بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ المؤلف: محمد الريشهري الجزء: 5 الوفاة: معاصر المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة تحقيق: مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة : السيد محمد كاظم الطباطبائي ، السيد محمود الطباطبائي نژاد الطبعة: الثانية سنة الطبع: 1425 المطبعة: دار الحديث الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر ردمك: 964-5985-89-7 ملاحظات: ايران : قم المقدسة ، شارع معلم ، رقم 125 ، هاتف : 02517740545 - 02517740523 / لبنان : بيروت ، حارة حريك ، شارع دكاش ، هاتف : 03553892 - 01272664 / عنوان الاينترنت : www.hadith.net البريد الالكتروني : hadith@hadith.net موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ محمد الريشهري بمساعدة محمد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي المجلد الخامس
1 الريشهري، محمد، 1325 ه. ش - موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ / محمد الريشهري؛ بمساعدة السيد محمد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي نژاد. - قم: دار الحديث، 1421. 12 ج. المصادر بالهوامش 300000 ريال ISBN (set): 964 - 5985 - 89 - 7 1. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - الترجمة 2. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - السياسة والحكومة. 3. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - الحروب. 4. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - الفضائل. 5. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - الإقضية. 6. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - الأصحاب. 7. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه. - 40 ه - إثبات الخلافة. الف. العنوان. ب. الطباطبائي، السيد محمد كاظم، 1344 ه. ش - المؤلف المساعد. ج. الطباطبائي نژاد، السيد محمود، 1340 ه. ش -. المؤلف المساعد. 951 / 297 9 م 9 ر / 37 BP موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ المؤلف: محمد الريشهري المساعدان: السيد محمد كاظم الطباطبائي، السيد محمود الطباطبائي نژاد التحقيق: مركز بحوث دار الحديث الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر الطبعة: الثاني، 1425 المطبعة: دار الحديث النسخ: 500 ثمن الدورة: 30000 تومان مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية مركز للطباعة والنشر إيران: قم المقدسة، شارع معلم، رقم 125؛ هاتف: 7740545 - 7740523 0251 لبنان: بيروت، حارة حريك، شارع دكاش؛ هاتف: 559892 / 03 - 272664 / 01 hadith @ hadith. net http: / / www. hadith. net
2 بسم الله الرحمن الرحيم
3 القسم السادس حروب الإمام علي (عليه السلام) في أيام الامارة نظرة عامة في حروب الإمام الحرب الأولى: وقعة الجمل الحرب الثانية: وقعة صفين الحرب الثالثة: وقعة النهروان
5 نظرة عامة في حروب الإمام وفيه فصول: الفصل الأول: تحذير النبي من محاربة الإمام الفصل الثاني: إخبار النبي بالفتن بعده الفصل الثالث: أمر النبي بقتال المفتونين الفصل الرابع: دعاء النبي على المفتونين الفصل الخامس: دوافع البغاة في قتال الإمام الفصل السادس: أهداف الإمام في قتال البغاة الفصل السابع: نبذة من الآراء في قتال البغاة
7 المدخل
8 المدخل تسلم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مقاليد الخلافة بعد انثيال الناس عليه، وإقبالهم المنقطع النظير، وإصرارهم المتواصل. وبين سياسته في الحكم بصراحة في أول خطبة حماسية جليلة له، وذكر فيها أنه لن يطيق الامتيازات التي لا أساس لها في الإسلام، وأنه سوف يحدث تغييرا جذريا في المجتمع، ويقضي على التفاضل والتمايز الموهوم في كافة زوايا المجتمع؛ لأن ذلك كله من سمات الجاهلية التي عادت إلى الناس كهيئتها قبل البعثة النبوية الشريفة (1). ومن الواضح أن الكثيرين لم يتحملوا تلك المساواة، وامتعضوا من فقدانهم منزلتهم وامتيازاتهم، ولم يهدأ أولئك الذين عكروا الماء عند هجومهم على عثمان ليصطادوا لهم منصبا. ولم يطق هذه السياسة الثورية العاصفة الوصوليون النفعيون الذين تسلطوا على الأمة بلا سابقة ولا شرف باذخ، وفعلوا ما شاؤوا، غير مبالين بالحكومة المركزية.
(1) راجع: القسم الخامس / الإصلاحات العلوية. 9 ولهذا لم تكد تمضي أيام قلائل على حكومة الإمام صلوات الله عليه حتى بدأت المواجهات، وتكشفت الذرائع والحجج الواهية التي اتصلت فصبغت السنوات الخمس - التي هي مدة حكم الإمام (عليه السلام) - بصبغة الحروب والدماء. وكانت تلك المواجهات عسيرة ثقيلة إذا ما نظرنا إلى جذورها، وكيفية تبلور الكيان الذي كان عليه موقدوها، لا سيما أصحاب الجمل والنهروان، وأصحر الإمام (عليه السلام) بذلك مرارا، فقال: " لو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان! " (1). وقال: " إني فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها (2)، واشتد كلبها (3) " (4). ترى! من كان قادرا على إبصار ذلك السحاب المركوم من الأفكار الفاسدة، والجهل المطبق، والشرك المعقد، في ظل العناوين البراقة الخادعة؛ كعنوان: الصحابة، وعنوان السابقين، ووجوه المتنسكين الجهلة المتحجرين أصحاب الجباه التي أثفنها السجود؟! ومن كان متمكنا من الأمر بقمع هؤلاء وإبادتهم؟! أجل، كان عمل علي (عليه السلام) عملا عسيرا، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرى ذلك كله في
(1) الغارات: 1 / 7 وص 16، تاريخ اليعقوبي: 2 / 193، كتاب سليم بن قيس: 2 / 870 / 48 نحوه، بحار الأنوار: 33 / 366 / 559؛ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 324 / 188، كنز العمال: 11 / 298 / 31565. (2) الغيهب: الظلمة (لسان العرب: 1 / 653). (3) الكلب: داء يعرض للإنسان من عض الكلب الكلب، فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحدا إلا كلب، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشا (لسان العرب: 1 / 723). (4) نهج البلاغة: الخطبة 93، الغارات: 1 / 6، تاريخ اليعقوبي: 2 / 193، بحار الأنوار: 41 / 348 / 61؛ ينابيع المودة: 3 / 433 / 3. 10 مرآة الزمن، فأشار إليه مرارا، وقال مخاطبا الإمام: " تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل "، وقال: " إن علي بن أبي طالب أخي ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ". وأكثر من ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) كشف هوية مسعري الحروب ضد الإمام، فقال: " هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين بعدي ". من هنا كان بعض الصحابة يتحدثون عن هذه الحقيقة قبل أن تقبل الخلافة على الإمام (عليه السلام) (1). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكلفا برسالة إبلاغ الدين، كما كان على عاتقه مهمة الكشف عما سيحدث لهذه الأمة في المستقبل؛ لأن دينه يتصف بالخلود، وهو لكل زمان ومكان. فكان يخبر بتلك المواجهات، ويعرف الناس بموقدي نار الفتنة - كما مر - فذكرهم في عداد أهل الباطل، وعرفهم، على أنهم شرذمة فتنة، وفئة باغية، وقال (صلى الله عليه وآله): " يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني " (2). ومن جانب آخر، فقد صرح (صلى الله عليه وآله) للجميع بأحقية الإمام (عليه السلام) في حروبه، واستقامته فيها، بعد أن كان يطري على شخصية الإمام، ويؤكد أنه مع الحق والحق معه دائما (3)، فقال (صلى الله عليه وآله): " أنت... تقاتل عن سنتي " (4)، وقال: " حرب علي
(1) راجع: إخبار النبي بالفتن بعده وأمر النبي بقتال المفتونين. (2) تاريخ دمشق: 42 / 473 / 9044، كنز العمال: 11 / 613 / 32970. (3) تاريخ بغداد: 14 / 321 / 7643، تاريخ دمشق: 42 / 449 / 9205. راجع: القسم الثاني / أحاديث العصمة / علي مع الحق. (4) مسند أبي يعلى: 1 / 271 / 524، المناقب للخوارزمي: 129 / 143، ينابيع المودة: 1 / 374 / 3، كنز العمال: 1 / 13 / 374؛ كنز الفوائد: 2 / 179، شرح الأخبار: 1 / 113 / 35، كتاب سليم بن قيس: 2 / 569 / 2 وص 769 / 25، المناقب للكوفي: 1 / 351 / 278. 11 حرب الله " (1)، وقال: " حربك حربي " (2)، أو: " حربك حربي، وسلمك سلمي " (3)، إلى غيرها من الأحاديث. وبهذا كله أفصح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مقام الإمام الإلهي؛ لتستبين في المستقبل حقائق الأشخاص والأعمال، وتتجلى صفة الحق والباطل. وبعد هذه النظرة المقتضبة سنكون مع إضمامة من الأخبار والأسانيد التي تتكفل بإضاءة ما أوردناه.
(1) الخصال: 496 / 5، الأمالي للصدوق: 149 / 146 وص 85 / 52، بشارة المصطفى: 20. (2) المناقب لابن المغازلي: 50 / 73؛ تفسير فرات: 266 / 360. (3) الأمالي للطوسي: 364 / 763، كنز الفوائد: 2 / 179، شرح الأخبار: 2 / 102، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 217؛ المناقب للخوارزمي: 129 / 143. 12 الفصل الأول تحذير النبي من محاربة الإمام 1978 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله (1). 1979 - عنه (صلى الله عليه وآله): ولاية علي بن أبي طالب ولاية الله، وحبه عبادة الله، واتباعه فريضة الله، وأولياؤه أولياء الله، وأعداؤه أعداء الله، وحربه حرب الله، وسلمه سلم الله عز وجل (2). 1980 - عنه (صلى الله عليه وآله) - لعلي (عليه السلام) -: قاتل الله من قاتلك، وعادى من عاداك (3).
(1) الخصال: 496 / 5، الأمالي للصدوق: 149 / 146، بشارة المصطفى: 20، جامع الأخبار: 51 / 56 كلها عن جابر بن عبد الله الأنصاري. (2) الأمالي للصدوق: 85 / 52، بشارة المصطفى: 153، روضة الواعظين: 114، جامع الأخبار: 50 / 54 كلها عن ابن عباس. (3) الجمل: 81، الاحتجاج: 1 / 330 / 55 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عن الإمام علي (عليهما السلام) عنه (صلى الله عليه وآله)، بشارة المصطفى: 166، مائة منقبة: 99 / 43 كلاهما عن رافع مولى عائشة، الأمالي للصدوق: 757 / 1021 عن الحسن بن علي بن فضال عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) وفيه صدره؛ الإصابة: 3 / 82 / 3254 عن ابن الزبير. 13 1981 - عنه (صلى الله عليه وآله): يا علي، حربك حربي، وحربي حرب الله (1). 1982 - عنه (صلى الله عليه وآله): حربك - يا علي - حربي، وسلمك سلمي (2). 1983 - الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه تلا هذه الآية: (فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون) (3)، قيل: يا رسول الله من أصحاب النار؟ قال: من قاتل عليا بعدي، أولئك هم أصحاب النار مع الكفار؛ فقد كفروا بالحق لما جاءهم. ألا وإن عليا مني، فمن حاربه فقد حاربني وأسخط ربي. ثم دعا عليا (عليه السلام) فقال: يا علي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي بعدي (4). 1984 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي حربك حربي، وسلمك سلمي، وحربي حرب الله، ومن سالمك فقد سالمني، ومن سالمني فقد سالم الله عز وجل (5).
(1) كفاية الأثر: 184 عن أم سلمة، بحار الأنوار: 36 / 348 / 216. (2) الإفصاح: 128، كنز الفوائد: 2 / 179 عن جابر بن عبد الله الأنصاري، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 217، تفسير فرات: 266 / 360، شرح الأخبار: 2 / 102، عوالي اللآلي: 4 / 87 / 108؛ المناقب لابن المغازلي: 50 / 73 عن ابن عباس، المناقب للخوارزمي: 129 / 143 عن زيد بن علي عن الإمام زين العابدين عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله)، شرح نهج البلاغة: 20 / 221. (3) البقرة: 275. (4) الأمالي للطوسي: 364 / 763 عن علي بن علي بن رزين عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) وراجع تفسير فرات: 477 / 623 و 624. (5) الأمالي للصدوق: 656 / 891، بشارة المصطفى: 180 كلاهما عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، فضائل الشيعة: 56 / 17 عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) نحوه. 14 1985 - الأمالي للطوسي عن عطية بن سعد العوفي عن محدوج بن زيد الذهلي - وكان في وفد قومه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فتلا هذه الآية: (لا يستوي أصحب النار وأصحب الجنة أصحب الجنة هم الفائزون) (1) -: قلت: يا رسول الله من أصحاب الجنة؟ قال: من أطاعني وسلم لهذا من بعدي. قال: وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكف علي (عليه السلام) - وهو يومئذ إلى جنبه - فرفعها، وقال: ألا إن عليا مني، وأنا منه، فمن حاده فقد حادني، ومن حادني فقد أسخط الله عز وجل. ثم قال: يا علي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت العلم بيني وبين أمتي. قال عطية: فدخلت على زيد بن أرقم في منزله فذكرت له حديث محدوج بن زيد، فقال: ما ظننت أنه بقي ممن سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول هذا غيري! أشهد لقد حدثنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم قال: لقد حاده رجال سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله هذا، وقد ردوا (2). 1986 - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) -: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم (3). 1987 - مسند ابن حنبل عن أبي هريرة: نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي والحسن والحسين
(1) الحشر: 20. (2) الأمالي للطوسي: 485 / 1063، بحار الأنوار: 24 / 261 / 15 و ج 38 / 119 / 62؛ ينابيع المودة: 1 / 172 / 19 نحوه. (3) سنن الترمذي: 5 / 699 / 3870، سنن ابن ماجة: 1 / 52 / 145، المستدرك على الصحيحين: 3 / 161 / 4714، المعجم الكبير: 3 / 40 / 2619 و ح 2620؛ كشف الغمة: 2 / 154 كلها عن زيد ابن أرقم. 15 وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم (1). 1988 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني! (2)
(1) مسند ابن حنبل: 3 / 446 / 9704، المستدرك على الصحيحين: 3 / 161 / 4713، تاريخ بغداد: 7 / 137 / 3582، المعجم الكبير: 3 / 40 / 2621، أسد الغابة: 3 / 7 / 2481 عن صبيح، المناقب لابن المغازلي: 64 / 90؛ الأمالي للطوسي: 336 / 680 عن زيد بن أرقم، الاعتقادات: 105. (2) تاريخ دمشق: 42 / 473 / 9044 عن عمار بن ياسر، كنز العمال: 11 / 613 / 32970. 16 الفصل الثاني إخبار النبي بالفتن بعده 1989 - الإمام علي (عليه السلام): لما أنزل الله سبحانه قوله: (ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (1) علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي. فقلت: يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت (2) عني الشهادة فشق ذلك علي، فقلت لي: أبشر؛ فإن الشهادة من ورائك؟! فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟ فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر. وقال: يا علي، إن القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنون بدينهم على ربهم،
(1) العنكبوت: 1 و 2. (2) حزت الشيء: نحيته (لسان العرب: 5 / 341). 17 ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته. ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهية؛ فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع. قلت يا رسول الله: فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك؛ أبمنزلة ردة، أم بمنزلة فتنة؟ فقال: بمنزلة فتنة (1). 1990 - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في قوله تعالى - (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) (2) -: نزلت في علي بن أبي طالب؛ أنه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي (3). 1991 - تاريخ دمشق عن عبد الله: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتى منزل أم سلمة، فجاء علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم سلمة، هذا - والله - قاتل القاسطين والناكثين والمارقين بعدي (4). 1992 - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - لعلي (عليه السلام) -: تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين (5).
(1) نهج البلاغة: الخطبة 156، بحار الأنوار: 32 / 241 / 191؛ كنز العمال: 16 / 194 / 44216 نقلا عن وكيع وراجع أسد الغابة: 4 / 110 / 3789. (2) الزخرف: 41. (3) الفردوس: 3 / 154 / 4417، الدر المنثور: 7 / 380 نقلا عن ابن مردويه وكلاهما عن جابر بن عبد الله. (4) تاريخ دمشق: 42 / 470 / 9041، المناقب للخوارزمي: 190 / 225، البداية والنهاية: 7 / 306، مطالب السؤول: 24، الرياض النضرة: 3 / 226؛ كشف الغمة: 1 / 126 والثلاثة الأخيرة عن ابن مسعود، بشارة المصطفى: 167 نحوه. (5) الجمل: 80، الشافي: 3 / 61، كنز الفوائد: 2 / 175، علل الشرائع: 222 عن الإمام علي (عليه السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) وفيه " أمرت بقتال " بدل " تقاتل بعدي " وفي ذيله: وروي هذا الحديث من ثمانية عشر وجها؛ شرح نهج البلاغة: 1 / 201 و ج 13 / 183. 18 1993 - المستدرك على الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات (1). قال أبو أيوب: قلت: يا رسول الله، مع من تقاتل هؤلاء الأقوام؟! قال: مع علي بن أبي طالب (2). 1994 - الإمام الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل -: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأم سلمة: يا أم سلمة اسمعي واشهدي! هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين. قلت: يا رسول الله، من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثونه بالبصرة. قلت: من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. ثم قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان (3). 1995 - المناقب للخوارزمي عن عبد الله [بن العباس]: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من عند زينب بنت جحش، فأتى بيت أم سلمة - وكان يومها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) -، فلم
(1) الشعفات: جمع شعفة؛ وهي رؤوس الجبال (تاج العروس: 12 / 305). (2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 150 / 4675. (3) معاني الأخبار: 204 / 1 عن المفضل بن عمر، الأمالي للصدوق: 464 / 620، الأمالي للطوسي: 425 / 952، بشارة المصطفى: 59 والثلاثة الأخيرة عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام)، الاحتجاج: 1 / 462 / 106 عن أم سلمة. 19 يلبث أن جاء علي، فدق الباب دقا خفيا، فاستثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدق وأنكرته أم سلمة، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): قومي فافتحي له الباب! فقالت: يا رسول الله، من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب، فأتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت في آية من كتاب الله بالأمس؟! فقال لها - كالمغضب -: إن طاعة الرسول طاعة الله، ومن عصى الرسول فقد عصى الله، إن بالباب رجلا ليس بالنزق (1) ولا بالخرق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حسا ولا حركة وصرت إلى خدري استأذن، فدخل. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت، سحنته (2) من سحنتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة (3) علمي. اسمعي واشهدي! هو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي. اسمعي واشهدي! هو والله محيي سنتي. اسمعي واشهدي! لو أن عبدا عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضا لعلي لأكبه الله يوم القيامة على منخريه في النار (4). 1996 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي أنه جاعل لي من أمتي أخا
(1) النزق: خفة في كل أمر وعجلة في جهل وحمق؛ نزق ينزق فهو نزق (لسان العرب: 10 / 352). (2) السحنة: بشرة الوجه وهيأته وحاله (النهاية: 2 / 348). (3) العيبة: وعاء من أدم يكون فيها المتاع، والعرب تكني عن الصدور والقلوب التي تحتوي على الضمائر المخفاة بالعياب (لسان العرب: 1 / 634). (4) المناقب للخوارزمي: 86 / 77، تاريخ دمشق: 42 / 470 / 9042؛ علل الشرائع: 65 / 3 عن عبد الله بن عباس وكلاهما نحوه. 20 ووارثا وخليفة ووصيا. فقلت: يا رب، من هو؟ فأوحى إلي عز وجل: يا محمد، إنه إمام أمتك، وحجتي عليها بعدك. فقلت: يا رب من هو؟ فأوحى إلي عز وجل: يا محمد ذاك من أحبه ويحبني، ذاك المجاهد في سبيلي، والمقاتل لناكثي عهدي والقاسطين في حكمي والمارقين من ديني، ذاك وليي حقا، زوج ابنتك، وأبو ولدك؛ علي بن أبي طالب (1). 1997 - شرح نهج البلاغة - في شرح قوله (عليه السلام): فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون -: فأما الطائفة الناكثة فهم أصحاب الجمل، وأما الطائفة الفاسقة فأصحاب صفين، وسماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) القاسطين، وأما الطائفة المارقة فأصحاب النهروان. وأشرنا نحن بقولنا: " سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) القاسطين " إلى قوله (عليه السلام): " ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين "، وهذا الخبر من دلائل نبوته (صلى الله عليه وآله)؛ لأنه إخبار صريح بالغيب، لا يحتمل التمويه والتدليس كما تحتمله الأخبار المجملة، وصدق قوله (عليه السلام): " والمارقين " قوله أولا في الخوارج: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ". وصدق قوله (عليه السلام): " الناكثين " كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، وقد كان (عليه السلام) يتلو وقت مبايعتهم له: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (2). وأما أصحاب صفين فإنهم عند أصحابنا مخلدون في النار؛ لفسقهم، فصح فيهم قوله تعالى: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (3) (4).
(1) الأمالي للصدوق: 641 / 867 عن ابن عباس، بحار الأنوار: 38 / 107 / 35. (2) الفتح: 10. (3) الجن: 15. (4) شرح نهج البلاغة: 1 / 200. 21 الفصل الثالث أمر النبي بقتال المفتونين 1998 - الإمام علي (عليه السلام) - يوم النهروان -: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين (1). 1999 - عنه (عليه السلام): عهد إلي النبي (صلى الله عليه وآله) أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (2). 2000 - عنه (عليه السلام): أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (3).
(1) تاريخ بغداد: 8 / 340 / 4447 عن خليد العصري، تاريخ دمشق: 42 / 468 عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عنه (عليهم السلام) وص 470 عن خليد القصري، البداية والنهاية: 7 / 306 عن خليد المصري؛ شرح الأخبار: 1 / 338 / 306 عن خالد بن الأعصري و ج 2 / 38 / 408. (2) مسند أبي يعلى: 1 / 269 / 515، تاريخ دمشق: 42 / 468، أسد الغابة: 4 / 108 / 3789، البداية والنهاية: 7 / 305 كلها عن علي بن ربيعة. (3) الخصال: 145 / 171 عن علقمة، علل الشرائع: 222، عيون أخبار الرضا: 2 / 61 / 241 عن الحسن بن عبد الله الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عنه (عليهم السلام)، الخرائج والجرائح: 1 / 199 / 39؛ تاريخ دمشق: 42 / 469 عن عمرو وأبي سعيد التيمي وإبراهيم بن علقمة، المعجم الأوسط: 8 / 213 / 8433 عن ربيعة بن ناجد، البداية والنهاية: 7 / 305 عن علقمة. 23 2001 - عنه (عليه السلام): أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ففعلت ما أمرت به؛ فأما الناكثون: فهم أهل البصرة وغيرهم من أصحاب الجمل، وأما المارقون: فهم الخوارج، وأما القاسطون: فهم أهل الشام وغيرهم من أحزاب معاوية (1). 2002 - عنه (عليه السلام) - في لوم العصاة -: ألا وقد قطعتم قيد الإسلام، وعطلتم حدوده، وأمتم أحكامه. ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض، فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوخت، وأما شيطان الردهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة (2) قلبه، ورجة (3) صدره (4). 2003 - عنه (عليه السلام): أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين؛ طلحة والزبير، والقاسطين؛ معاوية وأهل الشام، والمارقين؛ وهم أهل النهروان، ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتهم! (5)
(1) دعائم الإسلام: 1 / 388، شرح الأخبار: 1 / 339 / 308؛ تاريخ دمشق: 42 / 469، البداية والنهاية: 7 / 306 كلاهما عن سعد بن جنادة، المناقب للخوارزمي: 176 / 212 عن أبي سعيد التميمي وكلها نحوه. (2) وجبة قلبه: أي خفقانه (النهاية: 5 / 154). (3) رجة صدره: اضطرابه (انظر النهاية: 2 / 198). (4) نهج البلاغة: الخطبة 192، غرر الحكم: 2790، عيون الحكم والمواعظ: 109 / 2397، بحار الأنوار: 14 / 457 / 37. (5) الأمالي للطوسي: 726 / 1526 عن عبد الله بن شريك عن أبيه، الملاحم والفتن: 222 / 320 عن عبد الله بن شريك نحوه. 24 2004 - عنه (عليه السلام): أما والله لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال لي: يا علي، لتقاتلن الفئة الباغية، والفئة الناكثة، والفئة المارقة! (1) 2005 - عنه (عليه السلام) - في خطبته الزهراء -: والله، لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا أربع - فقال: " يا علي، إنك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين "، أفأضيع ما أمرني به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو أكفر بعد إسلامي؟! (2) 2006 - شرح نهج البلاغة - في شرح قوله (عليه السلام): ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي والنكث والفساد في الأرض، فأما الناكثون فقد قاتلت، وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوخت -: قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال له (عليه السلام): " ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين "، فكان الناكثون أصحاب الجمل؛ لأنهم نكثوا بيعته (عليه السلام)، وكان القاسطون أهل الشام بصفين، وكان المارقون الخوارج في النهروان. وفي الفرق الثلاث قال الله تعالى: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (3)، وقال: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (4)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): " يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر أحدكم في النصل فلا يجد شيئا، فينظر في الفوق فلا يجد شيئا، سبق الفرث والدم ". وهذا الخبر من أعلام نبوته (صلى الله عليه وآله)، ومن أخباره المفصلة بالغيوب (5).
(1) تفسير العياشي: 2 / 78 / 25 عن الحسن البصري، مجمع البيان: 5 / 18، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 147 وزاد في آخره " إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ". (2) تفسير القمي: 1 / 283. (3) الفتح: 10. (4) الجن: 15. (5) شرح نهج البلاغة: 13 / 182. 25 الفصل الرابع دعاء النبي على المفتونين 2007 - الإمام علي (عليه السلام): والذي خلقني ولم أك شيئا! لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أن الناكثين والقاسطين والمارقين ملعونون على لسان النبي الأمي، (وقد خاب من افترى) (1) (2). 2008 - عنه (عليه السلام): لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد أن أهل صفين قد لعنهم الله على لسان نبيه، (وقد خاب من افترى) (3). 2009 - الاحتجاج: جاء رجل من أهل البصرة إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: يا علي بن الحسين، إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين! فهملت عينا علي
(1) طه: 61. (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 420 / 5918، الأمالي للصدوق: 703 / 961، بشارة المصطفى: 191 كلها عن الأصبغ بن نباتة، بحار الأنوار: 39 / 336 / 4. (3) عيون أخبار الرضا: 2 / 64 / 275 عن أبي محمد الحسن بن عبد الله الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام)، بحار الأنوار: 33 / 162 / 427. 27 ابن الحسين (عليهما السلام) دموعا حتى امتلأت كفه منها، ثم ضرب بها على الحصى، ثم قال: يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل علي مؤمنا، ولا قتل مسلما، وما أسلم القوم، ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه. وقد علمت صاحبة الخدب (1) والمستحفظون من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن أصحاب الجمل وأصحاب صفين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأمي، (وقد خاب من افترى). فقال شيخ من أهل الكوفة: يا علي بن الحسين، إن جدك كان يقول: إخواننا بغوا علينا! فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما تقرأ كتاب الله: (وإلى عاد أخاهم هودا) (2)، فهم مثلهم، أنجى الله عز وجل هودا والذين معه، وأهلك عادا بالريح العقيم (3). 2010 - الإمام علي (عليه السلام): علم المستحفظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) وعائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان ملعونون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (4).
(1) الخدب: الجمل الشديد الصلب الضخم القوي (تاج العروس: 1 / 452). (2) الأعراف: 65. (3) الاحتجاج: 2 / 135 / 176، بحار الأنوار: 32 / 343 / 327. (4) تفسير فرات: 141 / 170 عن أبي الطفيل، بحار الأنوار: 32 / 127 / 104. 28 الفصل الخامس دوافع البغاة في قتال الإمام 5 / 1 الاستعلاء 2011 - الإمام علي (عليه السلام): فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين) (1)، بلى! والله لقد سمعوها، ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم (2) زبرجها (3) (4).
(1) القصص: 83. (2) الروق: الإعجاب، وراقني الشيء: أعجبني (لسان العرب: 10 / 134). (3) الزبرج: الزينة والذهب (النهاية: 2 / 294). (4) نهج البلاغة: الخطبة 3، معاني الأخبار: 361 / 1، علل الشرائع: 151 / 12 وفيهما " فسقت أخرى " بدل " قسط آخرون "، الإرشاد: 1 / 289، الاحتجاج: 1 / 457 / 105 والأربعة الأخيرة عن ابن عباس؛ تذكرة الخواص: 125 نحوه. 29 2012 - شرح نهج البلاغة: جاء الزبير وطلحة إلى علي (عليه السلام) بعد البيعة بأيام، فقالا له: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها، وعلمت رأي عثمان كان في بني أمية، وقد ولاك الله الخلافة من بعده، فولنا بعض أعمالك! فقال لهما: أرضيا بقسم الله لكما، حتى أرى رأيي. واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي، ومن قد عرفت دخيلته (1). فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس (2). 2013 - الإمام علي (عليه السلام) - في وصف طلحة والزبير -: كل واحد منهما يرجو الأمر له، ويعطفه عليه دون صاحبه، لا يمتان إلى الله بحبل، ولا يمدان إليه بسبب. كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه، وعما قليل يكشف قناعه به! والله! لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا، وليأتين هذا على هذا. قد قامت الفئة الباغية، فأين المحتسبون! فقد سنت لهم السنن، وقدم لهم الخبر، ولكل ضلة علة، ولكل ناكث شبهة. والله لا أكون كمستمع اللدم؛ يسمع الناعي، ويحضر الباكي، ثم لا يعتبر! (3) 2014 - الإرشاد: لما اتصل به [علي (عليه السلام)] مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة من مكة، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد سارت عائشة وطلحة والزبير، كل واحد منهما يدعي الخلافة دون صاحبه، فلا يدعي طلحة الخلافة إلا أنه ابن عم
(1) دخيلة الرجل: نيته ومذهبه وخلده وبطانته (لسان العرب: 11 / 240). (2) شرح نهج البلاغة: 1 / 231؛ بحار الأنوار: 32 / 6 / 1. (3) نهج البلاغة: الخطبة 148، بحار الأنوار: 32 / 80 / 52. 30 عائشة، ولا يدعيها الزبير إلا أنه صهر أبيها، والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربن الزبير عنق طلحة، وليضربن طلحة عنق الزبير؛ ينازع هذا على الملك هذا (1). 2015 - تاريخ الطبري عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: خلا سعيد [بن العاص بن مروان] بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما، لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني! قالا: لأحدنا؛ أينا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان؛ فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم! (2) 2016 - تاريخ الطبري عن ابن عباس: خرج أصحاب الجمل في ستمائة، معهم: عبد الرحمن بن أبي بكرة، وعبد الله بن صفوان الجمحي، فلما جاوزا بئر ميمون (3) إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها ينثعب (4)، فتطيروا. وأذن مروان حين فصل من مكة، ثم جاء حتى وقف عليهما، فقال: أيكما أسلم بالإمرة، وأؤذن بالصلاة؟! فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله. وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد. فأرسلت عائشة إلى مروان، فقالت: ما لك! أتريد أن تفرق أمرنا؟! ليصل ابن أختي! فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير، حتى قدم البصرة.
(1) الإرشاد: 1 / 246، الكافئة: 19 / 19؛ شرح نهج البلاغة: 1 / 233 نحوه. (2) تاريخ الطبري: 4 / 453، الكامل في التاريخ: 2 / 315 وفيه " لأيتام " بدل " لأبنائهم ". (3) بئر ميمون: بئر بمكة منسوبة إلى ميمون بن خالد الحضرمي (معجم البلدان: 1 / 302). (4) ثعب الماء والدم ونحوهما: فجره، فانثعب كما ينثعب الدم من الأنف (لسان العرب: 1 / 236). 31 فكان معاذ بن عبيد الله يقول: والله لو ظفرنا لافتتنا؛ ما خلى الزبير بين طلحة والأمر، ولا خلى طلحة بين الزبير والأمر! (1) 2017 - الجمل: لما أصبحوا [الناكثون بعد استيلائهم على البصرة]، اجتمع الناس إليهم، وأذن مؤذن المسجد لصلاة الغداة، فرام (2) طلحة أن يتقدم للصلاة بهم، فدفعه الزبير وأراد أن يصلي بهم، فمنعه طلحة، فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس أن تطلع. فنادى أهل البصرة: الله الله يا أصحاب رسول الله في الصلاة، نخاف فوتها! فقالت عائشة: مروا أن يصلي بالناس غيرهما. فقال لهم يعلى بن منية: يصلي عبد الله بن الزبير يوما، ومحمد بن طلحة يوما، حتى يتفق الناس على أمير يرضونه. فتقدم ابن الزبير، وصلى بهم ذلك اليوم (3). راجع: وقعة الجمل / تأهب الناكثين للخروج على الإمام / بدء الخلاف. 5 / 2 الحقد 2018 - الإمام علي (عليه السلام) - عند التهيؤ لقتال القاسطين -: ألا إن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير في عواقب الأمور، ألا إنها إحن (4)
(1) تاريخ الطبري: 4 / 454، الكامل في التاريخ: 2 / 314 نحوه. (2) رام الشيء: طلبه (لسان العرب: 12 / 258). (3) الجمل: 281، تاريخ اليعقوبي: 2 / 181 نحوه وراجع مروج الذهب: 2 / 367 وشرح نهج البلاغة: 9 / 320 والفتوح: 2 / 459. (4) الإحنة: الحقد في الصدر، والجمع إحن وإحنات (لسان العرب: 13 / 8). 32 بدرية، وضغاين أحدية، وأحقاد جاهلية، وقرأ: (فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم لعلهم ينتهون) (1) (2). 2019 - الإقبال - في دعاء الندبة في وصف الإمام علي (عليه السلام) -: ويقاتل على التأويل، ولا تأخذه في الله لومة لائم، قد وتر (3) فيه صناديد (4) العرب، وقتل أبطالهم، وناوش (5) ذؤبانهم، وأودع قلوبهم أحقادا بدرية، وخيبرية، وحنينية، وغيرهن، فأضبت (6) على عداوته، وأكبت على منابذته، حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين (7). 2020 - بلاغات النساء عن أم الخير بنت الحريش البارقية - في وصف أعداء الإمام علي (عليه السلام) في حرب صفين -: إنها إحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة؛ ليدرك بها ثارات بني عبد شمس (8). 2021 - وقعة صفين عن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي - في حرب
(1) التوبة: 12. (2) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 180، بحار الأنوار: 32 / 587 / 472. (3) يقال: وترت الرجل؛ إذا قتلت له قتيلا وأخذت له مالا (لسان العرب: 5 / 274). (4) الصناديد: الواحد صنديد، وهو كل عظيم غالب (لسان العرب: 3 / 260). (5) ناوشهم: قاتلهم، والمناوشة في القتال: تداني الفريقين وأخذ بعضهم بعضا (النهاية: 5 / 128). (6) أضب الشيء: أخفاه (لسان العرب: 1 / 540). (7) الإقبال: 1 / 507، المزار الكبير: 577، مصباح الزائر: 448 وفيهما " ناهش " بدل " ناوش " وفي صدر الحديث: قال محمد بن علي بن أبي قرة: نقلت من كتاب محمد بن الحسين بن سنان البزوفري دعاء الندبة، وذكر أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات الله عليه. (8) بلاغات النساء: 57، العقد الفريد: 1 / 345 وفيه " واثب " بدل " معاوية "، صبح الأعشى: 1 / 250؛ الطرائف: 28. 33 صفين -: يا أمير المؤمنين، إن القوم لو كانوا الله يريدون أو لله يعملون ما خالفونا! ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة (1)، وحبا للأثرة (2)، وضنا (3) بسلطانهم، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم، وعلى إحن في أنفسهم، وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة، قتلت فيها أباءهم وإخوانهم. ثم التفت إلى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة، وخاله الوليد، وجده عتبة في موقف واحد! والله ما أظن أن يفعلوا، ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد (4) فيهم المران (5)، وتقطع على هامهم السيوف، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد، وتكون أمور جمة بين الفريقين (6). 2022 - وقعة صفين: ذكروا أنه اجتمع... عتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن عامر، وابن طلحة الطلحات، فقال عتبة: إن أمرنا وأمر علي لعجب، ليس منا إلا موتور محاج؛ أما أنا فقتل جدي، واشترك في دم عمومتي يوم بدر، وأما أنت يا وليد فقتل أباك يوم الجمل، وأيتم إخوتك، وأما أنت يا مروان فكما قال الأول: وأفلتهن علباء جريضا * ولو أدركنه صفر الوطاب
(1) القوم أسوة في هذا الأمر: أي حالهم فيه واحدة (لسان العرب: 14 / 35). (2) في الحديث: " إنكم ستلقون بعدي أثرة "، الأثرة: الاسم من آثر إذا أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء (لسان العرب: 4 / 8). (3) ضننت بالشيء أضن وضننت أضن ضنا وضنا: بخلت به (لسان العرب: 13 / 261). (4) تقصدت الرماح: تكسرت (لسان العرب: 3 / 355). (5) المران - بالضم -: الرماح الصلبة اللدنة، واحدتها مرانة (لسان العرب: 13 / 403). (6) وقعة صفين: 102؛ شرح نهج البلاغة: 3 / 180 وفيه " تقصف فيهم قنا " بدل " تقصد فيهم "، المعيار والموازنة: 128 نحوه. 34 قال معاوية: هذا الإقرار، فأين الغير؟ قال مروان: أي غير تريد؟ قال: أريد أن يشجر بالرماح. فقال: والله إنك لهازل، ولقد ثقلنا عليك (1). 2023 - المناقب للخوارزمي: ويروى في يوم السادس والعشرين من حروب صفين: اجتمع عند معاوية الملأ من قومه، فذكروا شجاعة علي وشجاعة الأشتر، فقال عتبة بن أبي سفيان: إن كان الأشتر شجاعا، لكن عليا لا نظير له في شجاعته وصولته وقوته!! قال معاوية: ما منا أحد إلا وقد قتل علي أباه، أو أخاه، أو ولده؛ قتل يوم بدر أباك يا وليد، وقتل عمك يا أبا الأعور يوم أحد، وقتل يا بن طلحة الطلحات أباك يوم الجمل، فإذا اجتمعتم عليه أدركتم ثاركم منه، وشفيتم صدوركم (2). راجع: القسم الخامس / بيعة النور / من تخلف عن بيعته. 5 / 3 الحسد 2024 - الأمالي للمفيد عن الحسن بن سلمة: لما بلغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة... فقام أبو الهيثم بن التيهان وقال: يا أمير المؤمنين، إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم؛ فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعا في الدرجة، وأما أشرارهم؛ فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار. وكنت أحق
(1) وقعة صفين: 417. (2) المناقب للخوارزمي: 234. 35 قريش بقريش؛ نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا. والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك! ثم أنشأ يقول: إن قوما بغوا عليك وكادو * ك وعابوك بالأمور القباح ليس من عيبها جناح بعوض * فيك حقا ولا كعشر جناح أبصروا نعمة عليك من الل * - ه وقرما (1) يدق قرن النطاح وإماما تأوي الأمور إليه * ولجاما يلين غرب الجماح (2) حاكما تجمع الإمامة فيه * هاشميا له عراض البطاح حسدا للذي أتاك من الل * - ه وعادوا إلى قلوب قراح ونفوس هناك أوعية البغ * - ض على الخير للشقاء شحاح من مسر يكنه حجب الغي * - ب ومن مظهر العداوة لاح يا وصي النبي نحن من الح * - ق على مثل بهجة الإصباح فخذ (3) الأوس والقبيل من الخز * رج بالطعن في الوغى والكفاح ليس منا من لم يكن لك في الل * - ه وليا على الهدى والفلاح (4) 2025 - الإمام علي (عليه السلام) - في خطبة له عند خروجه لقتال أهل البصرة وفيها يذم الخارجين عليه -: مالي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم. والله ما تنقم منا قريش
(1) القرم من الرجال: السيد المعظم (لسان العرب: 12 / 473). (2) جمح الفرس: ذهب يجري جريا غالبا، واعتز فارسه وغلبه (لسان العرب: 2 / 426). (3) فخذت بينهم: أي فرقت (لسان العرب: 3 / 502). (4) الأمالي للمفيد: 154 / 6. 36 إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا، فكانوا كما قال الأول: أدمت لعمري شربك المحض صابحا * وأكلك بالزبد المقشرة البجرا ونحن وهبناك العلاء ولم تكن * عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (1) راجع: القسم التاسع / علي عن لسان الأعيان / خليل بن أحمد. القسم الخامس / الإصلاحات العلوية / تعذر بعض الإصلاحات. 5 / 4 الحرص 2026 - الأمالي للطوسي عن مالك بن أوس: بعث [علي (عليه السلام)] إلى طلحة والزبير فدعاهما، ثم قال لهما: ألم تأتياني وتبايعاني طائعين غير مكرهين، فما أنكرتم! أجور في حكم، أو استئثار في فيء!! قالا: لا. قال (عليه السلام): أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه!! قالا: معاذ الله. قال (عليه السلام): فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، وانتقاصنا حقنا من الفيء؛ جعلت حظنا في الإسلام كحظ غيرنا مما أفاء الله علينا بسيوفنا ممن هو لنا فيء فسويت بيننا وبينهم (2). 2027 - الجمل: صارا [طلحة والزبير] إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فخطب إليه طلحة ولاية العراق، وطلب منه الزبير ولاية الشام. فأمسك (عليه السلام) عن إجابتهما في شيء
(1) نهج البلاغة: الخطبة 33، الإرشاد: 1 / 248، الكافئة: 20 / 19 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 113 / 89. (2) الأمالي للطوسي: 731 / 1530، بحار الأنوار: 32 / 30 / 9. 37 من ذلك. فانصرفا وهما ساخطان منه، فعرفا ما كان غلب في ظنهما قبل من رأيه (عليه السلام)، فتركاه يومين أو ثلاثة أيام، ثم صارا إليه واستأذنا عليه، فأذن لهما، وكان في علية في داره، فصعدا إليه وجلسا عنده بين يديه، وقالا: يا أمير المؤمنين، قد عرفت حال هذه الأزمنة وما نحن فيه من الشدة، وقد جئناك لتدفع إلينا شيئا نصلح به أحوالنا، ونقضي به حقوقا علينا! فقال (عليه السلام): قد عرفتما مالي بينبع (1)، فإن شئتما كتبت لكما منه ما تيسر!! فقالا: لا حاجة لنا في مالك بينبع. فقال لهما: فما أصنع؟ فقالا له: أعطنا من بيت المال شيئا فيه لنا كفاية. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحان الله! وأي يد لي في بيت المال! ذلك للمسلمين، وأنا خازنهم وأمين لهم، فإن شئتما رقيت المنبر وسألتهم ذلك مما شئتما، فإن أذنوا فيه فعلت. وأنى لي بذلك وهو لكافة المسلمين؛ شاهدهم وغائبهم!! لكني أبلي لكما عذرا. قالا: ما كنا بالذي يكلفك ذلك، ولو كلفناكه لما أجابك المسلمون. فقال لهما: فما أصنع؟ قالا: سمعنا ما عندك (2). 2028 - المناقب للخوارزمي عن أبي بشير الشيباني: لم يكن [بعد بيعة علي (عليه السلام)]
(1) ينبع: بليدة بالقرب من المدينة، بها عيون وحضر وحصن (تقويم البلدان: 89). (2) الجمل: 164. 38 إلا يسيرا حتى دخل عليه طلحة والزبير، فقالا: يا أمير المؤمنين، إن أرضنا أرض شديدة، وعيالنا كثير، ونفقتنا قليلة! قال: ألم أقل لكم إني لا أعطي أحدا دون أحد؟! قالا: نعم. قال: فأتوني بأصحابكم، فإن رضوا بذلك أعطيتكم، وإلا لم أعطكم دونهم. ولو كان عندي شيء أعطيتكم من الذي لي لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكم من عطائي. فقالا: ما نريد من مالك شيئا. وخرجا من عنده. فلم يلبثا إلا قليلا حتى دخلا عليه، فقالا: أتأذن لنا في العمرة؟ قال: ما تريدان العمرة، ولكن تريدان الغدرة (1). 2029 - دعائم الإسلام: روينا عن علي (عليه السلام) أنه أمر عمار بن ياسر، وعبيد الله بن أبي رافع، وأبا الهيثم بن تيهان، أن يقسموا فيئا بين المسلمين، وقال لهم: اعدلوا فيه، ولا تفضلوا أحدا على أحد. فحسبوا، فوجدوا الذي يصيب كل رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس. فأقبل إليهم طلحة والزبير، ومع كل واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير. فقال طلحة والزبير: ليس هكذا كان يعطينا عمر! فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم؟ قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام). فمضيا إليه، فوجداه في بعض أمواله قائما في الشمس على أجير له يعمل بين
(1) المناقب للخوارزمي، طبعة مكتبة نينوى: 112 وطبعة مؤسسة النشر الإسلامي: 178 / 216 وفيه جميع ضمائر المثنى بصيغة الجمع، تذكرة الخواص: 59 نحوه وراجع الكافئة: 14 / 12 و 13. 39 يديه، فقالا: ترى أن ترتفع معنا إلى الظل؟ قال: نعم. فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفيء، فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس! قال: وما تريدان؟! قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر! قال: فما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطيكما؟ فسكتا، فقال: أليس كان (صلى الله عليه وآله) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة؟! قالا: نعم. قال: أفسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولى بالاتباع عندكما، أم سنة عمر؟! قالا: سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وغناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل. قال: سابقتكما أسبق، أم سابقتي؟ قالا: سابقتك. قال: فقرابتكما أقرب، أم قرابتي؟ قالا: قرابتك. قال: فغناؤكما أعظم أم غنائي؟ قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم غناء. قال: فوالله، ما أنا وأجيري هذا في هذا المال إلا بمنزلة واحدة!! (1) 2030 - مروج الذهب: لما رأى معاوية القتل في أهل الشام وكلب (2) أهل العراق
(1) دعائم الإسلام: 1 / 384، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 111 نحوه وفيه من " قالا: ليس كذلك... "، بحار الأنوار: 41 / 116 / 23. (2) كلب عليه كلبا: غضب (لسان العرب: 1 / 723). 40 عليهم، استدعى بالنعمان بن جبلة التنوخي - وكان صاحب راية قومه في تنوخ (1) وبهراء (2) - وقال له: لقد هممت أن أولي قومك من هو خير منك مقدما، وأنصح منك دينا. فقال له النعمان: إنا لو كنا ندعو قومنا إلى جيش مجموع لكان في كسع (3) الرجال بعض الأناة (4)، فكيف ونحن ندعوهم إلى سيوف قاطعة، وردينية (5) شاجرة، وقوم ذوي بصائر نافذة!! والله لقد نصحتك على نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه، وحدت عن الحق وأنا أبصره، وما وفقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأول مؤمن به ومهاجر معه، ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية، وأجزل في العطية، ولكن قد بذلنا لك الأمر، ولابد من إتمامه كان غيا أو رشدا، وحاشا أن يكون رشدا، وسنقاتل عن تين الغوطة (6) وزيتونها؛ إذ حرمنا أثمار الجنة وأنهارها. وخرج إلى قومه، وصمد إلى الحرب (7). راجع: وقعة الجمل / هوية رؤساء الناكثين / تأهب الناكثين للخروج على الإمام.
(1) تنوخ: حي من اليمن (لسان العرب: 3 / 65). (2) بهراء: قبيلة من اليمن (لسان العرب: 4 / 85). (3) الكسع: أن تضرب بيدك أو برجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء (لسان العرب: 8 / 309). (4) الأناة: الحلم والوقار (لسان العرب: 14 / 48). (5) ردينة: امرأة في الجاهلية كانت تسوي الرماح بخط هجر، إليها نسبت الرماح الردينية (تاج العروس: 18 / 232). (6) الغوطة: الكورة التي منها دمشق. والغوطة كلها أشجار وأنهار متصلة (معجم البلدان: 4 / 219). (7) مروج الذهب: 2 / 394. 41 5 / 5 الجهالة 2031 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى عقيل -: ألا وإن العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم اجتماعها على حرب النبي (صلى الله عليه وآله) قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقه، وجحدوا فضله (1). 2032 - تاريخ الطبري عن أبي البختري الطائي: أطافت ضبة والأزد بعائشة يوم الجمل، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه، ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك! (2) 2033 - مروج الذهب - في وصف معاوية -: وبلغ من إحكامه للسياسة وإتقانه لها واجتذابه قلوب خواصه وعوامه أن رجلا من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق - في حالة منصرفهم عن صفين -، فتعلق به رجل من دمشق، فقال: هذه ناقتي، أخذت مني بصفين! فارتفع أمرهما إلى معاوية، وأقام الدمشقي خمسين رجلا بينة يشهدون أنها ناقته. فقضى معاوية على الكوفي، وأمره بتسليم البعير إليه. فقال الكوفي: أصلحك الله، إنه جمل، وليس بناقة. فقال معاوية: هذا حكم قد مضى، ودس إلى الكوفي بعد تفرقهم فأحضره، وسأله عن ثمن بعيره، فدفع إليه ضعفه، وبره وأحسن إليه، وقال له: أبلغ عليا أني
(1) الغارات: 2 / 431 عن زيد بن وهب؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 119، الإمامة والسياسة: 1 / 75 نحوه وفيه " قريشا " بدل " العرب " وراجع نهج البلاغة: الكتاب 36. (2) تاريخ الطبري: 4 / 522، الكامل في التاريخ: 2 / 340، نهاية الأرب: 20 / 72 كلاهما نحوه. 42 أقاتله بمائة ألف، ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل!! وقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء، وأعاروه رؤوسهم عند القتال، وحملوه بها، وركنوا إلى قول عمرو بن العاص: إن عليا هو الذي قتل عمار بن ياسر حين أخرجه لنصرته. ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن علي سنة، ينشأ عليها الصغير، ويهلك عليها الكبير (1). راجع: القسم الخامس عشر / بواعث بغضه. القسم الرابع / مجالات نجاح قرار السقيفة / بغض قريش
(1) مروج الذهب: 3 / 41. 43 الفصل السادس أهداف الإمام في قتال البغاة 6 / 1 إحياء الدين 2034 - مسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدري: كنا جلوسا ننتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه. - قال: - فقمنا معه، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومضينا معه، ثم قام ينتظره، وقمنا معه. فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. قال: فجئنا نبشره، - قال: - وكأنه قد سمعه (1).
(1) مسند ابن حنبل: 4 / 163 / 11773 وص 68 / 11289، مسند أبي يعلى: 2 / 29 / 1081 وفيهما من " إن منكم... "، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 637 / 1083، المستدرك على الصحيحين: 3 / 132 / 4621، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 286 / 155، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 497 / 19، حلية الأولياء: 1 / 67، أسد الغابة: 3 / 426 / 3277 عن عبد الرحمن بن بشير و ج 4 / 107 / 3789، شرح نهج البلاغة: 3 / 207، البداية والنهاية: 7 / 305؛ الكافي: 5 / 12 / 2، تهذيب الأحكام: 4 / 116 / 3361 و ج 6 / 137 / 230 والثلاثة الأخيرة عن حفص بن غياث عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام)، تحف العقول: 290 عن الإمام الباقر (عليه السلام)، الملاحم والفتن: 330 / 480 وفي الخمسة الأخيرة من " إن منكم... "، الأمالي للطوسي: 254 / 458 كلها نحوه وراجع الجعفريات: 198. 45 2035 - الإمام زين العابدين (عليه السلام): انقطع شسع (1) نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدفعها إلى علي (عليه السلام) يصلحها، ثم مشى في نعل واحدة غلوة (2) أو نحوها، وأقبل على أصحابه فقال: إن منكم من يقاتل على التأويل كما قاتل معي على التنزيل! فقال أبو بكر: أنا ذاك، يا رسول الله؟! قال: لا، فقال عمر: فأنا يا رسول الله؟! قال: لا. فأمسك القوم، ونظر بعضهم إلى بعض. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكنه خاصف النعل - وأومأ إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) - وإنه المقاتل على التأويل إذا تركت سنتي ونبذت، وحرف كتاب الله، وتكلم في الدين من ليس له ذلك، فيقاتلهم علي (عليه السلام) على إحياء دين الله عز وجل (3). 2036 - الإمام الباقر (عليه السلام): جاء رجل إلى علي (عليه السلام) وهو على منبره، فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أتكلم بما سمعت عن عمار بن ياسر يرويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: اتقوا الله ولا تقولوا على عمار إلا ما قاله - حتى قال ذلك
(1) شسع النعل: قبالها الذي يشد إلى زمامها، والزمام: السير الذي يعقد فيه الشسع (لسان العرب: 8 / 180). (2) الغلوة: قدر رمية بسهم (لسان العرب: 15 / 132). (3) الإرشاد: 1 / 123 عن جابر بن يزيد، كشف الغمة: 1 / 211 كلاهما عن الإمام الباقر (عليه السلام)، كشف اليقين: 165 / 175 من دون إسناد إلى المعصوم، بحار الأنوار: 32 / 299 / 260. 46 ثلاث مرات -. ثم قال له: تكلم. قال: سمعت عمارا يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا أقاتل على التنزيل، وعلي يقاتل على التأويل. فقال (عليه السلام): صدق عمار ورب الكعبة إن هذه عندي لفي ألف كلمة تتبع كل كلمة ألف كلمة (1). 2037 - المناقب للخوارزمي عن أبي ذر الغفاري: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ببقيع الغرقد (2) فقال: والذي نفسي بيده، إن فيكم رجلا يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، فيكبر قتلهم على الناس، حتى يطعنوا على ولي الله، ويسخطوا عمله كما سخط موسى أمر السفينة وقتل الغلام وأمر الجدار، وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لله رضى، وسخط ذلك موسى. أراد بالرجل علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3). 2038 - كفاية الأثر عن أنس بن مالك: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أوصياء الأنبياء الذين بعدهم بقضاء ديونهم، وإنجاز عداتهم، ويقاتلون على سنتهم. ثم التفت إلى علي (عليه السلام)، فقال: أنت وصيي، وأخي في الدنيا والآخرة، تقضي ديني، وتنحو (4) عداتي، وتقاتل على سنتي؛ تقاتل على التأويل كما قاتلت على
(1) الخصال: 650 / 48 عن جابر بن يزيد الجعفي، بصائر الدرجات: 309 / 5 عن جابر. (2) بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة (معجم البلدان: 1 / 473). (3) المناقب للخوارزمي: 88 / 78، كفاية الطالب: 334، الفردوس: 4 / 368 / 7068 نحوه؛ تفسير فرات: 200 / 262 وليس فيهما " أراد بالرجل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ". (4) كذا، وفي بحار الأنوار نقلا عن المصدر: " وتنجز ". 47 التنزيل (1). 2039 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس! لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا؛ يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار! ألا وإن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله (2). 2040 - عنه (صلى الله عليه وآله): يا علي، أنت... تقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل (3). 2041 - عنه (صلى الله عليه وآله): أنا أقاتل على تنزيل القرآن، وعلي يقاتل على تأويل القرآن (4). 2042 - الإمام علي (عليه السلام) - في الحكم المنسوبة إليه -: عجبا لسعد وابن عمر؛ يزعمان أني أحارب على الدنيا!! أفكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحارب على الدنيا؟! فإن زعما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حارب لتكسير الأصنام، وعبادة الرحمن، فإنما حاربت لدفع الضلال، والنهي عن الفحشاء والفساد. أفمثلي يزن (5) بحب الدنيا! والله، لو
(1) كفاية الأثر: 75، بحار الأنوار: 36 / 311 / 152 وراجع الأمالي للطوسي: 351 / 726 والطرائف: 521 والصراط المستقيم: 87 والمناقب للخوارزمي: 61 / 31 وينابيع المودة: 3 / 278 / 2. (2) الإرشاد: 1 / 180، بحار الأنوار: 22 / 46 / 19. (3) كفاية الأثر: 135 عن سعد بن مالك، الجمل: 80، بشارة المصطفى: 142 عن ابن عباس، المسترشد: 429 / 142، عوالي اللآلي: 4 / 87 / 17 كلها نحوه؛ الصواعق المحرقة: 123 عن أبي سعيد الخدري. (4) الفردوس: 1 / 46 / 115 عن وهب بن صيفي، كنز العمال: 11 / 613 / 32968؛ المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 218 عن زيد بن أرقم. (5) زنه بكذا: إذا اتهمه به وظنه فيه (النهاية: 2 / 316). 48 تمثلت لي بشرا سويا لضربتها بالسيف! (1) 6 / 2 الدفاع عن السنة 2043 - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - لعلي (عليه السلام) -: أنت أخي، وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ ذمتي (2). 2044 - الإمام علي (عليه السلام): طلبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدني في حائط نائما، فضربني برجله، قال: قم، فوالله لأرضينك! أنت أخي، وأبو ولدي، تقاتل على سنتي. من مات على عهدي فهو في كنز الله، ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات بحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت (3). 6 / 3 مكافحة البدعة 2045 - الإمام علي (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب علي جهاد المشركين. فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد؟
(1) شرح نهج البلاغة: 20 / 328 / 765. (2) مسند أبي يعلى: 1 / 271 / 524 عن أبي المغيرة عن الإمام علي (عليه السلام)، المناقب لابن المغازلي: 238 / 285؛ الأمالي للصدوق: 156 / 150، بشارة المصطفى: 155، كنز الفوائد: 2 / 179 كلها عن جابر بن عبد الله وفيها ذيله. (3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 656 / 1118 عن أبي المغيرة، الصواعق المحرقة: 126، ذخائر العقبى: 124 وفيهما " كنز الجنة " بدل " كنز الله ". 49 قال: قوم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وهم مخالفون للسنة. فقلت: يا رسول الله: فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد؟! قال: على الإحداث في الدين، ومخالفة الأمر. فقلت: يا رسول الله، إنك كنت وعدتني الشهادة، فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك. قال: فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؟! (1) 2046 - الأمالي للطوسي عن أبي سعيد الخدري: أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا بما يلقى بعده، فبكى (عليه السلام) وقال: يا رسول الله، أسألك بحقي عليك، وقرابتي منك، وحق صحبتي إياك، لما دعوت الله عز وجل أن يقبضني إليه؟ فقال (صلى الله عليه وآله): أتسألني أن أدعو ربي لأجل مؤجل؟ قال: فعلام أقاتلهم؟ قال: على الإحداث في الدين (2). 6 / 4 مكافحة الفجور 2047 - المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بضبع (3) علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يقول: " هذا أمير البررة، قاتل
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 206. (2) الأمالي للطوسي: 501 / 1098، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 218 وفيه ذيله؛ المناقب للخوارزمي: 175 / 211، شرح نهج البلاغة: 4 / 108 نحوه. (3) الضبع - بسكون الباء -: وسط العضد (النهاية: 3 / 73). 50 الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، ثم مد بها صوته (1). 2048 - تاريخ بغداد عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، يمد بها صوته (2).
(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 140 / 4644، المناقب لابن المغازلي: 80 / 120 وفيه " الكفرة " بدل " الفجر به "؛ الأمالي للطوسي: 483 / 1055 وراجع علل الشرائع: 213 / 2. (2) تاريخ بغداد: 2 / 377 / 887 و ج 4 / 219 / 1915، تاريخ دمشق: 42 / 383 / 8985، المناقب لابن المغازلي: 84 / 125، كفاية الطالب: 221؛ المسترشد: 622 / 289. 51 الفصل السابع نبذة من الآراء في قتال البغاة 7 / 1 أبو أيوب الأنصاري 2049 - المستدرك على الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري - في خلافة عمر ابن الخطاب -: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (1). 2050 - تاريخ دمشق عن أبي أيوب الأنصاري - في خلافة عمر بن الخطاب -: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب (2).
(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 150 / 4674، كفاية الطالب: 168 عن ابن عباس نحوه. (2) تاريخ دمشق: 42 / 472، المناقب للخوارزمي: 190 / 226، البداية والنهاية: 7 / 307؛ كفاية الأثر: 117 كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب: 3 / 214 / 1875. 53 2051 - المعجم الكبير عن محنف بن سليم: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلا له بصعنبى (1) فقلنا عنده، فقلت له: أبا أيوب، قاتلت المشركين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم جئت تقاتل المسلمين؟! قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلت الناكثين، وقاتلت القاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالشعفات بالطرقات بالنهراوات وما أدري ما هم؟! (2) 2052 - تاريخ بغداد عن علقمة والأسود: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب! إن الله أكرمك بنزول محمد (صلى الله عليه وآله) وبمجئ ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله؟ فقال: يا هذا! إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فأما الناكثون: فقد قابلناهم أهل الجمل طلحة والزبير، وأما القاسطون: فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية وعمرا -، وأما المارقون: فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم؟! ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله (3).
(1) صعنبى: قرية باليمامة (معجم البلدان: 3 / 407). (2) المعجم الكبير: 4 / 172 / 4049، أسد الغابة: 4 / 108 / 3789، تاريخ دمشق: 42 / 473 كلاهما عن مخنف بن سليم، البداية والنهاية: 7 / 307 عن مخنف بن سليمان، كفاية الطالب: 169؛ شرح الأخبار: 1 / 339 / 309 عن أبي مخنف وكلها نحوه. (3) تاريخ بغداد: 13 / 186 / 7165، تاريخ دمشق: 42 / 472، البداية والنهاية: 7 / 307 وراجع شرح نهج البلاغة: 3 / 207. 54 7 / 2 أبو سعيد الخدري 2053 - تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر (1). 7 / 3 حذيفة 2054 - فتح الباري عن زيد بن وهب: بينا نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم (صلى الله عليه وآله) فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ فقلنا: يا أبا عبد الله وإن ذلك لكائن؟ فقال بعض أصحابه: يا أبا عبد الله فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها فإنها على الهدى (2). 7 / 4 عبد الله بن عمر 2055 - الاستيعاب عن عبد الله بن عمر: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع
(1) تاريخ دمشق: 42 / 471 / 9043، أسد الغابة: 4 / 108 / 3789، المناقب للخوارزمي: 190 / 224، البداية والنهاية: 7 / 306، فرائد السمطين: 1 / 281 / 220. (2) فتح الباري: 13 / 55، مجمع الزوائد: 7 / 477 / 12032؛ شرح الأخبار: 1 / 403 / 354 عن محمد بن إسماعيل بن أبان يرفعه. 55 علي (رضي الله عنه) الفئة الباغية! (1) 2056 - المستدرك على الصحيحين عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمن: إني والله لقد حرصت أن أتسمت بسمتك وأقتدي بك في أمر فرقة الناس، وأعتزل الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها. أرأيت قول الله عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) (2)؟ أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله: ما لك ولذلك؟ انصرف عني، فانطلق حتى توارى عنا سواده، وأقبل علينا عبد الله بن عمر، فقال: ما وجدت في نفسي من شيء في أمر هذه الآية ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل (3). 7 / 5 عمار بن ياسر 2057 - عمار بن ياسر - لعمرو بن العاص -: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أقاتل
(1) الاستيعاب: 3 / 83 / 1630، أسد الغابة: 4 / 109 / 3789؛ علل الشرائع: 222 نحوه. (2) الحجرات: 9. (3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 125 / 4598 و ج 2 / 502 / 3722، السنن الكبرى: 8 / 298 / 16706، فتح الباري: 13 / 72 وفيه من قوله تعالى نحوه. 56 الناكثين وقد فعلت، وأمرني أن أقاتل القاسطين، فأنتم هم، وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا (1). راجع: وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد عمار بن ياسر. 7 / 6 أم سلمة زوجة النبي 2058 - المناقب للخوارزمي عن شهر بن حوشب: كنت عند أم سلمة فسلم رجل فقيل: من أنت؟ قال: أنا أبو ثابت مولى أبي ذر، قالت: مرحبا بأبي ثابت، أدخل فدخل فرحبت به. فقالت: أين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها؟ قال: مع علي بن أبي طالب (عليه السلام). قالت: وفقت والذي نفس أم سلمة بيده لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ولقد بعثت ابني عمر وابن أخي عبد الله - أبي أمية - وأمرتهما أن يقاتلا مع علي من قاتله، ولولا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرنا أن نقر في حجالنا (2) أو في بيوتنا، لخرجت حتى أقف في صف علي (3).
(1) وقعة صفين: 338؛ شرح نهج البلاغة: 8 / 21 وراجع المسترشد: 269 / 79 وشرح الأخبار: 1 / 383 و ج 2 / 83 ومسند أبي يعلى: 2 / 267 / 1620 والمعيار والموازنة: 119. (2) الحجلة بالتحريك: بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار، وتجمع على حجال (النهاية: 1 / 346). (3) المناقب للخوارزمي: 176 / 214؛ كشف الغمة: 1 / 148، بحار الأنوار: 38 / 35 / 10. 57 7 / 7 أئمة أهل السنة 2059 - مناقب أبي حنيفة عنه أنه قال: ما قاتل أحد عليا (رضي الله عنه) ليرده إلى الحق إلا وكان علي أولى بالحق منه، ولولاه ما علم أحد كيف السيرة في قتال المسلمين (1). 2060 - أيضا: لا شك أن طلحة والزبير قاتلا عليا بعدما بايعاه وحالفاه (2). 2061 - أيضا: سئل الإمام [أبو حنيفة] عن قتال يوم الجمل. فقال: سار علي (رضي الله عنه) فيه بالعدل، وهو الذي علم المسلمين قتال أهل البغي (3). 2062 - الاعتقاد والهداية عن ابن خزيمة (4): كل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في إمارته فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس يعني الشافعي رحمه الله (5). 2063 - الفرق بين الفرق عن أبي منصور (6) - في بيان الأصول التي اجتمع عليها
(1) مناقب أبي حنيفة: 2 / 344 و ج 1 / 342. (2) مناقب أبي حنيفة: 2 / 344 و ج 1 / 343. (3) مناقب أبي حنيفة: 2 / 345. (4) محمد بن إسحاق بن خزيمة (223 - 311 ه) الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام إمام الأئمة، أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي صاحب التصانيف. عني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، وقال أبو الحسن الدار قطني: كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدوم النظير (سير أعلام النبلاء: 14 / 365 / 214 وص 372). (5) الاعتقاد والهداية: 248. (6) عبد القاهر بن طاهر أبو منصور البغدادي، نزيل خراسان، وصاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية. وكان يدرس في سبعة عشر فنا، ويضرب به المثل، وكان رئيسا محتشما مثريا، له كتاب " التكملة " في الحساب. قال أبو عثمان الصابوني: كان الأستاذ أبو منصور من أئمة الأصول. غريب التأليف، إماما مقدما مفخما. مات بإسفرايين في سنة تسع وعشرين وأربع مائة... وله تصانيف في النظر والعقليات راجع: سير أعلام النبلاء: 17 / 572 / 377. 58 أهل السنة -: قالوا بإمامة علي في وقته، وقالوا بتصويب علي في حروبه بالبصرة، وبصفين، وبنهروان.... وقالوا في صفين: إن الصواب كان مع علي (رضي الله عنه)، وإن معاوية وأصحابه بغوا عليه بتأويل أخطؤوا فيه؛ ولم يكفروا بخطئهم (1). 2064 - فيض القدير عن عبد القاهر الجرجاني (2) - في كتاب الإمامة -: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم: مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين: أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين، كما هو مصيب في أهل الجمل، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، لكن لا يكفرون ببغيهم (3). 2065 - التذكرة عن أبي المعالي (4): علي (رضي الله عنه) كان إماما حقا في توليته، ومقاتلوه
(1) الفرق بين الفرق: 309. (2) أبو بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وكان شافعيا، عالما، أشعريا، ذا نسك ودين وكان آية في النحو. وصنف شرحا حافلا للإيضاح يكون ثلاثين مجلدا، وله " إعجاز القرآن " ضخم، و " مختصر شرح الإيضاح " ثلاثة أسفار، وكتاب " العوامل المائة " وكتاب " المفتاح "، وفسر الفاتحة في مجلد، وله " العمد في التصريف " و " الجمل " وغير ذلك توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مائة وقيل: سنة أربع وسبعين راجع: سير أعلام النبلاء: 18 / 432 / 219. (3) فيض القدير: 6 / 366، التذكرة للقرطبي: 2 / 422 / 1789 وراجع نصب الراية: 4 / 69. (4) إمام الحرمين، أبو المعالي، عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد ابن حيويه الجويني، ثم النيسابوري، ضياء الدين الشافعي (419 - 478 ه) دفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب والده. قال أبو سعد السمعاني: كان أبو المعالي إمام الأئمة على الإطلاق، مجمعا على إمامته شرقا وغربا، لم تر العيون مثله، تفقه على والده، وتوفي أبوه ولأبي المعالي عشرون سنة، فدرس مكانه ثم حج، وجاور أربع سنين يدرس، ويفتي، ويجمع طرق المذهب، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب فدرس بنظامية نيسابور، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاث مائة راجع: سير أعلام النبلاء: 18 / 468 / 240. 59 بغاة (1). 2066 - النووي في شرح صحيح مسلم: وكان علي (رضي الله عنه) هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة (2). 2067 - أيضا - في حديث عمار -: قال العلماء: هذا الحديث حجة ظاهرة في أن عليا (رضي الله عنه) كان محقا مصيبا (3). 2068 - الذهبي في سير أعلام النبلاء: لا نرتاب أن عليا أفضل ممن حاربه، وأنه أولى بالحق (4). 2069 - ابن كثير في البداية والنهاية: هذا مقتل عمار بن ياسر مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله أهل الشام، وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول (صلى الله عليه وآله)
(1) التذكرة للقرطبي: 2 / 423 / 1792، نصب الراية: 4 / 69. (2) شرح صحيح مسلم للنووي: 18 / 228. (3) شرح صحيح مسلم للنووي: 18 / 252. (4) سير أعلام النبلاء: 8 / 210 / 37. (5) البداية والنهاية: 7 / 267. 60 من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليا محق وأن معاوية باغ (5). 2070 - ابن حجر في فتح الباري - بعد ذكر حديث عمار -: وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه (1). 2071 - أيضا - بعد ذكر حديث الخوارج -: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم منقبة عظيمة لعلي، وأنه كان الإمام الحق، وأنه كان على الصواب في قتال من قاتله في حروبه في الجمل وصفين وغيرهما (2). 2072 - أيضا - في قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا...) (3) -: فيها الأمر بقتال الفئة الباغية، وقد ثبت أن من قاتل عليا كانوا بغاة (4). 2073 - مجموع فتاوى ابن تيمية - بعد ذكر حديث عمار: تقتله الفئة الباغية -: وهذا أيضا يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داع إلى النار - وإن كان متأولا - وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي. وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأولا، أو باغ بلا تأويل، وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء
(1) فتح الباري: 1 / 543 / 447، فيض القدير: 4 / 467. (2) فتح الباري: 12 / 299 / 6934. (3) الحجرات: 9. (4) فتح الباري: 13 / 67 / 7110. 61 الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأولين (5).
(5) مجموع فتاوى ابن تيمية: 4 / 437. 62 كلام في إصابة الإمام في جميع حروبه قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: ومن الدليل على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مصيبا في حروبه كلها، وأن مخالفيه في ذلك على ضلال، ما تظاهرت به الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: " حربك يا علي حربي، وسلمك يا علي سلمي " (1)، وقوله (صلى الله عليه وآله): " يا علي أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك " (2). وهذان القولان مرويان من طريقي العامة والخاصة والمنتسبة من أصحاب الحديث إلى السنة، والمنتسبين منهم إلى الشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن على سندهما، ولا ادعى إنسان من أهل المعرفة بالآثار كذب رواتهما.
(1) الفصول المختارة: 2 / 245، أوائل المقالات للمفيد: 4 / 285، فقه القرآن للراوندي: 1 / 365، عوالي اللآلي: 2 / 102 / 278 و ج 4 / 87 / 108، بحار الأنوار: 32 / 331. (2) الأمالي للمفيد: 213 / 4، بحار الأنوار: 39 / 206 / 25 وراجع سنن ابن ماجة: 1 / 52 / 145 ومسند ابن حنبل: 3 / 446 / 9704 والمستدرك على الصحيحين: 3 / 161 / 4713 و 4714 والمناقب لابن المغازلي: 64 / 90. 63 وما كان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو كان باطلا لما خلت الأمة من عالم منها ينكره ويكذب رواته، ولا سلم من طعن فيه، ولعرف سبب تخرصه وافتعاله، ولأقيم دليل الله سبحانه على بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذكرناه حجة واضحة على ثبوتهما حسبما بيناه. ومن ذلك: الرواية المستفيضة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): " تقاتل يا علي على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله " (1). وقوله - لسهيل بن عمرو ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم -: لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله. فقال له بعض أصحابه: من هو يا رسول الله، هو فلان؟ قال: لا. قال: ففلان؟ قال: لا، ولكنه خاصف (2) النعل في الحجرة.
(1) المسترشد: 429 / 142، كفاية الأثر: 76 عن أنس، الإرشاد: 1 / 123 عن جابر عن الإمام الباقر عن أبيه (عليهما السلام)، كشف الغمة: 1 / 336، إحقاق الحق: 6 / 24 والثلاثة الأخيرة نحوه، بحار الأنوار: 36 / 311 / 152؛ مسند ابن حنبل: 4 / 68 / 11289، المستدرك على الصحيحين: 3 / 132 / 4621، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 286 / 155، حلية الأولياء: 1 / 67، أسد الغابة: 4 / 108 / 3789، فرائد السمطين: 1 / 161 / 122 والستة الأخيرة نحوه، الصواعق المحرقة: 123 والسبعة الأخيرة عن أبي سعيد الخدري، المناقب لابن المغازلي: 298 / 341 عن إسماعيل عن أبيه الإمام الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) نحوه. (2) خصف النعل، يخصف خصفا: ظاهر بعضها على بعض وخرزها (لسان العرب: 9 / 71). 64 فنظروا فإذا علي (عليه السلام) في الحجرة يخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). ومن ذلك: قوله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): " تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين ". والقول في هذه الرواية كالأخبار التي تقدمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجة، ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها، وسلم لروايتها الفريقان فدل على صحتها. ومن ذلك: قوله (صلى الله عليه وآله): " علي مع الحق والحق مع علي، اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار " (2). وهذا أيضا خبر قد رواه محدثو العامة، وأثبتوه في الصحيح عندهم، ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم على تكذيب ناقله، وليس توجد حجة في العقل ولا السمع على فساده، فوجب الاعتقاد بصحته وصوابه. ومن ذلك: قوله (صلى الله عليه وآله): " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره،
(1) الإفصاح: 135، مجمع البيان: 3 / 322، تأويل الآيات الظاهرة: 1 / 149 / 7؛ أسد الغابة: 3 / 282 / 3277، الإصابة: 4 / 245 / 5102، ينابيع المودة: 1 / 187 / 4 والثلاثة الأخيرة عن عبد الرحمن بن بشير وكلها نحوه وراجع الإرشاد: 1 / 122 والمناقب لابن شهر آشوب: 2 / 85 وكشف الغمة: 1 / 335 وإعلام الورى: 1 / 372 ونهج الحق: 220 والمستدرك على الصحيحين: 2 / 150 / 2614 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 86 / 31 ومجمع الزوائد: 5 / 338 / 8950 وأسد الغابة: 4 / 99 / 3789 وتذكرة الخواص: 40 والمناقب للخوارزمي: 128 / 142 وفرائد السمطين: 1 / 162 / 124 وعمدة عيون صحاح الأخبار: 224. (2) الطرائف: 103 / 150، كشف الغمة: 1 / 143 عن أم سلمة، إعلام الورى: 1 / 316، نهج الحق: 224 كلها نحوه، إحقاق الحق: 5 / 623 - 638 وفيه صدره؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 135 / 4629، تاريخ بغداد: 14 / 321 / 7643، فرائد السمطين: 1 / 176 / 138، المناقب للخوارزمي: 104 / 107، الإنصاف: 66 وفي الثلاثة الأخيرة ذيله، تطهير الجنان واللسان: 51. 65 واخذل من خذله " (1). وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلى جمع السند له، وهو أيضا مسلم عند نقلة الأخبار. وقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): " قاتل الله من قاتلك، وعادى الله من عاداك " (2). والخبر بذلك مشهور وعند أهل الرواية معروف مذكور. ومن ذلك: قوله (صلى الله عليه وآله): " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى (3) ". فحكم أن الأذى له (عليه السلام) أذى الله، والأذى لله جل اسمه هلاك مخرج عن الإيمان، قال الله عز وجل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والأخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (4). وأمثال ما أثبتناه - من هذه الأخبار في معانيها الدالة على صواب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطأ مخالفيه - كثيرة، إن عملنا على إيراد جميعها، طال به الكتاب وانتشر به الخطاب، وفيما أثبتناه منه للحق كفاية للغرض الذي نأمله، إن شاء الله تعالى (5).
(1) مسند ابن حنبل: 1 / 254 / 964 وص 250 / 951، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 181 / 98، تاريخ دمشق: 42 / 207 / 8684 وص 208؛ الإرشاد: 1 / 176، الخصال: 66 / 98، معاني الأخبار: 67 / 8. (2) الكافئة: 36 / 37، الاحتجاج: 1 / 330 / 55، بشارة المصطفى: 166، الإصابة: 3 / 82 / 3254 و ج 2 / 373 / 2560، أسد الغابة: 2 / 238 / 1589. (3) ذخائر العقبى: 122، المعيار والموازنة: 224؛ الإفصاح: 128، العدد القوية: 248 / 50، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 212 وراجع مسند ابن حنبل: 5 / 405 / 15960 وصحيح ابن حبان: 15 / 365 / 6923. (4) الأحزاب: 57. (5) الجمل: 79، 82. 66 أقول: راجع كلام ابن أبي الحديد في أن الإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حق الإمام علي (عليه السلام) وأنه لو سل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: " علي مع الحق، والحق مع علي يدور حيثما دار، وقال له غير مرة: " حربك حربي وسلمك سلمي " (1).
(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 297. 67 الحرب الأولى وقعة الجمل فتنة الناكثين وفيه فصول: الفصل الأول: مواصفات الحرب الفصل الثاني: هوية رؤساء الناكثين الفصل الثالث: تأهب الناكثين للخروج على الإمام الفصل الرابع: تأهب الإمام لمواجهة الناكثين الفصل الخامس: استنصار الإمام من الكوفة الفصل السادس: احتلال البصرة الفصل السابع: من ذي قار إلى البصرة الفصل الثامن: جهود الإمام لمنع القتال الفصل التاسع: القتال الفصل العاشر: بعد الظفر
69 الفصل الأول مواصفات الحرب 1 / 1 تاريخها ذكر بعض المؤرخين أن معركة الجمل وقعت في جمادى الأولى (1) عام (36 ه)، بينما أكد بعض آخر أنها وقعت في جمادى الثانية (2) من العام نفسه، ولم تدم أكثر من يوم واحد (3).
(1) التاريخ الصغير: 1 / 120، مروج الذهب: 2 / 360، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، أسد الغابة: 2 / 310؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 182. (2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 411 / 5570، الطبقات الكبرى: 3 / 224، تاريخ خليفة بن خياط: 135 وص 138، تاريخ الطبري: 4 / 501 وص 514 و 534، الأخبار الطوال: 147، الكامل في التاريخ: 2 / 333، العقد الفريد: 3 / 314، البداية والنهاية: 7 / 239. (3) ذكرت بعض المصادر أن الحرب استغرقت أربع ساعات، راجع: تاريخ اليعقوبي: 2 / 183، وحدد زمانها بما بين الظهر والمغرب في مصادر أخرى نظير أنساب الأشراف: 3 / 38، كما ذكر أنها استمرت يوما في بعضها كما في تاريخ الطبري: 4 / 523. ولا تعارض بين هذه الأقوال. 71 وتاريخ الرسالتين اللتين بعثهما الإمام إلى أهالي المدينة والكوفة بعد انتهاء الحرب يؤيد الرأي الأول. فقد جاء في ختام هاتين الرسالتين: " وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادى الأولى من سنة ست وثلاثين من الهجرة " (1). النقطة الجديرة بالاهتمام فيما يخص تاريخ وقوع أول حرب داخلية في عهد حكومة الإمام (عليه السلام) هي أن هذه الحرب وقعت بعد خمسة أشهر فقط من مبايعة الناس إياه، وأنه بقي مشغولا بإخماد الفتن الداخلية طوال عهد حكومته الذي استمر لأقل من خمس سنوات. وهذا يعني أنه لم تسنح له الفرصة للبناء ولتنفيذ سياساته وخططه. ولكنه في الوقت ذاته لم يفرط بأية فرصة، وقدم في عهد حكومته أفضل وأبدع أساليب الحكم، وخلف أكبر رقم في ميدان البناء والإعمار. 1 / 2 مكانها البصرة: مدينة تقع في أقصى الجنوب الشرقي للعراق قرب الحدود مع إيران والكويت. بنيت البصرة مع الكوفة في عهد الخليفة الثاني وبأمره. وكانت مركزا عسكريا تنطلق منه الجيوش الإسلامية لدى فتحها بلاد الشرق (2).
(1) الجمل: 396 وص 399. (2) تاريخ الطبري: 3 / 590 و 591، مروج الذهب: 2 / 328، البداية والنهاية: 7 / 48 وفي كلها قول آخر في تمصيرها سنة ست عشرة، معجم البلدان: 1 / 432 لمزيد الاطلاع على البصرة وتمصيرها راجع كتاب " موسوعة تاريخ البصرة "، الجزء الأول. 72 وعندما عزم الناكثون على محاربة أمير المؤمنين (عليه السلام)، صاروا يبحثون عن مدينة عسكرية. ولم تكن هناك مدينة تحمل هذه الخصوصية غير البصرة والكوفة. ونظرا لطبيعة علاقة أهالي الكوفة بالإمام علي (عليه السلام)، وتنفذ بعض رؤوس الناكثين بين أهالي البصرة، فقد وقع اختيارهم على البصرة. وقعت معركة الجمل في الزابوقة (1) التي هي في ضواحي البصرة، أو في الزاوية (2)؛ التي كانت واحدة من أحياء البصرة أو في الخريبة (3). 1 / 3 عدد المشاركين فيها بلغ قوام الجيشين في معركة الجمل خمسين ألفا، شكل جيش الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عشرين ألفا منهم (4)، وشكل جيش الناكثين ثلاثين ألفا (5). ومن اللافت للنظر في جيش الإمام (عليه السلام) أن بين أمرائه عددا من وجوه الصحابة المعروفين بطهرهم، وجلالتهم، والتزامهم، وتعبدهم.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 466 وص 470 و 505، الكامل في التاريخ: 2 / 336، معجم البلدان: 3 / 125، معجم ما استعجم: 2 / 691، الفتوح: 2 / 463. (2) مروج الذهب: 2 / 370، تاريخ خليفة بن خياط: 135. (3) الأخبار الطوال: 146؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 182. (4) تاريخ الطبري: 4 / 505، الكامل في التاريخ: 2 / 336، الفتوح: 2 / 464، البداية والنهاية: 7 / 240؛ الجمل: 321 وفيه " فأحاط العسكر يومئذ من الفرسان المعروفين والرجالة المشهورين على ستة عشر ألف رجل ". (5) تاريخ الطبري: 4 / 505، الكامل في التاريخ: 2 / 336، الفتوح: 2 / 464، البداية والنهاية: 7 / 240. 73 1 / 4 قادة جيش الإمام قائد الخيالة: عمار بن ياسر (1). قائد الرجالة: محمد بن أبي بكر (2). قائد الساقة: هند المرادي (3). قائد المقدمة: عبد الله بن عباس (4). قائد الميمنة: الإمام الحسن (عليه السلام) (5). قائد الميسرة: الإمام الحسين (عليه السلام) (6). صاحب الراية: محمد ابن الحنفية (7) (8).
(1 و 2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ خليفة بن خياط: 138، الإمامة والسياسة: 1 / 90؛ الجمل: 319. (3) الإمامة والسياسة: 1 / 90؛ الجمل: 319 وزاد فيه " ثم الجملي ". (4) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ خليفة بن خياط: 138، الإمامة والسياسة: 1 / 90، تاريخ الطبري: 4 / 480 وفيه " أبو ليلى بن عمر بن الجراح "؛ الجمل: 319. (5) العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، تاريخ خليفة بن خياط: 138 وفيهما: " علباء بن الهيثم السدوسي ويقال عبد الله بن جعفر ويقال الحسن بن علي " على نحو الترديد بينهم، تاريخ الطبري: 4 / 480 وفيه " عبد الله بن عباس "، الأخبار الطوال: 147 وفيه " الأشتر "، هامش تاريخ دمشق: 13 / 260. (6) تاريخ دمشق: 14 / 187، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ خليفة بن خياط: 138، تاريخ الطبري: 4 / 480 وفيه " عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد "، الأخبار الطوال: 147 وفيه " عمار بن ياسر ". (7) تاريخ الطبري: 4 / 480، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، الأخبار الطوال: 147، تاريخ خليفة بن خياط: 138. (8) لمزيد الاطلاع حول قادة جيش الإمام (عليه السلام) راجع الفتوح: 2 / 468. 74 1 / 5 قادة جيش الناكثين قائد الحرب: الزبير بن العوام (1). قائد الخيالة: طلحة بن عبيد الله (2). قائد خيالة الميمنة: مروان بن الحكم (3). قائد خيالة الميسرة: هلال بن وكيع الدارمي (4). قائد الرجالة: عبد الله بن الزبير (5). قائد رجالة الميمنة: عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد (6). قائد رجالة الميسرة: عبد الرحمن بن الحارث (7).
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 89؛ الجمل: 324. (2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ خليفة بن خياط: 138، الإمامة والسياسة: 1 / 89، الفتوح: 2 / 461، الأخبار الطوال: 146 وفيه " محمد بن طلحة ". (3) الجمل: 324؛ الفتوح: 2 / 461، الإمامة والسياسة: 1 / 89 وفيه " على المقدمة مروان "، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، تاريخ خليفة بن خياط: 138 وفيهما " على الميسرة ". (4) الجمل: 324؛ الفتوح: 2 / 461. (5) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، الأخبار الطوال: 146، تاريخ خليفة بن خياط: 138، الإمامة والسياسة: 1 / 89، الفتوح: 2 / 461. (6) الجمل: 324؛ الفتوح: 2 / 461، الإمامة والسياسة: 1 / 89 وفيه " عبد الرحمن بن عبادة "، تاريخ الطبري: 4 / 507 وفيه " إلى الميسرة ". (7) الجمل: 324؛ الأخبار الطوال: 147 وفيه " وإلى الميسرة "، تاريخ الطبري: 4 / 507، الكامل في التاريخ: 2 / 337 وفيهما " كان قائد الميمنة، وفي الأخير: عبد الرحمن بن الحرث "، الفتوح: 2 / 461 وفيه " حاتم بن بكير الباهلي "، الإمامة والسياسة: 1 / 89 وفيه " وعلى الميسرة هلال بن وكيع ". 75 صاحب الراية: عبد الله بن حكيم (1) (2). 1 / 6 أكابر أصحاب الإمام شارك الكثير من أكابر أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) في معركة الجمل إلى جانب الإمام علي (عليه السلام)، إلا أن الروايات تختلف في ذكر عددهم؛ فبعض المصادر يصرح بأن عددهم كان ثمانون من أهل بدر، وألف وخمسمائة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). ويذكر آخر أن عدد المشاركين في هذه المعركة من أصحاب الرسول كان ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. ومن بين الشخصيات البارزة التي شاركت في جيش الإمام علي (عليه السلام) يمكن الإشارة إلى كل من: أبي أيوب الأنصاري، أبي الهيثم بن التيهان، خزيمة بن ثابت، عبد الله بن بديل، عبد الله بن عباس، عثمان بن حنيف، عدي بن حاتم، عمار بن ياسر، عمرو بن الحمق، عمر بن أبي سلمة، هاشم بن عتبة. وشخصيات كبيرة أخرى مثل: أويس القرني، جارية بن قدامة، حجر بن عدي، زيد بن صوحان، سيحان بن صوحان، صعصعة بن صوحان، مالك الأشتر، شريح بن هاني، محمد بن أبى
(1) الجمل: 324؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، تاريخ خليفة بن خياط: 138، الأخبار الطوال: 146 وفيه " عبد الله بن حرام بن خويلد ". (2) لمزيد الاطلاع حول قادة جيش واقعة الجمل راجع الفتوح: 2 / 461. 76 بكر، محمد ابن الحنفية. وكان بين أولئك الذين وقفوا إلى جانب الإمام (عليه السلام) شخصيتان مؤثرتان جدا: الأولى: عمار بن ياسر، فبالنظر إلى اشتهار ما تنبأ به الرسول (صلى الله عليه وآله) حول مصيره، كان وجوده في جيش الإمام علي (عليه السلام) كفيلا بعدم وقوف كل من يؤمن بالرسول (صلى الله عليه وآله) ضد جيش الإمام. ولهذا يروى أن الزبير لما بلغه أن عمارا مع علي (عليه السلام) " ارتاب بما كان فيه ". والثانية: ابن أم سلمة، وكان وجوده دليلا على تأييد زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجبهة الإمام. وهذا التأييد وإن كان لا يرقى إلى مكانة عائشة الحساسة يوم الجمل، ولكن كان له تأثير كبير في أذهان عموم الناس. 2074 - الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: شهد مع علي (عليه السلام) يوم الجمل ثمانون من أهل بدر، وألف وخمسمائة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). 2075 - تاريخ الإسلام عن سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (2). 2076 - الأخبار الطوال: إن الزبير لما علم أن عمارا مع علي (رضي الله عنه) ارتاب بما كان
(1) الأمالي للطوسي: 726 / 1527، شرح الأخبار: 1 / 401 / 350؛ مروج الذهب: 2 / 367 وفيه " أربعمائة من المهاجرين والأنصار منهم: سبعون بدريا وباقيهم من الصحابة "، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 484 عن السدي وفيه " مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ". (2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 484، تاريخ خليفة بن خياط: 138، العقد الفريد: 3 / 314؛ شرح الأخبار: 2 / 9 / 393 وفيه " وتسعمائة " بدل " وأربعمائة " و ج 1 / 382 / 324 نحوه وفيه " سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار " بدل " ثمانمائة من الأنصار ". 77 فيه؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الحق مع عمار "، و " تقتلك الفئة الباغية " (1). 2077 - تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن أبي عمرة: قامت أم سلمة فقالت: يا أمير المؤمنين لولا أن أعصي الله عز وجل وأنك لا تقبله مني لخرجت معك، وهذا ابني عمر - والله، لهو أعز علي من نفسي - يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج فلم يزل معه (2). 1 / 7 وجوه أصحاب الجمل كان وجوه أصحاب الجمل من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) والمقربين إليه، وكان في جيشهم أيضا أشراف وأكابر آخرون. فقد كان فيهم عائشة وطلحة والزبير ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر وكعب بن سور، وغيرهم ممن كانوا يؤيدون عثمان أو لا يطيقون تحمل عدالة الإمام (عليه السلام). وقد كان حضور أشخاص كطلحة والزبير وعائشة في المعركة باعثا على وقوع غير ذوي البصيرة - ممن ينظرون إلى الحق من خلال الشخصيات البارزة - في الشك والحيرة، أو الانضمام إلى جيش أصحاب الجمل. ولأجل تنوير عقول أمثال هؤلاء الناس قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قولته المشهورة: " إن الحق لا يعرف بالرجال؛ إعرف الحق تعرف أهله ". راجع: تأهب الإمام لمواجهة الناكثين / التباس الأمر على من لا بصيرة له.
(1) الأخبار الطوال: 147، الكامل في التاريخ: 2 / 335 وص 337، نهاية الأرب: 20 / 68، البداية والنهاية: 7 / 240 وفيها " كف الزبير عن قتال عمار لقوله (صلى الله عليه وآله) " وراجع تاريخ الطبري: 4 / 510. (2) تاريخ الطبري: 4 / 451، الكامل في التاريخ: 2 / 323 وفيه " هذا ابن عمي " بدل " ابني عمر "، الفتوح: 2 / 456 نحوه وفيه كتابها إلى الإمام (عليه السلام). 78 1 / 8 عدد القتلى فيها قتل في معركة الجمل من جيش الإمام علي (عليه السلام) خمسة آلاف (1). وتجمع النصوص التاريخية كلها على هذا العدد بدون أدنى اختلاف. ولكن هناك اختلاف كبير بين هذه النصوص حول عدد قتلى جيش الجمل بحيث لا يمكن التعويل كثيرا على أي منها. فقد ذكرت بعض الأخبار التاريخية أن عدد من قتل منهم عشرون ألفا (2)، بينما جاء في أخبار أخرى أنه قتل منهم ثلاثة عشر ألفا (3)، وعلى خبر آخر عشرة آلاف (4)، أو خمسة آلاف (5). وجاء في نقل سيف بن عمر أنه قتل منهم خمسة آلاف، وهو - في العادة - ينقل الأخبار الكاذبة، أو يختلقها من عنده. وما ذكر من أن عدد قتلى أصحاب الجمل كان عشرة آلاف، وإن لم يأت في مصادر تاريخية كثيرة، إلا أن نبوءة الإمام علي (عليه السلام) في عدد قتلاهم تؤيد هذا المعنى. فقد قال لما بلغه خروج عائشة:
(1) تاريخ الطبري: 4 / 539، العقد الفريد: 3 / 324، الكامل في التاريخ: 2 / 346، مروج الذهب: 2 / 360، البداية والنهاية: 7 / 245. (2) العقد الفريد: 3 / 324. (3) مروج الذهب: 2 / 360. (4) تاريخ الطبري: 4 / 539. (5) تاريخ الطبري: 4 / 539، الكامل في التاريخ: 2 / 346، البداية والنهاية: 7 / 245. 79 " وقد - والله - علمت أنها الراكبة الجمل لا تحل عقدة ولا تسير عقبة ولا تنزل منزلا إلا إلى معصية؛ حتى تورد نفسها ومن معها موردا يقتل ثلثهم، ويهرب ثلثهم، ويرجع ثلثهم (1). وبما أن عدد أصحاب الجمل كان ثلاثين ألفا (2) فيجب أن يكون عدد قتلاهم عشرة آلاف. وذكر الشيخ المفيد في كتاب الجمل أن مجموع القتلى بلغ خمسة وعشرين ألفا، فإذا نقص منها خمسة آلاف ممن قتلوا في جيش الإمام يبقى العدد عشرون ألفا، وهذا يؤيد النص الوارد في أن عدد من قتل منهم عشرون ألفا. وواصل الشيخ المفيد يقول: وروى عبد الله بن الزبير رواية شاذة أنهم كانوا خمسة عشر ألفا. قيل: ويوشك أن يكون قول ابن الزبير أثبت. ولكن القول بذلك باطل؛ لبعده عن جميع ما قاله أهل العلم به (3). وكلام أم أفعى مع عائشة - الذي ورد في عيون الأخبار - يؤيد صحة هذا القول. على أنه ذكرت بعض المصادر أن مجموع قتلى الفريقين كان ثلاثين ألفا (4)، فيما ذكرت أخرى أنه كان عشرين ألفا (5). 2078 - عيون الأخبار: دخلت أم أفعى العبدية على عائشة [بعد وقعة الجمل]
(1) الإرشاد: 1 / 246. (2) راجع: عدد المشاركين فيها. (3) الجمل: 419. (4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 183؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 484. (5) أنساب الأشراف: 3 / 59. 80 فقالت: يا أم المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا؟ قالت: خذوا بيد عدوة الله (1).
(1) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 202، العقد الفريد: 3 / 328 وفيه " أم أوفى العبدية " وراجع أنساب الأشراف: 3 / 59. 81 الفصل الثاني هوية رؤساء الناكثين تعد معركة الجمل من الحوادث الجديرة بالتأمل في التاريخ الإسلامي؛ وإن في التعرف على دوافع مسعريها وأهدافهم تذكيرا للمرء وتنبيها له لمعرفة رجاله الذين يقتدي بهم ويسير على نهجهم. إننا نلحظ في النصوص التاريخية التي تحدثت عن تنظيم القوات وأهدافها وبواعثها نقاطا تثير التأمل. منها: الأهواء، والنزعات الدنيوية، واستغلال بعض الوجهاء لتحفيز عامة الناس. ومنها: ممارسات مكتنزي الثروات، وطلاب السلطة، ومن وجد حياته المترفة مهددة بالخطر. النقطة الأخرى التي ينبغي ألا ننساها هي كيفية مواجهة أشخاص من الصحابة عليا (عليه السلام)، في حين أنهم كانوا يدعون الإسلام والسبق إليه! ومن جانب آخر، وجاهة عامة الأشخاص الذين كان موقفهم في معركة الجمل يتعارض تماما مع موقفهم في زمان عثمان. وننقل فيما يأتي بإيجاز نصوصا تتحدث عن حياة الذين أوقدوا تلك الحرب،
83 وندعوا القراء إلى التأمل فيها. 2 / 1 خصائصهم 2079 - العقد الفريد: كان علي بن أبي طالب يقول: " بليت بأنض الناس، وأنطق الناس، وأطوع الناس في الناس ". يريد بأنض الناس: يعلى بن منية؛ وكان أكثر الناس ناضا (1)، ويريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيد الله، وأطوع الناس في الناس عائشة أم المؤمنين (2). 2080 - الإمام علي (عليه السلام): إني بليت بأربعة: أدهى الناس وأسخاهم؛ طلحة، وأشجع الناس؛ الزبير، وأطوع الناس في الناس؛ عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة؛ يعلى بن أمية (3). 2081 - عنه (عليه السلام): والله، لقد منيت بأربع لم يمن بمثلهن أحد بعد النبي (صلى الله عليه وآله): منيت بأشجع الناس؛ الزبير بن العوام، وبأخدع الناس؛ طلحة بن عبيد الله، وبأطوع الناس في الناس؛ عائشة بنت أبي بكر، وبمن أعان علي بأنواع الدنانير يعلى بن منية (4). 2082 - عنه (عليه السلام): إني منيت بأربعة ما مني أحد بمثلهن: منيت بأطوع الناس في
(1) الناض: هو ما كان ذهبا أو فضة، عينا وورقا. وقد نض المال ينض إذا تحول نقدا بعد أن كان متاعا (النهاية: 5 / 72). (2) العقد الفريد: 3 / 323، جواهر المطالب: 2 / 22. (3) الاستيعاب: 2 / 318 / 1289 عن صالح بن كيسان وعبد الملك بن نوفل والشعبي وابن أبي ليلى، أسد الغابة: 3 / 87 / 2627 وفيه " وأكثر الناس غنى يعلى بن منية " بدل " وأسرع الناس... ". (4) الفتوح: 2 / 463 وراجع شرح نهج البلاغة: 20 / 277 / 199. 84 الناس؛ عائشة بنت أبي بكر، وبأشجع الناس؛ الزبير بن العوام، وبأخصم الناس؛ طلحة بن عبيد الله، وبأكثر الناس مالا؛ يعلى بن منية التميمي؛ أعان علي بأصواع الدنانير (1). 2083 - عنه (عليه السلام): حاربني خمسة: حاربني أطوع الناس في الناس؛ عائشة، وأشجع الناس؛ الزبير، وأمكر الناس؛ طلحة بن عبيد الله؛ لم يدركه ماكر قط، وحاربني أعبد الناس؛ محمد بن طلحة بن عبيد الله؛ كان محمودا حتى استزله أبوه؛ فخرج به، وحاربني أعطى الناس؛ يعلى بن منية؛ كان يعطي الرجل الواحد الثلاثين دينارا والسلاح والفرس على أن يقاتلني (2). 2084 - عنه (عليه السلام): منيت - أو بليت - بأطوع الناس في الناس؛ عائشة، وبأدهى الناس؛ طلحة، وبأشجع الناس؛ الزبير، وبأكثر الناس مالا؛ يعلى بن منية، وبأجود قريش؛ عبد الله بن عامر (3). 2 / 2 عائشة هي عائشة بنت أبي بكر، وزوج النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (4).
(1) المسترشد: 419 / 141 عن شريح بن هانئ، كشف المحجة: 254 نحوه وراجع فتح الباري: 13 / 55. (2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 499 عن أبي فروة، سير أعلام النبلاء: 1 / 59 / 3 عن ابن أبي فروة. (3) الأغاني: 12 / 389 عن أبي الكنود. (4) الطبقات الكبرى: 8 / 58، سير أعلام النبلاء: 2 / 135 / 19، الاستيعاب: 4 / 435 / 3463، أسد الغابة: 7 / 186 / 7093. 85 توفي عنها النبي ولها من العمر ثماني عشرة سنة (1). حظيت باحترام بالغ في عهد أبي بكر وعمر، بيد أن عثمان قلل من شأنها ومن احترامها؛ فبرز الخلاف بينهما (2) إلى درجة أنها كانت تحرض الناس على قتله بقولها: اقتلوا نعثلا فقد كفر (3)! وحين حاصر الثوار عثمان ذهبت إلى مكة، وظلت فيها إلى أن قتل (4). وعندما قتل عثمان، كانت تتطلع إلى خلافة طلحة (5) والزبير (6). ولما تناهى إلى سمعها استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) رجعت من منتصف الطريق إلى مكة، ونادت بظلامة عثمان مطالبة بثأره (7). وعلى الرغم من أن موقفها من قتل عثمان كان واضحا للناس؛ ومنهم من كان يذكرها به، بيد أنهم كانوا يحترمونها ويسمعون كلامها؛ إجلالا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولأمومتها المؤمنين.
(1) تهذيب الكمال: 35 / 236 / 7885، الاستيعاب: 4 / 436 / 3463، أسد الغابة: 7 / 189 / 7093، الإصابة: 8 / 232 / 11461، البداية والنهاية: 8 / 94. (2) أنساب الأشراف: 6 / 144، الفتوح: 2 / 421؛ الجمل: 147 و 148، تاريخ اليعقوبي: 2 / 175. (3) تاريخ الطبري: 4 / 459، الكامل في التاريخ: 2 / 313، العقد الفريد: 3 / 300، الفتوح: 2 / 437، الإمامة والسياسة: 1 / 72 وفيه " فقد فجر " بدل " فقد كفر ". (4) راجع: القسم الرابع / الثورة على عثمان / الدعوة إلى الخروج / تحريض عائشة. (5) أنساب الأشراف: 6 / 212. (6) الجمل: 231. (7) تاريخ الطبري: 4 / 458 و 459، الكامل في التاريخ: 2 / 312 و 313، أنساب الأشراف: 6 / 212 و 213، الأخبار الطوال: 144، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 483، الفتوح: 2 / 452، الإمامة والسياسة: 1 / 71، البداية والنهاية: 7 / 231؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 180. 86 كانت عالمة خطيبة وأديبة (1)؛ وملمة إلماما تاما بسجايا العرب، وتعرف مواطن ضعفهم، لذا كانت قادرة على تحريضهم (2). وكان طلحة والزبير يعلمان أن الطريق الوحيد للنصر وتسلم الخلافة هو تعبئة الناس بواسطة عائشة؛ فلم يضيعا هذه الفرصة. كانت عائشة تجاهر بعدائها للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتذكر أن بينها وبينه ما يكون بين المرأة وبين أحمائها (3). ولولا وجاهتها لما استطاع طلحة والزبير تعبئة الناس للحرب. وكانت فارسة الحلبة بعد مقتل طلحة والزبير (4). مع هذا كله، أرجعها الإمام (عليه السلام) إلى المدينة باحترام تام (5). واصلت عداءها للإمام (عليه السلام) على الرغم من إصحارها بالندم مرارا على ما فرطت في جنبه يوم الجمل (6). أظهرت سرورها بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) (7)، وسجدت لذلك شكرا (8)!
(1) سنن الترمذي: 5 / 705 / 3884، تهذيب الكمال: 35 / 234 / 7885، الاستيعاب: 4 / 437 / 3463، البداية والنهاية: 8 / 92. (2) تاريخ الطبري: 4 / 516، الكامل في التاريخ: 2 / 340، البداية والنهاية: 7 / 243. (3) تاريخ الطبري: 4 / 544، الكامل في التاريخ: 2 / 348، البداية والنهاية: 7 / 246 وص 305. (4) راجع: القتال / استمرار الحرب بقيادة عائشة. (5) راجع: بعد الظفر / محادثات بين الإمام وعائشة. (6) راجع: بعد الظفر / ندم عائشة. (7) الطبقات الكبرى: 3 / 40، تاريخ الطبري: 5 / 150، الكامل في التاريخ: 2 / 438، الأخبار الموفقيات: 131 / 59. (8) الجمل: 159؛ مقاتل الطالبيين: 55. 87 وحالت دون دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). ماتت سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين من الهجرة (2). 2 / 3 طلحة بن عبيد الله أحد السابقين إلى الإسلام (3)، ومن كبار الصحابة. آخى الزبير قبل الهجرة (4). كان تاجرا، وعندما وقعت معركة بدر كان قد ذهب في تجارة إلى الشام (5). أثنى عليه أهل السنة، وعدوه من العشرة المبشرة (6). كان الخلفاء يحترمونه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله). اختاره عمر في الشورى السداسية، لكنه اعتزل لمصلحة عثمان (7). كان في غاية الدهاء والسياسة (8). حصل على ثروة طائلة في عصر عثمان؛ بسبب الأموال التي كان قد أعطاها إياه بلا حساب (9).
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 225؛ أنساب الأشراف: 3 / 298، سير أعلام النبلاء: 3 / 276 / 47، تاريخ دمشق: 13 / 293. (2) تهذيب الكمال: 35 / 235 / 7885، الكامل في التاريخ: 2 / 518، سير أعلام النبلاء: 2 / 192 / 19، الاستيعاب: 4 / 438 / 3463، أسد الغابة: 7 / 189 / 7093. (3) الإصابة: 3 / 430 / 4285، تاريخ دمشق: 25 / 54. (4) تهذيب الكمال: 13 / 415 / 2975، الإصابة: 3 / 431 / 4285، تاريخ دمشق: 25 / 66. (5) الاستيعاب: 2 / 317 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 54. (6) تهذيب الكمال: 13 / 412 / 2975، سير أعلام النبلاء: 1 / 24 / 2، الاستيعاب: 2 / 317 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 54، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 523، البداية والنهاية: 7 / 248. (7) راجع: القسم الرابع / مبادئ خلافة عثمان / ما جرى في الشورى. (8) راجع: خصائصهم. (9) راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطى طلحة. 88 وهبه عثمان مرة دينا كان عليه بلغ خمسين ألف درهم، وقال له: معونة على مروءتك (1)!! كان من ملاكي الأرض الكبار، حتى كان يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة (2) عشرة آلاف دينار (3). خلف بعد موته ثروة قدرت بثلاثين مليون درهم (4). لم يوله عثمان على مصر من الأمصار مع أنه كان يعظمه، ويعود ذلك إلى أنه كان يهتم كثيرا بأقاربه وبطانته، ومن هنا توترت العلاقة بينهما (5)، كما أعرض عثمان أيضا عن أهم سند له في الماضي وهو عبد الرحمن بن عوف (6). كان طلحة يطمح إلى الخلافة (7)؛ فكتب إلى البصرة، والكوفة، وغيرهما من الأمصار محرضا أهلها على قتل عثمان (8). وكان بيت المال بيده في جريان قتل عثمان (9)، بيد أنه لم يستطع أن يطالب بالخلافة؛ لاتهامه بالمشاركة في قتله؛ فبايع أمير المؤمنين (عليه السلام)، والعجيب أنه أول شخص يبايع.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 405، تاريخ دمشق: 25 / 104. (2) السراة: الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية. وقيل: هو الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة واليمن، ولها سعة (معجم البلدان: 3 / 204). (3) الطبقات الكبرى: 3 / 221، سير أعلام النبلاء: 1 / 32 / 2، مروج الذهب: 2 / 342، الاستيعاب: 2 / 321 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 102، البداية والنهاية: 7 / 248. (4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 417 / 5587، الطبقات الكبرى: 3 / 222، تهذيب الكمال: 13 / 423 / 2975، تاريخ دمشق: 25 / 120. (5) تاريخ المدينة: 4 / 1169، العقد الفريد: 3 / 303. (6) أنساب الأشراف: 6 / 171؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 169. (7) الإرشاد: 1 / 246. (8) الإمامة والسياسة: 1 / 53، أنساب الاشراف: 6 / 196، تاريخ المدينة: 4 / 1198. (9) تاريخ الطبري: 4 / 407؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 175. 89 لم يظفر طلحة بالخلافة، ويضاف إلى ذلك أنه حرم من الامتيازات التي كانت له في عهد عثمان. مما حدا به إلى إعلان معارضته للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأوقد نار الحرب مع الزبير، وعائشة، وغيرهما. وكان يقول: إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم شيئا أمثل من أن نبذل دماءنا فيه (1)!!! قتل طلحة في معركة الجمل سنة 36 ه، بسهم رماه به مروان بن الحكم من خلفه (2). 2085 - الطبقات الكبرى عن محمد بن إبراهيم: كان طلحة بن عبيد الله يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر (3). 2086 - الطبقات الكبرى عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة: أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد - يرحمه الله - من العين؟ قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم، ومائتي ألف دينار، وكان ماله قد اغتيل. كان يغل كل سنة من العراق مائة ألف سوى غلاته من السراة وغيرها، ولقد كان يدخل قوت أهله بالمدينة سنتهم من مزرعة بقناة كان يزرع على
(1) الطبقات الكبرى: 3 / 222، تاريخ الطبري: 4 / 476، سير أعلام النبلاء: 1 / 35 / 2، تاريخ المدينة: 4 / 1169، الاستيعاب: 2 / 318 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 109. (2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 417 / 5586، الطبقات الكبرى: 3 / 223، تاريخ خليفة بن خياط: 139، سير أعلام النبلاء: 1 / 36 / 2، البداية والنهاية: 7 / 242 وص 248؛ الجمل: 389. (3) الطبقات الكبرى: 3 / 221، سير أعلام النبلاء: 1 / 32 / 2 وليس فيه " إلى خمسمائة ألف "، تاريخ دمشق: 25 / 101 وراجع مروج الذهب: 2 / 342 والاستيعاب: 2 / 321 / 1289. 90 عشرين ناضحا، وأول من زرع القمح بقناة هو. فقال معاوية: عاش حميدا سخيا شريفا، وقتل فقيرا، رحمه الله! (1) 2087 - الطبقات الكبرى عن إبراهيم بن محمد بن طلحة: كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبيد الله من العقار والأموال وما ترك من الناض ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم، ومائتي ألف دينار، والباقي عروض (2) (3). 2088 - مروج الذهب - في ذكر أحوال طلحة بن عبيد الله في خلافة عثمان -: ابتنى داره بالكوفة، المشهورة به هذا الوقت، المعروفة - بالكناسة - بدار الطلحيين، وكان غلته من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراة (4) أكثر مما ذكرنا، وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج (5). 2089 - تاريخ الطبري عن موسى بن طلحة: كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا، فخرج عثمان يوما إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه. قال: هو لك يا أبا محمد! معونة لك على مروءتك (6). راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطى طلحة بن عبيد الله الثورة على عثمان / الدعوة إلى الخروج / تحريض طلحة.
(1) الطبقات الكبرى: 3 / 222، تاريخ دمشق: 25 / 103، سير أعلام النبلاء: 1 / 33 / 2 نحوه. (2) العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيوانا ولا عقارا (لسان العرب: 7 / 170). (3) الطبقات الكبرى: 3 / 222. (4) الشراة: صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) (معجم البلدان: 3 / 332). (5) مروج الذهب: 2 / 342. (6) تاريخ الطبري: 4 / 405، تاريخ دمشق: 25 / 103 و 104. 91 2 / 4 الزبير بن العوام هو ابن عمة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهو رابع من أسلم، أو خامسهم (1)، وكان من الصحابة الشجعان (2) المشهورين، وشهد مشاهد النبي (صلى الله عليه وآله) كلها (3)، وجرح عدة مرات، عده أهل السنة أحد العشرة المبشرة بالجنة (4). امتنع من بيعة أبي بكر، وكان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأصحابه الأول (5)، قيل: إنه حضر دفن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (6)، مما يدل على قربه من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). كان أحد الستة الذين رشحهم عمر للشورى، واعتزل نصرة للإمام علي (عليه السلام) (7). وكان صهر أبي بكر (8)، بيد أنه أمضى سنوات من عمره إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام). وقال (عليه السلام) فيه: ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله (9). وهذا يدل على أن عبد الله بن الزبير كان مثيرا للفتنة، وهو ما
(1) أسد الغابة: 2 / 307 / 1732، السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 267، سير أعلام النبلاء: 1 / 144. (2) راجع: خصائصهم. (3) أسد الغابة: 2 / 309 / 1732، الاستيعاب: 2 / 91 / 811، البداية والنهاية: 7 / 249. (4) أسد الغابة: 2 / 309 / 1732، الإصابة: 2 / 457 / 2796، الاستيعاب: 2 / 91 / 811، البداية والنهاية: 7 / 249. (5) راجع: القسم الرابع / قصة سقيفة / الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول الله. (6) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 363، بحار الأنوار: 43 / 183 نقلا عن تاريخ الطبري. (7) راجع: القسم الرابع / مبادئ خلافة عثمان / ما جرى في الشورى. (8) المحبر: 54؛ تاريخ دمشق: 18 / 429، أسد الغابة: 3 / 242 / 2949. (9) نهج البلاغة: الحكمة 453؛ العقد الفريد: 3 / 314، الاستيعاب: 3 / 40 / 1553، أسد الغابة: 3 / 244 / 2949، شرح نهج البلاغة: 2 / 167. 92 سنشير إليه لاحقا. كنز الزبير ثروة طائلة في عهد عثمان (1)، بلغت عند موته خمسين ألف دينار، وألف فرس، وألف عبد وأمة (2). لكنه لم يتول منصبا. وكان يساعد الثوار الذين نهضوا ضد عثمان (3)، بل طالب بقتله؛ عله يتقلد أمر الخلافة. وبايع عليا (عليه السلام) بعد قتل عثمان (4)، ولكنه لما حرم من الإمارة، ومن الامتيازات التي كانت له في عصر عثمان، رفع لواء المعارضة بوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) يحرضه على ذلك ولده عبد الله. توجه إلى مكة مع طلحة متظاهرين أنهما يريدان العمرة (6)، وهناك نسقا مع عائشة وغيرها، ثم اتفقوا على إشعال فتيل " الجمل "، واعتزل الزبير الحرب بعد كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) معه، لكنه اغتيل على يد ابن جرموز (7). 2090 - مروج الذهب - في ذكر أحوال الزبير بن العوام في خلافة عثمان -: بنى داره بالبصرة؛ وهي المعروفة في هذا الوقت - وهو سنة اثنتين وثلاثين
(1) الطبقات الكبرى: 3 / 107. (2) مروج الذهب: 2 / 342. (3) أنساب الأشراف: 6 / 211. (4) نهج البلاغة: الكتاب 54، الإرشاد: 1 / 245؛ الطبقات الكبرى: 3 / 31. (5) راجع: حرب الجمل / دوافع الحرب / الدافع في الباطن / طلب الرئاسة. (6) راجع: تأهب الناكثين للخروج على الإمام / خروج طلحة والزبير إلى مكة. (7) راجع: جهود الإمام لمنع القتال / عاقبة الزبير. 93 وثلاثمائة - تنزلها التجار وأرباب الأموال وأصحاب الجهاز من البحريين (1) وغيرهم، وابتنى أيضا دورا بمصر والكوفة والإسكندرية، وما ذكرنا من دوره وضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية. وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف الزبير ألف فرس، وألف عبد وأمة، وخططا (2) بحيث ذكرنا من الأمصار (3). 2091 - الطبقات الكبرى: كان للزبير أربع نسوة، وربع الثمن، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف. قال: فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف (4). 2 / 5 عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة بالمدينة، وهو أول مولود من أولاد المهاجرين (5). وكان حفيد أبي بكر (6). وله دور مهم في انحراف أبيه، وإيقاد حرب الجمل.
(1) في نسخة: " وأصحاب الجهات من البحرين " (هامش المصدر). (2) الخطط: جمع خطة؛ وهي الأرض يختطها الإنسان لنفسه بأن يعلم عليها علامة، ويخط عليها خطا ليعلم أنه قد احتازها، وبها سميت خطط الكوفة والبصرة (النهاية: 2 / 48). (3) مروج الذهب: 2 / 342. (4) الطبقات الكبرى: 3 / 109، سير أعلام النبلاء: 1 / 67 / 3 وفيه " ورفع الثلث " بدل " وربع الثمن " و " خمسون " بدل " خمسة وثلاثون ". (5) صحيح مسلم: 3 / 1690 / 25، مسند ابن حنبل: 10 / 270 / 27004، المستدرك على الصحيحين: 3 / 631 / 6326، السنن الكبرى: 6 / 335، السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 331. (6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 631 / 6326، تهذيب الكمال: 14 / 509 / 3269، تاريخ دمشق: 28 / 146. 94 وقال فيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله (1). وبذل قصارى جهده في تولية أبيه الخلافة بعد مقتل عثمان، إلا أنه لم يفلح في ذلك، وكان حلقة الوصل بين عائشة من جهة، والزبير وطلحة من جهة أخرى (2). وعندما عزم الزبير على اعتزال القتال حاول أن يثنيه عما هو بسبيله مستخدما ضروب الحيل الأخلاقية والعاطفية (3). ولما لم يبق أحد حول جمل عائشة، أخذ بزمامه، وجرح جرحا بليغا في اصطراعه مع مالك الأشتر. وكان يرغب في قتل مالك حتى لو كلفه ذلك نفسه، لذا كان يقول وهما مصطرعان: اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي! (4) عفا عنه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد الحرب، بطلب من عائشة (5). وكان مغرورا منبوذا حتى أن معاوية لم يحترمه ولم يبال به (6).
(1) نهج البلاغة: الحكمة 453؛ العقد الفريد: 3 / 314، الاستيعاب: 3 / 40 / 1553، أسد الغابة: 3 / 244 / 2949، شرح نهج البلاغة: 2 / 167. (2) الجمل: 229. (3) تاريخ الطبري: 4 / 509، مروج الذهب: 2 / 372، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 490، البداية والنهاية: 7 / 242؛ الجمل: 288 و 289. (4) مروج الذهب: 2 / 376، تاريخ الطبري: 4 / 519 وص 530، أنساب الأشراف: 3 / 39؛ الجمل: 350 وص 362. (5) مروج الذهب: 2 / 378، الفتوح: 2 / 485. (6) تاريخ الطبري: 5 / 323، مقاتل الطالبيين: 397. 95 ولم يبايع يزيد بعد هلاك معاوية. وتوطن مكة حفظا لنفسه (1) ثم تسلط عليها فهاجمها جيش يزيد لدحره، واحترقت الكعبة، ودمرت في ذلك الهجوم (2). لكن عبد الله نجا عندما بلغ مكة خبر هلاك يزيد (3). ثم ادعى الخلافة سنة 64 ه (4)، واستولى على الحجاز واليمن والعراق وخراسان (5). وطلب البيعة من عبد الله بن عباس، ومحمد ابن الحنفية، فلم يستجيبا له، فعزم على إحراقهما، بيد أنهما نجوا بعد حملة المختار (6). قتل ابن الزبير، ثم صلب في عهد عبد الملك بن مروان سنة 73 ه، بعدما أغار الحجاج على مكة والمسجد الحرام (7).
(1) تاريخ الطبري: 5 / 340، الكامل في التاريخ: 2 / 530، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 169 ف و 170، العقد الفريد: 3 / 363، تاريخ دمشق: 28 / 203 وص 209، البداية والنهاية: 8 / 147. (2) تاريخ الطبري: 5 / 498، الكامل في التاريخ: 2 / 602، أسد الغابة: 3 / 244 / 2949. (3) تاريخ الطبري: 5 / 498 وص 501، الكامل في التاريخ: 2 / 602، تاريخ دمشق: 28 / 209، البداية والنهاية: 8 / 225 و 226. (4) تاريخ الطبري: 5 / 497 وص 501، الكامل في التاريخ: 2 / 604، سير أعلام النبلاء: 3 / 364 / 53، تاريخ دمشق: 28 / 202 وص 221، البداية والنهاية: 8 / 238 و 239. (5) أسد الغابة: 3 / 244 / 2949، سير أعلام النبلاء: 3 / 364 / 53، الكامل في التاريخ: 2 / 615، تاريخ دمشق: 28 / 209 وص 245 و 246، مروج الذهب: 3 / 83. وقد ذكرت بعض المصادر أنه حكم على مصر أيضا، ولكن لم يستوسق له الأمر؛ إذ سرعان ما غلب مروان عليها. (6) تاريخ دمشق: 28 / 204، مروج الذهب: 3 / 86؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 261. (7) مروج الذهب: 3 / 122، المستدرك على الصحيحين: 3 / 639 / 6346، تاريخ الطبري: 6 / 187، الكامل في التاريخ: 3 / 67 - 75، سير أعلام النبلاء: 3 / 377 / 52، أسد الغابة: 3 / 245 / 2949، تاريخ دمشق: 28 / 212 وص 242 و 245، البداية والنهاية: 8 / 329. 96 2092 - شرح نهج البلاغة: ومن المنحرفين عنه [علي (عليه السلام)] المبغضين له: عبد الله ابن الزبير... كان علي (عليه السلام) يقول: " ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله، فأفسده ". وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب، وهو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة، وكان سبابا فاحشا، يبغض بني هاشم، ويلعن ويسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1). 2093 - مروج الذهب عن مساور بن السائب: أن ابن الزبير خطب أربعين يوما لا يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال: لا يمنعني أن أصلي عليه إلا أن تشمخ رجال بآنافها (2). قال ابن أبي الحديد بعد ذكره لهذا الخبر: وفي رواية محمد بن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنى: إن له أهيل سوء ينغضون (3) رؤوسهم عند ذكره (4). 2094 - مقاتل الطالبيين - في ذكر عبد الله بن الزبير -: هو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) في خطبته حتى التاث (5) عليه الناس، فقال: إن له أهل بيت سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم، واشرأبوا لذكره، وفرحوا بذلك، فلا أحب أن أقر عينهم بذكره (6).
(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 79. (2) مروج الذهب: 3 / 88، شرح نهج البلاغة: 4 / 62 نحوه. (3) من الإنغاض: تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه (مفردات ألفاظ القرآن: 816). (4) شرح نهج البلاغة: 4 / 62. (5) لاث به الناس: اجتمعوا حوله (لسان العرب: 2 / 188). (6) مقاتل الطالبيين: 397؛ بحار الأنوار: 48 / 183 / 26 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 261. 97 2 / 6 مروان بن الحكم كان مروان بن الحكم شخصا مشبوها، ورجلا انتهازيا يميل إلى إثارة الفتن والاضطرابات، ويمثل تجسيدا للشخص المرسوس في أوساط حركة لا ينسجم مع مسارها ولا يعتقد بقيمها ولا يتماشى مع مثلها. وأمثال هؤلاء الأشخاص يلحقون أضرارا فادحة بالتيار الفكري أو السياسي الذي ينتمون إليه. إن التأثير العميق الذي كان لمروان على عثمان من جهة، والرغبة الجامحة في إيجاد حكومة مجردة من القيم من جهة أخرى، فضلا عن عدم اعتقاده بالثقافة الإسلامية، جعل له دورا مهما في التطورات التي عصفت بالمجتمع الإسلامي آنذاك. لقد كان له دور جدير بالتأمل في تأجيج نار الغضب من جديد في نفوس الثائرين على عثمان، وتعجيل اضطرام المناحرات حول دار الخلافة. والمترجم له هو ابن عم عثمان. ولد في مكة أو في الطائف، ولكن لما كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نفى أباه الحكم بن أبي العاص إلى الطائف، فقد ذهب معه إليها؛ لذلك لم ير رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وسبب نفي الحكم إلى الطائف هو نظره في داخل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، أو استهزاؤه بعمله وسيرته (صلى الله عليه وآله) (2).
(1) أسد الغابة: 5 / 139 / 4848. (2) أنساب الأشراف: 6 / 135، الكامل في التاريخ: 2 / 647، أسد الغابة: 2 / 49 / 1217. 98 لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ويل لأمتي مما في صلب هذا (1). وعندما تقلد عثمان أمر الخلافة، أعاد عمه وابن عمه إلى المدينة، وبالغ في إكرامهما (2) وأغدق عليهما الأموال (3) وفسح المجال لمروان أن يتدخل في شؤون الخلافة؛ فأصبح كاتبه، بل منظر حكومته حقا. لا ريب أن ركون عثمان إلى مروان، وطاعته طاعة مطلقة كان لها دور مهم في قتله (4). وكان مروان غرا لا حظ له من آداب الإسلام في المعاشرة؛ لأنه كان يعيش خارج المدينة منذ طفولته بوصفه طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وجرح أثناء دفاعه عن عثمان (5)، وضرب على قفاه فقطع أحد علباويه، فعاش بعد ذلك أوقص (6)، وكان يلقب " خيط باطل " لدقة عنقه (7) ثم فر بعد مقتل عثمان إلى مكة، ولحق بالمتمردين؛ أي أصحاب الجمل (8).
(1) أسد الغابة: 2 / 49 / 1217 و ج 5 / 139 / 4848، الاستيعاب: 3 / 444 / 2399 وفيهما " ونظر إليه علي يوما فقال: ويلك، وويل أمة محمد منك ومن بنيك! ". (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 164 وص 166؛ مروج الذهب: 2 / 343، الكامل في التاريخ: 2 / 647، البداية والنهاية: 8 / 257. (3) أنساب الأشراف: 6 / 133 وص 136، الطبقات الكبرى: 5 / 36، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 430 و 432، الإمامة والسياسة: 1 / 50. (4) تاريخ الطبري: 4 / 362 و 363؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 173. (5) الطبقات الكبرى: 5 / 37، الاستيعاب: 3 / 444 / 2399. (6) الوقص: قصر في العنق كأنه رد في جوف الصدر (المحيط في اللغة: 5 / 467). (7) أسد الغابة: 5 / 140 / 4848، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 230، تاريخ المدينة: 4 / 1282، البداية والنهاية: 8 / 260. (8) الإمامة والسياسة: 1 / 73، الطبقات الكبرى: 5 / 38. 99 وكان على الميمنة في حرب الجمل (1)، وله فيها دور ماكر. وقتل في معمعتها طلحة؛ لأنه كان يحسبه قاتل عثمان (2)، وجرح في الحرب (3)، بيد أن الإمام (عليه السلام) عفا عنه (4)، ثم التحق بمعاوية (5)، واشترك معه في حرب صفين (6). تولى حكم المدينة سنة 42 ه (7)، وهو الذي حال دون دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) (8). تأمر مروان على المسلمين بعد يزيد بن معاوية، لكنه لم يحكم أكثر من تسعة أو عشرة أشهر (9)، فتحقق فيه كلام الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه؛ إذ كان قد شبه قصر إمارته ب " لعقة الكلب أنفه " (10)، ثم تسلط أبناؤه من بعده، فتأسس الكيان المرواني الذي كان له دور خبيث سيئ في تشويه المعارف الإسلامية
(1) راجع: هوية رؤوساء الناكثين / مروان بن الحكم. (2) الطبقات الكبرى: 3 / 223، تاريخ المدينة: 4 / 1170، الاستيعاب: 2 / 319 / 1289، تاريخ الطبري: 4 / 509. (3) الطبقات الكبرى: 5 / 38، البداية والنهاية: 7 / 244. (4) نهج البلاغة: صدر الخطبة 73؛ الطبقات الكبرى: 5 / 38، أنساب الأشراف: 3 / 57 و 58، مروج الذهب: 2 / 378. (5) أنساب الأشراف: 3 / 58. (6) الإصابة: 6 / 204 / 8337. (7) الطبقات الكبرى: 5 / 38، تاريخ الطبري: 5 / 172، الكامل في التاريخ: 2 / 455، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 8، تاريخ خليفة بن خياط: 153 وفيهما " سنة إحدى وأربعين ". (8) تاريخ المدينة: 1 / 110، البداية والنهاية: 8 / 44؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 225. (9) تاريخ الطبري: 5 / 611، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 233، الاستيعاب: 3 / 445 / 2399، أسد الغابة: 5 / 140 / 4848، الإصابة: 6 / 204 / 8337 وفيه " قدر نصف سنة ". (10) نهج البلاغة: الخطبة 73. 100 ودمار المجتمع الإسلامي. هلك مروان سنة 65 ه (1). 2095 - المعجم الكبير عن ثوبان: إن رسول الله قال: أريت بني مروان يتعاورون (2) منبري، فساءني ذلك (3). 2096 - المستدرك على الصحيحين عن أبي هريرة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون (4) على منبري كما تنزو القردة ". قال: فما رؤي النبي (صلى الله عليه وآله) مستجمعا ضاحكا حتى توفي (5). 2097 - المعجم الكبير عن أبي قبيل: إن ابن موهب أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان، فكلمه في حوائجه، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فوالله إن مؤنتي لعظيمة، إني أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، وعم عشرة، فلما أدبر مروان وابن عباس جالس مع معاوية على سريره، فقال معاوية: أنشدك الله يا بن عباس، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله بينهم دولا، وعباده خولا، وكتابه دغلا (6)، فإذا بلغوا
(1) الطبقات الكبرى: 5 / 43، تاريخ الطبري: 5 / 610، الكامل في التاريخ: 2 / 646، مروج الذهب: 3 / 97، الاستيعاب: 3 / 445 / 2399. (2) تعاوروه: تداولوه فيما بينهم (تاج العروس: 7 / 276). (3) المعجم الكبير: 2 / 96 / 1425، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173. (4) نزوت على الشيء: إذا وثبت عليه (لسان العرب: 15 / 319). (5) المستدرك على الصحيحين: 4 / 527 / 8481، مسند أبي يعلى: 6 / 63 / 6430، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173، سير أعلام النبلاء: 2 / 108 / 14 نحوه. (6) دولا: جمع دولة؛ وهو ما يتداول من المال؛ فيكون لقوم دون قوم. وخولا: أي خدما وعبيدا؛ يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. ودغلا: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغل: الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه (النهاية: 2 / 140 وص 88 وص 123). 101 تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من الثمرة "؟ قال ابن عباس: اللهم نعم... قال معاوية: أنشدك الله يا بن عباس، أما تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ قال ابن عباس: اللهم نعم (1). 2098 - نهج البلاغة: قالوا: أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين (عليهما السلام) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكلماه فيه، فخلى سبيله، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته! إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته (2)، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر! (3) 2 / 7 عبد الله بن عامر عبد الله بن عامر بن كريز، ابن خال عثمان (4)، عينة ماثلة من الذين تمرغوا في
(1) المعجم الكبير: 12 / 182 / 12982 و ج 19 / 382 / 897، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173؛ العمدة: 472 / 994، بحار الأنوار: 18 / 126. (2) السبة: الاست، ومعنى الكلام محمول على وجهين: أحدهما: أن يكون ذكر السبة إهانة له وغلظة عليه.... الثاني: أن يريد بالكلام حقيقة لا مجازا؛ وذلك لأن الغادر من العرب كان إذا عزم على الغدر بعد عهد قد عاهده... حبق (أي ضرط) استهزاء بما كان قد أظهره من اليمين والعهد (شرح نهج البلاغة: 6 / 147). (3) نهج البلاغة: الخطبة 73 وراجع الخرائج والجرائح: 1 / 197 / 35. (4) الطبقات الكبرى: 5 / 45، تاريخ الطبري: 4 / 264، الكامل في التاريخ: 2 / 241، سير أعلام النبلاء: 3 / 18 / 6، أسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 250؛ الجمل: 166. 102 الرفاه، فانبروا للقيم الإنسانية مشاكسين لها ومخاصمين. ولاه عثمان على البصرة وهو ابن أربع وعشرين أو خمس وعشرين سنة (1)، كما كان يلي بلاد فارس أيضا (2). عزله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، فنهب بيت مال البصرة، وفر إلى مكة (3)، وكانت معرفته بالبصرة هي التي دفعت أصحاب الجمل إلى التوجه نحوها (4)، وهو أحد الذين جهزوا الجيش بالمال الذي سرقه من خزانة البصرة، فأنفق مليون درهم، وتبرع بمائة بعير لقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) (5). لاذ بالفرار بعد معركة الجمل قاصدا الشام (6)، وفيها صاهر معاوية (7)، وكان معه في حرب صفين (8)، كما شارك في قتال الإمام الحسن (عليه السلام)، وصار واسطة في
(1) تاريخ خليفة بن خياط: 116، أسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 254، الطبقات الكبرى: 5 / 45، الكامل في التاريخ: 2 / 242؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 166. (2) تاريخ خليفة بن خياط: 116، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 325، سير أعلام النبلاء: 3 / 20 / 6، تاريخ دمشق: 29 / 254. (3) الطبقات الكبرى: 5 / 48، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 259، أسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 261. (4) مروج الذهب: 2 / 366، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 258 و 259، أسد الغابة: 3 / 289 / 3033؛ المسترشد: 419 / 141. (5) مروج الذهب: 2 / 366 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 452 والكامل في التاريخ: 2 / 314 والبداية والنهاية: 7 / 231. (6) تاريخ الطبري: 4 / 536، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 259، أسد الغابة: 3 / 290 / 3033، البداية والنهاية: 8 / 88. (7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 742 / 6697، البداية والنهاية: 8 / 88. (8) الأخبار الطوال: 196؛ وقعة صفين: 246 وص 417. 103 الصلح (1)، ثم ولي البصرة ثلاث سنوات أخرى في عهد معاوية (2). حياته معلم على عبادته للدنيا وجشعه في استغلال بيت المال. وهكذا... أليس عجيبا أن يذكروا في ترجمته أنه " كان أحد الأجواد الممدوحين " (3)؟! هلك ما بين سنة 57 إلى 59 ه (4). 2 / 8 يعلى بن منية (5) صهر الزبير (6)، وعامل أبو بكر (7) وعمر وعثمان على اليمن (8)، عزله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، فنهب بيت مال اليمن (9) ولجأ إلى مكة ومعه ستمائة
(1) الأخبار الطوال: 216 - 218. (2) الطبقات الكبرى: 5 / 49، تاريخ الطبري: 5 / 170، الكامل في التاريخ: 2 / 454، سير أعلام النبلاء: 3 / 21 / 6، أسد الغابة: 3 / 290 / 3033. (3) أسد الغابة: 3 / 290 / 3033، العقد الفريد: 1 / 245، الطبقات الكبرى: 5 / 45. (4) تاريخ دمشق: 29 / 271، الطبقات الكبرى: 5 / 49، الكامل في التاريخ: 2 / 515، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 162 و 165، تاريخ خليفة بن خياط: 171، سير أعلام النبلاء: 3 / 21 / 6، أسد الغابة: 3 / 290 / 3033. (5) منية هذه هي أمه، وقد اشتهر بالنسبة إليها، وهي منية بنت غزوان. وأما أبوه فهو أمية بن أبي عبيدة التميمي المكي. (6) المعارف لابن قتيبة: 276. (7) المعارف لابن قتيبة: 276. (8) الإصابة: 6 / 539 / 9379، أسد الغابة: 5 / 486 / 5647، تهذيب الكمال: 32 / 380 / 7110، سير أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20 وفيهما " كان عامل عمر على نجران ". (9) الجمل: 233. 104 ألف درهم وستمائة بعير (1)، فالتحق فيها بعائشة وطلحة والزبير، وتعهد بنفقات الحرب، فدفع أربعمائة ألف درهم للمحاربين، وجعل الإبل تحت تصرفهم (2). وهو الذي اشترى الجمل الذي كانت عليه عائشة (3). وله ثروة طائلة أيضا، وكان أحد الصحابة الذين سطوا على بيت المال، فملؤوا جيوبهم منه. ويا عجبا إذا اشتهر بالجود والكرم (4)!! ومن المحتمل أنه مات في أيام معاوية (5). 2099 - الجمل: لما اتصل بأمير المؤمنين (عليه السلام) خبر ابن أبي ربيعة وابن منية وما بذلاه من المال في شقاقه والفساد عليه قال: والله إن ظفرت بابن منية وابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في مال الله عز وجل.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 450، الكامل في التاريخ: 2 / 313، الفتوح: 2 / 453 وفيه " ومعه أربعمائة بعير "، البداية والنهاية: 7 / 231. (2) أسد الغابة: 5 / 487 / 5647، مروج الذهب: 2 / 366، العقد الفريد: 3 / 323 وفيه " وجهز من ماله خمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم "، سير أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20 وفيه " فأنفق أموالا جزيلة في العسكر كما ينفق الملوك "، الكامل في التاريخ: 2 / 314، البداية والنهاية: 7 / 231 وفيهما " ستمائة بعير وستمائة ألف درهم ". (3) الكامل في التاريخ: 2 / 315، المعارف لابن قتيبة: 276، أسد الغابة: 5 / 487 / 5647، العقد الفريد: 3 / 323، الفتوح: 2 / 468، البداية والنهاية: 7 / 231. (4) أسد الغابة: 5 / 487 / 5647، تهذيب الكمال: 32 / 380 / 7110، سير أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20. (5) تهذيب الكمال: 32 / 381 / 7110، سير أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20، الإصابة: 6 / 539 / 9379، أسد الغابة: 5 / 487 / 5647، مختصر تاريخ دمشق: 28 / 58 / 40 وفيهما " ثم صار من أصحاب علي وقتل معه بصفين ". 105 ثم قال: بلغني أن ابن منية بذل عشرة آلاف دينار في حربي! من أين له عشرة آلاف دينار؟ سرقها من اليمن ثم جاء بها! لئن وجدته لآخذنه بما أقر به. فلما كان يوم الجمل وانكشف الناس هرب يعلى بن منية (1).
(1) الجمل: 232. 106 الفصل الثالث تأهب الناكثين للخروج على الإمام 3 / 1 دسائس معاوية 2100 - شرح نهج البلاغة عن قيس بن عرفجة: لما حصر عثمان أبرد مروان بن الحكم بخبره بريدين: أحدهما إلى الشام والآخر إلى اليمن - وبها يومئذ يعلى بن منية - ومع كل واحد منهما كتاب فيه: إن بني أمية في الناس كالشامة الحمراء، وإن الناس قد قعدوا لهم برأس كل محجة، وعلى كل طريق، فجعلوهم مرمى العر (1) والعضيهة (2)، ومقذف القشب (3)
(1) العرة: اللطخ والعيب (كتاب العين: 527). (2) العضيهة: الإفك (المحيط في اللغة: 1 / 109). (3) القشب من الكلام: الفري؛ يقال: قشبنا فلان؛ أي رمانا بأمر لم يكن فينا. وعن ابن الأعرابي: القاشب: الذي يعيب الناس بما فيه (لسان العرب: 1 / 673). 107 والأفيكة، وقد علمتم أنها لم تأت عثمان إلا كرها تجبذ من ورائها، وإني خائف إن قتل أن تكون من بني أمية بمناط الثريا إن لم نصر كرصيف الأساس المحكم، ولئن وهى عمود البيت لتتداعين جدرانه، والذي عيب عليه إطعامكما الشام واليمن، ولا شك أنكما تابعاه إن لم تحذرا، وأما أنا فمساعف كل مستشير، ومعين كل مستصرخ، ومجيب كل داع، أتوقع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصة، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الكتب لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلى أن يحدث الأمر، فجدا في طلب ما أنتما ولياه، وعلى ذلك فليكن العمل إن شاء الله.... فلما ورد الكتاب على معاوية أذن في الناس الصلاة جامعة، ثم خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ، وفي أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان.... فلما ورد الكتاب على معاوية أمر بجمع الناس، ثم خطبهم خطبة أبكى منها العيون، وقلقل القلوب، حتى علت الرنة، وارتفع الضجيج، وهم النساء أن يتسلحن. ثم كتب إلى طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر بن كريز، والوليد بن عقبة، ويعلى بن منية؛ وهو اسم أمه، وإنما أسم أبيه أمية. فكان كتاب طلحة: أما بعد؛ فإنك أقل قريش في قريش وترا، مع صباحة وجهك، وسماحة كفك، وفصاحة لسانك؛ فأنت بإزاء من تقدمك في السابقة، وخامس المبشرين بالجنة، ولك يوم أحد وشرفه وفضله، فسارع رحمك الله إلى ما تقلدك الرعية من أمرها مما لا يسعك التخلف عنه، ولا يرضى الله منك إلا
108 بالقيام به، فقد أحكمت لك الأمر قبلي، والزبير فغير متقدم عليك بفضل، وأيكما قدم صاحبه فالمقدم الإمام والأمر من بعده للمقدم له، سلك الله بك قصد المهتدين، ووهب لك رشد الموفقين، والسلام. وكتب إلى الزبير: أما بعد؛ فإنك الزبير بن العوام بن أبي خديجة، وابن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحواريه وسلفه، وصهر أبي بكر، وفارس المسلمين، وأنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع (1)، كل ذلك قوة إيمان وصدق يقين، وسبقت لك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) البشارة بالجنة، وجعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة. واعلم يا أبا عبد الله، أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي، فسارع رحمك الله إلى حقن الدماء، ولم الشعث، وجمع الكلمة، وصلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر، وانتشار الأمة؛ فقد أصبح الناس على شفا جرف هار عما قليل ينهار إن لم يرأب (2)، فشمر لتأليف الأمة، وابتغ إلى ربك سبيلا، فقد أحكمت الأمر على من قبلي لك ولصاحبك، على أن الأمر للمقدم، ثم لصاحبه من بعده، جعلك الله من أئمة الهدى، وبغاة الخير والتقوى، والسلام (3). 2101 - شرح نهج البلاغة: بعث [معاوية] رجلا من بني عميس، وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك. أما بعد؛ فإني قد بايعت لك أهل الشام،
(1) أي المردوع؛ من ردعه إذا كفه (هامش المصدر). (2) الرأب: الجمع والشد برفق (النهاية: 2 / 176). (3) شرح نهج البلاغة: 10 / 233. 109 فأجابوا واستوسقوا (1) كما يستوسق الجلب (2)، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب؛ فإنه لا شيء بعد هذين المصرين. وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفركما الله، وخذل مناوئكما!! فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به، وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي (عليه السلام) (3). 2102 - الإمام علي (عليه السلام) - من خطبته قبل حرب الجمل في شأن طلحة والزبير -: ويا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علي، وهما يعلمان أني لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت. ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه، فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام (4) أنهما يطلبان بدم عثمان (5). 3 / 2 بدء الخلاف 2103 - الإمامة والسياسة: ذكروا أن الزبير وطلحة أتيا عليا - بعد فراغ البيعة - فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟
(1) استوسقوا: استجمعوا وانضموا (النهاية: 5 / 185). (2) الجلب: ما جلب من خيل وإبل ومتاع (لسان العرب: 1 / 268). (3) شرح نهج البلاغة: 1 / 231. (4) الطغام: من لا عقل له ولا معرفة. وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128). (5) الجمل: 268، بحار الأنوار: 32 / 63؛ شرح نهج البلاغة: 1 / 310 عن زيد بن صوحان. 110 قال علي: نعم، على السمع والطاعة، وعلى ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان. فقالا: لا، ولكنا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر. قال علي: لا، ولكنكما شريكان في القول والاستقامة والعون على العجز والأود (1) (2). 2104 - الإمام علي (عليه السلام) - لما قال طلحة والزبير له (عليه السلام): نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر، قال -: لا ولكنكما شريكان في القوة والاستعانة، وعونان على العجز والأود (3). 2105 - تاريخ اليعقوبي: أتاه طلحة والزبير فقالا: إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة (4)، فأشركنا في أمرك! فقال: أنتما شريكاي في القوة والاستقامة، وعوناي على العجز والأود (5). راجع: نظرة عامة في حروب الإمام / دوافع البغاة في قتال الإمام. 3 / 3 إظهار الشكاة 2106 - الإمامة والسياسة: كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، وطلحة في
(1) في المصدر: " والأولاد " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه. والأود: العوج (النهاية: 1 / 79). (2) الإمامة والسياسة: 1 / 70. (3) نهج البلاغة: الحكمة 202، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 114، بحار الأنوار: 32 / 48 / 31. (4) الجفاء: ترك الصلة والبر (لسان العرب: 14 / 148). (5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179. 111 اليمن، فلما استبان لهما أن عليا غير موليهما شيئا، أظهرا الشكاة؛ فتكلم الزبير في ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من علي! قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب، وسببنا له القتل، وهو جالس في بيته وكفي الأمر. فلما نال بنا ما أراد، جعل دوننا غيرنا. فقال طلحة: ما اللوم إلا أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا، ومنعنا ما في يده؛ فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. قال: فانتهى قولهما إلى علي، فدعا عبد الله بن عباس وكان استوزره، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: نعم، بلغني قولهما. قال: فما ترى؟ قال: أرى أنهما أحبا الولاية؛ فول البصرة الزبير، وول طلحة الكوفة؛ فإنهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان. فضحك علي، ثم قال: ويحك، إن العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية، لكان لي فيهما رأي (1). 2107 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام له (عليه السلام) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة، وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما والاستعانة في الأمور بهما -: لقد نقمتما يسيرا، وأرجأتما كثيرا. ألا تخبراني، أي شيء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ أم أي قسم استأثرت عليكما به؟ أم أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه، أم جهلته، أم أخطأت بابه؟
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 71 وراجع الجمل: 164 والمسترشد: 418 / 141. 112 والله، ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة (1)، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استن النبي (صلى الله عليه وآله) فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما. وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة؛ فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وليته هوى مني، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فرغ منه، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه، وأمضى فيه حكمه، فليس لكما - والله - عندي ولا لغيركما في هذا عتبى (2). أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر. ثم قال (عليه السلام): رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا فرده، وكان عونا بالحق على صاحبه (3). 3 / 4 خروج طلحة والزبير إلى مكة في أعقاب عدة أيام من المداولات التي أجراها طلحة والزبير مع الإمام في سبيل الحصول على بعض المناصب الحكومية (4)، وكسب الامتيازات الاقتصادية، ولم تتمخض هذه المباحثات إلا عن رفضه الانصياع لمطاليبهم،
(1) أي حاجة (النهاية: 1 / 36). (2) العتبى: الرجوع من الذنب والإساءة (النهاية: 3 / 175). (3) نهج البلاغة: الخطبة 205، بحار الأنوار: 32 / 50 / 34؛ المعيار والموازنة: 113 و 114. (4) الجمل: 164. راجع: إظهار الشكاة / دوافع البغاة في قتال الإمام (عليه السلام) / الاستعلاء. 113 تناهى إليهم خبر إعلان عائشة في مكة عن معارضتها للإمام، والبراءة من قتلة عثمان. ومن جهة أخرى فقد فر بعض عمال عثمان برفقة الأموال التي نهبوها من بيت المال إلى مكة خوفا من حساب الإمام لهم. وهكذا فقد عزم كل من طلحة والزبير على الذهاب إلى مكة، والإعلان عن معارضتهما لحكومة الإمام من هناك. فجاءاه وهما يضمران هذه النية. 2108 - الجمل: فلما دخلا [طلحة والزبير] عليه قالا: يا أمير المؤمنين! قد جئناك نستأذنك للخروج في العمرة، فلم يأذن لهما. فقالا: نحن بعيدو العهد بها، ائذن لنا فيها. فقال لهما: والله، ما تريدان العمرة، ولكنكما تريدان الغدرة! وإنما تريدان البصرة! فقالا: اللهم غفرا، ما نريد إلا العمرة. فقال لهما (عليه السلام): أحلفا لي بالله العظيم أنكما لا تفسدان علي أمور المسلمين، ولا تنكثان لي بيعة، ولا تسعيان في فتنة. فبذلا ألسنتهما بالأيمان الوكيدة فيما استحلفهما عليه من ذلك. فلما خرجا من عنده لقيهما ابن عباس فقال لهما: فأذن لكما أمير المؤمنين؟ قالا: نعم. فدخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فابتدأه (عليه السلام) وقال: يا بن عباس، أعندك خبر؟ فقال: قد رأيت طلحة والزبير. فقال له: إنهما استأذناني في العمرة، فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فسادا، والله يا بن عباس ما قصدا إلا
114 الفتنة، فكأني بهما وقد صارا إلى مكة ليستعينا على حربي؛ فإن يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك، وسيفسد هذان الرجلان علي أمري، ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري. فقال عبد الله بن عباس: إذا كان عندك الأمر كذلك فلم أذنت لهما؟ وهلا حبستهما وأوثقتهما بالحديد، وكفيت المسلمين شرهما! فقال له (عليه السلام): يا بن عباس! أتأمرني أن أبدأ بالظلم، وبالسيئة قبل الحسنة، وأعاقب على الظنة والتهمة، وآخذ بالفعل قبل كونه؟ كلا! والله لا عدلت عما أخذ الله علي من الحكم بالعدل، ولا القول بالفصل (1). 2109 - الجمل عن بكر بن عيسى: إن عليا (عليه السلام) أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه ألا يخالفا ولا ينكثا، ولا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليه، فأعطياه ذلك من أنفسهما، ثم أذن لهما فخرجا (2). 3 / 5 دعوة طلحة والزبير عائشة إلى الخروج (3) 2110 - أنساب الأشراف عن صالح بن كيسان وأبي مخنف: قالوا: قدم طلحة
(1) الجمل: 166 وراجع الكافئة: 14 / 13 والاحتجاج: 1 / 373 / 67 ومروج الذهب: 2 / 366 وأنساب الأشراف: 3 / 22 والفتوح: 2 / 451. (2) الجمل: 437، الكافئة: 15 / 14، بحار الأنوار: 32 / 32 / 18. (3) هذا الكلام لا يعني أن عائشة كانت بريئة تماما وأن طلحة والزبير هما اللذان حرضاها على اتخاذ ذلك الموقف. إن موقف عائشة أثناء العودة من مكة وسماع خبر مقتل عثمان وخلافة الإمام (عليه السلام) ينم عن أنها كانت تبحث عن ذريعة للإعلان عن معارضتها للإمام علي (عليه السلام)، وأنها كانت متأهبة للإعلان عن تأييدها لأية حركة معارضة راجع: القسم الرابع / الثورة على عثمان / حج عائشة في حصر عثمان. 115 والزبير على عائشة، فدعواها إلى الخروج، فقالت: أتأمراني أن أقاتل؟ فقالا: لا، ولكن تعلمين الناس أن عثمان قتل مظلوما، وتدعيهم إلى أن يجعلوا الأمر شورى بين المسلمين؛ فيكونوا على الحالة التي تركهم عليها عمر بن الخطاب، وتصلحين بينهم (1). 2111 - الفتوح: خرج الزبير وطلحة إلى مكة، وخرج معهما عبد الله بن عامر بن كريز وهو ابن خال عثمان، فجعل يقول لهما: أبشرا! فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدنكما بمائة ألف سيف. قال: وقدموا مكة وبها يومئذ عائشة، وحرضوها على الطلب بدم عثمان، وكان معها جماعة من بني أمية، فلما علمت بقدوم طلحة والزبير فرحت بذلك واستبشرت، وعزمت على ما أرادت من أمرها (2). 2112 - الجمل: لما عرف طلحة والزبير من حالها [أي عائشة] وحال القوم عملا على اللحاق بها والتعاضد على شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاستأذناه في العمرة... وسارا إلى مكة خالعين الطاعة، ومفارقين الجماعة. فلما وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما وخاصتهما وخالصتهما طافا بالبيت طواف العمرة، وسعيا بين الصفا والمروة، وبعثا إلى عائشة عبد الله بن الزبير وقالا له: امض إلى خالتك، فاهد إليها السلام منا وقل لها: إن طلحة والزبير يقرئانك السلام ويقولان لك: إن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما، وإن علي بن أبي طالب ابتز الناس أمرهم، وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولوا قتل عثمان،
(1) أنساب الأشراف: 3 / 23. (2) الفتوح: 2 / 452. 116 ونحن نخاف انتشار الأمر به؛ فإن رأيت أن تسيري معنا لعل الله يرتق بك فتق هذه الأمة، ويشعب بك صدعهم، ويلم بك شعثهم (1)، ويصلح بك أمورهم. فأتاها عبد الله، فبلغها ما أرسلاه به، فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلى الخروج عن مكة، وقالت: يا بني، لم آمر بالخروج، لكني رجعت إلى مكة لأعلم الناس ما فعل بعثمان إمامهم، وأنه أعطاهم التوبة، فقتلوه تقيا نقيا بريا، ويرون في ذلك رأيهم، ويشيرون إلى من ابتزهم أمرهم، وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة، بتكبر وتجبر، ويظن أن الناس يرون له حقا كما كانوا يرونه لغيره. هيهات هيهات! يظن ابن أبي طالب يكون في هذا الأمر كابن أبي قحافة، لا والله، ومن في الناس مثل ابن أبي قحافة؟ تخضع إليه الرقاب، ويلقى إليه المقاد، وليها والله ابن أبي قحافة فخرج منها كما دخل، ثم وليها أخو بني عدي، فسلك طريقه، ثم مضيا فوليها ابن عفان؛ فركبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأفعال مع النبي (صلى الله عليه وآله) مذكورة، لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله في ذات الله، وكان محبا لقومه، فمال بعض الميل، فاستتبناه فتاب ثم قتل، فيحق للمسلمين أن يطلبوا بدمه. فقال لها عبد الله: فإذا كان هذا قولك في علي يا أمه، ورأيك في قاتلي عثمان، فما الذي يقعدك عن المساعدة على جهاد علي بن أبي طالب وقد حضرك من المسلمين من فيه غنى وكفاية فيما تريدين؟
(1) الرتق: إلحام الفتق وإصلاحه. وشعب الصدع في الإناء: إصلاحه وملاءمته. ويلم بك شعثهم أي: يجمع ما تفرق منه (انظر لسان العرب: 10 / 114 و ج 1 / 498 و ج 2 / 161). 117 فقالت: يا بني أفكر فيما قلت وتعود إلي. فرجع عبد الله إلى طلحة والزبير بالخبر، فقالا له: قد أجابت أمنا والحمد لله إلى ما نريد، ثم قالا له: باكرها في الغد، فذكرها أمر المسلمين، وأعلمها أنا قاصدان إليها لنجدد بها عهدا، ونحكم معها عقدا، فباكرها عبد الله، وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها، فأجابت إلى الخروج ونادى مناديها: إن أم المؤمنين تريد أن تخرج تطلب بدم عثمان، فمن كان يريد أن يخرج فليتهيأ للخروج معها. وصار إليها طلحة، فلما بصرت به قالت له: يا أبا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا؟ فقال لها: يا أمه، ما مثلي إلا كما قال الأول: ندمت ندامة الكسعي (1) لما * رأت عيناه ما صنعت يداه وجاءها الزبير فسلم عليها، فقالت له: يا أبا عبد الله! شركت في دم عثمان، ثم بايعت عليا، وأنت والله أحق منه بالأمر؟ فقال لها الزبير: أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلى ربي من ذنبي في ذلك، ولن أترك الطلب بدم عثمان. والله ما بايعت عليا إلا مكرها، التف به السفهاء من أهل مصر والعراق، وسلوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه. وصار إلى مكة عبد الله بن أبي ربيعة - وكان عامل عثمان على صنعاء - فدخلها وقد انكسر فخذه، وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله: أنه لما
(1) الكسعي: يضرب به المثل في الندامة، وهو رجل رام رمى بعد ما أسدف الليل عيرا، فأصابه وظن أنه أخطأه، فكسر قوسة، وقيل: وقطع إصبعه ثم ندم من الغد حين نظر إلى العير مقتولا وسهمه فيه (لسان العرب: 8 / 311). 118 اتصل بابن أبي ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعا لنصرته، فلقيه صفوان بن أمية، وهو على فرس يجري وعبد الله بن أبي ربيعة على بغلة، فدنا منها الفرس، فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة وكسرت فخذه، وعرف أن الناس قد قتلوا عثمان، فصار إلى مكة بعد الظهر، فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج للطلب بدم عثمان، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد، ثم حمل ووضع عليه وقال للناس: من خرج للطلب بدم عثمان فعلي جهازه، فجهز ناسا كثيرا، فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله (1). 3 / 6 تخطيط الناكثين للحرب إن شورى الناكثين جديرة بالتأمل، فقد اجتمعوا في مكة من أجل التخطيط لمواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام). وجلس طلحة، والزبير، وعائشة، ومروان بن الحكم، ويعلى بن منية، وعبد الله بن عامر، وعبد الله بن الزبير، ونظائرهم ليعينوا موضع القتال، ويرسموا خطة الحرب، وأساليب المواجهة. وكان لكل واحد من هؤلاء مواصفاته الخاصة؛ فطلحة والزبير كانا لاهثين وراء السلطة، وفي أنفسهما هوى الرئاسة والخلافة، ومروان رجل ماكر، مريب، بعيد عن الدين، وعبد الله بن عامر شخص موتور فقد سلطته بعد أن ملأ جيوبه بدنانير بيت المال ودراهمه، وهكذا كان يعلى بن منية؛ فامتزج حب السلطة، ونزعة الترف، وبلبلة الهوس بفتنة عمياء تمخضت عنها معركة الجمل. واختارت هذه الشرذمة البصرة بعد مداولات كثيرة، ذلك أنهم من جهة لم
(1) الجمل: 229. 119 يثقوا بمعاوية؛ فيذهبوا إلى الشام، ومن جهة أخرى إنهم كانوا يبتغون مدينة هي في الوقت نفسه قاعدة عسكرية ولم تكن مدينة غير الكوفة والبصرة لها هذه الخصوصية، فاختاروا البصرة لميل أهل الكوفة للإمام علي (عليه السلام)، وميل أهل البصرة إلى عثمان، مضافا إلى نفوذ ابن عامر في البصرة لأنه كان حاكما عليها، وهذا ما يساعدهم في استقطاب الناس والحصول على معلومات ضرورية تخدم موقف الحرب. 2113 - الإمامة والسياسة: قال الزبير: الشام بها الرجال والأموال، وعليها معاوية، وهو ابن عم الرجل، ومتى نجتمع يولنا عليه. وقال عبد الله بن عامر: البصرة؛ فإن غلبتم عليا فلكم الشام، وإن غلبكم علي كان معاوية لكم جنة، وهذه كتب أهل البصرة إلي. فقال يعلى بن منية (1) - وكان داهيا -: أيها الشيخان! قدرا قبل أن ترحلا أن معاوية قد سبقكم إلى الشام وفيها الجماعة، وأنتم تقدمون عليه غدا في فرقة، وهو ابن عم عثمان دونكم؛ أرأيتم إن دفعكم عن الشام، أو قال: أجعلها شورى، ما أنتم صانعون؟ أتقاتلونه أم تجعلونها شورى فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلا في يديه أمر قد سبقكما إليه، وتريدا أن تخرجاه منه. فقال القوم: فإلى أين؟ قال: إلى البصرة (2).
(1) في المصدر: " منبه " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه. (2) الإمامة والسياسة: 1 / 79 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 450 والكامل في التاريخ: 2 / 314 والبداية والنهاية: 7 / 231. 120 2114 - الفتوح: شاوروا في المسير فقال الزبير: عليكم بالشام! فيها الرجال والأموال، وبها معاوية؛ وهو عدو لعلي. فقال الوليد بن عقبة: لا والله ما في أيديكم من الشام قليل ولا كثير! وذلك أن عثمان بن عفان قد كان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر، فلم يفعل وتربص حتى قتل، لذلك يتخلص له الشام، أفتطمع أن يسلمها (1) إليكم؟ مهلا عن ذكر الشام وعليكم بغيرها (2). 2115 - تاريخ الطبري: ثم ظهرا - يعني طلحة والزبير - إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجر الدنيا، وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير، وزيادة على أربعمائة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة، فأرادوا الرأي، فقالوا: نسير إلى علي فنقاتله. فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى، وللزبير بالبصرة هوى ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة. فأعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل (3).
(1) في المصدر: " أسلمها "، والصحيح ما أثبتناه كما يقتضيه السياق. (2) الفتوح: 2 / 453. (3) تاريخ الطبري: 4 / 452، أنساب الأشراف: 3 / 21 نحوه وزاد فيه " قالوا: فنسير إلى الشام فيه الرجال والأموال وأهل الشام شيعة لعثمان، فنطلب بدمه ونجد على ذلك أعوانا وأنصارا ومشايعين. فقال قائل منهم: هناك معاوية وهو والي الشام والمطاع به، ولن تنالوا ما تريدون، وهو أولى منكم بما تحاولون لأنه ابن عم الرجل " بعد " بأهل المدينة ". 121 3 / 7 تحذير أم سلمة عائشة عن الخروج 2116 - الجمل: بلغ أم سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه، فبكت حتى اخضل خمارها، ثم دعت بثيابها، فلبستها وتخفرت ومشت إلى عائشة لتعظها وتصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلاف، وتقعد بها عن الخروج مع القوم. فلما دخلت عليها قالت: إنك سدة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أمته، وحجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك؛ فلا تندحيه، ومكنك خفرتك؛ فلا تضحيها، الله الله من وراء هذه الآية! قد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكانك؛ فلو أراد أن يعهد إليك لفعل، بل نهاك عن الفرطة في البلاد. إن عمود الدين لا يقام بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن صدع، حماديات النساء: غض الأطراف، وخف الأعطاف، وقصر الوهازة، وضم الذيول. ما كنت قائلة لو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عارضك ببعض الفلوات، ناصة قلوصا من منهل إلى آخر! قد هتكت صداقته، وتركت حرمته وعهدته؛ إن بعين الله مهواك، وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تردين. والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمدا (صلى الله عليه وآله) هاتكة حجابا قد ستره علي. اجعلي حصنك بيتك، وقاعة البيت قبرك، حتى تلقينه، وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله لزمته، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه.
122 فقالت لها عائشة: ما أعرفني بوعظك، وأقبلني لنصحك! ولنعم المسير مسير فزعت إليه، وأنا بين سائرة أو متأخرة، فإن أقعد فعن غير حرج، وأن أسر فإلى ما لابد من الازدياد منه (1) (2). 3 / 8 رسائل عائشة إلى وجوه البلاد 2117 - تاريخ الطبري: كتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة، وكتبت إلى الأحنف بن قيس، وصبرة بن شيمان، وأمثالهم من الوجوه، ومضت حتى إذا كانت بالحفير (3) انتظرت الجواب بالخبر (4). 2118 - الكامل في التاريخ: كتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم،
(1) قال ابن أبي الحديد: تفسير غريب هذا الخبر: السدة: الباب. لا تندحيه: أي لا تفتحيه ولا توسعيه بالحركة والخروج. الفرطة في البلاد: أي السفر والشخوص. حماديات النساء: يقال: حماداك أن تفعل كذا مثل قصاراك؛ أي جهدك وغايتك. والوهازة: الخطوة. ناصة قلوصا: أي رافعة لها في السير، والقلوص من النوق: الشابة. والمنهل: الماء ترده الإبل. وإن بعين الله مهواك: أي إن الله يرى سيرك وحركتك. والضمير في " لزمته " يعود إلى الأمر الذي أمرت به. وحرج: إثم (انظر شرح نهج البلاغة: 6 / 221 - 224). (2) الجمل: 236، الاحتجاج: 1 / 391 / 82 عن الإمام الصادق (عليه السلام)، معاني الأخبار: 375 / 1 عن أبي الأخنس الأرحبي؛ الإمامة والسياسة: 1 / 76، العقد الفريد: 3 / 316، شرح نهج البلاغة: 6 / 219 وفي الأربعة الأخيرة أنها كتبت بهذا إلى عائشة وص 220 وكلها نحوه وراجع الاختصاص: 116 وتاريخ اليعقوبي: 2 / 180. (3) الحفير: ماء لباهلة، بينه وبين البصرة أربعة أميال من جهة مكة (راجع معجم البلدان: 2 / 277). (4) تاريخ الطبري: 4 / 461، الكامل في التاريخ: 2 / 316 وراجع البداية والنهاية: 7 / 232. 123 وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن علي، وتحثهم على طلب قتلة عثمان، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما كان منهم أيضا (1). 2119 - تاريخ الطبري عن مجالد بن سعيد: لما قدمت عائشة البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم، فانصرنا على أمرنا هذا؛ فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي. فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر الصديق حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أما بعد: فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر، ورجعت إلى بيتك، وإلا فأنا أول من نابذك. قال زيد بن صوحان: رحم الله أم المؤمنين! أمرت أن تلزم بيتها، وأمرنا أن نقاتل، فتركت ما أمرت به وأمرتنا به، وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه! (2) 3 / 9 تأهب عائشة للخروج 2120 - الجمل: لما رأت عائشة اجتماع من اجتمع إليها بمكة على مخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمباينة له والطاعة لها في حربه تأهبت للخروج. وكانت في كل يوم تقيم مناديها ينادي بالتأهب للمسير، وكان المنادي ينادي
(1) الكامل في التاريخ: 2 / 322 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 472 وفيه نص الكتاب والبداية والنهاية: 7 / 234. (2) تاريخ الطبري: 4 / 476، الكامل في التاريخ: 2 / 319، العقد الفريد: 3 / 317، شرح نهج البلاغة: 6 / 226 عن الحسن البصري؛ رجال الكشي: 1 / 284 / 120، الجمل: 431 والأربعة الأخيرة نحوه وراجع البداية والنهاية: 7 / 234. 124 ويقول: من كان يريد المسير فليسر؛ فإن أم المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان بن عفان المظلوم (1). 2121 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: نادى المنادي: إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام، وقتال المحلين، والطلب بثأر عثمان، ومن لم يكن عنده مركب، ولم يكن له جهاز؛ فهذا جهاز، وهذه نفقة (2). 3 / 10 استرجاع عائشة لما سمعت باسم جملها! 2122 - شرح نهج البلاغة: لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا (3) يحمل هودجها، فجاءهم يعلى بن أمية ببعيره المسمى عسكرا؛ وكان عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها، وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته، ويقول في أثناء كلامه: عسكر. فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت حيث سئلت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر لها هذا الاسم، ونهاها عن ركوبه، وأمرت أن يطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يشبهه، فغير لها بجلال (4) غير جلاله وقيل لها: قد أصبنا لك أعظم منه خلقا، وأشد قوة، وأتيت به فرضيت (5).
(1) الجمل: 233 وراجع شرح الأخبار: 1 / 401 / 351. (2) تاريخ الطبري: 4 / 451، الكامل في التاريخ: 2 / 314. (3) أيد: أي قوي (النهاية: 1 / 84). (4) جلال كل شيء: غطاؤه (لسان العرب: 11 / 118). (5) شرح نهج البلاغة: 6 / 224؛ بحار الأنوار: 32 / 138 / 112. 125 3 / 11 استرجاع عائشة لما وصلت إلى ماء الحوأب! 2123 - تاريخ اليعقوبي: مر القوم في الليل بماء يقال له: ماء الحوأب (1)، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ردوني ردوني! هذا الماء الذي قال لي رسول الله: " لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب ". فأتاها القوم بأربعين رجلا، فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب (2). 2124 - شرح نهج البلاغة عن ابن عباس وعامر الشعبي وحبيب بن عمير: لما خرجت عائشة وطلحة والزبير من مكة إلى البصرة، طرقت ماء الحوأب - وهو ماء لبني عامر بن صعصعة - فنبحتهم الكلاب، فنفرت صعاب إبلهم. فقال قائل منهم: لعن الله الحوأب؛ فما أكثر كلابها! فلما سمعت عائشة ذكر الحوأب، قالت: أهذا ماء الحوأب؟ قالوا: نعم، فقالت: ردوني ردوني، فسألوها ما شأنها؟ ما بدا لها؟ فقالت: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب، قد نبحت بعض نسائي " ثم قال لي: " إياك يا حميراء أن تكونيها! ". فقال لها الزبير: مهلا يرحمك الله؛ فإنا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة. فقالت: أعندك من يشهد بأن هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب؟
(1) الحوأب: موضع في طريق البصرة من جهة مكة، وقيل: موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مقبلها إلى البصرة (معجم البلدان: 2 / 314). (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 181. 126 فلفق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيا جعلا لهم جعلا، فحلفوا لها، وشهدوا أن هذا الماء ليس بماء الحوأب، فكانت هذه أول شهادة زور في الإسلام! فسارت عائشة لوجهها (1). 2125 - الجمل عن العرني - دليل أصحاب الجمل -: سرت معهم فلا أمر على واد ولا ماء إلا سألوني عنه، حتى طرقنا ماء الحوأب، فنبحتنا كلابها، قالوا: أي ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب. قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثم قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا، ردوني! تقول ذلك ثلاثا، فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك، وهي تأبى، حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء النجاء (2)!! فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب! قال: فارتحلوا وشتموني، فانصرفت (3). 2126 - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - لنسائه -: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب (4)، التي تنبحها كلاب الحوأب، فيقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة، ثم تنجو
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 310، مروج الذهب: 2 / 366، الإمامة والسياسة: 1 / 82، الفتوح: 2 / 457 كلها نحوه وراجع المناقب للخوارزمي: 181 / 217. (2) أي أنجو بأنفسكم (النهاية: 5 / 25). (3) تاريخ الطبري: 4 / 457، الكامل في التاريخ: 2 / 315، البداية والنهاية: 7 / 231 كلاهما نحوه. (4) أراد الأدب، فأظهر الادغام لأجل الحوأب. والأدب: الكثير وبر الوجه (النهاية: 2 / 96). 127 بعدما كادت؟! (1) 2127 - المستدرك على الصحيحين عن أم سلمة: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت. ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها (2). تعليق: قال ناصر الدين الألباني في كتاب سلسلة الأحاديث الصحيحة - بعد ذكر حديث كلاب الحوأب -: إن الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه... فإن غاية ما فيه أن عائشة لما علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع! وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين. وجوابنا على ذلك: أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم؛ إذ لا عصمة إلا لله وحده. والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف
(1) معاني الأخبار: 305 / 1، الجمل: 432، شرح الأخبار: 1 / 338 / 304، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 149، تنبيه الخواطر: 1 / 22 وليس فيه " فيقتل عن يمينها... "؛ مجمع الزوائد: 7 / 474 / 12026، شرح نهج البلاغة: 9 / 311، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 490، الاستيعاب: 4 / 439 / 3463 كلاهما نحوه، البداية والنهاية: 6 / 212 وراجع مسند ابن حنبل: 9 / 310 / 24308 والمستدرك على الصحيحين: 3 / 130 / 6413 وصحيح ابن حبان: 15 / 126 / 6732 والمصنف لابن أبي شيبة: 8 / 708 / 15 والمصنف لعبد الرزاق: 11 / 365 / 20753 ومسند أبي يعلى: 4 / 423 / 4848 وفتح الباري: 13 / 55 وفيه " سنده على شرط الصحيح ". (2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 129 / 4610، دلائل النبوة للبيهقي: 6 / 411، البداية والنهاية: 6 / 212، المحاسن والمساوئ: 49، المناقب للخوارزمي: 176 / 213؛ الجمل: 431، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 148 والأربعة الأخيرة عن سالم بن أبي الجعد، شرح الأخبار: 1 / 338 / 305 نحوه. 128 الأئمة الشيعة المعصومين! ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله، ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبي (صلى الله عليه وآله) عند الحوأب، ولكن الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يصلح بك بين الناس. ولا نشك أنه كان مخطئا في ذلك أيضا. والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا شك أن عائشة هي المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها: ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور!! (1) أقول: إننا نقلنا هذا الكلام للاستدلال على اتفاق الشيعة والسنة على خطأ عائشة في إشعال معركة الجمل، بحيث أن شخصا مثل الألباني قبل بهذا الأمر وسلم به! ولا يخفى ما في توجيهاته لهذا الخطأ من قبل عائشة. 3 / 12 مناقشات عائشة وسعيد 2128 - الإمامة والسياسة: لما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاصي على نجيب (2) له، فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة. فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة. قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان.
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 775. (2) النجيب من الإبل: القوي منها، الخفيف السريع (النهاية: 5 / 17). 129 قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك! ثم أقبل على مروان فقال له: وأنت أين تريد أيضا؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك! إن هذين الرجلين قتلا عثمان " طلحة والزبير "، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم، والحوبة بالتوبة. ثم قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس! إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم؛ فارجعوا بها خيرا لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان؛ فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على علي شيئا؛ فبينوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله فتنتين في عام واحد. فأبوا إلا أن يمضوا بالناس، فلحق سعيد بن العاصي باليمن، ولحق المغيرة بالطائف، فلم يشهدا شيئا من حروب الجمل ولا صفين (1).
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 82 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 315. 130 الفصل الرابع تأهب الإمام لمواجهة الناكثين 4 / 1 استشارة الإمام أصحابه فيهم كان معاوية قد أخضع الشام لسلطته عدة سنين، بيد مبسوطة وهيمنة قيصرية، ولم يردعه أحد من الخلفاء الماضين عن أعماله قط. وكان يعرف أمير المؤمنين (عليه السلام) حق معرفته، ويعلم علم اليقين أنه لا يتساهل معه أبدا. فامتنع عن بيعته، ورفع قميص عثمان، ونادى بالثأر له مستغلا جهل الشاميين، وتأهب للحرب (1). فتجهز الإمام (عليه السلام) لقمع هذا الباغي، وعين الأمراء على الجيش، وكتب إلى عماله في مصر، والكوفة، والبصرة يستظهرهم بإرسال القوات اللازمة. وبينا كان يعد العدة لذلك بلغه تواطؤ طلحة والزبير وعائشة في مكة، وإثارتهم
(1) راجع: وقعة صفين / السياسة العلوية / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل. 131 للفتنة، وتحركهم صوب البصرة (1)، فرأى (عليه السلام) أن إخماد هذه الفتنة أولى، لذلك دعا وجهاء أصحابه واستطلع آراءهم. ويستوقفنا حقا أسلوب هذا الحوار، وآراء أصحابه، وموقفه الحاسم (عليه السلام) من قمع البغاة، وقد اشترك في الحوار المذكور: عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، واقترح عبد الله بن عباس عليه أن يأخذ معه أم سلمة أيضا، فرفض صلوات الله عليه ذلك، وقال: " فإني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة " (2). ولم ذاك؟ ذاك لأنه (عليه السلام) لم يفكر إلا بالحق لا بالنصر كيفما كان. 2129 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: كتب [علي (عليه السلام)] إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام، وإلى عثمان بن حنيف، وإلى أبي موسى مثل ذلك، وأقبل على التهيؤ والتجهز، وخطب أهل المدينة، فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال:... انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم؛ لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق، وتقضون الذي عليكم. فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف فقام فيهم بذلك فقال:... ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي، ودعوا الناس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكف إن كفوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم (3).
(1) تاريخ الطبري: 4 / 455، الكامل في التاريخ: 2 / 312 وص 323. (2) الجمل: 239. (3) تاريخ الطبري: 4 / 445، الكامل في التاريخ: 2 / 311 و 312 وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 74 والبداية والنهاية: 7 / 230. 132 2130 - الجمل: ولما اجتمع القوم على ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام) والتأهب للمسير إلى البصرة، واتصل الخبر إليه، وجاءه كتاب بخبر القوم، دعا ابن عباس، ومحمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وأخبرهم بالكتاب وبما عليه القوم من المسير. فقال محمد بن أبي بكر: ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسم (عليه السلام) وقال: يطلبون بدم عثمان! فقال محمد: والله، ما قتل عثمان غيرهم، ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أشيروا علي بما أسمع منكم القول فيه. فقال عمار بن ياسر: الرأي المسير إلى الكوفة؛ فإن أهلها لنا شيعة، وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة. وقال ابن عباس: الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن تقدم رجلا إلى الكوفة فيبايعون لك، وتكتب إلى الأشعري أن يبايع لك، ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة، وتعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة، وتكتب إلى أم سلمة فتخرج معك؛ فإنها لك قوة. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بل أسير بنفسي ومن معي في اتباع الطريق وراء القوم، فإن أدركتهم في الطريق أخذتهم، وإن فاتوني كتبت إلى الكوفة واستمددت الجنود من الأمصار وسرت إليهم. وأما أم سلمة فإني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة. فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد بن حارثة وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): فداك أبي وأمي! لا تسر سيرا واحدا، وانطلق إلى ينبع، وخلف على المدينة رجلا، وأقم بما لك؛ فإن العرب لهم جولة ثم يصيرون إليك. فقال له ابن عباس: إن هذا القول منك يا أسامة إن كان على غير غل في
133 صدرك فقد أخطأت وجه الرأي فيه، ليس هذا برأي بصير، يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها. فقال أسامة: فما الرأي؟ قال: ما أشرت به، أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه. ثم نادى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الناس: تجهزوا للمسير؛ فإن طلحة والزبير قد نكثا البيعة، ونقضا العهد، وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة، وسفك دماء أهل القبلة. ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم إن هذين الرجلين قد بغيا علي، ونكثا عهدي، ونقضا عقدي، وشقاني بغير حق منهما كان في ذلك، اللهم خذهما بظلمهما لي، واظفرني بهما، وانصرني عليهما (1). 2131 - الإمام علي (عليه السلام) - لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال -: والله لا أكون كالضبع؛ تنام على طول اللدم (2) حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي. فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله) حتى يوم الناس هذا (3). 4 / 2 خطبة الإمام لما بلغه خبر الناكثين 2132 - الإمام علي (عليه السلام) - من خطبة له حين بلغه خبر الناكثين ببيعته -: ألا وإن
(1) الجمل: 239. (2) أي ضرب جحرها بحجر، إذا أرادوا صيد الضبع ضربوا جحرها بحجر، أو بأيديهم، فتحسبه شيئا تصيده، فتخرج لتأخذه، فتصطاد (النهاية: 4 / 246). (3) نهج البلاغة: الخطبة 6، بحار الأنوار: 32 / 135 / 110. 134 الشيطان قد ذمر (1) حزبه، واستجلب جلبه؛ ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع الباطل إلى نصابه، والله ما أنكروا علي منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا. وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه؛ فلئن كنت شريكهم فيه؛ فإن لهم لنصيبهم منه، ولئن كانوا ولوه دوني، فما التبعة إلا عندهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، يرتضعون أما قد فطمت، ويحيون بدعة قد أميتت. يا خيبة الداعي! من دعا! وإلام أجيب! وإني لراض بحجة الله عليهم، وعلمه فيهم. فإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من الباطل، وناصرا للحق. ومن العجب بعثهم إلي أن أبرز للطعان! وأن أصبر للجلاد! هبلتهم الهبول! لقد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب! وإني لعلى يقين من ربي، وغير شبهة من ديني (2). 2133 - عنه (عليه السلام) - في خطبته حين نهوضه إلى الجمل -: إني بليت بأربعة: أدهى الناس وأسخاهم؛ طلحة، وأشجع الناس؛ الزبير، وأطوع الناس في الناس؛ عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة؛ يعلى بن أمية. والله، ما أنكروا علي شيئا منكرا، ولا استأثرت بمال، ولا ملت بهوى، وإنهم ليطلبون حقا تركوه، ودما سفكوه، ولقد ولوه دوني، وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه. وما تبعة عثمان إلا عندهم، وإنهم لهم الفئة الباغية؛ بايعوني ونكثوا بيعتي، وما
(1) أي: حضهم وشجعهم (النهاية: 2 / 167). (2) نهج البلاغة: الخطبة 22، عيون الحكم والمواعظ: 110 / 2401 وفيه إلى " لعلى أنفسهم "، بحار الأنوار: 32 / 53 / 39 وراجع جواهر المطالب: 1 / 324. 135 استأنوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي، وإني لراض بحجة الله عليهم، وعلمه فيهم، وإني مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم؛ فإن قبلوا فالتوبة مقبولة، والحق أولى ما انصرف إليه، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف، وكفى به شافيا من باطل وناصرا (1). 2134 - عنه (عليه السلام) - من كلام له في معنى (2) طلحة بن عبيد الله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله -: قد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب، وأنا على ما قد وعدني ربي من النصر، والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه؛ لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه؛ ليلتبس الأمر، ويقع الشك. ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه، وأن ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين (3) عنه، والمعذرين فيه، ولئن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانبا، ويدع الناس معه. فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره (4). 2135 - الإرشاد: ولما اتصل به مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة من مكة
(1) الاستيعاب: 2 / 318 / 1289 عن صالح بن كيسان وعبد الملك بن نوفل بن مساحق والشعبي وابن أبي ليلى، أسد الغابة: 3 / 87 / 2627. (2) معنى كل شيء: محنته وحاله التي يصير إليها أمره (لسان العرب: 15 / 106). (3) نهنهه عنه: منعه وكفه عن الوصول إليه (النهاية: 5 / 139). (4) نهج البلاغة: الخطبة 174، الأمالي للطوسي: 169 / 284 نحوه. 136 حمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد سارت عائشة وطلحة والزبير؛ كل واحد منهما يدعي الخلافة دون صاحبه، لا يدعي طلحة الخلافة إلا أنه ابن عم عائشة، ولا يدعيها الزبير إلا أنه صهر أبيها، والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربن الزبير عنق طلحة، وليضربن طلحة عنق الزبير، ينازع هذا على الملك هذا، وقد - والله - علمت أنها الراكبة الجمل، لا تحل عقدة، ولا تسير عقبة، ولا تنزل منزلا إلا إلى معصية، حتى تورد نفسها ومن معها موردا يقتل ثلثهم، ويهرب ثلثهم، ويرجع ثلثهم، والله إن طلحة والزبير ليعلمان أنهما مخطئان وما يجهلان، ولربما عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه. والله لينبحنها كلاب الحوأب، فهل يعتبر معتبر أو يتفكر متفكر، ثم قال: قد قامت الفئة الباغية؛ فأين المحسنون؟ (1) 4 / 3 خروج الإمام من المدينة 2136 - المستدرك على الصحيحين عن أبي الأسود الدؤلي عن الإمام علي (عليه السلام): أتاني عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في الغرز (2) وأنا أريد العراق فقال: لا تأت (3) العراق؛ فإنك إن أتيته أصابك به ذباب السيف. قال علي: وأيم الله، لقد قالها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلك. قال أبو الأسود: فقلت في نفسي، يا الله ما رأيت كاليوم رجل محارب يحدث الناس بمثل هذا (4).
(1) الإرشاد: 1 / 246، الكافئة: 19 / 19، بحار الأنوار: 32 / 113 / 88؛ المعيار والموازنة: 53. (2) الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب (النهاية: 3 / 359). (3) في المصدر: " تأتي "، والصحيح ما أثبتناه. (4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 151 / 4678، صحيح ابن حبان: 15 / 127 / 6733، مسند أبي يعلى: 1 / 259 / 487. 137 2137 - تاريخ الطبري: بلغ عليا الخبر - وهو بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة، وبالذي اجتمع عليه ملؤهم؛ طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم، وبلغه قول عائشة، وخرج علي يبادرهم في تعبيته التي كان تعبى بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل، وهو يرجو أن يدركهم، فيحول بينهم وبين الخروج، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال: يا أمير المؤمنين لا تخرج منها؛ فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها، ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا، فسبوه فقال: دعوا الرجل؛ فنعم الرجل من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله). وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة (1). 2138 - الجمل: ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار، واستخلف على المدينة تمام بن العباس، وبعث قثم بن العباس إلى مكة، ولما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) التوجه إلى المسير طالبا للقوم ركب جملا أحمر وقاد كميتا (2) وسار وهو يقول: سيروا أبابيل وحثوا السيرا * كي نلحق التيمي والزبيرا إذ جلبا الشر وعافا الخيرا * يا رب أدخلهم غدا سعيرا وسار مجدا في السير حتى بلغ الربذة، فوجد القوم قد فاتوا، فنزل بها قليلا ثم توجه نحو البصرة، والمهاجرون والأنصار عن يمينه وشماله، محدقون به مع من سمع بمسيرهم، فاتبعهم حتى نزل بذي قار فأقام بها (3).
(1) تاريخ الطبري: 4 / 455 وراجع تاريخ ابن خلدون: 2 / 611. (2) الكميت: أقوى الخيل (لسان العرب: 2 / 81). (3) الجمل: 240. 138 4 / 4 كتاب الإمام إلى أهل الكوفة عند المسير من المدينة 2139 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة -: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة؛ جبهة الأنصار، وسنام العرب. أما بعد؛ إني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه: إن الناس طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه، وأقل عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف (1)، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب. فأتيح له قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين، بل طائعين مخيرين. واعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها، وجاشت جيش المرجل (2)، وقامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم، وبادروا جهاد عدوكم، إن شاء الله عز وجل (3).
(1) الوجيف: هو ضرب من السير سريع (النهاية: 5 / 157). (2) المرجل: قدر من نحاس، وقيل: يطلق على كل قدر يطبخ فيها (المصباح المنير: 221). (3) نهج البلاغة: الكتاب 1، الأمالي للطوسي: 718 / 1518 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري وليس فيه من " ولا مجبرين... "، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 151 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 84 / 56؛ شرح نهج البلاغة: 14 / 8 وفيه " روى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي قال: لما نزل علي (عليه السلام) الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وكتب إليهم هذا الكتاب، وزاد في آخره: فحسبي بكم إخوانا وللدين أنصارا، ف (انفروا خفافا وثقالا وجهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون) التوبة: 41. 139 4 / 5 خطبة الإمام لما أراد المسير إلى البصرة 2140 - شرح نهج البلاغة عن الكلبي: لما أراد علي (عليه السلام) المسير إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال - بعد أن حمد الله وصلى على رسوله (صلى الله عليه وآله) -: إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم. والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب (1)، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف. فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله ولي تمحيص سيئاتهم، والعفو عن هفواتهم. فما بال طلحة والزبير، وليسا من هذا الأمر بسبيل! لم يصبرا علي حولا ولا شهرا حتى وثبا ومرقا، ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان أما قد فطمت، ويحييان بدعة قد أميتت. أدم عثمان زعما! والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وأنا راض بحجة الله عليهم وعمله فيهم، فإن فاءا وأنابا فحظهما أحرزا، وأنفسهما غنما، وأعظم بها غنيمة! وإن أبيا أعطيتهما حد السيف، وكفى به ناصرا لحق، وشافيا لباطل، ثم نزل (2).
(1) الوطب: الزق الذي يكون فيه السمن واللبن، وهو جلد الجذع - الشاب الفتي من الحيوانات - فما فوقه (النهاية: 5 / 203). (2) شرح نهج البلاغة: 1 / 308؛ بحار الأنوار: 32 / 62. 140 4 / 6 نزول الإمام بالربذة 2141 - الإرشاد: لما توجه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة نزل الربذة (1)، فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه، قال ابن عباس: فأتيته فوجدته يخصف نعلا، فقلت له: نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع، فلم يكلمني حتى فرغ من نعله، ثم ضمها إلى صاحبتها ثم قال لي: قومها؟ فقلت: ليس لها قيمة. قال: على ذاك! قلت: كسر درهم، قال: والله لهما أحب إلي من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. قلت: إن الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك، فتأذن لي أن أتكلم؛ فإن كان حسنا كان منك، وإن كان غير ذلك كان مني؟ قال: لا، أنا أتكلم. ثم وضع يده على صدري - وكان شثن (2) الكفين - فآلمني، ثم قام فأخذت بثوبه فقلت: نشدتك الله والرحم؟ قال: لا تنشدني. ثم خرج فاجتمعوا عليه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الله تعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) وليس في العرب أحد يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة، فساق الناس إلى منجاتهم، أم والله ما زلت في ساقتها؛ ما غيرت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها. مالي ولقريش؟ أم والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإن مسيري
(1) الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز. خربت الربذة باتصال الحروب بين أهلها... وكانت من أحسن منزل في طريق مكة (معجم البلدان: 3 / 24). (2) الشثن بالتحريك مصدر شثنت كفه بالكسر أي خشنت وغلظت (لسان العرب: 13 / 232). 141 هذا عن عهد إلي فيه، أم والله: لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته. ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا وأنشد: أدمت (1) لعمري شربك المحض خالصا * وأكلك بالزبد المقشرة البجرا ونحن وهبناك العلاء ولم تكن * عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (2) 4 / 7 كتاب الإمام إلى والي البصرة 2142 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى عثمان لما بلغه مشارفة القوم البصرة -: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف، أما بعد؛ فإن البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به. والله أشد بأسا وأشد تنكيلا، فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه، فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبوا إلا التمسك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين، وكتبت كتابي هذا إليك من الربذة، وأنا معجل المسير إليك إن شاء الله. وكتبه عبيد الله بن أبي رافع في سنة ست وثلاثين (3). 4 / 8 التباس الأمر على من لا بصيرة له 2143 - تاريخ اليعقوبي: وقال له [لعلي (عليه السلام)] الحارث بن حوط الراني: أظن طلحة
(1) في المصدر: " ذنب " وهو كما ترى! (2) الإرشاد: 1 / 247، نهج البلاغة: الخطبة 33 وفيه من " قال ابن عباس... " وراجع شرح المائة كلمة: 228. (3) شرح نهج البلاغة: 9 / 312. 142 والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال: يا حارث! إنه ملبوس عليك، وإن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه (1). 2144 - الأمالي للطوسي عن أبي بكر الهذلي: دخل الحارث بن حوط الليثي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتجوا إلا على حق؟ فقال: يا حارث، إنك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحق؛ إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه. قال: فهلا أكون كعبد الله بن عمر وسعد بن مالك؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن عبد الله بن عمر وسعد أخذلا الحق ولم ينصرا الباطل، متى كانا إمامين في الخير فيتبعان؟! (2) 2145 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: وقام رجل إلى علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، أي فتنة أعظم من هذه؟ إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف، فقال علي (عليه السلام): ويحك أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها؟! والذي بعث محمدا بالحق وكرم وجهه، ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضل بي ولا زللت ولا زل بي، وإني لعلى بينة من ربي؛ بينها الله لرسوله، وبينها رسوله لي،
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 210، الأمالي للطوسي: 134؛ أنساب الأشراف: 3 / 64، البيان والتبيين: 3 / 211 كلها نحوه وفيها " الليثي " بدل " الراني ". (2) الأمالي للطوسي: 134 / 216، وفي الطرائف: 136 / 215: ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب " المنقذ من الضلال " ما هذا لفظه: العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي (عليه السلام) حيث قال: " لا يعرف الحق بالرجال، إعرف الحق تعرف أهله " فشهد أن عليا سيد العقلاء. 143 وسأدعى يوم القيامة ولا ذنب لي، ولو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم (1). 2146 - شرح نهج البلاغة: خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليا (عليه السلام) وقد صار بالربذة طالبا عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة علي (عليه السلام) وشيعته، قال: فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه؟ فقيل: خالفه طلحة والزبير وعائشة، فأتوا البصرة، فقلت في نفسي: إنها الحرب! أفأقاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ إن هذا لعظيم! ثم قلت: أأدع عليا وهو أول المؤمنين إيمانا بالله وابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه؟! هذا أعظم، ثم أتيته فسلمت عليه، ثم جلست إليه فقص علي قصة القوم وقصته (2). 2147 - فتح الباري عن العلاء أبي محمد عن أبيه: جاء رجل إلى علي وهو بالزاوية، فقال: علام تقاتل هؤلاء؟ قال: على الحق، قال: فإنهم يقولون إنهم على الحق؟ قال: أقاتلهم على الخروج من الجماعة، ونكث البيعة (3). راجع: القسم الخامس / السياسة الثقافية / الالتزام بالحق في معرفة الرجال.
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 265. (2) شرح نهج البلاغة: 1 / 226. (3) فتح الباري: 13 / 57. 144 الفصل الخامس استنصار الإمام من أهل الكوفة 5 / 1 كتاب الإمام إلى أهل الكوفة من الربذة 2148 - تاريخ الطبري: عن يزيد الضخم قال: لما أتى عليا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنهم قد توجهوا نحو العراق، خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردهم، فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا (1)، فأقام بالربذة أياما، وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة، فسري (2) بذلك عنه، وقال: إن أهل الكوفة أشد إلي حبا، وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم.... [و] عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كتب علي إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم
(1) أمعنوا في الطلب: أي جدوا وأبعدوا (النهاية: 4 / 344). (2) سري عنه: أي كشف عنه الخوف (النهاية: 2 / 365). 145 لما أعرف من مودتكم وحبكم لله عز وجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحق وقضى الذي عليه (1). 2149 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: لما قدم علي الربذة أقام بها، وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث؛ فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وأيدونا وانهضوا إلينا؛ فالإصلاح ما نريد؛ لتعود الأمة إخوانا، ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه (2). فمضى الرجلان وبقي علي بالربذة يتهيأ، وأرسل إلى المدينة، فلحقه ما أراد من دابة وسلاح، وأمر (3) أمره وقام في الناس فخطبهم وقال: إن الله عز وجل أعزنا بالإسلام، ورفعنا به، وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله؛ الإسلام دينهم، والحق فيهم، والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا إن هذه الأمة لابد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن. ثم عاد ثانية فقال: إنه لابد مما هو كائن أن يكون، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم
(1) تاريخ الطبري: 4 / 477. (2) غمصه: احتقره ولم يره شيئا (النهاية: 3 / 386). (3) أمر أمره: أي كثر وارتفع شأنه (النهاية 1 / 65). 146 ورأيتم، فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم (صلى الله عليه وآله)، واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن؛ فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردوه، وارضوا بالله عز وجل ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبيا، وبالقرآن حكما وإماما (1). 2150 - شرح نهج البلاغة عن عبد الرحمن بن يسار القرشي - في ذكر كتاب علي (عليه السلام) إلى أهل الكوفة -: لما نزل علي (عليه السلام) الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وكتب إليهم هذا الكتاب (2) وزاد في آخره: فحسبي بكم إخوانا، وللدين أنصارا ف - (انفروا خفافا وثقالا وجهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (3).... قال: لما قدم محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له: أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي (عليه السلام)، فقال: أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما! فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج، وبلغ ذلك المحمدين، فأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إن بيعة عثمان لفي عنق علي وعنقي وأعناقكما، ولو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان، فخرجا من عنده، فلحقا بعلي (عليه السلام) فأخبراه الخبر (4).
(1) تاريخ الطبري: 4 / 478، الكامل في التاريخ: 2 / 324، البداية والنهاية: 7 / 235 كلاهما نحوه. (2) الكتاب الأول من نهج البلاغة. (3) التوبة: 41. (4) شرح نهج البلاغة: 14 / 8 وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 84 و 85. 147 5 / 2 بعث الإمام هاشم بن عتبة إلى أبي موسى لينفر الناس 2151 - تاريخ الطبري عن أبي ليلى: خرج هاشم بن عتبة إلى علي بالربذة، فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي موسى، فقال: لقد أردت عزله وسألني الأشتر أن أقره، فرد علي هاشما إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى: إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي، فأشخص الناس؛ فإني لم أولك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق. فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري، فقال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك. قال: لكني لا أرى ذلك! فكتب هاشم إلى علي: إني قد قدمت على رجل غال مشاق ظاهر الغل والشنآن. وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي (1). 2152 - الجمل: خرج [الإمام علي (عليه السلام)] في سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار... ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال، وكتب معه كتابا إلى أبي موسى الأشعري - وكان بالكوفة من قبل عثمان - وأمره أن يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه، وكان مضمون الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد؛ فإني أرسلت إليك هاشم بن عتبة المرقال لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في هذه الأمة الحدث العظيم، فأشخص بالناس إلي معه حين يقدم بالكتاب عليك ولا تحبسه؛
(1) تاريخ الطبري: 4 / 499. 148 فإني لم أقرك في المصر الذي أنت فيه إلا أن تكون من أعواني وأنصاري على هذا الأمر، والسلام. فقدم هاشم بالكتاب على أبي موسى الأشعري، فلما وقف عليه دعا السائب ابن مالك الأشعري، فأقرأه الكتاب، وقال له: ما ترى؟ فقال له السائب: اتبع ما كتب به إليك، فأبى أبو موسى ذلك، وكسر الكتاب ومحاه، وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن، فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبي موسى، فكتب هاشم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): أما بعد؛ يا أمير المؤمنين! فإني قدمت بكتابك على امرئ عاق شاق، بعيد الرحم، ظاهر الغل والشقاق، وقد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طيئ، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده علم ما قبلنا، فأسأله عما بدا لك، واكتب إلي برأيك أتبعه، والسلام. فلما قدم الكتاب إلى علي (عليه السلام) وقرأه، دعا الحسن ابنه، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد وبعثهم إلى أبي موسى، وكتب معهم: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس: أما بعد؛ يا بن الحائك!! والله إني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر - الذي لم يجعلك الله له أهلا، ولا جعل لك فيه نصيبا - سيمنعك من رد أمري، وقد بعثت إليك الحسن وعمارا وقيسا، فأخل لهم المصر وأهله، واعتزل عملنا مذموما مدحورا، فإن فعلت وإلا فإني أمرتهم أن ينابذوك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، فإن ظهروا عليك قطعوك إربا إربا، والسلام على من شكر النعمة ورضي بالبيعة، وعمل لله رجاء العاقبة (1).
(1) الجمل: 240، بحار الأنوار: 32 / 85؛ شرح نهج البلاغة: 14 / 8 و 9 نحوه وراجع فتح الباري: 13 / 58. 149 5 / 3 إرسال الإمام ابنه إلى الكوفة 2153 - تاريخ الطبري عن أبي ليلى: بعث علي الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرا على الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى: أما بعد؛ فقد كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعل الله عز وجل لك منه نصيبا سيمنعك من رد أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب واليا على المصر، فاعتزل مذموما مدحورا؛ فإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك؛ فإن نابذته فظفر بك أن يقطعك آرابا. فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل، ودخل الحسن وعمار المسجد، فقالا: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يقول: إني خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما، وإني أذكر الله عز وجل رجلا رعى لله حقا إلا نفر؛ فإن كنت مظلوما أعانني، وإن كنت ظالما أخذ مني. والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني، وأول من غدر، فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما؟ فانفروا؛ فمروا بمعروف، وانهوا عن منكر (1). 2154 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف عن موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
(1) تاريخ الطبري: 4 / 499 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 328، وشرح نهج البلاغة: 14 / 10 - 12 والجمل: 243 و 244. 150 عن أبيه قال: أقبلنا مع الحسن وعمار بن ياسر من ذي قار (1) حتى نزلنا القادسية، فنزل الحسن وعمار ونزلنا معهما، فاحتبى (2) عمار بحمائل سيفه، ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم، ثم سمعته يقول: ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من ألا نكون نبشنا عثمان من قبره، ثم أحرقناه بالنار. قال: فلما دخل الحسن وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن فاستنفر الناس، فحمد الله وصلى على رسوله، ثم قال: أيها الناس! إنا جئنا ندعوكم إلى الله، وإلى كتابه، وسنة رسوله، وإلى أفقه من تفقه من المسلمين، وأعدل من تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السنة، ولم تقعد به السابقة. إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين: قرابة الدين، وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كل مأثره. إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلى معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدقه وهم يكذبون. إلى من لم ترد له رواية ولا تكافأ له سابقة، وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلى الحق، ويأمركم بالمسير إليه لتوازروه وتنصروه على قوم نكثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله، وانتهبوا بيت ماله، فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون.
(1) ذوقار: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب، فيه كان " يوم ذي قار " بين الفرس والعرب (تقويم البلدان: 292). (2) الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها (النهاية: 1 / 335). 151 قال أبو مخنف: حدثني جابر بن يزيد قال: حدثني تميم بن حذيم الناجي قال: قدم علينا الحسن بن علي (عليه السلام) وعمار بن ياسر يستنفران الناس إلى علي (عليه السلام) ومعهما كتابه، فلما فرغا من قراءة كتابه قام الحسن - وهو فتى حدث والله إني لأرثي له من حداثة سنه وصعوبة مقامه - فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون: اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا، فوضع يده على عمود يتساند إليه - وكان عليلا من شكوى به - فقال: الحمد لله العزيز الجبار، الواحد القهار، الكبير المتعال (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار) (1) أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، امتن علينا بنبوته، واختصه برسالته وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجن حين عبدت الأوثان، وأطيع الشيطان، وجحد الرحمن، فصلى الله عليه وعلى آله، وجزاه أفضل ما جزى المسلمين. أما بعد؛ فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون؛ إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره، وأعز نصره، بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب، وإلى العمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون؛ فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله، ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحده، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنة، ثم شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم، ولم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) راضيا عنه حتى غمضه بيده، وغسله وحده،
(1) الرعد: 10. 152 والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته وغير ذلك من أموره، كل ذلك من من الله عليه، ثم والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه، حسدا له وبغيا عليه. فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجد والصبر والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين، عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإياكم تقواه، وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. ثم مضى إلى الرحبة (1) فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين. قال جابر: فقلت لتميم: كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه؟ فقال: ولما سقط عني من قوله أكثر، ولقد حفظت بعض ما سمعت. قال أبو مخنف: ولما فرغ الحسن بن علي (عليه السلام) من خطبته، قام بعده عمار، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال: أيها الناس! أخو نبيكم وابن عمه يستنفركم لنصر دين الله، وقد بلاكم الله بحق دينكم وحرمة أمكم، فحق دينكم أوجب وحرمته أعظم. أيها الناس! عليكم بإمام لا يؤدب، وفقيه لا يعلم، وصاحب بأس لا ينكل، وذي سابقة في الإسلام ليست لأحد، وإنكم لو قد حضرتموه بين لكم أمركم إن شاء الله (2).
(1) الرحبة: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة، على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة (معجم البلدان: 3 / 33). (2) شرح نهج البلاغة: 14 / 11 وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 86 و 87 وبحار الأنوار: 32 / 88. 153 5 / 4 موقف أبي موسى من مندوبي الإمام 2155 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: خرج أبو موسى فلقي الحسن، فضمه إليه وأقبل على عمار، فقال: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين؛ فأحللت نفسك مع الفجار! فقال: لم أفعل ولم تسوؤني؟ وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى! لم تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا إلا الإصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء، فقال: صدقت بأبي أنت وأمي، ولكن المستشار مؤتمن، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنها ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، قد جعلنا الله عز وجل إخوانا، وحرم علينا أموالنا ودماءنا وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل... ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (1) وقال عز وجل: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) (2). فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها الناس! إنما قال له خاصة: " أنت فيها قاعدا خير منك قائما "... وقام أبو موسى فقال: أيها الناس! أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب؛ يأوي إليكم المظلوم، ويأمن فيكم الخائف، إنا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أعلم بما سمعنا، إن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت بينت، وإن هذه الفتنة باقرة
(1) النساء: 29. (2) النساء: 93. 154 كداء البطن، تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور، فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تؤتى، تذر الحليم كابن أمس، شيموا سيوفكم، وقصدوا رماحكم، وأرسلوا سهامكم، واقطعوا أوتاركم، والزموا بيوتكم، خلوا قريشا - إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة - ترتق فتقها، وتشعب صدعها؛ فإن فعلت فلأنفسها سعت، وإن أبت فعلى أنفسها منت، سمنها تهريق في أديمها (1)، استنصحوني ولا تستغشوني، وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم، ويشقى بحر هذه الفتنة من جناها. فقام زيد فشال يده المقطوعة (2)، فقال: يا عبد الله بن قيس، رد الفرات عن دراجه (3)، اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ، فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد، فدع عنك ما لست مدركه، ثم قرأ: (ألم * أحسب الناس أن يتركوا) (4) - إلى آخر الآيتين - سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق. فقام القعقاع بن عمرو فقال: إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، أحب أن ترشدوا، ولأقولن لكم قولا هو الحق؛ أما ما قال الأمير فهو الأمر لو أن إليه سبيلا، وأما ما قال زيد فزيد في الأمر فلا تستنصحوه؛ فإنه لا يتنزع أحد من
(1) قال الميداني: سمنكم هريق في أديمكم: يضرب للرجل ينفق ماله على نفسه ثم يريد أن يمتن به (مجمع الأمثال: 2 / 112 / 1799) والأديم - هنا - هو طعامهم المأدوم. (2) قطعت في معركة اليرموك. (3) قال الميداني: " من يرد الفرات عن دراجه " هو جمع درج؛ أي وجهه الذي توجه له. يعني أن الأمر خرج من يده وأن الناس عزموا على الخروج من الكوفة، فهو لا يقدر أن يردهم من فورهم هذا (مجمع الأمثال: 3 / 336 / 4094). (4) العنكبوت: 1 و 2. 155 الفتنة طعن فيها وجرى إليها. والقول الذي هو القول إنه لابد من إمارة تنظم الناس، وتزع الظالم، وتعز المظلوم، وهذا علي يلي بما ولي، وقد أنصف في الدعاء، وإنما يدعو إلى الإصلاح، فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع. وقال سيحان: أيها الناس! إنه لابد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال؛ يدفع الظالم، ويعز المظلوم، ويجمع الناس، وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون على الأمة، الفقيه في الدين؛ فمن نهض إليه فإنا سائرون معه (1). 2156 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: لما سمع أبو موسى خطبة الحسن وعمار قام فصعد المنبر، وقال: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد؛ فجمعنا بعد الفرقة، وجعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة، وحرم علينا دماءنا وأموالنا، قال الله سبحانه: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل) (2) وقال تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خلدا فيها) فاتقوا الله عباد الله، وضعوا أسلحتكم وكفوا عن قتال إخوانكم. أما بعد؛ يا أهل الكوفة! إن تطيعوا الله باديا، وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة (3) من جراثيم العرب، يأوي إليكم المضطر، ويأمن فيكم الخائف، إن عليا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ومن معهم من المسلمين، وأنا أعلم بهذه الفتن؛ إنها إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت
(1) تاريخ الطبري: 4 / 482، الكامل في التاريخ: 2 / 327، البداية والنهاية: 7 / 236 كلاهما نحوه. (2) البقرة: 188. (3) الجرثومة: الأصل (النهاية: 1 / 254). 156 أسفرت. إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا، ثم يتركا كالأحلاس (1) الملقاة بنجوة (2) من الأرض، ثم يبقى رجرجة (3) من الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن منكر، إنها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى! تترك الحليم حيران، كأني أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالأمس يذكر الفتن فيقول: " أنت فيها نائما خير منك قاعدا، وأنت فيها جالسا خير منك قائما، وأنت فيها قائما خير منك ساعيا ". فثلموا سيوفكم، وقصفوا رماحكم، وانصلوا سهامكم، وقطعوا أوتاركم، وخلوا قريشا ترتق فتقها وترأب صدعها؛ فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت، وإن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمنها في أديمها، استنصحوني ولا تستغشوني، وأطيعوني ولا تعصوني، يتبين لكم رشدكم، ويصلى هذه الفتنة من جناها. فقام إليه عمار بن ياسر، فقال: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك؟ قال: نعم، هذه يدي بما قلت، فقال: إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك، واتخذ عليك الحجة، فألزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة، أما إني أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر عليا بقتال الناكثين، وسمى له فيهم من سمى، وأمره بقتال القاسطين، وإن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما نهاك وحدك، وحذرك من الدخول في الفتنة، ثم قال له: أعطني يدك على ما سمعت، فمد إليه يده، فقال له عمار: غلب الله من غالبه وجاهده. ثم جذبه فنزل عن المنبر (4).
(1) الأحلاس: جمع حلس؛ وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب (النهاية: 1 / 423). (2) النجوة: ما ارتفع من الأرض (لسان العرب: 15 / 307). (3) الرجرجة - في الأصل -: بقية الماء الكدرة في الحوض المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها. والمراد هنا: رذالة الناس ورعاعهم الذين لا عقول لهم (انظر النهاية: 2 / 198). (4) شرح نهج البلاغة: 14 / 14؛ الدرجات الرفيعة: 265 وراجع الأخبار الطوال: 145 والجمل: 247. 157 2157 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: قام الحسن بن علي فقال: يا أيها الناس! أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم؛ فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة، وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا وابتليتم. فسامح الناس وأجابوا ورضوا به، وأتى قوم من طيئ عديا فقالوا: ماذا ترى وما تأمر؟ فقال: ننتظر ما يصنع الناس، فأخبر بقيام الحسن وكلام من تكلم فقال: قد بايعنا هذا الرجل، وقد دعانا إلى جميل، وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه، ونحن سائرون وناظرون. وقام هند بن عمرو فقال: إن أمير المؤمنين قد دعانا، وأرسل الينا رسله حتى جاءنا ابنه، فاسمعوا إلى قوله، وانتهوا إلى أمره، وانفروا إلى أميركم، فانظروا معه في هذا الأمر، وأعينوه برأيكم. وقام حجر بن عدي فقال: أيها الناس! أجيبوا أمير المؤمنين، وانفروا خفافا وثقالا، مروا أنا أولكم (1). 5 / 5 إشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبي موسى كان الإمام بحاجة إلى وجود جيش الكوفة إلى جانب سائر الجيش للتصدي بحزم لحركة الناكثين، إلا أن تثبيط أبي موسى لأهالي الكوفة حال دون نهوضهم لنصرته. وكان مالك الأشتر قادرا على حل هذه العقدة؛ إذ أنه هو الذي اقترح على أمير المؤمنين (عليه السلام) إبقاءه في منصبه على ولاية الكوفة بعد أن كان الإمام قد هم بعزله فيمن عزله من ولاة عثمان.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 485، الكامل في التاريخ: 2 / 328 و 329 نحوه. 158 وتصرح بعض الوثائق التاريخية بأن الإمام قال له: " أنت شفعت في أبي موسى أن أقره على الكوفة؛ فاذهب فأصلح ما أفسدت " (1)، بيد أن الرواية التي أوردها نصر بن مزاحم تفيد أن الأشتر هو الذي عرض على الإمام فكرة المسير إلى الكوفة لمعالجة ما أفسده الأشعري. 2158 - تاريخ الطبري عن نصر بن مزاحم: قد كان الأشتر قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلا قبل هذين، فلم أره أحكم شيئا ولا قدر عليه، وهذان أخلق من بعثت أن ينشب (2) بهم الأمر على ما تحب، ولست أدري ما يكون؛ فإن رأيت - أكرمك الله يا أمير المؤمنين - أن تبعثني في أثرهم؛ فإن أهل المصر أحسن شيء لي طاعة، وإن قدمت عليهم رجوت ألا يخالفني منهم أحد. فقال له علي: الحق بهم. فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر، فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم؛ يقول: أيها الناس! إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها (3)، النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب. إنها فتنة باقرة كداء البطن، أتتكم من قبل مأمنكم، تدع الحليم فيها حيران كابن أمس. إنا معاشر أصحاب
(1) شرح نهج البلاغة: 41 / 20؛ تاريخ الطبري: 4 / 482، البداية والنهاية: 7 / 236 كلاهما نحوه. (2) نشب في الشيء: إذا وقع فيما لا مخلص له منه (النهاية: 5 / 52). (3) الخطام: الحبل الذي يقاد به البعير (النهاية: 2 / 51) وقال المجلسي: الوطء في الخطام كناية عن نقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط وتفسد ما تمر عليه بقوائمها (بحار الأنوار: 69 / 234). 159 محمد (صلى الله عليه وآله) أعلم بالفتنة؛ إنها إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت. وعمار يخاطبه، والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أم لك! وتنح عن منبرنا. وقال له عمار: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت. فقال له عمار: إنما قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا خاصة، فقال: " أنت فيها قاعدا خير منك قائما ". ثم قال عمار: غلب الله من غالبه وجاحده. قال نصر بن مزاحم: حدثنا عمر بن سعيد قال: حدثني رجل عن نعيم عن أبي مريم الثقفي قال: والله إني لفي المسجد يومئذ وعمار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون: يا أبا موسى! هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أم لك! أخرج الله نفسك! فوالله إنك لمن المنافقين قديما. قال: أجلني هذه العشية. فقال: هي لك، ولا تبيتن في القصر الليلة. ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى، فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر، وقال: إني قد أخرجته، فكف الناس عنه (1). 5 / 6 وصول قوات الكوفة إلى الإمام انتهى الموقف الحاسم الذي اتخذه مالك الأشتر من أبي موسى الأشعري بحل
(1) تاريخ الطبري: 4 / 486؛ الجمل: 251 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 482 والكامل في التاريخ: 2 / 329 وشرح نهج البلاغة: 14 / 21. 160 مشكلة إرسال جيش من الكوفة، فانطلقت القوات من هناك والتحقت بالإمام في ذي قار. ومما يسترعي الاهتمام في هذا الصدد هو أنه (عليه السلام) أخبر أصحابه بعدد الجيش القادم من الكوفة قبل وصوله إليه. 2159 - تاريخ الطبري عن أبي الطفيل: قال علي: " يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل "، فقعدت على نجفة ذي قار، فأحصيتهم، فما زادوا رجلا، ولا نقصوا رجلا (1). 2160 - الإرشاد: قال [علي (عليه السلام)] بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل؛ لا يزيدون رجلا، ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على الموت. قال ابن عباس: فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه؛ فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموما دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجيء القوم. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينا أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل، حتى دنا؛ فإذا هو راجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته (2)، فقرب من أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: أمدد يدك أبايعك. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): وعلام تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 500، الكامل في التاريخ: 2 / 329، شرح نهج البلاغة: 14 / 21. (2) الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء (النهاية: 1 / 33). 161 فقال له: ما اسمك؟ قال: أويس. قال: أنت أويس القرني؟ قال: نعم. قال: الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني أدرك رجلا من أمته يقال له: أويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عباس: فسري عني (1) (2). راجع: القسم الثالث عشر / إخباره بالأمور الغيبية / مصير الحرب في وقعة الجمل.
(1) سري عنه: أي كشف عنه الخوف (النهاية: 2 / 364). (2) الإرشاد: 1 / 315، الخرائج والجرائح: 1 / 200 / 39، الثاقب في المناقب: 266 / 230، إعلام الورى: 1 / 337 وليس فيه من " فجزعت لذلك " إلى " حتى ورد أوائلهم " وراجع إرشاد القلوب: 224. 162 بحث حول مبعوثي الإمام إلى الكوفة كان الإمام علي (عليه السلام) بحاجة إلى قوات إضافية لمحاربة جيش أصحاب الجمل، وكانت الكوفة أفضل ولاية قادرة على إمداده بمثل تلك القوات؛ وذلك لأنها كانت حاضرة عسكرية، وكان فيها عدد كبير جدا من المقاتلين؛ خلافا لما كانت عليه مكة أو المدينة أو اليمن أو.... وفضلا عن ذلك فقد كانت الكوفة أقرب ولاية إلى البصرة، وهذا يعني أنها كانت أفضل مكان لإرسال القوات، إلا أن وجود أبي موسى الأشعري واليا على الكوفة، كان يحول دون استقدام القوات من هناك. وعلى ضوء تلك الظروف كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسالة إلى أهل الكوفة، وأرسلها مع مبعوثين عنه لاستنفار أهاليها وتحريضهم على الالتحاق به. ولابد وأن يكون لهؤلاء المبعوثين وجاهة عند أهل الكوفة، ومقدرة على محاجة أبي موسى الأشعري. بيد أن هناك اختلافا كبيرا بين المصادر التاريخية حول عدد مبعوثي الإمام إلى الكوفة وترتيبهم:
163 1 - ذكر الطبري مبعوثي الإمام وترتيبهم على الأنحاء التالية: أ: محمد بن أبي بكر ومحمد بن عون، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر، مالك الأشتر (1). ب: رواية سيف بن عمر: محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، مالك الأشتر وعبد الله بن عباس، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر. ج: محمد بن أبي بكر، هاشم بن عتبة، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر (2). 2 - وردت أسماؤهم في " الكامل في التاريخ " على نحو مشابه تقريبا لما أورده الطبري (3). 3 - أما كتاب البداية والنهاية فقد اقتصر على ذكر روايات سيف بن عمر عن الطبري (4). 4 - وسرد كتاب أنساب الأشراف أسماء أولئك المبعوثين على النحو التالي: هاشم بن عتبة، عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار ابن ياسر؛ وأن الإمام الحسن (عليه السلام) قدم على الإمام علي (عليه السلام) في عشرة آلاف مقاتل (ولم يرد اسم مالك الأشتر بينهم) (5). 5 - وورد ذكرهم في كتاب " الجمل " على النحو الآتي:
(1) تاريخ الطبري: 4 / 477 - 486. (2) تاريخ الطبري: 4 / 499. (3) الكامل في التاريخ: 2 / 324 - 329. (4) البداية والنهاية: 7 / 235 - 237. (5) أنساب الاشراف: 3 / 31 و 32. 164 هاشم بن عتبة (من الربذة)، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر وقيس بن سعد، مالك الأشتر. وجاء في نقل آخر عن الواقدي: محمد ابن الحنفية ومحمد بن أبي بكر، الإمام الحسن وعمار (أو برفقة ابن عباس) (1). 6 - وجاء في شرح نهج البلاغة ذكرهم على النحو الآتي: هاشم بن عتبة، عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر (أو: محمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن أبي بكر كما في رواية محمد بن إسحاق)، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد (2). ثم استطرد موردا نص كلام الطبري (3). 7 - وجاء في كتاب الإمامة والسياسة: عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر، الإمام الحسن (عليه السلام) وعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وقيس بن سعد (4). وهكذا يلاحظ وجود اختلافات شاسعة في عدد المبعوثين وترتيبهم. ويبدو أن ترتيبهم الصحيح كان على النحو التالي: أ: هاشم بن عتبة بعث الإمام علي (عليه السلام) وهو في الربذة - قرب المدينة - هاشم بن عتبة بكتاب إلى أبي موسى الأشعري - والي الكوفة - لاستنفار الناس ودعوتهم لمحاربة
(1) الجمل: 242 - 257. (2) شرح نهج البلاغة: 14 / 8 - 10. (3) شرح نهج البلاغة: 14 / 16. (4) الإمامة والسياسة: 1 / 85 و 86. 165 جيش أصحاب الجمل. وسبب اختياره لهاشم بن عتبة واضح؛ فهو كان من قادة جيش المسلمين، وكانت له وجاهة عند أهل الكوفة. سار هاشم بن عتبة إلى الكوفة وأبلغ كتاب الإمام (عليه السلام)، لكنه واجه معارضة من قبل أبي موسى الأشعري، فبعث هاشم رسالة من الكوفة إلى الإمام (عليه السلام) بين له فيها طبيعة الأوضاع هناك. وفي أعقاب ذلك سار بنفسه إلى الإمام وشرح له مجريات الأمور بالتفصيل. ب: محمد بن أبي بكر المبعوث الثاني للإمام هو محمد بن أبي بكر الذي كانت له وجاهة عند جميع المسلمين، وخاصة عند الثوار المناهضين لعثمان. وتتفق المصادر التاريخية على وجود محمد بن أبي بكر بين المبعوثين، إلا أنها تختلف في ترتيب إيفاده؛ فبعضها يفيد أنه أوفد قبل هاشم بن عتبة (1)، بينما يرى البعض الآخر منها أنه أوفد إلى الكوفة بعد رجوع هاشم بن عتبة منها (2). وهناك مصادر أخرى لم تذكر زمنا معينا لأي منهما (3). كما يوجد ثمة اختلاف آخر حول أعضاء الوفد المرافق لمحمد بن أبي بكر، فبعض المصادر ذكرت اسم محمد بن عون (4)، وذكرت مصادر أخرى محمد بن جعفر (5)، وبعضها ذكرت محمد ابن الحنفية (6)، وذكر غيرها عبد الله بن عباس (7).
(1) تاريخ الطبري: 4 / 499. (2) أنساب الأشراف: 3 / 31؛ شرح نهج البلاغة: 14 / 10. (3) الجمل: 257. (4) تاريخ الطبري: 4 / 477. (5) تاريخ الطبري: 4 / 478 من طريق سيف بن عمر، شرح نهج البلاغة: 14 / 8. (6) الجمل: 257. (7) أنساب الأشراف: 3 / 31، شرح نهج البلاغة: 14 / 8. 166 وسنتحدث لاحقا عن هؤلاء الأشخاص كل على حدة. ج: الإمام الحسن وعمار بن ياسر يمكن الجزم بأن الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر كانا من جملة المندوبين الذين أرسلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة. فبعدما عجز الموفدون الآخرون عن إقناع أبي موسى الأشعري وأهالي الكوفة بالنهوض والالتحاق بالإمام (عليه السلام) بعث هذين الرجلين إلى هناك. وقد أوردت كتب التاريخ والحديث نصوص خطبهما في الكوفة واحتجاجاتهما مع أبي موسى الأشعري. وفى نهاية المطاف سارا برفقة جيش الكوفة والتحقوا بجيش الإمام علي (عليه السلام). وقد عزت بعض المصادر التاريخية إرسال جيش الكوفة إلى دور هذين الرجلين (1). بينما تحدثت مصادر أخرى عن مسير مالك الأشتر إلى هناك وطرده لأبي موسى الأشعري من قصر الإمارة (2). د: مالك الأشتر ورد اسم مالك الأشتر بصفته مبعوثا للإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، واعتبرته معظم المصادر هو آخر المبعوثين، وقالت: إن جهوده قد أثمرت في استنفار أهالي الكوفة وإرسال جيش منهم لمؤازرة الإمام (راجع النص السابق). وذكرت مصادر أخرى بأن الأشتر قد أوفد إلى الكوفة في مستهل الأمر،
(1) أنساب الأشراف: 3 / 32؛ الجمل: 261 و 262. (2) تاريخ الطبري: 4 / 486؛ الكامل في التاريخ: 2 / 329، شرح نهج البلاغة: 14 / 17 كلاهما عن تاريخ الطبري. 167 ولكن جهوده باءت بالفشل (1). وتجدر الإشارة إلى أن الأشتر كانت له وجاهة لا نظير لها بين أهالي الكوفة. وقد استطاع في عهد عثمان، وفي ذروة هيمنة الخليفة أن يسيطر على الكوفة ويثير أهلها ضد عثمان. وفي ضوء ذلك يكون الاحتمال الأقوى هو أن الأشتر كان الموفد الأخير، وأنه سار إلى هناك لحسم الأمور. أما الرواية التي أشارت إلى أنه كان أول المبعوثين، وأنه قد فشل في مهمته فهي رواية سيف بن عمر الذي يلاحظ بوضوح عداؤه الصريح للأشتر في مواضع لاحصر لها من كتاب تاريخ الطبري. وذكرت مصادر أخرى أن الأشتر نفسه أعرب عن رغبته في المسير إلى الكوفة (2). لأن أبا موسى كان واليا لعثمان على الكوفة، وأن الإمام قد رام عزله ولكنه أبقاه في منصبه هذا نزولا عند رغبة مالك الأشتر. وقد يفهم أن عمله هذا قد جاء رغبة منه في التكفير عن خطئه الأول. نكتة جديرة بالملاحظة: ذكرت بعض المصادر أسماء أخرى لمبعوثي الإمام (عليه السلام) مما نستريب بصحته، وهم كالآتي: أ: عبد الله بن عباس ورد اسم عبد الله بن عباس بصفته مبعوثا آخر للإمام علي (عليه السلام) إلى الكوفة، إلا
(1) تاريخ الطبري: 4 / 482 من طريق سيف بن عمر، الكامل في التاريخ: 2 / 327. (2) الجمل: 251؛ تاريخ الطبري: 4 / 486، الكامل في التاريخ: 2 / 329. 168 أنه لم ترد أية تفاصيل عن دوره هناك. ولكن من المستبعد أن يذهب ابن عباس مبعوثا لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة ولا تأتي المصادر التاريخية على ذكر كلامه؛ فالرجل كان معروفا بقوة الاستدلال ورصانة المنطق. بيد أن بعض المصادر أشارت إلى مرافقة ابن عباس لمحمد بن أبى بكر، فيما أشارت أخرى إلى ذهابه برفقة الأشتر (1)، في حين نصت مصادر أرى على ذهابه إلى هناك برفقة الإمام الحسن (عليه السلام) وعمار بن ياسر (2). كما صرحت المصادر التاريخية - باستثناء كتاب الجمل - بأن ابن عباس كان من جملة المبعوثين الأوائل. ب: قيس بن سعد وزيد بن صوحان أورد ابن أبي الحديد (3) اسمي قيس بن سعد، وزيد بن صوحان في عداد المبعوثين. ولكن هذا النقل غير صحيح؛ لأن قيس بن سعد عين واليا على مصر في بداية خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وذهب إلى مصر، ولم يشارك في معركة الجمل (4). أما زيد بن صوحان فقد كان من الشخصيات البارزة في الكوفة، وقد كتبت له عائشة رسالة تستميله فيها إلى جانبها أو اعتزال القتال على الأقل. وقد قرأ زيد رسالة عائشة في مسجد الكوفة ورد عليها ردا جميلا. وفضلا عن احتجاجاته مع أبى موسى الأشعري، كانت له مداولات ونقاشات أخرى مع بعض معارضي
(1) تاريخ الطبري: 4 / 482، الكامل في التاريخ: 2 / 327. (2) الجمل: 261. (3) شرح نهج البلاغة: 14 / 10. (4) راجع: تحليل البلاذري في أنساب الأشراف: 3 / 32. 169 الإمام (عليه السلام). ج: محمد بن عون ومحمد ابن الحنفية جاء اسم محمد بن عون، ومحمد ابن الحنفية في مصدر تاريخي واحد فقط؛ فقد ورد اسم محمد ابن الحنفية في كتاب الجمل (1)، وذكر الطبري اسم محمد بن عون (2). ومن الطبيعي أن تفرد هذين المصدرين بذكرهما مدعاة لعدم التعويل عليهما. فضلا عن أن الشخصية السياسية والعسكرية لكل واحد من هذين الرجلين لم تصل إلى حد يؤهلهما ليكونا مبعوثين للإمام إلى أهل الكوفة. وكذا الحال في محمد بن جعفر؛ فعلى الرغم من تعدد المصادر التي تحدثت عنه بصفته واحدا من المبعوثين (3) إلا أن عدم شهرته السياسية والاجتماعية والعسكرية، تجعل من عده بينهم موضع شك.
(1) الجمل: 257. (2) تاريخ الطبري: 4 / 477. (3) تاريخ الطبري: 4 / 487 من طريق سيف بن عمر، الكامل في التاريخ: 2 / 327، شرح نهج البلاغة: 14 / 8. 170 الفصل السادس احتلال البصرة 6 / 1 مناقشات مندوب الوالي والناكثين 2161 - أنساب الأشراف عن أبي مخنف في إسناده: ولما قربت عائشة ومن معها من البصرة بعث إليهم عثمان بن حنيف عمران بن الحصين الخزاعي أبا نجيد، وأبا الأسود الدئلي، فلقياهم بحفر أبي موسى (1) فقالا لهم: فيما قدمتم؟ فقالوا: نطلب بدم عثمان، وأن نجعل الأمر شورى؛ فإنا غضبنا لكم من سوطه وعصاه؛ أفلا نغضب له من السيف؟!! وقالا لعائشة: أمرك الله أن تقري في بيتك؛ فإنك حبيس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحليلته وحرمته. فقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنك يا أبا الأسود ما تقول في!!
(1) حفر أبي موسى: وهي ركايا أحفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة إلى مكة (معجم البلدان: 2 / 275). 171 فانصرف عمران وأبو الأسود إلى ابن حنيف، وجعل أبو الأسود يقول: يا بن حنيف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وضارب واصبر وابرز لهم مستلئما وشمر فقال عثمان: إي ورب الحرمين لأفعلن (1). 2162 - الجمل عن الواقدي وأبي مخنف عن أصحابهما والمدائني وابن دأب عن مشايخهما بالأسانيد: إن عائشة وطلحة والزبير لما ساروا من مكة إلى البصرة أغذوا (2) السير مع من اتبعهم من بني أمية وعمال عثمان وغيرهم من قريش، حتى صاروا إلى البصرة، فنزلوا حفر أبي موسى، فبلغ عثمان بن حنيف وهو عامل البصرة يومئذ، وخليفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان عنده حكيم بن جبلة، فقال له حكيم: ما الذي بلغك؟ فقال: خبرت أن القوم قد نزلوا حفر أبي موسى، فقال له حكيم: ائذن لي أن أسير إليهم؛ فإني رجل في طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له عثمان: توقف عن ذلك حتى أراسلهم، فقال له حكيم: إنا لله، هلكت والله يا عثمان! فأعرض عنه وأرسل إلى عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذكر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر أبي موسى، وسألهما المسير إليهم وخطابهم على ما قصدوا به، وكفهم عن الفتنة، فخرجا حتى دخلا على عائشة فقالا لها: يا أم المؤمنين! ما حملك على المسير؟ فقالت: غضبت لكما من سوط عثمان وعصاه ولا أغضب أن يقتل!
(1) أنساب الأشراف: 3 / 24 وراجع بلاغات النساء: 17 والمعيار والموازنة: 57. (2) أغذ: أسرع في السير (النهاية: 3 / 347). 172 فقالا لها: وما أنت من سوط عثمان وعصاه وإنما أنت حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ نذكرك الله أن تهراق الدماء بسببك. فقالت: وهل من أحد يقاتلني؟ فقال لها أبو الأسود: نعم والله قتالا أهونه شديد! ثم خرجا من عندها، فدخلا على الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك! فقال لهما: ارجعا من حيث جئتما، لا تفسدا علينا، فأيسا منه وخرجا حتى دخلا على طلحة فقالا له: ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك! فقال لهما طلحة: أيحب علي بن أبي طالب أنه إذا غلب على أمر المدينة أن الأمر له، وأنه لا أمر إلا أمره؟ والله ليعلمن، فانصرفا من حيث جئتما. فانصرفا من عنده إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر. وروى ابن أبي سبرة عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي أن أبا الأسود الدؤلي وعمران لما دخلا على عائشة قالا لها: ما الذي أقدمك هذا البلد وأنت حبيسة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد أمرك أن تقري في بيتك؟ فقالت: غضبت لكم من السوط والعصا، ولا أغضب لعثمان من السيف! فقالا لها: ننشدك الله أن تهراق الدماء بسببك، وأن تحملي الناس بعضهم على بعض، فقالت لهما: إنما جئت لأصلح بين الناس. وقالت لعمران بن الحصين: هل أنت مبلغ عثمان بن حنيف رسالة؟ فقال: لا أبلغه عنك إلا خيرا. فقال لها أبو الأسود: أنا أبلغه عنك فهاتي، قالت: قل له: يا طليق ابن أبي عامر بلغني أنك تريد لقائي لتقاتلني! فقال لها أبو الأسود: نعم والله ليقاتلنك. فقالت: وأنت أيضا أيها الدؤلي؟! يبلغني عنك ما يبلغني، قم فانصرف عني. فخرجا من عندها إلى طلحة فقالا له: يا أبا محمد! ألم يجتمع الناس إلى بيعة ابن عم رسول الله الذي فضله الله تعالى كذا وكذا؟ وجعلا يعدان مناقب
173 أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضائله وحقوقه، فوقع طلحة بعلي (عليه السلام) وسبه ونال منه وقال: إنه ليس أحد مثله، أم والله ليعلمن غب (1) ذلك، فخرجا من عنده وهما يقولان: غضب هذا الدنئ، ثم دخلا على الزبير فكلماه مثل كلامهما لصاحبه، فوقع أيضا في علي (عليه السلام) وسبه، وقال لقوم كانوا بمحضر منه: صبحوهم قبل أن يمسوكم، فخرجا من عنده حتى صارا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر، فأذن عثمان للناس بالحرب (2). 2163 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: أرسل [عثمان بن حنيف] إلى أبي الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي، فأمرهما أن يسيرا حتى يأتياه بعلم القوم وما الذي أقدمهم، فانطلقا حتى إذا أتيا حفر أبي موسى وبه معسكر القوم، فدخلا على عائشة، فنالاها ووعظاها وأذكراها وناشداها الله، فقالت لهما: القيا طلحة والزبير. فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلماه، فقال لهما: إنا جئنا للطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى؛ ليختار الناس لأنفسهم، فقالا له: إن عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها، وأنت تعلم قتلة عثمان من هم وأين هم، وإنك وصاحبك وعائشة كنتم أشد الناس عليه، وأعظمهم إغراء بدمه، فأقيدوا من أنفسكم. وأما إعادة أمر الخلافة شورى؛ فكيف وقد بايعتم عليا طائعين غير مكرهين؟ وأنت يا أبا عبد الله لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(1) غب كل شيء: عاقبته (لسان العرب: 1 / 635). (2) الجمل: 273 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 462 - 466 والكامل في التاريخ: 2 / 316 وشرح نهج البلاغة: 6 / 225. 174 وأنت آخذ قائم سيفك تقول: ما أحد أحق بالخلافة منه، ولا أولى بها منه، وامتنعت من بيعة أبي بكر، فأين ذلك الفعل من هذا القول؟! فقال لهما: اذهبا فالقيا طلحة، فقاما إلى طلحة، فوجداه أخشن الملمس، شديد العريكة، قوي العزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب، فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه، وقال له أبو الأسود: يا بن حنيف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر وابرز لها مستلئما وشمر فقال ابن حنيف: أي والحرمين لأفعلن (1). 2164 - الإمامة والسياسة: ذكروا أن طلحة والزبير لما نزلا البصرة، قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجلين، فدعا عمران بن الحصين صاحب رسول الله، وأبا الأسود الدؤلي، فأرسلهما إلى طلحة والزبير، فذهبا إليهما فناديا: يا طلحة! فأجابهما. فتكلم أبو الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمد! إنكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليا غير مؤامرين في بيعته، فلم نغضب لعثمان إذ قتل، ولم نغضب لعلي إذ بويع، ثم بدا لكم، فأردتم خلع علي، ونحن على الأمر الأول، فعليكم المخرج مما دخلتم فيه. ثم تكلم عمران، فقال: يا طلحة! إنكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثم بايعتم عليا وبايعنا من بايعتم؛ فإن كان قتل عثمان صوابا فمسيركم لماذا؟ وإن كان خطأ فحظكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفى.
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 313. 175 فقال طلحة: يا هذان! إن صاحبكما لا يرى أن معه في هذا الأمر غيره، وليس على هذا بايعناه، وأيم الله ليسفكن دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران! أما هذا فقد صرح أنه إنما غضب للملك. ثم أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! إنا أتينا طلحة. قال الزبير: إن طلحة وإياي كروح في جسدين، وإنه والله يا هذان، قد كانت منا في عثمان فلتات، احتجنا فيها إلى المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه (1). 6 / 2 مخالفة الوالي منابذة الناكثين 2165 - شرح نهج البلاغة عن ابن عباس: إن الزبير وطلحة أغذا السير بعائشة حتى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري وهو قريب من البصرة، وكتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري - وهو عامل علي (عليه السلام) على البصرة - أن أخل لنا دار الإمارة، فلما وصل كتابهما إليه بعث [إلى] (2) الأحنف بن قيس فقال له: إن هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله، والناس إليها سراع كما ترى. فقال الأحنف: إنهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان، وهم الذين ألبوا على عثمان الناس، وسفكوا دمه، وأراهم والله لا يزايلون (3) حتى يلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا، وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة؛ فإنك اليوم الوالي عليهم، وأنت
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 83. (2) ما بين المعقوفين سقط من المصدر، وأثبتناه من الدرجات الرفيعة. (3) زايلوهم: أي فارقوهم في الأطفال التي لا ترضي الله ورسوله (النهاية: 2 / 325). 176 فيهم مطاع، فسر إليهم بالناس، وبادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة؛ فيكون الناس لهم أطوع منهم لك. فقال عثمان بن حنيف: الرأي ما رأيت، لكنني أكره الشر وأن أبدأهم به، وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين ورأيه فأعمل به. ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدي من بني عمرو بن وديعة، فأقرأه كتاب طلحة والزبير، فقال له مثل قول الأحنف، وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف، فقال له حكيم: فأذن لي حتى أسير إليهم بالناس، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين وإلا نابذتهم على سواء، فقال عثمان: لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي. قال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلن قلوب كثير من الناس إليهم، وليزيلنك عن مجلسك هذا وأنت أعلم، فأبى عليه عثمان (1). 6 / 3 حصر دار الإمارة والقتال حوله 2166 - أنساب الأشراف: ونادى عثمان بن حنيف في الناس فتسلحوا، وأقبل طلحة والزبير وعائشة حتى دخلوا المربد مما يلي بني سليم، وجاء أهل البصرة مع عثمان ركبانا ومشاة، وخطب طلحة فقال: إن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة والفضيلة من المهاجرين الأولين، وأحدث أحداثا نقمناها عليه، فبايناه ونافرناه، ثم أعتب حين استعتبناه، فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الأمة أمرها بغير رضى ولا مشورة، فقتله، وساعده على ذلك رجال غير أبرار ولا أتقياء، فقتلوه بريئا تائبا مسلما، فنحن ندعوكم إلى الطلب بدمه؛ فإنه الخليفة المظلوم. وتكلم
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 311؛ الدرجات الرفيعة: 381. 177 الزبير بنحو من هذا الكلام. فاختلف الناس فقال قائلون: نطقا بالحق، وقال آخرون: كذبا ولهما كانا أشد الناس على عثمان!! وارتفعت الأصوات. وأتي بعائشة على جملها في هودجها فقالت: صه صه (1)، فخطبت بلسان ذلق وصوت جهوري فأسكت (2) لها الناس فقالت: إن عثمان خليفتكم قتل مظلوما بعد أن تاب إلى ربه، وخرج من ذنبه، والله ما بلغ من فعله ما يستحل به دمه؛ فينبغي في الحق أن يؤخذ قتلته فيقتلوا به، ويجعل الأمر شورى. فقال قائلون: صدقت. وقال آخرون: كذبت حتى تضاربوا بالنعال وتمايزوا، فصاروا فرقتين: فرقة مع عائشة وأصحابها، وفرقة مع ابن حنيف، وكان على خيل ابن حنيف حكيم بن جبلة، فجعل يحمل ويقول: خيلي إلي إنها قريش * ليردينها نعيمها والطيش (3) وتأهبوا للقتال، فانتهوا إلى الزابوقة (4)، وأصبح عثمان بن حنيف، فزحف إليهم، فقاتلهم أشد قتال، فكثرت بينهم القتلى، وفشت فيهم الجراح. ثم إن الناس تداعوا إلى الصلح، فكتبوا بينهم كتابا بالموادعة إلى قدوم علي على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، وأن لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد، وأن طلحة والزبير ينزلان ومن معهما حيث شاؤوا، ثم انصرف
(1) هي كلمة زجر تقال عند الإسكات بمعنى اسكت (النهاية: 3 / 63). (2) أسكت: أي أعرض ولم يتكلم. يقال: تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل: أسكت (النهاية: 2 / 383). (3) كذا ورد في المصدر وعجز البيت مختل الوزن. (4) الزابوقة: موضع قريب من البصرة، كانت فيه وقعة الجمل (معجم البلدان: 3 / 125). 178 الناس وألقوا السلاح (1). 6 / 4 مصالحة والي البصرة والناكثين 2167 - الجمل: ثم إنهم تداعوا إلى الصلح، ودخل بينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتلوا به، فتصالحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة والمسجد وبيت المال، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ولا يهاجون حتى يقدم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإن أحبوا عند ذلك الدخول في طاعته، وإن أحبوا أن يقاتلوا، وكتبوا بذلك كتابا بينهم، وأوثقوا فيه العهود وأكدوها، وأشهدوا الناس على ذلك، ووضع السلاح، وأمن عثمان بن حنيف على نفسه وتفرق الناس عنه (2). 2168 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف - في بيان نص معاهدة الصلح -: هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وطلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما؛ أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر، وأن لطلحة والزبير ومن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة، ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا فرضة (3) ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة، وإن أحبوا لحق كل قوم بهواهم وما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة، وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من
(1) أنساب الأشراف: 3 / 25 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 463 والكامل في التاريخ: 2 / 317. (2) الجمل: 279 وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 150 وتاريخ خليفة بن خياط: 136. (3) الفرضة: المشرعة (لسان العرب: 7 / 206). 179 أنبيائه من عهد وذمة. وختم الكتاب، ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الإمارة، وقال لأصحابه: الحقوا رحمكم الله بأهلكم، وضعوا سلاحكم، وداووا جرحاكم، فمكثوا كذلك أياما (1). 6 / 5 استيلاء الناكثين على البصرة بالغدرة 2169 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: ثم إن طلحة والزبير قالا: إن قدم علي ونحن على هذه الحال من القلة والضعف ليأخذن بأعناقنا، فأجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب، فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف يدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع علي وإخراج ابن حنيف من البصرة، فبايعهم على ذلك الأزد وضبة وقيس بن عيلان كلها إلا الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم، وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي، فلم يأتهم، فجاءه طلحة والزبير إلى داره، فتوارى عنهما، فقالت له أمه: ما رأيت مثلك! أتاك شيخا قريش، فتواريت عنهما، فلم تزل به حتى ظهر لهما، وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلا بني يربوع؛ فإن عامتهم كانوا شيعة لعلي (عليه السلام)، وبايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بني مجاشع ذوي دين وفضل. فلما استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدم عثمان ليصلي بهم، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير (2).
(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 319. (2) شرح نهج البلاغة: 9 / 320؛ الدرجات الرفيعة: 386. 180 2170 - مروج الذهب - في ذكر أصحاب الجمل -: فأتوا البصرة، فخرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم، وجرى بينهم قتال، ثم إنهم اصطلحوا بعد ذلك على كف الحرب إلى قدوم علي. فلما كان في بعض الليالي بيتوا عثمان بن حنيف، فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته، ثم إن القوم استرجعوا وخافوا على مخلفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حنيف وغيره من الأنصار، فخلوا عنه. وأرادوا بيت المال، فمانعهم الخزان والموكلون به وهم السبابجة (1)، فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا من بعد الأسر، وهؤلاء أول من قتل ظلما في الإسلام وصبرا. وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وكان من سادات عبد القيس، وزهاد ربيعة ونساكها (2). 2171 - تاريخ الطبري عن الزهري - في ذكر أصحاب الجمل -: فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف، فقال لهم عثمان: ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا: لم نره أولى بها منا، وقد صنع ما صنع. قال: فإن الرجل أمرني، فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له، على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه، فوقفوا عليه وكتب. فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق (3)،
(1) السبابجة: قوم من السند كانوا بالبصرة حراس السجن (الصحاح: 1 / 321). (2) مروج الذهب: 2 / 367 وراجع الكافئة: 17 / 17. (3) هي إحدى مسالح العجم بالبصرة قبل أن يختطها المسلمون (معجم البلدان: 3 / 41). 181 فظهروا وأخذوا عثمان، فأرادوا قتله، ثم خشوا غضب الأنصار، فنالوه في شعره وجسده (1). 2172 - أنساب الأشراف عن أبي مخنف: صاروا [أهل البصرة] فرقتين: فرقة مع عائشة وأصحابها، وفرقة مع ابن حنيف... وتأهبوا للقتال، فانتهوا إلى الزابوقة، وأصبح عثمان بن حنيف، فزحف إليهم، فقاتلهم أشد قتال، فكثرت بينهم القتلى، وفشت فيهم الجراح. ثم إن الناس تداعوا إلى الصلح، فكتبوا بينهم كتابا بالموادعة إلى قدوم علي، على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، وأن لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد، وأن طلحة والزبير ينزلان ومن معهما حيث شاؤوا، ثم انصرف الناس وألقوا السلاح. وتناظر طلحة والزبير، فقال طلحة: والله لئن قدم علي البصرة ليأخذن بأعناقنا، فعزما على تبييت ابن حنيف وهو لا يشعر، وواطآ أصحابهما على ذلك، حتى إذا كانت ليلة ريح وظلمة جاؤوا إلى ابن حنيف وهو يصلي بالناس العشاء الآخرة فأخذوه وأمروا به فوطئ وطئا شديدا، ونتفوا لحيته وشاربيه، فقال لهما: إن سهلا حي بالمدينة والله لئن شاكني شوكة ليضعن السيف في بني أبيكما؛ يخاطب بذلك طلحة والزبير، فكفا عنه وحبساه. وبعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال وعليه قوم من السبابجة يكونون أربعين، ويقال: أربعمائة، فامتنعوا من تسليمه دون قدوم علي،
(1) تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 319 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 181. 182 فقتلوهم ورئيسهم أبا سلمة الزطي، وكان عبدا صالحا (1). 2173 - الإمامة والسياسة: ذكروا أنه لما اختلف القوم اصطلحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال، وأن ينزل أصحابه حيث شاؤوا من البصرة، وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤوا حتى يقدم علي؛ فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإن يتفرقوا يلحق كل قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه، وذمة نبيه، وأشهدوا شهودا من الفريقين جميعا. فانصرف عثمان، فدخل دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس... فمكث عثمان بن حنيف في الدار أياما، ثم إن طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم - في ليلة مظلمة سوداء مطيرة - وعثمان نائم، فقتلوا أربعين رجلا من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشد عليه مروان فأسره، وقتل أصحابه (2). 2174 - الجمل - في ذكر ما حدث بعد مصالحة عثمان بن حنيف وأصحاب الجمل -: طلب طلحة والزبير غدرته، حتى كانت ليلة مظلمة ذات رياح، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الإمارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الأموال - وكانوا قوما من الزط (3) قد استبصروا وأكل السجود جباههم، وائتمنهم عثمان على بيت المال ودار الإمارة - فأكب عليهم القوم وأخذوهم من أربع جوانبهم، ووضعوا فيهم السيف،
(1) أنساب الأشراف: 3 / 26 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 464 وص 467 و 506 والكامل في التاريخ: 2 / 318. (2) الإمامة والسياسة: 1 / 88. (3) الزط: جنس من السودان والهنود (النهاية: 2 / 302). 183 فقتلوا منهم أربعين رجلا صبرا! يتولى منهم ذلك الزبير خاصة، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا، وعمدوا إلى لحيته - وكان شيخا كث اللحية - فنتفوها حتى لم يبق منها شيء ولا شعرة واحدة. وقال طلحة: عذبوا الفاسق، وانتفوا شعر حاجبيه، وأشفار عينيه، وأوثقوه بالحديد! (1) راجع: تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 319، مروج الذهب: 2 / 367، أنساب الأشراف: 3 / 26، الإمامة والسياسة: 1 / 88، تاريخ اليعقوبي: 2 / 181. 6 / 6 أمر عائشة بقتل عثمان بن حنيف 2175 - الجمل: قال طلحة والزبير لعائشة [بعدما أخذا عثمان بن حنيف]: ما تأمرين في عثمان؟ فإنه لما به. فقالت: اقتلوه قتله الله! وكانت عندها امرأة من أهل البصرة فقالت لها: يا أماه! أين يذهب بك؟! أتأمرين بقتل عثمان بن حنيف، وأخوه سهل خليفة على المدينة، ومكانه من الأوس والخزرج ما قد علمت! والله، لئن فعلت ذلك لتكونن له صولة بالمدينة يقتل فيها ذراري قريش. فناب إلى عائشة رأيها وقالت: لا تقتلوه، ولكن احبسوه وضيقوا عليه حتى أرى رأيي. فحبس أياما ثم بدا لهم في حبسه، وخافوا من أخيه أن يحبس مشايخهم
(1) الجمل: 281. 184 بالمدينة ويوقع بهم، فتركوا حبسه (1).. 2176 - تاريخ الطبري عن سهل بن سعد: لما أخذوا عثمان بن حنيف، أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت: اقتلوه. فقالت لها امرأة: نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)! قالت: ردوا أبانا، فردوه. فقالت: احبسوه ولا تقتلوه، قال: لو علمت أنك تدعيني لهذا لم أرجع. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته. فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه (2). 6 / 7 استبصار أبي بكرة لما رأى عائشة تأمر وتنهى 2177 - صحيح البخاري عن أبي بكرة (3): لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله) أن فارسا ملكوا ابنة كسرى قال: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " (4).
(1) الجمل: 284. (2) تاريخ الطبري: 4 / 468، الكامل في التاريخ: 2 / 319 نحوه. (3) أبو بكرة هو الذي كان يحث الأحنف بن قيس على الاعتزال وينهاه عن الوقوف إلى جانب الامام علي (عليه السلام)، استنادا إلى الحديث النبوي: " إذا تواجه المسلمان بسيفيها فكلاهما من أهل النار " (صحيح البخاري: 6 / 2594 / 672). لكنه شخصيا كان يميل إلى نصرة عائشة، غير أنه بعد ذكر هذا الحديث اعتزل الفريقين. نقل ابن حجر عن ابن التين: كلام أبي بكرة يدل على أنه لولا عائشة لكان مع طلحة والزبير؛ لأنه لو تبين له خطؤهما لكان مع علي (فتح الباري: 13 / 56). (4) صحيح البخاري: 6 / 2600 / 6686، السنن الكبرى: 3 / 127 / 5128، البداية والنهاية: 6 / 212؛ العمدة: 454 / 948 كلها نحوه، بحار الأنوار: 32 / 194 / 143. 185 2178 - المستدرك على الصحيحين عن أبي بكرة: لما كان يوم الجمل أردت أن آتيهم أقاتل معهم حتى ذكرت حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه بلغه أن كسرى أو بعض ملوك الأعاجم مات، فولوا أمرهم امرأة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " (1). 6 / 8 قتل المعارضين 2179 - تاريخ الطبري عن الزهري: قام طلحة والزبير خطيبين فقالا: يا أهل البصرة! توبة بحوبة، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان، ولم نرد قتله، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه. فقال الناس لطلحة: يا أبا محمد، قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا، فقال الزبير: فهل جاءكم مني كتاب في شأنه؟ ثم ذكر قتل عثمان وما أتى إليه وأظهر عيب علي. فقام إليه رجل من عبد القيس فقال: أيها الرجل! أنصت حتى نتكلم، فقال عبد الله بن الزبير: ومالك وللكلام؟ فقال العبدي: يا معشر المهاجرين، أنتم أول من أجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان لكم بذلك فضل، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم، فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايعتم رجلا منكم، والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك، فرضينا واتبعناكم، فجعل الله عز وجل للمسلمين في إمارته بركة، ثم مات واستخلف عليكم رجلا منكم فلم تشاورونا في ذلك، فرضينا وسلمنا، فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر،
(1) المستدرك على الصحيحين: 4 / 570 / 8599، شرح نهج البلاغة: 6 / 277؛ الجمل: 297 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 212 / 168. 186 فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا؛ ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا، ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استأثر بفيء؟ أو عمل بغير الحق؟ أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه؟ وإلا فما هذا؟ فهموا بقتل ذلك الرجل، فقام من دونه عشيرته، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه، فقتلوا سبعين رجلا (1). 6 / 9 إعلام خبر احتلال البصرة 2180 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة - في ذكر أصحاب الجمل -: كتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضع الحرب، وإقامة كتاب الله عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل، حتى يكون الله عز وجل هو الذي يردنا عن ذلك. فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم، وخالفنا شرارهم ونزاعهم، فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذ أم المؤمنين رهينة؛ أن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه. فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة، حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين، فخرجوا إلى مضاجعهم، فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير، والله سبحانه مقيده إن شاء الله. وكانوا كما وصف الله عز وجل. وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به، فنلقى الله عز وجل وتلقونه، وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا...
(1) تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 320 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 28. 187 وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله... وكتبوا إلى أهل اليمامة... وكتبوا إلى أهل المدينة (1). 6 / 10 كتاب عائشة إلى حفصة 2181 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: لما نزل علي (عليه السلام) ذا قار، كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أما بعد؛ فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار، وأقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر؛ إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر. فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف، فأمرتهن أن يقلن في غنائهن: ما الخبر ما الخبر. علي في السفر. كالفرس الأشقر. إن تقدم عقر. وإن تأخر نحر. وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء. فبلغ أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) فلبست جلابيبها ودخلت عليهن في نسوة متنكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت. فقالت أم كلثوم: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل، فأنزل الله فيكما ما أنزل. فقالت حفصة: كفي رحمك الله! وأمرت بالكتاب فمزق واستغفرت الله (2).
(1) تاريخ الطبري: 4 / 472. (2) شرح نهج البلاغة: 14 / 13؛ بحار الأنوار: 32 / 90 وراجع الجمل: 276. 188 الفصل السابع من ذي قار إلى البصرة 7 / 1 أخذ البيعة على من حضر 2182 - الإرشاد عن ابن عباس: لما نزل [الإمام علي (عليه السلام)] بذي قار أخذ البيعة على من حضره، ثم تكلم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: قد جرت أمور صبرنا عليها - وفي أعيننا القذى - تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحننا به رجاء الثواب على ذلك، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون وتسفك دماؤهم. نحن أهل بيت النبوة، وأحق الخلق بسلطان الرسالة، ومعدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة. وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول، حين رأيا أن الله
189 قد رد علينا حقنا بعد أعصر، فلم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما، ليذهبا بحقي، ويفرقا جماعة المسلمين عني. ثم دعا عليهما (1). 7 / 2 خطب الإمام بذى قار 2183 - نهج البلاغة - في ذكر خطبة له (عليه السلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة -: قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال (عليه السلام): والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال: إن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة، فساق الناس حتى بوأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم واطمأنت صفاتهم. أما والله، إن كنت لفي ساقتها (2) حتى تولت بحذافيرها، ما عجزت ولا جبنت، وإن مسيري هذا لمثلها، فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه. مالي ولقريش! والله، لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيزنا فكانوا كما قال الأول:
(1) الإرشاد: 1 / 249، بحار الأنوار: 32 / 114 / 91 وراجع الاحتجاج: 1 / 374 / 68. (2) الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون جيش الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونه (النهاية: 2 / 424). 190 أدمت لعمري شربك المحض صابحا * وأكلك بالزبد المقشرة البجرا ونحن وهبناك العلاء ولم تكن * عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (1) 2184 - شرح نهج البلاغة عن زيد بن صوحان - من خطبته بذي قار -: قد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد (صلى الله عليه وآله)، ولقد سمعته يقول: " ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق، ثم ينشر كتابه، فإن كان عادلا نجا، وإن كان جائرا هوى ". حتى اجتمع علي ملؤكم، وبايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث في أعينهما، ثم استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناء الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر. ويا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علي! وهما يعلمان أني لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه، فكتماه عني، وخرجا يوهمان الطغام (2) أنهما يطلبان بدم عثمان. والله، ما أنكرا علي منكرا، ولا جعلا بيني وبينهم نصفا (3)، وإن دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما. يا خيبة الداعي! إلام دعا؟ وبماذا أجيب؟ والله، إنهما لعلى ضلالة صماء، وجهالة عمياء، وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه، واستجلب منهما خيله ورجله، ليعيد الجور إلى أوطانه، ويرد الباطل إلى نصابه.
(1) نهج البلاغة: الخطبة 33، بحار الأنوار: 32 / 76 / 50 وراجع الإرشاد: 1 / 247. (2) الطغام: من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128). (3) النصف: الانتصاف. وقد أنصفه من خصمه، ينصفه إنصافا (النهاية: 5 / 66). 191 ثم رفع يديه، فقال: اللهم إن طلحة والزبير قطعاني، وظلماني، وألبا علي، ونكثا بيعتي، فاحلل ما عقدا، وأنكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبدا، وأرهما المساءة فيما عملا وأملا! (1) 2185 - الإرشاد: من كلامه (عليه السلام) - وقد نهض من ذي قار متوجها إلى البصرة - بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما بعد، فإن الله تعالى فرض الجهاد وعظمه وجعله نصرة له، والله، ما صلحت دنيا قط ولا دين إلا به، وإن الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبه في ذلك وخدع، وقد بانت الأمور وتمخضت، والله ما أنكروا علي منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ودما هم سفكوه، ولئن كنت شركتهم فيه، إن لهم لنصيبهم منه، ولئن كانوا ولوه دوني فما تبعته إلا قبلهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم، وإني لعلى بصيرتي ما لبست علي، وإنها للفئة الباغية فيها الحمى والحمة (2)، قد طالت هلبتها (3) وأمكنت درتها (4)، يرضعون أما فطمت، ويحيون بيعة تركت؛ ليعود الضلال إلى نصابه. ما أعتذر مما فعلت، ولا أتبرأ مما صنعت، فخيبة للداعي ومن دعا، لو قيل له: إلى من دعواك؟ وإلى من أجبت؟ ومن إمامك؟ وما سنته؟ إذا لزاح الباطل عن مقامه، ولصمت لسانه فما نطق. وأيم الله، لأفرطن (5) لهم حوضا أنا
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 310؛ الجمل: 267، بحار الأنوار: 32 / 63 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 22. (2) الحمة: سم كل شيء يلدغ أو يلسع (لسان العرب: 14 / 201). (3) الهلب: الشعر. وقيل: هو ما غلظ من شعر الذنب وغيره (النهاية: 5 / 269). (4) الدرة: كثرة اللبن وسيلانه (لسان العرب: 4 / 279). (5) أفرط الحوض أي ملأه. يفرط فيه أي يكثر في صب الماء فيه (لسان العرب: 7 / 366). 192 ماتحه (1)، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريا أبدا، وإني لراض بحجة الله عليهم وعذره فيهم، إذ أنا داعيهم فمعذر إليهم، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحق مقبول، وليس على الله كفران، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من باطل وناصرا لمؤمن (2). 2186 - الإرشاد عن سلمة بن كهيل: لما التقى أهل الكوفة وأمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار رحبوا به وقالوا: الحمد لله الذي خصنا بجوارك وأكرمنا بنصرتك. فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الكوفة! إنكم من أكرم المسلمين وأقصدهم تقويما، وأعدلهم سنة، وأفضلهم سهما في الإسلام، وأجودهم في العرب مركبا (3) ونصابا (4)، أنتم أشد العرب ودا للنبي (صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته، وإنما جئتكم ثقة - بعد الله - بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي، وإقبالهما بعائشة للفتنة، وإخراجهما إياها من بيتها حتى أقدماها البصرة، فاستغووا طغامها وغوغاءها، مع أنه قد بلغني أن أهل الفضل منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير. ثم سكت، فقال أهل الكوفة: نحن أنصارك وأعوانك على عدوك، ولو دعوتنا إلى أضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه (5).
(1) الماتح: المستقي من البئر بالدلو من أعلى البئر (النهاية: 4 / 291). (2) الإرشاد: 1 / 251. (3) المركب: الأصل والمنبت؛ تقول: فلان كريم المركب؛ أي كريم أصل منصبه في قومه (لسان العرب: 1 / 432). (4) نصاب كل شيء أصله (لسان العرب: 1 / 761). (5) الإرشاد: 1 / 249، الجمل: 266 نحوه. 193 7 / 3 قدوم عثمان بن حنيف 2187 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: لما نزل علي الثعلبية (1) أتاه الذي لقى عثمان بن حنيف وحرسه، فقام وأخبر القوم الخبر وقال: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلمنا منهم أجمعين. ولما انتهى إلى الإساد (2) أتاه ما لقى حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان، فقال: الله أكبر ما ينجيني من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما؟ وقرأ: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتب من قبل أن نبرأها) (3) وقال: دعا حكيم دعوة الزماع * حل بها منزلة النزاع ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر، فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال: انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب (4). 2188 - الجمل: خرج ابن حنيف حتى أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بذي قار، فلما نظر إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد نكل به القوم، بكى وقال: يا عثمان بعثتك شيخا
(1) الثعلبية: من منازل طريق مكة من الكوفة وقد كانت قرية عامرة سابقا ثم خربت بعد ذلك (راجع: معجم البلدان: 2 / 78). (2) كذا في المصدر، ولعل الصحيح " الأساود ": وهو اسم ماء على يسار الطريق للقاصد إلى مكة من الكوفة (معجم البلدان: 1 / 171). (3) الحديد: 22. (4) تاريخ الطبري: 4 / 481، الكامل في التاريخ: 2 / 326 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة: 9 / 321 وتذكرة الخواص: 68. 194 ألحى فردوك أمرد إلي، اللهم إنك تعلم أنهم اجترؤا عليك واستحلوا حرماتك، اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي، وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي (1). 7 / 4 اتباع الحق عند قيام الحق 2189 - نهج البلاغة: من كلامه (عليه السلام) في وجوب اتباع الحق عند قيام الحجة كلم به بعض العرب، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لما قرب (عليه السلام) منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم، فبين له (عليه السلام) من أمره معهم ما علم به أنه على الحق، ثم قال له: بايع. فقال: إني رسول قوم، ولا أحدث حدثا حتى أرجع إليهم. فقال (عليه السلام): أرأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء. فقال (عليه السلام): فامدد إذا يدك. فقال الرجل: فوالله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي، فبايعته (عليه السلام). والرجل يعرف بكليب الجرمي (2).
(1) الجمل: 285 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 182 وشرح نهج البلاغة: 14 / 18 ونهاية الأرب: 20 / 45 والبداية والنهاية: 7 / 236. (2) نهج البلاغة: الخطبة 170، بحار الأنوار: 32 / 83 / 55؛ ربيع الأبرار: 1 / 710 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 491 والمناقب لابن شهر آشوب: 2 / 46. 195 2190 - الجمل عن كليب: لما قتل عثمان ما لبثنا إلا قليلا حتى قدم طلحة والزبير البصرة، ثم ما لبثنا بعد ذلك إلا يسيرا حتى أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فنزل بذي قار، فقال شيخان من الحي: اذهب بنا إلى هذا الرجل فننظر ما يدعو إليه، فلما أتينا ذا قار قدمنا على أذكى العرب، فوالله لدخل على نسب قومي، فجعلت أقول: هو أعلم به مني وأطوع فيهم. فقال: من سيد بني راسب؟ فقلت: فلان. قال: فمن سيد بني قدامة؟ قلت: فلان، لرجل آخر. فقال: أنت مبلغهما كتابين مني؟ قلت: نعم. قال: أفلا تبايعوني؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي وتوقفت عن بيعته، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون: بايع بايع. فقال (عليه السلام): دعوا الرجل. فقلت: إنما بعثني قومي رائدا وسأنهي إليهم ما رأيت، فإن بايعوا بايعت، وإن اعتزلوا اعتزلت. فقال لي: أرأيت لو أن قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة وغديرا، فقلت: يا قومي النجعة (1) النجعة! فأبوا، ما كنت بمستنجح بنفسك؟
(1) النجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث (النهاية: 5 / 22). 196 فأخذت بإصبع من أصابعه وقلت: أبايعك على أن أطيعك ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لك علي. فقال: نعم. وطول بها صوته، فضربت على يده. ثم التفت إلى محمد بن حاطب، وكان في ناحية القوم، فقال: إذا انطلقت إلى قومك فأبلغهم كتبي وقولي. فتحول إليه محمد حتى جلس بين يديه وقال: إن قومي إذا أتيتهم يقولون: ما يقول صاحبك في عثمان؟ فسب عثمان الذين حوله، فرأيت عليا قد كره ذلك حتى رشح جبينه وقال: أيها القوم! كفوا ما إياكم يسأل. قال: فلم أبرح عن العسكر حتى قدم على علي (عليه السلام) أهل الكوفة فجعلوا يقولون: نرى إخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون: والله لو التقينا لتعاطينا الحق، كأنهم يرون أنهم لا يقتتلون. وخرجت بكتابي علي (عليه السلام) فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه، ودللت على الآخر، وكان متواريا، فلو أنهم قالوا له: كليب، ما أذن لي، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت: هذا كتاب علي وأخبرته الخبر وقلت: إني أخبرت عليا أنك سيد قومك، فأبى أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلى ما سأله وقال: لا حاجة لي اليوم في السؤدد، فوالله، إني لبالبصرة ما رجعت إلى علي حتى نزل العسكر، ورأيت القوم الذين مع علي (عليه السلام) فطلع القوم (1).
(1) الجمل: 290 وراجع المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 703 / 1. 197 تعليق تشير الأكثرية القريبة من الاتفاق من النصوص التاريخية إلى أن عثمان بن حنيف قدم على الإمام وهو في ذي قار، غير أن بعض المصادر تذكر بأنه قدم عليه حينما كان في الربذة (1). ويبدو أن القول الأول أقرب إلى الواقع؛ لأن الإمام علي (عليه السلام) كان يلاحق أصحاب الجمل، ولم تكن تفصله عنهم مسافة كبيرة. علما أن الإمام (عليه السلام) كان قد كتب من الربذة رسالة إلى عثمان بن حنيف يعلمه فيها بمسير أصحاب الجمل صوب البصرة. ونظرا لبعد الربذة عن البصرة، يستبعد أن يكون الإمام توقف هناك أكثر من شهر واحد، بحيث يكون أصحاب الجمل قد ساروا نحو البصرة، وبعد التصالح والقتال وحبس عثمان بن حنيف وإخراجه من الحبس، ثم يكون عثمان قطع هذا الطريق الطويل والتحق بالإمام في الربذة! ولكن الإمام (عليه السلام) كان قد سار من الربذة، وعندما كان في ذي قار بانتظار قدوم مدد أهل الكوفة، دخل عليه عثمان بن حنيف. 7 / 5 قدوم الإمام البصرة 2191 - مروج الذهب عن المنذر بن الجارود: لما قدم علي (عليه السلام) البصرة دخل مما يلي الطف - إلى أن قال -: فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية، فصلى أربع ركعات، وعفر خديه على التراب، وقد خالط ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو:
(1) تاريخ الطبري: 4 / 480. 198 اللهم رب السماوات وما أظلت والأرضين وما أقلت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين، اللهم إن هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي ونكثوا بيعتي، اللهم أحقن دماء المسلمين (1). 2192 - الإرشاد - من كلامه (عليه السلام) حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد -: عباد الله! انهدوا (2) إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم، فإنهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة، وقتلوا السيابجة (3) وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا، مالهم قاتلهم الله أنى يؤفكون؟! انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم، وألقوهم صابرين محتسبين، تعلمون أنكم منازلوهم ومقاتلوهم، وقد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي (4) والضرب الطلخفي (5) ومبارزة الأقران، وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلا، فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما
(1) مروج الذهب: 2 / 368 و 370. (2) نهد القوم لعدوهم: إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله (النهاية: 5 / 134). (3) كذا في المصدر، والظاهر أن الصحيح: " السبابجة " كما في بقية المصادر. والسبابجة: كانوا قوما من الزط قد استبصروا وأكل السجود جباههم وائتمنهم عثمان [بن حنيف] على بيت المال ودار الإمارة (الجمل: 281). (4) الدعسى: الطعن الشديد (لسان العرب: 6 / 83). (5) الطلخف والطلخف والطلخف: الشديد من الضرب والطعن (لسان العرب: 9 / 223). 199 يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله (1).
(1) الإرشاد: 1 / 252، بحار الأنوار: 32 / 171 / 131 وراجع الجمل: 331. 200 الفصل الثامن جهود الإمام لمنع القتال عندما تحرك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع قواته من ذي قار، بعث صعصعة بن صوحان إلى طلحة والزبير وعائشة، ومعه كتاب تحدث فيه عن إثارتهم للفتنة، وذكر فيه موقفهم الحاقد الماكر من عثمان بن حنيف، وحذرهم من مغبة عملهم، وعاد صعصعة فأخبره قائلا: " رأيت قوما ما يريدون إلا قتالك " (1). وتأهبت قوات الطرفين للحرب، بيد أن الإمام سلام الله عليه منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال، وحاول في بادئ أمره أن يردع أولي الفتنة عن الحرب. وإن حديثه (عليه السلام) مع قادة جيش الجمل، ومع الجيش نفسه يجلب الانتباه (2). وبذل قصارى جهوده في سبيل المحافظة على الهدوء، والحؤول دون اشتعال نار الحرب، فبعث إلى قادة الجيش رسائل يحثهم فيها على عدم الاصطدام (3)، ثم
(1) الجمل: 313 و 314 وراجع الأخبار الطوال: 147. (2) قرب الإسناد: 96 / 327، تفسير العياشي: 2 / 77 / 23. (3) نهج البلاغة: الكتاب 54، كشف الغمة: 1 / 239؛ الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465. 201 أوفد مبعوثيه للتفاوض معهم (1). ولما لم تثمر جهوده شيئا، ذهب بنفسه إليهم (2). ونلحظ أن الإمام (عليه السلام) قد ترجم لنا في تلك الرسائل والمحاورات شخصيته وأبان عظيم قدره، وأماط اللثام عن الموقف السابق الذي كان عليه مساعير الحرب، وتحدث مرة أخرى عن قتل عثمان وكيفيته بدقة تامة، وكشف أبعاد ذلك الحادث، وأغلق على مثيري الفتنة تشبثهم بالمعاذير الواهية. ولما وجد ذلك عقيما وتأهب الفريقان للقتال، أوصى (عليه السلام) أصحابه بملك أنفسهم والمحافظة على الهدوء، وقال: " لا تعجلوا حتى أعذر إلى القوم... ". فقام إليهم فاحتج عليهم فلم يجد عند القوم إجابة. وبعد اللتيا والتي، بعث ابن عباس ثانية من أجل التفاوض الأخير؛ لعله يردعهم عن الحرب؛، لئلا تسفك دماء المسلمين هدرا، بيد أن القوم ختم على سمعهم، فلم يصغوا إلى رسول الإمام، كما لم يصغوا إلى الإمام (عليه السلام) من قبل (3). وقد كان لعائشة وعبد الله بن الزبير خاصة الدور الأكبر في ذلك. 8 / 1 رسائل الإمام إلى رؤساء الفتنة 2193 - الأخبار الطوال: أقام علي (رضي الله عنه) ثلاثة أيام يبعث رسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم
(1) نهج البلاغة: الخطبة 31؛ البيان والتبيين: 3 / 221. (2) تاريخ الطبري: 4 / 508 و 509، الكامل في التاريخ: 2 / 334 و 335، مسند أبي يعلى: 1 / 320 / 662، مروج الذهب: 2 / 371. (3) الجمل: 336 - 338. 202 إجابة (1). 2194 - الجمل: لما سار أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذي قار قدم صعصعة بن صوحان بكتاب إلى طلحة والزبير وعائشة، يعظم عليهم حرمة الإسلام، ويخوفهم فيما صنعوه، ويذكر لهم قبيح ما ارتكبوه من قتل من قتلوا من المسلمين، وما صنعوا بصاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عثمان بن حنيف، وقتلهم المسلمين صبرا، ويعظهم ويدعوهم إلى الطاعة. قال صعصعة: فقدمت عليهم فبدأت بطلحة فأعطيته الكتاب وأديت إليه الرسالة، فقال: الآن؟! حين عضت ابن أبي طالب الحرب يرفق لنا! ثم جئت إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة، ثم جئت إلى عائشة فوجدتها أسرع الناس إلى الشر، فقالت: نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان، والله لأفعلن وأفعلن! فعدت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلقيته قبل أن يدخل البصرة، فقال: ما وراءك يا صعصعة؟ قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت قوما ما يريدون إلا قتالك! فقال: الله المستعان. ثم دعا عبد الله بن عباس فقال: انطلق إليهم فناشدهم وذكرهم العهد الذي لي في رقابهم (2).
(1) الأخبار الطوال: 147. (2) الجمل: 313. 203 2195 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى طلحة والزبير -: أما بعد، فقد علمتما وإن كتمتما، أني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى بايعوني. وإنكما ممن أرادني وبايعني، وإن العامة لم تبايعني لسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، فإن كنتما بايعتماني طائعين، فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن كنتما بايعتماني كارهين، فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة، وإسراركما المعصية. ولعمري، ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية والكتمان، وإن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه، كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به. وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة، ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما، فإن الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يتجمع العار والنار، والسلام (1). 2196 - عنه (عليه السلام) - في كتابه إلى عائشة قبل الحرب -: أما بعد، فإنك خرجت غاضبة لله ولرسوله، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس؟ تطالبين بدم عثمان، ولعمري لمن عرضك للبلاء، وحملك على المعصية، أعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان! وما غضبت حتى أغضبت، وما هجت حتى هيجت، فاتقي الله وارجعي إلى بيتك (2).
(1) نهج البلاغة: الكتاب 54، كشف الغمة: 1 / 239؛ الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465 كلها نحوه. (2) الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465، المناقب للخوارزمي: 184 / 223؛ كشف الغمة: 1 / 239، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 152 كلها نحوه. 204 8 / 2 إشخاص ابن عباس إلى الزبير 2197 - البيان والتبيين عن عبد الله بن مصعب: أرسل علي بن أبي طالب (رحمه الله) عبد الله بن عباس لما قدم البصرة فقال له: ايت الزبير ولا تأت طلحة فإن الزبير ألين، وإنك تجد طلحة كالثور عاقصا (1) قرنه، يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل، فأقرئه السلام، وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا لك؟ قال: فأتيت الزبير، فقال: مرحبا يا بن لبابة، أزائرا جئت أم سفيرا؟ قلت: كل ذلك. وأبلغته ما قال علي. فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأم مبرورة، ومشاورة العشيرة، ونشر المصاحف، فنحل ما أحلت، ونحرم ما حرمت (2). 8 / 3 الاحتجاجات على عائشة 2198 - الفتوح: فلما كان من الغد دعا علي (رضي الله عنه) زيد (3) بن صوحان وعبد الله بن
(1) العقص: الألوى الصعب الأخلاق، تشبيها بالقرن الملتوي (النهاية: 3 / 276). (2) البيان والتبيين: 3 / 221، عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 195، العقد الفريد: 3 / 314 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 31. قال السيد الشريف: وهو (عليه السلام) أول من سمعت منه هذه الكلمة: أعني " فما عدا مما بدا " (نهج البلاغة: ذيل الخطبة 31). (3) في المصدر: " يزيد "، والصحيح ما أثبتناه. 205 عباس، فقال لهما: امضيا إلى عائشة فقولا لها: ألم يأمرك الله تبارك وتعالى أن تقري في بيتك؟ فخدعت وانخدعت، واستنفرت فنفرت، فاتقي الله الذي إليه مرجعك ومعادك، وتوبي إليه فإنه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنك قرابة طلحة وحب عبد الله بن الزبير على الأعمال التي تسعى بك إلى النار. قال: فانطلقا إليها وبلغاها رسالة علي (رضي الله عنه)، فقالت عائشة: ما أنا برادة عليكم شيئا فإني أعلم أني لا طاقة لي بحجج علي بن أبي طالب؛ فرجعا إليه وأخبراه بالخبر (1). 2199 - تاريخ الطبري عن القاسم بن محمد: أقبل جارية بن قدامة السعدي، فقال: يا أم المؤمنين! والله، لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس (2). 2200 - المحاسن والمساوئ عن الحسن البصري: إن الأحنف بن قيس قال لعائشة يوم الجمل: يا أم المؤمنين هل عهد عليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا المسير؟ قالت: اللهم لا. قال: فهل وجدته في شيء من كتاب الله جل ذكره؟ قالت: ما نقرأ إلا ما تقرؤون. قال: فهل رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) استعان بشيء من نسائه إذا كان في
(1) الفتوح: 2 / 467. (2) تاريخ الطبري: 4 / 465، الكامل في التاريخ: 2 / 318، الإمامة والسياسة: 1 / 88، البداية والنهاية: 7 / 233 وفيه " حارثة " بدل " جارية " وكلاهما نحوه. 206 قلة والمشركون في كثرة؟ قالت: اللهم لا. قال الأحنف: فإذا ما هو ذنبنا؟! (1) 2201 - فتح الباري عن الحسن: إن عائشة أرسلت إلى أبي بكرة فقال: إنك لأم، وإن حقك لعظيم، ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لن يفلح قوم تملكهم امرأة (2). 2202 - مروج الذهب: قام عمار بن ياسر بين الصفين فقال: أيها الناس! ما أنصفتم نبيكم حين كففتم عقائلكم في الخدور وأبرزتم عقيلته للسيوف، وعائشة على جمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر، وجعلوا دونه اللبود، وقد غشي على ذلك بالدروع، فدنا عمار من موضعها، فنادى: إلى ماذا تدعين؟ قالت: إلى الطلب بدم عثمان، فقال: قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق، ثم قال: أيها الناس! إنكم لتعلمون أينا الممالئ في قتل عثمان (3). 2203 - مجمع الزوائد عن سعيد بن كوز: كنت مع مولاي يوم الجمل، فأقبل فارس فقال: يا أم المؤمنين، فقالت عائشة: سلوه من هو؟ قيل: من أنت؟ قال: أنا عمار بن ياسر، قالت: قولوا له: ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتك، أتعلمين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل عليا وصيا على أهله، وفي أهله؟ قالت: اللهم نعم. قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين. قال: فتكلم. ثم جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم. ثم قال: تقول عائشة:
(1) المحاسن والمساوئ: 49. (2) فتح الباري: 13 / 56. (3) مروج الذهب: 2 / 370. 207 ابن أبي طالب ورب الكعبة، سلوه من هو؟ ما يريد؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قالت: سلوه ما يريد؟ قالوا: ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتك، أتعلمين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعلني وصيا على أهله، وفي أهله؟ قالت: اللهم نعم. قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان! قال: أريني قتلة عثمان!! ثم انصرف والتحم القتال (1). 2204 - المحاسن والمساوئ عن سالم بن أبي الجعد: فلما كان حرب الجمل أقبلت [عائشة] في هودج من حديد وهي تنظر من منظر قد صير لها في هودجها، فقالت لرجل من ضبة وهو آخذ بخطام جملها أو بعيرها: أين ترى علي بن أبي طالب؟ قال: ها هو ذا واقف رافع يده إلى السماء، فنظرت فقالت: ما أشبهه بأخيه! قال الضبي: ومن أخوه؟ قالت: رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: فلا أراني أقاتل رجلا هو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله). فنبذ خطام راحلتها من يده
(1) مجمع الزوائد: 7 / 479 / 12038 وراجع الإيضاح: 77 وسعد السعود: 237. 208 ومال إليه (1). 8 / 4 خطبة الامام لما رجعت رسله 2205 - الأمالي للطوسي عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي: لما رجعت رسل أمير المؤمنين (عليه السلام) من عند طلحة والزبير وعائشة، يؤذنونه بالحرب، قام فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد وآله، ثم قال: يا أيها الناس! إني قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا، وقد وبختهم بنكثهم وعرفتهم بغيهم، فليسوا يستجيبون، ألا وقد بعثوا إلي أن أبرز للطعان، أصبر للجلاد، فإنما منتك نفسك من أبنائنا الأباطيل، هبلتهم الهبول (2)، قد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب، وأنا على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر، وإني لعلى يقين من ربي، وفي غير شبهة من أمري. أيها الناس! إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، من لم يمت يقتل، إن أفضل الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش! يا عجبا لطلحة! ألب على ابن عفان حتى إذا قتل أعطاني صفقة يمينه طائعا، ثم نكث بيعتي، وطفق ينعى ابن عفان ظالما، وجاء يطلبني يزعم بدمه، والله، ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفان ظالما، كما كان يزعم حين حصره وألب عليه، إنه لينبغي أن يؤازر قاتليه وأن ينابذ ناصريه، وإن كان
(1) المحاسن والمساوئ: 49. (2) هبلتهم الهبول: أي ثكلتهم الثكول؛ وهي من النساء التي لا يبقى لها ولد (النهاية: 5 / 240). 209 في تلك الحال مظلوما، إنه لينبغي أن يكون معه، وإن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانبا، فما فعل من هذه الخصال واحدة، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته، اللهم فخذه ولا تمهله. ألا وإن الزبير قطع رحمي وقرابتي، ونكث بيعتي، ونصب لي الحرب، وهو يعلم أنه ظالم لي، اللهم فاكفنيه بما شئت (1). 8 / 5 تحذير شباب قريش من الحرب 2206 - الجمل عن صفوان: لما تصاف الناس يوم الجمل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: يا معاشر شباب قريش! أراكم قد لججتم وغلبتم على أمركم هذا، وإني أنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا أنفسكم، اتقوا الأشتر النخعي وجندب بن زهير العامري، فإن الأشتر نشر درعه حتى يعفو أثره، وإن جندبا يخرم درعه حتى يشمر عنه، وفي رايته علامة حمراء، فلما التقى الناس أقبل الأشتر وجندب قبال الجمل يرفلان في السلاح حتى قتلا عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن أمية، وعمد جندب لابن الزبير فلما عرفه قال: أتركك لعائشة... وروى محمد بن موسى عن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: سمعت معاذ بن عبيد الله التميمي، وكان قد حضر الجمل يقول: لما التقينا واصطففنا نادى منادي علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا معاشر قريش! اتقوا الله على أنفسكم، فإني أعلم أنكم
(1) الأمالي للطوسي: 169 / 284 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 174. 210 قد خرجتم وظننتم أن الأمر لا يبلغ إلى هذا، فالله الله في أنفسكم! فإن السيف ليس له بقيا، فإن أحببتم فانصرفوا حتى نحاكم هؤلاء القوم، وإن أحببتم فإلي فإنكم آمنون بأمان الله. فاستحيينا أشد الحياء وأبصرنا ما نحن فيه، ولكن الحفاظ (1) حملنا على الصبر مع عائشة حتى قتل من قتل منا، فوالله، لقد رأيت أصحاب علي (عليه السلام) وقد وصلوا إلى الجمل وصاح منهم صائح: اعقروه، فعقروه فوقع، فنادى علي (عليه السلام): " من طرح السلاح فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن ". فوالله ما رأيت أكرم عفوا منه. وروى سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي قال: قال ابن الزبير: إني لواقف في يمين رجل من قريش إذ صاح صائح: يا معشر قريش! أحذركم الرجلين: جندبا العامري والأشتر النخعي. وسمعت عمارا يقول لأصحابنا: ما تريدون وما تطلبون؟ فناديناه: نطلب بدم عثمان، فإن خليتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم. فقال عمار: لو سألتمونا أن ترجعوا عنا بئس الفحل، فإنه ألأم الغنم فحلا وشرها لجما ما أعطيناكموه. ثم التحم القتال وناديناهم: مكنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم. فنادانا عمار: قد فعلنا، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشا، فابدؤوا بهم، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحق. فأسكت والله أصحاب الجمل كلهم (2).
(1) الحفاظ: الذب عن المحارم والمنع لها عند الحروب، والاسم الحفيظة. والحفاظ: المحافظة على العهد. (لسان العرب: 7 / 442). (2) الجمل: 364 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 183 وأنساب الأشراف: 3 / 57 والأخبار الطوال: 151. 211 8 / 6 اعتزال شابين من الحرب 2207 - تاريخ الطبري عن القاسم بن محمد: خرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير، فقال: أما أنت يا زبير فحواري رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدك، وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا، قال: فما أنا منكما في شيء، واعتزل. وقال السعدي في ذلك: صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الإنصاف أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالإيجاف (1) غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة - وكان محمد رجلا عابدا - فقال: أخبرني عن قتلة عثمان! فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة - وثلث على صاحب الجمل الأحمر - يعني طلحة - وثلث على علي ابن أبي طالب. وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال؟! ولحق بعلي، وقال في ذلك شعرا: سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر فقال: ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
(1) الإيجاف: سرعة السير، وقد أوجف دابته يوجفها إيجافا، إذا حثها (النهاية: 5 / 157). 212 فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر فقلت: صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر (1) 8 / 7 الإقدام الشجاع لإنقاذ العدو 2208 - مروج الذهب: خرج علي بنفسه حاسرا على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا سلاح عليه، فنادى: يا زبير، اخرج إلي، فخرج إليه الزبير شاكا في سلاحه، فقيل ذلك لعائشة، فقالت: واثكلك يا أسماء، فقيل لها: إن عليا حاسر، فاطمأنت. واعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال له علي: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان، قال: قتل الله أولانا بدم عثمان، أما تذكر يوم لقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بني بياضة وهو راكب حماره، فضحك إلي رسول الله، وضحكت إليه، وأنت معه، فقلت أنت: يا رسول الله، ما يدع علي زهوه. فقال لك: ليس به زهو، أتحبه يا زبير؟ فقلت: إني والله لأحبه. فقال لك: إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم. فقال الزبير: أستغفر الله، والله لو ذكرتها ما خرجت.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 465، الكامل في التاريخ: 2 / 318 وفيه إلى " والكافي " وراجع تاريخ المدينة: 4 / 1173 والإمامة والسياسة: 1 / 84. 213 فقال له (عليه السلام): يا زبير، ارجع، فقال: وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان (1)؟ هذا والله العار الذي لا يغسل. فقال (عليه السلام): يا زبير، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار. فرجع الزبير وهو يقول: اخترت عارا على نار مؤججة * ما إن يقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت: حسبك من عدل أبا حسن فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني. فقال ابنه عبد الله: أين تذهب وتدعنا؟ فقال: يا بني، أذكرني أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته، فقال: لا والله، ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب؛ فإنها طوال حداد، تحملها فتية أنجاد، قال: لا والله، ولكني ذكرت ما أنسانيه الدهر، فاخترت العار على النار، أبالجبن تعيرني لا أبا لك؟ ثم أمال سنانه وشد في الميمنة. فقال علي: أفرجوا له فقد هاجوه. ثم رجع فشد في الميسرة، ثم رجع فشد في القلب، ثم عاد إلى ابنه، فقال: أيفعل هذا جبان؟ ثم مضى منصرفا (2). 2209 - تاريخ الطبري عن الزهري: خرج علي على فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال علي للزبير:
(1) البطان: الحزام الذي يلي البطن. وأيضا: حزام الرحل والقتب (لسان العرب: 13 / 56). (2) مروج الذهب: 2 / 371 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 51 والفتوح: 2 / 469 والإمامة والسياسة: 1 / 92 والمناقب للخوارزمي: 179 / 216 وتاريخ اليعقوبي: 2 / 182. 214 ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا، ولا أولى به منا. فقال علي: لست له أهلا بعد عثمان! قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك. وعظم عليه أشياء، فذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر عليهما فقال لعلي (عليه السلام): ما يقول ابن عمتك؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم. فانصرف عنه الزبير، وقال: فإني لا أقاتلك. فرجع إلى ابنه عبد الله فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة، فقال له ابنه: إنك قد خرجت على بصيرة، ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت أن تحتها الموت، فجبنت. فأحفظه (1) حتى أرعد وغضب، وقال: ويحك! إني قد حلفت له ألا أقاتله، فقال له ابنه: كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه، وقام في الصف معهم. وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟! سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره (2). 2210 - تاريخ الطبري عن قتادة: سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليا، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس، فلما تراءى
(1) أحفظه: أغضبه، من الحفيظة: الغضب (النهاية: 1 / 408). (2) تاريخ الطبري: 4 / 508، الكامل في التاريخ: 2 / 335 نحوه وراجع أسد الغابة: 2 / 310 / 1732 ومسند أبي يعلى: 1 / 320 / 662 والبداية والنهاية: 7 / 241 والأمالي للطوسي: 137 / 223 والصراط المستقيم: 3 / 120. 215 الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير، قال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكره، وخرج طلحة، فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال علي: لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا، إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ألم أكن أخاكما في دينكما؟ تحرمان دمي وأحرم دماءكما! فهل من حدث أحل لكما دمي؟ قال طلحة: ألبت الناس على عثمان، قال علي: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) (1) يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان (2). 2211 - شرح نهج البلاغة: برز علي (عليه السلام) يوم الجمل، ونادى بالزبير: يا أبا عبد الله، مرارا، فخرج الزبير، فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما. فقال له علي (عليه السلام): إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي ولك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي، فقال لك: أتحبه؟ قلت: وما لي لا أحبه وهو أخي وابن خالي؟! فقال: أما إنك ستحاربه وأنت ظالم له. فاسترجع الزبير، وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر، ورجع إلى صفوفه، فقال له عبد الله ابنه: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به! فقال: أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر، فلا أحاربه أبدا، وإني لراجع
(1) النور: 25. (2) تاريخ الطبري: 3 / 501، الكامل في التاريخ: 2 / 334 وفيه من " فلما تراءى الجمعان " وراجع البداية والنهاية: 7 / 241. 216 وتارككم منذ اليوم. فقال له عبد الله: ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف حداد، تحملها فتية أنجاد. فقال الزبير: ويلك! أتهيجني على حربه! أما إني قد حلفت ألا أحاربه. قال: كفر عن يمينك، لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جبانا. فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني، ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علي (عليه السلام) برمح لا سنان له. فقال علي (عليه السلام): أفرجوا له، فإنه محرج. ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانية، ثم ثالثة، ثم قال لابنه: أجبنا ويلك ترى؟! فقال: لقد أعذرت (1). 2212 - تاريخ اليعقوبي: قال علي بن أبي طالب للزبير: يا أبا عبد الله، ادن إلي أذكرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله! فقال الزبير لعلي: لي الأمان؟ قال علي: عليك الأمان، فبرز إليه فذكره الكلام. فقال: اللهم إني ما ذكرت هذا إلا هذه الساعة، وثنى عنان فرسه لينصرف، فقال له عبد الله: إلى أين؟ قال: ذكرني علي كلاما قاله رسول الله. قال: كلا، ولكنك رأيت سيوف بني هاشم حدادا تحملها شداد. قال: ويلك! ومثلي يعير
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 233 وراجع الأخبار الطوال: 147 والفصول المختارة: 142 والأمالي للطوسي: 137 / 223 وبشارة المصطفى: 247. 217 بالجبن؟ هلم إلي الرمح. وأخذ الرمح وحمل على أصحاب علي. فقال علي: أفرجوا للشيخ، إنه محرج. فشق الميمنة والميسرة والقلب ثم رجع فقال لابنه: لا أم لك! أيفعل هذا جبان؟ وانصرف (1). 8 / 8 عاقبة الزبير 2213 - الجمل عن مروان بن الحكم: هرب الزبير فارا إلى المدينة حتى أتى وادي السباع، فرفع الأحنف صوته وقال: ما أصنع بالزبير! قد لف بين غارين (2) من الناس حتى قتل بعضهم بعضا، ثم هو يريد اللحاق بأهله. فسمع ذلك ابن جرموز، فخرج في طلبه واتبعه رجل من مجاشع حتى لحقاه، فلما رآهما الزبير حذرهما. فقالا: يا حواري رسول الله، أنت في ذمتنا لا يصل إليك أحد، وسايره ابن جرموز، فبينا هو يسايره ويستأخر، والزبير يفارقه، قال: يا أبا عبد الله، انزع درعك فاجعلها على فرسك فإنها تثقلك وتعييك، فنزعها الزبير وجعل عمرو بن جرموز ينكص ويتأخر، والزبير يناديه أن يلحقه وهو يجري بفرسه، ثم ينحاز عنه حتى اطمأن إليه ولم ينكر تأخره عنه، فحمل عليه وطعنه بين كتفيه فأخرج السنان من ثدييه، ونزل فاحتز رأسه وجاء به إلى الأحنف، فأنفذه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام). فلما رأى رأس الزبير وسيفه قال: ناولني السيف، فناوله، فهزه وقال:
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 182. (2) الغار: الجمع الكثير من الناس، والقبيلة العظيمة (المحيط في اللغة: 5 / 124). 218 سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكن الحين ومصارع السوء! ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك برسول الله (صلى الله عليه وآله) صحبة ومنه قرابة، ولكن الشيطان دخل منخريك، فأوردك هذا المورد! (1) 8 / 9 مناقشات الإمام وطلحة 2214 - مروج الذهب: ثم نادى علي (رضي الله عنه) طلحة حين رجع الزبير: يا أبا محمد، ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " اللهم! وال من والاه، وعاد من عاداه "؟ وأنت أول من بايعني ثم نكثت، وقد قال الله عز وجل: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (2) (3). 2215 - الإمامة والسياسة - في ذكر مخاطبة الإمام (عليه السلام) لطلحة -: قال طلحة: اعتزل هذا الأمر، ونجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن رضوا غيرك كنت رجلا من المسلمين.
(1) الجمل: 390 وص 387 عن محمد بن إبراهيم؛ الطبقات الكبرى: 3 / 111 عن خالد بن سمير وكلاهما نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 498 وص 534 وأنساب الأشراف: 3 / 49 - 54 ومروج الذهب: 2 / 372 والكامل في التاريخ: 2 / 338. (2) الفتح: 10. (3) مروج الذهب: 2 / 373 وراجع المستدرك على الصحيحين: 3 / 419 / 5594 والمناقب للخوارزمي: 182 / 221. 219 قال علي: أولم تبايعني يا أبا محمد طائعا غير مكره؟ فما كنت لأترك بيعتي. قال طلحة: بايعتك والسيف في عنقي. قال: ألم تعلم أني ما أكرهت أحدا على البيعة؟ ولو كنت مكرها أحدا لأكرهت سعدا، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، أبوا البيعة واعتزلوا، فتركتهم. قال طلحة: كنا في الشورى ستة، فمات اثنان وقد كرهناك، ونحن ثلاثة. قال علي: إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضى وقبل البيعة، وأما الآن فليس لكما غير ما رضيتما به، إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث، فإن كنت أحدثت حدثا فسموه لي. وأخرجتم أمكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث منكم، أرضى هذا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تهتكوا سترا ضربه عليها، وتخرجوها منه؟! فقال طلحة: إنما جاءت للإصلاح. قال علي (عليه السلام): هي لعمر الله إلى من يصلح لها أمرها أحوج. أيها الشيخ اقبل النصح وارض بالتوبة مع العار، قبل أن يكون العار والنار (1). 8 / 10 فشل آخر الجهود 2216 - الجمل: قال ابن عباس: قلت [لأمير المؤمنين (عليه السلام)]: ما تنتظر؟ والله، ما يعطيك القوم إلا السيف، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك. فقال: نستظهر بالله عليهم. قال ابن عباس: فوالله، ما رمت من مكاني حتى طلع علي نشابهم كأنه جراد منتشر، فقلت: أما ترى يا أمير المؤمنين إلى ما يصنع القوم؟ مرنا ندفعهم.
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 95. 220 فقال: حتى أعذر إليهم ثانية. ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة؟ فلم يقم أحد إلا غلام عليه قباء أبيض، حدث السن من عبد القيس يقال له مسلم كأني أراه، فقال: أنا أعرضه عليهم يا أمير المؤمنين، وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى. فأعرض عنه إشفاقا عليه ونادى ثانية: من يأخذ هذا المصحف ويعرضه على القوم وليعلم أنه مقتول وله الجنة؟ فقام مسلم بعينه وقال: أنا أعرضه. فأعرض، ونادى ثالثة فلم يقم غير الفتى، فدفع إليه المصحف. وقال: امض إليهم وأعرضه عليهم وادعهم إلى ما فيه. فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف، وقال: هذا كتاب الله عز وجل، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يدعوكم إلى ما فيه. فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبحه الله! فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب، وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أعانوها على حمله حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمه تبكي وتندبه وتقول: يا رب إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم فخضبوا من دمه قناهم * وأمهم قائمة تراهم تأمرهم بالقتل لا تنهاهم (1)
(1) الجمل: 339، إرشاد القلوب: 341؛ تاريخ الطبري: 4 / 511 عن عمار بن معاوية الدهني نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 509 والكامل في التاريخ: 2 / 350 ومروج الذهب: 2 / 370. 221 2217 - المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي: لما تقابل العسكران: عسكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعسكر أصحاب الجمل، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، إنه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم؟ فقال علي: اللهم إني أشهدك أني قد أعذرت وأنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين. ثم دعا علي بالدرع، فأفرغها عليه، وتقلد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم دعا بالمصحف فأخذه بيده، وقال: يا أيها الناس، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه؟ فوثب غلام من مجاشع يقال له: مسلم، عليه قباء أبيض، فقال له: أنا آخذه يا أمير المؤمنين، فقال له علي: يا فتى إن يدك اليمنى تقطع، فتأخذه باليسرى فتقطع، ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل. فقال الفتى: لا صبر لي على ذلك يا أمير المؤمنين. فنادى علي ثانية والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتى وقال: أنا آخذه يا أمير المؤمنين. فأعاد عليه علي مقالته الأولى، فقال الفتى: لا عليك يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات الله، ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء، هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل - رحمة الله عليه - (1).
(1) المناقب للخوارزمي: 186 / 223، الفتوح: 2 / 472 وفيه من " ثم دعا علي بالدرع... "، شرح نهج البلاغة: 9 / 111 عن أبي مخنف وكلاهما نحوه. 222 الفصل التاسع القتال 9 / 1 أول قتال على تأويل القرآن 2218 - الأمالي للطوسي عن بكير بن عبد الله الطويل وعمار بن أبي معاوية عن أبي عثمان البجلي مؤذن بني أفصى: سمعت عليا (عليه السلام) يقول يوم الجمل: (وإن نكثوا أيمنهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم لعلهم ينتهون) (1)، ثم حلف - حين قرأها - أنه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم. قال بكير: فسألت عنها أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: صدق الشيخ، هكذا قال علي (عليه السلام)، وهكذا كان (2). 2219 - الأمالي للمفيد عن أبي عثمان مؤذن بني أفصى: سمعت علي بن
(1) التوبة: 12. (2) الأمالي للطوسي: 131 / 207، بشارة المصطفى: 267 وراجع تفسير العياشي: 2 / 78 / 23. 223 أبي طالب (عليه السلام) حين خرج طلحة والزبير لقتاله يقول: عذيري من طلحة والزبير؛ بايعاني طائعين غير مكرهين، ثم نكثا بيعتي من غير حدث، ثم تلا هذه الآية: (وإن نكثوا أيمنهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم لعلهم ينتهون) (1). 2220 - قرب الإسناد عن حنان بن سدير: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير، فقلت لهم: كانا من أئمة الكفر؛ إن عليا (عليه السلام) يوم البصرة لما صف الخيول، قال لأصحابه: لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عز وجل وبينهم. فقام إليهم فقال: يا أهل البصرة! هل تجدون علي جورا في حكم؟ قالوا: لا. قال: فحيفا في قسم؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم، فنقمتم علي فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا. قال: فأقمت فيكم الحدود وعطلتها عن غيركم؟ قالوا: لا. قال: فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟! إني ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلا الكفر أو السيف. ثم ثنى إلى صاحبه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وإن نكثوا أيمنهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمن لهم لعلهم ينتهون). فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة واصطفى محمدا بالنبوة إنهم لأصحاب هذه الآية، وما قوتلوا منذ نزلت (2).
(1) الأمالي للمفيد: 73 / 7، تفسير العياشي: 2 / 79 / 28 عن أبي عثمان مولى بني قصي وراجع ص 78 / 25. (2) قرب الإسناد: 96 / 327، تفسير العياشي: 2 / 77 / 23. 224 9 / 2 دعاء الإمام قبل القتال 2221 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما توافق الناس يوم الجمل، خرج علي صلوات الله عليه حتى وقف بين الصفين، ثم رفع يده نحو السماء، ثم قال: يا خير من أفضت إليه القلوب، ودعي بالألسن، يا حسن البلايا، يا جزيل العطاء، احكم بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الحاكمين (1). 2222 - الجمل: لما رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قدم عليه القوم من العناد واستحلوه من سفك الدم الحرام، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إليك شخصت الأبصار، وبسطت الأيدي، وأفضت القلوب، وتقربت إليك بالأعمال، (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفتحين) (2) (3). 2223 - الإمام علي (عليه السلام) - في دعائه يوم الجمل -: اللهم إني أحمدك - وأنت للحمد أهل - على حسن صنعك إلي، وتعطفك علي، وعلى ما وصلتني به من نورك، وتداركتني به من رحمتك، وأسبغت علي من نعمتك، فقد اصطنعت عندي - يا مولاي - ما يحق لك به جهدي وشكري؛ لحسن عفوك، وبلائك القديم عندي، وتظاهر نعمائك علي، وتتابع أياديك لدي، لم أبلغ إحراز حظي، ولا صلاح نفسي، ولكنك يا مولاي بدأتني أولا بإحسانك فهديتني لدينك، وعرفتني نفسك، وثبتني في أموري كلها بالكفاية والصنع لي، فصرفت عني جهد البلاء، ومنعت مني محذور الأشياء، فلست أذكر منك إلا جميلا، ولم أر منك إلا
(1) شرح الأخبار: 1 / 387 / 328. (2) الأعراف: 89. (3) الجمل: 341. 225 تفضيلا. يا إلهي كم من بلاء وجهد صرفته عني، واريتنيه في غيري، فكم من نعمة أقررت بها عيني، وكم من صنيعة شريفة لك عندي. إلهي أنت الذي تجيب عند الاضطرار دعوتي، وأنت الذي تنفس عند الغموم كربتي، وأنت الذي تأخذ لي من الأعداء بظلامتي، فما وجدتك ولا أجدك بعيدا مني حين أريدك، ولا منقبضا عني حين أسألك، ولا معرضا عني حين أدعوك، فأنت إلهي، أجد صنيعك عندي محمودا، وحسن بلائك عندي موجودا، وجميع أفعالك عندي جميلا، يحمدك لساني وعقلي وجوارحي وجميع ما أقلت الأرض مني. يا مولاي أسألك بنورك الذي اشتققته من عظمتك، وعظمتك التي اشتققتها من مشيتك، وأسألك باسمك الذي علا أن تمن علي بواجب شكري نعمتك. رب ما أحرصني على ما زهدتني فيه وحثثتني عليه! إن لم تعني على دنياي بزهد، وعلى آخرتي بتقواي، هلكت. ربي، دعتني دواعي الدنيا؛ من حرث النساء والبنين، فأجبتها سريعا، وركنت إليها طائعا. ودعتني دواعي الآخرة من الزهد والاجتهاد فكبوت لها، ولم أسارع إليها مسارعتي إلى الحطام الهامد، والهشيم البائد، والسراب الذاهب عن قليل. رب خوفتني وشوقتني واحتجبت (1) علي فما خفتك حق خوفك، وأخاف أن أكون قد تثبطت عن السعي لك، وتهاونت بشيء من احتجابك. اللهم فاجعل في
(1) كذا، وفي بحار الأنوار نقلا عن المصدر: " احتججت " وهو أنسب. 226 هذه الدنيا سعيي لك وفي طاعتك، واملأ قلبي خوفك، وحول تثبيطي وتهاوني وتفريطي وكل ما أخافه من نفسي فرقا (1) منك، وصبرا على طاعتك، وعملا به، يا ذا الجلال والاكرام. واجعل جنتي من الخطايا حصينة، وحسناتي مضاعفة؛ فإنك تضاعف لمن تشاء. اللهم اجعل درجاتي في الجنان رفيعة، وأعوذ بك ربي من رفيع المطعم والمشرب، وأعوذ بك من شر ما أعلم ومن شر ما لا أعلم، وأعوذ بك من الفواحش كلها؛ ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بك ربي أن أشتري الجهل بالعلم كما اشترى غيري، أو السفه بالحلم، أو الجزع بالصبر، أو الضلالة بالهدى، أو الكفر بالإيمان. يا رب من علي بذلك؛ فإنك تتولى الصالحين، ولا تضيع أجر المحسنين، والحمد لله رب العالمين (2). 9 / 3 تحريض الإمام أصحابه على القتال 2224 - الجمل: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنظرهم [أصحاب الجمل] ثلاثة أيام؛ ليكفوا ويرعوا، فلما علم إصرارهم على الخلاف قام في أصحابه فقال: عباد الله! انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم، فإنهم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، ونكلوا بعاملي، وأخرجوه من البصرة بعد أن آلموه بالضرب المبرح، والعقوبة الشديدة، وهو شيخ من وجوه الأنصار والفضلاء، ولم يرعوا له
(1) الفرق: الخوف والفزع (النهاية: 3 / 438). (2) مهج الدعوات: 125، بحار الأنوار: 94 / 234 / 9. 227 حرمة، وقتلوا السبابجة رجالا صالحين، وقتلوا حكيم بن جبلة ظلما وعدوانا؛ لغضبه لله، ثم تتبعوا شيعتي بعد أن هربوا منهم وأخذوهم في كل غائطة (1)، وتحت كل رابية، يضربون أعناقهم صبرا، ما لهم (قتلهم الله أنى يؤفكون) (2)!! فانهدوا إليهم عباد الله، وكونوا أسودا عليهم؛ فإنهم شرار، ومساعدوهم على الباطل شرار، فالقوهم صابرين محتسبين موطنين أنفسكم، إنكم منازلون ومقاتلون، قد وطنتم أنفسكم على الضرب والطعن ومنازلة الأقران. فأي امرئ أحس من نفسه رباطة جأش عند الفزع وشجاعة عند اللقاء ورأى من أخيه فشلا ووهنا، فليذب عنه كما يذب عن نفسه؛ فلو شاء الله لجعله مثله (3). 2225 - الإمام علي (عليه السلام) - من خطبته يوم الجمل -: أيها الناس! إني أتيت هؤلاء القوم، ودعوتهم، واحتججت عليهم، فدعوني إلى أن أصبر للجلاد، وأبرز للطعان، فلامهم الهبل! وقد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب، أنصف القارة من راماها (4)، فلغيري فليبرقوا وليرعدوا؛ فأنا أبو الحسن الذي فللت (5) حدهم، وفرقت جماعتهم، وبذلك القلب ألقى عدوي، وأنا على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر، وإني لعلى يقين من ربي، وغير شبهة من أمري. أيها الناس! إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، ومن لم يمت يقتل، وإن أفضل الموت القتل. والذي نفسي بيده، لألف
(1) الغائط: المتسع من الأرض مع طمأنينة (لسان العرب: 7 / 364). (2) التوبة: 30. (3) الجمل: 334، الإرشاد: 1 / 252 نحوه، بحار الأنوار: 32 / 171 / 131. (4) القارة: قبيلة من بني الهون بن خزيمة، سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم، ويوصفون بالرمي، وفي المثل: أنصف القارة من راماها (النهاية: 4 / 120). (5) فله فانفل أي كسره فانكسر (لسان العرب: 11 / 531). 228 ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراش. واعجبا لطلحة! ألب (1) الناس على ابن عفان، حتى إذا قتل أعطاني صفقته بيمينه طائعا، ثم نكث بيعتي، اللهم خذه ولا تمهله. وإن الزبير نكث بيعتي، وقطع رحمي، وظاهر علي عدوي، فاكفنيه اليوم بما شئت (2). 9 / 4 السكينة العلوية في الحرب 2226 - الجمل عن محمد ابن الحنفية: لما نزلنا البصرة - وعسكرنا بها - وصففنا صفوفنا، دفع أبي علي (عليه السلام) إلي اللواء، وقال: لا تحدثن شيئا حتى يحدث فيكم. ثم نام، فنالنا نبل القوم، فأفزعته، ففزع وهو يمسح عينيه من النوم، وأصحاب الجمل يصيحون: يا ثارات عثمان! فبرز (عليه السلام) وليس عليه إلا قميص واحد، ثم قال: تقدم باللواء! فتقدمت وقلت: يا أبت أفي مثل هذا اليوم بقميص واحد؟! فقال (عليه السلام): أحرز أمرا أجله (3)، والله قاتلت مع النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا حاسر (4) أكثر مما قاتلت وأنا دارع (5). 2227 - مروج الذهب: قد كان أصحاب الجمل حملوا على ميمنة علي وميسرته،
(1) من التأليب: التحريض (لسان العرب: 1 / 216). (2) الكافي: 5 / 53 / 4 عن ابن محبوب رفعه، الأمالي للطوسي: 169 / 284 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي نحوه وراجع نهج البلاغة: الخطبة 174. (3) أحرز أمرا أجله: يقال: هذا أصدق مثل ضربته العرب (مجمع الأمثال: 1 / 382 / 1155). (4) الحاسر: خلاف الدارع، وهو من لا مغفر له ولا درع ولا بيضة على رأسه (تاج العروس: 6 / 274). (5) الجمل: 355. 229 فكشفوها، فأتاه بعض ولد عقيل وعلي يخفق نعاسا على قربوس سرجه، فقال له: يا عم، قد بلغت ميمنتك وميسرتك حيث ترى، وأنت تخفق نعاسا؟! قال: اسكت يا بن أخي، فإن لعمك يوما لا يعدوه، والله ما يبالي عمك وقع على الموت أو وقع الموت عليه! (1) 2228 - دعائم الإسلام: روينا عن علي (عليه السلام) أنه أعطى الراية يوم الجمل لمحمد ابن الحنفية، فقدمه بين يديه، وجعل الحسن في الميمنة، وجعل الحسين في الميسرة، ووقف خلف الراية على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال ابن الحنفية: فدنا منا القوم، ورشقونا بالنبل وقتلوا رجلا، فالتفت إلى أمير المؤمنين فرأيته نائما قد استثقل نوما، فقلت: يا أمير المؤمنين، على مثل هذه الحال تنام! قد نضحونا بالنبل وقتلوا منا رجلا وقد هلك الناس!! فقال: لا أراك إلا تحن حنين العذراء، الراية راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذها وهزها، وكانت الريح في وجوهنا، فانقلبت عليهم، فحسر عن ذراعيه وشد عليهم، فضرب بسيفه حتى صبغ كم قبائه وانحنى سيفه (2). 2229 - الإمامة والسياسة - في ذكر علي (عليه السلام) يوم الجمل -: فشق علي في عسكر القوم يطعن ويقتل، ثم خرج وهو يقول: الماء، الماء. فأتاه رجل بإداوة (3) فيها عسل، فقال له: يا أمير المؤمنين، أما الماء فإنه لا يصلح لك في هذا المقام، ولكن أذوقك هذا العسل. فقال: هات، فحسا منه حسوة، ثم قال: إن عسلك لطائفي! قال الرجل: لعجبا منك - والله يا أمير المؤمنين - لمعرفتك الطائفي من غيره في
(1) مروج الذهب: 2 / 375. (2) دعائم الإسلام: 1 / 393. (3) الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها (النهاية: 1 / 33). 230 هذا اليوم، وقد بلغت القلوب الحناجر!! فقال له علي: إنه والله يا بن أخي ما ملأ صدر عمك شيء قط، ولا هابه شيء (1). راجع: وقعة صفين / اشتداد القتال / طمأنينة الإمام في ساحة القتال. 9 / 5 لبس الدرع البتراء 2230 - الجمل عن محمد ابن الحنفية: دعا [علي (عليه السلام)] بدرعه البتراء ولم يلبسها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلا يومئذ، فكان بين كتفيه منها وهن. فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي يده شسع نعل، فقال له ابن عباس: ما تريد بهذا الشسع يا أمير المؤمنين؟ فقال: أربط بها ما قد تهي (2) من هذا الدرع من خلفي. فقال ابن عباس: أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا! فقال (عليه السلام): ولم؟ قال: أخاف عليك. فقال: لا تخف أن أوتى من ورائي، والله يا بن عباس ما وليت في زحف قط (3). راجع: القسم العاشر / الخصائص الحربية / كانت درعه بلا ظهر. 9 / 6 صاحب راية الحرب 2231 - الجمل عن محمد بن عبد الله عن عمرو بن دينار: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه محمد: خذ الراية وامض - وعلي (عليه السلام) خلفه - فناداه يا أبا القاسم! فقال:
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 96، جواهر المطالب: 2 / 34 نحوه. (2) كل ما استرخى رباطه فقد وهى. وقد وهى الثوب يهي وهيا: إذا بلي وتخرق (لسان العرب: 15 / 417). (3) الجمل: 355. 231 لبيك يا أبة. فقال: يا بني لا يستفزك ما ترى؛ قد حملت الراية وأنا أصغر منك فما استفزني عدوي، وذلك أنني لم ألق أحدا إلا حدثتني نفسي بقتله، فحدث نفسك - بعون الله - بظهورك عليهم، ولا يخذلك ضعف النفس باليقين؛ فإن ذلك أشد الخذلان. قال فقلت: يا أبة أرجو أن أكون كما تحب إن شاء الله. قال: فألزم رأيتك، فإذا اختلطت الصفوف قف في مكانك وبين أصحابك، فإن لم تر أصحابك فسيرونك. قال: والله إني لفي وسط أصحابي فصاروا كلهم خلفي وما بيني وبين القوم أحد يردهم عني، وأنا أريد أن أتقدم في وجوه القوم، فما شعرت إلا بأبي من خلفي قد جرد سيفه وهو يقول: لا تقدم حتى أكون أمامك. فتقدم (عليه السلام) بين يدي يهرول ومعه طائفة من أصحابه، فضربوا الذين في وجهي حتى أنهضوهم ولحقتهم بالراية، فوقفوا وقفة، واختلط الناس، وركدت السيوف ساعة، فنظرت إلى أبي يفرج الناس يمينا وشمالا ويسوقهم أمامه، فأردت أن أجول فكرهت خلافه (1). 2232 - مروج الذهب: جاء ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تنكس اليوم رأس محمد، واردد إليه الراية! فدعا به، ورد عليه الراية، وقال: إطعنهم طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا المسرد (2)
(1) الجمل: 368. (2) مروج الذهب: 2 / 376؛ وقعة الجمل لضامن بن شدقم: 143 وراجع شرح نهج البلاغة: 1 / 243 والمناقب للخوارزمي: 187 والمناقب لابن شهر آشوب: 3 / 155 والصراط المستقيم: 2 / 267 وبحار الأنوار: 32 / 175 و ج 42 / 99. 232 9 / 7 اشتداد القتال 2233 - تاريخ الطبري عن القعقاع: ما رأيت شيئا أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفين، لقد رأيتنا ندافعهم بأسنتنا ونتكئ على أزجتنا (1)، وهم مثل ذلك، حتى لو أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم (2). 2234 - البداية والنهاية: قال [علي (عليه السلام)] لابنه محمد ابن الحنفية: ويحك! تقدم بالراية. فلم يستطع، فأخذها علي من يده، فتقدم بها، وجعلت الحرب تأخذ وتعطي؛ فتارة لأهل البصرة، وتارة لأهل الكوفة، وقتل خلق كثير وجم غفير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة (3). 2235 - الإمامة والسياسة: اقتتل القوم قتالا شديدا، فهزمت يمن البصرة يمن علي، وهزمت ربيعة البصرة ربيعة علي... ثم تقدم علي فنظر إلى أصحابه يهزمون ويقتلون، فلما نظر إلى ذلك صاح بابنه محمد - ومعه الراية -: أن اقتحم! فأبطأ وثبت، فأتى علي من خلفه فضربه بين كتفيه، وأخذ الراية من يده، ثم حمل فدخل عسكرهم، وإن الميمنتين والميسرتين تضطربان، في إحداهما عمار، وفي الأخرى عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر. قال: فشق علي في عسكر القوم يطعن ويقتل، ثم خرج... ثم أعطى الراية لابنه وقال: هكذا فاصنع. فتقدم محمد بالراية ومعه الأنصار، حتى انتهى إلى
(1) الزج: الحديدة التي تركب في أسفل الرمح، والسنان يركب عاليته والجمع أزجاج وأزجة (لسان العرب: 2 / 285). (2) تاريخ الطبري: 4 / 532، الكامل في التاريخ: 2 / 348 وراجع العقد الفريد: 3 / 325. (3) البداية والنهاية: 7 / 243. 233 الجمل والهودج وهزم ما يليه، فاقتتل الناس ذلك اليوم قتالا شديدا، حتى كانت الواقعة والضرب على الركب (1). 2236 - الجمل عن محمد ابن الحنفية: التقينا وقد عجل أصحاب الجمل وزحفوا علينا، فصاح أبي (عليه السلام): امض. فمضيت بين يديه أقطو (2) بالراية قطوا. وتقدم سرعان أصحابنا، فلاذ أصحاب الجمل، ونشب القتال، واختلفت السيوف، وأبي بين كتفي يقول: يا بني تقدم! ولست أجد متقدما، وهو يقول: تقدم. فقلت: ما أجد متقدما إلا على الأسنة!! فغضب أبي (عليه السلام) وقال: أقول لك: تقدم، فتقول: على الأسنة!! ثق يا بني، وتقدم بين يدي على الأسنة!! وتناول الراية مني، وتقدم يهرول بها، فأخذتني حدة، فلحقته وقلت: أعطني الراية. فقال لي: خذها. وقد عرفت ما وصف لي (3). 9 / 8 مقاتلة الإمام بنفسه 2237 - الفتوح: قاتل محمد ابن الحنفية ساعة بالراية ثم رجع، وضرب علي (رضي الله عنه) بيده إلى سيفه فاستله، ثم حمل على القوم، فضرب فيهم يمينا وشمالا، ثم رجع وقد انحنى سيفه فجعل يسويه بركبته، فقال له أصحابه: نحن نكفيك ذلك يا
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 96. (2) القطو: مقاربة الخطو مع النشاط، يقال منه: قطا في مشيته يقطو (لسان العرب: 15 / 190). (3) الجمل: 360 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 514 والكامل في التاريخ: 2 / 339 والبداية والنهاية: 7 / 243 والأخبار الطوال: 149 ومروج الذهب: 2 / 375. 234 أمير المؤمنين! فلم يجب أحدا حتى سواه، ثم حمل ثانية حتى اختلط بهم، فجعل يضرب فيهم قدما قدما حتى انحنى سيفه، ثم رجع إلى أصحابه، ووقف يسوي السيف بركبته وهو يقول: والله ما أريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة! ثم التفت إلى ابنه محمد ابن الحنفية وقال: هكذا اصنع يا بني (1). 2238 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: زحف علي (عليه السلام) نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه حسن وحسين ومحمد (عليهم السلام)، ودفع الراية إلى محمد، وقال: أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل، ولا تقفن دونه. فتقدم محمد، فرشقته السهام، فقال لأصحابه: رويدا، حتى تنفد سهامهم، فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان. فأنفذ علي (عليه السلام) (2) إليه يستحثه، ويأمره بالمناجزة، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له: أقدم، لا أم لك! فكان محمد إذا ذكر ذلك بعد يبكي، ويقول: لكأني أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا أنسى أبدا. ثم أدركت عليا (عليه السلام) رقة على ولده، فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يمنى يديه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا
(1) الفتوح: 2 / 474، المناقب للخوارزمي: 187 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة: 1 / 257. (2) في الطبعة المعتمدة: " فأنفذا إليه علي (عليه السلام) إليه "، والصحيح ما أثبتناه كما في طبعة دار الرشاد (1 / 85). 235 أمير المؤمنين! فلم يجب أحدا منهم، ولا رد إليهم بصره، وظل ينحط (1) ويزأر زئير الأسد، حتى فرق من حوله، وتبادروه، وإنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة، لا يبصر من حوله، ولا يرد حوارا. ثم دفع الراية إلى ابنه محمد، ثم حمل حملة ثانية وحده، فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما، والرجال تفر من بين يديه، وتنحاز عنه يمنة ويسرة، حتى خضب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته، فاعصوصب (2) به أصحابه، وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام، وقالوا: إنك إن تصب يذهب الدين! فأمسك ونحن نكفيك. فقال: والله، ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة. ثم قال لمحمد ابنه: هكذا تصنع يا بن الحنفية. فقال الناس: من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين!! (3) 2239 - المصنف عن الأعمش عن رجل قد سماه: كنت أرى عليا يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يرجع فيقول: لا تلوموني ولوموا هذا. ثم يعود فيقومه (4). 2240 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: خرج عبد الله بن خلف الخزاعي - وهو رئيس البصرة، وأكثر أهلها مالا وضياعا - فطلب البراز، وسأل ألا يخرج إليه إلا علي (عليه السلام)، وارتجز فقال: أبا تراب ادن مني فترا * فإنني دان إليك شبرا
(1) النحط: شبه الزفير (لسان العرب: 7 / 412). (2) اعصوصبوا: اجتمعوا وصاروا عصابة واحدة (النهاية: 3 / 246). (3) شرح نهج البلاغة: 1 / 257 وراجع الفتوح: 2 / 473. (4) المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 706 / 2، العقد الفريد: 3 / 324. 236 وإن في صدري عليك غمرا فخرج إليه علي (عليه السلام)، فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته (1). 2241 - الفتوح: انفرق علي يريد أصحابه، فصاح به صائح من ورائه، فالتفت وإذا بعبد الله بن خلف الخزاعي وهو صاحب منزل عائشة بالبصرة، فلما رآه علي عرفه، فناداه: ما تشاء يا بن خلف؟ قال: هل لك في المبارزة؟ قال علي: ما أكره ذلك، ولكن ويحك يا بن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا!! فقال عبد الله بن خلف: دعني من مدحك يا بن أبي طالب، وادن مني لترى أينا يقتل صاحبه! ثم أنشد شعرا، فأجابه علي عليه، والتقوا للضرب، فبادره عبد الله بن خلف بضربة دفعها علي بحجفته (2)، ثم انحرف عنه علي فضربه ضربة رمى بيمينه، ثم ضربه أخرى فأطار قحف رأسه (3). 2242 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل، وكان كل من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه، ثم شد على عسكر علي (عليه السلام) وقال:
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 261. (2) الحجف: ضرب من الترسة، واحدتها حجفة. ويقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عقب (لسان العرب: 9 / 39). (3) الفتوح: 2 / 478، المناقب للخوارزمي: 188؛ كشف اليقين: 189 / 191، كشف الغمة: 1 / 242 وفيهما " ابن أبي خلف الخزاعي " وكلها نحوه وراجع شرح نهج البلاغة: 1 / 261. 237 أضربهم ولا أرى أبا حسن * ها إن هذا حزن من الحزن فشد عليه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرمح، فطعنه، فقتله وقال: قد رأيت أبا حسن، فكيف رأيته! وترك الرمح فيه (1). 9 / 9 مقاتلة عمار 2243 - الفتوح: خرج محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر حتى وقفا قدام الجمل. قال: وتبعهما الأشتر ووقف معهما. قال: فقال رجل من أصحاب الجمل: من أنتم أيها الرهط؟ قالوا: نحن ممن لا تنكرونه! وأعلنوا بأسمائهم، ودعوا بأسمائهم، ودعوا إلى البراز، فخرج عثمان الضبي وهو ينشد شعرا، فخرج إليه عمار بن ياسر فأجابه على شعره، ثم حمل عليه عمار فقتله (2). 2244 - الفتوح: خرج عمرو بن يثربي - من أصحاب الجمل - حتى وقف بين الصفين قريبا من الجمل، ثم دعا إلى البراز وسأل النزال، فخرج إليه علباء بن الهيثم من أصحاب علي (رضي الله عنه)، فشد عليه عمرو فقتله. ثم طلب المبارزة، فلم يخرج إليه أحد، فجعل يجول في ميدان الحرب وهو يرتجز ويقول شعرا، ثم جال وطلب البراز، فتحاماه الناس واتقوا بأسه، قال: فبدر إليه عمار بن ياسر وهو يجاوبه على شعره، والتقوا بضربتين، فبادره عمار بضربة فأرداه عن فرسه، ثم نزل إليه عمار سريعا فأخذ برجله وجعل يجره حتى ألقاه بين يدي علي (رضي الله عنه).
(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 256 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 148 وتاريخ الطبري: 4 / 519. (2) الفتوح: 2 / 476. 238 فقال علي: اضرب عنقه. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، استبقني حتى أقتل لك منهم كما قتلت منكم. فقال علي: يا عدو الله! أبعد ثلاثة من خيار أصحابي أستبقيك (1)!! لا كان ذلك أبدا. قال: فأدنني حتى أكلمك في أذنك بشيء. فقال علي: أنت رجل متمرد، وقد أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكل متمرد علي، وأنت أحدهم. فقال عمرو بن يثربي: أما والله لو وصلت إليك لقطعت أذنك - أو قال: أنفك - قال: فقدمه علي فضرب عنقه (2). 2245 - تاريخ الطبري عن داود بن أبي هند عن شيخ من بني ضبة: ارتجز يومئذ ابن يثربي: أنا لمن أنكرني ابن يثربي * قاتل علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين علي وقال: من يبارز؟ فبرز له رجل، فقتله، ثم برز له آخر فقتله. وارتجز وقال: أقتلهم وقد أرى عليا * ولو أشا أوجرته عمريا فبرز له عمار بن ياسر، وإنه لأضعف من بارزه، وإن الناس ليسترجعون حين قام عمار، وأنا أقول لعمار - من ضعفه -: هذا والله لاحق بأصحابه! وكان قضيفا (3)، حمش (4) الساقين، وعليه سيف حمائله تشف عنه قريب من إبطه، فضربه (5) ابن يثربي بسيفه، فنشب في حجفته، وضربه عمار وأوهطه (6)، ورمى
(1) في المصدر: " استبقيتك "، والصحيح ما أثبتناه كما في شرح نهج البلاغة. (2) الفتوح: 2 / 477، شرح نهج البلاغة: 1 / 259 نحوه. (3) القضيف: الدقيق العظم القليل اللحم (لسان العرب: 9 / 284). (4) حمش الساقين: دقيقهما (لسان العرب: 6 / 288). (5) في المصدر: " فيضربه "، وهو تصحيف. (6) وهطه: ضربه، وقيل: طعنه (لسان العرب: 7 / 434). 239 أصحاب علي ابن يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتثوه (1) (2). 9 / 10 مقاتلة الأشتر وابن الزبير 2246 - الجمل: لاذ بالجمل عبد الله بن الزبير وتناول خطامه بيده، فقالت عائشة: من هذا الذي أخذ بخطام جملي؟ قال: أنا عبد الله ابن أختك. فقالت: واثكل أسماء! ثم برز الأشتر إليه، فخلى الخطام من يده وأقبل نحوه، فقام مقامه في الخطام عبد أسود، واصطرع عبد الله والأشتر، فسقطا إلى الأرض، فجعل ابن الزبير يقول - وقد أخذ الأشتر بعنقه -: اقتلوني ومالكا، واقتلوا مالكا معي! قال الأشتر: فما سرني إلا قوله " مالك "؛ لو قال " الأشتر " لقتلوني. ووالله لقد عجبت من حمق عبد الله؛ إذ ينادي بقتله وقتلي، وما كان ينفعه الموت إن قتلت وقتل معي، ولم تلد امرأة من النخع غيري!! فأفرجت عنه، فانهزم وبه ضربة مثخنة في جانب وجهه (3).
(1) ارتث فلان: إذا ضرب في الحرب فأثخن وحمل وبه رمق ثم مات (لسان العرب: 2 / 151). (2) تاريخ الطبري: 4 / 530 وص 517 عن عطية بن بلال، الكامل في التاريخ: 2 / 340، البداية والنهاية: 7 / 243، الفتوح: 2 / 477 وليس فيهما الرجز وكلها نحوه؛ المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 156 وفيه الرجز فقط وراجع الجمل: 345. (3) الجمل: 350؛ تاريخ الطبري: 4 / 519 عن عبد الله بن الزبير وص 530 عن الشعبي، الكامل في التاريخ: 2 / 343، البداية والنهاية: 7 / 244 كلها نحوه وراجع أنساب الأشراف: 3 / 39 وشرح نهج البلاغة: 1 / 262 ومروج الذهب: 2 / 376 والإمامة والسياسة: 1 / 96 والبداية والنهاية: 8 / 336. 240 2247 - المصنف عن عبد الله بن عبيد بن عمير: إن الأشتر وابن الزبير التقيا، فقال ابن الزبير: فما ضربته ضربة حتى ضربني خمسا أو ستا - قال: ثم قال: - و ألقاني برجلي (1). ثم قال: والله لولا قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تركت منك عضوا مع صاحبه! (2) 2248 - تاريخ دمشق عن زهير بن قيس: دخلت مع ابن الزبير الحمام، فإذا في رأسه ضربة لو صب فيها قارورة من دهن لاستقرت. قال: تدري من ضربني هذه؟! قلت: لا. قال: ضربنيها ابن عمك الأشتر (3). 9 / 11 قتل طلحة بيد مروان 2249 - الفتوح: جعل طلحة ينادي بأعلى صوته: عباد الله! الصبر الصبر! إن بعد الصبر النصر والأجر. فنظر إليه مروان بن الحكم، فقال لغلام له: ويلك يا غلام! والله إني لأعلم أنه ما حرض على قتل عثمان يوم الدار أحد كتحريض طلحة ولا قتله سواه! ولكن استرني فأنت حر؛ فستره الغلام. ورمى مروان بسهم مسموم لطلحة بن عبيد الله، فأصابه به، فسقط طلحة لما به وقد غمي عليه. ثم أفاق، فنظر إلى الدم يسيل منه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أظن والله أننا عنينا بهذه الآية من كتاب الله عز وجل إذ يقول: (واتقوا
(1) كذا في المصدر، وفي العقد الفريد وجواهر المطالب: " ثم أخذ برجلي فألقاني في الخندق ". (2) المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 707 / 10 و ج 7 / 260 / 71، جواهر المطالب: 2 / 22، العقد الفريد: 1 / 112 و ج 3 / 324، النجوم الزاهرة: 1 / 105؛ الكنى والألقاب: 2 / 30 نحوه. (3) تاريخ دمشق: 56 / 383، النجوم الزاهرة: 1 / 105؛ الكنى والألقاب: 2 / 30. 241 فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) (1) (2). 2250 - الجمل عن ابن أبي عون: سمعت مروان بن الحكم يقول: لما كان يوم الجمل قلت: والله لأدركن ثار عثمان! فرميت طلحة بسهم فقطعت نساه، وكان كلما سد الموضع غلب الدم وألمه، فقال لغلامه: دعه فهو سهم أرسله الله إلي. ثم قال له: ويلك! اطلب لي موضعا أحترز فيه، فلم يجد له مكانا، فاحتمله عبيد الله بن معمر فأدخله بيت أعرابية، ثم ذهب فصبر هنية ورجع، فوجده قد مات (3). 9 / 12 استمرار الحرب بقيادة عائشة 2251 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف النهار، وأصيب فيه طلحة، وذهب فيه الزبير، فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة، ذمرتهم (4) عائشة. فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا، وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة، فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير، وفي وسطه
(1) الأنفال: 25. (2) الفتوح: 2 / 478. (3) الجمل: 389 وراجع شرح الأخبار: 1 / 403 / 352 والطبقات الكبرى: 3 / 223 والمعجم الكبير: 1 / 113 / 201 وأنساب الأشراف: 3 / 43 وتاريخ المدينة: 4 / 1170 وتاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 486 وص 528 وتاريخ الطبري: 4 / 509 والكامل في التاريخ: 2 / 337. (4) الذمر: اللوم والحض معا (لسان العرب: 4 / 311). 242 مع عائشة (1). 2252 - تاريخ الطبري عن الشعبي: حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا ولاذ الناس بعائشة، أكثرهم ضبة والأزد. وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر، ويقال: إلى أن زالت الشمس، ثم انهزموا (2). راجع: احتلال البصرة / استبصار أبي بكرة لما رأى عائشة تأمر وتنهى. 9 / 13 قصة رجل مصطلم الأذن 2253 - مروج الذهب: ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم (3) الأذن، فسأله عن قصته، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى، فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول: لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف إلا ونحن رواء أطعنا بني تيم لشقوة جدنا * وما تيم إلا أعبد وإماء فقلت: سبحان الله! أتقول هذا عند الموت! قل: لا إله إلا الله!! فقال: يا بن اللخناء، إياي تأمر بالجزع عند الموت!! فوليت عنه متعجبا منه، فصاح بي ادن مني ولقني الشهادة، فصرت إليه، فلما قربت منه استدناني، ثم التقم أذني فذهب بها، فجعلت ألعنه وأدعو عليه. فقال: إذا صرت إلى أمك فقالت: من فعل هذا بك؟ فقل: عمير بن الأهلب الضبي، مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون
(1) تاريخ الطبري: 4 / 514 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 338. (2) تاريخ الطبري: 4 / 512. (3) الاصطلام: الاستئصال، وهو افتعال من الصلم: وهو القطع المستأصل (مجمع البحرين: 2 / 1046). 243 أمير المؤمنين (1). 9 / 14 عقر الجمل وتفرق أصحابه 2254 - الأخبار الطوال: لما رأى علي لوث (2) أهل البصرة بالجمل، وأنهم كلما كشفوا عنه عادوا فلاثوا به، قال لعمار وسعيد بن قيس وقيس بن سعد بن عبادة والأشتر وابن بديل ومحمد بن أبي بكر وأشباههم من حماة أصحابه: إن هؤلاء لا يزالون يقاتلون ما دام هذا الجمل نصب أعينهم، ولو قد عقر فسقط لم تثبت له ثابتة. فقصدوا بذوي الجد من أصحابه قصد الجمل حتى كشفوا أهل البصرة عنه، وأفضى إليه رجل من مراد الكوفة يقال له: أعين بن ضبيعة، فكشف عرقوبه (3) بالسيف، فسقط وله رغاء، فغرق في القتلى (4). 2255 - الجمل عن محمد ابن الحنفية: ثم تقدم [أبي] بين يدي وجرد سيفه وجعل يضرب به، ورأيته وقد ضرب رجلا فأبان زنده، ثم قال: الزم رأيتك يا بني، فإن هذا استكفاء. فرمقت لصوت أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما؛ وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم. وأحدقنا بالجمل، وصار القتال حوله، واضطربنا أشد اضطراب رآه راء حتى
(1) مروج الذهب: 2 / 379، تاريخ الطبري: 4 / 523، أنساب الأشراف: 3 / 60 نحوه وكلاهما عن أبي رجاء وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 344. (2) لاث بالشيء: إذا أطاف به، وفلان يلوث بي: أي يلوذ بي (لسان العرب: 2 / 187). (3) العرقوب: هو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع (النهاية: 3 / 221). (4) الأخبار الطوال: 150. 244 ظننت أنه القتل. فصاح أبي (عليه السلام): يا بن أبي بكر اقطع البطان! فقطعه، وألقى الهودج؛ فكأن - والله - الحرب جمرة صب عليها الماء (1). 2256 - مروج الذهب: بعث [علي (عليه السلام)] إلى ولده محمد ابن الحنفية - وكان صاحب رايته -: احمل على القوم. فأبطأ محمد بحملته، وكان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم، فأتاه علي فقال: هلا حملت! فقال: لا أجد متقدما إلا على سهم أو سنان، وإني منتظر نفاد سهامهم وأحمل. فقال له احمل بين الأسنة؛ فإن للموت عليك جنة. فحمل محمد، فشك بين الرماح والنشاب، فوقف، فأتاه علي فضربه بقائم سيفه وقال: أدركك عرق من أمك! وأخذ الراية وحمل، وحمل الناس معه، فما كان القوم إلا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف (2). 2257 - الجمل عن محمد ابن الحنفية: نظرت إلى أبي يفرج الناس يمينا وشمالا، ويسوقهم أمامه... حتى انتهى إلى الجمل وحوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبة والأزد وتميم وغيرهم، فصاح: اقطعوا البطان! فأسرع محمد بن أبي بكر فقطعه، واطلع على الهودج، فقالت عائشة: من أنت؟ فقال: أبغض أهلك إليك. قالت: ابن الخثعمية؟ قال: نعم، ولم تكن دون أمهاتك.
(1) الجمل: 360 وراجع ص 374 و 375 ومروج الذهب: 2 / 375. (2) مروج الذهب: 2 / 375. 245 قالت: لعمري، بل هي شريفة، دع عنك هذا، الحمد لله الذي سلمك. قال: قد كان ذلك ما تكرهين. قالت: يا أخي لو كرهته ما قلت ما قلت! قال: كنت تحبين الظفر وأني قتلت. قالت: قد كنت أحب ذلك، لكن لما صرنا إلى ما صرنا إليه أحببت سلامتك؛ لقرابتي منك، فاكفف ولا تعقب الأمور، وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولا عذلة، فإن أباك لم يكن لومة ولا عذلة. وجاء علي (عليه السلام) فقرع الهودج برمحه، وقال: يا شقيراء، أبهذا أوصاك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! قالت: يا بن أبي طالب قد ملكت فأسجح (1). وجاءها عمار فقال لها: يا أماه! كيف رأيت ضرب بنيك اليوم دون دينهم بالسيف؟ فصمتت ولم تجبه. وجاءها مالك الأشتر وقال لها: الحمد لله الذي نصر وليه، وكبت عدوه، (جاء الحق وزهق البطل إن البطل كان زهوقا) (2) فكيف رأيت صنع الله بك يا عائشة؟ فقالت: من أنت ثكلتك أمك؟ فقال: أنا ابنك الأشتر.
(1) أي قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر (النهاية: 2 / 342). (2) الإسراء: 81. 246 قالت: كذبت لست بأمك. قال: بلى، وإن كرهت. فقالت: أنت الذي أردت أن تثكل أختي أسماء ابنها؟ فقال: المعذرة إلى الله ثم إليك، والله إني لولا كنت طاويا ثلاثة لأرحتك منه، وأنشأ يقول، بعد الصلاة على الرسول: أعائش لولا أنني كنت طاويا * ثلاثا لغادرت ابن أختك هالكا غداة ينادي والرماح تنوشه * بآخر صوت أقتلوني ومالكا فبكت وقالت: فخرتم وغلبتم، (وكان أمر الله قدرا مقدورا) (1). ونادى أمير المؤمنين (عليه السلام) محمدا فقال: سلها: هل وصل إليها شيء من الرماح والسهام. فسألها، فقالت: نعم، وصل إلي سهم خدش رأسي وسلمت منه، يحكم الله بيني وبينكم. فقال محمد: والله، ليحكمن الله عليك يوم القيامة، ما كان بينك وبين أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى تخرجي عليه وتؤلبي الناس على قتاله، وتنبذي كتاب الله وراء ظهرك!! فقالت: دعنا يا محمد! وقل لصاحبك يحرسني. قال: والهودج كالقنفذ من النبل، فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبرته بما جرى بيني وبينها، وما قلت وما قالت. فقال (عليه السلام): هي امرأة، والنساء ضعاف العقول، تول أمرها، واحملها إلى دار بني خلف حتى ننظر في أمرها. فحملتها إلى
(1) الأحزاب: 38. 247 الموضع، وإن لسانها لا يفتر عن السب لي ولعلي (عليه السلام) والترحم على أصحاب الجمل (1). 2258 - الجمل: لما تفرق الناس عن الجمل أشفق أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعود إليه فتعود الحرب، فقال: عرقبوا (2) الجمل. فتبادر إليه أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فعرقبوه، ووقع لجنبه، وصاحت عائشة صيحة أسمعت من في العسكرين (3). 2259 - تاريخ الطبري عن ميسرة أبي جميلة: إن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أتيا عائشة وقد عقر الجمل، فقطعا غرضة (4) الرحل، واحتملا الهودج فنحياه، حتى أمرهما علي فيه أمره بعد، قال: أدخلاها البصرة. فأدخلاها دار عبد الله بن خلف الخزاعي (5). 9 / 15 مدة الحرب 2260 - تاريخ اليعقوبي: كانت الحرب أربع ساعات من النهار. فروى بعضهم أنه
(1) الجمل: 368 وراجع الأمالي للمفيد: 24 / 8 والمناقب لابن شهر آشوب: 3 / 161 وتاريخ الطبري: 4 / 519 وص 533 والأخبار الطوال: 151 ونهاية الأرب: 2 / 78. (2) تعرقبها: تقطع عرقوبها، والعرقوب هو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع (النهاية: 3 / 221). (3) الجمل: 350؛ تاريخ الطبري: 4 / 519، الكامل في التاريخ: 2 / 343 كلاهما نحوه وراجع مروج الذهب: 2 / 376 والأخبار الطوال: 150 وشرح نهج البلاغة: 1 / 262 والإمامة والسياسة: 1 / 98. (4) الغرض: حزام الرحل، والغرضة كالغرض (لسان العرب: 7 / 193). (5) تاريخ الطبري: 4 / 533 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 346 والبداية والنهاية: 7 / 245 والفتوح: 2 / 485. 248 قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفا (6). 2261 - أنساب الأشراف: كانت الحرب من الظهر إلى غروب الشمس (1). 2262 - تاريخ الطبري عن عوانة: اقتتلوا يوم الجمل يوما إلى الليل، فقال بعضهم: شفى السيف من زيد وهند نفوسنا * شفاء ومن عيني عدي بن حاتم صبرنا لهم يوما إلى الليل كله * بصم القنا والمرهفات الصوارم (2) راجع: استمرار الحرب بقيادة عائشة. 9 / 16 كلام الإمام عند تطوافه على القتلى 2263 - الإرشاد: ومن كلامه [علي] (عليه السلام) عند تطوافه على قتلى الجمل: هذه قريش، جدعت أنفي، وشفيت نفسي، لقد تقدمت إليكم أحذركم عض السيوف، وكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون، ولكنه الحين، وسوء المصرع، فأعوذ بالله من سوء المصرع. ثم مر على معبد بن المقداد فقال: رحم الله أبا هذا، أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا. فقال عمار بن ياسر: الحمد لله الذي أوقعه وجعل خده الأسفل، إنا والله - يا أمير المؤمنين - ما نبالي من عند عن الحق من ولد ووالد. فقال أمير المؤمنين:
(6) تاريخ اليعقوبي: 2 / 183. (1) أنساب الأشراف: 3 / 38. (2) تاريخ الطبري: 3 / 531. 249 رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا. قال: ومر بعبد الله بن ربيعة بن دراج - وهو في القتلى - فقال: هذا البائس، ما كان أخرجه؛ أدين أخرجه، أم نصر لعثمان؟! والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في أبيه بحسن. ثم مر بمعبد بن زهير بن أبي أمية فقال: لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام، والله ما كان فيها بذي نحيزة (1)، ولقد أخبرني من أدركه وإنه ليولول فرقا من السيف. ثم مر بمسلم بن قرظة فقال: البر أخرج هذا! والله، لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة، فأعطاه عثمان وقال: لولا أنت ما أعطيته، إن هذا - ما علمت - بئس أخو العشيرة؛ ثم جاء المشوم للحين ينصر عثمان. ثم مر بعبد الله بن حميد بن زهير فقال: هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا، زعم يطلب الله بذلك، ولقد كتب إلي كتبا يؤذي فيها عثمان، فأعطاه شيئا، فرضي عنه. ومر بعبد الله بن حكيم بن حزام فقال: هذا خالف أباه في الخروج، وأبوه حيث لم ينصرنا قد أحسن في بيعته لنا، وإن كان قد كف وجلس حيث شك في القتال، وما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا، ولكن المليم الذي يقاتلنا! ثم مر بعبد الله بن المغيرة بن الأخنس فقال: أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار، فخرج مغضبا لمقتل أبيه، وهو غلام حدث حين لقتله. ثم مر بعبد الله بن أبي عثمان بن الأخنس بن شريق، فقال: أما هذا فإني أنظر
(1) النحيزة: الطبيعة (مجمع البحرين: 3 / 1759). 250 إليه وقد أخذ القوم السيوف هاربا يعدو من الصف، فنهنهت (5) عنه، فلم يسمع من نهنهت حتى قتله. وكان هذا مما خفي على فتيان قريش، أغمار (1) لا علم لهم بالحرب، خدعوا واستزلوا، فلما وقفوا وقعوا فقتلوا. ثم مشى قليلا فمر بكعب بن سور (2) فقال: هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف، يزعم أنه ناصر أمه، يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد (3). أما إنه دعا الله أن يقتلني، فقتله الله. أجلسوا كعب بن سور. فأجلس، فقال أمير المؤمنين: يا كعب، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا كعبا. ومر على طلحة بن عبيد الله فقال: هذا الناكث بيعتي، والمنشئ الفتنة في الأمة، والمجلب علي، الداعي إلى قتلي وقتل عترتي، أجلسوا طلحة. فأجلس، فقال أمير المؤمنين: يا طلحة بن عبيد الله، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعد ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا طلحة، وسار. فقال له بعض من كان معه: يا أمير المؤمنين، أتكلم كعبا وطلحة بعد قتلهما؟ قال: أم والله، إنهما لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب (4) كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(5) نهنهت: إذا صحت به لتكفه (مجمع البحرين: 3 / 1841). (1) أغمار: جمع غمر: الذي لم يجرب الأمور (المحيط في اللغة: 5 / 81). (2) كعب بن سور من بني لقيط، قتل يوم الجمل، كان يخرج بين الصفين معه المصحف يدعو إلى ما فيه، فجاءه سهم غرب فقتله، ولاه عمر بن الخطاب قضاء البصرة بعد أبي مريم (الجرح والتعديل: 7 / 162 / 912). (3) إشارة للآية 15 من سورة إبراهيم. (4) القليب: البئر التي لم تطو (النهاية: 4 / 98) وأشار (عليه السلام) إلى كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة بدر مع قتلى قريش الذين طرحوا في البئر (راجع السيرة النبوية لابن هشام: 2 / 292). 251 يوم بدر (1).
(1) الإرشاد: 1 / 254، الجمل: 391 نحوه مع تقديم وتأخير، بحار الأنوار: 32 / 207 / 163 وراجع تصحيح الاعتقاد: 93 والشافي: 4 / 344 والاحتجاج: 1 / 381 / 73 و 74 وشرح نهج البلاغة: 1 / 248. 252 الفصل العاشر بعد الظفر 10 / 1 الكرامة 2264 - الإمام الباقر (عليه السلام): أمر علي (رضي الله عنه) مناديه فنادى يوم البصرة: " لا يتبع مدبر، ولا يذفف (1) على جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن "، ولم يأخذ من متاعهم شيئا (2). 2265 - الأخبار الطوال: نادى علي (رضي الله عنه) في أصحابه: لا تتبعوا موليا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تنتهبوا مالا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن (3).
(1) الذف: الإجهاز على الجريح (الصحاح: 4 / 1362). (2) السنن الكبرى: 8 / 314 / 16747، المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 718 / 60 كلاهما عن حفص بن غياث عن الإمام الصادق (عليه السلام) وراجع الأمالي للمفيد: 25 / 8. (3) الأخبار الطوال: 151؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 183، شرح الأخبار: 1 / 395 / 334 عن أبي البختري ف وكلاهما نحوه وراجع فتح الباري: 13 / 57 والعقد الفريد: 3 / 327. 253 2266 - الجمل عن معاذ بن عبيد الله التميمي: فوالله، لقد رأيت أصحاب علي (عليه السلام) وقد وصلوا إلى الجمل، وصاح منهم صائح: اعقروه، فعقروه فوقع. فنادى علي (عليه السلام): من طرح السلاح فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن. فوالله، ما رأيت أكرم عفوا منه (1). 2267 - شرح الأخبار عن موسى بن طلحة بن عبيد الله - وكان فيمن أسر يوم الجمل، وحبس مع من حبس من الأسارى بالبصرة -: كنت في سجن علي بالبصرة، حتى سمعت المنادي ينادي: أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟ فاسترجعت واسترجع أهل السجن، وقالوا: يقتلك. فأخرجني إليه، فلما وقفت بين يديه قال لي: يا موسى! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: قل: أستغفر الله وأتوب إليه ثلاث مرات. فقلت: أستغفر الله وأتوب إليه - ثلاث مرات - فقال: لمن كان معي من رسله: خلوا عنه، وقال لي: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك. فشكرت له وانصرفت (2). 2268 - الإمام زين العابدين (عليه السلام): دخلت على مروان بن الحكم، فقال: ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل، فنادى مناديه: لا يقتل
(1) الجمل: 365 وراجع الأمالي للمفيد: 25 / 8 وتاريخ اليعقوبي: 20 / 183 وشرح الأخبار: 1 / 295 / 281 ومروج الذهب: 2 / 378 والأخبار الطوال: 151. (2) شرح الأخبار: 1 / 389 / 331، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 114 وفيه من " قل: استغفر الله... ". 254 مدبر، ولا يذفف على جريح (1). 10 / 2 إصدار العفو العام 2269 - أنساب الأشراف: قام علي - حين ظهر وظفر - خطيبا فقال: يا أهل البصرة! قد عفوت عنكم؛ فإياكم والفتنة؛ فإنكم أول الرعية نكث البيعة، وشق عصا الأمة. ثم جلس وبايعه الناس (2). 2270 - الإرشاد: ومن كلامه [علي (عليه السلام)] بالبصرة حين ظهر على القوم، بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد؛ فإن الله ذو رحمة واسعة، ومغفرة دائمة، وعفو جم، وعقاب أليم، قضى أن رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته من خلقه، وبرحمته اهتدى المهتدون، وقضى أن نقمته وسطواته وعقابه على أهل معصيته من خلقه، وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون. فما ظنكم - يا أهل البصرة - وقد نكثتم بيعتي، وظاهرتم علي عدوي؟ فقام إليه رجل فقال: نظن خيرا، ونراك قد ظفرت وقدرت، فإن عاقبت فقد
(1) السنن الكبرى: 8 / 314 / 16746 عن إبراهيم بن محمد عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام)، فتح الباري: 13 / 57، أنساب الأشراف: 3 / 57 عن أنس بن عياض نحوه؛ المبسوط: 7 / 264 كلاهما عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) وفيه " يدنف " بدل " يذفف " وراجع الطبقات الكبرى: 5 / 93 والبداية والنهاية: 7 / 245 والإمامة والسياسة: 1 / 97. (2) أنساب الأشراف: 3 / 58. 255 اجترمنا ذلك، وإن عفوت فالعفو أحب إلى الله. فقال: قد عفوت عنكم؛ فإياكم والفتنة؛ فإنكم أول الرعية نكث البيعة، وشق عصا هذه الأمة. قال: ثم جلس للناس فبايعوه (1). 10 / 3 الاعتذار من الإمام 2271 - الجمل عن هاشم بن مساحق القرشي: حدثني أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم، فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا هذا الرجل - يعنون أمير المؤمنين (عليه السلام) - ونكثنا بيعته من غير حدث، والله لقد ظهر علينا، فما رأينا قط أكرم سيرة منه، ولا أحسن عفوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فقوموا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه مما صنعناه. قال: فصرنا إلى بابه، فاستأذناه فأذن لنا، فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم. فقال (عليه السلام): أنصتوا أكفكم، إنما أنا بشر مثلكم؛ فإن قلت حقا فصدقوني، وإن قلت باطلا فردوا علي. أنشدكم الله! أتعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قبض كنت أنا أولى الناس به وبالناس من بعده؟ قلنا: اللهم نعم.
(1) الإرشاد: 1 / 257، الجمل: 407 عن الحارث بن سريع نحوه، بحار الأنوار: 32 / 230 / 182 وراجع الأخبار الطوال: 151. 256 قال: فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر، فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا المسلمين، وأفرق بين جماعتهم؛ ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت، ولم أهج الناس، وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه، فصبرت حتى قتل عمر، وجعلني سادس ستة، فكففت ولم أحب أن أفرق بين المسلمين، ثم بايعتم عثمان فطعنتم عليه فقتلتموه وأنا جالس في بيتي، فأتيتموني وبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر؛ فما بالكم وفيتم لهما ولم تفوا لي؟! وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي؟ فقلنا له: كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الر حمين) (1). فقال (عليه السلام): لا تثريب عليكم اليوم، وإن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث بأسته - يعني مروان بن الحكم - (2). 10 / 4 مناقشات بين عمار وعائشة 2272 - تاريخ الطبري عن أبي يزيد المديني: قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ القوم: يا أم المؤمنين! ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك! قالت: أبو اليقظان! قال: نعم. قالت: والله، إنك - ما علمت - قوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي
(1) يوسف: 92. (2) الجمل: 416، الأمالي للطوسي: 506 / 1109، شرح الأخبار: 1 / 392 / 333 عن هشام بن مساحق وكلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 262 / 200. 257 على لسانك (1). 2273 - الأمالي للطوسي عن موسى بن عبد الله الأسدي: لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن تنزل عائشة قصر أبي خلف، فلما نزلت جاءها عمار بن ياسر فقال لها: يا أمت! كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف؟ فقالت: استبصرت يا عمار من أجل أنك غلبت. قال: أنا أشد استبصارا من ذلك، أما والله، لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنكم على الباطل. فقالت له عائشة: هكذا يخيل إليك، اتق الله يا عمار! فإن سنك قد كبر، ودق عظمك، وفني أجلك، وأذهبت دينك لابن أبي طالب. فقال عمار: إني والله، اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرأيت عليا أقرأهم لكتاب الله عز وجل، وأعلمهم بتأويله، وأشدهم تعظيما لحرمته، وأعرفهم بالسنة، مع قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعظم عنائه وبلائه في الإسلام. فسكتت (2). 10 / 5 مناقشات بين ابن عباس وعائشة 2274 - تاريخ اليعقوبي: وجه [علي (عليه السلام)] ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالرجوع، فلما دخل عليها ابن عباس قالت: أخطأت السنة يا بن عباس مرتين: دخلت بيتي بغير إذني، وجلست على متاعي بغير أمري.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 545، الكامل في التاريخ: 2 / 348، فتح الباري: 13 / 58 كلاهما نحوه. (2) الأمالي للطوسي: 143 / 233، بشارة المصطفى: 281 وفيه " ابن أبي خلف " بدل " أبي خلف ". 258 قال: نحن علمنا إياك السنة؛ إن هذا ليس ببيتك، بيتك الذي خلفك رسول الله به، وأمرك القرآن أن تقري فيه (1). 2275 - مروج الذهب: بعث [علي (عليه السلام)] بعبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالخروج إلى المدينة، فدخل عليها بغير إذنها، واجتذب وسادة فجلس عليها. فقالت له: يا بن عباس! أخطأت السنة المأمور بها، دخلت إلينا بغير إذننا، وجلست على رحلنا بغير أمرنا. فقال لها: لو كنت في البيت الذي خلفك فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما دخلنا إلا بإذنك، وما جلسنا على رحلك إلا بأمرك، وإن أمير المؤمنين يأمرك بسرعة الأوبة، والتأهب للخروج إلى المدينة. فقالت: أبيت ما قلت، وخالفت ما وصفت. فمضى إلى علي، فخبره بامتناعها، فرده إليها، وقال: إن أمير المؤمنين يعزم عليك أن ترجعي، فأنعمت وأجابت إلى الخروج (2). 2276 - رجال الكشي عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي: حدثني بعض أشياخي قال: لما هزم علي بن أبي طالب (عليه السلام) أصحاب الجمل، بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل، وقلة العرجة (3). قال ابن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة، قال:
(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 183، شرح الأخبار: 1 / 390 / 332 عن ابن عباس نحوه، بحار الأنوار: 32 / 269 / 210. (2) مروج الذهب: 2 / 377، العقد الفريد: 3 / 326 عن ابن عباس، الفتوح: 2 / 486 كلاهما نحوه. (3) العرجة: المقام (لسان العرب: 2 / 321). 259 فطلبت الإذن عليها، فلم تأذن، فدخلت عليها من غير إذنها، فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس، فإذا هي من وراء سترين. قال: فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة (1)، قال: فمددت الطنفسة فجلست عليها. فقالت من وراء الستر: يا بن عباس! أخطأت السنة؛ دخلت بيتنا بغير إذننا، وجلست على متاعنا بغير إذننا. فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك، ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرجت منه ظالمة لنفسك، غاشية لدينك، عاتية على ربك، عاصية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك، ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك. إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة، وقلة العرجة. فقالت: رحم الله أمير المؤمنين! ذلك عمر بن الخطاب. فقال ابن عباس: هذا والله أمير المؤمنين، وإن تزبدت (2) فيه وجوه، ورغمت (3) فيه معاطس! أما والله، لهو أمير المؤمنين، وأمس برسول الله رحما، وأقرب قرابة، وأقدم سبقا، وأكثر علما، وأعلى منارا، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر. فقالت: أبيت ذلك....
(1) هي البساط الذي له خمل رقيق (النهاية: 3 / 140). (2) تزبد الإنسان: إذا غضب وظهر على صماغية زبدتان (لسان العرب: 3 / 193). (3) يقال رغم وارغم الله أنفه: أي ألصقه بالرغام؛ وهو التراب. هذا هو الأصل. ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره (النهاية: 2 / 238). 260 قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبرته بمقالتها، وما رددت عليها، فقال: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك (1). 10 / 6 محادثات بين الإمام وعائشة 2277 - تاريخ اليعقوبي - في خبر عائشة -: أتاها علي، وهي في دار عبد الله بن خلف الخزاعي، وابنه المعروف بطلحة الطلحات، فقال: إيها يا حميراء! ألم تنتهي عن هذا المسير؟ فقالت: يا بن أبي طالب! قدرت فأسجح! فقال: أخرجي إلى المدينة، وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله أن تقري فيه. قالت: أفعل (2). 2278 - مروج الذهب - في خبر عائشة -: جهزها [عائشة] علي وأتاها في اليوم الثاني، ودخل عليها ومعه الحسن والحسين وباقي أولاده وأولاد إخوته وفتيان أهله من بني هاشم وغيرهم من شيعته من همدان، فلما بصرت به النسوان صحن في وجهه وقلن: يا قاتل الأحبة! فقال: لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت، وأشار إلى بيت من تلك البيوت قد اختفى فيه مروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عامر، وغيرهم. فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لما علموا من في البيت مخافة أن يخرجوا منه فيغتالوه.
(1) رجال الكشي: 1 / 277 / 108. (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 183. 261 فقالت له عائشة - بعد خطب طويل كان بينهما -: إني أحب أن أقيم معك، فأسير إلى قتال عدوك عند سيرك. فقال: بل ارجعي إلى البيت الذي تركك فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله). فسألته أن يؤمن ابن أختها عبد الله بن الزبير، فأمنه، وتكلم الحسن والحسين في مروان، فأمنه، وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أمية، وأمن الناس جميعا. وقد كان نادى يوم الوقعة: من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن (1). 2279 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: دخل علي البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، ثم دخل البصرة، فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف - وهي أعظم دار بالبصرة - وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان - ابني خلف - مع عائشة، وصفية ابنة الحارث مختمرة تبكي. فلما رأته قالت: يا علي، يا قاتل الأحبة، يا مفرق الجمع! أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه! فلم يرد عليها شيئا، ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة، فسلم عليها، وقعد عندها، وقال لها: جبهتنا صفية، أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم. فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام، فكف بغلته وقال: أما
(1) مروج الذهب: 2 / 377 وراجع دعائم الإسلام: 1 / 394 وتفسير فرات: 111 / 113. 262 لهممت - وأشار إلى الأبواب من الدار - أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه - وكان أناس من الجرحى قد لجؤوا إلى عائشة، فأخبر علي بمكانهم عندها، فتغافل عنهم - فسكتت. فخرج علي فقال رجل من الأزد: والله، لا تفلتنا هذه المرأة! فغضب وقال: صه! لا تهتكن سترا، ولا تدخلن دارا، ولا تهيجن امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وسفهن أمراءكم وصلحاءكم؛ فإنهن ضعاف، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن، وإنهن لمشركات، وإن الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب، فيعير بها عقبه من بعده، فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة، فأنكل به شرار الناس (1). 10 / 7 إشخاص عائشة إلى المدينة 2280 - مسند ابن حنبل عن أبي رافع: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: أنا؟ قال: نعم. قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها (2). 2281 - الأخبار الطوال - في ذكر أحداث ما بعد حرب الجمل -: قال [علي (عليه السلام)] لمحمد بن أبي بكر: سر مع أختك حتى توصلها إلى المدينة، وعجل اللحوق بي بالكوفة. فقال: أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين.
(1) تاريخ الطبري: 4 / 539، الكامل في التاريخ: 2 / 347 نحوه وراجع البداية والنهاية: 7 / 246 والفتوح: 2 / 483. (2) مسند ابن حنبل: 10 / 343 / 27268، المعجم الكبير: 1 / 332 / 995، فتح الباري: 13 / 55؛ شرح الأخبار: 1 / 395 / 335 نحوه. 263 فقال علي: لا أعفيك منه، وما لك بد. فسار بها حتى أوردها المدينة (1). 2282 - الجمل: لما عزم أمير المؤمنين (عليه السلام) على المسير إلى الكوفة أنفذ إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة، فتهيأت لذلك، وأنفذ معها أربعين امرأة ألبسهن العمائم والقلانس (2)، وقلدهن السيوف، وأمرهن أن يحفظنها، ويكن عن يمينها وشمالها ومن ورائها. فجعلت عائشة تقول في الطريق: اللهم افعل بعلي بن أبي طالب بما فعل بي! بعث معي الرجال ولم يحفظ بي حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما قدمن المدينة معها ألقين العمائم والسيوف ودخلن معها، فلما رأتهن ندمت على ما فرطت بذم أمير المؤمنين (عليه السلام) وسبه. وقالت: جزى الله ابن أبي طالب خيرا، فلقد حفظ في حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). 10 / 8 ندم عائشة 2283 - الكامل في التاريخ عن عائشة - بعد حرب الجمل -: والله، لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة (4).
(1) الأخبار الطوال: 152. (2) القلنسوة: تلبس في الرأس والجمع قلانس (تاج العروس: 8 / 424). (3) الجمل: 415؛ الإمامة والسياسة: 1 / 98، مروج الذهب: 2 / 379 وفيه " بعث معها علي أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر وثلاثين رجلا وعشرين امرأة... " بدل " لما عزم أمير المؤمنين (عليه السلام) على المسير... "، تاريخ الطبري: 4 / 544 عن محمد وطلحة، الكامل في التاريخ: 2 / 347، البداية والنهاية: 7 / 246 وكلها نحوه وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 183 والفتوح: 2 / 487. (4) الكامل في التاريخ: 2 / 345، شرح نهج البلاغة: 1 / 264 عن جندب بن عبد الله، الفتوح: 2 / 487، المعيار والموازنة: 61. 264 2284 - نهاية الأرب: أتى وجوه الناس إلى عائشة وفيها: القعقاع بن عمرو، فسلم عليها فقالت: والله، لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة! (1) 2285 - فتح الباري عن محمد بن قيس: ذكر لعائشة يوم الجمل قالت: والناس يقولون يوم الجمل؟ قالوا: نعم، قالت: وددت أني جلست كما جلس غيري؛ فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (2). 2286 - المستدرك على الصحيحين عن عائشة: وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام، وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير (3). 2287 - الطبقات الكبرى عن عمارة بن عمير: حدثني من سمع عائشة إذا قرأت هذه الآية: (وقرن في بيوتكن) (4) بكت حتى تبل خمارها (5). 2288 - تاريخ بغداد عن عروة: ما ذكرت عائشة مسيرها في وقعة الجمل قط، إلا بكت حتى تبل خمارها وتقول: يا ليتني كنت نسيا منسيا (6).
(1) نهاية الأرب: 20 / 79. (2) فتح الباري: 13 / 55، مجمع الزوائد: 7 / 480 / 12040، أسد الغابة: 3 / 429 / 3283، تاريخ دمشق: 34 / 274 وزاد في ذيله " أو مثل عبد الله بن الزبير ". (3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 129 / 4609، الاعتقاد والهداية: 246 وفيه " مثل ولد الحرث بن هشام " بدل " مثل الحارث بن هشام " وراجع المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 717 / 55 وأنساب الأشراف: 3 / 60. (4) الأحزاب: 33. (5) الطبقات الكبرى: 8 / 81، الزهد لابن حنبل: 205، أنساب الأشراف: 3 / 60 كلاهما عن أبي الضحى عمن سمع عائشة، سير أعلام النبلاء: 2 / 177 / 19، الدر المنثور: 6 / 600 عن مسروق. (6) تاريخ بغداد: 9 / 185 / 4766، الاعتقاد والهداية: 246، المناقب للخوارزمي: 182 / 220. 265 2289 - المناقب للخوارزمي عن أبي عتيق: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر قيل لها: هذا ابن عمر، قالت: يا أبا عبد الرحمن، ما يمنعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: قد رأيت رجلا قد غلب عليك [يعني ابن الزبير]، وظننت أن لا تخالفيه. قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت (1). 10 / 9 غنائم الحرب 2290 - شرح نهج البلاغة: اتفقت الرواة كلها على أنه [عليا (عليه السلام)] قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض، فقسمه بين أصحابه، وأنهم قالوا له: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا، فقال: لا. فقالوا: فكيف تحل لنا دماءهم، وتحرم علينا سبيهم! فقال: كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام! أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم، وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله، ولا نصيب لكم في شيء منه. فلما أكثروا عليه قال: فاقرعوا على عائشة؛ لأدفعها إلى من تصيبه القرعة! فقالوا: نستغفر الله يا أمير المؤمنين! ثم انصرفوا (2). 2291 - شرح الأخبار: كان علي صلوات الله عليه قد غنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله - وأجلبوا به: يعني أتوا به في عسكرهم - ولم يعرض لشيء غير ذلك من أموالهم، وجعل ما سوى ذلك من أموال من قتل منهم
(1) المناقب للخوارزمي: 182 / 218، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 776 عن ابن أبي عتيق. (2) شرح نهج البلاغة: 1 / 250 وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 97. 266 لورثتهم، وخمس ما أغنمه مما أجلبوا به عليه، فجرت أيضا بذلك السنة (1). 10 / 10 بذل الإمام سهمه من الغنيمة 2292 - مروج الذهب: قبض [علي (عليه السلام)] ما كان في معسكرهم من سلاح ودابة ومتاع وآلة وغير ذلك، فباعه وقسمه بين أصحابه، وأخذ لنفسه - كما أخذ لكل واحد ممن معه من أصحابه وأهله وولده - خمسمائة درهم. فأتاه رجل من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين! إني لم آخذ شيئا، وخلفني عن الحضور كذا - وأدلى بعذر - فأعطاه الخمسمائة التي كانت له (2). 2293 - الجمل: ثم نزل (عليه السلام) [أي بعد خطبته في أهل البصرة] واستدعى جماعة من أصحابه، فمشوا معه حتى دخل بيت المال، وأرسل إلى القراء، فدعاهم ودعا الخزان وأمرهم بفتح الأبواب التي داخلها المال، فلما رأى كثرة المال قال: " هذا جناي وخياره فيه " (3). ثم قسم المال بين أصحابه فأصاب كل رجل منهم ستة آلاف ألف درهم، وكان أصحابه اثني عشر ألفا، وأخذ هو (عليه السلام) كأحدهم، فبينا هم
(1) شرح الأخبار: 1 / 389 / 331. (2) مروج الذهب: 2 / 380 وراجع الأخبار الطوال: 211. (3) قال ابن منظور: في الحديث: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه دخل بيت المال فقال: يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي، غري غيري. هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه قال أبو عبيد: يضرب هذا مثلا للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده. وأراد علي رضوان الله عليه بقول ذلك أنه لم يتلطخ بشيء من فيء المسلمين بل وضعه مواضعه. والجني: ما يجنى من الشجر (لسان العرب: 14 / 155 وراجع مجمع الأمثال: 3 / 488). 267 على تلك الحالة، إذ أتاه آت فقال: يا أمير المؤمنين! إن اسمي سقط من كتابك، وقد رأيت من البلاء ما رأيت. فدفع سهمه إلى ذلك الرجل. وروى الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: لقد رأيت بالبصرة عجبا! لما قدم طلحة والزبير قد أرسلا إلى أناس من أهل البصرة وأنا فيهم، فدخلنا بيت المال معهما، فلما رأيا ما فيه من الأموال قالا: هذا ما وعدنا الله ورسوله. ثم تليا هذه الآية: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) إلى آخر الآية وقالا: نحن أحق بهذا المال من كل أحد. فلما كان من أمر القوم ما كان دعانا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فدخلنا معه بيت المال، فلما رأى ما فيه ضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: يا صفراء يا بيضاء، غري غيري! وقسمه بين أصحابه بالسوية حتى لم يبق إلا خمسمائة درهم عزلها لنفسه، فجاءه رجل فقال: إن اسمي سقط من كتابك. فقال (عليه السلام): ردوها عليه. ثم قال: الحمد لله الذي لم يصل إلي من هذا المال شيء، ووفره على المسلمين (1). 10 / 11 دخول الإمام بيت مال البصرة 2294 - الجمل: لما خرج عثمان بن حنيف من البصرة، وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأملا ما فيه، فلما رأوا ما حواه من الذهب والفضة قالوا: هذه الغنائم التي وعدنا الله بها، وأخبرنا أنه يعجلها لنا. قال أبو الأسود: فقد سمعت هذا منهما، ورأيت عليا (عليه السلام) بعد ذلك، وقد دخل
(1) الجمل: 400 وراجع مروج الذهب: 2 / 380 وشرح نهج البلاغة: 1 / 249 و ج 9 / 322. 268 بيت مال البصرة، فلما رأى ما فيه قال: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري! المال يعسوب (1) الظلمة، وأنا يعسوب المؤمنين. فلا والله ما التفت إلى ما فيه، ولا فكر فيما رآه منه، وما وجدته عنده إلا كالتراب هوانا! فعجبت من القوم ومنه (عليه السلام)! فقلت: أولئك ممن يريد الدنيا، وهذا ممن يريد الآخرة، وقويت بصيرتي فيه (2). 10 / 12 خطبة الإمام بعد قسمة المال 2295 - الجمل عن الواقدي: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما فرغ من قسمة المال قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس! إني أحمد الله على نعمه؛ قتل طلحة والزبير، وهزمت عائشة. وأيم الله لو كانت عائشة طلبت حقا وأهانت باطلا لكان لها في بيتها مأوى، وما فرض الله عليها الجهاد، وإن أول خطئها في نفسها، وما كانت والله على القوم إلا أشأم من ناقة الحجر (3)، وما ازداد عدوكم بما صنع الله إلا حقدا، وما زادهم الشيطان إلا طغيانا. ولقد جاؤوا مبطلين وأدبروا ظالمين، إن إخوانكم المؤمنين جاهدوا في سبيل الله، وآمنوا به يرجون مغفرة من الله، وإننا لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وسيجمعنا الله وإياهم يوم الفصل، وأستغفر الله لي ولكم (4).
(1) اليعسوب: السيد والرئيس والمقدم (النهاية: 3 / 234). (2) الجمل: 285. (3) يشير بهذا إلى قصة ناقة صالح (عليه السلام). والحجر: اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام وفيها بئر ثمود (راجع: معجم البلدان: 2 / 221). (4) الجمل: 402. 269 10 / 13 توبيخ الإمام لأهل البصرة 2296 - الجمل: لما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) الكتب بالفتح قام في الناس خطيبا، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وصلى على محمد وآله، ثم قال: أما بعد؛ فإن الله غفور رحيم عزيز ذو انتقام، جعل عفوه ومغفرته لأهل طاعته، وجعل عذابه وعقابه لمن عصاه وخالف أمره، وابتدع في دينه ما ليس منه، وبرحمته نال الصالحون العون، وقد أمكنني الله منكم يا أهل البصرة، وأسلمكم بأعمالكم؛ فإياكم أن تعودوا إلى مثلها؛ فإنكم أول من شرع القتال والشقاق، وترك الحق والإنصاف (1). 2297 - الجمل عن الحارث بن سريع: لما ظهر أمير المؤمنين (عليه السلام) على أهل البصرة وقسم ما حواه العسكر، قام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله وقال: أيها الناس! إن الله عز وجل ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة لأهل طاعته، وقضى أن نقمته وعقابه على أهل معصيته. يا أهل البصرة! يا أهل المؤتفكة، ويا جند المرأة، وأتباع البهيمة! رغا فأجبتم، وعقر فانهزمتم، أحلامكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وأنتم فسقة مراق. يا أهل البصرة! أنتم شر خلق الله؛ أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء. خفت عقولكم، وسفهت أحلامكم. شهرتم سيوفكم، وسفكتم دماءكم، وخالفتم
(1) الجمل: 400 وراجع الإرشاد: 1 / 257 وبحار الأنوار: 32 / 230 / 182. 270 إمامكم؛ فأنتم أكلة الآكل، وفريسة الظافر، فالنار لكم مدخر، والعار لكم مفخر، يا أهل البصرة! نكثتم بيعتي، وظاهرتم علي ذوي عداوتي، فما ظنكم يا أهل البصرة الآن (1). 2298 - الأخبار الطوال: دخل علي (رضي الله عنه) البصرة، فأتى مسجدها الأعظم، واجتمع الناس إليه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أما بعد؛ فإن الله ذو رحمة واسعة وعقاب أليم، فما ظنكم بي يا أهل البصرة؛ جند المرأة، وأتباع البهيمة؟ رغا فقاتلتم، وعقر فانهزمتم، أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، وماؤكم زعاق (2). أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء، وأيم الله ليأتين عليها زمان لا يرى منها إلا شرفات مسجدها في البحر، مثل جؤجؤ (3) السفينة، انصرفوا إلى منازلكم. ثم نزل، وانصرف إلى معسكره (4). 2299 - الإمام علي (عليه السلام) - في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل -: كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة؛ رغا فأجبتم، وعقر فهربتم. أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه. كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها، وغرق من في ضمنها (5).
(1) الجمل: 407 وراجع تفسير القمي: 2 / 339 والاحتجاج: 1 / 250 ونثر الدر: 1 / 315 ومروج الذهب: 2 / 377. (2) ماء زعاق: مر غليظ لا يطاق شربه من أجوجته (لسان العرب: 10 / 141). (3) الجؤجؤ: الصدر (النهاية: 1 / 232). (4) الأخبار الطوال: 151. (5) نهج البلاغة: الخطبة 13؛ المناقب للخوارزمي: 189. 271 2300 - معجم البلدان: في رواية أن عليا (رضي الله عنه) لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أما بعد؛ فإن الله ذو رحمة واسعة، فما ظنكم يا أهل البصرة؟ يا أهل السبخة، يا أهل المؤتفكة؛ ائتفكت (1) بأهلها ثلاثا وعلى الله الرابعة، ياجند المرأة، ثم ذكر الذي قبله، ثم قال: انصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم. وخرج حتى صار إلى المربد، والتفت وقال: الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع ترابا، وأسرعها خرابا (2). 10 / 14 استخلاف ابن عباس على البصرة 2301 - الجمل عن الواقدي عن رجاله: لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله بن العباس وأوصاه، فكان في وصيته له أن قال: يا ابن عباس، عليك بتقوى الله والعدل بمن وليت عليه، وأن تبسط للناس وجهك، وتوسع عليهم مجلسك وتسعهم بحلمك. وإياك والغضب؛ فإنه طيرة من الشيطان، وإياك والهوى؛ فإنه يصدك عن سبيل الله. واعلم أن ما قربك من الله فهو مباعدك من النار، وما باعدك من الله فهو مقربك من النار. واذكر الله كثيرا ولا تكن من الغافلين. وروى أبو مخنف لوط بن يحيى قال: لما استعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن
(1) أي غرقت، فشبه غرقها بانقلابها (النهاية: 1 / 56). (2) معجم البلدان: 1 / 436. 272 العباس على البصرة خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال: يا معاشر الناس، قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ما أطاع الله ورسوله؛ فإن أحدث فيكم أو زاغ عن الحق فأعلموني أعزله عنكم؛ فإني أرجو أن أجده عفيفا تقيا ورعا، وإني لم أوله عليكم إلا وأنا أظن ذلك به، غفر الله لنا ولكم. فأقام عبد الله بالبصرة حتى عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) على التوجه إلى الشام، فاستخلف عليها زياد بن أبيه، وضم إليه أبا الأسود الدؤلي، ولحق بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فسار معه إلى صفين (1). 10 / 15 كتاب الإمام إلى أهل الكوفة 2302 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى أهل الكوفة -: بسم الله الرحمن الرحيم، من علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة: سلام عليكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإن الله حكم عدل (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) (2). وإني أخبركم عنا، وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة، ومن سار إليه من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير بعد نكثهما صفقة أيمانهما. فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبرهم، وما صنعوه بعاملي عثمان بن
(1) الجمل: 420 وراجع نهج البلاغة: الكتاب 76. (2) الرعد: 11. 273 حنيف حتى قدمت ذا قار، فبعثت إليكم ابني الحسن وعمارا وقيسا فاستنفروكم لحق الله وحق رسوله وحقنا، فأجابني إخوانكم سراعا حتى قدموا علي. فسرت بهم وبالمسارعين منهم إلى طاعة الله حتى نزلت ظهر البصرة، فأعذرت بالدعاء، وأقمت الحجة، وأقلت العثرة والزلة من أهل الردة من قريش وغيرهم، واستتبتهم عن نكثهم بيعتي، وعهد الله لي عليهم، فأبوا إلا قتالي، وقتال من معي، والتمادي في الغي، فناهضتهم بالجهاد. فقتل من قتل منهم، وولى من ولى إلى مصرهم، فسألوني ما دعوتهم إليه من كف القتال، فقبلت منهم، وغمدت السيوف عنهم، وأخذت بالعفو فيهم، وأجريت الحق والسنة بينهم، واستعملت عبد الله بن العباس على البصرة، وأنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله تعالى. وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم، وردهم الحق علينا، وردهم الله وهم كارهون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادى الأولى من سنة ست وثلاثين من الهجرة (1). 10 / 16 قدوم الإمام إلى الكوفة 2303 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره: لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين، وقد أعز الله نصره، وأظهره على عدوه، ومعه أشراف
(1) الجمل: 398، الإرشاد: 1 / 258، الشافي: 4 / 329، معادن الحكمة: 1 / 447 / 85 كلها نحوه، بحار الأنوار: 32 / 231 / 182. 274 الناس وأهل البصرة، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم، فدعوا له بالبركة وقالوا: يا أمير المؤمنين، أين تنزل؟ أتنزل القصر؟ فقال: لا، ولكني أنزل الرحبة. فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: أما بعد؛ يا أهل الكوفة! فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا. دعوتكم إلى الحق فأجبتم، وبدأتم بالمنكر فغيرتم. ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم. فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. الحمد لله الذي نصر وليه، وخذل عدوه، وأعز الصادق المحق، وأذل الناكث المبطل. عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم، الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه، من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا، يتفضلون بفضلنا، ويجاحدونا أمرنا، وينازعونا حقنا، ويدافعونا عنه. فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا. ألا إنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار. فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا، ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة. فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي - وكان صاحب شرطته - فقال: والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا. والله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي: سبحان الله يا مال! جزت المدى، وعدوت الحد، وأغرقت في النزع! فقال: يا
275 أمير المؤمنين! لبعض الغشم (1) أبلغ في أمور تنوبك من مهادنة الأعادي. فقال علي: ليس هكذا قضى الله يا مال، قتل النفس بالنفس؛ فما بال الغشم؟ وقال: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) (2) والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك؛ فقد نهى الله عنه، وذلك هو الغشم (3). 2304 - وقعة صفين عن الأصبغ بن نباتة: إن عليا لما دخل الكوفة قيل له: أي القصرين ننزلك؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه. فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي (4).
(1) الغشم: الظلم والغصب (لسان العرب: 12 / 437). (2) الإسراء: 33. (3) وقعة صفين: 3، الأمالي للمفيد: 127، بحار الأنوار: 32 / 354 / 337؛ شرح نهج البلاغة: 3 / 102 نحوه وراجع المعيار والموازنة: 97. (4) وقعة صفين: 5، بحار الأنوار: 32 / 355 / 337. 276 الحرب الثانية وقعة صفين فتنة القاسطين وفيه فصول: الفصل الأول: مواصفات الحرب الفصل الثاني: هوية رؤساء القاسطين الفصل الثالث: السياسة العلوية الفصل الرابع: حرب الدعاية الفصل الخامس: تهيؤ معاوية للحرب الفصل السادس: مسير الإمام إلى صفين الفصل السابع: مواجهة الجيشين الفصل الثامن: القتال الفصل التاسع: اشتداد القتال الفصل العاشر: أشد الأيام الفصل الحادي عشر: توقف الحرب الفصل الثاني عشر: تعيين الحكم الفصل الثالث عشر: الانصراف من صفين الفصل الرابع عشر: خيمة التحكيم
277 الفصل الأول مواصفات الحرب 1 / 1 تاريخها بعد مضي حوالي أربعة أشهر على إخماد فتنة الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير وفي وقت لم تكن جراحها قد اندملت ودماؤها قد جفت، واجه الإسلام العلوي فتنة القاسطين بقيادة معاوية. فخرج الإمام علي (عليه السلام) في الخامس من شوال عام 36 للهجرة من الكوفة لإخماد هذه الفتنة (1). وفي أواخر ذي القعدة (2) وأثناء حط الرحال في صفين وقعت معركة خاطفة للسيطرة على شريعة الفرات التي سيطر عليها جيش معاوية قبل وصول الإمام وجيشه، وقد انتهت هذه المعركة بانتصار جيش الإمام علي (عليه السلام).
(1) مروج الذهب: 2 / 384؛ وقعة صفين: 131. (2) راجع تاريخ الطبري: 4 / 573 والكامل في التاريخ: 2 / 365 ومروج الذهب: 2 / 386. 279 وفي شهر ذي الحجة وقعت مناوشات بين الجيشين (1)، إلى أن أعلنت الهدنة بين الفريقين في محرم من عام 37 (2)، وما إن انتهت حتى وقعت الحرب الحقيقية بينهما في بداية صفر عام 37 (3) وحمى وطيسها في الثامن من صفر. وفي العاشر منه (4) حينما كان جيش الإمام على وشك إحراز الانتصار الحاسم، إلا أنها انفضت بحيلة من عمرو بن العاص، وعاد الإمام إلى الكوفة. 1 / 2 مكانها صفين - بكسرتين وتشديد الفاء - موضع بقرب الرقة (5) على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس (6) (7). وتبلغ المسافة بين دمشق والرقة - وهي بقرب صفين - 550 كيلو مترا تقريبا (8).
(1) راجع تاريخ الطبري: 4 / 575، البداية والنهاية: 7 / 260؛ وقعة صفين: 196. (2) راجع تاريخ الطبري: 4 / 575 و ج 5 / 5 والكامل في التاريخ: 2 / 367 والبداية والنهاية: 7 / 260 ومروج الذهب: 2 / 387 ووقعة صفين: 196. (3) راجع تاريخ الطبري: 5 / 10 ومروج الذهب: 2 / 387 وتاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 538 ووقعة صفين: 202. (4) راجع مروج الذهب: 2 / 400 وتاريخ الطبري: 5 / 48 والبداية والنهاية: 7 / 273. (5) الرقة: من مدن سوريا الحالية، وهي مدينة مشهورة تقع على الفرات، بينها وبين حران ثلاثة أيام، وهي قريبة من صفين (راجع معجم البلدان: 3 / 59). (6) بالس: بلدة بالشام بين حلب والرقة في الساحل الغربي من الفرات أسفل صفين (راجع معجم البلدان: 1 / 328). (7) معجم البلدان: 3 / 414. (8) جدول المسافات للقطر العربي السوري: 127. 280 1 / 3 عدد المشاركين فيها ذكرت أعداد متضاربة عن عدد جيشي الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية. ولعل سبب ذلك يعود إلى أن بعضهم ذكر عدد المقاتلين فقط، بينما أضاف بعض آخر الخدم والغلمان. وزاد عليهم آخرون كل من يرافق الجيوش عادة من جماعات الميرة، والنساء والأطفال. ومع أن النصوص التاريخية أشارت إلى أن جيش الإمام علي (عليه السلام) بلغ قوامه 120 ألفا (1) أو 150 ألفا (2) أو 95 ألفا (3) أو أكثر من 100 ألف (4) أو 50 ألفا (5) على اختلاف بينها، إلا أن المشهور هو أن عدد جيش الإمام كان تسعين ألفا (6). وتضاربت الروايات أيضا بخصوص عدد جيش معاوية ما بين 60 ألفا (7) و 70 ألفا (8) و 83 ألفا (9) و 90 ألفا (10) ومائة ألف (11) ومائة وعشرين ألفا (12) و 130
(1) معجم البلدان: 3 / 414، البداية والنهاية: 7 / 275 عن صفوان بن عمرو. (2) البداية والنهاية: 7 / 261 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام) وزيد بن أنس وغيرهما. (3) العقد الفريد: 3 / 332 عن ابن أبي شيبة. (4) البداية والنهاية: 7 / 261. (5) أنساب الأشراف: 3 / 97. (6) مروج الذهب: 2 / 384، الفتوح: 2 / 544، معجم البلدان: 3 / 414. (7) البداية والنهاية: 7 / 275 عن صفوان بن عمرو. (8) أنساب الأشراف: 3 / 97. (9) الإمامة والسياسة: 1 / 123، الفتوح: 2 / 538. (10) معجم البلدان: 3 / 414. (11) أنساب الأشراف: 3 / 97. (12) معجم البلدان: 3 / 414. 281 ألفا (1)، إلا أن الروايات التي تصرح بأن عددهم كان خمسة وثمانين ألفا هي الأشهر (2). 1 / 4 قادة جيش الإمام قائد خيالة الكوفة: مالك الأشتر (3). قائد خيالة البصرة: سهل بن حنيف. قائد رجالة الكوفة: عمار بن ياسر. قائد قراء أهل البصرة: مسعر بن فدكي التميمي (4). قائد قراء أهل الكوفة: عبد الله بن بديل وعمار بن ياسر (5). صاحب اللواء: هاشم بن عتبة (6). آمر الميمنة: الأشعث بن قيس. آمر الميسرة: عبد الله بن عباس.
(1) البداية والنهاية: 7 / 261. (2) مروج الذهب: 2 / 384، العقد الفريد: 3 / 332 وفيه " بضع وثمانون ألفا ". (3) تاريخ الطبري: 5 / 11، الأخبار الطوال: 171؛ وقعة صفين: 205 وص 208 وفيها " على الخيل: عمار بن ياسر ". (4) تاريخ الطبري: 5 / 11؛ وقعة صفين: 208 وفيه " مسعود " بدل " مسعر ". (5) تاريخ الطبري: 5 / 11، الأخبار الطوال: 171؛ وقعة صفين: 205 وفيهما " على الرجالة: عبد الله بن بديل " وص 208. (6) تاريخ الطبري: 5 / 11، الأخبار الطوال: 171؛ وقعة صفين: 205. 282 آمر رجالة الميمنة: سليمان بن صرد الخزاعي. آمر رجالة الميسرة: الحارث بن مرة العبدي. قلب الجيش: قبيلة مضر (1). ميمنة الجيش: أهل اليمن (2). ميسرة الجيش: قبيلة ربيعة (3). 1 / 5 قادة جيش القاسطين قائد الميمنة: ابن ذي الكلاع الحميري (4). قائد الميسرة: حبيب بن مسلمة الفهري (5). قائد خيالة الشام: عمرو بن العاص (6). قائد رجالة الشام: الضحاك بن قيس (7). قائد الخيالة: عبيد الله بن عمر بن الخطاب (8).
(1) الأخبار الطوال: 171؛ وقعة صفين: 205. (2) و (3) وقعة صفين: 205؛ الأخبار الطوال: 171 وفيه " وفي الميمنة: ربيعة وفي الميسرة: أهل اليمن ". (4) تاريخ الطبري: 5 / 11؛ وقعة صفين: 213 وص 206 وفيهما " ذا الكلاع الحميري ". (5) تاريخ الطبري: 5 / 11، الأخبار الطوال: 172؛ وقعة صفين: 213 وص 206. (6) تاريخ الطبري: 5 / 12؛ وقعة صفين: 213. (7) وقعة صفين: 213؛ تاريخ الطبري: 5 / 12، الأخبار الطوال: 172. (8) وقعة صفين: 206. 283 قلب الجيش: أهل دمشق، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري (1). ميمنة الجيش: أهل حمص (2) وقنسرين (3) (4). ميسرة الجيش: أهل الأردن وفلسطين (5). صاحب اللواء: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (6). 1 / 6 أكابر أصحاب الإمام شارك في حرب صفين إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام) الكثير من أكابر صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) وغيرهم ممن بذل كل غال ونفيس في سبيل إرساء دعائم الإسلام. وتختلف الروايات في ذكر عددهم؛ فمنها ما يشير إلى أن عددهم كان بين 70 و 80 من البدريين، و 800 ممن شهدوا بيعة الرضوان، و 400 من سائر الصحابة. وفي مقابل ذلك كان عدد الذين شاركوا في جيش معاوية من الصحابة لا يتجاوز عدد أصابع اليد وهم ممن أسلموا بعد الفتح. من الشخصيات الصحابية البارزة التي وقفت إلى جانب الإمام علي (عليه السلام) يمكن الإشارة إلى كل من: الإمام الحسن (عليه السلام)، الإمام الحسين (عليه السلام)، عمار بن ياسر، سهل بن حنيف، قيس بن سعد، عدي بن حاتم، هاشم بن عتبة، عبد الله بن بديل، عبد الله بن عباس، أويس القرني، أبو الهيثم مالك بن التيهان، عبد الله بن جعفر،
(1) وقعة صفين: 206. (2) حمص: بلد مشهور في سوريا بين دمشق وحلب (راجع معجم البلدان: 2 / 302). (3) قنسرين: مدينة في سوريا تقع بين حلب وحمص. (4 - 6) وقعة صفين: 206. 284 خزيمة بن ثابت، سليمان بن صرد الخزاعي، عمرو بن حمق الخزاعي. ومن الأعلام الآخرين الذين لم يدركوا عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) وكانوا في جيش الإمام (عليه السلام) في معركة صفين: محمد ابن الحنفية، مالك الأشتر، الأحنف بن قيس، سعيد بن قيس الهمداني، حجر بن عدي، أصبغ بن نباتة، صعصعة بن صوحان، شريح بن هانئ، عبد الله بن هاشم بن عتبة، جعدة بن هبيرة، زياد بن النضر. 2305 - المستدرك على الصحيحين عن الحكم: شهد مع علي (عليه السلام) صفين ثمانون بدريا، وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة (1). 2306 - تاريخ اليعقوبي: كان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلا، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل، ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل (2). 2307 - تاريخ خليفة بن خياط عن عبد الرحمن بن أبزي: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون؛ منهم: عمار بن ياسر (3). 2308 - العقد الفريد: قال معاوية يوما: يا معشر الأنصار! لم تطلبون ما عندي؟
(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 112 / 4559، الفتوح: 2 / 544 عن الحكم بن عتيبة وذكر أيضا عن سليمان بن مهران الأعمش وفيه " كان مع علي يومئذ ثمانون بدريا، وثمانمائة من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) "، البداية والنهاية: 7 / 255 وفيه " مائة وخمسون " بدل " خمسون ومائتان "؛ شرح الأخبار: 2 / 9 / 392 عن الحكم. (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 188؛ تاريخ دمشق: 19 / 442 نحوه وفيه " في حربه " بدل " يوم صفين ". (3) تاريخ خليفة بن خياط: 148، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 545، الفتوح: 2 / 544 وفيه " وهم يومئذ تسعون ألفا وثمانمائة رجل ممن بايع النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الشجرة، قال سعيد بن جبير: كان مع علي (رضي الله عنه) يومئذ ثمانمائة رجل من الأنصار، وتسعمائة ممن بايع تحت الشجرة "؛ شرح الأخبار: 2 / 9 / 391. 285 فوالله لقد كنتم قليلا معي كثيرا مع علي، ولقد فللتم حدي يوم صفين، حتى رأيت المنايا تتلظى من أسنتكم (1). 2309 - مروج الذهب: كان ممن شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا: منهم سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة؛ وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة (2). 1 / 7 وجوه أصحاب معاوية لم يكن أحد من أصحاب معاوية من السابقين إلى الإسلام، بل كان بعضهم ممن حارب النبي (صلى الله عليه وآله) سنوات عديدة أو ممن طرده أو لعنه النبي (صلى الله عليه وآله)، أمثال: عمرو بن العاص، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبيد الله بن عمر، حبيب بن مسلمة، ذو الكلاع الحميري، الضحاك بن قيس، الوليد بن عقبة، عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، أبو الأعور، بسر بن أرطاة، عبد الله بن عامر، مروان بن الحكم، عتبة بن أبي سفيان. 2310 - وقعة صفين: اجتمع عند معاوية: عتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن عامر، وابن طلحة الطلحات، فقال عتبة -: إن أمرنا وأمر علي لعجب، ليس منا إلا موتور محاج؛ أما أنا فقتل جدي، واشترك
(1) العقد الفريد: 3 / 91. (2) مروج الذهب: 2 / 361. 286 في دم عمومتي يوم بدر. وأما أنت يا وليد فقتل أباك يوم الجمل، وأيتم إخوتك. وأما أنت يا مروان فكما قال الأول: وأفلتهن علباء جريضا * ولو أدركنه صفر الوطاب (1) قال معاوية: هذا الإقرار فأين الغير (2)؟ قال مروان: أي غير تريد؟ قال: أريد أن يشجر (3) بالرماح. فقال: والله إنك لهازل، ولقد ثقلنا عليك (4). راجع: هوية رؤساء القاسطين. 1 / 8 عدد القتلى فيها المشهور أن القتلى من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألفا (5) وفي قبالها أقوال أخر - كما نقل عن ابن أبي شيبة -: خمسون ألفا من أهل الشام، وعشرون ألفا من أهل العراق (6) وعن يحيى بن معين: من أهل العراق عشرون ألفا، ومن أهل الشام تسعون ألفا، ومجموع من
(1) علباء هذا هو قاتل والد امرئ القيس، وهو علباء بن حارث الكاهلي، والجريض: الذي يأخذ بريقه. صفر وطابه: قتل (هامش المصدر). (2) هو جمع غيور، من الغيرة؛ وهي الحمية والأنفة (النهاية: 3 / 401). (3) شجرناهم بالرماح: أي طعناهم بها حتى اشتبكت فيهم (النهاية: 2 / 446). (4) وقعة صفين: 417. (5) أنساب الأشراف: 3 / 98، مروج الذهب: 2 / 405 عن الهيثم بن عدي والشرقي بن القطامي وأبي مخنف، معجم البلدان: 3 / 414، البداية والنهاية: 7 / 275 عن ابن سيرين وسيف؛ وقعة صفين: 558. (6) العقد الفريد: 3 / 337. 287 قتل بها من الفريقين - في مائة يوم وعشرة أيام - مائة ألف وعشرة آلاف (1). 2311 - أنساب الأشراف: كان علي (عليه السلام) بصفين في خمسين ألفا، ويقال: في مائة ألف. وكان معاوية في سبعين ألفا، ويقال: في مائة ألف. فقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا (2). 2312 - معجم البلدان: قتل في الحرب بينهما سبعون ألفا، منهم من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفا ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا، وقتل مع علي خمسة وعشرون صحابيا بدريا، وكانت مدة المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام، وكانت الوقائع تسعين وقعة (3). 2313 - تهذيب الكمال عن الحسن بن عثمان عن عدة من الفقهاء وأهل العلم: كانت وقعة صفين بين علي ومعاوية، فقتلت بينهما جماعة كبيرة يقال: إنهم كانوا سبعين ألفا في صفر، ويقال: في ربيع الأول، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، وكان ممن عرف من أشراف الناس عمار بن ياسر (4). 2314 - مروج الذهب عن يحيى بن معين: إن عدة من قتل بها من الفريقين - في مائة يوم وعشرة أيام - مائة ألف وعشرة آلاف من الناس؛ من أهل الشام تسعون ألفا، ومن أهل العراق عشرون ألفا (5).
(1) مروج الذهب: 2 / 404. (2) أنساب الأشراف: 3 / 97. (3) معجم البلدان: 3 / 414. (4) تهذيب الكمال: 21 / 226 / 4174. (5) مروج الذهب: 2 / 404. 288 الفصل الثاني هوية رؤساء القاسطين 2 / 1 معاوية بن أبي سفيان ولد في سنة 20 قبل الهجرة وأسلم سنة 8 ه مكرها تحت بوارق فرسان الإسلام، وعرف هو وأضرابه ب " الطلقاء ". ولاه عمر على الشام، فانتهج لنفسه أسلوبا تحكميا سلطويا، وضرب على وتر الاستقلال مذ نصب واليا عليه، وتساهل معه عمر لأسباب ما (1).
(1) ولقد كانت هناك اعتراضات على عمر بن الخطاب في توليته بعض الناس؛ روي أنه لما ولي معاوية الشام قال الناس: ولي معاوية! فقال لهم: لا تذكروا معاوية إلا بخير؛ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: اللهم اهد به (البداية والنهاية: 8 / 122). ومن المعروف أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يدعو لأمته كلها بالهداية. ومن العجيب أن حديث " اللهم اهد به " حديث ضعيف، إلا أن ابن كثير دافع عنه والتمس له الأعذار. وهذا الموقف لا نجده إذا كان يتعلق بحديث صحيح لمعسكر غير معسكر معاوية. ومن الذين اعترضوا على عملية التوظيف هذه حذيفة (رضي الله عنه)، قال لعمر: إنك تستعين بالرجل الفاجر! فقال عمر: إني لأستعمله لأستعين بقوته، ثم أكون على قفائه (كنز العمال: 5 / 771 / 14338 نقلا عن أبي عبيد)، وكما ذكرنا من قبل إن الله نهى عن اتخاذ بطانة ينتهي طريقها بخروج الحياة الدينية ودخول حياة أخرى تحت أي اسم آخر. والنبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا استعمل أحدا وصاه، وكان يتبرأ من أي عمل لا يصب في وعاء الدين والحياة الدينية، وكان وراء ذلك كله الوحي. وبعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) كانت للحياة الدينية سياسة، وهذه السياسة يمكن للباحث أن يكتشفها بسهولة في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فلقد قيل له: أن يبقي على الأمراء في أول عهده حتى يستتب له الأمر. لكنه أبى إلا أن يعزلهم؛ لأنه علم من النبي (صلى الله عليه وآله) نهاية الطريق الذي يركبه هؤلاء الأمراء. وما دام الطريق لا يصب في المصب الصحيح فلا بديل لخلعهم. ما هي الفائدة التي ستعود على الدعوة من دهاء معاوية وعمرو والمغيرة؟ وما هي الفائدة التي ستعود على الدعوة من عضلات أبو الأعور وبسر بن أرطأة؟ وما هي الفائدة التي ستعود على الدعوة من وراء كعب الأحبار وأبي زبيد وتلميذ مسيلمة الكذاب وطلحة بن خويلد؟ قلت الدعوة، ولم أقل ما هي الفائدة التي ستعود على المسلمين. ثم ما هي النتيجة؟ ليس بعد ألف عام، ولكن في القرن الأول فقط. ولقد اتسعت الدائرة بعد ذلك في عهد عثمان بن عفان، فمن الذين ذكرناهم ممن اتسع نفوذهم عما كان عليه في عهد أبي بكر وعمر وزاد عثمان القائمة بآخرين... (معالم الفتن: 1 / 370). 289 وفي عهد عثمان - الذي كان يتطلع إلى تسليط الأمويين على الناس - لم يرعو معاوية عن ظلمه وجوره، وتمرغ في ترفه ونعيمه، بلا وازع من ضمير، ولا رادع من سلطان. وإن إمارته التي استمرت عشرين سنة، وأساليبه في تجهيل الناس وتحميقهم، وبث الذعر والهلع في نفوسهم، وإبقائهم على جهلهم؛ كل أولئك مهد الأرضية لكل عمل يصب في مصلحته بالشام. عزم على مناوءة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ توليه الخلافة، وجد كثيرا في
290 تحريض طلحة والزبير عليه، وقاد معركة صفين ضد الإمام (عليه السلام). وبعد قضية التحكيم أكثر من شن الغارات الوحشية على المناطق الخاضعة لحكومة الإمام (عليه السلام)، وأفسد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل. ثم تمكن من فرض الصلح على الإمام الحسن (عليه السلام) سنة 41 ه، عبر مكيدة خاصة، وضجيج مفتعل، فأحكم قبضته على السلطة بلا منازع، ثم طفق يضطهد شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنصاره، موغلا في ذلك، حتى أن أقرانه وأتباعه لم يطيقوا ممارساته. وإن لقاء المغيرة به، وإخباره عن موقفه العدائي ضد الدين الإسلامي الحنيف يترجمان حقده الدفين، كما يدلان على غاية خسته ودنسه (1)، وقد أفرط في سب الإمام (عليه السلام)، وعندما طلب منه أن يكف قال: لا والله، حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر ذاكر له فضلا!! (2) وتستوقفنا المعلومات التي يذكرها ابن أبي الحديد حول طمسه فضائل الإمام، واختلاقه فضائل لنفسه، وسعيه في وضع الحديث، نقلا عن كتاب الأحداث للمدائني (3)، وغيره من الكتب القديمة، والواقع أن كل ما قام به يوائم التفكير القيصري والكسروي، ويبتغي تبديل تعاليم الدين. وتعتبر إمامته للصلاة في المدينة، وتركه البسملة، واحتجاج المهاجرين
(1) مروج الذهب: 4 / 41. (2) شرح نهج البلاغة: 4 / 57، النصائح الكافية: 97 وراجع مروج الذهب: 3 / 41. (3) شرح نهج البلاغة: 11 / 44. 291 والأنصار عليه أدلة قاطعة على ما نقول. ومهما يكن فإن معاوية تقمص الخلافة؛ الخلافة الدينية التي لا يعتقد بها اعتقادا راسخا من أعماق قلبه، وادعى خلافة من قصد قتاله، ولم يتورع عن تشويه الدين، ولم يأبه لتغيير معارف الحق. وأباح لنفسه كل عمل من أجل إحكام قبضته على الأمور، واستمرار تسلطه وتحكمه. هلك معاوية سنة 60 ه، ونصب يزيد حاكما على الناس، فخطى بذلك خطوة أخرى نحو قلب الحقائق الدينية، وهو ما اشتهرت آثاره في التاريخ. 2315 - مقتل الحسين للخوارزمي عن أحمد بن أعثم الكوفي: إن معاوية لما حج حجته الأخيرة ارتحل من مكة، فلما صار بالأبواء (1) ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته، فاطلع في بئر الأبواء، فلما اطلع فيها اقشعر جلده، وأصابته اللقوة (2) في وجهه، فأصبح وهو لما به مغموم، فدخل عليه الناس يعودونه، فدعوا له وخرجوا من عنده، وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به، فقال له مروان بن الحكم: أجزعت يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا يا مروان، ولكني ذكرت ما كنت عنه عزوفا، ثم إني بكيت في إحني (3)، وما يظهر للناس مني، فأخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان من دفعي حق علي بن أبي طالب، وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه، ولولا هواي من يزيد لأبصرت رشدي، وعرفت قصدي (4).
(1) الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ثلاثة وعشرون ميلا (معجم البلدان: 1 / 79). (2) اللقوة: مرض يعرض للوجه، فيميله إلى أحد جانبيه (النهاية: 4 / 268). (3) الإحن: جمع إحنة؛ الحقد (النهاية: 1 / 27). (4) مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173. 292 2 / 1 - 1 نسبه 2316 - ربيع الأبرار: كان معاوية يعزى إلى أربعة: مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى العباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح مغن أسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبو سفيان دميما، قصيرا، وكان الصباح عسيفا (1) لأبي سفيان، شابا وسيما، فدعته هند إلى نفسها (2). 2317 - الفخري: كانت أمه هند بنت عتبة شريفة في قريش، أسلمت عام الفتح. وكانت في وقعة أحد لما صرع حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من طعنة الحربة التي طعنها، جاءت هند فمثلت بحمزة، وأخذت قطعة من كبده فمضغتها حنقا عليه؛ لأنه كان قد قتل رجالا من أقاربها! فلذلك يقال لمعاوية ابن آكلة الأكباد (3). 2 / 1 - 2 دعاء النبي عليه 2318 - المعجم الكبير عن ابن عباس: سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صوت رجلين يغنيان؛ وهما يقولان: ولا يزال حواري يلوح عظامه * زوى الحرب عنه أن يجن فيقبرا فسأل عنهما فقيل: معاوية وعمرو بن العاص، فقال: اللهم اركسهما في الفتنة
(1) العسيف: الأجير (مجمع البحرين: 2 / 1214). (2) ربيع الأبرار: 3 / 551، شرح نهج البلاغة: 1 / 336؛ بحار الأنوار: 33 / 201 / 489. (3) الفخري: 103. 293 ركسا، ودعهما إلى النار دعا (1). 2319 - صحيح مسلم عن ابن عباس: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتواريت خلف باب. قال: فجاء فحطأني حطأة (2) وقال: اذهب وادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل. قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه! (3) 2320 - وقعة صفين عن علي بن الأقمر: وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا: لو مررنا برجل قد شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعاينه، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا: يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حدثنا ما شهدت ورأيت. قال: إن هذا أرسل إلي - يعني معاوية - فقال: لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه، ثم قلت: وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي، فقال: والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك.
(1) المعجم الكبير: 11 / 32 / 10970، مسند ابن حنبل: 7 / 182 / 19801، مسند أبي يعلى: 13 / 429 / 7436؛ وقعة صفين: 219، شرح الأخبار: 2 / 535 / 499 كلها عن أبي برزة نحوه وراجع لسان العرب: 6 / 100. قال العلامة الأميني: للحديث طرق أربعة صحيحة لا غمز فيها غير أن ابن كثير حببته أمانته أن لا يذكر من طرق الحديث إلا الضعيف كما أن السيوطي راقه أن لا ينضد في سلك لآلئه إلا المزيف، ساكتا عن الأسانيد الصحيحة حفظا لكرامة ابن هند (الغدير: 10 / 145). (2) يقال: حطأه، حطأ؛ إذا دفعه بكفه. وقيل: لا يكون الحطء إلا ضربة بالكف (النهاية: 1 / 404). (3) صحيح مسلم: 4 / 2010 / 96، أسد الغابة: 5 / 202 / 4948، مسند الطيالسي: 359 / 2746، دلائل النبوة للبيهقي: 6 / 243 وفي آخره " قال: فما شبع أبدا "، تاريخ الطبري: 10 / 58، فتوح البلدان: 663، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 121 / 82، البداية والنهاية: 8 / 119 والستة الأخيرة نحوه. 294 وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فيه، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل إليه يدعوه - وكان يكتب بين يديه - فجاء الرسول فقال: هو يأكل. فقال: " لا أشبع الله بطنه " فهل ترونه يشبع؟ قال: وخرج من فج (1) فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه، أحدهما قائد والآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم العن القائد والسائق والراكب. قلنا: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، وإلا فصمتا أذناي، كما عميتا عيناي (2). 2321 - البداية والنهاية - بعد ذكر كلام النبي (صلى الله عليه وآله) -: وقد كان معاوية لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته، فيقال: إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم، وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيى (3). 2322 - تهذيب التهذيب عن علي بن عمر: النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة (4) [ثم إلى دمشق] فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل وتوفي
(1) الفج: الطريق الواسع (النهاية: 3 / 412). (2) وقعة صفين: 220، بحار الأنوار: 33 / 190 / 458 - 474. (3) البداية والنهاية: 6 / 169. وقال ابن كثير في موضع آخر: وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه، أما في دنياه فإنه لما صار إلى الشام أميرا، كان يأكل في اليوم سبع مرات، يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا!! (البداية والنهاية: 8 / 119). (4) الرملة: مدينة عظيمة بفلسطين وهي اليوم خراب، بينها وبين بيت المقدس ثمانية عشر يوما، كانت مقر ملك سليمان بن داود (عليهما السلام) (معجم البلدان: 3 / 69). 295 مقتولا شهيدا.... وعن أبي بكر المأموني: قيل له [أي النسائي] وأنا حاضر: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج؟ " اللهم لا تشبع بطنه "!! وسكت وسكت السائل (1). 2 / 1 - 3 أمر النبي بقتله إذا شوهد على منبره 2323 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (2). 2324 - عنه (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه (3). 2325 - عنه (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه (4). 2326 - أنساب الأشراف عن أبي سعيد الخدري: إن رجلا من الأنصار أراد قتل معاوية، فقلنا له: لا تسل السيف في عهد عمر حتى نكتب إليه قال: إني سمعت
(1) تهذيب التهذيب: 1 / 94 / 66، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 11 وفيه من " قيل له... " وراجع تهذيب الكمال: 1 / 338 / 48. (2) تهذيب التهذيب: 1 / 637 / 1708 عن عبد الله و ج 3 / 71 / 366 عن عبد الله مرفوعا و ج 4 / 346 / 5956، تاريخ دمشق: 59 / 157 كلاهما عن الحسن، سير أعلام النبلاء: 3 / 149 و ج 6 / 105؛ وقعة صفين: 221 كلاهما عن الحسن وص 216 عن زر بن حبيش وعن عبد الله بن مسعود وزاد في ذيله " قال الحسن: فما فعلوا ولا أفلحوا ". (3) وقعة صفين: 216 عن الحسن وزاد في ذيله " قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح "؛ تاريخ دمشق: 59 / 156 / 12336 و ح 12337 كلاهما عن أبي سعيد وفيه " فارجموه " بدل " فاقتلوه ". (4) وقعة صفين: 216 عن عبد الله بن مسعود. 296 رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " إذا رأيتم معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه ". قالوا: ونحن سمعناه ولكن لا نفعل حتى نكتب إلى عمر، فكتبوا إليه فلم يأتهم جواب الكتاب حتى مات (1). 2 / 1 - 4 وصية والديه 2327 - البداية والنهاية عن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف: قال أبو سفيان - لمعاوية -: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا، فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعا، وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخالفهم؛ فإنك تجري إلى أمد، فنافس فإن بلغته أورثته عقبك، فلم يزل معاوية نائبا على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان (2). 2328 - البداية والنهاية عن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف: قالت هند - لمعاوية فيما كتبت به إليه -: والله يا بني إنه قل أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل [أي عمر بن الخطاب] قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت (3). 2 / 1 - 5 عمر بن الخطاب ومعاوية 2329 - البداية والنهاية عن الزهري: ذكر معاوية عند عمر بن الخطاب فقال:
(1) أنساب الأشراف: 5 / 136. (2) البداية والنهاية: 8 / 118. (3) البداية والنهاية: 8 / 118. 297 دعوا فتى قريش وابن سيدها؛ إنه لمن يضحك في الغضب، ولا ينال منه إلا على الرضا، ومن لا يؤخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدميه (1). 2330 - تاريخ الطبري عن أبي محمد الأموي: خرج عمر بن الخطاب إلى الشام، فرأى معاوية في موكب يتلقاه، وراح إليه في موكب، فقال له عمر: يا معاوية! تروح في موكب وتغدو في مثله، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك! قال: يا أمير المؤمنين إن العدو بها قريب منا ولهم عيون وجواسيس، فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزا، فقال له عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب أو خدعة رجل أريب، فقال معاوية يا أمير المؤمنين مرني بما شئت أصر إليه، قال: ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك! (2) 2331 - سير أعلام النبلاء: لما قدم عمر الشام، تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة، فلما دنا منه، قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم. قال: ولم تفعل ذلك؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم، فإن نهيتني انتهيت، قال: يا معاوية! ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس (3). لئن كان ما قلت حقا؛ إنه لرأي أريب، وإن كان باطلا؛ فإنه لخدعة أديب. قال: فمرني. قال: لا آمرك ولا أنهاك.
(1) البداية والنهاية: 8 / 124. (2) تاريخ الطبري: 5 / 331. (3) الرواجب: هي ما بين عقد الأصابع من داخل والضرس: الصعب السيئ الخلق (النهاية: 2 / 197 و ج 3 / 83). 298 فقيل: يا أمير المؤمنين! ما أحسن ما صدر عما أوردته. قال: لحسن مصادره وموارده جشمناه (1) ما جشمناه (2). 2332 - تاريخ الطبري عن سعيد المقبري: قال عمر بن الخطاب: تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية! (3). 2333 - الاستيعاب: قال عمر [بن الخطاب] إذ دخل الشام ورأى معاوية: هذا كسرى العرب (4). 2 / 1 - 6 خصاله الموبقة 2334 - تاريخ الطبري عن الحسن: أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا؛ يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زيادا؛ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الولد للفراش، وللعاهر الحجر ". وقتله حجرا، ويلا له من حجر - مرتين - (5).
(1) يقال: جشمت الأمر وتجشمته: إذا تكلفته (النهاية: 1 / 274). (2) سير أعلام النبلاء: 3 / 133 / 25، الاستيعاب: 3 / 471 / 2464، تاريخ دمشق: 59 / 112، البداية والنهاية: 8 / 124 كلها نحوه. (3) تاريخ الطبري: 5 / 330. (4) الاستيعاب: 3 / 471 / 2464. (5) تاريخ الطبري: 5 / 279، الكامل في التاريخ: 2 / 499 نحوه وفيه " بالسيف " بدل " بالسفهاء " وراجع محاضرات الأدباء: 4 / 483، البداية والنهاية: 8 / 130. 299 2 / 1 - 7 هويته عن لسان الإمام علي 2335 - الإمام علي (عليه السلام) - في صفة معاوية -: لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين (1). 2336 - عنه (عليه السلام) - في صفة رجل مذموم، ثم في فضله هو (عليه السلام) -: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق (2) البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه! ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني؛ فأما السب فسبوني؛ فإنه لي زكاة، ولكم نجاة؛ وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني؛ فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة (3). 2337 - عنه (عليه السلام) - في كتابه إلى معاوية -: فسبحان الله! ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة (4).
(1) تاريخ الطبري: 5 / 8. (2) مندحق البطن: أي واسعها، كأن جوانبها قد بعد بعضها من بعض، فاتسعت (النهاية: 2 / 105). (3) نهج البلاغة: الخطبة 57، إعلام الورى: 1 / 340، شرح المائة كلمة: 237 وفي صدره " ما حكم بوقوعه في حق عبيد الله بن زياد أما إنه... "، بحار الأنوار: 39 / 325 / 27؛ ينابيع المودة: 1 / 205 / 3. (4) نهج البلاغة: الكتاب 37، الاحتجاج: 1 / 428 / 92، بحار الأنوار: 33 / 98 / 403 وفيهما " تضييع " بدل " تضييق ". 300 2338 - عنه (عليه السلام): والله، لود معاوية أنه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة (1) إلا طعن في نيطه (2) إطفاء لنور الله، (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (3) (4). راجع: حرب الدعاية. 2 / 1 - 8 أهداف معاوية 2339 - سير أعلام النبلاء عن سعيد بن سويد: صلى بنا معاوية في النخيلة (5) الجمعة في الضحى ثم خطب وقال: ما قاتلنا لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا أو تزكوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلناكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون (6). 2340 - مروج الذهب عن مطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية، ويذكر عقله، ويعجب مما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتما، فانتظرته ساعة، وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال: يا بني، إني جئت من عند أخبث الناس! قلت له: وما ذاك؟ قال:
(1) الضرمة: النار، وهذا يقال عند المبالغة في الهلاك؛ لأن الكبير والصغير ينفخان النار (النهاية: 3 / 86). (2) أي إلا مات. يقال: طعن في نيطه، وفي جنازته؛ إذا مات (النهاية: 5 / 141). (3) التوبة: 32. (4) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 180، النهاية في غريب الحديث: 5 / 90 وفيه إلى " ضرمة "، شرح نهج البلاغة: 19 / 129 وفيه إلى " نيطه "؛ تفسير العياشي: 2 / 81 / 30 عن أبي الأعز التميمي. (5) النخيلة: موضع قرب الكوفة على سمت الشام (معجم البلدان: 5 / 278). (6) سير أعلام النبلاء: 3 / 146 / 25، البداية والنهاية: 8 / 131؛ كشف الغمة: 2 / 167. 301 قلت له - وقد خلوت به -: إنك قد بلغت منا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا؛ فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم؛ فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، فقال لي: هيهات هيهات!! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين، والله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر ما فعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أم لك، والله ألا دفنا دفنا (1). 2 / 1 - 9 كتاب الإمام الحسين إليه (2) 2341 - الإمام الحسين (عليه السلام) - في كتابه إلى معاوية -: أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها، وإن الحسنات لا يهدي لها، ولا يسدد إليها إلا الله تعالى.
(1) مروج الذهب: 4 / 41، الأخبار الموفقيات: 576 / 375، شرح نهج البلاغة: 5 / 129؛ كشف اليقين: 466 / 565، كشف الغمة: 2 / 44 كلها نحوه، بحار الأنوار: 33 / 169 / 443. (2) كتب معاوية إلى الإمام الحسين (عليه السلام): أما بعد، فقد انتهت الي منك أمور، لم أكن أظنك بها رغبة عنها، وإن أحق الناس بالوفا لمن اعطى بيعة من كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتق الله ولا تردن هذه الأمة في فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (الإمامة والسياسة: 1 / 201). 302 وأما ما ذكرت أنه رقي إليك عني، فإنما رقاه الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حربا ولا خلافا، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم. ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكدة، جرأة على الله، واستخفافا بعهده؟ أولست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم (1) نزلت من شعف (2) الجبال. أولست المدعي زيادا في الإسلام، فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الولد للفراش وللعاهر الحجر؟ ثم سلطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل. سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك. أولست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه (صلى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا منة عليكم. وقلت فيما قلت: لا ترد هذه الأمة في فتنة. وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من
(1) العصم: الوعول (لسان العرب: 12 / 406). (2) جمع شعفة؛ وهي من كل شيء أعلاه (النهاية: 2 / 481). 303 إمارتك عليها. وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد. وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك؛ فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي، وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى. وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك. فكدني يا معاوية ما بدا لك، فلعمري لقديما يكاد الصالحون، وإني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك، فكدني ما بدا لك. واتق الله يا معاوية! واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، واعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة، وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيا يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعية. والسلام (1). 2 / 1 - 10 بلاغ تعميمي للمعتضد العباسي 2342 - تاريخ الطبري - في ذكر وقائع سنة 284 ه -: في هذه السنة عزم المعتضد بالله على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس، فخوفه عبيد الله بن سليمان بن وهب اضطراب العامة، وأنه لا يأمن أن تكون فتنة، فلم يلتفت إلى ذلك... وأمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه
(1) الإمامة والسياسة: 1 / 202؛ رجال الكشي: 1 / 252 / 99، الاحتجاج: 2 / 89 / 164 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 44 / 212 / 9. 304 نسخة هذا الكتاب... وفيه بعد الحمد والثناء على رسول الله (صلى الله عليه وآله): وكان ممن عانده ونابذه وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر، والسواد الأعظم، يتلقونه بالتكذيب والتثريب، ويقصدونه بالأذية والتخويف، ويبادونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدون عنه من قصده، وينالون بالتعذيب من اتبعه. وأشدهم في ذلك عداوة، وأعظمهم له مخالفة، وأولهم في كل حرب ومناصبة، لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر وأحد والخندق والفتح - أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع، لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم، فحارب مجاهدا، ودافع مكابدا، وأقام منابذا حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقول بالإسلام غير منطو عليه، وأسر الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون، وميز له المؤلفة قلوبهم، فقبله وولده على علم منه. فمما لعنهم الله به على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، وأنزل به كتابا قوله: (والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) (1) ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أمية. ومنه قول الرسول (عليه السلام) وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به: لعن الله القائد والراكب والسائق.... ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (2)
(1) الإسراء: 60. (2) القدر: 3. 305 من ملك بني أمية. ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه، فدافع بأمره، واعتل بطعامه، فقال النبي: " لا أشبع الله بطنه ". فبقي لا يشبع ويقول: والله ما أترك الطعام شبعا ولكن إعياء! ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي ". فطلع معاوية. ومنه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه. ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال: إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي: يا حنان يا منان، (ءآلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) (1). ... ثم مما أوجب الله له به اللعنة قتله من قتل صبرا من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي، فيمن قتل من أمثالهم، في أن تكون له العزة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة، والله عز وجل يقول: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خلدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) (2). ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله ادعاؤه زياد بن سمية جرأة على الله! والله يقول: (ادعوهم لإبائهم هو أقسط عند الله) (3) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " ملعون
(1) يونس: 91. (2) النساء: 93. (3) الأحزاب: 5. 306 من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه ". ويقول: " الولد للفراش وللعاهر الحجر ". فخالف حكم الله عز وجل، وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) جهارا، وجعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضره عهره، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أم حبيبة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وفي غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله، وأثبت بها قربى قد باعدها الله، وأباح بها ما قد حظره الله، مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله ولم ينل الدين تبديل شبهه. ومنه إيثاره بدين الله، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدد والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطلع على خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره. فلما تمكن منه ما مكنه منه، ووطأه له، وعصى الله ورسوله فيه، طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عبد (1) نفسه وغليله، وظن أن قد انتقم من أولياء الله، وبلغ النوى لأعداء الله، فقال مجاهرا بكفره ومظهرا لشركه: ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تسل لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل
(1) يقال عبد يعبد عبدا: أي غضب غضب أنفة (النهاية: 3 / 170). 307 ولعت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه، ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله، ولا بما جاء من عند الله. ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع موقعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومكانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراء على الله، وكفرا بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار أهل الترك والديلم، لا يخاف من الله نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عمره، واجتث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته... (1). 2 / 2 عمرو بن العاص سياسي ماكر، ومحتال ماهر، ووجه متلون عجيب، وعد أحد دهاة العرب
(1) تاريخ الطبري: 10 / 54. قال الطبري بعد نقل هذا الكتاب: إن عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، فمضى يوسف بن يعقوب فكلم المعتضد في ذلك وقال له: يا أمير المؤمنين! إني أخاف أن تضطرب العامة، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة. فقال: إن تحركت العامة أو نطقت وضعت سيفي فيها، فقال: يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذين هم في كل ناحية يخرجون ويميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم وفي هذا الكتاب إطراؤهم؟ أو كما قال، وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هم أبسط ألسنة، وأثبت حجة منهم اليوم. فأمسك المعتضد فلم يرد عليه جوابا ولم يأمر من الكتاب بعده بشيء (تاريخ الطبري: 10 / 63)، وقال ابن الأثير: كان عبيد الله - الذي سعى في عدم قراءة هذا الكتاب - من المنحرفة عن علي (عليه السلام) (الكامل في التاريخ: 4 / 585). 308 الأربعة (1). كان له في الفحشاء عرق؛ فأمه النابغة كانت من البغايا المشهورة. ولما ولد عمرو في سنة 50 قبل الهجرة، نسبته أمه إلى خمسة، ثم اختارت العاص وألحقته به (2). نشأ عمرو في حجر من كان يهجو النبي (صلى الله عليه وآله) كثيرا، وهو الذي عبرت عنه سورة الكوثر بالأبتر (3). وكان الإمام الحسن (عليه السلام) يقول فيه: ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا (4). وكان عمرو بن العاص يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله) ويهجوه كثيرا في مكة. وبعد كل ما أبداه من عناد وتهتك لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: اللهم إن عمرو بن العاص هجاني، وأنت تعلم أني لست بشاعر، فالعنه مكان كل بيت هجاني لعنة (5). وعندما هاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، ذهب عمرو بن العاص إلى بلاد النجاشي مبعوثا من قريش ليرجعهم، فلم يفلح (6). قال ابن أبي الحديد في وصف عمرو بن العاص: وكان عمرو أحد من يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ويشتمه، ويضع في طريقه الحجارة؛ لأنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج من منزله ليلا، فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه
(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 58 / 15، تهذيب الكمال: 22 / 82 / 4388، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 7 / 54. (2) ربيع الأبرار: 3 / 548، العقد الفريد: 1 / 347، شرح نهج البلاغة: 6 / 284 و 285. (3) البداية والنهاية: 3 / 104 و ج 5 / 307، الدر المنثور: 8 / 647. (4) شرح نهج البلاغة: 6 / 291. (5) الإيضاح: 84، الاحتجاج: 2 / 36؛ شرح نهج البلاغة: 6 / 282 وص 291 كلها نحوه. (6) مسند ابن حنبل: 1 / 431 / 1740، السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 357، سير أعلام النبلاء: 3 / 61 / 15، أسد الغابة: 4 / 232 / 3971، البداية والنهاية: 3 / 70 - 72. 309 ليعثر بها... لشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليزهده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله (1). قاتل المسلمين في حروب متعددة إلى جانب المشركين (2). ولما أحس بقدرة الإسلام المتعاظمة، أسلم سنة 8 ه قبل فتح مكة (3). كان ملما بفنون القتال. أمره النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة ذات السلاسل، وفي الجيش أبو بكر، وعمر (4)، وعندما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) كان في مهمة بعمان (5) (6). أحبه عمر بن الخطاب كثيرا، وكان يكرمه ويبجله (7). وفتح ابن العاص مصر في أيامه، ثم ولاه عليها (8). وظل واليا عليها في عهد عثمان مدة، ثم عزله عثمان وولى أخاه لأمه عبد الله
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 283. (2) سير أعلام النبلاء: 3 / 63 / 15، البداية والنهاية: 4 / 236. (3) أسد الغابة: 4 / 232 / 3971، البداية والنهاية: 4 / 236. (4) سير أعلام النبلاء: 3 / 67 / 15، تاريخ الطبري: 3 / 32، تاريخ دمشق: 46 / 146، تهذيب الكمال: 22 / 81 / 4388، الكامل في التاريخ: 1 / 604، أسد الغابة: 4 / 233 / 3971. (5) عمان: اسم لبلدة عربية على ساحل بحر اليمن والهند (معجم البلدان: 4 / 150). وهي اليوم من دول الجزيرة العربية تقع في الجنوب الشرقي منها، عاصمتها مسقط. (6) تاريخ الطبري: 3 / 258 وص 302، سير أعلام النبلاء: 3 / 69 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 152، أسد الغابة: 4 / 233 / 3971 وفي بعضها " بالبحرين ". (7) النجوم الزاهرة: 1 / 63 و 64. (8) سير أعلام النبلاء: 3 / 58 / 15، تاريخ الطبري: 4 / 104 - 106 وص 241، الكامل في التاريخ: 2 / 174 وص 227، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 8 / 26. 310 ابن سعد بن أبي سرح؛ انطلاقا من سياسته في تحكيم الأمويين (1). فاغتم عمرو لذلك وحقد على عثمان، وكان له دور مهم في تأليب الناس عليه (2). وكان ابن العاص داهية، عارفا بزمانه، ومن جانب آخر كان ركونا إلى الدنيا، عابدا لهواه، من هنا كان يعلم جيدا أنه لا يمكن أن ينسجم مع أشخاص مثل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، لذلك ولى صوب معاوية (3) عندما تقلد الإمام الخلافة، وهو يعلم أن حب الدنيا هو الذي حداه على ذلك، وقال لمعاوية مرة: إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها... (4). وهكذا كان، إذ جعل ولاية مصر شرطا لمؤازرته معاوية (5). وكان في حرب صفين قائدا لجيش الشام، ومستشارا لمعاوية، وموجها للحرب في ساحة القتال (6).
(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 34 / 8 وص 71 / 15، تاريخ الطبري: 4 / 253، الكامل في التاريخ: 2 / 235، البداية والنهاية: 7 / 151. (2) أنساب الأشراف: 6 / 192 وص 209 و ج 3 / 74، سير أعلام النبلاء: 3 / 73 / 15، مروج الذهب: 2 / 363، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، الفتوح: 2 / 418، البداية والنهاية: 7 / 170. (3) تاريخ الطبري: 4 / 560، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 8 / 26. (4) سير أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 167، النجوم الزاهرة: 1 / 63، مروج الذهب: 2 / 363، الفتوح: 2 / 511، الإمامة والسياسة: 1 / 116؛ وقعة صفين: 35 وص 39 و 43 وفيه شعر علي بن أبي طالب (عليه السلام) في ذلك، تاريخ اليعقوبي: 2 / 185 والسبعة الأخيرة نحوه. (5) أنساب الأشراف: 3 / 74، سير أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ الطبري: 5 / 98، مروج الذهب: 2 / 363، الكامل في التاريخ: 2 / 411، الأخبار الطوال: 158، الفتوح: 2 / 513 و 514، الإمامة والسياسة: 1 / 117؛ وقعة صفين: 40، تاريخ اليعقوبي: 2 / 186. (6) تاريخ الطبري: 4 / 563 و ج 5 / 12، الكامل في التاريخ: 2 / 359 وص 371، الفتوح: 2 / 537، الإمامة والسياسة: 1 / 117. 311 وكان أسود القلب، أعماه حب الدنيا عن رؤية الحق، وكان يعرف فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وطالما صرح بها (1). وكذلك كان يعرف عمار بن ياسر وشخصيته، ويعتقد بكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه إذ قال له: " تقتلك الفئة الباغية " (2). ومن جهة أخرى كان يدرك ضعة معاوية ورذالته وتعسفه. كما كان هو نفسه لا نظير في ضعته وحقارته؛ إذ كشف عورته للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لما رأى الموت قد أمسك بخناقه!! فنجا من الموت بهذه المكيدة التي تمثل وصمة عار عليه (3). وهو صاحب خطة رفع المصاحف على الرماح عند اشتداد الحرب، وتواتر الهزائم، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتمي (4). ومثل معاوية في التحكيم، فخدع أبا موسى الأشعري؛ إذ جعل نتيجة التحكيم لمصلحة معاوية (5)، فمهد الأرضية لفتن أخرى. وكان أحد المخططين البارعين للسياسة الدعائية المناهضة
(1) أنساب الأشراف: 3 / 73، تاريخ الطبري: 4 / 561، الأخبار الطوال: 158؛ وقعة صفين: 37 وص 222 وص 237، الأمالي للطوسي: 134 / 217، تاريخ اليعقوبي: 2 / 186. (2) الكامل في التاريخ: 2 / 381، الفتوح: 3 / 74، البداية والنهاية: 7 / 268؛ وقعة صفين: 341 وص 343. (3) الفتوح: 3 / 47، البداية والنهاية: 4 / 20 و ج 7 / 264. (4) أنساب الأشراف: 3 / 98، تاريخ الطبري: 5 / 48، الكامل في التاريخ: 2 / 386، الفتوح: 3 / 181، البداية والنهاية: 7 / 273. (5) تاريخ الطبري: 5 / 51 وص 70، الكامل في التاريخ: 2 / 396، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، الفتوح: 4 / 197. 312 لأمير المؤمنين (عليه السلام) (1). وإن قيامه بتعكير الأجواء، وتضليل الناس، وانتقال المواقف ضد أمير المؤمنين (عليه السلام) معلم على لؤمه وقبحه ومكره، وأشار الإمام إلى شيء من ذلك إشارة بليغة في الخطبة 84 من نهج البلاغة. قاتل ابن العاص محمد بن أبي بكر في مصر، فغلبه وأحكم قبضته عليها (2). هلك سنة 43 ه (3). وخلف ثروة طائلة، ودراهم ودنانير وافرة. وذكر أن أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهبا (4). 2 / 2 - 1 نسبه 2343 - ربيع الأبرار: كانت النابغة - أم عمرو بن العاص - أمة رجل من عنزة، فسبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان، فكانت بغيا، ثم عتقت. ووقع عليها أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، في طهر واحد، فولدت عمرا! فادعاه كلهم، فحكمت فيه أمه فقالت: هو للعاص؛ لأن العاص كان ينفق عليها.
(1) نهج البلاغة: الخطبة 84، الأمالي للطوسي: 131 / 208، الغارات: 2 / 513. (2) تاريخ الطبري: 5 / 100 - 105، الكامل في التاريخ: 2 / 412، أسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 7 / 313 - 317. (3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 513 / 5907 و ح 5910 و ح 5909 وفيه " سنة 51 و 42 " و ح 5911، تهذيب الكمال: 22 / 83 / 4388 وفيهما " سنة 42 "، تاريخ الطبري: 5 / 181، الكامل في التاريخ: 2 / 458، البداية والنهاية: 8 / 24. (4) سير أعلام النبلاء: 3 / 77 / 15. 313 وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان، وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك منه بينات الشمائل (1) 2344 - العقد الفريد عن عبد الله بن سليمان المدني وأبي بكر الهذلي: إن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية؛ وهي عجوز كبيرة، فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك وأهلا يا عمة، فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يا بن أخي، لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك، ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام، بعد أن كفرتم برسول الله (صلى الله عليه وآله).... فقال لها عمرو بن العاص: كفى أيتها العجوز الضالة، وأقصري من قولك مع ذهاب عقلك؛ إذ لا تجوز شهادتك وحدك؟ فقالت له: وأنت يا بن النابغة!! تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة تغني بمكة وآخذهن للأجرة، ادعاك خمسة نفر من قريش، فسئلت أمك عنهم، فقالت: كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فلحقت به (2). 2345 - بلاغات النساء عن أنس بن مالك: قال عمرو بن العاص [لأروى بنت الحارث]: أيتها العجوز الضالة! أقصري من قولك، وغضي من طرفك. قالت: ومن أنت لا أم لك؟ قال: عمرو بن العاص.
(1) ربيع الأبرار: 3 / 548. (2) العقد الفريد: 1 / 346. 314 قالت: يا بن اللخناء النابغة! أتكلمني؟ أربع على ظلعك (1)، واعن بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك ستة من قريش كل واحد يزعم: أنه أبوك. ولقد رأيت أمك - أيام منى - بمكة مع كل عبد عاهر - أي فاجر - فأتم بهم؛ فإنك بهم أشبه (2). 2346 - شرح نهج البلاغة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الأنساب: إن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، فقيل: لتحكم أمه. فقالت أمه: إنه من العاص بن وائل. فقال أبو سفيان: أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه، فأبت إلا العاص. فقيل لها: أبو سفيان أشرف نسبا. فقالت: إن العاص بن وائل كثير النفقة علي، وأبو سفيان شحيح (3). 2 / 2 - 2 كلام الإمام علي في خصائصه 2347 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى عمرو بن العاص -: فإنك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره، يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته، فاتبعت أثره، وطلبت فضله، اتباع الكلب للضرغام يلوذ
(1) أربع: أي كف وارفق. والظلع: العرج، والمعنى: اسكت على ما فيك من العيب (لسان العرب: 8 / 110 و ص 244 وانظر مجمع الأمثال: 2 / 35 / 1553). (2) بلاغات النساء: 43. (3) شرح نهج البلاغة: 6 / 284؛ بحار الأنوار: 33 / 230 / 516. 315 بمخالبه، وينتظر ما يلقي إليه من فضل فريسته. فأذهبت دنياك وآخرتك! ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت؛ فإن يمكني الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما، وإن تعجزا (1) وتبقيا فما أمامكما شر لكما، والسلام (2). 2348 - عنه (عليه السلام): عجبا لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأني امرؤ تلعابة، أعافس (3) وأمارس! لقد قال باطلا، ونطق آثما. أما - وشر القول الكذب - إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيبخل، ويسأل فيلحف (4)، ويخون العهد، ويقطع الإل (5)، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو! ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته (6). أما والله، إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، إنه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (7) (8).
(1) أي: وإن لم أستطع أخذكما أو مت قبل ذلك وبقيتما بعدي (شرح نهج البلاغة: 16 / 163). (2) نهج البلاغة: الكتاب 39، الاحتجاج: 1 / 432 / 95 وفيه " أخبرتكما " بدل " أجزكما ". (3) المعافسة: المعالجة والممارسة والملاعبة (النهاية: 3 / 263). (4) يقال: ألحف في المسألة يلحف: إذا ألح فيها ولزمها (النهاية: 4 / 237). (5) الإل: العهد والقرابة (مجمع البحرين: 1 / 62). (6) السبة: الإست (مجمع البحرين: 2 / 802). (7) أي عطية (النهاية: 2 / 228). (8) نهج البلاغة: الخطبة 84، الاحتجاج: 1 / 433 / 96، شرح المائة كلمة: 162 / 13، الأمالي للطوسي: 131 / 208 عن علي بن محمد، الغارات: 2 / 513 كلاهما نحوه إلى " القوم سبته ". 316 2349 - العقد الفريد: ذكر عمرو بن العاص عند علي بن أبي طالب، فقال فيه علي: عجبا لابن النابغة! يزعم أني بلقائه أعافس وأمارس، أنى وشر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف، ويسأل فيبخل. فإذا احمر البأس، وحمي الوطيس (1)، وأخذت السيوف مأخذها من هام الرجال، لم يكن له هم إلا نزعه ثيابه، ويمنح الناس استه! أغصه الله وترحه (2) (3). 2 / 2 - 3 كلام الإمام الحسن في مثالبه 2350 - شرح نهج البلاغة - في ذكر مفاخرة بين الحسن بن علي (عليهما السلام) ورجالات من قريش، قال الإمام الحسن (عليه السلام) -: أما أنت يا بن العاص؛ فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا؛ من عهر وسفاح، فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها، ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال: أنا شانئ محمد الأبتر، فأنزل الله فيه ما أنزل. وقاتلت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة. ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا، جعلت
(1) الوطيس: شبه التنور. وقيل: هو الضراب في الحرب. وقيل: هو الوطء الذي يطس الناس؛ أي يدقهم. عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق (النهاية: 5 / 204). (2) ترحه الأمر: أي أحزنه (لسان العرب: 2 / 417). (3) العقد الفريد: 3 / 335، جواهر المطالب: 2 / 38 نحوه وفيه " تلعابة " بدل " بلقائه " وزاد في آخره " وأخزاه وفضحه ". 317 حدك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب مع حليلتك، ففضحك الله وفضح صاحبك. فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام. ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اللهم إني لا أقول الشعر، ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة " فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن. وأما ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت (1) قرحة أدميتها. ثم حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه؛ فلسنا نلومك على بغض، ولا نعاتبك على ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا. ويحك يا بن العاص! ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي: تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير مني بمستنكر فقلت: ذريني فإني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر وشانئ أحمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر وأجري إلى عتبة جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر ولا أنثني عن بني هاشم * وما اسطعت في الغيب والمحضر فإن قبل العتب مني له * وإلا لويت له مشفري (2)
(1) يقال: نكأت القرحة أنكؤها: إذا قشرتها (النهاية: 5 / 117). (2) المشفر للبعير كالشفة للإنسان (لسان العرب: 4 / 419). 318 فهذا جوابك هل سمعته (1). 2351 - الاحتجاج عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري - في بيان احتجاج الحسن بن علي (عليهما السلام) على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية، قال الحسن (عليه السلام) -: أما أنت يا عمرو بن العاص، الشانئ اللعين الأبتر، فإنما أنت كلب، أول أمرك أن أمك بغية، وأنك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش، منهم: أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلهم يزعم أنك ابنه؛ فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية. ثم قمت خطيبا، وقلت: أنا شانئ محمد، وقال العاص بن وائل: إن محمدا رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالى: (إن شانئك هو الأبتر) (2). وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية؛ تأتيهم في دورهم، وفي رحالهم، وبطون أوديتهم. ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عدوه أشدهم له عداوة، وأشدهم له تكذيبا. ثم كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السيئ بك، وجعل جدك الأسفل، وأبطل أمنيتك، وخيب
(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 291 وراجع تذكرة الخواص: 201 وجواهر المطالب: 2 / 219. (2) الكوثر: 3. 319 سعيك، وأكذب أحدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا (1). 2 / 2 - 4 كلام ابن عباس في مثالبه 2352 - العقد الفريد عن أبي مخنف: حج عمرو بن العاص، فمر بعبد الله بن عباس، فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له، وموقعه من قلوبهم، فقال له: يا بن عباس، ما لك إذا رأيتني وليتني القصرة، وكأن بين عينيك دبرة، وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة (2) الهمزة! فقال ابن عباس: لأنك من اللئام الفجرة، وقريش الكرام البررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقا علموه، وهم أعظم الناس أحلاما، وأرفع الناس أعلاما. دخلت في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين فراشين؛ لا في بني هاشم رحلك، ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، الضال المضل، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحلمه، وتسمو بكرمه (3). 2 / 2 - 5 ولايته في عصر عمر 2353 - الأنساب: عمرو بن العاص... كان من دهاة الناس، ولاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(1) الاحتجاج: 2 / 35 / 150، بحار الأنوار: 44 / 80 / 1. (2) رجل هوهاة: أي جبان، وهو الأحمق أيضا (المحيط في اللغة: 4 / 92). (3) العقد الفريد: 3 / 73. 320 على جيش ذات السلاسل وكان في تلك القرية أبو بكر وعمر، ثم ولاه عمر على جيش بالشام، وفتح بيت المقدس وعدة من بلاد فلسطين (1). 2354 - النجوم الزاهرة عن الليث بن سعد: إن عمر نظر إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا (2). 2 / 2 - 6 اعترافه بحقانية الإمام 2355 - العزلة عن عمرو بن دينار: أخبرني من سمع عمرو بن العاص - يوم صفين - يقول لابنه عبد الله: يا بني! أنظر أين ترى عليا؟ قال: أراه في تلك الكتيبة القتماء، ذات الرماح، عليه عمامة بيضاء. قال: لله در بني عمرو بن مالك، لئن كان تخلفهم عن هذا الأمر خيرا كان خيرا مبرورا، ولئن كان ذنبا كان ذنبا مغفورا. فقال له ابنه: أي أبت! فما يمنعك إذ غبطتهم أن ترجع؟! فقال: يا بني! إن الشيخ مثلي إذا دخل في الأمر لم يدعه حتى يحكه (3). 2356 - العقد الفريد عن العتبي عن أبيه: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما أعجب الأشياء؟ قال: غلبة من لا حق له ذا الحق على حقه!
(1) الأنساب: 3 / 345. (2) النجوم الزاهرة: 1 / 63، تاريخ دمشق: 46 / 155، سير أعلام النبلاء: 3 / 70 / 15، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 92. (3) العزلة: 20 / 20. 321 قال معاوية: أعجب من ذلك أن يعطى من لا حق له ما ليس له بحق من غير غلبة! (1) 2 / 2 - 7 شرط بيعته لمعاوية 2357 - تاريخ اليعقوبي: كانت مصر والمغرب لعمرو بن العاص طعمة شرطها له يوم بايع، ونسخة الشرط: هذا ما أعطى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص مصر، أعطاه أهلها، فهم له حياته، ولا تنقص طاعته شرطا. فقال له وردان مولاه: فيه الشعر من بدنك! فجعل عمرو يقرأ الشرط، ولا يقف على ما وقف عليه وردان. فلما ختم الكتاب وشهد الشهود، قال له وردان: وما عمرك أيها الشيخ إلا كظمء حمار (2)، هلا شرطت لعقبك من بعدك؟!! فاستقال معاوية، فلم يقله، فكان عمرو لا يحمل إليه من مالها شيئا؛ يفرق الأعطية في الناس، فما فضل من شيء أخذه لنفسه. وولي عمرو بن العاص مصر عشر سنين، منها لعمر بن الخطاب أربع سنين، ولعثمان بن عفان أربع سنين إلا شهرين، ولمعاوية سنتين وثلاثة أشهر، وتوفي وله ثمان وتسعون سنة، وكان داهية العرب رأيا وحزما وعقلا ولسانا (3). 2358 - سير أعلام النبلاء: أتى [عمرو بن العاص] معاوية، فوجده يقص ويذكر أهل الشام في دم الشهيد، فقال له: يا معاوية! قد أحرقت كبدي بقصصك، أترى
(1) العقد الفريد: 3 / 355، أنساب الأشراف: 5 / 84 عن مسلمة. (2) ما بقي منه إلا قدر ظمء الحمار: أي لم يبق من عمره إلا اليسير (لسان العرب: 1 / 116). (3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 221. 322 إن خالفنا عليا لفضل منا عليه؟ لا والله! إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، أما والله، لتقطعن لي من دنياك، أو لأنابذنك. فأعطاه مصر، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي (1). راجع: تهيؤ معاوية للحرب / الاستعانة بعمرو بن العاص. 2 / 2 - 8 شدة أسفه عند الموت 2359 - الاستيعاب عن الشافعي: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه، فسلم عليه وقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض؛ لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال له ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله! صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن أبكي إلا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم؟ فقال عمرو: على حينها، من حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي، اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى!
(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 166 نحوه، النجوم الزاهرة: 1 / 63 وفيه " فأعطاه مصر يعطي أهلها عطاءهم، وما بقي فله " بدل " فأعطاه مصر... ". 323 قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد الله! أخذت جديدا، وتعطي خلقا؟! فقال عمرو: ما لي ولك يا بن عباس! ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضها (1). 2360 - تاريخ اليعقوبي: لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه: لود أبوك أنه كان مات في غزاة ذات السلاسل؛ إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته، فقال: يا ليته كان بعرا، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي، وأساء فيكم خلافتي. وتوفي عمرو ليلة الفطر سنة 43، فأقر معاوية ابنه عبد الله بن عمرو (2). 2 / 3 عبيد الله بن عمر ولد عبيد الله بن عمر بن الخطاب في زمن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (3)، وعندما قتل أبوه على يد أبي لؤلؤة حمل على الهرمزان - وكان عليلا - وعلى ابنة أبي لؤلؤة - وكانت صغيرة - وجفينة - وكان من أهل الذمة - وقتلهم (4).
(1) الاستيعاب: 3 / 269 / 1953 وراجع أسد الغابة: 4 / 234 / 3971 وشرح نهج البلاغة: 6 / 323. (2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 222. (3) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 568، أسد الغابة: 3 / 522 / 3473، الاستيعاب: 3 / 132 / 1737، الإصابة: 5 / 41 / 6255. (4) الطبقات الكبرى: 5 / 15 و 16، تاريخ الطبري: 4 / 239 وص 240 و 243، مروج الذهب: 2 / 388، الكامل في التاريخ: 2 / 226، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 296 وص 568، الإصابة: 5 / 42 / 6255، أسد الغابة: 5223 / 3473، الأوائل لأبي هلال: 1 / 126. 324 حكم عليه الصحابة - ومنهم أمير المؤمنين (عليه السلام) - بالقتل، لكن عثمان عفا عنه (1) وأمره بالهرب من الإمام (عليه السلام) وقد اقطع له عثمان كويفة ابن عمر في قرب الكوفة فلم يزل بها (2). ولما تسلم أمير المؤمنين (عليه السلام) زمام الخلافة لحق عبيد الله بمعاوية؛ خوفا من القصاص، وصار أميرا على خيالته (3). نشط كثيرا لأجل معاوية في صفين، بيد أنه قتل أثناء الحرب (4). وقد اختلف في قاتله فقيل: قتله أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقيل: مالك الأشتر، وقيل: عمار بن ياسر (5). 2361 - مروج الذهب: قد كان عبيد الله بن عمر لحق بمعاوية؛ خوفا من علي أن
(1) السنن الكبرى: 8 / 108 / 16083، الطبقات الكبرى: 5 / 17، أنساب الأشراف: 6 / 130، تاريخ الطبري: 2394، الكامل في التاريخ: 2 / 226، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 568، أسد الغابة: 3 / 523 / 3473، الإصابة: 5 / 43 / 6255. (2) الجمل: 176؛ معجم البلدان: 4 / 496. (3) الطبقات الكبرى: 5 / 17، مروج الذهب: 2 / 388، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 542 وص 568 وفيه " كان مقدم جيش معاوية يوم صفين "، أسد الغابة: 3 / 523 / 3473، الاستيعاب: 3 / 132 / 1737، الإصابة: 435 / 6255. (4) الطبقات الكبرى: 5 / 17، تاريخ الطبري: 4 / 574 و ج 5 / 34، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 297، الاستيعاب: 3 / 133 / 1737، البداية والنهاية: 7 / 266. (5) الطبقات الكبرى: 5 / 19، مروج الذهب: 2 / 395، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 569، أسد الغابة: 3 / 523 / 3473 وفيها أقوال أخر؛ وقعة صفين: 429. 325 يقيده بالهرمزان، وذلك أن أبا لؤلؤة - غلام المغيرة بن شعبة - قاتل عمر وكان في أرض العجم غلاما للهرمزان، فلما قتل عمر شد عبيد الله على الهرمزان فقتله، وقال: لا أترك بالمدينة فارسيا ولا في غيرها إلا قتلته بأبي. وكان الهرمزان عليلا في الوقت الذي قتل فيه عمر، فلما صارت الخلافة إلى علي أراد قتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان؛ لقتله إياه ظلما من غير سبب استحقه، فلجأ إلى معاوية (1). 2362 - وقعة صفين عن الجرجاني: لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان، وينال منه! فقال: الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتى، فقال له معاوية: يا بن أخي، إن لك اسم أبيك، فانظر بملء عينيك، وتكلم بكل فيك؛ فأنت المأمون المصدق فاصعد المنبر وأشتم عليا، واشهد عليه أنه قتل عثمان! فقال: يا أمير المؤمنين، أما شتميه فإنه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، فما عسى أن أقول في حسبه!! وأما بأسه فهو الشجاع المطرق، وأما أيامه فما قد عرفت، ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو بن العاص: إذا والله قد نكأت القرحة. فلما خرج عبيد الله قال معاوية: أما والله لولا قتله الهرمزان، ومخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا؛ ألم تر إلى تقريظه عليا! فقال عمرو: يا معاوية، إن لم
(1) مروج الذهب: 2 / 388. 326 تغلب فاخلب. فخرج حديثه إلى عبيد الله، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته، حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك ولم يقل شيئا، فقال له معاوية: ابن أخي، إنك بين عي أو خيانة! فبعث إليه: كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أن الناس محتملوها عني فتركتها (1). 2363 - مروج الذهب - في تفصيل وقعة صفين -: كان عبيد الله بن عمر إذا خرج إلى القتال قام إليه نساؤه فشددن عليه سلاحه، ما خلا الشيبانية بنت هانئ بن قبيصة، فخرج في هذا اليوم، وأقبل على الشيبانية وقال لها: إني قد عبأت اليوم لقومك، وأيم الله، إني لأرجو أن أربط بكل طنب من أطناب فسطاطي سيدا منهم! فقالت له: ما أبغض إلا أن تقاتلهم. قال: ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم صنديد في جاهلية ولا إسلام وفي رأسه صعر إلا أبادوه، وأخاف أن يقتلوك، وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم أن يهبوا لي جيفتك. فرماها بقوس فشجها، وقال لها: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك. ثم توجه فحمل عليه حريث بن جابر الجعفي فطعنه فقتله، وقيل: إن الأشتر النخعي هو الذي قتله، وقيل: إن عليا ضربه ضربة فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حشوة جوفه. وإن عليا قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان: لئن فاتني في هذا اليوم يفوتني في غيره.
(1) وقعة صفين: 82، بحار الأنوار: 32 / 383 / 342 - 356؛ شرح نهج البلاغة: 3 / 100. 327 وكلم نساؤه معاوية في جيفته، فأمر أن تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف، ففعلن ذلك. فاستأمرت ربيعة عليا، فقال لهم: إنما جيفته جيفة كلب لا يحل بيعها، ولكن قد أجبتهم إلى ذلك، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته. فقالوا لنسوة عبيد الله: إن شئتن شددناه إلى ذنب بغل، ثم ضربناه حتى يدخل إلى عسكر معاوية. فصرخن وقلن: هذا أشد علينا، وأخبرن معاوية بذلك. فقال لهن: ائتوا الشيبانية فسلوها أن تكلمهم في جيفته، ففعلن. وأتت القوم، وقالت: أنا بنت هانئ بن قبيصة، وهذا زوجي القاطع الظالم، وقد حذرته ما صار إليه، فهبوا إلي جيفته، ففعلوا. وألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه، ودفعوه إليها، فمضت به، وكان قد شد في رجله إلى طنب فسطاط من فساطيطهم (1). 2 / 4 عبد الله بن عمرو بن العاص ولد في سنة 38 قبل الهجرة، وأسلم وهاجر إلى المدينة بعد سنة 7 ه (2). وأبوه عمرو بن العاص يكبره بإحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة!! (3) يبدو أنه كان في البداية يمنع أباه من الذهاب إلى معاوية، ويطلب منه أن
(1) مروج الذهب: 2 / 395 وراجع الاستيعاب: 3 / 133 / 1737 والطبقات الكبرى: 5 / 18. (2) سير أعلام النبلاء: 3 / 91 / 17. (3) سير أعلام النبلاء: 3 / 80 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 163 / 55، أسد الغابة: 3 / 346 / 3092، الإصابة: 4 / 166 / 4865، الاستيعاب: 3 / 86 / 1636، البداية والنهاية: 8 / 263. 328 يعتزله، وكان يعلم بأفضلية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويرى أن معاوية صاحب دنيا، بيد أنه صحب أباه في توجهه إلى معاوية، وكان على ميمنة جيشه في حرب صفين (1)، وعلى قول: كان صاحب راية أبيه عمرو بن العاص فيها (2). ولي الكوفة في أيام معاوية مدة (3)، ثم ولاه مصر بعد هلاك أبيه (4). ورث من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب المصري، فكان من ملوك الصحابة (5). وكان يصحر بندمه على حضوره في صفين، ويقول: لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، أو بعشر سنين (6). ومات بمصر سنة 65 ه (7). 2364 - مسند ابن حنبل عن حنظلة بن خويلد العنبري: بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال
(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 91 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 165 / 55، أسد الغابة: 3 / 347 / 3092، الأخبار الطوال: 172 وفيه " هو على الخيل "، البداية والنهاية: 7 / 261 وفيه " هو على الميسرة ". (2) الفتوح: 3 / 26، الطبقات الكبرى: 4 / 266 وفيه " كانت بيده الراية ". (3) سير أعلام النبلاء: 3 / 91 / 17، تاريخ الطبري: 5 / 166، الكامل في التاريخ: 2 / 451، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 165 / 55، البداية والنهاية: 8 / 264. (4) تاريخ الطبري: 5 / 181 وص 229، الكامل في التاريخ: 2 / 458 وص 478، البداية والنهاية: 8 / 24 وص 31. (5) سير أعلام النبلاء: 3 / 90 / 17. (6) الطبقات الكبرى: 4 / 266، سير أعلام النبلاء: 3 / 92 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 166 / 55، أسد الغابة: 3 / 347 / 3092، الاستيعاب: 3 / 87 / 1636. (7) سير أعلام النبلاء: 3 / 94 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 166 / 55، الكامل في التاريخ: 2 / 661، الطبقات الكبرى: 4 / 268، أسد الغابة: 3 / 348 / 3093، الإصابة: 4 / 167 / 4865، الاستيعاب: 3 / 88 / 1636 وفي الثلاثة الأخيرة أقوال أخر، البداية والنهاية: 8 / 263. 329 عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه؛ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تقتله الفئة الباغية! قال معاوية: فما بالك معنا؟! قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: " أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه "، فأنا معكم، ولست أقاتل (1). 2365 - المعجم الأوسط عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه: كنت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو، إذ مر الحسين بن علي فسلم، فرد عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو، ثم رفع ابن عمرو صوته بعدما سكت القوم، فقال: وعليك السلام ورحمة والله وبركاته. ثم أقبل على القوم، فقال: ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى. قال: هو هذا المقفى، والله ما كلمته كلمة، ولا كلمني كلمة، منذ ليال صفين، ووالله، لأن يرضى عني أحب إلي من أن يكون لي مثل أحد. فقال له أبو سعيد الخدري: ألا تغدو إليه؟ قال: بلى. فتواعدا أن يغدوا إليه، وغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد: فأذن له، فدخلنا، فاستأذن لابن عمرو، فلم يزل به حتى أذن له الحسين، فدخل، فلما رآه أبو سعيد زحل (2) له، وهو جالس إلى جنب الحسين فمده الحسين إليه، فقام ابن عمرو، فلم يجلس، فلما رأى ذلك خلى عن أبي سعيد، فأزحل له، فجلس بينهما. فقص أبو سعيد القصة.
(1) مسند ابن حنبل: 2 / 564 / 6549، العقد الفريد: 3 / 335 وفيه إلى " الباغية ". (2) زحل عن مكانه: تنحى (تاج العروس: 14 / 304). 330 فقال: أكذلك يا بن عمرو؟ أتعلم أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي ورب الكعبة، إنك لأحب أهل الأرض إلى أهل السماء. قال: فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفين؟ والله لأبي خير مني! قال: أجل، ولكن عمرا شكاني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إن عبد الله يقوم الليل، ويصوم النهار. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " صل ونم، وصم وأفطر، وأطع عمرا "، فلما كان يوم صفين أقسم علي. والله، ما كثرت لهم سوادا، ولا اخترطت لهم سيفا، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم. فقال له الحسين: أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ قال: بلى (1). 2 / 5 عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من شجعان قريش، ومن أعداء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبني هاشم (2). كان واليا على حمص في عهد عثمان، وأشخص إليه عثمان المخرجين من الكوفة (3).
(1) المعجم الأوسط: 4 / 181 / 3917، أسد الغابة: 3 / 347 / 3092 نحوه وفيه إلى " ولا رميت بسهم " وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 73. (2) الاستيعاب: 2 / 372 / 1410، أسد الغابة: 3 / 436 / 3293. (3) أنساب الأشراف: 6 / 156، تاريخ الطبري: 4 / 321 وص 325، الكامل في التاريخ: 2 / 269، البداية والنهاية: 7 / 166. 331 وكان معاوية يعده ولده (1) وكان من أمراء جيشه في صفين وكان لواء أهل الشام بيده عند اشتداد الحرب (2)، وكان أخوه مهاجر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجمل، وصفين (3). كما كان من القادة المحاربين في بعض الأيام في معارك ذي الحجة (4). لعنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الصلاة (5). هذا، وقد نقلت عنه كلمات في الثناء على شجاعة الإمام (عليه السلام) (6). تولى حكومة حمص مدة في خلافة معاوية. ولما عرف معاوية هوى الشاميين في حكومة عبد الرحمن بعده، قتله بالسم، لئلا ينافس يزيد على الحكم (7). 2366 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - في وصف الإمام علي (عليه السلام) -: أما والله لقد رأيتنا يوما من الأيام وقد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن
(1) وقعة صفين: 430. (2) الأخبار الطوال: 172، البداية والنهاية: 7 / 261؛ وقعة صفين: 395. (3) تاريخ الطبري: 5 / 54، أسد الغابة: 3 / 436 / 3293، الاستيعاب: 2 / 373 / 1410، الإصابة: 5 / 27 / 6223، البداية والنهاية: 7 / 258. (4) تاريخ الطبري: 4 / 574، البداية والنهاية: 7 / 258؛ وقعة صفين: 195. (5) أنساب الأشراف: 3 / 126، تاريخ الطبري: 5 / 71، الكامل في التاريخ: 2 / 397، البداية والنهاية: 7 / 284؛ وقعة صفين: 552. (6) وقعة صفين: 387. (7) أنساب الأشراف: 5 / 118، أسد الغابة: 3 / 436 / 3293، تاريخ الطبري: 5 / 227، الاستيعاب: 2 / 373 / 1410، الكامل في التاريخ: 2 / 476؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 223. 332 قد أثار قسطلا (1) حال بيننا وبين الأفق، وهو على أدهم شائل، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل، كاشرا عن أنيابه كشر المخدر الحرب. فقال معاوية: والله إنه كان يجالد ويقاتل عن ترة له وعليه (2). راجع: القسم الخامس عشر / عدة من مبغضيه / أبو الأعور وبسر بن أرطاة والوليد بن عقبة.
(1) القسطل: الغبار الساطع (لسان العرب: 11 / 557). (2) وقعة صفين: 387؛ شرح نهج البلاغة: 8 / 53. 333 الفصل الثالث السياسة العلوية 3 / 1 عزل معاوية ذكرنا سابقا أن أولى الأعمال التي اتخذها الإمام علي (عليه السلام) بعد مبايعة الناس له على طريق الشروع بالإصلاحات هو عزل عمال عثمان (1). وكان الساسة من أصحاب الإمام لا يرون من المصلحة عزل شخصين، هما: معاوية وأبي موسى الأشعري. وأخيرا وبعد الكثير من التوضيحات وفي أعقاب وساطة مالك الأشتر، وافق أمير المؤمنين (عليه السلام) على إبقاء أبي موسى الأشعري. أما بالنسبة إلى معاوية فلم تفلح جميع الجهود التي بذلت لإقناع الإمام بإبقائه في منصبه، إذ كان لا يرى جواز إبقائه واليا ولو لحظة واحدة.
(1) راجع: القسم الخامس / الإصلاحات العلوية / عزل عمال عثمان. 335 أما بالنسبة إلى معاوية فهو لم يبايع الإمام ولم يترك أهل الشام يبايعونه. وبدأ منذ اليوم الأول لخلافة الإمام بالتآمر عليه، ممهدا بذلك الأجواء للصدام العسكري. وأول سؤال يثار في هذا المجال هو كيف يمكن تبرير عمل الإمام هذا من الوجهة السياسية؟ ألم يكن من الأفضل أن يبقي الإمام معاوية في منصبه في بداية خلافته إلى حين استتباب الأمور، وإلى أن يبايع هو وأهل الشام، ثم يعزله من بعد ذلك لكي لا تقع حرب صفين ولكي تستقر الحكومة الإسلامية بقيادته؟ ألم يكن الحفاظ على وحدة كلمة الأمة وديمومة النظام الإسلامي وهما من أوجب الواجبات، يقضيان بإبقاء معاوية على ولاية الشام ولو مؤقتا؟ دفاع عن سياسة عزل معاوية
336 دفاع عن سياسة عزل معاوية استنادا إلى ما يتبناه الإمام في سياسة وإدارة النظام الاسلامي التي سبق شرحها (1) يمكن الرد على هذه التساؤلات بكل سهولة. بيد أن هذه السياسة توجد بشأنها أمور مهمة لابد من الإشارة إليها هاهنا: دافع ابن أبي الحديد عن هذه السياسة بالتفصيل، ونحن نورد النقاط المهمة فيها: استدل ابن أبي الحديد ابتداء من خلال المصادر والوثائق التاريخية على أن معاوية ما كان يبايع الإمام في أية ظروف كانت. ثم أشار إلى المبادئ الدينية التي كان يسير عليها الإمام في تعيين وعزل الولاة والعمال. ثم أورد في ختام المطاف تحليلا رصينا لعالم يدعى ابن سنان بين فيه عدم امكانية إبقاء معاوية في الظروف التي بايع فيها الناس عليا من بعد قتل عثمان؛ لأنها ستجعل الإمام يواجه في أول حكومته أوضاعا كالتي انتهى إليها عثمان في أواخر حكمه.
(1) راجع: القسم الخامس / السياسة في المدرستين / دفاع عام عن كفاءة الإمام السياسية. 337 1 - إبقاء معاوية في منصبه لا يدعوه إلى البيعة نقل ابن أبي الحديد فيما يخص انتقاد سياسة الإمام بعزل معاوية: " منها قولهم: لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقر معاوية على الشام إلى أن يستقر الأمر له ويتوطد ويبايعه معاوية وأهل الشام ثم يعزله بعد ذلك، لكان قد كفي ما جرى بينهما من الحرب. والجواب: إن قرائن الأحوال حينئذ قد كان علم أمير المؤمنين (عليه السلام) منها أن معاوية لا يبايع له وإن أقره على ولاية الشام، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية وآكد في الامتناع من البيعة؛ لأنه لا يخلو صاحب السؤال إما أن يقول: كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معا، أو يتقدم منه (عليه السلام) المطالبة بالبيعة، أو يتقدم منه اقراره على الشام وتتأخر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثان. فإن كان الأول فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكد حاله عندهم، ويقرر في أنفسهم: لولا أنه أهل لذلك لما اعتمده علي (عليه السلام) معه، ثم يماطله بالبيعة ويحاجزه عنها. وإن كان الثاني فهو الذي فعله أمير المؤمنين (عليه السلام). وإن كان الثالث فهو كالقسم الأول، بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف والعصيان. وكيف يتوهم من يعرف السير أن معاوية كان يبايع له لو أقره على الشام وبينه وبينه ما لا تبرك الإبل عليه من الترات القديمة والأحقاد، وهو الذي قتل حنظلة أخاه، والوليد خاله، وعتبة جده، في مقام واحد!! ثم ما جرى بينهما في أيام
338 عثمان حتى أغلظ كل واحد منهما لصاحبه، وحتى تهدده معاوية وقال له: إني شاخص إلى الشام وتارك عندك هذا الشيخ - يعني عثمان - والله لئن انحصت منه شعرة واحدة لأضربنك بمائة ألف سيف!!... وأما قول ابن عباس - له (عليه السلام): وله شهرا واعزله دهرا -، وما أشار به المغيرة بن شعبة فإنهما ما توهماه وما غلب على ظنونها وخطر بقلوبهما. وعلي (عليه السلام) كان أعلم بحاله مع معاوية، وأنها لا تقبل العلاج والتدبير، وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان في نفسه من علي (عليه السلام) من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان أنه يقبل إقرار علي (عليه السلام) له على الشام، وينخدع بذلك، ويبايع ويعطي صفقة يمينه! إن معاوية لأدهى من أن يكاد بذلك، وإن عليا (عليه السلام) لأعرف بمعاوية ممن ظن أنه لو استماله بإقراره لبايع له. ولم يكن عند علي (عليه السلام) دواء لهذا المرض إلا السيف؛ لأن الحال إليه كانت تؤول لا محالة، فجعل الآخر أولا (1). 2 - إبقاء معاوية كان يزعزع الحكومة المركزية لم يكن إبقاء معاوية على ولاية الشام يقوي ركائز حكومة الإمام، بل إنه كان يؤدي إلى زعزعتها منذ البداية. وقد جاء تحليل ابن سنان في هذا المضمار على النحو التالي: إنا قد علمنا أن أحد الأحداث التي نقمت على عثمان وأفضت بالمسلمين إلى
(1) شرح نهج البلاغة: 10 / 233. قال ابن أبي الحديد في سياق كلامه: وأنا أذكر في هذا الموضع خبرا رواه الزبير بن بكار في الموفقيات؛ ليعلم من يقف عليه أن معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة علي (عليه السلام) أبدا، ولا يعطيه البيعة، وأن مضادته له ومباينته إياه كمضادة السواد للبياض لا يجتمعان أبدا، وكمباينة السلب للإيجاب؛ فإنها مباينة لا يمكن زوالها أصلا. 339 حصاره وقتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه، ومخالفة أحكام الدين في سلطانه، وقد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر بأن عمر ولاه قبله، فلم يقبل المسلمون عذره، ولا قنعوا منه إلا بعزله، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى. وكان علي (عليه السلام) من أكثر المسلمين لذلك كراهية، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين، فلو أنه (عليه السلام) افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه، أليس كان يبتدئ في أول أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره، فأفضى إلى خلعه وقتله؟! ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغا والوزر فيه مأمونا لكان غلطا قبيحا في السياسة، وسببا قويا للعصيان والمخالفة، ولم يكن يمكنه (عليه السلام) أن يقول للمسلمين: إن حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي، وإن قصدي بإقراره على الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الذين قبله، ثم أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقه من العزل، وأعمل فيه بموجب العدل؛ لأن إظهاره (عليه السلام) لهذا العزم كان يتصل خبره بمعاوية، فيفسد التدبير الذي شرع فيه، وينتقض الرأي الذي عول عليه (1). 3 - إبقاء معاوية يتعارض مع المباني السياسية للإمام قدم ابن سنان ردا آخر على الطعن بسياسته في عزل معاوية، وفيه إشارة إلى مبانيه السياسية في الحكم (2)، ويسميه جوابا حقيقيا ويقول فيه: واعلم أن حقيقة الجواب هو أن عليا (عليه السلام) كان لا يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة، سواء أكانت تلك السياسة دينية أو دنيوية؛ أما الدنيوية فنحو أن يتوهم الإمام في إنسان أنه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقينا؛ فإن عليا (عليه السلام) لم يكن يستحل
(1) شرح نهج البلاغة: 10 / 247. (2) جاء شرح المباني السياسية للإمام (عليه السلام) بالتفصيل في مدخل القسم الخامس. 340 قتله ولا حبسه، ولا يعمل بالتوهم وبالقول غير المحقق. وأما الدينية فنحو ضرب المتهم بالسرقة؛ فإنه أيضا لم يكن يعمل به، بل يقول: إن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت عليه الحد، وإلا لم أعترضه. وغير علي (عليه السلام) قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي، ومذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة، وأنه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين، ومذهب أكثر الناس أنه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظن، وإذا كان مذهبه (عليه السلام) ما قلناه، وكان معاوية عنده فاسقا، وقد سبق عنده مقدمة أخرى يقينية، هي أن استعمال الفاسق لا يجوز، ولم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة. فقد تعين مجاهرته بالعزل، وإن أفضى ذلك إلى الحرب (1). 3 / 2 رفض سياسة المداهنة 2367 - مروج الذهب عن ابن عباس: قدمت من مكة بعد مقتل عثمان بخمس ليال، فجئت عليا أدخل عليه، فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة، فجلست بالباب ساعة، فخرج المغيرة، فسلم علي، وقال: متى قدمت؟ قلت: الساعة، ودخلت على علي وسلمت عليه... قلت: أخبرني عن شأن المغيرة، ولم خلا بك؟ قال: جاءني بعد مقتل عثمان بيومين، فقال: أخلني، ففعلت، فقال: إن النصح رخيص، وأنت بقية الناس، وأنا لك ناصح، وأنا أشير عليك أن لا ترد عمال
(1) شرح نهج البلاغة: 10 / 246. 341 عثمان عامك هذا، فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم، فإذا بايعوا لك، واطمأن أمرك، عزلت من أحببت، وأقررت من أحببت. فقلت له: والله، لا أداهن في ديني، ولا أعطي الرياء في أمري. قال: فإن كنت قد أبيت فانزع من شئت، واترك معاوية؛ فإن له جرأة وهو في أهل الشام مسموع منه، ولك حجة في إثباته، فقد كان عمر ولاه الشام كلها. فقلت له: لا والله، لا أستعمل معاوية يومين أبدا. فخرج من عندي على ما أشار به، ثم عاد، فقال: إني أشرت عليك بما أشرت به وأبيت علي، فنظرت في الأمر وإذا أنت مصيب لا ينبغي أن تأخذ أمرك بخدعة، ولا يكون فيه دلسة. قال ابن عباس: فقلت له: أما أول ما أشار به عليك فقد نصحك، وأما الآخر فقد غشك (1). 2368 - مروج الذهب عن ابن عباس - لعلي (عليه السلام) -: أنا أشير عليك أن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله. قال: لا والله لا أعطيه إلا السيف، ثم تمثل: فما ميتة إن متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت رجل شجاع، أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الحرب خدعة؟! فقال علي: بلى. قلت: أما والله، لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد
(1) مروج الذهب: 2 / 364، تاريخ الطبري: 4 / 440 وفيه " برد عمال " بدل " أن لا ترد عمال " و " الدني " بدل " الرياء "، الكامل في التاريخ: 2 / 306 نحوه وراجع الأخبار الطوال: 142 والإمامة والسياسة: 1 / 67 والبداية والنهاية: 7 / 229. 342 ورود، ولأتركنهم ينظرون في أدبار الأمور، ولا يدرون ما كان وجهها، من غير نقص لك، ولا إثم عليك. فقال لي: يا بن عباس، لست من هنياتك ولا هنيات معاوية في شيء تشير به علي برأي، فإذا عصيتك فأطعني. فقلت: أنا أفعل، فإن أيسر ما لك عندي الطاعة، والله ولي التوفيق (1). راجع: القسم الخامس / الإصلاحات العلوية / عزل عمال عثمان. 3 / 3 الإمام يدعو معاوية إلى البيعة 2369 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى معاوية لما بويع (عليه السلام) بالخلافة -: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد، فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان ما لابد منه ولا دفع له، والحديث طويل، والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر، وأقبل ما أقبل، فبايع من قبلك، وأقبل إلي في وفد من أصحابك. والسلام (2). 2370 - شرح نهج البلاغة: لما بويع علي (عليه السلام) كتب إلى معاوية: أما بعد، فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع لي، وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك (3).
(1) مروج الذهب: 2 / 364، تاريخ الطبري: 4 / 441، الكامل في التاريخ: 2 / 307 نحوه وراجع البداية والنهاية: 7 / 229. (2) نهج البلاغة: الكتاب 75، بحار الأنوار: 32 / 365 / 340. (3) شرح نهج البلاغة: 1 / 230. 343 3 / 4 سياسة معاوية في جواب الإمام 2371 - تاريخ الطبري - في ذكر كتاب الإمام إلى معاوية وأبي موسى -: وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء، ولم يجبه، ورد رسوله، وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله: أدم إدامة حصن أو خذا بيدي * حربا ضروسا تشب الجزل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله * شنعاء شيبت الاصداغ واللمما أعيى المسود بها والسيدون فلم * يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات، حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه: من معاوية إلى علي، فقال: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار، ثم أوصاه بما يقول وسرح رسول علي. وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته، فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره، وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض، ومضى يدخل على علي، فدفع إليه الطومار ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة، فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم إن الرسل أمنة لا تقتل. قال: ورائي إني تركت قوما لا يرضون إلا بالقود. قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق. فقال: مني يطلبون دم عثمان! ألست
344 موتورا كترة عثمان؟! اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان (1). 3 / 5 تعيين الوالي للشام وإرجاعه 2372 - تاريخ الطبري: قال [علي (عليه السلام)] لابن عباس: سر إلى الشام فقد وليتكها. فقال ابن عباس: ما هذا برأي؛ معاوية رجل من بني أمية، وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علي. فقال له علي: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإن كل ما حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى على وقال: والله لا كان هذا أبدا (2). 2373 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: بعث علي عماله على الأمصار فبعث... سهل بن حنيف على الشام، فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك (3) لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير. قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشام، قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع! قال: أوما سمعتم بالذي كان؟ قالوا: بلى؛ فرجع إلى علي (4). 3 / 6 إشخاص جرير بن عبد الله إلى معاوية 2374 - تاريخ الطبري: وجه علي عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه
(1) تاريخ الطبري: 4 / 443، الكامل في التاريخ: 2 / 310. (2) تاريخ الطبري: 4 / 440، الكامل في التاريخ: 2 / 307، الإمامة والسياسة: 1 / 67 نحوه. (3) تبوك، منطقة في وسط الطريق الرابط بين المدينة ودمشق، شمال غربي المدينة، وجنوب دمشق. (4) تاريخ الطبري: 4 / 442، الكامل في التاريخ: 2 / 309، البداية والنهاية: 7 / 229. 345 من الجمل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، وكان جرير حين خرج علي إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها، وكان الأشعث بن قيس على آذربيجان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها، فلما قدم علي الكوفة منصرفا إليها من البصرة كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على من قبلهما من الناس والانصراف إليه. ففعلا ذلك، وانصرفا إليه. فلما أراد علي توجيه الرسول إلى معاوية، قال جرير بن عبد الله:... ابعثني إليه فإنه لي ود حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول في طاعتك، فقال الأشتر لعلي: لا تبعثه، فوالله إني لأظن هواه معه. فقال علي: دعه حتى ننظر ما الذي يرجع به إلينا. فبعثه إليه وكتب معه كتابا يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير وما كان من حربه إياهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته، فشخص إليه جرير، فلما قدم عليه ماطله واستنظره، ودعا عمرا فاستشاره فيما كتب به إليه، فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام، ويلزم عليا دم عثمان، ويقاتله بهم، ففعل ذلك معاوية (1). 2375 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية -: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما، كان ذلك لله رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة
(1) تاريخ الطبري: 4 / 561، مروج الذهب: 2 / 381، الكامل في التاريخ: 2 / 359، البداية والنهاية: 7 / 254؛ وقعة صفين: 27 كلها نحوه وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 113 والأخبار الطوال: 156. 346 ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا. وإن طلحة والزبير بايعاني، ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. فادخل فيما دخل فيه المسلمون؛ فإن أحب الأمور إلي فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك. وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله. فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان. واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك: جرير بن عبد الله وهو من أهل الإيمان والهجرة، فبايع ولا قوة إلا بالله (1). راجع: نهج البلاغة: الكتاب 37 و 6. 3 / 7 معاوية يبدد الوقت استعدادا للحرب 2376 - وقعة صفين عن الجرجاني: كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال: يا جرير! إني قد رأيت رأيا.
(1) وقعة صفين: 29؛ تاريخ دمشق: 59 / 128 كلاهما عن عامر الشعبي، العقد الفريد: 3 / 329، الأخبار الطوال: 157 نحوه إلى " عن اللبن "، شرح نهج البلاغة: 3 / 75، الفتوح: 2 / 506 وفيه من " وإنما الشورى... " نحوه، الإمامة والسياسة: 1 / 113. 347 قال: هاته. قال: أكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي، وأسلم له هذا الأمر، واكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب بما أردت، وأكتب معك. فكتب معاوية بذلك إلى علي. فكتب علي إلى جرير: أما بعد، فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام. وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه. ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلا فأقبل (1). 3 / 8 أصحاب الإمام يشيرون عليه بالاستعداد للحرب 2377 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام له وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية -: إن استعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير إن أرادوه. ولكن قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا. والرأي عندي مع الأناة، فأرودوا (2) ولا أكره لكم الإعداد. ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلبت ظهره وبطنه، فلم أر لي فيه إلا القتال أو الكفر بما جاء محمد (صلى الله عليه وآله). إنه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثا
(1) وقعة صفين: 52؛ تاريخ دمشق: 59 / 131، الإمامة والسياسة: 1 / 115 و 116 كلاهما نحوه. (2) أرود: أمهل (مجمع البحرين: 2 / 753). 348 وأوجد الناس مقالا، فقالوا ثم نقموا فغيروا (1). 2378 - تاريخ دمشق عن الكلبي: كان علي استشار الناس، فأشاروا عليه بالقيام بالكوفة غير الأشتر، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي، فإنهم قالوا لعلي: إن الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنما خوفوك حرب الشام، وليس في حربهم شيء أخوف من الموت، وإياه نريد، فدعا علي الأشتر وعديا وشريحا وهانئا فقال: إن استعدادي لحرب الشام، وجرير بن عبد الله عند القوم صرف لهم عن غي إن أرادوه، ولكني قد أرسلت رسولا، فوقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده، والرأي مع الأناة فاتئدوا ولا أكره لكم الأعذار (2). 3 / 9 استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل 2379 - تاريخ الطبري عن محمد وطلحة: استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأى علي في معاوية وانتقاضه، ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه.... فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي - وكان منقطعا إلى علي - فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي: يا زياد تيسر. فقال: لأي شيء؟ فقال: تغزو الشام.
(1) نهج البلاغة: الخطبة 43، بحار الأنوار: 32 / 393 / 364. (2) تاريخ دمشق: 59 / 130، الإمامة والسياسة: 1 / 114 نحوه وراجع الفتوح: 2 / 505. 349 فقال زياد: الأناة والرفق أمثل. فقال: ومن لا يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم فتمثل علي وكأنه لا يريده: متى تجمع القلب الذكي وصارما * وأنفا حميا تجتنبك المظالم فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم، فعرفوا ما هو فاعل. ودعا علي محمد ابن الحنفية فدفع إليه اللواء، وولى عبد الله بن عباس ميمنته، وعمر بن أبي سلمة - أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد - ولاه ميسرته، ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله على مقدمته، واستخلف على المدينة قثم بن عباس، ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا، وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام، وإلى عثمان بن حنيف والى أبي موسى مثل ذلك، وأقبل على التهيؤ والتجهز، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال: إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك، وإن المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا من حفظ الله، وإن في سلطان الله عصمة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها، والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إليها، انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم، لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم. فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف، فقام
350 فيهم بذلك فقال: إن الله عز وجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة، فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل، ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين وقد تمالؤوا على سخط إمارتي، ودعوا الناس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكف إن كفوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم. ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح، فتعبى للخروج إليهم وقال: إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين، وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه، فاشتد على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا (1).