بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: علي في الكتاب والسنة والأدب المؤلف: الحاج حسين الشاكري الجزء: 5 الوفاة: معاصر المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة تحقيق: مراجعة : فرات الأسدي الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1418 المطبعة: ستاره الناشر: المؤلف ردمك: ملاحظات: علي في الكتاب والسنة والأدب تأليف حسين الشاكري راجعه فرات الأسدي " الجزء الخامس "
1 حقوق الطبع محفوظة للمؤلف علي في الكتاب والسنة والأدب ج 5 حسين الشاكري الناشر: المؤلف المطبعة: ستاره الكمية: 1500 نسخة الطبعة: الأولى 1418 ه الألواح الحساسة: تيزهوش تنضيد الحروف والإخراج الفني: دار المجتبى (عليه السلام) للطباعة الكومبيوترية - حيدر النجفي عنوان المؤلف الجمهورية الإسلامية الإيرانية / قم المقدسة زنبيل آباد 30 مترى آستانه - بلاك 76 - كد 37166 هاتف: 26990 - تلفاكس: 718771 - كد 0098251
2 بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة قال صلى الله عليه وآله علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق معه حيث دار كنز العمال: 11 / 603 حديث 32912، تاريخ بغداد: 14 / 321 حديث 7643، الغدير: ج 3 و 7 و 8 و 10، مستدرك الحاكم: 3 / 124، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 98، تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 137 - ط بيروت، جامع الترمذي: 5 / 633 - ط بيروت، الصواعق المحرقة: ص 126 - ط مصر. (باختلاف الألفاظ والعبارات).
3 تمهيد: افتتح بحمد الله، والاتكال عليه سبحانه وتعالى المجلد الخامس، والخاتم لموسوعة " علي في الكتاب والسنة والأدب " الذي يضم القسم الأخير مما قيل في مناقب، ومدائح ومراثي أمير البيان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الشعر والنثر خلال القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر، وقد أحصيت ما استطعت إحصاء ما ينيف على المائة وعشرين شاعرا وأديبا. وأما القسم الثاني - والخاص بالمختار من النثر خلال خمسة عشر قرنا - فقد أحصيت سبعين كلمة مما قيل في حقه (عليه السلام) من زعماء وكتاب ومفكرين ليكون خاتمة الموسوعة الميمونة المباركة. سائلا المولى القدير أن يتقبله مني وأن يجعله من صالح أعمالي، إن كانت لي هناك أعمال صالحة، وأن يعاملني بلطفه فإنه أرحم الراحمين. العبد المنيب حسين الشاكري
5 الفصل الأول في شعراء القرن الرابع عشر
7 جعفر الخضري (... - 1301 ه) الشيخ جعفر بن محمد بن موسى بن عيسى بن حسين بن خضر الجناجي الأصل المالكي النجفي فاضل شاعر، قضى أغلب عمره في الأسفار إلى مدن العراق وإيران، تزوج من كرمنشاه فتاة في إحدى رحلاته إليها حيث ألقى عصاه هناك إلى أن وافته المنية حيث نقل جثمانه إلى النجف الأشرف. شعره جزل جيد السبك وقد امتدحه كل من الشيخ مهدي كاشف الغطاء، وصاحب الحصون. توفي في محرم الحرام من العام 1301 ه / 1884 م ولم يخلف سوى بنت واحدة. وله يمدح أمير المؤمنين (عليه السلام) مستلهما قول الشيخ حسين نجف: وذي حيرة أمسى يخاطب نفسه * وأعيى جوابا عن مسائله الفكر لقد قال قوم فيك والستر دونهم * بأنك رب كيف لو كشف الستر وله يرثيه أيضا (عليه السلام): الله أكبر أي خطب مظلم * داجي المحيا صبحه لا يسفر أوهى قوى المجد الأثير وكورت * شمس الهدى فيه وغاب المبدر لا غرو قد أودى الإمام المرتضى * صنو النبي أبو الأئمة حيدر مثل العلى لما أصيب بكت له * بدم فجاء من المدامع جعفر
9 محسن الخضري (... - 1302 ه) أبو عبد الله الشيخ محسن بن محمد بن موسى بن عيسى الخضري شاعر فاضل مشتهر. ولد في النجف ونشأ فيها، حضر في الفقه على الشيخ راضي سبط الشيخ جعفر، وفي الأصول على الشيخ مرتضى الأنصاري وتلميذه ميرزا حسن الشيرازي. ورغم كونه كثير الشعر إلا أن ما عثر عليه ولده الشيخ جواد لم يكن سوى غيض من فيض، لأنه لم يكن يهتم بنظمه ففقد أكثره. توفي في النجف الأشرف عام 1302 ه / 1885 م وكان خارجا لاستقبال الشيخ محمد باقر الأصفهاني ولما وصل إلى سوق الحدادين في المشراق شكا فؤاده فعاد إلى بيته وتوفي في الطريق، وكان قد عمل قصيدة في استقباله وقد تليت بعد ذلك لكن في غياب المادح والممدوح لأن الأصفهاني مات بعده بلا فاصل. كان ذلك في شهر صفر ودفن في الصحن الشريف في حجرة مقابلة لحجرة أستاذه الشيخ الأنصاري. وله مخمسا والأصل للصاحب بن عباد في مدح الإمام علي (عليه السلام) قوله: عصيت وشاتي في هواك وعذلي * وقد طاب تأنيبي عليه ولذ لي ولست أرى بالوامق المتزلزل * أبا حسن لو كان حبك مدخلي جهنم كان الفوز عندي جحيمها
10 هواك غدا في القلب أول خاطر * عليه انطوت في يوم بدئي ضمائري فيا من بمرآه الجلاء لناظري * بأسمائك الحسنى أروح خاطري إذا هب من قدس الجلال نسميها بحبك قلبي من قديم تكونا * ولم يطق الكتمان بل صار معلنا أتؤذي لظى عبدا غدا بك مؤمنا * وكيف يخاف النار من كان موقنا بأنك مولاه وأنت قسيمها لقد سلكت من نهجها شر منهج * أناس عشت من نورك المتبلج وظلت لمن عاداك تأوي وتلتجي * فواعجبا من أمة كيف ترتجي من الله غفرانا وأنت خصيمها
11 حيدر الحلي (1246 ه - 1304 ه) أبو الحسين السيد حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود، يرجع نسبه إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) من ولده زيد (رضي الله عنه)، شاعر شهير وعالم فاضل. ولد في الحلة سنة 1246 ه / 1830 م، وتوفي والده وهو طفل صغير فكفله عمه السيد مهدي السيد داود ورباه أحسن تربية كما لو كان من صلبه، حتى أنه جعله ثالث ولديه في الميراث. وكان ذا منزلة رفيعة بين الخواص والعوام حتى أن الإمام الشيرازي قبل يده بعد امتناع شديد منه، نظرا لما كان عليه من شاعرية ودماثة خلق، له من الآثار أربعة كتب. توفي في مسقط رأسه سنة 1304 ه / 1887 م، ودفن في النجف الأشرف مما يلي رأس الإمام علي (عليه السلام) في أول الساباط إلى جهة الشمال. قال يرثي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): قم ناشد الإسلام عن مصابه * أصيب بالنبي أم كتابه أم أن ركب الموت عنه قد سرى * بالروح محمولا على ركابه بلى قضى نفس النبي المرتضى * وأدرج الليلة في أثوابه لقد أراقوا ليلة القدر دما * دماؤها انصببن بانصبابه الله نفس أحمد من قد غدا * من نفس كل مؤمن أولى به
12 وجه لوجه الله كم عفره * في مسجد كان أبا ترابه فاغبر وجه الدين لاصفراره * وخضب الإيمان لاختضابه والصوم يدعو كل عام صارخا * قد نضحوا دمي على ثيابه إطاعة قتلهم من لم يكن * تقبل طاعات الورى إلا به قتلتم الصلاة في محرابها * يا قاتليه وهو في محرابه يا أيها المحجوب عن شيعته * وكاشف الغمى على احتجابه فانهض لها فليس إلاك لها * قد سئم الصابر جرع صابه فانع إلى أحمد ثقل أحمد * وقل له يا خير من يدعى به هذا أمير المؤمنين بعد ما * ألجأهم للدين في ضرابه وقاد من عتاتهم مصاعبا * ما أسمحت لولا شبا قرضا به قد ألف الهيجاء حتى ليلها * أغرابه يأنس في عقابه يمشي إليها وهو في ذهابه * أشد شوقا منه في إيابه كالشبل في وثبته والسيف في * هبته والصل في انسيابه أرداه من لو لحظته عينه * في مأزق لفر من إرهابه صلى عليه الله من مضطهد * قد أغضبوا الرحمن في اغتصابه (1) وله في رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ذاكرا مسألة الخلافة قوله: أيوم النبي ومن ها هنا * أتينا بهذا البلا الغامر غداة قضى فغدا العالمون * وكل له دهشة الحائر وهب وما نام حقد القلوب * ولكن رأى فرصة الثائر فأضرمها فتنة لم تدع * رشادا لباد ولا حاضر
(1) ديوان السيد حيدر الحلي: ص 55. 13 غدا الدين أهون لما ذكت * لدى القوم من سحمة الصاهر أذلك أم يوم أضحى الوصي * يرى فيئه طعمة الفاجر وعنه تقاعد صحب النبي * ومالوا إلى بيعة الماكر فما في مهاجرة المسلمين * له بعد طه سوى الهاجر ولا في قبيلة أنصارهم * له حيث أفرد من ناصر بني قيلة بعدت قيلة * وما ولدت، عن رضا الغافر أيصبح فيكم بلا عاضد * وصي الرسول ولا وازر إلى أن قال: وتبتز فاطمة بينكم * نحيلتها من أبي الطاهر وأنتم حضور ولم تغضبوا * فيا بؤس للملأ الحاضر وحين قضت بيعة الغاصبين * بأذواء فرع الهدى الناضر غدت عثرة الوحي لم تخل منهم * ولا حلبة الشاة من ضائر وحتى غدوا بين مقبورة * بملحدها في الدجى الساتر وبين قتيل بمحرابه * خضيب الشوى بالدم القاطر قضى والهداية في مصرع * ووسد والرشد في قابر (1)
(1) ديوان السيد حيدر الحلي: ص 76 - 77. 14 إسماعيل الشيرازي (1258 ه - 1304 ه) أبو الهادي السيد ميرزا إسماعيل بن الأمير السيد رضي ابن السيد ميرزا محمد إسماعيل الشيرازي الحسيني، عالم شاعر فاضل. ولد في شيراز عام 1258 ه / 1842 م، وأخذ العلم عن ابن عمه ميرزا حسن الشيرازي وكان من أبرز تلامذته حتى كاد أن يتولى الزعامة من بعده لولا ريب المنون الذي عاجله، له صلة وثيقة بالسيد حيدر الحلي، توفي عام 1304 ه / 1887 م في سامراء ونقل إلى النجف ودفن في الغرفة الثالثة من جهة باب السوق الكبير على يسار الداخل إلى الصحن، رثاه جمع من الشعراء. وللمترجم له كثير من الموشحات الرقيقة وإليك منها موشحة يمدح بها الإمام عليا (عليه السلام) بمناسبة ذكرى ولادته: رغد العيش فزده رغدا * بسلاف منه تشفي سقمي طرب الصب على وصل الحبيب * وهنى العيش على بعد الرقيب وافني من أكؤس الراح النصيب * وائتني تؤما بها لا مفردا فالهنا كل الهنا في التوأم آنست نفسي من الكعبة نور * مثل ما آنس موسى نار طور يوم غشى الملأ الأعلى سرور * قرع السمع نداء كندا شاطئ الوادي طوى من حرم
15 ولدت شمس الضحى بدر التمام * فانجلت عنا دياجير الظلام ناد يا بشراكم هذا غلام * وجهه فلقة بدر يهتدى بسنا أنواره في الظلم هذه فاطمة بنت أسد * أقبلت تحمل لاهوت الأبد فاسجدوا ذلا له فيمن سجد * فله الأملاك خرت سجدا إذ تجلى نوره في آدم كشف الستر عن الحق المبين * وتجلى وجه رب العالمين وبدا مصباح مشكاة اليقين * وبدت مشرقة شمس الهدى فانجلى ليل الضلال المظلم سيد فاق على كل الأنام * كان إذ لا كائن وهو إمام شرف الله به البيت الحرام * حين أضحى لعلاه مولدا فوطى تربته بالقدم هو بعد المصطفى خير الورى * من ذرى العرش إلى تحت الثرى قد كست علياؤه أم القرى * غرة تحمي حماها أبدا حيث لا يدنوه من لم يحرم سيد حازت به الفضل مضر * بفخار قد سما كل البشر وجهه في فلك العليا قمر * فبه لا بالنجوم يهتدى نحو مغناه لنيل المغنم أيها المرجى لقاه في الممات * كل موت فيه لقياك حياة ليتما عجل بي ما هو آت * علني ألقى حياتي في الردى فايزا منه بأوفى النعم
16 وله يمدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويذكر يوم الغدير بقوله: سرى البرق من نجد فهاج بي الذكر * ومن يشرب الصهبا يهيج به السكر (1) حتى يقول: كفاني من الدنيا مديح أولي النهى * وحب ذوي القربى هو الفخر والذخر وقد جاءنا يوم الغدير مبشرا * يطالعه البشرى ويقدمه البشر تجلى ضمير الغيب وانتهك الستر * وبالغ أمر الله وانقطع العذر فقد هدم الإسلام ما شيد الردى * وقد نقض الإيمان ما أبرم الكفر وقد بلغ الحق القويم نصابه * وأكمل دين الله واتضح الأمر وسمى أميرا من غدا لنبيه * وزيرا وقدما شد منه به الأزر وما نقموا من حيدر غير أنه * يشد إذا هدوا يكر إذا فروا فسل إن جهلت الناس عن غزو خيبر * وأحد وقد يغني عن الخبر الخبر
(1) الأصح أن يقول: ومن شرب حتى يصح رفع جواب الشرط. 17 فلو لم يكن في كفه السيف قائما * لما قام للإسلام ركز ولا ذكر ولم تنصب الرايات في فتح مكة * ولم يك للأصنام في نصبها كسر هو الباسل الضرغام في حومة الوغى * هو الأسد القمقام والسيد الحبر وفي ومضة من بارق الغيب بزت * السما ولها تعنو الكواكب والبدر فديناه من مثوى ومن فيه قد ثوى * فديناه من قبر ومن ضمه القبر وقل يا أمير المؤمنين وخير من * مشى فوق أطباق البسيط ولا فخر فكم لك من سر عظيم لقد رقى * مقاما من العلياء من دونها النسر فأنت السما والخلق كلهم الثرى * وأنت الغنى والناس كلهم فقر
18 حسين بحر العلوم (1221 ه - 1306 ه) السيد حسين ابن السيد رضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم شاعر وعالم جهبذ مؤلف. ولد في النجف الأشرف عام 1221 ه / 1805 م، وحضر الفقه والأصول على صاحب الجواهر وكان يحظى بعناية خاصة منه، وكان يفر من الزعامة وطلب الرياسة حتى أنه فر إلى كربلاء المقدسة حتى لا يتسلم ال (5000) روبية الإنجليزية التي قررتها له خيرية أودة الهندية كمرتب شهري وكان مرشحا للتدريس العام بعد الشيخ حسن. أصيب ببصره ثماني سنوات لم ينفعه فيها علاج في العراق أو في إيران، فلما استيأس قصد الإمام الرضا (عليه السلام) ونظم رائيته في مدحه والتوسل به والاستغاثة وبقي عدة أيام في مشهده يكتحل بتربتها حتى عاد مبصرا إلى النجف عام 1287 ه. وكان أستاذه في الأصول الملا مقصود علي. له مؤلفات في الفقه والأصول منها شرح منظومة جده في الفقه نظما بطريق الاستدلال. توفي في النجف الأشرف في سنة 1306 ه / 1889 م بعد أن انزلقت رجله على درج بيته فسقط من أعلى الدرج وانفلق هامه. وله من قصيدة يمدح بها الإمام عليا (عليه السلام):
19 هاتها صهباء تحكي للندامى * لون خديك لهيبا وضراما حتى قال: إن بدا ذاك المحيا في دجى * بسنا طلعته يجلو الظلاما طلعة يشبهها البدر إذا * ما حوى البدر كمالا وتماما ومنها: وسما البدر سناء مثلما * قد سما خير الوصيين الأناما ذاك صنو المصطفى الهادي ومن * شرف الله به البيت الحراما العلي المرتقى في عزه * وعلاه مرتقى عز مراما خصه الله بعلم وعلا * واصطفاه للورى طرا إماما وحباه بمزايا لم تنل * أبد الدهر وجلت أن تراما اسمها المشتق من أسمائه * ينعش الأرواح بل يحيي العظاما وولاه العروة الوثقى التي * لا ترى فيها انقساما وانفصاما معدن الأسرار والعلم فكم * كشف الأستار عنه واللثاما آية الله ولولاه لما * عرف الله ولا الدين استقاما حيدر الكرار حامي الجار * والقاسم الجنة والنار سهاما قوله الحق إذا قال وإن * صال يوما صدم الجيش اللهاما طلق الدنيا ثلاثا عفة * ورآى تطليقها ضربا لزاما يا إماما شاد أعلام الهدى * وغدا للدين والدنيا قواما لم تزل للخلق ملجا ورجا * وثمالا للأيامى واليتامى وحمى يستدفع الخطب به * إن دهى الخطب وللكون نظاما جللته قبة حفت بها * زمر الأملاك عزا واحتراما
20 كعبة الوفاد لم تبرح على * بابها الناس عكوفا وقياما وإلى نحو حماه لم تزل * بهم أيدي المهاري تترامى أخجل البحر صلات وندى * وقضى الدهر صلاة وصياما طاهر من نسل طهر طاهر * والد الأطهار من ساد الأناما يا هداة بدأ الله بهم * وبهم قد جعل الله الختاما ذخر الباري لمن والاكم * غرفا فيها يلقون سلاما ولمن عاداكم نار لظى * إنها ساءت مقرا ومقاما
21 ميرزا الطالقاني (1246 ه - 1315 ه) السيد ميرزا ابن السيد عبد الله بن أحمد الحسيني الطالقاني، علامة فاضل وأديب شاعر، ولد في النجف الأشرف عام 1246 ه / 1830 م ونشأ بها ودرس على أعلامها ولازمهم حتى نال درجة الاجتهاد ورجع إليه البعض في التقليد، وكان معروفا بالخلق والتقوى، توفي عام 1315 ه / 1897 م. وله في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: بحبك أيها الظبي الغرير * فؤاد الصب مسجون أسير حتى قال: يموج غديره بولا علي * وصفو السلسبيل هو الغدير شربت ولاءه بغدير خم * زلالا إنه العذب النمير كفته خلافة من بعد طه * بها للمؤمنين هو الأمير تولاه الإله وقال بلغ * به وأبن فقد حان الظهور فقام مبلغا يدعو بأمر * وعاه ذلك الجم الغفير علي رشده رشدي كنفسي * ولست إلى سواه لكم أشير به أكملت دينكم تماما * فمن ناواه من بعدي الكفور أبا حسن بصوت المد خذها * مزايا في صفاتك تستنير بتاج الله قد توجت قدرا * وزين في خلافتك السرير
22 يحار العقل في معناك وصفا * ولا بدع إذا حار البصير فضائلك النجوم وليس تحصى * يقل بجنبها العدد الكثير ولم يعرفك إلا الله قدرا * وفضلا إنه الرب الخبير وسل أحدا وخيبر أو حنينا * بها هل غيرك الأسد الهصور أبا حسن ملكت العرب خوفا * بسيفك وهو في الهيجا مدير تجافوا من حسامك وهو موت * ولمعة حده عنه النذير أحاشي مجدك السامي المزكى * عليه من جلال الله سور بمدحك يا علي طلبت عذرا * فمن ذا منصفي ومن العذير ومن ذا يستطيع منال ذات * سمت شرفا فحان به القصور
23 جعفر الحلي (1277 ه - 1315 ه) أبو يحيى جعفر كمال الدين ابن أبي الحسن محمد بن محمد حسن الشهير بالحلي، يرجع نسبه إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، شاعر فاضل أديب. ولد في الحلة في منتصف شعبان من عام 1277 ه / 1860 م، هاجر إلى النجف في أوائل صباه ففرغ من المقدمات وعلا نجمه في النجف كنابغ ذكي. وهو شاعر فكه له بالطرافة صلة نسب ومن طرائفه ما جرى بينه وبين صديقيه الشيخ عباس خميس والشيخ علي رفيش قوله: إن عيشي بالحويش * ضيق أنكد عيش بين عباس خميس * وعلي بن رفيش توفي في العام 1315 ه / 1897 م. وقال رحمه الله مشطرا ومخمسا للبيتين المشهورين في مدح مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من بحر الرمل: أنا ممن للولا قد محضا * وعليه سالف لي قد مضى صاح بشر من على ديني قضى * قل لمن والى علي المرتضى فزت في نيل المنى بعد الممات حسبك المولى علي وكفى * يوم تأتي بالخطا معترفا فلك الأمن ولو فوق شفا * أنت في حصن ابن عم المصطفى
24 لا تخافن عظيم السيئات حل منك الجيد في عقد الولا * فهو الحلية إذ تنضى الحلى جوهر القدس علي ذو العلى * حبه الإكسير لو ذر على لهب النار غدا ماء الحياة حيدر صاحب يوم الموقف * إن يشأ تور لظى أو تنطف نقمة إن قال يا نار القفي * وهو الرحمة لو يشفع في سيئات الخلق صارت حسنات (1) وله مشجرة في مدح أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: أيا نفس النبي ويا أخاه * وهادي الناس للنهج السديد أتصرع شيبة في يوم بدر * وتردفه بعتبة والوليد أتصرع في الحروب أسود غاب * عليهم كل ضيقة الزرود أتصرع في الوغى في يوم أحد * كماة العبدرين (2) ذوي البنود أتصرع في الوغى عمروا بسيف * صقيل مضارب ماضي الحدود أتصرع في الوغى عمرو ابن علج * لغير الله يعلن بالسجود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * ولم تسلبه ضافية البرود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتأسر قومه أسر العبيد أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل كل شيطان مريد أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل مرحبا زجل الرعود
(1) ديوان شعره المسمى سحر بابل وسجع البلابل: ص 135. (2) العبدرين: نسبة إلى بني عبد الدار حملة لواء المشركين في معركة أحد، الذين تساقطوا واحدا تلو الآخر دون الراية، وإن جميع هؤلاء قتلهم الإمام علي (عليه السلام) عدى الذين قتلهم حمزة (عليه السلام). 25 أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل مرحبا بطل الجنود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل مرحبا بطل اليهود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل مرحبا بطل الأسود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل مرحبا بادي الحقود أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقتل كل جبار عنيد أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتتركه لقا فوق الصعيد أتصرع في الوغى عمرو بن ود * وتقلع باب ذا الحصن الشديد أتصرع في الوغى عمرو ابن قوم * حماهم غير مدنو الحدود أتصرع في الوغى عمروا وينجو * بكشف خ... ما بين الجنود أتصرع في الوغى كقريش أسدا * هم فيها ذوو بأس شديد أتصرع في مهندك الأعادي * ولم يرهبك إكثار العديد أتصرع كل من يدعو شريكا * ويوم الطعن عندك يوم عيد أأنت من الملائك لا وحاشا * بل الأملاك حولك كالعبيد أبا الحسنين أنت لنا إمام * بنص نبينا الهادي السعيد أبا حسن بك الوفاد طافت * وفيك نجاح حاجات الوفود أبا حسن وكم لحماك شدت * رحال الناس من بلد بعيد أبا حسن ومثلك لست ألقى * لكشف نوائب ألوت بجيدي أبا حسن ومثلك من يسمى * بحامي الجار أو مأوى الطريد أبا حسن ومثلك من ينادى * وليس سواك يا أسد الأسود أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف ملمة ولنيل جود أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر إذ يشجي وريدي
26 أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر والجهد الجهيد أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر والهول المبيد أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر والهول الشديد أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر والهول الكؤود أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر والدهر العنود أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف الضر قبل ذواء عودي أبا حسن ومثلك من ينادى * لكشف نوائب للدهر سود أبا حسن ومثلك من ينادى * وأنت أحق من للكرب نودي أبا حسن ومثلك من يرجى * لنيل القصد في دار الخلود أبا حسن ومثلك ما وجدنا * فكيف وأنتم سر الوجود أبا حسن وفضلك ليس يخفى * كصبح لاح منفلق العمود أبا حسن بك الآيات نصت * وليس يضر إنكار الجحود أبا السبطين يا أملي أجرني * غدا من هول ناضجة الجلود (1) وله رحمه الله تعالى مخمسا قصيدة عبد الحميد بن أبي الحديد في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مطلعها: ظعن القطين من الغميم وودعوا * فسرى الفؤاد مع الحمول يشيع ديت (2) رسم ديارهم لو يسمع * يا رسم لا رسمتك ريح زعزع وسرت بليل في عراصك خروع (3)
(1) الديوان: ص 187 - 191. (2) كذا في المصدر والظاهر ناديت. (3) الخروع: الناعم. 27 حتى قال: يا برق خذ نبأ نكابد ثقله * سينوء فيك فلم تطق لتقله يا برق إني بالغري موله * يا برق إن جئت الغري فقل له أتراك تدري من بأرضك مودع فيك الذي علم المغيب عنده * وبفيضه رب السماء أمده تالله لم يك فيك حيدر وحده * فيك ابن عمران الكليم وبعده عيسى يقفيه وأحمد يتبع بل فيك لو تدري الشعاع المنعكس * من نور طلعته الأشعة تقتبس بك يا غري تبوأت روح القدس * بل فيك جبريل وميكال وإس رافيل والملأ المقدس أجمع فيك الوجود ثبوته وزواله * فيك الزمان كماله وجماله فيك امرؤ ما في الوجود مثاله * بل فيك نور الله جل جلاله لذوي البصائر يستشف فيلمع فيك المهذب ساكن فيك الزكي * فيك الذي هو نفسه نفس النبي فيك العلى بل فيك لو تدري علي * فيك الإمام المرتضى فيك الوصي المجتبى فيك الإمام الأنزع القائد الصعب الحرون إذا طغى * ومبدد الجيش اللهام إذا بغى من لم يزل درع الملاحم مفرغا * والضارب الهام المقنع في الوغى بالخوف للبهم الكماة يقنع للشرك كدر كل ذي عيش هني * وأهار منهم بالمذرب ما بني حيث الظبا لطلا الضياغم تنثني * والسمهرية تستقيم وتنحني فكأنها بين الأضالع أضلع
28 المخصب الربع الذي يسع الملا * أيام لا ماء يروق ولا كلا مأوى الأنام بعامهم إن أمحلا * والمترع الحوض المدعدع حيث لا حوض يفيض ولا قليب يترع مردي الكتائب إذ قريش تحزبوا * وأخو الحريب يوم جدل مرحب ومبيد عمرو وهو ليث أغضب * ومبدد الأبطال حين تألبوا ومفرق الأحزاب حين تجمعوا تلقاه إن صعد المنابر صادعا * بالحق ينطق بالهداية بارعا هو بحر علم ليس يصدر شارعا * والحبر يصدع بالمواعظ خاشعا حتى تكاد لها القلوب تصدع ما زال عن طيب التلذذ مغضيا * طاوي الحشاشة بالتقى متغذيا وعن الزلال بدمعه مترويا * حتى إذا استعر الوغى متلظيا كرع النجيع بغلة لا تنقع يروي مهنده ويمكث صاديا * حتى يبيد نواصبا وأعاديا تلقاه في الهيجاء ليثا عاديا * متجلببا ثوبا من الدم قانيا يعلوه من نقع الملاحم برقع تهدي نوافح رشده العرف الشذي * يهدي به حافي الورى والمحتذي وإن لم يرن ذو طرف قذي * زهد المسيح وهيبة الدهر الذي أودى به كسرى وقوم تبع هذا المكسر جمع عباد الوثن * هذا الذي هو مبتدأ خبر السنن هذا هو السر المميز بالعلن * هذا ضمير العالم الموجود عن عدم وسر وجوده المستودع هذا الذي أردى الطغاة لجهلها * هذا مفرقها مبدد شملها
29 هذا الذي بسط البلاد بأهلها * هذا الأمانة لا يقوم بحملها خلقاء هابطة وأطلس أرفع أما النجوم الغر فهي صفاته * والغاديات المعصرات هباته والنيران كستهما سطعاته * هو ذلك النور الذي لمعاته كانت ببهجة آدم تتطلع فأبو البرية فيه ثقف ميله * ودعا به نوح فأنضب سيله ونجا به موسى الكليم وخيله * وشهاب موسى حين أظلم ليله رفعت له لألاؤه تتشعشع لله درك أي فخر لم تحز * أم أي مكرمة إليها لم تجز يا من له تتفجر الأرض الجرز * يا من له ردت ذكاء ولم يفز بنظيرها من قبل إلا يوشع يا من بكل عويصة هو ممتحن * عن وجه أحمد طالما كشف المحن يا صارما لم ينب شفرته المجن * يا هازم الأحزاب لا يثنيه عن خوض الحمام مدجج ومدرع عجبت ملائكة الجليل لعجزها * عما فعلت بخيبر وبحرزها يا حامي الأحساب حافظ عزها * يا قالع الباب التي عن هزها عجزت اكف أربعون وأربع أنت السبيل إذا تفرقت السبل * ولك اتبعت وعن ولائك لم أحل أخشى إذا قلت الغلو فلم أقل * لولا حدوثك قلت أنك جاعل ال أرواح في الأشباح والمستنزع لك في الغري على ضريحك قبة * هي للملا بل للملائك كعبة
30 أين الضراح فما لعال رتبة * ما العالم العلوي إلا تربة فيها لجثتك الشريفة موضع عن سور حوزتك الورى لم تنفذ * وبغير طاعتك القضا لم يأخذ والدهر مره بما تشاء ينفذ * ما الدهر إلا عبدك القن الذي بنفوذ أمرك في البرية مولع أنا في سحبان الفصاحة يقتدي * وعلت على قس بن ساعدة يدي لكنني مع طول صعدة مذودي * أنا في مديحك ألكن لا أهتدي وأنا الخطيب الهزبري المصقع غادرت سحبان الفصاحة باقلا * وتركت أرطاليس غرا جاهلا حيرتني ماذا تراني قائلا * أأقول فيك سميدع كلا ولا حاشا لمثلك أن يقال سميدع أنت الصراط المستقيم وسالم * من رام نهجك والمنكب نادم فلأنت في الدنيا إمام قائم * بل أنت في يوم القيامة حاكم بين البرية شافع ومشفع لك عزمة لم تبق عزمة عازم * تغنيك عن يزنية أو صارم ولذا لكنت وكنت أبدع ناظم * وجهلت فيك وكنت أحذق عالم أغرار عزمك أم حسامك أقطع لولاه ما عرف الإله ولا عبد * ولواء أحمد في النبوة ما عقد ولأجل حيدر عالم الدنيا وجد * والله لولا حيدر ما كانت الد نيا ولا جمع البرية مجمع رفعت به الأفلاك لما أنشئت * والأرض فيه تمهدت وتوطأت
31 هذا الذي عنه المثاني أنبأت * من أجله خلق الزمان وضوأت شهب كنسن وجن ليل أدرع أنا في اعتقادي ذو دليل قاطع * لم يدفعوه بمقتض أو مانع إن الوصي برغم كل منازع * علم الغيوب لديه غير مدافع والصبح أبيض مسفر لا يدفع فبيوم محشرنا إليه مآبنا * ونعيمنا في أمره وعقابنا وعليه يعرض في السؤال جوابنا * وإليه في يوم المعاد حسابنا وهو الملاذ لنا غدا والمفزع أهوى عليا واعتقدت ولاءه * وأحب أرباب الحجى أبناءه يا من يكاشرني ويكتم داءه * هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه سيضر معتقدا له أو ينفع بينت معتقدي ولم أك أنثني * عنه وعن عبد الحميد أنا غني ورى فقال مقال غير مبين * ورأيت دين الاعتزال وأنني أهوى لحبك كل من يتشيع يا نفس أحمد أنت ذا لي معقل * وإليك أفزع إن دهاني معضل بهواك ربع حشاشتي متأهل * يا من له في ربع قلبي منزل نعم المراد الرحب والمستربع أنسي هواك أبا الحسين وبهجتي * وولاك في يوم الحساب محجتي أصبحت منهمكا وذكرك لهجتي * أهواك حتى في حشاشة مهجتي نار تشب على هواك وتلذع (1)
(1) الديوان: ص 327 - 336. 32 عباس الصفار الزيوري (... - 1316 ه) الشيخ الملا عباس بن القاسم بن إبراهيم الزيوري البغدادي المولد، الحلي المسكن والمنشأ شاعر خطيب، توفي أبوه وهو طفل صغير، فانتقلت أمه الحلية الأصل بولدها هذا إلى الحلة ونشأ في حجور أخواله. وقيل إنه كان من خطباء المنبر الحسيني، لكن شهرته الأدبية تغلبت على شهرته المنبرية. توفي في طهران وقيل في خراسان سنة 1315 ه / 1897 م كما في الطليعة، وعن الذريعة (1): إن وفاته كانت سنة 1316 ه. له قصيدة مرتجلة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) اشترك فيها هو والأديب الشيخ عبد الحسين الحويزي، فالصدور للمترجم والأعجاز للحويزي، منها هذه الأبيات: يا قطب دائرة الوجود ومن هو * النبأ العظيم ومن إليه المفزع أنت ابن عم المصطفى ووصيه * وأبو بنيه وسره المستودع ما قام بيت للنبوة مشرع * إلا وأنت له عماد يرفع وجبت ولايته على أهل السما * والأرض إن سمعوا وإن لم يسمعوا (2)
(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 4 / 10. (2) البابليات: 2 / 194. 33 رشيد الزبديني (... - 1317 ه) الشيخ رشيد ابن الحاج قاسم أقعون العاملي الزبديني، فاضل شاعر، قصد النجف فطلب العلم، واخترمته المنية هناك في ريعان شبابه بعد إصابته بمرض الدق " أي السل " في العام 1317 ه / 1899 م. وقوله يمدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): حتام تنظر والغرور يحول * فيعود منك الطرف وهو كليل مر الزمان لديك حلو طعمه * وحقير لذته لديك جليل كم ذي مدى قصر الورى عن نيله * هو بالعناء ملفع مشمول هذا الذي باهى الجليل بفعله * وبفضله السامي أتى التنزيل وبصبره عجب الورى وبمدحه * نادى بآفاق السما جبريل (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي) إذا اشتبكن نصول المصطفى الطهر الأمين مصرح * ومعرض بالقول حيث يقول حتى أتته من المليك عزيمة * والركب من نصب المسير يميل بلغ عن الله الذي أوحى فإن * جاشوا فأنت من الأذى مكفول فأقام في جمع تغص به الفلا * ويضيق عنه عرضها والطول ورقى من الأقتاب منبر عزة * طال السما وله الوصي عديل ودعا لبيعته فقالوا كلهم * سمعا وأضغان القلوب تجول
34 علي المظفر (... - 1320 ه) الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد آل المظفر، عالم فاضل وشاعر أديب. ولد في النجف الأشرف وأخذ العلم عن علماء مبرزين، وقد عرف بالتتبع لأسرار الشريعة حتى راهق الاجتهاد، بل قيل بلغه. تردد على جزائر البصرة موطن أسرته الأول وكان يبقى فيها شهورا ثم يقفل راجعا إلى النجف. وقد التمسه قومه للبقاء عندهم ليكون مرشدهم فلبى لهم ذلك، فسكن قرب بلدة قضاء المدينة، لكنه بعد مدة رجع إلى النجف ونظم فيها قصائد شوقه إليها وإلى أنديتها. توفي حوالي سنة 1320 ه / 1902 م في مدينة النجف وخلف كتبا مخطوطة منها: منظومة في الأصول تربو على الألف والخمسمائة بيت، منظومة في جميع أبواب الفقه في 2000 بيت، ومنظومة تامة في النكاح وتوابعه في 998 بيتا، منظومة في الإيقاعات تربو على الألف بيت، مع منظومة شعره الوجداني. قال يمدح الإمام عليا (عليه السلام): طربت حين استقل الركب في القتب * وغاب عني ما ألقى من الوصب جاءتك ترفل في ثوب الهوى فغدت * كالبرق تخطف إذ مرت من السحب
35 حتى قال: شوقا وتوقا لمغنى حيدر سفرت * عنها قناع السرى في الأربع الرحب فيها الملائك والملاك خاضعة * كل يمرغ خديه على الترب خمص البطون تهادى في قبا ورع * تظلهم قبة الهادي عن النصب فيا لها قبة ماذا حوت شرفا * كأنها الشمس تخفي أنجم الشهب تضمنت علة التكوين حين غدت * مثوى لخازن وحي الله والكتب ظلت تظل ضريحا قد سما شرفا * على الضراح وما في العرش والحجب يا مفزع الخلق إذ زاغت قلوبهم * ويا غياثهم في موقف العطب من لي سوى قدرك السامي ألوذ به * ومن أؤمل يوم الروع والخطب
36 محمد طه نجف (1241 ه - 1323 ه) أبو المهدي الشيخ محمد طه ابن الشيخ مهدي بن محمد رضا صاحب العدة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية ابن الشيخ محمد بن الحاج نجف التبريزي، عالم فحل وشاعر أديب. ولد في النجف عام 1241 ه / 1825 م ونشأ بها، وكان معسرا لأبعد حد فاتجه إلى الدراسة وحاز قصب السبق فيها مما جعله يتسنم سدة المرجعية فيها بعد أستاذه ميرزا حسن الشيرازي. وكان له في كل فن يد وفي كل علم منزلة، فتراه فقيها، أصوليا، رجاليا، محدثا، محققا، حكيما. انتهت إليه رئاسة الأمة وقلده معظم أهل العراق. تلمذ جملة من أيامه على الشيخ الأنصاري، وكان من تلامذته السيد الحبوبي. سافر إلى خراسان لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في 28 جمادى الأولى 1310. ثم سافر إلى مكة على طريق جبل حايل يوم الاثنين الخامس من ذي القعدة 1318. بقي في بيته أربعين سنة مكبا على الدرس بمجهوده الشخصي حيث أخرج كتابا جيدا في الرجال وفوائد فقهية وأصولية مما أدى إلى ذهاب عينيه لكنه لم يترك التأليف والدرس، حيث لم يكن للعرب مدرس غيره فكان يقرأ له
37 فيتأمل العبارة على السماع ويحلل ويقارن وقد كتب حاشيته الشهيرة على كتاب الجواهر بهذه الطريقة. له عدة مؤلفات تربو على العشرين. توفي سنة 1323 ه / 1905 م، حيث عطلت الأسواق وانقلبت النجف ثم دفن في الغرفة التي عن يسار الداخل إلى الصحن من باب القبلة خلف مقبرة الأنصاري. وقد أنشأ قائلا يوم توجه إلى النجف بعد رحلة له: تمام الحج أن تقف المطايا * على أرض بها النبأ العظيم حتى يقول: وصي محمد وأخيه منه * كهارون يقايس والكليم ونفس محمد تصريح قول * المهيمن والصراط المستقيم وباب العلم من طه وهذا * يفيدك كل مكرمة تروم وسيف الله في بدر وأحد * وغيرهما وناصره القويم وناصر أحمد في الغار إذ قد * فداه بنفسه ذاك الكريم وصرح في غداة غدير خم * بمر الحق لو أصغى الظلوم
38 عباس المالكي (1253 ه - 1323 ه) الشيخ عباس ابن الشيخ حسن بن جعفر بن خضر بن يحيى المالكي، عالم فقيه شاعر، ولد عام 1253 ه / 1837 م. درس المقدمات وهو ابن عشر سنين وقد جد في درسه حتى نبغ فيها. وقد ذكر جملة من أساتذته فقال: الشيخ إبراهيم قفطان، وقد درس عليه النحو والصرف والمنطق والبيان وخلاصة البهائي في الحساب، والشيخ الأعسم وقرأ عليه المعالم والشرايع والشيخ الأنصاري والميرزا محمد حسن الشيرازي. له رسائل في الفقه والنحو نظما، واستقل بمشيخة الطائفة، وكان إضافة إلى ذلك بارعا في النظم والإنشاء. توفي عام 1323 ه / 1905 م. وله مخمسا - والأصل للسيد صدر الدين العاملي - قوله يمدح الإمام عليا (عليه السلام): لحيدر علم وحزم وجاه * أولو العزم ما بلغت مبتداه قليل مقالك فيما حواه * علي بشطر صفات الإله حبيت وفيك يدور الفلك تدوس طوى قدس وادي الجلال * وما خلعت قدماك النعال تسوق عصاك السحاب الثقال * ولما أراد الإله المثال
39 لنفي المثيل له مثلك ولاؤك طوق بكل الرقاب * وأمرك ماض بيوم الحساب أبا حسن أنت فصل الخطاب * تعلم جبريل رد الجواب ولولاك في بحر قهر هلك
40 باقر الهندي (1284 ه - 1329 ه) أبو صادق السيد باقر بن محمد بن هاشم الهندي النجفي، من ذرية الإمام الهادي (عليه السلام)، شاعر عالم. ولد في النجف الأشرف عام 1284 هه / 1865 م، ونشأ بها، سافر إلى الحلة مع أبيه الذي كان يحضر حلقة الشيرازي فيها، وهناك تردد على بعض الأساتذة فدرس الفقه والأصول، ثم تتلمذ على الشيخ محمد طه نجف والميرزا المحلاتي في سامراء. انحاز إلى جانب الإمام الخراساني في صراعه ضد الدكتاتورية والاستبداد، وكان له موقف مشرف من مسألة الحياة الدستورية في إيران حيث كان أحد الأعضاء العاملين في الصفوف الإمامية من أنصارها عام 1324 ه / 1906 م وقد ألف رسالة قيمة بذلك أعرب فيها عن عقيدته ومناصرته للفكرة الجديدة. توفي في النجف سنة 1329 ه / 1911 م، ودفن في دارهم مع أبيه في محلة الحويش. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) ويستعرض حياته وعصره قوله: ليس يدري بكنه ذاتك ما هو * يا بن عم النبي إلا الله لك معنى أجلى من الشمس لكن * خبط العارفون فيه فتاهوا
41 أظهر الله دينه بعلي * أين لا أين دينه لولاه سله لما هاجت طغاة قريش * من وقاه بنفسه من فداه لو رآى مثله النبي لما * واخاه حيا وبعده وصاه قام يوم الغدير يدعو ألا من * كنت مولى له فذا مولاه ما ارتضاه النبي من قبل النفس * ولكنما الإله ارتضاه غير أن النفوس مرضى ويأبى * ذو السقام الدوا وفيه شفاه أنكروه وكيف ينكر عين * الشمس من أرمصت بها عيناه حتى قال: قد لقي من خلاف أصحابه * أضعاف ما من أعدائه لاقاه كم تمنى الموت المريح وما * ظنك فيمن بالموت درك مناه قال ما يمنع الشقي أما حان * شقاه يا رب عجل شقاه وغدا للصلاة للمسجد الأعظم * والليل مستجن دجاه وأقام الصلاة للسجدة الأولى * وكان ابن ملجم يرعاه فعلاه بالسيف فاعجب لسيف * الله بالسيف كيف فل شباه فهوى قائلا: لقد فزت * والله وسالت على المصلى دماه فبكته الأملاك وارتجت * الأفلاك حزنا وجبرئيل نعاه الهدى هد ركنه والتقى قد * فصمت في المصاب وثقى عراه أنا أبكي عليه ملقى يدير * العين فيهم والوجد ملء حشاه أم عليهم يرونه مد للموت * يديه وغمضت عيناه
42 جواد محيي الدين (... - 1332 ه) الشيخ جواد ابن الحاج علي ابن الشيخ قاسم محيي الدين، من آل أبي جامع العاملي. عالم فاضل فقيه شاعر مجد في تحصيل العلوم مواظب على البحث والتدريس، وله إمامة جماعة الصلاة في الصحن الحيدري الشريف. وقد أطنب كثيرا في صفاته وفضائله ومواهبه، ومن مؤلفاته رسالتان، ومنظومة في الفقه، وأرجوزة. توفي في النجف بالطاعون الذي حل فيها 1332 ه / 1914 م ودفن فيها. وله على إثر ظهور كرامة من مرقد الإمام (عليه السلام) قوله: فتح الباب لأجل الزائرين * قالع الباب أمير المؤمنين * * * كم له من معجزات في الأنام * بزغت كالشمس في داجي الظلام وله ضربة عمرو بالحسام * ملأت بالرعب قلب الخافقين * * * ليس فتح الباب بالأمر العجيب * بعد رد الشمس من بعد المغيب قالع الصخرة عن وجه القليب * حيدر إذ أظهر الماء المعين * * * فهو الساقي بحوض الكوثر * وله الأمر بيوم المحشر
43 يأمر النار خذي ذا وذري * ذا، وذا من أمر رب العالمين * * * خصه المختار فاختار أخاه * وعلا عن أن يدانى في علاه نزل القرآن نصا في ولاه * فهو المولى لكل المؤمنين * * * لذ به مهما تخف معتصما * فهو الحامي إذا عز الحمى سيد عم البرايا كرما * حجة الله شفيع المذنبين * * * كلم الثعبان فوق المنبر * صاحب الراية يوم خيبر وحديث الطائر المشتهر * آذنوا بالنص فيه الفرقتين * * *
44 باقر الرشتي (... - 1333 ه) السيد باقر بن أسد الله ابن الحجة السيد محمد باقر الحسيني الرشتي الأصفهاني المشهور بحاج آقا، فاضل شاعر. ولد في أصفهان ثم هاجر بعد وفاة أبيه إلى النجف الأشرف بمعية أمه، وهناك اجتهد في تحصيل درسه حتى نال فيها قصب السبق إضافة إلى حياته الأدبية، فكانت له مطارحات مع أدباء النجف وقد مدحه شعراؤهم كالسيد جعفر الحلي، وله معه - أي مع السيد جعفر - منازلات شعرية منها مسألة الجورب والمسن ومنها قضية الصاحب مع الخطيري. توفي في أصفهان عام 1333 ه / 1915 م ودفن في بيدآباد. وله في مدح الإمام علي (عليه السلام) قوله: يا بن عم النبي أي معان * لك في أرفع المدايح تذكر بعد ما أنزل الإله كتابا * فيك لا يستطاع للقوم ينكر وثناء النبي فيك فأبدى * يوم (خم) ثنا أناب وبكر هو في مطعم المعادين صاب * وبطعم الذي يودك سكر أي فضل يزويه عنك معاد * أو تزوى شمس الضحى لو تفكر كذب العاذلون فيك وقالوا * قول زور بهم يحاط ويمكر قد أتوا منكرا فحسبهم الله * تعالى يوم اللقاء ومنكر
45 محمد سعيد الحبوبي (1266 ه - 1333 ه) السيد محمد سعيد ابن السيد محمود ابن السيد قاسم الحبوبي، عالم شهير وشاعر كبير ومجاهد معروف. ولد في الحويش / النجف الأشرف في 1266 ه / 1849 م. حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو لما يزل طفلا، ثم درس الأدب ومقدمات العربية على خاله الشيخ عباس الأعسم أحد أدباء وفضلاء ذلك العصر. هاجر إلى نجد ليلحق بأبيه الذي أستقر هناك لشؤون تجارته، فانشغل مع والده في التجارة وما تبقى من يومه بعد إتمام عمله كان يقضيه في تعلم فنون الفروسية والقتال إضافة إلى استمراره في قراءة كتب الأدب والمنطق والحكمة والفقه حيث كان والده قد جلبها معه من النجف الأشرف، مما صقل شاعريته المبكرة. عاد إلى النجف الأشرف عام 1284 ه / 1867 م وكان دون العشرين عاما، التحق إثرها بأندية الأدب فتلقفته المحافل ورددت قصائده وموشحاته عقدين من السنين. لكنه قرر في العام 1304 ه / 1887 م أن ينصرف عن الشعر إلى الفقه فينغمس في دراسته، فقد تتلمذ على جملة من كبار العلماء منهم: الشيخ محمد حسين الكاظمي، والشيخ محمد الشربياني، والشيخ رضا الهمداني، والشيخ موسى شرارة، لكن انقطاعه كان للشيخ محمد طه نجف أحد كبار الفقهاء يومذاك وصاحب الطريقة الحديثة في التدريس حتى خاطبه بقوله:
46 أبنت مدارك الأحكام حتى * أبنت لنا اللباب من القشور وقد درس الأخلاق والتصوف والرياضيات على الملا حسين قلي. وكانت له زمالة مع السيد جمال الدين الأفغاني. أما جهاده ضد الإنجليز فهو أشهر من أن يكتب عنه، توفي في العام 1333 ه / 1915 م. قال في تخميس بيتين للشيخ حسن زاير دهام: بعيشك، ان ناجت سراك النواجيا * فعرج على وادي (الغري) مناديا ألا أيها الوادي أجلك واديا * * * إمام هدى، عم البرية عدله * أقام بواد فاخر الشهب رمله فأنت - وحق المرتجى فيك فضله - حقيق لك الفخر الذي ليس مثله * فلا الفلك الأعلى يساويك مفخرا وقال أيضا في تخميس أربعة أبيات للشيخ حسن زاير دهام: وهادي رشاد يقتفي الحق إثره * أبان سبيلا يعبق الطيب نشره فقل لامرئ (لم يشرح الله صدره) سبيل (علي) شرف الله قدره * سبيل (علي) طيب العبقان * * * فما نفحات الرند من نفحاته * إذا نفحت بالطيب ست جهاته وكم فاح بالمعتل من نسماته يضوع عبيق المسك من حجراته * كما ضاع نشرا نابت العلجان * * * خصيب ووجه الأرض ينصاح مجدبا * وينجح إن لم ينجح السعي مطلبا
47 ومذ شمت برقا لم يكن منه خلبا أنخت بجنبيه ركائب شزبا * فعدن سمانا، وانقلبت كسلطان * * * أما وأريج في شذى عرفه الشذي * ومرقد سر ما مشى فيه محتذي لئن كان حبي من شظى النار منقذي فكم في حماه يحتمي العاثر الذي * ألمت خطاياه عليه بنيران * * *
48 أبو القاسم الأردوبادي (1274 ه - 1333 ه) الميرزا أبو القاسم ابن محمد تقي بن محمد قاسم بن علي بن الحسن بن عبد الحسين بن عبد الحسن بن قاسم بن علي بن الحسن بن القاسم، عالم شاعر، ولد في جمادى الأولى عام 1274 ه / 1857 م في تبريز. رحل إلى النجف ودرس الفقه على الشيخين: محمد حسين الكاظمي ومحمد الإيرواني وعليهما تخرج فيه، وأخذ الأصول عن النهاوندي. ترك أكثر من ستين مؤلفا علميا، وكان قد أجازه كل من الشيرازي والشربياني والمازندرانيان: لطف الله وزين العابدين، والشيخ محمد طه نجف. أما في شعره، فكان له شعر مقبول ونظم في العربية والفارسية والتركية، وله قصائد فيها. توفي في همدان عام 1333 ه / 1915 م عند توجهه لزيارة الرضا (عليه السلام) ثم نقل ولده جثمانه إلى الصحن الشريف. وله: فآل طه وكتاب أحمد * كل عن الآخر حتما أعربا إليهما دعا النبي معلنا * بأن من ناواهما فقد كبا خص الوصي المصطفى بإمرة * معقودة عليه للحشر حبا وكان منه مثل هارون لموسى * رتبة بين الورى ومنصبا
49 وإن في حديث نجران غدا * نفس النبي مفخرا وحسبا ومن حديث الثقلين كم حوى * فضيلة السبق وحاز القصبا ويوم خم فادكر حديثه * وأحفه السؤال واتل الكتبا مبينا خلافة من بعده * لم يحوها إلا الإمام المجتبى يدعو ألا من كنت مولاه فذا * حيدر مولاه أطاع أو أبى والمرتضى مثلي وإني منكم * أولى بكم يجلو سناه الغيهبا وكان ردء المصطفى بنجدة * قد شهدت بها الحزوم والربى فما استحر البأس إلا وله * منه لأمر الدين مشحوذ الظبا وتلك أحد بعد بدر حوتا * فضيلة له سرت مع الصبا ووقعة الأحزاب مثل خيبر * بسيفه عمرو يقفي مرحبا مواقف تنبيك عن أمضاهم * عزما وعن أرهفهم فيها شبا حتى قال: أخي النبي المصطفى وصهره * أول من صدقه إذ ندبا ووارث الأمر الذي يقوم * بالإسلام علما وهدى ومقضبا
50 مصطفى الكاشاني (1268 ه - 1336 ه) السيد مصطفى ابن السيد حسين ابن المير محمد علي ابن محمد رضا، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين السبط (عليه السلام)، عالم فاضل شاعر. ولد في كاشان، وعند بلوغه السابعة شغف بتحصيل علوم الدين فكان ينزوي من أجل أن يقرأ. وفي سن العشرين ارتحل إلى أصفهان عندما كانت مركز العلم فمكث فيها أربع سنوات درس خلالها الفقه والأصول والعلوم العقلية، وكان يلقي الدروس على طلاب حوزته العلمية حتى عام 1312 ه / 1894 م حيث غادر عندها إلى النجف الأشرف التي مكث فيها حتى رمضان من السنة التالية 1313 ه / 1895 م، فحج بيت الله الحرام ثم عاد إلى النجف واتخذها مقرا يلقي الدرس ويتم التصانيف التي شرع فيها في أصفهان. ولما احتل الإنجليز البصرة عام 1332 ه / 1914 م التهب غيرة إسلامية فاتفق مع جمع من أعلام النجف وذهبوا للدفاع عن البصرة واستقام في ساحة الحرب في العمارة والقرنة عدة أشهر زعيما للمجاهدين، ولطول مدة مكوثه ورداءة ماء المنطقة مرض مرضا شديدا اضطره للعودة إلى النجف في أواخر عام 1333 ه / 1915 م، وبقي يعالج نفسه حتى أوائل عام 1334 ه / 1916 م، حيث وصلت أنباء تضعضع المجاهدين فقرر وجماعة من العلماء الذهاب إلى الكاظميين ومنها إلى ساحة الحرب التي كانت يومذاك في العمارة، وما إن وصل
51 الكاظميين حتى اشتد عليه مرضه فبقي يعالجه حتى وفاته عام 1336 ه / 1918 م، ترك عدة مؤلفات قيمة، ودفن في الركن الجنوبي الغربي للإمامين (عليهما السلام). وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: شمت برق الحمى وآنست نارا * فاحبسا العيس كي نحيي الديارا فذكرت الحمى ومعهد أنسي * والشذا من نسيمه أسحار خل عنك النسيب يا صاح كم ذا * تذكر الحي والحمى والديارا وحز الفخر والعلى بعلي * واقضين في مديحه الأوطارا هو صهر الرسول بل نفسه من * طاب نفسا ومحتدا وفخارا وابن عم له أخوه أبو من * بهم عالم الكيان استنارا ومنها: أنت مولى الورى بما نص خير * الرسل يوم الغدير فيك جهارا إلى أن يقول: ليس فوق النبي غير إله * خالق الخلق رفعة وافتخارا وعلى كتفه ارتقيت يقينا * فلذا لب من غلا فيك حارا ملأ الخافقين فضلك حتى * لم يجد مبغض له إنكارا وله من أخرى فيه: أشمس أفق تبدت أم محياك * والمسك قد ضاع لي أم نشر رياك سللت سيفا على العشاق منصلتا * من جفن طرف سقيم منك فتاك كذي فقار علي يوم سل على * أصحاب بغي والحاد وإشراك مولى الأنام الذي طافت بحضرته * كرام رسل أولي عزم وأملاك
52 وفيها يشير إلى شفاء عينيه: يا نفس لوذي بقبر الطهر لاجئة * فإنه في صروف الدهر ملجاك كما شفى الله من عينيك سقمهما * من كل هول من الأهوال نجاك وله من إحدى قصائده السبع التي مدح بها الإمام عليا (عليه السلام) عند شفاء عينيه من الرمد الطويل جاء فيها قوله: شفيت من رمد عيني القريحة إذ * رقت قلوب قست مما أقاسيه مالاذ ذو عاهة قط بتربته * إلا ومن جملة العاهات يشفيه ولا لجا قط مكروب بسدته * إلا ومن كربات الدهر ينجيه وعبده المصطفى يرجو شفاعته * في الحشر وهو من الأهوال كافيه ومن قصيدته الرابعة قوله: لهم ضمنت بذا فالله يجعلنا * من العبيد لكم يا موفي الذمم لولا شفاؤك سقما حل في بصري * ما كان شملي في الدنيا بملتئم
53 عدنان الغريفي (1285 ه - 1340 ه) السيد عدنان بن شبر بن علي بن محمد بن علي بن أحمد الغريفي، يتصل نسبه بحسين الغريفي البحراني البصري. عالم فذ وشاعر أديب. ولد في المحمرة عام 1285 ه / 1868 م ونشأ بها يتيما حيث مات أبوه وهو ابن أربع سنين فكفله خاله السيد سلمان وبعثته والدته إلى معلمة علمته حروف الهجاء ولما أن شرعت في تعليمه وقالت له: ألف نصب آه. فقال لها: قفي ثم قرأ لها باقي الحروف بحركاتها. وفي السنة الرابعة عشرة هاجر إلى النجف وقد كفل آنذاك معيشته أحد أعيان المحمرة الحاج حمود البحراني وخصص له مبلغ أربعمائة ريال إيراني سنويا، فدرس فيها أربعة عشر عاما وتخرج على علمائها. فقد قرأ المقدمات على عمه السيد علي البحراني وحضر بحث الخارج في الفقه والأصول عند محمد طه نجف وقد أجازه والميرزا حبيب الله الرشتي والميرزا حسن الشيرازي، له مؤلفات قيمة. توفي في الكاظمية عام 1340 ه / 1922 م، ودفن في الجهة الغربية من الصحن الحيدري في الغرفة التي تقع عن يمين الداخل من سوق العمارة. أرخ وفاته الشيخ جمعة الحائري.
54 ونعى بها الروح الأمين مؤرخا * (عدنان قوض بعدك الإسلام) وله في الإمام علي (عليه السلام): إمام الهدى وغياث الندى * وحاكمها السيد المقسط إمام به هلك المبغضون * وفي حبه هلك المفرط كلا الجانبين عدو له * وشيعته النمط الأوسط وله في قبة الإمام علي (عليه السلام) من أبيات: قبة فوق قبر نفس الرسول * طاولت بالجلال عرش الجليل عظمت هيبة وجلت مقاما * وتعالت شأنا عن التمثيل قدرة الله فصلتها مثالا * رائقا قبل عالم التفصيل وجلاها جمال نور التجلي * فتجلت بكل وجه جميل هي مشكاة نور مصباح قدس * طبع النور في مرايا الدليل وله أيضا مادحا الإمام عليا (عليه السلام) قوله: إن مكنون سر عين علي * حار فكر الأنام والعقل فيه بعضه علة الوجود وذاك * البعض قد أوقع الورى في التيه وله فيه أيضا: لك الحكم والعفو قد أصبحا * وزيرين دون الورى يا علي لرفعة شأنك خط القضا * على كل وجه علي علي
55 أبو بكر بن شهاب (1262 ه - 1341 ه) السيد أبو بكر بن شهاب العلوي الحسيني الخضرمي، عالم فاضل وأديب شاعر، ولد في حضرموت / اليمن عام 1262 ه / 1846 م ونشأ فيها وتلقى علومه في حواضرها واشتغل بالتأليف منذ فتوته وله مصنفات مأثورة في مختلف العلوم وله أيضا ديوان شعر كبير قسم منه في مدائح أهل البيت (عليهم السلام) ومراثيهم، توفي في الهند عام 1341 ه / 1922 م. وله من قصيدة أسماها (النبأ اليقين في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام)): علي أخو المختار ناصر دينه * وملته يعسوبها وإمامها وأعلم أهل الدين بعد ابن عمه * بأحكامه من حلها وحرامها وأوسعهم حلما وأعظمهم تقى * وأزهدهم في جاهها وحطامها وأولهم وهو الصبي إجابة * إلى دعوة الإسلام حال قيامها فكل امرئ من سابقي أمة الهدى * وإن جل قدرا مقتد بغلامها أبي الحسن الكرار في كل مأقط * مبدد شوس الشرك نقاف هامها فتى سمته سمت النبي وما انتقى * مواخاته إلا لعظم مقامها فدت نفسه نفس الرسول بليلة * سرى المصطفى مستخفيا في ظلامها له فتكات يوم بدر بها انثنت * صناديد حرب أدبرت في انهزامها سقى عتبة كأس الحتوف وجرع * الوليد ابنه بالسيف مر زؤامها
56 وفي أحد أبلى تجاه ابن عمه * وفل صفوف الكفر بعد التئامها بعزم سماوي ونفس تعودت * مساورة الأبطال قبل احتلامها أذاق الردى فيها ابن عثمان طلحة * أمير لواء الشرك غرب حسامها وعمرو بن ود يوم أقحم طرفه * مدى هوة لم يخش عقبى ارتطامها دنا ثم نادى القوم هل من مبارز * ومن لسبنتي عامر وهمامها تحدى كماة المسلمين فلم تجب * كأن الكماة استغرقت في منامها فناجزه من لا يروع جنانه * إذا اشتبت الهيجاء لفح ضرامها وعاجله من ذي الفقار بضربة * بها آذنت أنفاسه بانصرامها وكم غيرها من غمة كان عصبه * مبدد غماها وجالي قتامها به في حنين أيد الله حزبه * وقد روعت أركانه بانهدامها سل العرب طرا عن مواقف بأسه * تجبك عراقاها ونازح شامها وناشد قريشا من أطل دماءها * وهد ذرى ساداتها وكرامها أجنت له الحقد الدفين وأظهرت * له الود في إسلامها وسلامها ولما قضى المختار نحبا تنفست * نفوس كثير رغبة في انتقامها أقامت مليا ثم قامت ببغيها * طوائف تلقى بعد شر أثامها قد اجتهدت قالوا وهذا اجتهادها * لجمع قوى الإسلام أم لانقسامها أليس لها في قتل عمار عبرة * ومزدجر عن غيها واجترامها أليس بخم عزمة الله أمضيت * إلى الناس إنذارا بمنع اختصامها بها قام خير المرسلين مبلغا * عن الله أمرا جازما بالتزامها هو العروة الوثقى التي كل من بها * تمسك لا يعروه خوف انفصامها أما حبه حب النبي محمد * بلى وهما والله أزكى أنامها
57 شمائل مطبوع عليها كأنها * سجايا أخيه المصطفى بتمامها حنانيك مولى المؤمنين وسيد * المنيبين والساقي بدار سلامها فلي قلب متبول ونفس تدلهت * بحبك يا مولاي قبل فطامها وداد تمشى في جميع جوارحي * وخامرها حتى سرى في عظامها متى تنقضي أيام سجني وغربتي * وتنحل روحي من عقال اغتمامها وهل لي إلى ساح الغريين زورة * لأستاف ريا رندها وبشامها إذا جئتها حرمت ظهر مطيتي * وحررتها من رحلها وخطامها وإني على نأي الديار وبينها * وصدع الليالي شعبنا واحتكامها منوط بها ملحوظ عين ولائها * قريب إليها مرتو من مدامها إليك أبا الريحانتين مديحة * بعلياك تعلو لا بحسن انسجامها
58 كاظم سبتي (1258 ه - 1342 ه) الشيخ كاظم بن الشيخ حسن بن علي بن سبتي، خطيب شهير وعالم فاضل أديب، ولد في النجف الأشرف سنة 1258 ه / 1842 م من أسرة أصبح المترجم له باني مجدها اللاحق حيث تدرج في سلم العلم والفضيلة على أيدي علماء عصره كالعلامة الشيخ محمد حسين الكاظمي والملا لطف الله المازندراني وغيرهما إضافة إلى رقيه في فن الخطابة ملتحقا بأحد مشاهير الذاكرين حتى أصبح ذا طريقة خاصة معروفة مشارا إليه بالبنان لا يضاهيه أحد من معاصريه في الأسلوب والأداء، مما اغنى المنبر الحسيني ودفع به إلى النضج والموضوعية، وهو إلى جانب ذلك شاعر متذوق ممتلك لأدوات اللغة والتعبير مشارك في النشاطات الاجتماعية والثقافية، توفي عام 1342 ه / 1923 م. وله من قصيدة قوله: خطب ألم بركن الدين فانهارا * أورى الغداة بقلب المصطفى نارا فأي حادثة في الدين قد وقعت * فألبسته من الأشجان أطمارا كرت وقد شمرت عن ساقها فرمت * فجدلت بطلا في الحرب كرارا هذي المحاريب أين القائمون بها * والليل مرخ من الظلماء أستارا جار الزمان عليهم كم بهم ملأ * الدنيا مصابا وكم أخلى لهم دارا هذي منازلهم بعد الأنيس فلا * ترى بها غير وحش القفر زوارا
59 أضحى المؤمل للجدوى يجيل بها * طرفا وليس يرى في الدار ديارا بالله يا راكبا حرفا معودة * طي السباسب أنجادا وأغوارا يمم بها بمنى من غالب فئة * وجوهها سطعت في الليل أقمارا مطعامة الجدب إن كف به بخلت * وأسرة الحرب إن نقع لها ثارا فأي طود هدى من مجدكم مارا * وأي بحر ندى من جودكم غارا هذا علي أمير المؤمنين لقى * مضرجا بدم من رأسه فارا قد حجب الخسف بدرا منه مكتملا * وغيض الحتف بحرا منه تيارا أودى ومن حوله للمسلمين ترى * من دهشة الخطب إقبالا وإدبارا وافت إليه بنوه الغر مسفرة * عن أوجه تملأ الظلماء أنوارا تدعوه والعين عبرى تستهل دما * والحزن أجج في أحشائها نارا يا نيرا غاب عن أفق الهدى فأرى * أفق الهدى لا يرى للصبح أسفارا أبكيك في الجدب مطعاما سواغبها * وفي لظى الحرب مقداما ومغوارا فلا أرى بعد حامي الجار من أحد * يجيرنا من صروف الدهر لو جارا فلا بدا بعده بدر ولا طلعت * شمس ولا فلك في أفقها دارا
60 محمد مهدي البحراني (1301 ه - 1343 ه) السيد محمد مهدي ابن العلامة السيد علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن محمد الملقب غياث الدين ابن علي المعروف (المشعل الغريفي)، شاعر عالم فاضل. ولد في النجف في عام 1301 ه / 1884 م، توفي والده في السنة الثانية من عمره فكفله أخوه السيد رضا الصايغ. درس علوم الأدب وهو ابن اثنتي عشرة سنة وبعد أن قارب الثلاثين من عمره أتم دراسة العلوم العقلية والنقلية على الشيخ محمد طه نجف، والسيد بحر العلوم، والسيد الداماد، والسيد اليزدي، والخراساني، والشيخ حسن بن صاحب الجواهر. خلف كتبا تربو على العشرين، وتوفي في العام 1343 ه / 1924 م. وله يمدح أمير المؤمنين (عليه السلام)، قوله: نصبت علي الأعين النجل * شركا فصيد فؤادي الوجل إلى أن يقول: صهر النبي وصنوه وأبو * السبطين من بالعلم مشتمل كملت به الأوصاف فهو لها * روح وأكملها له مثل فهو الشجاعة والبراعة * والإيمان والإسلام والنفل زان الخلافة جيده وبه * عين النبوة منه تكتحل
61 مثل علي لا مثيل له * أنى وعز لمثله المثل إن يعدلوا عنه فقد عدلوا * عن حظهم لا عنه قد عدلوا الله ناصبه برغمهم * أتراهم عزلوا أم اعتزلوا أخذ النبي بنصبه علنا * فوق الحدايج وهو محتفل يوم (الغدير) بأمر مرسله * وكذلكم من قبله الرسل أفلست أولى منكم بكم * قالوا بلى من بعد ما عقلوا فأجاب هذا خيرتي مثلي * فيكم فأمركم إليه كلوا مولاكم ووليكم وبذا * جبريل جاء فما لكم حول هذا هو الشرف العظيم ولا * تعجب فدينك منه مكتمل هذا كتاب الله يخبرنا * عما أقول ولست أفتعل و * (اليوم أكملت) * التي نطقت * تغنيك عما جاءه فعل هذا علي وهو عصمتنا * ما كان معبودا له (هبل) قد كان أولى ساجد علنا * لله شكرا والورى ملل وعلي الهادي على أثر * للمصطفى لم يثنه فشل حتى أقام بسيفه علما * بطلت به من أهلها النحل
62 طالب شرع الاسلام (... - 1346 ه) الشيخ طالب ابن الشيخ أسد ابن الشيخ جعفر المعروف بشرع الإسلام من أحلاف أمارة الجزائر جنوب العراق، فاضل شاعر. ولد في أواخر القرن الثالث عشر الهجري في مدينة النجف من أسرة علمية، عكف منذ صباه على دراسة المقدمات ثم أكمل دراسته على المامقاني والشربياني واليزدي - وكان قصير القامة صغير العمة مليح الوجه هادئ الأعصاب وقد ابتلي بالبؤس الذي رافقه، وكان دائم السفر إلى إيران حيث يذهب إلى ضواحي شوشتر ودزفول وينزل عند آل سعد من بني كثير لإرشادهم وقد بقي على هذه السيرة حتى وفاته. وهو كثير النظم رائقه. توفي في عام 1346 ه / 1927 م. وله يمدح آل البيت (عليهم السلام) قوله: ألا ياصب هل لك أن تجودا * بأمر يبعد القصد الحميدا حتى يقول: وهم آل النبي وخير آل * بدت تتلى مناقبهم عديدا أبوهم خير هذا الخلق طرا * وأفضلهم مفاخرة وجودا وصي المصطفى أعني عليا * كتابا ناطقا درا نضيدا
63 كريما ماجدا ليثا هزبرا * عليما حاكما بهدى رشيدا فمن والاه يوم غدير خم * فقد حاز الهدى وسما سعيدا وذاك اليوم أفضل كل يوم * بدا بمسرة بشرا وعيدا وقد أخذ الإله له عهودا * وفيه قد ألان به الحديدا وله في يوم الغدير قوله: تجمع الناس بلا مطل * لصاحب المعروف والفضل وصالح الأعمال والمنتهى * والبدء والزلفى مع النفل والآية العظمى وخير الورى * علي الحاكم بالعدل وهو الوصي والإمام الذي * للخلق منصوب بلا عزل قد ارتضاه الله واختاره * خليفة الهادي بلا فصل والله أوحى لرسول الورى * بأرض خم منزل الفضل فاصدع بما تؤمر فالمرتضى * ولاؤه فرض على الكل بلغ إلى الناس حديث الهدى * وصالح الأعمال والعدل * (اليوم أكملت لكم دينكم) * * بنص طه سيد الرسل بشراكم في حبه واقتفوا * آثاره بالقول والفعل أفضل عيد ساطع حجة * وثابت بالعقل والنقل لولا علي ما بدا ديننا * ولا سما العلم على الجهل فهو الذي زوجه المصطفى * بالبرة الطاهرة الأصل بحر علوم قد غدا زاخرا * أمواجه تلطف بالهطل
64 حسن بحر العلوم (1282 ه - 1355 ه) السيد حسن بن إبراهيم بن حسين بن رضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم، أديب مؤرخ، عالم شاعر. ولد في النجف عام 1282 ه / 1865 م وترعرع فيها بكنف والده، وكان من فخامة نتاجه الشعري وثرائه في النظم أن خلف ما يزيد على الألف بيت في أدب التواريخ أرخ فيه وفيات بعض الأعيان. توفي في النجف سنة 1355 ه / 1936 م ودفن في مقبرة الأسرة. وله مشطرا بيتين في مدح الإمام علي (عليه السلام) وقد ذيله بقصيدة على الروي والقافية في الاطراء على آل البيت ورثائهم وختمها في رثاء جده الإمام الحسين (عليه السلام) قوله منها: " قل لمن والى علي المرتضى " * نلت في الخلد رفيع الدرجات أيها المذنب إن لذت به * " لا تخافن عظيم السيئات " " حبه الإكسير لو ذر على " * رمم رف بها روح الحياة يده البيضاء لو مس بها * الشجر البالي زها بالثمرات حبه فرض على كل الورى * وهو في الحشر أمان ونجاة كل من والاه ينجو في غد * من لظى النار وهول العقبات قد أبان الشرع في أحكامه * وقضى الدهر صلات وصلاة
65 كم بوحي الذكر في تفضيله * صدعت آيات فضل بينات آية التصديق من آياته * حين أعطى في الركوع الصدقات * (هل أتى) * فيمن سواه هل أتى * أو أتت في غيره * (والعاديات) * هذه الآيات بعض من مئات * كم له آيات فضل أخريات ما وجدنا آية مادحة * لسواه إن تجد فيهم فهات إنه حقا وصي المصطفى * وأبو الغر الميامين الهداة أسد الله وقل حيدرة * لا يهاب الموت إن لاقى الكماة ولدى الأحزاب يهوي مرحب * بحسام المرتضى حتف الطغاة فانبرى الشرك بماضي حيدر * لعلى الإيمان وافي الجبهات (1) وحنين حين فر المسلمون * لم يكن إلا علي ذو ثبات وبقلع الباب في خيبركم * ظهرت للناس منه المعجزات وبصفين له كم شوهدت * في الوغى من حملات باهرات والذي ردت له شمس السما * دفعات لأداء الصلوات والذي ميلاده الطهر اغتدى * وسط بيت الله منشي الكائنات والذي كان أخا للمصطفى * وعضيدا في جميع المعضلات أنكروا ما خص في يوم الغدير * لأبي السبطين قوم نكرات حين قام المصطفى بين الورى * خاطبا تسمعه الست الجهات قائلا من كنت مولاه فقد * صار مولاه أبو الغر الهداة حيدر فهو وزيري في الوغى * ووصيي فيكم بعد الممات
(1) هكذا ورد في الأصل والمعنى غامض. 66 موسى العصامي (1305 ه - 1355 ه) الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد العصامي، عالم جليل وخطيب أديب. ولد في النجف الأشرف عام 1305 ه / 1888 م، وترعرع بها حيث تولاه عماه: الشيخ عباس، والشيخ حسن، فدرس النحو والصرف، والبلاغة، والمنطق على فضلاء عصره، وأخذ علوم: الحساب والهندسة، والكلام، والحكمة على الشيخ حسين الدشتي. تولى وكالة عامة لتمثيل بعض الفقهاء في مختلف البلدان هم: السيد اليزدي، والشيخ أحمد كاشف الغطاء وغيرهما، ثم السيد الأصفهاني، له عدة مؤلفات هامة. توفي في العام 1355 ه / 1936 م. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: لك في الوجود حقيقة لا تكشف * تعب الألى لك حددوا أو عرفوا تاهت بمعناك الورى وتحيرت * فيك العقول فلم تكن لك تعرف فغلتك طائفة وأخرى فيك قد * غالت وقد هلك الجميع وأسرفوا ما أنت إلا عبده ووليه * لا سابق أزلا ولا مستأنف في العالم الأزلي نورا كنت * والهادي بعرش جلاله يطوف هذا نبي حين يبعث صادعا * بالوحي عنه وأنت من يستخلف يا نفس أحمد في الهدى لك شاهد * يوم التباهل حين غص الموقف
67 فيك استقام الدين بل لو لم تكن * توصي لما صح البلاغ وكلفوا أسريرة الرسل الكرام ووارث * العلم الذي لولاه لم يتشرفوا وشريك أمر محمد ووزيره * في الشرع لو أن السياسة تنصف
68 محمد الخليلي (... - 1355 ه) الحاج الشيخ محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي، شاعر وأديب. ولد في النجف ونشأ بها، وحضر المقدمات عند فضلاء عصره، ثم حضر حلقة الإمام الخراساني وحلقة والده فأخذ عنه علمه، تضلع في الفقه حتى نال إجازة الاجتهاد من مشاهير أعلام عصره. خلف أباه في إمامة الجماعة فاقتدى به معظم الأتقياء والأولياء واستمر بها زمنا ثم تركها متعللا بالخشية من الله أن يصيبه الزهو فعكف في المشهد العلوي مصليا زائرا مناجيا. وكان متمسكا بالحق عارفا لله معرفة زهدته عما في أيدي الناس مما يرغبونه، وقد خلف كتبا عدة. توفي في النجف سنة 1355 ه / 1937 م، ودفن بمقبرة والده المعروفة. وله من قصيدة: لا تلمني على الأسى والبكاء * فلقد فت في الحشاشة دائي كان للمصطفى بكل ملم * سيفه المنتضى على الأعداء ولدين النبي غوثا إذا ما * طرق الدين طارق الأسواء وعذابا على العدى صبه * الله بيوم الكفاح والهيجاء وبماضي حسامه شاد دين * المصطفى واغتدى مشيد البناء وله بين صحبه حين آخى * واصطفاه لنفسه للإخاء
69 ومن الله جل أخبر أن * المرتضى خيرتي من الأولياء فاتخذه على الأنام وليا * فولاه ولاك وهو ولائي حبه جنة لكل محب * بغضه بغض خاتم الأنبياء وله يتشوق إلى النجف وزيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: حكم الزمان علي من * بعد المهاجرة التغرب عن قرب من في قربه * يرجو الشفاعة كل مذنب قرب الوصي وكل ذي * دين بذاك القرب يرغب يا دهر قد أسرفت في * ظلمي بلا ذنب مسبب أبعدتني عن قرب قبر * المرتضى عنقاء مغرب أتراك قد أنصفت إذ * كلفتني عنه التغرب بجواره أفني صبا * ي وعنه حال الشيب أغرب
70 خضر القزويني ((1323 ه - 1357 ه) السيد خضر بن علي بن محمد بن جواد بن رضا بن مير علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مسير قياس بن أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن الحسين من عائلة علمية تعرف بآل القزويني قطنت النجف من فترة بعيدة، وهو شاعر أديب وخطيب فاضل. ولد عام 1323 ه / 1905 م وقرض الشعر وهو ابن عشرين عاما، وامتهن الخطابة فكان مفوها بارعا حسن الصوت، جمع بين أدب النفس وأدب الصنعة متفانيا في حب أهل البيت (عليهم السلام)، مثابرا على طلب الفضل وتحصيل العلوم والأخلاق مشاركا في أندية النجف الأدبية ومحافلها مزاملا للأدباء والنابهين من معاصريه حتى انفرد بموهبة مميزة. أصيب بداء السل فأقعده داره. ثم توفي وهو في أوائل العقد الرابع من عمره عام 1357 ه / 1938 م ودفن في الإيوان الحيدري الذهبي. ومن قصيدة له وعنوانها - يوم الغدير - قوله: كيف تحصي صفاتك الكتاب * ومزاياك ما لهن حساب ليت شعري وهل يحيط بمعنا * ك خبير كما أحاط الكتاب لا ولا يهتدي لذاك ابن أوس * حيث ذلت له القوافي الصعاب
71 أفهل بعد ذا يلم بمعنى * من علاك الإيجاز والاطناب فلعمري ما أنت في الناس إلا * نفس طه وما بذاك ارتياب وأخوه ومن لماضيه دانت * أرؤس الشرك في الوغى والرقاب والمحامي عنه ببدر وأحد * وحنين إذ فرت الأصحاب ومبيد العدى وقاتل عمرو * وعلى ذاك تشهد الأحزاب فلكم ذاد دون أحمد حتى * رضخت للرسالة الأعراب ووصي الرسول حيث أتاه * الأمر فيه من السما والخطاب فدعا باسمه ونوه عنه * يوم خم والمسلمون استجابوا يا له يوم غبطة تم فيه * لعلي من ربه الانتخاب قسما يا أخا النبي ومن في * كنه معناه حارت الألباب والإمام الذي بماضيه قام * الدين والمشركون بالخسر آبوا لحقيق بنا إذا ما وقفنا * عند معناك فهو معنى عجاب وله أيضا وعنوانها - في يوم الغدير - قوله: عيد الغدير بك العرب * بلغت مناها والأرب وغدا لها بك في الورى * المجد الأثيل ولا عجب أولم يكن بك صرح * الهادي وبلغ ما وجب أم لم يكن نصب الوصي * وفي ولايته خطب لا غرو لو كان الغدير * غدير فخر للعرب فبه الخلافة أصبحت * لوصي طه المنتخب ذاك الإمام ومن له * أعلى المواهب والرتب بطل الهدى ودليله * والمرتضى والمنتجب
72 وأخو النبي وطالما * عن وجهه كشف الكرب سل عنه أحدا قد جثت * فيها الرماة على الركب وبني النضير فهل ترى * أحدا سواه بها وثب وبني قريظة إذ سقى * أبطالها كأس العطب وثنى الخيول فلم تجد * في وسعها إلا الهرب وكذاك بدرا حين ضا * قت في كتائبها الرحب لولاه ما اندحر العد * وبذي الفقار ولا انسحب وسل السلاسل كيف * أطفأ سيفه ذاك اللهب وانظر غداة العامري * بعزة الإثم اغتصب من ذا الذي انتخب النبي له * سواه ومن ندب فقضى عليه وجيشه * بسوى الخسارة ما ذهب وبخيبر من ذا الذي * قلع الرتاج وقد رسب وإذا أردت فسل حنينا * فهي عنوان العجب ستخال فيها سيفه * أفعى المنون إذا لسب وسنان لهذمه بها * صل القضاء إذا وقب
73 ناصر الإحسائي (1291 ه - 1358 ه) السيد ناصر ابن السيد هاشم ابن السيد أحمد آل السيد سلمان الموسوي، فقيه شاعر. ولد في الإحساء عام 1291 ه / 1874 م. لكن أهل منطقته طلبوه ليتزعم الحركة الروحية هناك فأجابهم، واستمر على ذلك تسعة شهور حيث زاره المرض الذي قضى على حياته عام 1358 ه ودفن هناك. له كتابان: الأول في الإمامة والثاني في صلاة الجمعة. وله من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: لا تلمني فالنفس طال عناها * من غموم يذكي الملام لظاها لست أدري ولن أراني أدري * أي ذنب لسيد الرسل طاها يوم خانت عهوده في أخيه * أمة قد غوت وطال عماها أضمرت حقدها له وهو حي * فغدت في أخيه تشفي جواها دفعته عن حقه واستبدت * عنه بالأمر ما أقل حياها وعليه يوم الغدير بخم * أكد النص إنه مولاها ما كفاها تقديم تيم عليه * وعدي وليته قد كفاها بل تعادت عليه لما تولى * بحروب أضحت تشب لظاها
74 كم دعاها إلى الهدى فعصته * وأطاعت في كل أمر هواها وقضى مذ قضى وقد طلق الدنيا * ثلاثا وعاش في أدناها حملوا نعشه فما مر إلا * وانحنت كل تلعة وافاها دفنوا الحق والحقية لما * دفنوه وأودعوه ثراها
75 مهدي الأعرجي (1322 ه - 1359 ه) السيد مهدي ابن السيد راضي آل السيد جعفر الأعرجي الحسيني، شاعر أديب وخطيب بارز، ولد في النجف الأشرف عام 1322 ه / 1904 م وتردد على حلقات الدروس الدينية في الحوزة العلمية ونال منها قسطا وافرا بعد إن انعقدت في نفسه موهبة الشعر بالمنحيين الفصيح والعامي، ثم اتجه إلى المنبر الحسيني فأحكم صناعته على أيدي رموز معاصرين له أولهم خاله الخطيب الشيخ جاسم الملة الحلي، كما ترك ديوان شعر خطيا يدل على تردده الطويل في قرض الشعر ومعالجته، ولم يمهله القدر حين اختطفه في نضج شبابه عام 1359 ه / 1940 م غرقا بعد أن ساهم في مجالات عديدة مساهمات مشهودة. مصاب قد لوى للدين جيدا * وهد من الهدى ركنا مشيدا مصاب فل من عدنان قضبا * ولف لهاشم البطحا بنودا مصاب كورت شمس المعالي * به فغدت له الأيام سودا به بات الهدى ينعى عميدا * وفسطاط التقى ينعى عمودا بمحراب الصلاة قضى علي * بسيف الفاجر الأشقى شهيدا قضى اتقى الورى بحسام أشقى * الورى طرا فيا عيني جودا وبات الروح ينعاه بصوت * له الأرضون كادت أن تميدا وباتت بعده الأيتام ثكلى * وقد فقدت أبا برا ودودا
76 عجبت لمن إذا لاقى جموعا * أبادهم وإن كثروا عديدا ومن أردى ابن ود كان ليثا * يريع ببأسه حتى الأسودا ومن أفنى الجنود بيوم بدر * وأردى الرجس عتبة والوليدا لدى المحراب يرديه لئيم * فيمسي في مهنده فقيدا أشهر الله قد أدميت منا * نواظرنا وأنضجت الكبودا أشهر الله قد أشمت فينا * بقتل الدين جبارا عنيدا وفي أحشائنا أضرمت نارا * أبت إلا الضلوع لها وقودا
77 صالح الحلي (1290 ه - 1359 ه) السيد صالح بن محمد بن حسين الحسني الحلي خطيب معروف وشاعر أديب، ولد في الحلة - العراق عام 1290 ه / 1873 م، وهاجر إلى النجف الأشرف في الثامنة عشرة من عمره فدرس على كثير من رجال العلم والفضل كالسيد عدنان السيد شبر والشيخ علي الجواهري والملا كاظم الخراساني والشيخ جواد محيي الدين وشارك في النشاطات الاجتماعية والأدبية إضافة إلى المنبر الحسيني، ثم كان من جملة الذين واجهوا الاحتلال البريطاني للعراق محرضا فاعلا ومجاهدا صلبا مما أدى إلى نفيه إلى الهند ثم انقذه في الطريق إلى ذلك شيخ المحمرة خزعل فرجع قاطنا الكوفة ثم نفي إلى البصرة ستة أشهر ليعود بعدها إلى النجف الأشرف ويواصل مشواره، وقد وصف بأنه فاضل مشارك في العلوم خطيب بارع واصف شديد التأثير على السامعين، توفي عام 1359 ه / 1940 م في النجف الأشرف. وله من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام): خطب أذاب من البتول فؤادها * وأذاب من عين الرسول فؤادها خطب دهى مضرا وهد ربيعة * وأذل فهرا بل أباد أيادها أقصى قصيا عن مراتب عزها * ولوى لويا جيدها وجيادها أوجوه فهر بالسواد تلفعي * واحثي على فقد الوصي رمادها
78 وتسربلي ثوب الحداد وألزمي * العين السهاد وجانبي أعيادها إن ابن ملجم قد أباد ذرى الهدى * وحمى الورى وعمادها وسنادها شلت يد الرجس المرادي إنها * بلغت بقتل أبي الحسين مرادها تربت يد قد تربته أما درت * روح الخلائق فارقت أجسادها سيف أصابك قد أصاب المصطفى * والأنبياء وشرعها ورشادها يا ساقيا زمر العدى كأس الردى * ومفرقا عند اللقا أجنادها من للجياد السابقات مصرفا * يوم الوغى جريانها وطرادها أمجير دين الله بعدك أضمرت * جند الضلال على الهدى أحقادها رزء الوصي المرتضى قد أرجف * الأرضين والسبع الشداد أمادها لا غرو إن غدر ابن ملجم طالما * عند الأعادي غادرت أمجادها قل لليتامى فاقنطي وتهيئي * للسير مسرعة السرى وفادها أجفا وما عودتها منك الجفا * للمعتقين فمن يرى اسعادها لا بل طوتك يد البلى عن وصلها * يا غيثها وغياثها وعمادها أفيدري لحد حين ضمك في الورى * مذ غاب شخصك أظهرت الحادها أسهرت كل موحد يا رزؤه * وأنمت في فرش الهنا حسادها يا علة الايجاد يا علم الهدى * لولاك ما عرف الورى إيجادها نار المصائب ما بدت إلا من * القوم التي قدحت عليك زنادها
79 عبد الله الخضري (1297 ه - 1359 ه) الشيخ عبد الله ابن الشيخ محسن ابن الشيخ محمد الخضري، شاعر عالم فاضل. ولد في النجف الأشرف عام 1297 ه / 1879 م وترعرع فيها حيث تلقى مقدمات العلوم بمعونة جده الشيخ إسماعيل وأبناء عمه من آل كاشف الغطاء ثم توغل في الفقه والأصول. شارك في الجهاد مع الأتراك ضد الإنجليز ووقع أسيرا في أيدي الإنجليز وعندما جاؤوا به إلى أحد المعسكرات لتسفيره إلى سمر بور شاهده أحد القواد الهنود فرأى سيما الصلاح بادية عليه فدبر له حيلة وهربه من الأسر. توفي في بغداد سنة 1359 ه / 1940 م، ونقل جثمانه إلى النجف حيث دفن في الإيوان الذهبي. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) ويستنهض الحجة المنتظر قوله: أبا صالح حتى متى أنت غائب * وليس لهذا الدين غيرك صاحب يريدون منا أن نفضل عصبة * لها الكفر دين والمعاصي مذاهب على من أقام الدين في سيفه الذي * له قد أطاعت من قريش كتائب أباد قريشا يوم بدر بسيفه * ويوم حنين ليس إلاه ضارب فكم كف عن وجه النبي جيوشهم * وكم ظهرت منه بأحد عجائب
80 ويوم تبوك حين ناداه أحمد * وقد هربوا منه هم والأقارب أغثني فأنت اليوم كهفي وناصري * فلباه لا وان ولا هو راهب فداؤك نفسي ها أنا الآن قادم * وكان كما يثقفن للرحم ثاقب فأرداهم صرعى وفلق هامهم * همام بماضيه تفل القواضب ولما أراد الله لقيا رسوله * فأوحى له بلغ فإنك غالب فقام رسول الله يخطب فيهم * ألا بلغوا يا قوم من هو غائب بأن عليا وارثي وخليفتي * على الناس بعدي وهو للأمر صاحب
81 محمد حسين الأصفهاني (1296 ه - 1361 ه) الشيخ محمد حسين كمباني الأصفهاني الغروي، عالم فاضل فيلسوف شاعر. فهو في الحكمة والفلسفة والفقه والأصول كوكب وقاد، نهل من علوم فحول عصره كالسيد محمد الأصفهاني الفشاركي والملا كاظم الخراساني الذي لازمه اثني عشر عاما ثم استقل بعدها بالتدريس بعد وفاة الملا. درس الفقه على الشيخ آقا رضا الحمداني والحكمة والكلام والإلهيات على الميرزا محمد باقر الإصطهباناتي وقد تلمذ عليهم مدة تزيد على ربع قرن. كان ذا خلق رصين، مترفعا عن حب الشهرة، تطلبه المرجعية ولا يطلبها، يرعى الوافد إليه بكل حفاوة وتكريم وكأنه يعرفه من أزمان. منصرفا إلى خدمة الحقيقة حتى أنه كان يمنح من مكتبته مخطوطات نادرة لمن يشاء ذلك في سبيل نشر العلم ومن دون أن يتحقق من شخصية الآخذ، رجع إليه البعض في التقليد أواخر حياته. له من الآثار العلمية الشئ الكثير، وكلها معدودة من أمهات أبوابها. توفي في النجف الأشرف سنة 1361 ه / 1942 م. وله قوله في الإمام علي (عليه السلام): عيد الغدير أعظم الأعياد * كم فيه لله من الأيادي
82 أكمل فيه دينه المبينا * ثم ارتضى الإسلام فيه دينا بنعمة الإمرة والولاية * أقام للدين الحنيف رأيه أكرم بها ولاية لمن أتى * في فضله الظاهر نص * (هل أتى) * وهو ولي الأمر بالنص الجلي * وعنده علم الكتاب المنزل طار بظله حديث الطائر * إلى سنام العرش والدوائر ولا أباهي بحديث المنزله * فإنه دون مقام هو له بل هو أصل الكتب المنزله * فإنه نقطة باء البسمله كفاه فخرا أنه قد ارتقى * خير محل وأجل مرتقى علا على كتف النبي فانتهى * إلى جوار من إليه المنتهى ومذ تجلى مشرقا نور الهدى * خرت له الأصنام طرا سجدا سماه باسمه العلي الأعلى * تكرما منه له وفضلا اسم سما في عالم الأسماء * كالشمس في كواكب السماء وسيفه المبيد للكفار * آية قهر الواحد القهار وبطشه هو العذاب الأكبر * وكادت الأرض به تدمر سل خندقا وخيبرا وبدرا * فإنها بما أقول أدرى سل أحدا ففيه بالنص الجلي * نادى الأمين (لا فتى إلا علي) لله در ضربة أفضل من * عبادة الجميع من إنس وجن يا ضربة قاضية على العدى * نفسي وأمي وأبي لك الفدا
83 رضا الهندي (1290 ه - 1362 ه) أبو أحمد السيد رضا بن محمد بن هاشم بن مير شجاعة علي التقوي الرضوي الموسوي المعروف بالهندي، عالم شاعر مشتهر. ولد في النجف عام 1290 ه / 1873 م وترعرع فيها، ثم انتقل إلى سامراء عند الثامنة من عمره مع والده في العام 1298 ه / 1880 م وهو عام الطاعون حيث استقر فيها ثلاث عشرة سنة، ثم عاد إلى النجف فاشتغل بتحصيل العلم. قرأ على الشربياني والسيد محمد الطباطبائي ومحمد طه نجف والشيخ حسن بن صاحب الجواهر، له مؤلفات مهمة في العقائد والأدب. توفي في الفيصلية - من أعمال الديوانية - في عام 1362 ه / 1943 م بالسكتة القلبية ودفن بمقبرته الخاصة قرب داره في الحويش. وله يمدح الإمام عليا وقد دعاها ب " الكوثرية " قوله: أمفلج ثغرك أم جوهر * ورحيق رضابك أم سكر قد قال لثغرك صانعه: * " إنا أعطيناك الكوثر " والخال بخدك أم مسك * نقطت به الورد الأحمر أم ذاك الخال بذاك الخد * فتيت الند على مجمر عجبا من جمرته تذكو * وبها لا يحترق العنبر يا من تبدو لي وفرته * في صبح محياه الأزهر
84 فأجن به ب " الليل إذا * يغشى " " والصبح إذا أسفر " ارحم أرقا لو لم يمرض * بنعاس جفونك لم يسهر تبيض لهجرك عيناه * حزنا ومدامعه تحمر يا للعشاق لمفتون * بهوى رشأ أحوى أحور إن يبد لذي طرب غنى * أو لاح لذي نسك كبر آمنت هوى بنبوته * وبعينيه سحر يؤثر أصفيت الود لذي ملل * عيشي بقطيعته كدر يا من قد آثر هجراني * وعلي بلقياه استأثر أقسمت عليك بما أولتك * النضرة من حسن المنظر وبوجهك إذ يحمر حيا * وبوجه محبك إذ يصفر وبلؤلؤ مبسمك المنظوم * ولؤلؤ دمعي إذ ينثر إن تترك هذا الهجر فليس * يليق بمثلي أن يهجر فاجل الأقداح بصرف الراح * عسى الأفراح بها تنشر واشغل يمناك بصب الكاس * وخل يسارك للمزهر فدم العنقود ولحن العود * يعيد الخير وينفي الشر بكر للسكر قبيل الفجر * فصفو الدهر لمن بكر هذا عملي فاسلك سبلي * إن كنت تقر على المنكر فلقد أسرفت وما أسلفت * لنفسي ما فيه أعذر سودت صحيفة أعمالي * ووكلت الأمر إلى حيدر هو كهفي من نوب الدنيا * وشفيعي في يوم المحشر قد تمت لي بولايته * نعم جمت عن أن تشكر
85 لأصيب بها الحظ الأوفى * واخصص بالسهم الأوفر بالحفظ من النار الكبرى * والأمن من الفزع الأكبر هل يمنعني وهو الساقي * أن أشرب من حوض الكوثر أم يطردني عن مائدة * وضعت للقانع والمعتر يا من قد أنكر من آيا * ت أبي حسن ما لا ينكر إن كنت، لجهلك بالأيام *، جحدت مقام أبي شبر فاسأل بدرا واسأل أحدا * وسل الأحزاب وسل خيبر من دبر فيها الأمر ومن * أردى الأبطال ومن دمر من هد حصون الشرك ومن * شاد الإسلام ومن عمر من قدمه طه وعلى * أهل الإيمان له أمر قاسوك أبا حسن بسواك * وهل بالطود يقاس الذر؟ أنى ساووك بمن ناووك * وهل ساووا نعلي قنبر؟ من غيرك من يدعى للحرب * وللمحراب وللمنبر وإذا ذكر المعروف فما * لسواك به شئ يذكر أفعال الخير إذا انتشرت * في الناس فأنت لها مصدر أحييت الدين بأبيض قد * أودعت به الموت الأحمر قطبا للحرب يدير الضر * ب ويجلو الكرب بيوم الكر فاصدع بالأمر فناصرك * البتار وشانئك الأبتر لو لم تؤمر بالصبر وكظم * الغيظ وليتك لم تؤمر ما آل الأمر إلى التحكيم * وزايل موقفه الأشتر لكن أعراض العاجل ما * علقت بردائك يا جوهر
86 أنت المهتم بحفظ الدين * وغيرك بالدنيا يغتر أفعالك ما كانت فيها * إلا ذكرى لمن اذكر حججا ألزمت بها الخصماء * وتبصرة لمن استبصر آيات جلالك لا تحصى * وصفات كمالك لا تحصر من طول فيك مدائحه * عن أدنى واجبها قصر فاقبل يا كعبة آمالي * من هدي مديحي ما استيسر وله في عيد الغدير قوله: سل المجدب الظمآن أين مصيره * وها عندنا روض الهدى وغديره وسل خابط الظلماء كم هو تائه * ألم ير بدر الرشد يسطع نوره ألا نظرة نحو اليمين تدله * على قصده كي يستقيم مسيره إذا ما اقتفى في السير آثار حائر * فمن عدل ديان الورى من يجيره أبا حسن تالله أنت لأحمد * أخوه وقاضي دينه ووزيره وإنك عون المصطفى ونصيره * أو إنك عين المصطفى ونظيره فلا مشكل إلا وأنت مداره * ولا فلك إلا وأنت مديره ولا أمة إلا وأنت أمينها * ولا مؤمن إلا وأنت أميره وأنت يد الله القوي وحبله * المتين وحامي دينه وسفيره وأنت الصراط المستقيم وعندك * الجواز فمن تمنحه جاز عبوره بك الشرك أودى خيله ورجاله * وثقل قريش عيره ونفيره فما زلت للحق المبين تبينه * وبالسيف من يبغيه سوءا تبيره إلى أن علا هام الجبال مناره * وأشرق في كل الجهات منيره فمن جاء مغتالا فأنت تميته * ومن جاء ممتارا فأنت تميره
87 وأنت قسيم النار قسم تجيزه * عليها، وقسم من لظاها تجيره ولما استتم الدين أوفى نصابه * وشيدت مبانيه وأحكم سوره رقدت قرير العين لست بحافل * بحقد أخي حقد عليك يثيره ومثلك من إن تم للدين أمره * فما ضره ألا تتم أموره ولو شئت أثكلت العدو بنفسه * فأصبح يعلو ويله وثبوره ببأس يد لو صلت يوما بها على * ثبير إذا لاندك منها ثبيره ولكن رأيت الصبر أحجى ولم ينل * ثواب مقام الله إلا صبوره فديتك أدرك بالشفاعة مذنبا * إذا أنت لم تنصره عز نصيره ولايته إياك أقوى وسيلة * سيمحى بها تقصيره وقصوره وله أيضا في التشوق إلى النجف: يا أيها النجف الأعلى لك الشرف * ضمنت خير الورى يا أيها النجف فيك الإمام أمير المؤمنين ثوى * فالدر فيك وما في غيرك الصدف يا سائرين إلى أرض الغري ضحى * نشدتكم بأمير المؤمنين قفوا ما ضركم لو حملتم ما يبثكم * صب غريب كئيب هائم دنف وله مادحا: لما دعاك الله قدما لأن * تولد في البيت فلبيته جزيته بين قريش بأن * طهرت من أصنامهم بيته كما له في الغدير أيضا: أي عيد مثل هذا اليوم فينا * رضي الله به الإسلام دينا بلغ الهادي به ما أنزل * الله في شأن أمير المؤمنينا قائلا إن عليا وارثي * ووزيري وإمام المسلمينا
88 أيها الناس أطيعوا واسمعوا * إنني لست على الغيب ضنينا لست من تلقاء نفسي قلته * إنما أتبع الوحي المبينا فاستجابوا قوله الشافي الذي * هاج من بعضهم الداء الدفينا إن نوى أعداؤه العصيان * والغدر إنا قد أجبنا طائعينا إنه من ينقلب ليس يضر * الله شيئا وسيجزي الشاكرينا رضي الله عليا هاديا * بعد طه فسمعنا ورضينا هو حبل الله لم يختلف * الناس لو كانوا به معتصمينا قد أطعناه يقينا إنه * في غد من لهب النار يقينا ويمينا بهداه برة * تمنع المؤلي بها من أن يمينا لا نبالي بعد أن لذنا به * أن لقينا بولاه ما لقينا قد بدا الحق لنا فيه كما * لابن عمران بدا في طور سينا وصمونا فيه بالرفض وذو * الحلم لا يعنيه قول الجاهلينا عيرونا غير أن العارفينا * لم يروا من موضع للعارفينا أي عيب في الذي خاف من * اليم فاختار بأن يأوي السفينا من صبا للعاجل الفاني فإنا * نؤثر الباقي عليه ما بقينا بأبي من أظهر الحق وما * زال للهادي ظهيرا ومعينا ثم بعد المصطفى قد قاتل * الناكثين القاسطين المارقينا (1)
(1) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: ص 8 - 33. 89 مضر آل السيد سليمان (1319 ه - 1363 ه) السيد مضر بن مرزه بن عباس بن علي المعروف بالسيد علاوي بن حسين بن سليمان الكبير الحلي، شاعر خطيب، ولد في الحلة سنة 1319 ه / 1901 م. يمتاز شعره بالعذوبة، وكثير منه في رثاء أهل البيت (عليه السلام) ويغلب عليه الفخر والحماسة. توفي في القرية التي ولد فيها (الحصين) بالسكتة القلبية عام 1363 ه / 1944 م وحمل جثمانه إلى الحلة ومن ثم شيع إلى النجف الأشرف بما يليق بمكانته الأدبية. ومن قصيدة له يرثي بها أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) قوله: أبا حسن في فقدك اليوم أصبحت * ربوع الهدى والدين قفر الجوانب ومن بعدك الإسلام أكلة آكل * غدا لأعاديه ونهلة شارب وجار على أطرافه كل ظالم * وغار على أبياته كل ناهب فما زلت ترعاه بعين بصيرة * كما كنت تحميه بماضي المضارب لتبك اليتامى والأرامل مطعما * لها والندى والدين أصدق صاحب وتبك الجياد القب أعظم فارس * يقحمها في الروع من آل غالب وتبك غمار الحرب خواض بحرها * وتبك الظبا والسمر مردي الكتائب
90 فقد قوض المعروف وانطمس التقى * ولم يبق بحر للندى غير ناضب وبالأفق نادى جبرئيل تهدمت * قواعد أركان الهدى والمناقب (1)
(1) البابليات: 3 / ق 2 / 149. 91 مهدي القزويني (1307 ه - 1366 ه) السيد المهدي بن أبي الجواد هادي بن أبي الحسن ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني الكبير، عالم فاضل وشاعر أديب معروف. ولد في قضاء الهندية حوالي سنة 1307 ه / 1890 م، أرسله والده إلى النجف للدراسة قبل بلوغه العشرين، فحضر هناك دروس الإمام السيد محمد كاظم اليزدي الفقيه ثم حضر دروس العلامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء. وبعد وفاة والده وأخوين له يكبرانه، نهض المترجم بزعامة الأسرة القزوينية في الهندية أحسن نهوض. وكان مكثرا من النظم مجيدا، غزير العلم، أديبا واسع الاطلاع. توفي سنة 1366 ه / 1947 م وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير في النجف الأشرف. من أشهر شعره وأجوده قصيدة له يمدح فيها جده أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) يقول فيها: يا لائمي تجنبا التفنيدا * فلقد تجنبت الحسان الخودا لكنني أصبحت مشغوف الحشى * في حب آل محمد معمودا قوم أتى نص الكتاب بحبهم * فولاهم قد قارن التوحيدا فلقد عقدت ولأي فيهم معلنا * بولاء حيدرة فكنت سعيدا صنو النبي وصهره ووصيه * نصا بفرض ولائه مشهودا هو علة الإيجاد لولا شخصه * وعلاه ما كان الوجود وجودا
92 قد كان للروح الأمين معلما * لما تردد حائرا ترديدا هو ذلك الشبح الذي في صفحة * العرش استبان لآدم مرصودا هو جوهر النور الذي قد شامه * موسى بسينا فانثنى رعديدا ومذ انجلى بصر الخليل وشاهد * الملكوت كان بحزبه معدودا كم سر قدس غامض فيه انطوى * فلذاك فيه استيقنوا المعبودا هو واجب هو ممكن هو أول * هو آخر قد حير الموجودا يا جامع الأضداد في أوصافه * جلت صفاتك مبدأ ومعيدا لم يفرض الله الحجيج لبيته * لو لم تكن في بيته مولودا للأنبيا في السر كنت معاضدا * ومع النبي محمد مشهودا فلقتل جالوت وهتك جنوده * طالوت باسمك قد دعا داودا ولكم نصرت محمدا بمواطن * فيها يعاف الوالد المولودا من قد عتبة وابن ود ومرحبا * والعبدرين (1) وشيبة ووليدا ومن استهان قريش في بطحائها * وملكتهم - وهم الملوك - عبيدا من ذلل العرب التي لولاه ما * ذلت وما ألوت لملك جيدا من أبهر الأملاك في حملاته * ولمن تمدح جبرئيل نشيدا (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * إلا علي) حيث صاد الصيدا من راح يتلو في قريش براءة * وسواه عنها قد غدا مطرودا ومن اغتدى في فتح خيبر مقدما * وسواه كان الناكص الرعديدا ولكم كفى الله القتال بسيفه * الإسلام يوم الخندق المشهودا أردى بها عمرو بن ود بضربة * قد شيدت دين الهدى تشييدا
(1) العبدرين: مر التعريف بهم في ترجمة السيد جعفر الحلي. 93 أسنى من القمرين كان وإنما * عميت عيون معانديه جحودا نفسي الفداء له إماما صابرا * فقضى جميع حياته مجهودا في طاعة الرحمن أفنى عمره * بل لم يزل في ذاته مكدودا لم يلق من بعد النبي محمد * إلا الأذى والظلم والتنكيدا حتى إذا انبعث الشقي وقد حكى * بعظيم جرأته شقي ثمودا وافاه في المحراب صبحا ساجدا * ولكم أطال إلى الإله سجودا فاستل مرهفه وهد بحده * حصنا على دين الهدى محدودا فأصاب طلعته الشريفة خاضبا * منها كريمته دما خنديدا فهوى صريعا ثم صلى قائلا * قد فزت والله العظيم سعيدا أرداه والإيمان في محرابه * وأصاب من دين النبي وريدا في ليلة القدر التي قد شرفت * فيه خبا مصباحها الموقودا تتنزل الأملاك فيها كلهم * وعليه كان سلامها تعديدا جاءت تشيع جسمه وتعود في * النفس الزكية للإله صعودا يا ليلة نادى الأمين بفجرها * قتل الوصي أخو النبي شهيدا (قد هدمت والله أركان الهدى) * والعلم أمسى بابه مسدودا والصوم من حزن عليه وجوبه * من حيث كان بشهره مفقودا وأمض ما يشجي النبي وقوعه * وله المدامع خددت أخدودا فرح ابن آكلة الكبود بقتله * بشرا وأعلن في دمشق عيدا ذهب الذي أمسى شجى في حلقه * وقذى بعينيه فبات رغيدا لهفي لآل محمد من بعده * مدوا إلى سيف الضلال الجيدا (1)
(1) البابليات: 3 / ق 2 / 161. 94 محمد آل فرج الله (1300 ه - 1367 ه) الشيخ محمد ابن الشيخ جواد ابن الشيخ محمد آل الشيخ فرج الله الجزائري الربيعي الأسدي، المنتهي نسبه إلى العالم الورع التقي الشيخ فرج الله ابن الشيخ سليمان ابن مفتي الجزائر (جنوب العراق) الشيخ محمد بن الحارث ابن الأمير صالح أمير ربيعة الملحان. من أسرة علمية دينية معروفة، اتصفت بالتقوى والفضل في جل رجالها الماضين، والمترجم له هو والد المعاصر الحجة المجاهد الشيخ حسن فرج الله. ولد في ناحية من ضواحي القرنة تسمى (الشرش) عام 1300 ه / 1883 م، وأرسله والده الفاضل إلى النجف الأشرف فدرس على أيدي أساتذة منهم الشيخ جعفر السوداني ثم على علماء مشهورين آخرين مراحل دراسته الحوزوية المختلفة. وقد شهد له بالفقاهة أمثال الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء حيث تربطه به صلة وأخوة وثيقتان، وجرت بينهما أشعار ومراسلات. كان يتحلى بالصفات الكريمة والفضائل الحميدة، موهوبا بالحافظة وقوة الذاكرة، موفور الجلالة مهابا، خشنا في ذات الله، لا سيما بعد أن تفرغ للتبليغ والوعظ والقضاء بين الناس بصفته حاكما شرعيا. له بعض المؤلفات المخطوطة منها: مختصر التفسير ليوم الغدير، خير
95 الأنباء في فضل محمد على الأنبياء، النهضة في خطأ صاحب اليقظة، المنهاج في إثبات المعراج، رد على الشيخية، عصمة الأئمة، إضافة إلى ديوان شعره. توفي عام 1367 ه / 1948 م. وله من قصيدة: كم بت ليلي طموح الطرف لم أنم * أرعى الكواكب في داج من الظلم أبيت والوجد منه الشمل ملتئم * وشمل صبري أمسى غير ملتئم فكلما رمت كتم الحب فهن به * مدامع كانسكاب العارض السجم وهل أطيق لكتم الحب كيف وقد * لواعج الشوق أودت بي إلى العدم ما هاج وجدي شوق نحو كاظمة * ولا التصابي صبا بي نحو ذي إرم ولا الخليط غداة البين أزعجني * فزادني فوق وجدي وجد مصطلم لكن شجاني وأجرى الدمع نار أسى * شبت لها جذوات الحزن في خرم منازل لبني عدنان قد ضربت * قدما لهن ستور في شبا الخذم وقد أنيطت عليها من مهابتها * سرادق دون غبراها سما النجم كانت بحيث بها الأملاك عاكفة * كالبيت في غيره الحجاج لم تقم يا راكبا لسحوب في السرى غلسا * يسوقها لحثيث السير والجثم لم يعيها في السرى التعنيف إن وثبت * تطوي مباركها للبيد والأكم عرج على طور سينا والتثم كرما * لترب قبر إمام العرب والعجم وقل له إن تكن لم تدر ما صنعت * مي بأبناك أولي الطول والنعم فهاهم في الثرى صرعى جسومهم * ما بين منجدل دام ومصطلم وله من قصيدة: بت أهمي الدمع كالغيث انسجاما * لا أرى طيب الكرى إلا حراما
96 حتى قال: أيها الراكب كوما في السرى * تقطع البيد أكاما فأكاما عج بسينا طورها ملتثما * جدثا قد طاول النسر مقاما يا له من جدث زاك لقد * ضم في تربته ذاك الإماما واقتصد في السير واخضع خاشعا * لمقام بالتقى والبر قاما وله من قصيدة أخرى قوله: سرت غلسا ينجاب فيهن فدفد * نجائب في المسرى تغور وتنجد حتى قال: حماة نمتها للعلى أنفس العلا * فهم للعلى والمجد فرع ومحتد لهم من لوي في الورى السبق خلة * ومن أحمد إيمانه والتهجد ومن حيدر يوم الكريهة موقف * ومن فاطم العذراء قد طاب مولد فيا سائلي تعداد كل رزية * رويدك قل لي أي رزء أعدد أغصب ابنة الهادي النبي تراثها * وفيه بنص الوحي نص محمد لعمرك أم غصب الولي مقامه * وعن حقه ظلما يذاد ويجحد وقد أخرجوه من خباه ملببا * ومن خلفه الزهرا تقوم وتقعد أم ارداء أشقاها المرادي بسيفه * له وهو في محرابه يتهجد
97 جعفر النقدي (1303 ه - 1369 ه) الشيخ جعفر بن محمد النقدي، شاعر أديب خطيب فاضل. ولد في العمارة من أعمال الجنوب العراقي في العام 1303 ه / 1886 م وكان مولعا بالعلم والأدب وما إن أحس والده بذلك عنده حتى بادر إلى إرساله إلى النجف الأشرف حيث اختلف هناك على أرباب العلم ولم يمض زمان حتى اختص بالحضور في الفقه بالسيد اليزدي صاحب العروة، وفي الأصول بالملا كاظم الخراساني، وفي الحساب والهيئة وباقي الفنون بالشهرستاني. عمل في القضاء من العام 1337 ه / 1919 م، وحتى 1343 ه / 1924 م. ثم في مجلس التمييز الجعفري. مارس دور التبليغ في منطقته وكالة عن السيد اليزدي ثم السيد أبي الحسن الأصفهاني. وفي هذه الفترة كتب عدة مؤلفات قيمة. توفي في الكاظمية عام 1369 ه / 1949 م أثناء حضوره مجلس عزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) حيث اختنق بعبرته ومات في حسينية آل ياسين ودفن في النجف في الصحن الشريف بين مرقدي اليزدي والداماد. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) من قصيدة مطلعها: قم فاسقنيها وروحني من التعب * صهباء قد مزجت من ريقك العذب حتى قال:
98 من كف غانية في الحسن كاملة * بالدل قاتلة للواله السلب كأنما طرفها الفتان إن نظرت * سيف بكف أمير العجم والعرب أخي الرسول أبي السبطين حيدرة * زوج البتول كريم الأصل والنسب سر الإله الذي لولا بوارقه * لأصبح الدين منكوصا على عقب سهل الخليقة محمود الطريقة * معروف الحقيقة بين الشوس في الغضب ألباسم الثغر والأبطال عابسة * والثابت الجأش والفرسان في رهب مهزم الجمع جمع الكفر إذ هجموا * غداة بدر على الإسلام للغلب سقى شبا سيفه البتار شيبتها * وعتبة ووليدا أكؤس العطب ويوم أحد به كم فل من بطل * للمشركين وكم أردى على الكثب والقوم ما نظرت إلا أبا حسن * يدك هضب العدى أرسى من الهضب يذب عن أحمد أعداء ملته * حتى أتى لا فتى من واهب الرتب ويوم عمرو بن ود قام منتصرا * لدين أحمد دون القوم والصحب أصاب عمروا بسيف لو أصاب به * السبع السماوات لاندكت على الترب والفتح ما كان يوم الفتح غير على * يديه حيث سقاهم أكؤس العطب ويوم خيبر أردى مرحبا بشبا * عضب تعود أكل البيض واليلب دحا بباب لتلك الحصن قد عجزت * عن حملها كف آلاف من الغلب وفي حنين ويوم الرمل صب على * بني الغواية أمطارا من النوب فضائلا قد حوى من فضل خالقه * سوى نبي الهدى ما نالهن نبي الشمس لو ردها يوما فلا عجب * أو كلمته فما زادته في الرتب قل للذي حاد عن منهاج رتبته * نكصت عن ملة الهادي على عقب من كان أول من صلى لخالقه * والناس تسجد للأحجار والخشب
99 ومن رمى نفسه ليل المبيت على * فراش أحمد دون القوم والصحب ومن أباح له المختار مسجده * ومن أتى مدحه في أشرف الكتب ومن له الله فوق العرش قد عقد * الطهر البتول وأمسى صهر خير نبي ومن رقى من نبي الله غاربه * ونكس اللات من رأس على ذنب ومن بيوم (غدير الخم) قد عقدت * له الولاية في عجم وفي عرب ربيب خير الورى محيي شريعته * رب الهدى والندى والعلم والأدب لا تعجبوا إذ أتى في البيت مولده * فليس ذلك لا والله بالعجب لأن فوق الثرى من أجله رفع * البيت العتيق ومنه فاز في الرتب ماذا أقول بمن آيات مدحته * جاءت بها أنبياء الله في الكتب وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: بربا الحياء أضاء ورد خدودها * أهلا بهاتيك الربى وورودها لا زال فيك نسيب أشعاري وفي * مدح الوصي خصصت حسن نشيدها زوج البتول أخي الرسول ومن غدت * تهدى العقول به إلى معبودها معنى الهدى غيث الجدى ليث الردى * بحر الندى مفني العدى ومبيدها أفق الإمامة والنبوة فيه قد * زهرت كما زهرت ذرى توحيدها ماذا أقول بمن أتت في مدحه * سور الكتاب بعدها وعديدها ذي الصارم العضب الذي في جده * وقعت أعادي الدين في تنكيدها لولاه ما كانت قريش لأحمد * كلا ولا كان استقامة عودها في يوم بدركم ببدر جبينه * كشف الخطوب وفل جمع جنودها أردى عتيبتها وبيض سيوفه * شاقت لشبتها الردى ووليدها وغداة أحدكم دهى آحادها * بصواعق وألان بأس حديدها
100 وعلى حنين كم حنين قام في * جمع العدى من بأسه في بيدها وصبيحة الأحزاب حيث تحزبت * واستنهضت للحرب بعد رقودها أحصى فوارسها وأردى عمرها * وهوى بحد السيف نشر بنودها وله بيوم الفتح غر فعايل * زهرت وفيها اسود وجه حسودها نهضت صوارم عزمه فغدت بها * تلك الجحافل طعمة لحدودها يا صاحب النفس المقدسة التي * تأييد رب العرش في تأييدها يا من به دين النبي خيامه * ضربت وتم به قيام عمودها وله أيضا يمدح الإمام عليا (عليه السلام) من قصيدة مطلعها: هجروا وما من شأنهم أن يهجروا * يوما ولكن القضاء مقدر عطفا على قلب غدا في حبكم * رهنا وفي نار الأسى يتسعر يا قلب دع عنك الملاح وعج إلى * مدح الوصي فذا بشأنك أجدر المظهر التوحيد من لولاه ما * كانت محاريب ولم يك منبر والكاسر الأصنام من بيت به * كانت ولادته وثم المفخر والضارب الهام الذي شهدت له * بدر وأحزاب كذلك خيبر وحنين قام إلى السماء حنينها * لما دهاها والسلاسل تخبر والناكثون غدت بحد سيوفه * والقاسطون على الهداية تنحر والمارقون غدت على هاماتهم * سحب المنية من ظباه تمطر أفدي الذي تخشاه آساد الفلا * وتقوم باسم حسامه إذ تعثر تالله ما الإسلام كان مسلما * والدين لم يك في البرية يذكر لولا سنا قرضا به الماضي الشبا * يجلو الدياجي والسنان الأزهر سل عن علاه الذكر فهو مخبر * عنه وهل بعد الكتاب مخبر
101 وسل الأحاديث التي في فضله * أمست لها أيدي العدو تحرر أفهل نسوا ما أحمد قد قاله * بغدير خم أم عتوا واستكبروا يوم به جبريل جاء مخبرا * عن ربه وهو السميع المبصر يا أيها المختار بلغ في الفتى * الكرار ما قد كنت قبلا تستر فأقام في حر الظهيرة ماله * غير الحدائج ما هنالك منبر فرقى وكف المرتضى في كفه * وغدا ينادي والبرية حضر من كنت مولاه فهذا حيدر * مولاه والله المهيمن يأمر فهو المطاع لكم وخير رجالكم * فدعوا جميعا بالقبول وكبروا وله يمدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: حي بالرقمتين منهم ربوعا * قد سقته الدموع غيثا مريعا إلى أن يقول: وولائي لآل طه وإنشائي * بمدح الوصي نظما بديعا أقدم المؤمنين عهدا بدين * الله والعابد الإله رضيعا ألإمام الذي له ردت الشمس * وبانت بعد الغروب طلوعا قاتل المشركين من بمواضيه * غدا معطس الطغام جديعا ملجأ اللاجئين من بأياديه * أقام المحمول والموضوعا سيد الخاشعين من بمساعيه * له دانت الرقاب خشوعا سيد الساجدين من بعواليه * غدا الناس سجدا وركوعا مرشد الخاضعين من لمعاليه * لوت هامها الملوك خضوعا من غدا للعلوم كنزا وللإسلام * حرزا ولليتامى ربيعا وعلى الملحدين ليثا وللطالب * غيثا يهمي وروضا مريعا
102 ولدين الإله حصنا حصينا * وحمى شاهقا وسورا منيعا شاد صرح الهدى بقوة بأس * فيه ركن الضلال ماد وقوعا كيف يخفى فضل على أصله قد * فرع الله دينه تفريعا والنبي الهادي عن الله قد * بلغه في (غدير خم) مطيعا يوم ناداهم جهارا وقد نبه * فيه البصير عنه السميعا سل به * (هل أتى) * و * (إنا فتحنا) * * و * (المثاني) * به الكتاب جميعا واسأل المشركين أي همام * في ميادينها أباد الجموعا من سقى مرحب اليهود وعمروا * بكؤوس المنون سما نقيعا يا إمام الهدى ويا خير من في * الكفر قد حكم الحسام الصنيعا يا وجيها لدى الإله لقد جئتك * مستشفعا فكن لي شفيعا وعليك السلام ما أشرقت شمس * بأفق وما استنارت طلوعا وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) أيضا: ما للعقول إلى ثناك بلوغ * يا ليت شعري ما يقول بليغ في كل يوم من علاك سبيكة * تبدو فيأخذها الحجى ويصوغ ويقلد الدنيا بخير قلادة * زهراء ما لسوى المحب تسوغ أنى وخير المرسلين تقربا * من ربه بك زاده التبليغ تعس المداجي كيف يخفى مدحه * أضحى لها طول الزمان نبوغ أوصاف ذاتك للأسود موارد * ما للكلاب بوردهن ولوغ وله يمدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: أتراه يتخطى أم يحول * عن هوى الغيد بما قال العذول أم تراه يتسلى بعد ما * شفه الوجد وأبراه النحول
103 حتى قال: خل يا سعد أحاديث الهوى * واطرحها فلها شرح يطول وتمسك بمديح المرتضى * من به قد حارت العشر العقول أسد الله على أعدائه * من له طابت فروع وأصول مظهر الباري ومأوى علمه * والإمام الطاهر الطهر النبيل ملك يوم " غدير " عقد التاج * في مفرقه الرب الجليل ردت الشمس له مشرقة * بعد ما في الأفق وافاها الأفول والنبي المصطفى كان على * جاحديه بمواضيه يصول إن يكن فخر فهذا فخره * أو يكن مجد فذا المجد الأثيل شرف أضوء من شمس الضحى * أيساوي طلعة الشمس دليل شرف حتى الأعادي طأطأت * لعلى معناه لا قال وقيل شرف ألبسه الله على * من سواه البعض منه يستحيل هو سيف الله لا ينبو ولا * تعتريه في الملمات فلول من من الباري له قد عقدت * في السما خير النسا الطهر البتول من غدا مولده البيت ومن * كان طفلا من هدى الهادي ينول من على أعداء دين المصطفى * بيديه جرد السيف الصقيل من ببدر فرق الجمع ومن * بمواضي عزمه اندك الرعيل وحنين من بها عن أحمد * بظباه انكشف الخطب المهول من به الأحزاب غيظا نكصت * وتولى عمرها وهو جديل من غدت في خيبر أخباره * لذوي الإيمان ترويها العدول فتح الحصن وأردى مرحبا * بيد كادت بها الدنيا تزول
104 قلع الباب التي عن حملها * عجزت ألف من القوم الفحول من بيوم الفتح بالنصر له * شرف بان وفخر مستطيل وضع الأقدام في أكتاف من * نعله فخرا على العرش يطول نزه الكعبة عن أوثانها * وبدا للشرك إذ ذاك خمول يا أبا السبطين يا ليثا له * حجج الله على الخلق شبول يا إماما لم ينل من مدحه * الجوهر الفرد وإن قال قؤول وعليك الله صلى كلما * نال برا من أياديك منيل وله يتشوق إلى النجف ويمدح الإمام عليا (عليه السلام) من قصيدة مطلعها: جرت دموع المعنى من مآقيه * شوقا إلى النجف الأعلى ومن فيه وصدعت قلبه آلام فرقته * مقام قدس حباه الفخر باريه لدينه اختاره بيتا وعظمه * شأنا وشاد على التقوى مبانيه المجد يركع تعظيما بساحته * والفخر يسجد إجلالا بواديه أرض مقدسة لم يخش قاطنها * ريب الزمان فحامي الجار يحميه فدى لها نفس مشتاق بها كلف * يكاد يقضي أسى لولا أمانيه يا منزلا طال عهدي عن معاهدة * فبت أحيي الدجى شوقا أناجيه هويت ماءك وهو السلسبيل غدا * رحيقه لحريق القلب يطفيه هويت فيك مباني العلم مشرقة * منها تضئ على الدنيا معانيه هويت فيك كراما جل غايتهم * حماية الدين أو تأييد أهليه كأن أنفاسهم فيها قد امتزجت * أنفاس عيسى لميت القلب تحييه هويت فيك مقاما للوصي سما * أفق السماء بمن قد بات يحويه خير الورى بعد خير المرسلين ومن * لم يستقم دينه لولا مساعيه
105 كشاف كرب رسول الله ناصره * حامي حمى الدين فاني الكفر ماحيه كم موقف قد كفى الله القتال به * أهل الهدى إذ أباد الغي ماضيه رباه خير الورى طفلا فهل أحد * في الدهر يشبه من طه مربيه قالوا فضائله تحصى فقلت لهم * من ذا سوى الله رمل الأرض يحصيه إن ردت الشمس من بعد الغروب له * فليس ذاك عجيبا من معاليه هو الإمام الذي عقد الولاء جرى * يوم (الغدير) له من عند باريه يوم به جاء جبريل الأمين إلى * خير الورى عن إله العرش ينبيه يقول بلغ عن الله المهيمن في * علي المرتضى ما كنت تخفيه أولا فما أنت بلغت الرسالة * والجبار شخصك من أعداك يحميه (1) فقام في الناس والأحداج منبره * والمرتضى في ذرى الأحداج ثانيه في كفه كفه والقوم شاخصة * الأبصار تنظر شزرا من نواحيه نادى ألست بكم أولى من أنفسكم * قالوا بلى يا دليل الخير داعيه فقال من كنت مولاه وواليه * هذا علي له مولى وواليه اللهم والي من والى وعاد لمن * عاداه واخذل إلهي من يناويه (2) فبايعوه بأمر المصطفى وغدا * من بعد بيعته كل يهنيه فأنزل الله ذكرا ليس ينكره * في شأن حيدر إلا من يعاديه اليوم بالمرتضى أكملت دينكم * ونعمتي لكم أتممتها فيه
(1) الأصح أن يكون صدر البيت هكذا: أو لا فما أنت بلغت الرسالة وال... (2) الأصح أن يكون صدر البيت هكذا: لاهم وال لمن والى وعاد لمن 106 محمد السماوي (1292 ه - 1370 ه) الشيخ محمد بن طاهر بن حبيب بن حسين بن محسن بن تركي الفضلي السماوي، شاعر أديب وعالم وفاضل مؤلف. ولد في السماوة في سنة 1292 ه / 1875 م ونشأ بها على أبيه هاجر إلى النجف عام 1304 ه / 1887 م فأخذ المبادئ على بعض المشايخ منهم الشيخ حسن بن صاحب الجواهر ثم حضر على الفحول أمثال شيخ الشريعة والشيخ محمد طه نجف. أجازه السيد حسن الصدر والسيد محمد الهندي في الاجتهاد. رجع بعد ذلك إلى مسقط رأسه حيث بقي فيه حتى عام 1330 ه / 1912 م، عين بعدها عضوا في مجلس الولاية الخاص في بغداد خمس سنين، ثم ارتحل إلى النجف عند احتلال الإنجليز للعراق. اشتغل في أواخر العهد التركي وحتى سقوط بغداد كمحرر لجريدة الزوراء الرسمية الناطقة بالتركية والعربية لمدة سنتين. له مؤلفات بلغت سبعة وعشرين كتابا. توفي في النجف الأشرف في 1370 ه / 1950 م ودفن بها. وله في مدح الإمام علي (عليه السلام) قوله: أطلع بدرا على أراك * وماس منه على حنين * * *
107 غزال غزا فهيأ * له عدة الحروب محياه إذ تلألأ * سبى أوثق القلوب بفرع إذ تكفأ * رمى الشمس بالغروب ومعطف ناضر يحاكي * بمتنه الذابل الرديني حتى قال: ويا طائر الحشاشه * عزيز علي تفحص أترجو لك البشاشه * من العرض الذي نص فإن تبتغي الأراشه * فمن حبه تخلص لمدح مولى به فكاكي * من كل شئ وكل شين * * * علي العلي الممحض * من الخير خير رهط ومن بالفخار بيض * عناوين كل خط ورب الولا المفوض * بحل له وربط وفارج الهم في الضناك * من بدر أو أحد أو حنين * * * وصي النبي الأولى * به في جميع حكم ومن قال فيه قولا * علا في غدير خم ألا من أكون مولى * له فليك ابن عمي فضل بعض على تباك * وظل بعض قرير عين * * * تعاليت بالعلو * وخلفت كل غاية
108 فمن قال بالغلو * له من سناك آيه ومن له على الدنو * أحييك بالنهايه فإن هذا هو امتلاك * لا ذاهب التبر واللجين وله يرثي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): تذكر بالرمل جلاسه * فهاج التذكر وسواسه أيا وحشة ما وعاها امرؤ * وآنس في الدهر إيناسه تمثل ليلة غال الشقي * بها علم القسط قسطاسه أتاه وقد أشغلته الصلاة * وأهدأت النفس أنفاسه على حين قد عرجت روحه * ولم تودع الجسم حراسه فلو أنه داس ذاك العرين * بحيث يرى الليث من داسه لفر إلى الموت من نظرة * وألقى الحسام وأتراسه ولكنه جاءه ساجدا * وقد وهب الله إحساسه فقوى عزيمته واجترا * فشق بصارمه راسه وهد من الدين أركانه * وجذ من العدل أغراسه وغيض للعلم تياره * وأطفأ للحق نبراسه فمن للعلوم يرى فكره * ومن للحروب يرى باسه ومن لليتيم ومن للعديم * يبدد عن ذا وذا ياسه قضى المرتضى بعد ما قد قضى * ذمام القضا بالذي ساسه قضى حيدر العلم فالعالمون * أضاعوا الصواب بمن قاسه قضى سيد الناس بعد الرسول * وغادر في حيرة ناسه أعني على النوح يا صاحبي * فقد جاوز الحزن مقياسه
109 ألسنا فقدنا إمام الهدى * وبدر الفخار ومقباسه وله يمدح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): لمعان البرق إذا أومض * أمضى بحشاي ظبا أومض حتى قال: سودت صحائف أعمالي * وبمدح أبي حسن تبيض وحباه الأمر وولاه * فيمن يهواه ومن يبغض سيخاصم من عاداه غدا * بقوي خصام لم يدحض وبقول المولى فليرفع * والناصب ذلك فليخفض أمعز الدين براحته * البيضاء وصارمه الأبيض فأقام الهادي في (خم) * والجمع هنالك لم ينفض يدعو ويحرض لو عقلوا * ما كان دعاه لما حرض هذا مولاكم بيعته * حتم وولايته تفرض فتباسطت الأيمان له * وعلى يده كل يقبض
110 محسن الأمين (1282 ه - 1371 ه) السيد محسن الأمين العاملي، علم غني عن التعريف شهير بالعلم والفضل والأدب والتأليف والاصلاح، مرجع ديني، ولد في جنوب لبنان سنة 1282 ه / 1865 م من أسرة دينية علمية شريفة، وكانت علائم النبوغ والنشاط تلوح عليه منذ فتوته التي لاقى خلالها مصاعب ومتاعب خرج منها أصلب عودا، وخاض غمار الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية قبل هجرته إلى النجف الأشرف وبعد ذلك، وحين التحق بالحوزة العلمية رقى سلم دراساتها بكفاءة مشهودة عند علمائها ورجالها المبرزين، حتى استوى مرجعا دينيا، ثم قفل إلى الشام حيث أسس عدة مشاريع رائدة ونشر المذهب الشيعي وأعاد إليه الكثير من أبنائه الضائعين في غمار غيرهم، واشتهر بفكره الاصلاحي كما اشتهر بمؤلفاته القيمة العديدة ومن أبرزها موسوعته الكبيرة أعيان الشيعة وكتبه في الخطابة والأدب الحسينيين اللذين سعى إلى تجديدهما ورفدهما فهو أديب كبير وشاعر لغوي متضلع، إضافة إلى مساهماته في مجالات الفقه والأصول والتفسير والتاريخ وغير ذلك بما ترك ثروة معرفية طائلة، توفي (قدس سره) في بيروت سنة 1371 ه / 1951 م. وكتب السيد الأمين يرثي أمير المؤمنين عليا وولده الحسين (عليهما السلام) قصيدة مطلعها:
111 يا دار مي باللوى * حياك فيض الديم إلى أن يقول: يا لائمي في الحب لو * أنصفتني لم تلم ذق الهوى إن شئت أن * تلومني ثم لم ما إن صبا قلبي إلى * ظبي الحمى المنعم ولا شجاني شادن * بالعارض المنمنم ولا ذكرت جيرة * بانوا بذات السلم لكن لآل المصطفى * وجدي وطول ألمي آل الهدى آل التقى * آل العلى والهمم أمسى فؤادي لهم * كأنه في ضرم أما علي فله * في الفضل أسمى قدم كان من الهادي كمثل * ساعد ومعصم حل من العلياء في * أعلى الذرى والقمم وكم له مناقب * سمت مناط الأنجم تنبو عن الحصر ولا * تطاق عدا بفم قام به الدين ولو * لا سيفه لم يقم وقام دون المصطفى * بالصارم المصمم يجاهد الأعداء عن * جهادها لم يحجم يثبت في الشدات لم * يبرح ولم ينهزم يضرب هامات العدى * في كل يوم أيوم متن النبي قد رقى * يكسر كل صنم فهل علمت ما جرى * عليه أم لم تعلم
112 أخر عن مقامه * ظلما ولم يقدم غادره ابن ملجم * خضيب رأس بدم عممه بالسيف في * محرابه لم يرم عمم رأسا بسوى * الفخار لم يعمم من ضربة بسيفه * تبت يدا ابن ملجم فهد أركان العلى * بركنها المنهدم الله ماذا صنعت * كف القضاء المبرم أرداه في شهر الصيام * فاجر لم يصم أعمال كل الخلق * لولا حبه كالعدم واغتاله في مسجد * الله الشريف الأعظم سوف يعض في غد * بنانه من ندم حين يرى جزاءه * ولات حين مندم فيا لها مصيبة * أودت بكل مسلم جلت على كل الورى * من مفصح وأعجم وكل أملاك السما * من رزئها في مأتم بكى لها ما بين * أكناف منى وزمزم بكى لها البيت الحرام * وربوع الحرم عج لها الحجيج * بالنوح بكل موسم وأرغمت من العلا * الأنف الذي لم يرغم وأبدلت صبح الهدى * بليل غي مظلم يا عجبا للذئب قد * أودى بنفس الضيغم (1)
(1) الدر النضيد ص 318. 113 محمد آل نتيف (1315 ه - 1372 ه) الملا محمد علي بن ضيف بن مهدي بن رضوان بن أحمد بن علي بن مكي آل نتيف، خطيب شاعر، ولد في قرية من قرى القطيف / الحجاز عام 1315 ه / 1897 م، ونشأ نشأة دينية معروفة بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، معروفا بأعمال الخير والأخلاق الفاضلة حتى أصبح مثلا أعلى بين أخدانه، وساهم في شد الناس إلى الدين الحنيف والمثل العليا من خلال المنبر الحسيني الذي كان أحد خطبائه وشعرائه الناظمين بالفصحى والشعبية، وعاش منتقلا بين القطيف والبحرين حتى توفي في البحرين إذ كان يسكن هناك عام 1372 ه / 1952 م. وله من قصيدة في رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس يوم مضى عليك يعود * وقريب ما تدعيه بعيد حتى قال: كالدعي ابن ملجم حين أهوى * كفه إنه امرؤ لكنود شق بالسيف رأس من كان في الحر * ب كميا تفر منه الأسود فهوى قاطع الصلاة فكادت * تخسف الأرض والأنام رقود وادلهمت لما السميدع نادى * فزت والله حيث إني شهيد وعليه في أرضها الجن عجت * وبها كادت البسيط تميد والسماوات أهلها في ضجيج * فهبوط منها له وصعود سيما الروح خالع التاج يدعو * قتلوا من به استقام الوجود
114 هدموا للهدى العدى أي ركن * والتقى قد طوين منه البنود قتل المرتضى الإمام بسيف * من شقي قد أرضعته اليهود يا لها ساعة عليه استدارت * علويون بالنفوس تجود ضمه ابنه الزكي وكادت * تزهق الروح حين ضم العميد ودعاه يا قالع الباب لما * رد عنه جمع وأنت وحيد أنت نار الأعدا فمن لك أردى * قد شفى فيك ظالم وحسود أنت ممن يوري الحروب بعزم * وكفاح منه يشيب الوليد يا عديم المثيل ما كان ظني * بأسود الشرى تخون القرود فتحنت منه الضلوع وناداه * بصوت والروح منه تجود إنني غالب الألوف ولكن * المنايا سهامها لا تحيد فاحملوني من المصلى فإني * خلت روحي في جسمها لا تعود حملوه فما استقر فؤاد * من ذويه وشأنها التعديد لم يزل في فراشه يذكر * الله ولكن بسمه مجهود وهو يوصي بنيه إذ خمد الصوت * ووافاه يومه المحمود يا علي المقام بعدك ضاع * الدين والمجد والهدى والوفود إن دهري بالسعد مذ كنت حيا * ليس بعد الفراق دهر سعيد يا إمام الورى من القن نظم * بك يرجى أن يقبل الموجود أنشئت من محمد بن نتيف * ولما عنده سواك قصود ذخره حبك العظيم وإلا * فذنوب بها تضيق البيد فاشفعوا لي ووالدي وإخواني * جميعا فغيركم لا أريد وعليكم مني السلام مقيما * فالموالي أنتم ونحن العبيد
115 محمد هاشم عطية (... - 1373 ه) الأستاذ محمد بن هاشم بن عطية، أديب شاعر وكاتب مؤلف، ولد في مصر ونشأ بها وتلمذ على أدبائها وعلمائها، وتدرج في الدراسة الأكاديمية حتى تخرج في العربية وعلومها ومارس التدريس في مصر والبلاد العربية الأخرى، وفي العراق حيث كان أستاذ الأدب العربي بدار المعلمين العالية في بغداد لسنوات عديدة، وحيث شارك الوسط الأدبي العراقي ونشر بعض نتاجه في الصحف والمجلات، وزار النجف الأشرف والتقى أعضاء جمعية الرابطة الأدبية، توفي عام 1373 ه / 1952 م. وله في أمير المؤمنين وشبله سيد الشهداء (عليهما السلام): سما فوق مسرى النجم محتده الأسمى * وحير في آثاره النثر والنظما وأرمد أجفان العلا من طلابه * معاقد مجد توهن العزم والحزما وجارته هوج الريح تبغيه ضلة * فما أدركت شأوا ولا بلغت مرمى حسين ومن مثل الحسين وإنه * لمن نبعة الوحي المقدس إذ يسمى بناها فأعلى والسوابق ترتمي * بأبطال بدر دونها تعلك اللجما وصحبها هيجاء من حيث شمرت * فأنسى الجبان الحرب والبطل القدما فصار له ذاك الفخار الذي به * علت شوكة الاسلام دون الورى قدما ولم يخش يوم الغار إن أرصدوا له * على الحتف سيفا أو يرشوا له سهما
116 فقام وفي برديه أنوار غرة * يكاد لدى إشراقها يبصر الأعمى فلما رأوه عاينوا الموت جاثما * فطاروا شعاعا لم يجد لهم عزما وقالوا: علي سله الله صارما * ليوسع دار الكفر من بأسه هدما علي بناه الله أكرم ما بنى * وعلمه من فضله العلم والحلما حوى بالحسين الحمد والمجد والندى * ونور الهدى والبأس والجسد الضخما ولكن قوما تبر الله سعيهم * أرادوا به حربا وكان لهم سلما فاخفوا دبيب الكيد عنه وجردوا * كتائب تستسقي الدماء إذا تظمى وله في زيارته إلى النجف الأشرف قصيدة عنوانها " النجف الأغر " استهلها بقوله: أمن بغداد أزمعت الركابا * وخليت المنازل والصحابا حتى قال: فعد عن الصبا والغيد واطلب * إلى الأشياخ في النجف الرغابا ففي النجف الأغر أروم صدق * حلا صفو الزمان بها وطابا عشقت لهم - ولم أرهم - خلالا * تر الأحساب والكرم اللبابا متى ما تأت منتجعا حماهم * تربعت الأباطح والهضابا لقيت لديهم أهلي وساغت * إلى قلبي مودتهم شرابا وهل أنا إن أكن أنمى لمصر * لغير نجارهم أرضى انتسابا عجبت لمادح لهم بشعر * ولا يخشى لقائلهم معابا وإن ينظم وليدهم قريضا * أراك السحر والعجب العجابا غرائب منهم يطلعن نجدا * ويزحمن الكواكب والسحابا أولئك هم حماة الضاد تعزى * عروقهم لأكرمها نصابا
117 وأوفاها إذا حلفت بعهد * وأطولها إذا انتسبت رقابا وكيف وفيهم مثوى علي * بنوا من فوق مرقده قبابا وقدما كان للبطحاء شيخا * وكان لقبة الاسلام بابا نجي رسالة وخدين وحي * إذا ضلت حلومهم أصابا وما كأبي الحسين شهاب حرب * إذا الأستار أبرزت الكعابا وليس كمثله إن شئت هديا * ولا إن شئت في الأخرى ثوابا ولا كبنيه للدنيا حليا * ومرحمة إذا الحدثان نابا متى تحلل بساحتهم تجدها * فسيحات جوانبها رحابا وإن شيمت بوادقهم لغيث * تحدر من سحائبه وصابا هم خير الأئمة من قريش * وأذكاهم وأطهرهم اهابا حباهم ربهم حلما وعلما * ونزل في مديحهم الكتابا وحببهم إلى الثقلين طرا * وزادتهم لسدته اقترابا فمن يك سائلا عنهم فإني * أنبئه إذا احتكم الصوابا فلن تلقى لهم أبدا ضريبا * إذا الداعي لمركمة أهابا مصابيح على الأفواه تتلى * مدائحهم مرتلة عذابا وما دعي الإله بهم لأمر * تعذر نيله إلا استجابا
118 عبد الحسين الأزري (1298 ه - 1374 ه) الحاج عبد الحسين بن يوسف بن محمد الأزري الحضيري التميمي، شاعر فاضل، ولد في بغداد عام 1298 ه / 1880 م من أسرة وجاهة وتجارة وأدب، نال قسطا من التعليم على مشايخ الأدب في مدارس بغداد ومحافلها فأثر ذلك فيه وأغنى شعره الذي طرق فيه مختلف الظواهر الاجتماعية والأحداث السياسية، والأزري إلى جانب ذلك محدث بارع لبق ظريف، لغوي مؤرخ، يعد من شعراء الطليعة في الأدب العراقي، توفي عام 1374 ه / 1954 م. ومن شعره همزيته العلوية في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) مطلعها: أنت والحق في العلو سواء * ليس إلاك رمزه الوضاء ويقول فيها: تتغنى الحياة باسمك في * الدنيا وتشدو كأنها الورقاء وتمر الأجيال تلثم مثواك * وتمضي كأنها النزلاء أكبرتك العقول فالبعض منها * ضل لو لم يدركه منك اهتداء ومضى البعض في عماه بعيدا * والعمى في القلوب داء عياء زمرة صورتك ربا وأخرى * أوقعتها بحربك البغضاء ما استطاعوا أن يفهموك كأن * القوم أرض وأنت فيهم سماء هم بواد وكنت عنهم بواد * فلهذا تعذر الالتقاء
119 لم يعيروا لبيناتك سمعا * أين من مسمع الأصم الدعاء خطبا دون محكم الذكر شأوا * قصرت عن بلوغها البلغاء كلها حكمة ونهج قويم * ودليل وبلسم وشفاء كنت منهم كالقلب من كل جسم * فيه تحيا وتنشط الأعضاء فأضاعتك مثلما قد أضيعت * وسط القفر واحة خضراء رمت نهجا لها سويا ولكن * وقفت دون رشدها الأهواء أيها الزاهد الذي لم يعقه * الزهد أيان تدعه الهيجاء عصمتك التقوى وقد كنت تدري * كيف يستخدم العقول الدهاء لكن الحق ماله غير لون * وبقايا الألوان منه طلاء فلذا لم يدع إليك صديقا * ما لحق صداقة أو إخاء لم تفارقه ما حييت إلى أن * فقدتك الشريعة السمحاء ما الذي أورد الشام عقيلا * وذووها لهاشم أعداء؟ كان يرجو الرخاء مثل سواه * فكأن الخلافة الاثراء كنت كفؤا لها بحكم * المقاييس ففيهن يعرف الأكفاء رجعت ثيبا إليك وكانت * تتمنى لو أنها عذراء أنت في الواقع الوصي وإن لم * يرع للعهد ذمة ووفاء علم الله أنك الحكم العدل * فلا شدة ولا إغضاء تخصف النعل في يديك وكانت * لك تجبى بأمرك الأفياء قمت في خصفه وأنت أمير * كان بالفضل دونك الأمراء غير أن الدنيا لديك إذا لم * تبسط العدل والنعال سواء وإذا الظلم ساد في الأرض يوما * فعلى هذه الحياة العفاء
120 وثلاثا طلقت دنياك حتى * يتأسى بعيشك الفقراء إيه يا موقف الغدير بخم * عجبا كيف ضاع ذاك النداء كان ذكرى يوم ترجاه عيدا * كل مستضعف فخاب الرجاء يوم نادت شريعة الله فيه * ليس إلا للعادلين الولاء وإذا معشر من الناس ساوى * العدل ما بينهم فهم سعداء ليت شعري هل عقدة العدل تبقى * أبدا لن تحلها الآناء شأنها شأن ما مضى من قرون * أرهق الظلم أهلها والشقاء لقريش عند النبي ترات * فلذا اقتص منكم الغرماء من سواكم ينوب عنه وأنتم * بعده أهل بيته الورثاء أنت وابناك آله وهما سبطاه * كانا وبنته الزهراء أولم ترجعوا الأمانات عنه * لذويهن أيها الأمناء * * * بأبي أنت من شجاع حيي * ومن الخلق في الشجاع الحياء علم الناس يوم صفين عمرو * كيف ينجو من سيفك السفهاء فتحاشى لقاءك القرم علما * أن سيقضي عليه ذاك اللقاء ملا الرعب منه كل جنان * مثلما يملأ الفراغ الهواء تتراءى له - وإن لحت فردا - * أنك الجيش زاحف واللواء لك من نفسه معين عليه * وكذا الضعف في النفوس بلاء كيف ينسى مواقفا باهرات * لك كانت بها اليد البيضاء يوم دانت في حرب بدر وأحد * وسواها لسيفك الكبرياء لو فدتك الدنيا بما في يديها * ووقتك الردى لهان الفداء
121 فقد المسلمون عدلك لما * غبت عنهم واستيأس الضعفاء لست إلا ضحية العدل في * الإسلام والعدل أهله الشهداء تلك كانت شهادة أعقبتها * في فم الدهر ندبة ورثاء هكذا تقصف الصواعق أعلى * كل طود وتسلم البطحاء لا عزاء للناس بعدك لولا * حكمة الله للنفوس العزاء إلى أن يقول في خاتمتها: يا أبا النيرين حسبي اعتذارا * أنني (واصل) ومدحك (راء) إن لله فيك سرا خفيا * ليس يسطيع كشفه الشعراء غير أني فراشة في ثنائي * ومزاياك روضة غناء * * *
122 محمد جواد مطر (1299 ه - 1375 ه) الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن آل الشيخ مطر النجفي عالم وباحث وشاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1299 ه / 1881 م ونشأ بها على أبيه. قرأ المقدمات عند أساتذة بارزين، ثم حضر حلقات الأعلام كالشيخ ملا كاظم الخراساني في الأصول والشيخ المازندراني في الفقه والأصول. وقد أجازه الأول وأثنى عليه، ألف عدة كتب هامة إضافة إلى ديوان شعره. توفي في العام 1375 ه / 1955 م. وله من قصيدة مطلعها: قلبي لودادك حين هوى * من بعدك بات بلا سلوى حتى قال: لما بالصد تمنع عن * وصلي وتحجب بالرضوي أمسيت طريدا لست أرى * لي غير أبي حسن مأوى هو قطب الحرب يدير الضرب * ويجلو الكرب به يؤوى لجم الأفراس بيوم الباس * لدى الإبلاس به تلوى فهو المقدام بيوم الروع * ويوم النسك وبالتقوى وسواه غدا بشقا أبدا * وعمى ببصيرته أغوى هو حيدرة أرجو بولائه * يوم الخوف ولا أهوى
123 فبيوم الحشر شفاعته * وبه من والاه يقوى وبنار لظى من عاداه * جنباه وجبهته تكوى من يشفع غير أبي حسن * إذ لا لسواه بذا فحوى بفوائده وعوائده * وموائده نفسي تقوى وهو الساقي في الحوض لذا * قلبي من كوثره يروى
124 قاسم محيي الدين (1314 ه - 1376 ه) الشيخ قاسم بن حسن بن موسى، يتصل نسبه بمحيي الدين، فاضل شاعر. ولد في النجف وتوفي والده وعمره سنة واحدة، فكفله جده، وبعده خاله. قرأ المقدمات على أفاضل عصره والعروض على السيد رضا الهندي، ثم حضر حلقات المشاهير في الفقه، والأصول كالسيد أبي الحسن الأصفهاني والشيخ أغا ضياء العراقي. سافر إلى سورية ولبنان عام 1353 ه / 1934 م، والتقى هناك بأعلام من أقربائه ومن أسر: آل الزين، وآل شرف الدين، وآل الفقيه، وآل الحر، وآل عسيران، وآل الأمين، والتقى مع علماء الثالوث وكانت له معهم مناظرات وظهر عليهم بها، وكان له هناك كل نهار وكل ليلة مجلس يغص بفضلاء أهل العلم فتدور فيه شتى مد أولات المعرفة، ترك عدة مؤلفات قيمة. توفي عام 1376 ه / 1956 م. وله قصيدة مطلعها: لشقيق الخد سرى أرج * مذ فاح به ارتاحت مهج إلى أن يقول: عطفا فلقد لهج العذال * بعذلي فيك وما فلجوا
125 أذني عنهم صما وفمي * بثناء أبي حسن لهج هو معتصمي في الدين وفي * الدنيا ولضائقتي فرج نورا قد كان ولا شمس * تبدو في الأفق ولا برج أدهشت الجيش برد الشمس * بحيث مسيرهم دلج ولقد أودعت علوم الغيب * فواضح نهجك قد نهجوا فجهابذة الأحبار نهى * درسوا عرفانك وانتهجوا كلوا عن درك حقيقتك * العليا وبجهلهم اعتلجوا أوضحت صراط الدين فدين * الله بنورك منبلج لا غرو إذا الأملاك رأوا * تاجا نعليك به ابتهجوا يا نفس محمد قبل الكون * فلا إيجاد ولا بلج فاسأل سور الفرقان فكم * فيها نص بك ينبلج لولائك عندي عقد لا * شبه تنفيه ولا حجج وله قصيدة مطلعها: في فيه جرى ماء الكوثر * فشكوت له العطش الأكبر حتى قال: (قد قال لراشف مبسمه) * " إنا أعطيناك الكوثر " لذوي الألباب بطلعته * وبناصع غرته حير والعابد يسجد إن يره * ومن الإكبار له كبر لم يعرف فيه سوى العرفا * ن ولم ينسب فيه المنكر بالله عليك فلا تحرق * من ود أبا حسن حيدر أقسمت بأني قد محضت * الحب له حتى أقبر
126 فببهجة حسن بهاء سناء * ضياء أبي حسن أفخر وبأيسر وصف منال كمال * جلال مديحك لا أقدر أنى للناقد أن يبدي * معنى في وصف أبي شبر آيات معاليك الإعجاز * وساطع شأنك لا ينكر وتضيق عن الإحصار مناقب * مجد جلالك أن تحصر إذ أنت قسيم الجنة * والنيران غدا يوم المحشر وعقيد الحق وساقي الخلق * بما قد ساغ من الكوثر قد آثره طاها بالعلم * وبالأسرار له استأثر ودعاه أميرا دون الصحب * فمنكر ذلك لا يعذر فابصر آيات فضائله * فيها الإقناع لمن أبصر من غيرك نار مهنده * بقلوب أعاديه تسعر من صب الحتف على الأبطال * وجمع كتائبهم دمر من سد حصون الشرك بما * قد بدد من هام تنثر آمنت بحيدر مولى الخلق * على رغم لمن استكبر ورفضت لأجلك كل عداك * وإن كانت كل المحشر فارحم من هام بحبك يا * مولاي وللشكوى أظهر فالعفو لمن قد ساء أيا * مولاي من المولى أجدر
127 عبد الحسين القرملي (1303 ه - 1381 ه) الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد الشهير بالقرملي، فاضل شاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1303 ه / 1886 م وترعرع فيها فدرس مقدمات العلوم على فضلاء عصره، ثم نهل من نمير الأعلام كالشيخ حسن الخاقاني، والشيخ محمد حسن المظفر، والسيد علي نجل صاحب العروة، والشيخ أحمد كاشف الغطاء، والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، والشيخ جعفر آل راضي. كان كثير التجوال واسع العلاقات بالوجهاء والرؤساء وكان يتردد على خوزستان فتعرف على كثير من شخصياتها. له كتب كثيرة مخطوطة. توفي عام 1381 ه / 1961 م. وله في يوم الغدير، وقد قالها عام 1359 ه قوله: عيد الغدير وهو باسم الأمل * أمضى على الشانئ من حد الأسل عدتك يا عيد الغدير نكبة * أحدث في الأيام وقعها خلل طلعت في أفق العلى بدر هدى * تدعو الملا إلى علي خير العمل جلت معانيك وجل يومك * الزاكي وجل من بيومك احتفل نصك بالأمر جلي فعلى * ماذا أرى الشانئ يكثر الجدل نص عن الرسول عن جبريل عن * لوح القضا عن بارئي عز وجل
128 * (اليوم أكملت لكم) * حلى بها * عين الهدى ومن رآى بها اعتدل * (يا أيها الرسول بلغ) * آية * صريحة المعنى لمن فيها استدل من أخطأ الرشد بها فحظه * أخطأ واجتهاده كان خطل من خالف التصريح في التنزيل في * فضل علي فهو أخزى وأضل يا منكرا (خما) وفضله فقد * أنكرت حقا ثابتا من الأزل فحجة الوداع من يخطب في * تلك الجماهير وفي (خم) نزل من صعد المنبر أوصاهم بمن * دين الهدى وهو صبي انتحل يا أيها الناس فإني ناصب * فيكم إماما وهو أسماكم محل هذا علي وهو كالشمس لكم * والحق معه دائر أنى انتقل هذا إمام فيكم والأمر من * باري الورى ومن أبى فما امتثل من كنت مولاه فهذا حيدر * مولى له في حله والمرتحل فوالذي كونه كان هبا * دون ولاء حيدر كل عمل فواله اللهم بارئ الورى * ووال من والاه واخذل من خذل فازدحم الناس يصارحونه * بخ بخ لا نرتضي عنك بدل أنت لنا بعد النبي المصطفى * دليلنا الهادي ونور للمقل فسر بنا إلى العلى مؤيدا * شعارنا (حي على خير العمل) لا عشت في معضلة ليس لها * شخصك يا بن السادة الغر الأول هل نقموا من المولى وهل * جاء ببدع في الورى أم هل وهل (1) هل غير السنة أم بدل في * الكتاب - كلا - أم قضى وما عدل فيا لها فيالقا فرقها * أجل وفي الصارم محتوم الأجل
(1) صدر البيت مضطرب الوزن. 129 عبد الكريم الجزائري (1289 ه - 1382 ه) الحجة الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ علي ابن الشيخ كاظم بن جعفر بن حسين بن محمد ابن الشيخ أحمد الجزائري الكبير صاحب آيات الأحكام، علامة مرجع مجاهد ومؤلف أديب. أسرته علمية عريقة تتصل ببني أسد. ولد في النجف الأشرف سنة 1289 ه / 1872 م، وقرأ مقدمات العلوم على يد أساتذة الفن ومجتهدي الشيعة كالشيخ حسن بن صاحب الجواهر، وحضر حلقة الشيخ محمد طه نجف فقها وتردد على حلقة شيخ الشريعة وقد أجازه كلهم واعترفوا ببلوغه مقام الزعامة العامة. بدأ يدرس خارجا وكان يحضر عنده نخبة من الأفاضل وتخرج عليه العشرات من العلماء الذين نال أكثرهم المكانة اللائقة. وهو زعيم نهض بأعباء المرجعية والزعامة لأكثر من ثلاثين سنة، وقد جاهد الإنجليز وطاردهم في جبهة الحويزة، وهو باذر بذرة الحكومة العراقية. كان المستشار الأول للسيد الإمام أبي الحسن الإصفهاني والعماد الأقوم لزعامته وكان ملك العراق فيصل الأول يحتفي برأيه ويبادله المشورة ويحترم رأيه. وكان متفتق الذهن متفتح الرأي. له مؤلفات عدة منها: حاشيتان وافيتان على المكاسب وعلى الرياض
130 وشرحان على مباحث القطع والظن من الرسائل وعلى العروة الوثقى الذي لم يتم. توفي عام 1382 ه / 1962 م. وله مؤرخا عام صنع باب المراد لرواق الإمام علي (عليه السلام) وذلك 1343 ه وقد كتب على الباب قوله: قف بباب المراد باب علي * تلق للأجر فيه فتحا مبينا واخلع النعل عنده باحترام * فهو بالفضل دونه طور سينا واطلب الإذن وانح نحو ضريح * فيه أضحى سر الإله دفينا قد لجأنا بحب من حل فيه * ويقينا من العذاب يقينا يا إمام الهدى ببابك لذنا * من ذنوب أبكين منا العيونا لك جئنا فاشفع لنا وأجرنا * يوم لا مال نافع أو بنونا فتح الله للورى بعلي * باب خير يأتونه أجمعينا قل لقصاد بابه أدخلوه * بسلام لكم به آمنينا فهو باب به الرجا أرخوه * (ذاك باب المراد للزائرينا)
131 مهدي صحين (1296 ه - 1382 ه) أبو صالح بن صحن بن عبد علي بن زامل بن جنزيل يتصل نسبه إلى رطان المعروف بصحين، فاضل شاعر. ولد في العمارة عام 1296 ه / 1875 م وترعرع بها، وقتل والده وعمره سبع سنين فكفله بعض أعمامه، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره، هاجر إلى النجف الأشرف حيث نزل مدرسة المعتمد المعروفة بمدرسة كاشف الغطاء. قرأ المقدمات على الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد. وبعد ذلك توجه إلى الحويزة واتصل بزعمائها، فكان من أمره أن أصبح دائم التردد على الحويزة وعشيرته في العمارة، ألف عدة كتب. توفي عام 1382 ه / 1962 م. وله في مدح الإمام علي (عليه السلام) قوله: يا من يروم بيان نعت المرتضى * فالله شرفه بخير صفات فهو الخليفة لا برأي أو هوى * بل بالصحاح ومعظم الآيات آي الغدير بحقه قد أنزلت * والنجم يتلو خطبة السمرات وله المبيت وفيه باهل معلنا * خير الورى وبأشرف السادات أي الصحابة قد تصدق ناسكا * قبل الجميع بخاتم الصدقات بصلاته وصلاته متنسكا * لم يشتغل عن خالق النسمات
132 وله من قصيدة يمدح بها الإمام وآله: أوصى النبي المصطفى أصحابه * نصا بحفظ الآل والقرآن هذا علي المرتضى في حبه * حبي وفي عدوانه عدواني فيه النجاة من الهلاك فمن أتى * منه بصك فهو خير أمان وأتى حديث الثقل فيه كما أتى * فيه حديث الطير في العنوان
133 أحمد الجزائري (1342 ه - 1382 ه) الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الكريم الجزائري، فاضل شاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1342 ه / 1923 م وترعرع فيها برعاية والده الذي يعد أحد زعماء الدين وقتها، فاعتنى به أشد العناية ورعاه حق الرعاية، أخذ المقدمات على عمه الشيخ محمد الجواد. شعره نابض بالحماسة للعرب والعروبة وفلسطين. توفي عام 1382 ه / 1962 م. وله من قصيدة في الغدير: عيد الغدير تخط الدهر مزدانا * واسحب على هامة الجوزاء أردانا تفنى العصور ولا زالت مخلدة * ذكراك توحي لقلب الحر إيمانا حتى قال: هذا الحجيج وقد أنهى مناسكه * وودع البيت أشياخا وشبانا داعي العقيدة يحدو في ركائبهم * نحو الغدير زرافات ووحدانا ليشهدوا موقفا ما كان أعظمه * به أتم رسول الله نعمانا
134 ويا له موقفا قام النبي به * على الحدوج خطيبا حيث أوصانا هذا وزيري من بعدي فلا تهنوا * عن نصره إن من والاه والانا هذا الذي شيد الإسلام صارمه * وهد للكفر أركانا فأركانا هذا علي ولي الله بينكم * عانى لإعلاء صرح الدين ما عانى هذا هو الفارس الكرار حيدرة * وأول القوم إسلاما وإيمانا بذي الفقار تحدى الشرك فانطمست * آثاره الشم أنصابا وأوثانا وكم جلا الكرب عن وجهي بمعترك * لله من كاشف للكرب إن رانا هذا العلي وأنعم في ولايته * منجاة من لم يجد للذنب غفرانا فحبه جنة لا در دركم * إن لم تدينوا به سرا وإعلانا إيه أبا حسن هلا تطل على * دنيا العروبة نبراسا وبرهانا ثم اتبع منشدا:
135 (إنا إذا لم نذد عما نقدسه) * فلنبك مجدا أضعناه وسلطانا يا مصدر الوحي والإلهام معذرة * إن لم تجدني جزيل اللفظ فتانا فلست أدرك من علياك ناحية * ولو أكن بفصيح القول حسانا (1) هذي عصارة قلب رحت أصهره * في بوتقات تحيل الصخر دخانا أذبت قلبي حبا في ولايتكم * ولست أطلب إلا العفو إحسانا
(1) الأصح أن يقول: ولم أكن، فإن " لو " ليست جازمة. 136 محمد رضا الغراوي (1303 ه - 1385 ه) الشيخ محمد رضا بن القاسم بن محمد بن ناصر بن قاسم بن محمد الغراوي، علامة جليل وأديب مؤلف. ولد سنة 1303 ه / 1886 م في قرية ميامين في طريق خراسان عند ذهاب والديه لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، وبعد رجوعهم إلى النجف توفي والده وهو في الخامسة من عمره فكفلته والدته، وكان ميرزا حسن الشيرازي يتعهده لمدة ثلاث سنوات حتى وفاته، فأخذت أمه ترعاه فدرس على جملة من العلماء منهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والملا كاظم الخراساني والشيخ محمد الحسين الأصفهاني وغيرهم كثيرون. كان روحيا من طراز السلف الصالح، صابرا مستهدف العقيدة بأسلوب بين المنطق والعاطفة. أسند إليه السيد أبو الحسن الأصفهاني في العام 1352 التمثيل الديني عنه في أبي الخصيب في البصرة. وبعد فتنة العرب والعجم عام 1354 آثر الرجوع إلى النجف. توفي عام 1385 ه / 1965 م. له مؤلفات عدة تنوف على الستين كتابا. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: طوبى فطوبى تدلت وسط منزله * فالمؤمنون جميعا ظلهم فيها
137 خير البرية قد أضحى وشيعته * غر محجلة مهما توافيها أخو النبي وحاميه وناصره * وجنة كان يوم الروع يؤويها والشمس بعد دخول الليل راجعة * تقري السلام عليه وهو يقريها مؤذن بربي الأعراف يعرفه * قوم فيغدو من السلسال يسقيها يدري ويعلم في طرق السماء كما * طرق الأراضين طرا كان يدريها تخشى المنية أن تغدو مبارزة * عند النزال له كي لا يرديها هذا هو البعض من أفضاله فأبن * شخصا سواه لهذي كان يحويها والعقل دل على تفضيله ومتى * شئت النصوص فجل القوم ترويها واقرأ * (تعالوا، وقل لا، والنبأ، وأتى * والعاديات) * ومن للنفس يشريها وسورة * (النجم والنجوى وغاشية * والمرسلات) * وآيا لست أحصيها تنبيك قد جعل الأعلى إمامته * يوم القيامة ناج من يؤديها وكيف تحرق نفس في لهيب لظى * ودر ضرع الولا حبا يغذيها هو الإمام الذي ترجو بطاعته * كل البرايا الرضا من عند باريها له الفضائل مثل الشهب في عدد * وهل لشهب السما عد فنحصيها مقدس النفس عن غير يغايرها * وأين غير من الأغيار يحكيها رامت جميع أولي الأفهام تدركه * ذاتا وغامضها لا زال يعييها وكيف تدرك ذاتا ليس يعلمها * معنى سوى الله باريها ومنشيها ذات بأوصافه الرحمن يوصفها * وفي أعز أساميه يسميها
138 محمد علي اليعقوبي (1313 ه - 1385 ه) محمد علي ابن الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر اليعقوبي، خطيب عالم، وأديب شاعر مؤلف، ولد في العام 1313 ه / 1896 م. نشأ في الحلة فترة فتوته وفيها تعلم القرآن الكريم قراءة وكتابة. رباه والده على حفظ الشعر وعلمه التراجم وعلوم العربية حتى عرف بفضله. اتصل بالسيد محمد القزويني فأولاه عنايته وأفاض عليه من أدبه وعلمه وثقافته. قفل إلى النجف الأشرف ونهل من علومها الثرة فبرز فيها كخطيب بارع شهير متضلع في علوم شتى، وكانت معارفه موسوعية. وقد شارك في مختلف الفعاليات الثقافية والنشاطات الأدبية، فكان بحق جذوة لم تخمد. رأس جمعية الرابطة الأدبية، إضافة إلى ريادته للمنبر الحسيني، توفي في العام 1385 ه / 1965 م، فأبنه رجال العلم والأدب والثقافة بما هو أهل له من التكريم. وله من قصيدة " وليد البيت الحرام " قوله: قمر بدا من أفق مكة يشرق * فأضاء مغربها به والمشرق وتهلل البيت الحرام بطلعة * منها يلوح سنا الهدى يتألق لو أن بدر الأفق حاز ضياءها * ما كان يخسف نوره أو يمحق هو شعلة الحق التي لما بدت * لم تبق هيكل باطل لا يزهق وضعته وسط البيت أم لم تزل * تقتات من ثمر الجنان وترزق
139 وتفاوحت أرجاء مكة مذ غدا * نشر الإمامة من علي يعبق ملك حباه الله تاج كرامة * فيه أضاء من العوالم مفرق مفتاح حكمته وباب مدينة * العلم التي أبوابها لا تغلق يا طيب مولده الأغر فطالما * كان النبي ليومه يتشوق ليكون أول مؤمن ومصدق * في حيث عز مؤازر ومصدق فاستعصم الاسلام منه بذروة * ينحط عنها (مارد) و (الأبلق) وكفاه عن كل المواقف دونه * (بدر) و (أحد) بعدها و (الخندق) هيهات يلحق سابق عن شأوه * ينحط طير الفكر وهو محلق يا من إذا جرت الرجال بحلبة * للفضل كان مجليا لا يلحق وإذا البليغ أراد عد صفاته * ذهل الحجى منه وحار المنطق جلت صفاتك لم ينلها واصف * كالشهب تبدو في السماء وترمق وعلوت من كتف النبي بمكة * شأوا يزل الفكر عنه ويزلق فحطمت أصنام العدا من بعد ما * كانت على البيت الحرام تعلق لله سيفك حارسا دين الهدى * فكأنه سور عليه وخندق جاهدت للتوحيد حتى لم تدع * للمشركين لواء عز يخفق سمعا أبا الحسنين شكوى مالها * مصغ سواك إذا الحوادث تطرق من واجد ذابت حشاشته دما * فغدت على آماقه تترقق دين أقمت بذي الفقار حدوده * أضحى يحيط به البلاء المحدق عاثت يد المستعمرين بأهله * من بعد وحدة صفهم فتفرقوا فأمنن أبا حسن علي بعطفة * يمنى يسر بها الفؤاد الشيق أولست مذ سبعين عاما قد مضت * ما زلت رقكم الذي لا يعتق
140 عجبا يخاف عذاب نار جهنم * من عوده في ماء حبك مورق حتى م يشكو في النهار من الضنى * جسدي وطرفي في الظلام مؤرق أأروم اشفاق الأنام وعطفهم * ولأنت أعطفهم علي وأشفق إنا ذلك المأسور في قيد الضنى * فمتى أفك على يديك وأطلق فاعطف علي بنظرة متصدقا * أولست أنت الراكع المتصدق
141 موسى دعيبل (1297 ه - 1387 ه) الشيخ موسى ابن الشيخ عمران ابن الحاج أحمد بن محسن الخفاجي الشهير ب " دعيبل "، عالم وفقيه وأديب. ولد في النجف سنة 1297 ه / 1880 م وترعرع بها حيث عني به أبوه الذي كان يعد من فقهاء عصره. درس المقدمات على بعض فضلاء ذلك العصر أمثال السيد محسن الأمين، ثم اتصل بفريق من مراجع الدين آنذاك أمثال السيد اليزدي، والشيخ أحمد كاشف الغطاء، له حواش كثيرة على كتب الدرس، وشعر كثير، وشعره رقيق الحاشية. توفي في العام 1387 ه / 1967 م. وله في ذكرى يوم الغدير قوله: أرى في الحمى برق السرور تألقا * وبدر هدى الإسلام في الأفق أشرقا وأجفان عين المؤمنين قريرة * ودمع جفون الناصبين تدفقا بيوم به أهل الولاء تباشروا * لنصب إمام نوره الكون طبقا وجاء به اليوم أكملت دينكم * وأتممت نعمائي فويل لمن شقى وبلغ جهارا في (علي) رسالتي * ويعصمك الرحمن ممن تزندقا فنادى منادي المصطفى باجتماعهم * وكان إذا حر الظهيرة محرقا
142 وقال ألا من كنت مولاه منكم * فهذا علي الفخر مولاه مطلقا ومن قد غدا ميلاده وهو معجز * بأكرم بيت كان من قبل مغلقا ومن خصه الرحمن بالطهر فاطم * ولولاه ما قد كان للطهر أليقا أخا المصطفى ما خنته يوم مشهد * غداة له أعطيت عهدا وموثقا
143 علي البازي (1305 ه - 1387 ه) الشيخ علي بن حسين بن جاسم بن إبراهيم بن محمد، يتصل نسبه بعلي الشهير بالبازي، خطيب معروف وشاعر. ولد في النجف الأشرف سنة 1305 ه / 1888 م، بعثه والده إلى كتاب حيث تعلم عنده القراءة والكتابة، درس بعدها المقدمات، هاجر مع والده إلى طويريج فسكن فيها ردحا من الزمن عاد بعدها إلى الكوفة عام 1322، فأخذ يعمل، ترك بعدها العمل وانصرف إلى مزاولة الأدب الشعبي وكان يمارس أثناء ذلك الخطابة من المنبر الحسيني الشريف. وكان يتردد على إخوانه في البصرة للخطابة. وكان من المناصرين للسيد أبي الحسن عندما حرم قراءة الخطيب السيد صالح الحلي وقد أرخها البازي فقال: أبو حسن أفتى بتفسيق صالح * قراءته أرختها غير صالحة توفي في العام 1387 ه / 1967 م. وله وعنوانها " مدينة النجف " قوله: إن رمت تعرف ما النجف * فسل الخبير ولا تخف بلد تضمن من بني * ابدنيا الجواهر لا الصدف كالأنبياء المرسلين * ومن زكت بهم النطف
144 من ذي الفضائل والنهى * وأولي الحصافة والظرف كل على حب الولا * ولحيدر الطهر انجرف بلد لدين محمد * بنيت به غرر الغرف وعلى التقى تأسيسه * وبأهله المجد اكتنف وبه ثوى ليث الشرى * ومنار أعلام الشرف نص الغدير به أتى * والنص يثبته السلف إن النبي محمدا * فيه (بخم) قد هتف هذا علي خليفتي * بعدي لكم نعم الخلف بدر الهداية والفصاحة * ما سواه بها اتصف نهج البلاغة آية * منها المعارف تقتطف من ذا على عهد الرسول * لحصن خيبر قد نسف وعلى ابن ود من قضى * وببدر من للحرب خف وبأحد في لهواتها * من ذا بمهجته قذف بالفتح من حمل اللوا * وعليه دون القوم رف من عف عن عمرو كما * عن بسر في الهيجاء عف غير الوصي ومن له * أسنى مدائحنا تزف وضريحه هو كعبة * أخرى لمن فيه اعتكف بطل الشهامة حيدر * غوث الصريخ إذا هتف وله من قصيدة يصف قبة الإمام علي (عليه السلام) وضريحه المقدس: قف وسلم إن جئت وادي السلام * حيث نهج الهدى وداعي السلام وابتهل خاضعا وكبر خشوعا * ثم أظهر حقيقة الإعظام
145 وإذا ما حللت في طور سيناء * وباب النجاة سر للأمام واخلع النعل ثم بسمل وسرح * نحوه الطرف واختصر بالكلام سترى منظرا عليا جليا * فيه ينجاب غيهب الأوهام بابه باب حطة تستجير * الخلق فيه من الذنوب العظام وترى مرقدا لهيكل قدس * وسط بيت مكلس من رخام ثم أنعم بنظرة وتبين * وضع صندوق (خاتم في جام) وضريح سامى الضراح مقاما * أحكمت صنعه يد العلام قد حوى الفخر إذ تضمن جسما * زاكيا لا كسائر الأجسام فوق ذاك الضريح قبة تبر * قد أقيمت من سالف الأعوام نورها كهرب النفوس وهذا * هو سر انجذابها للوئام كعبة الوافدين في كل آن * ومنار الضلال عند الظلام وتشرف بلثم أعتاب بيت * فيه نص أتى لخير الأنام ومتى زرته تجد سلسبيلا * سائغا يرتوي به كل ظامي وحمى تحتمي به كل نفس * من دواهي الأرزاء والآلام ملجأ الخائفين كهف منيع * وملاذ وموئل ومحامي روضة القبر جنة الخلد فيها * أكل دائم وخير طعام
146 حميد السماوي (1315 ه - 1388 ه) الشيخ حميد ابن الشيخ أحمد آل عبد الرسول الشهير بالسماوي، شاعر أديب معروف. ولد في السماوة عام 1315 ه / 1897 م في أسرة دينية، هاجر إلى النجف وهو شاب حيث اختلف على أساتذة فضلاء لطلب العلم حتى فاق أقرانه، وما إن طالت هجرته حتى طلبه أبناء منطقته ليكون المرشد فيهم وكان مثالا بارزا لخصوبة الذهنية، كان محترما في قومه فيصلا في منازعاتهم العشائرية، شعره يمتاز بالرمزية التي لا تخفى على من عرف السماوي وأمنيته المفقودة في تقويم ما اعوج من محيطه ونصرة قادة الدين، وهو كاتب فاضل أديب جمع مكتبة حافلة وله ديوان شعر، توفي عام 1388 ه / 1968 م. وله وعنوانها " عيد الغدير " قوله: بلبل الوحي في ضفاف الغدير * صادح باسم موكب التأمير يتحدى الأجيال مهما ترامت * في مجاهيل عالم مستور هيكل من تعطف وحنان * مائل فوق هيكل من شعور جوهري الوجود لم تتفاعل * فيه شتى عوامل التغيير حتى قال: يقطع النص في علي بنص * ويشد الدستور بالدستور
147 ما تلاشى صوت الحقيقة حتى * ارتعش الحق في فم الجمهور حيث ساد الصموت لولا هناة * طبلت للقفول قبل المسير همسات تذوب في همسات * وسطور تنحل فوق سطور رقمته يراعة الكون رمزا * فوق أثباج بيتها المعمور عبرت حين عبرت عنه لو لم * يتسامى عن حيز التعبير فسرته كما تشاء ولكن * تشكل الواضحات بالتفسير هيمنت فوق مستوى الحس لما * أن تخطت عوالم التفكير فهي برهان سورة الفتح إن لم * تك عنوان آية التطهير فسماء الوجود تعزف فيها * نغمات التهليل والتكبير ورياض الخلود تعقد فيها * حفلات الإكبار والتقدير وعلى منبر الجلالة يملي * بلبل الوحي لوحة التأمير يا أخا المصطفى تعاليت شأنا * عن مقام التمثيل والتنظير أنا لم أدر كيف أثني فحسبي * من ثنائي الشعور بالتقصير (أنت في منتهى الظهور خفي) * ولدى منتهى الخفا في ظهور وله في يوم الغدير وعنوانها - حديث الدهر - قوله: ترامت وجنب الأفق ما انفك نائيا * محاضير تطوي عالما متراميا حتى قال: بعدت عن المرمى رويدك فاتئد * إلى أين تجتاح الربى والفيافيا أثر رهج النادي إذا اكتظ جنبه * وإن وجم الشادي فكن أنت شاديا فما هو إلا أن يعج مدائحا * بذكرى (علي) أو يعج مراثيا فكم حمحمت حول الغري وأنشدت * تقدست يا وادي ابن عمران واديا
148 ترابك أكباد تداف وإنما * نسيمك أرواح تهب عواديا فهذا علي فوق كرسي مجده * يرتل صوت الحمد سبعا مثانيا تغشاه من عرش المهيمن هيكل * أعاد لنا السبع الطباق ثمانيا وهذا علي والأهازيج باسمه * تشق الفضا النائي فهاتوا معاويا أعيدوا ابن هند إن وجدتم رفاته * رفاتا وإلا فانشروها مخازيا فهذي بواديه تضج وهذه * حواضره بالظلم عادت بواديا أبا حسن إن ربعوا فيك دستهم * فيوشك أن يمسي كما شئت خاويا إذا الملأ الأعلى تحدر بالثنا * عليك فما شأني وشأن ثنائيا وهل متناهي اللفظ يرفعه الثنا * ليحمل معنى منك لا متناهيا ولكنها الألفاظ مهما تناسقت * إذا لم توف المدح عادت أهاجيا
149 محمد طه الحويزي (1317 ه - 1388 ه) أبو محمد الشيخ محمد طه بن نصر الله بن حسين الحويزي الكرمي، علامة فقيه وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1317 ه / 1890 م ونشأ بها على والده الورع فهذبه وأقرأه القرآن وعلمه الكتابة. درس مقدمات العلوم على علماء عصره وما إن أتم المقدمات في سن مبكرة حتى كانت له حلقة كبيرة يحضرها من يكبره سنا، لازم أستاذه الحكيم الشيخ محمد الحسين الأصفهاني زمانا طويلا أخذ عليه أثناءه أسرار الأصول والحكمة ثم سجل هذه المعلومات بتحرير عربي أنيق. توفي والده في الحويزة وهو ما يزال في النجف فغادرها إلى الحويزة ليحل محل والده في الوعظ والإرشاد، فأقام فيها خمسة عشر عاما ثم عاد إليها عام 1365 ه، ثم غادرها إلى كربلاء ثم إلى قم ليستقر فيها. وليواصل مشواره العلمي، توفي عام 1388 ه / 1968 م. له مؤلفات عدة وتعليقات. وله في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: بك يا علي ازدانت العلياء * ومن اسمك اشتقت لها أسماء وعلاك ما أطرى نعوتك مادح * إلا استطال بنعتك الإطراء
150 والشعر ليس يلذ إلا كاذبا * ما لم يفه بثنائك الشعراء لله سر وجودك القدسي ما * أخفاه لو يسع الكمال خفاء لكن كملت وظل غيرك ناقصا * والناقصون بغيرهم جهلاء أنت الكتاب تشابهت آياته * فارتاب في تأويلها العلماء إن يدع فاروقا سواك فإنه * لولاك لافترقت به الأهواء يقضي برأيك إن يجدك وكم به * ضاق الفضاء إذا دهاه قضاء الله أكبر نازعوك وسادة * لك قد ثنتها كفك البيضاء لله سيفك ما أشد حديده * فعليه من يد ربه سيماء وقوله معربا عن ولائه للإمام علي (عليه السلام): ألزمت نفسي ولاء المرتضى ويدي * فليس إلا به عقدي ومعتقدي أفديه من بطل لله مبتهل * بالفضل مشتمل بالعدل مجتهد إذا ولجت عليه غاب ندوته * تبصر به أسدا ينمى إلى أسد كم للمفاخر في شبل المظاهر من * مظاهر لم تزل تطري بكل ندي يا طالب الحسنيين الرفد والرشد * عرج على المرتضى واستفت أو فرد ما علمه ونداه المستفيض سوى * بحرين ذا عب في صدر وذا بيد
151 عبد الحميد السنيد (1320 ه - 1390 ه) الملا عبد الحميد بن حسن السنيد. من أسرة عريقة في سوق الشيوخ، ولها رئاسة ووجاهة. خطيب وأديب شاعر. ولد في عام 1320 ه / 1902 م في سوق الشيوخ - وهي بلدة خصبة في انتاج الشعراء - ونشأ بها، فأقبل على قراءة كتب الأدب واللغة، واطلع على دواوين الشعراء وأساليبهم في النظم والكتابة، فتفتحت آفاق موهبته في مديح أهل البيت ورثائهم. وكانت ثقافته عامة بشكل فردي وبمجهود شخصي، فلم يتعلم في مدرسة ولم يتلق علومه على يد أحد، بل كافح أميته طفلا، ومارس الشعر يافعا. مارس الخطابة طيلة سنوات عمره، وكتب الشعر الكثير في الولاء والقضايا الوطنية، وشارك في المؤتمرات الأدبية والأندية. وهو والد الشاعر العراقي المعاصر جواد جميل. توفي عام 1390 ه / 1970 م، وكان قد صدر له ديوان ألحان الروح عام 1383 ه / 1964 م، وكان يرتبط بعلاقات عديدة مع أدباء داخل العراق وخارجه. وله من قصيدة " ليلة النور ": أي نور من جانب البطحاء * غمر الكون بالسنا والبهاء
152 حتى قال: أهي الشمس أشرقت في الدجى أم * نار موسى على ذرى سيناء أم أتت فاطم وبين يديها * نبعة المجد من بني العلياء لتزف البشرى لأكرم هاد * خصه الله في جميل الثناء وعلى ثغره ابتسام يفوح * الطيب منه والطهر بالأنداء فهو إشراقة يشع على الكون * جلالا من نوره الوضاء فسلاما يا صفوة الأصفياء * ورضيع الهدى وغرس الإباء أنت فيض الإله والنعمة العظمى * وعنوان صفحة الأوصياء أنت نور السماء رف على * الدنيا وأجلى غياهب الظلماء أنت تاج العرب الذي تشرق * الحكمة منه ومصدر البلغاء أنت للثائرين أعطيت درسا * بالبطولات رائعا في اللقاء أنت سيف الله الذي محق الشرك * وأردى الأبطال في الهيجاء أنت عنوان يعرب في المعالي * ووزير لسيد الأنبياء وبذات الفقار في يوم بدر * شدت للدين مشمخر البناء ولكم خضت غمرة للمنايا * لا تبالي بكثرة الأعداء وبأحد وخيبر وحنين * قد سقيت العدى كؤوس الفناء لك نفس سمت على كل نفس * بعد خير الورى بلا استثناء يا بن عم النبي فخر قريش * ومنار التقى أبا الأتقياء ووصيا له كهارون من موسى * ومولى الأنام في الأولياء نهجك الحق في البلاغة أضحت * حكمة الكون فيه للحكماء فهو مصباح دولة الفصحاء * وهو نور للمقلة العمياء
153 وهو بعد القرآن فيه هدى الناس * وفيه الشفاء من كل داء لو صغينا لرشده ووعينا * لارتقينا به على الجوزاء وله أيضا " الفرقدية " وهي: أمذاب التمر أم الصرخد * زفت في كف رشا أغيد لمعت ليلا بيد الساقي * فأضاء الربع وفاح الند فإذا مزجت بالماء ترى * إكليل الدر لها يعقد ويطوف على الندمان بها * معسول الريق أسيل الخد مكحول الطرف بديع الظرف * ثقيل الردف رشيق القد فتن النساك بألحاظ * كحلت بالسحر عن الأثمد وتخر لحمرة وجنته * إذ لاح الخال بها سجد وإذا ما لاح لذي تقوى * هجر المحراب وقد عربد من لي بهوى ريم تركي * الخد له جيد أجيد اورى في القلب زناد الصد * وسهم الهجر له سدد فبقيت أسير هواه وفي * كبدي الحرى نار توقد يا من أخلصت له بالود * فقابلني عنه بالصد إن كنت بحكمك قد أسرفت * وأنت بأشواقي تجحد أنا لي بولاء أبي حسن * عن حبك آمال تعقد مولى الثقلين أبو الحسنين * زعيم الدين به أسعد خير الأعمال ولايته * وسبيل هداه هو الأرشد فهو المقدام هو المطعام * هو الضرغام هو الأوحد هو أول من نصر الهادي * وأطاع وللباري وحد
154 كشاف الكرب بيوم الحر * ب مزيل الرعب إذا ما اشتد وبصارمه الموصوف دعائم * دين الله لقد وطد فأباد الجهل واحيا العدل * وجيش الشرك به بدد من كسر أصناما كانت * من دون الله لهم تعبد وبيوم الدوح به نزلت * بلغ ما أنزل من مقصد فدعا المختار أبا حسن * والناس لطلعته شهد يدعو من كنت له مولى * فعلي مولاه الأوحد وكمال الدين بحيدرة * نص القرآن فهل تجحد ما قال سلوني إلا هو * وصحاح القوم بها تشهد في الصدر هنا علم جم * كالبحر الزاخر لا ينفد يا من في كنه فضائله * تاه العلماء وأهل الجد ومعاجزه قصرت عنها * آراء فلاسفة في العد أني والروح بمدحته * في موقف أحد قد ردد لا سيف سوى سيف الكرا * ر هو البتار وماضي الحد دين الاسلام وشرعته * هو بانيه وله شيد لولاه لما عبد الرحمن * ولا لبوا دعوى أحمد طبع التاريخ له صحفا * بيضا ولشانئه سود يا من في نهج بلاغته * وفصاحته اللسن الأوحد يا من بسمو الذات علا * للمجد على هام الفرقد بحماك أبا حسن قد لذت * وفي مغناك مددت اليد وإليك قصدت بحاجاتي * إن لم تنجز فلمن يقصد
155 فلواء الحمد بيوم الحشر * عليك أخا الهادي يعقد أنت الساقي لمحبيه * من كوثره العذب المورد لمواليك الحظ الأوفى * ولمبغضك الحظ الأنكد فعليك صلاة نامية * تغدو وتروح ولا تنفد ما لاح البرق وما غنى * في الدوح الورق وما غرد
156 عباس شبر (1322 ه - 1391 ه) السيد عباس ابن السيد محمد آل شبر الحسيني، عالم وأديب معروف، ولد في البصرة عام 1322 ه / 1905 م من أسرة علمية معروفة نشأ في ظلالها منتهلا من الفضائل وتدرج في طلب العلم في النجف الأشرف وغيرها فقرأ على الأساتذة الأكفاء فنبغ تشد أزره في ذلك موهبة كبيرة وحافظة متوهجة انصرف بهما إلى الاستظهار والدرس لكنه - وهو الفقيه - تألق في العربية وعلومها ثم في الشعر خاصة فعد من مبرزي عصره مع ميل إلى العزلة أول أمره، ثم عرض عليه القضاء الشرعي فأبى بعد تمنع، فمارسه في العمارة والبصرة وألزم نفسه فيه بتحرز شديد، أما في الأدب فقد نشر نتاجه في أغلب الصحف والمجلات - آنذاك - وله مع أدباء العربية روابط وثيقة، وله ديوان مجموع مطبوع، أما آثاره العلمية فعديدة أغلبها مخطوط، توفي عام 1391 ه / 1971 م. وله من قصيدة " ذكرى إمام الأمة " قوله: سموت فهل يسمو لعليائك الشعر * وذكرك في القرآن جاء به الذكر وهل يرفع الشعر العصامي ذكر من * به ارتفع الشعر العصامي والنثر ومن كان فوق النيرات مقامه * فأمنع شئ أن يحيط به الفكر وهل لرجال الشعر والنثر قدرة * بحصر مزايا ما لمقدارها حصر أقروا بعجز في المقال وما سوى * علاك على مر الزمان لهم عذر
157 أرى الشعر يخبو عند ذكرك جمره * كما تحت نور الشمس لا يسطع الجمر تخيرك الله المهيمن آية * لخير البرايا سرها الفتح والنصر تفرعت صنوا للنبي محمد * بدوحة قدس ملؤها النبل والطهر ومنه اقتبست العلم والدين والتقى * كما من شعاع الشمس يقتبس البدر وكنت له بابا وكان مدينة * تحيط بعلم دون شؤبوبه البحر تسير على آثاره في طريقه * حكيما رحيما شأنك الحلم والصبر حياتك في الدنيا جهاد ورحمة * وزهد فما استهوتك بيض ولا صفر شرعت لنا (نهج البلاغة) منهلا * رويا وقولا دونه الدر والتبر فرائد عرفان وأعلاق حكمة * ستبقى بجيد الدهر ما بقي الدهر ولدت ببطن البيت يرعاك ظهره * لتنقض أصناما بها انتقض الظهر مكانك بالبيت الحرام بدأته * كما بدأ الشهر الحرام بك العمر وقدر بيت آخر لك منزلا * أخيرا وشهر الله طالعه القدر فبوركت بالبيت الحرام وشهره * وبورك بيت قد تلقاك والشهر وبورك من والاك حبا ولم يزل * عليك سلام الله ما طلع الفجر كما له من قصيدة " مولد الإمام (عليه السلام) في رجب " قوله: نفس الفجر أم نسيم الخزامى * أم هو اللطف يبعث الالهاما نفحات تهب من جانب القدس * فتحيي النفوس والالهاما رقصت عندها المشاعر نشوى * تتحدى قريش والأنغاما عظمت ليلة من الدهر جاءت * بعلي لتنعش الاسلاما أرخ الحق منه شهرا حراما * عند ميلاده وبيتا حراما رجب الفرد جئت بالعلم الفرد * تبذ الأفراد والأعلاما
158 بيضت أوجه الليالي لياليك * وسادت أيامك الأياما حرم الأشهر ارتمت عند رجليك * خضوعا وأفردتك احتراما ليس بدعا فأنت فيها إمام * منذ أنجبت للبرايا الإماما مولد المرتضى ومبعث طه * ألبساك الإجلال والاعظاما فتح البيت صدره وتلقى * من عليه يكسر الأصناما جاء كي يسند الكتاب بسيف * يتهاوى به الضلال رماما ضربة منه عادلت عمل * الثقلين للحشر فليمت من تعامى يا أخا الحق والنبي المفدى * والصفات الغر التي لن تسامى ما زك الله بالفضائل حتى * كنت في أفقهن بدرا تماما فليمت حاسدوك غما وكفرا * وليقاسوا في النشأتين ضراما ليلة بتها تفوق حياة * عاشها الناس سجدا وقياما شد ركن الهدى بسيفك ذو العرش * ولولا غراره ما استقاما يا بنفسي كفا تكف عن الاسلام * كف العدى وتعلي السلاما يا بنفسي يدا تخيرها الله * سياجا لدينه وعصاما ولسانا قد سن نهج المعالي * وأرانا من اللآلي كلاما لو سلكنا سبيله لسعدنا * وبلغنا العلى وسدنا الأناما فهو نهج للدين والعلم يهدي * ويزيل الشكوك والأوهاما حكمة تملأ القلوب حياة * ويقينا ورحمة وانتظاما يا بنفسي قلبا تعاظم شأنا * وعلا همة وفاق مقاما ملأته عناية الله لطفا * وعلوما تجاوز الأرقاما وخشوعا لربه وانقطاعا * وامتدادا في حبه واهتماما
159 كان للمسلمين عطفا ولطفا * وعلى الكافرين كان انتقاما جمعت فيه معجزات المزايا * ففرادى تعدها وتوامى وهو لا ريب من معاجز طه * ليميط الدجى ويجلو الظلاما وعليه وصنوه الله صلى * ما أذاع الصبا أريج الخزامى
160 أنور العطار (1326 ه - 1392 ه) الأستاذ أنور العطار، أديب شاعر وكاتب مؤلف، ولد في دمشق عام 1326 ه / 1908 م ودرس في المكتب حتى إذا أنهى منهجه عمل معلما ثم اتصل برموز الثقافة والأدب السوري في عصره ورافق بعضهم ونشر نتاجه الشعري والكتابي في الصحافة منتهلا من حافظته الحافلة وقراءاته المتعددة كما قصد العراق أستاذا لتدريس الأدب العربي في معاهده العلمية منتدبا من وزارة المعارف فاتصل بشعرائه وكتابه وزار حواضره ومنها النجف الأشرف وأنشد في أهل البيت (عليهم السلام) قصائد معروفة، توفي عام 1392 ه / 1972 م. وله في زيارته للنجف الأشرف قوله: سلام على النجف الأطيب * سلام على ورده الأعذب على مهده عالم الذكريات * ودنيا توقد كالكوكب وكوني كآذار جم العبير * أنيفا كمنظوره الأهدب تنشق ففي الترب مسك العبير * تهادى وفي الجو عطر النبي وطف بالهدى والندى والعلاء * وبالجدث الطاهر الطيب وقل يا غمام نعشت الغمام * وقل يا ربيع نفحت الربي وسلم على العبقري الهمام * على نبعة الخير من يعرب يموج من النور في موكب * ويندى من الطيب في موكب
161 يطوف على الناس مثل الضباب * إذا افتر عن مبسم أشنب ويختال في الكون مثل الربيع * يرن بفينانه المعشب وعرج على موئل النعميات * على الأريحي النجيد الأبي أخي الحزم والعزم والمكرمات * أخي النائل الأطول الأرحب وهم بالبيان السني الشهي * وأعجب بروعته أعجب ورد موردا حافلا بالخلود * وما شئت من ممتع مطرب علي ويا سحر هذا النداء * وأعجب بروعته أعجب تحن إليك القلوب اللهاف * حنين الصغار لجنح الأب إذا أغطش الليل كنت الشعاع * وكنت رجاء الغد الأصعب وكنت الحنان ورمز الندى * وكنت المعين على المذهب ولم لا وأنت رفيق النبي * وأنت شذى الطهر من يثرب فيا ساكني النجف المستحب * سلام القريب إلى الأقرب
162 عبد الكريم صادق (... - 1392 ه) الشيخ عبد الكريم صادق العاملي، عالم فاضل وأديب شاعر ولد في النجف الأشرف وترعرع فيها بين يدي والده العالم الفاضل الشيخ عبد الحسين، ودرس عليه وعلى علمائها الأفاضل حتى بلغ ما يريد وشارك في حلبات الشعر والأدب ثم هاجر مع والده إلى النبطية بلدتهم الأولى في لبنان، حتى إذا توفي والده عام 1361 ه تسنم مكانة في الارشاد والرعاية مع عفاف وتقوى وزهد إلى جانب الأدب والشعر وله مؤلفات مخطوطة وديوان شعر، توفي عام 1392 ه / 1972 م. له في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام): مضى طه وقام وصي طه * مديرا من شريعته رحاها وفوق منصة الأحكام منها * علي قد تربع واعتلاها ففاضت ثم فاضت ثم فاضت * ركي الفضل طافحة دلاها فلو وردته عطشى الخلق طرا * لروى من منابعه ظماها له من فوق منبره سلوني * سلوني هل بها إلاه فاها وله أيضا: ولاؤك حصني يا علي وجنتي * إذا قصرت يوم القيامة حجتي أفي النار ترضى أن يزع معذبا * وليك لا يشتم روحا لجنة
163 وحبك منه خامر اللحم وهو في * غشا الرحم في دور اختباء الأجنة وإذ ألقمتني ثديها الأم في اللبا * تذوقته منه لأول رشفة ببابك حط الرحل مولاك عالما * بأنك يا مولى الورى باب حطة وله أيضا: هي بيعة لك يا علي أقامها * خير الأنام بمشهد الاملاء يوم الغدير إذ الحجيج معرس * فيما أحاط به من الصحراء وله أقيم من الحلائج منبر * يحنو عليه الدوح بالافناء حيث الهواجر قد ذكت نيرانها * والرمل متقد بحر ذكاء فعلاه خير المرسلين محمد * وأتى بتلك الخطبة العصماء
164 عبد المهدي مطر (1318 ه - 1395 ه) الشيخ عبد المهدي ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ حسن مطر الخفاجي، شاعر فحل وعالم فاضل، ولد في النجف الأشرف عام 1318 ه / 1900 م ونشأ على أبيه ودرس مبادئ العلوم في الحوزة العلمية على أساتذة فضلاء وحضر الدروس العالية على مراجع التقليد كالميرزا النائيني والشيخ محمد حسين الأصفهاني والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، وقد برع في علوم الفقه والأصول والتفسير والحديث إلى جانب الأدب والشعر خاصة، وله في كل ذلك آثار ومؤلفات لم يطبع أغلبها، كما خاض مجال التدريس في كلية الفقه فهو من أساتذتها اللامعين وله تأثير واضح على مجمل الحركة الثقافية والأدبية في النجف، كما عرف بقصائده القوية السبك الجيدة الاختيار الفخمة الأسلوب، توفي عام 1395 ه / 1975 م. له من قصيدة شهيرة قوله: أرصف باب علي أيها الذهب * واخطف بأبصار من سروا ومن غضبوا وقل لمن كان قد أقصاك عن يده * عفوا إذا جئت منك اليوم اقترب
165 لعل بادرة تبدو لحيدرة * إن ترتضيك لها الأبواب والعتب فقد عهدناه والصفراء منكرة * لعينه وسناها عنده لهب ما قيمة الذهب الوهاج عند يد * على السواء لديها التبر والترب ما سره أن يرى الدنيا له ذهبا * وفي البلاد قلوب شفها السغب ولا تضجر أكباد مفتتة * حتى يذوب عليها قلبه الحدب أو يسقط الدمع من عيني مولهة * أجابها الدمع من عينيه ينسكب تهفو حشاه لأنات اليتيم بلا * أم تناغي ولا يحنو عليه أب هذي هي السيرة المثلى تموج بها * روح الوصي وهذا نهجه اللحب فاحذر دخول ضريح أن تطوف به * إلا بإذن علي أيها الذهب باب به ريشة الفنان قد لعبت * فأودعته جمالا كله عجب
166 تكاد لا تدرك الأبصار دقته * مما تماوج في شرطانه اللهب كأنها لجة الأنوار موجته * خلالها صور الرائين تضطرب سبائك صبها الابداع فارتسمت * روائع الفن منها الحسن منسكب يدنو الخيال لها يوما لينعتها * وصفا فيرجع منكوسا وينقلب أدلت بها يد فنان منمقة * تعنو لروعتها الأجيال والحقب ملء الجوانح ملء العين رهبتها * ومربض الليث غاب ملؤه رهب يا قالع الباب والهيجاء شاهدة * من بعد ما طفحت كأس بمن هربوا بابان لم ندر في التبريح أيهما * أشهى إليك حديثا حين يقتضب باب من التبر أم باب يقومه * مسماره وجذوع النخل والخشب هذا يشع عليه التبر ملتهبا * وذاك راح بنار الحقد يلتهب
167 وأي داريك أحرى أن تطوف بها * وأن تجللها الأستار والحجب دار تحج بها الدنيا لمدك أم * دار عليك بها العادون قد وثبوا هذي تدال بها للحق دولته * زهوا وفي تلك فئ الحق يغتصب حتى إذا جاءت الدنيا مكفرة * عما جنته وجاء الدهر ينتهب شادت عليك ضريحا تستطيل على * هام السماء به الأعلام والقبب وتلك عقبى صراع قد صبرت له * وذا فديتك مظلوما هو الغلب بلغ معاوية عني مغلغلة * وقل له وأخو التبليغ ينتدب قم وانظر العدل قد شيدت عمارته * والجور عندك خزي بيته خرب تبني على الظلم صرحا رن معوله * بجانبيه وهدت ركنه النوب أبت له حكمة الباري بصرختها * ألا يخلد مختال ومرتكب
168 قم وانظر الكعبة العظمى تطوف بها * حشد الألوف وتجثو عندها الركب تأتي له من أقاصي الأرض طالبة * وليس إلا رضا الباري هو الطلب قل للمعربد حيث الكاس فارغة * خفض عليك فلا خمر ولا عنب سموك زورا أمير المؤمنين وهل * يرضى بغير علي ذلك اللقب هذا هو الرأس معقود لهامته * تاج الخلافة فاخسأ أيها الذنب يا باب حطة سمعا فالحقيقة قد * تكشفت حيث لا شك ولا ريب مواهب الله قد وافتك مجزية * ما كنت تبذل من نفس وما تهب هذي هي الوقفات الغر كنت بها * للدين حصنا منيعا دونه الهضب هذي هي الضربات الوتر يعرفها * ضلع بها انقد أو جنب بها يجب هذي هي اللمعات البيض كان بها * عن وجه خير البرايا تكشف الكرب
169 هذي هي النفس قد روضت جامحها * فراق للعين منها عيشها الجشب فلا الخوان لها يوما ملونة * منه الطعوم ولا ابرادها قشب لا تكتسي وفتاة الحي عارية * ولا تعب ومهضوم الحشا سغب نفس هي الطهر ما همت بموبقة * وليس تعرف كيف الذنب يرتكب هذي التي انقادت الأجيال خاشعة * لهديها وترامت عندها النجب تعيفوا وركبنا في سفينته * فميز اللج من عافوا ومن ركبوا وساوموا فاشترينا حب حيدرة * ولا نبيع ولو أن الدنا ذهب يا فرصة كنت للاسلام ضيعها * حقد النفوس وأبلى جدها اللعب شجوا برغمك أمرا أنت تعصبه * في ذمة الله ما شجوا وما شجبوا فرحت تنفض من هذا الحطام يدا * إذ شمت فيه يد الأطماع تنتشب
170 تكالب عنه قد نزهت محتقرا * له وعندك ما يشفي به الكلب فاستنزلوك عن العرش الذي ارتفعت * بك القواعد منه فهو منتصب لو أنصفوك لفاض العلم منتشرا * في الخافقين وسارت بالهدى كثب ولازدهى باسمك الاسلام دوحته * فينانة وفناه مربع خصب لله أنت فقد حملت من محن * ما لم يطق صابر في الله محتسب ولا ابتنيت عليه من سماء علا * ما ليس تأفل عن آفاقها الشهب أمر به ضاقت الدنيا بما رحبت * ولم يضق عنه يوما صدرك الرحب وله أيضا من قصيدة: أعلى غديرك هذه اللمعات * أم من عبيرك هذه النفحات يهتز يومك وهو يوم حافل * بالرائعات تحفها البركات يوم تتوجك السماء ببيعة * عصماء لم تعبث بها الفلتات جبريل يحمل سرها ومحمد * كان المبلغ والقلوب دعاة ربحت بها الدنيا وولى خاسر * منها تؤجج صدره الحسرات فكأن يومك وهو يوم مسرة * غيض تشق به الصدور ترات
171 ولرب مغبون تكلف بسمة * تطغى عليها إحنة وهناة فدع الصدور يغص في أكظامها * منهم فضاء أو تضيق فلاة فالكون يطربه ولاؤك كلما * غنت بركب الماجدين حداة ولأنت محورها وتلك مواهب * هبطت عليك وللسماء هبات ذات من الطهر انبرت فتقدست * ألا تماثلها بطهر ذات كف العناية توجتك بتاجها * رضيت نفوس أم أبت شهوات لبيك يا بطل المواقف ولتطح * من دون كعبك هذه النكرات وفداك رواغون لم تفقدهم * الهيجاء إن عاشوا لها أو ماتوا فغداة عمر حين زمجر في الوغى * كالليث تحجم عن لقاه كماة وسطا فإما أن تثلم شفرة * للدين دهرا أو تقوم قناة وأدال للاسلام من سطواته * وغدت تدور بأهلها السطوات وغداة خيبر والحصون منيعة * والبأس جاث والقروم حماة والموت في يد مرحب قد سله * عضبا رهيفا لم تخنه شباة وتحامت الأسد الغضاب فرنده * ألا تطيح رؤوسها الشفرات ولراية الاسلام لما أعطيت * لسوى فتاها محنة وشكاة فهنالك الفشل المريع أصابها * وهناك راحت تسكب العبرات حتى إذا اهتزت بكف مديرها * رقصت بيمناه لها العذبات فتنازلا وسط الهياج ولم تكن * مرت هناك عليهما لحظات وإذا بفارس خيبر أوداجه * لحسام فارس هاشم نهلات هذي وفودك أقبلت ترتاد من * حوض الولاء قلوبها الشغفات قم حي وفدك إن دارك كعبة * عظمي وليس لحجها ميقات
172 من أي ناحية أتاك مؤمل * ملأت حقايب ركبه الحسنات واديك وهو الطور في ذكواته * تشتاق رمل هضابه عرفات هذا هو الوادي الذي يلجى له * وتقال من زلاتها العثرات هذا هو الوادي الذي فيه استوت * في الدارجين رعية ورعاة ترتاده الأحياء تحكم بيعة * وتلوذ في حفراته الأموات ويبيت روع اللاجئين إليه في * حصن منيع ما بنته بناة والليل يعلم إن حيدر لم ينم * فيه سوى ما تقتضيه سناة متقوسا لله في محرابه * شبحا تذيب فؤاده الزفرات قلق الوساد وإنه لصحيفة * بيضاء لم تعلق بها شبهات
173 محمد الحلي (1319 ه - 1393 ه) أبو علي السيد محمد ابن السيد حسين بن محمد بن علي بن كوار، ينتهي نسبه بزيد بن الإمام السجاد (عليه السلام)، شاعر. ولد في النجف عام 1319 ه / 1901 م ونشأ بها وترعرع وبعد أن تعلم القراءة والكتابة دخل الحوزة العلمية وحضر بعض دروسها، ثم تركها وانصرف إلى شؤون حياته، وهو معدود من الأدباء الشعراء، توفي عام 1393 ه / 1973 م. وله مؤرخا عام وضع الباب الذهبي في الإيوان الذهبي 1373 ه قوله: حرم القدس تلألأ وازدهى * بسنا مرقد خير الخلق طرا وتعالى شرفا فوق السهى * وسما في أفق العلياء فخرا حرم فيه ملوك الأرض كم * طأطأت هاماتها ذلا وذعرا فتنال العز في أعتابه * وبأخراها به تكسب أجرا حرم تأوي إليه الخلق في * عسرها ترجو من الخالق يسرا حرم باهى السماوات العلى * بوصي المصطفى شأنا وقدرا وبنور المرتضى شع سنا * شق ليل الشرك بالأنوار فجرا حرم فيه الهدى والدين * والحق والإيمان والتوحيد قرا بابه باب المراد المرتجى * إذ غدا كهفا وللراجين ذخرا
174 إلثم الباب وأرخ (هاهنا * في علي يتلألأ الباب تبرا) وله مؤرخا الزخرف الذي يكلل المرقد الحيدري قوله: يا مرقدا قد ضم أكرم راقد * شرف الغري بفخره والطور هو مركز الأفلاك أضحت حوله * كل الكواكب في السماء تدور وسما ذكاء سنا فحير كل ذي * لب وأخرس في الكلام فكور أعيى العقول بوصفه فبيانها * مهما أتى في حقه محصور أنى وذي زمر الملائك لم تزل * لتطوف تهبط حوله وتطير والراكعون الساجدون تراهم * فيه علتهم هيبة وحبور فمددت عشري للدعاء مؤرخا * (حول الضريح أهلة وبدور) وله أيضا: صندوق قدس قد سما رفعة * فكل قلب فيه مسرور ومذ جلوه وبدا نوره * أرخته (بالخاتم النور) وله أيضا: سما ضريح طاب بالمرتضى * خير الورى وطاب تمجيده ثم فأرخ (لعلي به * شباك قدس راق تجديده) وله كذلك: ضريح قدس قد سما * لصنو سيد البشر مذ جددوا شباكه * أرخته (نور ظهر)
175 صالح صحين (1322 ه - 1394 ه) الشيخ صالح ابن الشيخ مهدي الساعدي، شاعر فاضل. ولد في النجف الأشرف عام 1322 ه / 1929 م وتتلمذ على أبيه وهو من الفضلاء حيث درس عليه المقدمات فتفوق فيها على أقرانه وقد برع في الفقه والأصول، تخرج على حلقته مئات الفضلاء وكان يعطي دروسه صباحا ومساء لفترة قد لا تقل عن خمسة عشر عاما. انتدبه المرحوم آغا حسين القمي لتدريس الطلبة العرب في كربلاء. من أساتذته الحجة السيد حسين الحمامي وله مؤلفات عدة، توفي عام 1394 ه / 1974 م. وله من أرجوزة: ففي علي قاتل الكفار * لو لم يكن نص عن المختار وعن إله الخلق والعباد * في أنه هو الوصي الهادي من بعده وفي بنيه الهادية * دلالة اللزوم فيه كافيه وتلك في المحكم في علي * من الكثير الواضح الجلي وقد كفى تواتر النصوص * لفظا ومعنى فيه بالخصوص والآي دل أنه هو الخلف * من دون فصل بعده من السلف كأنما وليكم من العلي * ظاهرة بل هي نص في علي
176 محمد المحجوب (من شعراء القرن الرابع عشر) الأستاذ محمد المحجوب، أديب وشاعر مرموق، سوري الأصل والمولد، سني المذهب، عاش في منتصف القرن العشرين الميلادي. لما شاهد، محمد محجوب قبر معاوية بن أبي سفيان، الواقع في خرائب دمشق الشام خلف الجامع الأموي، وفي أزقة في ملتوية، ورأى المكان المهين، حيث دفن معاوية في قعر خربة مهجورة تحت النفايات أصيب بهزة عنيفة، واستيقض ضميره، وجرى على لسانه الحق، فوقف على قبره منشدا قصيدته الرائعة " الدالية " معبرا فيها عما يختلج في ضميره من صحوة واستيقاض، ومقايسا بين مرقد الإمام الطاهر علي بن أبي طالب، الذي نازعه معاوية الملك طيلة أربعين عاما، ذلك المرقد الشامخ السامق الشاهق في النجف الأشرف، وشده زحام زواره وكثرتهم، ومقارنا بين قبره المهجور المهين. وقد أسقطت القصيدة المذكورة من ديوانه " نار ونور " المطبوع سنة 1947 م وديوانه " همسات القلب " المطبوع في سنة 1970 م لظروف خارجة عن إرادته. القصيدة تربو على الخمسين بيتا إليك مقتطفات منها، وهذا مطلعها: أين القصور أبا يزيد، ولهوها * والصافنات وزهوها والسؤدد أين الدهاء نحرت عزته على * أعتاب دنيا سحرها لا ينفد
177 هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه * لأسال مدمعك المصير الأسود كتل من الترب المهين بخربة * سكر الذباب بها فراح يعربد أرأيت عاقبة الجموح ونزوة * أودى بلبك غيها المترصد أغرتك بالدنيا فرحت تشنها * حربا على الحق الصراح وتوقد تعدو بها ظلما على من حبه * دين وبغضته الشقاء السرمد علم الهدى وإمام كل مطهر * ومثابة العلم الذي لا يجحد ورثت شمائله براءة " أحمد " * فيكاد من برديه يشرق " أحمد " وغلوت حتى قد جعلت زمامها * إرثا لكل مذمم لا يحمد هتك المحارم واستباح خدورها * ومضى بغير هواه لا يتقيد ما كان ضرك لو كففت شواظها * فسلكت نهج الحق وهو معبد ولزمت ظل " أبي تراب " وهو من * في ظله يرجى السداد وينشد ولو أن فعلت لصنت شرع محمد * وحميت مجدا قد بناه " محمد " ولعاد دين الله يغمر نوره * الدنيا فلا عبد ولا مستعبد أأبا يزيد وساء ذلك عترة * ماذا أقول وباب سمعك موصد قم وارمق النجف الشريف بنظرة * يرتد طرفك وهو باك أرمد أبدا تباكرها الوفود يحثها * من كل صوب شوقها المتوقد نازعتها الدنيا ففزت بوردها * ثم انطوى كالحلم ذاك المورد وسعت إلى الأخرى فأصبح ذكرها * في الخالدين وعطف ربك أخلد وقد ألقيت هذه القصيدة في حفل تكريمي أقيم للإمام علي (عليه السلام) بمناسبة يوم الغدير في سوريا ولبنان، ونشرتها مجلة " العرفان " البيروتية بموجب كتاب.
178 علي الصغير (1333 ه - 1395 ه) الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين بن شبير الخاقاني، شاعر فاضل مؤلف. ولد في العمارة عام 1333 ه / 1915 م وانتقل مع والده إلى النجف حيث اتخذها موطنا له، أخذ مقدمات العلوم على أساتذة منهم الشيخ محمد طاهر الخاقاني، والشيخ مهدي الظالمي. ثم انتقل إلى البحث الخارج فحضر حلقة الشيخ محمد علي الخراساني في الأصول وأتم فيها دورة كاملة، وحضر حلقة الإمام الخوئي، والسيد حسين الحمامي، وهو أحد فرسان الشعر في نوادي النجف الأشرف واحتفالاتها وله شهرة اجتماعية وأدبه يمتاز بالجودة والرصانة. وتتضح في شعره مواقفه العربية والإسلامية، ونقده الصريح لواقعه. توفي في العام 1395 ه / 1975 م. وله وعنوانها: " يوم الغدير " وقد نظمها في 1370 ه، قوله: ولاك من الله إيمانها * ونهجك للحق قرآنها وحبك فرض بهذي الرقاب * وإن يأب ذلك طغيانها وآي المودة تنزيلها * بحبك صرح تبيانها وأنت من الذكر أم الكتاب * ومن سورة الدهر إنسانها وإنك من أنفس المؤمنين * هداها اليقين وإيمانها
179 وإنك ميزان أعمالها * إذا خف في الحشر ميزانها فأنت بحق وصي النبي * وصرح في ذاك فرقانها علمت بأن ولاك السفين * وحبك في الحشر ربانها وهللت باسمك حيث الصلاة * ولاك وإنك أركانها هدى المتقين وللعاطفات * خضوع ببابك أوزانها وهل يستطيع بأن يرتقي * لمعناك في الشعر شيطانها فنظمت قلبي في باقة * من الحب تهتز أغصانها وقلت هو العيد (عيد الغدير) * وخير الهدية أثمانها على قدس مجدك تهفو السنين * وتعشق ذكرك أزمانها وفي الذر والكون في ظلمة * تجليت فازدان كيوانها وطفت على الروح فاستنشقت * ولاك وإنك سلطانها ومذ لحت في الكون فاستبشرت * سهول البطاح وكثبانها ولدت بمكة في بيته * فخرت لذلك أوثانها ونلت الشهادة في مسجد * وخانك في ذاك شيطانها ومت وفي شفتيك الصلاة * ليرضى بذلك ديانها حياتك سفر إلى العارفين * يخلد بالنور عنوانها وذاتك في كتب المرسلين * يضيق عن العقل تبيانها فعن وضعها ضل أحبارها * وفي فهمها حار رهبانها فخبر إنجيلها عن علاك * وبشر في ذاك فرقانها
180 موسى بحر العلوم (1327 ه - 1396 ه) السيد موسى ابن السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد محمد تقي ابن السيد رضا ابن السيد بحر العلوم، فاضل شاعر. ولد في النجف عام 1327 ه / 1909 م وترعرع فيها وقد توفي والداه في عام واحد وهو ابن سبع سنين، التحق بالحوزة العلمية فقرأ المقدمات على الشيخ المظفر وأضرابه ثم تردد على حلقات الإمام الخوئي والشيخ العراقي والشيخ حسين الحلي، وكان أحد المشاركين في هيئة (الرابطة) وأحد مؤسسي فكرة جمعية المنتدى. زار إيران أربع مرات حيث تبرك بالوصول إلى الحرم الرضوي المقدس. كان شاعرا متأملا رصينا دقيق الروح نظم أول قصيدة له عام 1931، وهو إضافة إلى ذلك ذو علم جم وله تعليقات على أمهات كتب الدرس وتقريرات أساتذته في الأصول والفقه. توفي عام 1396 ه / 1976 م. وله مؤرخا نصب باب المرقد العلوي المذهب، قوله: أوتيت سؤلك فاستأنف من العمل * يا من أتى زائرا قبر الإمام علي نهضت للحق تستهدي مراشده * والحق أوضح من نار على جبل هذا الوصي ولا يخفى له أثر * فكيف يخفى وسر الله فيه جلي تكسو من الذهب الإبريز قبته * يد الولا حلة من أجمل الحلل
181 صفراء يفعل بالألباب منظرها * فعل المدام بلب الشارب الثمل شمس من النجف الأعلى تشع سنا * يضيق عنه نطاق الأعين النجل إن قلت شمس الضحى قالوا أعد نظرا * الشمس ذات زوال وهي لم تزل تقدست قبة ضمت قرارتها * خير الوصيين تالي سيد الرسل حضيرة القدس والأملاك تسكنها * أجل فثم نعيم دائم الأكل تهوى القلوب عليها غير أن لها * من الزحام يد الوفاد لم تصل محط آمالهم قبر الوصي إذا * باءت أماني ذوي الحاجات بالفشل فلست تنظر ممن حل بقعته * إلا إلى ذاكر لله مبتهل لله كعبة قدس بالغري سعت * لها الملوك على الهامات والمقل قامت على بابها تدعو مؤرخة * (لذنا بباب أمير المؤمنين علي) وله مؤرخا أيضا عام صنع الباب الذهبي وذلك 1375 ه: أيها الراجوان لله رضى * يوم لا ينفع مال وبنونا دونكم قبر ابن عم المصطفى * أسد الله أمير المؤمنينا فاخلعوا النعل بواد دونه * شرفا وادي طوى أو طور سينا ثمة الحق فخذ في وصفه * وتعالى الله عما يصفونا بل نفوس خلعت أبدانها * وقلوب ركبت فيها عيونا ورجال عجنت طينتهم * بولا آل الرسول الأكرمينا فجزاهم ربهم من فضله * وأياديه جزاء السامعينا شيدوا أبوابها واستفتحوا * بعلي المرتضى فتحا مبينا وكسوها حللا من ذهب * فاقع اللون يسر الناظرينا فعلى اسم الله أرخ (رتلوا * أدخلوها بسلام آمنينا)
182 محمد صادق بحر العلوم (1315 ه - 1397 ه) السيد أبو المهدي ابن السيد حسن ابن السيد إبراهيم آل بحر العلوم، عالم فاضل محقق أديب. ولد في النجف الأشرف عام 1315 ه / 1897 م، درس المقدمات والسطوح على علماء عصره وحضر البحث الخارج على الميرزا حسين النائيني، والسيد الأصفهاني، وحلقة الشيخ البلاغي في التفسير. سافر عام 1353 ه إلى سورية وبقي فيها سنتين اجتمع فيها بكبار علمائها وأدبائها وكانت له معهم مناظرات أدبية وعلمية. ارتأت وزارة العدل تعيينه قاضيا للشرع في محاكم العراق بتاريخ 23 جمادى الثانية 1367 فتولى القضاء في العمارة ثم البصرة. أجازه جمع من العلماء في مقدمتهم السيد محسن الأمين، وأجازه برواية الحديث جمع من الأعلام كالسيد أبي تراب الخوانساري، والميرزا النائيني، وآغا بزرگ الطهراني، وغيرهم مما ينوف على العشرة، له عدة مؤلفات هامة. توفي في النجف الأشرف عام 1397 ه / 1977 م. وله في ولادة الإمام علي (عليه السلام) وقد شاركه النظم صديقه الشيخ محمد علي الأردوبادي: أيا كعبة البيت الحرام لك البشر * فقد فاق أطباق السماء بك البدر
183 وأضحى لأمر الله فيك خليله * يجدد ما أوهى بحدثانه الدهر هلم معي يا صاح في (رجب) الهنا * إلى البيت حتى يستبين لك الأمر أتت فاطم بنت العلى وهي حامل * بخير جنين ضمه الجنب والصدر فقالت إذا يا كاشف الضر والأذى * ومن بيدي سلطانه الخلق والأمر فبينا تناجي ربها بدعائها * وملء حشاها خشية الله والذعر وإذ بجدار البيت مبتسما لها * بثغر لفرط البشر أصبح يفتر وموسى كليم الله أظهر معجزا * بضرب عصاه البحر فانفلق البحر وأحمد المختار طه نبينا * أشار بكف منه فانصدع البدر فلا غرو إن شق الجدار لفاطم * وفي طيها سر يحار به الفكر وأوسع بيت الله بالشوق حجره * ليحضن مولود العلى ذلك الحجر فقرت به عينا وقيل لها ادخلي * ليرفع عن لب الهدى هاهنا القشر فحلت ببيت الله ضيفا لربها * وللضيف حق لازم حيثما يعرو وإذ دخلت بالبيت أرأب صدعه * وعاد بأمر الله في كسره الجبر فجاءت لها حور الجنان خوادما * وجاءت من الأفلاك أملاكها الغر وأولد شخص (المرتضى) فتبلجت * أسارير وجه الدين وابتسم الثغر غدا الركن يسعى نحوه لاستلامه * وطاف به البيت المحرم والحجر وأضحى وليد البيت لله ساجدا * وذاك لما أسداه خالقه شكر تلا الصحف الأولى وقرآن أحمد * فماست له فخرا وباهى به الذكر ألا من يباري حيدرا بفضائل * تقاصر عن إحصائها العد والحصر فهل غيره بالبيت كان ولادة * وذلك فضل في علي له قصر ولسنا نرى فخرا بذاك لحيدر * بل الكعبة العلياء حل بها الفخر
184 هل الدر بالأصداف يكسب مفخرا * أم الفخر للأصداف حيث بها الدر علي وصي المصطفى ووزيره * ووارثه في الخلق والأخ والصهر وهل يقدر الانسان أن يمدح الذي * يردد آيات الثناء له الذكر فيا فرحة عم الأنام سرورها * وخص علي المرتضى منهم البشر إمام الورى حلف الندى علم الهدى * ومنهلها العذب المجاجة والغمر هو البحر من عليا نزار فلم يكن * سميرا له إلا الأحاديث والذكر إمام تردى بالمكارم والتقى * وقد شهدت في فضله البدو والحضر أبو حسن من ذا يدانيه رفعة * وأنى وطود العلم يرجحه الذر (علي) علا هام السما بمفاخر * نمتها له من قبل آباؤه الغر فإن عد أهل الفضل كان إمامهم * وإلا فمن زيد يكون ومن عمرو لقد فاز بالقدح المعلى فأصبحت * فضائله لا يستطاع لها نكر
185 عبد الصاحب الخضري (1325 ه - 1397 ه) عبد الصاحب ابن الشيخ عبد الله ابن الشيخ محسن الخضري، شاعر أديب فاضل. ولد في النجف الأشرف عام 1325 ه / 1907 م وترعرع فيها حيث تلمذ على أبيه في المقدمات. التحق بعدها بالمدارس الأكاديمية والتحق بعدها بسلك التعليم، ثم ترك مهنته والتجأ إلى العمل الحر، وكان ولوعا بالأناشيد والتلحين حتى أنه حاز إعجاب فيصل الأول. وله من قصيدة في يوم الغدير تقع في مائتي بيت قوله: بخ لولي الله خيرة هاشم * علي الهدى والدين مولى الأعاظم قد اختاره الرحمن من بعد ما اصطفى * لنا المصطفى المختار من نسل آدم هناك رسول الله حط رحاله * وحطت رحال المسلمين الضياغم فشيد من أقتابها خير منبر * عليه ارتقى أرقى خطيب وقائم وأدلى ويمناه بيسرى خليله * ويومي بيسراه ويحكي بباسم مشيرا لهم هذا علي وليكم * إمام به أوصى إله العوالم خليفة حق يحكم العدل فيكم * ألا بايعوا بالأمر أعدل حاكم فبايع كل للإمام مهنئا * بدون توان من محب وناقم فأوحى الإله اليوم أكملت دينكم * لكم في أمير المؤمنين الأكارم ومنكم على الأبرار أتممت نعمتي * بدين إلى كل العصور ملائم
186 محمد جمال الهاشمي (1332 ه - 1397 ه) السيد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسين ابن السيد محمد علي الموسوي الگلبايگاني، عالم فاضل مؤلف وشاعر، شارك في المنابر والاحتفالات والمنتديات. ولد في النجف الأشرف سنة 1332 ه / 1914 م، ونشأ بها على أبيه الذي أدخله المدرسة العلوية الإيرانية، ثم بدأ يتردد على الجامع الهندي فأخذ فيه المقدمات والسطوح على الشيخ المظفر وغيره، والحلقات التي حضرها في البحث الخارج كحلقة الآغا العراقي، والسيد الأصفهاني، ثم أبيه الذي أصبح أحد المراجع بعد وفاة السيد الأصفهاني. سافر إلى إيران أكثر من مرة وتعرف إلى رجالات العلم والسياسة. وكان أحد المساهمين في جمعية المنتدى، وبعد انهيار كليتها خرج منها إلى جمعية الرابطة، وعمل بها فترة حيث أصبح أحد الوجوه الأدبية البارزة في الحوزة. أجازه في الاجتهاد الشيخ العراقي والسيد الأصفهاني، وكان يقيم الصلاة في مسجد الرأس الشريف. وله كتب عدة منها اثنان مطبوعان: الزهراء، الأدب الجديد، والباقية مخطوطة منها: تأريخ الأدب العربي، هكذا عرفت نفسي، حاشية على حاشية ملا عبد الله، حاشية على المطول، حاشية على الكفاية، حاشية على الرسائل، حاشية على المكاسب، رسائل في أهم المباحث
187 الأصولية، توفي عام 1397 ه / 1977، وطبع ديوان شعره مؤخرا. له، وعنوانها " ملحمة بدر الكبرى " قوله: هتفت يثرب برمز الجهاد * فتبارت فرسانها للطراد ومشت حيث ضمها المسجد * السامي جلالا بخشعة واتئاد ساد فيها السكون لما علا * طه نبي الهدى على الأعواد راية الحمد ظللته فأمسى * يتهادى في ظلها المياد تحتها فارس تجلل بالنور * فشعت منه الربى والبوادي النبي الهادي الذي قاد * بالإعجاز للحق موكب الآباد وعلي على اليمين وقد ظلله * في لوائه المتهادي صهره وابن عمه من فداه * (ليلة الغار) فهو أعظم فادي هاج وادي القرى وماجت قريش * تتهيأ للحرب في كل وادي ومطت للكفاح حيث التقت في * (سفح بدر) مع النبي الهادي وهناك السيوف غنت نشيد * المجد حتى هزت قدود الصعاد ألبراز البراز صوت تعالى * رددته السهول للأطواد وعلا صوت (حيدر) بطل الإسلام * للحرب والصراع ينادي وجم الجيش هائبا من صراع * فيه خارت عزائم القواد فانثنى هاربا وأبقى لجيش * الله غنما يربو على التعداد وله، وعنوانها " عيد الغدير " قوله: حسرت عن جمالك الأبصار * واختفت في جلالك الأعصار أي سحر هواه معناك حتى * وقفت دون سره الأفكار بات فيك الزمان ما بين شك * ويقين ماذا يضم الستار
188 راح يخفي العدو فضلك جهلا * ويح إدراكه، أيخفى النهار وغلا العاشق المضلل حتى * قال ما فوق قدره مقدار بيد أني أراك للحق ميزا * نا تساوت في عينه الأقدار عد على المسلمين بالخير يا * عيد فبالشر تطفح الأقطار فيك فجر الهدى أطل فشعت * من سناه الأنجاد والأغوار أمك الحق ظامئا فرواه * بالأماني (غديرك) الفوار وأقام الإسلام فيك كيانا * ينمحي الدهر وهو لا ينهار نزل الوحي في رباك عليه * واستبانت لعينه الأسرار واعتلى يخطب الحجيج وما * المنبر إلا الحدوج والأكوار فأحاط الجمهور بالوحي علما * وعليه سكينة ووقار وبأمر الإله صار علي * ملكا إذ عنت له الأمصار بايعته المهاجرون ونادت * باسمه في جموعها الأنصار وله من قصيدة أيضا: ذكرى لها نفس الشريعة تجزع * وأسى له عين الهداية تدمع رزء له الاسلام ضج وحادث * من وقعه قلب الهدى يتصدع أدرى ابن ملجم حين سل حسامه * للفتك بالإيمان ماذا يصنع أردى به التوحيد في ملكوته * فالعرش مما قد جنى متفجع أردى به الاسلام في توجيهه * فشعاعه بدمائه متبرقع يا فتكة جبارة لم تندمل * أبدا وغلة واجد لا تنقع الدين من جرائها متزلزل * والحق من نكبائها متزعزع صمت لها أذن الحوادث دهشة * وتلجلج التاريخ وهو المصقع
189 جرح أصاب الطهر في محرابه * من وقعه قلب الهدى يتوجع لاقى الإله وذكره بلسانه * ومضى إليه ساجدا يتضرع بين الصلاة وتلك ارفع شارة * يقضي شهيدا بالدماء يلفع ونعاه للملأ المقدس صارخا * جبريل قد مات الإمام الأورع وتهدمت في الأرض أركان الهدى * فكيانه من بعده متضعضع وله كذلك: أيها الليل الذي أوصافه * فوق ما يرسم منا القلم ما الذي تخفيه يا ليل ففي * وجهك الكالح رعب مؤلم وإذا الصرخة تعلو بغتة * وإذا المحراب يغشاه دم أيها المجرم هل تعلم ما * ارتكبت نفسك أو لا تعلم هل درى سيفك في ضربته * هدم الطود الذي لا يهدم وجم الإيمان منها فزعا * وتلاشى في لهاه النغم وهوى الاسلام منها خائرا * وانبرى موكبه يستسلم والصلاة انهدمت أركانها * بعد ما طاح العماد الأعظم والجهاد انغلقت أبوابه * بعد ما فل الحسام المخذم والكتاب التبست آياته * بعد ما جف البيان المحكم والضمير انهار لما سقطت * قيم فيها تقوم الشيم أيها الفجر الذي آلاؤه * لم تزل في كل جو تبسم عميت عنك عيون كحلت * ضوؤها في مروديه الظلم زحفت أوغادها ناقمة * ومن الفجر انبرت تنتقم أطفأت شعلته في ضربة * في ضمير الحق منها ضرم
190 سفكت فيها دما لما يزل * مائرا تياره يحتدم شرحت تاريخ جيل ركبه * حفزته للصعود القمم ضربة المجرم رمز ملهب * وشعار فيه رف العلم أيها الدمع انسجم في ليلة * مدمع الحق بها منسجم فالإمام المرتضى محرابه * مائج في دمه ملتطم وأمين الله في لاهته * نادب يقطر من الألم هدمت والله أركان الهدى * وعرى الحق غدت تنفصم وله أيضا: عيد، ويومك للعواطف عيد * فيه لكل قريحة تغريد يوم ابانك للوجود كأنما * فيه أفيض على الوجود وجود ما كنت إلا الفجر فاجأ أمة * غمرت عوالمها ليال سود بك يبتدي التأريخ تاريخ السما * وإليك موكبه السعيد يعود البيت بيت الله جل جلاله * لا، ما بنته قضاعة وزبيد هو مقصد الأرواح حين عروجها * للحق يحدو ركبها التجريد يسعى له التسبيح وهو مطأطئ * ذلا، ويلثم ساحة التحميد هو رمز معنى لا يحيط بكنهه * لفظ، أشار لأفقه التوحيد بيت يطوف به الخلود مدلها * فله ركوع حوله وسجود الله قدس ساحتيه، فما حوى * إلا الجلال فضاؤه الممدود غفلت فهامت مريم مطرودة * منه وضاع مقامها المحمود وولدت فيه، فأي سر كامن * بك قد تقدس سره المولود بشر بأفق الله يبزغ نجمه * فشعاعه من نوره موقود
191 سبحان مجدك ينتمي لأواصر * بالله حبل نظامها مشدود لا غرو أن عبدتك منهم فرقة * فجمال وجهك للهوى معبود مولاي هب لي من رحيقك جرعة * يقوى به تفكيري المكدود فالحادثات وما أمض هجومها * أبلت قواي فعالمي مهدود ويكاد لولا إن لطفك عاصمي * ينحل حفل جهادي المحشود فإذا نظرت إلى حياتي رحمة * سعدت وأمرع حقلها المخضود ورجعت يصحبني النجاح بموكب * في جانبي لواؤه معقود وله أيضا: طاف كالحلم في ضمير العصور * واعتلا كالشعاع فوق الأثير وتجلى كالفجر فاستقبلته * بالتهاني مواكب التكبير رددته الأجيال فاخترق التأريخ * يطوي الدهور بعد الدهور ولدته عناصر العالم الأعلى * وربته أمهات النور هو صوت الحياة طاف على * الكون بروح علوية التأثير رددته قيثارة الله وحيا * عبقري الخيال والتصوير يلهم الأنبياء معجزة الروح * فيبدي للعين ما في الضمير هو سر الأسرار أظهره الله * لنا من حجابه المستور وانبرى يعبر العصور إلى أن * بلغ القصد وانتهى بالمسير كم طوى البحر من قرون وأجيال * إلى أن سما ليوم الغدير أكمل الله سنة الخلق فيه * وانتهى من كتابه المسطور وعلا ذلك النداء وقد كان * خفيا في العالم المستور وتلاقي النوران في الأفق النائي * فشعت عوالم الديجور
192 وسما البدر بالشعاع، فلا تبصر * إلا نورا سما فوق نور منبر الحق كان من حدق الشهب * وما كان من حدوج وكور عانق الروح جسمه فهما في * نشوة الوصل والتذاذ السرور ووفود الحجيج في غفوة الوحي * ترى اللب من وراء القشور نسمات الجنان قد أسكرتها * فهي لم تلتفت للفح الهجير ونداء السماء أشغلها عن * زعقات الحادي وهمس الخفير منظر هائل يحار به اللب * وتنهد قوة التفكير وكلام تعيه بالروح حين * الأذن صمت من روعة التعبير يرفع المصطفى عليا، لكي * يكشف فيه عن فضله المستور رامزا أنه عن الناس أسمى * رتبة في جهاده المشكور إن فعل النبي أفصح من أن * يلجأ المستريب للتفسير فهو يغني الجمهور عن نغمة * الوحي وتوقيعها على الجمهور قل لمن يستجير باللفظ هذا * الفعل يلغي مكائد المستجير إنما الوحي كان للفعل تأكيدا * وللقول لذة التقرير توج المصطفى عليا فأمسى * ملكا للهدى بأمر القدير فأعيدي يا ربة الشعر ذكراه * وثر حافلا به يا شعوري
193 بولس سلامة (1320 ه - 1399 ه) هو بولس سلامة، من لبنان مسيحي أديب كاتب شاعر فاضل نشأ في بلده، وتلمذ على جملة من أدباء عصره لا سيما النصارى منهم، وقد تدرج حتى أصبح أحد المشار إليهم بالبنان، أما مشاركاته في الحياة العامة فهو قاضي بيروت المسيحي لفترة إضافة إلى أعمال أخرى تردد فيها، ويغلب على أدبه عامة والشعري خاصة قوة السبك وروعة التخييل ونحت المفردات.. وله ملحمة عيد الغدير وعلي الحسين ومؤلفات أخرى. ولد عام 1320 ه / 1902 م وتوفي بعد مرض عضال في 1399 ه / 1979 م. مولد علي (عليه السلام) وله من قصيدة في ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: سمع الليل في الظلام المديد * همسة مثل أنة المفؤود من خفي الآلام والكبت فيها * ومن البشر والرجاء السعيد حرة ضامها المخاض فلاذت * بستار البيت العتيق الوطيد صبرت فاطم على الضيم حتى * لهث الليل لهثة المكدود
194 وإذا نجمة من الأفق خفت * تطعن الليل بالشعاع الجديد وتدانت من الحطيم وقرت * وتدلت تدلي العنقود تسكب الضوء في الأثير دفيقا * فعلى الأرض وابل من سعود بسم المسجد الحرام حبورا * وتنادت حجاره للنشيد هالت الأم صرخة جال فيها * بعض شئ من همهمات الأسود دعت الشبل (حيدرا) وتمنت * وأكبت على الرجاء المديد (أسدا) سمت ابنها كأبيها * لبدة الجد أهديت للحفيد بل (عليا) ندعوه قال أبوه * فاستفز السماء للتأكيد ذلك اسم تناقلته الفيافي * ورواه الجلمود للجلمود يهرم الدهر وهو كالصبح باق * كل يوم يأتي بفجر جديد وحبا الطفل نابها هاشميا * خصب عقل وساعد من حديد ورآه النبي كنزا صغيرا * طلعة الليث في بهاء العيد بدل (القاسم) الفقيد عليا * بدل الدر طارفا بتليد
195 فجر الإسلام وتلا زوجة النبي علي * بكر من آمنوا وبكر الخلود أول المسلمين لله طوعا * بكره عند حوضه المورود وأبوه الحامي الرسول من العد * وإن والبطش والردى والوعيد إذ تداعت قريش للغدر كالعقبان * تسطو بالبلبل الغريد يا أبا طالب يقولون أفسح * بين أسيافنا وعنق المريد نزلت آية تقول ألا اصدع * واتل إنذار خالق لعبيد ودعا السمح أهله لطعام * جاد فيه الكريم بالمجهود ودعاهم لله، للنور، للجنات * خضرا على الزمان الأبيد لم تحرك يد ولا اهتز طرف * أو لسان يهم بالتأييد كلهم غير واحد تتشظى * بين جنبيه جمرة الصيهود قال: إني لها، وإن كنت غض * العمر، فالسيف للعتاة بريدي وأعاد النبي حر دعاء * لم يحرك سوى جنان الودود نجدة الدين والمروءات والأخلاق * وقف على الهمام النجيد وإذا بالنبي يرسل قولا * رن في مسمع الزمان البعيد أنت مني ووارثي ووزيري * وعلى الحوض أنت بكر شهودي يا علي العصور نسر قريش * رافع السيف والقنا والبنود إنك البكر في الشهادة والأخلاق * والعلم والفعال الحميد
196 هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وله من قصيدة في هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فيها: واستبدت بالمسلمين الدوائر * فاستطار الردى وعز الناصر إلى أن يقول: مات عم النبي ليث البوادي * شيخ أم القرى وشيخ الحواضر فمضى الشر ينحر الخير نحرا * وتبارت إلى الحمام الكواسر بيتوا للنبي ميتة غدر * تحت سدل من عتمة الليل ساتر واستنابوا لصرعة الليث ختلا * عصبة مثلت شتيت العشائر واطمأن القناص فالصيد باق * ولقد بات في الحبالة طائر يا ذئابا حول العرين تعاوت * إن ملء العرين ليثا خادر لف برد النبي صدر علي * فالإطار السني ضم المفاخر هو ملء الثوب العظيم، وطه * ملء جفنيه والنهى والمشاعر هو يفديه بالحياة ويرضى * ألف موت به لو الله ناشر كلما عاش مرة مات أخرى * باسم الثغر باسم الوجه شاكر رقد الليل ناعما بفراش * حشوه الموت فالوساد مخاطر بات فوق الخناجر الزرق ليث * دون أظفاره رهيف الخناجر إن ينم في مضاجع الموت حبا * بالنبي العظيم فالله ساهر لوح الصبح وانجلى عن هصور * ثابت البأس مطمئن الناظر درعه الحق واليقين وقلب * بالمروءات كالخضم الزاخر حبه الموت هالهم فتواروا * كالخفافيش في ضياء باهر
197 هجرة علي (عليه السلام) هزه الشوق للنبي فشد العزم * يهفو إلى جماع المآثر صابر في العذاب والجوع حتى * عجب الفقر من تقشف صابر فيناجي السهى يصعد في الأجواء * طرفا، يشق ستر الدياجر إن هذا الصمت الرهيب لقدس * يغسل المرء بالعذاب الصاهر فالخطوب الجسام والألم الممدود * وحي مطهر للضمائر فإذا كان طاهرا كعلي * شد لله قلبه بأواصر يذكر الله بكرة وعشيا * ويصلي في كل ومضة خاطر فالمناجاة والصلاة عطور * تتعالى إلى السماء مباخر يا رمال الصحراء هذا علي * فاملئي الدرب والضفاف أزاهر هو بعد النبي أشرف ظل * لاح في السبسب الحلي مهاجر حملي أجنح الأثير نسيما * من جفون الأسحار ريان عاطر وليفض صدرك المعبس واحا * باسما بالرطيب في وجه عابر تسرح الرئم حوله والحباري * والنعامات والمها والجآذر وابسطي حوله الزنابق فرشا * وانشري فوقه الغمام مقاصر كل ما تبلغ الرؤى من جمال * فتحت أفقه أماني شاعر
198 علي (عليه السلام) في يثرب وحول وصوله إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) يعرج قائلا: تعب القفر من أناة الساري * إذ أتى النسر ساحة الأنصار وأبى أن يكون ضيفا فراح * الليث يرتاد مهنة الأكار يغرس النخل عاملا ويخلي * للعشاء الهزيل أجر النهار ويعود المساء والصدر يشكو * عرق الكد لاصقا بالغبار حسبه الدرهم الرخيص فلم * يحلم علي بصفرة الدينار تحمل الرفش كفه وهي كف * صاغها الله للشؤون الكبار لليراع النضير للخيل تجري * للقناة السمراء للبتار فهي محق للغادرين وحرب * وبلاء يحيق بالأشرار تسكب الموت والصواعق وبلا * فتميد الغبراء بالفجار أي كف من جبهة الصخر قدت * هي أسطى من صولة الأقدار حسبها أن تسله مشرفيا * فتطل المنون من ذي الفقار قل: هو الله أكبر إن سيف * الله يزهو بفارس من نزار مد في رفرف الخلود جناحا * يلبس المسلمين هالة غار تلك كف لم يعلق اللؤم فيها * فتسامت عن الهوى والصغار إنها الشمس في الضحى لم تدنس * يعصم الله أن تهم بعار يبذل المال لليتامى فقير * ويلف العطاء بالأستار من يجد من خصاصة مستجنا * فالعطايا هدية للباري
199 تلكم الكف تسطر الوحي * فالقرطاس كون يشع بالأنوار بينها (النجم) (والضحى) (وبروج) * (وانشقاق) يجئ بعد (انفطار) هذه الكف للمعارف باب * مشرع من مدينة الأسرار لم يؤاخ النبي غير علي * حفنة التبر أدمجت بالنضار حسد جال في الصدور وهمس * وعيون في حيرة وازورار
200 بدر وله معرجا على موقعة بدر قوله: حمل الليل من صميم الدعاء * ما أهاج الحزون في البيداء أحمد الساهر الوحيد يصلي * يغرق الخوف في صباح الرجاء " يا إلهي اكفني قريشا " وألبس * أرض بدر مطارف الخيلاء ودعا (بالعقاب) رايته السوداء * منسوجة بكف الضياء واصطفى حيدر الهصور عليا * فلواء يعتز فوق لواء جال في حومة البراز علي * جولة الليث في قطيع الشاء لا يدانيه في الصيال كمي * غير عم موكل بالفناء أسد الله (حمزة) لا يبالي * بالمنايا فالترس حلي نساء يخسف السهل والجبال ويبقى * وعيه الفذ في السنا والصفاء يسحب السيف ذا الفقار رهيفا * ويدوي بالضربة العصماء لمعة البرق في السحاب ورعد * وقتام ينجاب عن أشلاء صامت في الطعان صمت رياح * منذرات بالعصفة الهوجاء أعمل الفتك في أمية حتى * تخم السيف من سموم الرياء حنظل والوليد وابن سعيد * وحماة الوطيس في اللأواء نالهم ذو الفقار نيل ضرام * شب طي السنابل الحصداء وتبارى الجمعان ضربا وطعنا * وانثنت كل صعدة سمراء
201 زواج علي (عليه السلام) وله بمناسبة زواجه صلوات الله عليه قوله: عاد إثر الوقيعة البكر ليث * رمقته القلوب بالإيماء سار خلف النبي غير حفي * بالرياحين في أكف الإماء يلمس الدرع فيئه وهي كنز * لفقير لم يلتفت للثراء أتراها تفي بمهر عروس * أتراه يرد رد جفاء وأبوها لو رام عدل صداق * مال قارون ظل دون الوفاء دون ما تستحق إيوان كسرى * واللآلي وحلية الزباء ولو أن الدهناء تبر لكانت * بعض شئ بجانب الزهراء بضعة من أب عظيم يراها * نور عينيه مشرقا في رداء جاء بيت النبي والقلب خفق * فهو في مثل رجفة البرداء قال: " إني ذكرت فاطمة " * وانبث صوت مكبل بالحياء فأجاب النبي: أبشر عليا * خير صهر مشى على الغبراء بيعت الدرع في الصداق وزفت * لعلي سليلة الأنبياء هو خير الأزواج عفة ذيل * وهي خير الزوجات من حواء في نقاء السحاب خلقا وطهرا * في صفاء الزنابق العذراء
202 أحد وفي معركة أحد له: ترك النصر في النفوس ذحولا * وبكاء مضرجا وعويلا كلما قارب الضرام انطفاء * راح (صخر) يمد فيه الفتيلا زوج هند، ألد أعداء طه * وأخس الأنام خلقا وقيلا إلى أن يقول: والأحابيش من رعاع أبي سفيان * حلت في الطود حملا ثقيلا راية المشركين في كف (عبد * الدار) تدعو إلى البراز الفحولا أرجف الأرض (طلحة) يتحدى * باسطا للنضال باعا طويلا وهو في زهوة الطواويس دلا * وزئير الأسود تمنع غيلا وإذا بالذي يسابق در * الغيث خلقا وصارما ومقولا بعلي، يجري إليه سكوتا * شيمة الصقر يأنف التهويلا أوجز السيف خطبة الموت حتى * لم يشأ من جلاله أن يقولا خف (عثمان) ثائرا لشقيق * ولواء لا يرتضيه ذليلا فإذا حمزة يهز قناة * خضبت رافع اللواء جديلا ومضى ثالث الصريعين يهوي * بالرديني للطعان عسولا فرماه على الرغام علي * فاتقاه بعورة مخذولا عورة يكشفونها، فيغض * الطرف، ليث جاز الحياة نبيلا وانجلى النقع عن عتاد قريش * سائبا والفلول تقفو الفلولا
203 فتعادي الرماة للغنم والأسلاب * والمال يبهر الضليلا وتناسوا أمر النبي يقول: " * النبل لا غيره يصد الخيولا " واستحر الضراب، وانهزم * الأبطال، ناسين أن فيهم رسولا وأصيب الرأس الشريف بجرح * لفه الله بالسنا منديلا يتقيه (أبو دجانة) حتى * طوق النبل رأسه إكليلا وعلي حاط النبي بسور * من رؤوس أقام منها تلولا ثابت والجراح مدت رداء * من عقيق غطاه إلا قليلا
204 الخندق وعن الخندق كتب يقول: جمع المشركين رحب فنائه * حاقد ظل سادرا في عدائه خالفته اليهود من كل فج * يبعثون الدفين من بغضائه إلى أن يقول: قادهم فارس يقود المنايا * ويثير الوطيس بعد انطفائه راح يدعو إلى البراز فخورا * كاختيال الطاووس في لألائه بارزوني يقول هل من شهيد * قربته المنون من حورائه واستعاد النبي من لابن ود * وجنان النعيم بعض جزائه لم يجب طوع صوته غير صهر * يبذل الروح باسما لافتدائه فيقول النبي لا! ذاك عمرو * هو نار الجحيم عند التظائه قال: إني له وإن كان عمروا * وغلى كالهجير عند اصطلائه وانتضى ذا الفقار سيف خلود * لم تزل زرقة السماء بمائه يا إلهي هذا أخي وابن عمي * فليكن نصره جزاء وفائه " لا تذرني فردا فغب (عبيد) * (حمزة) الليث غاب قبل مسائه " ومشى حيدر يروم هصورا * يلتوي الأخشبان قبل التوائه أيها النسر دونه كل نسر * ليس غير النجوم في أجوائه جلجلت فيك روح عبد مناف * (وقصي) و (غالب) من ورائه فإذا بطشه رماد وذل * وعيون تبكي على أشلائه
205 كبر المسلمون لما رأوه * جبلا ماد في خضيب دمائه ضربة ذكرها يظل فتيا * بعد موت الزمان بعد فنائه هابها الضيغمان كسرى وروما * وتغنى الحادي بها في حدائه
206 خيبر وعن وقعة خيبر أنشأ يقول: قلعة السهل يا مطل الغمائم * ومقر الخنى وكهف المآثم حتى يقول: والمغيرون لا حصون تقيهم * غير بيض الظبي وسمر اللهاذم ويهود ترميهم بصخور * صاعقات تنقض من كف راجم أعجز المسلمين خصم عنيد * إنه في السحاب في حصن (ناعم) كل يوم يعطى اللواء عقيد * فيعود المساء والوجه ساهم قائد تلو قائد يتولى * واللواء الحزين كالقبر جاءهم وإذا بالرسول يرفع طرفا * ويشق السكوت لمعة صارم قال إني غدا سأعطي لوائي * رجلا راح مفردا في الأوادم قد أحب الإله حتى كأن * الله في قلبه خفوق ملازم وأحب الرسول حتى تحدى * كل ما ضمت الدنى من عوالم وهو حب الرحمان وهو حبيبي * قاسم مات فهو عندي قاسم بطل لا يفر لو فر (رضوى) * ويصيد الرئبال والليث آجم فاشرأبت آمالهم وتمنى * كلهم أن يكون ذاك الضبارم فإذا أصبح الصباح تلاشت * وأباد الضياء أضغاث حالم ودعا أحمد عليا وقال: * اليوم يوم اللواء، يوم العظائم وعلي لا يهتدي لطريق * أرمد العين، أحمر الجفن، وارم
207 لامست إصبع النبي جفون * النسر فالطرف كالمهند حاسم وحباه سلاحه ذا الفقار العضب * يهوي على الجلاميد فاصم ويقول النبي: بشراك فاهنأ * سيد العرب لا يضيرك هاجم ومشى كاشف الكروب وثوب * الليث يجري وراء خيط النعائم فإذا (حارث) يصد عليا * بحسام كالموت أحمر جاحم لم تكن غير ضربة وتردى * (حارث) كالبناء وهن الدعائم فأتى (مرحب) أخوه يثير * الأرض رعبا والجو رجع زمازم ثم أهوى بضربة لعلي * فأطار المجن من كف خاطم وإذا بالأمير يخلع باب الحصن * ترسا ويتقي ضرب قاصم هو باب الحديد كالطود ثقلا * محكم السبك كالصخور الصلادم وكوى ذو الفقار كف علي * يهتف: اضرب فليس حدي براحم فلق العضب هامة سيجتها * خوذة فوق صخرة وعمائم
208 وادي الرمل والطائف وزبيد وعن موقعة وادي الرمل التي هي من المعارك الهامة في حياة الرسالة، يقول: أمن المسلمون شر الجوار * فاستناموا لهدأة الأقدار حتى يقول: جاء من أنبأ النبي بأن * النار مدت لسانها لاستعار (فسليم) تروم يثرب تلا * من رماد يروي نشيد الدمار وسليم في بطن واد كعمق * الخبث في صدر حاسد غدار ودعا للصلاة أحمد يبغي * قبل رأي العبيد نور الباري علم الجمع بالذي كان * فاشتاقت نفوس لرنة البتار يتوالى قوادهم في السرايا * ويعودون خضع الأنظار أين من يكشف الخطوب إذا ما * لبس المسلمين ذل انكسار فدعاه النبي فافتر بشرا * وأتى الزوج يبتغي ذا الفقار ناوليني عصابة الموت إني * سألاقيه كالمهند عاري صنه يا رب إنه زوج بنتي * وابن عمي ووالد لصغاري هكذا قال أحمد وعلي * قد أعد الخطاف للأعمار أعلموا الخيل قال للصحب ثم * انقض كالصقر والشهاب الساري أوطؤوها صدور قوم سليم * وانجلى النقع عن محاق السرار أعلم الله عبده فتهامت * سورة (العاديات) بشرى انتصار
209 دون المصحف المجيد عليا * قبلما فض خاتم الأدهار فهو في رفرف البطولة رأس * وعظيم في رفرف الأبرار هب طه وصحبه للقاء * النسر يأتي مجللا بالفخار فتهاوى الأمير فرط حياء * أين منه خفارة الأزهار " ويقول النبي ": إركب فإن * الله راض عن حيدر كرار " وأنا من علمت حبا وقربى " * فبكى الليث، دمعة استعبار واجبا للفتوح كان علي * كوجوب الغيوم للأمطار وعن وقعة الطائف كتب يقول: زف للموت (نافعا) (وشهابا) * طائفيين في جلود النمار وعن غزوة زبيد أنشد: هو من رد للرشاد (زبيدا) * وهي في مثل سكرة الأغرار ساقها للغرور عمرو بن معدي * كرب ليث الفلا وعز الجار قال: يا قوم إنني لعلي * سوف يدري مخالب الزؤار ودعا للبراز وهو كحرف * الطود ثاو على جواد مثار جاش في صدر خالد بن سعيد * نخوة ترتمي على الأخطار بأبي أنت يا علي فدعني * ألتقيه فلست بالخوار فأجاب الأمير كلا فهذا * الليث ضار محدد الأظفار وأتاه كالطود يهدر * بالنيران مدت لسانها لانفجار صيحة تصدع الجبال فولى * عمرو منها كالزئبق الفرار
210 حنين وقد عرج على حنين فقال من ضمن ما قال: أكبرته (هوازن) صنديدا * فتلاقت على (ابن عوف) عميدا إلى أن يقول: فإذا بالكمين ينقض خلف * الجيش كالريح تهصر الأملودا يرسل الموت مشرعا في سهام * كشرار الجحيم حمرا وسودا كان جيش الإسلام عقدا نظيما * مزقته النكباء حبا بديدا والنبي العظيم لولا علي * وبنو هاشم لظل وحيدا تسعة حول أحمد حضنوه * مثلما تحضن الضلوع الكبودا فأبو جرول عديل (دريد) * كان كالحصن بالحديد مشيدا فأتاه (أبو تراب) فمال * الطود في دمه يخضب جيدا ومشى ذو الفقار يلتهم الأتراس * بريا والجوشن المسرودا
211 أهل البيت (عليهم السلام) ومن قصيدة بعنوان أهل البيت كتب يقول: عترة الطهر يا ورود الخمائل * عطري الجو بالشذا والفضائل يا شروق الأنوار في غيهب الأز * مان ظلت على العصور مشاعل أيها المركب القوي شراعا * سر على البحر لو تعالى جحافل قال طه: تركت فيكم كتاب * الله بعدي وأهل بيتي وسائل " فاحفظوني في عترتي أهل بيتي " * يحفظ الكف من أحب الأنامل سبني من يسبهم ورماني * من رماهم فالقلب أوحد كامل فبهم أبهل الخصوم وما في * الأرض من يقرب العرين مباهل جمع الله خمسة في كساء * ليس فيه إلا الجسوم فواصل وعلي مني كهارون من موسى * ولكن من النبوة عاطل " إنه الباب في مدينة علمي " * وهو أتقى من شرف الأرض ناعل " لو مشى الناس واديا وعلي * واديا فاتبع صراط العاقل " رأيه حكمة السماء ونبع * الحق فانزل على صفي المناهل
212 يوم الغدير عاد من حجة الوداع الخطير * ولفيف الحجيج موج بحور لجة خلف لجة كانتشار * الغيم صبحا في الفدفد المغمور إلى أن يقول: بلغ العائدون بطحاء (خم) * فكأن الركبان في التنور عرفوه غدير خم وليس * الغور إلا ثمالة من غدير بلغوه لا يحمدون مقيلا * بل يحثون نوقهم للمسير وإذا بالنبي يرقب شيئا * وهو في مثل جمدة المسحور جاء جبريل قائلا: يا نبي * الله بلغ كلام رب مجير أنت في عصمة من الناس فانثر * بينات السماء للجمهور وأذعها رسالة الله وحيا * سرمديا وحجة للعصور ودعاهم إلى السماع مناد * فاستجابوا رجع النداء الجهير حسب طه إيماءة وتكر * الناس كالهيم أحدقت بالنمير هيبة لم تكن لقيصر روما * ونفتها الأيام عن أردشير ما دعاهم طه لأمر يسير * وصعيد البطحاء وهج حرور وارتقى منبر الحدائج طه * يشهر السمع للكلام الكبير أولا تشهدون أن لا إله * غير رب فرد رحيم غفور وبأني عبد له ورسول * لم يقصر في النصح والتبشير فأجابوا: بلى فقال: إلهي * أنت فاشهد لعبدك المأمور
213 أيها الناس إنما الله مولا * كم ومولاي ناصري ومجيري ثم إني وليكم منذ كان * الدهر طفلا حتى زوال الدهور يا إلهي من كنت مولاه حقا * فعلي مولاه غير نكير يا إلهي وال الذين يوالون * ابن عمي وانصر حليف نصيري كن عدوا لمن يعاديه واخذل * كل نكس وخاذل شرير قالها آخذا بضبع علي * رافعا ساعد الهمام الهصور راويا للزمان فضل علي * باسطا للعيون حق الوزير حيدر زوج فاطم وأبو السبطين *، والرمح يوم طعن النحور وأمير الزهاد قبلا وبعدا * حسبه في الطعام قرص الشعير بث طه مقاله في علي * واضحا كالنهار دون ستور فأتاه المهنئون عيون * القوم يبدون آية التوقير جاءه الصاحبان يبتدران * القول طلا على حقاق العبير " بت مولى للمؤمنين هنيئا * للميامين بالإمام الجدير " عيدك العيد يا علي فإن * يصمت حسود أو طامس للبدور تنطق البيد ناثرات على الصحراء * وشيا من كل زهر نضير
214 وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم كتب عن وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: دب وهن الفناء في جسم طه * فالنبي العظيم بات عليلا ورآه العباس كالشمعة الصفراء * يذوي ويستدق نحولا فدعا سيد العرين عليا * وأسر الكلام همسا ضئيلا يا حبيب النبي شمت خيال * الموت في جبهة النبي نزيلا أحمد جاوز الأصيل وأشفى * وتحسست حوله عزريلا أقبل الوامق الحزين علي * مشية العبد راسفا مغلولا فحباه النبي خاتمه العلوي * قدرا والمستحيل عديلا وحباه حمائل السيف، فوق * الختم رمزا لا يقبل التأويلا وأحست جزيرة العرب أن * البدر يمشي في جوها مشلولا وعلي وقد تمرس بالآفات * حتى يرى الأشم هزيلا لم يرعه إلا الرسول يوارى * لم يرعه إلا التراب مهيلا وحثت فاطم التراب وداعا * واكبت على الثرى تقبيلا وتوالت تحت السقيفة أحدا * ث أثارت كوامنا وميولا وانجلت عن ضياع حق ولي * كان إلا عن حزنه مشغولا وتعيد الأصنام دولة عز * ويعود الشرك المزمجر غولا ويموت الإسلام في المهد طفلا * شارقا في نجيعه مطلولا
215 عثمان بن عفان وله قصيدة يؤرخ فيها بعض الأحداث التي وقعت في عصر الخليفة الثالث منها قوله: إيه عثمان هل ذكرت الغفار * ي المجلي وكان قدس زمانه يالتعس المنفي من دون ذنب * غير صدق في قوله وجنانه رام مروان أن يصد عليا * عن وداع المطرود من أوطانه قال: دعه إن الخليفة يأبى * أن تجل الطريد في خذلانه هاله أن يرى عليا بلون * الجمر هاج الكمين من بركانه زمجر الليث قائلا: لا تمانع * مدك الله في لظى نيرانه وعلا مركب العتي بسوط * فثنى النكس فضلة من عنانه وفيها يثبت حادثة سكر الوليد والي الكوفة وإمامته الناس في الصلاة، فيقول: كيف يسمو من قلبه في التحظي * يتلاشى وعقله في دنانه فإذا فاضت الدنان رحيقا * جاءها يستحم في أجرانه قال: هلا أزيدكم عشرات * وتمادى السكير في هذيانه جئ بالفاسق الخليع أخي * عثمان من أمه فيا لحنانه رام أن يرذل الشهود دفاعا * عن أمير المجان عن سكرانه وأتى حافظ الشريعة، سيف * الله، نور المصباح في فرقانه مغضبا عاتبا رآه ابن عفان * فشام الكتاب من عنوانه هل أقمت الحدود فالذنب أجلى * من وضوح النهار في ريعانه صاح قم يا حسين فاجلده جلدا * خذ حقوق الرحمان من شيطانه
216 خلافة علي (عليه السلام) مات عثمان والبلاء ازدادا * وادلهم النهار والهرج سادا أصبح (الغافقي)، وهو رئيس * الثائرين الألى أثاروا البلادا ينشد النابهين، يبغي وليا * بعد عثمان يصطفيه عمادا ودعا الفيصل الوحيد عليا * فتوارى عن العيون المنادى لم يردها خلافة عن يد * الثوار تعطي وهو النبيل نجادا وتجاروا للمسجد النبوي * البكر يمشون زمرة وفرادى وأتوا يشهدون منبر طه * محكم العقد بيعة وانعقادا (طلحة) (والزبير) والصيد من * أصحاب طه، والأولون جهادا والتقي ابن ياسر، وأبو * أيوب وجه الأنصار، خلقا وزادا أجمعوا هاتفين باسم علي * وعلي ما ازداد إلا عنادا قال يا قوم إن دنياكم * عندي لنزر أقل من أن يرادا فاتقوا الله واتركوني تروني * أسلس الناس للولي انقيادا واستداروا ببيته يقطعون * الليل لغطا فنازعوه الرقادا قال في مسجد الرسول أولى * فألاقي من جدره أشهادا حملوه للأمر حمل عروس * في مطاوي حيائها تتهادى وأحاطوا به إحاطة إبل * حول ماء تدافعت ورادا يا لشؤم الأقدار أول كف * مدها طلحة فنزت فسادا أزهد الناس منذ ما عرف * التأريخ زهدا فخلد الزهادا
217 يغمر الناس عدله بالعطايا * لا يرى أعبدا ولا أسيادا هاله أن يرى دموع اليتامى * والمساكين تمزق الأكبادا ويرى المسرفين تنهب بيت * المال في جنة النظام اطرادا طمست سنة الرسول، فأحياها * علي وجدد الأبرادا أي شر يلقى أبو الحسن الصنديد * من خبث رهطه إن حادا زرع الشوك غيره فحرام * أن يكون المعذب الحصادا يدأب الليل والنهار فيلقى * عوسجا جارحا وشوكا قتادا هاج سخط القلوب نهج علي * في صدور تفجرت أحقادا
218 يوم الجمل وعن يوم الجمل يقول: أصبح السهل ضفتين من * الأبطال عد الحصى علو الرمال بين بحرين برزخ من عداه * لزمته عواقب الأهوال وقف القائد الأمير كئيبا * كوقوف الولهان بالأطلال قال لا تبدهوا العدو بحرب * عل فيهم إفاقة من ضلال وإذا بالسهام، من ضفة الأعداء *، تهمي تدفق الشلال عيل صبر الأبطال، صحب علي * فتنزت قلوبهم للنزال جاء عبد الرحمن، نجل أبي * بكر، يقول انتهى زمان المطال إن إخواننا يخرون صرعى * أترانا نموت موت السخال حقك الحق يا أمير فدعنا * ننصرف أو نمت بظل المعالي رفع الليث طرفه في خشوع * في انكسار اليتيم، قبل السؤال قال: يا مبصر الغيوب، وذات * العدل، والجود، والعليم بحالي لنت حتى مرونة الغصن دوني * واتضاع الشذا ولطف الظلال كثر القتل في اليمين وطار * الريش من مقدم الجناح الشمال وعلي نعسان يخفق طرفا * كخفوق الغصون في الآثال أغبر الوجه جاءه (ابن جهين) * ضيق الصدر، واسع البلبال أدرك الناس يا أبا الحسن الصنديد * فالجيش في طريق الزوال فاستفاق الأمير كالليث مجروحا * يشق الطريق في الأدغال
219 وأتوه ببغلة لرسول الله * صارت إلى الحبيب الغالي شق بين الصفوف سمتا عريضا * كطريق الشعاع في الأظلال وتراءت له (حنين) و (بدر) * فاستجد الشباب غب اكتهال وأغار الصنديد فالحرب دالت * واستحال الذؤبان سرب رخال ومشت بغلة الرسول على * الأبطال تفري وجوههم بالنعال وأبى ذو الفقار أن يستحم * اليوم إلا بمهجة الأقيال وأذاع الأمير " لا تقتلوا الجرحى * ورفقا بهارب مجفال فأشاروا عليه أن يقتل الأسرى * وفيهم سلالة الأصلال قال بل رحمة لمن يتزكى * للمصلين، رحمة للعيال جمع الأبعدين قلب علي * همة الليث في صفاء الزلال إنما الحق شيمة لعلي * لحمة التوأمين دون انفصال
220 صفين وله قصيدة بعنوان صفين يقول فيها: وقف الطامع الحريص ابن هند * يرسل الطرف من ذرى (قاسيونا) أيخلي هذي الرياض وينحو * جانب البيد خاسرا محزونا فليثرها خلافة ويذر التبر * ذرا، فالمال يعمي العيونا وليطالب بدم عثمان، ولينشر * قميصا به يثير الشؤونا سار والجند طوع لابن هند * كالدمى في أنامل اللاعبينا وأتاهم للحرب، أقطع خلق * الله سيفا، وأصدق الناس دينا بشيوخ المهاجرين، وأنصار * صحاب، وأهل بدر مئينا واستحر القتال حتى تغطت * جبهة السهل بالنجيع سخينا وأراد الأمير حجب دماء * لم يرقها إلا نبيلا ضنينا أغبياء لعل فيهم بريئا * إن يكن في أمية مسلمونا فدعا للبراز صلا عجيبا * يعجز العين جلده تلوينا قال عمرو هيا معاوي فابرز * هكذا ينصف القرين القرينا فأجاب الرواغ يا عمرو ماذا * أتراني مغامرا مجنونا ما سئمت الحياة بعد، فمن * يلق عليا، فقد أحب المنونا ضج جند الشام من هول حرب * وتولى أبطالهم مدبرينا وابن هند خلا بعمرو مشيرا * يرقب الوحي هابطا من (سينا) قال يا عمرو من دهائك أغدق * كاد سيف ابن هاشم يفنينا
221 قال عمرو: على الرماح ارفعوا القر * آن ختلا فتخدعوا المتقينا نشروها مصاحفا وتنادى * الجند هيا إخواننا أنصفونا مزق المكر شمل صحب علي * فإذا هم كتائب حائرونا صاح (عمارهم) إلى الموت هبوا * ظل (طوبى) وروحها يدعونا فاستجابت كتيبة لنداء * الشيخ، جازت سنونه التسعينا جندل السيف صاحبا لرسول * الله من خير صحبه الأكرمينا مصرع الشيخ فض صبر علي * فبكى الصاحب الجليل الخدينا وامتطى صهوة الجواد ونادى * أين أنتم معاشر المؤمنينا يا لها حملة كزعزاع ريح * تفرش الأرض في الكروم غصونا زغرد السيف، ذو الفقار، فلا * يبغى قرابا، إلا الكلى والوتينا أي ترس سوى المصاحف ينجي * عسكر الشام أعولوا باكينا يستغيثون يا أبا الحسن * الصديق أشفق فإننا قد فنينا إن تبدنا فقد أبدت الذراري * واليتامى تركتهم جائعينا فعل المكر في صحاب علي * فإذا هم كعوسج شائكونا ألجأوه للصلح ما حيلة * الملاح إن تصبح المياه غرينا كلما هيأ الشراع لسير * أنبت الوحل حوله تنينا
222 التحكيم والخوارج ثم كتب عن مأساة التحكيم وما ترتب عليها من نكوص طائفة من أصحاب الإمام (عليه السلام) فقال: ألجأوه ليقبل التحكيما * مكره رام قومه أن يروما وأتى الفيصلان للحكم والأجفان * حامت عليهما تدويما وقف الشيخ قائلا: إن أبع ديني * بدنياي كنت وغدا أثيما قد خلعنا الاثنين، إن بعبد الله * ما تطلبون فضلا سجوما قال عمرو: لئن خلعت عليا * فلقد ظل صاحبي معصوما إنني مثبت معاوية والحكم * أحرى بمثله أن يقوما أسخط الشيخ كل صدر، فلم يشهد * عذيرا، إلا الإمام الحليما حيدر ساد شيمة وإباء * وكلاما وفيصلا وأروما وتنادت للنهروان قروم * ردها الغي بعد ود خصوما فدعاهم إلى الأمان علي * ناشرا راية السلام رحيما يشهد الله إنكم خنتموني * ما رضيت التحكيم إلا كظيما كنت حذرتكم عواقب غدر * فأبيتم إلا المقال السقيما إن أبيتم إلا القتال فإني * من عرفتم سميدعا قيدوما فاتقوا الله واذهبوا ودعوني * قبل أن يأخذ اللهيب الهشيما فأشاحوا عن نصحه وتنادوا * من يصالح يكن خبيثا عديما فالتقاهم (حجر) (وشيت) (وقيس) * وصحاب النبي شوسا قروما
223 وعلى رأسهم، يهز (أبو * أيوب)، سيفا ما نام قط ذميما صفوة الأكرمين حزب علي * ينصرون الحق الصريح الهضيما يذكرون النبي بابني علي * يذكر الروض من أحب الشميما هات يا ذا الفقار من يوم بدر * صانك الله أن تكون مليما وتداعت أعداؤه مثل صرح * يتهاوى على الصعيد رميما وخلا النهروان إلا من العقبان * والوحش لم يعد منهوما
224 الحلم الأخير وعند هذا المنعطف الخطير ألقى الشاعر عصاه ورسا بسفينته في ميناء التأريخ ليسدل الستار على آخر ليلة من حياة رجل عظيم، عظيم بنفسه، وعظيم بإباء الدنيا أن تلد مثله فكتب يقول: أرق الليل لا يذوق المناما * غير ما تخطف العيون لماما ليلة تصبغ النجوم بلون * الهم حتى الظلام يخشى الظلاما وأحس الأمير مثل انقباض * الورد، إما يقطب الأكماما ناء بالحمل وعيه كمريض * بهظته همومه فاستناما وتراءى له الرسول كضوء * الفجر يلقي على الرياض سلاما غبطة لم ينل سواها علي * منذ مات الرسول إلا مناما وشكا للرسول شعبا عقوقا * عاد أعمى أو مبصرا يتعامى خاصموني كأن صهرك لم * يسلل حساما فينصر الإسلاما وأنا من علمت في الدين * والهيجاء كهلا ويافعا وغلاما إن أكافأ بكل جرح وساما * كان لي مئزر السماء وساما إن هذي الكلوم لسن فصاح * لا تماري لو يفقهون الكلاما قال: تدعو عليهم قال: أدعو * الله ربي أن يفقدوني إماما فيليهم بعدي إمام ظلوم * وأرى جنة النعيم ختاما واستفاق الكئيب يغرق في الرؤيا * ويستشعر الممات الزؤاما ذلك الليل لف صلا وأفعى * خارجيين يشحذان الحساما
225 مشرفيا يفي صداق (قطام) * لعن الله (ملجما) و (قطاما) هب في الصبح للصلاة علي * كصباح يودع الأياما حاسرا سار للصلاة كوجه * الحق، والحق لا يطيق اللثاما بلغ المسجد الطهور فلاقاه * الأوز الصخاب يرفع هاما رام أن يسكت النوائح صحب * روعته صيحاتها استشآما فيقول الأمير لا تزجروها * غمر الله قلبها إلهاما سوف تأتيكم النوائب بعدي * دفق غيث من ثقله يتهامى تشهق الأرض من دماء الضحايا * فيموتون خضعا أغناما يا حساما قد فل رأس علي * طبت من طعنة الورود حساما قد شربت الدم الزكي، فطار * الرجس، كالشمس إذ تحل الغماما يا صلاة الختام، في المسجد * المحزون، طيري إلى السماء ضراما طيبي مجلس الأمير ومدي * ظل (طوبى) لظله إكراما مسجد كان مهده، يوم جاء * الكون، فاستقبل الحطيم الاماما لاح في مكة هلالا وليدا * وهوى في العراق بدرا تماما
226 رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وهنا يضع الشاعر آخر قطرة من مداد قلمه ليرثيه بهذه القصيدة التي نقتطف منها هذه الأبيات: غاب ضوء النهار قبل انقضائه * هات يا شعر أدمعا لرثائه واذكر النسر عاليا لم يدنس * فالأثير الطهور في أجوائه يكسف الشمس بالجناح عريضا * ويسد الفضاء رحب فضائه في خضم من الضياء رحيب * صب فيه الإله فيض بهائه زوج بنت الرسول خلقك أسمى * من مناط العيوق في إسرائه شيمة النور أن يظل نقيا * لا يمس الغبار كنه صفائه يا أمير البيان نهجك بحر * تتلاقى الأرواح في أثنائه متعة السمع والقلوب رواء * وزئير الأقدار في أنوائه يا أمير الزهاد صيتك أنقى * من جبين العذراء قبل اصطلائه يا يمين السفاح شلت يمين * حملت للإمام يوم انتهائه لم يرعه الإمام وهو يصلي * والملاك السميع في إصغائه ومشى الليث للعرين جريحا * مرسلا طرفه إلى أجوائه قال مدوا له الفراش وثيرا * وأعدوا أطايبا لغدائه فإذا عشت فالجروح قصاص * وإذا مت حان يوم انقضائه جهش المسجد اليتيم بكاء * حين غاب الإمام من فقهائه وبكى الشط والفرات وغاضت * زقزقات الهزار في غينائه
227 فقدت عزة الحجاز عليا * خاتم الراشدين من أمرائه واشرأبت تهامة وعسير * وتنادت جبالها لبكائه وأخيرا فقد وضع لملحمته هذه المسماة عيد الغدير خاتمة مطلعها: يا إله الأكوان أشفق عليا * لا تمتني غب العذاب شقيا ثم يقول: أنت ألهمتني مديح علي * فهمي غيدق البيان عليا وتخيرت للأمير وأهل * البيت قلبا آثرته عيسويا هكذا كان صهر أحمد يضفي * نبله ملء سرحة الدهر فيا هو فخر التاريخ لا فخر شعب * يدعيه ويصطفيه وليا لا تقل شيعة هواة علي * إن في كل منصف شيعيا يا علي العصور هذا بياني * صغت فيه وحي الإمام جليا أنت سلسلت من جمانك * للفصحى ونسقت ثوبها السحريا يا أمير البيان هذا وفائي * أحمد الله أن خلقت وفيا جلجل الحق في المسيحي حتى * عد من فرط حبه علويا فإذا لم يكن علي نبيا * فلقد كان خلقه نبويا سفر خير الأنام من بعد طه * ما رأى الكون مثله آدميا يا سماء اشهدي ويا أرض قري * واخشعي إنني ذكرت عليا بيروت في حزيران سنة 1948 وله في غير هذه الملحمة قوله: أنا مولى من حباه ربه * بالرضا فاطمة زين العرب لست مولى الخاطب الوغد الذي * رد بالخيبة لما أن خطب
228 علي نقي اللكهنوي (1325 ه -...) السيد علي بن إبراهيم بن محمد تقي بن حسين ابن المجتهد السيد دلدار علي النقوي، من علماء القرن الرابع عشر الهجري. ولد المترجم له في الهند عام 1325 ه / 1907 م، وهاجر إلى النجف الأشرف وهو شاب يافع فاتصل بالسيد محمد صادق بحر العلوم. وكان ذكيا فانبرى يقرأ الكثير من كتب الأدب، عاد إلى الهند بعد نيله الاجتهاد فأصبح المرجع في بلاده. نشر في النجف عدة كتب منها: كشف النقاب عن عقائد محمد بن عبد الوهاب (مطبوع)، الإمام الثاني عشر، ولم يتيسر لنا الاطلاع بعد ذلك على مجمل ترجمته. ومن شعره موشحة في ميلاد الإمام علي (عليه السلام) قوله: من بدا فازدهر البيت الحرام * وزهت منه ليالي رجب طرب الكون لبشر وهنا * إذ بدا الفخر بنور وسنا وأتى الوحي ينادي معلنا * قد أتاكم حجة الله الإمام وأبو الغر الهداة النجب خصه الرحمن بالفضل الصراح * ومزايا أشرقت غرا وضاح وسما منزلة هام الضراح * فغدا مولده خير مقام
229 طأطأت فيه رؤوس الشهب تلكم فاطمة بنت أسد * أمت البيت بكرب وكمد ودعت خالقها الباري الصمد * بحشا فيه من الوجد الضرام قد علته قبسات اللهب بينما كانت تناجي ربها * وإلى الرحمن تشكو كربها وإذا بالبشر غشى قلبها * من جدار البيت إذ لاح ابتسام عن سنا ثغر له ذي شنب فتق الزهر أم انشق القمر * أم عمود الصبح بالليل انفجر أم أضاء البرق فالكون ازدهر * أم بدا في الأفق خرق والتئام فغدا برهان معراج النبي أم أشار البيت بالكف ادخلي * واطمئني بالإله المفضل فهنا يولد ذو العليا (علي) * من به يحظى حطيمي والمقام وينال الركن أعلا الرتب ولد الطاهر ذاك ابن جلا * من سما العرش جلالا وعلا فله الأملاك تعنو ذللا * وبه قد نشر الرسل العظام قومهم فيما خلا من حقب إن يك البيت مطافا للأنام * فعلي قد رقى أعلى سنام إذ به يطوف البيت الحرام * وسعى الركن إليه لاستلام فغدا يزهو به من طرب لم يكن في البيت مولودا سواه * إذ تعالى عن مثيل في علاه أوتي العلم بتعليم الإله * فغذاه دره قبل الفطام
230 يرتوي منه بأهنى مشرب صغر الكون على سؤدده * وانتمى الوحي إلى محتده بشر الشيعة في مولده * واقصدوا العلامة الحبر الإمام منبع العلم مناط الأدب * * * وله في ميلاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) معارضا قصيدة إيليا أبي ماضي: طرب الكون من البشر وقد عم السرور وغدا القمري يشدو في ابتسام للزهور وتهانت ساجعات في ذرى الأيك الطيور لم ذا البشر؟ وما هذي التهاني؟ لست أدري أشرقت طلعة نور عمت الكون ضياءا لا أرى بدرا على الأفق ولم أبصر ذكاءا وتفحصت فلم أدرك هناك الكهرباءا فبماذا ضاء هذا الكون نورا؟ لست أدري قمت أستكشف عنه سائلا هذا وذاك فرأيت الكل مثلي في اضطراب وارتباك وإذا الآراء طرا في اصطدام واصطكاك وأخيرا عمها العجز فقالت: لست أدري
231 وإذا نبهني عاطف في الحب الدفين وتظننت وظن الألمعي عين اليقين إنه ميلاد مولانا أمير المؤمنين فدع الجاهل والقول بأني لست أدري لم يكن في كعبة الرحمن مولود سواه إذ تعالى في البرايا عن مثيل في علاه وتولى ذكره في محكم الذكر الإله أيقول الغر فيه بعد هذا: لست أدري أقبلت فاطمة حاملة خير جنين جاء مخلوقا بنور القدس لا الماء المهين وتردى منظر اللاهوت بين العالمين كيف قد أودع في جنب وصدر لست أدري لست أدري غير أن البيت قد رد الجواب بابتسام في جدار البيت أضحى منه باب دخلت فانجاب فيه القشر عن محض اللباب إنما أدري بهذا، غير هذا.. لست أدري
232 ولد الطهر (علي) من تسامى في علاه فاهتدى فيه فريق وفريق فيه تاه ضل أقوام فظنوا أنه حقا إله أم جنون العشق هذا لا يجارى؟ لست أدري * * *
233 حسين الصغير (1327 ه -...) الشيخ حسين ابن الشيخ محمد من آل الصغير، عالم فاضل وأديب شاعر، ولد عام 1372 ه / 1909 م، درس العربية والمنطق والأصول والفقه على فضلاء عصره، وعرف بحسن السيرة وطيب السريرة، فانتدبه الحجة السيد آقا حسين القمي عند هجرته إلى كربلاء مدرسا فيها. وحضر حلقة القمي واستمر حتى وفاة السيد فرجع إلى النجف حيث انتخب عضوا في جمعية التحرير الثقافي ومدرسا فيها، ثم رشحه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مدرسا في مدرسته العلمية. له تعليقة على حاشية ملا عبد الله وحاشية على كفاية الآخوند إضافة إلى ديوان شعر صغير، ولم تتيسر لنا بعد ذلك ملاحقة ترجمته الباقية. ومن شعره في يوم الغدير قوله: نفحة القدس من أقاصي البيد * عطري من شذاك دنيا الوجود وأفيضي على الطبيعة سحرا * يغمر الكون بالهنا والسعود واملئي الخافقين روحا شذيا * واسكبي للورى دم العنقود فسماء الدنيا تموج سرورا * تتباهى بتاجها المعقود إيه بنت السماء هبي رويدا * فرويدا بباسمات الورود فالليالي السوداء ولت وجاءت * ساعة البشر بالأمير الجديد إيه يوم الغدير طبت وطابت * ذكريات ليومك المشهود أنت أحرى بالخلد من كل يوم * رب يوم يحوز معنى الخلود
234 قبس شع ضوؤه فتعالى * كنه إدراكه عن التحديد هدأت ثورة الفؤاد وقرت * فيه عين الإسلام والتوحيد حيث طه يقيم فيه احتفالا * عبقريا سما بكل فريد أوقف الركب سيد الرسل طه * وعلى الركب هيبة المعبود حول ذاك الغدير ينزل ركب * الوحي في مقفرات البيد (1) حيث صوت الرسول يخترق الأسماع * دوى كزمزمات الرعود فوق عرش من الحدوج عليه * سمة القدس من عزيز حميد آخذا باليدين ضبع علي * رافعا صوته لتلك الوفود تاليا آية البلاغ عليهم * وهي نص بعهده المعهود قائلا أيها الجماهير إني * سوف أقضي وليس ذا ببعيد فعلي هذا وصي عليكم * وعميد أكرم به من عميد فهو فيكم خليفتي ووزيري * وهو مولاكم بلا ترديد خصه الله بالولا وحباه * بمزايا جلت عن التعديد أكمل الله دينه بولاه * فولاه من محكمات العهود ربي اشهد فإنني فيه بلغت * ويكفي بأن تكون شهيدي أنسيتم كفاحه يوم بدر * كيف أودى بعتبة والوليد أنسيتم مبيته بفراش * وهو لم يكترث بتلك الأسود وبأحد وغيرها قد رأيتم * كيف حامى عني ببأس شديد وبيوم الأحزاب كان المجلي * (بين طعن القنا وخفق البنود) وسلوا سيفه يجبكم بأني * كنت حتف الطغاة رغم الحقود
(1) البيت ناقص الوزن، وكذا ورد في الأصل. 235 الفصل الثاني في شعراء القرن الخامس عشر وقد رتبنا شعراءه على تواريخ مواليدهم خلافا لما درج في الفصول السابقة، وذلك لكون غالبيتهم ما زالوا على قيد الحياة أمد الله في أعمارهم.
237 محمد تقي الفقيه (1329 ه -...) أبو جعفر الشيخ محمد ابن الشيخ يوسف بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الشهير بالفقيه، عالم كبير ومجتهد معروف ولد في صور / لبنان عام 1329 ه / 1911 م من أسرة علمية مشهورة. قرأ في بلده مقدمات العلوم، ثم هاجر إلى النجف الأشرف عام 1345 ه حيث اختلف على حلقات جملة من العلماء الفطاحل منهم: السيد الأصفهاني والإمام كاشف الغطاء والسيد الحمامي والسيد حيدر الصدر. أجيز بالاجتهاد عام 1363 ه من مجموعة أعلام منهم: مرتضى الآشتياني والميرزا يحيى الطهراني والسيد محمد البهبهاني والشيخ آقا بزرگ الطهراني. غادر إلى لبنان عام 1368 لزيارة والده فوجد أن الهجرة إلى النجف قد تقلصت بسبب ضائقة الطلاب المالية، فأسس مشروعا خيريا، إلى جانب مشاريعه الأخرى الاجتماعية والثقافية. كان كثير التجوال في الريف العراقي مرشدا وهاديا وواعظا ثم رجع إلى لبنان عالما مشهورا ومرجعا دينيا له أتباع ومريدون. له مؤلفات عدة منها: 1 - قواعد الفقيه. 2 - قواعد المكاسب. 3 - مباني الشرايع. 4 - مباني العروة. 5 - مباني الفقيه بحث فيه الأصول اللفظية والعملية. 6 - تعليقات كثيرة على كتب الدراسة. 7 - ديوان شعر بعنوان الشموع. 8 - حجر
239 وطين وهو حلقات في الأدب والتاريخ والأخلاق. 9 - جبل عامل في التأريخ. وله من قصيدة في يوم الغدير قوله: حدث الدهر عن علي ولكن * تشهد الخيل والوغى والحسام فهو لو قابل الجيوش تفانت * إذ بكفيه من طلا الموت جام يا وصي النبي أخرست نطقي * فمزاياك ضاق عنها الكلام أنت أسست للعروبة مجدا * بحسام في شفرتيه الحمام إن طه قد وحد الناس لكن * لك روح التوحيد ذاك الحسام تتساوى الأنام عندك طرا * فتساوي أملاكها الأيتام
240 عبد الحميد الخطي (1331 ه -...) هو الشيخ عبد الحميد ابن الإمام العلامة الشيخ أبي الحسن علي الخنيزي إمام القطيف في عصره، علامة فاضل وأديب بارز، ولد في أسرة معروفة بالعلم والفضل عام 1331 ه / 1913 م فنشأ في رعاية أبيه الفاضل وتتلمذ على يديه فقيها أديبا، ثم انقطع إلى الحوزة العلمية ودرسها في النجف الأشرف فنهل من علومها ومعارفها وحضر عند أساتذتها الأكفاء لكنه ما كاد يرتوي حتى استوى إلى جنب ذلك شاعرا يشار إليه بالبنان فانكفأ على الأروقة والمكتبات يستظهر فيها قديم الأدب وحديثه ثم ليشارك في المنتديات والمحافل حتى عاد إلى بلده فأسهم في تربية جيل جديد من الأدباء، كما درس مجموعة من المشايخ علوم الحوزة، وهو في غمار ذلك قاضي قضاة المحكمة الجعفرية في بلده، ونشر العديد من قصائده ومقالاته في الصحف كما ربطته بأدباء العربية علائق شخصية وكتبت عنه دراسات ونقود، وما زال يواصل شوطه الطويل كأحد أبرز شعراء منطقة الخليج وعلمائها. تحية وهدية إلى الصديق الوفي الأستاذ الشيخ علي الصغير. أرهفوا السمع وانصتوا يا رفاقي لأساطير شاعر خلاق! رب يوم قبل العصافير في الغاب، وقبل الشموس في الآفاق في سكون الدجى، وفي هدأة الجدول، في غفوة الشذا العباق
241 جئت أسعى لمشهد " البطل الفرد " وسر " المكون " الخلاق * * * غربت أنجم السماء ولاحت، أنجم في سماه (1) ذات التلاقي والثريا (2) عريانة... تتجلى قد أحيطت من السنا بنطاق وبقايا الظلام في غرة الفجر تراءت كالكحل في الآماق من رأى الفجر مصلتا ضبة النور، ويعدو خلف الدجى، كالعتاق والدجى خافق الجوانح، واهي العزم في حيرة، وفي إطراق ذعر الليل هاتفا: بالنجوم الزهر: هيا قد آن وقت الفراق * * * هكذا الفجر قل لليل جيشا بعمود من موجة الانبثاق إنما يبلغ القوي الأماني ويؤوب الضعيف بالإخفاق فتح الفجر جفنه فاكتسى الكون برودا من السنا البراق وانثنى الفجر مائس العطف يختال على ظل بنده الخفاق وخفيق الأوارق والنسم الساري وعبق الربى ولحن السواقي * * * وتمطي الصباح من مهده الواجم يصغي لصيحة الصفاق وأطلت من خدرها غادة الآفاق ترنو الوجود لحظ استراق وتهادت في موكب الحسن ثملى تتخطى مناكب الآفاق هبطت من سمائها بعد لأي تسكب النور فوق تبر الرواق
(1) الضمير يعود على المشهد في البيت السابق (2) المراد من الثريا هنا ثريا الكهرباء في سقف المشهد المعبر عنه لسموه بالسماء. 242 وصحا الطير بعد نوم عميق يتغنى على الغصون الرشاق يا لها من مناظر تترك الشاعر رهن الفتون والأشواق * * * مشهد أبدعت يد الفن فيه متعة النفس نزهة الأحداق ملأ النفس نشوة وارتياحا فوجدت المرير حلو المذاق وسقاني من خمرة الوحي كأسا حلقت بي لعالم الإشراق أنا منها كأنني في ظلال الخلد، في جنب جدول دفاق * * * أنت أطلقتني وكنت أسيرا طالما قد شكوت عض وثاقي بك أصبحت كالوليد، خليا من هموم الحياة، والأطراق سوف أدعو الألطاف، والنعم البيض، وتبقى في القلب ما دمت باقي ويوفيك شاعر أعمق الود ظهور الفؤاد سمح الخلاق كعبة الدين معهد الأدب الحي، كيان الاسلام والأخلاق ووفود العلوم من كل فج نهلت من نميره الرقراق " قبة " دون قدمها القبة الزرقاء في رقعة، وفي إشراق قد تعالت عن أن يحيط بها الوصف وأعيت خواطر السباق إن تجدني قصرت في الوصف أني قد رأيت التصوير غير مطاق جئت أسعى لمشهد البطل الفرد وسر المكون الخلاق! * * *
243 السيد جواد شبر (1332 ه -...) السيد جواد ابن السيد علي بن محمد بن علي بن حسين ابن السيد عبد الله شبر، خطيب شاعر ومجاهد معروف. ولد في النجف 1332 ه / 1914 م، وتتلمذ على أبيه وبعض فضلاء عصره. ترك الدراسة واتجه إلى فن الخطابة فقد كان مولعا به منذ صغره، وكان أستاذه في الخطابة الشيخ محمد حسين الفيخراني وهو مدين له في شهرته. كان يرى الثورة على تقليد المنبر والدعوة إلى إصلاحه جذريا فعرف بذلك وأدى رسالته حتى اعتقال من السلطات الغاشمة سنة 1399 حتى يومنا هذا حيث ضاعت أخباره في غمار من سجنوا ولم يعثر لهم على أثر في ظل حكومة صدام حسين الجائرة. له مؤلفات كثيرة منها: المطالب النفيسة في فلسفة الدين، وشواهد الأديب. وله محتفلا بيوم الغدير الخالد وقد ألقيت في منتدى النشر عام 1363 ه قوله: لمن الحفل رائعا يتلألأ * يزدهي منظرا ويزهو جمالا ولمن هذه الروائع تتلى * والأناشيد باسم من تتوالى قيل قد توج الوصي وهذي * بهجة التاج زانت الاحتفالا
244 وانتشقنا طيب الولاية منه * وسعدنا بنعمة الله حالا واهتدينا بنوره مذ تجلى * بسماء الدين الحنيف هلالا وعلى مشرع " الغدير " احتسينا * في كؤوس الولا نميرا زلالا وجدير هذا الشعور بيوم * فيه دين الإله تم كمالا رنة الوحي في المسامع دوت * تملأ النفس هيبة وجلالا بلغ الناس ما أتاك وإلا * لم تبلغ وحي الإله تعالى إنما أنت منذر وعلي * هو هاد يسير الضلالا في فلاة تكاد تلهب نارا * ولظى حرها يذيب الرمالا وإذا بالرسول يلقي عصى السير * وتلك الجموع تلقي الرحالا وتعالى الهتاف منه أجيبوا * داعي الله فاستخفوا عجالا ورقى منبر الحدوج ومدت * نحوه الهام خضعا إجلالا وانبرى يرسل الخطاب وذاك * الجمع مصغ تهيبا وامتثالا ونعى نفسه وقال أتاني * أمر ربي وحثني الترحالا وأنا راحل وبعدي علي * واحد الدهر موئلا ومآلا سنة الأنبياء قدما تمشت * تقطع الدهر والقرون الطوالا هل نبي مضى بغير وصي * فاسألوا الدهر واسألوا الأجيالا خصه الله بالإمامة لما * كان للحق والرشاد مثالا وهو فيكم ممثلي ووصي * لعن الله من عليه استطالا فاستجابوا وعجت البيد منهم * تحسب الأرض زلزلت زلزالا ورسول الهدى يردد فيهم * رب وال الذي لحيدر والى عنه سل محكم الكتاب وسائل * آل عمران واسأل الأنفالا
245 من ببدر وتلك أول حرب * قد رآها وقد أراها الوبالا من دحا الباب من بأحد تلقى * عمد الدين حين زال ومالا من قضى غيره على الشرك قل لي * من لعمرو بيوم صال وصالا صولة تفضل العبادات طرا * وسما شأوها وعز منالا ولكم موقف يرن بأذن الدهر * والدهر منه يلقى انذهالا هكذا فلتك البطولة دوما * (هكذا هكذا وإلا فلا لا)
246 إبراهيم الوائلي (1332 ه -...) الأستاذ إبراهيم بن الشيخ محمد المعروف بحرج الوائلي. من مواليد عام 1332 ه / 1914 م، شاعر مبدع وكاتب فاضل، أسرته دينية معروفة. تعلم القرآن، ثم رافق والده إلى النجف الأشرف وهو من أصحاب الفضيلة وقد درس ابنه أغلب العلوم من نحو، وصرف، وفقه، وبلاغة، ومنطق. نظم الشعر وهو ابن عشرين عاما رغم أن والده كان يأبى عليه ذلك، فكان ينشر شعره باسم مستعار على صفحات الصحف والمجلات، عينته وزارة المعارف مدرسا في المدارس الأهلية في بغداد عام 1940، نال الليسانس عام 1949 من كلية دار العلوم في جامعة فؤاد الأول في القاهرة. ثم رجع إلى العراق ومارس فيه التدريس والتأليف الأكاديمي. شعره رصين التعبير قوي الديباجة ولم يتسن لنا الاطلاع على باقي ترجمته. وله قصيدة من وحي الإمام - نظمها عام 1945 م بمناسبة ذكرى الإمام علي (عليه السلام) مطلعها: صهر النبوة حسبي منك إيحاء * دنياك صوت ودنيا الناس أصداء آمنت بالحق لم تعصف بموكبه * هوج الخطوب ولم تفلله أرزاء
247 ومنها هذه الأبيات المتفرقة: سيف أقيمت به للعدل قاعدة * أكنافها في ذرى التاريخ شماء صهر النبوة ما أسماك في بشر * أغرتهم من فضول العيش صفراء وما أجلك في دنيا يمالئها * من الحثالة أذناب أذلاء صهر النبوة إن العدل قد عبثت * به المطامع واجتاحته أهواء صهر النبوة كم من حادث عجب * تلته بعدك أحداث وأنباء عمر طويت به التأريخ أجمعه * فكل سفر عليه منك طغراء تلك البلاغة ما كانت خلاصتها * إلا لتلتم حول النور دهماء
248 عبد المنعم الفرطوسي (1335 ه - 1404 ه) الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى، علامة فاضل وشاعر معروف. ولد في النجف عام 1335 ه / 1917 م وفيها ترعرع فاتجه إلى الدراسة فدرس المقدمات على بعض الفضلاء وأخذ الفقه والأصول على السيد محمد باقر الشخص الإحسائي وغيره من أفاضل عصره، ثم لازم حلقة السيد الخوئي مع اختلافه على حلقة الشيخ محمد علي الخراساني في الأصول فعرف بمستواه العلمي المميز وعد من ذوي الرأي في الحوزة العلمية إلى جانب أدبه الجم وحافظته المتقدة وصفاته الأخلاقية السامية وما أثر عنه من مواهب عقلية ونفسية. وله مؤلفات عدة منها: 1 - شرح استصحاب الرسائل في ألف صفحة. 2 - شرح الجزء الأول من الكفاية في ثمانمائة صفحة. 3 - شرح قسم من المكاسب إلى المعاطاة. 4 - شرح على حاشية ملا عبد الله مع منظومة في المنطق. 5 - شرح مجموعة الرسائل، وغيره إضافة إلى مجموعاته الشعرية العديدة وموسوعته الكبرى ملحمة أهل البيت (عليهم السلام).
249 لازم جمعية الرابطة الأدبية التي عمل فيها كعضو جدي معالجا نقائصها ومقدما الاقتراحات لحل ذلك، وشارك في كثير من النشاطات الثقافية والأدبية خارجها بعد إن ذاع صيته وعلا كعبه. نحا في شعره مناحي عالجت كثيرا من المشاكل الاجتماعية، وكان حسه يمتزج مع آرائه الإصلاحية، وهو أحد مبرزي شعر الاحتفالات الدينية في أغلب مناسباتها ويمتاز شعره بفخامة اللفظ، لا سيما الملقى منه حيث كان يحدو به حداء مميزا على طريقة سابقة معروفة، أما وفاته فكانت عام 1404 ه 1984 م في الإمارات العربية مغتربا عن وطنه بعيدا عن منبته. وله، وعنوانها (تحية الباب الذهبي) الذي احتفلت به مدينة النجف زهاء أسبوع، وفيها تصوير رائع لناحية من حياة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: نشيدي وأنت له مطلع * من الشمس يعنو له مطلع وقدرك أرفع إن الثناء * ولو بالمثاني به يرفع ومجدك جاوز أفق الخلود * سموا ونفسك لا تقنع وأنى يطاول نجم علي * ختام الخلود به يشرع طلبتك في الأفق حيث النجوم * مناقب فضلك إذ تلمع وفي الحقل حيث عبير الورود * شمائل قدسك إذ يفرع وفي موجة البحر حيث الجمان * نثار بيانك إذ يجمع وفي كل مستودع للجمال * سمو الجلال به مودع وعدت إلى لوحة في الحشا * حروف الولاء بها تطبع رأيتك فيها وأنت اليقين * بقلبي وقلبي هو الموضع حياتك جدب من المغريات * وعيشك من وردها بلقع
250 وخصب من الحكم القاريات * بحيث العقول به ترفع وعهد من العدل فيه الحقوق * تصان بأمن فلا تفزع يؤرق عينيك للنائمين * ضمير يقض به المضجع عسى باليمامة أو بالحجاز * عيون من الجوع لا تهجع وبيتك وهو بسيط بما * حوته جوانبه الأربع فزاوية منه فيها الحصير * إلى جنبه جرة توضع وأخرى بها من جريد النخيل * سرير قوائمه ترفع وآنية الطين وهي الكؤوس * وفي كف مالكها تصنع وتلك رحى مجلت أنملا * لطحن الشعير بها تسرع وحقا بأن معاد الخلود * إلى الحق مبدؤه يرجع فبالكوخ شيد هذا الضريح * بحيث الضراح له يخضع ومن ظلمة الكوخ هذي الجنان * مصابيح فردوسها تسطع وإن خشونة ذاك النسيج * لهذا الحرير هي المصنع وشاهقة في سماء الجلال * بها قبة الأفق تستشفع لها مطلع فوق شمس الضحى * وللشمس من دونها مطلع وتهوي الكواكب لو أنها * عقود بأنملها لمع مقام علي وللمتقين * مقاعد صدق به ترفع عجبت له كيف قرت به * على الأرض أركانه الأربع ولم لا يحلق فوق السماء * وفيه ثوى البطل الأنزع وعدت له عاذرا إنه * لثقل الإمامة مستودع أبا الحق والحق يسمو علا * إذا كان فيك اسمه يشفع
251 حياتك وهي حياة الفقير * يحيط بها فقره المدقع وقوتك قرص الشعير الذي * تسد بها الرمق الجوع ومدرعة الصوف وهي النسيج * وفي كل آونة ترقع ومن جنس هذا النتاج الشريف * أزار البتولة والبرقع وهاتيك عقباك وهي الخلود * وعقبى سواك هي البلقع وله وعنوانها (عيد الغدير) قالها عام 1369 ه قوله: بالنور شق فم القرآن فانبثقا * فجر من الحق في دنيا الهدى ائتلقا قد أطلعته على دنيا العقول هدى * شمس الرسالة فاجتاحت به الغسقا فجر من الحق والقرآن مطلعه * نص الإمامة فيه قد بدا شفقا ركب النبوة والصحراء حافلة * منه بأكرم ركب للعلى طرقا الوحي أنزله فيها وطاف به * صوت من الحق في أجوائها انطلقا يا أيها المصطفى بلغ جموعهم * نص الغدير ولا تخش الورى فرقا فقام فيهم كما أوحى الإله له * مبلغا خاطبا في نطقه ذلقا هذا (علي) إمام الحق بينكم * وفي إمامته القرآن قد نطقا عيد الغدير وقد أكبرت من عظم * عيدا على كل عيد فضله سبقا عيد به أنزل الباري بمحكمه * نورا بفضل (علي) شع منبثقا اليوم أكملت في نصب الوصي لكم * ديني وتمت عليكم نعمتي غدقا هذا علي وكان القرص يعوزه * قوتا ويطعمه في الله إن رزقا يطوي النهار صياما وهو في سغب * وبالعبادة يطوي ليله أرقا عين مؤرقة في الله ساهرة * للحق علق جفناها فما انطبقا وأنمل بعناق السيف مولعة * كعاشقين على حب قد اعتنقا
252 ومهجة في جهاد الكفر دائبة * حتى جرت وهو في محرابه علقا هذا (علي) وذي دنياه حاشدة * بالزهد والنسك منه عفة وتقى وهذه هي عقبى المتقين بها * وأي عقبى تضاهيها علا وتقى هذا هو العدل أعظم فيه من أثر * يفنى الزمان ويبقى مجده ألقا أخا الرسول ويا نفس النبي علا * من فيه قد باهل الرهبان مستبقا ويا خليفته حقا وناصره * ويا وزيرا حكاه سيرة، خلقا أضحى كهارون من موسى له خلفا * وكان قدما إلى الاسلام قد سبقا بوركت في بيعة بالحق احكمها * أمين وحي بغير الحق ما نطقا وله من قصيدة (مولد الحق): لمولد الحق شق البيت فالتهبا * نجم بأفق الهدى قد اخمد الشهبا وهزت الآية الكبرى بمعجزها * دنيا قريش وقد عجت بها لجبا فماج بالنور من أم القرى أفق * طلق الضحى سار بالأضواء منسكبا وكبر المجد إعلاما بمولده * في حين أبصر من آياته العجبا وأقبلت فيه والقرآن طلعته * أم العلا وهداه يخرق الحجبا وافت مبشرة والطهر بردتها * شيخ الأباطح بالنور الذي وهبا قد شرف الله منها القدر إذ وضعت * في بيته بعلي فارتقت رتبا في حين قد أبعدت والبيت معبدها * أم المسيح لجذع يسقط الرطبا * * * يا مصدر الحكم فصلا في عزائمه * ومورد العلم نهلا سائغا عذبا وروعة الحق تجلي كل غاشية * من نورها بيقين يمحق الريبا ونفحة القدس تطغى من شمائله * بعابق هو روح يخمد اللهبا
253 أكبرت عقلا تبنى كل ناشئة * من المعارف أوحاها فكان أبا فيض من الذهن عذب النبع ما نضبا * تقرى مواهبه الأجيال والحقبا وشعلة من شعاع الفكر مشرقة * تمشي العقول على أنوارها خببا وروضة من حقول العلم مخصبة * من أصغريه بما أوحى وما كتبا صنو العقيدة غذاها فكان لها * أصلا وكانت له من بعده عقبا ثقل الإمامة مجد لم يكن معه * سوى النبوة مجد يلتقي حسبا يا منطق الحق في التاريخ قص لنا * روائعا عجت الدنيا بها طربا حدث فأنت لسان قد روى العجبا * ومسمع قد وعى الأسفار والكتبا عن سيرة القائد الأعلى وسيرته * قد أحرز المجد في مضمارها القصبا وخطها في جبين المجد حين جرى * دم الشهادة في محرابه ذهبا أوحى بها ألف باب من معارفه * (مدينة العلم) أوحتها له نجبا وشيد العدل إذ أرسى قواعده * على ضفاف قضاء عادل نصبا فاقصص على مسمع الأجيال ملحمة * للعلم ضجت بها ساحاتها صخبا عن منشئات صدور تحمل الكتبا * وألسن تثمر العرفان والأدبا ومشرقات عقول بالهدى كشفت * عن كل سر بقلب الغيب قد حجبا فمسجد الكوفة الغراء مدرسة * ومنبر (لعلي) قد روى الخطبا * * * مدينة السبط يا مهدا به ولدت * من العواطف دنيا رفرفت حدبا وتربة خط قلب المجد من دمه * مثوى البطولة فيها عزة وإبا ومصرعا من أبي الضيم فيه هوى * جسم مقطعة أوصاله أربا أحيى الحسين به الاسلام حين رأى * أبناء حرب وقد أودت به حربا
254 أبو الأئمة أوفى نجمه صعدا * حتى هوى كل نجم دونه صببا غرس أرومته الزهراء فاطمة * والمرتضى حيدر أعظم به نسبا من أهل بيت كتاب الله طهرهم * وأذهب الرجس أما عنهم وأبا * * * مدينة النجف الغراء يا أفقا * يوحى ويا تربة تحيى بما خصبا كم احتضنت وكم خرجت نابغة * فذا وشيخا على أسفاره حدبا فأنت مدرسة للعلم جامعة * تبني العقول وتقريها بما عذبا (مدارك) العلم منها فجرت ولها * (مسالك) قد سلكنا نهجها الرحبا كم التقطنا (ببحر) من معارفها * (جواهرا) من علوم تبهر الذهبا وكم كشفنا (غطاء) عن (سرائرها) * (بلمعة) كشفت ما كان محتجبا وكم قطفنا ثمارا من (حدائقها) * و (بلغة) قد بلغنا عندها الأربا وآنستنا (رياض) من (معالمها) * فيض (الشرائع) منها قط ما نضبا وهذبتنا (دروس) من (قواعدها) * قد كان فيها (خلاف) العلم (منتخبا) وثقفتنا (بمبسوط) (البيان) لها * (رسائل) نسقت (تبيانها) نخبا وأدبتنا (فصول) كلها حكم * من (القوانين) فيها تحسن الأدبا (مكاسب) العلم أضحت من (كفايتها) * (وسائلا) يبلغ الراجي بها الطلبا وعاد للعلم والاسلام (تبصرة) * (مستمسك) العروة الوثقى بها سببا
255 محمد سعيد الجشي (1338 ه - 1410 ه) الأستاذ محمد سعيد بن محمد بن أحمد آل سعود الجشي، شاعر فاضل وأديب كاتب، ولد في القطيف / السعودية عام 1338 ه / 1920 م، ونشأ فيها فأدخله والده الكتاب فأتقن مبادئ العلوم ثم درس على أساتذة كان آخرهم إمام القطيف الشيخ الخنيزي الذي تبناه في مهمة النهوض بالمنطقة فكريا وتنشئة ذوي المواهب إضافة إلى دور والد الشاعر، وأستاذه الآخر الشيخ علي الجشي فقرأ كتب التراث ثم تطلع إلى نتاج المحدثين فتهيأت له ملكة الشعر وبرز في المنابر والمناسبات والمنتديات واشتهر وطرق أغراض القصيد المعروفة ثم أثر في العديد من الشعراء الشباب الذين اقتفوا أثره ونهلوا من تجربته فأثروا تجاربهم، وكان قد نشر في الصحافة وكتبت عنه الدراسات وله عدة مجاميع شعرية وغيرها. توفي عام 1410 ه / 1990 م. وله من قصيدة شهيد المحراب قوله: لمن الجرح سال قاني الدماء * وكسا الأفق حلة الأرزاء سال وسط المحراب والبطل * المجروح يرنو بطرفه للسماء قائلا (فزت) حان مني رحيل * لنعيم وجنة خضراء يا لفجر أطل مرتعش الخطو * فإطلاله بلا أضواء والإمام الشهيد أهوى جريحا * وسط محرابه خضيب دماء
256 حملوه إلى الفراش كأن * البدر قد لف شاحبا في رداء وطوى الحزن والأسى كوفة المجد * فماجت في لوعة وبكاء قد تهاوى (أبو الحسين) قتيلا * من معز به (أبا الزهراء) خارجي أراده بالسيف غدرا * وهو سيف الاسلام كهف الرجاء وبنوه على أحر من الجمر * التياعا من فعلة الغوغاء وبنود الجهاد لفت على حزن * عميق في ساحة الهيجاء * * * أين سحر الأذان في كل فجر * يتعالى مردد الأصداء لم يعد يسمع الندا من (علي) * فالصباح البهي رهن انطواء فقد اغتيل في الصلاة (علي) * وهوى التاج من ذرى العلياء جرح الليث فامرحي يا سوام * أنت في مأمن وفي أفياء وهوى البند فاهدئي يا قلوبا * راعها منه رفة في الفضاء ثل عضب الاسلام يا للمقادير * وغال الظلام شمس الضياء مصرع للإمام في ساحة * المحراب خطب لأمة شماء ضاع منها السراج وانحطم * السيف ولفت صحائف الأنبياء بعد (طه) ما مثله من إمام * يتسامى لمنبر أو فضاء لا ينال القوي منه مراما * في حقوق تزوى عن الضعفاء * * * من إلى منبر الخلافة يعلو * يرسل القول بالمعاني الوضاء من إلى السيف والجيوش حشود * يتحدى ضجيجها بمضاء من إلى الوعظ والنفوس عطاش * من إلى العلم من إلى العلماء
257 من لشيخ في كسره واهن * العظم رهين بسقمه والشقاء إن أتى الليل سار سرا إليه * حاملا زاده بطي الرداء ويتيم بين الملا فقد الأهل * يعاني من جوعه والعراء من له كافل بقلب حنون * يتولاه مطعما في الماء قد غدا الكون مكتس حلل الحزن * بصبح مروع الأنباء و (قطام) شفت غليلا من الحقد * ونامت على فراش هناء و (شقي الأنام) شلت يداه * يتهادى في نشوة الخيلاء و (علي) فوق الفراش مسجى * أضعف الجسم منه نزف الدماء * * * يا لغدر الزمان تحجب شمس * ويجف الغدير من عذب ماء أفباني الاسلام حامي حماه * غدرة يقتلونه في اعتداء يرجف الجيش إن تخطى إلى * الجيش بسيف مروع في انتضاء يتوارى الكمي عنه برعب * وإذا هم راح في الأشلاء وإذا لاذ بالفرار فقد لاقى * من النبل ساحة الكرماء إن هذا الإمام لا يبتغي شيئا * سوى الدين شامخا في البناء رفع العلم للأنام منارا * وتسامى كالشمس في الأجواء فتفيأ يا دهر منه ظلالا * وتنور بحكمة وضياء فكنوز العلوم رهن أياديه * بأرض محزونة أو سماء * * * يا عطوفا على اليتامى بقلب * أبوي في رحمة وسخاء ذي يتاماك من لها رهن أسر * أموي في شدة وعناء
258 إن شكت لاحت السياط عليها أو * دعت ما لها مجيب دعاء و (حسين) بكربلاء عفير * وعليه جالت خيول العداء تركوه على الصعيد بلا دفن * ثلاثا مزملا بالدماء خطبه أحزن السماوات والأر * ض وأدمى للصخرة الصماء * * * وله من قصيدة أخرى مطلعها: من صوب كأسك ما نعل ونجرع * يا أيها النجم المشع الأرفع يقول: بالمصلت السيف الفقار إذا حمى * وهج وصكت من جبان أضلع بالمعتلي فوق المنابر خاطبا * يلقي المواعظ والمحاجر تدمع بالقاسم الأموال وهو بفاقة * بالمؤثر المسكين وهو المدقع ساوى بعبد سيدا في شرعة * أرسى قواعدها وشاد مشرع خطت رسالته إلى دنيا الورى * نهجا يرد الموبقات ويقمع هذا الإمام الشامخ الأمجاد في * كل المواطن للبرية مفزع المال بين يديه تبر سائل * وهو الكريم الزاهد المترفع قد قال للدينار غر مغفلا * أنا ليس يغريني نضار يلمع نهجي هو القرآن عدل شامل * فيه الفقير مع الغني يمتع حتى قال: هذي أبا حسن تحية شاعر * وافى يغرد في حماك ويسجع ما شع فجر أو تألق كوكب * في الأفق إلا كان منك المطلع
259 عبد النبي الشريفي (1338 ه -...) الأستاذ عبد النبي ابن الحاج علي بن حسن بن شريف الشريفي. ولد في النجف عام 1338 ه / 1920 م وقد توفي والده وهو صغير فكفله أخوه الأكبر الذي أدخله الابتدائية، ثم عمل كتبيا عند إخوته ثم استقل في مكتبة له، وأثناء عمله في مكتبته دخل الثانوية فأتمها عام 1368 ه، ثم دخل كلية الحقوق. وبعد تخرجه عمل ملاحظا في مديرية صحة الكاظمية. وكان مثقفا نشطا لا يحجم عن اطلاع الشباب على آراء الكتاب في العالم العربي وعن نشر الثقافة الحديثة بين أوساطهم. وعلى إثر ذلك أحدث جمعية (ندوة الأدب) التي انهارت بعد ثلاث سنوات من تأسيسها بسبب عدم التساوي الذهني بينه وبين باقي أعضائها. له كتابان: ومضان الشباب، وفي ذكرى سعد صالح، ولم يتيسر لنا الاطلاع بعد ذلك على أعماله ونشاطاته. وله في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة: كم بسفر التأريخ من صور * شتى لديه تخالفت ألوانا حتى قال: صحف للتأريخ تلمع فيها * أنجم فوق أفقه لمعانا ضم - فيما قد ضم - فيه فريقين * كشوك يجاور الريحانا جمع النتن في ثناياه والمسك * وضم الأفراح والأحزانا
260 غير أن التأريخ جلى المقاييس * وأعطى (ضيوفه) الأوزانا منزلا عبد شمس منه مقاما * وإلى هاشم أعد مكانا أترى يستوي علي ومن ناواه * إن قست بالثرى كيوانا قد أحل التأريخ حيدرة الطهر * مقاما ذا رفعة لا يدانى ولد المرتضى فغير للتأريخ * مجرى وطور الأزمانا ولد المرتضى فكان دليل * الله ما بين خلقه والبيانا حجة الله بعد أحمد في الناس * وأزكاهم سيدا ولسانا ساعد المصطفى القوي الذي كان * نجاة إلى الورى وأمانا إن دعوه أبا تراب فيا طيب * تراب شأى به العقيانا من حمى الدين غير سيف أبي * السبطين من شاد للهدى بنيانا إن ترد أن تحيط بالدين والإسلام * خبرا وتعرف الإيمانا أو ترم كشف ما بموسوعة الإسلام * مذ كان عوده ريانا فتأمل حياة حيدر تستغني * عن الدرس ممعنا إمعانا ستشف السجوف للعين كالصبح * وتغزو الحقايق الأجفانا فترى في علي أزكى خلال * قد حواها الإسلام منذ استبانا وترى في الوصي أضخم تأريخ * لعهد الإسلام يبدو عيانا تبصر العدل والإخاء وحب * الخير فيه تجسمت برهانا تبصر الحق والبسالة والعر * فإن والحلم والندى والبيانا في علي مجموعة المثل * العليا تجلت لا تحتوي أدرانا
261 عبد الحميد الصغير (1338 ه -...) الشيخ عبد الحميد ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي بن حسين ابن الشيخ شبير المعروف بالصغير، من آل خاقان. ولد في النجف عام 1338 ه / 1920 م ونشأ فيها حيث تلمذ على أبيه وكان من المرموقين، وعلى ابن عمه الشيخ محمد طاهر الخاقاني. وبعدهما حضر في حلقات مشاهير العلماء أمثال السيد الخوئي حيث حضر درسه في الأصول. لم يكن مكثرا من قول الشعر رغم تضلعه فيه، ولذا لم يترك سوى ديوان صغير يجسد شاعريته ومتانة نظمه. ورغم أنه كان في ريعان الشباب إلا أنه - كما نقل فيه - كان بعيدا جدا عن نزق الشباب. وكان الجالس إليه يظن أنه يعيش في غير أجواء النجف فهو كثير النقد لمجتمعه بأسلوب شعري حساس وذوق انسان متنور الذهن واسع الاطلاع. وله وعنوانها - من وحي الغدير - قوله: هو الشعر حاول أن تكون مجددا * معانيه واحذر أن تكون مقلدا ففي الشعر تخليد العواطف حية * فم الدهر لا ينفك فيها مرددا كما خلد التاريخ من هاشم فتى * أقام له الدنيا علوا وأقعدا إمام نهى ألقى البيان زمامه * إليه فأمسى بالبيان مقلدا فذا نهجه فاستقص آيات نهجه * تجد فيه مجدا للبلاغة خلدا
262 وقرآن آداب إذا ما تلوته * رأيت على آياته الدر نضدا فكم خطبة جلت عن الوصف ضمنها * مواعظ إرشاد لمن طلب الهدى إمام وقد زان الإمامة شخصه * وجلببها ثوبا قشيبا مجسدا وقد جاء في شرع العدالة سالكا * بأمته النهج السوي المعبدا رأى أن دين الله شرع على الورى * لذلك ساوى الناس عبدا وسيدا إمام الورى يهنيك ذا العيد عائدا * فقد كان يوما للبرية أسعدا ففيه رسول الله صرح معلنا * بفضلك في الجمع الغفير وأشهدا فقال أراد الله شخصا لدينه * يقوم بأعباء الخلافة مفردا فلم ير أولى من علي لدينه * وصيا فخص المرتضى وبها ارتدى فدونكم هذا الوصي به اقتدوا * إماما عليكم والسعيد من اقتدى ومذ أبصروا فعل النبي وقوله * بشأن علي في الولاء مؤكدا أتوه يزفون التهاني بمنصب * له الله أمسى والنبي مشيدا
263 علي الهندي (1340 ه -...) السيد علي ابن السيد رضا ابن السيد محمد الرضوي الشهير بالهندي، شاعر ساخر وأديب مسرحي. ولد في النجف الأشرف عام 1340 ه / 1922 م، ونشأ على أبيه فقرأ بعض المقدمات لكن القدر عاجل أباه فحار في أمره حيث لا كافل له فاضطر - ليعيش - إلى نظم الشعر عام 1354، وأول نظمه كان في الإمام الحسين (عليه السلام)، ثم رقى المنبر الحسيني راثيا وواعظا، وشعره قليل التكلف ذو طابع روائي تمثيلي وله في غماره مسرحية شعرية بعنوان (الزواج بين الحب والمال) كما كان ينزع إلى السخرية والتمرد في أغلب قصائده، ولم يتيسر لنا الاطلاع الكافي على ترجمته الباقية. كان يكثر السفر إلى مختلف مدن العراق دون علقة له بها. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: أقسمت بمبسمك الدري * إني أهواك مدى عمري وأهيم بذكرك والأشواق * تجيش بحبك في صدري إلى أن يقول: فندبت أبا حسن ذخري * في الروع وأكرم من ذخر مولاي لقد قصرت وقد * أغرتني النفس بما يغري
264 والنفس تقول وقد شعرت * بالضيق وباءت بالفقر لذ يا ذا الذنب بحامي الجار * فلذت بذاتك يا فخري أمبيد الصيد لدى الهيجاء * وماحق أجناد الكفر ومشتت أحزاب الأعراب * وسر الفتح لدى بدر ومميت الغلب بيوم الحرب * وحامل ألوية النصر يا قطب الحرب بفتك الضرب * وملقي الرعب لدى الكر إن صلت بسيفك في فئة * فالنصر يصول على الأثر فإذا أنهيت الحرب وقد * أرديت الشوس بلا حصر ألفاك الناس لدى المحراب * ودمعك ينثر كالدر لك يا أسد الله الضاري * فتكات خالدة الذكر يا قاتل مرحب إذ وافى * وبقصة مصرعه يدري وصرعت بسيفك عمرو ومن * لولاك يشد على عمرو فاقبل يا ساقي الكوثر ما * قد قلت - بمدحك - من شعري
265 محمد صادق القاموسي (1341 ه - 1408 ه) الأستاذ محمد صادق ابن الحاج عبد الأمير ابن الحاج صادق البغدادي المعروف بالقاموسي، كاتب وشاعر أديب. ولد في النجف عام 1341 ه / 1923 م ونشأ على أبيه الذي كان يبيع القماش في حانوت لم يكن يخلو ساعة من عالم أو فقيه أو أديب أو شاعر. كان والده قد هاجر إلى النجف قبيل الحرب العالمية الأولى برغبة من خاله الشيخ باقر القاموسي (ت 1352)، ولالتصاقه به، لقب بلقه. وكان المترجم له يختلس الوقت للذهاب إلى الجامع الهندي لدراسة علوم الحوزة العلمية، وعندما فتحت كلية منتدى النشر عام 1357 دخلها حيث واصل دراسته وتخرج منها. ثم لازم عميد المنتدى الشيخ محمد رضا المظفر وزملاءه حيث أخذ عنهم الأصول والفقه وكان في الوقت ذاته مشرفا على تحرير مجلة (البذرة). بدأ بقرض الشعر عام 1359 ه، وكان دائم الاطلاع على الأدب والثقافة حتى أنه لا يقع كتاب تحت يده إلا قرأه، وله مكتبة عامرة تشهد على حسه وذوقه وله عدة مؤلفات كما له ديوان شعر وهو مشارك في الكثير من ندوات الأدب واحتفالاته في النجف الأشرف وخارجها. توفي عام 1408 ه. وله بعنوان " العيد الحزين " قوله:
266 أيطربني ماض بعدلك زاهر * وقد ملأ الدنيا من الظلم حاضر وتفرحني الذكرى وما زلت خاضعا * لأمر الألى قدما عليك تآمروا تباركت يا يوم الغدير وللهدى * سنا واضحا لو أحسن البحث حائر تعاليت دستورا به العدل دولة * وقدست سلطانا به الحق آمر قرأتك (نصا) تستشف سطوره * سنا و (حديثا) يصطفيه التواتر فما هالني إلا ختول مؤول * وما راعني إلا جهول مكابر أبا العدل يوم المصلحين كأمسهم * عصيب وليل المستضامين عاكر إذا لم يسر في الناس سيرك مصلح * أمين على نشر العدالة قادر فلا يصلح الدنيا عتاد وقوة * وإن حاطت الست الجهات العساكر وأنى وقد ساويت في الحق (قنبرا) * تقاسمه ما تقتني وتشاطر وما بت مبطانا وفي الناس جائع * ولو شئت ألهاك الغنى والتكاثر
267 عبد الغني الحبوبي (1342 ه -...) الأستاذ عبد الغني ابن السيد حسين ابن السيد محمود الحبوبي، أديب ناقد. ولد في النجف الأشرف عام 1342 ه / 1924 م في بيئة نقية فاضلة. دخل كلية الحقوق عام 1366 ه حيث اشتغل بعد تخرجه منها في سلك المحاماة. سافر عام 1371 إلى مصر لدراسة النظم الجمركية. وكان له نشاطات تدريسية في اللغة والأدب في متوسطات بغداد والبصرة الأهلية. شخصيته متزنة، محمود السيرة، معتدل التوجه. ورث شعوره الوطني من أهله، كعمه السيد محمد سعيد الحبوبي. تأثره بشعر عمه واضح البصمات، وقد تولى الإشراف على طبع ونشر أعمال السيد الحبوبي الشعرية والكتابة عنه، ولم يتيسر لنا الاطلاع الوافي على مجمل ترجمته بعد ذلك. وله من قصيدة: وما الذي غمر الأرواح قاطبة * حبا لآل الرسول المصطفى النجب أئمة يستضئ التائهون بهم * كما استضاء سراة الليل بالشهب أئمة وانتصار الحق دأبهم * والعدل في الحكم بعض القصد والأرب أئمة جاهدوا من أجل دينهم * حتى استقام فما يشكو من النصب توارثوا قوة الإيمان عن بطل * هو الأب البر حامي غابة الأشب
268 ذاك الإمام (علي) جل واهبه * ما لم يجد لامرئ فيه ولم يهب لولاه ما رفعت للدين ألوية * ولا هوت من ذراها راية الشغب إن الإمامة ثوب ليس يلبسه * إلا ذووه ومن يطلب ذكا يخب ساس الرعية من بعد النبي ولم * يلجأ إلى الغش بين الناس والكذب رأى الخلافة أما أن تقومها * يد العدالة والعرفان والأدب أو لا فإن أساس الظلم منهدم * وإن عالي ما يبني إلى صبب مضى على سنة الهادي الأمين ولم * تغره كسواه ومضة الذهب لم يزدر الفقراء البائسين ولم * يركن لتفضيل أهل الجاه والنسب ولم يجد بحقوق المسلمين ولم * يؤثر أصيحابه بالحكم والرتب يا أيها المثل الأعلى بسيرته * بين الرعية من ناء ومقترب أعزز على الأمة الثكلى بسيدها * مخضبا بحسام منه مختضب
269 عبد الرسول الجشي (1342 ه -...) الأستاذ عبد الرسول (عبد الله) ابن الشيخ علي بن حسن بن محمد علي، يتصل نسبه بناصر الشهير بالجشي القطيفي. ولد في النجف عام 1342 ه / 1924 م ونشأ فيها وتلمذ في المقدمات على أبيه ونخبة من أساتذة معروفين اتجه بعد ذلك صوب الأدب فتردد على جمعية الرابطة. هاجر إلى القطيف مع أبيه الذي عرف كمرجع ديني عام 1368 ه فصار هناك من الأدباء المبرزين وقد نشر نتاجاته الشعرية في كثير من الصحف العربية وشارك في العديد من المهرجانات الأدبية وله مجموعات شعرية تحت الطبع وملحمة شعرية. وما يزال يواصل شوطه الأدبي في القطيف. وله من قصيدة: وقد أقمنا على ظهر الغري لنا * معاهدا سطعت من أفقه شهبا وحسبنا القبة الحمراء مشرقة * يهفو لها من نآى دارا ومن قربا فاضت على النجف الأعلى أشعتها * فلا يبالي أراح البدر أم غربا لقد قبسنا اقتداء من أبي حسن * العزم والحلم والعرفان والأدبا وقد قرأنا سطورا من بسالته * حمرا كأن دم الأبطال ما نضبا فوجهتنا اتجاها من يحققه * منا فقد حقق الآمال والأربا
270 محمد حسين المحتصر (1342 ه -...) الأستاذ محمد حسين ابن العلامة الشيخ منصور الشهير بالمحتصر، أديب شاعر. ولد في النجف ودرس على أبيه والشيخ صالح نعمة مقدمات العلوم، ثم درس الأصول والأدب على السيد محمد جمال الهاشمي. هاجر إلى لبنان عام 1361 ه ثم عاد إلى النجف الأشرف بعد أربع سنوات فانصرف إلى الدراسة الأكاديمية بخطوات سريعة ثم أشرف على تحرير مجلة العقيدة، ثم اختير مدرسا في منتدى النشر، وله كتب عدة في التاريخ والنقد والشعر ولم يتيسر لنا الاطلاع على ترجمته اللاحقة بعد ذلك. وله بعنوان - قصة الغدير - قوله: في بقعة جرداء ليس بأرضها غير الصخور صحراء يخشى السائرون بها مغبات المسير في قلب صحراء الحجاز وبطن واديه الكبير نزل النبي وكان ذلك عند هبات الهجير أمر النبي بمنبر يعلوه من قتب البعير ودعا المؤذن أن ينادي الركب في صوت جهير فتدافع الجمع الغفير عليه بالجمع الغفير
271 فمضى رسول الله يخطب فيهم من فوق كور يا قوم هل بلغت عن ربي خفيات الأمور؟ يا قوم إني راحل عنكم إلى المأوى الأخير هذا علي بينكم في كل معضلة وزيري هذا علي لا يجوز لغيره لقب الأمير الله نص عليه فهو خليفة الله القدير فانصاع أصحاب الرسول صغيرهم خلف الكبير يتسابقون إلى السلام عليه في يوم الغدير مضت الشهور تسير مسرعة على إثر الشهور حتى إذا رفع الرسول إلى فسيحات القصور وخلت ديار محمد من وجهه السمح المنير لعب الزمان كما أراد وقال للأيام دوري وإذا الإمام أبو الحسين يقاد فيهم كالأسير وإذا الأمير يبايع المأمور في قلب كسير الله ما أقسى القضا وأشد عادية الدهور
272 محمد حسين الصافي (1343 ه -...) الأستاذ محمد حسين ابن السيد نعمة ابن السيد محمد ابن السيد صافي. ولد في النجف عام 1343 ه / 1924 م دخل المدارس الأكاديمية ثم كلية منتدى النشر فدرس فيها العلوم الدينية ثم عين مدرسا لابتدائية المنتدى ومتوسطتها. له حياة مسلم بن عقيل ومناظرات الصادق مع الملاحدة وغيرها. شعره يفيض حسا وذوقا ويمتاز بخيال خصب وديباجة مشرقة انتقل إلى بغداد وعمل في التجارة، ولم يتسن لنا الاطلاع على ترجمته اللاحقة. وله في يوم الغدير قوله: " عيد الغدير " تجدد في مغانينا * واخلد كما خلدت فينا معالينا وعطر الكون بالذكرى ولا عجب * فعطر ذكراك قد فاق الرياحينا وند أرواحنا الظمأى فقد يبست * عروقها ورذاذ منك يكفينا سل العصور التي مرت فقد شهدت * يوما أحاطت به علما وتدوينا في كل عام يعيد الدهر جدته * كأنما الدهر أضحى فيه مفتونا سل العصور ففي أرجائها أرج * من الإمامة لا ينفك ينبينا تاج الإمامة حدثنا فأنت إذا * ثار الحجاج مع الأعداء قاضينا من نظم اللؤلؤ اللماع فوقك أم * من نضد الجوهر الوهاج تزيينا ألم يصغك الذي من لطف حكمته * قد صاغ قبلك تيجان النبيينا
273 فكيف أعمل فيك الناس رأيهم * فتوجوا بك أذنابا مداجينا أللزكاة فما كانوا المزكينا * أم للصلاة فما كانوا المصلينا يا منبر الوحي حدثنا أما حفظت * أعوادك الزهر أصوات المنادينا أما تجمع ذاك الركب حولك في * لفح الهجير إلى الدعوى ملبينا أما ارتقى متنك الميمون سيدهم * فاهتز عودك فخرا وازدهى لينا حدث عن الحق مذ فاضت منابعه * في لفظ أحمد يحكي الوحي مأمونا أما سمعت مقال الوحي ممتدحا * أبا تراب وقول الناس آمينا وقال من كنت مولاه فحيدرة * مولاه من فيه في الجلي تلوذونا فهو الإمام وهذا الوحي يخبرني * ولاؤه بولائي بات مقرونا فماجت الناس وانثالت جموعهم * على إمامهم الزاكي يهنونا ألق السعادة في أحضان حاضرنا * (عيد الغدير) كما أسعدت ماضينا ذا موسم البهجة الكبرى فليس لنا * إلا بذكرك أن نشدو أغانينا
274 صدر الدين الشهرستاني (1351 ه -...) السيد محمد علي (صدر الدين) بن محمد حسن بن مهدي بن الخليل الموسوي الحكيم الشهرستاني، عالم فاضل وأديب خطيل، ولد في كربلاء المقدسة - العراق عام 1351 هه / 1932 م من أسرة ذات شرف وفضل وادخل الكتاتيب ثم المدرسة الرضوية للعلوم الدينية متتلمذا على بعض رجال العلم المعروفين وحاضرا دروس الشرع المقدس حتى أتمها عند مجتهدي الحوزة العلمية الكربلائية ومبرزيها الأفاضل، كما تعلم الخطابة الحسينية عند أستاذه المعروف الشيخ محسن أبو الحب وغيره من رجالها ثم أصبح أحد أكفائها المعهودين، إضافة إلى مشاركته في النشر والتأليف من خلال المجلات والدوريات الثقافية والأدبية حتى اصداره مجلة (رسالة الشرق) في كربلاء المقدسة، وارتياده لمحافل الشعر ومنتدياته، وإدارته لمدرسة الإمام الصادق الأهلية، ثم انضوائه في سلك دورة رجال الدين التربوية التعليمية حيث عمل إثرها معلما في المدارس الرسمية إضافة إلى استمراره على الخطابة الحسينية حيث له حضور حافل ومجالس حاشدة... اعتقل عام 1411 ه مع غيره من العلماء والخطباء إثر القضاء على الانتفاضة الشعبانية المباركة ولم يعلم خبره حتى هذا اليوم، له عدة مؤلفات أغلبها مخطوط ومنها ديوان شعر. وله من قصيدة " مولد النور " قوله: حق يشاد وباطل ينهار * إن كنت تنكر ذا فذي آثار
275 حتى قال: الحق يعلو إذ تجلى توأما * لعلا وليد أنجبته نزار ولد ببيت الله واتفقا مع * القرآن ذاك المرشد القهار قم يا أخي فإن ركب عصابة * الإلحاد قد أودى به الأعصار انظر فهذي لبوة وإمامها * أسد هزبر ضيغم هيصار هي بوة الاسلام فاطمة وذا * في كفها هو شبلها الكرار خرجت من البيت الحرام لتمنح * الدنيا فتى كشفت به الأسرار هو ذا علي المرتضى بطل الهدى * ولدين أحمد سيفه البتار عطفا أمير المؤمنين فإن لي * قلبا يهيم لحبكم يختار أسلمته للحب حين خبرته * إذ فيه يكمن رسمك النوار فأثار عاطفتي وألهب فكرتي * وإليك منها زفت الأشعار أنا مخلص في الحب لن اغتر في * أقوال من لفوا بنا أو داروا لكن أراني الكنا في مدحكم * ولسان ودي في ثناك بحار أخرست كل الواصفين وهيج * الأفكار منهم بحرك الزخار أنت المؤازر للرسول وفي الوغى * للجند أنت القائد المغوار أنت المطبق للشريعة معلنا * إن النظام نظامنا الجبار أنت المشيد للعدالة صرحها * في سحق من قد ضللوا أو حاروا لولاك لا شمس ولا قمر ولا * الأفلاك فيها كوكب سيار يا مرشد الدنيا لكل مواقف * إن حاربوا أو سالموا أو ثاروا ومعلم العلماء في منهاجه * وبه تشيد ركنها المنار يا صاحب النهج القويم ومن لنا * (نهج البلاغة) من علاه منار
276 جعفر الهلالي (1345 ه -...) الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحميد بن إبراهيم الهلالي الإحسائي البصري النجفي. عالم فاضل وخطيب شهير وشاعر أديب. ولد في البصرة عام 1345 ه / 1927 م، ونشأ فيها على والده الخطيب العالم، ودرس في المدارس الرسمية. مارس بعدها الخطابة الحسينية، ثم انتقل إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسته فيها فدرس في حوزتها على أساتذة مشهورين. انتسب إلى كلية الفقه بعد افتتاحها، وتخرج منها عام 1383 ه / 1963 م، وحصل على البكالوريوس في العلوم العربية والاسلامية. مارس الخطابة والتبليغ اللذين شغلاه عن مواصلة دراسته الأكاديمية، فاتجه إلى وسط وجنوب العراق وبعض دول الخليج. له مؤلفات عدة وشعر كثير، ولا زال يرفد المناسبات الدينية بشعره الثر. أما علاقاته الأدبية فهي واسعة ومتنوعة. وهو يعد اليوم من شيوخ الخطابة الحسينية وله فيها أسلوب مميز، أما في الأدب فطالما أغنى ساحته بالرائق الكثير من نتاجاته الشعرية، حيث يعد من طليعة شيوخه. وله في مدح أمير المؤمنين قوله:
277 إلى من غدت تعنو له الفصحاء * توجهت يحدوني هوى وولاء أبا حسن يا آية الله في الورى * ويا معجزا حارت به الحكماء مقامك أسمى أن تحيط بكنهه * نعوت ولا يرقى إليه ثناء تعثرت الأقلام والفكر دونه * فيا ليت شعري هل تفي الشعراء وهل بعد مدح الله يا نفس أحمد * سيبلغ أدنى وصفك البلغاء وله أيضا من قصيدة طويلة: لك هذا الشعر انضده * وعلى أعتابك أنشده ماذا سأعد بقافية * مهما للشعر أردده ولفضلك عد لا يحصى * قدما قد حار معدده وبك الشعراء وإن بلغت * أقصى ما المدح يعدده فبلوغ الغاية مبدؤها * بمديحك فهو مؤبده لكن ولاءك في قلبي * فأتيت اليوم أجسده قد ساركما قد سار دمي * في جسمي كيف أبدده حرزي إن قصر بي عملي * وضماني باسمك أعقده إني وولاك لنا فرض * أضحى المختار يؤكده وب (قل لا أسألكم) نص * جاء القرآن يؤيده وبنص حديث معتبر * قد صح هناك مورده عنوان صحيفة مؤمننا * بولاك تشيد معقده بك قدما قال أبو الزهرا * ء مقالا عال مسنده لولا ما أخشى من قوم * قولا في عيسى تورده لأبنت مقالا لست تمر * بقوم فيما أعهده
278 إلا أخذت مما وطئت * قدماك ترابا تفسده ويرونك حين تهل الطر * ف لحب الله وتحمده تدعوه تناجيه ليلا * بالذل هناك وتقصده توليه الفضل وتشكره * فيما أعطاك ونقصده وبذاك تقول لمن غالى * إني للخالق أعبده أنا عبد مشيئته الكبرى * أنا نور منه توقده لكن عقولهم تاهت * مذ شخصك لاح ممجده ودعتك بأنك رب الخلق * تفيض الرزق تحدده يا ويلهم مما قالوا * قولا نقلوه ونجحده وبذاك معاوية جلى * وسواه ممن يعضده فلحربك قاد جحافله * ولسبك راح يمهده ونهى أن تروى منقبة * لك والراوي يتهدده قد كان (ولاك) جريمتهم * والله ولاك مؤيده وهناك كثير لا يحصى * للقول يطول تعدده أأبا حسن ومصابك ما * زلنا في الدهر نردده قدست شهادتك العظمى * شوقا بالعزة تعقده يوم في البيت بدا ألقا * ميلادك وهو مخلده وبيوم تصرع عند البيت * فطاب الختم ومولده قد كنت أتيت تؤدي * الفرض وذكر الله تردده فأتاك هناك شقي الخلق * بغدر كان يجسده فصرخت هنالك فزت بها * ولربك رحت تمجده
279 أأبا حسن بك قد ثكلت * دنيا الإسلام ومعبده فبكاك الدين وشرعته * ونعاك الكون وفرقده وغدا جبريل أسى يعلي * صوتا بالأفق يردده والمنبر بعدك والمحراب * نعى والفرض ومسجده وبكتك يتامى ما فتئت * لعظيم نوالك تعهده وله في ذكرى مولد الإمام علي (عليه السلام) قوله: ذكراك يا بطل الخلود بمسمعي * خطرت فكانت في القصيدة مطلعي وتفجرت بفمي فرحت أبثها * مدحا تفوح بنشرك المتضوع ذكراك يا رمز الجهاد عقيدة * خلدتها نزهت بلون ممتع ذكراك دستور الحياة سمت به * أمم لخير علا وأشرف موضع تمضي الدهور وأنت في أفق الهدى * قمر ينير الدرب للمتطلع أبدا ستقرؤك الحياة رسالة * للحق في وجه الضلال الأسفع إيها وليد البيت ذكرك عاطر * إما يمر على المحب المولع فعلاك شمس قد تألق مشرقا * تعنو له الدنيا بغير تمنع وليوم مولدك المبارك قصة * فيها لشخصك ميزة لم تدفع شكوى إليك أبا الحسين يبثها * قلبي ونار الحزن تلهب أضلعي هي نفثة المصدور فجرها الأسى * شعرا على فم شاعر متفجع قد عاد وضع المسلمين كما ترى * بددا بأيدي الخائنين الوضع وبلادنا وهي الجريحة قد غدت * نهبا لرغبة طامع أو أجشع وله أيضا: حين انثنت للبيت أمك فاطم * تدعو بدعوة خاشع متضرع
280 يا رب جئتك كي تسهل حاجتي * فإليك منقلبي وعندك مفزعي وإذا النداء يقول فاطمة ادخلي * حرم الإله وعند مثواه ضعي فولدت طهرا فوق أشرف بقعة * هي قبلة للساجدين الركع لك سجل التأريخ أروع صفحة * وكفى بها - مثلا - على ما أدعي كرمت عن (هبل) لتسجد نحوه * ولغير رب العرش لم تتضرع وسبقت للاسلام لا مترددا * والناس ثوب الشرك لما تنزع وبذلت نفسك في المواطن كلها * في الله لا تخشى لقاه مدرع كم وقفة لك دون أحمد جاوزت * حد الثناء ومثلها لم نسمع حتى رفعت لدين أحمد راية * خفاقة بالنصر فوق الأربع أأبا الحسين وما أقول بمعشر * الأصحاب بعد أبي الهداة الأروع لو قلدوك الأمر ما زلت بهم * قدم عن النهج القويم المهيع ولأبصروا بحرا خضما طافحا * بالعلم لا نقص به في موضع وإمام حق لم يلن بحكومة * جورا ولم يرغب بلذة مطمع وفتى سياسيا ولكن ليس في * أفعاله ميل لغدر أفضع كلا ولن يلج القصور وغيره * من شعبه يأوي لكوخ أضلع أو كان يلبس للحرير وفي الورى * فرد يحن أسى لثوب أرقع الملح والخبز الشعير غذاؤه * متأسيا بالبائسين الجوع أأبا الهداة الغر أنت زعيمنا * لسواك بعد المصطفى لم نتبع وولاك قد نشأت عليه نفوسنا * أفهل نحيد عن الصراط المهيع وبذاك قرآن الإله مصرح * والناس منه بمنظر وبمسمع يا سيدي واليوم يرجع نفسه * تأريخنا الماضي بشكل مفزع
281 أيكون حبك يا علي جريمة * فيها ألاقي في بلادي مصرعي الأنني في كل آن ثورة * في وجه كل مخرب أو مبدع أم إن جرمي أنني لا أبتغي * حكما سوى الاسلام يا دنيا اسمعي
282 محمد آل حيدر (1346 ه -...) الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ باقر آل حيدر، مرشد ديني وخطيب وأديب من أسرة في النجف وسوق الشيوخ معروفة بالفضل والتدين والأدب، وهو ابن عم الشاعر جميل حيدر. ولد في الناصرية / سوق الشيوخ عام 1346 ه / 1927 م ونشأ بها حيث رعاه أبوه الذي تزعم منطقته دينيا. انتقل بعد ذلك إلى النجف لمواصلة دراسته حيث درس ودرس بعض علومها. نظم الشعر وهو لما يتم العقد الثاني بعد، حتى استوى شاعرا يشار إليه بالبنان، وله أكثر من مجموعة شعرية ونثرية، استقر في الحلة مرشدا دينيا وما يزال. وله يمدح الإمام عليا (عليه السلام) قوله: أستهل المدح بالشعر حياءا * أنت أسمى منه فاعف الشعراءا نحن لو نقوى على آمالنا * لرفعناها على الشمس لواءا ورمينا الشعر في كل فم * يا أبا السبطين حمدا وثناءا فإذا ما قصرت همتنا * حسبنا إنا به نلنا السماءا نفس الشاعر روح برة * تملأ الأجواء لطفا ورخاءا ود لو يملأ مصباح الضحى * منه زيتا شاعريا واهتداءا
283 فلقد أبصر في وادي طوى * قبسة الحق جلاء فاستضاءا وأميط الستر عنه فرأى * الوحي فوق الأرض يمشي خيلاءا فوق عينيه ابتسامات الهدى * وعلى جبهته الحق تراءى ضمني يا فجر إني شاعر * فوق ما غذيت غذيت ضياءا فأنا من حيدر لا أستقي * غير نور الله هديا وصفاءا أستقي من روحه النور الذي * في جبين العرش قد لاح جلاءا يا أبا السبطين إني شاعر * تحت ظل منك استوحي السماءا أحتسي بالنور من قارورة * قد حواها الوحي من قبل رواءا أنا لا ألثم إلا تربة * بشذا القرآن قد طابت ثراءا أنا لا أعتز إلا في هوى * حيدر ما دمت أجتاز البقاءا أنا لا أرمق إلا طالعا * طالما موسى به شام السناءا أنا حسبي منه لو كنت على * حبه كالشمع ذوبا وانطفاءا يا أبا السبطين هبنا قبسة * لتزيل البؤس عنا والعناءا فأنر درب الورى يا بلسم * الجرح يا من جئت هديا وشفاءا وله في يوم الغدير وعنوانها - أبا الأحرار - قوله: حملت ولاك رأيا واعتقادا * وفي دنياك بصرت الفؤادا وما انصب الدم العربي إلا * على حب الوصي وما تهادى ولا عجب فإن ولاه فينا * بياض العين يكتنف السودا غرست ولاك في قلبي ليوم * به أبغي على يدك الحصادا أمير المؤمنين وكل جيل * على واديك يحتشد احتشادا يحوم فوق ربوته جلالا * ويمسك باب مسجده اعتمادا
284 ولم الفجر ذيلا ذهبته * دماء بنات ليلته ودادا على مجرين من نار ونور * به موسى بن عمران تهادى وحاز من النبوة معجزات * بها يستنطق الصم الجلادا أبا حسن تجشمت الليالي * مدلا ما تشكيت الجهادا وكيف الدهر يوهن منك عظما * وقد حملتها سبعا شدادا قنعت بكوخك الذاوي ضلوعا * وفي خفقات شمعته اتقادا وأقراص الشعير ألذ شئ * إلى شفتيك طعما وازدرادا يلفك من نسيج الصوف ثوب * لتسعد في خشونته العبادا وبعد الكوخ تحتضن الدراري * بأذرعها لك الصرح المشادا وذاك القرص يا رحماك فينا * جرى ذهبا على يدنا وجادا
285 مصطفى جمال الدين (1346 ه - 1417 ه) السيد مصطفى بن جعفر ابن الميرزا عناية الله، من أسرة جمال الدين، وهي أسرة مشهورة بالعلم والشرف والأدب. أديب كبير وعالم فاضل مؤلف وعلم بارز. ولد في قرية المؤمنين التابعة لسوق الشيوخ عام 1346 ه / 1927 م. وأرسله أهله إلى النجف الأشرف للدراسة في الحوزة العلمية، صبيا فتدرج في مراحلها حتى حضر بحوث مرحلة الخارج على أيدي أمثال السيد الخوئي (قدس سره) وغيره وتأثر بمنهج الشيخ المظفر الاصلاحي وساهم فيه إلى جانب زملائه العديدين من رموز دينية وسياسية معاصرة، ووقف في خضم ذلك مع حركة التجديد في النجف المنادية بتغيير المناهج الدراسية وتطويرها، كما برز شاعرا مميزا من الرعيل الأول له أسلوبه الخاص ورؤيته الفريدة التي صقلتها في موهبته مواكبته لمجمل حركة الأدب العربي فجاء شعره امتدادا لمدرسة العمود العتيدة التي كادت أن تأتي عليها نزعات التحديث والاستلاب، وله في ذلك أتباع من الشعراء الشباب. وقد واصل إلى جانب ذلك دراسته الأكاديمية متخرجا من كلية الفقه عام 1382 ه / 1962 م، ثم من جامعة بغداد في مرحلتي الماجستير والدكتوراه برسالتين مشهورتين تعدان إلى جانب مؤلفاته الأخرى في النحو والأصول والأدب ثروة هامة للحركة الثقافية المعاصرة وقد صدر له أخيرا (الديوان) قبل
286 وفاته بعام. كما ارتبط بأغلب أدباء العربية بعلائق متينة، وشارك في مؤتمرات شعرية وملتقيات كثيرة، كما كتبت عنه الصحافة الأدبية واحتفى به الشعراء والمثقفون. هاجر من بلده العراق في عام 1401 ه / 1980 م إلى الكويت ثم إلى سوريا حيث شارك في تجربة معارضة النظام المتسلط على العراق إلى جانب مشاركته في رعاية الحركة الثقافية والأدبية حتى وافته المنية في دار الهجرة في عام 1417 ه - 1996 م، وبذلك فقد الأدب العربي المعاصر واحدا من أعلامه الكبار، والحوزات والمؤسسات العلمية شيخا من روادها المميزين. وله من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: سموت فكيف يلحقك القصيد * وأجنحة الخيال لها حدود؟! وكيف يطال شأوك في جناح * قوادمه مزامير وعود!! فهبني ما أقول.. فإن فكرا * إليك رقى.. سيتعبه الصعود فلست الأرض يقطعها مغذ * ولست النور يدرك ما يريد أبا حسن وإن أعيا خيالي * فقصر دون غايته النشيد فليس لأن أجنحتي قصار * وأن مثار عاطفتي جليد وأن هوى ترعرع وهو بذر * بظلكم.. سيذبل وهو عود وأن يراعة غنت هواها * ستخرس حين تزحمها الرعود ولكن كان مرمانا سماء * قريب منالها أبدا بعيد يراك الفكر منه قيد باع * فيحسب أن مطلبه زهيد وهل أجلى من الإصباح شئ * وقد شق السماء له عمود فيمعن في لحوقك، حيث يلظى * فيجمر.. ثم يدركه الخمود
287 فأنت بعين شامخه سماء * وأنت بعين خاشعه صعيد أبا الحسنين هب لي ما أغني * به الدنيا ليسكر بي وجود فقد سئمت حديث النفس روح * لها في كل آونة شرود يحملها العذاب ضمور جيل * تجاذبه المطامع والوعود أبا حسن ولولا أن روحي * بحبل هداك تربطها عهود لأوشك أن تزل به دروب * تفاخر أن مزلقها (جديد) فبين الزيغ والإيمان خيط * إذا ما انبت تضطرب الحدود فكل مخالف، أبدا، عدو * وكل مخاتل، كذبا، ودود!! وكل غد تحشد بالمنايا * لنطعمهن فهو (غد سعيد)!! أهذا ما يقضي العمر فيه * شباب ذابل وحشى وقيد فكم لفظ تراقص عبقريا * فأوحش وجهه المعنى البليد!! وله أيضا قوله: ظمئ الشعر أم جفاك الشعور * كيف يظمأ من فيه يجري الغدير كيف تعنو للجدب أغراس فكر * لعلي بها تمت الجذور نبتت - بين (نهجه) وربيع * من بنيه، غمر العطاء - البذور وسقاها نبع النبي، وهل * بعد نمير القرآن يحلو نمير؟ فزهت واحة، ورفت غصون * ونما برعم، ونمت عطور هكذا يزدهي ربيع علي * وتغني على هواه الطيور شربت حبه قلوب القوافي * فانتشت أحرف، وجنت شطور وتلاقي بها خيال طروب * ورؤى غضة، ولفظ نضير ظامئ الشعر، هاهنا يولد * الشعر، وتنمو نسوره وتطير
288 هاهنا تنشر البلاغة فرعيها *، فتستاف من شذاها الدهور وسيبقى يهز سمع الليالي * منبر من بيانه مسحور تتلاقى الأفهام من حوله شتى *: ففهم عاد، وفهم نصير وعلي إشراقة الحب، وشيب * بسود الأحقاد، كادت تنير أيها الصاعد المغذ مع النجم * هنيئا لك الجناح الخبير قد بهرت (النجوم) مجدا وإشعاعا *، وإن ظن: أنك المبهور وملأت الدنيا دويا، فلا * يسمع إلا هتافها المخمور فقلوب على هواك تغني * وأكف إلى علاك تشير وسيبقى لك الخلود، وللغافين *، في ناعم الحرير، الغمور وستبنى لك الضمائر عشا * ولدنيا سواك تبنى القصور وسيجري بمرج عذراء من (حجرك) * نحر.. تقفو سناه النحور سيدي أيها الضمير المصفى * والصراط الذي عليه نسير لك مهوى قلوبنا، وعلى زادك * نربي عقولنا، ونمير وإذا هزت المخاوف روحا * وارتمى خافق بها مذعور قربتنا إلى جراحك نار * وهدانا إلى ثباتك نور باعدتنا عن (قومنا) لغة الحب * فظنوا: أن اللباب القشور بعض ما يبتلى به الحب همس * من ظنون.. وبعضه تشهير إن أقسى ما يحمل القلب أن * يطلب منه لنبضه تفسير نحن نهواك، لا لشئ، سوى * أنك من أحمد أخ ووزير ضرب الله بين وهجيكما * حددا: فأنت المنار وهو المنير وإذا الشمس آذنت بمغيب * غطت الكون من سناها البدور
289 أحمد الوائلي (1347 ه -...) الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود. خطيب شهير وعالم بارز وكاتب وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف في 17 ربيع الأول سنة 1347 ه / 1927 م، وتتلمذ على أبيه الخطيب الشاعر، وعلى غيره ثم التحق بجمعية منتدى النشر متدرجا في مناهجها، ثم أكمل خارجها مراحل الدراسة الحوزوية العالية على يد أساتذة النجف ومجتهديها المشهورين، ثم ساهم في المنهج الإصلاحي يومذاك. ضم إلى جانب ذلك الدراسة المنهجية الأكاديمية منتهيا بالحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة. كان عضوا في جمعية منتدى النشر لفترة طويلة، شارك خلالها في الكثير من مؤتمرات الثقافة والأدب. أما في الخطابة الحسينية فهو فارسها دون منازع، فقد تمرن عليها منذ حداثة سنه ملازما خطباءها المشهورين، ثم استقل بأسلوبه الخاص المميز الذي أحدث نقلة نوعية واسعة على صعيدي الشكل والمضمون فاعتبر من جاءوا إثره عيالا عليه في العصر الحاضر. وهو إلى جانب ذلك مؤلف قدير وموسوعي حافل، وأديب شاعر
290 مرهف الحس حسن الديباجة. وله مطلع مرثية في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: أفيضي فبرد الليل مدت حواشيه * وعبي فوادي الكرم راقت دواليه ومنها: أطل علي يحمل الهدي مشعلا * لشعب تمادى في الضلال وداجيه أسف فأعطى لابن هند زمامه * فضل به في مهمه من فيافيه فهب علي والدروب حوالك * معتمة والأفق غابت دراريه بيمناه بتار ويسراه مشعل * الهدى وكتاب الله ينثال من فيه رأى أن شعب المسلمين تلفه * حوالك من ليل الفساد وداجيه ففي الشعب إرهان وفي المال إثرة * وفي الحكم إرهاب وفي الدين ما فيه ولاة تعب الكأس من ضرع شعبها * وشعب يعب الدمع من جور واليه حتى قال: بيوت تبناها النعيم فأترعت * مقاصرها لهوا على الغيد تضفيه تهدهدها من صادح العود نغمة * فيسكر بهو القصر من سكر أهليه على حين راح البؤس ينشب مخلبا * بعاري جسوم البائسين ويفريه وباتت بيوت تنصب القدر فارغا * على النار كي تغري الصبي وتلهيه وأردف قائلا: أبا حسن والليل مرخ سدوله * وأنت لوجه الله عان تناجيه براك الضنا من خوف باريك في غد * وقد أمن المغرور من خوف باريه على شفتيك الذكر يطفح سلسلا * فتنهل علا من سمو معانيه وغالتك كف الرجس فانفجع الهدى * وهدت من الدين الحنيف رواسيه
291 أبا حسن من روحك الطهر هب لنا * شعاعا فركب الشعب قد ضل هاديه حنانيك حرر في هداك نفوسنا * فأنت أبو الأحرار حين نناديه وله أيضا: غالى يسار واستخف يمين * بك يا لكنهك لا يكاد يبين تجفى وتعبد والضغائن تغتلي * والدهر يقسو تارة ويلين وتظل أنت كما عهدتك نغمة * للآن لم يرقى لها تلحين فرأيت أن أرويك محض رواية * للناس لا صور ولا تلوين فلأنت أروع إذ تكون مجردا * ولقد يضر برائع تثمين ولقد يضيق الشكل عن مضمونه * ويضيع داخل شكله المضمون إني أتيتك أجتليك وأبتغي * وردا فعندك للعطاش معين وأغص من طرفي أمام شوامخ * وقع الزمان وأسهن متين وأراك أكبر من حديث خلافة * يستامها مروان أو هارون لك بالنفوس إمامة فيهون لو * عصفت بك الشورى أو التعيين فدع المعاول تزبئر قساوة * وضراوة إن البناء متين أأبا تراب وللتراب تفاخر * إن كان من أمشاجه لك طين والناس من هذا التراب وكلهم * في أصله حمأ به مسنون لكن من هذا التراب حوافر * ومن التراب حواجب وعيون فإذا استطال بك التراب فعاذر * فلأنت من هذا التراب جبين ولئن رجعت إلى التراب فلم تمت * فالجذر ليس يموت وهو دفين لكنه ينمو ويفترع الثرى * وترف منه براعم وغصون بالأمس عدت وأنت أكبر ما احتوى * وعي وأضخم ما تخال ظنون
292 فسألت ذهني عنك هل هو وأهم * فيما روى أم أن ذاك يقين وهل الذي ربى أبي ورضعت من * أمي بكل تراثها مأمون أم أنه بعد المدى فتضخمت * صور وتخدع بالبعيد عيون أم أن ذلك حاجة الدنيا إلى * متكامل يهفو له التكوين فطلبت من ذهني يميط ستائرا * لعب الغلو بها أو التهوين حتى انتهى وعيي إليك مجردا * ما قاده الموروث والمخزون فإذا المبالغ في علاك مقصر * وإذا المبذر في ثناك ضنين وإذا بك العملاق دون عيانه * ما قد روى التاريخ والتدوين وإذا الذي لك بالنفوس من الصدى * نزر وإنك بالأشد قمين حتى يقول: أأبا الحسين وتلك أروع كنية * وكلاكما بالرائعات قمين لك في خيال الدهر أي رؤى لها * يروي السنا ويترجم النسرين هن السوابق شزبا وبشوطها * ما نال منها الوهن والتوهين والشوط مملكة الأصيل وإنما * يؤذي الأصائل أن يسود هجين فسما زمان أنت في أبعاده * وعلا مكان أنت فيه مكين آلاؤك البيضاء طوقت الدنى * فلها على ذمم الزمان ديون أفق من الأبكار كل نجومه * ما فيه حتى بالتصور عون في الحرب أنت المستحم من الدما * والسلم أنت التين والزيتون والصبح أنت على المنابر نغمة * والليل في المحراب أنت أنين تكسو وأنت قطيفة مرقوعة * وتموت من جوع وأنت بطين وترق حتى قيل فيك دعابة * وتفح حتى يفزع التنين
293 خلق أقل نعوته وصفاته * أن الجلال بمثله مقرون ما عدت ألحو في هواك متيما * وصفاتك البيضاء حور عين فبحيث تجتمع الورود فراشة * وبحيث ليلى يوجد المجنون وإذا سألت العاشقين فعندهم * فيما رووه مبرر موزون قسما بسحر رؤاك وهي ألية * ما مثلها فيما إخال يمين لو رمت تحرق عاشقيك لما ارعووا * ولقد فعلت فما ارعوى المفتون وعذرتهم فلذى محاريب الهوى * صرعى ودين مغلق ورهون والعيش دون العشق أو لذع الهوى * عيش يليق بمثله التأبين ولقد عشقتك واحتفت بك أضلعي * جمرا وتاه بجمره الكانون وفداء جمرك إن نفسي عندها * توق إلى لذعاته وسكون ورجعت أعذر شانئيك بفعلهم * فمتى التقى المذبوح والسكين بدر وأحد والهراس وخيبر * والنهروان ومثلها صفين رأس يطيح بها وينذر كاهل * ويد تجذ ويجدع العرنين هذا رصيدك بالنفوس فما ترى * أيحبك المذبوح والمطعون ومن البداهة والديون ثقيلة * في أن يقاضى دائن ومدين حقد إلى حسد وخسة معدن * مطرت عليك وكلهن هتون راموا بها أن يدفنوك فهالهم * أن عاد سعيهم هو المدفون وتوهموا أن يغرقوك بشتمهم * أتخاف من غرق وأنت سفين ستظل تحسبك الكواكب كوكبا * ويهز سمع الدهر منك رنين وتعيش من بعد الخلود دلالة * في أن ما تهوى السماء يكون
294 حسين بحر العلوم (1348 ه -...) السيد حسين بن السيد محمد تقي بن السيد حسن بحر العلوم الطباطبائي. عالم فاضل مجتهد محقق وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1348 ه / 1928 م وسط أسرة علمية دينية شهيرة، ودرس عند والده المرجع المغفور له السيد محمد تقي بحر العلوم وكذلك عند جمع من أعلام عصره كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ حسين الحلي والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، كما أسس في مقبرة جده السيد بحر العلوم إلى جنب مقبرة شيخ الطائفة الطوسي مكتبة العلمين التي كانت منتدى عامرا للعلماء والأدباء والرساليين، إضافة إلى بروزه شاعرا مجسدا لمعاني الالتزام وصدق الحس حيث شارك إلى جانب أقرانه في الاحتفالات والمنتديات الأدبية والثقافية الاسلامية، أما في المجال العلمي فمساهماته عديدة في الفقه والأصول وتقريرات أساتذته، وهو اليوم أحد مجتهدي الحوزة العلمية المعروفين، مرجعا مقيما لصلاة الجماعة في مسجد الشيخ الطوسي صدره ديوان شعر عنوانه: زورق الخيال، ينبئ عن أدبه الناضج وشاعريته الخصبة أبان شبابه. وليد البيت: ألقيت في المهرجان الحولي المقام في النجف بمناسبة ذكرى
295 ميلاد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بتاريخ 13 رجب سنة 1380 ه ونشرت في مجلة الفيحاء. أسقني من وضح الحب دواءا * لأباري بسناه الشعراءا واجر من أعماق روحي نغما * فاض من روحك عطرا ونقاءا وافجر الواقع من قلبي يفض * أدبا سمحا، ويفتر ولاءا إن قلبا لم تعش في جوه * نبضة الوجدان ينهار غثاءا وشعورا لم ينغم وعيه * وتر الحب يضيع الاهتداءا وخيالا - صوحت فكرته - * من هدى الواقع، لم يملك أداءا إنما الحب شعور ودم * ومتى فاضا من القلب أضاءا يا وليد البيت فخرا يرتمي * بين كفيه فم المدح حياءا يا سمي الوحي، هبني نفحة * من شذا الوحي تؤديك الوفاءا غذني روحك ينشط قلمي * أن يفح الوعي لفحا ومضاءا إن قلبي جمرة مسعورة * تشرب الاصرار جرحا ودماءا يتشظى من يراعي حمما * ترجم الكفر فترديه هباءا هكذا الإيمان جيش أعزل * يقحم الموت فيضرى كبرياءا ليس حد السيف إلا ساعدا * أريحي الدم: عزما وفتاءا إن من يرمي إلى الأفق يدا * يرفع الأرض فيعليها سماءا والذي ينتهج الحق أبى * عزمه الملحاح إلا الارتقاءا هكذا علمنا تاريخنا: * أن بالاصرار هدما وبناءا يا معينا لم يزل ينبوعه * ينفح المعجز: مدحا وثناءا بهداك السمح ينجاب عمى * أمة لم تر في الصحو ذكاءا
296 وعلى نهجك نضاخ السنا * يزحف التأريخ: جيشا ولواءا فإذا الكون عقول ثرة * تستحث الفكر: كدا وعناءا أنت فجرت من الصخرة ماءا * ومن الجدب تلمست ازدهاءا أنت نبع الفكر مهما تنتهل * منه أفكار الورى فاض سماءا أنت والقرآن صنوا معجز * لنبي يتحدى الأنبياءا أنت من (أحمد) في روحيكما * صورة أبدعها الله سواءا أحمد كالشمس لكن أفقها * أنت والشمس من الأفق تراءى شمخت ذاتك حتى لم تجد * غير بيت الله بدءا وانتهاءا إن ميلادك فجر زاحف * بقرون تخصب الخير نماءا رشها بالوعي حتى برعمت * وسقاها العلم فازدادت بهاءا واجتناها (العرب) روضا معشبا * بمساعيه فأثرى وأفاءا واجتنيناها - كسولين - خواءا * تثمر الخيبة جهلا ووباءا نحن ما بين شباب نزق * يحسب الذروة قولا وادعاءا ويرى الخير لدى " حرية " * في الهوى، يمشي - كما شاءت وشاءا وشيوخ هرمت أفكارهم * فهي لا تقوى على الوعي استواءا قبعوا في كنف الصمت، وما * نطقوا إلا ليغزوا البسطاءا البلاء العقب: أنا أمة * تخذت من دائها المضني دواءا وبأنا كقطيع أبله * تخذ المرعى مقيلا، لا غذاءا فإذا " المسرح " مشلول الهدى * وفصول العرض لم تملك جلاءا وإذا الأفلام تختل، فلا * تعكس (الشاشة) إلا بلهاءا يا لها مهزلة كم لعبت * دورها فينا: ابتداء وانتهاءا
297 محمد جواد الصافي (1348 ه -...) السيد محمد جواد ابن السيد نعمة ابن السيد محمد ابن السيد صافي شاعر أديب. ولد في النجف عام 1348 ه / 1929 م ونشأ بها على أبيه. دخل المدرسة الابتدائية ثم مدرسة منتدى النشر. وكان خلالها يعيش في جو أدبي يخيم على المنتدى عن طريق الحفلات والإصدارات والمحاضرات ثم أصدر مجلة " البذرة ". نظم الشعر. وكان يحسن الإنشاء والإنشاد، وقد واصل بعد ذلك حياته الأدبية والثقافية، متنقلا بين النجف وبغداد، ولم يتيسر لنا الاطلاع بعد ذلك على ترجمته اللاحقة. وله قصيدة مطلعها: حي الغري تحي العلم والأدبا * وحيه منبعا للفضل ما نضبا إلى أن يقول: أرض الغري تسامي للعلا شرفا * وفاخري كل شئ وازدهي طربا أرض زهت بالحصا اللماع تربتها * ففاخرت بالحصا الأفلاك والشهبا وقد حنا الأفق فوق الأرض من لهف * لظمها فغدا مما حني حدبا أرض الحما خبرينا أي نابغة * سخرت في روحه الأجيال والحقبا نهج البلاغة فيض من أشعته * ما زال يدفع عنا الشك والريبا
298 قد حيرت كل عقل عبقريته * وأعجزت كل من قد قال أو كتبا يا من غدوت لجمع المسلمين أبا * وكنت بالجهد في إسعادهم دئبا أذبت روحك تسعى في هدايتهم * ولم تكن تبتغي أجرا ولا طلبا
299 محمد حسن آل ياسين (1350 ه -...) الشيخ محمد حسن ابن الحجة الشيخ محمد رضا آل ياسين، عالم فاضل وأديب شاعر، وحجة مشار إليه في العلوم والآداب. ولد في النجف عام 1350 ه / 1931 م ونشأ بها على أبيه فوجه جل عنايته له، فنشأ حسن السيرة والسريرة. دخل مدرسة منتدى النشر فأكملها وانخرط في سلك الدراسات الحوزوية فدرس على الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي الفقه والأصول سطحا، وحضر بحث الخارج على عمه الشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الخوئي. وبعد وفاة عمه الشيخ راضي طلبه الكاظميون ليحل مكانه عام 1371 ه، فتولى إقامة الجماعة وفصل الخصومات هناك. وكان ناديه علميا دينيا يكتض بالمثقفين وأسس دارا للنشر نشر فيها كثيرا من الآثار التي عثر عليها، كما أسس مكتبة عامة أسماها: مكتبة الإمام الحسن (عليه السلام). له مؤلفات عدة: تقريرات بحث والده في الفقه، تقريرات بحث الإمام الخوئي في الفقه والأصول، تاريخ الدولة البويهية، نفائس المخطوطات، شرح ديوان الصاحب بن عباد، معاني الحروف للرماني، تحقيق الشافي للمرتضى، وغيرها من المؤلفات الكثيرة، له نشاطات علمية وثقافية ومناصب عديدة. وله - وعنوانها: غدير علي - قوله:
300 هات يا شعر ما يهز المشاعر * وأجب قلب ما يثير الخواطر (1) حتى قال: قم وعد للوراء شيئا فشيئا * واستبن موقف الركاب المسافر وانقع القلب من (غدير علي) * واستبق واردا إليه وصادر واشهد الحفل والنبي على الكو * ر خطيب والجمع صاغ وصاغر شارح من جلال (حيدر) متنا * وقف الدهر دونه وهو حائر مفصح أنه أمير البرايا * وإمام الهدى ورب المفاخر وولي الإله شبل المعالي * صاحب الحوض خير ناه وآمر إنه الكفؤ للإمامة لا غير * بنص من المهيمن صادر عقد التاج للوصي فرنت * شعب البيد في نشيد البشائر وتهادى (علي) يحمل إكليل * المعالي مبلج الوجه زاهر
(1) الأصل في العجز " يا قلب " وحذف حرف النداء ليستقيم الوزن. 301 محمد سعيد الخنيزي (1353 ه -...) محمد سعيد ابن الشيخ علي أبو حسن الخنيزي، شاعر أديب، ولد في القطيف / السعودية عام 1353 ه / 1934 م من أسرة لها في موطنها سجل حافل في الكفاح الوطني وعالم الفقه والأدب، وترعرع في بيئة دينية ونال تربية أعدته أن يطور موهبته مثقفا كاتبا وشاعرا أديبا، ساعدته على ذلك رغبة والده العلامة المجتهد الفاضل ومكتبته الحافلة، وله مجاميع شعرية وأدبية عديدة أغلبها مخطوط، كما له مشاركات صحفية منشورة، ووصف بأنه شاعر عميق التفكير رقيق خصب الخيال، وما يزال يواصل شوطه الأدبي إلى جانب إخوته شعراء المنطقة الشرقية في السعودية، حيث يعد من طليعتهم، وله من قصيدة (يوم الغدير) قوله: أشرق الفجر من كوى الظلماء * فإذا الكون رفقة من ضياء وسرت همسة من الغيب كالأنغام * طافت في عالم الأحياء ومضت نجمة تقول لأخرى * إن في ذا الصباح فجر هداء هتف الهاتفون في كعبة الله * أطل ابن سيد البطحاء ولد الحق في صعيد أمام الله * في مشهد من الأنبياء فتعالى الهتاف من كعبة الله * تدوي أصداؤه في الفضاء وأبو طالب مع النفر البيض * حماة الديار كهف الرجاء
302 ينحرون الجزور فداء عن الطفل * طعام الضيوف والفقراء من ترى أمه فردد صوت * كصدى الغيب شيق الايحاء فأجاب النبي ذاك علي * اسمه كالأثير في الأجواء هو سيف الإله في وهج الحرب * وصبح في الظلمة العمياء فإذا ذلك الصبي يشق الجيش * ضربا كالشعلة الحمراء حاملا راية الإله بيمناه * ومن خلفه جنود الفداء موكب فيه للفروسية البيضاء * كف أودت بعرش الشقاء جلجل الحق صارخا ببني الأرض * فهبوا للدعوة السمحاء فإذا دعوة النبي انتصار * وازدهار كالواحة الخضراء فأراد النبي إكمال دستور * بناه على أساس الإخاء فأتم المطاف بالحجة الكبرى * مبينا عواقب الأشياء فأتى راجعا مع الصحب والجمع * كموج يضج في الدأماء وهنا صاح في الجموع (بلال) * الصلاة الصلاة رجع النداء الصلاة الصلاة الله أسمى * صلة الروح بين رب السماء فاعتلى المنبر الرسول وأدلى * ببيان كالديمة الوطفاء قد أقام الإله فيكم إماما * حاكما بالكتاب لا الأهواء دونكم كفه فمروا عليها * فهلموا للبيعة البيضاء فعلي يدور والحق في أفق * مدار الشموس في الأجواء فأتته الجموع طوعا تلبيه * خشوعا في ذلك الامساء مهرجان قد توج الحق فيه * عاريا من مظاهر الكبرياء إنها الساعة التي تفصل التاريخ * في قلب هذه الصحراء
303 هو يوم " الغدير " أكبر عيد * سجلته الحياة للأحياء فارفعوا ذكره وحوطوا رؤاه * فهو فجر يشع للحكماء ومن قصيدة (مصرع النور) قوله: قطرة الدم في محيا السماء * هي رمز الشهادة العصماء آية للشهيد تنطق بالحق * وتجلو غياهب الظلماء حينما عمم المرادي بالسيف * جبينا مكللا بالضياء فتعالى تحت الصباح ضجيج * ورنين وأنة في بكاء فإذا بالأمين يهتف في الجو * بصوت يهز قلب الفضاء هد ركن الهدى وأطفأ نور الحق * حامي الاسلام رب اللواء أدركوا الليث فهو مختضب الجسم * سجي على بساط الدماء انظروه على بساط مدمى * مثقلا بالجراحة الخرساء فأفاقت من نومها كوفة الجند * على مصرع العلى والإباء.. مصرع النور في الصباح تبدى * في سماء مربدة الأجواء فتعالى الصراخ من كوفة الجند * وماجت كصاخب الدأماء فتحت جفنها على فجرها الدامي * كليل يعوم في الارزاء من دهى الليث في العرين ومن ذا * روع الدين في مشيد البناء فإذا الجامع العظيم كغصن * من عظيم المصاب في نكباء احملوا الليث في بساط من الدم * إلى بيته بأشجى نداء بقي الليث بعد ضربته النكراء * ثلاثا على فراش العناء يرشد الناس للمعالي ويحيي * كلما مات فيهم من إخاء يسأل الناس وهو يحتضر الموت * سلوني فبعد هذا فنائي
304 أرسل الخطبة العظيمة في الناس * وأمسى مستسلما للقضاء فإذا روحه الزكية للعرش * تعالت إلى الفضا اللا نهائي وإذا الكوفة الرهيبة بحر * مثقل بالهموم والأرزاء وطغت موجة الضلال على الدين * وأمسى يباع بالأهواء وابن هند يميس من تخمة النصر * ومن خمرة المنى والهناء ابن هند لا زلت تنفث بالسم * وتسعى لمصرع العظماء كم قتلت الأشراف والحسن السبط * فقطعت مهجة الزهراء ورياء يسيل في كيدك القاتل * للنفس في سبيل الهواء وحياة تركتها في سطور * سجلت في صحائف سوداء هذه بيعة المهازل والغدر * تمشت كالداء في الأعضاء وأعادت بفجرنا الضاحك البشر * إلى عصر ظلمة وشقاء يا إمام الإسلام يا حامي الدين * تكلم عن أرضنا والسماء فقه الناس في الحياة وفي الدين * وسر الشريعة السمحاء أنت في نهجك البليغ نبي * كاشف عن غوامض الأنباء تتحداه من كمامة غيب * صادق في حقيقة بيضاء كم تحدثت في الملاحم بالغيب * وأنبأت سيرة الفوضاء سفرك الخالد الذي هو كالدهر * جديدا يضئ للحكماء هو آي من السماء وفجر * غمر الروح قبسة من ذكاء هو بعد القرآن أسلوبه المعجز * رمز العروبة العرباء هذه آية الشهيد مآس * وجهاد في صفحة الغرباء
305 عدنان العوامي (1354 ه -...) السيد عدنان ابن السيد محمد محفوظ التوبي العوامي، أديب شاعر ومثقف نابه معروف في بلده، ولد في القطيف / السعودية عام 1354 ه / 1935 م ونشأ في أحضان والده وأرسله إلى الكتاتيب فقرأ القرآن الكريم وبعض العلوم ثم درس الإنجليزية فأجادها وكان قد حصل على الشهادة الابتدائية ولم يتجاوزها لكنه تثقف ثقافة ذاتية واسعة، وبدأ حياته الأدبية بكتابة المقالة والقصة المسرحية ثم تحول عنهما للشعر الذي تأثر به بأعمال المشاهير في الأدب العربي وأثر على مساحة من معاصريه الشباب في منطقته وتظهر خلال ذلك ذائقته الخاصة واضحة في نتاجه المنشور في الصحف السعودية والعربية ومشاركاته في المهرجانات والأمسيات والندوات، وكذلك في مجموعته الشعرية شاطئ اليباب المطبوعة عام 1411 ه، وما يزال يواصل مشواره الطويل في الثقافة والأدب السعوديين كاتبا وشاعرا وصحفيا، في الطليعة من أدباء منطقته، والقصيدة المذكورة هنا من نتاجه الأول لم يتسن لنا الاطلاع على نتاج لاحق له في الغرض ذاته وعنوانها (يوم الغدير) منها: يوم الغدير على المدى متألق * وشذاه من أرج المسرة يعبق فيه الحياة بدت تلألأ بهجة * أنس الحجيج لها فكاد يصفق وتبسمت آفاقها مزهوة * وأظل آهلها الصفاء المشرق
306 وزهت بمنتظم البهاء وأزهرت * حتى غدت لجمالها تتعشق وغدى يضوئها جلال أشعة * علوية بسنا الهدى تتألق ولقد تبدت في مجالي جنة * زهراء يغمرها الجمال المشرق فيما الخلائق تشرئب وكلها * أذن تصيخ ومهجة تتشوق وإذا بصوت محمد يعلو بها * وإذا القلوب بصوته تتعلق هذا خليفتكم وسيد أمركم * وإمامكم بعدي فلا تتفرقوا هذا موجهكم لمدرجة العلا * فتمسكوا بذيوله كي ترتقوا هذا علي والعدالة نهجه * وذوو الجلالة بالعدالة أليق فاقفوا خطاه على الطريق فإنه * عن غير حكمته به لا ينطق الله أية دعوة لما تزل * قبسا يشع على الوجود ويشرق وعلى مدى الأزمان نبع هداية * سيظل يجري بالمياه ويغدق هذي مناهله يمد وجودنا * بدم الحياة نميرها المتدفق سيظل والتأريخ يشهد أنه * روح الحياة وإن أبى متزندق سيظل ينبئنا بأن حياتنا * في المجد إذ نسمو به ونحلق وبأن قيمتنا بقدر جهادنا * في الدين حيث بركنه نتعلق في الدين عزتنا ورمز وجودنا * لا في الهراء نصوغه ونلفق فهو السعادة في الحياة ومن يرد * غير السعادة في الحياة سيمحق وهو الدعامة للوجود وهذه * أجلى حقائقه الوفاء وأصدق
307 محمد حسين فضل الله (1354 ه -...) السيد محمد حسين ابن السيد عبد الرؤوف ابن السيد نجيب الدين العاملين عالم جليل مجتهد ومفكر كبير وكاتب بارز وسياسي معروف وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف عام 1354 ه / 1935 م، من أسرة علمية دينية معروفة في لبنان، ودرس على أبيه المجتهد الفاضل مقدمات العلوم، وعلى غيره من فضلاء عصره، ثم حضر الدروس العالية عند كبار مجتهدي ومراجع الحوزة العلمية أمثال الشيخ حسين الحلي والإمام السيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد أبو القاسم الخوئي والشيخ ملا صدرا البادكوبي، وساهم أيضا في حركة التجديد الثقافي والفكري والسياسي أبان ذلك من خلال الأدب والكتابة الصحفية والعمل الحركي حتى أصبح واحدا من أبرز أعلام عصره، واتصل كذلك بالإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر وعمل معه وتأثر بنهجه، وهو عضو فعال مشارك في أغلب المنتديات والإصدارات، حتى عاد إلى وطنه لبنان عام 1385 ه / 1965 م وأقام في بيروت وتصدى لمشاريع متعددة ونشر الكثير من الدراسات والمؤلفات المميزة بأسلوبه المعروف وطابعه الخاص، إضافة إلى زعامته الروحية لكثير من أتباعه، أما نشاطاته العامة فهي عصية على الحصر حيث عرف عنه دأبه وهمته وجرأته في خوض الكثير من
308 الحلبات إبان الحرب الأهلية اللبنانية ثم إبان الثورة الاسلامية في إيران والتحرك الاسلامي في بلدان العالم حتى يومنا هذا إذ هو أحد أوسع الشخصيات الشيعية المعاصرة شهرة وتأثيرا ونفوذا حيث يعد مرجعا ومرشدا روحيا وقمة فكرية وسياسية، صدر له في الشعر أكثر من مجموعة. وله من رباعياته قوله: هذه راية الجهاد التي تفتح كل الدروب للإسلام يستريح الفتح المبين على خفقاتها الخضر في انطلاق السلام هي للفاتح الذي يتحدى الموت بالوعي في اشتداد الصدام هي للمسلم الذي يتخطى كل هول في داجيات الظلام * * * هي للرائد الذي عاش لله، جهادا وفكرة وابتهالا وأحب الرسول حب الرسالات، سماحا ودعوة وامتثالا ورعته محبة الله بالحسنى فشدته للذرى إجلالا ومع المصطفى، يعيش ظلال الحب طهرا وروعة وجمالا * * * هي للصامد الذي يرسل الكرة في الحرب قوة وصمودا لا تفر الخطى لديه، إذا اشتد خطى الحرب عدة وعديدا قلبه صخرة العقيدة، لا يهتز للهول، لا يهاب الجنودا يفتح الله للحياة على كفيه، للنعميات، فتحا جديدا * * * من يكون الفتى الذي يحلم الفتح بخطواته، ويأسو الجراحا
309 من هو المسلم الذي عاش للإسلام وعيا وقوة وانفتاحا والنجاوى، والوشوشات، وأحلام السرايا، تؤرق الأرواحا كل فرد، في الساح، يستنزف الليل، بأحلامه، ليلقى الصباحا * * * .. ويجئ الصباح.. والحرب تشتد وتضرى ما بين كر وفر ويطوف الصوت الرسالي ملهوفا رحيما ينساب في كل صدر أين حامي الفتح الكبير الذي يحمي جهاد الإسلام من كل غدر أين صقر الإسلام، أين علي، إنه بسمة على كل ثغر * * * وتنادوا: هل يفتح الأرمد العين بحملاته حصون اليهود إنه لا يرى الطريق، ولا يبصر - في ساحها - حشود الجنود كيف تجري خطاه، كيف تثير الحرب يمناه بالجهاد العنيد إنه الموقف الذي يبعث الحيرة والريب في حديث الشهود * * * وتهادى إلى النبي، وفي عينيه شوق مؤرق للجهاد فأفاضت يد الرسالة سر النور في جفنه بدون ضماد فإذا بالشعاع ينهل كالفجر نديا.. في عزمه الوقاد وإذا بالخطى، التي ثقل الليل عليها، أقوى من الأوتاد * * * إنني حيدر.. وأعدت الساحة.. دوت بصرخة التكبير إنني حيدر.. أتعرف معنى أن يشق الدجى صراخ النذير
310 إنني حيدر.. وجلجل صوت الحق.. أهوى بدمدمات الهدير إنه حيدر.. فيا قاصفات الرعد ثوري بكبرياء العصور * * * وتعالى الغبار.. وانصرف الفارس.. أهوى على التراب جديلا ضربة حرة. كما يقصف الرعد، ويطغى على الجبال سيولا ضربة حرة.. وزلزلت الأرض، وأهوى الحصن المنيع ذليلا ومضى حيدر ليرفع بالحق الفتوحات منهجا وسبيلا * * * واستراح الإسلام للفتح يوحي للهدى أن يسير شوطا طويلا أن يشد الخطى إلى كل أفق ترصد الشمس وحيه المجهولا أن تناجي الحياة كل شعارات الغد الحر فكرة ورسولا أن تشد الأجيال، بالعزم روح الحق حتى تحطم المستحيلا * * * وله بعنوان: لا.. لن يموت على الشفاه نداء: لا.. لن يموت على الشفاه نداء * ما دام يخصب وحيه الشهداء ما دام يقتحم المجاهل ناهض * حر، بفكرته الحياة تضاء يترصد الفجر الطليق وفي الذرى * من روحه أنى يسير ضياء ما دمت أنت وفي انطلاقك للهدى * نهج رعته الشرعة السمحاء وعلى هدى ذكراك مولد دعوة * بعثت لينعم عندها البؤساء ولدت على شفة النبي محمد * فتلقفتها روحك البيضاء ووعيت ثورتها نضال حقيقة * تسمو ليعلو للحياة بناء
311 وحضنت فكرتها بوعي يلتقي * في روحه الإيمان والإيحاء ومضيت تقتاد الصفوف، ليقظة * الوحي في أعماقها وضاء وتلاقت الأصداء وامتد السرى * وتلفتت للموكب الصحراء فإذا النبي وأنت رائد فجره * ترتاع من لفتاته الظلماء وعقيدة القرآن تمرع بالإخا * دنيا تظلل أفقها البغضاء ذكراك.. ذكرى العبقرية حرة * تعطي الحياة لينعم الأحياء وتفيض لا ليقال فاضت نبعة * لكن، لتخصب قفرة جرداء .. ذكرى العدالة حين تصرع قوة * يشقى بسوط عذابها الضعفاء ما المجد، ما الجاه المزيف ما الغني * فالخلق عندك في الحقوق سواء أوضحت منهجها وصنت حياتها * من أن يدنس طهرها الأجراء أو يشفع المتملقون لغاصب * يجني لتمحي مجده الآباء رافقت أهل البؤس في بأسائهم * فمضيت تشمخ باسمك البأساء لم ترض أن رفعتك كف محمد * علما تسير بهديه العلياء حتى انطلقت فلم يطب لك مورد * هيهات تروى والقلوب ظماء أو يغتمض جفن وتسكن أنة * ما دام يلتحف الدجى الفقراء فرضيت أن تحيا ويخشن ملبس * وأبيت ردحا أن يطيب غذاء ما دام في أرض اليمامة جائع * أو معدم حفت به الأرزاء أطلقته مثلا ليبقى منهجا * للعدل، يتبع هديه الأمناء * * * وله أخرى بعنوان: يا إمام الأحرار، قوله: منك من وحي فجرك المسحور ينتشي الشعر بالندى والعطور
312 حتى يقول: أنت أنشودة الذرى من رأى الفجر وقد فاض بالشعاع الطهور حضنتها الحياة وانطلق الخلف يوشي بها حديث الدهور وأنا هاهنا التفات إلى الذكرى فنضر بوحيها تفكيري علني أقطف النجوم فأجلو عبر أضوائها طريق العبور يا نجي الذرى، ويا باعث التاريخ نورا في وحشة الديجور جئت والوحي برعم لم تفتق عنه أوراق حلمه المنثور والصبا مائج بعينيك وثاب إلى جدول الحياة الكبير والأماني في جانبيك حيارى يترقبن ساعة التطهير ليمزقن ظلمة الليل في عنف ويبعثن صرخة التكبير فجأة واستفاقت الأرض تصغي في ذهول إلى نداء النذير أيها الناس حطموا القيد عنكم وأجيبوا طلائع التحرير أنا منكم من طينة الأرض لكني رسول من الإله القدير أيها الناس لا إله سوى الله ولي الإيجاد والتدبير واستداروا عنه يقولون همسا ما لهذا اليتيم كالمسحور فتحديتهم وعانقت وحي الله حبا في نشوة وحبور وبدأت انتفاضة الفجر واقتدت السرايا إلى النداء الأخير وإذا بالنبي يهتف بالدنيا علي خليفتي ووزيري يا إمام الأحرار حطمت أصنام الدياجي بخاطر مستنير وحملت الضحى بكفيك ينبوع حياة فواحة بالعبير يمرح النور في غلائلها الخضر رقيقا كهينمات الغدير
313 وعلى روحك انطلاقة وحي أريحي للعالم المسحور ويقولون والسياسة ألوان من الختل والخنى والفجور وفنون من زائف القول يمليها صراع القوى وراء الستور وصراع يصور الجور عدلا يتغنى به فم الجمهور وأحابيل ينسج المكر نجواها فيجتاح هدأة العصفور إن دنياك وهي بنت السماء البكر في زهو مجدها الموفور
314 فخر الدين الحيدري (1354 ه -...) السيد فخر الدين ابن السيد علي نقي الحيدري الكاظمي، أديب فاضل، ولد في بغداد عام 1354 ه / 1935 م من أسرة علمية عريقة اشتهرت بالعلم والأدب والتجارة، ترعرع في ظل والده العلامة آية الله السيد علي نقي، فنهل منه مقدمات العلوم الدينية والعربية والآداب الاسلامية. ثم تتلمذ على يد ثلة من علماء الكاظمية وبغداد فدرس عنهم الفقه والأصول والعربية والتفسير والمنطق وغيرها. تخرج في كلية أصول الدين ببغداد عام 1388 ه، ثم مارس التدريس والإدارة في مدارس بغداد الرسمية لفترة طويلة، ثم هاجر إلى الجمهورية الاسلامية الإيرانية عام 1413 ه واستقر بقم المقدسة، وهو من المشاركين في الذروات والمناسبات الأدبية والدينية، ومن تراثه الشعري قصائد ولائية كثيرة، كما له ممارسة واسهام طويلين في فن الخط العربي، وما يزال يواصل نشاطه الأدبي هو وثلة من أقرانه الأدباء. وله من قصيدة عنوانها (المولد العلوي الزاهر) قوله: بذكرك يحلو الشعر أو يترنم * وفي ظل ذكراك الورى تتنعم وماذا عساني أن أقول وإنني * لأعجز عن إدراك ما هو مبهم وهل بعد ما جاء الكتاب يخصه * بأجلى المعاني والرسول المعظم
315 يدانيه وصف أو تنال بشخصه * مشاعر حب أو يحيط به فم وهل وضعت أنثى وليدا كمثله * بأشرف بيت يحتويه ويلثم وهل وطئت رجل على متن أحمد * يكسر أصنام الألى ويحطم وهل هد ركن الشرك إلا بسيفه * يدمر أوكار الظلال ويهزم وهل رفعت للدين أعلامه التي * ترفرف فوق العالمين وتحكم وهل نشر الإسلام غير جهاده * يشيد أركان الهدى ويقوم وهل زوجت خير النساء لغيره * وليس لها كفوء هناك فيقدم وهل آية في الذكر تتلى وغيره * يبين من أسرارها ويعلم وهل جادت الأيام قرنا كحيدر * يخوض المنايا مفردا ليس يهزم وكان رسول الله يسقيه ريقه * ويلقمه ما يشتهيه ويطعم فشب بحجر المصطفى سيد الورى * يغذيه من شتى العلوم ويلهم وصار له نهجا عظيما وقدوة * فكان رسول الله نعم المعلم لذا جمع الله الفضائل كلها * بشخص علي فهو أحرى وأكرم ولولاه ما كانت هناك دعامة * تشاد لدين الله أو كان مسلم فلو أن كل الناس جاؤوا بحبه * جميعا لما كانت هناك جهنم أيا ليلة الميلاد جودي بنفحة * ففيك الهنا يحلو وخيرك مفعم وزفي إلى الدنيا بشائر مولد * أطل عليها وجهه المتوسم وأشرق منه الكون نورا ورحمة * وطبقها الخير الوفير وأعظم ومذ علمت بالوضع فاطم أقبلت * إلى البيت تدعو الله فيه وتلثم وقد ولجت في كعبة الله بعد ما * أتاها الندا ما فيه أمر محتم وكان وليد البيت في بطن أمه * يكلمها طورا وأخرى تكلم
316 فمذ وضعت في البيت فاطم طفلها * تشرف حجر والحطيم وزمزم أيا ليلة الميلاد طاب بك المنا * ففجرك فجر صادق متبسم دعيني أبث الشوق لحنا ونغمة * ففيك الورؤى يحلو وفي الحب يحلم لقد ولدت في البيت فاطم حيدرا * فعم الورى فجر وخير ومغنم تحار الأولى عن كنهه وصفاته * وقد عجزوا أنه يدركوه فاحجموا فقد ضل قوم ألهوه جهالة * كما زاغ قوم أبغضوه فأجرموا فكلهم ساروا بغير هداية * ولم يسلكوا درب الصواب وقد عموا ولكننا قوم نقدس حيدرا * ومن بعده الطهر الهداة وهم هم فهم قادة الدنيا وأركانها التي * بظلهم سار العباد ويمموا فحبهم فرض ومنجهم هدى * وبغضهم ذنب عظيم ومأثم وطاعتهم من طاعة الله إنها * طريق إلى نيل الجناية وسلم كما له من قصيدة أخرى بعنوان (علي (عليه السلام) أنشودة الدهر ومفخرة الوجود) قوله: عشت في الخالدين سفرا جليلا * وصنعت التاريخ جيلا فجيلا خلدتك الأيام في صفحة المجد * منارا وقد أنرت العقولا يقف الكون صاغرا في خشوع * وتدوي السماء ف لحنا جميلا فكشفت الآفاق للعلم تبغي * مشعلا للهدى ينير السبيلا وسمت للعلا أصول معانيك * صفات ترتلت ترتيلا أنت نور وما سواك ظلام * وسراج وقد أبيت الأفولا وهديت العقول شرقا وغربا * تبتغي للورى طريقا ذلولا ودخلت التاريخ ترسم للأجيال * دربا وللشعوب دليلا
317 وتألقت شامخا تهب الكو * ن علوما ومنهجا وأصولا وسمت في علاك أحلى المعاني * ترتقي في سماك تبغي الوصولا قد ترسمت في خطاك طريقا * مستقيما وفي هداك الرسولا يقف العقل حائرا لصفات * تجعل الطرف حاسرا وكليلا أنت عدل الكتاب معنى ورمزا * ترتقي سلم الخلود سبيلا قد فديت الرسول تبغي رضا * الله تعالى مجاهدا وقتيلا كعبة أنت للوفود ومسعى * وفرار وقد أجرت النزيلا مثل خلنتك في صفحة المجد * منارا وقد عدمت المثيلا وبيوم الغدير ذلك سفرة * خلدته العصور وقعا جميلا حيث نص الإله فيه بأمر * لعلي فانزل التنزيلا فولائي ولاؤه أبد الدهر * ولمن قد جفاه خزيا طويلا فانصر الله من له بنصير * واجعل الله خصمه مخذولا وبه الحق حيث دار فاضحي * مركز الكون صارما مسلولا يا أبا الثائرين يا منبع الحق * صراطا ومرشدا ودليلا أنت سر الحياة بل كنه معناك * استحال التفسير والتأويلا أنت فخر الوجود نفسا وذاتا * جسدت مجدك السما إكليلا وتروم العقول وصفك حتى * قد غدت فيك تطلب المستحيلا أي مرقى سموت في صفحة * التاريخ طودا معظما وجليلا أنت للعلم والمدينة باب * يبتغيها الذي يريد الدخولا وبنهج من فكرك الأروع * سفرا هديت فيه العقولا كنت للمصطفى أخا ووزيرا * ووليا وناصرا وخليلا
318 فاقتحمت الحروب ليثا هزبرا * وأذقت الأبطال حتفا وبيلا يوم بدر وخيبر وحنين * حين لاقيتهم قبيلا قبيلا فمعانيك قد فسامت صعودا * ومراميهم تهاوت نزولا وتعاليت همة وعطاء * وتقدست راعيا وكفيلا وسبقت الورى إلى الدين قدما * وبسيف الهدى فديت الرسولا أنت نفس النبي ترسم في * مسراك دربا للثائرين طويلا فافتديت الدين الحنيف بنفس * شاهرا دونه الحسام الصقيلا ودفعت الأجيال نحو ذرى * المجد سلوكا ومنهجا وفصولا قمم أنت في المواهب حتى * وقف الدهر خاشعا مذهولا
319 عبد الرحيم آل فرج الله (1355 ه - 1404 ه) الشيخ عبد الرحيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ فرج الله (الثالث)، من آل فرج الله الجزائري الربيعي الأسدي (المار ذكر بعضهم)، أديب عالم وفاضل مجاهد. ولد عام 1355 ه / 1936 م، في أسرة علمية دينية ونشأ في كنف والده العلامة الحجة المقدس، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف وتدرج في مراحلها على جملة من أساتذتها، حتى حضر الفقه والأصول على الأفاضل الشيخ محمد تقي الإيرواني والشيخ عباس المظفر والشيخ محمد تقي الجواهري وأمثالهم، ثم بحث الخارج على نخبة من الأعلام مثل السيد محسن الحكيم (قدس سره) والسيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) والسيد محمد تقي بحر العلوم (قدس سره) والشهيد السيد الصدر (قدس سره) الذي تربطه به علاقة وثيقة خاصة فهو من خلص أصفيائه والمعتمدين لديه وقد تأثر بفكره العلمي والسياسي وعمل تحت ظل مرجعيته بنشاط وجرأة حتى استشهد إثره. وكان للمترجم له حضور فاعل في الحركة الاصلاحية ومزاملة لرجال الفضل والفكر من معاصريه، كما كانت له مساهمات ثقافية عديدة منها: عضويته في تحرير مجلات عديدة كالأضواء وغيرها ومشاركته في المنتديات والاحتفالات والمكتبات ورعايته لطلبة العلوم الدينية والشباب المثقف، إضافة
320 إلى نشاطه السياسي المبكر من خلال فعاليات وحركات عديدة برز فيها كأحد الوجوه الناشطة حتى اعتقاله الأخير عام 1402 ه. التحق بكلية الفقه في سنتها الثانية، ثم مارس مهنة التعليم - لظرفه المادي - إثر تخرجه من دورة رجال الدين التعليمية أوائل العهد الجمهوري مع ثلة من أقرانه، ولم يمنعه ذلك من مواصلة الدرس والتدريس الحوزويين والخطابة والكتابة، وقد أثر عنه عفته وإباء نفسه وإلزامها بمثل عليا وجرأة في الحق ومواجهة للانحراف. له من نتاجه مقالات كثيرة منشورة في المجلات النجفية آنذاك إضافة إلى آثار مخطوطة - ضاع أغلبها - في التفسير والتربية والتاريخ والأدب والعمل الحركي، وتقريرات فقهية، وديوان شعر، وغيرها. اعتقل للمرة الأخيرة إثر إعدام الشهيد الصدر (قدس سره) بتهمة المشاركة في الإعداد لانتفاضة رجب 1399 ه ومعارضة النظام الجائر، ولاقى صنوف التعذيب حتى بلغ بخبر استشهاده عام 1404 ه / 1983 م. وله من قصيدة: من عالم الغيب من أخفى سرائره * تنزل الوحي في اعطاف شاعره وشاقه همسه البكر الذي هجست * به المخايل في أعماق خاطره فراح يرسم آفاقا ملونة * من الشعور قصيات لناظره وينزل النغمة السكرى ويودعها * في أحرف ثملت من غيث ما طهره تسقى الولاء نميرا سلسلا غدقا * وتنهل الحب ممزوجا بباكره من خمرة الوجد إذ صفت مدامتها * وإذ صفت في يد الساقي وسامره معذبين بهجر لاذع فعسى * يكوي به الجمر لذعا قلب هاجره
321 ومغرمين بأطياف مبرحة * تدوفها بسهاد عين ساهره وتستشف الرؤى فيها محسدة * من الغري فيا سقيا لعاطره ويا هناء لأشباح تحف به * ويا سلاما على أعتاب زائره ويا سجودا على عافي الثرى وله * من طيب حيدر نفح في معافره وللصباح شروق دون قبته * وللمساء ائتلاق من منائره وللندى بابه المرجاة مشرعة * وللعلى كل مرقى في منابره وللعلوم رواق ظله شرفا * يمتد في كل سطر من محابره! هذا هو المجد فليعزب أخو عذل * عن مثله وليزد لوما لناكره وكيف ينكر من شدت أواصره * بالخلد في يوم ماضيه وحاضره ومن نمته إلى الله الإمامة بل * حبل النبوة فرع من أواصره لولا أخوه ختام الرسل لاحتشدت * له الملائك توحي في سرائره لكنه الشاهد الموصى الإمام ومن * آياته ألف شمس في محاجره شعت على الأرض فانجابت دياجرها * وظل يخبط بعض في دياجره وله أيضا من قصيدة أخرى: عرش الحلم في مداك وطالا * ونما مزدهى وماس اختيالا وتدانى إلي وهما شفيفا * وخطورا مجنحا وخيالا فر من زحمة الطيوف النشاوى * ونأى حيث ظله لن يطالا وصفا عالما ودق شعورا * وسما خاطرا وعز منالا فهو من مشرق عرجت إليه * ومضة النور لا تطيق انفصالا وهو من عالم تقدست فيه * همسة توسع الدعاء ابتهالا وهو حرف ترقرق الشعر فيه * واستوى في الرؤى لها تمثالا
322 أنت جسدته لدي وأنت * النافخ الروح فيه حتى استحالا فإذا كل ما إخالك من قدس * ومجد وعصمة قد تلالا في قصيدي وفي فمي فتوهج * واشتعل أيها المديح اشتعالا لإمام البيان يسجد حرفي * ولرب النبوغ يحفي السؤالا ولذكراه يمنح القلب وصلا * ويمد الشغاف دمعا مذالا يوم أهوى به الحفاظ قتيلا * طالما كان للعدى قتالا طالما كان للمروءات خدنا * والبطولات فارسا رئبالا لم يثر في دجى الكريهة هديا * علويا حتى يهد الضلالا أو يلح في مواقف الحمد حتى * يعجز الناس والزمان مثالا فلتضع في عثارها الفكر السود * اندحارا وذلة وانخذالا يا إمام الهدى وحسبك مجدا * أن يشد الهدى إليك الرحالا ويصافيك في ثراك مآلا * ويناجيك في علاك مقالا بلي الدهر يا علي ولما * يزل الموت ينسج الآجالا غير دنياك فهي تخلد عمرا * يسترق القرون والأجيالا والجهاد المغذ خلفك يقفو * بيرق الفتح والكماة الرجالا عبروا غابر السنين وطافوا * في دنى اليوم ثورة ونضالا لا لرأي الدخيل تنمى ولا للحقد * يلقي ظلامه الأغلالا في دروب الهداة ثم يغول * الفجر والوعي والتقى والجمالا ويلها فكرة الخطيئة هلا * أعولت في احتراقها إعوالا حين شاهت أبصارها الرمد حسرى * وعلي مع الضحى يتعالى
323 داود العطار (1349 - 1404 ه) السيد، الدكتور، داود بن سلمان بن محمد علي العطار، مؤلف فاضل وعالم مجاهد وسياسي إسلامي معروف. ولد في الكاظمية - بغداد - العراق عام 1349 ه / 1930 م وبها أكمل دراسته الثانوية ثم اشتغل كاسبا ثم دخل كلية الحقوق فتخرج منها عام 1387 ه ثم حصل على ماجستير في الشريعة من بغداد، ثم بعد ذلك على دبلوم الدراسات العليا في الحقوق من جامعة القاهرة، ثم نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام 1399 ه أما حياته العملية فهو مجاهد معروف طالما نافح عن دينه وعقيدته منذ أوائل شبابه من خلال مواقفه الجريئة المشهودة على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية مسجلا حضورا مميزا في فترة اتسمت بالمواجهة مع التيارات المنحرفة والأنظمة الحاكمة في العراق منذ أوائل الستينات الميلادية، حيث كانت للمترجم له أنشطة كثيرة متعددة منها قصائده الاحتفالية الشجاعة التي حفظها جيله المؤمن عن ظهر قلب في المناسبات والمواسم الأدبية، وكذلك نشاطه التنظيمي الحافل في الحركة الاسلامية المعاصرة، وتربيته ورعايته للعديد من الشباب الواعي، ومساهمته في مشاريع مختلفة، وتدريسه في كلية أصول الدين وغيرها من المحافل الجامعية، ووقوفه إلى جنب المرجعية الدينية خصوصا السيد الحكيم (رحمه الله) والشهيد الصدر (قدس سره)، وعلاقاته الواسعة مع رجال العلم والفكر والثقافة،
324 ومشاركته في الجهد الاعلامي والتأليفي من خلال الاصدارات والتأليفات، وغير ذلك مما أدى إلى اعتقاله مرات عديدة واضطراره إلى مغادرة العراق شطر مصر ثم الكويت حيث عمل فيها مديرا عاما لدار التوحيد للنشر والتوزيع المعروفة بإصداراتها الوفيرة في الفكر الاسلامي، ثم مغادرته الكويت إلى إيران أبان انتصار الثورة الاسلامية حيث جرت محاولات عراقية للتضييق على العاملين الاسلاميين وخطفهم وتسليمهم إلى السلطات الغاشمة.. وحين استقر به المطاف في الجمهورية الاسلامية وانتقل معه معظم طاقم دار التوحيد، واصل إدارتها لمدة ثلاثة أعوام إضافة إلى دوره البارز في حركة المعارضة الاسلامية العراقية حتى وافاه الأجل عام 1403 ه / 1983، مخلفا تركة جهادية وعلمية واسعة منها كتب وإصدارات وأبحاث في الشريعة وعلوم القرآن والفكر، والفقه والأصول المقارنين، إضافة إلى مجموعة شعرية غير مطبوعة موزعة على المجلات وأشرطة التسجيل، كما درست بعض بحوثه في العراق ولبنان والكويت وغربي إفريقيا، واعتمد البعض الآخر للتدريس في الحوزات العلمية. وله من قصيدة عنوانها " إن ذكر الوصي مبعث جيل " قوله: حين شعت ذكراك في الأجواء * هتفت كل قطرة من دمائي إن هذي الذكرى دوي نداء * علوي مخلد الأصداء إن هذي الذكرى هدير شروق * يتحدى حنادس الظلماء إن هذي الذكرى هزيم رعود * ونسيم معطر الانداء فلماذا نلهو بترديد ألفا * ظ موات معادة جوفاء أنريد الاطراء جل علي * وعلا عن مقالة الاطراء
325 أنريد السلو بالغابر الفذ * لنغفو عن حاضر الأرزاء إن ذكر الوصي مبعث جيل * قنصته حبائل الأعداء هي ذكرى لكنها في ضمير * الدهر صوت الرسالة السمحاء لنصوغ الجراح تزأر بالثأر * أهازيج ثورة وفداء أيها المسلمون من بات لا * يهتم في أمر دينه المعطاء ليس من أمة النبي ولا من * شيعة المرتضى بدون مراء أيها المسلمون إنا جهلنا * وابتعدنا عن معطيات السماء حين ساد الاسلام كم سعد الناس * بمنهاج حكمه الوضاء نفحات الصحراء تهبط وحيا * ثم تنداح فذة الأشذاء وطلعنا على الوجود شموسا * وأفضنا عليه بالنعماء وحشرنا الطغاة أسرى طغاما * وكسرنا رواسف الأسراء وإذا بالعبيد تختال عزا * بل تولى قيادة الرؤساء يا دعاة الاسلام أنتم بناة * الغد والجو صاخب الأنواء كانت الأرض ملكنا ونسوس * الناس فيها بالشرعة الغراء لا فقير يشكو الخصاصة والجوع * ولا متخم من الاثراء وحكمنا بالحق وامتد عدل * وارف الظل يانع الأفياء فعقيل يكوى، وسلمان منا * حيث عم النبي في الغرباء واستتبت حضارة لم تزل * تحلم فيها مواكب الأبناء وصفا الكون وحدة من رخاء * وأمان ومنعة وإخاء كيف كنا وكيف عدنا شظايا * أمة تستظام بالاجراء ليس من يرتضي الهوان بحي * إنما الحي ثائر الشهداء
326 يا دعاة الاسلام يا جحفل الفجر * مغذا بهمة ومضاء لكم النصر فاملأوا الأرض قسطا * فهي أرض للصفوة الصلحاء وصمودا على الهدى علويا * وجهادا كسيد الأوصياء واتصالا بالله في كل آن * واقتداء بخاتم الأنبياء
327 عبد الأمير الجمري (1356 ه -...) الشيخ عبد الأمير منصور الجمري البحراني عالم فاضل مجاهد وأديب خطيب. ولد في البحرين عام 1356 ه - 1937 م وتلقى تعليمه الأولي في مدارسها، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف 1382 ه وبقي فيها قرابة عشر سنوات حضر خلالها دروس العلوم الشرعية على جملة من العلماء، ثم كر راجعا إلى وطنه مرشدا ووكيلا دينيا، إضافة إلى عمله قاضيا في المحكمة الشرعية حتى عام 1409 ه. إضافة إلى ذلك فهو وجه سياسي بارز في بلده حيث كان عضوا في المجلس الوطني المنتخب عام 1393 ه، ثم من أبرز المتصدرين للمطالبة بعودة العمل بالدستور خلال الأعوام اللاحقة، مما عرضه للإقامة الجبرية والاعتقال وما يزال معتقلا - فرج الله عنه -. صدر له ديوان شعر بعنوان (عصارة قلب). وله من قصيدة عنوانها: (من نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) قوله: تباركت يا ليلة المولد * ومنطلق النور للمهتدي ونبعا لكل معاني الكمال * تفجر، فاض، ولم ينفد سيبلى الزمان وأما علاك * فرمز الجديد الطري الندي
328 فتيهي جلالا وفخرا بما * شرفت به من فتى أوحد إمام الحياة ومروي الظماء * على الحوض من كأسه في غد ومن بعد ليلة خير الأنام * مدى الدهر مثلك لم يشهد فيا ليلة العز والانتصار * ويا ليلة المجد والسؤدد إليك وليس سواك الولاء * عليه تربيت من مولدي إليك ولائي مري تسمعي * فهذا لساني وهذي يدي أبا حسن أي شئ أفوه * به من مزاياك يا سيدي أتربية لم ينلها سواك * على يد خير الورى أحمد تغذيت أخلاقه برعما * وتابعته في الخطى الأنجد لقد كنت نفس النبي الأمين * وأعلى نصير وأقوى يد لذلك كنت جديرا بما * حباك من الفضل والسؤدد فآخاك، لم يك يرضى سواك * لهذي المكانة من أمجد ونص عليك بيوم الغدير * وأعظم به ذاك من مشهد وطوق أعناق كل الحضور * بأمر لغيرك لم يعقد وأوجب أن يبلغ الحاضرون * لمن ذلك اليوم لم يشهد فبايعك الجمع لكن هناك * فئات بألسنهم واليد أبا السادة الغر نفس الرسول * ويا بطل الحرب والمسجد ويا معليا بيرقا لم تطق * سواك لإعلائه من يد إليك أبا حسن نفثة * من الصدر كالجمر لم تبرد أضعنا الطريق وملنا إلى * دروب مكدرة المورد ونهجك صار وراء الظهور * وهل بعد نهجك من منجد
329 طوينا صحائف أخلاقنا * ولم لا ولسنا بكم نقتدي وله بعنوان: (نفحة الحب) قوله: رف في عالم الخلود لواء * نشرت رحمة وعم رخاء عظمت منة الإله وتمت * نعم فات عدها الاحصاء بسم الزهر غرد الطير لحنا * في رياض الربيع ساد الهناء إنه السر في الحياة الذي لم * تك تدري بكنهه الحكماء حيث يوم الغدير أخلد يوم * جلجلت صرخة ورن نداء أيها المسلمون هذا علي * هو للحق رائد بناء هو مولاكم وشرط اتباعي * ديني الحق والولا والوفاء في حياة الإمام خير نجاح * في الحياتين في خطاه بهاء في تعاليمه الرفيعة نور * ونفوذ ورفعة وإباء في وصاياه نصرة ونجاة * وسلام ورحمة وإخاء من صفات الإمام من خلقه السامي * تعالت صفاته البيضاء سيد الأوصياء إن لساني * عاقه عند مدحك الاعياء أي يوم وأي موقف نور * لك أطري فكلها بيضاء أنت أسمى من المديح فعذرا * قد تلاشى أمامك الاطراء وله أيضا بعنوان: (في رحاب الغدير) قوله: فاضت جراحك يا غدير دماءا * والذئب قد ملأ الرحاب عؤاءا هاجت جنود الشر تنشر رعبها * وتري بنيك مهانة وعداءا قيم الشريعة أصبحت مظلومة * يأتي الظلوم باسمها استهزاءا أو بعد هذا يا غدير يليق أن * يحيا بنوك الصمت والاغضاءا
330 أو لست يا يوم الغدير ذكاءا * في ظهرها تكسو الوجود ضياءا وحديثك الأسمى الجلي تواترا * لم عندهم عاد الظهور خفاءا أوليس ما يربو على مئة من * الآلاف فيك تلقت الأنباءا فيها يجلجل صوت أحمد معلنا * أمر السماء يطبق الأرجاءا من كنت مولاه فمولاه الذي * للدين كان الباذل المعطاءا هو سابق في كل موقعة أما * كشف الكروب وحطم اللعناءا أولم يبت فوق الفراش مواجها * لقوى الضلال وللرسول وقاءا أولم يكن يا قوم أول مؤمن * برسالتي ولها الأجل عطاءا من كنت مولاه فمولاه أبو * الحسنين من فاق الجميع وفاءا يوم الغدير تحية من فتية * منك استمدت غيرة وإباءا ألهبتها فأهجت فيها عزمة * تأبى الخنوع وهمة شماءا لا ننثني ما دمت قد غذيتنا * صدقا وإيجابية ومضاءا لم نحتفل بعلاك اسما إنما * جئنا نؤم معينك المعطاءا كي يرتوي ظمأ النفوس وتستقي * منك العقول معارفا وثراءا ونكون جند رسالة فيك السما * قد أكملت وأتمت النعماءا وله قصيدة بعنوان: (يا ضمير الحياة) قوله: أذهل الخطب منطقي وبياني * فحقيق بأن يضيق بياني كيف أسطيع قولة وأمامي * حادث هد وقعه أركاني زلزل الأض والسماء وأدمى * كل جفن لأمة القرآن لف للدين راية لم تنكس * منذ رفت بعزة الانسان ملأ الكون ضجة وعويلا * ألبس الدهر حلة الأحزان
331 يوم بين الخضراء والأرض نادى * جبرئيل بصوته الرنان فصمت عروة الهدى وهي * الوثقى وهدت قواعد الإيمان قتل المرتضى بسيف شقي * خضب الشيب من دماه القاني (يا ضمير الحياة) أي عظيم * خالد حل منك أسمى مكان هو للطهر والحنان مثال * ولهذي السماء خير لسان
332 محد جواد آل فرج الله (1357 ه - 1402 ه) الشيخ محمد جواد ابن الشيخ محمد (المار ذكره) آل فرج الله، أديب شاعر وخطيب فاضل ولد في القرنة / العراق عام 1357 ه 1938 م وقرأ على أبيه الفاضل، ثم هاجر إلى النجف الأشرف، فأكمل قسطا من دراسته فيها على أساتذتها المشهورين، كان ولوعا بالدرس والمطالعة والكتابة والشعر، مارس مهنة التعليم التي انخرط فيها إثر تخرجه من دورة رجال الدين التعليمية أوائل العهد الجمهوري، وله من نتاجه المطبوع: نسمة السحر أو الشعر آلهة الخيال، والمخطوط كتب أخرى، إضافة إلى ديوان شعر كبير، اعتقل في الحملة الظالمة التي طالت العلماء والمثقفين بعد إعدام السيد الشهيد الصدر (قدس سره) مع آخرين من أبناء أسرته. وقد تناهى إلى الأسماع بعد ذلك أنه قد صفي ضمن (الوجبات) عام 1402 ه / 1982 م. وله من قصيدة: كم له من معاجز خارقات * قصرت دونها أولو العرفان ومعالي فضائل تملأ الكو * ن بها الأرض والسما يشهدان ردت الشمس للصلاة عليه * بعد ما ضم قرصها الخافقان وبليل من المدينة وافى * طاويا للسهول والأحزان وطوى الأرض للمدائن باسم * الله حتى أتى إلى سلمان
333 فتولى تجهيزه ثم واراه * ووافى الحجاز قبل الأذان قل لسار لميت عنه ناء * وانتهى سيره ببضع ثوان ليت عينيك تنظران حسينا * فوق حر الرمال والكثبان * * * وله أيضا من قصيدة طويلة: وال قوما منزهين عن النقص * كبار النفوس والأقدار سرج في دجى العمى ترشد * المدلج والعكس شيمة الأغيار ونجاة مما يهول في سورتي * الانشقاق والانفطار هم ليوث الوغى وأسنى بدور * لمعت بيضهم بليل الغبار هم بحور الندى وأسد الردى * خير كماة هبوا بنقع مثار وبهم أخصب الجديب الحيا قطرا * ونال اليسار ذو الإعسار وال قوما لأجلهم خلق الكون * وقد أوجد البرايا الباري أمهم فاطم أبوهم علي * ألف مرحى بحيدر الكرار أسد الله ذي الفضائل والمجد * وصي لأحمد المختار وأمير للمؤمنين وحسب الشرف * الوتر سيد الأبرار وله أيضا من قصيدة: راح على القلب من إشراقها شعل * برشف قدس ولاها يدرك الأمل يطغى على الصب من إيحائها حلم * من طهره عبق من سكره ثمل صب يناغيه في مهد الولا نغم * فيغمر القلب من تحنانه جذل وموكب النور وافانا يسايره * روح الإمامة كي تحيا به المثل آي من الحق لاستبصارنا نزلت * دنيا من الخير حيتنا بها الرسل
334 يد من اللطف خطت نهج شرعتنا * منها علينا رواء المجد ينهمل عقيدة علمتنا كل مكرمة * عنا بها ارتفع التضليل والدجل تفردت بالصفات الغر شرعتنا * فنهجنا واضح للركب معتدل لم يغن عنها نظام ضل منشؤه * ومبدأ لقصير الرأي مرتجل يا قادة الدين إن الدين ضيعه * قوم لديهم قويم الخلق مبتذل فما رعوا نعمة في فضلها سعدوا * ومنة بلغتهم خير ما سألوا أغواهم الغرب إذ غشى بصائرهم * ثوب عليها من التزييف منسدل باعوا تراث العلى بالمغريات وقد * ضلوا طريق الهدى للزيغ إذ عدلوا يا غيرة الله صبي سوط نقمتك * الكبرى على معشر بالرجس قد عملوا ثوري على ثلة ماتت ضمائرهم * مذبذبين وهم في غيهم همل في خيبر قد هزمناهم ومرحبهم * بالسيف قنطره كرارنا البطل لذا على فارس الاسلام قد حقدوا * وعن بطولات أهل المجد قد نكلوا لنا حديث عن الكرار صححه * رواتنا ما به شك ولا جدل إن اليهود ستفنيهم برمتهم * للمسلمين جنود ما لها قبل
335 خليل شقير وله من قصيدة مطلعها: دعوته فأتاني منية الخجل وراح يعثر فعل الواله الوجل يوم استوى أحمد المختار في حدج بدوح خم على ترنيمة الأزل ويحشر الناس رغم القيظ يلفحهم ويرفع المرتضى الكرار خير ولي وتأخذ المصطفى يمناه ساعده وساعد لو يروم النجم لم يفل هناك قال: فمن مولاكم أبدا؟ قالوا: الذي برأ الانسان من وشل من بعده أنت يا مختار سيدنا وما عسانا نؤدي الشكر للرسل قال التي لم تزل لولا حقيقتها لم يكمل الدين أو يعل على الملل مولاكم حيدر الكرار صاحبها إذ حط جبريل يتلوها على مهل
336 وتمت النعمة الكبرى ببيعته وتوج الدين حرزا غير مرتجل وأبرم الله هذا الأمر فانطلقت إن لم تبلغه لم أعددك في رسلي وتضرب القبة البيضاء يدخلها ليث العرين على كبت من الذحل تخالها القبة الزرقاء زينها وسنان بدر وضئ النور مكتمل ويدخل المسلمون الغر يحفزهم من النبي نداء غير ذي حول بخ، بخ لعلي قال قائلهم مولى البرية من عند الإله علي (وكان ما كان مما لست أذكره) لم يترك الصبح معتلا لذي علل لأحمد آيتان اختصه بهما ربي دليلا على الإسلام في الرسل فآية روعة القرآن جوهرها وآية حيدر الكرار حيث تلي وقد جرت تلكم الآيات في دمه حتى استحال كوحي الله في الجمل وكان عندك قرآنان، ذا جمد
337 وذاهب ذلك الكرار في المثل يا صاحبي حديث جاء محكمه بمحكم الآي موصولا بمتصل فلم ينلها محاباة لذي رحم قد كان أحمد والأهواء في ذحل قد نالها بالمعالي فيه إذ جمعت وزانها فهو في جيد الكمال حلي (بهل أتى وحديث الدار آيته وبالمبيت وبالإقدام حيث ولي وخيبر ومؤاخاة النبي له وألف باب بألف قد حفظت علي) وإنني كلما حاولت عدتها فضائلا شمت موج البحر في مقلي والفضل تحصى إذا ضاقت مذاهبه وليس تحصى مياه المزن إن تسل وله أيضا من قصيدة أخرى مطلعها: هيهات مجدك لا يدنو فيطلب لليوم فيك عناد الفكر يضطرب للسيل عنك انحدار غير منقطع زوارق النور في مجراه تنسرب للطير عنك ارتداد لم يكن عجبا
338 قوادم النسر في مرقى العلى زغب للسيف منك على هام العدى خطب ومن سحائبك الفصحى همى الأدب إن العدو يواري فضله حسدا كما الولي تغشته به الكرب من بين ذينك قد شعت مآثره فاخضو ضرت من نداه البيد والهضب ما لي إذا لاح فجر العيد أكتئب وإن بدا للأماني فيه مضطرب أكابد الغصص الحرى على كبدي وإن شدا شادن بالعيد أنتحب نفثتها زفرات ضاق مصدرها وذاك عذر كلام شابه ذرب وما علي هنات في مصارحتي إذا صدقت فلم يستهوني كذب
339 محمد حسين الصغير (1358 ه -...) الدكتور الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسين الصغير الخاقاني، شاعر أديب وحوزوي فاضل، ولد في النجف الأشرف عام 1358 ه / 1939 م من أسرة علمية أدبية وتربى في أحضان أبيه ثم عمه وواصل دراستيه الأكاديمية والحوزوية وقد مارس في الأولى مهنة التعليم ثم واصل شوطه الجامعي حتى نال الدكتوراه برسالة عنوانها الصورة الفنية في المثل القرآني واشتغل بالتأليف والتدريس في كلية الفقه وله من المؤلفات العديد المطبوع إضافة إلى غيره المخطوط، أما الثانية الحوزوية فقد تدرج فيها وحضر على فضلائها وعلمائها حتى بلغ مرتبة محمودة، وهو إضافة إلى ذلك شاعر أديب معدود شارك في ملتقيات شعرية وأدبية وثقافية كثيرة وربطته بإخوانه أدباء العربية علائق خاصة، وهو في الطليعة من أدباء النجف الأشرف. وله من قصيدة (من ينابيع الإيمان) مطلعها: هداك في صفحات الفتح قرآن * وأنت في جبهات الدهر عنوان فأنت أنت، ومن علياك ما ولدت * لنا العصور، وما أسدته أزمان القائد الركب لم تفلل مضاربه * والفاتح الأرض لم تدركه أقران والمستميت إذا جد الوغى وطغى * بالهول والموت.. مضمار وميدان من وحي قدسك ما تجني قرائحنا * ومن ثمارك ما حملن أغصان ومن عقيدتك العصماء أفئدة * حم الفداء بها.. إن ثار بركان ها نحن أربط جأشا من فراعنة * لها على النور أحقاد وأضغان
340 هنا على شاطئ التقوى زوارقنا * تجري.. وأنت بعين الله ربان مولاي ميلادك الميمون قد نبضت * به الحياة، فلا بؤس وحرمان أعاد أية ذكرى منك رائعة * مشى بها الدهر صحوا وهو سكران فالوعي منتشر والفكر مزدهر * والقلب مخضوضر، والذهن فينان والأفق تغمره الأشذاء حافلة * بالطيبات.. فنسرين وريحان والليل تغمره الأضواء مسرجة * بالأمنيات.. فياقوت ومرجان ما أروع الحفل والأعناق مرهفة * قد رنحتها أغاريد وألحان ألحان فتح شروق منه قد عميت * بعض العيون، وصمت عنه آذان ونحن نقطف أثمارا تناولها * للمتقين من الجنات رضوان دنيا من المثل الغراء قد سجدت * لها ملوك وهامات وتيجان تكاد يعنو لها في الجو عقبان * وفي السماوات أفلاك وأكوان يا أيها البطل الخلاق جمهرة * من المواهب لا مستك أدران ويا معيدا إلى الانسان حرمته * لولاك ما صين في الأحداث انسان ويا عصوفا على الطغيان مندلعا * لولاك ما انصاع للإيمان طغيان ويا معينا من الاحسان منفجرا * لولاك لاندك إيثار وإحسان ويا سراجا على الدنيا نيازكه * بها تنور أفكار وأذهان لولاك ما كان للاسلام من أثر * ولا لشرعته البيضاء أركان جددت عهد رسول الله فانجذبت * بصوتك العذب أرواح وأبدان للآن لم تلد الأجيال من بشر * على يديه ترامى الإنس والجان عذرت فيك الألى غالوا وإن كفروا * وحدت عنك الألى عادوا وإن دانوا لأنهم أبصروا ما ليس تدركه * عقولهم، فاستهانوا مثلما هانوا
341 محمد رضي الشماسي (1360 ه -...) الأستاذ محمد رضي ناصر الشماسي القطيفي، شاعر فاضل ولد في القطيف / السعودية عام 1360 ه / 1941 م من أسرة عريقة لها مكانتها الاجتماعية وأكمل تعليمه الثانوي ثم هاجر إلى النجف الأشرف والتحق بكلية الفقه وتخرج منها مدرسا وعمل في جامعة البترول التي ابتعثته إلى أمريكا لإكمال دراسته فحصل على الماجستير في اللغة العربية وآدابها وعاد ليعمل محاضرا حتى اليوم. تلمذ في الأدب على التراث وعلى أساتذته وانصقلت موهبته مع زملائه في النجف الأشرف والقطيف مستفيدا من المكتبات ودور العلم والمنتديات، شارك في المناسبات الدينية والاجتماعية، ونشر شعره في الصحف والمجلات المحلية، وله أكثر من مجموعة شعرية وما يزال يواصل ذلك مع إخوته في الطليعة منهم. وله من قصيدة (جراح على الغدير) قوله: وتر بآفاق الهدى لا يشفع * فجر يرف سنا ونهج مهيع يوم الغدير ولا تزال على فمي * نغما برغم المدلجات يرجع فلقاك في الذكرى لقاء مؤمل * شرب الظماء (بغلة لا تنقع) شرب الصدى والورد عذب سائغ * لسواه من عذباته يتجرع
342 ويظل يسقى آسنا وبكفه * ماء الحياة وفي النعيم يجوع يقتات من ألم الجراح وفكره * مما يعاني في لظاها مشبع خفقت على شفتيه كأس صديدها * حببا على خمر الحوادث يلذع ودجت عليه النيرات فصبحه * ليل ببرد ظلامها يتلفع رانت فلا الأعراس صاخبة الرؤى * نشوى ولا ليل العرائس أروع مزجت بأصداء الزفاف مآتما * فنعيمه بأس الليالي مترع فالرافدان المترفان - وإن هما * جريا له ذهبا - حميم ينزع يا نهر دجلة والفرات سلمتما * والشاطئان هناك والمتربع سلمت يد النوتي في إعصاره * وسفينه وشراعه المتطلع يا أيها النجف الأغر ومن به * لكم على بعد المدى متطلع يا كربلاء المجد مجدك باذخ * هيهات يسلبه دعي ألكع بكما العراق زكا ولولا أنتما * والنيران هو اليباب البلقع سام كأبراج السماء ضراحه * يرنو لمنعته السماك الأرفع تلك القباب الشامخات وإن هوت * لهي الثريا والشموس الطلع ومآذن نطحت سحاب ضلالهم * تبقى بهم وهي الحراب الشرع سيظل يصدح في مسامع بغيهم * صوت يهز الرافدين مرجع حسبي ونحن على ضفاف غديره * مرأى لأفياء الخلود ومسمع نستاف من أمواجه عبق الهدى * ومن (الصدى المرنان) ما يتضوع يا للغدير وقد تعشقه دمي * فغدوت أهزج في هواه وأسجع وسقيت شعري من نمير خياله * نهلا وفي حب الوصي يصرع أعذبت من (نهج البلاغة) ورده * فزهت قوافيه ورق المطلع
343 وإذا انتشت فكر بجرس حروفه * وكريم ما توحيه، لا تتمنع عبقت كأنسام الربيع قصائد * بالمهرجان وفي رحابك تبدع وإليك أنت وفي جلال محمد * تسمو ودونكما ولاء تخشع سترد عادية الزمان سنابلا * تروى بماء غديرها إذ تزرع ولسوف يطوى عن كواهله الدجى * فيمور بالاشعاع فجر أنضع وغدا ترى الدنيا مناهل حيدر * وفراء تسقي من تشاء وتمنع فإذا الغدير العذب رفد رسالة * سمحاء في هدي النبوة ينبع وعليه من روح النبي وحيدر * وبنيه والقرآن شمس تسطع
344 محمد رضا آل صادق (1364 ه - 1415 ه) الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد ابن الشيخ صادق المازندراني، عالم فاضل وأديب شاعر معروف ولد في النجف الأشرف عام 1364 ه / 1945 من أسرة دينية علمية حيث ربي في كنف والده العلامة المجتهد ثم درس في الحوزة العلمية على أساتذتها المرموقين كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد الشهيد الصدر وأضرابهم، كما كان له أساتذة أكفاء في مرحلتي المقدمات والسطوح، أما في الدراسة الأكاديمية فقد أكمل الإعدادية ثم التحق بكلية الفقه وتخرج فيها عام 1389 ه / 1969 م وعمل مدرسا للغة العربية والعلوم الاسلامية، وشارك في الجو الأدبي الثقافي مشاركة مشهودة ونهل من رموز الأدب النجفي الكثير ولازم جلهم لا سيما الشاعر الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (قدس سره)، سجن في العراق بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران ثم هجر عام 1403 ه / 1983 م فمكث في مدينة قم المقدسة دارسا على أيدي مراجعها ومدرسا لطلابها ومشاركا في نشاطات الثقافة والأدب العربيين في طليعة إخوته شعراء الهجرة العراقية، صدرت له في العراق وإيران مجاميع شعرية عديدة تنبئ عن تضلع باللغة وحسن سبك وأداء واختيار للفظ والمعنى، توفي في قم المقدسة عام 1415 ه / 1994 م. له من قصيدة: حديث الغدير قوله:
345 رو قلبي من الولاء الطهور * وارو في بهجة حديث الغدير روني همسة الحياة نشيدا * مشرقا رف في سماء الحبور أي ذكرى تنساب في عالم البشر * فترسو على ضفاف العبير أي ذكرى تمدنا كل عزم * للمعالي في موكب من نور أي ذكرى فيها تلوح للعد * ل يد المصطفى بحشد غفير رسمت منهج العلى في علي * وأرتنا درب الهدى المستنير أن هذا مولى لمن كنت مولى * وهو فيكم خليفتي ووزيري أن لله نعمة فيه تمت * للورى في رسالة التبشير فتهادت له القلوب تزف * النصر حلوا في موجة من سرور تتبارى له الأناشيد فجرا * فتصوغ السني بأحلى ثغور ويراع الزمان يكتب للناس * سطورا أكرم بها من سطور إيه يوم الغدير أغرودة العمر * تهادت على ممر العصور فيك نلنا كرامة.. وعلاء * كان للشرك أي شوك مرير ورأينا الهدى تلألأ منه * قبس الحق كالسراج المنير والتقينا والأمنيات فمدت * بالأيادي إلى رفيف الضمير مرحبا باللقاء إذ يثلج الصد * ر ويجني لنا حصاد المسير أمتي مزقي الأسى بيد العز * م وهدي صرحا من الديجور ما لنا نجرع الجهالة والفكر * ثراء يمد كل فقير كيف نرجو أن نبلغ القصد والخط * - وسليب من جمرنا المقرور فاركبوا في سفينة ساقها النور * إلى شاطئ الجمال النضير وافتحوا للجهاد بابا حباه الله * بالعز فهو خير نصير
346 أيها الغارسون حقلا من الهدي * بسعي من جهدكم مشكور سوف تجنون ما زرعتم رخاء * ينعش الكون بافترار البكور ويظل العلا يغرد فيكم * كلما خف منسم في الدهور فلقد طرتم إلى المجد حتى * خلت فيكم جحافلا من نسور بوركت منكم الجهود ليوم * مشرق بالثناء والتعبير أمتي فجري الفؤاد قصيدا * يبعث الحب مخلصا للأمير فهو ترب الكمال من كل حسن * قد سقاه الإله عذب النمير سيد عاش سيدا عبقريا * منقذا كل مستجير أسير لم يفرق بالعدل بين قريب * وبعيد بحكمة التدبير تخذ الكوخ بيته - وهو سجن - * فعنا نحوه شموخ القصور يا بن عم النبي دنياك دنيا * من خلود يفيض بالتنوير أي نهج خلفته لذوي الألباب * يحكي الابداع في التصوير أنت سر الحياة قد ضم كنزا * للبرايا من الثراء الغزير غير أن الأنام قد ضيعوه * فأضاعوا به سبيل المصير وله من قصيدة: مصرع القائد العظيم قوله: منك تستلهم اللظى كلماتي * فتجيش الأحشاء بالزفرات يا لهول الأسى وأنت صريع * تتلوى على بساط الصلاة وضجيج النفوس إذ يتعالى * مفعما بالعويل والعبرات ونداء من السماء يهز * الأرض شجوا يمور بالآهات مصرع أذهل العباد جميعا * إذ نعاه جبريل بالحسرات مصرع هد كل ركن قويم * للهدى والقواعد الراسيات
347 مصرع القائد الذي لم ترعه * كل هيجاء أظلمت بالكماة إنه مصرع الصلابة والعز * م بسوح الفداء والتضحيات يا شهيد المحراب إن دموعي * من فؤادي تفجرت هاطلات أثكل الدين في مصابك يا من * كنت درعا له بوجه العتاة واستشاطت حزنا قلوب اليتامى * بالجراح المشبوبة الداميات فقدت حصنها المنيع وكانت * بك تلقى أبا سخي الهبات فهي حيرى وقد أضلت هداها * لم تجد غير ظلمة في الحياة إيه يا من مضيت في الحق سرا * وجهارا لم تخش درب الممات ورسمت " النهج " الذي فيه تهدى * كل نفس تهفو إلى المكرمات لم تمت " أنت " إنما أنت مجد * غمر العالمين بالمعطيات قد رآك الخلود عنوان سفر * زاهر خط في جميل الصفات يتملاه كل عصر فيلقى * فيه أسمى بطولة وثبات ثم يمشي بركبه مستمدا * منك وحي الإقدام والعزمات يا إمام الهدى نشيد ولائي * لك قد صغت يا إمام الهداة فتقبله إنه نفثات * ولهيب يمر في خطراتي وسلام عليك يا صنو طه * رق حلوا ورف بالنسمات
348 حسن أبو الرحي (1366 ه -...) السيد حسن بن علوي بن عبد الله أبو الرحي، شاعر أديب ولد في القطيف / السعودية عام 1366 ه / 1946 م، من أسرة معروفة، دخل الكتاب فحفظ القرآن الكريم ثم التحق بالدراسة الأكاديمية فتخرج من المدرسة التجارية بالدمام عام 1388 ه وعمل موظفا ثم التحق بجامعة البترول والمعادن وحصل فيها على البكالوريوس عام 1400 ه، وما يزال موظفا في الجامعة ذاتها، أما في الشعر فقد نظمه مبكرا يساعده في ذلك محيطه العائلي وحياته الاجتماعية وقراءاته للشعر القديم والحديث فانصقلت موهبته ونشر بعض نتاجه في الصحف والمجلات المحلية وله دواوين شعرية عدة، وهو يواصل الآن نشاطه الأدبي والثقافي من خلال المنتديات والاحتفالات والملتقيات، وله مع إخوته الأدباء روابط وثيقة. وله من قصيدة " في رحاب أهل البيت ": قل لمن يبغض الإمام عليا * لا تكن في عدائه ناصبيا إن أردت النجاة وال أبا السبطين * واسلك طريقه الوحدويا سيد الأوصياء أول أهل البيت * والمرتضى الصفي النجيا فضله جاء في الكتاب صريحا * مشرقا كالضحى وضيئا جليا من كمثل الإمام يولد في الكعبة * فردا مطهرا علويا
349 عبد الله وهو طفل وباقي * الناس ينحون مذهبا وثنيا ورقى كتف أحمد يحطم الأصنام * عن بيت ذي الجلال صبيا هو بعد النبي خير وصي * ينجز الوعد بالبلاغ حريا ورث الحلم عن أخيه بأمر * الله وعدا مقدرا مقضيا ورث العلم عنه في ألف باب * كل باب تخاله لجيا وحباه الإله من منبع الحكمة * فيضا مباركا قدسيا لم يقل عالم سواه سلوني * ثم لم يفتضح وكان عييا ليس غير الوصي أهلا لهذا * القول روحا ومنهجا عمليا ليس غير الوصي بعد أبي القاسم * مولى ومرجعا روحيا ليس غير الوصي علما وحكما * عرف الناس سيدا قرشيا ليس غير الوصي عقلا ونقلا * وسع الكون مصلحا عبقريا أنزل الله فيه اليوم أكملت * لكم دينكم فوالوا عليا هو نفس الرسول يزهو لواء * الحمد في كفه بهيا سنيا وهو يسقي يوم الظماء محبيه * على الحوض سلسبيلا رويا قال فيه النبي هذا أخي فيكم * إمام وهاديا مهديا هو مني مكانه مثل هارون * لموسى أخا وزيرا صفيا يحمل النور والأمانة بعدي * صابرا بالجميع برا حفيا قال فيه النبي كنت وهذا * حول عرش الجليل نورا بهيا قبل خلق الأنام يسطع بالتسبيح * والحمد دائبا سرمديا وافترقنا في صلب شيبة نورين * فكنت النبي وهو الوصيا قال فيه الفاروق لا عشت يوما * لست فيه المقدم المأتيا
350 لا أرى في الأنام أعظم فضلا * منك إلا نبينا الأميا قل لمن يجحد الغدير تمهل * واقرأ النص في علي جليا وتدبر آيات ربك وارجع * للأحاديث بكرة وعشيا سل بخم من الحجيج ألوفا * شهدت بيعة له ونديا هبط الروح جبرئيل بوحي * يحمل الوعد والوعيد ضريا قائلا يا رسول بلغ وإن لم * تفعل الآن كنت خلا عصيا فانبرى فيهم الرسول خطيبا * معلنا أمر ربه ممضيا رافعا كفه بكف علي * مكملا منهج الإله السويا مسمعا كل سيد ومسود * صوته هادرا جريئا شجيا هاتفا في الجميع من كنت مولا * ه علي له يكون وليا وال يا رب من يواليه واخذل * من يعاديه ناعلا أو حفيا وانصر الله ناصريه وأبغض * مبغضيه ولا تذر جاهليا ثم من بعده أئمة صدق * مثله عصمة ونهجا سنيا طهروا مولدا وقولا وفعلا * وغذوا حكمة وخلقا رضيا
351 عبود الأحمد النجفي (1366 ه -...) الأستاذ عبود أحمد أسد النجفي، شاعر أديب، ولد في النجف الأشرف عام 1366 ه / 1947 م، وحصل على الشهادة الإعدادية متوقفا عن الدراسة لظروفه الخاصة ثم اشتغل ببعض الأعمال الحرة في بلده العراق وبلدان أخرى كالسعودية، وإيران التي هجر إليها عام 1400 ه / 1980 م مع من طردوا من وطنهم العراق إثر الحملة المشهورة بعيد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، حيث عمل لفترة طويلة في مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قبل أن يضطره المرض إلى تركها، وكان قد تأثر بالجو الأدبي الحافل في النجف الأشرف مما غرس لديه بذرة الموهبة الشعرية التي رعاها وسقاها دأبه هو وأخوه الفقيد المغفور له الشاعر إبراهيم الأحمد، ثم ساهم إلى جانبه في رفد الحركة الأدبية والثقافية بالنتاج الشعري المتواصل الذي صدرت منه حتى الآن مجموعة شعرية عنوانها اهتزاز الذاكرة، وما زال شاعرها يواصل دوره إلى جانب إخوته أدباء المهجر. وله من قصيدة: الغدير العذب قوله: عانقت نبعك فأخضرت به مقلي * وراح يسبقني شوقي لمنتهلي هذا غديرك يا روحي به التمسي * ما ترتجين وبالإيمان فاكتحلي إني لأبحث عن نبع أروم به * اشراقة الروح من دوامة الوجل
352 فما وجدت سوى نبع الغدير وقد * هوى إليه فؤادي بالأسى العضل فيا شعاعا بعمق الذات منفذه * وقد تمازج في أطيافه أملي ويا غديرا له قد كنت مرتقبا * وكنت أعزف لحني بالهوى الخجل الظلم ما غير المسرى إليك وما * قد غيرتنا قيود الحكم والدول فكيف تمنح وجهي غير قبلته * وكيف تعصف تسبيحي ومبتهلي حملت فيك مأسي الكون قاطبة * ما أوهنتني وما أرهقت بالثقل علقتها في شغاف القلب مرتضيا * وقلت للقلب هذي شعلة الأزل هذا أنا يا بقايا العمر لا تقفي * حتى ترين بخم عذب مؤتملي " لا يعرف الشوق إلا من يكابده " * حتى يداوي جراح الهجر بالقبل أملت فيك إذا ما عافني سفري * أن تأخذيني إلى مثوى الإمام علي وإن تلمي لشملي فوق تربته * فكيف يثمر زرع غير مكتمل يا كوكب الدين يا نجم الهدى أبدا * وما توارى بعصف الجهل والحيل يا دائرا في مجال الكون مرتديا * قلادة النجم إذ حفته بالحلل يا صاعدا وبياني خاب مقولة * هل يحتويك وهل يجني سوى الكلل يا نقطة الباء يا سر الإله ويا * لوح الوجود ويا أنشودة الرسل قرآن مجدك آيات بها نطقت * صحائف الفخر والتاريخ والملل ومن قصيدة: الغدير الحي قوله: غديرك في ضمير الناس حي * ونبعك والهوى ثغر وري عليه تهاوت الأرواح ظمأى * فعانقها الزلال الكوثري وألقت في ضفاف النبع جدبا * وقد أودى بها الزمن الردي فألبسها ربيعك ثوب زهو * فأزهر عودها النسم الزكي
353 وحامت حوله الأفكار حيرى * ليشرق في معانيها الرقي أبا الحسنين يا سرا تعالى * عن الادراك أخفاه العلي وقد رام العباقر منه جزءا * وأسهل ما يرام هو العصي علي في فم الدنيا دوي * واسم في مسامعها أبي وفي شفة الزمان صدى ونجوى * وفي ترديدها همس خفي تناغم والنفوس هوى وسحر * فذاب بلطفه القلب الخلي تهادى والزمان لظى وعصف * وفي أرواحنا صحو نقي علي نبضة في كل قلب * سمير في الضمائر أريحي يداعب في خواطرها انبهارا * كأن حضوره ألق سني فرات في تعطشها رواء * ونبع في تدفقه سخي وإن غنت له فهو ابتهال * وفي أورادها ثغر طري علي في امتداد الأفق نجم * وفوق الأرض قطب أوحدي علي في دجى الأيام نور * صباح مشرق عبق زهي تسلل من خلال العرش ضوءا * ونور الله مؤتلق بهي علي فوق هام الدهر تاج * - محلى بالقداسة - لؤلؤي علي صوت قرآن ووحي * وترتيل وتسبيح جلي علي في تولده صلاة * وفي محرابه ذكر شجي علي في تجليه ابتداء * ونهج للحقيقة سرمدي علي حيرة الألباب روح * مجسدة وفكر عبقري علي حبوة الباري إلينا * صراط - لا نغادره - سوي علي في تعبدنا دليل * ومعراج به الباري حفي
354 علي ليس يدركه وجود * ولا فكر ولا عقل ذكي علي في حقيقته امتداد * لنفس المصطفى وهو النجي علي للهدى أس وركن * وفي نص الغدير هو الولي علي باب حصن الدين منجى * ومن يأبى الدخول هو الشقي
355 إسماعيل خليل أبو صالح (1369 ه -...) الأستاذ إسماعيل خليل أبو صالح، شاعر أديب، ولد في العراق - الكوفة عام 1369 ه / 1950 م من عائلة ملتزمة وأكمل قسطا من الدراسة في بلده، ثم عين موظفا، ثم هاجر إلى إيران إثر انتصار الثورة الاسلامية حيث شارك في صحافة المعارضة العراقية الاسلامية واحتفالاتها مضافا إلى مشاركاته الجهادية والسياسية والإعلامية، وهو يقيم منذ سنوات عدة في سوريا وما يزال يواصل نشاطه الاعلامي وقد صدر له ديوان بعنوان: قطوف الولاء للاسلام والوطن. وله من قصيدة قوله: كل الوجود قد ازدهى يتألق * وعليه من ذكرى علي رونق صهر النبي أبو الأئمة من له * يحلو القصيد فيا أحبتي أطرقوا كي نستبين رؤى القداسة تجتنى * من دوح حيدرة جناها مونق إذ سار في الأفلاك بعض خصاله * فهو الذي عن سرها يستنطق وسرى فعم الأرض يسحر أهلها * بمناقب فيها الأنام تفرقوا ما بين من قد ألهوه فهم به * هلكى بقعر جهنم قد أحرقوا ومن استشاطت في صدور منهم * نار العداوة منكرين فأحنقوا وعلي مهما قيل في تأويله * سيظل سرا أين منه المنطق ويظل نبراسا لمن طلب الهدى * ويظل قرآنا ولكن ينطق ويضل حبلا للنجاة ولاؤه * والعروة الوثقى بها نتعلق وحروفي الخرساء حين أثارها * يوم الإمامة للأصول يوثق
356 جاشت مطوفة حوالي روضه * وإذا بسفر للمأثر يرمق يا صانع الأجيال جل عطاؤها * فغراس كفك لم تزل تتفتق تهب السراة معالم التغيير في * دنيا الخنوع المستتب فتغدق أمقوما ما اعوج من أمر الورى * في حين ضل مغرب ومشرق ومكسر الأصنام كيما تبتنى * أسس العقيدة فانتشت تتألق والجود بذل النفس ما بعد الذي * قدمته جود بذلك يلحق يكفيك من آي الكتاب شواهد * أن ما جناه المبطلون سيزهق والأرض إرث الصالحين وبعدها * حور وولدان ومسك يعبق يا صائنا دين الإله بصارم * ومعارف تعيي الذي يتعمق وبنخبة بالرائعات حبوتهم * مثل النجوم وأنت بدر مشرق فزتم عروجا للجنان فمن لها * إن لم تنالوها ومن سيوفق أمطلقي الدنيا ثلاثا بينما * أغفى عليها غيركم وتعلقوا خلفتم أفق الخلود مرصعا * بكواكب تهوي وأخرى تشرق لتضئ للأجيال أبهى موكب * هيهات يثنيه عدو أحمق فلكل ذي لب أبنتم مسلكا * يبقى لليل الظالمين يؤرق لم لا وفيه المصطفى والمرتضى * والسبط مروا والصحاب تدفقوا وتظل نخوة حيدر وبنيه أن * هذا الطريق إلى التحرر فالحقوا وولاؤهم ثأر ألا فلنسترد * الثأر ممن للدما قد أهرقوا واليوم في ذبح العراق تفننوا * والجرم أن فيه التشيع معرق حتى غدا الشيعي موضع ريبة * سيان ثار أو استكان ينمق وخيارنا إما الحياة بذلة * والموت منها بالمسالم أخلق
357 سلمان الربيعي (1371 ه -...) الأستاذ سلمان بن عاصي الربيعي شاعر أديب، ولد في العراق الحلة عام 1371 ه / 1951 م، ترك دراسته ليلتحق بالجيش العراقي ثم بإيران، حيث نشر الكثير من قصائده في الصحف المحلية وشارك في الاحتفالات الدينية، وقد صدر له حتى الآن: الديار المحجوبة، على أعتاب الوطن، طيف الوطن. وما يزال يواصل نشاطه الأدبي من خلال قصائده الكثيرة في الجرائد والمجلات والإذاعة في أجهزة المعارضة الاسلامية العراقية. وله من قصيدة " عيد الولاية ": ماء الغدير إذا وجدت به الشفا * فلأنه من كل شائبة صفا هو منبع بالطهر يزخز والهدى * فلذاك يقصده التقي تلهفا من لم يطهر ماء (خم) قلبه * بولاه ما وجد الطهارة والشفا خذها أخ الإيمان من فم شاعر * بسوى التشيع مذهبا لن يهتفا أبيات شعر عطرت بأريج من * ولاه أمر المسلمين المصطفى في يوم عيد بالسعادة مشرق * حيث الضياء عن النواظر ما خفى فاليوم آخر آية يأتي بها * (جبريل) من لدن الإله مكلفا لو لم تنص على ولاية (حيدر) * ما بلغ المختار طه المصحفا اليوم آخر رحلة كانت له * وعن الهبوط - على الرسول - توقفا
358 ويبلغ الأجيال إلا عارف * حق الذي بغدير (خم) عرفا فاسلك إذا رمت السمو سبيل من * لولاه مصباح العقيدة لانطفا واستوح من يوم الغدير مواعظا * فالثوب لا يجدي إذا العمر انطفا واعلن ولاءك للوصي مسجلا * لك عنده يوم القيامة موقفا إذ تستغيث فلا تغاث وأنت من * حفر الجحيم المظلمات على شفا فهناك يجديك الولاء لحيدر * فالداء يهدأ إذ يلاقي المسعفا إيه أبا السبطين جئت ملبيا * أمر الرسول ولم أكن متطرفا قلبي يقول: بخ بخ لك صادقا * وبعهدتي إني أدوم على الوفا
359 جواد جميل (1373 ه -...) الأستاذ حسن ابن الحاج عبد الحميد السنيد الغزي شاعر بارز وأديب كاتب، نشأ على والده الأديب الخطيب وعلى ثلة من أدباء سوق الشيوخ بلدته العريقة في الشعر والأدب مما أغنى موهبته كثيرا، أما ولادته فكانت عام 1373 ه - 1954 م وهو حاصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية، لكنه بعد هجرته من العراق إلى إيران انصرف عنها إلى العمل في الحقل الاعلامي السياسي فنشر الكثير من قصائده ومشاركاته في الصحف والإذاعات وساهم في المؤتمرات والاحتفالات وعمل كذلك رئيسا لتحرير مجلة الهدى للأطفال وقد صدرت له مجموعات شعرية عدة، كما يعتبر وبعض إخوانه من طليعة الحركة الأدبية الاسلامية. أما هو فقد تفرد بأسلوبه ونفسه الخاصين مستفيدا من التراث والتجديد ومازجا بينهما مزجا مميزا ينبئ عن موهبة رائدة وشاعرية حاذقة ووعي بأدوات التعبير والاستخدام الشعريين، وتربطه بإخوانه أدباء العربية علائق عديدة. وله من قصيدة في الغدير: ألف جرح وأنت ما زلت حيا * تتحدى زمانك الدمويا ألف جرح وأنت تمتشق الشمس * ويعلو صدى صداك دويا تعبر العاصفات والزمن العاتي * لتبقى الفتى الجسور الأبيا
360 أين مسرى اللظى أكنت تداري * منه جمرا أم تحسب الجر فيا ولهيب الصحراء ما مس من خطوك * إلا وعاد وردا نديا ليتني أطفئ احتراقي بكفيك * فأصحوا والبحر بين يديا ليتني أفرش الضلوع للقياك * واطفي الهجير في شفتيا ليت قلبي يصغي لصوتك هذا * وهو يجتاح صدري الحجريا فيحيل الدموع رفة نور * أريحي يمور في مقلتيا ويعيد اليبس القديم ربيعا * فيقوم الحلم المكفن حيا أيها العاشقون يجفل حرفي * ولقد كان مبدعا عبقريا ألف عذر لقد تحطم كأسي * غير أني ما زدت في البحر شيا نفخ الله في البطولات والحب * وفيض الندى فكانت عليا حتى يقول يا أمير الشام هيا ألا تلمح * في الأفق مرقدا قدسيا حوم المجد في منائره الشم * وغنى بقاءه الأبديا وعليه الأملاك في نشوة الترتيل * تنهال سجدا وبكيا وعلي هو الخلود وحسب الخلد * فخرا أن يغتدي علويا يا وليد الأركان ما قبلت قبلك * أحجارها الظماء صبيا وارتعاش الحطيم ينبئ أن منه * وراء الأستار سرا خفيا فإذا أنت شاطئ خضل الورد * تحضنت زورقا سحريا حاملا همة النبوات رايات * ببدر وصارما أبديا تعب اللاهثون خلفك أنى * لخفوت الثرى بريق الثريا وتمر الأيام تحمل من عينيك * صحوا ومن سحابك ريا
361 وصهيل الخيول يعبر من صفين * رعدا فيخجل الأشعريا والسيوف التي بوجهك سلوها * أماطت لثامك القبليا ونعرت فبعضها خزفا عاد * وبعض رأيته خشبيا والعيون التي تملتك حقدا * شربت دمعها البليد الغبيا وتمنت لو أنها عميت قبلك * أو عاد ذكرها منسيا أمة ما وفت ببيعتك السمحاء * بايعتها فكنت الوفيا يا بن شيخ البطحاء من شيبة الحمد * يعود التاريخ غضا طريا وتعود ابتسامة البيعة الأولى * لعينيك موكبا نبويا إننا هاهنا يسمرنا العهد * على ضفة الغدير فهيا نتغنى على رواء علي * فرواه ما زال عذبا نقيا وله من قصيدة يقول: لعلي توهجي وانطفائي * كيف أدنو وهو المسار النائي كيف أدنو وهو اللهيب وقلبي * مثل جنحي فراشة خضراء أتهاوى على سناه وفي الروح * اشتعال.. تفنى به أشلائي كلما مسني اللظى شدني الحب * بعنف.. فهومت كبريائي وإذا لف زورقي صخب الموج * فعيناك هدأة الميناء أنا أغفو وأنت توقظ في الروح * بقايا أمنية ورجاء أنا أبكي وأنت تمسح دمعي * فيغني على يديك بكائي أنا أمضي مع الضياع ورؤياك * ملاك يشد خيط انتمائي أنت أين اتجهت كنت أمامي * وإذا ما انهزمت كنت ورائي يتلاشى على خطاك كياني * وتصلي على صداك دمائي
362 أنت أنت الخلود يفنى بذكرا * ه وجودي وتنمحي أشيائي أيها البحر كيف أجفو وقلبي * في شواطيك قطرة من ماء؟ لعلي ومض النجوم وترتيل * الليالي، ولجة الظلماء وغناء الأمطار والأمل المشدود * بالغيم في خشوع السماء وارتعاش الرمال مصلوبة الوجه * على شفرة من الرمضاء لعلي تهفو المجرات حبات * هباء منثورة في الفضاء لعلي ما ينسج القلب من حلم * وما يستشف من ايحاء وله تنبض الشرايين بالحب.. * فتغدو مجنونة الخيلاء وله الدمع والحنين وما في * الروح من واحة ومن صحراء وله الهم يستجد رماحا * وعلي كالصخرة الصماء وله الصبر يستحي أن يلاويه * فيغفو ملفعا بالحياء وله البيعة الكبيرة وحي * ويد في يدي أبي الزهراء هو مولاكم ولاذت وجوه * تتلوى بالحقد والبغضاء هو مولاكم صدى يملأ البيد * ويرتد من عنان السماء هو مولاكم ورددت الدنيا *: رضينا بالمستميت الفدائي هو مولاكم وردد جبريل *: ومولى الملائك الأمناء لعلي لون الجراح، وأصداء * المنافي، ولوعة الغرباء وله صرخة اليتامى وأغلال * الأسارى وشهقة الشهداء وله ما يلملم الليل من خوف *، وما يختفي وراء المساء وله في القلوب عرش وتاج * من ولاء مرصع بالوفاء فإذا انهارت العروش تسامى * منبر ناحل ونصف رداء
363 إبراهيم النصيراوي (1375 ه -...) الشيخ إبراهيم علوان النصيراوي اللامي فاضل خطيب، وشاعر مؤلف، ولد في مدينة العمارة جنوب العراق، عام 1375 ه / 1956 م من عائلة متدينة. أتم قسطا من دراسته الأكاديمية، ثم أخذ يمارس خطابة المنبر الحسيني حتى دخوله الحوزة العلمية في العام 1399 ه / 1979 في النجف الأشرف، فدرس على بعض فضلائها أمثال السيد محمد حسين الحكيم، والسيد محمد تقي الخوئي، والسيد عز الدين بحر العلوم ثم حضر بحث المرجع الشهير السيد أبو القاسم الخوئي، وعمل في مكتبه. وبعد الانتفاضة الشعبانية عام 1411 ه هاجر مع من هاجر إلى الجمهورية الاسلامية في إيران حيث قصد حوزتها العلمية في قم المقدسة دارسا ومدرسا. لا يزال يقيم في الجمهورية الاسلامية في إيران يمارس الخطابة داخلها وخارجها مع مشاركته في المنتديات والاحتفالات الشعرية، له مؤلفات عديدة. وله من قصيدة مطلعها: خيم الليل فاسطعي يا بدور * كل حي له بوجهك نور حديثنا ربوع مكة عمن * فيه قد حدث الكتاب المنير كلنا ينتشي إذا مر طيف * من علي ويعتريه السرور حدثينا عن السما كيف غنت * وعن الشمس كيف كانت تنير
364 أيها الجوهر الذي شدنا فيه * ولاء عليه يصحو الضمير قد عرفنا بأن ذاتك كنه * ما لها في لغاتنا تفسير فذهبنا إلى مذاهب شتى * وتغنى بك الهوى والشعور واختلفنا ويجمع الناس رأي * أنك الفرد ما إليه نضير ورأيناك في ذرى المجد تعلو * فالمعاني يخونها التعبير وعهدناك في الشجاعة فردا * لو مسكت الجبال راحت تمور ولك المنبر الذي لا يبارى * وبيان سمح العطا مسحور وإذا قيل في اليمامة وجه * شاحب اللون بائس مقهور ذبت وجدا بأن منك ضمير * (كيف أرض بأن يقال أمير) هكذا كنت أين منك رجال * لم يلج في عقولهم تفكير قد تلاقوا ليطفئوا النور حقدا * وإذا الشمس منك خجلى تنير حلق النسر والبغاث ستبقى * ملؤها الرعب جنحها مكسور وكسير الجناح للأرض يهوي * والسما تهتدي إليها النسور لك بيت بقمه المجد يبنى * رصعته من السجايا سطور أين منك الغافون لزهم السيل * وفي بابك استقر المصير فاستحالت دار الغرور خرابا * وإذا الخلد في علي فخور يفخر البيت أن فيه وليدا * هو للمصطفى أخ ووزير لوعتي لوعة يثور بها الوجد * ويدري الجوى بها ما يثير أنا أهوى الرمال في تربة العز * وقلبي ممزق مأسور لست أدري متى أحط رحالي * ومتى ينتهي بنا التقدير
365 محمد علي الدجيلي (1375 ه -...) الأستاذ محمد علي بن محمود المجيد الزبيدي. ولد في الدجيل عام 1375 ه / 1955 م وأكمل دراسته في معهد المعلمين في بغداد. هاجر إلى سوريا عام 1403 ه / 1983 م بعد مضايقة السلطات العراقية له. ومن هناك توجه إلى إيران وما زال يقيم فيها. وأسرته معروفة على الصعيد الاجتماعي في المنطقة، وكان والده يستضيف جملة من الخطباء في شهري رمضان والمحرم الحرام ويكرمهم، واستمر على ذلك حتى اعتقاله عام 1402 ه / 1982 م، يقم المترجم له - حاليا - في إيران حيث يرفد الوسط الأدبي بقصائده العديدة ويشارك في الاحتفالات والمناسبات. وله من قصيدة مطلعها: طلق همومك واطرد عنك أحزانا * وارقص على هامة الجوزاء جذلانا حتى يقول: في (أرض خم) تجلى الحق منتصبا * ولاح في غرة الكرار قرآنا يوم الغدير أتم الله حجته * فمن تنكب عن شرع الهدى خانا نادى رسول الهدى هذا أبو حسن * مولى العباد فمن والاه والانا هو الوصي فلا زيغ ولا زلل * ولا سبيل لمن قد رام بهتانا
366 زوج البتول فمن يرقاه في شرف * كلا فمن يدعي يحتاج برهانا صنو الرسول له الأفلاك قد خلقت * والمجد طأطأ إذلالا وإذعانا سيف الإله الذي لولاه ما فقئت * للشرك عين وأنف الكفر قد لأنا يوم الغدير لنا عيد نجدده * ما جددت بهجة الأفراح دنيانا يوم الغدير به أرواحنا عزفت * لحن الولاية في أفاق مغنانا يوم الغدير وقد راقت مشاربه * والطيب فاح على الأكوان ريحانا يوم الغدير أيا لحنا بلا وتر * قد رتلته شفاه الشوق ألحانا يوم الغدير به طابت سرائرنا * وارقص الحب قلبا في حنايانا تلك الولاية قد زفت لحيدرة * يا ألف مرحى بيوم الله وافانا فيا سماء اشهدي إنا نبايعه * ولا نرى غيره كفوا ليرعانا فمن سواه رسول الله عاضده * ومن سواه هوى للدين قربانا ومن وليد بوسط البيت ماثلة * ومن أب لبني الزهراء قد كانا هو الأمير الذي طابت شمائله * وطاب محتده عزا وتبيانا وله من قصيدة أخرى مطلعها: حب طه وفاطم وعلي * تلك والله خمرة الأنقياء لا تلم عاشقا يهيم اشتياقا * قد تلظى بحب أهل الكساء مذهب الحب أن تهيم نفوس * ثم تغفو على نشيد الفداء كيف نرجو من المحب اصطبارا * ذاك ظلم وطعنة للوفاء إن قلبي بحبهم بات صبا * وكذا الجسم ناصل الأعضاء فارقصي واشربي الولاء نبيذا * فنديم الحياة كأس الولاء ذو شمال أنا وحق علي * كأس أنسي وبهجتي وهناء
367 قطعوني فقلت أهوى أميري * حرقوني فصمت هاك ولائي قد عشقت الوصي حقا فإني * صادق الود والولاء ردائي علوي ومذهبي رافضي * حيدري الهوى ولست مرائي أي مدح بمولد الكبرياء * من فم قاصر وأي ثناء إن ترد مدحه فذاك محال * إن يطال الثرى نجوم السماء فعلي منار حق تجلى * ذو سناء وهيبة وانتشاء قد تجلى في بطن مكة بدرا * فتوارى الظلام خلف الضياء سجدت حوله الملائك طرا * بخشوع ورقة وحياء
368 ثامر الوندي (1377 ه -...) الأستاذ ثامر بن محمد الوندي، شاعر أديب وناقد فنان ولد في البصرة عام 1377 ه / 1957 م وأكمل دراسته الأكاديمية في البيئة الصحية، وله مساهمات عديدة في الشعر والمسرح والنقد والكتابة الأدبية والموسيقى وغيرها، لا سيما بعد نزوحه من وطنه العراق أواخر الثمانينات الميلادية، كما لا يزال يواصل دوره الأدبي والثقافي المميز من خلال الصحافة والمنتديات الأدبية مع إخوته أدباء المهجر العراقي وكتابه. وله مجموعات شعرية ونثرية غير مطبوعة، ويعد هو وبعض إخوانه من طليعة الحركة الشعرية الاسلامية وتربطه بإخوانه أدباء العربية علائق عديدة. ومن قصيدته: " شراع الشمس ": أي شمس شراعها اليوم لاحا * وتعرى فوق الأفول جناحا وتشظى في الموج سطع رذاذ * يتلاقى قبل الضفاف صباحا ليصب الأكفان حول الليالي * ويشد الأجفان فجرا صراحا ويجر الأصنام سحلا رغاما * ويرد الظلام كسفا مزاحا يا صواري الشراع خليه رخوا * يتدلى على الوجود وشاحا يكسف الأعراس الخصيبة في الجدب * ويمحو عن الصواري الكساحا ودعيه يمتد في الأفق المجدور * بوابة تعاصي الرياحا
369 أي شمس شراعها ما استراحا * يتخطى بزهوه الأفراحا يتبدى من كعبة الله يسمو * فوق دمع الدنى سنا وانشراحا أطت الأرض والسماء ابتهاجا * وسرورا وغبطة وانشراحا ولدت في الوجود شمس علي * فتغشت كل الشموس افتضاحا ولدت نبضة ترج الشرايين * وتجلو وريدها النضاحا فتمسك بهديه فهو عش * أبدي يرشح الأرواحا هو عشق ودأبه أن يباحا * وغرام يقتاتنا إفصاحا وهوى لو نخفيه بين الحنايا * يتبدى على الأنام انفتاحا هو عشق يظمي الشفاه ذبولا * ونساقيه عمرنا أقداحا لا نعاني تبريحه وأساه * ذروة العشق أن يعاش كفاحا يا علي لو قطعتني سيوفي * فسأبقى هزارك الصداحا
370 مدين الموسوي (1377 ه -...) السيد جابر بن محمد الجابري. شاعر أديب وكاتب صحفي. ولد في عام 1377 ه / 1957 م - من أسرة ذات سيادة وشرف وفضل ونشأ في النجف الأشرف متأثرا بحركتها الثقافية والأدبية ومشاركا في نشاطاتها الأدبية فجاء شعره امتدادا لأسلوبها ومدرستها وهاجر من العراق عام 1400 ه / 1980 م وشارك في نشاطات المعارضة الاسلامية العراقية في إيران، ثم تنقل بينها وبين سوريا ولبنان، ونشر الكثير من قصائده في الوسائل الاعلامية المختلفة وصدرت له مجموعات شعرية عدة وشارك في ملتقيات ومؤتمرات ثقافية وأدبية متنوعة، ويعد هو وبعض إخوانه من طليعة الحركة الأدبية الاسلامية وساهم ثم استقل أخيرا بإصدار مجلة القصب الأدبية من بيروت، ولا يزال يواصل مشواره الأدبي والإعلامي المميز وتربطه بإخوانه أدباء العربية علائق عديدة. وله في أمير المؤمنين من قصيدة بعنوان: أمير بيوت الوحي قوله: أفض في يدي من كل قافية بحرا * لعل بحور الشعر تلهمني شعرا ورد إلى عيني رؤاها فإنها * بحبك لا زالت مغيبة سكرى وفك يدي من أسرها فيك ساعة * فما رغبت إلا على يدك الأسرا ولم تر أندى منك للحب منبتا * ولم تلق وجدا من ضرامته أضرى
371 لأنك ملء الروح تهتز كالرؤى * إذا جنحت يوما تعود بها دهرا سددت علي القول لا أنت مانع * وحاشا يديك البحر أن تمنع القطرا فهات الرؤى محرورة الطيف تنحني * على نبعك المعهود يلهمها سحرا لأرسم وجدي فيك عذرا مجملا * وآخر همي فيك أن أبلغ العذرا " أمير بيوت الوحي " لست مغاليا * ولا ناطقا زهوا ولا قائلا هجرا أغالب فيك الوجد ليلا منورا * وصبحا مندى أعشب الجدب والقفرا فما بين روح أيقظت في رفيفها * هواك، وقلب أذهل الروح والفكرا فلوح لي في كل أفق غمرته * بنورك إعجاز وغيب لي غمرا وأسرح في معناك، فيضا مطهرا * وأبحر في المعنى فيأخذني المجرى وقاربت فيك الخلد أكشف سره * فنازعني في كل مكتومة سرا توحدت في ذات الرسول، فكنتها * لتملأ من صدر الرسول بك الصدرا ومالت لزنديك القلوب تحوطها * ذراعاك، تفري دونها مهجة حرى لقد صوبت فيك السماء سهامها * وكنت لمرماها كنانتها البكرا فكنت - كتاب الله - يحكي رسالة * ينوء بها صمتا، وتنطقها جهرا لتفخر بالقرآن نهجا وثورة * ويحملك القرآن في يده فخرا وأسري في علياك مجدا مخلدا * إلى آخر الدنيا فسبحان من أسرى تجلى لنا يوم الغدير رسالة * مكتمة لم ترو حرفا ولا سطرا كما الشمس تعطيها السحائب هالة * لتنشرها نورا وتمنحها طهرا تجملت الصحراء تلبس عريها * وليس من الصحراء أنقى إذا تعرى لتحضر عرس الوحي يحمل صوته * بلاغ رسول تمم النعمة الكبرى إذا لم تكن كف سرى الوحي حولها * طوافا كما يسري بكعبته الغرا
372 أحق بأمر الله تؤتيه حقه * لتمضي به في كل مانعة أمرا فمن ذا يقيل الركب غير إمامة * مسددة لم تخش مسلكها الوعرا سوى راحة تقضي مع الله ليلها * وقبل طلوع الفجر تبسطها فجرا أطلت بك الأخرى بريقا مطهرا * تفيض على الدنيا كأن لها نذرا وما بين يوميك العصيين جنة * من الخلق الوهاج يغمرها عطرا تجملت الدنيا تريك نعيمها * ومرت على عينيك يانعة خضرا وأرخت على كفيك وافر درها * لتحلبها ضرعا وتركبها ظهرا فطلقتها لم تدنها منك زينة * تجملها البيضا وتفتنها الصفرا وغيرك يهواها قيانا ودلة * تهز له في كل سانحة خصرا فبين أكف نازعتك سقيمة * تدير كؤوس الليل مترعة خمرا وبين يد تؤوي من الجوع أهله * لتغمرهم ودا وتوسعهم برا وعينين، عين تحرس اليتم ليلها * وأخرى بقصر الشام غافية سكرى أرى أمة ضاعت وتاهت دروبها * تضيق بها صحرا وتلفظها صحرا إليك أمير المؤمنين أفيضه * ولاء صفا لم يبغ حمدا ولا شكرا مزجت به في غربتي ألف ليلة * مخضبة للآن لم تطلع الفجر ا وما زلت ادعوها نعيما وجنة * وفيها مخاض العسر أحسبه يسرا ولاؤك لي عرس يزف مع النهى * ثريا هوى يزهو بها الليل والمسرى وإن طلبت مهرا ثرياك غاليا * وكان دمي مهرا، فما أرخص المهرا وله أيضا: (موكب النور) منها قوله: هاك قلبي بعد القطيعة عهدا * واتخذه لنصل حبك غمدا وافترش أضلعي لروحك مأوى * إن في أضلعي لوجدك مهدا
373 بدمي خضت تستبيح كياني * فدمي قد غدا لنهجك وردا يا أمير الندى وحسبك مجدا * أن يكون الندى لكفك مجدا أنت ألهمتني هواك فراحت * أعيني من هدى مسارك تندى أنت أغريتني بكل عبير * طل من منبع الولاء وندا كلما زادني هداك اقترابا * زادني عن يد الصغائر بعدا أنت مولى لكل قلب أبي * صاغ أوراده لنهجك عقدا وأنا عدت من رحابك أجلو * عن عيون الدجى لنورك بردا أحمل الجمر في هواك نعيما * وأرى الذم في ولائك حمدا حينما بلغ الرسول وأفشى * سر ما شاءت السماء وأبدى قال هذا أبو الحسين وصي * وإمام له الصحائف تهدى وهو مولى للمؤمنين وكهف * يكمل الشوط والمسار المندى وهو عندي كما لهارون موسى * حاملا حجتي ليحفظ عهدا طالق عندك الحياة إذا ما * صغت فيها من العدالة عقدا فمضى سيفك الهصور يلاقي * كل من صار للرسالة ندا ولديك القوي ركن ضعيف * حينما يحمل المطامع قصدا ولديك الضعيف ركن قوي * حينما يحمل الرسالة وجدا عجب العدل كيف تملأ كف * راحتيه بما يحاول جهدا أن يرى نصف ما يريد مجابا * ويرى بعض ما يراد مردا إن سيفا لديك ذل رقابا * سمنت من دم الضعيف وأردى هل سمعت القلوب.. تطحن جرحا * نز من أضلع الصدور وندا كيف تغفو جفون سيفك صبرا * وهي قد أتعبت عداتك سهدا
374 فرات الأسدي (1381 ه -...) الأستاذ ضياء ابن الشيخ عبد الرزاق ابن الشيخ حسن آل فرج الله الجزائري الربيعي الأسدي، شاعر أديب وكاتب مؤلف. ولد عام 1381 ه / 1960 م من عائلة علمية أدبية معروفة في العراق ونشأ في النجف الأشرف متأثرا بحركتها الثقافية والأدبية مما أغنى تفتح موهبته وأدى له الكثير حيث ربي في كنف خاله العلامة المجاهد الفاضل الأديب الشهيد الشيخ عبد الرحيم فرج الله فنهل من أفكاره ومكتبته حتى استوت موهبته الشعرية متأثرا برموز الأدب المعاصر خاصة لكن الوضع السيئ الحاكم في العراق لم يمهله فهاجر إلى إيران عام 1401 ه / 1981 م مكملا بعض شوطه العلمي في الحوزة العلمية في قم المقدسة على حساب دراسته الأكاديمية المقطوعة فحضر دروس الفقه والأصول والتفسير والمعرفة والخطابة إضافة إلى مشاركته في نشاطات المعارضة الاسلامية العراقية المختلفة ونشره العديد من قصائده في الصحف والمجلات والإذاعات وحضوره في الاحتفالات والملتقيات والمؤتمرات الثقافية والسياسية ومساهمته في تحرير وإصدار عدد من المطبوعات كان آخرها مجلة القصب، وموسوعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته في الشعر العربي حيث يشرف عليها حاليا من خلال إدارته لدار الأدب الاسلامي، وله مجموعات شعرية ونثرية لم يطبع أغلبها كما يعد هو وبعض
375 زملائه في طليعة الاتجاه الأدبي الاسلامي وفي غمار ذلك تربطه مع الكثير من أدباء العربية علائق خاصة ويواصل مشواره الشعري المميز. وله بعنوان: (أشتات الكلام الصعب) قوله: لأشتات الكلام الصعب - حين نلمه - أفق ووجهك فيه يمنحنا البريق، فكيف نحترق وباسمك نستضئ وأنت فرحتنا التي سطعت فما للحزن يمسخها دخانا.. حين تأتلق؟ وما لقصائد الشعراء مطفأة كواكبها وتخجل لو تدور ضريرة الكلمات.. تستبق تفتش عن مدار غيابها الآتي، فيسلمها إلى عكازة ما لملمت خطواتها طرق لمن تمضي وأنت حضورها الماضي وحيرتها وأنت حدادها والدمع والشهقات والأرق! * * * لأشتات الكلام الصعب ذاكرة من النار يشكلها التراب ويستبيح لهيبها الواري يدوف بها الردى والسيف محتقنا بحمرته وكل الغدر من تأريخه المتوحش العاري ويمزجها بماء النهروان الخارجي إذا تهشم وجهها اللغوي مثل إناء فخار ويحملها إلينا أحرفا فقدت ضراوتها
376 ولم تصرخ بغير بكائها.. والذل والعار ولم تشهدك في التأريخ فارسه على قدر طلعت تكلل الشهداء بالبسمات والغار! * * * لأشتات الكلام الصعب خارطة خرافيه تراكض في مداها البحر.. والريح الضبابيه وأنت سفينة الفقراء تخرج لؤلؤا رطبا وتطعمهم.. وتسرج في المتاهة ألف أغنيه تصبحهم برائحة الدم المجبول من غضب تمسيهم بلون دواره في كل أمنيه تقول لهم: هلموا يا رجال الكوفة انتخبوا مناياكم، وهزوا اللحظة الميتة الحية وأعلوني لكم قمرا تنادمه همومكم أنا الثوار والرايات في المدن العراقية! * * * لأشتات الكلام الصعب أن تدعوك يا وهاب ويا سيدها المفرد، والمعجز في الأحقاب ويا مفرغها " شقشقة " هدارة يبقى لها في سمع كل قصيدة أزلية تصخاب تفك حجارة الكلمات مفردة معبأة وتعجز أن تقول كلامها المتغطرس الأخشاب!
377 ويكتب أبجديتها البديعة شاعر سقطت على كفيه خضرتها.. ودار النخل واللبلاب وأنت تمده حلما، وتفتتح الهوى فيه وتبتدع النشيد مآذنا نجفية وقباب! * * * لأشتات الكلام الصعب ما تبتكر الشمسا سماوات من الكلم العلي تكوكبت نفسا! على سدم الفضاءات الخبيئة خلف نافذة مقدسة النبوءة تشهد الايحاء والهمسا تمد لها رواق الله فوق رمال دهشتها وتحشدها، وتبتدع الفصول جديدة خمسا! وخامسها الخلود، متى تضيق رؤاه عن زمن وأنت وهبته غده.. وأنت وهبته الأمسا وأنت وراءه ألغيت صورة كل من خلدوا وخلفت انتصارك بالشهادة مأتما عرسا! * * * وفي ذكرى الغدير من قصيدة بعنوان: معزوفة الوجد: أطل عيدك فاسغفر حكاياه * وناشد الحب أن ينسيك ذكراه وناشد الشعر أن يخفي قصائده * وأن يغيب وأن يعفيك بلواه يكفيه أن على أوتاره نغما * مجرحا سال ما أضرى شكاواه وأن دون الحروف الخضر قافية * مخنوقة شدها للحزن أواه
378 حسب الحناجر أن تخبو مجوفة * وأن تخاط بسلك الصمت أفواه يا سامر الخيبة الخرساء كم خطفت * على عيونك أشباح وأشباه وكم سكنت إلى ليل تنادمه * وتستحث به نجما وترعاه لكنه أفق أعمى مشارقه * مطموسة ببقايا من شظاياه وليس غير احتراق الضوء غرته * وليس غير مدار الموت مسراه كأننا لم نكن أحلاس ظلمته * ومن دماء الضحايا ما أضأناه فكيف ينشق عن صبح به زهقت * روح النهار وماتت وهي ترقاه غداة غاب رسول الله وانكفأت * وصية واستثار الغدر أبناه غداة طاشت بهم أحلامهم سفها * واستغفر البغي حلفا من خطاياه فالصبر أسدل دون الليث وثبته * غاب الزئير وما غابت حناياه يظل يرصد عن كبر فرائسه * ويستنيم إلى صيد تخطاه ورب نسر كسير دون عزته * تمد حتى على جرح جناحاه أخا النبي لك العتبى أضج رؤى * حزينة والهوى شاهت مراياه حتى غديرك مخضوب بأدمعها * الله كيف سيلقاني وألقاه أنا الذي همت في أفراحه عمرا * وطفت أسقي الندامى من حمياه واليوم حيران بئر القلب أنزحه * لظامئ الحرف كي تروى حناياه وما جلوت حسان الشعر فامتلأت * بها العيون فتونا رحت أخشاه فصغت إكليل ورد من خمائله * ضفرته فوق شمس من محياه ثم ابتنيت من الأضلاع عرش هوى * مقدسا أنا والذكرى رعاياه نطوف نمسح بالأعتاب نوسعها * لثما نصلي لها فليغفر الله ها نحن نشهد أنا حول كعبته * بحب حيدرة الغالي عبدناه
379 سبحان مجدك ما أجلى مظاهره * وما أدق الخفايا من خفاياه يا سيد الكلم الزاهي وواهبه * ويا أمير الندى تترى سراياه ويا أخا السيف مختالا بصولته * حتى تمنت به تفنى ضحاياه مولاي حبك قتالي وأحسبني * سبعين أبعث حيا بين قتلاه فكن أنا واتحد في كل خافقة * من الفؤاد وهل إلاك إلاه وعذب الروح يا محبوبها فلقد * جنت وأشعل فيها الوجد حماه كم تسترق أمانيها وتتركها * مشبوبة الحلم تستجدي عطاياه لشاعر مل عنك البعد مغتربا * تناهبته حشود من رزاياه ما كان يهنأ لو أبدلت محنته * بالخلد تبقى إلى ما شاء نعماه خذه إليك إلى أرض الغري فما * سواك يطلب دنياه وأخراه
380 عبد الكريم آل زرع (1381 ه -...) الشيخ عبد الكريم آل زرع التاروتي القطيفي، شاعر فاضل ولد في القطيف عام 1381 ه / 1961 م من أسرة ملتزمة ودرس في مدارسها ثم أكمل مشواره العلمي في الحوزة العلمية فأخذ يتردد على حلقات دروسها بين يدي أساتذتها الأكفاء وكان قد أخذ نفسه بمختلف ضروب العلم والثقافة ومنها تكونت ثقافته الشعرية فشارك في الاحتفالات والمنتديات مشاركة فاعلة وطرق في شعره الاجتماعي أغراضه المعهودة وما يزال يواصل شوطه العلمي والثقافي. وله من قصيدة عيد الغدير قوله: تبسم صاحبي فرحا وقالا * أتيت لأسمع الشعر الزلالا أتيت تخب بي قدماي شوقا * إليك وخافقي يهوى الجمالا وكل جوارحي لسماع مدح * الإمام المرتضى جاءت عجالا فاسمعني بحبك في علي * بديعا يسكب السحر الحلالا فقلت ومهجتي حسرى لأني * عديم حينما أصف الجلالا أأمدح من به فكري تغذى * وأدركت الحقيقة والخيالا أأمدح من به قلمي تروى * ففاض مداده صورا وسالا أأمدح سيدا عجزت عقول * العباقر أن تحد له مجالا أأمدح من أرى في كل شئ * له أيد تشع به نوالا أأمدحه وما أدركت كنها * وذاتا من سناه ولا خصالا
381 فما أدري أأجتر القوافي * ويأبى الشعر في قلمي اتكالا وما اسطاع القريض له امتداحا * ولا غطى فضائله ونالا ولو يا صاحبي أقحمت شعري * مع الشعراء نمدح ما تلالا لعدنا لم نقل شيئا لأنا * على نقص فهل نصف الكمالا؟ على رغم العصور ورغم فن * يحيل الرمل أفئدة حبالى وإبداع تنمنمه الليالي * فينمو يضرب الشهب اختيالا ورحب من خضم الفكر حي * غزا السدم اطلاعا واحتلالا برغمهم فإن أبا تراب * بدا سرا خفيا لن ينالا إذا طالوا رأوا فيه شموخا * حوى كل المعالي لن يطالا فهم يا صاحبي خجلى صغار * حيال سنا تسامى واستطالا وكل الناس من شرق وغرب * وإن صدوا أو اختاروا الضلالا علي رغم أنفهم أمام * ومولى رامه الباري تعالى يدين له الورى حقا فمن ذا * عدى الكرار قد خلق النضالا؟ علي ثورة ومنار وحي * أضاءت في دجى الجهل الذبالا علي صارم الإسلام أردى * سيوف الكفر مذ كانوا صقالا وأرغم رغم كل الناس طرا * لأهل الشرك آنافا طوالا علي للعلى أسدى خلودا * وللحساد قد كتب الزوالا علي جامع الأضداد لكن * ترى فيها كمالا واعتدالا فمن يبكي بمحراب دموعا * عصي أن ترى منها انهمالا يعفر خده ذلا وشكرا * وإجلالا وحبا وابتهالا يذوب بحب خالقه اشتياقا * يشف لعالم القدس انتقالا ويقطع فكره عن كل دنيا * إذا ما رام للباري اتصالا
382 ومن يرتاد أبيات اليتامى * بجوف الليل لا يشكو كلالا فيفتح قلبه الحاني إليهم * يراهم في ولايته عيالا ويطعمهم ويكسوهم ولكن * ليبقى طاويا لم يبق مالا علي كان للضعفاء سورا * وللأيتام قاطبة ثمالا هو الطود العظيم بساح حرب * تكاد تقول قد ملك القتالا هو الأسد الهزبر إذا تمشى * أمام الجيش يحتكر النزالا يثير الرعب في صفي كماة * بسطوته يمينا أو شمالا علي سيد العلماء طرا * وسيد منبر يسل السؤالا وشمس العلم والعلما بدور * فمن ذا قاس بالشمس الهلالا وجاءت آية التبليغ تدعو * فلا رأيا هناك ولا جدالا وقام المصطفى الهادي خطيبا * وكل الكتب دونت المقالا ونصبه على الإسلام مولى * ليحمل بعده النوب الثقالا يحلق حيدر في أفق فكري * وأذكر قبة سمت اختيالا وقدسا تعرج الألباب فيه * وتسعى حول بهجته نهالا سلاما للغري وساكنيه * ولثما منه تربا أو رمالا سلاما من شج صب حزين * تفرى قلبه ولها وزالا لقدس نال منه البغي نيلا * ألا قد خاب منه من استنالا علي في قداسته علي * وقد صعبت على أحد منالا فإن غطى العوالم منه صيت * بمعجزة جنوبا أو شمالا فذاك لأنه وتر عظيم * ولم يلد الزمان له مثالا
383 قاسم آل قاسم (1382 ه -...) الشيخ قاسم بن عبد الله بن علي بن القاسم - آل قاسم - فاضل خطيب وأديب شاعر، ولد في القطيف عام 1382 ه / 1961 م، وأنهى دراسته الثانوية العامة ثم التحق بشركة الزيت - ارامكو - موظفا وأمضى فيها ثماني سنوات، التحق بعدها بالحوزة العلمية فأتم المقدمات في بلده على أساتذته ثم هاجر إلى قم المقدسة فواصل دراسته الدينية فيها على علمائها المعروفين، إضافة إلى نشاطه الأدبي من خلال الندوات والاحتفالات في بلده ومهجره على حد سواء، وما يزال يرفد الحركة الثقافية بنتاجاته، كما تربطه بإخوانه شعراء الهجرة علائق خاصة، وله أكثر من مؤلف مخطوط، ويعد من طليعة الشعراء الشباب في منطقته. وله من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: كيف أخفي سعادتي وسروري * وأنا في رحاب ذكرى الغدير وأنا في رحاب ذكرى علي * صنو طه وصهره والوزير يا قوافي الشعر الطروبة هزي * وتر الشعر في أرق بحور وابسمي تبسم الأزاهير خجلى * فتندي عطرا ثنايا الزهور وامرحي فالقلوب تسمع منها * نبضات الولاء بين السطور وابعثيها إلى السماء ابتهاجا * تحت عنوان آية التطهير
384 وعلى ظاهر الرسالة خطي * (قبسات من وحي عيد الغدير) يا لزهو الشعور حين يناغي * وجده خاطر من الإيحاء قد سقته كأس المفاتن سحرا * فتغنى والكون في إصغاء ولسان الأوتار بالعزف يحكي * عن لسان الطبيعة الخرساء أنطقتها فضائل لعلي * والميامين من بني الزهراء وسقاها الغدير أعذب ماء * فارتوت من صفائه الآلاء رشفة منك يا غدير تروي * بسنى هديها قلوب الظماء ما كأن النبي أوصى بخم * وكأن الغدير لم يك شيا يا سجل الأحلام في شرعة الحق * طوته كف من الحقد طيا أين تلك الأصداء جلجل فيها * لهب الشوق يوم كان فتيا ما أحست بفقد أحمد حيث اختار * من بعده أخا ووصيا حرستها أوهامها يوم جاءت * لتهني فما رأته عليا يا نجي العلى تمنوا معاليك * فخابوا وكنت أنت العليا ورنوا للخلود دون مراميك * فماتوا وأنت ما زلت حيا لك يا سيدي قلوب سقاها * من نمير الاسلام نبعك ريا فارتضتك الإمام والخلف الحق * وأرضت إلهها والنبيا وقوله في ذكراه (عليه السلام): أنت ألهمتني فأدركت ذاتي * وتحيرت فاحتويت شتاتي وجرى في دمي هواك فضجت * لك مشبوبة الرؤى كلماتي أنت ألهمتني لذيذ المناجاة * وكانت على يديك نجاتي سلبتني ذكراك روحي فهبني * قبسا من سناك يحيي رفاتي
385 وله بعنوان: آيات علي: على متن أشواق يغالبها الوجد * أتتك بأبياتي طيور الهنا تشدو حتى يقول: غدت فاطم ولهى تطوف لربها * تجلبب بالاجلال والهيبة البرد فلما رآها البيت صاح وضمها * إليه كمشتاق أضر به الصد وعادت وعين الله ترقب خطوها * على راحتيها يشرق العلم الفرد فيا بن أبي النفس من آل هاشم * أبي طالب أكرم بمن رأيه الرشد ولدت ببطن البيت فازداد رفعة * وعزا تسامى ما لعليائه حد نطقت بأمر الله حين تتعتعوا * وأعليت للدين البناء الذي هدوا
386 مهدي المصلي (1383 ه -...) الشيخ مهدي المصلي التاروتي، شاعر فاضل ولد في القطيف عام 1383 ه / 1963 م وفيها نشأ وترعرع ودرس ثم هاجر إلى النجف الأشرف وقد كان لأستاذه العلامة الفاضل الخطيب الأديب السيد منير الخباز دوره في تطوير موهبته إضافة إلى احتكاكه بالمشايخ والعلماء حيث امتهن الخطابة والعلم والتعليم وبرز في النشاطات الاجتماعية والأدبية من احتفالات ومنتديات وغير ذلك، كما التحق لفترة معينة بالحوزة العلمية في قم المقدسة وحضر دروسها وما يزال يواصل شوطه العلمي والثقافي. وله من قصيدة عيد الغدير قوله: ألهمت شعري من أسنى مصادره * إذا رأيت ولائي في زواهره على الغدير يغني الشعر مبتهجا * إن الغدير به أغلى جواهره ما قيمة الشعر إن لم يسق راوية * من الولاء تدوي في ضمائره على الغدير فخذ يا ليل أغنيتي * وزفها لمشيد الدين ناصره ورتل الآي يا جبريل صادعة * للكون تتلى بباديه وحاضره بلغ وإلا فما بلغت دعوته * فالدين ماضيه مرهون بغابره فقام أحمد في الآلاف تحرسه * عين الإله ليمضي في أوامره وراح يرفع كفا طالما رفعت * دعائم الدين شدت من أواصره
387 كف لمن أسلم الإسلام مهجته * وراح يدفع اعداه بباتره كف لمن ما ونى يوما ولا نكست * رجلاه بل ما سرى جبن لخاطره فقال من كنت مولاه فإن له * هذا ولي فكونوا من عساكره يا رب والي مواليه وعادي معا * دية وجدد إلهي نصر ناصره فعندها أشهد الله الشهيد على * تبليغه وكفى عذرا لعاذره سألت يا شمس يا روح الخلود ويا * رمز الولاء ويا أجلى مظاهره ألم تعودي لمولاك العزيز وقد * ألقى الزمان رداه عن أواخره قالت بلى وبأمر الله نخدمه * ولا نأخر أمرا من أوامره فقلت هل شهدت عيناك منقذنا * يوم الغدير على سامي منابره قالت بلى ولقد أحميت محفلهم * حتى احتموا برداء من هواجره ليعلموا أن ما يلقي النبي لهم * إمامة لمقيم الحق عامره يا ليتني بلبل يوم الغدير أرى * نور النبي وأروى من مشاعره يا ليتني تحت تلك الشمس تصهرني * لكن قلبي مشدود لآسره يا سيدي شهد الروض الفتي وذا * نفح الولاء تسامى من أزاهره يا سيدي شهد البحر الأجاج وذا * خير الولاء توالى من زواخره يا سيدي شهد الطير النقي وذا * صوت الولاء يدوي من محاجره يا سيدي شهد القلب الطروب وذى * أنغامه نفحات من بشائره
388 حسين الجامع (1384 ه -...) الأستاذ حسين بن حسن الجامع القطيفي شاعر أديب، ولد في بلده القطيف / السعودية عام 1384 ه / 1964 م ودرس في مدارسها ثم التحق بالجامعة فحصل على بكالوريوس زراعة عام 1408 ه ثم عمل مدرسا، قرض الشعر في سن مبكرة على عادة غيره من الشعراء، وكثير من شعره في المناسبات الدينية والاجتماعية والرسمية وله مجموعة مطبوعة واحدة وما يزال يواصل شوطه الأدبي مشاركا في المنتديات والملتقيات في بلده. وله من قصيدة البيعة الكبرى قوله: صدى خطوات سرى في الأثير * أعاد لنا ذكريات الغدير وعاد ليروي لنا قصة * على مسرح البر وقت الهجير عشية عاد رسول الهدى * من الحج يتلوه جمع غفير وقد جاءه الوحي من ربه * بآية " بلغ " بشأن الأمير فأوقف من كان في ركبه * ومن سار منهم بذاك القفير وأعلمهم أمر باري الورى * فبايع صنو النبي الحضور وجاء له حينها الصاحبان * يزفانها بيعة للوزير!! ولكن لعمرك ماذا جرى * بعيد وفاة البشير النذير؟! ويوم السقيفة ما شأنه؟ * وما منع المرتضى أن يثور؟
389 حنانيك أسدل عليها الستار * فقد نسي القوم يوم الغدير!! أبا حسن يا نجي الهدى * ويا علما خلدته الدهور ويا صارما شق جنح الدجى * فشيد دين العزيز القدير ويا نفس أحمد دون الورى * ويا عالما بالكتاب المنير رأينا سواك أخا يومه * ووحدك حلقت فوق النسور ربأت بنفسك عن إمرة * وقد حلق القوم حول السرير وبايعت كرها وقد ضيعوك * وسلمت إذ لم تجد من نصير أبا حسن يا نشيد الفداء * ويا تمتمات بثغر الصغير لأنت السبيل لدار الخلود * وغيرك يهدي لنار السعير وأنت الملاذ لنا في الحياة * وعند الممات وعند النشور وأنت المؤمل في النائبات * وأنت الظلال بلفح الهجير وحبك يسري بأعراقنا * نشب عليه حنانا طهور وباسمك نهتف لا ننثني * فذكرك فيه شفاء الصدور ومرقدك الفذ لما يزل * يلوذ به خائف مستجير وقبة قبرك ملجا الورى * تعالت فليس لها من نظير وله من أخرى عنوانها يا أبا الأمة قوله: يا أبا الأمة شوقا وسلاما * أيها الرافع للمبدأ هاما أيها الغارق في عشق الهدى * ذبت في الله اشتياقا وهياما أيها الباذل نفسا حرة * في رضا المختار راحت تتسامى أنت والحق كيان شامخ * قد تجلى فيك بدءا وختاما وحكمت الناس في شرعته * تتبناه مقالا ونظاما
390 ونشرت العدل يا رائده * ليعيش الناس أمنا وسلاما كنت للأيتام ظلا وارفا * ولذا عاشوا بمغناك كراما ولقد كنت لمن أرعبهم * شبح الفقر ملاذا ودعاما كنت تأتيهم وقد نام الورى * بجراب الزاد يا غوث اليتامى وبجنح الليل يا راهبه * رحت تحييه دعاء وقياما أيها الكرار يا ملحمة * في سبيل الله عزما وحساما أنت من ربك حقا غضبة * صبها الله على الكفر انتقاما بحسام في يد فاتكة * قطرت شفرته الموت الزؤاما كنت طودا والوغى ملتهب * تتلقاه نبالا وسهاما كم هزبر خشيت سطوته * رحت ترديه على الرغم رغاما فإذا ما وضعت أوزارها * نزل الوحي ليزجيك وساما لك في كل بلاء آية * أيها الآية تعطيك مقاما فهي كالشمس بدت ساطعة * لجميع الناس إلا من تعامى أي حرب خاضها الحق فلم * تك في عرصتها الفرد الهماما أببدر الدين يا فارسها * حين أفنيت بها الشرك حماما؟! أم بأحد حين فرت عصبة * عن رسول الله خوفا وانهزاما؟! فأقمت السيف في أعدائه * وعن المختار بددت الظلاما لم تدع بيتا بلا نائحة * من بيوت الشرك يندبن الرماما أما الثالثة وعنوانها بكائية النجف فمنها قوله: الكون مضطرب تنتابه الظلم * والناس في وحشة يجتاحها الألم والدين قد فصمت للحشر عروته * ومدمع العدل والتوحيد منسجم
391 ولليتامى عويل بعد كافلها * وذي المساكين في أحشائها ضرم وذي المحاريب لا تنفك ذاهلة * وكيف لا وعليها قد أريق دم وللأذان نشيج بعد عاشقه * وللتلاوة حزن قاتل عرم وذي الملائك تنعى في صوامعها * والعرش منتحب واللوح والقلم وجبرئيل له نوح وتعزية * سد الفضاء بها في طيها قسم فما الذي حل في الدنيا وطبقها * أزلزلت أم عليها حلت النقم؟ لا! لم تزلزل ولكن راعها حدث * تدكدكت للثرى من وقعه القمم خطب له ظلت الألباب حائرة * وفي اللهاة ثوت من حوله الكلم رزء الوصي وهل رزء يشابهه؟ * ففيه أردي طه المصطفى العلم أليس حيدرة نفس الرسول ومن * وقاه بالنفس والأعداء تزدحم؟! أليس حيدرة مصداق دعوته * منهاج حكمته والمنهل الشبم؟! أليس حيدرة باب العلوم ومن في * صدره يزدهي التشريع والحكم؟! ومن به الله جلى كل غاشية * عن النبي وقد ريعت لها الهمم؟! ومن به الله باها في السما شرفا * ملائكا، فإذا هم عنده خدم؟! يا من بحب علي قلبه ثمل * وبالولاء تسامت طينة ودم عرج على النجف السامي فإنه به * قبر به ثوت الأخلاق والقيم فإن بلغت الحمى فاخضع لديه وقل: * " طال انتظار ولم يرفع لكم علم " حتى متى نتلظى حسرة وأسى * يكاد يطغى على آمالنا السأم؟! فكم سقينا - ولم نصبر لها - غصصا * وكم على أفقنا قد خيمت ظلم بفقدنا في السنين العجف قادتنا * تكاثرت في البناء الشامخ الثلم وحوزة النجف الغراء مذ عرفت * يؤمها للمعالي العرب والعجم
392 من أجلكم بنيت، من علمكم نهلت * في حفظكم بقيت، تسمو وتحترم ولم تكن زمرة الأنذال غافلة * عنها، فراحت من الأعلام تنتقم سجن وقتل وتشريد وتصفية * وبالموالين ظلما تلصق التهم وفي ظروف توالت وهي مبهمة * يغتال بين ذويه المرجع العلم فسل عراق الردى ما ذنبهم فله * رأي تضيق به الألواح والكلم
393 جاسم محمد الصحيح (1384 ه -...) الأستاذ جاسم بن محمد بن أحمد الصحيح، شاعر أديب ولد في السعودية / الأحساء عام 1384 ه / 1964 م وأنهى دراسته في بلده حتى حصل على بكالوريوس هندسة ليعمل موظفا بشركة النفط، نظم الشعر منذ فتوته متأثرا بشعراء بلده والآخرين من البلدان العربية، وشعره حسن السبك وقد صدر له ديوان بعنوان: ظلي خليفتي عليكم. وما زال يواصل مشواره الأدبي الثقافي من خلال مشاركته في المنتديات والاحتفالات، حيث يعد من طليعة الشعراء الشباب في منطقته الأحساء. وله من قصيدة عنوانها: هدهد لظاك: هدهد لظاك.. إلى متى الغليان!!! * حمت بوهج جراحك الأزمان وتفجر التاريخ باسمك ثورة * تجري وراء ركابها النيران غضبان تقتحم العصور كأنما * يرميك من أحشائه بركان وأنا وراءك شعلة أبدية * في صدرها يتألق الإيمان أختال في النار التي كتبت على * عيني، أنك للقلوب جنان وأذوب في القبس المطرز جمره * بهواك حيث يقدس الذوبان يا حاطم الأوثان إن حطامها * اتحدت قواه وعادت الأوثان عادت ويا للويل أية عودة * في خطوها تتأنق الأضغان
394 ورسالة النور التي انطلقت على * كفيك تاه بمدها العنوان وبقيت أنت هواجسا قدسية * تشتاق لو غمر الحياة أمان تتواثب الأكفان فيك وإن تكن * نسجت لغير جلالك الأكفان وتهزك الأرض التي يقتادها * ظلم فلا يتمرد الدوران إيه أمير المتعبين... إلى متى * تبقى، وهم ضميرك الانسان ما زال يربطك الشقاء بأهله * عبر الهوى، ويشدك الحرمان أدمنت في عشق السماء كرامة * للأرض... بورك ذلك الإدمان وفتحت صدرك للشجون... وحسبها * ما عانقته بصدرك الأشجان هي صرخة النور استفاق سعيرها * في جانحيك فثارت الألحان وتوثبت فإذا الحياة ينيرها * نبض بروحك مبدع فنان ألقى علي ظلاله فترددت * بخطوطي الفرشاة والألوان وعلى انتفاضات التحرر في دمي * عكفت تقيم طقوسه الأوطان وتنفس المستضعفون فزج بي * ما بين أوردة اللظى طوفان واهتز في وكر الحروف على فمي * نسر وهرول في دماي حصان يا سيدي... أيهز سمعك صادح * بالشعر يزعم أنه كروان؟! أتطيب نفسك حين يورق مجمر * بالمدح فيك وينتشي فنجان؟! حاشاك إنك ما انطلقت قوادما * نوراء كي يزهو بك الطيران لكن لتسكب في الشموس صفائك * الأزلي حين يعوزها اللمعان حاشاك إنك ما انهمرت مواهبا * روحية ليحوطك العرفان لكن لتشربك النفوس فيرتوي * فيها الحمام ويظمأ الثعبان يا سيدي.. وكأنما انسلخ المدى * مما غرست، وأجهض الوجدان
395 هذي الحقيقة لا تزال عروقها * ظمأي يكاد يعقها الخفقان وتكاد تتهم الورود بحسنها * والنخل بالكرم الأبي يدان يا سيدي... هدهد لظاك فلم يكن * ليذيب من آلامنا الغليان ما دام يشجيك (ابن آدم) إن شكا * ألما وصودر من يديه حنان يا سيدي... والشعر أصلب ساعدا * من أن تكتف عزمه الأثمان الشعر أبعد في انطلاقه روحه * من أن تحاصر أفقه القضبان الشعر أنت أبوه في شرع الهوى * ومتى استساغ عقوقك الولدان؟!! الشعر ما برحت تؤج عروقه * بدماك حيث ترعرع القرآن والمتعبون أمانة أودعتها * بضميره وسيخسأ الخوان ستموت في الميلاد كل قصيدة * لم يكسها بشقائه عريان ستموت في الميلاد كل قصيدة * لم يرتجف في عمقها جوعان
396 شفيق العبادي (1385 ه -...) الأستاذ شفيق بن معتوق العبادي التاروتي القطيفي، أديب شاعر، ولد في القطيف عام 1385 ه / 1965 م، وتدرج في دراسته الأكاديمية حتى أنهى السنة التحضيرية في جامعة البترول والمعادن فعمل موظفا حكوميا وما يزال، وكان قد عمد إلى تقويم موهبته الشعرية فدرس الأدب والنحو والمنطق على بعض مشايخ بلده إضافة إلى قراءته وجهده الخاصين فاستوى شاعرا شارك بصورة بارزة في المنتديات والاحتفالات الأدبية في منطقته، وله أكثر من مؤلف غير مطبوع، كما أصدر له (منتدى الغدير الأدبي) كراسا شعريا عنوانه أجنحة الولاء، وما يزال يواصل شوطه الثقافي والشعري حيث يعد من طليعة الشعراء الشباب في منطقته القطيف. وله في أمير المؤمنين قوله: أقفر الغاب واستبيح العرين * والبطولات هزهن الحنين والبطولات هزهن لماضيك * مصير وواقع مطعون فاسقها أمك الطروب تغني * من جديد فيشرئب جبين فعصور ما شابها حلو ماضيك * حري بمثلها التأبين حيث ما زال رغم كل الجراحات * فتيا ما طرزته الغضون شاخص الطرف ما انثنى لجناحيه * شموخ ولا تراخت جفون
397 تتلاشى في راحتيه قرون * متعبات وتستجد قرون وتغط السنين ما بين كفيه * نياما وتستفيق سنين فهو قيثارة الخلود وكم ذا * أطرب الدهر من صداها رنين أيها المارد الذي زحم الاعصار * واجتاح عاديات الرياح والنشيد الذي أفاق عليه * بعد طول السبات درب الكفاح وتغنت به العصور ودوت * باسمه دولة الندى والسماح والطريق الذي مشته * ملهمات بنهجه الوضاح فجلا عن دروبها عتمة الزيغ * منيرا وانجاب ألف وشاح أيها الكوكب المغذ علوا * غاب حتى عن أعين اللماح كلما رمت أن أجليه معنى * ضاق عن شأوه الرحيب طماحي وإذا جئت أجتليه نشيدا * ألجمت قبضة الونى صداحي كيف يقوى على المسير كسيح * وبلوغ الذرى كسير الجناح كيف لي أن أرد اغفاءة الفكر * لترقى لكنهك الأفهام حيث أومى لها هواك فلبت * فلها بين ضفتيه مسقام إيه اشراقة الوصي ظمئنا * ولكم خوضت لنا أقدام وشربنا من نبعك الثر لكن * ما ارتوينا ولم يبل الاوام إيه اشراقة الوصي أطلي * ربما أدرك الصباح النيام ربما عادت الطيور لمغناها * وآبت لعشبها الأوهام وصحا مجد أمة شمخ * التاريخ فيها وكله إعظام
398 مهند جمال الدين (1385 ه -...) السيد مهند ابن السيد مصطفى ابن السيد جعفر جمال الدين. وهو نجل الشاعر الشهير الراحل السيد مصطفى جمال الدين (رحمه الله). ولد في العراق / الناصرية في العام 1385 ه / 1965 م. أتم دراسته الأكاديمية ونال الدبلوم من معهد التكنولوجيا في العام 1406 ه / 1986 م، وبعد الانتفاضة الشعبانية اضطر وباقي أسرته إلى مغادرة العراق حيث أقام في سوريا فترة غادر بعدها إلى إيران للدراسة في حوزتها العلمية في قم ولا زال. نظم الشعر وما زال مواظبا عليه حيث ساهم في الاحتفالات والمنتديات والملتقيات، كما أن له مساهمات في بعض المجلات والصحف العربية. وله من قصيدة مطلعها: خلود لا يواريه الزمان * وظل دونه صغر المكان وحد ضاقت الدنيا عليه * وغنت في معاليه الجنان لقد راحت تفديه أمان * يمور العطر فيها والدنان وألوت تجتني منه ثمارا * قوافي الحب والغرر الحسان فهل ترقى إلى نجم تسامى * حروف في حواشيها لدان؟! فهبني أنني قد قلت شعرا * وقولي لا يوازيه بيان وشعري دونه برق المواضي * قناة يزدهي فيها السنان فنار الشوق ترويها دموع * تصاعد في السماء لها دخان
399 وأبلغ ما حكينا ما سكبنا * وما يسمو عليها ترجمان " أبا حسن " تفاخر منك مجد * وذابت في روابيك الرعان وأنت تقارع الأيام صبرا * بقلب لم يلوثه الرهان ودرب قد سلكت فما تبالي * بأنك مفرد والكل بانوا وأوقعت الطلاق بها ثلاثا * فتاة في غوايتها حصان ولكن ضج من عادت إليه * تراقص حوله وهي افتتان تريه من مقالتها جمانا * وخزي في حشاها لا الجمان ويا لله قوما قد تناسوا * حديثا لم يحد عنه جنان وفي سلب الحقيقة من ذراها * خداع.. لا يدوم له كيان فإن عادت تدني من بنيها * لمسعاها فما كانت وكانوا فهذا " سيف حيدرة " تلالا * أخوه الحق والصبح المصان كلا الحرين ما عرفا ظلاما * ولم يمسسهما ليل مهان " أبا حسن " وبعضي شد بعضي * " لربع " هام فيه الأرجوان حواليه المغاني راقصات * واشذاء الزهور له قيان وفي ذوب الأصيل لقد تسامى * فؤاد يقتفيه الأفعوان هناك - على الفرات - البدر يسطو * لينهب آهة فيها يزان وتعرف " دجلة " النغم المفدى * لتلهو حولها الغيد الحسان " أبا الحسنين " عذرا إن وشى بي * خيال عنده شاخ الزمان فذاك لأنني فرد غريب * وقلبي بالرزايا مهرجان تباعد عن رؤى عيني جاء * وتاه على مسافاتي الأمان وإني كلما ذكرت بلادي * يراق الدمع مني والحنان
400 نزار سنبل (1385 ه -...) الشيخ نزار بن محمد بن شوقي سنبل، شاعر أديب وفاضل كاتب، ولد في القطيف / السعودية عام 1385 ه / 1965 م، وهناك نشأ ودرج وفيها بدأ دراسته الأكاديمية لكنه لم يكد يبلغ الثانوية حتى انصرف عنها إلى الالتحاق بالحوزة العلمية في قم المقدسة عام 1401 ه فبقي بها مدة ثم غادرها إلى القطيف فسوريا فالنجف الأشرف عام 1406 ه حيث واصل فيها دراسته على أيدي أساتذتها حتى انتفاضة شعبان عام 1411 ه حيث التحق بعد سنتين منها بالحوزة العلمية في قم المقدسة للمرة الثانية وما يزال يواصل دروسه على أيدي علمائها ومراجعها، إضافة إلى نشاطه الأدبي من خلال الندوات والاحتفالات والملتقيات في بلده ومهجره على حد سواء، وما يزال يرفد الحركة الثقافية بنتاجاته، كما تربطه بإخوانه الشعراء علائق خاصة، وله أكثر من مؤلف مخطوط، ويعد من طليعة الشعراء الشباب في منطقته. وله من قصيدة قوله: لملمت ثوبها الجريح وراحت * نحو شاطي الأمان تنشد ظلا وأفاقت من سكرها وهي جرحى * أرهقتها السنون قيدا وثقلا طأطأت رأسها العزيز حياء * واستكانت في كبريائك خجلى فغدت تمطر الدموع حرارا * ترتجي من علاك عطفا ونبلا
401 فأبت نفسك الكريمة أن تعقب * من حار في مداها وضلا أنت عودتها السباق إلى كل * الذي تحتوي المكارم فضلا منذ فجر الميلاد يتبعك المجد * هياما في ذات قدسك جلا والزهور البيضاء تمنحك العشق * وترفو إليك ثوبا ونعلا وشراب الرسالة الطهر يملأ * كأسك الغض بالضياء فيملى حضنتك الأملاك طفلا نقيا * واستراحت لوهج عينيك كهلا ونشيد (الغدير) آيتك الكبري *، بلحن الخلود تفتر جذلى كنت فيهم تموج النور في الليل *، وشأن الضياء أن يتجلى عاهدتك الوفاء أمس ولكن * قد تراخت أنامل الحقد جهلا فاتخذت المسار للنجم تعلو * وهوت للتراب تخلد ذلا وبلغت المرمى فما أنت إلا * وهج النور في السماء تجلى والمدار الرحيب والعلم المنشور * شدت به الفراشات حبلا هومت في مداه كل قوافينا * وذابت حروفنا الخضر خجلى عفو عينيك إن أضر بي البوح * ورفت قيثارة الحب عجلى إن بي سكرة المحبين ظمأى * للقاء هامت به الروح وصلا أيها المنهل الزلال حنانا * بسواق عطشى فبالوجد تصلى رونا من سناك ما نتملى * واسقنا من هداك علا ونهلا وله أيضا: أيها الشعر يا شعاع البدور * أنت لحن تشف يوم الغدير فأرسل الشدو زغردات هيام * دغدغ السحر في ثغور الحور ته على الأفق إن لحنك وحي * سكبته السما لتاج الأمير
402 مرحبا بالغدير نغمة حب * لثمالى هواك رمز العصور رجعتها الدهور تبعث عزما * وولاء يثير وحي الشعور ذكري الحفل يا مشاهد خم * فلسفي موقف الرسول البشير يوم أرض الغدير تنفث نارا * وذكاء السماء جمر السعير لغة العطف والحنو ارتداها * أم لأمر أتاه جد خطير أجل الطرف يا حسود علي * تلمح الحق كالشعاع المنير نسجته يد الإله وشاحا * نضدت دره بجيد الدهور سكبت آية الولاية نورا * أرسلت للقلوب يوم هجير من تولاك يا علي المصفى * سوف يختال في نعيم القصور لهب الحب قد نهلناه شهدا * وسقينا رحيقه للصغير وسقينا بفضل حبك جمرا * فارتشفناه سلسلا من نمير وله أيضا: إذا وقعت فتنة بينهم * فلست ألوذ بغير الأمير حماه حماه إله الورى * وألقى عليه كساء المجير ولو كنت في لهوات العذاب * لخلصني من هوان السعير فكيف بهذا البلاء القليل * أليس يكون الأمير نصيري أبا حسن جربتك الدهور * فكنت المجير بمر الدهور
403 محمد الشويلي (1387 ه -...) الأستاذ محمد الشويلي، أديب شاعر وصحفي إذاعي، ولد في بغداد - العراق عام 1387 ه / 1967 م، وأكمل دراسته الاعدادية فيها ثم تخرج من معهد التكنولوجيا، وله نشاط أدبي ثقافي ملموس مع أقرانه الأدباء الشباب في وطنه ثم في الجمهورية الاسلامية في إيران حيث هاجر إليها إثر الانتفاضة الشعبانية المجيدة فواصل شوطه في المجال الثقافي الاعلامي للمعارضة الاسلامية العراقية كما ساهم إلى جانب إخوته الأدباء في المنتديات والاحتفالات والإصدارات، وهو الآن إلى جانب ذلك أحد طلبة العلوم الدينية في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة وموظف في إحدى مؤسسات التحقيق إضافة إلى مسؤوليته في إحدى إذاعات المعارضة الاسلامية، وله أكثر من مجموعة شعرية مخطوطة كما له مسرحية شعرية ممثلة في العراق. وله من قصيدة " عرس الغدير " قوله: أي حرف وسط الصحارى يقال * خبأته عيونها والرمال كلما أبدت الأعاصير كفا * لتنال الأحلام منه، تغال كم رماه الوشاة في سكرة القلب * فأوقعت أقواسهم والنبال إنها أحرف الغدير فمت يا * ظمأ الحرف، واستفق يا زلال ما لوتها القيود في ساحة أو * شنقت زهوها الملث الحبال
404 خضبتها الدماء عرسا كريما * وأجن العشاق منه الوصال يطأ الجرح وهو مأتم حزن * فيصحيه والنزيف احتفال هب مما صداه أفق نؤوم * وخيول يندى بها التصهال كلما تصدأ السيوف يجليها * بماء من الغدير الرجال يا شفاه الغدير ضمي جريحا * بين عينيه غربة وسؤال ليس آه الغريب إلا حرابا * عثرة في ضلوعه لا تقال شب من جانحيه ثورة عشق * وسرى في تأريخه الآمال فرأى ذلك الغدير احتفالا * يتهاوى في ضفتيه المحال غارقا في الضياء يقتحم الوجد * وللعزم في رؤاه اشتعال إنه العيد حيث يعقد في البيد * فيحكيه في السما كرنفال حفرت أوجه الشعاب خطى الركب * فغاصت بالعشق حتى الرمال وحريق للقيظ يضرى فبرد * من نسيم الهوى به ينشال شهد النخل عرسه فتشظى * من ذؤابات سعفهن النصال وعلى منبر المتاع تجلى * صوته الغض يرتديه الجمال أطلق الحرف وهو يحتضن التأريخ * كبرا، فتهزم الأغلال قال هذا الوزير، طأطئ خشوعا * أيها الكون، واركعي يا جبال إنه مشعلي المضئ دجاكم * فاسلكي خلف ضوئه يا رعال كلما اشتدت العواصف فيكم * خبأتكم جفناه، فهو ثمال إنه غرسة الهدى فتوضي * بشذاذ الطهور، يا أجيال هكذا قال والمدى الرحب عرش * زان أركانه العلى والجلال فتهادى الحشود مثل خيوط * النمل في ضوء حبه يختال
405 ها هو الصبح يا عيون محبيه * فموتي بالليل يا عذال حيث يسري قوافلا تنثر المجد * فيتلو نشيدها الأرتال أنت أبصرت دمعنا ودمانا * يا وصي النبي كيف تسال سلن قربى لضوء عينيك لما * هب يطفي بريقه الأنذال رفرفت للغدير مثل طيور * شاقها عن أقفاصها الارتحال فوق إشراقة المنابر غنت * لتصلي في روحها الآجال أرضعتها عيون فكرك دربا * أحمديا يتيه فيه الضلال فاحتضنها، شد المسارات فيها * إن تمت يرضع الهوى الأطفال أو تقطع على المقاصل كبرا * ستضج العروق والأوصال تمنح الأرض لونها الأروجواني * لتصحو سهولها والجبال هو حرف النبي قيل فلا * بد لكي يبلغ العصور المقال نسكب الدمع والدماء عصورا * وغمارا يخوضه الأبطال يا وصي النبي عقبك، ألف * مر، والعرس شاخصا لا يزال فحروف الولاء في كل أرض * خبأتها عيونها والرمال
406 عبد المجيد فرج الله (1388 ه -...) الشيخ عبد المجيد ابن الشيخ عبد الحميد ابن الشيخ خلف آل فرج الله الجزائري المار ذكر بعضهم في هذا الكتاب، شاعر أديب وكاتب مؤلف، ولد في سنة 1388 ه / 1968 م من أسرة علمية أدبية ودرس حتى الثانوية ثم انضم إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف عام 1402 ه لكن الظروف السياسية المعروفة في العراق عاقته عن انتظام دراسته الدينية والأكاديمية فواصل الأولى على فترات حتى انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ولما اندلعت الانتفاضة الشعبانية في العراق عام 1411 ه شارك فيها ثم هاجر إثرها إلى إيران حيث مارس إلى جانب دراسته الحوزوية في قم المقدسة، العمل الإذاعي والصحفي، وله كتب أغلبها مخطوط أما المطبوع منها فديوان واحد ومجموعة قصصية، كما اشترك مع الأستاذ الأديب فرات الأسدي في تأليف الجزء الأول من موسوعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله في الشعر العربي، وهو الآن مشتغل بالدراسة الدينية والخطابة الحسينية إضافة إلى مشاركته في الاحتفالات والندوات الأدبية والثقافية ويعد من طليعة الشعراء الشباب. وله في أمير المؤمنين قوله: تسائل عنك مطلعك البدور * وليس سوى ضياك لها ينير وتبحث عنك لاهثة رؤانا * فيظمأ من تلهفها الغدير
407 تود لو أنها عاشتك عمرا * لتعبر منه رؤيتك الطهور تلفع وجه أمسك بالضحايا * لتمنع عنك أفئدة تطير وما هو غير قبلتنا وأنا * فراش قد دعاه إليه نور ربيعك مفعم والكون طاو * على بؤساه ما فتئت تجور ولو يسمو إلى عينيك منه * بمحض حنينه الوجد الكسير بفيض سناك تنعتق الدهور * فتزهر نجمة ويفيق نور وينزل من سماك الطهر حلم * يداعب أعينا ولهى تدور ويعشب منحر ويضوع نزف * ويخضر الأنين المستجير وتحيا كل قافية موات * فتزكو إذ يفيض بها الشعور وقوله أيضا: على أعتاب وجهك أمنيات * ترفرف في شواطئها الحياة يدور على وجوه النجم حلما * سماويا فترنو الكائنات تسائل في حنايا الكون من ذا * وكيف له تهد الراسيات يجيب الكون ذلكم علي * بقبته تضوعت الصلاة تحسست الجراح زفير وجد * فأذهلها اللقا والهمهمات رأتك تجوب هذي الأرض تحنو * على الباكين ما لهم حماة تلامس كل عين ليس تغفو * وقد لف الأناسي السبات
408 حبيب محمود (1388 ه -...) الأستاذ حبيب آل محمود القديحي، شاعر أديب ولد في القطيف عام 1388 ه / 1968 م، ونشأ وترعرع فيها متأثرا بأجوائها الثقافية والأدبية حيث أكمل شوطا من دراسته وهو في غمار ذلك يحرص على القراءة الذاتية والتثقيف الشخصي فترعرعت فيه الملكة ونضجت يساعده في ذلك شغفه بالتراث ثم المعاصرة، ويوجهه أستاذه الأديب السيد حسن أبو الرحي الذي يعترف له بأبوته الأدبية ورعايته، وهو يواصل الآن نشاطه الأدبي في الاحتفالات والمنتديات، وله أكثر من مؤلف مخطوط في الشعر وغيره. وله من قصيدة: أتيتك في إثر القوافي النواضر * فهل في جداكم فيض إلهام شاعر أعرني من معناك ومضة بارق * وهبني من رياك نفثة ثائر فقد جف في كفي اليراع وشط بي * خيالي وتاهت في مداك خواطري وبت وأسفار اللغى بين وارد * وآخر لا يغني عن الري صادر معاد معان لا يبل بها الصدى * وسفسطة في نافر بعد نافر فكيف أغني والشحارير لم تدع * لمثلي لحنا عبقري التواتر تساميت عن هذي وتلك محلقا * بقدسك عن مستورها والسوافر فيا مبدأ لم يتئد لمساوم * ويا همة لم تنقطع لمساير
409 ويا سورة من محكم الخلد آيها * تراقص إرغاما لكل مناظر عجبت لقوم زايلوك ضلالة * فعاثوا بدين الله عيث مخاطر وزجوا بها زجا لقوم لو انتهوا * لغايتهم ما عدلوا ريش طائر فكيف... وقد كنت الوصي وكلهم * عليم بخم والوصايا العواطر على غر آيات تغنت صريحة * بكل سني من خلالك ظاهر وكنت - وقولي فيك تحصيل حاصل - * كتابا تهادى كل سطر بساحر وتاريخ بذل لا ينافسه المدى * وليس يداني حمده شكر شاكر وكفا كست عاري العقيدة بالظبا * وكانت لها أحمى حمي وخافر ولكنه " تدبير ليل " تألبت * عليه قلوب زائغات البصائر تولاه منهم جاهلون تلاعبوا * بقدرك، شأن الحاقد المتناحر فلله ما أحلاك في بردة الأسى * وقد قرنوا قرما لتلك النظائر فلما تأنت واستمالك ضرعها * تساميت عنها، غير عاب بزاجر فباتت على كتفيك مملكة الورى * وكفك منها صافر أي صافر ولم تلق بالا في بنيها بأنهم * ذوو شرف سام وآخر صاغر لتشرق فجرا في نفوس كبت بها * صروف الليالي في ضباب المصائر فسجلت في صفحات عمرك سيرة * تبز شعاع الصبح، لاح لساهر فلله ما أبهى محياك مشرقا * تخايل في مغناك حلو المفاخر وكيف... وقد غذاك منهل أحمد * نميرا من العلياء عذب المصادر فربيت نفسا ما اشرأبت لبارق * ولم تتجنب غير ذام المعاير إلى أن طوت سفر الحياة وأغمضت * عيون إباء، ما استهامت بساحر فعش يا أبا السبطين في كنف المدى * سجل خلود رائع المتن ظاهر
410 وشمس هدى لا يبلغ الدهر شأوها * ويسقط عن إدراكها كل طائر وأمثولة في موكب المجد غضة * تفسر للأجيال آي المفاخر طواها خضم الدهر في معجم الردى * ولكنها لما تزل في الضمائر
411 علي الفرج (1391 ه -...) الشيخ علي بن عبد الله الفرج القطيفي، شاعر أديب فاضل، ولد في القطيف عام 1391 ه / 1971 م، وفيها نشأ ودرج حتى أنهى دراسته الثانوية - الفرع الأدبي، ثم التحق بالحوزة العلمية عام 1410 ه في النجف الأشرف ثم سوريا ثم قم المقدسة حيث ما يزال يحضر دروسه على أيدي أساتذتها وعلمائها، إضافة إلى نشاطه الأدبي المميز من خلال الندوات والاحتفالات في بلده ومهجره على حد سواء، وما يزال يرفد الحركة الثقافية بنتاجاته، كما تربطه بإخوانه أدباء الهجرة علائق خاصة، وله أكثر من مؤلف مخطوط ومجموعة شعرية لم تطبع بعد، كما يعد من طليعة الشعراء الشباب في منطقته القطيف. وله بعنوان: " دم العشق " قوله: نبضات قلبك للحياة حياة * وحروف ذكرك للهدى صلوات ونمير نهجك واحة رقراقة * ترسو على شطآنها الآيات وغدير خمك لم يزل متفايضا * تمتد من جنباته الكاسات وعلى سبيلك ألف ذكرى ترتمي * حلما فتحضنها لك السنوات وكتبت قصتك التي نحتت على * جيد الحياة فأحسن النحات قد وقع الرحمن تحت سطورها * إن الخلود لمثل ذاتك ذات سجدت لك الأيام تنفض جنحها * وتقول قد نفخت علي حياة وشربت من خمر الولاية رشفة * فتمايل الأحياء والأموات وتردت الدنيا بفضلك فانثنت * حسدا لوافر حظها الجنات
412 وتلاقفت مغناك أفئدة العلى * فعلوت حتى مدت القربات يا سيدي عذرا وتجفل أحرفي * وعلى شفاهي ترجف الكلمات ويزيغ قرطاسي حياء والرؤى * تجثو ومن حسراتها تقتات فسكبت من قلبي مدادا عاشقا * وقسي أضلاعي إليه دواة وفرشت من جلدي لأكتب فوقه * حبا تذوب بجانبيه رفات ونثرت أهدابي لأنقش حرفه * ولفظت أوردتي لها القبلات وله أيضا: رسمناك صبحا فوق أعيننا أغفى * وإن جفت الدنيا غديرك ما جفا كتبناك حرفا لو قرأنا بطونه * قرأنا به التوراة والذكر والصحفا نحتناك تمثالا وصغناك معبدا * نخوض الهوى دينا نصلي له صفا فلو كنت شمس الحب كنا شعاعها * ولو كنت جرح الحب كنا له النزفا أيا رمل خم كم سكبت على السما * نشيدا وودت لو تكون لك العزفا تحنن على أرواحنا وارو قصة * الأقاصيص يا ما كان.. يا حلما رفا أتذكر كيف الشمس تصلي جباههم * وقد وقف السلطان يوفي كما وفى وقد صعد العرش الرفيع وما انتهت * حكاياه إلا الكف قد رفع الكفا نسير بدنيا راحتيك قوافلا * نسير إلى عينيك نستمطر العطفا أجل ها وصلنا للشواطي فأبحرت * مراكبنا العطشى وجنت بها غرفا ومجدافنا الميمون أهدابك التي * تفيض سنا تحلو هدى تستهى لطفا علي وما همس الغرامات خلسة * بأعذب من حرف وأعذب به حرفا وأنى خيالات العذارى بتولة * تدانيه طهرا وهو أصفى من الأصفى وأين ارتعاشات الشموس لنوره * وأين الذي يطفا لمن هو لا يطفا
413 مختارات مما قيل في أمير المؤمنين (عليه السلام) من النثر
415 المقدمة من الاجحاف وعدم الإنصاف أن نستدل على فضل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم، وهم الذين لولا جهاده وجهوده، وآثاره العظيمة لكانوا في طي النسيان، وعالم الإهمال، وما قيمة ما ذبحته يراعاتهم، أو تفتح فرائحهم في فضله، بعد قوله سبحانه وتعالى في مجمم كتابه المجيد، مخاطبا إياه ب * (يا أيها الذين آمنوا) *. عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " ما أنزل الله آية في القرآن * (يا أيها الذين آمنوا) * إلا وعلي شريفها وأميرها " وقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) له - يا علي وما عرفك إلا الله وأنا - ناهيك في ذلك شرفا وفخرا ومجدا. نعم إيراد تلكم الكلمات من هؤلاء الأعلام تعطينا صورة مشرقة وصادقة عن إكبار المؤالف والمخالف لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهيام الجميع بحبه، واعترافهم بفضله حتى من الحاسدين له. وقد استعرضنا بعض كلمات الصحابة والتابعين والعلماء العظماء وانتخبنا النزر اليسير منها لكثرتها فهي في الحقيقة فوق الحصر، فلا يوجد كتاب في التاريخ الإسلامي، أو التراجم والسير إلا واسم علي ابن أبي طالب في الصدارة، وكل فضيلة لأحدهم إلا وهو عيال عليه. وقد آثرنا الاختصار وعدم تراجم الذين ذكرنا كلماتهم لأنهم أعلام، ومن ارفته متباعدة وحسنويات مختلفة. هذا ما لزم بيانه والله المسدد للصواب. حسين الشاكري
417 كلمة الخضر عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتجت الموضع بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاء رجل باك وهو مسرع ومسترجع، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين صلى الله عليه، فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله عز وجل، وأعظمهم عناء، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله وأشبههم به هديا ونطقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن المسلمين خيرا، قويت حين ضعف أصحابه وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ هم أصحابه، وكنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع بزعم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين، فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله عز وجل حين وقفوا، ولو اتبعوك لهدوا، [و] كنت أخفضهم صوتا وأعلاهم قنوتا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم منطقا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم قلبا وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور، كنت والله للدين يعسوبا، وكنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا،
419 وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، وكنت على الكافرين عذابا صبا، وللمؤمنين غيثا وخصبا، فطرت والله بعنانها، وفزت بجنانها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها لم تفلل حجتك ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن. كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنت - كما قال النبي - ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله عز وجل، كبيرا في الأرض جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مغمز ولا لأحد عندك هوادة القوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والبعيد والقريب عندك في ذلك سواء شأنك الحق والرفق والصدق وقوك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعز فبما فعلت وقد نهج السبيل وسهل العسير وأطفأت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان، وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا، كنت للمؤمنين كهفا وحصنا وعلى الكافرين غظه وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك. وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى وأبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم طلبوه فلم يصادفوه.
420 حجر بن عدي يؤبن الإمام فلما أصبح الإمام بعد الضربة، استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدخول عليه، فدخلوا وأقبلوا يسلحون عليه وهو يرد السلام، ويقول: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني وخففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم!! فبكى الناس بكاء شديدا، وأشفقوا أن يسألوه تخففا عنه، فقام إليه حجر بن عدي وقال: فيا أسفي على المولى التقي * أبي الأطهار حيدرة الزكي قتله كافر حنث زنيم * لعبن فاسق نغل شقي إلى آخر أبياته، فلما يصريه الإمام وسمع شعره قال له: كيف بك إذا دعيت إلى البراءة مني؟ فما عساك تقول؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إربا إربا، واضرم لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك؟؟ فقال (عليه السلام): وفقت لكل خير يا حجر، جزاك الله عن أهل بيت نبيك. مرثية صعصعة بن صوحان ذكر ابن أبي الحديد إن صعصعة بن صوحان العبدي رثا أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) بهذه الأبيات: ألا من لي بأنسك يا أخيا * ومن لي إن ابثك ما لديا؟
421 طوتك خطوب دهر قد تؤتى * لذاك خطوبة نشرا وطيا فلو نثرت قواك إلى المنايا * شكوت إليك ما صنعت اليا بكيتك يا علي بدر عيني * فلم يفن البكاء عليك شيا كفى حزنا بدفنك ثم إني * نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عضاة * وأنت اليوم أوعظ منك حيا فيا أسفي عليك وطول شوقي * ألا لو أن ذلك رد شيا وانتظم الإيمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام، بك اشتد ظهر المؤمنين، واتضحت أعلام السبل، وأقمت السنن، وما جمعت لأحد مناقبك وخصالك، سبقت إلى إجابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقدما مؤثرا، وسارعت إلى نصرته، ووقيته بنفسك، ورميت بسيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كل ذي بأس شديد، وذل بك كل جبار عنيد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى، فهنيئا لك يا أمير المؤمنين، كنت أقرب الناس من رسول الله قربى، وأولهم سلما، وأكثرهم علما وفهما، فهنيئا لك يا أبا الحسن، لقد شرف الله مقامك، كنت أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسبا وأولهم إسلاما، وأوفاهم يقينا، وأشدهم قلبا، وأبذلهم لنفسه مجاهدا، وأعظمهم في الحير نصيبا. قال صعصعة بن صوحان: الولي التقي، الجواد الحيي، الحليم الوفي، الكريم الخفي، المانع بسيفه، الجواد بكفه، الوري زنده، الكثير وفده، الذي هو من ضئضئي أشراف أمجاد ليس بأقعاد ولا أنكاد، ليس في أمره ولا في قوله فند، ليس بالطايش النزق، ولا بالرايث المذق، كريم الأبناء، شريف الآباء، حسن البلاء، ثاقب السناء، مجرب مشهور، وشجاع مذكور، زاهد في الدنيا، راغب في الآخرة.
422 خطبة الإمام الحسن وتأبين أبيه وبعد الانتهاء من تجهيز أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنه رجع أولاده إلى الكوفة، ولم يشعر بهم أحد، فأمر الإمام الحسن (عليه السلام) بتقديم ابن ملجم اللعين وقتله ضربة بضربة وهجم الناس على جيفته فمزقوها وأحرقوها. فدخل الإمام الحسن وأخيه الحسين وبقية إخوته وآل أبي طالب وشيعتهم المسجد واعتلى المنبر، وعليه ثياب الحزن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوجهه برايته، فبكفيه جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه، ولقد توفي في الليلة التي نزل فيها القرآن، وعرج فيها بعيسى بن مريم، والتي فيض فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطيته أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس.
423 ضرار بن ضمرة الكناني يقول ضرار بن ضمرة الكناني - وهو من معاصري أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين أرغمه معاوية على أن يقول في علي (عليه السلام) ما يرى - فقال: " كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله ". واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم (1) ويبكى بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري أإلي تعرضت، أم إلي تشوقت هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية وكفف دموعه على لحيته ما تملكها، وجعل بنشفها بكمه وقد اختنق العوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
(1) السليم الملسوع من سم الأفعى. 424 قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا ترفأ عبرتها، ولا يسكن حزنها. (1) أبو بكر قال أبو بكر يوم غدير خم لما بايعه، أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. عمر بن الخطاب قال مخاطبا أمير المؤمنين (عليه السلام). في مسألة قسمة بيت المال: " يا أبا الحسن، لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا لبلد لست فيه ". وقال أيضا: " أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ". وله غير ذلك كثير. وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. وقال أيضا: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
(1) صفوة الصفوة: 1 / 315 تذكره الخواص: 70 أعيان الشيعة: 7 / 404. 425 وقال أيضا: لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر. وقال أيضا: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب. وقال أيضا: علي أقضانا. وقال أيضا: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب. عثمان بن عفان قال عثمان بن عفان: لولا علي لهلك عثمان. ابن مسعود قال عبد الله بن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى المدينة علي بن أبي طالب. ابن المسيب قال سعيد بن المسيب: ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب.
426 سعد بن أبي وقاص قال سعد بن أبي وقاص لمعاوية لما سأله: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاث قالهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "، وسمعته يقول له يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله "، فتطاولنا إليها، فقال: " ادعوا عليا ": فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، وأنزلت هذه الآية: * (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) * دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". زيد بن أرقم قال زيد بن أرقم: أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب.
427 الحسن بن علي خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه. عائشة قالت عائشة: ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه. وقالت أيضا: أما إنه لأعلم الناس بالسنة. أبو سعيد الخدري قال أبو سعيد الخدري: كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا.
428 قيس بن سعد بن عبادة قال قيس بن سعد بن عبادة لمعاوية بن أبي سفيان: أن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى الجن والإنس، والأحمر والأسود والأبيض، اختاره لنبوته، واختصه برسالته، فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأبو طالب يذب عنه ويمنعه، ويحول بين كفار قريش وبين أن يردعوه أو يؤذوه، وأمره أن يبلغ رسالة ربه، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب، وأمر ابنه بمؤازرته، فآزره ونصره، وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك عليا من بين قريش، وأكرمه من بين جميع العرب والعجم. ونعم ما قال الشاعر: ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا وقاما فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع بني عبد المطلب، منهم أبو طالب، وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلا، فدعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخادمه علي، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجر عمه أبي طالب فقال: أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي؟ فسكت القوم، حتى أعادها ثلاثا، فقال علي: أنا يا رسول الله (صلى الله عليك)، فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه، وقال: اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما، ثم قال لأبي طالب: يا أبا طالب أسمع الآن لابنك وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى،
429 وآخى صلى الله عليه وآله بين علي وبين نفسه. ابن عباس قال عبد الله بن عباس لقوم يتناولون عليا: ويحكم أتذكرون رجلا كان يسمع وطأ جبرئيل (عليه السلام) فوق بيته، ولقد عاتب الله أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن ولم يذكره إلا بخير. وقال أيضا: أعطي علي (رضي الله عنه) تسعة أعشار العلم، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي. وقال أيضا: لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: وهو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي كان لواءه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فر غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره. عبد الله بن عمر قال عبد الله بن عمر لنافع بن الأزرق - لما قال: إني أبغض عليا - أبغضك الله، أتبغض رجلا سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها. وقال أيضا: ما كنت آسى على شئ إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية.
430 سعيد بن العاص قال سعيد بن العاص: أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب. معاوية كان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام. فقال له: دعني عنك. جابر بن عبد الله قال جابر بن عبد الله الأنصاري: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب (عليه السلام).
431 ضرار قال ضرار بن ضمرة الكناني لما طلب منه معاوية أن يصف له عليا: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبئناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت، أم إلي تشوقت هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن
432 حزنها. القعقاع قام القعقاع بن زرارة على قبره فقال: رضوان الله عليك يا أمير المؤمنين، فوالله لقد كانت حياتك مفتاح الخير، ولو أن الناس قبلوك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم غمطوا النعمة، وآثروا الدنيا. الحسن البصري قال الحسن البصري: كان والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسرقة لمال الله، اعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، وذلك علي بن أبي طالب. عطاء سئل عطاء: أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من علي؟ قال: لا والله لا
433 أعلمه. عبد الله بن عياش قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة لسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص - لما سأله: يا عم لم كان صفو الناس إلى علي؟ - قال: يا ابن أخي إن عليا كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة والقدم في الاسلام، والصهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والفقه في السنة، والنجدة في الحرب والجود بالماعون. عامر بن عبد الله بن الزبير قال عامر بن عبد الله بن الزبير لابن له ينتقص عليا: يا بني إياك والعودة إلى ذلك، فإن بني مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عاودت على ما بنت فهدمته. محمد بن أبي بكر كتب محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة إلى معاوية بن أبي سفيان: فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وأبن عمه علي بن أبي
434 طالب، صدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول، وحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار، والخوف والجزع، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة وأفضل الناس ابن عم، وأخوه الشاري بنفسه يوم هجرته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن حوزته.. فكيف يا لك الويل تعد نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه، وأبو ولده، أول الناس له اتباعا وأقربهم به عهدا، يخبره بسره ويطلعه على أمره. الشعبي قال الشعبي: كان علي بن أبي طالب في هذه الأمة مثل المسيح بن مريم في بني إسرائيل، أحبه قوم فكفروا في حبه، وأبغضه قوم فكفروا في بغضه. وقال أيضا: كان أسخى الناس، وكان على الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال: لا لسائل قط. عمر بن عبد العزيز قال عمر بن عبد العزيز: ما علمنا أن أحدا من هذه الأمة بعد رسول
435 الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أزهد من علي بن أبي طالب، وما وضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. معاوية بن يزيد خطب معاوية بن يزيد بن معاوية على المنبر فقال: ألا إن جدي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره، لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعظم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدرا، وأشجعهم قلبا، وأكثرهم علما، وأولهم إيمانا، وأشرفهم منزلة، وأخوه، زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة، وجعله لها بعلا باختياره لها، وجعلها له زوجة باختيارها له، أبو سبطيه سيدي شباب أهل الجنة، وأفضل هذه الأمة، تربية الرسول، وابني فاطمة البتول، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية، فركب جدي معه ما تعلمون، وركبتم معه ما لا تجهلون. أبو قيس الأودي قال أبو قيس الأودي: أدركت الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون عليا، وأهل دنيا يحبون معاوية، وخوارج.
436 ابن شبرمة قال ابن شبرمة: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر سلوني غير علي بن أبي طالب. ابن إسحاق قال ابن إسحاق: أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين. سفيان بن عيينة قال سفيان بن عيينة: ما بنى علي (رضي الله عنه) لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. الأحنف بن قيس قال الأحنف بن قيس لمعاوية: لله در ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما
437 لم تسمح به أنت ولا غيرك. خالد بن معمر قال خالد بن معمر لمعاوية - لما سأله: على ما أحببت عليا؟ قال: على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وعلى صدقه إذا قال، وعلى عدله إذا حكم. ثابت بن قيس بن شماس قال له ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري بعد ما بويع (عليه السلام) بالخلافة: والله يا أمير المؤمنين لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس لقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون وما احتجت إلى أحد مع عملك. خزيمة بن ثابت قال خزيمة بن ثابت الأنصاري - ذو الشهادتين - بعد ما بويع (عليه السلام) بالخلافة:
438 يا أمير المؤمنين ما أصبنا لأمرنا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك لأنت أقدم الناس إيمانا، وأعلم الناس بالله، وأولى المؤمنين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لك ما لهم وليس لهم ما لك. مالك الأشتر قال مالك الأشتر بعد ما بويع (عليه السلام) بالخلافة: أيها الناس هذا وصي الأوصياء، ووارث الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن العناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان ورسوله... الخ. أنس بن مالك سئل أنس بن مالك من كان آثر الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رأيت؟ قال: ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب، إن كان يبعث في جوف الليل إليه فيستخلي به حتى يصبح، هذا كان له عنده حتى فارق الدنيا. وقال: ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: يا أنس تحب عليا؟ قلت: والله يا رسول الله أني لأحبه كحبك إياه. فقال: " أما إنك إن أحببته أحبك الله، وإن أبغضته أبغضك الله وإن أبغضك الله أولجك النار ".
439 أم سلمة قالت أم سلمة: والله إن علي بن أبي طالب لعلى الحق قبل القوم، عهدا معهودا مقضيا. أحمد بن حنبل ولقد كانت كل هذه الفضائل لعلي بن أبي طالب، وأثرت عنه بما صح أن يقال: إنه ليس لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله. أخرج السلفي في الطبوريات، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: اعلم أن عليا كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له. الخليل بن أحمد الفراهيدي استغناؤه عن الكل، واحتياج الكل إليه، دليل على أنه إمام الكل.
440 ابن سينا وله في أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: علي بين الناس كالمعقول بين المحسوس. الخواجة نصير الدين الطوسي علي أعلم الناس بعد الرسول، وأعبدهم وأفصحهم، وأحكمهم رأيا، وأحفظهم لكتاب الله وإجراء أحكامه، وألصقهم بهديه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد مماته، ومحبته واتباعه واجبان، ورتبته مساوية لرتبة الأنبياء، وهو النبع الفياض الذي طالما اغترف منه المغترفون. الزمخشري ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حقدا وحسدا، وأولياؤه خوفا فظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين.
441 محمد بن إسحاق الواقدي ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب. الفخر الرازي ... ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه. الشيخ بهاء الدين العاملي هو الفتى الذي ما شئت فقل في مقامه، إلا ما قاله النصارى في المسيح (عليه السلام)، وكيف لا يكون كذلك وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فهو أمل الناس، وأعظمهم، وأطهرهم سلالة. السيد عبد الحسين شرف الدين كان الإمام يتحرى السكينة في بث النصوص عليه، ولا يقارع بها خصومه احتياطا على الاسلام، واحتفاظا بريح المسلمين، وربما اعتذر عن سكوته وعدم مطالبته - في تلك الحالة - بحقه فيقول: لا يعاب المرء بتأخير حقه، إنما يعاب من
442 أخذ ما ليس له، وكان له في نشر النصوص عليه طرق تجلت الحكمة فيها بأجلى المظاهر ألا تراه ما فعل يوم الرحبة إذ جمع الناس فيها أيام خلافته لذكرى يوم الغدير، فقال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول يوم غدير خم ما قال، إلا قام فشهد بما سمع، ولا يقوم إلا من رآه؟ فقام ثلاثون من الصحابة فيهم اثنا عشر بدريا، فشهدوا بما سمعوه من نص الغدير، وهذا غاية ما يتسنى له في تلك الظروف الحرجة بسبب قتل عثمان، وقيام الفتنة في البصرة والشام، ولعمري إنه قصارى ما يتفق من الاحتجاج يومئذ مع الحكمة في تلك الأوقات، ويا له مقاما محمودا بعث نص الغدير من مرقده، فأنعشه بعد أن كاد، ومثل لكل من كان في الرحبة من تلك الجماهير موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خم، وقد أخذ بيد علي فأشرف به على مئة ألف أو يزيدون من أمته، فبلغهم أنه وليهم من بعده وبهذا كان نص الغدير من أظهر مصاديق السنن المتواترة، فانظر إلى حكمة النبي إذ أشاد به على رؤوس تلك الأشهاد، وانتبه إلى حكمة الوصي يوم الرحبة إذ ناشدهم بذلك النشاد، فأثبت الحق بكل تؤدة اقتضتها الحال، وكل سكينة كان الإمام يؤثرها، وهكذا كانت سيرته في بث العهد إليه، ونشر النص عليه، فإنه إنما كان ينبه الغافلين بأساليب لا توجب ضجة ولا تقتضي نفرة. شبلي الشميل الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير له الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل قديما وحديثا.
443 عباس محمود العقاد "... وإنك لتنحدر مع أقاب الذرية في الطالبيين أبناء علي والزهراء مائة سنة ومائتي سنة وأربعمائة سنة، ثم يبرز لك رجل من رجالها فيخيل إليك أن هذا الزمن الطويل لم يبعد قط بين الفرع وأصله في الخصال والعادات، كأنما هو بعد أيام معدودات لا بعد المئات وراء المئات من السنين، ولا تلبث أن تهتف عجبا: إن هذه لصفات علوية لا شك فيها، لأنك تسمع الرجل منهم يتكلم ويجيب من كلمه، وتراه يعمل ويجزي من عمل له، فلا يخطئ في كلامه، ولا في عمله، تلك الشجاعة والصراحة، ولا ذلك الذكاء والبلاغ المسكت، ولا تلك اللوازم التي اشتهر بها علي وآله وتجمعها في كلمتين اثنتين تدلان عليها أو في دلالة وهما: (الفروسية الرياضية). طبع صريح، ولسان فصيح، ومتانة في الأمر يستوي فيها الخلق والخلق، ونخوة لا تبالي ما يفوتها من النفع إذا هي استقامت على سنة المروءة والإباء ". الدكتور نوري جعفر من كتابه (علي ومناوئوه) ينقل بعضها الدكتور طه حسين: أما إذا نظر الباحث إلى مواقف الإمام نفسه في حماية الدعوة الاسلامية وصاحبها من مؤامرات كفار قريش، تلك المواقف التي دلت على كفاءته لتسلم
444 خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته من جهة، والتي أهلته لتسنم ذلك المنصب الرفيع من جهة أخرى. فإنه يجد تلك المواقف المشرفة كثيرة العدد " تتزاحم بالمناكب وتتدافع بالراح " بحيث يصبح أمر الموازنة بينها " لاختيار بعضها للاستشهاد به " من أصعب الأمور. وقبل أن نتطرق إلى ذكر أهمها، يجمل بنا أن نشير إلى الظروف الخاصة التي ربطت بين علي والإسلام من جهة، وبينه وبين النبي من جهة أخرى، وبقدر ما يتعلق الأمر بصلة الإسلام بعلي، أو صلة علي بالإسلام، يمكننا أن نقول مع العقاد: " لقد ملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه ويرجع به إلى عقابيله، فبحق ما يقال: إن عليا كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاما منه ولا أعمق نفاذا فيه ". فقد بعث النبي على ما يقول الدكتور طه حسين: وعلي عنده صبي فأسلم.. وظل بعد إسلامه في حجر النبي يعيش بينه وبين خديجة أم المؤمنين وهو لم يعبد الأوثان قط.. فامتاز بين السابقين الأولين بأنه نشأ نشأة إسلامية خالصة. وامتاز كذلك بأنه نشأ في منزل الوحي بأدق معاني هذه الكلمة ". أما الآثار العميقة التي تركتها هذه البيئة الإسلامية الصافية في خلق الإمام، في عقله، وقلبه، ولسانه، ويده، فتعتبر من أوليات الأمور المسلم بها عند الباحثين الحديثين في علم النفس، وعلم الاجتماع. إن عليا كان مهيئا للخلافة بعد الرسول، هذا إذا نظرنا للخلافة من جوانبها الزمنية، وأن صلاته بالرسول وبالإسلام، وصلات الإسلام والرسول به تؤهله لذلك. ولو احتج المسلمون أثناء السقيفة بعد وفاة النبي: " أن عليا كان أقرب
445 الناس إليه، وكان ربيبه، وكان خليفته على ودائعه، وكان أخاه. بحكم تلك المؤاخاة، وكان ختنه وأبا عقبه، وكان صاحب لوائه، وكان خليفته في أهله، وكانت منزلته منه بمنزلة هارون من موسى بنص الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه. لو قال المسلمون هذا كله واختاروا عليا بحكم هذا كله، لما أبعدوا ولا انحرفوا. وكان كل شئ يرشح عليا للخلافة... قرابته من النبي، وسابقته في الإسلام، ومكانته بين المسلمين، وحسن بلائه في سبيل الله، وسيرته التي لم تعرف العوج قط، وشدته في الدين، وفقهه بالكتاب والسنة، واستقامة رأيه ". خلافة الإمام " لقد كان علي موفقا كل التوفيق، ناصحا للإسلام كل النصح.. صبر نفسه على ما كانت تكره. وطابت نفسه للمسلمين بما كان يراه حقا.. بايع على ثاني الخلفاء كما بايع أولهم كراهية للفتنة.. ونصحا للمسلمين. ولم يظهر مطالبته بما كان يراه حقا له. ونصح لعمر كما نصح لأبي بكر.. وقد بايع عثمان كما بايع الشيخين. وهو يرى أنه مغلوب على حقه. ولكنه على ذلك لم يتردد في البيعة، ولم يقصر في النصح للخليفة الثالث، كما لم يقصر في النصح للشيخين من قبله.. فكان طبيعيا إذن حين قتل عثمان أن يفكر علي في نفسه، وفيم غلب عليه من حقه. ولكنه مع ذلك لم يطلب الخلافة، ولم ينصب نفسه للبيعة إلا حين استكره على ذلك استكراها. وقد أوجز الإمام سياسته العامة في أول خطبة خطبها حين استخلف فقال: " إن الله أنزل كتابا هاديا يبين فيه الخير والشر. فخذوا الخير ودعوا الشر
446 والفرائض أدوها. اتقوا الله عباد الله في عباده وبلاده.. وإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ". كلمات قصار ولكنها تتضمن إجراء تغيير واسع المدى، وعميق الغور في علاقات المسلمين ببعضهم وبالخليفة. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الإمام - كما يحدثنا مؤرخوه - قد اعتذر مرارا عن قبول الخلافة على الرغم من إلحاح المسلمين عليه. وقد مر بنا طرف من ذلك. ولقد أشار الإمام نفسه إلى ذلك في مواطن شتى من " نهج البلاغة "، قال يصف تزاحم المسلمين عليه وإلحاحهم الشديد على مبايعته: " دعوني والتمسوا غيري. فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب ". جعفر الخليلي منذ أربعة عشر قرنا واسم الإمام علي (عليه السلام) يحتل الصدارة في بحوث المؤرخين، والمتتبعين، والباحثين، حين يجئ ذكر الإيمان، والاستقامة، والعدل، والشجاعة، والجهاد في سبيل الله، والصبر على المكاره، أو حين يجئ ذكر المعرفة والحكمة، والأدب والشعر والخطابة، فتمر سيرته في صور مزدانة بألوان من
447 الصفات التي لم تجتمع في شخصية انسان عبقري موهوب كما اجتمعت في هذه الشخصية الفذة العجيبة التي خلبت العقول، وحيرت الألباب، وكانت من القوة والرسوخ من حيث هذه المزايا - مزايا العلم والحكمة والمعرفة وسمو الخلق والإنسانية الحقة - بحيث تمردت على العوامل الفعالة التي من شأنها إبادة أي شئ - مهما عظم - إذا ما وقف أمامها. كان علي أمة مستقلة بذاتها، تحكي عقلية الدهر، وتعبر عن نضج الزمان، وتصور نهاية المراحل من سمو البشرية، وقمة المجد، فليس من الصحيح أن يقاس علي بالأفراد فهو نسيج وحده، ومن الخطأ أن يقال عن علي: إنه كان أورعهم، وأتقاهم، وأنبلهم، وأسخاهم وأنت تعرض لسيرة العظماء والمزايا الانسانية فكما أنك لا تستطيع أن تقرن الأرض بالقمر بهاء، وتقرن معدن الراديوم بالمعادن الأخرى جوهرا، وتقيس عليه، فإنك لا تستطيع أن تقرن اسم علي بأسماء العظماء - باستثناء من خصوا برتبة النبوة - وهو غير نبي طبعا - لأن مزايا علي قد تجاوزت الحدود المألوفة، ولأن شخصيته بلغت القمة من الأمجاد والمثل العليا في دنيا البشرية. وحين يستعرض المرء المبادئ والملكات والمزايا فلا يصح أن يأتي بعلي مثلا، ذلك لأن عليا - كما قلت - أمة مستقلة ليس لها بين الأفراد من شبيه، وإنه قد سما بما جاء به من موازين، وما أعرب به من مزايا، وما عبر به عن صفات الانسان الكامل العديم النظير، حتى صارت كلمة علي وحدها تكفي لترسم أمام العين كل الصور الجذابة من معاني الانسانية. ولعل كلمة (علي) التي يكتبها البعض فوق مخازنهم، وحوانيتهم، أو يعلقونها في إطار الألواح الفنية المزخرفة في بيوتهم، أو التي ينقشونها على أبواب
448 العمارات، والمساجد، والمعاهد والمؤسسات، أقول: لعل هذه الكلمة ضرب من ضروب البديع ورمز من رموز الفن المعروف في علم البديع (بالاكتفاء) وهي صريحة المنطوق، واضحة المفهوم، فلا حاجة لأن يضاف إليها شئ ليفهم الناس: أن عليا يحكي المجموعة الكاملة من فضائل الدنيا ومزاياها. يقول محمد مهدي الجواهري: تعداد مجد المرء منقصة إذا * فاقت مزاياه عن التعداد ولقد فاقت مزايا علي حدود التعداد، وتحدت عوامل الزمن التي تجرف أمامها الماضي والحاضر فتجعله أثرا بعد عين. لقد تحدت مزايا علي عوامل الزمن بقوة لم يعرف لها نظير في تاريخ العظماء حتى أصبحت شخصيته كالشمس التي إذا ما حجبها الضباب أو السحاب أو الغبار، أو حال القمر بينها وبين الأرض مرة فلن يستطيع أن يحجبها مرات، ولن يقوى على تغيير جوهرها، ونفوذ عملها وأثرها في الأرض وفي الطبيعة. هذه الشخصية - شخصية الإمام علي - التي تحدت الزمن، وتحدت كل الوسائل الفعالة التي يكفي أن يغير بعض مفعولها حقيقة الأمم وواقعها، ويبدل مجرى التاريخ وحقيقته، هذه الشخصية كانت ولم تزل ملء العين، وملء القلب، والقدوة المثالية عند ذوي الإدراك والعقول النيرة، والباحثين عن الانسانية الكاملة في دنيا البشرية، هذه الشخصية التي لم تكتف بأن تصمد وتثبت كالجبل أمام تلك الزعازع والعواصف والرعود والبروق التي نسجتها الدعاية بكل ألوانها وأصنافها من وعد ووعيد وحسن جزاء، وصب نقمة، بل أصبحت مبعث الحياة ومأمل الآمل على رغم كل تلك الحروب التي شنت عليها - حتى ألفت فيها الكتب، ووضعت عنها الدراسات، ونقلت عنها الشواهد والأمثلة، فكانت
449 نبراسا يهتدي به التائه في ظلمات الدنيا، واستوى الباحثون في حقيقتها، والمتتبعون لآثارها، والذائبون فيها: الشرقيون منهم والغربيون، العرب وغير العرب، المسلمون وغير المسلمون. عبد الله العلايلي وهذه مقتطفات من كتابه: مشاهد وقصص من أيام النبوة. كتب عن زواج النور من النور، فقال: شاع الخبر في المدينة سريعا كما يشيع الأريج العابق في كل مكان مع النسم الندي، فكانت ميمونة لا تمر بمحلة من دور الأنصار إلا وترى المرأة تميل إلى المرأة، وتقول لها في بشر ظاهر: أما بلغك النبأ؟ علي (عليه السلام) خطب فاطمة (عليها السلام)، وبارك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العقد، وإنه لنعم الحدث. ليس لهذه السيدة المصطفاة إلا هذا السيد المصطفى. وهي ربيبة الوحي والرسالة، وهو ربيب الوحي وبطل الرسالة. وفي استدارتها صوب منزلها سمعت رجلا يسمر إلى آخر في ناحية من الحي ويقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزوج عليا (عليه السلام)، وإنما كرم البطولة الخالدة المظفرة في شخص البطل الخالد المظفر، وإن من حق البطولة تكريمها، وما فات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكرم البطولة بأعز ما عنده وأقرب ما هو إلى قلبه، فإن فاطمة (عليها السلام) قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مصورا في انسان ملاكي أو ملاك إنساني. وليس في هذا معناه بل معنى التكريم،
450 فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حقيقته، رسالة ودعوة وهو المبتدأ، وإن عليا (عليه السلام)، في حقيقته، إيمان وإجابة وهو الخبر، ولا شك في أن فاطمة (عليها السلام) رابطة الإسناد. وما فات ميمونة أن تسمع ما رد به الآخر - وكان من المهاجرين الأولين، كما تقول -: وأيضا لقد كرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا القران بطولة أخرى هانئة في أبديتها المشرفة الواعية، إنه كرم أبا طالب النصير البر والمجاهد الأول. قال الأنصاري: فهذا القران إذا تكريم مزدوج ضاعف معناه، وأخلد بهذا اليوم يوم تكريم البطولات، إنه ليستخفني بمعناه الكبير... وأيضا: وكان معنى اختيار علي (عليه السلام) إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع كل الانسانية فيه، وجاء معه علامة على أن الانسانية بكل ما ثبت فيها، لن تنحرف عن النبوة الجديدة بكل ما ثبت فيها. فكانت فاطمة (عليها السلام) منهما بين مصدر إشراق النور ومجلى انعكاسه، وموجات الشعاع تمور متألقة في جو نفسها المتسامية أبدا. وأيضا: يضل الزمان حقيقة موهومة، لولا بعض الأعمال الخالدة التي تؤرخه... وتكون هذه الأعمال أكبر من الزمن، لأن حقيقته بعض هباتها... فيوم علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) أكبر من الزمن، وأخلد من التاريخ!... أثبتت النبوة معناها الخالد في روحية الانسان على وجه... وأثبتت النبوة ذاتيتها الخالدة في دم الانسان على وجه... وأيضا: كانت النبوة ستظل ذكرى فقط... ولكن شاء الله أن تكون حياة أيضا...
451 فيوم علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) إبقاء لحياة النبوة على الدهور... وأيضا: تضع الحقيقة الكبرى خصائص معناها في النواة لأنها تريد البقاء والنواة لا تختلف في خصائصها إلا إذا كان لناموس الوراثة الطبيعي أن يختلف. فيوم علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) يوم بروز النواة لتمثل خصائصها في شكل آخر. تذهب النواة التي هي مخزون الخصائص، تتم دورتها وتعطي أشياءها. والنبوة فكرة السماء المصلحة في محيط البشر... فيوم علي وفاطمة، طبع لعقلية النبوة في عقل الناس. اجتمعت في علي قابليات لا حد لها... واجتمعت في فاطمة إشراقات لا حد لها... فيوم علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) يوم نظر النبوة إلى نفسها في المرآة. وأيضا قوله: وهو في مقياس كل عصر مبرر، تنحى واعتزل واعصم في حدود هذا التنحي والاعتزال. ولكن عليا، مع كل ما هو عاتب وواجد، لم يزل يقدر ويذهب في مدى تقديره بعيدا، فينتهي إلى الكارثة ويتراءى له شبحها، فيرهب هولها ويخشى وقوعها. يجب إذا أن لا يظل بعيدا، وإن توارى من الميدان إزاء موقف بطانة عثمان من الجمهور، هذا الموقف النابي المثير، فبادر إلى تقديم ولديه - لاعتباراتها التقديرية - ومواليه، كي ينهنهوا عوادي الأحداث وطائشات الخطوب. وحين بلغه: " أن الناس حصروا داره ومنعوه الماء بعث إليه بثلاث قرب، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على بابه ولا تدعا
452 أحدا يصل إليه بمكروه، وكان أن خضب الحسن بالدماء وشج قنبر مولاه ". وقوله: في طبيعة البحر رشاقة الحركة، وفي طبيعة الصخر سكون بليد، وأيضا قاس متجهم، وبينهما وقف انسان فيه وعي السكون وقصد الحركة، يصل أسباب أحدهما بأسباب الآخر. وكانت كبرياء الصخر عمياء فلم تقنع بغير وجودها، فانطلقت أعاصير البحر تزأر في مثل الفحيح. ووقف هذا الانسان عند الشاطئ ينظر متفجعا، فإذا الوجود المخدوع - الذي أضحى غورا - ترقص فوقه موجة مارجة... في نغمة تخبر: أنه كان هنا شئ فيما زعموا. مضى ذلك الانسان - وقد أبصر وسمع - مطرقا مرددا: بهذا نطق الحق في صدى الموج... وروى هذا الانسان لولده أمثولة البحر، فلبث متأملا يعبر عن أنه وعى. ولم يكن طويلا، حتى كان بنفسه رجفة رعشات وخلجات، ورجعة أصداء الموج. وشرع الناس يروون، بعد ذلك، أمثولة ابن الانسان. وبقي في سمع التاريخ وبصره ماثلا حيا: أن عليا بطل الحق في السلم وفي الحرب، وهو الانسان الذي استحال إلى طاقة في وجود الحق وكيانه. بقي طابع الانسان الكامل علي، الذي لا يحركه الحقد، ولا تميل به النزغات والنزوات، طابعا لأبنائه، فقد قيل لابنه محمد، دسا، توليدا للموجدة: لم يدفع بك أبوك في الحرب ولا يدفع بالحسن والحسين؟
453 محمد عبد الغني حسن لما كانت واقعة الغدير من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل فقد نظر إليه بعض رجال المسلمين نظره تخالف منعقد الاجماع. أحمد صقر ويقول في مقدمة شرح وتحقيق (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الإصفهاني: " ولا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة، وطيب النجار، ضل عنها حقها - إلى أن يقول - وقد أسرف خصوم هذه الأسرة الطاهرة في محاربتها، وأذاقوها ضروب النكال، وصبوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلا ولا ذمة، ولم يرعوا لها حقا ولا حرمة، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء، والأطفال، والرجال جميعا في عنف لا يشوبه لين، وقسوة لا تمازجها رحمة، حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فظاعة النكال، وقد الأفئدة، وتضرب الأمثال للمدى الذي يستطيع الإنسان أن يبلغه من ذروة المجد فتعود الألسن تلهج بذكر علي، وتمجد أفضاله ".
454 عبد الفتاح عبد المقصود ليست القرابة، في ذاتها، فضيلة. ولا رابطة الدم، فضيلة. ولا في الاسلام نسب يرفع وآخر يخفض إلا إذا اقترن بعمل مقبول أو بعمل مرذول، فيتقدم من يحق حقوق الله، ويتوقى نواهيه، وإن كان عبدا أسود أفطس، ويتخلف الثاني إلى آخر الصفوف وإن كان ذا حسب وسؤدد وجاه.. وإمرة المؤمنين أسمى وأرفع من أن يرتقي إليها امرؤ في سلم الصلات الأسرية التي تجيئه عفوا بغير تقوى تطهر، وجهل يشكر، وعمل يثاب، ويبتغي بها صاحبها وجه ربه ونفع الناس، وصالح أخراه قبل دنياه.. ومنزلة علي في الإسلام، وفي نفس رسوله الكريم، أمكن وأعظم من أن تقاس بمقياس القربى لأنها محصلة مزاياه، وخلاصة جهاده لإعلاء كلمة الله.. ونكاد نلم بعض إلمام بجانب من جوانب هذه الشخصية حين نستحضر في بالنا قوله: " لا شرف أعلى من الإسلام، ولا عز أعز من التقوى، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أغنى من القناعة، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت.. ". فهو أعجل الناس قربة إلى الله بتقواه، وحرصهم على مرضاته، أعبدهم عبادة، وأكثرهم صلاة، وأشدهم على نفسه رياضة بالقيام والصيام، ولا نحسب أن عبادته إلا عبادة حر يشكر لربه آلاءه، ويحمد نعماءه، لا عبادة خائف من عقوبة، أو تاجر طامع في مثوبة على نحو ما صنف لنا العباد والعبادات.
455 يقول في هذا التصنيف: " إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.. ". ولا نحسب أيضا أن صورة كلامية أجمل من هذه التي رسم بها حلاوة التقوى رسما يفتن بها النفوس فرحا، ويستطير القلوب شوقا إلى تذوق طعمها الشهي الذي لا تدانيه كل أطايب المحسوسات والمعنويات. سئل علي بن الحسين، وهو غاية الغايات في العبادة، وزين من عبدوا الله وعاشوا على تقواه: " أين عبادتك من عبادة جدك؟ ". فقال: " كعبادة جدي من عبادة رسول الله ". ولا غرو.. فالكمال الانساني لمحمد عليه الصلاة والسلام في كل سجية وخصلة لا يضاهيه إلى أبد الآبدين كمال.. وكم كان الإمام يتهجد ويتنفل فيكثر، ويلازم الأوراد، ويستغرق في التسبيح حمدا وقربة لله.. لأن النوافل - تسبيحا كانت أو دعاء أو صلاة - هي خير ما يملأ به المسلم وقت فراغ وراحة، وأكرم على الله من أن يدع صاحبها ملهاة في يد إبليس يرمي به في نزعة شر تلوث طهره، أو يجنح به إلى باطل يوبقه وينتقص حسناه لحساب سوءاه. وكان يقول: " ما كان الله ليفتح على عبد باب الشكر ويغلق عنه باب الزيادة، ولا ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح لعبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة.. ".
456 وهل النافلة سوى شكر واستغفار؟ ولم يعرف امرؤ أزهد منه زهادة، ولا أقنع قناعة.. فهو سيد الزهاد، وأقنع القانعين. يتحرى في معيشته الأشظف والأقشف.. ما ارتدى في حياته لباسا جديدا، ولا اقتنى ضيعة ولا ريعا، إلا شيئا كان له بينبع مما تصق به وحبسه، بل كان يلبس من الثياب الأغلظ المرقوع وينتعل نعلين من ليف. وما شبع قط من طعام، فأكله أخشن مأكل، فإذا ائتدم فبملح أو خل، فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض. فإن ارتفع فبقليل من لبن الإبل.. أما اللحم فنادرا ما كان يذوقه. وكان يقول - وقوله يصدق فعله - وإن لم تخل عبارته من دعابة ساخرة تخز الذين يستكثرون من هذا الصنف من الأطعمة، أو يعلون عليه كمأكل أثير: " لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ". ولم يكن أيضا كالألى يدلون بما يفعلون إظهارا لقدرتهم على التحكم في النفس، وأخذها بما يحبون أن يشيع ذكره عنهم ولعا بالذكر أو رثاء الناس، بل كان يرى - كنص ألفاظه - أن " أفضل الزهد إخفاء الزهد ". وكانت رياضته نفسه بهذا التقشف الشديد عن إيمان واقتناع. كانت حليفة كل سني عمره الجافة واليانعة على السواء، وليست قرينة مرحلة بذاتها من مراحل حياته قل فيها النشب ونضب المال، بل إنا لنجده أحرص على التزام هذه الرياضة عندما تملكت يمينه سلطة الدولة، وغدا مقدوره، ومن حقه، أن يتحول إلى معيشة لا توصف بأنها أرفه وإنما بأنها ليست أشظف، ولا أدل على هذه من صور السلوك الذي يطالعنا به بعد أن آلت إليه إمرة المؤمنين وأصبح صاحب الرأي
457 الأول في توجيه سياسة المال توجيهه سياسة الحكم والسلطان. وإنما إقبال الدنيا عليه وإدبارها عنه سيان.. ما أتاه من عروضها كما ولى عنه، وما ولى كما أتاه، كلاهما لا يساوي مثل خردلة، لا يهفو منها إلى شئ، ولا يهتم منها بشئ، ولا يثق منها في شئ، بل هو كما يقول: " أوثق بما في يد الله منه بما في يده "، وهو غني عنها لأنه على إغرائها عزيز، وبملكها مستهين، وعن نشبها راغب، وهو - اعتزازا بقدره - تحصن بمعقل القنوع والتأبي والزهد دون سطوة إغرائها، وزخرف عطائها فلم يشغله عن وعيه بزيف دعوتها، وتفه أمرها، وهو إن شأنها على الله شاغل ولو كان مجرد أمنية تراود الخيال. فكأنما كان شعاره حكمته المعروفة: " من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.. ". وهو، إلى زهده، أكرم وأسخى من يحسبون في عداد الكرام الأسخياء ومن عرفهم الكرم والسخاء، ولعله كان أسخى لأنه كان أزهد، أو لعله كان أزهد لأنه كان أسخى، فهو يخرج مما يملك عن قنوع وزهادة كما يخرج منه عن سخاء وجود. إنه لا يسخو فقط وماله كثر يفيض عن حاجته، بل يسخو وماله أيضا قل، وأقل القل، يضيق عن البذل، ولا يحمل الكل، وينوء بأغث ضرورات حياته حتى ليوشك ألا ينهض بأوده وأود عياله. وهل كانت الدنيا كلها تساوي - في حسابه - سوى قلامة ظفر أو قدر صفر لا يجدي عليه أن يأخذ منها، ولا ينقصها أن ينفق؟ فلماذا إذن يضن وهو الذي ضرب للناس بفعله مثلا للبذل، ودعا الكرام إلى محاولة سلوك مسلكه، حين اليسر وحين العسر على السواء، وسعهم اللحاق به على النهج أو لهثوا دون أن يقطعوا نفس شوطه؟
458 أثر أنه كان يعمل عند يهودي في المدينة، فلا يزال يكد ويكدح حتى تتشقق يداه، فإذا فرغ من عمله، فإنه لا يلبث، في أغلب الأحايين، أن يتصدق بكل أجره كأنما كان يتعب لغيره. بل كأنما يسعى إلى الخصاصة، فما أكثر ما كان ينزل هانئ القلب راضيا، لمسكين، أو يتيم، أو أسير، عن قوته وقوت عياله.. كان يصوم ويطوي، ويطوي معه أهله، ليؤثر بزادهم وزاده. دائما الحرمان طريقه، والجوع رفيقه. وكما كانت أريحيته تدفعه إلى الجود بالمال وإن هو أعوز وعانى الجوع، فقد كانت أيضا تدفعه إلى الكرم بالحلم وإن هو ضيع حقه وغص بالأذى والكنود. إنها الأريحية التي تسخو بالماديات، وتسخو بالمعنويات، إنها عطاء ومنح وإنفاق، تهب الدرهم واللقمة والكساء، كما هي حلم وصفو وعفو تهب الكرامة والأمن والحرية. فهو أقبل الناس لإنابة منيب تائب، وأسرعهم لغفران زلة خاطئ مذنب. إن ناله من عدوه ضرر، كان أعجل إليه بالعفو منه بالعقوبة، وبالصفح منه إلى رد الصاع. أثبت من أن يخرجه من حلمه غضب على خصم جاحد، وأسمح بالتجاوز عن شنآن غريم حاقد، يصفح وهو الموتور، ويعفو وهو القادر، ويغفر قربة إلى الله. وكان يقول: " إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.. ". ويقول: " العفو زكاة الظفر.. ". وكم أدى من أمثال هذه الزكاة..
459 ملك عليه معاوية وعسكره في صفين شريعة الفرات، ومنعوه وجنده الماء، فلما سألهم أن يشرب الجيشان على سواء، أبى طاغية الشام ورجاله ما أراد، وأجابوه عتوا وصلفا، قائلين: " لا والله.. ولا شربة ماء حتى تموت ظمأ كما مات عثمان... " فحمل عليهم، فأزالهم عنوة عن مراكزهم، وأجلاهم إلى الفلاة حيث الصدى والجفاف. عندئذ قال له أصحابه: "... امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة... واقتلهم بسيوف العطش... ". لكن أريحيته أبت أن يصغي لغضبهم وغضبه على أولئك القوم المارقين من طاعته الغالين في عداوته. وقال: " لا أكافئهم بمثل فعلهم. أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ". وخلى بينهم وبين الماء.. وأسر، يوم الجمل، عبد الله بن الزبير، وكان الناهض ظلما في حربه، الموغل غيا في بغضه.، المسرف إفكا في سبه. فلما جئ به إليه عفا عنه ورد عليه حريته.. وقال له: " اذهب فلا أرينك.. ". ولم يزد على ذلك.. وبمثل هذا عامل مروان بن الحكم، وطائفة غيره كثيرة من مناوئيه. وبمثله عامل قبلهم الخارجين عليه من أهل البصرة، بعد أن أظفره الله بهم. فوهبهم الأمن والسلامة. لم يقتل منهم، ولم يغنم مالا، ولا سبى ذرية. وكان، إلى هذه الأريحية الكريمة، لا يقرن صفحه بمن، ولا يتطلع من ورائه لشكر. وكيف لا وصفحه تقدمة إلى الله وحده تترفع عن مثوبة العبيد؟
460 بل لم يكن ليغيب عن فطنته أن معظم من أظلهم حلمه ووهبهم الحياة والحرية لن يلبثوا أن ينكصوا على الأعقاب فيقابلوه بالكفران دون الشكران، وبالجحود دون العرفان ما إن تتاح لهم فرصة للتنكر وللتنمر. ومع ذلك فقد كان دائما يتوقى مدافعة الإساءة بالإساءة، ومغلبة العيب بالعيب، متنزها عن تناول سير شانئيه بالقدح والتجريح. وتلك لا ريب مكرمة تعز في الخلائق وتستعصي على أنفس البشر إلا من طهر الله قلبه من الغل، وعصم لسانه وفمه عن نهش الجيف، ولعق الأوحال. أما مواهبه وقدراته فأعسر على الإلمام والإحاطة. ألم تر كيف تدعيه كل فرقة وتتجاذبه كل طائفة، وتتمسح فيه كل مدرسة فكرية تريد أن تفضل غيرها في ميادين الحكمة والعلم، وتبز كل ما عداها من ذوات المذاهب والنظرات؟.. وهل ثمة بين العلماء من قد أوتي من بسطة العلم ما يبلغه من العلوم الربانية والبشرية مثل مبلغ الإمام؟ وإنه لهو الذي - بعصارة ذهنه الملهم الخصيب - روى جذورها، ونمى دوحها، وقوى فروعها، وخضر ورقها، ونضر زهرها، وأينع ثمرها، وأدنى قطوفها. وكان ذا نظرة نفاذة، وروح نقية، وفكر عملاق. يتعمق ما انتهى إليه من معارف الذين سبقوه، فلا يتقبلها على نفس وجهها، ولا يختزنها في واعيته كخرنة المال إلا أن يعاير وينقد، فيقر منها ما يقر، ويضيف إليها ما يضيف، أو يغير فيها ما يغير، ويتأمل آيات الله في ملكوته، فينبهر ويعتبر ويفكر، ويشهد ظواهر الخلائق وخصائصها شهود متدبر يسير ويخبر ويفسر، ويغوص في أغوار الأنفس، مترحلا في خفاياها وهو يحل ويقدر ويبرر. فكره المتوقد النفاد أداته، وروحه الشفيفة الصافية هاديه. أحاد بمعارف الأولين، وارتاد للآخرين، ممتثلا في كل
461 خطوة يخطوها على هذا النهج القويم أمر الله للإنسان أن ينهض العقل من سباته، ويدفعه إلى النظر والتفكير تلمسا للعلم حيثما يكون. وكم عرف الإمام، وكم تفرعت به المعرفة وانشعبت سبلا، فمشى منها في كل سبيل إلى مداه، وكم ألم منها بقديم، واهتدى إلى جديد. والذي أحاط به خبرا عالم من العلم فسيح فسيح، كشفه وراده، ظاهرا وباطنا، جهد ذهني متقحم دؤوب. وعى جزئياته وكلياته وأشربها عقلا المعيا لماحا فلقد كان على عبقرية ذهنية لا تتكرر، وكان عقله لا يمل النظر فيما انتقل إليه من تراث البشرية الفكري عبر الأجيال في الروايات والأسفار، كما لا يكل من الطواف بمشاهد الكون ومرئياته، لا يكتفي منها بحصيلة البصر، وإنما يمضي إلى ما وراء المنظور كشفا عن غوامض المبهم وأسرار المستور. لم يتوان قط عن الترحل في البحث إلى أغواره، ولم يكف قط عن التعلم، ولم يضق قط عن معلوم ثقفه أو استخرجه من مجهول. كل ما علمه وعاه، وكلما وعى استزاد، وكلما تقاطرت عليه المعارف وجد فيضها لديه سعة في عقله المنهوم الصديان الذي كان كأرض رمضاء لا يكاد يطفئ ظمأها وينقع غلتها كل ماء السماء. وكيف يوصد العقل بابه في وجه العلم وإنه لآت يأتيه بزاد جديد؟ في هذا يقول الإمام: " كل وعاء يضيق بما فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع ". فما أحكم قولته، وأدق وصفه. فالعلم الإلهي، وهو أشرف العلوم لاتصاله بأشرف معلوم، إنما " اقتبس من كلامه، عنه نقل، وإليه انتهى، وبه ابتدأ. فإن المعتزلة - الذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن - تلامذته وأصحابه لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم
462 تلميذ أبيه، وأبوه تلميذه عليه السلام، وعن المعتزلة أخذت الأشعرية. وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر ". وليس أحد تحدث عن عقيدة التوحيد فأفاض فيها إفاضته، ولا تناول صفات الله فأحسن البيان عنها إحسانه، ولا عرض لقضائه وقدره فقربهما إلى العقول تقريبه، " فالله تعالى واحد أحد، ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال... لا يوصف بما توصف به المخلوقات... من قال فيه سبحانه بالتشبيه كان بمنزلة الكافر به، الجاهل لحقيقته... ". فتوحيد الله، ينزه الإسلام الذات الإلهية عن مخالطة الأحياز: زمانية ومكانية، وعن المشاركة في الملك بالاجتزاء أو المشورة، وفي القدرة بالقول أو الفعل، وعن المقارنة بالنظائر أو الأشباه ولو مقارنة تمثيل. فتنزيهه الله خالص كامل، وقاطع مانع، يجل عن الوصف، ويعلو فوق تطاول العقول. وقد صور على هذا التنزيه ببيان رأي، أمام كماله سبحانه، أن ينهى فيه عن وصف ذاته، لقصور الأفهام عن الإحاطة بحقيقته، وعجز الكلام عن رسم صفاته. يقول: "... كمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده... ". بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الألمعي الثاقب، وإدراكه الروحي المشرق، قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر ما فيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعى لباب
463 معانيه. وما تكشف للإمام من كنوز " الإلهيات " لم ينبثق له عفوا، بل كان النتيجة اللازمة لتبصره في خلق الله، وتدارسه آيات كتابه، وتفهمه حكمه وأحكامه بروح شفيف ونفس وضاءة وذهن محيط، فلا مشاحة في نقاء الجوهر، ورهافة الحس، وحدة الذكاء، ودقة النظر، وعمق الوعي لديه وكلها الأدوات القادرة على الدراسة والبحث والاستقصاء، والضامنة لاستقامة التفكير وسلامة الاستقراء. ولا مشاحة أيضا في أنه كان مهيأ لهذا الذي قدر له وأداه بحكم ملازمته - منذ طفولته - رسول الله، ومعايشته مقدمات الرسالة، قبل تنزل الوحي، والنبي عندئذ يخلو إلى نفسه، يتحنث ويتعبد بالغار وبداره، متأملا ما يرى من جلائل الآيات الكونية، وحركة الزمن، وقوانين العدم والوجود، وما إليها من ظواهر وخوارق، تشهد بقدرة قاهرة أزلية ليست ككل القدرات، قدرة تحكم التقدير والتدبير، وتكون لمن يتفكر فيها ابتغاء الاهتداء أقرب إلى الاستجلاء. عايش على هذه الفترة من نشدان الحقيقة الواحدة، فإذا هو يعجب لمحمد، ثم يعجب به. ثم يتابعه على نفس نهجه متابعة تلميذ لأستاذه، ومستهد لهاديه، حتى ليدرك، في سنه الغضة، عن الموجد المدبر، ما لم يدرك غيره من الناس أجمعين. وحتى لنسمعه يتحدث بما هداه إليه حسه المرهف، وروحه الشفيف فيقول: " كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا " ويقول: " لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين " وتلك هي المدة التي قضاها منذ كفله محمد حتى نزلت الرسالة، وأذن للنبي في الإنذار والتبليغ. لهذا لا ندهش إذ يصفه أبو الحسن البصري، فيقول: " كان رباني هذه الأمة "
464 ولا ندهش حين نعلم أنه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان وحده الحافظ للقرآن العارف به، المحيط بأسراره. ثم لا ندهش ونحن نراه أول من اشتغل بجمعه. اشتغل علي بحفظ كتاب الله اشتغال من يحرص الحرص كله على هذا النور الذي أنزله ربه هدى ورحمة للعالمين، أن تشرد منه عبارة، بل لفظة، بل إشارة. وعنى بجمعه عناية من يخشى أن تتبعثر بعض آياته وسوره في الصدور على غير نسقها المقدور، فتختلط وتتداخل، يتأخر منها ما هو أولى بالتقديم ويتقدم ما هو أولى بالتأخير. وأكب على الترسل في قراءته ترسل ذي حس أدبي مرهف بلا نظير، تفتنه البلاغة، وتشغفه الفصاحة، ويولع ولوع متشه سحر بيانه، يتطرق فيه من تذوق حلاوة المتعة العاطفية الشعورية من جمال عباراته إلى التنعم بكمال المتعة الروحية العقلية من جلال معانيه. فماذا عسى يتهيأ اجتناؤه للناس من ثمار هذا الاستيعاب؟ ما الذي يمكن أن يطالعهم به من له كالإمام وضاءة النفس، ودقة الحس، وشمول النظرة، وتفتح القريحة، وألمعية الفكر، ونقاوة الجنان؟ إنه ليخلو إلى القرآن خلو خاشع متعبد، سجي الليل، أو هدأ السحر، أو أسفر الفجر، أو علت ضحوة النهار فلا يكاد يشغله في خلوته هذه، التي يرجو بها وجه ربه شئ من شواغل دنياه أن يرتل ويعيد، ويردد ويزيد، وجوارحه جميعها في ملاك بيانه العذب الآسر، وأسلوبه السماوي الساحر. وإنه ليقبل عليه إقبال متأمل متدبر، يأخذ بمجامع المدلولات في سياق العبارات وفي مباني الكلمات وفيهن الجلي والخفي. والصريح والغيبي، فلا يفوته أن يحيط بظاهرها وباطنها إحاطة شمول.. ويتبصر مختلف عظائم السور وجلائل
465 الآيات ومنهن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فلا يغيب عنه استجلاء ما بها من الحكم والأحكام. وإنه ليجهر بتلاوته، تلاوة محب مشوق، فيتحرى صحة الضبط، وسلامة النطق، ودقة الأداء، مستمتعا بعذوبة كلماته وفقراته مرنمة منغمة. فإذا هو يجمع إلى إحكام الوصل والوقف، والمد والإمالة، والإظهار والإدغام، والتحريك والتسكين، والتخفيف والتنوين ألوانا من الصور الصوتية التي توافق كل حرف وكلمة وآية، وتطابق مغزاها، حتى لتوشك المعاني أن تتجسد أمام العيون والنواظر قبل أن تطرق الأسماع إلى القلوب.. بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الألمعي الثاقب، وإدراكه الروحي المشرق. قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر ما فيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعى لباب معانيه. وعنت له اللغة العربية كما لم تعن لغيره، لان صعبها، وذل غريبها، وتفتحت أبوابها، فإذا هو مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها به ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها. فالمعلوم الثابت أنه هو الذي استولدها قواعدها، واستنبطها أسسها، وحدد لها جوامع الأصول التي لا بد أن تنهض عليها لتظل كحالها عند أهلها الأوائل، سليمة التركيب، مبرأة من عيوب اللحن والخطأ، ومناقص التحريف والالتواء. إنه صاحب " علم النحو " الذي حفظ بناء العربية قائما، ولولاه لمال، ولشابها من لكنة الشعوب الغريبة التي دخلت الإسلام ما يغلب على نقاء جوهرها الأصيل، ولتبدلت لغة أخرى غير لغة القرآن. ولاندثرت اندثار اللغات القديمة، وماتت كاللاتينية التي غدت طللا دارسا بعد أن تبلبلت بها لهجات الأوروبيين.
466 ابتدع الإمام هذا العلم. وأملى على أبي الأسود الدؤلي أصوله الجامعة، فقسم له الكلام كله إلى اسم وفعل وحرف، وقسم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وقسم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، فكان هذا الذي ابتدعه أس السياج الواقي الذي درأ عن العربية عوادي العجمة واللحن، وأبقى لها اللب والسمت، وضمن صحة الضبط واستقامة اللسان. ولم يكن بين أبنائها من هو مثله أدرى بها، وأعرف بأساليبها. فاق فيها كل ناطق وكاتب. فإذا هو أخطب من خطب، وبه اقتدى أدباؤها في الكتابة. لا يباريه في فنونها التعبيرية مبار حاكى وقلد أو جدد وابتكر. إذا خطب شدت الأسماع إلى طرف لسانه، وسكتت الأنفاس تصغي إليه، وإذا كتب فأقدر من بين أو أمر أو زجر، وإذا جادل فأبرع من حاج وقارع ودلل، وإذا حدث فأخبر من هدى ووعظ وذكر. والحق أن ما عرف من إحاطته الشاملة بخصائص اللغة، وثورته الابداعية الطاغية في أساليبها هو بديهية البديهيات. وبحسبنا - للتدليل على تفرده بالدقة في سبك العبارات وبالإحكام في رسم صورها الجمالية، وبالقدرة الفائقة على تضمينها نظراته المعجزات، وآرائه الخوارق في أعضل المسائل وأعصاها - أن نشير إلى ما انتقل إلينا من آثاره الأدبية والفكرية فيما حفظه الناس، وتداولوه، وترنموا به، من خطب مئين كان يوردها ارتجالا عفو الخاطر، دون إعداد، وأن نومئ إلى ما حوته كتب الدارسين والعلماء والمؤرخين من رسائله ومأثوراته وحكمه ووصاياه. وبعض هذه وتلك من كنوز قد جمعه لنا الشريف الرضي في " نهج البلاغة " معالم وآيات على حضور بديهة، وتوقد ذهن، ونفح إلهام. وهو صاحب السيف الذي كان الظفر دائما معلقا بطرف ذؤابته أينما جال
467 وصال. شجاع كما لم تكن قط شجاعة الشجعان، فارس كما لم تكن قط فروسية الفرسان. ما تحرف إلا لقتال، ولا فر في موطن نزال، ولا ارتاع من كتيبة فضلا عن انسان، ولا بارز إلا صرع وجندل، ولا هاجم إلا أصمى وقتل. كرته لا ترتد ولا ترد. وضربته لا تحتاج إلى ضربة ثانية. ومن كتبت لهم النجاة من أعدائه ومناجزيه في معاركه، وامتد بهم الأجل ظلوا طوال عمرهم يفاخرون بشرف وقوفهم في الحرب في مقابلته. بل كانت العرب - وإن أثخن فيها فأيتم منها من أيتم، وأيم منها من أيم - تتباهى بسقوط صناديدها صرعى بحد سيفه. قالت أخت عمرو بن عبد ود - فارس العرب الأول، وصريعه يوم الخندق - مباهيه وهي ترثيه: لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعن قديما بيضه البلد (1) وكان دائما سباقا إلى الجهاد في سبيل الله، مشغوفا في ميادينه بلقاء الأعداء، يقبل ويقتحم حين يؤثر غيره من الأبطال أن يتردد ويحجم، ويصبر على استعار القتال حيثما يستعصي الصبر على كل جلد صبور، ويغالب الموت بالارتماء بين أنيابه فيهرع الموت إلى الفرار. سيفه من سرعة دورانه في المعامع يبدو كغابة من سلاح، ويمينه تباري الكتائب في حش رقاب الأعداء، حتى لكأنه جيش موفور العدد والعتاد. سقط على أرض بدر الكبرى سبعون مشركا صرعى، قتل وحده
(1) قال ابن منظور في لسان العرب: 7 / 127، بيضة البلد: علي بن أبي طالب (عليه السلام) أي إنه فرد ليس مثله في الشرف. 468 منهم النصف، وقتل جند الإسلام كلهم يومئذ النصف الآخر. وطار ذكر بلائه في الحرب فملأ الآفاق قرونا عدة، حتى اتخذه الفرنج والروم رمزا للتفوق الحربي الذي لا يضارع، فرسموا صوره في بيعهم ومعابدهم، حاملا سيفه، مشمرا للقتال، مجسدا لبطولة الأبطال وفروسية الفرسان.. وصوره الترك والديلم على سيوفهم تفاؤلا به، واستجلابا للنصر الذي كان حليفه في كل ميدان. واقترنت شجاعته بهيبة وثقت له في الظفر، كانت تتزلزل لها القلوب في الصدور، وتدور العيون في المحاجر، وتلتوي الأقدام. والذين يزعمون أنه لم يكن صاحب سياسة ولا دهاء، إنما يرون السياسة على غير وجهها الحقيقي، ويجردونها من مضمونها الأصيل. فليست أخذا بالغدر، ومقارفه للفجر، أو تكون إذن نوعا من الخسة النفسية والخبث الرخيص الذي يتردى بإنسانية الانسان وكرامته إلى الحضيض، ولا يستعصي انتهاجها على أي وغد خسيس.. قيل في دهاء معاوية ما قيل، فكان رد علي على هذا الزعم المأفوك: " والله ما معاوية بأدهى مني. ولكنه يغدر ويفجر، وأنا امرؤ لا أحب الغدر ". وإذا كانت الشجاعة قد اقترنت فيه بالهيبة فقد اجتمعت له إليهما قوة بدنية " قرهقلية " كما يقال في الأساطير. فهو الذي خلع باب حصن ناعم وتترس به وبثقله تنوء العصبة أولو الأيد من الرجال. وهو الذي اقتلع الصخرة التي آدت اقتلاعها العشرات وتفجر من تحتها الماء. وهو الذي أسعفته يقظته كما أسعفته قوته فمد إحدى يديه إلى فارس هم أن يقتله، فخطفه بها من فوق جواده، وجلد به الأرض جلدا شديدا حتى حطمه، وأحاله كتلة هامدة من اللحم والدم وهشيم العظام.
469 ولا شك في أن شجاعته في حلبات الصراع الحربي - وسيفه بيمينه - إنما نبعت من جنان ثابت، لا يهتز أمام الخطوب والقوارع وإن تراءى له خطر الموت كاشرا عن أنيابه يطل عليه من وراء لقاء سافر أو تآمر متستر دارعا كان في عدة الحرب أو صفر اليدين أعزل من السلاح. وليس أبين على جسارته، وقوة قلبه وثبات جأشه من مبيته ليلة الهجرة في فراش محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنه ليعلم تمام العلم أنه عندئذ أدنى إلى ألا يسلم من أسياف أولئك الفتية الأجلاد الألى أعدتهم قريش للانقضاض على الراقد وفي حسبانهم أنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وقلما اجتمعت براعة القتال إلى براعة السياسة في انسان، ولكنه كان المحارب وكان السياسي في آن، بل هو - بتعبيرنا المعاصر - " رجل الدولة " الذي يرسم خطة العمل في الداخل وفي الخارج على صعيد أوليائه وصعيد أعدائه، فيحذق سياسة الناس كما يحذق سياسة الأمور، ويطوع كليهما لمقابلة كافة الاحتمالات في تطورات الأحداث وتغيرات الظروف بالحكمة وسعة التفكير وحسن التقدير، ومرونة المداولة بين مختلف أساليب المجابهة ليكبح شرة الأزمات ثم يلقاها بأنجع الحلول. والواقع أن الإمام لم يدع سيرة عماله في الناس تمضي عفوا بغير معالم واضحة على الطريق، أو حدود مرسومة تبين الجادة السواء للسلوك في كلا أمور الدنيا والدين. وبحسب من شاء الرجوع إلى دلالة، أن يستعيد عهده للأشتر النخعي حين ولاه مصر، ليعرف أي دستور وضع لسياسة الأمور والناس، يدرك كل من يدرسه أنه وليد فكر سياسي عملاق عرف كيف يضع خطة متكاملة تتناول كل أوجه النشاط الإنساني في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، عمادها المواطن الكريم الحر الذي لا يفضله غيره إلا بالعمل الجاد المثمر الذي يتناسق
470 الأفراد في أدائه يدا واحدة، وفكرا واحدا، على طريق واحد في هداية الدين. ولقد نعجب حين نرى الإمام، في عهده هذا، قد حدد المبادئ العامة للحكم التحديد الواضح الذي ظلت المذاهب السياسية تصطرع وتتبارى للاهتداء إليها على مدى قرون طويلة، وأخذ كل مذهب يدعى لنفسه بلوغه منها ما لم يبلغه سواه.. وكفى أن أكد ضرورة التئام أبناء الأمة وحدة اجتماعية وسياسية، وثيقة العرى بغير تفرقة، وإنما في مساواة كاملة بين كافة المواطنين وإن تباينت أوضاعهم الاجتماعية، واختلفوا رأيا وعقيدة. فالناس - كما يسجل العهد -: " إما أخ في الدين أو نظير في الخلق "، والرعية: " طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض ". ومع ذلك فإن " العهد " يقرر أن القاعدة " الجماهيرية " العريضة التي تؤلف غالبية الشعب، أحق بالرعاية، لأن العامة من الأمة: " هم عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء ". ومن ثم فإنه يرتب لهم على الدولة واجبا قبلهم: أن تكفل لهم مستوى كريما من المعيشة يحفظ عليهم شرف آدميتهم. " فلكل على الوالي حق يقدر ما يصلحه ". ويوجب عليها أيضا رعاية " من لا حيلة لهم " من المساكين والمحتاجين والمتعطلين وذوي العاهات والمرضى وأمثالهم، ففرض لهم قسما من بيت المال، وقسما من غلات صوافي الإسلام. ويطول المدى بمن يحاول تعقب ما حواه عهد علي للأشتر. فكفى أنه دستور لسياسة الحكم جاء من المبادئ بكل ما يناسب مجتمع عصره، وبكل ما يبدو وكأنه وضع ليوافق مجتمعنا الحديث. وكفى أنه يعرض لكافة المشكلات ويصف لها الحلول. وكفى أنه يطوف بكل ما يشغل الناس في رحلات حياتهم اليومية ويتصل بجوانبها الروحية والعقلية من عقيدة وعلم وتربية نفسية وسلوك اجتماعي
471 ونظرات، ويتصل بجوانبها المادية والاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة وإدارة وجهاد وتنمية مالية في مختلف مجالات الاستثمار. ولا غرو وللإمام هذه المقدرة - بل الحاسة السياسية المرهفة التي تستبطن أدواء المشكلات، وتجهز دواء لكل داء - أن نجده ملاذا للألى عرفوه، يستلهمونه الرشاد. لا فرق فيهم بين كبير وصغير، ولا بين حاكم ومحكوم. وكم استلهمه الخلفاء فألهم، وكم استشاروه فأشار. عزم عمر بن الخطاب على الشخوص بنفسه لقتال الفرس، ثم رأى أن يسأله رأيه في هذا العزم، فقال له الإمام: "... كن قطبا، واستدر الرحى بالعرب. فإنك إن شخصت من هذه الأرض، انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك... إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك. ". وقال له مرة أخرى في مقام كهذا المقام: " إنك متى تسر إلى هذا العدو بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. فابعث إليهم رجلا محربا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب وإن تكن الأخرى كنت ردء الناس ". حاسة سياسية فوق القدرة، ترفعه من الساسة إلى مكان الصدارة، وتشرف به السياسة، لأنه ينزهها عن الغدر والفجر، ويطوع أساليبها لتوافق نهج الدين وتطابق مكارم الأخلاق. فهل مثله في الفضائل والقدرات امرؤ من الناس؟ أن يكون ثمة طائفة يرون أن يفضلوا عليه هذا الصاحب من أصحاب رسول
472 الله أو ذاك، فرأيهم جديد بالمراجعة والتعديل، ذلك لأننا نجد من وراء هؤلاء المتشيعين لأبي بكر متشيعين يقرون بأفضلية علي، ويظاهرهم على هذه الأفضلية الكثرة الغالبة من العلماء وإن تفرقت بهم المذاهب، وتباينت الآراء. عبد الرحمن الشرقاوي وقال في مقدمة كتابه: علي إمام المتقين: ليس هذا الكتاب بحثا تاريخيا، ولا هو كتاب سيرة، ولا هو مفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم.. ولا هو بدفاع عن حق أحد في الخلافة قبل الآخر. فمن كان يلتمس في هذا الكتاب شيئا من هذا فليعدل عنه إلى غيره.. ما أردت بهذا الكتاب إلا أن أصطنع شكلا فنيا أقرب إلى الفن القصصي أعتمد فيه على حقائق التاريخ الثابتة، لأعرف مبادئ الإسلام وقيمه، من خلال تصوير فني للإمام علي ((رضي الله عنه)). ذلك أن الإمام عليا تجسدت فيه أخلاق الإسلام، ومثله، فقد تعهده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) طفلا، ورباه صبيا، وثقفه فتى، وقال عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ثم إن عليا قد كرم الله وجهه: فلم يسجد لغير الله تعالى، وما دخل قلبه منذ الطفولة شئ غير الإسلام ثم كان هو المجاهد العظيم في سبيل الله، وما صارع أحدا إلا صرعه. وقد علم الصحابة (رضي الله عنهم) مكانة علي (عليه السلام) عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
473 وأنهم ومعهم المسلمون في كل مكان وزمان ليقولون في كل صلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. وبارك على محمد وعلى آل محمد.. وبعد.. فأرجو أن أكون قد وفقت في رسم صورة مضيئة للإسلام، ولقدرته على مواجهة مشكلات العصر، من خلال تصويري للإمام علي (عليه السلام) بطلا خارقا، ومفكرا، وحكما، وعالما، وزاهدا، وانسانا عظيما. ويا لهذا البطل المثالي الذي كان يواجه بنبالة الفروسية، وبعظمة الزهد وبسمو الفكر، كل ما طالعته به الحياة الجديدة من أطماع، وجحود، ودسائس، وحيل، وأباطيل. وأنا أدعو الله مخلصا أن ينتفع القراء بهذا الكتاب. وفي سبيل الله ما كابدت فيه من مشقة وجهد وكيد!!.. وفقنا الله إلى ما فيه خير الإسلام والأمة، والإنسانية، والله ولي التوفيق. وقوله أيضا: وصدق رسول الله حين قال لعلي (عليه السلام): " أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة. من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، وويل لمن أبغضك من بعدي! ". وقبل أن يموت كان قد أوصى بربع أرضه التي في الحجاز لأصحاب الحاجات. فقضى، ولم يخلف تراثا غير الحكمة، والقدوة الحسنة، وما مات أحد من رعيته إلا خلف من المال أكثر مما ترك الإمام. عاش يناضل دفاعا عن الشريعة، والعدل، والحق، والمودة، والإخاء والسلام، والمساواة بين الناس. فسلام عليه!
474 سلام عليه يوم قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام: " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار ". ودار الحق معه حيث دار، وما عاداه في حياته وبعد موته إلا البغاة، وفرسان الضلال، وعبيد الشهوات، وأهل البدع والشح والأهواء. سلام عليه يوم قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: " من اتخذ عليا إماما لدينه، فقد استمسك بالعروة الوثقى ". وعبر أجيال متطاولة تعاورت فيها الأحداث والمآسي العظام، والهزائم التي تقصم الظهر وتكسر القلب، والانتصارات التي تثير الكبرياء في النفس.. عبر تلك الأزمان اتخذه المتقون إماما.. فقد كان دعاؤه مع عباد الله الصالحين: " واجعلنا للمتقين إماما ". واتخذه المساكين إماما.. واتخذه الفتيان والنساك والزهاد والعلماء والمجاهدون والشجعان إماما. سلام عليه، عليه السلام. قبض الشهيد الرائع البطولة، الأسطوري، المثالي، واستقر في ضمير الزمن، إنه كلما نطق أحد باسم أمير المؤمنين فحسب فهو الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، على الرغم من كثرة الخلفاء في كل عصور الإسلام، فكل خليفة بعد أبي بكر هو أمير المؤمنين.. ذلك أن عليا اجتمع له من عناصر القدوة وشرفها، واجتمع فيه من مقومات القيادة ونبالتها وشرفها ما لم يجتمع قط لحاكم. وهكذا كان فريدا حقا عالما وحاكما. فسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا. وسلام عليه إذ توارى جسده في التراب، وبقيت كلماته منارات إشعاع ومنابع حكمة، ومثار عزائم، وعدة للمتقين والمساكين، بعد كتاب الله والأحاديث
475 النبوية الشريفة. وسيظل القلب ينبض بما قال، وتشرق به النفس، ويزهو به العقل. وقوله: ولكن صوته العظيم اخترق الآماد والمسافات والقرون، لتضئ كلماته الرائعة ظلمات النفوس، وتنير طريق الهداية للسالكين. وقتل اللعين ابن ملجم، وحل الحسن بن علي محل أبيه.. ويا له من أب للصالحين في عصره، وفي كل العصور! وهكذا، ووري التراب جسده النبيل. جسد رجل لم تعرف الانسانية حاكما ابتلي مثل ما ابتلي به من فتن، على الرغم من حرصه على إسعاد الآخرين، وحماية العدل وإقامة الحق ودفع الباطل! جبران خليل جبران فإن الإمام عليا (عليه السلام) شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلد ليس ببلدهم وإلى قوم ليسوا بقومهم، في زمن ليس بزمنهم، وإن عليا لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان.
476 بولس سلامة تصدى بولس سلامة للكتابة عن نفسه، فلنستمع إليه يحدثنا: نشرت مجلة الأديب الغراء في خلال سنة 1947 إحدى قصائدي القديمة (حمدان البدوي) وكأن طريقتي في سرد تلك القصة المنظومة لفتت الأدباء، فتمنى علي فضيلة العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في العدد نفسه أن أنظم (أيام العرب) في ملحمة لافتقار الأدب العربي إلى الملاحم. وفي أعقاب خريف سنة 1947 اقترح علي حضرة الإمام الشريف، صاحب السماحة السيد عبد الحسين شرف الدين نظم (يوم الغدير) فتزاحمت علي الفكر وأيقظت كوامن الوجدان وتآلفت كما تتآلف المويجات على صفحات اليم، ثم تتكشف عن أمواج ترقص على الشاطئ، فصحت عزيمتي على نظم ملحمة عنوانها (عيد الغدير). إلى أن قال: ورب معترض قال: ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة إسلامية بحتة؟ أجل إنني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للعالمين. أجل إني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة، فيرى في غاندي الوثني قديسا، مسيحي يرى (الخلق كلهم عيال الله) ويرى أن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى). مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمسا كل يوم. رجل ليس في مواليد حواء أعظم
477 منه شأنا، وأبعد أثرا، وأخلد ذكرا. رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد، كتب عليه بأحرف من نور: لا إله إلا الله! الله أكبر! إن العروبة المستيقظة اليوم في صدور أبنائها، من المغرب الأقصى إلى آخر جزيرة العرب، لأحوج ما تكون إلى التمثل بأبطالها الغابرين، وهم كثر، على أنه لم يجتمع لواحد منهم ما اجتمع لعلي من البطولة والعلم والصلاح. ولم يقم في وجه الظالمين أشجع من الحسين فقد عاش الأب للحق وجرد سيفه للذياد عنه منذ يوم بدر، واستشهد الابن في سبيل الحرية يوم كربلاء، ولا غرو فالأول ربيب محمد والثاني فلذة منه. قد يقول قائل: ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الملحمة؟ ولا أجيب على هذا السؤال إلا بكلمات، فالملحمة كلها جواب عليه، وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: رضي الله عنه، وكرم وجهه، وعليه السلام) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه، ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا، وينظر إليه المفكر فيستضئ بهذا القطب الوضاء، ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه، ويعتمده الفقيه المدره فيسترشد بأحكامه. أما الخطيب فحسبه أن يقف على السفح، ويرفع الرأس إلى هذا الطود لتنهل عليه الآيات من عل، وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن، إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: أنح هذا النحو. وكان علم النحو. ويقرأ الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة، إذ لم تشهد الغبراء، ولم تظل السماء أشجع من ابن أبي طالب، فعلى ذلك الساعد الأجدل اعتمد الاسلام يوم كان وليدا، فعلي هو بطل بدر وخيبر والخندق وحنين ووادي الرمل
478 والطائف واليمن. وهو المنتصر في صفين، ويوم الجمل، والنهروان، والدافع عن الرسول يوم أحد، وقيدوم السرايا ولواء المغازي. وأعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية، فلم ير أصبر منه على المكاره. إذ كانت حياته موصولة الآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضهما على الحق في مسجد الكوفة. وبعد فلم تسائلني بأبي الحسن؟ أو لم تقم في خال العصور فئات من الناس تؤله الرجل؟ ولا ريب إنها الضلالة الكبرى، ولكنها ضلالة تدلك على الحق إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى. ولم يستطع خصوم علي أن يأخذوا عليه مأخذا فاتهموه بالتشدد في إحقاق الحق، أي إنهم شكوا كثرة فضله فأرادوه دنيويا يماري ويداري، وأراد نفسه روحانيا رفيعا يستميت في سبيل العدل، لا تأخذه في سبيل الله هوادة. وإنما الغضبة للحق ثورة النفوس القدسية، التي يؤلمها أن ترى عوجا. فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك؟ وقد قال الكتاب في المتنبي: (إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس) وإن هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة. وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام. حقا إن البيان ليسف، وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام، ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي، فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرف قلمه بذكرك.
479 ميخائيل نعيمة إن بطولات الإمام علي ما اقتصرت يوما على ميادين الحرب، فقد كان بطلا في صفاء بصيرته وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق انسانيته وطررة إيمانه وسمو دعته ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم وتعبده للحق أينما تجلى له الحق. وقوله: ما أظن أن التاريخ عرف رجلين ترافقا في طريق النور والخير والصلاح مثل ترافق محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب، فكأنهما منذ ولادتهما كانا على موعد مع النور والخير والصلاح، وما هي قرابة الدم والرحم التي جمعت بينهما، بل هي قرابة الروح وأين من قرابة الدماء والأرحام والذي له العلم بما تضمره الضمائر وتنطوي عليه النفوس وبما تسجله الدقائق في سجلات الوجود هو وحده يعلم ماذا دار بين ذينك الرفيقين الحميمين العظيمين في خلواتهما، وفي غدواتهما وروحانهما من أحاديث ومساجلات ومطارحات وهو وحده يعلم كيف أثر كلا الرفيقين في رفيقه وكيف تأثر به، ومما لا شك فيه هو أن النور الذي أشرق في روح النبي الكريم لم يلبث أن أشرق في روح ابن عمه العظيم، وذلك بفضل فطرته العظيمة وبصيرته النيرة وذهنه المتوقد ووجد أنه المتوهج وشوقه اللافح إلى النور، حتى أكاد أجزم بأن الرسول لم يجد نفسه في أي يوم مكرها على اللجوء إلى الجدل أو إلى الحجة والبرهان لاقناع ابن عمه ليصدق كلمة من كلماته أو صواب نيه من نياته، بل أكاد أجزم كذلك بأن عليا كرم الله وجهه كان لفرط ما به من رهافة
480 الحس بالجمال ومن الشوق إلى النور يبصر الجمال قبل أن يسفر الجمال عن وجهه، ويلمح سناه قبل أن ينبلج النور لعينه، فكأنه كان كمن يشهد بزوغ الشمس قبل أن تشرق الشمس. وانقضى أجل الرسول ورسالته ما تخطت بعد حدود الجزيرة العربية وهي ما نبتت في الجزيرة لتنحصر فيها، فلم يكن بد من رجال يشدون أزرها ويمضون بها بعيدا عن نباتها فكان (علي) أبرز الذين انبروا للذود عنها، والكفاح في سبيلها، وذلك بما أوتيه من فهم لغاياتها ومن حماسة تأججه لنشرها في الناس، ومن بلاغة خارقة في التعبير عن معانيها ومقاصدها، والكشف عن مكنوناتها، وأنا إنما أتحدث عن بلاغة إمام البلاغة لا أجد ما أشبهها به غير ومضات البروق التي تمزق أكباد الظلمات، فتكشف لك في مثل رفة جفن عوالم من السحر ما كانت لتخطر لك في بال. إن الحكمة في أروع مظاهرها لتترقرق فيما وصلنا من بيان الإمام ترقرق الماء الزلال على الحصى، وإن المروءة والشهامة والبطولة والتقوى وحب الخير والعدل لجميع الناس لتطالعك في جميع أقواله وأفعاله، لقد كان من بعد النبي خير بنية أبنتها أرضنا العربية حتى الآن، وهو اليوم وغدا وبعد الغد قمة شاهقة بين القمم التي تشع من أعاليها أنوار الخير والصلاح والهداية للناس، فلتكن ذكراه حافزا لنا لاقتفاء أثره في طريق النور والخير والصلاح أعاد الله هذه الذكرى الكريمة عليكم وعلى العرب والمسلمين أعواما بعد أعوام وشملكم والعالم بنعمة الوئام والسلام. وهذه مقدمة له لكتاب " صوت العدالة الانسانية، علي وحقوق الانسان " لجورج جرداق. لنا في حياة العظماء معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والإيمان والأمل. فهم
481 القمم التي نتطلع بشوق إليها ولهفة، والمنارات التي تكشح الدياجير من أمام أرجلنا وأبصارنا. وهم الذين يجددون ثقتنا بأنفسنا وبالحياة وأهدافها البعيدة السعيدة. ولولاهم لتولانا القنوط في كفاحنا مع المجهول، ولرفعنا الأعلام البيض من زمان وقلنا للموت: نحن أسراك وعبيدك يا موت. فافعل بنا ما تشاء. إلا أننا ما استسلمنا يوما للقنوط، ولن نستسلم. فالنصر لنا بشهادة الذين انتصروا منا. وابن أبي طالب منهم. وهم معنا في كل حين، وإن قامت بيننا وبينهم وهدات سحيقة من الزمان والمكان. فلا الزمان بقادر أن يخنق أصواتهم في آذاننا، ولا المكان بماح صورهم من أذهاننا. وهذا الكتاب الذي بين يديك خير شاهد على ما أقول. فهو مكرس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت به. وفجر ينابيع مواهبه الاسلام، ولكنه ما كان للاسلام وحده. وإلا فكيف لحياهت الفذة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان (1)، وفي العام 1956، فيتصدى لها بالدرس والتمحيص والتحليل، ويتغنى تغني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها؟ وبطولات الإمام ما اقتصرت يوما على ميادين الحرب. فقد كان بطلا في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق انسانيته، وحرارة إيمانه، وسمو دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم وتعبده للحق أينما تجلى له الحق. وهذه البطولات، ومهما تقادم بها العهد، لا تزال مقلعا غنيا نعود إليه اليوم وفي كل يوم كلما اشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة، فاضلة. لست أريد أن استبق القارئ إلى الكشف عن مواطن المتعة في هذا الكتاب. فهي كثيرة منها بيان مشرق يسمو هنا وهناك إلى سوامق من الصور الشعرية،
(1) يقصد جورج جرداق. 482 المشبوبة العاطفة، الزاهية اللون، العذبة الرنة. ومنها اتزان في التقدير والتفسير. ومنها محاولة جريئة في نقل علي وآرائه السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية إلى مسرح الحياة التي نحياها اليوم. وهي محاولة بارعة وموفقة، ما فطن لها الذين كتبوا في الموضوع من قبل. ناهيك باجتهادات جديدة في تفسير بعض الأحداث التي رافقت حياة الإمام تفسيرا يغاير النمط الذي درج عليه مؤرخوه حتى اليوم. إنه ليستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية، أن يأتيك حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام كالحقبة التي عاشها. فالذي فكره وتأمله، وقاله وعمله ذلك العملاق العربي بينه وبين نفسه وربه لمما لم تسمعه أذن ولم تبصره عين. وهو أكثر بكثير مما عمله بيده أو أذاعه بلسانه وقلمه. وإذ ذاك فكل صورة نرسمها له هي صورة ناقصة لا محالة. وقصارى ما نرجوه منها أن تنبض بالحياة. إلا أن العبرة في كتاب من هذا النوع هي في تفحص ما اتصل بنا من أعمال علي وأقواله. ثم في تفهمه تفهما دقيقا، عميقا. ثم في عرضه عرضا تبرز منه صورة الرجل كما تخيله المؤلف وكما يشاؤك أن تتخيله. ويقيني إن مؤلف هذا السفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب لا تستطيع أمامها إلا أن تشهد بأنها الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي. بسكنتا - لبنان (ميخائيل نعيمه)
483 جورج جرداق وهذا مقتطف من كلمات المؤلف جورج جرداق " الرياح السافيات ". ألا إنه علي بن أبي طالب الذي تتمزق بسيفه الظلمات، وتنقص على عدوه الرعود القاصفات، وتذروهم الرياح السافيات، فإذا به هول يدفع هولا وفي عينيه دموع تحولت شرارا، وفي حناياه عطف توقد نارا! ألا إنه مخبأ الفقير من الريح، وسترة الضعيف من السيل، وموئل العاجز من الزوبعة المهلكة، وصاحب الظل في الظهيرة المحرقة، كالليل! ألا إنه علي بن أبي طالب الذي سيقول فيه الدهر وفي سيفه مع القائلين: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي! وبعد زمن كان معاوية في ما يزيد عن ماية وعشرين ألف مقاتل من أهل الشام يقطع الأرض إلى العراق. ونزلوا عند نهر الفرات في وادي صفين على مقربة من الرقة سبقا إلى سهولة الأرض وسعة المناخ. وصفين واد تفصله عن شاطئ الفرات أرض مستنقعة يكثر فيها الشجر والعيون. وقدم علي بجيشه من الكوفة مجتازا بالمدائن والرقة وقصده تأديب معاوية إلى آخره حديثه في عرض واقعة صفين وحروبها. إن الشعب الذي أمكنه أن يعبر عن عبقريته منذ أربعة عشر قرنا برجل كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم بمجموعة من الناس كبعض تلاميذه وأنصاره يوم ذاك، هو شعب يستطيع اليوم في عصر غزو الفضاء أن يمشي مع القافلة التي تسير وهي تنظر غدا إلى الأمام.
484 سليمان كتاني قلة أولئك الرجال الذين هم على نسج علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تنهد بهم الحياة، موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هديا على مسالك العابرين. وهم، على قلتهم، كالأعمدة، تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومض من فوق مشارفها قبب المنائر. وإنهم في كل ذلك كالرواسي، تتقبل هوج الأعاصير وزمجرة السحب لتعكسها من مصافيها على السفوح خيرات رقيقة رفيقة عذبة المدافق. هؤلاء هم في كل آن وزمان، في دنيا الانسان، أقطابه ورواده. إنهم في حقول البحث والتنقيب مرامي حدوده، وفي كل خط ضارب في مهمة الوجود أقاصي مجالاته. وإنهم له على كل المفارق إشارات ترد سبله عن جوامحها، وفي كل تيه ضوابط تلملم عن الشطط شوارده. وهم له في دجية الليل قبلة من فجر، وفوق كلاحة الرمس لملمة من عزاء. من بين هؤلاء القلة يبرز وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هالة من رسالة، وفي ظل من نبوة، فاضتا عليه انسجاما واكتمالا كما احتواهما لونا وإطارا. أصحيح يا سيدي أنهم بدل أن يختلفوا إليك اختلفوا فيك؟! فمنهم من فقدوك وما وجدوك. ومنهم من وجدوك ثم فقدوك. إنه لعجب عجاب!!
485 أربعة عشر عمودا من أعمدة القرون، بساعاتها وأيامها وسنيها، ذابت كما تذوب حبة الملح على كف المحيط، ولما يذب بعد حرف من حروف اسمك الكبير. فكيف لهؤلاء أن يفقدوك ولا يجدوك، أو يجدوك ثم يفقدوك؟! ويا لسخرية القدر! حتى هؤلاء الذين وجدوك كيف تراهم حددوك؟! إن الحرف الذي انزلق عن شفتيك لا يزال منذ أربعة عشر قرنا يأبى أن يتقلص في زمان أو مكان، لأنه يحمل عنك نور قيم الفكر واعتلاجات حقيقة الحياة.. وهي أبعد من أن يحصرها إطار. إن الحرف، منطلقا من بين شفتيك، أبى أن ينزل في نطاق، فكيف بك أنت إذ حددوك بشورى تنحيك عن إمارة، أو بيعة تصلك بخلافة؟! وكيف تمكنوا من أن يحشروك بين بداية ونهاية؟ فإذا قماطك قميص عثمان، وإذا لك على كف ابن ملجم دثار الكفن. وكيف وجدوا تلك المقاييس فأخذوا يتلهون بها عنك وراحوا يقيسونك بها؟ فإذا أنت ربع القامة، لست بالطويل ولا بالقصير، عريض المنكبين تميل إلى سمنة ولست بالغليظ، وعيناك على دعج، وعنقك كإبريق فضة لك ساعدان مفتولان ليس للسيف فقط، بل حتى لاقتلاع المزاليج. ثم كيف أقحموك بين المشاكل والأحداث فإذا بها تتلقفك كما تتلقف الحلبة مناجزة المتصارعين؟ تبتدئ هكذا يوم الجمل بعرقبة عسكر وجندلة طلحة والزبير، وتنتهي بصفين، حيث تتحول المسرحية إلى مهزلة تختتم بمأساة. أهكذا نقشت على حدودك تخوم وحوط كيانك بسوار؟.. وأنت أنت الوسيم، ليس لدعج في عينيك، بل للهب في بصيرتك. ولا لبهاء في طليعتك، بل
486 لصفاء في سريرتك.. ولا لغيد في عنقك، بل لجبروت في شيمك. وأنت أنت البطل، صلب السيف والترس في كفيك، ليس لفتلة في زنديك أو لعرض في منكبيك، بل لفيض رجح على أصغريك، ثم فاض على نهجيك. وأنت أنت الناهج الأول، نسجت للدنيا قميصا على غير النول الذي حيك عليه قميص عثمان. وصغت للدين حساما كان من غير معدن سيف عشيق قطام. وأنت أنت الذي ابتدأت الركيزة وشهقت بها، تطل على الدنيا فوق حدودها وفوق مداها، تحمل في يدك مصحف الرسالة، تلوح به على غير النمط الذي لوح به في صفين مشعلا يتجاوز وهجه سنام الجمل ومجرى الفرات، ليعبر من مكة والمدينة، ليس إلى نفوذ الجزيرة وربعها الخالي وحسب، بل ليتجاوزها مع الشمس إلى حيث يبزغ الشروق، وإلى حيث يرتطم الغروب. لو أدرك الذين فقدوك، وحتى الذين وجدوك، أنك العملاق ولو بقامة قصيرة وأن وجهك ولو من التراب هو من لون الشمس، لما وصفوك، ولما صدقوا حتى اليوم أنهم فقدوك. وقوله: إلى أين يستطيع أن يطوف بك الفكر وقد تخليت عن كل القيود التي كانت تشد بك عن تلك المطاوف التي كانت تهتز تحت مقارع قبضتيك؟ وكيف أصبحت تنظر إليك الدنيا بعد أن نبذت إليها كل ما كان لك منها كما ينبذ الليل أمام الفجر آخر ذيل من ذيول عتماته؟ وكيف بدأت تنظر إليك ساحات الجهاد بعد أن تركت لها السيف الصقيل والرمح الأسيل؟ لعمري، إن التاسع عشر من رمضان لم يكن اليوم الأوحد الذي فيه رزمت
487 حقائبك وشددت رحلك للسفر الطويل. فلقد تهيأت لاعتلاء المطية البهية منذ اليوم الأول الذي به تكحلت عيناك بذلك الفيض الذي من غار حراء، دفقت عليك غموره. ومنذ ذلك اليوم والدنيا تطأطئ رأسها بين يديك، وتلقي بكل جبروتها تحت نعليك. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت خطواتك تتجه نحو الأقاصي، لا تستوقفها الأعاصير، ولا تلهيها رغوات الزبد؟ والدنيا التي قابلتها بخشونة كفك، وصدفت عنها بشمم أنفك، ورميت إليها بطي كشحك هي اليوم التي ترنو إليك، كأنها أدركت أنك أنعم وشي لبرودها، وأنك أطرى سحابة مرت تلطف النشفة في أجوائها. وأنك كنت أعقل معدل في صماماتها، تارة يطبق عليها الشح فتسد به على اختناق، وطورا يغور بها البطر فتحبل به على انفتاق. وأنك كنت أجرأ من مد إلى خدها المبرج يدا فهتك عنه الأزرار، ودخل خدرها المنمق فمزق عنه الستار، فإذا بالوجه السافر تفضح الشمس مساحيقه، وبالخدر المدلل المغطى بالسجف الوثيرة يتعرى عن كل مفاتنه الوبيئة. وهكذا أخضعت الدمية الكبيرة، وسلختها من أغلفة الأوهام لتلبسها الثوب البسيط المعفف، وسحقت عن أجفانها سقم المراود، وعرضتها للنور تستجمع منه مفاتن الكحل. وإن الدنيا هذه إذ تخسر تحت عينيك بريقها الوابق، تكتسب بين راحتيك وهجها الدافق.. فإذا هي دروب آمنة الجوانب، يتمشى عليها العابرون على اتزان.. يحدوهم الشوق العفيف، والأمل اللطيف، والمسعى النظيف.. في سبيل
488 الوصول إلى غفوة قريرة، لم تنغصها لا دلجة الطمع ولا لمز الجشع، ولم تهتكها تخاريب الفجور أو تجاويف الغرور، ولم تؤرقها دبابيس المظالم. وليس الفقر فيها بمن ء عن الفضائل، وليس الغنى منها بمغن عن الشمائل. وهكذا صنت حدود الدنيا إذ كشفت حدودها، وأسبغت عليها الكنوز من حيث بعثرت كنوزها. لذلك، فإنها أصبحت ترجع إليك في كل سانحة تشعر فيها بأنه قد غص بها الطريق، وفي دستورك كان لها ذلك المرجع الوثيق. ودستورك كان ذلك الإلمام الفسيح بكل أمور الحياة، مشاكلها ولواعجها. فلم تعالج شأنا من شؤونها إلا سبرت منه الأغوار وسلطت عليه الأنوار. أخذت الرسالة، فإذا هي من نور ربك الكبير هداية ما فاتك منها قبس، جمعت إليها حجاك، فشع بها منك الحجى، وضممتها إلى قواك فإذا صدرك منها كظهر المجن فرحت تغرف وتفرغ، دون أن يوهيك الغرف أو يوهنك التوزيع. كأنك اليم، ما ملت من مدك الشطآن. ولم تأخذ كبيرة إلا عالجتها بكبر، ولم تتناول صغيرة إلا أعرتها كل الفكر.. فكأنك كنت على البعد وعلى القرب كالنور، جواد البصيرة جواب النظر. وتهافتت حول حياضك الفضائل مترابطة كما تترابط ببعضها البعض خطوط القوافل فإذا بها مشدودة الرصف، منسقة القوالب، موزونة الإيقاع، سلسة المدارج فكنت الجائد الجواد من حيث كنت الزاهد الزهاد. وعجنت الدنيا بماء الزهد وخبزتها، فإذا موائد الجود تتفتح على حقيقة السخاء.. حتى إذا تناولت الرغيف المقدد تأكله بحبة ملح، كانت لك فيه كل العوافي.. ورغيفك كان كفافك، لأنه كان من الزهد عجينه.. ولن تحسد غيرك على
489 رغيف، لأنه من جود زهدك كان طحينة وزهدت بالدنيا، لأنك لم تر لها ظلا مقيما ولا عزا مستديما، ورأيت أن دروبها ليست غير معابر، ورأيت أن الانسان فيها حثيثا حثيثا إلى الموت سائر، وأنه إلى أحضان ربه صائر، ورأيت أن الفضائل خير حلية تجمع الانسان في دنياه، يسلكها بتقواه ويتركها بنجواه راحة في الحياة وبلغة للممات. ورأيت أن المثالب بنت المتاعب، تفسد المطالب، تحتضن الأحقاد، وتقض المضاجع. ولن يكون للإنسان فيها حقيقة مأرب، بل هي ملجأ العقل الواهي، ومسلك الطامع المغرور، والجائع النهم... هدف صغير، وشأو حقير، لن تبني انسانا يعي حقيقة الوجود، بل تبقى له مصدر قلق في سباق أليم، ينهكه التزاحم، ويدهدهه التحايل والتراوغ. فمددت باعك الطولي تفرض العفة في المسلك، والصدق في المنطق، والصراحة في الرأي، والحق في الفصل، والعدل في التنفيذ.. فإذا بك تمد الخوان تغنيه الفضائل، وتزينه الشمائل، وتطيبه التقوى، ويشهيه الإيمان. وعجينك هو العجين المطهر، لم تمتد إليه يد البغي بأصبع وكان المأكل منه نعم المأكل.. فيه الغذاء وفيه العزاء. فيه الرضوخ وفيه الرضا، فيه الحب وفيه السماح، وفيه السعي على إباء. وفيه الفكر على نبالة. وفيه يقظة الوجدان، وفيه روعة الانسان. هذا ما تركته للدنيا من حقيقة الدنيا. فلا عجب أن تجوع الدنيا إلى صوانيك كلما غصت بموائدها، أو تتعطش إلى مساقيك كلما غرقت في مناهلها. والدنيا إنما سغبها في تخمتها، وإنما صداها بفيض غمرها. أما إن أطباقك كيف لا تتخم، ومشاربك كيف لا تغرق، فلأنك الذواق، إذ
490 قدمت فن المأكل وفن المشرب. وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيها الوجه الكريم من سنا ربك. الدكتور صفاء خلوصي إن قضية الغدير لا شك في صحتها، إذ لا يمكن أن تبنى هذه الروايات المتوافرة والقصائد الطوال على شئ غير واقع، فالثابت أن موقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خم مما يمكن الإيمان بصحته وإثباته بنصوص كثيرة تخرج من نطاق الحصر. محمد مهدي شمس الدين إن نهج البلاغة سواء أنظرت إليه من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون وجدته من الآثار التي تقل نظائرها في التراث الإنساني على ضخامة هذا التراث. فقد قيل في بيان صاحبه: إنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق. بيان معجز البلاغة، تتحول الأفكار فيه إلى أنغام، وتتحول الأنغام فيه إلى أفكار، ويلتقي عليه العقل والقلب، والعاطفة والفكرة، فإذا أنت من الفكرة أمام كائن حي، متحرك، ينبض بالحياة، ويمور بالحركة.
491 وتلك هي آية الإعجاز في كل بيان. ولم يكرس هذا البيان المعجز لمديح سلطان، أو لاستجلاب نفع، أو لتعبير عن عاطفة تافهة مما اعتاد التافهون من الناس أن يكرسوا له البيان.. إن البيان في نهج البلاغة قد كرس لخدمة الانسان. فلم يمجد الإمام الأعظم في نهج البلاغة قوة الأقوياء، وإنما مجد نضال الضعفاء، ولم يمجد غنى الأغنياء، وإنما أعلن حقوق الفقراء، ولم يمجد الظالمين العتاة، وإنما مجد الأتقياء والصلحاء. إن الحرية والعبودية، والغنى والفقر، والعدل والظلم، والجهل والعلم، والحرب والسلم، والنضال الأزلي في سبيل عالم أفضل لإنسان أفضل، هو مدار الحديث في نهج البلاغة. فنهج البلاغة كتاب إنساني بكل ما لهذه الكلمة من مدلول، إنساني باحترامه للانسان وللحياة الانسانية، وانساني بما فيه من الاعتراف للانسان بحقوقه في عصر كان الفرد الإنساني فيه عند الحاكمين هباءة حقيرة لا قيمة لها ولا قدر، إنساني بما يثيره في الانسان من حب الحياة والعمل لها في حدود تضمن لها سموها ونقاءها. لهذا ولغيره كان نهج البلاغة، وسيبقى على الدهر أثرا من جملة ما يحتويه التراث الإنساني من الآثار القليلة التي تعشو إليها البصائر حين تكتنفها الظلمات. وحق له أن يكون كذلك وهو عطاء انسان كان كونا من البطولات، ودنيا من الفضائل، ومثلا أعلى في كل ما يشرف الانسان. وفي نهج البلاغة - الذي يمثل الإسلام في صفاته ونقائه كما فهمه الإمام علي (عليه السلام) وعاشه، وطبقه - في نهج البلاغة أجوبة مبدئية على كل الأمور التي نعاني
492 منها وغيرها. " نهج البلاغة "، إنه أثر إنساني خالد لا يحده مكان، ولا تنتهي الحاجة إليه في زمان، لأنه من الآثار الانسانية التي لم توضع لفريق دون فريق، ولم يراع فيها شعب دون شعب، وإنما خوطب بها الانسان أنى وجد وكان. ولأنها تلامس كل قلب، وتضمد كل جرح، وتكفكف كل دمعة، كانت ملكا للناس أجمعين، وكانت خالدة عند الناس أجمعين. الدكتور محمود البستاني أدب الإمام علي (عليه السلام) يمكن الذهاب إلى أن أجود نتاج أدبي عرفه التاريخ - فنا، وعمقا، وفكرا - يتمثل في ما كتبه الإمام علي (عليه السلام). نسوق هذه الحقيقة وأمامنا وثيقتان تشهدان بذلك أولاهما: نفس النتاج المأثور عنه (عليه السلام)، والأخرى: وثيقة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تؤكد هذه الحقيقة. وإذا كان مؤرخ الأدب يمكنه من خلال المتابعة الجاهدة لنتاج الإمام علي (عليه السلام) أن يستخلص هذه الحقيقة، فإن الملاحظ أو القارئ يمكنه أن يستخلص ذلك من الوثيقة التي قدمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الميدان، الوثيقة تقول: " أنا مدينة العلم وعلي بابها ". هذا النص التقويمي هو - إذ أخضعناه للغة الفن - " استعارة " ولكننا نعرف - كما ألمحنا إلى ذلك - أن الفارق بين الأدب التشريعي (القرآن الكريم، السنة النبوية) والأدب العادي، أن الأدب التشريعي حينما يلجأ إلى عنصر (الصورة: تشبيه، استعارة... الخ) يختلف عن الأدب العادي
493 في أن التشبيه أو الاستعارة ترتكز إلى واقع وليس إلى تخيل، أو وهم، أو مبالغة، فعندما يقرر القرآن الكريم: أن المنفق في سبيل الله مثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، حينئذ لا مبالغة في الصورة، نظرا لكون الله تعالى منزها عن تقرير غير الحق، كذلك ما يقرره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وهو معصوم من الخطأ - لا يبالغ في تقريره لحقيقة ما. فعندما يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت ". فإنه لم يبالغ في ذلك ما دام المرء يتعين عليه أن يحيا فكرة الموت وأن يعد له الزاد الذي يتناسب مع هذه الحقيقة، وحينئذ فإن إحياء فكرة الموت هي: صحبة بالفعل، فإذا لم يعد الغد من أجله فقد أساء هذه الصحبة، وحينئذ لا مبالغة في هذه الاستعارة، بل هي الحقيقة ذاتها. والآن حين نتجه إلى الاستعارة القائلة (أنا مدينة العلم وعلي بابها) نجد أن هذه الاستعارة تجسد الحقيقة دون مبالغة أيضا، ما دام كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوما من الباطل، وإذا كان من وظيفة مؤرخ الأدب أن يضع النصوص التي يدرسها في نطاقها التاريخي، حينئذ نجد أن الوثيقة النبوية القائلة: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " تشكل خلفية " تاريخية " ينبغي أن نستند إلى محتوياتها عند دراستنا لأدب الإمام علي (عليه السلام). إن كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة للعلم يعني: أن الله تعالى " ألهمه المعرفة " التي لم يلهمها أحدا من البشر سواه حيث حصرها في مدينة تابعة له (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما كون علي هو باب المدينة يعني: أن المعرفة التي ألهمها الله للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يتعرف عليها أحد إلا من خلال علي (عليه السلام)، لأنه الباب الذي يفضي إلى دخول المدينة وهذا - يعني أيضا -: أن عليا (عليه السلام) هو الذي يتكفل ببيان ما ألهمه الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): حيث أوصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المعرفة إلى علي (عليه السلام) وجعله لسانا رسميا يتكلم نيابة عنه، مما
494 يفسر لنا واحدا من أهم الأسباب التي جعلت النتاج الذي قدمه علي (عليه السلام) ينطوي على طرح يجمله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويفصله (عليه السلام)، أو يسكت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتركه لعلي (عليه السلام) بأن يضطلع بتقريره وتوصيله إلى الآخرين. إذن: عندما نقول بأن أدب الإمام علي (عليه السلام) يجسد أفضل نتاج عرفه تاريخ الأدب، حينئذ لا نبالغ في تقرير هذه الحقيقة التي ينبغي لمؤرخ الأدب أن يعيها كل الوعي، إذا كان مستهدفا دراسة تاريخ الأدب بلغة موضوعية تفرضها عليه وظيفته العلمية. وفي ضوء هذه الحقيقة نتقدم بعرض سريع لأدب الإمام علي (عليه السلام) بنحو يتناسب وحجم هذه الدراسة. وإن أهمية النتاج الذي قدمه الإمام علي (عليه السلام) تتمثل في المستويين: الفكري والفني. أما الفني فيكفي أن يطلق على نتاجه - في المختارات التي انتخبها الشريف الرضي - اسم نهج البلاغة أي النموذج أو المعايير أو القواعد أو الطرائق التي تجسد ما هو فني أو بلاغي من التعبير، وهذا يعني أن الإمام (عليه السلام) قدم النموذج للفن وإن ما عداه من النتاج العام هو دونه أو تقليد له. وأما الفكري منه، فيكفي أن نعود إلى وثيقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لنعرف أنه حصيلة ما أودعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من المعرفة لدى الإمام (عليه السلام)، وهو أمر يمكن أن يلاحظه مؤرخ الأدب حينما يجد أنه حيال فكر متميز يستبق عصره ويتجاوزها إلى التخوم التي لا يزال بعضها مجهولا حتى في حياتنا المعاصرة. لقد تحدث الإمام (عليه السلام) عن المعرفة بنمطيها: المعرفة الانسانية والمعرفة البحتة، فتحدث عن نشأة الكون وظواهره المختلفة من سماء وأرض وكواكب وملائكة وبشر وحيوان... الخ، وسائر ما يرتبط بالمعرفة البحتة. وتحدث عن النفس والتربية والاقتصاد والسياسة والتاريخ والاجتماع، وسائر ما يرتبط بالمعرفة الانسانية. ومعلوم أن الحديث عن الظاهرة العلمية:
495 انسانية كانت أو بحتة يتم عادة بلغة تقريرية، إلا أنه (عليه السلام) كتبها بلغة فنية تتوسل بالصوت والصورة وسائر الأدوات الجمالية في أرفع مستوياتها، مما جعل النتاج المأثور عنه (عليه السلام) مطبوعا بسمتي المعرفة والفن، ومن ثم جعل هذا النتاج مطبوعا بما هو نموذجي متميز بحيث يعكس آثاره على النتاج الذي تشهده العصور الأدبية اللاحقة، حتى أنه لا يكاد خطيب أو كاتب أو مفكر بنحو عام يتخلص من تأثير هذه الانعكاسات الأدبية والفكرية كما سنشير إلى ذلك في حينه. وأهمية هذا التأثير أو الانعكاس تتمثل في أن النتاج فكريا لا طرح مماثل له في الميدان العلمي عصرئذ حيث إن الازدهار العلمي بدأ بعد أكثر من مائة سنة من عصر الإمام (عليه السلام)، كما أن اللغة الفنية التي استخدمها (عليه السلام) كانت مكثفة بشكل يحولها إلى لغة جمالية محضة تغرق في غابة من الصور التشبيهية والتمثيلية والاستعارية والرمزية والاستدلالية والتضمينية... الخ، وتحتشد بإيقاعات هائلة تتناول كل مفردة ومركبة حتى لا تكاد تجد من بين آلاف المفردات والتراكيب مفردة أو تركيبا خاليا من إيقاع ملحوظ فضلا عما يواكب ذلك كله من الأدوات اللفظية والبنائية التي تحفل بما هو مدهش ومثير في مختلف مستوياتها. والمهم بعد ذلك أن نصنف هذا النتاج إلى أشكال متنوعة من التعبير الفني، يمكن درجها ضمن ما يلي: الخطبة، الرسالة، الخاطرة، المقالة، الدعاء، الزيارة، الحديث، المقابلة، المحاورة، الملاحظة.
496 محسن شرارة (1318 ه - 1365 ه) في بدء الإيجاد كنت...! على لوح الوجود، بين آفاق النور، عندما أطل شعاع سناك نورا متألقا، تومض بالشعاع، وتلظى بالإبداع. وكنت! في غاية السر ضميرا يتلألأ بالآلاء! موغلا في السمو والزهو، تتراءى بالينبوع في ضوء الشموع. وكنت. إذ أغرق التكوين، عجين الطين، بماء التسنيم، بلفظ مبدع قديم، على محيا الأديم. طيب السرى، في جباه الورى، في أصلاب طاهرات، وأرحام مطهرات، من الدنس نقيات، عن الخبث ساميات. وكنت إذ انفتق عنك النور، وانبثقت في الظهور، وجلاك باري النسم، في فناء الحرم عند هيكل الصنم، ديمة الديم. وكنت إذ نشأت كالفرقد، تغذي وتمهد، على أبهاء السؤدد، في كنف أحمد، عبقريا يتوقد! في الفراش الطهور، كالنجم في الظهور، فدية النور للنور.! وكنت في مغازي النذير، أنت الأمير، محور النفير. أسمى بطل، رأى المهل، عند الجدل، يغني العلل، لدى الأجل. وكنت على النهر نضو الغير، تري العبر، أشقى بشر. وكنت على الصحراء بين الأنواء، خلف الأرزاء، تنفث الدماء، تصبغ الفضاء، تبث في الحفر شكوى القدر والبشر.
497 خاتمة المطاف اختتم هذه الموسوعة الميمونة المباركة بما تيسر لي من جيد ما نظم وما نثر في حق أمير الفصاحة والبلاغة أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، خلال خمسة عشر قرنا. وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أشكر الذوات الأفاضل الذين آزروني وساعدوني في إخراجه، وتبويبه، ومراجعته حتى ظهر بهذه الحلة القشيبة. سائلا المولى القدير أن يقبل مني هذا اليسير ويعفو عني الكثير فإنه سميع بصير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين. تم ذلك في بلدة قم المقدسة، عش آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الفاتح من محرم الحرام سنة 1418 ه العبد المنيب حسين الشاكري