيرا. وأنا العبد جعفر عباس الحائري
1. ظاعنين: أي راحلين. 2. نور العين في مشهد الحسين (عليه السلام)، الأسفرايني، ص 75؛ 3. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 303؛ بحار الأنوار، ج 46، ص 109. 257 الفهارس 1. فهرس الآيات الكريمة 2. فهرس الأعلام 3. فهرس الجماعات والقبائل 4. فهرس الأماكن والبلدان 5. فهرس الأشعار 6. فهرس المنابع والمآخذ 7. فهرس المطالب
259 فهرس الآيات الكريمة السورة ورقمها رقم الآية الآية الصفحة 2 / البقرة 22 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء 60 27 الذين ينقضون عهد الله منم بعد ميثاقه ويقطعون ما 157 35 وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة 178 148 أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ 227 184 فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر 243 196 فمن كان منكم مريضا أو بهى أذى من رأسه.... 241 206 أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد 45 223 وبشر المؤمنين 210 281 واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى 90 284 والله على كل شئ قدير 65 3 / آل عمران 105 ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا منم بعد ما جاءهم 67 185 كل نفس ذائقة الموت.... وما الحيوة الدنيا إلا متع 87
261 186 من عزم الأمور 133 187 لتبيننه للناس ولا تكتمونه 112 4 / النساء 92 ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة 241 92 فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان 241 5 / المائدة 31 فأصبح من الندمين 149 89 فصيام ثلاثة أيام ذلك كفرة أيمانكم إذا حلفتم 241 95 ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم 241 6 / الأنعام 68 وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم 192 160 من جاء بالحسنة فلهو عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا 160 7 / الأعراف 56 إن رحمت الله قريب من المحسنين 247 65 وإلى عاد أخاهم هودا 44 169 فخلف منم بعدهم خلف ورثوا الكتب يأخذون عرض 113 201 إن الذين اتقوا إذا مسهم طلف من الشيطان 26 8 / الأنفال 41 واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول و 255 75 وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله 232 9 / التوبة 72 وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنت تجرى من تحتها 57، 215 111 إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم 210 119 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين 71 10 / يونس 24 إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به 28 62 ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 39 11 / هود 105 لا تكلم نفس إلا بإذنه 111
262 113 ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار 28 13 / الرعد 11 إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم 149 25 والذين ينقضون عهد الله منم بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر 157 39 يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب 85، 166 14 / إبراهيم 7 لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد 44، 112 14 ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد 36 42 ولا تحسبن الله غفلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم 90 15 / الحجر 85 فاصفح الصفح الجميل 216 16 / النحل 18 وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها 64 45 أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو 26 46 أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين 26 47 أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم 26 126 وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم بهى ولئن صبرتم لهو 133 17 / الإسراء 26 وآت ذا القربى حقه 255 36 ولا تقف ما ليس لك بهى علم إن السمع والبصر والفؤاد كل 192 18 / الكهف 82 وكان أبوهما صلحا 92 19 / مريم 59 أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 115 21 / الأنبياء 11 وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة 26 11 وأنشأنا بعدها قوما آخرين 26 12 فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون 27 13 لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومسكنكم لعلكم 27
263 14 قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين 27 15 فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين 27 23 لا يسل عما يفعل وهم يسلون 20، 249 28 ولا يشفعون إلا لمن ارتضى 247 46 ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا 27 47 ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم 27 94 فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا 37 22 / الحج 11 ذلك هو الخسران المبين 69 38 إن الله لا يحب كل خوان كفور 143 23 / المؤمنون 15 ثم إنكم بعد ذلك لميتون 89 99 حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون 36 100 ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون 155 100 لعلى أعمل صلحا فيما تركت 36 101 فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ 43، 247 115 أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون 89 24 / النور 35 يهدى الله لنوره من يشاء 65 25 / الفرقان 44 إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا 18 31 / لقمان 33 فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 89 33 / الأحزاب 30 يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضعف لها 250 31 نؤتها أجرها مرتين 250 33 إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم 255
264 34 / سبأ 4 ليجزى الذين آمنوا 30 35 / فاطر 28 إنما يخشى الله من عباده العلماء 111 32 ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم 216 39 / الزمر 42 الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في 101، 250 69 وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتب وجاىء بالنبيين 54 42 / الشورى 13 شرع لكم من الدين ما وصى بهى نوحا والذي أوحينا إليك 66 23 قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى 245، 255 30 وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن 101 41 ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل 133، 142 43 / الزخرف 28 وجعلها كلمة باقية في عقبه 232 44 / الدخان 41 يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون 19 45 / الجاثية 22 لتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون 19 47 / محمد 22 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا 157 23 أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى 157 48 / الفتح 6 غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم 46 49 / الحجرات 12 ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه 177 51 / الذاريات 55 وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين 114 53 / النجم 8 ثم دنا فتدلى 179 9 فكان قاب قوسين أو أدنى 179 31 ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا 18 31 ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى 30
265 55 / الرحمن 19 مرج البحرين يلتقيان 202 20 بينهما برزخ لا يبغيان 202 26 كل من عليها فان 84 27 ويبقى وجه ربك ذو الجلل والاكرام 84 56 / الواقعة 1 إذا وقعت الواقعة 201 2 ليس لوقعتها كاذبة 201 3 خافضة رافعة 201 57 / الحديد 20 اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم 210 21 سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء 37 22 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في 101 23 لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم 161 58 / المجادلة 3 الذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير 241 4 فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين 241 59 / الحشر 18 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت 37 19 ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم 37 64 / التغابن 15 إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عند هو أجر عظيم 37 70 / المعارج 24 والذين في أموالهم حق معلوم 198 80 / عبس 34 يوم يفر المرء من أخيه 88 35 وأمهى وأبيه 88 36 وصحبته وبنيه 88 37 لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه 88 89 / الفجر 6 ألم تر كيف فعل ربك بعاد 84
266 7 إرم ذات العماد 84 90 / البلد 14 أو إطعام في يوم ذي مسغبة 191 15 يتيما ذا مقربة 191 16 أو مسكينا ذا متربة 191 105 / الفيل 1 ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 88
267 فهرس الأعلام الاسم رقم الصفحة آدم (عليه السلام)، 24، 25، 32، 36، 155، 157، 158، 168، 178، 201، 209، 225، 227، 228 أبو جعفر، 198 أبو جعفر محمد، 165 أبو حمزة، 166 أبو عبد الله، 220 أبو محمد، 49 إبراهيم، 64، 70، 207، 223، 228 إبراهيم بن محمد، 204 إبليس، 62، 209، 249 ابن الحسين، 186 ابن دريد، 167 ابن زياد، 250 ابن عباس، 248 أبو العباس، 240 أبو العلاء المعري، 190 أبو جعفر = الإمام الباقر (عليه السلام) أبو حسن، 221 الاسم رقم الصفحة أبو خالد الكابلي، 233 أبو ذر، 236 أبو طالب، 218، 219 أبو محمد، 95 أبو إسحاق، 230 أبو الحسن (عليه السلام)، 182 أبو الطفيل عامر بن واثلة، 71، 247 أبو الفرج الإصبهاني، 239 أبو جعفر الثاني (عليه السلام)، 234 أبو حازم، 197 أبو حمزة الثمالي = ديران بن أبي صفية أبو خالد الكابلي، 47، 228، 232، 235 أبو عبد الله، 159 أبو عبد الله = الإمام الحسين (عليه السلام) أبو مالك، 167 أسد الله = علي بن أبي طالب
269 إسرافيل (عليه السلام)، 47 الإمام الصادق (عليه السلام)، 163، 168، 171، 174، 195، 232، 253 أمير المؤمنين = علي بن أبي طالب أيوب (عليه السلام)، 170، 228 أم كلثوم، 251 الإمام الباقر، 148، 154، 220، 232، 247، 254 البتول (عليها السلام)، 99 بهلول، 99 ثابت بن دينار، 179 جابر، 216، 238 جابر بن عبد الله الأنصاري، 237 جبرائيل (عليه السلام)، 47، 97، 98، 231 جعفر الكذاب، 232، 233 جعفر بن أبي طالب الطيار، 96، 102، 235 جابر بن يزيد الجعفي، 199 الحجاج بن يوسف الثقفي، 116، 144 الحجة بن الحسن العسكري - القائم - المنتظر - المهدي (عليه السلام)، 46، 47، 102، 220، 226، 227، 228 حذلم بن بشير، 226 حذيم بن شريك الأسدي، 93 الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام)، 68، 99، 143، 149، 162، 211، 232 الحسن البصري، 163، 183، 184، 187، 210 الحسين بن علي بن أبي طالب، 43، 68، 71، 95، 99، 100، 102، 103، 105، 115، 148، 156، 174، 211، 221، 230، 232، 233، 234، 235، 236، 239، 246، 249، 251، 252، 253، 254، 256 حمزة بن عبد المطلب، 235 حميد بن مسلم، 249 حواء، 178 خالد، 101 خديجة الكبرى، 103 رسول الله = محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) ديران بن أبي صفية الثمالي، 109، 187، 189، 205، 211، 213، 217، 230، 234، 245، 246، 254 زائدة بن قدامة، 91 الزبيري، 212 زرارة، 172 الزهري، 62، 182، 188، 201، 220، 240، 241، 248، 249 زيد بن حارثة، 68، 115، 116، 244، 245 الإمام زين العابدين = علي بن الحسين (عليه السلام) زينب، 251 زينب الكبرى، 91، 234، 250 زينب بنت جحش، 116 سعيد بن جبير، 245 السفياني، 227، 244 سكينة، 251 سلمان، 236 سليمان، 117 سنة إبراهيم، 209 السوسي، 254 سهل، 252 سيد الشهداء = الحسين بن علي (عليه السلام) السيد مهدي بحر العلوم، 71 الشامي، 255
270 الشبلي، 205، 209 شعيب بن صالح، 227 الشهرزوري، 252 صخر، 101 الصدوق، 168 الصديق = علي بن طالب (عليه السلام) صفية بنت حي بن أخطب، 116 ضمرة بن سمرة، 187 طاووس اليماني، 33، 34، 42، 43، 175، 247 العالم (عليه السلام)، 246 عباد البصري، 210 العباس بن علي (عليه السلام)، 234، 235 عبد الصمد بن علي، 221 عبد الله، 68 عبد الله البرقي، 219 عبد الله بن مبارك، 238 عبد المطلب، 116 عبد الملك بن مروان، 49، 50، 115، 116، 117، 143، 144، 182 عبيد الله بن العباس بن علي، 234 عتبة بن أبي سفيان، 227 عروة بن الزبير، 249 عزير، 235 علي بن أبي طالب (عليه السلام)، 43، 49، 66، 68، 91، 95، 96، 97، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 117، 143، 148، 155، 164، 174، 180، 193، 200، 211، 222، 223، 229، 230، 232، 249، 250، 251، 252، 255 علي بن الحسين (عليه السلام)، 22، 33، 38، 39، 43، 44، 47، 49، 56، 61، 62، 63، 68، 91، 93، 94، 95، 96، 98، 99، 100، 104، 107، 109، 115، 116، 117، 143، 144، 145، 148، 157، 159، 165، 166، 167، 169، 172، 175، 179، 182، 184، 185، 187، 188، 189، 197، 198، 201، 204، 205، 209، 210، 211، 212، 213، 217، 219، 220، 221، 226، 228، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 237، 238، 239، 240، 245، 246، 247، 239، 246، 250، 251، 252، 253، 254، 255 عمر، 68 عوف السلمي، 227 عيسى، 228، 235 فاطمة بنت أسد، 218، 219 فاطمة الزهراء (عليه السلام)، 43، 97، 99، 101، 103، 104، 185، 204، 244، 253، 256 فرعون، 249 القائم المنتظر = الحجة بن الحسن (عليه السلام) القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، 198 قاسم بن عوف، 185 قمر بني هاشم = العباس بن علي (عليه السلام) الكميت، 243، 244 كنكر، 232 محمد بن الحنفية، 185، 193، 251 محمد بن حوب، 165 محمد بن عبد الله - رسول الله - النبي (صلى الله عليه وآله)، 22، 28، 31، 34، 38، 39، 41، 42، 43، 44، 47، 48، 49،
271 50، 51، 54، 57، 58، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 70، 91، 92، 93، 94، 96، 97، 98، 99، 100، 101، 102، 103، 103، 104، 105، 106، 112، 116، 117، 129، 134، 143، 153، 154، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 168، 169، 174، 175، 176، 177، 179، 180، 182، 184، 187، 188، 191، 192، 193، 195، 196، 205، 211، 219، 220، 222، 223، 226، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 236، 237، 239، 243، 245، 246، 247، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 256 محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، 39، 44، 69، 68، 156، 166، 186، 213، 220، 236، 251 محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، 61، 112 مريم، 160 مسرف بن عقبة، 63 معاوية، 101، 102، 246 معاوية بن يزيد، 96 معتب، 253 منهال، 92 المنهال بن عمرو، 254 موسى (عليه السلام)، 70، 95، 228، 229 ميكائيل (عليه السلام)، 47، 98 نافع، 239 نافع بن جبير، 239، 246 النبي = محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) نوح (عليه السلام)، 170، 228، 246، 249 الوليد بن عبد الملك، 193 هارون (عليه السلام)، 95 هشام بن سالم، 159 هند، 101 هود، 44 يزيد، 93، 96، 100، 101، 102، 103، 236، 251، 253 يزيد بن معاوية، 95، 100، 251 يعقوب (عليه السلام)، 256 يماني، 34 يوسف بن يعقوب (عليهما السلام)، 238
272 فهرس الجماعات والقبائل الاسم رقم الصفحة آل أبي سفيان، 96 آل جعفر، 239 آل الرسول، 245 آل الزبير، 212 آل عقيل، 239 آل فرعون، 254 آل محمد (صلى الله عليه وآله)، 32، 248، 255، 256 آل مروان، 245 بنو إسرائيل، 254، 255 بنو أمية، 92، 199 بنو المصطفى، 221 بنو هاشم، 117 بنو يعقوب، 170 الترك، 59 الاسم رقم الصفحة الجن، 103 الحبش، 59 الخزر، 59 الديالمة، 59 الزنج، 59 السقالبة، 59 عاد، 44 القاسطين، 98 قريش، 48، 93، 98، 117، 225، 254 المارقين، 98 الملائكة، 104 الناكثين، 98 النوبة، 59
273 فهرس الأماكن والبلدان الاسم رقم الصفحة الأبطح، 239 أحد، 101، 228، 234 بئر زمزم، 97، 102، 104، 207 بدر، 98، 101، 227، 228 البصرة، 211 بغداد، 227 تكريت، 227 جبل الديلم، 180 جبل الرحمة، 207، 208 الحجاز، 99، 227 الحرم، 206 حنين، 98 دمشق، 237، 252 الروم، 59، 103، 144، 245 الري، 227 سمرقند، 227 الشام، 95، 102، 104، 237، 245 الصفا، 97، 102، 104، 207 الاسم رقم الصفحة الطف، 91 العراق، 99، 185، 251 العراقين، 180 عرفات، 248 عرفة، 207، 208 العقبة، 56 الفرات، 93 قم، 227، 257 كابل، 106 كربلاء، 70، 71، 103، 104 الكعبة، 70، 71، 206، 211 كوفان، 47 الكوفة، 91، 93، 234، 245 المدينة المنورة، 63، 105، 144، 253 المروة، 207 المزدلفة، 208 المسجد الأقصى، 97، 103 مسجد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، 257
275 المسجد الحرام، 97، 193، 202، 247 مسجد الخيف، 208، 209 مسجد دمشق، 227 مسجد رسول الله، 22، 24، 200 مسجد المدينة، 22 المشعر الحرام، 208 مقام إبراهيم، 206، 207 مكة، 71، 97، 102، 180، 181، 193، 206، 208، 209، 210، 212، 227، 238، 239، 249 منى، 97، 102، 183، 207، 208، 209 الميقات، 205، 206 النجف، 47، 227 النمرات، 208 نمرة، 207، 208 الواد اليابس، 227
276 فهرس الأشعار رقم الصفحة أتحرقني بالنار يا غاية المنى * فأين رجائي ثم أين محبتي 42 ولا تحرزوا السبق الرزايا وإن جرت * ولا يبلغ الغايات إلا سبوقها 66 هم العروة الوثقى وهم معدن التقى * وخير حبال العالمين وثيقها 67 ومن حديث كربلاء والكعبة * لكربلاء بان علو الرتبة 71 فقد قرعت بي باب فضلك فاقة * بحد سنان نال قلبي فتوقها 71 وكيلا ألاقي نكبة وفجيعة * وكأس مرارات ذعافا أذوقها 72 وهن المنايا أي واد سلكته * عليها طريقي أو علي طريقها 72 فقد آذنتني بانقطاع وفرقة * وأومض لي من كل أفق بروقها 72 فما عيشة إلا تزيد مرارة * ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها 73 وترمي قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق لا يبوخ حريقها 73
277 وكم عالم أفنت فلم تبك شجوة * ولابد أن تفنى سريعا لحوقها 73 فتلك مغانيهم وهذي قبورهم * توارثها أعصارها وحريقها 73 وآليت لا تبقى الليالي بشاشة * ولا جدة إلا سريعا خلوقها 74 سوى أنهم كانوا فبانوا وإنني * على جدد قصد سريعا لحوقها 74 وهل هي إلا لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها 74 حيارى وليل القوم داج نجومها * طوامس لا تجري بطيء خفوقها 75 فلو رجعت تلك الليالي كعهدها * رأت أهلها في صورة لا تروقها 75 وإن أبكهم أجرض وكيف تجلدي * وفي القلب مني لوعة لا أطيقها 75 فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر 76 وأنت على الدنيا مكب منافس * لخطابها فيها حريص مكاثر 76 فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوى إليه الذخائر 77 وأضحوا رميما في التراب وأقفرت * مجالس منهم عطلت ومقاصر 77 وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر 77 مليك عزيز لا يرد قضائه * حكيم عليم نافذ الأمر قاهر 78
278 وفي دون ما عاينت من فجعاتها * إلى دفعها داع وبالزهد آمر 78 ألا، لا ولكنا نغر نفوسنا * وتشغلنا اللذات عما نحاذر 79 أما قد ترى في كل يوم وليلة * يروح علينا صرفها ويباكر 79 بلى أوردته بعد عز ومنعة * موارد سوء ما لهن مصادر 80 أحاطت به أحزانه وهمومه * وأبلس لما أعجزته المعاذر 80 فكم موجع يبكي عليه تفجعا * ومستنجد صبرا وما هو صابر 80 فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر 81 لعاينت من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر 81 وضل أحب القوم كان بقربه * يحث على تجهيزه ويبادر 81 ثوى مفردا في لحده وتوزعت * مواريثه أولاده والأصاهر 82 ولم تتزود للرحيل وقد دنا * وأنت على حال وشيك مسافر 82 تخرب ما يبقى وتعمر فانيا * ولا ذاك موفور ولا ذاك عامر 83 تعز فكل للمنية ذائق * وكل ابن أنثى للحياة مفارق 84 وفيم وحتام الشكاية والردى * جموح لآجال البرية لاحق 84 إذا كان هذا نهج من كان قبلنا * فإنا على آثارهم نتلاحق 85
279 أترجو نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق 85 فسوف تلاقي حاكما ليس عنده * سوى العدل لا يخفى عليه المنافق 85 تخرمهم ريب المنون فلم تكن * لتنفعهم جناتهم والحدائق 86 كأن لم يكونوا أهل عز ومنعة * ولا رفعت أعلامهم والمناجق 86 طلابك أمرا لا يتم سروره * وجهدك باستصحاب من لا يوافق 87 فعالك هذي غرة وجهالة * وتحسب يا ذا الجهل أنك حاذق 87 لقد شقيت نفس تتابع غيها * وتصدف عن إرشادها وتفارق 87 سيقفر بيت كنت فرحة لأهله * ويهجر مثواك الصديق المصادق 88 وأنت على الدنيا حريص مكاثر * كأنك منها بالسلامة واثق 88 وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تعبده أفعالها والطرائق 88 سيندم فعال على سوء فعله * ويزداد منه عند ذلك التشاهق 89 فمن صاحب الأيام سبعين حجة * ولذاتها لا شك منه طوالق 89 ستندم عند الموت شر ندامة * إذا ضم أعضاك الثرى والمطابق 90 إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وأبلس محجاج وأخرس ناطق 90 فإنك مأخوذ بما قد جنيته * وإنك مطلوب بما أنت سارق 90
280 لا غرو إن قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين وأكرما 94 نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما 100 ماذا تقولون إذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم 101 وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى 167 عتبت على الدنيا وقلت إلى متى * أكابد بؤسا همه ليس ينجلي 186 الناس للناس من بدو وحاضرة * بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم 190 من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فهذا شقي 212 لباسي للدنيا التجمل والصبر * ولبسي للأخرى البشاشة والبشر 214 إني لأكتم من علمي جواهره * كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا 221 نحن بنو المصطفى ذوو غصص * يجرعها في الأنام كاظمنا 221 لنحن على الحوض رواده * يفوز ويسعد وراده 238 من لقلب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام 244 ساد العلوج فما ترضى بذا العرب * وصار يقدم رأس الأمة الذنب 245 هذا الزمان فما تفنى عجائبه * عن الكرام ولا تهدى مصائبه 245 لكم ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض 249
281 أقاد ذليلا في دمشق كأنني * من الزنج عبد غاب عنه نصير 252 علي الساجد للمنان * معفر الجبهة والأذنان 254 إن الزمان الذي قد كان يضحكنا * بقربهم ضاربا لتفريق يبكينا 256
282 فهرس المنابع والمآخذ 1. القرآن الكريم. 2. الإتحاف بحب الأشراف، عبد الله بن عامر الشبراوي (معاصر)، منشورات الشريف الرضي - قم، 1363 ش. 3. إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، المنسوب إلى أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ه)، دار الأضواء - بيروت، الطبعة الثانية 1409 ه. 4. إثبات الهداة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه)، المطبعة العلمية - قم. 5. الاثنا عشرية في المواعظ العددية، محمد بن محمد بن الحسن الشهير بابن قاسم الحسيني العاملي (القرن الحادي عشر)، قم - مكتبة البرقعي. 6. الاحتجاج على أهل اللجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 620 ه)، تحقيق: إبراهيم البهادري ومحمد هادي به، دار الأسوة - طهران، الطبعة الأولى 1413 ه. 7. إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نور الله بن السيد شريف الشوشتري (ت 1019 ه)، مع تعليقات السيد شهاب الدين المرعشي، مكتبة آية الله المرعشي - قم، الطبعة الأولى 1411 ه. 8. الاختصاص، المنسوب إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الرابعة 1414 ه. 9. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، أبو جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي
283 (ت 460 ه)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1404 ه. 10. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 11. إرشاد القلوب، أبو محمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي (ت 711 ه)، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الرابعة 1398 ه. 12. إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الأطهار (ذيل كتاب نور الابصار)، لمحمد بن علي الصبان، دار الكتب العلمية - بيروت، 1398 ه. 13. أعلام الدين في صفات المؤمنين، أبو محمد الحسن بن محمد الديلمي (ت 711 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم. 14. إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1417 ه. 15. الاعتقادات، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: عاصم عبد السيد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 16. أعيان الشيعة، محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي (ت 1371 ه)، إعداد: السيد حسن الأمين، دار التعارف - بيروت، الطبعة الخامسة 1403 ه. 17. الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (ت 356 ه)، الشرح: علي مهنا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1407 ه. 18. الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، أبو القاسم علي بن موسى الحلي المعروف بابن طاووس (ت 664 ه)، تحقيق: جواد القيومي، مكتب الإعلام الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1414 ه. 19. الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب (عج)، علي اليزدي الحائري - المكتبة المرتضوية -
284 طهران، 1351 ه. 20. الأمالي للسيد المرتضى (غرر الفرائد ودرر القلائد)، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالسيد المرتضى (ت 426 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار احياء الكتب العربية - بيروت. 21. الأمالي للصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى 1407 ه. 22. الأمالي للطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: مؤسسة البعثة، دار الثقافة - قم، الطبعة الأولى 1414 ه. 23. الأمالي للمفيد، أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: حسين أستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية 1404 ه. 24. الامام زين العابدين (عليه السلام)، عبد الرزاق الموسوي المقرم، قم: دار الشبستري. 25. الإمامة والتبصرة من الحيرة، أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 329 ه)، تحقيق: محمد رضا الحسيني، مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1407 ه. 26. أنيس المسافر وجليس الخاطر (المعروف بكشكول البحراني)، يوسف البحراني المعروف بصاحب الحدائق (م 1186 ه.)، مؤسسة الوفاء ودار النعمان - بيروت 1406 ه. ق. 27. الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية، عباس بن محمد رضا القمي (ت 1359) دار الذخائر - قم، الطبعة الأولى 1412 ه. 28. الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري (ت 1112 ه)، الأعلمي - بيروت، 1404 ق. 29. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت 1110 ه)، مؤسسة الوفاء - بيروت، الطبعة الثانية 1403 ه. 30. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 ه)، تحقيق ونشر: مكتبة المعارف - بيروت.
285 31. البرهان في تفسير القرآن، هاشم بن سليمان البحراني (ت 1107 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى 1415 ه. 32. بشارة الإسلام، مصطفى آل السيد حيدر الكاظمي، بغداد 1332 ه. 33. بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، أبو جعفر محمد بن محمد بن علي الطبري (ت 525 ه)، المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، الطبعة الثانية 1383 ه. 34. بصائر الدرجات، أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي المعروف بابن فروخ (ت 290 ه)، مكتبة آية الله المرعشي - قم، الطبعة الأولى 1404 ه. 35. البطل العلقمي (في حياة سيدنا العباس بن علي (عليه السلام)). عبد الواحد بن أحمد المظفري، مطبعة الحيدرية - النجف، 1375 ه. 36. البلد الأمين والدرع الحصين، تقي الدين إبراهيم بن زين الدين الكفعمي (ت 905 ه). 37. تاريخ دمشق (تاريخ مدينة دمشق)، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر الدمشقي (ت 571 ه)، تحقيق: علي الشيري، دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى 1415 ه. 38. تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح المعروف باليعقوبي (ت 284 ه)، دار صادر - بيروت. 39. تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، أبو محمد الحسن بن علي الحراني المعروف بابن شعبة (ت 381 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية 1404 ه. 40. تذكرة الخواص (تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة (عليهم السلام))، يوسف بن فرغلي بن عبد الله المعروف بسبط ابن الجوزي (ت 654 ه)، تقديم: محمد صادق بحر العلوم، مكتبة نينوى الحديثة - طهران. 41. التعريف في حقوق الوالدين، أبو الفتح محمد بن على الكراجكي (ت 449 ه) 42. تفسير التبيان، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، مكتبة الأمين - النجف
286 الأشرف، 1381 ه. 43. تفسير العياشي، أبو النضر محمد بن مسعود السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (ت 320 ه)، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية - طهران، الطبعة الأولى 1380 ه. 44. تفسير فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (القرن الرابع)، إعداد: محمد الكاظم، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران، الطبعة الأولى 1410 ه. 45. تفسير القمي، أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي (ت 307 ه)، إعداد: السيد الطيب الموسوي الجزائري، مطبعة النجف الأشرف. 46. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي - قم، الطبعة الأولى 1409 ه. 47. تفسير نور الثقلين، للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه)، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة إسماعيليان - قم، الطبعة الرابعة 1412 ه. 48. تقييد العلم، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، تحقيق: يوسف العش، حلب: دار إحياء السنة النبوية، 1328 ق. 49. التمحيص، أبو علي محمد بن همام الإسكافي (ت 336 ه)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عج) - قم. 50. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، أبو الحسين ورام بن أبي فراس (ت 605 ه)، دار التعارف ودار صعب - بيروت. 51. تنبيه الغافلين، أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 372 ه)، تحقيق يوسف علي بديوي، دار ابن كثير - بيروت، الطبعة الأولى 1413 ه. 52. تنقيح المقال في علم الرجال، عبد الله بن محمد حسن المامقاني (ت 1351 ه)، انتشارات جهان - تهران. 53. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، أبو جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي
287 (ت 460 ه)، دار التعارف - بيروت، الطبعة الأولى 1401 ه. 54. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يونس بن عبد الرحمن المزي (ت 742 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1409 ه. 55. التوحيد، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1398 ه. 56. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، أبو جعفر محمد بن علي القمي المعروف بالصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - تهران. 57. جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدين، محمد بن محمد الشعيري السبزواري (القرن السابع)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1414 ه. 58. جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت. 59. جامع السعادات، محمد مهدى النراقي (ت 1209 ه)، تصحيح: محمد الكلانتر، جامعة النجف الدينية - النجف الأشرف، 1383 ق. 60. الجامع للشرايع، يحيى بن سعيد الحلي (ت 690 ه)، تحقيق: جمع من الفضلاء، مؤسسة سيد الشهداء - قم. 61. الجعفريات (الأشعثيات)، أبو الحسن محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي (القرن الرابع)، طبع ضمن قرب الإسناد، مكتبة نينوى - طهران. 62. جلاء العيون، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت 1110 ق)، المكتبة الإسلامية - تهران، الطبعة الأولى 1372 ش. 63. حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار (عليهم السلام)، هاشم بن سليمان البحراني (ت 1107 ه) تحقيق: غلام رضا مولانا البروجردي، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم، الطبعة الأولى 1413 ه.
288 64. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثانية 1387 ه. 65. خاتمة المستدرك، حسين بن الميرزا محمد تقي بن علي النوري الطبرسي (م 1320 ه. ق)، مؤسسة آل البيت في 9 مجلدات في آخر مستدرك الوسائل. 66. الخرائج والجرائح، أبو الحسين سعيد بن عبد الله الراوندي المعروف بقطب الدين الراوندي (ت 573 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عج) - قم، الطبعة الأولى 1409 ه. 67. الخصال، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الرابعة 1414 ه. 68. الخصائص الحسينية، الشيخ جعفر بن الحسين التستري (ت 1303 ه)، تحقيق: جعفر الحسيني، أنوار الهدى - قم. 69. خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار، السيد حامد حسين اللكنهوي (ت 1306 ه)، اعداد: على الحسيني الميلاني، مجمع البحوث الاسلامية - بيروت، 1415 ه. 70. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، صدر الدين علي بن أحمد المدني الشيرازي المعروف بسيد علي خان (ت 1120 ه)، مكتبة بصيرتي - قم، الطبعة الثانية 1397 ه. 71. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي (قرن السابع)، مؤسسة النشر الإسلامي، 1420 ه. 72. الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن محمد بن حامد بن أحمد العاملي النبطي الجزيني الملقب بالشهيد الأول، (ت 786 ه)، مؤسسة طبع ونشر الآستانة الرضوية المقدسة، 1365 ه ش. 73. دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي (ت 363 ه)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف - مصر، الطبعة الثالثة 1389 ه. 74. دعوات الراوندي (سلوة الحزين)، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، المشهور بقطب الدين
289 الراوندي (م 573 ه)، مدرسة الإمام المهدي، قم. 75. دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 76. الدمعة الساكبة في أحوال النبي والعترة الطاهرة، محمد باقر بن عبد الكريم البهبهاني (ت 1285 ق)، مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1408 ه. 77. رجال الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1415 ه. 78. روح المعاني في تفسير القرآن (تفسير الآلوسي)، محمود بن عبد الله الآلوسي (ت 1270 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت. 79. الروضة المختارة (الهاشميات والعلويات)، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المدائني (ت 655 ه)، مؤسسة الأعلمي - بيروت. 80. روضة الواعظين، محمد بن الحسن بن علي الفتال النيسابوري (ت 508 ه)، تحقيق: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولى 1406 ه. 81. الزهد، للحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (القرن الثالث من الهجرة) المطبعة العلمية - قم، 1399 ه. 82. سنن أبي داوود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 ه)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية - بيروت. 83. سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث - بيروت. 84. سنن الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 ه)، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار القلم - بيروت، الطبعة الأولى 1412 ه. 85. السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1414 ه.
290 86. سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة العاشرة 1414 ه. 87. آداب المتعلمين، الخواجة نصير الدين الطوسي، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، مكتبة مدرسة إمام العصر (عجل الله فرجه) العلمية - شيراز، الطبعة الأولى 1416 ه. 88. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمد المصري (ت 363 ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1412 ه. 89. شرح نهج البلاغة، عز الدين عبد الحميد بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي المعروف بابن أبي الحديد (ت 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث - بيروت، الطبعة الثانية 1387 ه. 90. شرح الهاشميات، كميت بن زيد الأسدي (ت 120 ه)، الأعلمي - بيروت. 91. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم الحسكاني (القرن الخامس)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران، الطبعة الأولى 1411 ه. 92. الصافي في تفسير القرآن (تفسير الصافي)، مولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه)، مكتبة الصدر - طهران، طبعة الأولى 1415 ه. 93. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 398 ه) تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الرابعة 1410 ه. 94. الصحيفة السجادية، المنسوب إلى الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، تصحيح: علي أنصاريان، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية - دمشق، 1405 ه. 95. صفات الشيعة، أبو جعفر محمد بن علي القمي المعروف بالصدوق (ت 381 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - قم. 96. صفة الصفوة، أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد المعروف بابن الجوزي (ت 597 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى
291 1413 ه. 97. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيثمي الكوفي (ت 974 ه)، إعداد: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة - مصر، الطبعة الثانية 1385 ه. 98. الطبقات الكبرى، أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد الأنصاري المعروف بالشعراني (ت 973 ه)، دار الفكر - دمشق. 99. الطبقات الكبرى، محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 ه)، دار صادر - بيروت. 100. عدة الداعي ونجاح الساعي، أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي الأسدي (ت 841 ه)، تحقيق: أحمد الموحدي، مكتبة وجداني - طهران. 101. علل الشرائع، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، دار إحياء التراث - بيروت، الطبعة الأولى 1408 ه. 102. علم اليقين في أصول الدين، ملا محمد محسن بن مرتضى فيض الكاشاني (ت 1902 ه)، انتشارات بيدار - قم. 103. عوالم العلوم والمعارف والأحوال، عبد الله بن نور الله البحراني، مدرسة الامام المهدى (ع) - قم، 1405 ق. 104. عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية، محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 940 ه)، تحقيق: مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء (عليه السلام) - قم، الطبعة الأولى 1403 ه. 105. عيون أخبار الرضا، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: مهدي الحسيني اللاجوردي، منشورات جهان - طهران. 106. عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة (ت 668 ه)، بيروت. 107. عيون الحكم والمواعظ، أبو الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي (قرن 6 ه)، تحقيق: حسين الحسني البيرجندي، دار الحديث - قم، الطبعة الأولى 1376 ه ش.
292 108. الغايات (طبع ضمن جامع الأحاديث)، أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي، تحقيق محمد الحسيني النيشابوري - مجمع البحوث الإسلامية - مشهد، الطبعة الأولى 1413 ه. 109. الغدير في الكتاب والسنة والأدب، عبد الحسين أحمد الأميني (ت 1390 ه)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1387 ه. 110. غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدي التميمي (ت 550 ه)، تحقيق: مير سيد جلال الدين المحدث الأرموي، جامعة طهران، الطبعة الثالثة 1360 ه ش. 111. غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن يحيى الكتبي المعروف بالوطواط. 112. الغيبة، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم، الطبعة الأولى 1411 ه. 113. الغيبة، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني (ت 350 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران. 114. فتح الأبواب، أبو القاسم علي بن موسى الحلي المعروف بابن طاووس (ت 664 ه)، تحقيق: حامد الخفاف، مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1409 ه. 115. الفتوح، ابن الأعثم أحمد بن محمد الكوفي (ت 314 ق)، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 ق. 116. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، غياث الدين عبد الكريم بن أحمد الطاووسي العلوي (ت 693 ه)، منشورات الشريف الرضي - قم. 117. الفصول المختارة من العيون والمحاسن، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (ت 436 ه)، المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ألفية الشيخ المفيد - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 118. الفصول المهمة في أصول الأئمة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق: محمد بن محمد الحسين القائيني، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم.
293 119. فضل زيارة الحسين (عليه السلام)، أبو عبد الله محمد بن على بن الحسن العلوي الشجري (ت 445 ه)، اعداد: أحمد الحسيني، قم مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، 1403 ه. 120. الفقيه (كتاب من لا يحضره الفقيه)، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه)، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1390 ه. 121. قاموس الرجال في تحقيق رواة الشيعة ومحدثيهم، للشيخ محمد تقي بن كاظم التستري (ت 1320 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية 1410 ه. 122. قرب الإسناد، أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي (ت بعد 304 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 123. الكافي، أبو جعفر ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت 329 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار صعب ودار التعارف - بيروت، الطبعة الرابعة 1401 ه. 124. كامل بهائي، حسن بن محمد بن على المشهور بعما دالدين الطبري (ت 698 ه)، قم: مؤسسة الطبع والنشر - قم، الطبعة الأولى، 1376 ه. 125. كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (ت 367 ه)، تحقيق: جواد القيومي، نشر الفقاهة - قم، الطبعة الأولى 1417 ه. 126. كشف الحق (أربعين خاتون آبادي)، مير محمد صادق خاتون آبادي (ت القرن الحادي عشر ه)، تصحيح: داوود مير صابري، مؤسسة الإمام المهدى (عج) - طهران، 1361. 127. كشف الغمة في معرفة الأئمة، لعلي بن عيسى الإربلي (ت 687 ه)، تصحيح: هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتاب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1401 ه. 128. كشكول البهائي، محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملي (م 1031 ه)، الهيئة المتحدة (الكتبي)، قم، 1377 ه. 129. كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي (القرن الرابع)، تحقيق: عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، انتشارات بيدار - قم، 1401 ه. 130. كمال الدين وتمام النعمة، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف
294 بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1405 ه. 131. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه)، تصحيح: صفوة السقا، مكتبة التراث الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1397 ه. 132. كنز الفوائد، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (ت 449 ه)، إعداد: عبد الله نعمة، دار الذخائر - قم، الطبعة الأولى 1410 ه. 133. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري (ت 711 ه)، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى 1410 ه. 134. لوامع الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية، عبد الوهاب الشعراني (ت 973 ه)، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي وأولاده - القاهرة، 1393 ه. 135. لئالي الأخبار، محمد بن التويسركاني (ت 1321 ه)، [بي جا، بي نا]، 1320 ه. 136. اللهوف على قتلى الطفوف، أبو القاسم علي بن موسى الحلي المعروف بابن طاووس (ت 664 ه)، تحقيق: فارس تبريزيان، دار الأسوة - طهران، الطبعة الأولى 1414 ه. 137. مثير الأحزان، أبو إبراهيم محمد بن جعفر الحلي المعروف بابن نما (ت 645 ه)، مدرسة الإمام المهدي - قم، الطبعة الثالثة 1406 ه. 138. مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه)، تحقيق: أحمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلامية - طهران، الطبعة الثانية 1408 ه. 139. مجمع البيان في تفسير القرآن (تفسير مجمع البيان)، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي وفضل الله اليزدي الطباطبائي، دار المعرفة - بيروت، الطبعة الثانية 1408 ه. 140. المحاسن، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 280 ه)، تحقيق: مهدي الرجائي، المجمع العالمي لأهل البيت - قم، الطبعة الأولى 1413 ه.
295 141. مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان الحلي (القرن التاسع)، انتشارات الرسول المصطفى - قم. 142. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت 1111 ه)، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الإسلامية - طهران، الطبعة الثالثة 1370 ه ش. 143. المزار، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري الحارثي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: محمد باقر الأبطحي، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 144. المزار، أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الأول (ت 786 ه)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عج) - قم، 1410 ه. 145. مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها، أبو الحسن علي بن جعفر الحسيني العلوي الهاشمي العريضي (ت 210 ه) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد، الطبعة الأولى 1409 ه. 146. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه)، مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1407 ه. 1478 - المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي (ت 850 ه)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي وأولاده - مصر، 1371 ه. 148. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، لزين الدين بن علي الجعبي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 966 ق)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت، 1412 ه. 149. المسند لأحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241 ه)، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر - بيروت، الطبعة الثانية 1414 ه. 150. مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (عليه السلام)، رجب البرسي الحافظ (القرن التاسع)، منشورات الشريف الرضي - قم، الطبعة الأولى 1415 ه.
296 151. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، أبو الفضل علي الطبرسي (القرن السابع)، تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث - قم، الطبعة الأولى 1418 ه. 152. مصادقة الاخوان، أبو جعفر محمد بن أبي الحسن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (ت 381 ه)، مكتبة الإمام صاحب الزمان العامة - العراق، 1402 ه. 153. مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، شرح: عبد الرزاق گيلاني، نشر صدوق - طهران، الطبعة الثالثة 1407 ه. ش. 154. المعارف العالية، هبة الدين الشهرستاني (المعاصر)، بغداد - مطبعة كرخ، 1354 ه. 155. معالم العبر في استدراك " بحار الأنوار "، ميرزا حسين النوري (ت 1320)، المطبعة الحيدرية - نجف. 156. معاني الأخبار، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1361 ه ش. 157. معدن الجواهر ورياض الخواطر، أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي (ت 449 ه)، تحقيق: أحمد الحسيني، المكتبة المرتضوية - طهران، 1349 ه. 158. مقتل الحسين، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (ت 157 ه)، المطبعة العلمية، الطبعة الثانية - قم، 1364 ه. 159. مقتل الحسين (عليه السلام)، موفق بن أحمد المكي الخوارزمي (ت 568 ه)، تحقيق: محمد السماوي، مكتبة المفيد - قم. 160. مقتل الحسين، عبد الرزاق الموسوي المقرم (ت 1898 - 1971 م)، دار الكتاب الإسلامي - بيروت، الطبعة الخامسة 1399 ه. 161. مكارم الأخلاق، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه)، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1414 ه. 162. مناقب آل أبي طالب (المناقب لابن شهر آشوب)، أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن
297 شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه)، المطبعة العلمية - قم. 163. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، لطف الله الصافي الگلپايگاني، مكتبة الصدر - طهران. 164. منتخب الأنوار المضيئة، علي بن عبد الكريم النيلي النجفي (ت القرن التاسع)، تحقيق: عبد اللطيف الكوه كمري، مطبعة الخيام - قم، 1410 ه. 165. المنتخب للطريحي، فخر الدين طريح بن محمد الرماحي (ت 1058 ه)، منشورات الرضى - قم، 1362. 166. المنجد في اللغة، لويس معلوف، دار المشرق - بيروت، الطبعة الحادية والعشرون 1973 م. 167. مؤلفات الزيدية، أحمد الحسيني الأشكوري، مكتبة آية الله المرعشي النجفي - قم، 1413 ه. 168. ناسخ التواريخ، محمد تقي خان سپهر (ت 1297 ه)، تصحيح: محمد باقر بهبودي، كتابفروشي أسلاميه - طهران. 169. نثر الدر، أبو سعيد منصور بن الحسين الأبي (ت 421 ه)، تحقيق: محمد علي قرنة، الهيئة المصرية العامة - مصر، الطبعة الأولى 1981 م. 170. نزهة الناظر وتنبيه الخواطر، أبو عبد الله الحسين بن محمد الحلواني (من أعلام القرن الخامس) تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عج) - قم، الطبعة الأولى 1408 ه. 171. نص النصوص (المقدمات من كتاب نص النصوص في شرح الفصوص)، السيد حيدر الآملي، أنستيتو إيران وفرانسة - تهران، 1352 ش / 1974 م. 172. نفحات الأزهار (خلاصة عبقات الأنوار)، علي الحسيني الميلاني (معاصر)، قم، الطبعة الأولى 1414 ه. 173. نفس المهموم، للحاج شيخ عباس القمي (ت 1359)، ذوي القربى - قم، 1421 ه. 174. النوادر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي (ت القرن الثالث)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدى (عجل الله فرجه)، 1408 ه. 175. النوادر، فضل الله بن علي الحسني الراوندي (ت 571 ه)، تحقيق: سعيد رضا علي عسكري، مؤسسة دار الحديث - قم، الطبعة الأولى 1377 ه ش.
298 176. نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار (صلى الله عليه وآله)، مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي (ت 1298 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1398 ه. 177. نور العين في مشهد الحسين، أبو إسحاق الأسفرايني (ت القرن العاشر)، مطبعة المنار - تونس. 178. نهج البلاغة، ما اختاره أبو الحسن الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى الموسوي من كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (ت 406 ه). 179. نهج الحق وكشف الصدق، للعلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (ت 726 ه)، تحقيق: عين الله الحسني الأرموي، دار الهجرة - قم، الطبعة الأولى 1407 ه. 180. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، للشيخ محمد باقر المحمودي (معاصر)، مؤسسة الأعلمي - بيروت. 181. النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات مبارك بن مبارك الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، مؤسسة إسماعيليان - قم، الطبعة الرابعة 1367 ه ش. 182. الوافي، المولى محسن الفيض الكاشاني، تحقيق: ضياء الدين الحسيني " العلامة "، منشورات مكتبة أمير المؤمنين العامة، أصفهان، 1406 ق. 183. وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى 1409 ه. 184. وقعة الطف، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي (ت 157 ه)، تحقيق: محمد هادي يوسفي غروي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم الطبعة الثالثة 1417 ه. 185. اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلام) بإمرة المسلمين، أبو القاسم علي بن موسى الحلي المعروف بابن طاووس (ت 664 ه)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري، مؤسسة دار الكتاب - قم، الطبعة الأولى 1413 ه. 186. ينابيع المودة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294 ه)، تحقيق: علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة - طهران، الطبعة الأولى 1416 ه.
299 187. عبقات الأنوار، مير حامد حسين اللكنهوي (ت 1325 ه)، تعريب: السيد هاشم السيد محسن الأمين العاملي، جماعة المدرسين - قم، 1375 ش / 1996 م.