موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السنة و التاريخ (جزء 7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السنة و التاريخ (جزء 7) - نسخه متنی

محمد محمدی ری شهری؛ گردآورنده: مرکز تحقیقات دار الحدیث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ
المؤلف: محمد الريشهري
الجزء: 7
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق: مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة : السيد محمد كاظم الطباطبائي ، السيد محمود الطباطبائي نژاد
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 1425
المطبعة: دار الحديث
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
ردمك: 964-5985-89-7
ملاحظات: ايران : قم المقدسة ، شارع معلم ، رقم 125 ، هاتف : 02517740545 - 02517740523 / لبنان : بيروت ، حارة حريك ، شارع دكاش ، هاتف : 03553892 - 01272664 / عنوان الاينترنت : www.hadith.net البريد الالكتروني : hadith@hadith.net
موسوعة
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
في الكتاب والسنة والتاريخ
محمد الريشهري
بمساعدة
محمد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي
المجلد السابع

1
الريشهري، محمد، 1325 ه‍. ش -
موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ / محمد الريشهري؛ بمساعدة السيد محمد
كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي نژاد. - قم: دار الحديث، 1421.
12 ج.
المصادر بالهوامش
300000 ريال ISBN (set): 964 - 5985 - 89 - 7
1. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الترجمة 2. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول،
23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - السياسة والحكومة. 3. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الحروب. 4. على بن
أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الفضائل. 5. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ -
الإقضية. 6. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الأصحاب. 7. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام
الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - إثبات الخلافة. الف. العنوان. ب. الطباطبائي، السيد محمد كاظم، 1344 ه‍. ش - المؤلف
المساعد. ج. الطباطبائي نژاد، السيد محمود، 1340 ه‍. ش -. المؤلف المساعد.
951 / 297
9 م 9 ر / 37 BP
موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ
المؤلف: محمد الريشهري
المساعدان: السيد محمد كاظم الطباطبائي، السيد محمود الطباطبائي نژاد
التحقيق: مركز بحوث دار الحديث
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
الطبعة: الثاني، 1425
المطبعة: دار الحديث
النسخ: 500
ثمن الدورة: 30000 تومان
مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية
مركز للطباعة والنشر
إيران: قم المقدسة، شارع معلم، رقم 125؛ هاتف: 7740545 - 7740523 0251
لبنان: بيروت، حارة حريك، شارع دكاش؛ هاتف: 559892 / 03 - 272664 / 01
hadith @ hadith. net
http: / / www. hadith. net

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
القسم السابع
أيام المحنة
وفيه فصول:
الفصل الأول: عصيان الجيش
الفصل الثاني: تحذير الإمام أصحابه من عاقبة العصيان
الفصل الثالث: شكوى الإمام من عصيان أصحابه
الفصل الرابع: هرب عدة من أصحاب الإمام إلى معاوية
الفصل الخامس: محايدة عدة من أصحاب الإمام
الفصل السادس: استشهاد مالك الأشتر
الفصل السابع: احتلال مصر
الفصل الثامن: هجمات عمال معاوية
الفصل التاسع: تمني الاستشهاد
الفصل العاشر: آخر خطبة خطبها الإمام
بحث في جذور التخاذل

5
الفصل الأول
عصيان الجيش
1 / 1
العزم على قتال معاوية بعد الفراغ من الخوارج
2750 - تاريخ الطبري عن أبي الدرداء: كان علي لما فرغ من أهل النهروان
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله قد أحسن بكم، وأعز نصركم، فتوجهوا من
فوركم هذا إلى عدوكم.
قالوا: يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا،
وعاد أكثرها قصدا، فارجع إلى مصرنا، فلنستعد بأحسن عدتنا، ولعل
أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من هلك منا؛ فإنه أوفى لنا على عدونا.
وكان الذي تولى ذلك الكلام الأشعث بن قيس.
فأقبل حتى نزل النخيلة (1)، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا على



(1) النخيلة - تصغير نخلة -: موضع قرب الكوفة على سمت الشام، وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام
علي (عليه السلام) (معجم البلدان: 5 / 278).
7
الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتى يسيروا إلى عدوهم.
فأقاموا فيه أياما، ثم تسللوا من معسكرهم، فدخلوا إلا رجالا من وجوه
الناس قليلا، وترك العسكر خاليا، فلما رأى ذلك دخل الكوفة، وانكسر عليه
رأيه في المسير (1).
2751 - الغارات عن طارق بن شهاب: إن عليا (عليه السلام) انصرف من حرب النهروان
حتى إذا كان في بعض الطريق نادى في الناس فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه،
ورغبهم في الجهاد، ودعاهم إلى المسير إلى الشام من وجهه ذلك، فأبوا وشكوا
البرد والجراحات، وكان أهل النهروان قد أكثروا الجراحات في الناس.
فقال: إن عدوكم يألمون كما تألمون، ويجدون البرد كما تجدون.
فأعيوه وأبوا، فلما رأى كراهيتهم رجع إلى الكوفة وأقام بها أياما، وتفرق عنه
ناس كثير من أصحابه؛ فمنهم من أقام يرى رأي الخوارج، ومنهم من أقام شاكا
في أمره (2).
2752 - تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: إن عليا قال للناس - وهو أول كلام قاله
لهم بعد النهر -:
أيها الناس، استعدوا إلى عدو في جهاده القربة إلى الله، ودرك الوسيلة عنده.
حيارى في الحق، جفاة عن الكتاب، نكب (3) عن الدين، يعمهون في الطغيان،



(1) تاريخ الطبري: 5 / 89، الكامل في التاريخ: 2 / 408، مروج الذهب: 2 / 418 وفيه إلى " النخيلة "،
الإمامة والسياسة: 1 / 170، شرح نهج البلاغة: 2 / 192، البداية والنهاية: 7 / 307 عن عيسى بن
دآب وكلها نحوه.
(2) الغارات: 1 / 28.
(3) نكب عن الشيء: عدل (لسان العرب: 1 / 770).
8
ويعكسون في غمرة الضلال، ف‍ (أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) (1)
وتوكلوا على الله، وكفى بالله وكيلا، وكفى بالله نصيرا.
قال: فلا هم نفروا ولا تيسروا، فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا، دعا
رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم (2)؟ فمنهم المعتل،
ومنهم المكره، وأقلهم من نشط، فقام فيهم خطيبا فقال:
عباد الله! ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض! أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة، وبالذل والهوان من العز! أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت
أعينكم كأنكم من الموت في سكرة، وكأن قلوبكم مألوسة (3) فأنتم لا تعقلون!
وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون.
لله أنتم! ما أنتم إلا اسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إلى
البأس، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي (4)، ما أنتم بركب يصال بكم، ولا ذي عز
يعتصم إليه.
لعمر الله، لبئس حشاش الحرب أنتم! إنكم تكادون ولا تكيدون، ويتنقص
أطرافكم ولا تتحاشون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، إن أخا الحرب
اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور
ومسلوب.
ثم قال: أما بعد؛ فإن لي عليكم حقا؛ وإن لكم علي حقا، فأما حقكم علي



(1) الأنفال: 60.
(2) من الإنظار: التأخير والإمهال (النهاية: 5 / 78).
(3) من الألس؛ وهو اختلاط العقل (النهاية: 1 / 60).
(4) سجيس الليالي: أي أبدا (النهاية: 2 / 343).
9
فالنصيحة لكم ما صحبتكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيما لا تجهلوا،
وتأديبكم كي تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح لي في الغيب
والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يرد الله بكم خيرا
انتزعتم عما أكره، وتراجعوا إلى ما أحب، تنالوا ما تطلبون، وتدركوا ما
تأملون (1).
راجع: هجمات عمال معاوية / غارة سفيان بن عوف.
1 / 2
ذم الإمام أصحابه لما كرهوا المسير إلى الشام
2753 - الغارات عن قيس بن السكن: سمعت عليا (عليه السلام) يقول ونحن بمسكن (2):
يا معشر المهاجرين! (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على
أدباركم فتنقلبوا خاسرين) (3). فتلكؤوا، وقالوا: البرد شديد، وكان غزاتهم في
البرد.
فقال (عليه السلام): إن القوم يجدون البرد كما تجدون. قال: فلم يفعلوا وأبوا، فلما رأى
ذلك منهم قال: أف لكم! إنها سنة جرت عليكم (4).
2754 - شرح نهج البلاغة عن أبي وداك: لما كره القوم المسير إلى الشام عقيب



(1) تاريخ الطبري: 5 / 90، أنساب الأشراف: 3 / 153، الكامل في التاريخ: 2 / 408، الإمامة
والسياسة: 1 / 170؛ الغارات: 1 / 33 كلها نحوه.
(2) مسكن: موضع بالكوفة قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق، وقعت عندها معركة بين
عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير، قتل فيها مصعب، وبها قبره (راجع معجم البلدان: 5 / 127).
(3) المائدة: 21.
(4) الغارات: 1 / 26؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 193 نحوه.
10
واقعة النهروان أقبل بهم أمير المؤمنين، فأنزلهم النخيلة، وأمر الناس أن يلزموا
معسكرهم ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة النساء وأبنائهم حتى
يسير بهم إلى عدوهم، وكان ذلك هو الرأي لو فعلوه، لكنهم لم يفعلوا، واقبلوا
يتسللون ويدخلون الكوفة، فتركوه (عليه السلام) وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم
قليل، وبقي المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه
صبر، فلما رأى ذلك دخل الكوفة.
قال نصر بن مزاحم: فخطب الناس بالكوفة، وهي أول خطبة خطبها بعد
قدومه من حرب الخوارج، فقال:
أيها الناس! استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى الله عز وجل، ودرك
الوسيلة عنده؛ قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين (1) بالجور والظلم
لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون (2) في الطغيان،
ويتسكعون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
وتوكلوا على الله، وكفى بالله وكيلا.
قال: فلم ينفروا ولم ينشروا (3)، فتركهم أياما، ثم خطبهم فقال (4): أف لكم! لقد
سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا، وبالذل من العز خلفا؟
إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن
الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، فكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم



(1) موزع به: أي مولع به، وقد أوزع بالشيء: إذا اعتاده، وأكثر منه (النهاية: 5 / 181).
(2) من العمه: التحير والتردد. والعمه في الرأي، والعمى في البصر (لسان العرب: 13 / 519).
(3) يقال: جاء القوم نشرا؛ أي منتشرين متفرقين (النهاية: 5 / 55).
(4) من هنا إلى آخر الخطبة نقلناه من نهج البلاغة: الخطبة 34.
11
لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر (1)
عز يفتقر إليكم. ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت
من آخر.
لبئس - لعمر الله - سعر نار الحرب أنتم! تكادون ولا تكيدون، وتنتقص
أطرافكم فلا تمتعضون، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله
المتخاذلون! وأيم الله إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت، قد
انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس.
والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده،
لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره.
أنت فكن ذاك إن شئت؛ فأما أنا فوالله دون أن اعطي ذلك ضرب بالمشرفية
تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.
أيها الناس، إن عليكم حقا، ولكم علي حق؛ فأما حقكم علي فالنصيحة لكم،
وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا. وأما حقي
عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم،
والطاعة حين آمركم.
أنتم اسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين البأس. إن أخا الحرب
اليقظان. ألا إن المغلوب مقهور ومسلوب (2).



(1) زوافر: جمع زافرة، وزافرة الرجل: أنصاره وخاصته (النهاية: 2 / 304).
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 193 وص 189، تاريخ الطبري: 5 / 90، أنساب الأشراف: 3 / 153،
الكامل في التاريخ: 2 / 408، الإمامة والسياسة: 1 / 170؛ الغارات: 1 / 29 وص 33 كلها نحوه،
نهج البلاغة: الخطبة 34، بحار الأنوار: 34 / 48.
12
الفصل الثاني
تحذير الإمام أصحابه من عاقبة العصيان
2 / 1
التحذير من غلبة أهل الشام
2755 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام له في أصحابه -: أما والذي نفسي بيده،
ليظهرن هؤلاء القوم عليكم؛ ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى
باطل صاحبهم، وإبطائكم عن حقي. ولقد أصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها،
وأصبحت أخاف ظلم رعيتي.
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا
فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، أشهود كغياب، وعبيد كأرباب! أتلو
عليكم الحكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، وأحثكم
على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ (1)،



(1) أيادي سبأ: مثل يضرب للمتفرقين وأصله قوله تعالى عن أهل سبأ: (ومزقناهم كل ممزق) (شرح
نهج البلاغة: 7 / 74).
13
ترجعون إلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم، أقومكم غدوة، وترجعون
إلي عشية، كظهر الحنية (1)، عجز المقوم، وأعضل المقوم.
أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى
بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله
وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم؛
فأخذ مني عشرة منكم، وأعطاني رجلا منهم!
يا أهل الكوفة! منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام،
وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تربت
أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من
آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم (2) أن لو حمس الوغى، وحمي الضراب، قد
انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها (3)، وإني لعلى بينة من ربي،
ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (4).
2756 - عنه (عليه السلام) - في استنفار الناس إلى أهل الشام -: ألا ترون يا معاشر أهل
الكوفة، والله لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء، فما أراكم تنتهون، ولقد
ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود، فما أراكم ترعوون، فما بقي إلا سيفي،
وإني لأعلم الذي يقومكم بإذن الله، ولكني لا أحب أن ألي تلك منكم.



(1) الحنية: القوس (لسان العرب: 14 / 203).
(2) إخالك: أظنك (لسان العرب: 11 / 226).
(3) انفراج المرأة عن قبلها يكون عند الولادة أو عندما يشرع عليها سلاح. وفيه كناية عن العجز والدناءة
في العمل.
(4) نهج البلاغة: الخطبة 97.
14
والعجب منكم ومن أهل الشام، أن أميرهم يعصي الله وهم يطيعونه، وأن
أميركم يطيع الله وأنتم تعصونه! إن قلت لكم: انفروا إلى عدوكم، قلتم: القر
يمنعنا! أفترون عدوكم لا يجدون القر كما تجدونه؟ ولكنكم أشبهتم قوما قال لهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله): انفروا في سبيل الله، فقال كبراؤهم: لا تنفروا في الحر، فقال الله
لنبيه: (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (1).
والله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو
صببت الدنيا بحذافيرها على الكافر ما أحبني، وذلك أنه قضى ما قضى على
لسان النبي الأمي أنه لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك كافر، وقد خاب من حمل
ظلما وافترى.
يا معاشر أهل الكوفة! والله لتصبرن على قتال عدوكم، أو ليسلطن الله عليكم
قوما أنتم أولى بالحق منهم، فليعذبنكم، وليعذبنهم الله بأيديكم أو بما شاء من
عنده، أفمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش؟! فاشهدوا أني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: موتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف (2).
2757 - الإرشاد - من كلامه (عليه السلام) في استبطاء من قعد عن نصرته -: ما أظن هؤلاء
القوم - يعني أهل الشام - إلا ظاهرين عليكم، فقالوا له: بماذا يا أمير المؤمنين؟
قال: أرى أمورهم قد علت ونيرانكم قد خبت، وأراهم جادين وأراكم وانين،
وأراهم مجتمعين وأراكم متفرقين، وأراهم لصاحبهم مطيعين وأراكم لي
عاصين.



(1) التوبة: 81.
(2) الغارات: 1 / 42 عن فرقد البجلي؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 195 عن رفيع بن فرقد البجلي نحوه.
15
أم والله لئن ظهروا عليكم لتجدنهم أرباب سوء من بعدي لكم، لكأني أنظر
إليهم وقد شاركوكم في بلادكم، وحملوا إلى بلادهم فيئكم، وكأني أنظر إليكم
تكشون (1) كشيش الضباب؛ لا تأخذون حقا ولا تمنعون لله حرمة، وكأني أنظر
إليهم يقتلون صالحيكم، ويخيفون قراءكم، ويحرمونكم ويحجبونكم، ويدنون
الناس دونكم، فلو قد رأيتم الحرمان والأثرة، ووقع السيف، ونزول الخوف، لقد
ندمتم وخسرتم على تفريطكم في جهادهم، وتذاكرتم ما أنتم فيه اليوم من
الخفض (2) والعافية حين لا ينفعكم التذكار (3).
2 / 2
التحذير من جهنم الدنيا
2758 - الإمام علي (عليه السلام) - في كلامه مع أهل الكوفة -: أيها الناس! إني استنفرتكم
لجهاد هؤلاء القوم [أي أهل الشام] فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت
لكم فلم تقبلوا، شهود كالغيب، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها، وأعظكم
بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة (4)،
وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين
أيادي سبأ، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا، تضربون الأمثال وتناشدون



(1) الكشيش: الصوت يشوبه خور مثل الخشخشة وكشيش الأفعى: صوتها من جلدها لا من فمها.
يقرع (عليه السلام) أصحابه بالجبن والفشل ويقول لهم لكأني انظر إليكم وأصواتكم غمغمة بينكم من الهلع الذي
قد اعتراكم فهي أشبه شيء بأصوات الضباب المجتمعة (شرح نهج البلاغة: 7 / 304).
(2) الخفض: الدعة والسكون (النهاية: 2 / 54).
(3) الإرشاد: 1 / 274، الغارات: 2 / 511 عن عمرو بن محصن؛ الإمامة والسياسة: 1 / 172 كلاهما
نحوه.
(4) قيل: هو الرماة من الصيادين. وقيل: هو الأسد. وقيل: كل شديد (النهاية: 4 / 63).
16
الأشعار، وتجسسون الأخبار، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأسعار، جهلة من
غير علم، وغفلة من غير ورع، وتتبعا في غير خوف، نسيتم الحرب والاستعداد
لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل.
فالعجب كل العجب! وما لي لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم، وتخاذلكم
عن حقكم!
يا أهل الكوفة! أنتم كأم مجالد، حملت فأملصت (1)، فمات قيمها، وطال
تأيمها، وورثها أبعدها.
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إن من ورائكم للأعور الأدبر، جهنم الدنيا،
لا يبقي ولا يذر، ومن بعده النهاس الفراس الجموع المنوع، ثم ليتوارثنكم من
بني أمية عدة، ما الآخر بأرأف بكم من الأول، ما خلا رجلا واحدا (2)، بلاء قضاه
الله على هذه الأمة لا محالة كائن، يقتلون خياركم، ويستعبدون أراذلكم،
ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم (3)، نقمة بما ضيعتم من
أموركم، وصلاح أنفسكم ودينكم.
يا أهل الكوفة! أخبركم بما يكون قبل أن يكون؛ لتكونوا منه على حذر،
ولتنذروا به من اتعظ واعتبر: كأني بكم تقولون: إن عليا يكذب، كما قالت
قريش لنبيها (صلى الله عليه وآله) وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله حبيب الله، فيا ويلكم!



(1) إملاص المرأة الجنين: هو أن تزلق الجنين قبل وقت الولادة. وكل ما زلق من اليد فقد ملص
(النهاية: 4 / 356).
(2) قال المجلسي: المراد بالنهاس الفراس إما هشام بن عبد الملك؛ لاشتهاره بالبخل، أو سليمان بن
عبد الملك، والأول أنسب. والمراد بالرجل الواحد هو عمر بن عبد العزيز (بحار الأنوار: 34 / 140).
(3) الحجال: جمع الحجلة؛ وهي بيت كالقبة يستر بالثياب، وتكون له أزرار كبار (النهاية: 1 / 346).
17
أفعلى من أكذب؟! أعلى الله؟ فأنا أول من عبده ووحده، أم على رسوله؟ فأنا
أول من آمن به وصدقه ونصره! كلا، ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغبياء.
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (لتعلمن نبأه بعد حين) (1) وذلك إذا صيركم إليها
جهلكم، ولا ينفعكم عندها علمكم.
فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم (2) الأطفال، وعقول ربات
الحجال، أم والله أيها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم،
ما أعز الله نصر من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، ولا قرت عين من
آواكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب.
يا ويحكم!! أي دار بعد داركم تمنعون! ومع أي إمام بعدي تقاتلون! المغرور
- والله - من غررتموه، من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في
نصركم، ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي
منكم، وأعقبكم من هو شر لكم مني.
إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، والله
لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم
وأعطاني واحدا منهم.
والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني؛ فإنها معرفة جرت ندما. لقد وريتم
صدري غيظا، وأفسدتم علي أمري بالخذلان والعصيان، حتى لقد قالت قريش:
إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب، لله درهم! هل كان فيهم أحد أطول



(1) ص: 88.
(2) الحلوم: جمع الحلم وهو الأناة والعقل (لسان العرب: 12 / 146).
18
لها مراسا مني! وأشد لها مقاساة! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم ها أنا ذا
قد ذرفت (1) على الستين، لكن لا أمر لمن لا يطاع.
أم والله، لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن
المنية لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها - وترك يده على رأسه ولحيته -
عهد عهده إلي النبي الأمي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق
بالحسنى.
يا أهل الكوفة! دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، وقلت
لكم: اغزوهم؛ فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم،
وثقل عليكم قولي، واستصعب عليكم أمري، واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى
شنت عليكم الغارات، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم
وتصبحكم، كما فعل بأهل المثلات (2) من قبلكم، حيث أخبر الله تعالى عن
الجبابرة والعتاة الطغاة، والمستضعفين الغواة، في قوله تعالى: (يذبحون أبناءكم
ويستحيون نساءكم وفى ذالكم بلاء من ربكم عظيم) (3). أم والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة، لقد حل بكم الذي توعدون.
عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم
تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن
الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي، ولكن
سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب، لا يوقر كبيركم، ولا يرحم صغيركم،



(1) أي زدت عليها (النهاية: 2 / 159).
(2) المثلة: العقوبة والجمع المثلات (الصحاح: 5 / 1816).
(3) البقرة: 49.
19
ولا يكرم عالمكم، ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم، وليضربنكم، ويذلنكم،
ويجمرنكم (1) في المغازي، ويقطعن سبيلكم، وليحجبنكم على بابه، حتى يأكل
قويكم ضعيفكم، ثم لا يبعد الله إلا من ظلم منكم، ولقلما أدبر شيء ثم أقبل،
وإني لأظنكم في فترة، وما علي إلا النصح لكم.
يا أهل الكوفة! منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم
ذوو ألسن، وعمي ذوو أبصار، لا إخوان صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند
البلاء.
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني.
اللهم لا ترض عنهم أميرا، ولا ترضهم عن أمير، وأمث قلوبهم كما يماث
الملح في الماء.
أم والله، لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت، ولقد عاتبتكم في
رشدكم حتى لقد سئمت الحياة، كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من
الحق، وإلحادا إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين، وإني لأعلم أنكم لا
تزيدونني غير تخسير، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض،
وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول.
إن قلت لكم في القيظ: سيروا، قلتم: الحر شديد، وإن قلت لكم في البرد:
سيروا، قلتم: القر شديد، كل ذلك فرارا عن الجنة. إذا كنتم عن الحر والبرد
تعجزون، فأنتم عن حرارة السيف أعجز وأعجز، فإنا لله وإنا إليه راجعون.



(1) تجمير الجيش: جمعهم في الثغور، وحبسهم عن العود إلى أهلهم (النهاية: 1 / 292).
20
يا أهل الكوفة! قد أتاني الصريخ يخبرني أن أخا غامد قد نزل الأنبار (1) على
أهلها ليلا في أربعة آلاف، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر، فقتل بها
عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة، بوأ الله
لهم جنات النعيم، وأنه أباحها، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا
يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيهتكون سترها، ويأخذون
القناع من رأسها، والخرص (2) من أذنها، والأوضاح (3) من يديها ورجليها
وعضديها، والخلخال والمئزر من سوقها، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء: يا
للمسلمين، فلا يغيثها مغيث، ولا ينصرها ناصر.
فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما، بل كان عندي بارا
محسنا.
وا عجبا كل العجب، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلكم عن
حقكم! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله
وترضون، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلما اجتمعت من
جانب تفرقت من جانب (4).



(1) الأنبار: مدينة صغيرة كانت عامرة أيام الساسانيين، وآثارها غرب بغداد على بعد ستين كيلو مترا
مشهودة. وسبب تسميتها بالأنبار هو أنها كانت مركزا لخزن الحنطة والشعير والتبن للجيوش، وإلا فإن
الإيرانيين كانوا يسمونها " فيروز شاپور ".
فتحت على يد خالد بن الوليد عام (12 ه‍) وقد اتخذها السفاح - أول خلفاء بني العباس - مقرا له مدة
من الزمان.
(2) الخرص: الحلقة الصغيرة من الحلي، وهو من حلي الأذن (النهاية: 2 / 22).
(3) الأوضاح: نوع من الحلي يعمل من الفضة، سميت بها لبياضها (النهاية: 5 / 196).
(4) الإرشاد: 1 / 278، الاحتجاج: 1 / 409 / 89 نحوه، بحار الأنوار: 34 / 135 / 956.
21
2 / 3
التحذير من الذل الشامل
2759 - الغارات عن جندب بن عبد الله الوائلي: كان علي (عليه السلام) يقول: أما إنكم
ستلقون بعدي ثلاثا: ذلا شاملا، وسيفا قاتلا، وأثرة (1) يتخذها الظالمون عليكم
سنة، فستذكروني عند تلك الحالات، فتمنون لو رأيتموني ونصرتموني وأهرقتم
دماءكم دون دمي، فلا يبعد الله إلا من ظلم.
وكان جندب بعد ذلك إذا رأى شيئا يكرهه، قال: لا يبعد الله إلا من ظلم (2).
2 / 4
التحذير من سلطة غلام ثقيف
2760 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام له ينصح فيه أصحابه -: لو تعلمون ما أعلم مما
طوي عنكم غيبه، إذا لخرجتم إلى الصعدات، تبكون على أعمالكم، وتلتدمون
على أنفسكم، ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها، ولهمت كل امرئ
منكم نفسه، لا يلتفت إلى غيرها، ولكنكم نسيتم ما ذكرتم، وأمنتم ما حذرتم،
فتاه عنكم رأيكم، وتشتت عليكم أمركم. ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم،



(1) الأثرة: الاسم من آثر: إذا أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم، فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء
(النهاية: 1 / 22).
(2) الغارات: 2 / 492، تاريخ اليعقوبي: 2 / 193، الأمالي للطوسي: 181 / 302، دعائم الإسلام:
1 / 391، شرح الأخبار: 2 / 74 / 441، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 272؛ أنساب الأشراف:
3 / 155 كلاهما عن جندب بن عبد الله الأزدي، الإمامة والسياسة: 1 / 171 كلها نحوه.
22
وألحقني بمن هو أحق بي منكم.
قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا
قدما على الطريقة، وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة، والكرامة
الباردة.
أما والله، ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، ويذيب
شحمتكم، إيه أبا وذحة (1)! (2)



(1) إليك موجز ما ذكره ابن أبي الحديد في شرح الخطبة: الصعدات: جمع الصعيد؛ وهو التراب. الالتدام:
ضرب النساء صدورهن في النياحة. أوجفوا: أسرعوا. غلام ثقيف: الحجاج بن يوسف. الذيال: التائه
من ذال؛ أي تبختر وجر ذيله على الأرض. الميال: الظالم. يأكل خضرتكم: يستأصل أموالكم. إيه:
كلمة يستزاد بها من الفعل. الوذحة: الخنفساء (شرح نهج البلاغة: 7 / 278).
(2) نهج البلاغة: الخطبة 116، شرح المائة كلمة: 240.
23
الفصل الثالث
شكوى الإمام من عصيان أصحابه
3 / 1
منيت بمن لا يطيع
2761 - الإمام علي (عليه السلام) - في خطبة خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير لعين
التمر -: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم! ما
تنتظرون بنصركم ربكم؟ أما دين يجمعكم، ولا حمية تحمشكم! أقوم فيكم
مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى
تكشف الأمور عن عواقب المساءة؛ فما يدرك بكم ثار، ولا يبلغ بكم مرام.
دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، وتثاقلتم تثاقل
النضو الأدبر، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف (1)، (كأنما يساقون إلى



(1) قال ابن أبي الحديد ما موجزه: منيت: أي بليت. تحمشكم: تغضبكم. المتغوث: القائل: وا غوثاه!.
الجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته والجمل الأسر الذي بكركرته [هي إحدى الثفنات الخمس]
دبرة. والنضو: البعير المهزول. والأدبر: الذي به دبر؛ وهو المعقور من القتب وغيره. متذائب: مضطرب
(شرح نهج البلاغة: 2 / 300 وص 301).
25
الموت وهم ينظرون) (1) (2).
2762 - عنه (عليه السلام) - في ذم العاصين من أصحابه -: أحمد الله على ما قضى من أمر،
وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت
لم تجب. إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم. وإن اجتمع الناس على إمام
طعنتم. وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم. لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد
على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟ فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني
وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم غير كثير. لله أنتم! أما دين يجمعكم؟ ولا
حمية تشحذكم (3)؟ أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام (4) فيتبعونه على
غير معونة ولا عطاء. وأنا أدعوكم - وأنتم تريكة الإسلام وبقية الناس - إلى
المعونة أو طائفة من العطاء فتفرقون عني، وتختلفون علي؟!
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن
أحب ما أنا لاق إلي الموت.
قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم
ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم يستيقظ. وأقرب بقوم من الجهل بالله
قائدهم معاوية، ومؤدبهم ابن النابغة! (5)



(1) الأنفال: 6.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 39.
(3) الشحذ: السوق الشديد (تاج العروس: 5 / 372).
(4) الطغام: من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128).
(5) نهج البلاغة: الخطبة 180، الغارات: 1 / 291 نحوه إلى " ولا عطاء ".
26
3 / 2
منيت بشرار خلق الله
2763 - الإمام علي (عليه السلام) - لما تثاقل الناس عن المسير إلى جيش معاوية -: يا أهل
الكوفة! كلما سمعتم بمنسر (1) من مناسر أهل الشام أظلكم وأغلق بابه انجحر كل
امرئ منكم في بيته انجحار الضب في جحره، والضبع في وجارها! المغرور من
غررتموه، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب.
لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء (2)، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ماذا منيت به منكم! عمي لا تبصرون، وبكم لا تنطقون، وصم لا تستمعون، إنا لله
وإنا إليه راجعون (3).
2764 - عنه (عليه السلام): أما بعد يا أهل الكوفة! أكلما أقبل منسر من مناسر أهل الشام
أغلق كل امرئ بابه، وانجحر في بيته انجحار الضب، والضبع الذليل في وجاره؟
أف لكم! لقد لقيت منكم، يوما أناجيكم، ويوما أناديكم؛ فلا إخوان عند النجاء،
ولا أحرار عند النداء (4).
2765 - عنه (عليه السلام) - لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار، فخرج بنفسه ماشيا
حتى أتى النخيلة فأدركه الناس، وقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نكفيكهم
فقال -: ما تكفونني أنفسكم، فكيف تكفونني غيركم؟ إن كانت الرعايا قبلي



(1) المنسر: القطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكبير (النهاية: 5 / 47).
(2) النجاء: السرعة، ونجا من الأمر: إذا خلص (النهاية: 5 / 25).
(3) تاريخ الطبري: 5 / 134، الكامل في التاريخ: 2 / 425، البداية والنهاية: 7 / 320 كلاهما نحوه.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 195، نهج البلاغة: الخطبة 69 وفيه إلى " وجاره "؛ أنساب الأشراف:
3 / 207، النهاية في غريب الحديث: 5 / 47 وفيه إلى " بابه " وكلاهما نحوه.
27
لتشكو حيف رعاتها، وإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي، كأنني المقود وهم القادة،
أو الموزوع وهم الوزعة (1) (2).
3 / 3
لا غناء في كثرة عددكم
2766 - نهج البلاغة: من كلام له (عليه السلام) وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد
فسكتوا مليا، فقال: ما بالكم أمخرسون أنتم؟
فقال قوم منهم: يا أمير المؤمنين، إن سرت سرنا معك.
فقال (عليه السلام): ما بالكم! لا سددتم لرشد، ولا هديتم لقصد! أفي مثل هذا ينبغي لي
أن أخرج؟! وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم
وذوي بأسكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند، والمصر، وبيت المال، وجباية
الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في
كتيبة أتبع أخرى، أتقلقل تقلقل القدح في الجفير (3) الفارغ، وإنما أنا قطب الرحا؛
تدور علي وأنا بمكاني، فإذا فارقته استحار مدارها، واضطرب ثفالها (4). هذا
لعمر الله الرأي السوء.
والله لولا رجائي الشهادة عند لقائي العدو - ولو قد حم (5) لي لقاؤه - لقربت
ركابي ثم شخصت عنكم، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال، طعانين عيابين



(1) الوزعة: جمع وازع؛ وهو الذي يكف الناس ويحبس أولهم على آخرهم (النهاية: 5 / 180).
(2) نهج البلاغة: الحكمة 261.
(3) الجفير: الكنانة والجعبة التي تجعل فيها السهام (النهاية: 1 / 278).
(4) الثفال: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق (النهاية: 1 / 215).
(5) حم هذا الأمر: إذا قضي، وحم له ذلك: قدر (لسان العرب: 12 / 151).
28
حيادين رواغين.
إنه لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم، لقد حملتكم على الطريق
الواضح التي لا يهلك عليها إلا هالك؛ من استقام فإلى الجنة، ومن زل فإلى
النار! (1)
3 / 4
لبئس حشاش الحرب أنتم
2767 - الإمام علي (عليه السلام) - بعد سماعه لأمر الحكمين -: لبئس حشاش نار الحرب
أنتم! أف لكم! لقد لقيت منكم برحا، يوما أناديكم، ويوما أناجيكم؛ فلا أحرار
صدق عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء (2).
2768 - عنه (عليه السلام): لعمر الله، لبئس حشاش الحرب أنتم! إنكم تكادون ولا
تكيدون، ويتنقص أطرافكم ولا تتحاشون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة
ساهون، إن أخا الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب
المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب (3).
3 / 5
هيهات أن أطلع بكم سرار العدل
2769 - الإمام علي (عليه السلام): أيتها النفوس المختلفة والقلوب المتشتتة، الشاهدة



(1) نهج البلاغة: الخطبة 119.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 125، بحار الأنوار: 33 / 371 / 602.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 90 عن زيد بن وهب، أنساب الأشراف: 3 / 154 وفيه من " يتنقص " إلى
" ساهون "، الكامل في التاريخ: 2 / 408 وفيه إلى " ساهون "، الإمامة والسياسة: 1 / 170؛ الغارات:
1 / 36 كلها نحوه.
29
أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم (1) على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور
المعزى من وعوعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم سرار (2) العدل، أو أقيم اعوجاج
الحق.
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء
من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك؛
فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك.
اللهم إني أول من أناب، وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة،
وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم،
والأحكام، وإمامة المسلمين البخيل؛ فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل؛
فيضلهم بجهله، ولا الجافي؛ فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول (3)؛ فيتخذ قوما
دون قوم، ولا المرتشي في الحكم؛ فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا
المعطل للسنة؛ فيهلك الأمة (4).
3 / 6
ما لي أراكم عن الله ذاهبين؟
2770 - الإمام علي (عليه السلام): أيها الناس! غير المغفول عنهم، والتاركون، المأخوذ
منهم. ما لي أراكم عن الله ذاهبين، وإلى غيره راغبين؟ كأنكم نعم أراح بها سائم



(1) أي أعطفكم (النهاية: 3 / 154).
(2) سرار الشهر: آخر ليلة يستسر الهلال بنور الشمس (النهاية: 2 / 359).
(3) الحيف: الجور والظلم (لسان العرب: 9 / 60) والدول جمع الدولة وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم
دون قوم (لسان العرب: 11 / 252).
(4) نهج البلاغة: الخطبة 131، بحار الأنوار: 25 / 167 / 36.
30
إلى مرعى وبي ومشرب دوي. وإنما هي كالمعلوفة للمدى لا تعرف ماذا يراد بها!
إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها، وشبعها أمرها.
والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت،
ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله (صلى الله عليه وآله).
ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه
على الخلق ما أنطق إلا صادقا. وقد عهد إلي بذلك كله، وبمهلك من يهلك،
ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر. وما أبقى شيئا يمر على رأسي إلا أفرغه في
أذني وأفضى به إلي.
أيها الناس! إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن
معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها (1) (2).
3 / 7
ما بالكم؟ ما دواؤكم؟
2771 - أنساب الأشراف: لما استنفر علي أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطؤوا، عاتبهم
ووبخهم، فلما تبين منهم العجز، وخشي منهم التمام على الخذلان، جمع أشراف
أهل الكوفة ودعا شيعته الذين يثق بمناصحتهم وطاعتهم فقال:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد؛ أيها



(1) قال ابن أبي الحديد: التاركون: أي يتركون الواجبات. المأخوذ منهم: معنى الأخذ منهم:
انتقاص أعمارهم وانتقاض قواهم. المرعى الوبي: ذو الوباء والمرض. الدوي: ذو الداء. المدى:
جمع مدية؛ وهي السكين. ومعنى تكفروا في في برسول الله أي تفضلوني عليه (شرح نهج البلاغة:
10 / 11 وص 12).
(2) نهج البلاغة: الخطبة 175.
31
الناس! فإنكم دعوتموني إلى هذه البيعة فلم أردكم عنها، ثم بايعتموني على
الإمارة ولم أسألكم إياها، فتوثب علي متوثبون، كفى الله مؤونتهم، وصرعهم
لخدودهم، وأتعس جدودهم، وجعل دائرة السوء عليهم.
وبقيت طائفة تحدث في الإسلام أحداثا؛ تعمل بالهوى، وتحكم بغير الحق،
ليست بأهل لما ادعت، وهم إذا قيل لهم: تقدموا قدما، تقدموا، وإذا قيل لهم:
أقبلوا أقبلوا، لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل، ولا يبطلون كإبطالهم الحق.
أما إني قد سئمت من عتابكم وخطابكم، فبينوا لي ما أنتم فاعلون؛ فإن كنتم
شاخصين معي إلى عدوي فهو ما أطلب وأحب، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا
لي عن أمركم أرى رأيي. فوالله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلى عدوكم
فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين لأدعون الله عليكم، ثم
لأسيرن إلى عدوكم ولو لم يكن معي إلا عشرة.
أأجلاف أهل الشام وأعرابها أصبر على نصرة الضلال، وأشد اجتماعا على
الباطل منكم على هداكم وحقكم؟ ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ إن القوم أمثالكم لا
ينشرون إن قتلوا إلى يوم القيامة (1).
3 / 8
لو كان لي بعدد أهل بدر
2772 - الإمام علي (عليه السلام): اتقوا الله عباد الله وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم؛ فلو
كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر؛ إذا أمرتهم أطاعوني، وإذا استنهضتهم نهضوا
معي، لاستغنيت بهم عن كثير منكم، وأسرعت النهوض إلى حرب معاوية



(1) أنساب الأشراف: 3 / 235.
32
وأصحابه؛ فإنه الجهاد المفروض (1).
3 / 9
وددت أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أهل الشام
2773 - الإمام علي (عليه السلام): وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أهل الشام
وأني صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أني لقيتهم على بصيرتي فأراحني
الله من مقاساتكم ومداراتكم كما يدارى البكار العمدة (2) والثياب المنهرئة كلما
خيطت من جانب تهتكت من جانب (3).
2774 - عنه (عليه السلام) - من كلام له في أصحابه -: أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة
عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم. صاحبكم يطيع الله وأنتم
تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية
صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم؛ فأخذ مني عشرة منكم، وأعطاني رجلا
منهم! (4)
3 / 10
بلغني أنكم تقولون: " علي يكذب "
2775 - الإمام علي (عليه السلام): أما بعد يا أهل العراق، فإنما أنتم كالمرأة الحامل؛



(1) الإرشاد: 1 / 263، الاحتجاج: 1 / 408 / 88، بحار الأنوار: 32 / 390 / 360.
(2) البكار: جمع بكر؛ وهو الفتي من الإبل. العمدة: من العمد: الورم والدبر. وقيل: العمدة: التي كسرها
ثقل حملها (النهاية: 3 / 297).
(3) أنساب الأشراف: 3 / 198 وراجع تاريخ دمشق: 1 / 321 وكنز العمال: 11 / 356 / 31727.
(4) نهج البلاغة: الخطبة 97، الاحتجاج: 1 / 411 وص 412 / 89 نحوه.
33
حملت، فلما أتمت أملصت ومات قيمها، وطال تأيمها، وورثها أبعدها، أما والله
ما أتيتكم اختيارا، ولكن جئت إليكم سوقا.
ولقد بلغني أنكم تقولون: علي يكذب! قاتلكم الله تعالى! فعلى من أكذب؟
أعلى الله؟ فأنا أول من آمن به، أم على نبيه؟ فأنا أول من صدقه، كلا والله،
لكنها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من أهلها، ويلمه (1) كيلا بغير ثمن! لو كان له
وعاء، (ولتعلمن نبأه بعد حين) (2) (3).
3 / 11
لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي
2776 - الإمام علي (عليه السلام) - في توبيخ بعض أصحابه -: إنكم والله لكثير في الباحات،
قليل تحت الرايات، وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم (4)، ولكني لا أرى
إصلاحكم بإفساد نفسي (5).
2777 - الإمام الصادق (عليه السلام): كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
يقول للناس بالكوفة: يا أهل الكوفة، أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟! بلى،



(1) رجل ويلمه: أي داه. ويقال للمستجاد: ويلمه؛ أي ويل لأمه كقولهم: لأب لك يريدون: لا أب لك
(تاج العروس: 15 / 789).
(2) ص: 88.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 71، الإرشاد: 1 / 279، الاختصاص: 155 كلاهما نحوه وفيهما من " ولقد
بلغني... "، بحار الأنوار: 40 / 111؛ النهاية في غريب الحديث: 5 / 236، الفائق في غريب
الحديث: 3 / 384 وفيهما " أن له دعاء " بدل " كان له وعاء "، جواهر المطالب: 1 / 320،
ينابيع المودة: 3 / 435 / 7 وفيه من " ولقد بلغني... " وكلاهما نحوه.
(4) الأود: العوج (النهاية: 1 / 79).
(5) نهج البلاغة: الخطبة 69، الإرشاد: 1 / 272، الغارات: 2 / 625 كلاهما نحوه.
34
ولكني أكره أن أصلحكم بفساد نفسي (1).
2778 - الإمام علي (عليه السلام): أيها الناس! إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء
بها أممهم، وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم، وأدبتكم بسوطي فلم
تستقيموا، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا (2). لله أنتم! أتتوقعون إماما غيري
يطأ بكم الطريق، ويرشدكم السبيل؟ (3)
2779 - عنه (عليه السلام): ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا
صلاحكم بفساد نفسي، ولكن سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب (4).
2780 - عنه (عليه السلام): قد عاتبتكم بدرتي التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، وضربتكم
بسوطي الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا (5)، أتريدون أن أضربكم بسيفي؟!
أما إني أعلم الذي تريدون ويقيم أودكم، ولكن لا أشتري صلاحكم بفساد
نفسي، بل يسلط الله عليكم قوما فينتقم لي منكم! فلا دنيا استمتعتم بها، ولا
آخرة صرتم إليها، فبعدا وسحقا لأصحاب السعير! (6)
2781 - عيون الحكم والمواعظ: قيل له [علي] (عليه السلام): إن أهل العراق لا يصلحهم إلا
السيف! فقال: إن لم يصلحهم إلا فسادي فلا أصلحهم الله! (7)



(1) الأمالي للمفيد: 207 / 40 عن هشام.
(2) استوسق عليه أمرهم: أي اجتمعوا على طاعته (النهاية: 5 / 185).
(3) نهج البلاغة: الخطبة 182، ينابيع المودة: 3 / 443 / 12 وج 2 / 28 / 1.
(4) الإرشاد: 1 / 281، الاحتجاج: 1 / 414 / 89.
(5) الإرعواء: الكف والانزجار، وقيل: هو الندم والانصراف عن الشيء (النهاية: 2 / 236).
(6) الكافي: 8 / 361 / 551، بحار الأنوار: 77 / 364 / 33.
(7) عيون الحكم والمواعظ: 164 / 3488، غرر الحكم: 3758.
35
الفصل الرابع
هرب عدة من أصحاب الإمام إلى معاوية
4 / 1
النجاشي
مقيس بن عمرو بن مالك المشهور بالنجاشي: من شعراء صدر الإسلام،
وأحد أصحاب الإمام (عليه السلام).
كان النجاشي من الدعاة لجيش الإمام علي (عليه السلام) بأشعاره؛ فكان يحمس الناس
للقتال من جهة، ويفضح معاوية وأصحابه، ويبدي مخازيهم من جهة أخرى.
فلما كان منه ما كان من إفطاره في شهر رمضان وشربه للخمر حده الإمام (عليه السلام)
كغيره من العصاة، ولم يمنع الإمام (عليه السلام) عن إقامة حد الله تعالى ما قدمه من
خدمات.
فلما رأى النجاشي شدة الإمام وحزمه في إقامة الحدود الإلهية، وعدم منع
شيء عن إقامتها - ولم يكن يتصور شدة الإمام بهذا الحد - اعتزل عن الإمام
والتجأ إلى معاوية.

37
2782 - الغارات عن عوانة: خرج النجاشي في أول يوم من رمضان، فمر
بأبي سمال الأسدي وهو قاعد بفناء داره، فقال له: أين تريد؟ قال: أريد
الكناسة (1)، قال: هل لك في رؤوس وأليات قد وضعت في التنور من أول الليل
فأصبحت قد أينعت وتهرأت؟ قال: ويحك! في أول يوم من رمضان؟! قال:
دعنا مما لا نعرف، قال: ثم مه؟ قال: ثم أسقيك من شراب كالورس (2)، يطيب
النفس، ويجري في العرق، ويزيد في الطرق، يهضم الطعام، ويسهل للفدم (3)
الكلام.
فنزل فتغديا ثم أتاه بنبيذ فشرباه، فلما كان من آخر النهار علت أصواتهما،
ولهما جار يتشيع من أصحاب علي (عليه السلام)، فأتى عليا (عليه السلام) فأخبره بقصتهما، فأرسل
إليهما قوما فأحاطوا بالدار، فأما أبو سمال فوثب إلى دور بني أسد فأفلت، وأما
النجاشي فأتي به عليا (عليه السلام)، فلما أصبح أقامه في سراويل فضربه ثمانين، ثم زاده
عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين! أما الحد فقد عرفته، فما هذه العلاوة
التي لا تعرف؟ قال: لجرأتك على ربك، وإفطارك في شهر رمضان.
ثم أقامه في سراويله للناس، فجعل الصبيان يصيحون به: خري النجاشي،
فجعل يقول: كلا والله إنها يمانية وكاؤها شعر... ثم لحق بمعاوية وهجا
عليا (عليه السلام) (4).



(1) الكناسة: محلة بالكوفة، عندها واقع يوسف بن عمر الثقفي زيد بن علي بن الحسين (معجم البلدان:
4 / 481).
(2) الورس: نبت أصفر يصبغ به (النهاية: 5 / 173).
(3) الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام مع ثقل ورخاوة وقلة فهم (لسان العرب: 12 / 450).
(4) الغارات: 2 / 533؛ شرح نهج البلاغة: 4 / 88 وراجع ج 10 / 250 والإصابة: 6 / 387 / 8876.
38
4 / 2
طارق بن عبد الله
2783 - الغارات عن أبي الزناد: لما حد علي (عليه السلام) النجاشي غضب لذلك من كان مع
علي من اليمانية، وكان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب بن أسامة النهدي،
فدخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين! ما كنا نرى أن أهل المعصية
والطاعة، وأهل الفرقة والجماعة، عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في
الجزاء، حتى رأيت ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا،
وشتت أمورنا، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار.
فقال علي (عليه السلام): (إنها لكبيرة إلا على الخاشعين) (1) يا أخا بني نهد، وهل هو إلا
رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله، فأقمنا عليه حدا كان كفارته! إن الله
تعالى يقول: (ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (2).
قال: فخرج طارق من عند علي وهو مظهر بعذره قابل له، فلقيه الأشتر
النخعي؛ فقال له: يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين: إنك أوغرت صدورنا
وشتت أمورنا؟ قال طارق: نعم أنا قائلها. قال له الأشتر: والله ما ذاك كما قلت،
وإن صدورنا له لسامعة، وإن أمورنا له لجامعة.
قال: فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت! فلما جنه الليل
همس (3) هو والنجاشي إلى معاوية (4).



(1) البقرة: 45.
(2) المائدة: 8.
(3) الهمس: السير بالليل بلا فتور (تاج العروس: 9 / 45).
(4) الغارات: 2 / 539، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 147 نحوه إلى " فخرج طارق "، بحار الأنوار:
33 / 373 / 537؛ شرح نهج البلاغة: 4 / 89.
39
4 / 3
حنظلة الكاتب
2784 - وقعة صفين عن النضر بن صالح: بعث علي (عليه السلام) إلى حنظلة بن الربيع
المعروف بحنظلة الكاتب - وهو من الصحابة - فقال: يا حنظلة، أعلي أم لي؟
قال: لا عليك ولا لك، قال: فما تريد؟ قال: أشخص إلى الرها (1) فإنه فرج من
الفروج، أصمد له حتى ينقضي هذا الأمر...
فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية... وهرب ابن
المعتم أيضا حتى أتى معاوية...
ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية، واعتزلا الفريقين جميعا... فلما هرب حنظلة
أمر علي بداره فهدمت (2).
4 / 4
عبد الله بن عبد الرحمن
2785 - الغارات: كان عبد الله بن عبد الرحمن بن مسعود... شهد مع علي (عليه السلام)
صفين، وكان في أول أمره مع معاوية، ثم صار إلى علي، ثم رجع بعد إلى
معاوية، ثم سماه علي (عليه السلام) الهجنع، والهجنع: الطويل (3).



(1) الرها: إحدى مدن سورية، وتقع بين الشام والموصل في الجانب الشمالي الشرقي عن الفرات أعلى
الرقة وحران، وتعرف اليوم ب‍ " أدسا " و " أورفا ".
(2) وقعة صفين: 97؛ شرح نهج البلاغة: 3 / 176.
(3) الغارات: 2 / 532؛ شرح نهج البلاغة: 4 / 87.
40
4 / 5
القعقاع بن شور
ليس عندنا معلومات كثيرة عن حياته. ولي كسكر بعد قدامة بن عجلان (1).
وقال ابن أبي الحديد: إنه ولي " ميسان " أيضا (2).
قبض على بيت المال لترفه وملذاته. وحين علم أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
اطلع على ذلك، أخذ الأموال وذهب إلى معاوية (3). دنس قلبه الأسود حياته،
وبلغ به الحال أنه خان مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة، وسعى
في تفريق أصحابه عنه، متواطئا مع ابن الأشعث وأضرابه (4).
2786 - الإمام علي (عليه السلام): تسألوني المال؟! وقد استعملت القعقاع بن شور على
كسكر، فأصدق امرأة بمائة ألف درهم، وأيم الله لو كان كفوا ما أصدقها ذلك (5).
4 / 6
مصقلة بن هبيرة
2787 - تاريخ دمشق: مصقلة بن هبيرة... من وجوه أهل العراق، كان من أصحاب
علي بن أبي طالب، وولي أردشير خره من قبل ابن عباس، وعتب علي عليه في



(1) الغارات: 2 / 533؛ شرح نهج البلاغة: 4 / 87.
(2) شرح نهج البلاغة: 3 / 13.
(3) شرح نهج البلاغة: 4 / 87.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 369 وص 381، الأخبار الطوال: 239.
(5) الغارات: 2 / 532 عن أبي إسحاق الشيباني وراجع شرح نهج البلاغة: 4 / 87.
41
إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمه، وقيل: لأنه فدى نصارى بني ناجية
بخمسمائة ألف، فلم يردها كلها، ووفد على معاوية (1).
2788 - تهذيب الأحكام عن أبي الطفيل: إن بني ناجية قوما كانوا يسكنون
الأسياف (2)، وكانوا قوما يدعون في قريش نسبا، وكانوا نصارى فأسلموا، ثم
رجعوا عن الإسلام، فبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) معقل بن قيس التميمي... فقتل
مقاتليهم وسبى ذراريهم.
قال: فأتى بهم عليا (عليه السلام)، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم،
وحمل إلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) خمسين ألفا، فأبى أن يقبلها.
قال: فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية - لعنه الله - قال: فأخرب
أمير المؤمنين (عليه السلام) داره وأجاز عتقهم (3).
راجع: القسم السادس عشر / مصقلة بن هبيرة.
4 / 7
مولى للإمام
2789 - الإمام الصادق (عليه السلام): إن مولى لأمير المؤمنين (عليه السلام) سأله مالا، فقال: يخرج
عطائي فأقاسمك هو، فقال: لا أكتفي، وخرج إلى معاوية فوصله، فكتب إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبره بما أصاب من المال، فكتب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام):
أما بعد؛ فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك، وهو صائر إلى أهله



(1) تاريخ دمشق: 58 / 269 / 7450.
(2) سيف البحر: ساحل البحر، والجمع أسياف (مجمع البحرين: 2 / 918).
(3) تهذيب الأحكام: 10 / 139 / 551؛ أنساب الأشراف: 3 / 182 نحوه.
42
بعدك، وإنما لك منه ما مهدت لنفسك، فآثر نفسك على صلاح ولدك؛ فإنما أنت
جامع لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت، وإما رجل
عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره
على نفسك ولا تبرد له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله، وثق لمن بقي
برزق الله (1).
4 / 8
النعمان بن العجلان
2790 - تاريخ اليعقوبي عن أبي خالد الوالبي: بلغه [الإمام عليا (عليه السلام)] أن النعمان بن
العجلان قد ذهب بمال البحرين، فكتب إليه علي:
أما بعد؛ فإنه من استهان بالأمانة ورغب في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه،
أخل بنفسه في الدنيا، وما يشفي (2) عليه بعد أمر وأبقى وأشقى وأطول.
فخف الله! إنك من عشيرة ذات صلاح، فكن عند صالح الظن بك، وراجع، إن
كان حقا ما بلغني عنك، ولا تقلبن رأيي فيك، واستنظف خراجك، ثم اكتب إلي
ليأتيك رأيي وأمري، إن شاء الله.
فلما جاءه كتاب علي (عليه السلام)، وعلم أنه قد علم حمل المال، لحق معاوية (3).



(1) الكافي: 8 / 72 / 28 عن يونس عن بعض أصحابه، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 111 وفيه
" أحوج " بدل " صلاح ".
(2) يشفي: يشرف (لسان العرب: 14 / 437).
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 201. وفي خصوص كونه واليا على البحرين من قبل الإمام (عليه السلام) راجع
نهج البلاغة: الكتاب 42 وتاريخ الطبري: 4 / 452 والكامل في التاريخ: 2 / 323 وتاريخ خليفة بن
خياط: 151.
43
4 / 9
يزيد بن حجية
من أصحاب الإمام (عليه السلام) (1)، وشهد معه حروبه (2). وجعله الإمام (عليه السلام) أحد الشهود
في التحكيم (3).
استعمله الإمام (عليه السلام) على الري ودستبى (4) (5). لكنه انتهج الخيانة، إذ نقل ابن
الأثير أنه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال؛ وطالبه الإمام بالنقص
الحاصل في بيت المال، فأنكر ذلك، فجلده (6) وسجنه، ففر من السجن والتحق
بمعاوية (7). وشهد على حجر بن عدي حين أراد معاوية قتله (8).
2791 - الغارات: كان يزيد بن حجية قد استعمله علي (عليه السلام) على الري ودستبي،
فكسر الخراج واحتجن (9) المال لنفسه، فحبسه علي وجعل معه مولى له يقال له:
سعد، فقرب يزيد ركائبه وسعد نائم، فلحق بمعاوية...



(1) تاريخ دمشق: 65 / 147 / 8256.
(2) الكامل في التاريخ: 2 / 367، الأخبار الموفقيات: 575 / 374.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 54، الكامل في التاريخ: 2 / 389، تاريخ دمشق: 65 / 147.
(4) دستبى: معرب دشتبى؛ وهي بلدة تقع إلى الغرب والجنوب الغربي من مدينة طهران، وكانت واسعة
بحيث تشمل ما بين قزوين وهمدان الحاليتين (راجع معجم البلدان: 2 / 454).
(5) الغارات: 2 / 525؛ أنساب الأشراف: 3 / 215، الأخبار الموفقيات: 575 / 374، تاريخ دمشق:
65 / 147، الكامل في التاريخ: 2 / 367 وفيهما " استعمله على الري ".
(6) الكامل في التاريخ: 2 / 367.
(7) الغارات: 2 / 525 - 528؛ أنساب الأشراف: 3 / 216، الكامل في التاريخ: 2 / 367، تاريخ
دمشق: 65 / 147 / 8256، الأخبار الموفقيات: 575 / 374 وليس فيه " حبسه ".
(8) الغارات: 2 / 528؛ أنساب الأشراف: 5 / 268، تاريخ الطبري: 5 / 273.
(9) تحتجنه: أي تتملكه دون الناس، والاحتجان: جمع الشيء وضمه إليك (النهاية: 1 / 348).
44
وقال أيضا شعرا يذم فيه عليا ويخبره أنه من أعدائه، لعنه الله، فبلغ ذلك
عليا (عليه السلام) فدعا عليه، وقال لأصحابه: ارفعوا أيديكم فادعوا عليه، فدعا عليه
علي (عليه السلام) وأمن أصحابه.
قال أبو الصلت التيمي: فقال علي (عليه السلام): اللهم إن يزيد بن حجية هرب بمال
المسلمين، ولحق بالقوم الفاسقين، فاكفنا مكره وكيده، واجزه جزاء الظالمين (1).
4 / 10
كتاب الإمام إلى سهل فيمن لحق بمعاوية
2792 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى سهل بن حنيف الأنصاري، وهو عامله
على المدينة، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية -: أما بعد؛ فقد بلغني أن
رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية؛ فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم،
ويذهب عنك من مددهم؛ فكفى لهم غيا، ولك منهم شافيا، فرارهم من الهدى
والحق، وإيضاعهم إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها،
ومهطعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه، وعلموا أن الناس
عندنا في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعدا لهم وسحقا!!
إنهم - والله - لم ينفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل، وإنا لنطمع في هذا الأمر أن
يذلل الله لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه (2)، إن شاء الله، والسلام (3).



(1) الغارات: 2 / 525 و 528 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 215 والكامل في التاريخ: 2 / 367
والأخبار الموفقيات: 575 / 374 وتاريخ دمشق: 65 / 147 - 149.
(2) الحزن: المكان الغليظ الخشن (النهاية: 1 / 380).
(3) نهج البلاغة: الكتاب 70؛ أنساب الأشراف: 2 / 386 نحوه إلى " سحقا " وراجع تاريخ اليعقوبي:
2 / 203.
45
الفصل الخامس
محايدة عدة من أصحاب الإمام
5 / 1
جرير بن عبد الله البجلي
2793 - وقعة صفين عن صالح بن صدقة - بعد بيان كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى
معاوية وإرساله مع جرير بن عبد الله وكثرة مدة مقامه مع معاوية -: لما رجع
جرير إلى علي كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية...
فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا (1)، ولحق به أناس من قسر من قومه (2).
2794 - الإمام علي (عليه السلام) - في وصف جرير بن عبد الله قبل مفارقته -: أما هذا
الأكثف عند الجاهلية - يعني جرير بن عبد الله البجلي - فهو يرى كل أحد دونه،



(1) قرقيسيا: مدينة على الفرات والخابور بالقرب من الرقة (تقويم البلدان: 281).
(2) وقعة صفين: 59 - 61.
47
ويستصغر كل أحد ويحتقره، قد ملئ نارا، وهو مع ذلك يطلب رئاسة، ويروم
إمارة، وهذا الأعور [يعني الأشعث] يغويه ويطغيه، إن حدثه كذبه، وإن قام دونه
نكص عنه، فهما كالشيطان؛ (إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف
الله رب العلمين) (1) (2).
2795 - تاريخ الطبري: خرج جرير بن عبد الله إلى قرقيسياء وكتب إلى معاوية،
فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه (3).
2796 - سير أعلام النبلاء عن محمد بن عمر: لم يزل جرير معتزلا لعلي ومعاوية
بالجزيرة ونواحيها، حتى توفي بالشراة في ولاية الضحاك بن قيس على
الكوفة (4).
5 / 2
أبو عبد الرحمن السلمي
2797 - الغارات عن عطاء بن السائب: قال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي:
أنشدك بالله تخبرني، فلما أكد عليه قال: بالله هل أبغضت عليا إلا يوم قسم المال
في أهل الكوفة فلم يصبك ولا أهل بيتك منه شيء؟ قال: أما إذا أنشدتني بالله



(1) الحشر: 16.
(2) شرح نهج البلاغة: 20 / 287 / 277؛ نثر الدر: 1 / 325 نحوه.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 562 وراجع الغارات: 2 / 553 وشرح نهج البلاغة: 4 / 93.
(4) سير أعلام النبلاء: 2 / 536 / 108، تهذيب الكمال: 4 / 535 / 917 وفيه " بالسراة " بدل " بالشراة "
وزاد في آخره " وكانت ولايته سنتين ونصفا بعد زياد بن أبي سفيان " وراجع الطبقات الكبرى:
6 / 22.
48
فلقد كان ذلك (1).
5 / 3
وائل بن حجر
2798 - الغارات عن فضيل بن خديج: كان وائل بن حجر عند علي (عليه السلام) بالكوفة،
وكان يرى رأي عثمان، فقال لعلي (عليه السلام): إن رأيت أن تأذن لي بالخروج إلى بلادي
وأصلح مالي هناك، ثم لا ألبث إلا قليلا إن شاء الله حتى أرجع إليك.
فأذن له علي (عليه السلام) وظن أن ذلك مثل ما ذكره. فخرج إلى بلاد قومه وكان قيلا (2)
من أقيالهم، عظيم الشأن فيهم، وكان الناس بها أحزابا وشيعا؛ فشيعة ترى رأي
عثمان، وأخرى ترى رأي علي (عليه السلام)، فكان وائل بن حجر هناك حتى دخل بسر
صنعاء.
فكتب إليه: أما بعد؛ فإن شيعة عثمان ببلادنا شطر أهلها، فأقدم علينا؛ فإنه
ليس بحضرموت أحد يردك عنها ولا ينصب لك فيها، فأقبل إليها بسر بمن معه
حتى دخلها.
فزعم أن وائلا استقبل بسر بن أبي أرطأة بشنوءة، فأعطاه عشرة آلاف، وأنه
كلمه في حضرموت، فقال له: ما تريد؟ قال: أريد أن أقتل ربع حضرموت، قال:
إن كنت تريد أن تقتل ربع حضرموت فاقتل عبد الله بن ثوابة؛ إنه لرجل فيهم،
وكان من المقاولة (3) العظام، وكان له عدوا في رأيه مخالفا (4).



(1) الغارات: 2 / 567؛ المنتخب من ذيل المذيل: 1 / 147 نحوه.
(2) القيل: الملك النافذ القول والأمر (لسان العرب: 11 / 576).
(3) المقاولة: جمع قيل (لسان العرب: 11 / 575) وقد تقدم توضيحه.
(4) الغارات: 2 / 630.
49
الفصل السادس
استشهاد مالك الأشتر
6 / 1
البشارة بالخير
2799 - الفتوح - في حرب صفين -: بكى الأشتر، فقال له علي (رضي الله عنه): ما يبكيك -
لا أبكى الله عيناك -؟ فقال: أبكي يا أمير المؤمنين لأني أرى الناس يقتلون بين
يديك، وأنا لا أرزق الشهادة فأفوز بها. فقال له علي (رضي الله عنه): أبشر بالخير يا مالك (1).
6 / 2
إشخاص مالك إلى مصر
2800 - تاريخ الطبري - في ذكر أحداث سنة ثمان وثلاثين -: فلما انقضى أمر
الحكومة، كتب علي إلى مالك بن الحارث الأشتر - وهو يومئذ بنصيبين -: أما



(1) الفتوح: 3 / 179.
51
بعد، فإنك ممن استظهرته على إقامة الدين، وأقمع به نخوة (1) الأثيم، وأشد به
الثغر (2) المخوف. وكنت وليت محمد بن أبي بكر مصر، فخرجت عليه بها
خوارج، وهو غلام حدث ليس بذي تجربة للحرب، ولا بمجرب للأشياء،
فاقدم علي؛ لننظر في ذلك فيما ينبغي، واستخلف على عملك أهل الثقة
والنصيحة من أصحابك. والسلام.
فأقبل مالك إلى علي حتى دخل عليه، فحدثه حديث أهل مصر، وخبره خبر
أهلها، وقال: ليس لها غيرك، اخرج رحمك الله، فإني إن لم أوصك اكتفيت
برأيك، واستعن بالله على ما أهمك، فاخلط الشدة باللين؛ وارفق ما كان الرفق
أبلغ، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة (3).
6 / 3
كتاب الإمام إلى أهل مصر قبل إشخاص مالك
2801 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر -: من
عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه
وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم والظاعن (4)، فلا
معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه.



(1) النخوة: العظمة والكبر والفخر (لسان العرب: 15 / 313).
(2) الثغر: موضع المخافة من فروج البلدان (لسان العرب: 4 / 103).
(3) تاريخ الطبري: 5 / 95؛ الأمالي للمفيد: 79 / 4 نحوه عن هشام بن محمد وفيه إشارة إلى شهادة
محمد بن أبي بكر، الغارات: 1 / 257 عن المدائني وراجع أنساب الأشراف: 3 / 167 والكامل في
التاريخ: 2 / 410.
(4) الظاعن: الشاخص لسفر في حج أو غزو أو مسير من مدينة إلى أخرى، وهو ضد الخافض؛ يقال:
أظاعن أنت أم مقيم (تاج العروس: 18 / 362).
52
أما بعد، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله؛ لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل (1)
عن الأعداء ساعات الروع (2)، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن
الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له، وأطيعوا أمره فيما طابق الحق، فإنه سيف من
سيوف الله، لا كليل الظبة (3)، ولا نابي (4) الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا،
وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا؛ فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن
أمري، وقد آثرتكم به على نفسي؛ لنصيحته لكم، وشدة شكيمته (5) على
عدوكم (6).
2802 - الأمالي للمفيد عن هشام بن محمد: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) أمامه [أي
مالك] كتابا إلى أهل مصر:
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا
هو، وأسأله الصلاة على نبيه محمد وآله، وإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله،
لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر (7)، من أشد عبيد الله



(1) نكل: نكص؛ يقال: نكل عن العدو: أي جبن (لسان العرب: 11 / 677).
(2) الروع: الفزع (لسان العرب: 8 / 135).
(3) الظبة: حد السيف والسنان والنصل والخنجر وما أشبه ذلك (لسان العرب: 15 / 22).
(4) نبا السيف عن الضريبة: كل ولم يحك فيها (لسان العرب: 15 / 301).
(5) الشكيمة: قوة القلب، وإنه لشديد الشكيمة: إذا كان شديد النفس أنفا أبيا (لسان العرب: 12 / 324).
(6) نهج البلاغة: الكتاب 38، الغارات: 1 / 266 عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر، الاختصاص:
80 عن عبد الله بن جعفر، بحار الأنوار: 33 / 595 / 741؛ تاريخ الطبري: 5 / 96 عن فضيل بن
خديج عن مولى الأشتر، تاريخ دمشق: 56 / 390 / 7165 كلها نحوه وراجع تاريخ اليعقوبي:
2 / 194.
(7) الدوائر: الموت أو القتل (لسان العرب: 4 / 297).
53
بأسا، وأكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس
أو عار، وهو مالك بن الحارث الأشتر، لا نابي الضرس، ولا كليل الحد، حليم
في الحذر، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل؛ فاسمعوا له،
وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفير فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا؛ فإنه لا
يقدم ولا يحجم إلا بأمري، فقد آثرتكم به على نفسي؛ نصيحة لكم، وشدة
شكيمة على عدوكم، عصمكم الله بالهدى، وثبتكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لما
يحب ويرضى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).
6 / 4
واجبات مالك في حكومة مصر (2)
2803 - الإمام علي (عليه السلام) - في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر وأعمالها -:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن
الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها، ومجاهدة عدوها،
واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله، وإيثار طاعته، واتباع ما أمر
الله به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع
جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه؛ فإنه قد تكفل بنصر من
نصره، إنه قوي عزيز.



(1) الأمالي للمفيد: 81 / 4 عن هشام بن محمد، الغارات: 1 / 260 عن صعصعة نحوه وزاد فيه " لا ناكل
عن قدم ولا واه في عزم " بعد " لا ينكل عن الأعداء ".
(2) جاء عهد الإمام (عليه السلام) إلى مالك الأشتر في نهج البلاغة وتحف العقول ودعائم الإسلام - تحت عنوان
آخر -. وبما أن متن تحف العقول أتم وأكثر تناسقا فلذا رجحناه على المصدرين الآخرين وقد ميزنا
زيادته بوضع الأقواس " ".
54
وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات؛ فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم
ربي، إن ربي غفور رحيم. " وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات؛ فإن فيه تبيان كل
شيء، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وأن يتحرى رضا الله، ولا يتعرض لسخطه،
ولا يصر على معصيته، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه ".
ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل
وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة
قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري
الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح
" بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك "، فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا
يحل لك؛ فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت.
وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بالإحسان إليهم، ولا
تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان؛ إما أخ لك في الدين، وإما
نظير لك في الخلق، يفرط (1) منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم
في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من
عفوه؛ فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك بما عرفك من
كتابه، وبصرك من سنن نبيه (صلى الله عليه وآله).
عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا، لا تنصبن نفسك لحرب الله؛ فإنه لا يد لك
بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. فلا تندمن على عفو، ولا تبجحن (2)



(1) كما في نهج البلاغة، وفي المصدر: " تفرط ".
(2) البجح: الفرح، وتبجح به: فخر، وفلان يتبجح: أي يفتخر ويباهي بشيء ما، وقد بجح يبجح (لسان
العرب: 2 / 405 وص 406).
55
بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة (1) وجدت عنها مندوحة (2)، ولا تقولن: إني مؤمر؛
آمر فأطاع؛ فإن ذلك إدغال (3) في القلب، ومنهكة (4) للدين، وتقرب من الفتن،
فتعوذ بالله من درك الشقاء.
وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبهة أو مخيلة فانظر إلى
عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك؛ فإن ذلك
يطامن (5) إليك من طماحك (6)، ويكف عنك من غربك (7)، ويفئ إليك ما عزب (8)
من عقلك.
وإياك ومساماته في عظمته، أو التشبه به في جبروته؛ فإن الله يذل كل جبار،
ويهين كل مختال فخور.
أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه
هوى من رعيتك؛ فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون
عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب.
وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة من إقامة على ظلم؛ فإن الله يسمع دعوة
المظلومين، وهو للظالمين بمرصاد، ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا



(1) البادرة: الحدة، وهو ما يبدر من حدة الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب: 4 / 48).
(2) لي عن هذا الأمر مندوحة: أي متسع (لسان العرب: 2 / 613).
(3) أدغل في الأمر: أدخل فيه ما يفسده ويخالفه (لسان العرب: 11 / 244).
(4) النهك: التنقص (لسان العرب: 10 / 499).
(5) طامن ظهره: إذا حنى ظهره (لسان العرب: 13 / 268) والمراد يخفض ويسكن.
(6) الطماح: مثل الجماح، والطماح: الكبر والفخر (لسان العرب: 2 / 534).
(7) الغرب: الحدة (لسان العرب: 1 / 641).
(8) أعزب عنه حلمه وعزب: ذهب (لسان العرب: 1 / 596).
56
والآخرة.
وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها
للرعية؛ فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع
رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل له
معونة في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف (1)، وأقل شكرا عند
الإعطاء، وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الأمور، من الخاصة،
وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء أهل العامة من الأمة، فليكن
لهم صغوك، واعمد لأعم الأمور منفعة وخيرها عاقبة، ولا قوة إلا بالله.
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لعيوب الناس؛ فإن في الناس
عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن ما غاب عنك، واستر العورة ما
استطعت؛ يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.
وأطلق عن الناس عقد كل حقد، واقطع عنك سبب كل وتر، " واقبل العذر.
وادرأ الحدود بالشبهات ".
وتغاب عن كل ما لا يضح (2) لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع؛ فإن الساعي
غاش وإن تشبه بالناصحين.
لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانا
يضعف عليك الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور؛ فإن البخل والجور (3)



(1) الإلحاف: شدة الإلحاح في المسألة (لسان العرب: 9 / 314).
(2) وضح الشيء يضح: بان (لسان العرب: 2 / 634).
(3) كذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: " فإن البخل والجبن " وهو الأنسب.
57
والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله، كمونها في الأشرار.
أيقن أن شر وزرائك من كان للأشرار وزيرا، ومن شركهم في الآثام وقام
بأمورهم في عباد الله؛ فلا يكونن لك بطانة (1)، " تشركهم في أمانتك كما شركوا
في سلطان غيرك فأردوهم وأوردوهم مصارع السوء.
ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به "؛ فإنهم أعوان الأثمة، وإخوان الظلمة،
وعباب كل طمع ودغل (2)، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل أدبهم
ونفاذهم ممن قد تصفح الأمور، فعرف مساويها بما جرى عليه منها، فأولئك
أخف عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا، وأقل لغيرك إلفا، لم
يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه، " ولم يكن مع غيرك له سيرة
أجحفت بالمسلمين والمعاهدين "؛ فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك.
ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق، " وأحوطهم على الضعفاء بالإنصاف،
وأقلهم لك مناظرة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث
وقع؛ فإنهم يقفونك على الحق، ويبصرونك ما يعود عليك نفعه ". والصق بأهل
الورع والصدق وذوي العقول والأحساب، ثم رضهم على ألا يطروك، ولا
يبجحوك بباطل لم تفعله؛ فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، وتدني من الغرة،
" والإقرار بذلك يوجب المقت من الله ".
لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء؛ فإن ذلك تزهيد لأهل
الإحسان، في الإحسان، وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة، فألزم كلا منهم ما



(1) بطانة الرجل: خاصته، وصاحب سره وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله (لسان العرب: 13 / 55).
(2) الدغل: الفساد (لسان العرب: 11 / 244).
58
ألزم نفسه؛ أدبا منك ينفعك الله به، وتنفع به أعوانك.
ثم اعلم أنه ليس شيء بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم،
وتخفيفه المؤونات عليهم، وقلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم، فليكن
في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك؛ فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا
طويلا، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وأحق من ساء ظنك
به لمن ساء بلاؤك عنده، " فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في حسن
الصنع، واستكثار حسن البلاء عند العامة، مع ما يوجب الله بها لك في المعاد ".
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة،
وصلحت عليها الرعية. ولا تحدثن سنة تضر بشيء مما مضى من تلك السنن؛
فيكون الأجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء، ومثافنة (1) الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أهل
بلادك، وإقامة ما استقام به الناس من قبلك؛ " فإن ذلك يحق الحق، ويدفع
الباطل، ويكتفى به دليلا ومثالا لأن السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله ".
ثم اعلم أن الرعية طبقات، لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن
بعض؛ فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها
عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة
الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة (2) السفلى من ذوي الحاجة
والمسكنة، وكلا قد سمى الله سهمه، ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنة



(1) المثافن: المواظب، ويقال: ثافنت فلانا إذا حاببته تحادثه وتلازمه وتكلمه (لسان العرب: 12 / 79).
(2) في المصدر: " طبقة "، والصحيح ما أثبتناه كما في نهج البلاغة.
59
نبيه (صلى الله عليه وآله)، وعهدا عندنا محفوظا.
فالجنود - بإذن الله - حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبيل الأمن
والخفض، وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من
الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه، ويكون من وراء
حاجاتهم.
ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب؛ لما
يحكمون من الأمور، ويظهرون من الإنصاف، ويجمعون من المنافع، ويؤمنون
عليه من خواص الأمور وعوامها.
ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم،
ويقيمون من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم.
ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم (1)، وفي في
الله لكل سعة، ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه، وليس يخرج الوالي من
حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم
الحق والصبر فيما خف عليه وثقل. فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله
ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيبا، وأفضلهم حلما، وأجمعهم علما وسياسة،
ممن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو (2) على
الأقوياء، ممن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف.
ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، ثم



(1) الرفد: العطاء والصلة (لسان العرب: 3 / 181).
(2) النبو: العلو والارتفاع (لسان العرب: 15 / 302) أي يشتد ويعلو عليهم ليكف أيديهم عن الظلم.
60
أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة؛ فإنهم جماع من الكرم، وشعب من
العرف، يهدون إلى حسن الظن بالله، والإيمان بقدره.
ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده، ولا يتفاقمن (1) في نفسك شيء
قويتهم به. ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل؛ فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة
وحسن الظن بك. فلا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها؛ فإن لليسير
من لطفك موضعا ينتفعون به، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم في بذله
ممن يسعهم ويسع من وراءهم من الخلوف (2) من أهلهم، حتى يكون همهم هما
واحدا في جهاد العدو.
" ثم واتر إعلامهم ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم، والإرصاد بالتوسعة.
وحقق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف "؛ فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم
عليك.
وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية؛
لأنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على
ولاة أمورهم، وقلة استثقال دولتهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم.
" ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم، بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا
مما سواه مما أفاء الله عليهم، تستنصر بهم به، ويكون داعية لهم إلى العودة
لنصر الله ولدينه. واخصص أهل النجدة في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من
النصيحة بالبذل "، وحسن الثناء عليهم، ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى



(1) أي لا تعد ما قويتم به عظيما (بحار الأنوار: 33 / 604).
(2) الخوالف: الذين لا يغزون (لسان العرب: 9 / 86).
61
في كل مشهد؛ فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل
إن شاء الله.
" ثم لا تدع أن يكون لك عليهم عيون (1) من أهل الأمانة والقول بالحق عند
الناس، فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم ".
ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره، ولا
تقصرن به دون غاية بلائه، " وكاف كلا منهم بما كان منه، واخصصه منك بهزه ".
ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ
على أن تصغر من بلائه ما كان عظيما. " ولا يفسدن امرأ عندك علة إن عرضت
له، ولا نبوة حديث له قد كان له فيها حسن بلاء، فإن العزة لله يؤتيه من يشاء
والعاقبة للمتقين.
وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوك فاخلفه (2) في عياله بما
يخلف به الوصي الشفيق الموثق به؛ حتى لا يرى عليهم أثر فقده؛ فإن ذلك
يعطف عليك قلوب شيعتك، ويستشعرون به طاعتك، ويسلسون (3) لركوب
معاريض التلف الشديد في ولايتك.
وقد كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنن في المشركين ومنا بعده سنن، قد جرت بها
سنن وأمثال في الظالمين، ومن توجه قبلتنا، وتسمى بديننا "؛ وقد قال الله لقوم
أحب إرشادهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن
تنازعتم في شىء فردوه إلى الله والرسول " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم



(1) العين: الذي يبعث ليتجسس الخبر (لسان العرب: 13 / 301).
(2) خلفت الرجل في أهله: إذا أقمت بعده فيهم وقمت عنه بما كان يفعله (النهاية: 2 / 66).
(3) سلس المهر: إذا انقاد (لسان العرب: 6 / 106).
62
الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (1)، وقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) (2) " فالرد
إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير
المتفرقة، " ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه، ونميز المتشابه
منه، ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره.
فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الأعداء، وواتر إلينا الكتب
بالأخبار بكل حدث يأتك منا، أمر عام، والله المستعان.
ثم انظر في أمر الأحكام بين الناس بنية صالحة؛ فإن الحكم في إنصاف
المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القوي وإقامة حدود الله على سنتها
ومنهاجها مما يصلح عباد الله وبلاده ". فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك
في نفسك، " وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء "، ممن لا تضيق به الأمور،
ولا تمحكه (3) الخصوم، ولا يتمادى في إثبات الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى
الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه،
وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم،
وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه
إطراء، ولا يستميله إغراق، ولا يصغى (4) للتبليغ؛ فول قضاءك من كان كذلك،
وهم قليل.



(1) النساء: 59.
(2) النساء: 83.
(3) المحك: اللجاج (لسان العرب: 10 / 486).
(4) صغا إليه يصغى: مال (لسان العرب: 14 / 461).
63
ثم أكثر تعهد قضائه، وافتح له في البذل ما يزيح علته، ويستعين به، وتقل معه
حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك؛
ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك. " وأحسن توقيره في صحبتك، وقربه في
مجلسك، وأمض قضاءه، وأنفذ حكمه، واشدد عضده، واجعل أعوانه خيار من
ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله؛ ليناظرهم فيما
شبه عليه، ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه، ويكونون شهداء على قضائه بين
الناس إن شاء الله.
ثم حملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه، لا يختلفون ولا يتدابرون
في حكم الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل، وغرة
في الدين، وسبب من الفرقة. وقد بين الله ما يأتون وما ينفقون، وأمر برد ما لا
يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه، واستحفظه الحكم فيه، فإنما اختلاف
القضاة في دخول البغي بينهم، واكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله
ولايته ليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك.
ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر والسنة، فإذا أعياه ذلك رد
الحكم إلى أهله، فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين؛ ليس له ترك
ذلك إلى غيره، وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في الحكم
نما رفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم، فيكون هو الحاكم بما علمه الله، ثم يجتمعان
على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما ". فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين
قد كان أسيرا بأيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا.
" واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه، ثم
تصفح تلك الأحكام؛ فما وافق كتاب الله وسنة نبيه والأثر من إمامك فأمضه

64
واحملهم عليه، وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه، ثم
أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين، فإن كل أمر اختلف
فيه الرعية مردود إلى حكم الإمام، وعلى الإمام الاستعانة بالله، والاجتهاد في
إقامة الحدود، وجبر الرعية على أمره، ولا قوة إلا بالله ".
ثم انظر إلى أمور عمالك، واستعملهم اختبارا، ولا تولهم أمورك محاباة (1)
أثرة (2)؛ فإن المحاباة والأثرة جماع الجور والخيانة، " وإدخال الضرورة على
الناس، وليست تصلح الأمور بالإدغال، فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع
والعلم والسياسة "، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة
والقدم في الاسلام؛ فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا وأقل في المطامع إشرافا،
وأبلغ في عواقب الأمور نظرا من غيرهم، " فليكونوا أعوانك على ما تقلدت ".
ثم أسبغ عليهم " في العمالات، ووسع عليهم في " الأرزاق؛ فإن في ذلك قوة
لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن
خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك. ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون عليهم من أهل
الصدق والوفاء؛ فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة
والرفق بالرعية.
وتحفظ من الأعوان؛ فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار
عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب
من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة.



(1) الحباء: ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به (لسان العرب: 14 / 162) أي وأن لا يوليهم محاباة لهم
ولمن يشفع فيهم ولا أثرة ولا إنعاما عليهم (شرح نهج البلاغة: 17 / 69).
(2) استأثر فلان بالشيء: أي استبد به، والاسم الأثرة. (الصحاح: 2 / 575).
65
وتفقد ما يصلح أهل الخراج؛ فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم،
ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم؛ لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. فليكن
نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ فإن الجلب لا
يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد،
ولم يستقم له أمره إلا قليلا.
" فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك، ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما
فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم، ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم "؛
فإن كانوا شكوا ثقلا أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو
أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم، " وإن
سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته؛ فإن في عاقبة
كفايتك إياهم صلاحا، فلا يثقلن عليك شيء خففت به عنهم المؤونات "؛ فإنه
ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك، وتزيين ولايتك، " مع اقتنائك مودتهم
وحسن نياتهم، واستفاضة الخير، وما يسهل الله به من جلبهم، فإن الخراج لا
يستخرج بالكد والأتعاب، مع أنها عقد (1) تعتمد عليها إن حدث حدث كنت
عليهم معتمدا "؛ لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الجمام (2)، والثقة منهم بما
عودتهم من عدلك ورفقك، ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذي اتكلت
به عليهم، فاحتملوه بطيب أنفسهم، فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتى
خراب الأرض لإعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنهم بالبقاء
وقلة انتفاعهم بالعبر.



(1) العقدة: كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه (لسان العرب: 3 / 299).
(2) الجمام: الراحة (لسان العرب: 12 / 105).
66
" فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية، والمثوبة
من الله، والرضا من الإمام. ولا قوة إلا بالله ".
ثم انظر في حال كتابك " فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منهم،
فاجعل لهم منازل ورتبا "، فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي
تدخل فيها مكيدتك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأدب، " ممن يصلح
للمناظرة في جلائل الأمور، من ذوي الرأي والنصيحة والذهن، أطواهم عنك
لمكنون الأسرار كشحا "، ممن لا تبطره الكرامة، " ولا تمحق به الدالة (1) "
فيجترئ بها عليك في خلاء، أو يلتمس إظهارها في ملاء، ولا تقصر به الغفلة عن
إيراد كتب الأطراف عليك، وإصدار جواباتك على الصواب عنك، وفيما يأخذ
ويعطي منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك،
ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور؛ فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره
أجهل.
" وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك
قوما تجتهد نفسك في اختيارهم؛ فإنها رؤوس أمرك، أجمعها لنفعك، وأعمها
لنفع رعيتك ".
ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك (2) وحسن الظن بهم، فإن
الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنعهم وخدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة
والأمانة، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في



(1) أدل عليه: وثق بمحبته فأفرط عليه، والاسم الدالة (لسان العرب: 11 / 247).
(2) استنام إلى الشيء: استأنس به، واستنام فلان إلى فلان: إذا أنس به واطمأن إليه وسكن (لسان العرب:
12 / 598).
67
العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن
وليت أمره. " ثم مرهم بحسن الولاية، ولين الكلمة ". واجعل لرأس كل أمر من
أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها، ولا يتشتت عليه كثيرها.
" ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم، وأمور من يرد عليك رسله،
وذوي الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليهم وحجتهم؛ فإن التبرم والعز والنخوة
من كثير من الكتاب إلا من عصم الله، وليس للناس بد من طلب حاجاتهم ".
ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته، أو فضل نسب إليك، مع مالك
عند الله في ذلك من حسن الثواب.
ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيرا؛ المقيم منهم،
والمضطرب (1) بماله، والمترفق بيده؛ فإنهم مواد للمنافع، وجلابها في البلاد في
برك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون
عليها " من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على
أيديهم فاحفظ حرمتهم، وآمن سبلهم، وخذ لهم بحقوقهم "؛ فإنهم سلم لا تخاف
بائقته، وصلح لا تحذر غائلته، " أحب الأمور إليهم أجمعها للأمن وأجمعها
للسلطان "، فتفقد أمورهم بحضرتك، وفي حواشي بلادك.
واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا
للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة؛
فامنع الاحتكار فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عنه.
وليكن البيع والشراء بيعا سمحا، بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين



(1) المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان.
68
من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل وعاقب في غير إسراف؛
" فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل ذلك ".
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، والمساكين، والمحتاجين،
وذوي البؤس، والزمنى (1)؛ فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا، فاحفظ الله ما
استحفظك من حقه فيها، واجعل لهم قسما من غلات صوافي الإسلام في كل
بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلا قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك
عنهم نظر؛ فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لإحكامك الكثير المهم، فلا تشخص
همك عنهم، ولا تصعر خدك لهم، " وتواضع لله يرفعك الله، واخفض جناحك
للضعفاء، واربهم إلى ذلك منك حاجة "، وتفقد من أمورهم ما لا يصل إليك منهم
ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية
والتواضع فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإن
هؤلاء أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه.
وتعهد أهل اليتم والزمانة والرقة في السن ممن لا حيلة له، ولا ينصب
للمسألة نفسه؛ " فأجر لهم أرزاقا، فإنهم عباد الله، فتقرب إلى الله بتخلصهم
ووضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم، فإن الأعمال تخلص بصدق النيات.
ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب
دون مشافهتك بالحاجات "، وذلك على الولاة ثقيل، والحق كله ثقيل، وقد
يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا نفوسهم، ووثقوا بصدق موعود الله
" لمن صبر واحتسب، فكن منهم واستعن بالله ".



(1) الزمنى: جمع زمن، وهو ذو الزمانة، والزمانة: العاهة (لسان العرب: 13 / 199).
69
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك " وذهنك من كل
شغل، ثم تأذن لهم عليك "، وتجلس لهم مجلسا تتواضع فيه لله الذي رفعك،
وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، " تخفض لهم في مجلسك
ذلك جناحك، وتلين لهم كنفك في مراجعتك ووجهك "؛ حتى يكلمك متكلمهم
غير متعتع، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في غير موطن: لن تقدس أمة لا
يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع.
ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنك الضيق والأنف يبسط الله عليك
أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب أهل طاعته، فأعط ما أعطيت هنيئا، وامنع في
إجمال وإعذار، " وتواضع هناك؛ فإن الله يحب المتواضعين. وليكن أكرم أعوانك
عليك ألينهم جانبا، وأحسنهم مراجعة، وألطفهم بالضعفاء، إن شاء الله ".
ثم إن أمورا من أمورك لابد لك من مباشرتها؛ منها: إجابة عمالك ما يعيى عنه
كتابك. ومنها: إصدار حاجات الناس في قصصهم. " ومنها: معرفة ما يصل إلى
الكتاب والخزان مما تحت أيديهم، فلا تتوان فيما هنالك، ولا تغتنم تأخيره،
واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمك، فكلما أمضيت
أمرا فأمضه بعد التروية ومراجعة نفسك، ومشاورة ولي ذلك بغير احتشام، ولا
رأي يكسب به عليك نقيضه ".
ثم أمض لكل يوم عمله؛ فإن لكل يوم ما فيه. واجعل لنفسك فيما بينك وبين
الله أفضل تلك المواقيت، وأجزل تلك الأقسام، وإن كانت كلها لله إذا صحت فيها
النية وسلمت منها الرعية.
وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة،
فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب؛ " فإن الله جعل النافلة لنبيه خاصة

70
دون خلقه فقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (1)،
فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به، ليس لأحد سواه، وهو لمن سواه تطوع؛
فإنه يقول: (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) (2) "، فوفر ما تقربت به إلى الله
وكرمه وأد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب ولا منقوص، بالغا ذلك من بدنك ما
بلغ.
فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطولن ولا تكونن منفرا ولا مضيعا؛ فإن في
الناس من به العلة وله الحاجة، وقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وجهني إلى اليمن:
كيف نصلي بهم؟ فقال: صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما.
وبعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك؛ فإن احتجاب الولاة عن الرعية
شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا
دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح،
ويشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من
الأمور، وليست على القول سمات يعرف بها الصدق من الكذب، فتحصن من
الإدخال في الحقوق بلين الحجاب؛ فإنما أنت أحد رجلين: إما امرء سخت
نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو خلق كريم
تسديه؟ وإما مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك،
مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤونة عليك فيه؛ من شكاية مظلمة، أو طلب
إنصاف. " فانتفع بما وصفت لك، واقتصر فيه على حظك ورشدك، إن شاء الله ".
ثم إن للملوك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول، وقلة إنصاف، فاحسم



(1) الإسراء: 79.
(2) البقرة: 158.
71
مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأشياء، ولا تقطعن لأحد من حشمك
ولا حامتك (1) قطيعة، ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس؛ في
شرب، أو عمل مشترك يحملون مؤونتهم على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم
دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.
" عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الأمور إليك "، وألزم الحق من لزمه من
القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع،
وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه؛ فإن مغبة ذلك محمودة. وإن ظنت الرعية بك
حيفا فأصحر (2) لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك؛ فإن في تلك رياضة
منك لنفسك، ورفقا منك برعيتك، وإعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على
الحق في خفض وإجمال.
لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضى؛ فإن في الصلح دعة (3) لجنودك،
وراحة من همومك، وأمنا لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من مقاربة عدوك في
طلب الصلح؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، " وتحصن كل مخوف
تؤتى منه، وبالله الثقة في جميع الأمور ".
وإن لجت بينك وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة
فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دونه؛ فإنه ليس
شيء من فرائض الله جل وعز الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق أهوائهم



(1) الحامة: خاصة الرجل من أهله وولده وذي قرابته (لسان العرب: 12 / 153).
(2) أصحر بالأمر وأصحره: أظهره (تاج العروس: 7 / 79).
(3) ودع الشيء: سكن واستقر وصار إلى الدعة (تاج العروس: 11 / 498).
72
وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم
دون المسلمين لما استوبلوا (1) من الغدر والختر، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخفر (2)
بعهدك، ولا تختلن (3) عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل، وقد جعل الله
عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته،
ويستفيضون به إلى جواره، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه (4). فلا يدعونك
ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه، فإن صبرك على ضيق ترجو
انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله طلبة، ولا
تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.
وإياك والدماء وسفكها بغير حلها؛ فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة
ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق، والله مبتدئ
بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء، فلا تصونن سلطانك بسفك دم
حرام، فإن ذلك يخلقه (5) ويزيله، " فإياك والتعرض لسخط الله؛ فإن الله قد جعل
لولي من قتل مظلوما سلطانا، قال الله: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا
فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) (6) ".



(1) الوبال: الوخامة وسوء العاقبة (مجمع البحرين: 3 / 1901). والمراد: استوخموا من عواقب الغدر
والختر.
(2) أخفره: نقض عهده وخاس به وغدره (لسان العرب: 4 / 253).
(3) الختل: تخادع عن غفلة (لسان العرب: 11 / 199).
(4) زاد في نهج البلاغة: ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة.
(5) خلق الشيء وأخلق: بلي، يقال: ثوب خلق، ودار خلق (لسان العرب: 10 / 88).
(6) الإسراء: 33.
73
ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن، فإن ابتليت
بخطأ وأفرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة، فلا
تطمحن (1) بك نخوة (2) سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم؛ " دية
مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى ".
إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء؛ فإن ذلك من
أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن.
إياك والمن على رعيتك بإحسان، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو تعدهم
فتتبع موعدك بخلفك، " أو التسرع إلى الرعية بلسانك "؛ فإن المن يبطل
الإحسان، والخلف يوجب المقت، وقد قال الله جل ثناؤه: (كبر مقتا عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون) (3).
إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، والتساقط فيها عند زمانها، واللجاجة فيها
إذا تنكرت، والوهن فيها إذا أوضحت، فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل عمل
موقعه.
وإياك والاستئثار بما للناس فيه الأسوة (4)، " والاعتراض فيما يعنيك "،
والتغابي عما يعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين؛ فإنه مأخوذ منك لغيرك.
وعما قليل تكشف عنك أغطية الأمور، ويبرز الجبار بعظمته، فينتصف



(1) طمح به: ذهب به (لسان العرب: 2 / 535).
(2) النخوة: العظمة والكبر والفخر (لسان العرب: 15 / 313).
(3) الصف: 3.
(4) القوم أسوة في هذا الأمر: أي حالهم فيه واحدة (لسان العرب: 14 / 35).
74
المظلومون من الظالمين.
ثم املك حمية أنفك، وسورة (1) حدتك (2)، وسطوة يدك، وغرب لسانك.
واحترس كل ذلك بكف البادرة، وتأخير السطوة. وارفع بصرك إلى السماء عندما
يحضرك منه، حتى يسكن غضبك، فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك
حتى تكثر همومك بذكر المعاد.
" ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب
الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا، فتكون ولايتك
هذه " من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبيك (صلى الله عليه وآله)، أو فريضة في كتاب
الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها، وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت
إليك في عهدي، واستوثقت من الحجة لنفسي لكيلا تكون لك علة عند تسرع
نفسك إلى هواها. " فليس يعصم من السوء ولا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه.
وقد كان مما عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصايته تحضيضا على الصلاة والزكاة
وما ملكت أيمانكم، فبذلك أختم لك ما عهدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم ".
وأنا أسأل الله سعة رحمته، وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة أن
يوفقني وإياك لما فيه رضاه؛ من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه، مع
حسن الثناء في العباد، وحسن الأثر في البلاد، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة،
وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، وإنا إليه راغبون. والسلام على رسول الله



(1) سورة السلطان: سطوته واعتداؤه. والسورة: الوثبة (لسان العرب: 4 / 385).
(2) الحدة: ما يعتري الإنسان من النزق والغضب (لسان العرب: 3 / 141).
75
وعلى آله الطيبين الطاهرين، وسلم كثيرا (1).
6 / 5
مكر معاوية في قتل الأشتر
2804 - تاريخ اليعقوبي: لما بلغ معاوية أن عليا قد وجه الأشتر عظم عليه، وعلم
أن أهل اليمن أسرع إلى الأشتر منهم إلى كل أحد، فدس له سما، فلما صار إلى
القلزم - من الفسطاط على مرحلتين - نزل منزل رجل من أهل المدينة يقال
له... (2) فخدمه، وقام بحوائجه، ثم أتاه بقعب (3) فيه عسل قد صير فيه السم،
فسقاه إياه، فمات الأشتر بالقلزم، وبها قبره، وكان قتله وقتل محمد بن أبي بكر
في سنة (38) (4).
2805 - مروج الذهب: ولى علي (عليه السلام) الأشتر مصر، وأنفذه إليها في جيش، فلما بلغ
ذلك معاوية دس إلى دهقان كان بالعريش، فأرغبه، وقال: أترك خراجك
عشرين سنة واحتل للأشتر بالسم في طعامه.
فلما نزل الأشتر العريش، سأل الدهقان: أي الطعام والشراب أحب إليه؟ قيل
له: العسل، فأهدى له عسلا، وقال: إن من أمره وشأنه كذا وكذا، ووصفه
للأشتر، وكان الأشتر صائما، فتناول منه شربة، فما استقرت في جوفه حتى
تلف، وأتى من كان معه على الدهقان ومن كان معه. وقيل: كان ذلك بالقلزم،



(1) تحف العقول: 126، نهج البلاغة: الكتاب 53، دعائم الإسلام: 1 / 350 وذكر أن هذا العهد هو مما
عهد به النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) وكلاهما نحوه، بحار الأنوار: 77 / 240 / 1.
(2) بياض في الأصل.
(3) القعب: القدح الضخم الغليظ الجافي (لسان العرب: 1 / 683).
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 194.
76
والأول أثبت.
فبلغ ذلك عليا (عليه السلام)، فقال: لليدين والفم. وبلغ ذلك معاوية، فقال: إن لله جندا
من العسل (1).
2806 - تاريخ الطبري عن يزيد بن ظبيان الهمداني: بعث معاوية إلى الجايستار
- رجل من أهل الخراج - فقال له: إن الأشتر قد ولي مصر، فإن أنت كفيتنيه لم
آخذ منك خراجا ما بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه.
فخرج الجايستار حتى أتى القلزم وأقام به، وخرج الأشتر من العراق إلى
مصر، فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار، فقال: هذا منزل وهذا طعام
وعلف، وأنا رجل من أهل الخراج، فنزل به الأشتر، فأتاه الدهقان بعلف وطعام،
حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه إياه، فلما شربها
مات.
وأقبل معاوية يقول لأهل الشام: إن عليا وجه الأشتر إلى مصر، فادعوا الله أن
يكفيكموه. قال: فكانوا كل يوم يدعون الله على الأشتر، وأقبل الذي سقاه إلى
معاوية فأخبره بمهلك الأشتر، فقام معاوية في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى
عليه، وقال: أما بعد، فإنه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما
يوم صفين - يعني عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم - يعني الأشتر - (2).
2807 - الغارات عن مغيرة الضبي: إن معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر، فلم



(1) مروج الذهب: 2 / 420، عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 201 عن عوانة بن الحكم نحوه.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 95، الكامل في التاريخ: 2 / 410 نحوه وفيه " الحابسات " بدل " الجايستار "
وراجع الأمالي للمفيد: 82 / 4 والغارات: 1 / 259 - 264.
77
يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي وبني هاشم حتى اطمأن إليه الأشتر،
واستأنس به، فقدم الأشتر يوما ثقله أو تقدم ثقله فاستسقى ماء، فقال له مولى
عمر: هل لك - أصلحك الله - في شربة سويق؟ فسقاه شربة سويق فيها سم،
فمات.
قال: وقد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس إليه مولى عمر: ادعوا على
الأشتر، فدعوا عليه، فلما بلغه موته، قال: ألا ترون كيف استجيب لكم! (1)
2808 - الاختصاص عن عبد الله بن جعفر: كان لمعاوية بمصر عين يقال له:
مسعود بن جرجة، فكتب إلى معاوية بهلاك الأشتر، فقام معاوية خطيبا في
أصحابه فقال: إن عليا كانت له يمينان، قطعت إحداهما بصفين - يعني عمارا -
وأخرى اليوم؛ إن الأشتر مر بأيلة متوجها إلى مصر، فصحبه نافع مولى عثمان،
فخدمه وألطفه حتى أعجبه، واطمأن إليه، فلما نزل القلزم أحضر (2) له شربة من
عسل بسم فسقاه (3) فمات، ألا وإن لله جنودا من عسل (4).
6 / 6
حزن الإمام
2809 - شرح نهج البلاغة - في ذكر الأشتر وبعض فضائله -: كان فارسا، شجاعا،
رئيسا، من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) ونصره،



(1) الغارات: 1 / 263، بحار الأنوار: 33 / 555 / 722؛ شرح نهج البلاغة: 6 / 76.
(2) في المصدر: " حاضر "، والصحيح ما أثبتناه كما في معجم رجال الحديث نقلا عن المصدر.
(3) في المصدر: " فسقاها "، والصحيح ما أثبتناه.
(4) الاختصاص: 81، معجم رجال الحديث: 14 / 163 / 9796، بحار الأنوار: 33 / 591 / 734.
78
وقال فيه بعد موته: رحم الله مالكا، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
2810 - الإمام علي (عليه السلام) - لما جاءه نعي الأشتر -: مالك وما مالك! والله، لو كان
جبلا لكان فندا (2)، ولو كان حجرا لكان صلدا (3)، لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي (4)
عليه الطائر (5).
2811 - رجال الكشي: لما نعي الأشتر مالك بن الحارث النخعي إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) تأوه حزنا وقال: رحم الله مالكا، وما مالك! عز علي به هالكا،
لو كان صخرا لكان صلدا، ولو كان جبلا لكان فندا (6)، وكأنه قد مني قدا (7).
2812 - الغارات عن فضيل بن خديج عن أشياخ النخع: دخلنا على علي (عليه السلام) حين
بلغه موت الأشتر، فجعل يتلهف ويتأسف عليه، ويقول: لله در مالك! وما مالك!
لو كان جبلا لكان فندا، ولو كان حجرا لكان صلدا، أما والله ليهدن موتك عالما،
وليفرحن عالما، على مثل مالك فلتبك البواكي، وهل موجود كمالك!! (8)
2813 - الاختصاص عن عوانة: لما جاء هلاك الأشتر إلى علي بن أبي طالب



(1) شرح نهج البلاغة: 15 / 98؛ رجال ابن داود: 157 / 1254 وفيه ذيله.
(2) الفند: هو المنفرد من الجبال (النهاية: 3 / 475).
(3) حجر صلد: صلب أملس (لسان العرب: 3 / 256).
(4) أوفى: أشرف وأتى (لسان العرب: 15 / 399).
(5) نهج البلاغة: الحكمة 443؛ ربيع الأبرار: 1 / 216 وليس فيه " ولو كان حجرا لكان صلدا " وراجع
الكامل في التاريخ: 2 / 410 وتاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 594 وسير أعلام النبلاء: 4 / 34 / 6.
(6) في المصدر: " قيدا "، والصحيح ما أثبتناه كما في جامع الرواة نقلا عن المصدر.
(7) رجال الكشي: 1 / 283 / 118، رجال ابن داود: 157 / 1254، جامع الرواة: 2 / 37.
(8) الغارات: 1 / 265، الأمالي للمفيد: 83 / 4، الاختصاص: 83 كلاهما نحوه، بحار الأنوار:
82 / 130 / 9.
79
صلوات الله عليه صعد المنبر فخطب الناس، ثم قال: ألا إن مالك بن الحارث قد
مضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقي ربه، فرحم الله مالكا، لو كان جبلا لكان فذا،
ولو كان حجرا لكان صلدا، لله مالك، وما مالك! وهل قامت النساء عن مثل
مالك! وهل موجود كمالك!
قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش، فقالوا: لشد ما
جزعت عليه، ولقد هلك. قال: أما - والله - هلاكه فقد أعز أهل المغرب، وأذل
أهل المشرق. قال: وبكى عليه أياما، وحزن عليه حزنا شديدا، وقال: لا أرى
مثله بعده أبدا (1).
2814 - الغارات عن صعصعة بن صوحان: لما بلغ عليا (عليه السلام) موت الأشتر قال: إنا لله
وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، اللهم إني أحتسبه عندك، فإن موته
من مصائب الدهر، فرحم الله مالكا، فقد وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع
أنا قد وطنا أنفسنا على أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنها
أعظم المصائب (2).
2815 - تاريخ اليعقوبي: لما بلغ عليا قتل محمد بن أبي بكر والأشتر جزع عليهما
جزعا شديدا، وتفجع، وقال علي: على مثلك فلتبك البواكي يا مالك، وأنى مثل
مالك! (3)
2816 - الغارات عن علقمة بن قيس النخعي - بعد شهادة مالك الأشتر -: فما زال
علي يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا، وقد عرف ذلك في وجهه



(1) الاختصاص: 81، بحار الأنوار: 33 / 591 / 735.
(2) الغارات: 1 / 264، الأمالي للمفيد: 83 / 4 نحوه.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 194.
80
أياما (1).
6 / 7
فرح معاوية
2817 - الغارات عن معاوية - بعد شهادة مالك الأشتر -: أما بعد، فإنه كان لعلي
ابن أبي طالب يدان يمينان، فقطعت إحداهما يوم صفين - يعني عمار بن ياسر -
وقطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر (2).
6 / 8
هزيمة أهل العراق بموت الأشتر
2818 - الغارات عن مغيرة الضبي: لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر،
وكان الأشتر بالكوفة أسود (3) من الأحنف بالبصرة (4).
2819 - الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ - بعد ذكر استنفار الإمام (عليه السلام) الناس،
وتقاعدهم عنه، واجتماعهم على خذلانه، وخطبة الإمام في ذلك -: ثم تكلم
الناس من كل ناحية ولغطوا، فقام رجل فقال بأعلى صوته: استبان فقد الأشتر
على أهل العراق، لو كان حيا لقل اللغط، ولعلم كل امرئ ما يقول (5).
2820 - أنساب الأشراف عن المدائني: ذكر الأشتر النخعي عند معاوية، فقال



(1) الغارات: 1 / 265، بحار الأنوار: 33 / 556 / 722؛ تاريخ الطبري: 5 / 95، شرح نهج البلاغة: 6 / 77.
(2) الغارات: 1 / 264 عن المدائني عن بعض أصحابه، الاختصاص: 81 عن عبد الله بن جعفر؛ تاريخ
الطبري: 5 / 96 عن يزيد بن ظبيان الهمداني، الكامل في التاريخ: 2 / 410.
(3) هو أسود من فلان: أي أجل منه (لسان العرب: 3 / 230).
(4) الغارات: 1 / 264، بحار الأنوار: 33 / 556 / 722؛ شرح نهج البلاغة: 6 / 77.
(5) الأمالي للطوسي: 174 / 293، الغارات: 2 / 481؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 90.
81
رجل من النخع للذي ذكره: اسكت، فإن موته أذل أهل العراق، وإن حياته أذلت
أهل الشام! فسكت معاوية ولم يقل شيئا (1).
2821 - شرح نهج البلاغة - بعدما أشار إلى قتال الأشتر يوم الهرير -: قلت: لله أم
قامت عن الأشتر! لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في
العجم أشجع منه إلا أستاذه (عليه السلام) لما خشيت عليه الإثم! ولله در القائل وقد سئل عن
الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق!
وبحق ما قال فيه أمير المؤمنين (عليه السلام): كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
6 / 9
كتاب الإمام إلى محمد بن أبي بكر
2822 - الغارات عن ابن أبي سيف عن أصحابه: إن محمد بن أبي بكر لما بلغه أن
عليا (عليه السلام) قد وجه الأشتر إلى مصر شق عليه، فكتب علي (عليه السلام) عند مهلك الأشتر إلى
محمد بن أبي بكر - وذلك حين بلغه موجدة (3) محمد بن أبي بكر لقدوم الأشتر
عليه -:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن
أبي بكر، سلام عليك. أما بعد، فقد بلغني موجدتك من تسريحي الأشتر إلى
عملك، ولم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهاد، ولا استزادة لك مني في الجد، ولو
نزعت ما حوت يداك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر مؤونة عليك، وأعجب



(1) أنساب الأشراف: 5 / 41، عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 186، شرح نهج البلاغة: 2 / 214 كلاهما
نحوه.
(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 213.
(3) وجد عليه يجد موجدة: غضب (لسان العرب: 3 / 446).
82
ولاية إليك، إلا أن الرجل الذي كنت وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا، وعلى
عدونا شديدا، فرحمة الله عليه، وقد استكمل أيامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه
راضون، فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب، فأصحر
لعدوك، وشمر للحرب، وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وأكثر
ذكر الله والاستعانة به والخوف منه يكفك ما أهمك، ويعنك على ما ولاك، أعاننا
الله وإياك على ما لا ينال إلا برحمته. والسلام (1).
6 / 10
جواب محمد بن أبي بكر
2823 - الغارات عن ابن أبي سيف عن أصحابه: فكتب إليه (عليه السلام) محمد بن أبي بكر
جوابه:
بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله أمير المؤمنين علي من محمد بن أبي بكر،
سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد انتهى إلي كتاب
أمير المؤمنين، وفهمته، وعرفت ما فيه، وليس أحد من الناس أشد على عدو
أمير المؤمنين ولا أرأف وأرق لوليه مني، وقد خرجت فعسكرت وأمنت الناس،
إلا من نصب لنا حربا، وأظهر لنا خلافا. وأنا متبع أمر أمير المؤمنين، وحافظه،
ولاجئ إليه، وقائم به، والله المستعان على كل حال. والسلام (2).



(1) الغارات: 1 / 267، نهج البلاغة: الكتاب 34 نحوه، بحار الأنوار: 33 / 556 / 722 وص
593 / 739؛ تاريخ الطبري: 5 / 96 عن أبي مخنف، الكامل في التاريخ: 2 / 410 كلاهما نحوه،
شرح نهج البلاغة: 6 / 78 وج 16 / 142.
(2) الغارات: 1 / 269، بحار الأنوار: 33 / 557 / 722؛ تاريخ الطبري: 5 / 97 عن أبي مخنف،
الكامل في التاريخ: 2 / 411 كلاهما نحوه.
83
الفصل السابع
احتلال مصر
7 / 1
إشخاص عمرو بن العاص لقتال محمد بن أبي بكر
2824 - الغارات: إن معاوية لما بلغه تفرق الناس عن علي (عليه السلام) وتخاذلهم، أرسل
عمرو بن العاص إلى مصر في جيش من أهل الشام، فسار حتى دنا من مصر،
فتلقى محمد بن أبي بكر وكان عامل علي على مصر، فلما نزل أداني مصر
اجتمعت إليه العثمانية فأقام بها (1).
2825 - تاريخ الطبري عن عبد الله بن حوالة الأزدي - في ذكر إشخاص معاوية
عمرو ابن العاص إلى مصر -: بعثه في ستة آلاف رجل... فخرج عمرو يسير
حتى نزل أداني أرض مصر، فاجتمعت العثمانية إليه فأقام بهم، وكتب إلى محمد
ابن أبي بكر:



(1) الغارات: 1 / 276؛ البداية والنهاية: 7 / 314، شرح نهج البلاغة: 6 / 83 كلاهما نحوه.
85
أما بعد، فتنح عني بدمك يا بن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، إن
الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك،
فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان (1)، فأخرج منها فإني لك من الناصحين،
والسلام.
وبعث إليه عمرو أيضا بكتاب معاوية إليه:
أما بعد، فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم
صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة الموبقة في الآخرة، وإنا لا نعلم أحدا كان
أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا ولا أشد عليه خلافا منك، سعيت عليه في
الساعين وسفكت دمه في السافكين، ثم أنت تظن أني عنك نائم أو ناس لك
حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت فيها جاري، وجل أهلها أنصاري يرون رأيي
ويرقبون قولي ويستصرخوني عليك، وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك
يستسقون دمك ويتقربون إلى الله بجهادك، وقد أعطوا الله عهدا ليمثلن بك، ولو لم
يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذرتك ولا أنذرتك، ولأحببت أن يقتلوك
بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك (2) بين خششائه (3)
وأوداجه، ولكن أكره أن أمثل بقرشي، ولن يسلمك الله من القصاص أبدا أينما
كنت. والسلام (4).



(1) البطان: حزام الرحل والقتب (لسان العرب: 13 / 56).
(2) المشقص: نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض (النهاية: 2 / 490).
(3) خششائه: هو العظم الناتئ خلف الأذن (النهاية: 2 / 34).
(4) تاريخ الطبري: 5 / 100، البداية والنهاية: 7 / 314 نحوه، شرح نهج البلاغة: 6 / 83؛ الغارات:
1 / 277، بحار الأنوار: 33 / 557 / 722.
86
7 / 2
استنصار محمد بن أبي بكر
2826 - تاريخ الطبري عن عبد الله بن حوالة الأزدي: فطوى محمد كتابيهما وبعث
بهما إلى علي، وكتب معهما: أما بعد، فإن ابن العاص قد نزل أداني أرض مصر،
واجتمع إليه أهل البلد جلهم ممن كان يرى رأيهم، وقد جاء في جيش لجب
خراب، وقد رأيت ممن قبلي بعض الفشل، فإن كان لك في أرض مصر حاجة
فأمدني بالرجال والأموال. والسلام عليك (1).
7 / 3
كتاب الإمام في جوابه
2827 - تاريخ الطبري عن عبد الله بن حوالة الأزدي: فكتب إليه علي: أما بعد،
فقد جاءني كتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل بأداني أرض مصر في لجب من
جيشه خراب، وأن من كان بها على مثل رأيه قد خرج إليه، وخروج من يرى
رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك، وذكرت أنك قد رأيت في بعض من قبلك
فشلا، فلا تفشل وإن فشلوا فحصن قريتك، واضمم إليك شيعتك واندب إلى القوم
كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس، فإني نادب إليك الناس على
الصعب والذلول، فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك
وجاهدهم صابرا محتسبا، وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإن الله قد يعز القليل
ويخذل الكثير.



(1) تاريخ الطبري: 5 / 101، البداية والنهاية: 7 / 315 نحوه، شرح نهج البلاغة: 6 / 84؛ الغارات:
1 / 278، بحار الأنوار: 33 / 558 / 722 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 169 و 170.
87
وقد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو،
المتحابين في عمل المعصية والمتوافقين المرتشيين في الحكومة، المنكرين في
الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم، فلا يهلك
إرعادهما وإبراقهما، وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله، فإنك تجد مقالا ما
شئت. والسلام (1).
7 / 4
استنهاض الإمام للدفاع عن مصر، وعصيان أصحابه
2828 - تاريخ الطبري عن عبد الله بن فقيم - بعد ذكر استصراخ محمد بن أبي بكر
إلى علي (عليه السلام) -: قام علي في الناس وقد أمر فنودي: الصلاة جامعة! فاجتمع
الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم قال:
أما بعد، فإن هذا صريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، قد سار
إليهم ابن النابغة عدو الله، وولي من عادى الله، فلا يكونن أهل الضلال إلى
باطلهم، والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا منكم على حقكم هذا، فإنهم
قد بدؤوكم وإخوانكم بالغزو، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر.
عباد الله! إن مصر أعظم من الشام، أكثر خيرا، وخير أهلا، فلا تغلبوا على
مصر، فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم، وكبت لعدوكم، اخرجوا إلى الجرعة (2)
بين الحيرة (3) والكوفة، فوافوني بها هناك غدا إن شاء الله.



(1) تاريخ الطبري: 5 / 102، شرح نهج البلاغة: 6 / 84؛ الغارات: 1 / 278، بحار الأنوار:
33 / 558 / 722 وراجع البداية والنهاية: 7 / 315.
(2) الجرعة: موضع قرب الكوفة (معجم البلدان: 2 / 127).
(3) الحيرة: مدينة جاهلية، عن الكوفة على نحو فرسخ، وكانت منازل آل النعمان بن المنذر (تقويم
البلدان: 299).
88
قال: فلما كان من الغد خرج يمشي، فنزلها بكرة، فأقام بها حتى انتصف
النهار يومه ذلك، فلم يوافه منهم رجل واحد، فرجع.
فلما كان من العشي بعث إلى أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين
كئيب، فقال:
الحمد لله على ما قضى من أمري وقدر من فعلي وابتلاني بكم أيتها الفرقة؛
ممن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بصبركم
والجهاد على حقكم! الموت والذل لكم في هذه الدنيا على غير الحق، فوالله، لئن
جاء الموت - وليأتين - ليفرقن بيني وبينكم، وأنا لصحبتكم قال وبكم غير
ضنين، لله أنتم لا دين يجمعكم ولا حمية تحميكم، إذا أنتم سمعتم بعدوكم يرد
بلادكم ويشن الغارة عليكم، أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام
فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث إلى أي
وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النهى وبقية الناس - على المعونة وطائفة
منكم على العطاء، فتقومون عني وتعصونني وتختلفون علي؟
فقام إليه مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي فقال:
يا أمير المؤمنين اندب الناس فإنه لا عطر بعد عروس (1)، لمثل هذا اليوم كنت
أدخر نفسي، والأجر لا يأتي إلا بالكرة. اتقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا
دعوته وقاتلوا عدوه، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين.



(1) لا مخبأ لعطر بعد عروس، ويروى: لا عطر بعد عروس: أول من قال ذلك امرأة من عذرة يقال لها
أسماء بنت عبد الله، وكان لها زوج من بني عمها يقال له: عروس، فمات عنها...، فقالت: لا عطر بعد
عروس، فذهبت مثلا يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس (مجمع الأمثال: 3 / 151).
89
قال: فأمر علي مناديه سعدا فنادى في الناس: ألا انتدبوا إلى مصر مع مالك
بن كعب.
ثم إنه خرج وخرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو ألفي رجل.
فقال: سر فوالله، ما إخالك تدرك القوم حتى ينقضي أمرهم. قال: فخرج بهم
فسار خمسا.
و [لما أخبر الإمام بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر] سرح علي عبد الرحمن
ابن شريح الشبامي إلى مالك بن كعب فرده من الطريق (1).
7 / 5
استشهاد محمد بن أبي بكر
ولى الإمام (عليه السلام) محمد بن أبي بكر على مصر سنة 36 ه‍ باقتراح من عبد الله بن
جعفر، وذلك بعد عزل قيس بن سعد عنها (2). من هنا لم يشهد محمد معركة
صفين (3).
تشدد محمد على أشخاص كان هواهم في عثمان (4)، فتمردوا عليه بعدما
جرى في صفين وما آلت إليه من التحكيم (5)، وضيقوا عليه الخناق (6)، وانتهز



(1) تاريخ الطبري: 5 / 108؛ الغارات: 1 / 289 عن جندب بن عبد الله وراجع الكامل في التاريخ:
2 / 413.
(2) تاريخ الطبري: 4 / 554، الكامل في التاريخ: 2 / 356؛ الغارات: 1 / 219.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 557، الكامل في التاريخ: 2 / 357؛ الغارات: 1 / 254.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 94 و 95، الكامل في التاريخ: 2 / 357؛ الغارات: 1 / 254.
(5) الغارات: 1 / 254.
(6) تاريخ الطبري: 5 / 95، الكامل في التاريخ: 2 / 410؛ الغارات: 1 / 254.
90
معاوية وعمرو بن العاص الفرصة فهبوا إلى مؤازرة المتمردين (1). فكادت الأمور
تفلت في مصر، ويخرج هذا الإقليم من سيادة الدولة الإسلامية، لذا عين
الإمام (عليه السلام) مالكا مكانه ليخمد الفتنة المستعرة فيها (2)، لكن هذا النصير الفذ الفريد
استشهد في الطريق بأسلوب غادر خبيث انتهجه معاوية، فأعاد الإمام (عليه السلام) محمدا
إليها (3).
بعث معاوية عمرو بن العاص مع لمة لإعانة المتمردين (4). وكان لابن العاص
نفوذ فيها إذ كان قد فتحها في زمان خلافة عمر (5). فحدثت اشتباكات استشهد
فيها كنانة الذي كان قد بعثه محمد على رأس ألفين لمواجهة ابن العاص (6)، فجر
ذلك إلى أن ترك أصحاب محمد أميرهم وحيدا، فوقع في قبضة العدو (7).
ومن جانب آخر لم تجد استغاثة الإمام (عليه السلام) واستنصاره أهل الكوفة لمؤازرة



(1) الغارات: 1 / 276؛ تاريخ الطبري: 5 / 94.
(2) الأمالي للمفيد: 79 / 4، الغارات: 1 / 257 - 259؛ أنساب الأشراف: 3 / 167 و 168، تاريخ
الطبري: 5 / 95.
(3) نهج البلاغة: الكتاب 34، الغارات: 1 / 268 و 269؛ أنساب الأشراف: 3 / 168 و 169، تاريخ
الطبري: 5 / 96 و 97، الكامل في التاريخ: 2 / 410.
(4) أنساب الأشراف: 3 / 170، تاريخ الطبري: 5 / 100، مروج الذهب: 2 / 420، الكامل في
التاريخ: 2 / 412؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 193، الغارات: 1 / 276.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 104 - 111، الكامل في التاريخ: 2 / 174 - 177.
(6) تاريخ الطبري: 5 / 103، الكامل في التاريخ: 2 / 412، أنساب الأشراف: 3 / 171؛ الغارات:
1 / 282.
(7) أنساب الأشراف: 3 / 170، تاريخ الطبري: 5 / 103 و 104، مروج الذهب: 2 / 420، الكامل في
التاريخ: 2 / 413؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 194، الغارات: 1 / 282 و 283.
91
محمد (1). وآل الأمر إلى أن يضع معاوية بن خديج محمدا في جلد حمار ميت
ويحرقه، وهو ظمآن (2)، وجاء في بعض الأخبار أنه أحرق حيا (3).
أحزن استشهاد محمد بن أبي بكر الإمام (عليه السلام) كثيرا (4)، وتوجع على ما جرى
على عزيزه الراحل، وجزع عليه أشد الجزع، وحين سئل (عليه السلام) عن علة جزعه
الشديد، قال:
" رحم الله محمدا؛ كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت أردت أن أولي المرقال
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر... بلا ذم لمحمد بن أبي بكر، لقد أجهد نفسه
وقضى ما عليه " (5).
وكان (عليه السلام) يثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة ويقول:
" لقد كان إلي حبيبا، وكان لي ربيبا (6)، فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا
كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا " (7).



(1) تاريخ الطبري: 5 / 107، الكامل في التاريخ: 2 / 413 و 414، أنساب الأشراف: 3 / 170؛
الغارات: 1 / 290.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 171 و 172، تاريخ الطبري: 5 / 104 و 105، الكامل في التاريخ: 2 / 413،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 601، الاستيعاب: 3 / 423 / 2348، مروج الذهب: 2 / 420، أسد الغابة:
5 / 98 / 4751؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 194 وليس في الخمسة الأخيرة ذكر لعطشه، الغارات:
1 / 283 و 284.
(3) الاستيعاب: 3 / 423 / 2348، مروج الذهب: 2 / 420.
(4) نهج البلاغة: الحكمة 325، الغارات: 1 / 295؛ تاريخ الطبري: 5 / 108، مروج الذهب: 2 / 420.
(5) الغارات: 1 / 301، نهج البلاغة: الخطبة 68 نحوه.
(6) نهج البلاغة: الخطبة 68، الغارات: 1 / 301 وليس فيه صدره.
(7) نهج البلاغة: الكتاب 35.
92
2829 - تاريخ الطبري عن محمد بن يوسف بن ثابت الأنصاري عن شيخ من أهل
المدينة: خرج محمد في ألفي رجل، واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على
مقدمة محمد، فأقبل عمرو نحو كنانة، فلما دنا من كنانة سرح الكتائب كتيبة بعد
كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه،
فيضربها حتى يقربها لعمرو بن العاص، ففعل ذلك مرارا، فلما رأى ذلك عمرو
بعث إلى معاوية بن حديج السكوني، فأتاه في مثل الدهم (1)، فأحاط بكنانة
وأصحابه، واجتمع أهل الشام عليهم من كل جانب، فلما رأى ذلك كنانة بن بشر
نزل عن فرسه، ونزل أصحابه وكنانة يقول: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله
كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي
الشاكرين) (2)، فضاربهم بسيفه حتى استشهد.
وأقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن أبي بكر، وقد تفرق عنه أصحابه لما
بلغهم قتل كنانة، حتى بقي وما معه أحد من أصحابه، فلما رأى ذلك محمد خرج
يمشي في الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق، فأوى إليها، وجاء
عمرو ابن العاص حتى دخل الفسطاط، وخرج معاوية بن حديج في طلب
محمد... حتى دخلوا عليه، فاستخرجوه، وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا به نحو
فسطاط مصر...
قال له معاوية: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار، ثم أحرقه
عليك بالنار.
فقال له محمد: إن فعلتم بي ذلك، فطالما فعل ذلك بأولياء الله! وإني لأرجو



(1) الدهمة: السواد، والدهم: الجماعة الكثيرة (لسان العرب: 12 / 209 وص 210).
(2) آل عمران: 145.
93
هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها الله علي بردا وسلاما كما جعلها على خليله
إبراهيم، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، إن الله
يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك - يعني معاوية - وهذا - وأشار إلى عمرو ابن
العاص - بنار تلظى عليكم، كلما خبت زادها الله سعيرا، قال له معاوية: إني إنما
أقتلك بعثمان.
قال له محمد: وما أنت وعثمان؟ إن عثمان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن،
وقد قال الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (1)، فنقمنا ذلك
عليه فقتلناه، وحسنت أنت له ذلك ونظراؤك، فقد برأنا الله إن شاء الله من ذنبه،
وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه، وجاعلك على مثاله.
قال: فغضب معاوية فقدمه فقتله، ثم ألقاه في جيفة حمار، ثم أحرقه بالنار،
فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، وقنتت عليه في دبر الصلاة
تدعو على معاوية وعمرو، ثم قبضت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد
بن أبي بكر في عيالها (2).
7 / 6
حزن الإمام
2830 - الغارات عن مالك بن الجون الحضرمي: إن عليا (عليه السلام) قال: رحم الله
محمدا، كان غلاما حدثا، أما والله، لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن



(1) المائدة: 47.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 103، الكامل في التاريخ: 2 / 412 و 413؛ الغارات: 1 / 282 - 285 كلاهما
نحوه وراجع أنساب الأشراف: 3 / 171 و 172.
94
عتبة بن أبي وقاص مصر، والله، لو أنه وليها لما خلى لعمرو بن العاص وأعوانه
العرصة، ولما قتل إلا وسيفه في يده، بلا ذم لمحمد بن أبي بكر فلقد أجهد نفسه
وقضى ما عليه.
قال: فقيل لعلي (عليه السلام): لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعا شديدا يا
أمير المؤمنين! قال: وما يمنعني؟ إنه كان لي ربيبا وكان لبني أخا، وكنت له والدا
أعده ولدا (1).
2831 - الإمام علي (عليه السلام) - في ذكر محمد بن أبي بكر -: لقد كان إلي حبيبا، وكان لي
ربيبا (2).
2832 - عنه (عليه السلام) - في ذكر محمد بن أبي بكر -: إنه كان لي ولدا، ولولدي وولد
أخي أخا (3).
2833 - عنه (عليه السلام) - لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر -: إن حزننا عليه على قدر
سرورهم به، إلا أنهم نقصوا بغيضا، ونقصنا حبيبا (4).
7 / 7
فرح معاوية
2834 - الغارات عن جندب بن عبد الله - في خبر قتل محمد بن أبي بكر -: قدم



(1) الغارات: 1 / 300، نهج البلاغة: الخطبة 68؛ تاريخ الطبري: 5 / 110 وفيه إلى " وقضى ما عليه "،
أنساب الأشراف: 3 / 173 كلها نحوه وراجع مروج الذهب: 2 / 420.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 68، الغارات: 1 / 301 وليس فيه صدره.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 194.
(4) نهج البلاغة: الحكمة 325، بحار الأنوار: 33 / 592 / 736.
95
عليه [على علي (عليه السلام)] عبد الرحمن بن المسيب الفزاري... عينه بالشام... وحدثه
أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع
بعضها على أثر بعض بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر، وحتى أذن معاوية
بقتله على المنبر، فقال له: يا أمير المؤمنين، ما رأيت يوما قط سرورا بمثل
سرور رأيته بالشام، حتى أتاهم هلاك ابن أبي بكر.
فقال علي (عليه السلام): أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به، لا بل يزيد
أضعافا (1).
7 / 8
كتاب الإمام إلى ابن عباس بعد استشهاد محمد
2835 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس، بعد مقتل محمد
بن أبي بكر -: أما بعد، فإن مصر قد افتتحت، ومحمد بن أبي بكر قد استشهد،
فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد
كنت حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا
وجهرا، وعودا وبدءا فمنهم الآتي كارها، ومنهم المعتل كاذبا، ومنهم القاعد
خاذلا.
أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا، فوالله، لولا طمعي عند لقائي
عدوي في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت ألا ألقى مع هؤلاء



(1) الغارات: 1 / 295؛ تاريخ الطبري: 5 / 108 عن عبد الله بن فقيم، الأخبار الموفقيات: 347 / 202
عن الضحاك وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 414 ومروج الذهب: 2 / 420.
96
يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا (1).
7 / 9
خطبة الإمام بعد قتل محمد بن أبي بكر
2836 - الإمام علي (عليه السلام) - في خطبته بعد قتل محمد بن أبي بكر -: ألا إن مصر قد
افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله، وبغوا الإسلام
عوجا. ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد، فعند الله نحتسبه.
أما والله إن كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل
الفاجر، ويحب هدى المؤمن، إني والله ما ألوم نفسي على التقصير، وإني لمقاساة
الحرب لجد خبير، وإني لأقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم، وأقوم فيكم
بالرأي المصيب، فأستصرخكم معلنا، وأناديكم نداء المستغيث معربا، فلا
تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى تصير بي الأمور إلى عواقب
المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر، ولا تنقض بكم الأوتار، دعوتكم إلى
غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق،
وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو، ولا اكتساب الأجر،
ثم خرج إلي منكم جنيد متذانب (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (2) فأف
لكم! (3)



(1) نهج البلاغة: الكتاب 35، الغارات: 1 / 299؛ تاريخ الطبري: 5 / 109 كلاهما نحوه.
(2) الأنفال: 6.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 108، الأخبار الموفقيات: 348 / 202، الكامل في التاريخ: 2 / 414؛
الغارات: 1 / 295 - 298 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 172.
97
7 / 10
رسالة الإمام المفتوحة إلى أمة الإسلام بعد احتلال مصر
2837 - الغارات عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه: دخل عمرو بن الحمق
وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ على
أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك
في أبي بكر وعمر؟
فقال لهم علي (عليه السلام): وهل فرغتم لهذا؟! وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد
قتلت، أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي
ما ضيعتم، فاقرؤوه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا.
وهذه نسخة الكتاب:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين
والمسلمين، السلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فإن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وشهيدا
على هذه الأمة، وأنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين وفي شر دار، منيخون
على حجارة خشن، وحيات صم (1)، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء
الخبيث، وتأكلون الطعام الجشيب (2)، وتسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم،
وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام
فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة، ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون،



(1) ما لا يقبل الرقية؛ كأنه قد صم عن سماعها (لسان العرب: 12 / 344).
(2) هو الغليظ الخشن من الطعام. وقيل غير المأدوم، وكل بشع الطعم جشب (النهاية: 1 / 272).
98
فمن الله عز وجل عليكم بمحمد (صلى الله عليه وآله) فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم، وقال فيما
أنزل من كتابه: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (1) وقال: (لقد جاءكم رسول
من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (2) وقال: (لقد من
الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) (3) وقال: (ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء والله ذو الفضل العظيم) (4).
فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه
وشيعته وعمارته، فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة، وأمركم بصلة
أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن
توفوا بالعهد ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا
وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغي،
وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم إليكم فيما أنزل
عليكم: ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكل
خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شر يباعد من الجنة ويدني
من النار نهاكم عنه.
فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيا لها مصيبة خصت



(1) الجمعة: 2.
(2) التوبة: 128.
(3) آل عمران: 164.
(4) الجمعة: 4.
99
الأقربين وعمت جميع المسلمين، ما أصيبوا بمثلها قبلها ولن يعاينوا بعد أختها.
فلما مضى لسبيله (صلى الله عليه وآله) تنازع المسلمون الأمر بعده، فوالله ما كان يلقى في
روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد (صلى الله عليه وآله) عن أهل بيته،
ولا أنهم منحوه عني من بعده.
فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت
يدي ورأيت أني أحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس ممن تولى الأمر من بعده.
فلبثت بذلك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون
إلى محق دين الله وملة محمد (صلى الله عليه وآله) وإبراهيم (عليه السلام) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله
أن أرى فيه ثلما وهدما يكون مصيبته أعظم علي من فوات ولاية أموركم، التي
إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع
السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث
حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون.
فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسر وشدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحا
وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن
يرد إلي الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه،
ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني.
فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا، وتولى عمر الأمر
فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة، حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها
عني فجعلني سادس ستة، فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي
عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) أحاج أبا بكر وأقول: يا معشر

100
قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف
السنة ويدين دين الحق. فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر
نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني
منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي، ثم قالوا: هلم فبايع
وإلا جاهدناك. فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا، فقال قائلهم: يا بن
أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص، فقلت: أنتم أحرص مني وأبعد، أأنا
أحرص إذا طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به، أم أنتم إذ
تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه؟! فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين.
اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي، وأصغوا (1) إنائي،
وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم
فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه فاصبر كمدا
متوخما أو مت متأسفا وحنقا. فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد
إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الهلاك، فأغضيت على القذى، وتجرعت ريقي
على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من حز
الشفار.
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني، فأبيت
عليكم وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها،
ومددتم يدي فقبضتها، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو
أنكم قاتلي، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نفترق ولا



(1) أصغى فلان إناء فلان إذا أماله ونقصه من حظه (لسان العرب: 14 / 461).
101
تختلف كلمتنا. فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طائعا قبلته منه،
ومن أبى لم أكرهه وتركته.
فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما،
فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أن خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش
ما منهم رجل إلا بايعني وأعطاني الطاعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي
وعلى أهل مصر كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا
جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة
صبرا، وطائفة عصبوا بأسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين، فوالله، لو لم
يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي به قتل ذلك
الجيش كله، فدع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها
عليهم، وقد أدال (1) الله منهم فبعدا للقوم الظالمين.
ثم إني نظرت في أهل الشام فإذا أعراب أحزاب، وأهل طمع جفاة طغام (2)
يجتمعون من كل أوب، ومن كان ينبغي أن يؤدب ويدرب أو يولى عليه ويؤخذ
على يديه، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار، ولا التابعين بإحسان، فسرت
إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقا ونفاقا ونهوضا في وجوه
المسلمين، ينضحونهم (3) بالنبل ويشجرونهم (4) بالرماح.



(1) الإدالة: النصرة والغلبة (مجمع البحرين: 1 / 620).
(2) طغام: أي من لا عقل ولا معرفة له، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128).
(3) نضحوهم: رموهم (النهاية: 5 / 70).
(4) شجرناهم: طعناهم (النهاية: 2 / 446).
102
فهناك نهدت (1) إليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم
الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب
دين ولا قرآن، وأنهم رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا؛ فامضوا
على حقكم وقتالكم، فأبيتم علي وقلتم: اقبل منهم، فإن أجابوا إلى ما في
الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم،
فقبلت منكم، وكففت عنهم إذ أبيتم وونيتم، وكان الصلح بينكم وبينهم على
رجلين يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما وتفرق
حكمهما، ونبذا ما في القرآن وخالفا ما في الكتاب، فجنبهما الله السداد ودلاهما
في الضلال، فنبذا حكمهما وكانا أهله.
فانخزلت (2) فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون
ويفسدون أتيناهم فقلنا: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، ثم كتاب الله بيننا وبينكم،
قالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحل دماءهم ودماءكم، وشدت علينا خيلهم
ورجالهم، فصرعهم الله مصرع الظالمين.
فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم:
كلت سيوفنا، ونفدت نبالنا، ونصلت (3) أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا (4)
فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة



(1) نهد: نهض، نهد القوم لعدوهم: إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله (النهاية: 5 / 134).
(2) خزل: أي انفرد (النهاية: 2 / 29).
(3) الإنصال بمضي النزع والإخراج (لسان العرب: 11 / 663).
(4) أي قطعا (النهاية: 4 / 68).
103
من هلك منا وفارقنا، فإن ذلك أقوى لنا على عدونا.
فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة (1)، وأن
تلزموا معسكركم، وأن تضموا قواضبكم (2)، وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم،
ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم. فإن أصحاب الحرب المصابروها، وأهل
التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم ولا خمص بطونهم
ولا نصب أبدانهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر
عاصية، فلا من بقي منكم ثبت وصبر، ولا من دخل المصر عاد إلي ورجع،
فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت
إليكم فما قدرت على أن تخرجوا معي إلى يومنا هذا.
فما تنتظرون؟ أما ترون إلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى أمصاركم قد
افتتحت، وإلى شيعتي بها بعد قد قتلت، وإلى مسالحكم (3) تعرى، وإلى بلادكم
تغزى، وأنتم ذوو عدد كثير، وشوكة وبأس شديد، فما بالكم؟ لله أنتم! من أين
تؤتون؟ وما لكم أنى تؤفكون؟! وأنى تسحرون؟! ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم
تراموا، ألا إن القوم قد اجتمعوا وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم
وافترقتم، ما أنتم إن أتممتم عندي على ذي سعداء، فأنبهوا نائمكم واجتمعوا



(1) النخيلة - تصغير نخلة -: موضع قرب الكوفة على سمت الشام، وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام
علي (عليه السلام) (معجم البلدان: 5 / 278).
(2) القضيب: السيف اللطيف الدقيق، والجمع قواضب (لسان العرب: 1 / 679).
(3) المسلحة: وهي كالثغر والمرقب فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا
أصحابهم ليتأهبوا له، والجمع مسالح (النهاية: 2 / 388).
104
على حقكم، وتجردوا لحرب عدوكم، قد بدت الرغوة عن الصريح (1) وقد بين
الصبح لذي عينين.
إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء ومن أسلم كرها، وكان
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أنف الإسلام كله حربا، أعداء الله والسنة والقرآن وأهل البدع
والأحداث، ومن كانت بوائقه تتقى، وكان على الإسلام وأهله مخوفا، وأكلة
الرشا وعبدة الدنيا.
لقد أنهي إلي أن ابن النابغة (2) لم يبايع حتى أعطاه ثمنا وشرط أن يؤتيه أتية
هي أعظم مما في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا! وخزيت
أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين! وإن فيهم لمن قد شرب
فيكم الخمر وجلد الحد في الإسلام، يعرف بالفساد في الدين والفعل السييء، وإن
فيهم لمن لم يسلم حتى رضخ له على الإسلام رضيخة (3).
فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل
هو شر منهم، وهؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم لأظهروا فيكم الفساد والكبر
والفجور والتسلط بالجبرية والفساد في الأرض، واتبعوا الهوى وحكموا بغير
الحق، ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا؛
فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب، والمتهجدون
بالأسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن، أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم



(1) الصريح: الخالص من كل شيء (النهاية: 3 / 20).
(2) أي عمرو بن العاص، ينسب إلى أمه النابغة بنت حرملة (أسد الغابة: 4 / 232 / 3971).
(3) الرضيخة: العطية (النهاية: 2 / 228).
105
الولاية عليكم سفهاؤكم، والأشرار الأراذل منكم؟!
فاسمعوا قولي - هداكم الله - إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت! فوالله لئن
أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون، خذوا للحرب أهبتها، وأعدوا
لها عدتها، وأجمعوا إليها فقد شبت وأوقدت نارها وعلا شنارها (1) وتجرد لكم
فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله، ويطفئوا نور الله.
ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء والكبر بأولى بالجد في
غيهم وضلالهم وباطلهم من أولياء الله، من أهل البر والزهادة والإخبات في
حقهم وطاعة ربهم ومناصحة إمامهم.
إني والله، لو لقيتهم فردا وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من
ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة ويقين وصبر، وإني
إلى لقاء ربي لمشتاق، ولحسن ثواب ربي لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني، وحزنا
يخامرني من أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا،
وعباد الله خولا (2) والصالحين حربا والفاسقين حزبا، وأيم الله، لولا ذلك ما
أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم
بنفسي متى حم (3) لي لقاؤهم!
فوالله، إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب، ف‍ (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا
بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (4) ولا تثاقلوا إلى



(1) الشنار: العيب والعار (النهاية: 2 / 504).
(2) الخول: العبيد (مجمع البحرين: 1 / 562).
(3) حم لقاؤه: أي قدر (مجمع البحرين: 1 / 461).
(4) التوبة: 41.
106
الأرض فتقروا بالخسف وتبوؤوا بالذل، ويكن نصيبكم الأخسر، إن أخا الحرب اليقظان
الأرق، ومن نام لم ينم عنه، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد في الله كان
كالمغبون المهين.
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى، وزهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل الآخرة
خيرا لنا ولهم من الأولى، والسلام (1).



(1) الغارات: 1 / 302 عن جندب، المسترشد: 408 - 427 / 141 عن شريح بن هاني نحوه وفيه إلى
" فصرعهم الله مصرع الظالمين "، بحار الأنوار: 33 / 567 / 722؛ شرح نهج البلاغة: 6 / 94 عن
جندب وراجع نهج البلاغة: الكتاب 62 والإمامة والسياسة: 1 / 174.
أقول: روى السيد ابن طاووس عن " كتاب الرسائل " للشيخ الكليني هذا الكتاب بالتفصيل (راجع
كشف المحجة: 235 - 269).
107
الفصل الثامن
هجمات عمال معاوية
8 / 1
السياسة العلوية والسياسة الأموية
بعد أن تحمل معاوية مرارة الانكسار في صفين توصل إلى هذه النتيجة وهي
عدم قدرته على مواجهة الإمام وجها لوجه، فانتهج أسلوبا آخر من أجل
الوصول إلى أهدافه وأطماعه المشؤومة، فاتخذ سياسة غير إسلامية وغير
إنسانية في مواجهة الإمام؛ وهي سياسة الإيذاء المباغت، من قبيل: الاغتيال،
وإحراق المنازل والبيوت، ونهب الأموال، وإثارة الرعب والخوف بين الناس،
وسلب الأمن عن البلاد الإسلامية.
وفي هذا المجال كتب المسعودي - المؤرخ المعروف -: " وكان معاوية في
بقية أيام علي يبعث سرايا تغير، وكذلك علي كان يبعث من يمنع سرايا معاوية من
أذية الناس " (1).



(1) مروج الذهب: 2 / 421.
109
وقد رام معاوية بانتهاجه هذه السياسة اللئيمة الخطرة الأهداف التالية:
1 - زرع اليأس في قلوب الناس من حكومة الإمام (عليه السلام)، وكسر مقاومتهم
ومنعهم عن الاستمرار في معاضدة الإمام.
2 - السيطرة على المحال التي لها موقع سياسي هام كالبصرة ومصر.
3 - إلجاء الإمام إلى المقابلة بالمثل، وإزالة قدسية الإمام من أذهان الناس.
4 - استغلال غطاء " عهد الصلح " المشروط - الذي أمضاه الإمام في التحكيم -
لخدمة مصالحه وأهدافه، وبالتالي دفع الإمام لنقض العهد المذكور.
والذي ساعد على إيجاد أرضية مناسبة لهذه السياسة الخطرة هو استشهاد
جملة من أركان جيش الإمام من جانب، ومن جانب آخر تعب جيش الإمام
وعدم طاعتهم لقائدهم.
لكن الإمام (عليه السلام) - في ذلك الظرف الحساس - لم يتخط حدود العدالة مقدار
أنملة، وأبقى درسا عمليا للحكومات التي تريد الاستنارة بنهجه في الوفاء
والثبات على هذه السياسة المباركة، بل لم يكن حاضرا لنقض ذلك العهد
المشروط الذي ألجئ إلى قبوله. وإليك كلام الإمام (عليه السلام) في هذا المجال:
2838 - الإرشاد: ومن كلامه (عليه السلام) لما نقض معاوية بن أبي سفيان شرط الموادعة
وأقبل يشن الغارات على أهل العراق، فقال بعد حمد الله والثناء عليه:
ما لمعاوية قاتله الله؟! لقد أرادني على أمر عظيم، أراد أن أفعل كما يفعل،
فأكون قد هتكت ذمتي ونقضت عهدي، فيتخذها علي حجة، فتكون علي شينا
إلى يوم القيامة كلما ذكرت.
فإن قيل له: أنت بدأت، قال: ما علمت ولا أمرت، فمن قائل يقول: قد

110
صدق، ومن قائل يقول: كذب.
أم والله، إن الله لذو أناة وحلم عظيم، لقد حلم عن كثير من فراعنة الأولين
وعاقب فراعنة، فإن يمهله الله فلن يفوته، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه.
فليصنع ما بدا له فإنا غير غادرين بذمتنا، ولا ناقضين لعهدنا، ولا مروعين
لمسلم ولا معاهد، حتى ينقضي شرط الموادعة بيننا، إن شاء الله (1).
8 / 2
هجوم ابن الحضرمي على البصرة
2839 - تاريخ الطبري عن أبي نعامة: لما قتل محمد بن أبي بكر بمصر، خرج ابن
عباس من البصرة إلى علي بالكوفة واستخلف زيادا، وقدم ابن الحضرمي من
قبل معاوية فنزل في بني تميم، فأرسل زياد إلى حضين بن المنذر ومالك بن
مسمع فقال: أنتم يا معشر بكر بن وائل من أنصار أمير المؤمنين وثقاته، وقد نزل
ابن الحضرمي حيث ترون وأتاه من أتاه، فامنعوني حتى يأتيني رأي
أمير المؤمنين.
فقال حضين: نعم. وقال مالك: - وكان رأيه مائلا إلى بني أمية وكان مروان
لجأ إليه يوم الجمل - هذا أمر لي فيه شركاء أستشير وأنظر.
فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف ربيعة، فأرسل إلى نافع أن أشر
علي فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحداني، فأرسل إليه زياد فقال: ألا
تجيرني وبيت مال المسلمين فإنه فيؤكم وأنا أمين أمير المؤمنين؟



(1) الإرشاد: 1 / 275.
111
قال: بلى إن حملته إلي ونزلت داري.
قال: فإني حامله، فحمله وخرج زياد حتى أتى الحدان ونزل في دار صبرة بن
شيمان، وحول بيت المال والمنبر فوضعه في مسجد الحدان، وتحول مع زياد
خمسون رجلا منهم أبو أبي حاضر.
وكان زياد يصلي الجمعة في مسجد الحدان ويطعم الطعام.
فقال زياد لجابر بن وهب الراسبي: يا أبا محمد إني لا أرى ابن الحضرمي
يكف، ولا أراه إلا سيقاتلكم، ولا أدري ما عند أصحابك فآمرهم وانظر ما
عندهم، فلما صلى زياد جلس في المسجد، واجتمع الناس إليه فقال جابر: يا
معشر الأزد، تميم تزعم أنهم هم الناس وأنهم أصبر منكم عند البأس، وقد بلغني
أنهم يريدون أن يسيروا إليكم حتى يأخذوا جاركم ويخرجوه من المصر قسرا،
فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك وقد أجرتموه وبيت مال المسلمين؟!
فقال صبرة بن شيمان، وكان مفخما: إن جاء الأحنف جئت، وإن جاء الحتات
جئت، وإن جاء شبان ففينا شبان.
فكان زياد يقول: إنني استضحكت ونهضت، وما كدت مكيدة قط كنت إلى
الفضيحة بها أقرب مني للفضيحة يومئذ لما غلبني من الضحك.
قال: ثم كتب زياد إلى علي: إن ابن الحضرمي أقبل من الشام فنزل في دار بني
تميم، ونعى عثمان ودعا إلى الحرب وبايعته تميم وجل أهل البصرة، ولم يبق
معي من أمتنع به، فاستجرت لنفسي ولبيت المال صبرة بن شيمان، وتحولت
فنزلت معهم، فشيعة عثمان يختلفون إلى ابن الحضرمي.
فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي ليفرق قومه عن ابن الحضرمي، فانظر

112
ما يكون منه، فإن فرق جمع ابن الحضرمي فذلك ما تريد، وان ترقت بهم الأمور
إلى التمادي في العصيان فانهض إليهم فجاهدهم، فإن رأيت ممن قبلك تثاقلا
وخفت أن لا تبلغ ما تريد، فدارهم وطاولهم ثم تسمع وأبصر، فكأن جنود الله قد
أظلتك تقتل الظالمين.
فقدم أعين فأتى زيادا فنزل عنده، ثم أتى قومه وجمع رجالا ونهض إلى ابن
الحضرمي، فدعاهم فشتموه وناوشوه فانصرف عنهم، ودخل عليه قوم فقتلوه.
فلما قتل أعين بن ضبيعة أراد زياد قتالهم، فأرسلت بنو تميم إلى الأزد: إنا لم
نعرض لجاركم ولا لأحد من أصحابه، فماذا تريدون إلى جارنا وحربنا؟
فكرهت الأزد القتال وقالوا: إن عرضوا لجارنا منعناهم، وإن يكفوا عن جارنا
كففنا عن جارهم فأمسكوا.
وكتب زياد إلى علي: أن أعين بن ضبيعة قدم فجمع من أطاعه من عشيرته،
ثم نهض بهم بجد وصدق نية إلى ابن الحضرمي، فحثهم على الطاعة ودعاهم إلى
الكف والرجوع عن شقاقهم، ووافقتهم عامة قوم فهالهم ذلك، وتصدع عنهم كثير
ممن كان معهم يمنيهم نصرته، وكانت بينهم مناوشة، ثم انصرف إلى أهله فدخلوا
عليه فاغتالوه فأصيب رحم الله أعين، فأردت قتالهم عند ذلك فلم يخف معي من
أقوى به عليهم، وتراسل الحيان فأمسك بعضهم عن بعض.
فلما قرأ علي كتابه دعا جارية بن قدامة السعدي فوجهه في خمسين رجلا
من بني تميم، وبعث معه شريك بن الأعور ويقال: بعث جارية في خمسمائة
رجل، وكتب إلى زياد كتابا يصوب رأيه فيما صنع وأمره بمعونة جارية بن قدامة
والإشارة عليه، فقدم جارية البصرة، فأتى زيادا فقال له: احتفز واحذر أن
يصيبك ما أصاب صاحبك، ولا تثقن بأحد من القوم.

113
فسار جارية إلى قومه فقرأ عليهم كتاب علي ووعدهم، فأجابه أكثرهم،
فسار إلى ابن الحضرمي فحصره في دار سنبيل ثم أحرق عليه الدار وعلى من
معه، وكان معه سبعون رجلا - ويقال أربعون - وتفرق الناس ورجع زياد إلى دار
الإمارة، وكتب إلى علي مع ظبيان بن عمارة وكان ممن قدم مع جارية... وأن
جارية قدم علينا فسار إلى ابن الحضرمي فقتله حتى اضطره إلى دار من دور بني
تميم في عدة رجال من أصحابه بعد الإعذار والإنذار والدعاء إلى الطاعة، فلم
ينيبوا ولم يرجعوا، فأضرم عليهم الدار فأحرقهم فيها وهدمت عليهم، فبعدا لمن
طغى وعصى (1).
8 / 3
غارة النعمان بن بشير
2840 - تاريخ اليعقوبي: وجه معاوية النعمان بن بشير، فأغار على مالك بن
كعب الأرحبي، وكان عامل علي على مسلحة عين التمر.
فندب علي فقال: يا أهل الكوفة! انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإن
النعمان ابن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير لعل الله أن يقطع من الظالمين
طرفا. فأبطؤوا، ولم يخرجوا (2).
2841 - الكامل في التاريخ: في هذه السنة [39 ه‍] فرق معاوية جيوشه في
العراق في أطراف علي، فوجه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر،
وفيها: مالك ابن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل، وكان مالك قد أذن لأصحابه



(1) تاريخ الطبري: 5 / 110، الكامل في التاريخ: 2 / 415 نحوه وراجع الغارات: 2 / 373 - 412.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 195، الغارات: 2 / 449؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 303 كلاهما نحوه.
114
فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلا مائة رجل، فلما سمع بالنعمان كتب إلى
أمير المؤمنين يخبره ويستمده.
فخطب علي الناس، وأمرهم بالخروج إليه، فتثاقلوا.
وواقع مالك النعمان وجعل جدار القرية في ظهور أصحابه، وكتب مالك إلى
مخنف بن سليم يستعينه، وهو قريب منه، واقتتل مالك والنعمان أشد قتال،
فوجه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا، فانتهوا إلى مالك وقد كسروا
جفون سيوفهم واستقتلوا، فلما رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء، وظنوا أن
لهم مددا، وتبعهم مالك فقتل منهم ثلاثة نفر.
ولما تثاقل أهل الكوفة عن الخروج إلى مالك، صعد علي المنبر فخطبهم، ثم
قال:
يا أهل الكوفة! كلما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلكم انجحر كل امرئ
منكم في بيته، وأغلق عليه بابه انجحار الضب في جحره، والضبع في وجارها،
المغرور من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء،
ولا إخوان عند النجاء! إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا منيت به منكم؟ عمي لا
يبصرون، وبكم لا ينطقون، وصم لا يسمعون! إنا لله وإنا إليه راجعون (1).
2842 - الإمام علي (عليه السلام) - في استنفار أهل الكوفة بعد غارة النعمان بن بشير -: يا
أهل الكوفة! المنسر (2) من مناسر أهل الشام، إذا أظل عليكم أغلقتم أبوابكم،



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 425، تاريخ الطبري: 5 / 133، البداية والنهاية: 7 / 320؛ الغارات:
2 / 447 - 457 كلها نحوه وراجع أنساب الأشراف: 3 / 205 - 207 ونهج البلاغة: الخطبة 69.
(2) المنسر: القطعة من الجيش، تمر قدام الجيش الكبير (النهاية: 5 / 47).
115
وانجحرتم في بيوتكم انجحار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها، الذليل
والله من نصرتموه، ومن رمى بكم رمى بأفوق ناصل، أف لكم! لقد لقيت منكم
ترحا، ويحكم! يوما أناجيكم ويوما أناديكم، فلا أجاب عند النداء، ولا إخوان
صدق عند اللقاء، أنا والله منيت بكم، صم لا تسمعون، بكم لا تنطقون، عمي لا
تبصرون، فالحمد لله رب العالمين! ويحكم! اخرجوا إلى أخيكم مالك بن كعب،
فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير، فانهضوا إلى
إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الظالمين طرفا! ثم نزل.
فلم يخرجوا، فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم، فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا
الناس على المسير، فلم يصنعوا شيئا (1).
8 / 4
غارة سفيان بن عوف
2843 - الغارات عن سفيان بن عوف الغامدي: دعاني معاوية فقال:
إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة فالزم لي جانب الفرات حتى تمر
بهيت (2) فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم وإلا فامض حتى تغير على
الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى تغير على المدائن ثم أقبل إلي، واتق
أن تقرب الكوفة، واعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنك
أغرت على الكوفة، إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم
وتجرئ كل من كان له فينا هوى منهم ويرى فراقهم، وتدعو إلينا كل من كان



(1) الغارات: 2 / 451 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 69.
(2) هيت: مدينة على الفرات فوق الأنبار (تقويم البلدان: 299).
116
يخاف الدوائر، وخرب كل ما مررت به من القرى، واقتل كل من لقيت ممن ليس
هو على رأيك، واحرب (1) الأموال، فإنه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب (2).
2844 - الكامل في التاريخ: وجه معاوية في هذه السنة [39 ه‍] أيضا سفيان بن
عوف في ستة آلاف رجل، وأمره أن يأتي هيت فيقطعها، ثم يأتي الأنبار
والمدائن فيوقع بأهلها.
فأتى هيت فلم يجد بها أحدا، ثم أتى الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون
خمسمائة رجل وقد تفرقوا ولم يبق منهم إلا مائتا رجل، وكان سبب تفرقهم أنه
كان عليهم كميل بن زياد، فبلغه أن قوما بقرقيسيا يريدون الغارة على هيت فسار
إليهم بغير أمر علي.
فأتى أصحاب سفيان وكميل غائب عنها، فأغضب ذلك عليا على كميل،
فكتب إليه ينكر ذلك عليه. وطمع سفيان في أصحاب علي لقلتهم فقاتلهم، فصبر
أصحاب علي ثم قتل صاحبهم، وهو أشرس بن حسان البكري، وثلاثون رجلا،
واحتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية. وبلغ الخبر عليا
فأرسل في طلبهم فلم يدركوا (3).
2845 - تاريخ اليعقوبي: أغار سفيان بن عوف على الأنبار، فقتل أشرس بن



(1) الحرب: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له (النهاية: 1 / 358).
(2) الغارات: 2 / 464؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 85.
(3) الكامل في التاريخ: 2 / 425، تاريخ الطبري: 5 / 134، البداية والنهاية: 7 / 320 وزاد في
آخرهما " بلغ الخبر عليا (عليه السلام) فخرج حتى أتى النخيلة، فقال له الناس: نحن نكفيك، قال: ما تكفونني
ولا أنفسكم، وسرح سعيد بن قيس في أثر القوم، فخرج في طلبهم حتى جاز هيت، فلم يلحقهم
فرجع "، الفتوح: 4 / 225 كلها نحوه وراجع أنساب الأشراف: 3 / 231 ودعائم الإسلام: 1 / 390.
117
حسان البكري، فأتبعه علي سعيد بن قيس، فلما أحس به انصرف موليا، وتبعه
سعيد إلى عانات فلم يلحقه (1).
2846 - الغارات عن محمد بن مخنف: إن سفيان بن عوف لما أغار على الأنبار
قدم علج (2) من أهلها على علي (عليه السلام) فأخبره الخبر.
فصعد المنبر فقال: أيها الناس! إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار وهو معتز
لا يخاف ما كان، فاختار ما عند الله على الدنيا فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم، فإن
أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا.
ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلموا، أو يتكلم متكلم منهم بخير فلم
ينبس أحد منهم بكلمة، فلما رأى صمتهم على ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي
راجلا حتى أتى النخيلة والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم،
فقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك.
فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم، فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله،
فرجع وهو واجم كئيب.
ودعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف، وذلك أنه
أخبر: أن القوم جاؤوا في جمع كثيف.
فقال له: إني قد بعثتك في ثمانية آلاف، فاتبع هذا الجيش حتى تخرجه من
أرض العراق.



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 196.
(2) العلج: الرجل القوي الضخم (النهاية: 3 / 286).
118
فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتى إذا بلغ عانات سرح أمامه هانئ بن
الخطاب الهمداني، فاتبع آثارهم حتى إذا بلغ أداني أرض قنسرين (1) وقد فاتوه،
ثم انصرف.
قال: فلبث علي (عليه السلام) ترى فيه الكآبة والحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس
فكتب كتابا، وكان في تلك الأيام عليلا فلم يطق على القيام في الناس بكل ما
أراد من القول، فجلس بباب السدة التي تصل إلى المسجد، ومعه الحسن
والحسين (عليهما السلام) وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فدعا سعدا مولاه فدفع الكتاب
إليه فأمره أن يقرأه على الناس، فقام سعد بحيث يسمع علي قراءته وما يرد عليه
الناس، ثم قرأ الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله علي إلى من قرئ عليه كتابي من المسلمين، سلام عليكم.
أما بعد، فالحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، ولا شريك لله الأحد
القيوم، وصلوات الله على محمد والسلام عليه في العالمين.
أما بعد، فإني قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت، أرجعتموني بالهزء من
قولكم حتى برمت، هزء من القول لا يعاديه، وخطل من يعز أهله، ولو وجدت
بدا من خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت، وهذا كتابي يقرأ عليكم فردوا خيرا
وافعلوه، وما أظن أن تفعلوا، فالله المستعان (2).



(1) قنسرين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص، وفي جبلها مشهد يقال إنه قبر صالح
النبي (عليه السلام) (معجم البلدان: 4 / 403).
(2) الغارات: 2 / 470.
119
2847 - الإمام علي (عليه السلام) - لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار (1)، فخرج
بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة فأدركه الناس، وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن
نكفيكهم -:
ما تكفونني أنفسكم، فكيف تكفونني غيركم؟ إن كانت الرعايا قبلي لتشكو
حيف رعاتها، وإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي، كأنني المقود وهم القادة، أو
الموزوع وهم الوزعة (2).
2848 - عنه (عليه السلام) - من خطبته لأهل الكوفة بعد تحريضهم على قتال سفيان بن
عوف الذي غار على الأنبار، بعد إباء أصحابه (عليه السلام) عن القتال -: أيها الناس
المجتمعة أبدانهم، المتفرقة أهواؤهم، ما عز من دعاكم، ولا استراح من قاساكم،
كلامكم يوهن الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، إن قلت لكم: سيروا
إليهم في الحر، قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا الحر، وإن قلت لكم: سيروا إليهم في
الشتاء، قلتم: أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد، فعل ذي الدين المطول. من فاز بكم
فاز بالسهم الأخيب. أصبحت لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، فرق الله
بيني وبينكم.
أي دار بعد داركم تمنعون؟! ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟! أما إنكم ستلقون



(1) الأنبار: مدينة صغيرة كانت عامرة أيام الساسانيين، وآثارها غرب بغداد على بعد ستين كيلو مترا
مشهودة. وسبب تسميتها بالأنبار هو أنها كانت مركزا لخزن الحنطة والشعير والتبن للجيوش، وإلا فإن
الإيرانيين كانوا يسمونها " فيروز شاپور ".
فتحت على يد خالد بن الوليد عام (12 ه‍) وقد اتخذها السفاح - أول خلفاء بني العباس - مقرا له
مدة من الزمان.
(2) نهج البلاغة: الحكمة 261، عيون الحكم والمواعظ: 164 / 3490 وفيه من " إن كانت الرعايا ".
120
بعدي أثرة يتخذها عليكم الضلال سنة، وفقرا يدخل بيوتكم، وسيفا قاطعا،
وتتمنون عند ذلك أنكم رأيتموني وقاتلتم معي وقتلتم دوني (1).
2849 - عنه (عليه السلام) - من كلام له (عليه السلام) في استنهاض الناس -: ألا وإني قد دعوتكم إلى
قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن
يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم حتى
شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان.
هذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقتل حسان بن حسان البكري،
وأزال خيلكم عن مسالحها، وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة
المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقلبها (2) وقلائدها ورعاثها (3)، ما
تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام.
ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم (4)، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأ
مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان عندي به جديرا، فيا عجبا
عجبا والله يميث القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء على باطلهم، وتفرقكم
عن حقكم! فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا
تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في
أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ (5) عنا الحر، وإذا أمرتكم



(1) الغارات: 2 / 483 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي.
(2) القلب: السوار (النهاية: 4 / 98).
(3) الرعث: القرطة؛ وهي من حلي الأذن (النهاية: 2 / 234).
(4) الكلم: الجرح (النهاية: 4 / 199).
(5) أي يخف، وتسبخ الحر: سكن وفتر (لسان العرب: 3 / 23).
121
بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا
فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر!
يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت
أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما، وأعقبت ذما.
قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب
التهمام (1) أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت
قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت
فيها وما بلغت العشرين، وها أنا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا
يطاع! (2).
2850 - الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ: لما وجه معاوية بن أبي سفيان،
سفيان بن عوف الغامدي إلى الأنبار للغارة، بعثه في ستة آلاف فارس، فأغار
على هيت والأنبار، وقتل المسلمين، وسبى الحريم، وعرض الناس على البراءة
من أمير المؤمنين (عليه السلام)، استنفر أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس، وقد كانوا تقاعدوا عنه،
واجتمعوا على خذلانه، وأمر مناديه في الناس فاجتمعوا، فقام خطيبا، فحمد الله
واثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
أما بعد: أيها الناس، فو الله لأهل مصركم في الأمصار أكثر في العرب من



(1) نغب: جمع نغبة؛ أي جرعة (لسان العرب: 1 / 765) والتهمام، من الهم.
(2) الكافي: 5 / 4 / 6 عن أبي عبد الرحمن السلمي، نهج البلاغة: الخطبة 27، الغارات: 2 / 475 عن
محمد بن مخنف؛ البيان والتبيين: 2 / 53، أنساب الأشراف: 3 / 201 والثلاثة الأخيرة نحوه وراجع
الإرشاد: 1 / 279.
122
الأنصار، وما كانوا يوم عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين
حتى يبلغ رسالات الله إلا قبيلتين صغير مولدهما، ما هما بأقدم العرب ميلادا،
ولا بأكثره عددا، فلما آووا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، ونصروا الله ودينه، رمتهم
العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهود، وغزتهم القبائل قبيلة بعد
قبيلة، فتجردوا للدين، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل، وما بينهم وبين
اليهود من العهود، ونصبوا لأهل نجد وتهامة، وأهل مكة واليمامة، وأهل الحزن
وأهل السهل؛ قناة الدين والصبر تحت حماس الجلاد، حتى دانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
العرب، فرأى فيهم قرة العين قبل أن يقبضه الله إليه، فأنتم في الناس أكثر من
أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب.
فقام إليه رجل آدم طوال، فقال: ما أنت كمحمد! ولا نحن كأولئك الذين
ذكرت؛ فلا تكلفنا ما لا طاقة لنا به! فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحسن مسمعا تحسن
إجابة، ثكلتكم الثواكل! ما تزيدونني إلا غما، هل أخبرتكم أني مثل محمد (صلى الله عليه وآله)،
وأنكم مثل أنصاره، وإنما ضربت لكم مثلا، وأنا أرجو أن تأسوا بهم.
ثم قام رجل آخر فقال: ما أحوج أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن معه إلى أصحاب
النهروان، ثم تكلم الناس من كل ناحية ولغطوا، فقام رجل فقال بأعلى صوته:
استبان فقد الأشتر على أهل العراق؛ لو كان حيا لقل اللغط، ولعلم كل امرئ ما
يقول.
فقال لهم أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -: هبلتكم الهوابل! لأنا أوجب
عليكم حقا من الأشتر، وهل للأشتر عليكم من الحق إلا حق المسلم على
المسلم؟ وغضب فنزل.
فقام حجر بن عدي وسعد بن قيس، فقالا: لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين،

123
مرنا بأمرك نتبعه، فو الله العظيم ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تفرق، ولا على
عشائرنا أن تقتل في طاعتك، فقال لهم: تجهزوا للسير إلى عدونا.
ثم دخل منزله (عليه السلام) ودخل عليه وجوه أصحابه، فقال لهم: أشيروا علي برجل
صليب ناصح يحشر الناس من السواد، فقال سعد بن قيس: عليك يا
أمير المؤمنين بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي، قال:
نعم، ثم دعاه فوجهه وسار، ولم يعد حتى أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
8 / 5
غارة عبد الله بن مسعدة
2851 - تاريخ الطبري عن عوانة: وجه معاوية [في سنة 39 ه‍] أيضا عبد الله بن
مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء (2)، وأمره أن يصدق من مر به
من أهل البوادي، وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله، ثم يأتي مكة
والمدينة والحجاز، يفعل ذلك، واجتمع إليه بشر كثير من قومه.
فلما بلغ ذلك عليا وجه المسيب بن نجبة الفزاري، فسار حتى لحق ابن
مسعدة بتيماء فاقتتلوا ذلك اليوم حتى زالت الشمس قتالا شديدا، وحمل
المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات، كل ذلك لا يلتمس قتله ويقول
له: النجاء النجاء (3)!



(1) الأمالي للطوسي: 173 / 293، الغارات: 2 / 479؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 89 كلاهما نحوه.
(2) تيماء: بليدة في أطراف الشام، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام. ولما سيطر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قلاع خيبر ووادي القرى رضي أهل تيماء بدفع الجزية. وفي الزمان الحاضر توجد
قرية بين دمشق ومكة تعرف ب‍ " تيماء " (راجع معجم البلدان: 2 / 67).
(3) أي أنجو بنفسك (انظر النهاية: 5 / 25).
124
فدخل ابن مسعدة وعامة من معه الحصن، وهرب الباقون نحو الشام، وانتهب
الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة، وحصره ومن كان معه المسيب
ثلاثة أيام، ثم ألقى الحطب على الباب، وألقى النيران فيه، حتى احترق.
فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب فقالوا: يا مسيب! قومك! فرق لهم،
وكره هلاكهم، فأمر بالنار فأطفئت، وقال لأصحابه: قد جاءتني عيون فأخبروني
أن جندا قد أقبل إليكم من الشام، فانضموا في مكان واحد.
فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلا حتى لحقوا بالشام، فقال له عبد الرحمن
بن شبيب: سر بنا في طلبهم، فأبى ذلك عليه، فقال له: غششت أمير المؤمنين،
وداهنت في أمرهم (1).
2852 - تاريخ اليعقوبي: بعث معاوية عبد الله بن مسعدة بن حذيفة بن بدر
الفزاري في جريدة خيل (2)، وأمره أن يقصد المدينة ومكة فسار في ألف
وسبعمائة.
فلما أتى عليا الخبر وجه المسيب بن نجبة الفزاري، فقال له: يا مسيب! إنك
ممن أثق بصلاحه وبأسه ونصيحته، فتوجه إلى هؤلاء القوم وأثر فيهم، وإن كانوا
قومك. فقال له المسيب: يا أمير المؤمنين! إن من سعادتي أن كنت من ثقاتك.
فخرج في ألفي رجل من همدان وطئ وغيرهم، وأغذ السير، وقدم مقدمته،
فلقوا عبد الله بن مسعدة، فقاتلوه، فلحقهم المسيب، فقاتلهم حتى أمكنه أخذ ابن



(1) تاريخ الطبري: 5 / 134، الكامل في التاريخ: 2 / 426، البداية والنهاية: 7 / 320.
(2) جريدة من الخيل: هي التي جردت من معظم الخيل لوجه، وقيل: الخالية من الرجالة والسقاط
(أساس البلاغة للزمخشري: 56).
125
مسعدة، فجعل يتحاماه (1).
وانهزم ابن مسعدة، فتحصن بتيماء وأحاط المسيب بالحصن، فحصر ابن
مسعدة وأصحابه ثلاثا، فناداه: يا مسيب! إنما نحن قومك، فليمسك الرحم،
فخلى لابن مسعدة وأصحابه الطريق، ونجا من الحصن.
فلما جنهم الليل خرجوا من تحت ليلتهم حتى لحقوا بالشام، وصبح المسيب
الحصن، فلم يجد أحدا.
فقال عبد الرحمن بن شبيب: داهنت والله يا مسيب في أمرهم، وغششت
أمير المؤمنين.
وقدم على علي فقال له علي: يا مسيب! كنت من نصاحي، ثم فعلت ما
فعلت!، فحبسه أياما، ثم أطلقه وولاه قبض الصدقة بالكوفة (2).
8 / 6
غارة الضحاك بن قيس
2853 - الغارات عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري: دعا معاوية الضحاك بن
قيس الفهري، وقال له: سر حتى تمر بناحية الكوفة، وترتفع عنها ما استطعت،
فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه، وإن وجدت له مسلحة (3) أو
خيلا فأغر عليهما، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى، ولا تقيمن لخيل
بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها، فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى



(1) أي: يتوقاه ويجتنبه (انظر لسان العرب: 14 / 200).
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 196؛ أنساب الأشراف: 3 / 209 نحوه.
(3) المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدو. والجمع: مسالح (النهاية: 2 / 388).
126
أربعة آلاف جريدة خيل.
فأقبل الضحاك يأخذ الأموال، ويقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية
فأغار خيله على الحاج، فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن
مسعود الذهلي - وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) - فقتله
في طريق الحاج عند القطقطانة (1) وقتل معه ناسا من أصحابه.
قال أبو روق: فحدثني أبي أنه سمع عليا (عليه السلام) وقد خرج إلى الناس وهو يقول
على المنبر: يا أهل الكوفة! اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس، وإلى
جيوش لكم قد أصيب منها طرف؛ اخرجوا فقاتلوا عدوكم وامنعوا حريمكم، إن
كنتم فاعلين.
قال: فردوا عليه ردا ضعيفا، ورأى منهم عجزا وفشلا فقال:
والله، لوددت أن لي بكل مائة منكم رجلا منهم، ويحكم اخرجوا معي، ثم
فروا عني إن بدا لكم، فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك روح
لي عظيم، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم ومداراتكم مثل ما تدارى البكار
العمدة، والثياب المتهترة، كلما خيطت من جانب تهتكت على صاحبها من
جانب آخر، ثم نزل.
فخرج يمشي حتى بلغ الغريين (2)، ثم دعا حجر بن عدي الكندي من خيله
فعقد له ثم راية على أربعة آلاف، ثم سرحه (3).



(1) القطقطانة: موضع قرب الكوفة من جهة البرية (معجم البلدان: 4 / 374).
(2) الغريان: تثنية الغري، وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة (معجم البلدان: 4 / 196).
(3) سرحت فلانا إلى موضع كذا: إذا أرسلته (لسان العرب: 2 / 479).
127
فخرج حتى مر بالسماوة (1) - وهي أرض كلب - فلقي بها امرأ القيس بن عدي
بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي أصهار الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليهم السلام)، فكانوا أدلاءه على طريقه وعلى المياه، فلم يزل مغذا في أثر
الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقفه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب
الضحاك تسعة عشر رجلا، وقتل من أصحاب حجر رجلان: عبد الرحمن
وعبد الله الغامدي، وحجز الليل بينهم، فمضى الضحاك، فلما أصبحوا لم يجدوا
له ولأصحابه أثرا (2).
2854 - تاريخ الطبري عن عوانة: وجه معاوية الضحاك بن قيس، وأمره أن يمر
بأسفل واقصة (3)، وأن يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة علي من
الأعراب، ووجه معه ثلاثة آلاف رجل.
فسار فأخذ أموال الناس، وقتل من لقي من الأعراب، ومر بالثعلبية فأغار
على مسالح علي، وأخذ أمتعتهم، ومضى حتى انتهى إلى القطقطانة.
فأتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان في خيل لعلي وأمامه أهله، وهو
يريد الحج، فأغار على من كان معه، وحبسه عن المسير.
فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدي الكندي في أربعة آلاف، وأعطاهم
خمسين خمسين، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلا، وقتل من



(1) السماوة: بادية بين الكوفة والشام قفرى (معجم البلدان: 3 / 245). واليوم هي مدينة من مدن العراق
الجنوبية الواقعة على ضفاف الفرات، بين مدينتي الناصرية والديوانية.
(2) الغارات: 2 / 421، الإرشاد: 1 / 271 نحوه إلى " من جانب آخر "؛ أنساب الأشراف: 3 / 197
نحوه.
(3) واقصة: منزل بطريق مكة بين القرعاء وعقبة الشيطان (راجع معجم البلدان: 5 / 354).
128
أصحابه رجلان، وحال بينهم الليل، فهرب الضحاك وأصحابه، ورجع حجر
ومن معه (1).
2855 - تاريخ اليعقوبي: جلس علي في المسجد، فندب الناس، وانتدب أربعة
آلاف، فسار بهم في طلب القوم، وأغذ المسير حتى لقيهم بتدمر من عمل
حمص، فقاتلهم فهزمهم، حتى انتهوا إلى الضحاك، وحجز بينهم الليل، فأدلج (2)
الضحاك على وجهه منصرفا، وشن حجر بن عدي ومن معه الغارة في تلك البلاد
يومين وليلتين (3).
2856 - الإمام علي (عليه السلام) - بعدما أغار الضحاك بن قيس على القطقطانة، فبلغ عليا
إقباله وأنه قد قتل ابن عميس -: يا أهل الكوفة! اخرجوا إلى جيش لكم قد
أصيب منه طرف، وإلى الرجل الصالح ابن عميس (4) فامنعوا حريمكم وقاتلوا
عدوكم، فردوا ردا ضعيفا. فقال:
يا أهل العراق! وددت أن لي بكم بكل ثمانية منكم رجلا من أهل الشام،
وويل لهم! قاتلوا مع تصبرهم على جور. ويحكم! اخرجوا معي، ثم فروا عني إن
بدا لكم، فوالله إني لأرجو شهادة، وإنها لتدور على رأسي مع ما لي من الروح
العظيم في ترك مداراتكم كما تدارى البكار الغمرة (5)، أو الثياب المتهتكة، كلما



(1) تاريخ الطبري: 5 / 135، الكامل في التاريخ: 2 / 426 نحوه.
(2) يقال أدلج: إذا سار من أول الليل (النهاية: 2 / 129).
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 196.
(4) في المصدر: " ابن عميش "، والصحيح ما أثبتناه.
(5) الغمر: الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور (النهاية: 3 / 385).
129
حيصت (1) من جانب تهتكت من جانب (2).
2857 - الإرشاد - لما بلغ عليا (عليه السلام) غارة الضحاك بن قيس وقتله ابن عميس -: يا
أهل الكوفة! اخرجوا إلى العبد الصالح وإلى جيش لكم قد أصيب منه طرف،
اخرجوا فقاتلوا عدوكم، وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين.
قال: فردوا عليه ردا ضعيفا، ورأى منهم عجزا وفشلا.
فقال: والله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم، ويحكم! اخرجوا
معي ثم فروا علي إن بدا لكم، فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي
ذلك روح لي عظيم، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم ومداراتكم مثل ما تدارى
البكار العمدة أو الثياب المتهترة، كلما خيطت من جانب تهتكت من جانب على
صاحبها (3).
2858 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام له بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية
على الحاج بعد قصة الحكمين وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف -:
أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب،
وفعلكم يطمع فيكم الأعداء؛ تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال
قلتم: حيدي حياد (4).
ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل،



(1) حاص الثوب: خاطه (النهاية: 1 / 461).
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 195.
(3) الإرشاد: 1 / 271، الغارات: 2 / 423 عن أبي روق عن أبيه؛ أنساب الأشراف: 3 / 198 كلاهما
نحوه وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 195.
(4) حيدي: أي ميلي. وحياد بوزن قطام (النهاية: 1 / 466).
130
وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك
الحق إلا بالجد.
أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من
غررتموه.
ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى
بأفوق (1) ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد
العدو بكم، ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم، أقولا بغير
علم، وغفلة من غير ورع، وطمعا في غير حق؟ (2)
8 / 7
غارة عبد الرحمن بن قباث
2859 - الكامل في التاريخ - في أحداث سنة تسع وثلاثين -: وفيها سير معاوية
عبد الرحمن بن قباث بن أشيم إلى بلاد الجزيرة وفيها شبيب بن عامر - جد
الكرماني الذي كان بخراسان - وكان شبيب بنصيبين (3)، فكتب إلى كميل بن
زياد، وهو بهيت، يعلمه خبرهم.
فسار كميل إليه نجدة له في ستمائة فارس، فأدركوا عبد الرحمن ومعه معن



(1) أي رمى بسهم منكسر الفوق لا نصل فيه. والفوق: موضع الوتر منه (النهاية: 3 / 480).
(2) نهج البلاغة: الخطبة 29، الإرشاد: 1 / 273، الأمالي للطوسي: 180 / 302؛ أنساب الأشراف:
3 / 154 كلاهما عن جندب بن عبد الله الأزدي، البيان والتبيين: 2 / 56، الإمامة والسياسة: 1 / 171
كلها نحوه إلى " لا أطمع في نصركم ".
(3) نصيبين: مدينة عامرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام على تسعة فراسخ من سنجار. وقد
بنيت هذه المدينة على أيدي الروم، وافتتحها أنوشيروان (راجع معجم البلدان: 5 / 288).
131
بن يزيد السلمي، فقاتلهما كميل وهزمهما، فغلب على عسكرهما، وأكثر القتل
في أهل الشام، وأمر أن لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح، وقتل من أصحاب
كميل رجلان.
وكتب إلى علي بالفتح فجزاه خيرا، وأجابه جوابا حسنا ورضي عنه، وكان
ساخطا عليه....
وأقبل شبيب بن عامر من نصيبين فرأى كميلا قد أوقع بالقوم فهنأه بالظفر،
وأتبع الشاميين فلم يلحقهم، فعبر الفرات، وبث خيله، فأغارت على أهل الشام
حتى بلغ بعلبك (1).
فوجه معاوية إليه حبيب بن مسلمة فلم يدركه، ورجع شبيب فأغار على
نواحي الرقة (2)؛ فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلا استاقها، ولا خيلا ولا سلاحا إلا
أخذه، وعاد إلى نصيبين وكتب إلى علي.
فكتب إليه علي ينهاه عن أخذ أموال الناس إلا الخيل والسلاح الذي يقاتلون
به، وقال: رحم الله شبيبا، لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار (3).
8 / 8
غارة بسر بن أرطاة
2860 - تاريخ الطبري عن عوانة: أرسل معاوية بن أبي سفيان بعد تحكيم
الحكمين بسر بن أبي أرطاة - وهو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش،



(1) بعلبك: مدينة قديمة من مدن لبنان، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام (معجم البلدان: 1 / 453).
(2) الرقة: مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حران ثلاثة أيام (معجم البلدان: 3 / 59).
(3) الكامل في التاريخ: 2 / 428، أنساب الأشراف: 3 / 231، الفتوح: 4 / 227 و 228 كلاهما نحوه.
132
فساروا من الشام حتى قدموا المدينة، وعامل علي على المدينة يومئذ أبو أيوب
الأنصاري، ففر منهم أبو أيوب، فأتى عليا بالكوفة.
ودخل بسر المدينة، قال: فصعد منبرها ولم يقاتله بها أحد، فنادى على
المنبر: يا دينار، ويا نجار، ويا زريق، شيخي شيخي! عهدي به بالأمس، فأين
هو! يعني عثمان.
ثم قال: يا أهل المدينة! والله، لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلما إلا
قتلته، ثم بايع أهل المدينة.
وأرسل إلى بني سلمة، فقال: والله، ما لكم عندي من أمان، ولا مبايعة حتى
تأتوني بجابر بن عبد الله.
فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ماذا ترين؟ إني قد خشيت
أن أقتل، وهذه بيعة ضلالة.
قالت: أرى أن تبايع؛ فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، وأمرت
ختني عبد الله بن زمعة - وكانت ابنتها زينب ابنة أبي سلمة عند عبد الله بن زمعة
فأتاه جابر فبايعه.
وهدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى أن
يقتله، فقال له بسر: ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فخلى عنه.
وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى اليمن: إن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل
الناس، تقتل من أبى أن يقر بالحكومة.
ثم مضى بسر إلى اليمن، وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي، فلما بلغه
مسيره فر إلى الكوفة حتى أتى عليا، واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي

133
على اليمن، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل (1) عبيد الله بن عباس، وفيه
ابنان له صغيران فذبحهما.
وقد قال بعض الناس: إنه وجد ابني عبيد الله بن عباس عند رجل من بني
كنانة من أهل البادية، فلما أراد قتلهما، قال الكناني: علام تقتل هذين ولا ذنب
لهما! فإن كنت قاتلهما فاقتلني.
قال: أفعل، فبدأ بالكناني فقتله، ثم قتلهما، ثم رجع بسر إلى الشام.
وقد قيل: إن الكناني قاتل عن الطفلين حتى قتل، وكان اسم أحد الطفلين
اللذين قتلهما بسر: عبد الرحمن، والآخر قثم، وقتل بسر في مسيره ذلك جماعة
كثيرة من شيعة علي باليمن.
وبلغ عليا خبر بسر، فوجه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في
ألفين، فسار جارية حتى أتى نجران فحرق بها، وأخذ ناسا من شيعة عثمان
فقتلهم، وهرب بسر وأصحابه منه، وأتبعهم حتى بلغ مكة.
فقال لهم جارية: بايعونا.
فقالوا: قد هلك أمير المؤمنين، فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي،
فتثاقلوا، ثم بايعوا.
ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم، فهرب منه، فقال جارية:
والله، لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة: بايعوا الحسن بن
علي، فبايعوه.



(1) الثقل: المتاع والحشم، وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون ثقل (لسان العرب:
11 / 87 وص 88).
134
وأقام يومه، ثم خرج منصرفا إلى الكوفة، وعاد أبو هريرة فصلى بهم (1).
2861 - تاريخ اليعقوبي: وجه معاوية بسر بن أبي أرطاة، وقيل: ابن أرطاة
العامري من بني عامر بن لؤي - في ثلاثة آلاف رجل، فقال له: سر حتى تمر
بالمدينة، فاطرد أهلها، وأخف من مررت به، وانهب مال كل من أصبت له مالا
ممن لم يكن دخل في طاعتنا.
وأوهم أهل المدينة أنك تريد أنفسهم، وأنه لا براءة لهم عندك، ولا عذر.
وسر حتى تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد. وارهب الناس فيما بين مكة
والمدينة، واجعلهم شرادات، ثم امض حتى تأتي صنعاء؛ فإن لنا بها شيعة،
وقد جاءني كتابهم.
فخرج بسر، فجعل لا يمر بحي من أحياء العرب إلا فعل ما أمره معاوية، حتى
قدم المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري، فتنحى عن المدينة.
ودخل بسر، فصعد المنبر ثم قال: يا أهل المدينة! مثل السوء لكم، (قرية كانت
آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذقها الله لباس الجوع
والخوف بما كانوا يصنعون) (2)، ألا وإن الله قد أوقع بكم هذا المثل وجعلكم أهله،
شاهت الوجوه، ثم ما زال يشتمهم حتى نزل.
قال: فانطلق جابر بن عبد الله الأنصاري إلى أم سلمة - زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال:
إني قد خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلال.



(1) تاريخ الطبري: 5 / 139، الكامل في التاريخ: 2 / 430، البداية والنهاية: 7 / 322 وراجع أنساب
الأشراف: 3 / 211 - 215.
(2) النحل: 112.
135
قالت: إذا فبايع؛ فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون
الصلب، ويحضرون الأعياد مع قومهم.
وهدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى أتى مكة، ثم مضى حتى أتى اليمن،
وكان على اليمن عبيد الله بن عباس عامل علي.
وبلغ عليا الخبر، فقام خطيبا فقال: أيها الناس! إن أول نقصكم ذهاب أولي
النهى والرأي منكم؛ الذين يحدثون فيصدقون، ويقولون فيفعلون، وإني قد
دعوتكم عودا وبدءا، وسرا وجهرا، وليلا ونهارا؛ فما يزيدكم دعائي إلا فرارا،
ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة.
أما والله، إني لعالم بما يصلحكم، ولكن في ذلك فسادي، امهلوني قليلا،
فوالله، لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه الله بكم.
إن من ذل الإسلام وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار
فيجيبون، وأدعوكم، وأنتم لا تصلحون، فتراعون، هذا بسر قد صار إلى اليمن
وقبلها إلى مكة والمدينة.
فقام جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين! لا عدمنا الله قربك، ولا
أرانا فراقك، فنعم الأدب أدبك، ونعم الإمام والله أنت، أنا لهؤلاء القوم فسرحني
إليهم!
قال: تجهز؛ فإنك ما علمتك رجل في الشدة والرخاء، المبارك الميمون
النقيبة.
ثم قام وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا أنتدب يا أمير المؤمنين.
قال: انتدب، بارك الله عليك.

136
فخرج جارية في ألفين، ووهب ابن مسعود في ألفين، وأمرهما علي أن يطلبا
بسرا حيث كان حتى يلحقاه، فإذا اجتمعا فرأس الناس جارية.
فخرج جارية من البصرة، ووهب من الكوفة، حتى التقيا بأرض الحجاز.
ونفذ بسر من الطائف، حتى قدم اليمن، وقد تنحى عبيد الله بن عباس عن
اليمن، واستخلف بها عبد الله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله، وقتل ابنه
مالك بن عبد الله، وقد كان عبيد الله خلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند جويرية ابنة
قارظ الكنانية - وهي أمهما - وخلف معها رجلا من كنانة.
فلما انتهى بسر إليها دعا ابني عبيد الله ليقتلهما، فقام الكناني فانتضى سيفه
وقال: والله لأقتلن دونهما فألاقي عذرا لي عند الله والناس، فضارب بسيفه حتى
قتل، وخرجت نسوة من بني كنانة فقلن: يا بسر! هذا الرجال يقتلون، فما بال
الولدان؟! والله ما كانت الجاهلية تقتلهم، والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الصبيان
ورفع الرحمة لسلطان سوء.
فقال بسر: والله، لقد هممت أن أضع فيكن السيف، وقدم الطفلين
فذبحهما....
ثم جمع بسر أهل نجران فقال: يا إخوان النصارى! أما والذي لا إله غيره لئن
بلغني عنكم أمر أكرهه لأكثرن قتلاكم. ثم سار نحو جيشان - وهم شيعة لعلي -
فقاتلهم، فهزمهم، وقتل فيهم قتلا ذريعا، ثم رجع إلى صنعاء.
وسار جارية بن قدامة السعدي حتى أتى نجران وطلب بسرا، فهرب منه في
الأرض، ولم يقم له، وقتل من أصحابه خلقا، وأتبعهم بقتل وأسر حتى بلغ مكة،
ومر بسر حتى دخل الحجاز لا يلوي على شيء.

137
فأخذ جارية بن قدامة أهل مكة بالبيعة، فقالوا: قد هلك علي فلمن نبايع؟
قال: لمن بايع له أصحاب علي بعده، فتثاقلوا.
فقال: والله، لتبايعن ولو بأستاهكم، فبايعوا ودخل المدينة، وقد اصطلحوا
على أبي هريرة فصلى بهم، ففر منه أبو هريرة.
فقال جارية: يا أهل المدينة! بايعوا للحسن بن علي، فبايعوا.
ثم خرج يريد الكوفة، فرد أهل المدينة أبا هريرة... وحدث أبو الكنود أن
جارية مر في طلب بسر فما كان يلتفت إلى مدينة، ولا يعرج على شيء حتى
انتهى إلى اليمن ونجران، فقتل من قتل، وهرب منه بسر، وحرق تحريقا، فسمي
محرقا (1).
2862 - الاستيعاب: أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فسبى نساء
مسلمات، فأقمن في السوق (2).
2863 - تاريخ اليعقوبي عن أبي خالد الوالبي: قرأت عهد علي لجارية بن قدامة:
أوصيك يا جارية بتقوى الله؛ فإنها جموع الخير، وسر على عون الله، فالق عدوك
الذي وجهتك له، ولا تقاتل إلا من قاتلك، ولا تجهز على جريح، ولا تسخرن
دابة، وإن مشيت ومشى أصحابك.
ولا تستأثر على أهل المياه بمياههم، ولا تشربن إلا فضلهم عن طيب
نفوسهم، ولا تشتمن مسلما ولا مسلمة؛ فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب
غيرك عليه.



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 197 وراجع الغارات: 2 / 607 - 628 والفتوح: 4 / 231 - 240.
(2) الاستيعاب: 1 / 243 / 175.
138
ولا تظلمن معاهدا، ولا معاهدة، واذكر الله، ولا تفتر ليلا ولا نهارا، واحملوا
رجالتكم، وتواسوا في ذات أيديكم، وأجدد السير، وأجل العدو من حيث كان،
واقتله مقبلا، واردده بغيظه صاغرا.
واسفك الدم في الحق، واحقنه في الحق، ومن تاب فاقبل توبته، وإخبارك
في كل حين بكل حال، والصدق الصدق! فلا رأي لكذوب (1).
2864 - الغارات عن عبد الرحمن السلمي: رجع بسر فأخذ على طريق السماوة،
حتى أتى الشام فقدم على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! احمد الله؛ فإني سرت
في هذا الجيش أقتل عدوك - ذاهبا وراجعا - لم ينكب رجل منهم نكبة.
فقال معاوية: الله فعل ذلك لا أنت!!
وكان الذي قتل بسر في وجهه - ذاهبا وراجعا - ثلاثين ألفا، وحرق قوما
بالنار (2).
2865 - الغارات عن الكلبي ولوط بن يحيى الأزدي: إن ابن قيس بن زرارة
الشاذي فخذ من همدان قدم على علي (عليه السلام) فأخبره بخروج بسر، فندب علي (عليه السلام)
الناس فتثاقلوا عنه، فقال: أتريدون أن أخرج بنفسي في كتيبة تتبع كتيبة في
الفيافي (3) والجبال؟! ذهب والله منكم أولو النهى والفضل الذين كانوا يدعون
فيجيبون، ويؤمرون فيطيعون، لقد هممت أن أخرج عنكم فلا أطلب بنصركم ما
اختلف الجديدان.



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 200.
(2) الغارات: 2 / 639؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 17 وفيه من " أحمد الله... ".
(3) هي البراري الواسعة، جمع فيفاء (النهاية: 3 / 485).
139
فقام جارية بن قدامة، فقال: أنا أكفيكهم يا أمير المؤمنين، فقال: أنت لعمري
لميمون النقيبة، حسن النية، صالح العشيرة. وندب معه ألفين، وقال بعضهم:
ألفا.
وأمره أن يأتي البصرة فيضم إليه مثلهم، فشخص جارية وخرج معه يشيعه،
فلما ودعه قال: اتق الله الذي إليه تصير، ولا تحتقر مسلما ولا معاهدا، ولا
تغصبن مالا ولا ولدا ولا دابة وإن حفيت وترجلت، وصل الصلاة لوقتها.
فقدم جارية البصرة فضم إليه مثل الذي معه ثم أخذ طريق الحجاز حتى قدم
اليمن، لم يغصب أحدا، ولم يقتل أحدا إلا قوما ارتدوا باليمن، فقتلهم وحرقهم،
وسأل عن طريق بسر، فقالوا: أخذ على بلاد بني تميم، فقال: أخذ في ديار قوم
يمنعون أنفسهم، فانصرف جارية فأقام بجرش (1) (2).
2866 - الغارات عن أبي وداك الشاذي: قدم زرارة بن قيس الشاذي فخبر
عليا (عليه السلام) بالعدة التي خرج فيها بسر، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:
أما بعد؛ أيها الناس! فإن أول فرقتكم وبدء نقصكم ذهاب أولي النهى وأهل
الرأي منكم، الذين كانوا يلقون فيصدقون، ويقولون فيعدلون، ويدعون
فيجيبون، وأنا والله قد دعوتكم عودا وبدءا وسرا وجهارا، وفي الليل والنهار
والغدو والآصال، فما يزيدكم دعائي إلا فرارا وإدبارا، أما تنفعكم العظة والدعاء
إلى الهدى والحكمة، وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني والله لا



(1) جرش: من مخاليف اليمن من جهة مكة (معجم البلدان: 2 / 126). فتحها رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلحا سنة
10 ه‍، وهي اليوم من مدن الحجاز.
(2) الغارات: 2 / 622.
140
أصلحكم بإفساد نفسي، ولكن أمهلوني قليلا، فكأنكم والله بامرئ قد جاءكم
يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما يعذبكم.
إن من ذل المسلمين وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار
فيجاب، وأدعوكم وأنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون وتدافعون، ما هذا بفعل
المتقين، إن بسر بن أبي أرطاة وجه إلى الحجاز، وما بسر؟! لعنه الله، لينتدب إليه
منكم عصابة حتى تردوه عن شنته، فإنما خرج في ستمائة أو يزيدون.
قال: فسكت الناس مليا لا ينطقون، فقال: ما لكم أمخرسون أنتم لا
تتكلمون؟
فذكر عن الحارث بن حصيرة عن مسافر بن عفيف قال: قام أبو بردة بن عوف
الأزدي فقال: إن سرت يا أمير المؤمنين سرنا معك، فقال: اللهم ما لكم؟
لأسددتم لمقال الرشد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! إنما يخرج في مثل
هذا رجل ممن ترضون من فرسانكم وشجعانكم، ولا ينبغي لي أن أدع الجند
والمصر، وبيت المال، وجباية الأرض، والقضاء بين المسلمين، والنظر في
حقوق الناس، ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى في الفلوات وشعف الجبال، هذا
والله الرأي السوء، والله لولا رجائي عند لقائهم، لو قد حم لي لقاؤهم، لقربت
ركابي ثم لشخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب وشمال، فوالله إن في
فراقكم لراحة للنفس والبدن.
فقام إليه جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين لا أعدمنا الله نفسك،
ولا أرانا الله فراقك، أنا لهؤلاء القوم، فسرحني إليهم، قال: فتجهز؛ فإنك ما
علمت ميمون النقيبة. وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي، فقال: أنا أنتدب إليهم

141
يا أمير المؤمنين! قال: فانتدب بارك الله فيك، ونزل (1).
2867 - الفتوح - بعد غارة بسر بن أرطاة على حضرموت واستنفار الإمام (عليه السلام) أهل
الكوفة -: قال لهم علي: ما لكم لا تردون جوابا ولا ترجعون قولا؟ أدعوكم إلى
جهاد عدوكم سرا وجهرا فلم يزدكم دعائي إلا فرارا، أتتناشدون الأشعار
وتتسلون عن الأسفار، تربت يداكم! لقد نسيتم الحرب والاستعداد لها،
فأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها.
قال: فلم يجبه أحد منهم بشيء.
فقال: أوليس من العجب أن معاوية يأمر فيطاع ويدعو فيجاب، وآمركم
فتخالفون وأدعوكم فلا تجيبون؟ ذهب والله أولو النهى والفضل والتقى، الذين
كانوا يقولون فيصدقون، ويدعون فيجيبون، ويلقون عدوهم فيصبرون، وبقيت
في حثالة قوم لا ينتفعون بموعظة ولا يفكرون في عاقبة.
لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان (2)، وإني
لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، وكأني بكم وقد ولاكم من بعدي من يحرمكم
عطاءكم ويسومكم سوء العذاب، والله المستعان وعليه التكلان.
فلما فرغ علي (رضي الله عنه) ونظر أنه ليس يجيبه أحد، انصرف إلى منزله (3).
2868 - الغارات عن عبد الرحمن بن نعيم: اجتمع ذات يوم هو [أي بسر]



(1) الغارات: 2 / 624، الإرشاد: 1 / 272؛ أنساب الأشراف: 3 / 215 كلاهما نحوه وليس فيهما من
" إن بسر بن أبي أرطاة... ".
(2) الجديدان: الليل والنهار (لسان العرب: 3 / 111).
(3) الفتوح: 4 / 237.
142
وعبيد الله بن العباس عند معاوية - بعد صلح الحسن (عليه السلام) - فقال ابن عباس
لمعاوية: أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرحم القليل الرحم بقتل ابني.
فقال معاوية: ما أمرته بذلك ولا هويت.
فغضب بسر ورمى بسيفه وقال: قلدتني هذا السيف وقلت: أخبط به الناس
حتى إذا بلغت ما بلغت، قلت: ما هويت ولا أمرت.
فقال معاوية: خذ سيفك! فلعمري إنك لعاجز حين تلقي سيفك بين يدي رجل
من بني عبد مناف، وقد قتلت ابنيه أمس.
فقال عبيد الله بن عباس: أتراني كنت قاتله بهما؟
فقال ابن لعبيد الله: ما كنا نقتل بهما إلا يزيد وعبد الله ابني معاوية.
فضحك معاوية، وقال: وما ذنب يزيد وعبد الله؟! (1)



(1) الغارات: 2 / 661؛ أنساب الأشراف: 3 / 216 عن هشام، شرح نهج البلاغة: 2 / 17 عن
أبي الحسن المدائني وكلاهما نحوه.
143
الفصل التاسع
تمني الاستشهاد
9 / 1
إن أحب ما أنا لاق إلي الموت
2869 - الإمام علي (عليه السلام) - من خطبة له (عليه السلام) في ذم العاصين من أصحابه -: أحمد الله
على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا
أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب. إن أمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن
اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم.
لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟
فوالله لئن جاء يومي - وليأتيني - ليفرقن بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال، وبكم
غير كثير.
لله أنتم! أما دين يجمعكم! ولا حمية تشحذكم! أو ليس عجبا أن معاوية
يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم - وأنتم

145
تريكة الإسلام، وبقية الناس - إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرقون عني
وتختلفون علي؟!
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضى فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن
أحب ما أنا لاق إلي الموت! قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج،
وعرفتكم ما أنكرتم، وسوغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النائم
يستيقظ! وأقرب بقوم - من الجهل بالله - قائدهم معاوية! ومؤدبهم ابن النابغة! (1)
9 / 2
اللهم مللتهم وملوني
2870 - الغارات عن أبي صالح الحنفي: رأيت عليا (عليه السلام) يخطب وقد وضع
المصحف على رأسه حتى رأيت الورق يتقعقع على رأسه.
قال: فقال: اللهم قد منعوني ما فيه فأعطني ما فيه، اللهم قد أبغضتهم
وأبغضوني، ومللتهم وملوني، وحملوني على غير خلقي وطبيعتي وأخلاق لم
تكن تعرف لي، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني، اللهم مث (2)
قلوبهم كما يماث الملح في الماء (3).
2871 - الغارات عن ابن أبي رافع: رأيت عليا (عليه السلام) قد ازدحموا عليه حتى أدموا



(1) نهج البلاغة: الخطبة 180؛ تاريخ الطبري: 5 / 107، الكامل في التاريخ: 2 / 413 كلاهما نحوه إلى
" تختلفون علي ".
(2) ماث: ذاب (مجمع البحرين: 3 / 1734).
(3) الغارات: 2 / 458؛ أنساب الأشراف: 3 / 156، تاريخ دمشق: 42 / 534 كلاهما نحوه وراجع
الفتوح: 4 / 237.
146
رجله. فقال: اللهم قد كرهتهم وكرهوني، فأرحني منهم وأرحهم مني (1).
2872 - تاريخ الإسلام عن محمد ابن الحنفية: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد
لواءه ثم يحلف لا يحله حتى يسير، فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم
ويجبنون، فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم
فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين
يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلا؟ قال: يا أبا القاسم، يسير لأمر (2) قد
حم (3)، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير.
قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى قال: اللهم إني قد مللتهم وقد ملوني،
وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني خيرا منهم، وأبدلهم شرا مني (4).
2873 - الإمام علي (عليه السلام) - في خطبته (عليه السلام) عند وصول خبر الأنبار إليه -: أم والله
لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني،
فما يمنع أشقاها أن يخضبها؟ - وترك يده على رأسه ولحيته - عهد عهده إلي
النبي الأمي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى (5).
2874 - عنه (عليه السلام): يا أهل الكوفة! خذوا أهبتكم لجهاد عدوكم معاوية وأشياعه.
قالوا: يا أمير المؤمنين، أمهلنا يذهب عنا القر.
فقال: أم والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس



(1) الغارات: 2 / 459؛ أنساب الأشراف: 3 / 250 وزاد في آخره " فما بات إلا تلك الليلة ".
(2) في المصدر: " الأمر "، والصحيح ما أثبتناه كما في الطبقات الكبرى.
(3) حم هذا الأمر: قضي (لسان العرب: 12 / 151).
(4) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 606، الطبقات الكبرى: 5 / 93.
(5) الإرشاد: 1 / 280، الاحتجاج: 1 / 413 / 89.
147
بأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لطاعتهم معاوية ومعصيتكم لي. والله لقد أصبحت
الأمم كلها تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أنا أخاف ظلم رعيتي، لقد استعملت
منكم رجالا فخانوا وغدروا، ولقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من فيء
المسلمين فحمله إلى معاوية، وآخر حمله إلى منزله تهاونا بالقرآن، وجرأة على
الرحمن، حتى لو أنني ائتمنت أحدكم على علاقة سوط لخانني، ولقد
أعييتموني!
ثم رفع يده إلى السماء فقال: اللهم إني قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء
القوم، وتبرمت الأمل. فأتح لي صاحبي حتى أستريح منهم ويستريحوا مني،
ولن يفلحوا بعدي (1).
2875 - نهج البلاغة: من خطبة له (عليه السلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء
أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن، وهما عبيد الله بن
عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة، فقام (عليه السلام) على المنبر
ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي فقال: ما هي إلا
الكوفة، أقبضها وأبسطها، إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله!
وتمثل بقول الشاعر:
لعمر أبيك الخير يا عمرو إنني * على وضر (2) من ذا الإناء قليل
ثم قال (عليه السلام): أنبئت بسرا قد اطلع اليمن، وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم
سيدالون (3) منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم



(1) الإرشاد: 1 / 277.
(2) الوضر: وسخ الدسم واللبن أو غسالة السقاء والقصعة ونحوهما (القاموس المحيط: 2 / 160).
(3) من الإدالة: الغلبة (النهاية: 2 / 141).
148
إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم
وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم.
فلو ائتمنت أحدكم على قعب (1) لخشيت أن يذهب بعلاقته.
اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم،
وأبدلهم بي شرا مني، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء، أما والله
لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم.
هنالك لو دعوت أتاك منهم * فوارس مثل أرمية الحميم
ثم نزل (عليه السلام) من المنبر (2).
2876 - البداية والنهاية عن زهير بن الأرقم: خطبنا علي يوم جمعة، فقال: نبئت
أن بسرا قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما
يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم، وخيانتكم وأمانتهم،
وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم، قد بعثت فلانا فخان وغدر، وبعثت فلانا
فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية، لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ
علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، اللهم فأرحهم مني
وأرحني منهم.
قال: فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه (3).
راجع: القسم الثامن / إخبار الإمام باستشهاده / ما ينتظر أشقاها؟!



(1) القعب: القدح الصخم، الغليظ، الجافي (لسان العرب: 1 / 683).
(2) نهج البلاغة: الخطبة 25، الغارات: 2 / 635 نحوه إلى " في الماء ".
(3) البداية والنهاية: 7 / 326، تاريخ دمشق: 42 / 535 نحوه.
149
الفصل العاشر
آخر خطبة خطبها الإمام
2877 - نهج البلاغة: روي عن نوف البكالي قال: خطبنا بهذه الخطبة
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة
المخزومي، وعليه مدرعة من صوف وحمائل سيفه ليف، وفي رجليه نعلان من
ليف، وكأن جبينه ثفنة بعير. فقال (عليه السلام):
الحمد الله الذي إليه مصائر الخلق، وعواقب الأمر. نحمده على عظيم إحسانه
ونير برهانه، ونوامي فضله وامتنانه، حمدا يكون لحقه قضاء، ولشكره أداء، وإلى
ثوابه مقربا، ولحسن مزيده موجبا. ونستعين به استعانة راج لفضله، مؤمل لنفعه،
واثق بدفعه، معترف له بالطول، مذعن له بالعمل والقول. ونؤمن به إيمان من رجاه
موقنا، وأناب إليه مؤمنا، وخنع له مذعنا، وأخلص له موحدا، وعظمه ممجدا، ولاذ
به راغبا مجتهدا.
لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا. ولم
يتقدمه وقت ولا زمان. ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من
علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم.

151
فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد، قائمات بلا سند. دعاهن
فأجبن طائعات مذعنات، غير متلكئات ولا مبطئات. ولولا إقرارهن له بالربوبية
وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه، ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا
للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه. جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في
مختلف فجاج (1) الأقطار. لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف الليل المظلم. ولا
استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر.
فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج ولا ليل ساج في بقاع الأرضين
المتطأطئات، ولا في يفاع السفع (2) المتجاورات. وما يتجلجل به الرعد في أفق
السماء، وما تلاشت عنه بروق الغمام، وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها
عواصف الأنواء وانهطال السماء، ويعلم مسقط القطرة ومقرها، ومسحب الذرة
ومجرها، وما يكفي البعوضة من قوتها، وما تحمل الأنثى في بطنها.
الحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش، أو سماء أو أرض أو جان أو
إنس، لا يدرك بوهم، ولا يقدر بفهم. ولا يشغله سائل، ولا ينقصه نائل، ولا ينظر
بعين، ولا يحد بأين. ولا يوصف بالأزواج، ولا يخلق بعلاج. ولا يدرك بالحواس.
ولا يقاس بالناس. الذي كلم موسى تكليما، وأراه من آياته عظيما. بلا جوارح ولا
أدوات، ولا نطق ولا لهوات.
بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرائيل وميكائيل وجنود
الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين (3)، متولهة عقولهم أن يحدوا



(1) الفجاج: جمع فج؛ وهو الطريق الواسع (النهاية: 3 / 412).
(2) اليفاع: المرتفع من كل شيء. والسفعة: نوع من السواد ليس بالكثير (النهاية: 5 / 299 وج 2 / 374)
والمراد بها الجبال.
(3) ارجحن الشيء: إذا مال من ثقله وتحرك (النهاية: 2 / 198).
152
أحسن الخالقين. فإنما يدرك بالصفات ذوو الهيئات والأدوات، ومن ينقضي إذا بلغ
أمد حده بالفناء؛ فلا إله إلا هو، أضاء بنوره كل ظلام، وأظلم بظلمته كل نور.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش (1) وأسبغ عليكم المعاش. ولو
أن أحدا يجد إلى البقاء سلما، أو إلى دفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن
داود (عليه السلام) الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة وعظيم الزلفة، فلما استوفى
طعمته، واستكمل مدته، رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية،
والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون، وإن لكم في القرون السالفة لعبرة! أين
العمالقة وأبناء العمالقة! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة! أين أصحاب مدائن الرس
الذين قتلوا النبيين، وأطفؤوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين! وأين الذين
ساروا بالجيوش وهزموا بالألوف. وعسكروا العساكر ومدنوا المدائن.
ومنها: قد لبس للحكمة جنتها، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها،
والمعرفة بها، والتفرغ لها؛ فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها، وحاجته التي يسأل
عنها؛ فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، وضرب بعسيب (2) ذنبه، وألصق الأرض
بجرانه (3). بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه.
ثم قال (عليه السلام): أيها الناس! إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم،
وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا.
وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا (4). لله أنتم! أتتوقعون إماما غيري يطأ بكم



(1) الرياش: ما ظهر من اللباس (النهاية: 2 / 288).
(2) عسيب الذنب: منبته من الجلد والعظم (لسان العرب: 1 / 599).
(3) الجران، مقدم عنق البعير من المذبح إلى المنحر، والبعير أقل ما يكون نفعه عند بروكه. وإلصاق
جرانه بالأرض كناية عن الضعف.
(4) استوسق: استجمع وانضم. واستوسق عليه أمرهم: أي اجتمعوا على طاعته (النهاية: 5 / 185).
153
الطريق، ويرشدكم السبيل؟ ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، وأقبل منها ما
كان مدبرا، وأزمع (1) الترحال عباد الله الأخيار، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير
من الآخرة لا يفنى.
ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين ألا يكونوا اليوم أحياء؟
يسيغون الغصص ويشربون الرنق (2). قد - والله - لقوا الله فوفاهم أجورهم، وأحلهم
دار الأمن بعد خوفهم.
أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن
التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية،
وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة.
قال: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة فأطال البكاء، ثم قال (عليه السلام): أوه
على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة
وأماتوا البدعة. دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه.
ثم نادى بأعلى صوته: الجهاد الجهاد عباد الله! ألا وإني معسكر في يومي هذا؛
فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج!
قال نوف: وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف،
ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر وهو يريد
الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله،
فتراجعت العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان (3).



(1) أزمع: عدا وخف (لسان العرب: 8 / 143).
(2) ما رنق: كدر (لسان العرب: 10 / 127).
(3) نهج البلاغة: الخطبة 182، بحار الأنوار: 4 / 313 / 40.
154
بحث في جذور التخاذل
عرفنا في القسم الخامس أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حظي بتأييد شعبي
واسع، ووصل إلى الخلافة عبر انتخابات حرة، حتى بلغ من إقبال الناس على
بيعته وفرحهم بها أنه قال في وصفها: " أقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل على
أولادها " (1).
كما قرأنا في هذا الفصل أن الجماهير راحت تبتعد عن الإمام تدريجيا ولما
تمض مدة قصيرة على حكمه، حيث فقد حماية وتأييد أغلبهم؛ ففي الأيام
الأولى - من عهد الإمام السياسي - نقض بعض الناس البيعة فخرجوا مع ثلة من
السباقين إلى بيعة الإمام ليثيروا حرب الجمل. على خط آخر بادر جمع من
الشخصيات المعروفة ذات التأثير الشعبي البارز للالتحاق بمعاوية، كما انفصل
آخرون عن صف الإمام وقرروا اتخاذ موقف الحياد.
هكذا راح يتضاءل التأييد الشعبي لحكم الإمام يوما بعد آخر، بحيث لم يفقد



(1) راجع: القسم الخامس / بيعة النور / إقبال الناس على البيعة.
155
الحكم العلوي ذلك التأييد الجماهيري العارم الذي برز في الأيام الأولى للبيعة
فحسب، بل انقلب التأييد إلى معارضة! حتى آل الأمر في نهاية المطاف إلى أن
يعيش الإمام الأشهر الأخيرة من حياته وحيدا وهو يشكو مرارة غربته، وعصيان
أصحابه، وعدم طاعتهم.
إشكالية الموضوع
تكمن إشكالية الموضوع في الأسئلة الأساسية التالية:
* ما هي الأسباب وراء ابتعاد أكثرية الناس عن الإمام علي (عليه السلام)؟
* لماذا لم يستطع الإمام أن يحافظ على تأييد أغلبية الجمهور لحكمه؟
* لماذا حلت الفرقة بين الجماهير خلال حكم الإمام، ولم يستطع إيجاد
وحدة الكلمة بين صفوف الجماهير التي بايعته؟
* لماذا صار الإمام أواخر حياته يبث شكواه على الدوام من عدم حماية
الناس لحركته الإصلاحية، وهو يقول: " هيهات أن أطلع بكم سرار العدل "،
ويقول: " أريد أداوي بكم وأنتم دائي "،
ويقول: " منيت بمن لا يطيع "،
ويقول: " لا غناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم! "،
ويقول: " لو كان لي بعدد أهل بدر "،
ويقول: " وددت أني أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام! ".
وبكلمة مختصرة: ما هو سبب إدبار عامة الناس عن الحكم العلوي بعد ذلك
الإقبال منقطع النظير الذي حظي به الإمام يوم البيعة؟

156
* أليس في انفضاض الناس عن الإمام وبقائه وحيدا ما يدل على عدم إمكانية
ممارسة الحكم عمليا وفق أصول المنهج السياسي العلوي، وأنه لا مكان للمدينة
العلوية الفاضلة إلا في دنيا الخيال؟
قبل أن نلجأ للإجابة على هذه الأسئلة وبيان أسباب بقاء الإمام وحيدا، من
الضروري الإشارة إلى نقطتين:
أ: دور الخواص في التحولات السياسية والاجتماعية
لقد كان للخواص على مر التأريخ - ولا يزال - الدور الأكبر في التحولات
السياسية والاجتماعية التي يشهدها أي مجتمع (1)، فالنخب هي التي تأخذ موقع
الجمهور في العادة وتقرر بدلا منه، على حين ليس للجمهور - في الأغلب - إلا
اتباع تلك النخب والانقياد لها. وقد ترتب النخب المشهد - أحيانا - بصيغة بحيث
تتوهم الجماهير أنها صاحبة القرار!
ففي عصر كصدر الإسلام كان لرؤساء القبائل الدور المحوري في التحولات
السياسية والاجتماعية. وفي عصر آخر صار ذلك التأثير إلى النخب الفكرية
وقادة الأحزاب. أما في العصر الحاضر فإن الذي يتحكم بالجمهور ويوجهه
ويصوغ قراراته هم كبار المشرفين على الشبكات الخبرية، وأجهزة الاتصال
المختلفة، والقنوات والنظم الإعلامية، وأصحاب الجرائد، والصحفيون.
ب: دور أهل الكوفة في حكم الإمام
يحتل العراق في الجغرافية السياسية لعصر صدر الإسلام موقع الجسر الذي
يربط شرق العالم الإسلامي بغربه، كما يعد مصدرا لتزويد السلطة المركزية بما



(1) راجع كتاب " ميزان الحكمة ": الفساد / باب 3202 دور فساد الخاصة في فساد العامة.
157
تحتاج إليه من جند وقوات عسكرية. وفي العراق تحظى الكوفة بموقع خاص،
وحساسية كبرى.
لقد مصرت الكوفة عام 17 ه‍؛ لتكون مقرا للجند، حيث تقارن تمصير هذه
المدينة مع إيجاد معسكرات كبرى للجند.
بهذا يتضح أن الكوفة هي قاعدة عسكرية، ومن ثم فإن من يسكنها لم يكن
يفكر بأكثر من القتال والبعوث وفتح البلدان والحصول على الغنائم وغير ذلك مما
له صلة بهذه الدائرة.
لقد كان من سكن الكوفة بعيدا عن المدينة المنورة التي تحتضن أكثرية
الصحابة، كما أن تردد الصحابة على هذا المصر كان قليلا أيضا، إذ سار عمر
بسياسة تقضي أن لا يتوزع الصحابة في الأمصار بل يبقون في المدينة من
حوله (1). على هذا الأساس لم يحظ الكوفيون بالمعرفة الدينية اللازمة، وظل
حظهم ضئيلا من تعاليم الشريعة والعلوم الدينية.
لقد تحدث عمر صراحة إلى من رغب من الصحابة قصد الكوفة، ونهاهم عن
تعليم الحديث؛ لئلا يضروا أنس هؤلاء بالقرآن (2).
هذا وقد برزت في الكوفة طبقة عرفت ب‍ " القراء "، ألفت فيما بعد البذور
التأسيسية لتيار الخوارج.
ثم نقطة أساسية أخرى تتمثل بالنسيج القبائلي الموجود في الكوفة وهيمنة
الطباع القبلية، وثقافة القبيلة وموازينها على مجتمع الكوفة، ففي إطار نسيج
ثقافي كهذا تكون الكلمة الفصل لرئيس القبيلة، أما البقية فهم تبع له، من دون أن



(1) المستدرك على الصحيحين: 1 / 193 / 374.
(2) كنزل العمال: 1 / 292 / 29479.
158
تكون لهم حرية الاختيار.
بضم هاتين المقدمتين لبعضهما نخلص إلى هذه النتيجة: عندما نقول: " إن
الناس انفضوا عن الإمام علي (عليه السلام) وتركوه وحيدا " فما نقصده بذلك هو تخلي
الخواص والنخب ورؤساء قبائل الأمة الإسلامية عنه، بالخصوص أهل العراق،
وبخاصة أهل الكوفة.
وفيما يلي نعرض دراسة أسباب هذه الظاهرة، وكيف بقي الإمام وحيدا، من
خلال ما ورد على لسان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
غربة الإمام على لسانه
ذكرنا قبل ذلك أن الإمام عليا (عليه السلام) استطاع أن يعكس في أيام حكمه القصير
أبهى صورة للحكم القائم على أساس القيم الإنسانية. فالنهج العلوي في الحكم
لم يكن يستقطب إليه المؤمنين بالقيم الإسلامية فحسب، بل كان - ولا يزال -
يجذب إلى دائرة نفوذه حتى أولئك الذين لا يدينون بهذه القيم من بني الإنسان.
لذلك كله لا يمكن أن يكون سبب انفضاض الناس عن الإمام كامنا بخطأ
منهجه في الحكم، بل ثم لذلك أدلة أخرى.
لقد بين الإمام نفسه أسباب إدبار الجمهور عن حكمه بعد أن كانوا أقبلوا
عليه، وكشف بالتفصيل دوافع إحجام المجتمع عن برنامجه الإصلاحي، كما
وضع يده على الجذر الذي تنتهي إليه الاختلافات التي عصفت بالمجتمع،
والاضطرابات التي برزت أيام حكمه.
وفيما يلي نقدم أجوبة الإمام على هذه النقاط:

159
تضاد الإرادات
(1)
يبرز السبب الأول في ابتعاد الناس عن الإمام بذلك الاختلاف الأساسي الذي
ظهر بين الرؤى، والتضاد المبدئي الذي حصل بين دوافع القوم وأهدافهم؛ فلم
يكن دافع أغلب الذين ثاروا على عثمان - لا سيما بعض قادة الحركة مثل طلحة
والزبير - هو إعادة المجتمع إلى سيرة النبي وسنته، واستئناف القيم الإسلامية
الأصيلة، بل كان الباعث على ذلك هو ضجر هؤلاء من الاستئثار القبلي والحزبي
الذي مارسه بنو أمية وفي طليعتهم عثمان. وبذلك لم يكن هدف هؤلاء من قتل
عثمان ومبايعة الإمام علي (عليه السلام) يتخطى هذه النقطة، حيث لبثوا بانتظار حل الإمام
لهذه المشكلة.
أما الإمام، فقد كان له في قبول الحكم هدف وباعث آخر، فقد كان يهدف من
وراء الاستجابة أن يعيد المجتمع إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنته، ويبادر إلى إحياء
القيم الإسلامية، ويطلق حركة إصلاحية عميقة وواسعة في المجتمع والدولة
تطال جميع المرافق الإدارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية.
وخلاصة الكلام أن مطامح الجمهور كانت شخصية، وما يريده الإمام كان

161
إلهيا. فبينما كانت الناس تدور حول منافعها الشخصية، كان الإمام يسعى إلى
استئناف القيم الإسلامية وتطبيقها. وهذا ما أشار إليه بقوله (عليه السلام): " وليس أمري
وأمركم واحدا؛ إني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم ".
في أجواء كهذه، عندما لمس الناس أن الإمام لا يتواءم وإياهم في الهدف،
راحوا يتخلون عن مساندته. ثم بمرور الزمان، وكلما اتضحت دوافع الإمام في
العمل أكثر راح تأييد الناس يتضاءل، وتتسع الفجوة بينهم وبين الإمام.

162
خيانة الخواص وتبعية العوام
(2)
لقد كان لرؤساء القبائل في العهد العلوي الدور الأبرز في اتخاذ القرار،
والتأثير على أغلبية الجمهور. ولم تؤت جهود الإمام ثمارها المرجوة على
صعيد الارتقاء بهؤلاء فكريا، من خلال تصحيح نظرتهم إلى الحق، بحيث
يعرفون الحق بمعيار الحق، لا بمعيار الرجال الذين يكنون لهم الاحترام (1).
لقد صارت هذه الأجواء - التي تقف حائلا صلبا دون تحقق الإصلاحات
الأساسية - تلقي في نفس الإمام الألم والمضاضة.
ومما جاء عن الإمام في تحليل هذا الفضاء الاجتماعي الذي يبعث على
الملالة، قوله (عليه السلام): " الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج
رعاع؛ أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا
إلى ركن وثيق " (2).



(1) راجع: القسم الخامس / السياسة الثقافية / الالتزام بالحق في معرفة الرجال.
(2) نهج البلاغة: الحكمة 147.
163
يقسم هذا النص العلوي الناس في انتخاب طريق الحياة إلى ثلاثة أقسام،
هي:
القسم الأول: العلماء الذين عرفوا طريق الحياة الصحيح، حيث يطلق الإمام
على هؤلاء وصف " العالم الرباني ".
القسم الثاني: هم ذلك الفريق من الناس الذي يسعى لمعرفة الطريق الصحيح،
ويتحرك باتجاه معرفة الحق، وهؤلاء في الوصف العلوي " متعلمون على سبيل
نجاة ".
أما القسم الثالث فلا هو بالذي يعرف الطريق الصحيح للحياة، ولا هو يبذل
سعيه في سبيل معرفته، بل يتمثل معياره في اتخاذ القرار واختيار النهج الذي
يسلكه بالتقليد الأعمى للخواص، واتباع الشخصيات دون بصيرة، وهؤلاء هم
" الهمج الرعاع ".
إن معنى " الهمج " هو الذباب الصغير الذي يحط على وجه الغنم أو الحمير،
و " الرعاع " بمعنى الأحمق والتافه الذي لا قيمة له. فشبه التحليل العلوي أولئك
الذين لا يعرفون طريق الحياة الصحيح، ولا يسمحون لأنفسهم بالتفكير به، بل
غاية حظهم اتباع الآخرين اتباعا أعمى، شبههم بالذباب؛ إذ هم يحيطون بجاهل
أكبر منهم يستمدون منه، وهو يغذوهم!
إن أمثال هؤلاء لا يتمتعون بقاعدة فكرية وعقيدية متينة، وهم يتبعون الغير من
دون تفحص لكونه حقا أو باطلا، بل يتبعونه لمحض كونه رئيس قبيلة، أو قائد
حزب، أو شخصية تحظى بالاحترام بالنسبة إليهم، فهم كالذباب تماما؛ كلما
تحركت الريح من جانب تحرك معها.

164
والذي يبعث على ألم الإمام وتوجعه أن أغلب من يعاصره من الناس كان من
القسم الثالث. فقد كان علي يعيش وسط جمهور ليس من أهل المعرفة
والتشخيص، ولا هو ممن يتحرى المعرفة ويتحرك في مسار البحث والتحقيق.
بيد أن الأمض على الإمام في ذلك كله أنه (عليه السلام) قلما كان يعثر على من يباثه
همومه، ويتحدث إليه بمثل هذه المصائب الاجتماعية.
أجل، لم يكن مع علي من يستطيع أن يفصح له بحقيقة من يعيش معهم،
وعلام يمارس حكمه. وعندما أراد مرة أن يفصح بخبيئة نفسه لكميل بن زياد
- وهو من خواصه وممن يطيق سماع تحليله المتوجع للوضع القائم - تراه أخذ
بيده، وصار به إلى الصحراء، وبالحزن الممزوج بالألم أشار إليه أنه لا يستطيع أن
يتحدث بهذا الكلام لكل أحد؛ لعدم قدرة الجميع على تحمله، وأنه كلما حظي
الإنسان بقاعدة فكرية أكبر وأفق معنوي أوسع، كان ذا قيمة أكثر، ثم بعد ذلك
حدثه بسر انفضاض الناس عن نهجه، وانكفائهم عنه، وتنكبهم عن برنامجه
الإصلاحي، حيث ذكر له أن المشكلة الأساسية في ذلك تعود إلى جهل الناس،
واتباعهم الأعمى للخواص ممن هو خائن أو جاهل.
صراحة أكثر في بيان الانحراف
تناول الإمام في حديث خاص مشكلاته مع الناس بصراحة أكثر، ففي هذا
الحديث - الذي أدلى به الإمام إلى عائلته وعدد من خواصه - أوضح أين تكمن
جذور الفتنة، ولماذا ابتلي المجتمع الإسلامي بالفرقة والاختلاف على عهده،
ولماذا لم يستطع تنفيذ برنامجه لإصلاح المجتمع وإعادته إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)
وسنته، وأخيرا لماذا لم ينهض الجمهور لتأييد سياسته والدفاع عنها.
لقد بدأ أمير المؤمنين (عليه السلام) كلامه - في المجلس المذكور - بالحديث النبوي

165
التالي: " ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل "،
ثم أوضح أن الفتن السياسية التي دفعت المجتمع الإسلامي إلى الفرقة
والاختلاف، وأدت به إلى الانقسام والتوزع إلى ولاءات وخطوط مختلفة، إنما
تكمن جذورها في المفاسد الأخلاقية، والأثرة، وضروب البدع والأهواء. وفي
هذا يفيد النص العلوي: " إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع يخالف
فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ".
وهكذا تتبدل الأهواء والأنانيات إلى بدع ضد الدين، لكنها متلبسة بدثار
الدين. ثم تنشأ في هذا الاتجاه البؤر المتعصبة، والتجمعات العمياء، وتتبدل
الفتنة الأخلاقية إلى فتنة ثقافية، ثم إلى فتنة سياسية واجتماعية، حيث يسعى
أصحاب الفتنة إلى تسويغ مقاصدهم من خلال استغلال نصاعة الحق.
يقول (عليه السلام): " ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أن الباطل خلص لم
يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ".
ثم يواصل أمير المؤمنين استعراضه الموقف. فبعد مرور جيل تستحكم
البدعة، وترسخ مواقعها بدلا من السنة بحيث صار يستعصي عمليا معرفة السنة
مجددا. وفي هذا المضمار يستعين الإمام بحديث من السنة النبوية - حيث كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تنبأ بشيوع مثل هذه الأجواء وسط المجتمع الإسلامي - وهو
يقول: " إني سمعت رسول الله يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير،
ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها، ويتخذونها سنة، فإذا غير منها شيء قيل:
قد غيرت السنة ".
في فضاء ثقافي مثل هذا تتعذر الإصلاحات الجذرية، وتستعصي عمليا
عملية العودة إلى السنة النبوية.

166
بعد بيان هذه المقدمة انعطف الإمام صوب جوهر القضية، وراح يعدد صراحة
عددا من البدع التي شاعت في المجتمع الإسلامي مما ورثه من السابقين عليه،
ثم أكد بألم أن ليس في وسعه أن يفعل شيئا في هذا المجال؛ لأن مواجهة هذه
الانحرافات الثقافية تنتهي بتفرق الجند عنه وبقائه وحيدا، فقال (عليه السلام): " ولو حملت
الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول (صلى الله عليه وآله) لتفرق
عني جندي، حتى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي " (1).
إتمام الحجة على الخواص والعوام
إن ما ذكره الإمام مجملا إلى كميل بن زياد - في الصحراء - من خطر خيانة
الخواص وتبعية العوام، وما كان قد أشار إليه بهذا الشأن في مجلس خاص جمع
فيه عدة من المقربين والأتباع المخلصين، عاد لاستعراضه تفصيلا أمام جمهور
الناس في خطبة طويلة ألقاها في الأشهر الأخيرة من حكمه، حيث أتم بذلك
الحجة على الخواص والعوام معا.
لقد استعرض الإمام في كلامه هذا - الذي حمل عنوان " الخطبة القاصعة " (2)
والتي أدلى بها بعد معركة النهروان كما يتضح من متنها - نقاطا أساسية على غاية
قصوى من الأهمية ترتبط بمعرفة المجتمع المعاصر له، وعلل انكسار النهضات



(1) راجع: القسم الخامس / الإصلاحات العلوية / تعذر بعض الإصلاحات.
(2) قال ابن أبي الحديد: يجوز أن تسمى هذه الخطبة " القاصعة " من قولهم: قصعت الناقة بجرتها، وهو أن
تردها إلى جوفها، أو تخرجها من جوفها فتملأ فاها، فلما كانت الزواجر والمواعظ في هذه الخطبة
مرددة من أولها إلى آخرها، شبهها بالناقة التي تقصع الجرة. ويجوز أن تسمى " القاصعة " لأنها كالقاتلة
لإبليس وأتباعه من أهل العصبية، من قولهم: قصعت القملة، إذا هشمتها وقتلتها. ويجوز أن تسمى
" القاصعة " لأن المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره ونخوته، فيكون من قولهم: قصع الماء عطشه، أي
أذهبه وسكنه (شرح نهج البلاغة، 13: 128).
167
الدينية قبل الإسلام، ثم ما يتصل بالتنبؤ بمستقبل المسلمين ومآل الإسلام.
تحذير للخواص
في هذا الخطاب وبعد أن عرج الإمام على المصير الذي آل إليه إبليس بعد
ستة آلاف سنة من العبادة، انعطف إلى النخب التي لها في خدمة الإسلام سابقة
مشرقة، وراح يحذرها من أن تؤول إلى المصير نفسه، وهو يقول: " فاحذروا
- عباد الله - عدو الله أن يعديكم بدائه، وأن يستفزكم بندائه! ".
ولكي لا تبتلى الأمة بهذا المصير يتحتم عليها أن تكف عن العصبية، وأحقاد
الجاهلية، وعن التكبر، فقال (عليه السلام): " فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية،
وأحقاد الجاهلية، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان،
ونخواته، ونزعاته، ونفثاته. واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم، وإلقاء التعزز
تحت أقدامكم، وخلع التكبر من أعناقكم ".
تحذير للعوام
وفي إدامة خطابه راح الإمام يركز بكثافة على جماهير الناس، وهو يحذرها
من السادة والكبراء، فلو أن أولئك لم ينثنوا عن علوهم وتكبرهم فلا ينبغي
للجمهور أن يتبعهم، ويكون أداة يستغلها الكبراء في تحقيق أهدافهم
اللا مشروعة.
ثم ألفت نظر الجماهير إلى أن جميع الفتن وضروب الفساد تنبع من تلكم
الرؤوس فقال: " ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا
عن حسبهم، وترفعوا فوق نسبهم...؛ فإنهم قواعد العصبية، ودعائم أركان
الفتنة... وهم أساس الفسوق، وأحلاس العقوق، اتحذهم إبليس مطايا ضلال،

168
وجندا بهم يصول على الناس ".
وبعد أن انتهى الإمام من بيان عدد من المقدمات الضرورية في هذا المجال،
انعطف إلى بحث أخلاقي سياسي مهم، وهو يتحدث عن الامتحانات الإلهية
الصعبة ودورها في تربية الإنسانية، فقد أكد أن فلسفة ما يلاقيه الإنسان من
ضروب المحن والمصائب وما يعانيه من مشاق الحياة، هي عين حكمة الصلاة
والصوم والزكاة، حيث أنها تهدف أيضا إلى بناء الإنسان معنويا، وتزكيته من
الرذائل الخلقية، بالأخص الأثرة والكبر والغرور.
ثم دعا الناس أن يعتبروا بمصير النهضات الدينية التي سبقت الإسلام، وما
آلت إليه من انكسار إثر الفرقة والاختلاف، فحذرهم أن لا يجر كبر الخواص
وعلوهم واتباع العوام الحكومة الإسلامية إلى مصير مماثل لما انتهت إليه
النهضات السابقة.
وعند هذه النقطة راح الإمام يدق أجراس الخطر بصراحة، وهو يتم الحجة
على الخواص والعوام معا، بقوله لهم: " ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل
الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب عليكم، بأحكام الجاهلية... واعلموا أنكم
صرتم بعد الهجرة أعرابا، وبعد الموالاة أحزابا؛ ما تتعلقون من الإسلام إلا
باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه... ألا وإنكم قد قطعتم قيد الإسلام،
وعطلتم حدوده، وأمتم أحكامه " (1).



(1) نهج البلاغة: الخطبة 192.
169
العدالة في التوزيع
(3)
تكمن إحدى أهم أسباب ابتعاد الخواص عن الإمام والتفاف العوام حوله
بسياسة العدالة الاقتصادية.
لطالما حض المقربون إلى الإمام أن يغض الطرف عن هذا النهج، ليستحوذ
على ولاء رؤساء القبائل، ويستقطب إليه نفوذ الشخصيات البارزة من خلال
منحهم مزايا مادية خاصة. بيد أن الإمام كان يرى أن هذا العرض يتنافى مع
أصول الحكم العلوي، ويتعارض مع مرتكزاته، ومن ثم فإن العمل به معناه أن
ينفض الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يديه عن أهداف الحكم الإسلامي، ويتخلى عن
غاياته. لذلك لم يبد استعدادا لقبوله.
فيما يلي أمثلة لهذه العروض مقرونة بجواب الإمام عليها:
1 - جاء في كتاب الغارات: شكا علي (عليه السلام) إلى الأشتر فرار الناس إلى معاوية،
فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة،
والرأي واحد، وقد اختلفوا بعد، وتعادوا، وضعفت النية، وقل العدل، وأنت
تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، وليس

171
للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك على الحق إذ
عموا به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، وصارت صنائع معاوية عند أهل الغنى
والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقل من الناس من ليس للدنيا
بصاحب، وأكثرهم من يجتوي الحق، ويستمري الباطل، ويؤثر الدنيا. فإن تبذل
المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الناس، وتصف نصيحتهم، وتستخلص
ودهم. صنع الله لك يا أمير المؤمنين، وكبت عدوك، وفض جمعهم، وأوهن
كيدهم، وشتت أمورهم، إنه بما يعملون خبير.
فأجابه علي (عليه السلام)، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا
بالعدل، فإن الله يقول: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم
للعبيد) (1) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف.
وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنهم لم
يفارقونا من جور، ولم يدعوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة
عنهم كأن قد فارقوها، وليسألن يوم القيامة: أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟
وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنا لا يسعنا أن نؤتي أمرء
من الفيء أكثر من حقه، وقد قال الله وقوله الحق: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة
بإذن الله والله مع الصابرين) (2).
وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) وحده فكثره بعد القلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن
يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه (3). وأنا قابل من رأيك ما كان لله



(1) فصلت: 46.
(2) البقرة: 249.
(3) الحزن: المكان الغليظ الخشن، والحزونة: الخشونة (النهاية: 1 / 380).
172
رضى، وأنت من آمن أصحابي، وأوثقهم في نفسي، وأنصحهم وأراهم
عندي (1).
2 - وفي الكتاب نفسه روى عن ربيعة وعمارة ما نصه: إن طائفة من أصحاب
علي (عليه السلام) مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء
الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف خلافه من الناس
وفراره. قال: وإنما قالوا له ذلك للذي كان معاوية يصنع من أتاه.
فقال لهم علي (عليه السلام): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟! والله لا أفعل ما طلعت
شمس، وما لاح في السماء نجم. والله، لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، فكيف
وإنما هي أموالهم؟! (2).
3 - بعث سهل بن حنيف - والي الإمام على المدينة - رسالة إليه، يخبره فيها أن
جمعا من أهل المدينة التحق بمعاوية. فكتب الإمام في جوابه:
" أما بعد، فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية، فلا تأسف
على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غيا ولك منهم
شافيا فرارهم من الهدى والحق، وإيضاعهم إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل
دنيا مقبلون عليها، ومهطعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه، وسمعوه ووعوه،
وعلموا أن الناس عندنا في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فبعدا لهم وسحقا!!
إنهم - والله - لم ينفروا من جور، ولم يلحقوا بعدل، وإنا لنطمع في هذا الأمر أن
يذلل الله لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، إن شاء الله. والسلام " (3).



(1) الغارات: 1 / 71؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 197 عن فضيل بن الجعد.
(2) الغارات: 1 / 74 - 75؛ الأمالي للطوسي: 194 / 331.
(3) نهج البلاغة: الكتاب 70؛ أنساب الأشراف: 2 / 386 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
173
تجنب القوة في إجراء الأحكام
(4)
المدرسة الأموية ترى أن الهدف يوجه الوسيلة، بحيث يستطيع السياسي أن
يستفيد من الأدوات اللا مشروعة في سياساته وبرامجه وأوامره. ومن ثم فإن
القائد ليس له أن يضلل الجمهور بلغة التطميع فحسب، بل له أيضا أن يفرض
نفسه عليه عبر استخدام لغة التهديد والتوسل بالقوة.
ولقد استطاع معاوية من خلال توظيف هذه السياسة أن يحافظ على التفاف
الناس حوله. وربما كان يستطيع أن يحافظ على المصالح الوطنية للشام من
خلال هذا النهج.
بيد أن الأمر يختلف في المدرسة العلوية التي لا تجيز توظيف الأدوات غير
المشروعة في تنفيذ السياسات المطلوبة؛ وعندئذ لا يستطيع القائد أن يتوسل
بلغة التطميع لتنفيذ الحكم، كما لا يستطيع أن يستخدم لغة التهديد مع الناس.
وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام (عليه السلام) على استعداد أن يجبر الناس على طاعته
بالقوة؛ فعندما أجبره الجند في حرب صفين على إيقاف القتال والإذعان إلى
التحكيم، قال: " ألا إني كنت أمير المؤمنين، فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت

175
ناهيا، فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما
تكرهون " (1).
على هذا الضوء لا يستطيع الحكم العلوي تحقيق مراميه الإصلاحية إلا على
أساس الاختيار الشعبي الحر لبرامج الإمام بهذا الشأن، وإلا فالإمام لا يرى نفسه
مخولا باستخدام منطق القوة والتوسل بالسيف لإجبار الناس على طاعته،
فالجمهور سوف ينتخب الطريق الذي يريده هو.
وبعبارة أخرى: إن إحدى أجوبة الإمام على هذا التساؤل: لماذا ترك الناس
الإمام وحيدا؟ هو: إنني لست على استعداد أن أجبر هؤلاء على الطاعة بمنطق
السيف؛ فهذا الأسلوب وإن كان يحل مشكلة الحكم مؤقتا، إلا أن هذا الحكم لن
يغدو بعدئذ حكما علويا!
لقد تكرر هذا المعنى في كلام الإمام، ففي خطاب لأهل الكوفة، قال بعد أن
بث شكواه منهم: " يا أهل الكوفة! أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟! بلى، ولكني
أكره أن أصلحكم بفساد نفسي "،
وكما قال مرة أخرى: " ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت
متحريا صلاحكم بفساد نفسي، ولكن سيسلط عليكم بعدي سلطان صعب ".
يوجه الإمام في هذا الكلام خطابه إلى أولئك الذين أساؤوا استخدام أجواء
الحرية في ظلال حكمه، وصاروا يتمردون على طاعته؛ بأنني أستطيع كبقية
السياسيين المحترفين أن أضطركم إلى إطاعتي، وبمقدوري أن أقوم أودكم
ببساطة من خلال القوة وعبر منطق السيف؛ بيد أنني أربأ بنفسي أن أقدم على



(1) راجع: القسم السادس / وقعة صفين / توقف الحرب / أصحاب الجباه السود يحاصرون الإمام.
176
ذلك؛ لأن إصلاح أمركم بالسيف ومنطق القوة لا يكون إلا بالتضحية بقيمي
الأخلاقية، وهذا الثمن يتنافى مع فلسفة حكمي. لكن اعلموا بأن المستقبل
يخبئ لكم في أحشائه آتيا عظيما! فبسلوككم هذا إنما توطئون لأنفسكم نازلة
قوم لا يحكمونكم إلا بالسيف، ولا يتحدثون إليكم إلا بمنطق القوة، ولا يعرفون
بكم الشفقة!
لقد خاطب الإمام أولئك بقوله (عليه السلام): " لا يصلح لكم يا أهل العراق إلا من
أخزاكم وأخزاه الله! " (1).
تحقق نبوءة الإمام
هكذا مضى علي (عليه السلام) مظلوما من بين الناس؛ وبتعبيره: " إن كانت الرعايا قبلي
لتشكو حيف رعاتها، وإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي " (2).
لقد أوضح للأمة أن هضم الرعية لحقوق الوالي العادل لا يقل في تبعاته
الخطرة على المجتمع عن عمل الوالي الظالم، وهو يقول: " وإذا غلبت الرعية
واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور،
وكثر الإدغال في الدين، وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى، وعطلت
الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم
باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند
العباد " (3).



(1) ربيع الأبرار: 4 / 250.
(2) نهج البلاغة: الحكمة 261. راجع: القسم العاشر / الخصائص السياسية والاجتماعية / المظلومية
بعد النبي.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 216.
177
لم تلبث الأمة بعد استشهاد الإمام إلا أربعة وثلاثين عاما حتى تحققت نبوءته
فيها. ففي عهد خلافة عبد الملك بن مروان خرجت على الحكومة المركزية من
جهة الأهواز جماعة من الخوارج يطلق عليها الأزارقة، ولم تكن ثم منطقة
يمكن أن يبعث منها جند لمواجهة هؤلاء غير الكوفة، لكن أهل الكوفة لم يذعنوا
لذلك، ولم يستجيبوا لرغبة الحكم، ولم يعبؤوا به.
بادر عبد الملك إلى عقد مجلس ضم الخواص والمقربين لمعالجة المشكلة
وتدبر الحل، فاستنهضهم ضمن خطاب حماسي، قائلا: " فمن ينتدب لهم منكم
بسيف قاطع، وسنان لامع! "، فخيم الصمت على الجميع، ولم ينبس أحدهم، إلا
الحجاج بن يوسف - الذي كان قد انتهى لتوه من مهمة في مكة قضى فيها على
حركة عبد الله بن الزبير - فنهض من مكانه وأبدى استعداده للمهمة. بيد أن
عبد الملك لم يرض، وطلب منه الجلوس.
وفي إطار حديثه عن كيفية إرسال الجند إلى الأهواز توجه عبد الملك مجددا
إلى القوم طالبا من الحضور أن يذكروا له أكفأ الرجال أميرا على العراق، ومن
يكون قائدا للجيش الذي سيقود المعركة مع الأزارقة، وهو يقول: ويلكم! من
للعراق؟ فصمتوا، وقام الحجاج ثانية، وقال: أنا لها.
الطريف في الأمر أن عبد الملك التفت هذه المرة إلى الحجاج مستوضحا عن
الوسيلة التي يلجأ إليها في دفع الناس لطاعته، حيث سأله نصا: إن لكل أمير آلة
وقلائد، فما آلتك وقلائدك؟
أوضح الحجاج لعبد الملك أنه سيلجأ إلى القوة واستعمال السيف لإجبار
الناس على الطاعة، وأنه لن يوفر جهدا في استغلال سياسة التهديد والترغيب

178
وتوظيفها بأقصى مداها حتى يقضي على جميع المناوئين، معبرا عن هذا النهج
بقوله: " فمن نازعني قصمته، ومن دنا مني أكرمته، ومن نأى عني طلبته، ومن
ثبت لي طاعنته، ومن ولى عني لحقته، ومن أدركته قتلته... إن آلتي: ازرع
بدرهمك من يواليك، واحصد بسيفك من يعاديك ".
وافق عبد الملك على هذا النهج، وكتب للحجاج عهده على العراقين أعني
الكوفة والبصرة سنة (74) للهجرة.
أما الحجاج فكان أول ما نطق به في أول لقاء جمعه مع أهل الكوفة، قوله لهم:
" إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وكأني أنظر إلى
الدماء، وإنها لترقرق بين العمائم واللحى... واعلموا أني لا أعد إلا وفيت، ولا
أقول إلا أمضيت، ولا أدنو إلا فهمت، ولا أبعد إلا سمعت، فإياكم وهذه الهنات
والجماعات والبطالات، وقال وقيل وماذا يقول، وأمر فلان إلى ماذا يؤول. وما
أنتم يا أهل العراق ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! وإنما أنتم أهل
قرية (كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذقها الله
لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) (1)...؛ ألا إن سيفي سيروى من
دمائكم، ويفري من جلودكم، فمن شاء فليحقن دمه " (2).



(1) النحل: 112.
(2) الفتوح: 7 / 8 - 10. كما قال المسعودي: " مات الحجاج في سنة خمس وتسعين، وهو ابن أربع
وخمسين سنة بواسط العراق، وكان تأمره على الناس عشرين سنة، وأحصي من قتله صبرا سوى من
قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا، ومات وفي حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون
ألف امرأة، منهن ستة عشر ألفا مجردة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد، ولم يكن
للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء، وكان له غير ذلك من
العذاب ما أتينا على وصفه في الكتاب الأوسط.
وذكر أنه ركب يوما يريد الجمعة، فسمع ضجة، فقال: ما هذا؟ فقيل له: المحبوسون يضجون
ويشكون ما هم فيه من البلاء، فالتفت إلى ناحيتهم وقال: (اخسئوا فيها ولا تكلمون) فيقال: إنه مات
في تلك الجمعة، ولم يركب بعد تلك الركبة " (مروج الذهب: 3 / 175).
179
لقد أدرك الناس من خلال القسوة التي أبداها الحجاج منذ اليوم الأول لعهده
أنه جاد في تنفيذ سياسته، حازم في العمل بما يقول. وحيث كان ذاك فقد أمر في
اليوم الثاني مناديه أن يطوف في سكك الكوفة وطرقها، وهو يقرأ على الناس:
" ألا إننا قد أجلنا من كان من أصحاب المهلب ثلاثا، فمن أصبناه بعد ذلك
فعقوبته ضرب عنقه ".
لكي يضمن الحجاج تنفيذ أمره دعا حاجبه زياد بن عروة وصاحب شرطته؛
وأمرهما أن يطوفا في سكك المدينة وطرقها مع عدد من الجند؛ يشرفان على
خروج الناس إلى القتال، ومن أبى أو تأخر عن النفير ضربت عنقه.
هكذا التحق بالمهلب بن أبي صفرة قائد الجيش الذي خرج لحرب الأزارقة
جميع من كان معه بادئ الأمر، وعادوا إليه بعد أن كانوا تركوه وحيدا، دون أن
يتخلف أحد (1).
لقد استطاع عبد الملك بن مروان إسكات جميع المعارضين والقضاء على
الخارجين عليه من خلال الاتكاء إلى سياسة البطش والإرهاب هذه، وإجرائها
في جميع أمصار العالم الإسلامي، حتى بلغ من أمره أنه خرج إلى مكة حاجا
سنة (75) وهو مطمئن البال. قال اليعقوبي بهذا الشأن: " ولما استقامت الأمور
لعبد الملك، وصلحت البلدان، ولم تبق ناحية تحتاج إلى صلاحها والاهتمام بها،



(1) الفتوح: 7 / 13.
180
خرج حاجا سنة 75 " (1).
أجل، هذه هي الإصلاحات التي يكون ثمنها فساد المصلح. والإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن على استعداد أن يصلح المجتمع بهذه الطريقة، فعلي لا
يستطيع أن يميل إلى نهج يحل مشكلة الحكم من خلال التضحية بالقيم
الإنسانية. ولو حصل ذلك لن تكون عندئذ ثم حاجة إلى بعث الأنبياء وإلى القادة
الإلهيين، ومن ثم ليس هناك حاجة إلى قيادة علي (عليه السلام) بالأساس، بل لن يكون
للحكم العلوي من معنى، إنما يغدو شعارا بلا مفهوم؛ لأن في وسع الجميع
ممارسة الحكم بهذه الطريقة، كما تم ذلك فعلا، حيث مارسوا الحكم قرونا باسم
الإسلام.
وأما الحكم العلوي فإن الأصالة فيه للقيم، وعلى هذا لم يكن الإمام علي (عليه السلام)
على استعداد للتضحية بالقيم الإنسانية والإسلامية مهما كان الثمن. وإن الحكم
الذي يجعل القيم فداء لمصالح الحكم والحاكمين هو حكم أموي، وليس علويا
ولا إسلاميا وإن توارى خلف اسم علي والإسلام!
بديهي لم يعد لسياسة القوة ولغة السيف وقع ولا تأثير يذكر في العالم
المعاصر. فقد راحت الأدوات العسكرية تفقد فاعليتها بالتدريج، واكتشف
الحكام والساسة وسائل جديدة لممارسة السلطة على أساس النهج الأموي؛
فالوسائل صارت أكثر تعقيدا مما كانت عليه في الماضي، وأفدح خطرا في هتك
القيم الإنسانية ووأدها، ومن بين ذلك برز برنامج " الإصلاح الاقتصادي " الذي
يضحي بالعدالة الاجتماعية، ويأتي تطبيقه على أساس تدمير الطبقات الضعيفة
في الهرم الاجتماعي والقضاء عليها.



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 273.
181
العوامل الجانبية
(5)
يمثل ما ذكرناه حتى الآن العوامل الأساسية لتخاذل الناس وبقاء الإمام وحده
آخر أيام حكمه. وهناك مجموعة أخرى من العوامل هي وإن لم تكن بمستوى
هذه تأثيرا، إلا أنه لا يمكن الإغضاء عن الدور الذي ساهمت به في إبعاد
الجماهير عن الإمام.
سنطلق على المجموعة الثانية وصف العوامل الجانبية التي اصطفت إلى جوار
العوامل الأساسية، وراحت تخلق المشكلات لحكم الإمام؛ وهي:
أ: شبهة قتال أهل القبلة
انطلقت المواجهة في جميع الحروب التي سبقت العهد العلوي مع الكفار،
بحيث لم يكن بمقدور أحد أن يثير شبهة في هذا المجال.
أما الحروب التي اندلعت في ظل حكم الإمام، وتحركت في مسار إصلاح
المجتمع الإسلامي ومن أجل إعادته إلى ظلال سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنته، فقد وقعت
مع أهل القبلة. لقد انطلقت هذه الحروب في مواجهة أناس يدعون الانتماء إلى

183
الإسلام أيضا، بل لبعضهم سوابق مشرقة في خدمة هذا الدين. من هنا كان
النبي (صلى الله عليه وآله) قد أطلق في تنبؤاته على هذه الحروب صفة القتال على أساس تأويل
القرآن (1).
أجل، لقد هيأت حروب أهل القبلة التي اشتعلت في أيام حكم الإمام
الأرضية المناسبة لإيجاد الشبهة، وانفصال الناس عن الإمام، ومنابذتهم له.
وعلى هذا الأساس اختارت شخصيات بارزة موقفها منذ البدء في أن لا
تكون إلى جوار علي (عليه السلام) في هذه الحروب. ولما استوضح الإمام من هؤلاء
بواعث موقفهم هذا، أجاب سعد بن أبي وقاص: " إني أكره الخروج في هذه
الحرب لئلا أصيب مؤمنا، فإن أعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر قاتلت
معك ".
وقال له أسامة: " أنت أعز الخلق علي، ولكني عاهدت الله أن لا أقاتل أهل لا
إله إلا الله " (2).
وقال عبد الله بن عمر: " لست أعرف في هذه الحرب شيئا، أسألك ألا
تحملني على ما لا أعرف " (3).



(1) راجع: القسم السادس / نظرة عامة / أهداف الإمام في قتال البغاة.
(2) الجمل: 95. وكان أسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رجل في الحرب من المشركين،
فخافه الرجل فقال: لا إله إلا الله فشجره بالرمح فقتله، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) خبره، فقال: يا أسامة أقتلت
رجلا يشهد ألا إله إلا الله؟ فقال: يا رسول إنما قالها تعوذا، فقال (صلى الله عليه وآله) له: ألا شققت عن قلبه؟ فزعم
أسامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل من المشركين، فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسيفه
الحجر فكسره.
(3) راجع: القسم الخامس / بيعة النور / من تخلف عن بيعته.
184
لقد التقى استعداد الناس ذهنيا بشبهة عدم استساغة قتال أهل القبلة، مع تلك
الشبهات التي أثارها المناوئون لمنهج الإصلاح العلوي، بالأخص معاوية في
حربه الدعائية الشعواء ضد الإمام (1)؛ التقى هذا بذاك، وصارا سببا في عرقلة
حركة التعبئة العامة وتهديدها بأخطار جدية، بحيث لم يجد الإمام مناصا من أن
يلج الميدان بنفسه أغلب الأحيان، وينهض شخصيا بإرشاد الناس وتوجيههم.
خاطبهم (عليه السلام) في البدء: " وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا
يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق، فامضوا لما تؤمرون
به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى تبينوا؛ فإن لنا مع كل أمر
تنكرونه غيرا " (2).
مع أن الإمام لم يأل جهدا في أن يستفيد من أي فرصة تسنح لتوجيه الناس
وإرشادهم، إلا أنه كان عسيرا على كثيرين أن يهضموا أن عليا (عليه السلام) ينطق بالحق،
وأن طلحة والزبير وعائشة - في الوقت ذاته - سادرون في الغي (3).
ب: القتال بلا غنيمة
من العوامل السلبية التي أثرت في الجماهير غياب الغنيمة؛ فمع تدني
مستوى الوعي الثقافي للقاعدة الشعبية العريضة صار لغياب الغنائم الحربية
الكبرى أثر في تخريب الحالة النفسية للقوات المقاتلة، ودفعها إلى الملالة



(1) راجع: القسم السادس / وقعة صفين / حرب الدعاية.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 173.
(3) راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / تأهب الإمام لمواجهة الناكثين / التباس الأمر على من
لا بصيرة له.
185
والإحباط والتعب من الحرب، ومن ثم عدم طاعة الإمام والانقياد له، يفوق ما
كان لشبهة قتال أهل القبلة.
لقد اعتاد المقاتلون الحصول على غنائم وافرة في العهود التي سبقت عهد
الإمام، من خلال حروب الكفار، وبالأخص حروب فارس والروم. أما الآن فقد
راح الإمام (عليه السلام) يدعوهم منذ أوائل أيام حكمه - ولأول مرة - إلى حرب لا غنيمة
من ورائها، أو أن يكون نصيبهم منها ضئيلا لا قيمة له. وهذا ما لم يألفه الناس قبل
ذلك، ومن ثم لم يكونوا على استعداد لقبوله كما يبدو.
لقد كان اقتران الحرب بالغنيمة أمرا ذا مغزى للجمهور الذي يعيش في ذلك
العصر. وعندما ننظر إلى القاعدة الشعبية التي رافقت الإمام (عليه السلام) في حروبه
وشهرت السيف معه ضد أصحاب الفتنة، نجدها في الغالب غير متحلية
بالبصيرة، ولا ملتمسة منار الحق، بحيث يكون الحق هو هدفها في إشهار
السيف، ورضا الله هو الغاية القصوى التي تتمناها من القتال، بل كان الجم الغفير
من هؤلاء يفكر بمنافعه الشخصية قبل أن يفكر بالحق ومصلحة الدين.
فمن بين الاعتراضات التي طالما كررها جند الإمام في حربي الجمل
والنهروان، هو: لماذا لا يسلبون نساء القوم ويتخذونهن سبايا وأسارى؟ ولماذا
لا توزع عليهم أموالهم؟
قال ابن أبي الحديد بهذا الصدد: " اتفقت الرواة كلها على أنه (عليه السلام) قبض ما وجد
في عسكر الجمل؛ من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض، فقسمه بين
أصحابه، وأنهم قالوا له: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا، فقال: لا. فقالوا:
فكيف تحل لنا دماءهم وتحرم علينا سبيهم؟! " (1).



(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 250. راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / بعد الظفر / غنائم الحرب.
186
لقد تلاقحت عوامل الملالة والتعب والإحباط التي عاشها الجند بعد سنتين
من ممارسة القتال بدون غنائم وعوائد مادية، مع التبعات السلبية لشبهة عدم
شرعية قتال أهل القبلة؛ حتى إذا ضمت هذه إلى تلك، ثم التقت الحصيلة مع
العناصر الأساسية للتخاذل، صار من الطبيعي أن تجر الحالة إلى عدم انقياد
هؤلاء وعصيانهم، بحيث راح الإمام يواجه مشكلة حقيقية جادة في استنفار
القوات وتعبئتها أواخر عهد حكمه.
ج: فقد الأخلة وخلص الأعوان
تتمثل إحدى العوامل الأخر التي ساهمت في غربة الإمام وبقائه وحيدا أواخر
عهده في الحكم بغياب أبرز الخلان، وفقدان الشخصيات الكبيرة التي كان لكل
منها أثره المباشر في توجيه جيشه. لقد كان هؤلاء لسانا ناطقا، تلهب كلماتهم
النفوس، وتثبت القلوب في الأزمات، وتثير خطبهم الحماس في سوح القتال،
ولهم تأثير بليغ على الناس.
هذه هي سوح القتال ومضامير الحياة وقد خلت من عمار بن ياسر، ومالك
الأشتر، وهاشم بن عتبة، كما لم يعد فيها أثر يذكر لمحمد بن أبي بكر، وعبد الله
بن بديل، وزيد بن صوحان، حتى يلهبوا بكلماتهم المضيئة حماس الناس،
ويثيروا فيهم العزائم.
وها هو الإمام يومئ إلى تلك الأطواد الشامخة بالبصيرة، المتوهجة بالنور،
وسط ساحة عنود يمتنع فيها الأصحاب، وينأون عن نصرته بهذه الذريعة وتلك،
ويتحدث عن رهبان الليل، وليوث الوغى إذا حمي الوطيس، والسابقين في
مضمار الإيمان والعمل، فيقول: " أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه،
وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها،

187
وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا.
بعض هلك، وبعض نجا. لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مره (1)
العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر
الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون،
فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم " (2).
وقد عاد الإمام إلى ذكر أولئك الأخلاء في آخر خطبة ألقاها، قبل عدة أيام من
اغتياله، فقال: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق! أين عمار!
وأين ابن التيهان! وأين ذو الشهادتين! وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا
على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة! " (3).
على خط آخر كان الخوارج جزءا من جند الإمام ومقاتلي جيشه، ثم ما لبثوا
أن تحولوا بعد صفين إلى موقع مناهض للإمام، فكان مآلهم أن قتلوا في
النهروان، أو صاروا أحلاس بيوتهم. وبذلك غابت عن صفوف العسكر أيضا هذه
القوة القتالية الوثابة، فصار الإمام علي (عليه السلام) وحيدا فريدا غريبا.



(1) هو جمع الأمره، وقد مرهت عينه تمره مرها، والمره: مرض في العين لترك الكحل (النهاية: 4 / 321
و 322).
(2) نهج البلاغة: الخطبة 121.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 182.
188
الكفاءة القيادية للإمام في وحدته
آخر وأهم نقطة تجدر بعنايتنا في بحث عوامل وحدة الإمام وتقصي جذور
هذه الحالة، هي القدرة القيادية والكفاءة الإدارية الفذة التي حظي بها
أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه البرهة الحالكة، مما لم نر من تنبه إليها.
تكشف الوثائق التأريخية أن الإمام عليا (عليه السلام) أبدى في عهد غربته أسمى
حالات الكفاءة القيادية، وأظهر من نفسه أجل معاني القدرة الإدارية وأرفعها؛
فحين نسجل أن عليا بقي وحيدا فليس معنى ذلك أن عناد الجند وعدم انقياده
لطاعته اضطره إلى أن يكون حلس بيته، أو أنه افتقد في الأشهر الأخيرة من
خلافته قدرته القيادية، وغابت عنه جدارته في إدارة المجتمع، بحيث راح
يمضي وقته ببث شكواه، ولم يكن له شاغل حتى لحظة استشهاده غير تقريع
الناس ولومهم على عدم دفاعهم عن نهجه الإصلاحي. كلا، بل هذه هي
صفحات التأريخ تجهر عن واقع مغاير بالكامل، وهي تبدي الإمام وقد بذل
جهوده القصوى في هذه المدة، وتظهره وقد بذل جهد طاقته في هذه الأيام إذا ما
قيست ببقية أشواط حكمه.

189
لقد كان على الإمام أن ينهض في هذه البرهة بالعبء وحده، وأن يبادر لملء
الفراغات جميعا، وأن يمضي حتى آخر لحظة من حياته على السبيل ذاتها التي
اختطها لحكمه، وأعلنها منذ اليوم الأول. ولقد حدث هذا تماما.
تعالوا معنا نرقب المشهد عن كثب؛ في مجتمع لم تكن النخبة على استعداد
لمسايرته، ولم يكن الخواص راضين بمماشاته، وكان العوام تبعا لأولئك؛ وفي
فضاء ينضح بشبهة قتال أهل القبلة، ومحاربة شخصيات لها في هذا الدين
سابقة، وهي إلى ذلك تتسربل وشاح القدسية وتتظاهر به؛ وفي ظل أوضاع
قاتمة انقلب فيها المقاتلون إلى حالة مطبقة من التآكل والضجر بعد ثلاثة حروب
دموية أمضوها في سنتين من دون غنائم ومكاسب مادية تذكر. وفي مشهد غاب
عنه كبار أصحاب الإمام وخلص حواريه، وفي الوقت الذي راح جيش معاوية
يواصل غاراته على الناس من دون انقطاع، في أجواء مكفهرة كهذه، كم هي
الكفاءة التي يحتاج إليها القائد لكي يحث الجمهور على العودة إلى القتال، ويعبئه
لحرب معاوية مجددا من دون أن يتوسل بمنطق القوة؟
لقد كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يحظى بهذه الكفاءة كلها، وخير ما يشهد لهذه
الكفاءة ويفصح عن هذا الادعاء بجلاء هو الخطبة الحماسية التي كان قد ألقاها
الإمام قبل بعث الجند إلى صفين مجددا، فعن نوف البكالي، قال: " خطبنا
أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة
المخزومي، وعليه مدرعة من صوف، وحمائل سيفه ليف، وفي رجليه نعلان من
ليف، وكأن جبينه ثفنة بعير ".
وفي نهاية الخطبة نادى الإمام بأعلى صوته: " الجهاد الجهاد عباد الله! ألا
وإني معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج!

190
قال نوف: وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة
آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو
يريد الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم - لعنه
الله - فتراجعت العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها، تختطفها الذئاب من كل
مكان! (1)
هكذا يظهر أن ما كان يند عن الإمام من صيحات متوجعة، وما كان يبث به
أصحابه من شكاوى مكررة، لم يكن عن ضعف قيادي، كما لم يكن إظهارا لعجز
عن إدارة المجتمع في مثل ذلك الفضاء الذي كان يعمه، وتلك الخصائص التي
كانت تفشو فيه. إنما رام الإمام أن يستفيد من هذه اللغة في حث الناس وتعبئتها
للحركة والجهاد بدلا من استخدام منطق القوة والسيف.
إن تعبئة الإمام لتلك القوات الكثيفة في ظل الأوضاع التي مرت الإشارة إليها
ولما يبق على استشهاده إلا أقل من أسبوع، ينبئ من جهة عن الكفاءة الاستثنائية
الممتازة التي يحظى بها في تعبئة جماهير الناس، ويكشف من جهة أخرى عن
نجاح النهج العلوي في إدارة الاجتماع السياسي.



(1) نهج البلاغة: الخطبة 182.
191
القسم الثامن
استشهاد الإمام علي (عليه السلام)
وفيه فصول:
الفصل الأول: إخبار النبي باستشهاده
الفصل الثاني: إخبار الإمام باستشهاده
الفصل الثالث: التآمر في اغتيال الإمام
الفصل الرابع: اغتيال الإمام
الفصل الخامس: من الاغتيال إلى الاستشهاد
الفصل السادس: بعد الاستشهاد
الفصل السابع: زيارة الإمام

193
الفصل الأول
إخبار النبي باستشهاده
1 / 1
الشهادة من ورائك
2878 - الإمام علي (عليه السلام): إنه لما أنزل الله سبحانه قوله: (ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (1) علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بين
أظهرنا، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟
فقال: يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي.
فقلت: يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد
من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي، فقلت لي: أبشر، فإن
الشهادة من ورائك؟
فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟



(1) العنكبوت: 1 و 2.
195
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى
والشكر (1).
2879 - أسد الغابة عن ابن عباس: قال علي - يعني للنبي (صلى الله عليه وآله) -: إنك قلت لي يوم
أحد، حين أخرت عني الشهادة، واستشهد من استشهد: إن الشهادة من ورائك،
فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه بدم، وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه؟
فقال علي: يا رسول الله، إما أن تثبت لي ما أثبت، فليس ذلك من مواطن
الصبر، ولكن من مواطن البشرى والكرامة (2).
1 / 2
إنك مقتول
2880 - المعجم الكبير عن جابر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (رضي الله عنه): إنك امرؤ مستخلف،
وإنك مقتول، وهذه مخضوبة من هذه - [يعني] لحيته من رأسه - (3).
2881 - المستدرك على الصحيحين عن أنس بن مالك: دخلت مع النبي (صلى الله عليه وآله) على
علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يعوده وهو مريض وعنده أبو بكر وعمر، فتحولا حتى
جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أحدهما لصاحبه: ما أراه إلا هالك.



(1) نهج البلاغة: الخطبة 156، نهج السعادة: 1 / 381 نحوه، بحار الأنوار: 41 / 7 / 8؛ كنز العمال:
16 / 193 / 44216 نقلا عن وكيع وزاد في آخره " فقال لي: أجل ".
(2) أسد الغابة: 4 / 110 / 3789، المعجم الكبير: 11 / 295 / 12043 وفيه " فقال علي: أما بينت ما
بينت " بدل " يا رسول الله، إما أن تثبت لي ما أثبت ".
(3) المعجم الكبير: 2 / 247 / 2038، المعجم الأوسط: 7 / 218 / 7318، دلائل النبوة لأبي نعيم:
553 / 491 وفيهما " مؤمر " بدل " امرؤ "، تاريخ دمشق: 42 / 536 كلها عن جابر بن سمرة.
196
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه لن يموت إلا مقتولا، ولن يموت حتى يملأ غيظا (1).
2882 - مسند ابن حنبل عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري: خرجت مع أبي
عائدا لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك
في منزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة، تحمل إلى المدينة،
فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك.
فقال علي: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب
هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته - فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي
يوم صفين (2).
1 / 3
بأبي الوحيد الشهيد
2883 - مسند أبي يعلى عن عائشة: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) التزم عليا وقبله ويقول: بأبي
الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد (3).



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 150 / 4673، تاريخ دمشق: 42 / 536 / 9050 و ح 9051،
الكامل في التاريخ: 2 / 433، الفصول المهمة: 129 كلها نحوه.
(2) مسند ابن حنبل: 1 / 219 / 802، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 694 / 1187، تاريخ دمشق:
42 / 547 / 9060 وص 548، الاستيعاب: 4 / 293 / 3156، أسد الغابة: 6 / 241 / 6166،
الإصابة: 7 / 267 / 10394، الفصول المهمة: 129 والأربعة الأخيرة نحوه، البداية والنهاية:
6 / 218.
(3) مسند أبي يعلى: 4 / 318 / 4558، تاريخ دمشق: 42 / 549 / 9061، المناقب للخوارزمي:
65 / 34، ينابيع المودة: 2 / 397 / 32 وفيه " يا أبا الوحيد الشهيد "؛ المناقب لابن شهر آشوب:
2 / 220.
197
2884 - الأمالي للمفيد عن عائشة: جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) يستأذن على
النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يأذن له، فاستأذن دفعة أخرى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ادخل يا علي. فلما
دخل قام إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاعتنقه وقبل بين عينيه وقال: بأبي الشهيد، بأبي
الوحيد الشهيد (1).
1 / 4
قاتله أشقى الآخرين
2885 - الطبقات الكبرى عن عبيد الله: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): يا علي، من
أشقى الأولين والآخرين؟
قال: الله ورسوله أعلم.
قال: أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي. وأشار
إلى حيث يطعن (2).
2886 - المعجم الكبير عن صهيب: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال يوما لعلي (رضي الله عنه): من أشقى
الأولين؟
قال: الذي عقر الناقة يا رسول الله.
قال: صدقت، فمن أشقى الآخرين؟
قال: لا علم لي يا رسول الله.



(1) الأمالي للمفيد: 72 / 6، بحار الأنوار: 38 / 306 / 7.
(2) الطبقات الكبرى: 3 / 35، الإمامة والسياسة: 1 / 182، أنساب الأشراف: 3 / 259 عن أبي بكر بن
عبد الله بن أنس أو أيوب بن خالد وفيه من " أشقى الأولين عاقر الناقة... "، شرح نهج البلاغة:
9 / 117 نحوه.
198
قال: الذي يضربك على هذه، وأشار النبي (صلى الله عليه وآله) بيده إلى يافوخه. فكان علي (رضي الله عنه)
يقول لأهل العراق: أما والله لوددت أنه قد ابتعث أشقاكم فخضب هذه - يعني
لحيته - من هذه، ووضع يده على مقدم رأسه (1).
2887 - الإمام علي (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، تدري من أشقى الأولين؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: عاقر الناقة. قال: تدري من شر، وقال مرة: من أشقى الآخرين؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: قاتلك (2).
1 / 5
قاتله أشقى هذه الأمة
2888 - المعجم الكبير عن جابر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (رضي الله عنه): من أشقى ثمود؟
قال: من عقر الناقة. قال: فمن أشقى هذه الأمة؟ قال: الله أعلم. قال: قاتلك (3).
2889 - مسند أبي يعلى عن أبي سنان: مرض علي بن أبي طالب مرضا شديدا



(1) المعجم الكبير: 8 / 38 / 7311، تاريخ دمشق: 42 / 546 / 9056 - 9059، مسند أبي يعلى:
1 / 257 / 481، أسد الغابة: 4 / 110 / 3789 كلاهما عنه عن الإمام علي (عليه السلام) نحوه، وفيها " انبعث "
بدل " ابتعث "، الاستيعاب: 3 / 219 / 1875؛ مجمع البيان: 10 / 756 كلاهما نحوه إلى " يافوخه ".
(2) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 566 / 953 عن الضحاك بن مزاحم، تاريخ بغداد: 1 / 135 / 1،
تاريخ دمشق: 42 / 551 / 9064، البداية والنهاية: 7 / 326؛ شرح الأخبار: 2 / 444 / 796
والأربعة الأخيرة عن جابر بن سمرة وص 429 / 777 عن أيوب بن خالد والأربعة الأخيرة نحوه.
(3) المعجم الكبير: 2 / 247 / 2037، تاريخ دمشق: 42 / 550 / 9063؛ شرح الأخبار:
2 / 451 / 809 عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الإمام علي (عليه السلام) وكلاهما نحوه.
199
حتى أدنف (1)، وخفنا عليه، ثم إنه برأ ونقه، فقلنا: هنيئا لك أبا الحسن، الحمد لله
الذي عافاك، قد كنا نخاف عليك. قال: لكني لم أخف على نفسي، أخبرني
الصادق المصدوق أني لا أموت حتى أضرب على هذه - وأشار إلى مقدم رأسه
الأيسر - فتخضب هذه منها بدم - وأخذ بلحيته - وقال لي: يقتلك أشقى هذه
الأمة، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود (2).
2890 - الإصابة: عبد الرحمن بن ملجم المرادي أدرك الجاهلية وهاجر في
خلافة عمر وقرأ على معاذ بن جبل، ذكر ذلك أبو سعيد بن يونس، ثم صار من
كبار الخوارج، وهو أشقى هذه الأمة بالنص الثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله) بقتل علي بن
أبي طالب (3).
1 / 6
قاتله أشقى الناس
2891 - مسند ابن حنبل عن عمار بن ياسر: كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذات
العشيرة، فلما نزلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في
عين لهم في نخل فقال لي علي: يا أبا اليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف
يعملون؟. فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي
فاضطجعنا في صور (4) من النخل في دقعاء (5) من التراب فنمنا، فوالله ما أهبنا إلا



(1) دنف المريض: أي ثقل، وأدنف مثله (لسان العرب: 9 / 107).
(2) مسند أبي يعلى: 1 / 286 / 565، تاريخ دمشق: 42 / 542.
(3) الإصابة: 5 / 85 / 6396.
(4) الصور: الجماعة من النخل، ولا واحد له من لفظه (النهاية: 3 / 59).
(5) الدقعاء: عامة التراب، وقيل: التراب الدقيق على وجه الأرض (لسان العرب: 8 / 89).
200
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لعلي: " يا أبا تراب " لما يرى عليه من التراب. قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس
رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي
يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى تبل منه هذه - يعني لحيته - (1).
2892 - المستدرك على الصحيحين عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم: إن
أبا سنان الدؤلي حدثه أنه عاد عليا (رضي الله عنه) في شكوى له أشكاها، قال: فقلت له: لقد
تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه. فقال: لكني والله ما تخوفت على
نفسي منه؛ لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصادق المصدوق يقول: إنك ستضرب
ضربة هاهنا وضربة هاهنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتى تختضب
لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود (2).



(1) مسند ابن حنبل: 6 / 365 / 18349، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 687 / 1172، المستدرك
على الصحيحين: 3 / 151 / 4679، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 280 / 152، السيرة النبوية
لابن هشام: 2 / 249، تاريخ دمشق: 42 / 549 / 9062 وص 550، دلائل النبوة لأبي نعيم:
552 / 490، الكامل للمبرد: 3 / 1166؛ مجمع البيان: 10 / 756 والأربعة الأخيرة نحوه.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 122 / 4590، السنن الكبرى: 8 / 104 / 16069، المعجم الكبير:
1 / 173106، تاريخ دمشق: 42 / 543 / 9053، المناقب للخوارزمي: 380 / 400، التاريخ
الكبير: 8 / 320 / 3167، أسد الغابة: 4 / 109 / 3789 وفيهما من " لأني سمعت... "؛ شرح
الأخبار: 2 / 445 / 799 والثلاثة الأخيرة نحوه.
201
الفصل الثاني
إخبار الإمام باستشهاده
2 / 1
إني مقتول
2893 - مسند ابن حنبل عن زيد بن وهب: قدم علي (رضي الله عنه) على قوم من أهل البصرة
من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتق الله يا علي فإنك
ميت. فقال علي (رضي الله عنه): بل مقتول، ضربة على هذا تخضب هذه - يعني لحيته من
رأسه - عهد معهود، وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى (1).
2894 - مسند أبي يعلى عن أبي الأسود الديلي عن الإمام علي (عليه السلام): أتاني عبد الله



(1) مسند ابن حنبل: 1 / 197 / 703، فضائل الصحابة لابن حنبل: 1 / 543 / 909، تاريخ دمشق:
42 / 544، المستدرك على الصحيحين: 3 / 154 / 4687 وفيه " نعجة " بدل " بعجة "، الزهد لابن
حنبل: 165، البداية والنهاية: 7 / 324؛ الإرشاد: 1 / 320، الغارات: 1 / 108 وفيه " نعجة " بدل
" بعجة " والخمسة الأخيرة نحوه.
203
ابن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز (1) فقال لي: لا تقدم العراق، فإني أخشى
أن يصيبك بها ذباب السيف (2). قال علي: وأيم الله، لقد أخبرني به رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه (3).
2895 - الإرشاد عن الإمام علي (عليه السلام): أتاكم شهر رمضان، وهو سيد الشهور، وأول
السنة، وفيه تدور رحى السلطان، ألا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا، وآية ذلك
أني لست فيكم.
فكان أصحابه يقولون: إنه ينعى إلينا نفسه، فضرب (عليه السلام) في ليلة تسع عشرة،
ومضى في ليلة إحدى وعشرين من ذلك الشهر (4).
2896 - الإمام الصادق (عليه السلام) - في ذكر مجيء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
وسؤاله عن أشياء -: قال: كم يعيش وصي نبيكم بعده؟ قال: ثلاثين سنة.
قال: ثم ماذا يموت أو يقتل؟ قال: يقتل ويضرب على قرنه فتخضب لحيته.
قال: صدقت والله، إنه لبخط هارون وإملاء موسى (عليه السلام) (5).



(1) الغرز: ركاب كور الجمل، مثل الركاب للسرج (النهاية: 3 / 359).
(2) ذباب السيف: حد طرفه الذي بين شفرتيه (لسان العرب: 1 / 383).
(3) مسند أبي يعلى: 1 / 259 / 487، المستدرك على الصحيحين: 3 / 151 / 4678، تاريخ دمشق:
42 / 545، أسد الغابة: 4 / 109 / 3789، الصواعق المحرقة: 124، البداية والنهاية: 7 / 325
كلاهما نحوه.
(4) الإرشاد: 1 / 320، روضة الواعظين: 150 وفيه إلى " نفسه "، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 271
وفيه إلى " لست فيكم " وكلاهما عن الأصبغ بن نباتة.
(5) عيون أخبار الرضا: 1 / 52 / 19 عن صالح بن عقبة، بحار الأنوار: 42 / 191 / 2.
204
2 / 2
ما ينتظر أشقاها؟
2897 - الغارات عن ابن أبي ليلى عن الإمام علي (عليه السلام): إني ميت أو مقتول بل قتلا،
ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم؟! - وضرب بيده إلى لحيته - (1).
2898 - تاريخ بغداد عن عبد الله بن سبع: سمعت عليا على المنبر وهو يقول: ما
ينتظر أشقاها؟ عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتخضبن هذه من هذه - وأشار ابن داود (2)
إلى لحيته ورأسه - فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرنا من هو حتى نبتدره؟ فقال:
أنشد الله رجلا قتل بي غير قاتلي (3).
2899 - البداية والنهاية عن ثعلبة بن يزيد: قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ
النسمة، لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها؟!
فقال عبد الله بن سبع: والله يا أمير المؤمنين! لو أن رجلا فعل ذلك لأبدنا
عترته.
فقال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي (4).
2900 - تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيب: رأيت عليا على المنبر وهو يقول:



(1) الغارات: 1 / 7 وص 30 عن نمير العبيسي نحوه.
(2) هو عبد الله بن داود، وهو ممن وقع في سلسلة سند هذا الحديث، والسند هكذا: " عبد الله بن داود عن
الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع ".
(3) تاريخ بغداد: 12 / 58 / 6441، مسند ابن حنبل: 1 / 275 / 1078، المصنف لابن أبي شيبة:
8 / 587 / 6، الطبقات الكبرى: 3 / 34 كلها نحوه.
(4) البداية والنهاية: 7 / 324، تاريخ دمشق: 42 / 542 وفيه " يخبتن " بدل " يحبس ".
205
لتخضبن هذه من هذه - وأشار بيده إلى لحيته وجبينه - فما يحبس أشقاها؟
قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب، فلما قتل علمت أنه قد كان عهد إليه (1).
2901 - الإمام علي (عليه السلام): ما يحبس أشقاها أن يجيء فيقتلني؟! اللهم إني قد
سئمتهم وسئموني فأرحني منهم وأرحهم مني! (2)
2902 - عنه (عليه السلام): ألم يأن لأشقاها؟ لتخضبن هذه من هذه، يعني لحيته من
رأسه (3).
2903 - الإرشاد عن الأجلح عن أشياخ كندة: سمعتهم أكثر من عشرين مرة
يقولون: سمعنا عليا (عليه السلام) على المنبر يقول: ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها
بدم؟ ويضع يده على لحيته (عليه السلام) (4).
2904 - البداية والنهاية: كان أمير المؤمنين (رضي الله عنه) قد تنغصت عليه الأمور،
واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، واستفحل
أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يمينا وشمالا، زاعمين أن الإمرة لمعاوية
بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليا وتولية عمرو بن العاص معاوية عند
خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير،



(1) تاريخ دمشق: 42 / 549.
(2) المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 587 / 8، الطبقات الكبرى: 3 / 34 كلاهما عن عبيدة، أنساب
الأشراف: 3 / 260 عن محمد بن عبيدة.
(3) تاريخ دمشق: 42 / 537 عن سالم بن أبي الجعد.
(4) الإرشاد: 1 / 13، الأمالي للطوسي: 267 / 493 عن هبيرة بن يريم، إعلام الورى: 1 / 310،
المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 119 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 142 / 193 / 8؛ الكامل في
التاريخ: 2 / 434، الكامل للمبرد: 3 / 1167 كلاهما نحوه.
206
وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش (1) أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن
أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم
وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه، حتى كره الحياة وتمنى
الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس
أشقاها؟ أي ما ينتظر؟ ما له لا يقتل؟ ثم يقول: والله لتخضبن هذه - ويشير إلى
لحيته - من هذه - ويشير إلى هامته - (2).
2 / 3
لتخضبن هذه من هذه
2905 - الطبقات الكبرى عن أم جعفر سرية علي (عليه السلام): إني لأصب على يديه الماء إذ
رفع رأسه، فأخذ بلحيته فرفعها إلى أنفه، فقال: واها لك، لتخضبن بدم!
قالت: فأصيب يوم الجمعة (3).
2906 - مسند ابن حنبل عن عبد الله بن سبع: خطبنا علي (رضي الله عنه) فقال:
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لتخضبن هذه من هذه. قال: قال الناس:
فأعلمنا من هو؟ والله لنبيرن (4) عترته! قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي (5).



(1) الجأش: نفس الإنسان. قيل: ومنه: رابط الجأش؛ أي يربط نفسه عن الفرار؛ لشجاعته
(تاج العروس: 9 / 67).
(2) البداية والنهاية: 7 / 324.
(3) الطبقات الكبرى: 3 / 35، أنساب الأشراف: 3 / 260، مقتل أمير المؤمنين: 60 / 43 نحوه.
(4) لنبيرن؛ البوار: الهلاك (لسان العرب: 4 / 86).
(5) مسند ابن حنبل: 1 / 328 / 1339، تاريخ دمشق: 42 / 539 و 540، مسند أبي يعلى: 1 / 294 / 586
كلاهما نحوه.
207
2907 - الإمام علي (عليه السلام): بالله، لتخضبن هذه من دم هذا - يعني لحيته من
رأسه - (1).
2908 - الغارات عن مازن: رأيت عليا (عليه السلام) أخذ بلحيته وهو يقول: والله ليخضبنها
من فوقها بدم، فما يحبس أشقاكم (2).
2909 - الغارات عن ثعلبة بن يزيد الحماني: شهدت لعلي (عليه السلام) خطبة، فجئت إلى
أبي فقلت: أسمعت من هذا خطبة آنفا ليستقتلن؟ قال: وما ذاك؟ قال: سمعته
يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذا - يعني لحيته من
رأسه -.
قال: سمعت ذلك (3).
2910 - علل الشرائع عن الأصبغ بن نباتة: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما منعك من
الخضاب وقد اختضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من
دم رأسي بعد عهد معهود أخبرني به حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
2911 - الفتوح: قدم علي كرم الله وجهه من سفره، واستقبله الناس يهنئونه بظفره
بالخوارج، ودخل إلى المسجد الأعظم، فصلى فيه ركعتين ثم صعد المنبر



(1) الغارات: 2 / 444 عن أبي حمزة عن أبيه، الإرشاد: 1 / 319، إرشاد القلوب: 225 كلاهما نحوه؛
المصنف لابن أبي شيبة: 8 / 587 / 7 عن أبي حمزة عن أبيه، الطبقات الكبرى: 3 / 34 عن نبل بنت
بدر عن زوجها، أنساب الأشراف: 3 / 260 عن هشام عن أبيه، مسند أبي يعلى: 1 / 293 / 584 عن
ثعلبة الحماني، الاستيعاب: 3 / 220 / 1875، تاريخ دمشق: 42 / 537 عن سالم بن أبي الجعد.
(2) الغارات: 2 / 444.
(3) الغارات: 2 / 444؛ الاستيعاب: 3 / 219 / 1875 نحوه.
(4) علل الشرائع: 173 / 1 وراجع الصواعق المحرقة: 134 وينابيع المودة: 2 / 421 / 162.
208
فخطب خطبة حسنا ثم التفت إلى ابنه الحسين فقال: يا أبا عبد الله! كم بقي من
شهرنا هذا - يعني شهر رمضان الذي هم فيه -؟
فقال الحسين: سبع عشرة يا أمير المؤمنين.
قال: فضرب بيده إلى لحيته وهي يومئذ بيضاء وقال: والله ليخضبنها بالدم
إذ انبعث أشقاها، قال ثم جعل يقول:
أريد حياته ويريد قتلي * خليلي من عذيري من مراد (1) (2)
2 / 4
يقتلني رجل خامل الذكر
2912 - الإمام علي (عليه السلام): إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلة في
غير مأقط (3) حرب، ولا معركة رجال، ويلمه أشقى البشر، ليودن أن أمه هبلت
به! أما إنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن (4).
2 / 5
معرفة الإمام بقاتله
2913 - الإرشاد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة: جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس



(1) البيت من شعر عمرو بن معدي كرب قاله في قيس بن مكشوح المرادي، وروايته في الكامل
للمبرد: 3 / 1118:
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
(2) الفتوح: 4 / 276، مطالب السؤول: 47؛ كشف الغمة: 1 / 276 كلاهما نحوه.
(3) مأقط: الموضع الذي يقتتلون فيه (لسان العرب: 7 / 258).
(4) شرح نهج البلاغة: 1 / 235.
209
للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي - لعنه الله - فرده مرتين أو ثلاثا ثم
بايعه، وقال عند بيعته له: ما يحبس أشقاها؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه
من هذا. ووضع يده على لحيته ورأسه (عليه السلام)، فلما أدبر ابن ملجم عنه منصرفا
قال (عليه السلام) متمثلا:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك
كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيك (1)
2914 - الإرشاد عن المعلى بن زياد: جاء عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله - إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) يستحمله، فقال له: يا أمير المؤمنين، احملني. فنظر إليه
أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال له: أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي؟ قال: نعم. قال:
أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي؟ قال: نعم. قال: يا غزوان، احمله على
الأشقر. فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم المرادي وأخذ بعنانه، فلما ولى قال
أمير المؤمنين (عليه السلام):
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك (2) من خليلك من مراد
قال: فلما كان من أمره ما كان، وضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) قبض عليه وقد
خرج من المسجد، فجيء به إلى أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): والله لقد كنت أصنع بك



(1) الإرشاد: 1 / 11، روضة الواعظين: 147، شرح الأخبار: 2 / 291 / 607، الخرائج والجرائح:
1 / 182 / 14 نحوه؛ الطبقات الكبرى: 3 / 33، المعجم الكبير: 1 / 105 / 169، تاريخ دمشق:
42 / 545، مقاتل الطالبيين: 45، أسد الغابة: 4 / 110 / 3789 وليس فيها البيت الأخير.
(2) عذيرك: أي هات من يعذرك فيه (النهاية: 3 / 197).
210
ما أصنع، وأنا أعلم أنك قاتلي، ولكن كنت أفعل ذلك بك لأستظهر بالله عليك (1).
2915 - الطبقات الكبرى عن محمد بن سيرين: قال علي بن أبي طالب للمرادي:
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد (2)
2916 - الإرشاد عن الأصبغ بن نباتة: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام) فبايعه
فيمن بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر
ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه، فدعاه الثانية أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوثق منه وتوكد
عليه ألا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) الثالثة
فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث. فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين
ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
امض يا بن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت (3).
2917 - تاريخ اليعقوبي: قدم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الكوفة لعشر بقين
من شعبان سنة (40)، فلما بلغ عليا قدومه قال: وقد وافى؟ أما إنه ما بقي علي



(1) الإرشاد: 1 / 12، الخرائج والجرائح: 1 / 182 / 14 عن رجاء بن زياد نحوه إلى آخر الشعر،
بحار الأنوار: 42 / 308 / 8.
(2) الطبقات الكبرى: 3 / 34، أنساب الأشراف: 3 / 261، الكامل للمبرد: 3 / 1118، الكامل في
التاريخ: 2 / 434، الاستيعاب: 3 / 220 / 1875 عن عبد العزيز العبدي وعبيدة، مقاتل الطالبيين:
45، الفتوح: 4 / 276، الفصول المهمة: 136 عن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ شرح الأخبار:
2 / 445 / 798، روضة الواعظين: 148 وفي السبعة الأخيرة " حياته " بدل " حباءه "، الخرائج
والجرائح: 1 / 182 / 14 عن رجاء بن زياد.
(3) الإرشاد: 1 / 12، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 310 نحوه، بحار الأنوار: 42 / 192 / 7.
211
غيره، هذا أوانه. فنزل على الأشعث بن قيس الكندي، فأقام عنده شهرا يستحد
سيفه (1).



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 212.
212
الفصل الثالث
التآمر في اغتيال الإمام
2918 - الإرشاد عن أبي مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وأبي هشام
الرفاعي وأبي عمرو الثقفي وغيرهم: إن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة،
فتذاكروا الأمراء، فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم، وذكروا أهل النهروان
وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنا شرينا أنفسنا لله، فأتينا أئمة الضلال،
فطلبنا غرتهم (1)، فأرحنا منهم العباد والبلاد، وثأرنا بإخواننا للشهداء بالنهروان.
فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا أكفيكم
عليا، وقال البرك بن عبد الله التميمي: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر
التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا على ذلك، وتوافقوا عليه وعلى
الوفاء، واتعدوا لشهر رمضان في ليلة تسع عشرة، ثم تفرقوا (2).



(1) الغرة: الغفلة (النهاية: 3 / 354).
(2) وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم لعنهم الله أجمعين في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص،
فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في أليته ونجا منها، فأخذ وقتل من وقته.
وأما الآخر فإنه وافى عمرا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له:
خارجة بن أبي حبيبة العامري، فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو، فأخذ وأتي به عمرو فقتله، ومات
خارجة في اليوم الثاني (الإرشاد: 1 / 22، إعلام الورى: 202، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 313 نحوه).
وفي تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد: أما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة التي ضرب فيها
علي قعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه، فوقع السيف في أليته، فأخذ، فقال: إن
عندي خيرا أسرك به، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك؟ قال: نعم، قال: إن أخا لي قتل عليا في مثل
هذه الليلة، قال: فلعله لم يقدر على ذلك! قال: بلى، إن عليا يخرج ليس معه من يحرسه، فأمر به
معاوية فقتل، وبعث معاوية إلى الساعدي - وكان طبيبا - فلما نظر إليه قال: اختر إحدى خصلتين: إما
أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد، وتبرأ منها، فإن
ضربتك مسمومة، فقال معاوية: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد الله ما
تقر به عيني. فسقاه تلك الشربة فبرأ، ولم يولد له بعدها، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس
الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد.
وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة، فلم يخرج، وكان اشتكى بطنه، فأمر
خارجة بن حذافة، وكان صاحب شرطته، وكان من بني عامر بن لؤي، فخرج ليصلي، فشد عليه وهو
يرى أنه عمرو، فضربه فقتله، فأخذه الناس، فانطلقوا به إلى عمرو يسلمون عليه بالإمرة، فقال: من
هذا؟ قالوا: عمرو، قال: فمن قتلت؟ قالوا: خارجة بن حذافة، قال: أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك،
فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، فقدمه عمرو فقتله (تاريخ الطبري: 5 / 149، المعجم الكبير:
1 / 100 وص 103 / 168 وفيه " خارجة بن أبي حبيب "، الكامل في التاريخ: 2 / 437 وفيه " خارجة بن
أبي حبيبة "، الفصول المهمة: 135 كلها نحوه وراجع مروج الذهب: 2 / 428 ومقاتل الطالبيين: 44).
وفي أنساب الأشراف: فأما البرك فإنه انطلق في ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي
الغداة شد عليه بسيفه، فأدبر معاوية فضرب طرف أليته ففلقها ووقع السيف في لحم كثير، وأخذ فقال:
إن لك عندي خبرا سارا، قد قتل في هذه الليلة علي بن أبي طالب، وحدثه بحديثهم، وعولج معاوية
حتى برأ وأمر بالبرك فقتل.
وقيل: ضرب البرك معاوية وهو ساجد، فمذ ذاك جعل الحرس يقومون على رؤوس الخلفاء في
الصلاة، اتخذ معاوية المقصورة. وروى بعضهم أن معاوية لم يولد بعد الضربة، وأن معاوية كان أمر
بقطع يد البرك ورجله ثم تركه، فصار إلى البصرة فولد له في زمن زياد فقتله وصلبه، وقال له: ولد لك
وتركت أمير المؤمنين لا يولد له (أنساب الأشراف: 3 / 25، الإمامة والسياسة: 1 / 181 نحوه).
213
نقل هامش

214
فأقبل ابن ملجم - وكان عداده في كندة - حتى قدم الكوفة، فلقي بها
أصحابه، فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شيء. فهو في ذلك إذ زار رجلا من
أصحابه ذات يوم - من تيم الرباب - فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيمية،
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء
زمانها، فلما رآها ابن ملجم شغف بها واشتد إعجابه بها، فسأل في نكاحها
وخطبها فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق؟ فقال لها: احتكمي ما بدا لك.
فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم، ووصيفا وخادما، وقتل علي بن
أبي طالب (1). فقال لها: لك جميع ما سألت، وأما قتل علي بن أبي طالب فأنى لي
بذلك؟ فقالت: تلتمس غرته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي،
وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا. فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر
- وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله - إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب،
فلك ما سألت. قالت: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك.
ثم بعثت إلى وردان بن مجالد - من تيم الرباب - فخبرته الخبر وسألته معونة



(1) وفي هذا قال ابن أبي مياس المرادي:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام بين عرب ومعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
(الكامل في التاريخ: 2 / 438، تاريخ الطبري: 5 / 150، المعجم الكبير: 1 / 103 / 168 وفيهما " قتل "
بدل " فتك " في كلا الموضعين؛ الإرشاد: 1 / 22).
215
ابن ملجم، فتحمل ذلك لها، وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له
شبيب بن بجرة، فقال: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما
ذاك؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب - وكان شبيب على رأي
الخوارج -. فقال له: يا بن ملجم، هبلتك الهبول، لقد جئت شيئا إدا، وكيف تقدر
على ذلك؟ فقال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة
الفجر فتكنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا.
فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخلا المسجد على قطام - وهي
معتكفة في المسجد الأعظم، قد ضربت عليها قبة - فقال لها: قد اجتمع رأينا
على قتل هذا الرجل. قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع.
فانصرفا من عندها فلبثا أياما، ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الأربعاء لتسع
عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير
فعصبت به صدورهم، وتقلدوا أسيافهم ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان
يخرج منها أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن
قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وواطاهم عليه وحضر
الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه (1).



(1) الإرشاد: 1 / 17، روضة الواعظين: 148 وفيه " المبارك " بدل " البرك "؛ المعجم الكبير:
1 / 97 / 168، تاريخ الطبري: 5 / 143 كلاهما عن إسماعيل بن راشد، الطبقات الكبرى: 3 / 35،
مروج الذهب: 2 / 423، الكامل في التاريخ: 2 / 434، أنساب الأشراف: 3 / 251 وص 253 عن
لوط بن يحيى وعوانة بن الحكم وغيرهما، تاريخ دمشق: 42 / 558 وفيه " عمرو بن بكير "، أسد
الغابة: 4 / 112 / 3789 كلاهما عن محمد بن سعد، الاستيعاب: 3 / 218 / 1785، مقاتل الطالبيين:
43 وص 46 والعشرة الأخيرة نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 311.
216
2919 - العدد القوية عن أبي مجلز: جاء رجل من مراد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو
يصلي في المسجد، فقال له: احترس فإن أناسا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن
مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن
الأجل جنة حصينة.
وقال الشعبي: أنشد أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل أن يستشهد بأيام:
تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا ولا ظفروا
فإن بقيت فرهن ذمتي لهم * وإن عدمت فلا يبقى لها أثر
وسوف يورثهم فقدي على وجل * ذل الحياة بما خانوا وما غدروا (1)



(1) العدد القوية: 238 / 15 و ح 16، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 114 وليس فيه الشعر، المناقب لابن
شهر آشوب: 3 / 312 وفيه الشعر فقط، بحار الأنوار: 42 / 222 / 31؛ تاريخ دمشق: 42 / 554
وليس فيه الشعر وراجع نهج البلاغة: الحكمة 201 وشرح الأخبار: 2 / 5 / 384.
217
بحث حول المتآمرين لاغتيال الإمام علي
يفهم من النصوص التاريخية أن الأخبار التي رواها مؤرخو الشيعة والسنة
تشير إلى أن الإمام عليا (عليه السلام) اغتيل بمؤامرة نفذها عدد من بقايا الخوارج.
وتتلخص أخبار المؤرخين الأوائل في هذا المجال: أن جماعة من الخوارج
اجتمعوا بعد معركة النهروان في مكة وأقسموا على الانتقام لقتلاهم، واستقر
رأيهم بعد المداولات حول كيفية إيجاد حل لمشكلات العالم الإسلامي على أن
منشأ الفتنة ثلاثة أشخاص هم: علي (عليه السلام)، ومعاوية، وعمرو بن العاص. وما دام
هؤلاء الثلاثة أحياء فستبقى الأمة الإسلامية تعيش حالة من الاضطراب. وهكذا
أخذ ثلاثة من أولئك القوم على عاتقهم مهمة اغتيال هؤلاء الثلاثة.
تبنى عبد الرحمن بن ملجم المرادي مهمة اغتيال الإمام علي (عليه السلام)، وتبنى برك
بن عبد الله التميمي مهمة اغتيال معاوية، وأنيطت مهمة قتل عمرو بن العاص
بعمرو بن بكر التميمي.
وعزم هؤلاء الثلاثة على تنفيذ خطة القتل في إحدى ليالي شهر رمضان حيث
يضطر هؤلاء الثلاثة إلى القدوم إلى المسجد - وبناء على المشهور لدينا في ليلة

219
التاسع عشر من رمضان.
فقتل عمرو بن بكر الذي كان مكلفا بقتل عمرو بن العاص شخصا آخر كان قد
ذهب إلى الصلاة بدلا عن ابن العاص في تلك الليلة، وجرح برك بن عبد الله
معاوية. أما ابن ملجم فقد استطاع تنفيذ مهمته بتحريض من قطام - وكانت امرأة
جميلة - وبمساعدة من وردان بن مجالة وشبيب بن بجرة، وأنهى مهمة قتل
الإمام علي (عليه السلام).
وهذه الرواية متفق عليها من قبل جميع المؤرخين المسلمين تقريبا. وهل
كانت القصة على هذا المنوال حقا، أم أن الحقيقة شيء آخر؟ وهل كان الخوارج
- كما جاء في النصوص التاريخية - هم المخططون الأصليون لاغتيال الإمام ولم
يكن لمعاوية أي دور فيه؟ وهل الحكايات التي حكيت حول دور قطام في
اغتيال الإمام كانت صحيحة، أم أن المخطط الأصلي لاغتيال الإمام كان معاوية،
وكل ما جاء في التاريخ عن الفاعلين ليس إلا تلفيقا يراد منه تبرئة ساحة معاوية
من جريمة اغتيال أمير المؤمنين؟
يميل بعض المؤرخين المعاصرين إلى تأييد الفرضية، وينكرون أساسا دور
الخوارج في عملية الاغتيال هذه.
أشار الدكتور شهيدي إلى هذا الافتراض قائلا: " لا أريد القول كما قال
المؤرخ الأباضي المعاصر الشيخ سليمان يوسف بن داود بأن الخوارج كانوا
أنصار الإمام علي (عليه السلام) ولم يشتركوا في قتله، وأن قبيلة بني مراد التي ينتمي إليها
ابن ملجم لم تكن من الخوارج، وأن قصة ابن ملجم ورفيقيه من تلفيق جلاوزة
معاوية لإخفاء الحقيقة عن الناس. وقد عرضت بعض الانتقادات على كتابه هذا
في لقاء جمع بيننا في الجزيرة، وكتبتها له في رسالة أيضا. ولكن لو أن أحدا قال

220
بأن مؤامرة شهادة الإمام علي (عليه السلام) ليست بالشكل الذي شاع على الألسن، فإنني
لا أستبعد صحة قوله " (1).
وبعد نقده لبعض النصوص المتعلقة بدور قطام في مؤامرة الاغتيال هذه كتب
ما يلي: " مجموع هذه التناقضات يؤيد كون هذه القصة ملفقة. ويبدو أن قصة
قطام قد ابتدعت وربطت بقصة أولئك الثلاثة لكي تتقبلها الأذهان أكثر " (2).
يبدو أن على الباحث الذي يريد الاقتراب من الحقيقة عند تتبع واقعة قتل
الإمام ومعرفة مسببيها أن يبحث في دور الخوارج ومعاوية وقطام في قتل الإمام
كلا على حدة:
1 - دور الخوارج
دور الخوارج في مؤامرة قتل الإمام علي (عليه السلام) من مسلمات التاريخ الإسلامي
ولا يمكن إنكارها. وقد أذعن الخوارج أنفسهم لهذه الحقيقة. فقد نظم عمران بن
حطان قصيدة في الثناء على عمل ابن ملجم جاء فيها:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا (3)
وقال ابن أبي مياس المرادي
ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا * أبا حسن مأمومة فتفطرا
ونحن خلعنا ملكه من نظامه * بضربة سيف إذ علا وتجبرا



(1) على از زبان على " علي عن لسان علي ": 160.
(2) على از زبان على " علي عن لسان علي ": 162.
(3) شرح نهج البلاغة: 5 / 93.
221
ونحن كرام في الصباح أعزة * إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا (1)
لا شك في أن مثل هذه المسألة لو كانت من اختلاق قصاص معاوية لما بقي
هذا الموضوع التاريخي المهم خافيا عن أذهان المؤرخين والمحدثين. ويمكن
فهم مدى دورهم في هذه المؤامرة من خلال معرفة هل هم تصرفوا فيها على نحو
مستقل أم كانوا في عملهم القذر هذا أداة بيد معاوية أو جلاوزته؟ وكذلك من
خلال النظر إلى كيفية تنفيذ المؤامرة. وهذه المسائل تتطلب التأمل والتمعن.
2 - دور معاوية
لا يوجد من الناحية التاريخية سند يمكن أن يعزو بوضوح مؤامرة قتل الإمام
إلى معاوية. ولكن توجد ثمة قرائن لا يمكن للباحث أن ينكر في ضوئها دور
معاوية في هذه الواقعة.
لا شك في أن معاوية كان بصدد قتل الإمام؛ وذلك لأنه كان يعلم جيدا بأنه لن
يصل إلى الخلافة طالما بقي علي (عليه السلام) حيا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن
قتل الإمام في ساحة المعركة لم يكن أمرا ميسورا، بل إن تجربة وقعة صفين
أثبتت لو أن هذه الحرب تكررت مرة أخرى لانتهت قطعا بهزيمة معاوية والقضاء
عليه. وعلى هذا فإن أفضل السبل لإزاحة الإمام عن الطريق هو اغتياله، وهو
عمل سبق له أن جربه مع مالك الأشتر الذي يعتبر من أفضل العناصر التي وقفت
إلى جانب الإمام.
وكان أنجح أسلوب لتنفيذ الخطة هو تنفيذها على يد أنصار سابقين للإمام؛
أي على يد بقايا الخوارج الذين دخلوا مؤخرا في صراع مع الإمام، وكانوا



(1) تاريخ الطبري: 5 / 150.
222
يفكرون بالانتقام لقتلاهم. وتوفرت لديهم الدواعي الكافية للإقدام على هذا
العمل الخطير والخبيث، هذا فضلا عن عدم إمكانية تتبع المؤامرة والوصول إلى
الفاعل الأصلي، ولعل هذا هو السبب الذي أدى إلى عدم وجود أي سند تاريخي
يثبت ارتباط هذه القضية بمعاوية. ومن الطبيعي أن أمثال هذه القرارات السرية
من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطلاع عليه وتثبيته في كتبهم.
إحدى القرائن الأخرى الجديرة بالتأمل في هذا السياق هو دور الأشعث في
هذه الواقعة؛ فهو لم يكن مؤيدا للإمام من كل قلبه، بل إنه هدد الإمام بالقتل،
ووصفه الإمام علانية بالنفاق، ولكن بما أنه كان رئيسا لقبيلة كندة، فإن الإمام
كان ينتهج معه أسلوب المداراة؛ لأن إبعاده عن الإمام كان يخلق له مشكلة مع
تلك القبيلة الكبيرة ويمنعها من الوقوف إلى جانبه.
إن دور الأشعث في فرض التحكيم على الإمام، واختيار أبي موسى للتحكيم
وما تبع ذلك من وقائع، ينم عن علاقاته الخفية بمعاوية. وعلى هذا الأساس فإن
علمه المسبق بعملية الاغتيال قبل وقوعها، وعلاقة ابن ملجم به قبل تنفيذ
العملية يعد مؤشرا على وجود يد لدمشق في تلك الحادثة.
نقل ابن أبي الدنيا عن أستاذه عبد الغفار أنه قال: " سمعت غير واحد يذكر أن
ابن ملجم بات عند الأشعث بن قيس، فلما أسحر جعل يقول له: أصبحت ".
ونقل الكثير من المؤرخين أن ابن ملجم عندما مر بالأشعث عند المسجد قبل
الإقدام على عملية الاغتيال، قال له: " النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك
الصبح ". ولما سمع حجر بن عدي مقالته عرف مقصوده، فقال له: " قتلته يا
أعور "، وخرج من المسجد من ساعته ليبلغ الإمام بالقضية، ولكن الإمام كان قد
دخل من باب آخر، وعندما وصل حجر، كان الرجل قد ضرب الإمام!

223
يمكن لهذه القرائن أن تؤيد تدخل دمشق في اغتيال الإمام، ولكن لا بمعنى
نفي أي دور للخوارج في ذلك الاغتيال، ولكن يعني أنهم أقدموا على هذا العمل
تحت تأثير مكائد معاوية ولو عن طريق وسطاء، مثلما يسري هذا الاحتمال
على قضية فرض التحكيم على الإمام.
الشبهة الوحيدة التي يمكنها الطعن بهذا الرأي هي أنه لو كانت لمعاوية يد في
اغتيال الإمام لما انعكست هذه الخطة عليه وعلى رفيقه المقرب عمرو بن
العاص.
ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة بالقول:
أولا: يحتمل أن الضربة التي أصابت ألية معاوية، كانت - مثل قتل شخص
آخر بدلا من عمرو بن العاص - لعبة سياسية لكي يواجه الحاكم الجديد مشاكل
أقل مع الناس.
ثانيا: في المؤامرات غير المباشرة التي تحوكها وتنفذها العناصر المعارضة،
كثيرا ما تطال نيران تلك المؤامرات المخططين الأصليين وخاصة في ذلك العصر
الذي كانت تنعدم فيه وسائل الاتصال السريع.
3 - دور قطام
ذهب المؤرخون إلى الإفراط والتفريط فيما يخص دور قطام في مقتل
أمير المؤمنين. فالبعض جعل لها في هذه الحادثة دورا أساسيا، ولعل أول مؤرخ
بالغ في تضخيم دور قطام في مؤامرة القتل، هو ابن أعثم. ونقل كتاب
بحار الأنوار عن كتاب مجهول هذه القصة على صورة رواية غرامية. وعندما
وقعت هذه القصة بيد القاص المسيحي جرجي زيدان، جعل لها أغصانا وفروعا
كثيرة. وفي مقابل ذلك شكك مؤرخون معاصرون من خلال عرضهم لبعض

224
الإشكالات والتناقضات الموجودة في هذه القصة، في أصل وجود مثل هذه
القضية في قتل الإمام (عليه السلام).
ويبدو أن أصل وجود قطام ودورها في مؤامرة اغتيال الإمام شيء لا يمكن
إنكاره. بيد أن الحكايات التي جاءت بهذا الخصوص في فتوح ابن أعثم وفي
بحار الأنوار، وفي كتاب جرجي زيدان لا واقع لها.
تتفق مصادر قديمة كالطبقات الكبرى (م 230)، الإمامة والسياسة (م 276)،
أنساب الإشراف (م 279)، الأخبار الطوال (م 282) والكامل للمبرد (م 285)،
مقاتل الطالبيين (م 356) على دور امرأة اسمها قطام قتل أبوها وأخوها - وفي
بعض النصوص عمها - في معركة النهروان، مما جعلها تحقد على الإمام وتشارك
في مؤامرة اغتياله، وكانت على صلة بابن ملجم. وعلى هذا لا يمكن إنكار أصل
القصة بهذه البساطة. ولكن يمكن التشكيك في كيفيتها. وأما ما جاء منها على
شكل رواية ابن اعثم أو كتاب مجهول نقل عنه بحار الأنوار، فهو باطل قطعا.
وربما يمكن القول بأن أقرب النصوص إلى الواقع هو النص الذي جاء في كتابي
أنساب الأشراف والإمامة والسياسة الذي جاء فيه:
" قدم ابن ملجم الكوفة وكتم أمره، وتزوج امرأة يقال لها: قطام بنت علقمة،
وكانت خارجية، وكان علي قد قتل أخاها في حرب الخوارج، وتزوجها على
أن يقتل عليا فأقام عندها مدة، فقالت له في بعض الأيام وهو مختف: لطالما
أحببت المكث عند أهلك وأضربت عن الأمر الذي جئت بسببه، فقال: إن لي
وقتا واعدت فيه أصحابي ولن أجاوزه " (1).



(1) الإمامة والسياسة: 1 / 180، أنساب الأشراف: 3 / 253 نحوه.
225
الفصل الرابع
اغتيال الإمام
4 / 1
ليلة التاسع عشر
2920 - الإرشاد عن عثمان بن المغيرة: لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر، وكان لا
يزيد على ثلاث لقم، فقيل له في ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني أمر
الله وأنا خميص (1)، إنما هي ليلة أو ليلتان. فأصيب (عليه السلام) في آخر الليل (2).



(1) رجل خميص: إذا كان ضامر البطن (النهاية: 2 / 80).
(2) الإرشاد: 1 / 14 وص 320، كشف الغمة: 2 / 60 وفيهما " ابن عباس " بدل " عبد الله بن جعفر "،
الخرائج والجرائح: 1 / 201 / 41، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 271، إعلام الورى: 1 / 309؛
الكامل في التاريخ: 2 / 434 وفيه " أبي جعفر " بدل " عبد الله بن جعفر "، أسد الغابة:
4 / 111 / 3789، تاريخ دمشق: 42 / 555 وفيه " ابن عباس " بدل " عبد الله بن جعفر ". والأصح
" عبد الله بن جعفر " لأنه زوج زينب بنت الإمام علي (عليه السلام) كما أشار إليه في المناقب لابن شهر آشوب
وإعلام الورى.
227
2921 - الإرشاد عن أم موسى - خادمة علي (عليه السلام) وهي حاضنة فاطمة ابنته -:
سمعت عليا (عليه السلام) يقول لابنته أم كلثوم: يا بنية، إني أراني قل ما أصحبكم.
قالت: وكيف ذلك، يا أبتاه؟
قال: إني رأيت نبي الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول: يا
علي، لا عليك، قد قضيت ما عليك.
قالت: فما مكثنا إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة، فصاحت أم كلثوم فقال:
يا بنية لا تفعلي، فإني أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشير إلي بكفه: يا علي، هلم إلينا، فإن
ما عندنا هو خير لك (1).
2922 - الإمام الحسن (عليه السلام): أتيته [عليا (عليه السلام)] سحرا فجلست إليه فقال: إني بت الليلة
أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول الله فقلت: يا
رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود (2) واللدد (3)؟
فقال لي: ادع الله عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم وأبدلهم شرا
لهم مني (4).



(1) الإرشاد: 1 / 15، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 311، روضة الواعظين: 151؛ المناقب
للخوارزمي: 387 / 402 وفيه إلى " قضيت ما عليك ".
(2) الأود: المجهود والمشقة (لسان العرب: 3 / 74).
(3) اللدد: الخصومة الشديدة (لسان العرب: 3 / 391).
(4) الطبقات الكبرى: 3 / 36، أسد الغابة: 4 / 113 / 3789، تاريخ دمشق: 42 / 559 كلاهما عن
محمد بن سعد، أنساب الأشراف: 3 / 255، الكامل في التاريخ: 2 / 434، مقاتل الطالبيين: 53 عن
أبي عبد الرحمن السلمي، الإمامة والسياسة: 1 / 180 والأربعة الأخيرة نحوه؛ نهج البلاغة: الخطبة 70.
228
2923 - الإمام الحسين (عليه السلام): قال لي علي: سنح لي الليلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي،
فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟
قال: ادع عليهم. قلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من
هو شر مني. فخرج، فضربه الرجل (1).
2924 - مسند أبي يعلى عن أبي صالح عن الإمام علي (عليه السلام): رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) في
منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمته، من الأود واللدد، فبكيت فقال لي: لا تبك
يا علي، والتفت، فالتفت فإذا رجلان يتصعدان، وإذا جلاميد يرضخ بها رؤوسهما
حتى تفضخ (2)، ثم يرجع - أو قال: يعود -.
قال: فغدوت إلى علي كما كنت أغدو عليه كل يوم، حتى إذا كنت في
الخرازين لقيت الناس فقالوا: قتل أمير المؤمنين (3).
2925 - الإرشاد عن الحسن البصري: سهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
في الليلة التي قتل في صبيحتها، ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته،
فقالت له ابنته أم كلثوم - رحمة الله عليها -: ما هذا الذي قد أسهرك؟ فقال: إني
مقتول لو قد أصبحت.
وأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة، فمشى غير بعيد ثم رجع، فقالت له ابنته



(1) أسد الغابة: 4 / 112 / 3789 عن أبي عبد الرحمن السلمي وفي آخره " كذا في هذه الرواية: الحسين
بن علي، وإنما هو الحسن ".
(2) فضخ رأسه: شدخه (لسان العرب: 3 / 45).
(3) مسند أبي يعلى: 1 / 269 / 516؛ الإرشاد: 1 / 15، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 311، الخرائج
والجرائح: 1 / 233 / 78 وفيهما إلى " رؤوسهما "، إعلام الورى: 1 / 310 نحوه وفيها " مصفدان " بدل
" يتصعدان ".
229
أم كلثوم: مر جعدة فليصل بالناس. قال: نعم، مروا جعدة فليصل. ثم قال: لا مفر
من الأجل، فخرج إلى المسجد (1).
2926 - الإرشاد: روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سهر تلك الليلة، فأكثر الخروج
والنظر في السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت
بها، ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لا قيك
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك
فلما خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن في وجهه، فجعلوا
يطردونهن فقال: " دعوهن فإنهن نوائح "، ثم خرج فأصيب (عليه السلام) (2).
2927 - فضائل الصحابة عن الحسن بن كثير عن أبيه: خرج علي إلى الفجر فأقبلن
الوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه. فقال: ذروهن فإنهن نوائح. فضربه
ابن ملجم (3).



(1) الإرشاد: 1 / 16، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 63 نحوه، روضة الواعظين: 151، إعلام الورى: 1 / 310،
شرح الأخبار: 2 / 430 / 782، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 310 كلاهما نحوه.
(2) الإرشاد: 1 / 16، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 63 نحوه، روضة الواعظين: 151، المناقب لابن
شهر آشوب: 3 / 310، إعلام الورى: 1 / 311 وفيها " دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح "؛ مروج
الذهب: 2 / 425 نحوه.
(3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 560 / 944، تاريخ دمشق: 42 / 555، الكامل في التاريخ:
2 / 434، أسد الغابة: 4 / 112 / 3789، الفتوح: 4 / 277، البداية والنهاية: 8 / 13 نحوه؛ الإرشاد:
1 / 17، روضة الواعظين: 151، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 310 نحوه، إعلام الورى: 1 / 311
وفي الثلاثة الأخيرة " فإنهن صوائح تتبعها نوائح "، الخرائج والجرائح: 1 / 201 / 41 نحوه وراجع
تاريخ اليعقوبي: 2 / 212.
230
2928 - أنساب الأشراف عن الحسن بن بزيع: إن عليا خرج الليلة التي ضرب في
صبيحتها في السحر وهو يقول:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك (1)
2929 - مروج الذهب: كان [علي (عليه السلام)] يكثر من ذكر هذين البيتين:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديكا
وسمعا منه في الوقت الذي قتل فيه، فإنه قد خرج إلى المسجد، وقد عسر
عليه فتح باب داره، وكان من جذوع النخل، فاقتلعه وجعله ناحية، وانحل
إزاره، فشده وجعل ينشد هذين البيتين المتقدمين (2).
2930 - الفتوح: جاء علي (رحمه الله) إلى باب دار مفتحة ليخرج، فتعلق الباب بمئزره
فحل مئزره وهو يقول:
أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * فقد حل بواديكا
فقد أعرف أقواما * وإن كانوا صعاليكا
مصاريع إلى النجدة * وللغي متاريكا (3)



(1) أنساب الأشراف: 3 / 259، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 175 / 28 عن هانئ، الكامل للمبرد:
3 / 1121، الإمامة والسياسة: 1 / 183؛ خصائص الأئمة (عليهم السلام): 63، إعلام الورى: 1 / 311.
(2) مروج الذهب: 2 / 429.
(3) الفتوح: 4 / 277؛ الديوان المنسوب إلى الإمام علي (عليه السلام): 400 / 317، المناقب لابن شهر آشوب:
3 / 310 كلاهما نحوه.
231
2931 - بحار الأنوار عن أم كلثوم بنت علي (عليه السلام): لما كانت ليلة تسع عشرة من
شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها
لبن وملح جريش، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلما نظر إليه وتأمله
حرك رأسه وبكى بكاء شديدا عاليا، وقال: يا بنية ما ظننت أن بنتا تسوء أباها
كما قد أسأت أنت إلي. قالت: وما ذا يا أباه؟
قال: يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أتريدين أن يطول
وقوفي غدا بين يدي الله عز وجل يوم القيامة؟! أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمي
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما قدم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله، يا بنية ما من
رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز وجل يوم
القيامة، يا بنية إن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب... يا بنية والله لا
آكل شيئا حتى ترفعين أحد الإدامين، فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا
واحدا بالملح الجريش، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قام إلى صلاته فصلى ولم
يزل راكعا وساجدا ومبتهلا ومتضرعا إلى الله سبحانه، ويكثر الدخول والخروج
وهو ينظر إلى السماء وهو قلق يتململ....
قالت: ولم يزل تلك الليلة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا، ثم يخرج ساعة بعد
ساعة يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول: والله ما كذبت
ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعود إلى مصلاه ويقول: اللهم بارك لي
في الموت، ويكثر من قول: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ويصلي على النبي وآله، ويستغفر الله كثيرا.
قالت: فلما رأيته في تلك الليلة قلقا متململا كثير الذكر والاستغفار أرقت معه
ليلتي وقلت: يا أبتاه ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال: يا بنية إن

232
أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوف (1)، وما دخل في
قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقلت:
يا أباه مالك تنعى نفسك منذ الليلة؟ قال: يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل.
قالت أم كلثوم: فبكيت فقال لي: يا بنية لا تبكين فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي
النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم إنه نعس وطوى ساعة، ثم استيقظ من نومه وقال: يا بنية إذا قرب وقت
الأذان فأعلميني. ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء
والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب وقت الأذان، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء
فيه ماء، ثم أيقظته، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه، ثم نزل إلى الدار
وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام)، فلما نزل خرجن وراءه
ورفرفن وصحن في وجهه، وكان قبل تلك الليلة لم يصحن. فقال (عليه السلام): لا إله إلا الله
صوارخ تتبعها نوائح، وفي غداة غد يظهر القضاء. فقلت له: يا أباه هكذا تتطير؟
فقال: يا بنية ما منا أهل البيت من يتطير ولا يتطير به، ولكن قول جرى على
لساني، ثم قال: يا بنية بحقي عليك إلا ما أطلقتيه، فقد حبست ما ليس له لسان
ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه وأسقيه وإلا خلي سبيله يأكل
من حشائش الأرض (2).



(1) كذا في المصدر، والصحيح: " وما دخل الخوف له جوفا "، أو " وما دخل الجوف له خوف ".
(2) بحار الأنوار: 42 / 276، قال العلامة المجلسي في أول هذا النقل: " رأينا في بعض الكتب القديمة
رواية في كيفية شهادته (عليه السلام)؛ أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار " وهو نقل
طويل، أخذنا منه قبسات متفرقة في بيان شهادة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
233
2932 - تنبيه الخواطر عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي: لما كثر الاختلاف بين
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة،
فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر فأقمت فيه حينا لا
أدري ما فيه الناس معتزلا لأهل الهجر والأرجاف، فخرجت من بيتي لبعض
حوائجي وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه
ويتضرع إليه بصوت شجي وقلب حزين، فنضت (1) إليه وأصغيت إليه من حيث لا
يراني، فسمعته يقول:
يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، يا أرحم الراحمين، البدئ البديع ليس
مثلك شيء، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن،
أنت خليفة محمد وناصر محمد ومفضل محمد، أنت الذي أسألك أن تنصر وصي
محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه بنصر أو توفاه
برحمة.
قال: ثم رفع رأسه وقعد مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه،
ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت
وقال: الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك. فقلت: من هو يرحمك الله؟
فقال: وصي محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها،
فبت قريبا من الحيرة، فلما أجنني الليل إذا أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية،
ثم صف قدميه فأطال المناجاة، وكان فيما قال:
اللهم إني سرت فيهم ما أمرني رسولك وصفيك فظلموني، فقتلت المنافقين
كما أمرتني فجهلوني. وقد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خلة



(1) كذا في المصدر ولعله تصحيف: " أنصت ".
234
أنتظرها إلا المرادي، اللهم فعجل له الشقاوة وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني
نبيك أن تتوفاني إليك إذا سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى،
فقفوته فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة، فخرج واتبعته حتى دخل المسجد
فعممه ابن ملجم - لعنه الله - بالسيف (1).
4 / 2
فجر التاسع عشر
2933 - الإمام الحسن (عليه السلام): دخل ابن النباح [المؤذن] عليه [علي (عليه السلام)] فقال:
الصلاة. فأخذت بيده، فقام ومشى ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلما خرج
من الباب نادى: أيها الناس الصلاة، الصلاة - وكذلك كان يصنع في كل يوم،
ويخرج ومعه درته يوقظ الناس - فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف
وسمعت قائلا يقول: الحكم يا علي لله لا لك. ثم رأيت سيفا ثانيا؛ فأما سيف ابن
ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف ابن بجرة فوقع في
الطاق. وقال علي: لا يفوتنكم الرجل (2).
2934 - الإرشاد: كان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد، فسمع
الأشعث يقول لابن ملجم: النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح، فأحس
حجر بما أراد الأشعث، فقال له: قتلته يا أعور. وخرج مبادرا ليمضي إلى
أمير المؤمنين (عليه السلام) فيخبره الخبر ويحذره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين (عليه السلام)



(1) تنبيه الخواطر: 2 / 2، بحار الأنوار: 42 / 252 / 54.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 255، الطبقات الكبرى: 3 / 36، تاريخ دمشق: 42 / 559، أسد الغابة:
4 / 113 / 3789 وفيه " ابن التياح ".
235
فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف، وأقبل حجر والناس يقولون:
قتل أمير المؤمنين. قتل أمير المؤمنين (1).
2935 - مروج الذهب: كان علي يخرج كل غداة أول الأذان يوقظ الناس للصلاة،
وقد كان ابن ملجم مر بالأشعث وهو في المسجد، فقال له: فضحك الصبح،
فسمعها حجر بن عدي، فقال: قتلته يا أعور قتلك الله. وخرج علي (رضي الله عنه) ينادي:
أيها الناس، الصلاة.
فشد عليه ابن ملجم وأصحابه وهم يقولون: الحكم لله، لا لك، وضربه ابن
ملجم على رأسه بالسيف في قرنه، وأما شبيب فوقعت ضربته بعضادة الباب،
وأما مجاشع بن وردان فهرب، وقال علي: لا يفوتنكم الرجل.
وشد الناس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء، ويتناولونه ويصيحون، فضرب
ساقه رجل من همدان برجله، وضرب المغيرة بن نوفل بن الحارث بن
عبد المطلب وجهه فصرعه، وأقبل به إلى الحسن (2).
2936 - تاريخ اليعقوبي: وضربه [ابن ملجم] على رأسه، فسقط وصاح: خذوه،
فابتدره الناس، فجعل لا يقرب منه أحد إلا نفحه بسيفه، فبادر إليه قثم بن
العباس، فاحتمله وضرب به الأرض، فصاح: يا علي، نح عني كلبك، وأتى به
إلى علي، فقال: ابن ملجم؟ قال: نعم. فقال: يا حسن شأنك بخصمك، فأشبع



(1) الإرشاد: 1 / 19، روضة الواعظين: 149، إعلام الورى: 1 / 390، المناقب لابن شهر آشوب:
3 / 312 نحوه.
(2) مروج الذهب: 2 / 424، الطبقات الكبرى: 3 / 36 و 37، أنساب الأشراف: 3 / 253، الكامل في
التاريخ: 2 / 435، أسد الغابة: 4 / 113 / 3789 عن محمد بن سعد، المناقب للخوارزمي:
383 / 401 عن إسماعيل بن راشد وكلها نحوه.
236
بطنه، واشدد وثاقه، فإن مت فألحقه بي أخاصمه عند ربي، وإن عشت فعفو أو
قصاص (1).
2937 - بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه: فلما أحس الإمام بالضرب
لم يتأوه وصبر واحتسب، ووقع على وجهه وليس عنده أحد قائلا: بسم الله وبالله
وعلى ملة رسول الله، ثم صاح وقال: قتلني ابن ملجم قتلني اللعين ابن اليهودية
ورب الكعبة، أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم....
فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كل من كان في المسجد، وصاروا يدورون
ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين (عليه السلام)
وهو يشد رأسه بمئزره، والدم يجري على وجهه ولحيته، وقد خضبت بدمائه
وهو يقول: هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله....
فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم
عنه وشد الضربة وهي بعدها تشخب دما، ووجهه قد زاد بياضا بصفرة، وهو
يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبح الله ويوحده، وهو يقول: أسألك يا رب الرفيع
الأعلى فأخذ الحسن (عليه السلام) رأسه في حجره فوجده مغشيا عليه، فعندها بكى بكاء
شديدا وجعل يقبل وجه أبيه وما بين عينيه وموضع سجوده، فسقط من دموعه
قطرات على وجه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففتح عينيه فرآه باكيا، فقال له: يا بني
يا حسن ما هذا البكاء؟ يا بني لا روع على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمد
المصطفى وخديجة وفاطمة والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب
نفسا وقر عينا، واكفف عن البكاء فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء،
يا بني أتجزع على أبيك وغدا تقتل بعدي مسموما مظلوما؟ ويقتل أخوك



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 212.
237
بالسيف هكذا، وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما (1).
2938 - تاريخ الطبري عن محمد ابن الحنفية: كنت والله إني لأصلي تلك الليلة
التي ضرب فيها علي في المسجد الأعظم، في رجال كثير من أهل المصر،
يصلون قريبا من السدة، ما هم إلا قيام وركوع وسجود، وما يسأمون من أول
الليل إلى آخره، إذ خرج علي لصلاة الغداة، فجعل ينادي: أيها الناس، الصلاة،
الصلاة، فما أدري أخرج من السدة فتكلم بهذه الكلمات أم لا! فنظرت إلى
بريق، وسمعت: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، فرأيت سيفا، ثم رأيت
ثانيا، ثم سمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليه من كل جانب.
قال: فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على علي، فدخلت فيمن دخل
من الناس، فسمعت عليا يقول: النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني،
وإن بقيت رأيت فيه رأيي (2).
2939 - فضائل الصحابة عن الليث بن سعد: إن عبد الرحمن بن ملجم ضرب
عليا في صلاة الصبح على دهس (3) بسيف كان سمه بالسم (4).
2940 - عمدة الطالب: خرج [علي (عليه السلام)] فلما دخل المسجد أقبل ينادي: الصلاة



(1) بحار الأنوار: 42 / 281.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 146، المعجم الكبير: 1 / 99 / 168، تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب):
75 / 137 كلاهما عن محمد بن حنيف، المناقب للخوارزمي: 383 / 401، مقاتل الطالبيين: 48 عن
عبد الله بن محمد الأزدي؛ الإرشاد: 1 / 20 عن محمد بن عبد الله بن محمد الأزدي وكلاهما نحوه،
كشف الغمة: 2 / 56.
(3) الدهس: ما سهل ولان من الأرض (النهاية: 2 / 145).
(4) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 558 / 940، تاريخ دمشق: 42 / 557، الرياض النضرة: 3 / 236
وفيهما " دهش " بدل " دهس ".
238
الصلاة، فشد عليه ابن ملجم - لعنة الله عليه - فضربه على رأسه بالسيف، فوقعت
ضربته في موضع الضربة التي ضربه إياها عمرو بن عبد ود يوم الخندق (1)
2941 - الإمام زين العابدين (عليه السلام): لما ضرب ابن ملجم - لعنه الله - أمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، وكان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، وأما ابن
ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه على الضربة التي كانت،
فخرج الحسن والحسين (عليهما السلام) وأخذا ابن ملجم وأوثقاه، واحتمل أمير المؤمنين
فأدخل داره، فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه
فنظر إليهما فقال: الرفيق الأعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا، ضربة بضربة أو
العفو إن كان ذلك، ثم عرق، ثم أفاق فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرني بالرواح
إليه عشاء ثلاث مرات (2).
2942 - مقتل أمير المؤمنين عن عمران بن ميثم عن أبيه: إن عليا خرج إلى صلاة
الصبح فكبر في الصلاة ثم قرأ من سورة الأنبياء إحدى عشرة آية، ثم ضربه
ابن ملجم من الصف على قرنه (3).
2943 - مقتل أمير المؤمنين عن عمر بن عبد الرحمن بن نفيع بن جعدة بن هبيرة:
إنه لما ضرب ابن ملجم عليا (عليه السلام) وهو في الصلاة تأخر فدفع في ظهر جعدة بن
هبيرة فصلى بالناس (4).



(1) عمدة الطالب: 61، بحار الأنوار: 42 / 281.
(2) الأمالي للطوسي: 365 / 768 عن علي بن علي بن رزين بن عثمان عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام)،
بحار الأنوار: 42 / 205 / 9.
(3) مقتل أمير المؤمنين: 30 / 5.
(4) مقتل أمير المؤمنين: 30 / 6.
239
2944 - بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه عن محمد ابن الحنفية: إن
أبي (عليه السلام) قال: احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي. قال: فحملناه إليه وهو
مدنف والناس حوله، وهم في أمر عظيم باكين محزونين، قد أشرفوا على الهلاك
من شدة البكاء والنحيب (1).
4 / 3
فزت ورب الكعبة
2945 - الإمام علي (عليه السلام) - لما ضربه ابن ملجم -: فزت ورب الكعبة (2).
2946 - المناقب لابن شهر آشوب عن محمد بن عبد الله الأزدي: أقبل
أمير المؤمنين ينادي: الصلاة، الصلاة، فإذا هو مضروب، وسمعت قائلا يقول:
الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، وسمعت عليا يقول: فزت ورب الكعبة،
ثم يقول: لا يفوتنكم الرجل (3).
2947 - الإمامة والسياسة عن المدائني: لما كان اليوم الذي تواعدوا فيه خرج
عدو الله، فقعد لعلي حين خرج علي لصلاة الصبح، صبيحة نهار الجمعة، ليلة
عشر بقيت من رمضان سنة أربعين، فلما خرج للصلاة وثب عليه وقال: الحكم
لله لا لك يا علي، وضربه على قرنه بالسيف. فقال علي: فزت ورب الكعبة. ثم
قال: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليه، فأخذوه (4).



(1) بحار الأنوار: 42 / 288.
(2) خصائص الأئمة (عليهم السلام): 63؛ أنساب الأشراف: 3 / 259، تاريخ دمشق: 42 / 561، أسد الغابة:
4 / 114 / 3789 كلاهما عن شيخ من قريش، الكامل للمبرد: 3 / 1118.
(3) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 312 عن محمد بن حنيف؛ الاستيعاب: 3 / 219 / 1875 نحوه.
(4) الإمامة والسياسة: 1 / 180.
240
بحث حول تعريض الإمام نفسه للقتل
يستفاد من النصوص التاريخية والحديثية التي مر قسم منها بأن الإمام عليا (عليه السلام)
كان من غير شك على علم بشهادته، وكان يعلم بوقتها وأنه كان يعرف قاتله أيضا،
وحتى إن بعض خواصه كانوا على اطلاع بهذا الأمر (1).
ومن هنا فلا بد من التساؤل عن السبب الذي جعل الإمام يعرض نفسه للقتل.
ألم يكن مكلفا بوقاية نفسه من القتل لكي تنتفع الأمة الإسلامية من بركات
وجوده أكثر فأكثر؟ ألا يعتبر ذهابه إلى المسجد في الليلة التي يعلم بأنه سيقتل
فيها، إلقاء للنفس في التهلكة؟
وهذا التساؤل يثار أيضا حول سائر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، وهو أنهم إذا
كانوا على علم بشهادتهم، لماذا لم يتوقوها؟
مبادئ علم الإمام:
قبل الإجابة عن التساؤلات أعلاه، ينبغي الإجابة عن سؤال آخر، وهو من



(1) راجع الإرشاد: 1 / 322 وشرح نهج البلاغة: 2 / 291.
241
أين يعلم الأئمة الكيفية التي سيقتلون فيها؟
قدمنا إجابة تفصيلية عن هذا السؤال في كتاب " أهل البيت في الكتاب
والسنة " تحت عنوان " مبادئ علومهم ". أما الجواب الإجمالي عن هذا السؤال
فهو أن مبادئ العلوم المتنوعة الواسعة عند أهل البيت هي عبارة عن: تعاليم
الرسول (صلى الله عليه وآله) التي انتقلت عن طريق الإمام علي (عليه السلام) إلى سائر الأئمة (عليهم السلام)، وكتب
الأنبياء السابقين، وكتاب الإمام علي (عليه السلام)، ومصحف فاطمة (عليها السلام)، وكتاب الجفر،
وكتاب الجامعة، والإلهام (1).
واستنادا إلى النصوص التي أوردناها في الفصل الرابع من ذلك القسم، فإن
أئمة أهل البيت كانوا يكسبون معرفة ما يريدون معرفته بواسطة الطرق التي
سبقت الإشارة إليها.
إجابات عن سبب تعريض الإمام نفسه للقتل:
عرضت إجابات مختلفة حول عدم توقي الأئمة لشهادتهم مع علمهم
بوقوعها، ويتلخص أهم تلك الأسباب فيما يلي:
1 - عدم العلم التفصيلي
مع أن الأئمة كانوا على معرفة إجمالية بالكيفية التي سيقتلون بها، إلا أنهم لم
يكن لديهم علم تفصيلي بالموضوع، حتى وإن كان سبب عدم العلم يعود إلى عدم
إرادتهم لمعرفته.
بيد أن هذا الجواب يتنافى مع ظاهر الروايات الدالة على أن الأئمة كان لديهم
علم تفصيلي بوقائع شهاداتهم، أو يمكن القول على الأقل بأن هذا التوجيه غير



(1) راجع: كتاب " أهل البيت في الكتاب والسنة " / القسم الرابع / الفصل الثالث.
242
مقبول فيما يخص شهادة الإمام علي (عليه السلام) ولا سيما في ضوء وجود كل هذه
النصوص التاريخية والحديثية التي اطلعنا على بعض منها. ومن المثير للعجب أن
يقول الشيخ المفيد: " فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل ".
2 - عدم العلم أثناء وقوع التقدير الإلهي
ويفيد هذا المعنى أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا على علم تفصيلي بخبر شهادتهم، ولكن
هذا العلم يسلب منهم وقت استشهادهم وفقا للتقدير الإلهي القطعي.
جاءت رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) يمكن أن تؤيد في أحد احتمالاتها صحة هذا
الجواب، قال الحسن بن الجهم:
قلت للإمام الرضا (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل
فيها والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار: صوائح
تتبعها نوائح، وقول أم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي
بالناس! فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف (عليه السلام)
أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرضه! فقال: " ذلك
كان، ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزوجل " (1).
لقد جاء في بعض نسخ المصدر كلمة " حير " بدل " خير "، وعلى هذا فإن قول
الإمام يدل بكل وضوح بأنه طرأت عليه في تلك اللحظة حالة لم يبق معها عليه
تكليف بدفع القتل عن نفسه، لكي يجري التقدير الإلهي.
3 - الإمام مكلف باختيار الشهادة
لا شك في أن تقدير الشهادة للإمام يأتي على أساس الحكمة الإلهية البالغة،



(1) الكافي: 1 / 259 / 4، بحار الأنوار: 42 / 246 / 47.
243
ولها مصالح ملزمة يجب أن تتحقق. ولهذا السبب يتعين على الإمام أن لا يتوقى
منها، وليس هذا فحسب، بل ويجب عليه اختيار الشهادة رغم علمه الدقيق
بكيفية استشهاده. وذلك لأن اختيار الشهادة مع العلم بوقتها وكيفيتها يعد فضيلة
لا يحتملها إلا القادة الربانيون الكبار وخواص أصحابهم.
ومع أنني لم ألاحظ أحدا عرض هذا الجواب، ولكن يبدو أنه أفضل ما يمكن
أن يعلل به عدم وقاية أئمة أهل البيت أنفسهم من الشهادة، مع علمهم بكيفيتها،
وهو مما تؤيده الأدلة العقلية والنقلية (1). ولغرض تقديم مزيد من المعلومات
للباحثين، نورد فيما يلي نص جواب الشيخ المفيد، والعلامة الطباطبائي:
جواب الشيخ المفيد
نقل العلامة المجلسي أن الشيخ المفيد سئل في المسائل العكبرية: الإمام
عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون، فما بال أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج إلى المسجد
وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟ وما بال الحسين بن
علي (عليهما السلام) سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في
سفرته تلك؟ ولم لما حصروا وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة
نبع الماء، ولم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ والحسن (عليه السلام) وادع معاوية
وهادنه وهو يعلم أنه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه (عليه السلام).
فأجاب الشيخ رحمه الله عنها بقوله:
وأما الجواب عن قوله: " إن الإمام يعلم ما يكون " فإجماعنا أن الأمر على
خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة على هذا القول. وإنما إجماعهم ثابت على أن



(1) كما جاء في الرواية السابقة قوله " لكنه خير "، وهذا المعنى يؤيد صحة هذا الجواب.
244
الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون
على التفصيل والتمييز. وهذا يسقط الأصل الذي بنى عليه الأسئلة بأجمعها.
ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالى له ذلك. فأما
القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه من غير
حجة ولا بيان.
والقول بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعلم قاتله والوقت الذي يقتل فيه فقد جاء
الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله على
التفصيل. فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل. ولو جاء به أثر
لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على
الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به. ولعلمه
بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها. ولا يكون بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)
ملقيا بيده إلى التهلكة، ولا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول.
وأما علم الحسين (عليه السلام) بأن أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك، إذ لا
حجة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه
في الجواب عن علم أمير المؤمنين (عليه السلام) بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه.
وأما دعواه علينا أنا نقول: إن الحسين (عليه السلام) كان عالما بموضع الماء قادرا عليه،
فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر، على أن طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي
بخلاف ذلك، ولو ثبت أنه كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون
متعبدا بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في
أمير المؤمنين (عليه السلام)، غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه.
والكلام في علم الحسن (عليه السلام) بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم، وقد جاء

245
الخبر بعلمه بذلك، وكان شاهد الحال له يقضي به، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله
وتسليم أصحابه له إلى معاوية، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه
ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده، ودفع فساد في الدين هو أعظم من
الفساد الذي حصل عند هدنته، وكان (عليه السلام) أعلم بما صنع لما ذكرناه وبينا الوجوه
فيه. انتهى كلامه.
أقول: وسأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي عن مثل ذلك في
أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجاب بأنه يحتمل أن يكون (عليه السلام) أخبر بوقوع القتل في تلك
الليلة، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل، وأن تكليفه (عليه السلام)
مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى، كما يجب
على المجاهد الثبات، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل (1).
جواب العلامة الطباطبائي:
قال العلامة الطباطبائي في هذا المجال:
الإمام (عليه السلام) واقف بإذن الله على حقائق عالم الوجود كيفما كانت؛ سواء كانت
محسوسة أم خارج دائرة الحس كالموجودات السماوية والحوادث الماضية
ووقائع المستقبل. والدليل على هذا القول هو:
جاء في الروايات المتواترة المنقولة في الجوامع الحديثية الشيعية ككتاب
الكافي، والبصائر، وكتب الصدوق، وكتاب بحار الأنوار وغيرها مما لا يحصى
ولا يعد من الروايات بأن الإمام (عليه السلام) واقف بكل شيء لا عن طريق العلم الاكتسابي
وإنما بطريق الموهبة الإلهية، وبإمكانه أن يعلم كل شيء بإذن الله من خلال أدنى
توجه.



(1) بحار الأنوار: 42 / 257.
246
النكتة التي ينبغي الالتفات إليها في هذا المجال هي أن هذا العلم اللدني الذي
تثبته الأدلة العقلية والنقلية، لا تخلف فيه ولا تغيير، ولا خطأ، ويسمى بعلم ما هو
مكتوب في اللوح المحفوظ، والعلم بما له صلة بالقضايا الإلهية الحتمية.
وهذا المطلب يستلزم عدم وجود أي تكليف بمتعلق هذا العلم من حيث كونه
حتمي الوقوع ولا يرتبط به قصد وطلب من الإنسان؛ وذلك أن التكليف يأتي
عادة عن طريق الإمكان بالفعل، وعن طريق كون الفعل والترك كلاهما بيد
المكلف يختار منهما ما يشاء. وأما ما كان ضروري الوقوع ومتعلقا بالقضاء
الحتمي، فمن المحال أن يكون موضع تكليف.
فمن الممكن مثلا أن يأمر الله العبد بفعل أو ترك ما بيده فعله أو تركه. ولكن من
المحال أن يأمره بفعل أو ترك ما قضت به الإرادة الإلهية ولا مجال فيه للأخذ
والرد؛ لأن مثل هذا الأمر والنهي عبث ولغو.
وكذلك يتسنى للإنسان أن يعقد العزم على تحقيق عمل يحتمل فيه الإمكان
وعدم الإمكان ويجعله نصب عينيه ويسعى من أجل تحقيقه، ولكنه لا يستطيع
إطلاقا أن يقصد تحقيق أمر يقيني لا يخضع للتغيير والتخلف؛ لأن إرادة أو عدم
إرادة الإنسان، وقصده وعدم قصده لا تأثير له في أمر واقع لا محالة، من جهة
كونه واقعا. فتأمل.
يتضح من خلال هذا البيان:
1 - إن هذا العلم اللدني لدى الإمام (عليه السلام) لا تأثير له في أعماله ولا صلة له
بتكاليفه الخاصة. وكل أمر مفروض من جهة تعلقه بقضاء الله الحتمي الوقوع، لا
يكون موضوعا لأمر الإنسان أو نهيه أو قصده أو إرادته.
أجل إن متعلق القضاء الحتمي والمشيئة الإلهية القاطعة للحق تعالى هو الرضا

247
بالقضاء كما قال سيد الشهداء (عليه السلام) في اللحظات الأخيرة من حياته حينما كان
يتمرغ في الدم والتراب: " رضا بقضائك وتسليما لأمرك لا معبود سواك ". وكذلك
فيما جاء في خطبته عند خروجه من مكة إلى المدينة: " رضا الله رضانا
أهل البيت ".
2 - حتمية فعل الإنسان من حيث تعلقه بالقضاء الإلهي لا تتنافى مع صفته
الاختيارية من حيث النشاط الاختياري للإنسان؛ لأن القضاء الإلهي يتعلق
بكيفياته لا بمطلقه؛ كأن يشاء الله أن يؤدي الإنسان كذا عمل اختياري بإرادته،
ففي مثل هذه الحالة يكون التحقق الخارجي لهذا الفعل حتميا لا مفر منه من حيث
تعلقه بالإرادة الإلهية، وهو في الوقت ذاته اختياري ويتصف بصفة الإمكان
بالنسبة للإنسان، فتأمل.
3 - لا ينبغي أخذ ظواهر أعمال الإمام (عليه السلام) الخاضعة للتطابق مع العلل والأسباب
الظاهرية كدليل على عدم امتلاكه لهذا العلم اللدني، وشاهدا على الجهل بالواقع،
كأن يقال: إذا كان لدى الإمام الحسين (عليه السلام) علم بالواقع لماذا أرسل مسلم بن عقيل
نيابة عنه إلى الكوفة؟
ولماذا بعث كتابا إلى أهل الكوفة بيد الصيداوي؟ ولماذا خرج من مكة إلى
الكوفة؟ ولماذا ألقى بنفسه إلى التهلكة والباري تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة) (1) (2).



(1) البقرة: 195.
(2) بررسيهاى اسلامى (بالفارسية): 167 - 170.
248
الفصل الخامس
من الاغتيال إلى الاستشهاد
5 / 1
أمر الإمام بالإحسان إلى قاتله
5 / 1 - 1
أطيبوا طعامه وألينوا فراشه
2948 - أنساب الأشراف - في ذكر ما جرى بعد اغتيال الإمام (عليه السلام) -: أما ابن ملجم
فأخذ وأدخل على علي، فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولي
دمي؛ فإما عفوت وإما اقتصصت، وإن أمت فألحقوه بي (ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين) (1) (2).



(1) البقرة: 190.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 256، الإمامة والسياسة: 1 / 181، تاريخ دمشق: 42 / 559، أسد الغابة:
4 / 113 / 3789 كلاهما عن محمد بن سعد وفيهما " أخاصمه عند رب العالمين " بدل الآية.
249
2949 - الإمام الباقر (عليه السلام): إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خرج يوقظ الناس لصلاة
الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه، فوقع على ركبتيه
وأخذه فالتزمه حتى أخذه الناس وحمل علي حتى أفاق، ثم قال للحسن
والحسين (عليهما السلام): احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا أساره، فإن عشت
فأنا أولى بما صنع بي؛ إن شئت استقدت وإن شئت عفوت وإن شئت صالحت،
وإن مت فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به (1).
2950 - الإمام علي - لما أتي بابن الملجم أسيرا عنده -: إنه أسير؛ فأحسنوا
نزله، وأكرموا مثواه؛ فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلتي
(ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (2) (3).
2951 - مقتل أمير المؤمنين عن عامر الشعبي: لما ضرب علي تلك الضربة قال:
ما فعل ضاربي؟ قالوا: قد أخذناه. قال: أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي؛
فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، وإن أنا مت فاضربوه ضربة لا تزيدوه عليها (4).
2952 - المستدرك على الصحيحين عن الشعبي: لما ضرب ابن ملجم عليا تلك



(1) قرب الإسناد: 143 / 515 عن أبي البختري عن الإمام الصادق (عليه السلام)، الجعفريات: 53 نحوه، المناقب
لابن شهر آشوب: 3 / 312، روضة الواعظين: 153؛ السنن الكبرى: 8 / 317 / 16759 عن إبراهيم
بن محمد وفي الثلاثة الأخيرة من " أطعموه... "، تاريخ دمشق: 42 / 557 عن أنس بن عياض نحوه
وكلاهما عن الإمام الصادق عنه (عليهما السلام).
(2) البقرة: 190.
(3) الطبقات الكبرى: 3 / 25، أنساب الأشراف: 3 / 261، أسد الغابة: 4 / 111 / 3789، تاريخ
دمشق: 42 / 558، المناقب للخوارزمي: 391 / 407 كلها عن محمد ابن الحنفية.
(4) مقتل أمير المؤمنين: 40 / 23، المناقب للخوارزمي: 388 / 403، الفصول المهمة: 134 كلاهما
نحوه؛ كشف الغمة: 2 / 59.
250
الضربة أوصى به علي فقال: قد ضربني فأحسنوا إليه وألينوا له فراشه؛ فإن أعش
فهضم (1) أو قصاص، وأن أمت فعالجوه؛ فاني مخاصمه عند ربي عز وجل (2).
2953 - الفتوح: كان علي (رضي الله عنه) يفتقده ويقول لمن في منزله: أرسلتم إلى أسيركم
طعاما؟ (3).
2954 - بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه: أغمي عليه ساعة طويلة
وأفاق - وكذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغمى عليه ساعة طويلة ويفيق أخرى؛ لأنه (صلى الله عليه وآله)
كان مسموما - فلما أفاق ناوله الحسن (عليه السلام) قعبا (4) من لبن، فشرب منه قليلا ثم
نحاه عن فيه وقال: احملوه إلى أسيركم، ثم قال للحسن (عليه السلام): بحقي عليك يا بني
إلا ما طيبتم مطعمه ومشربه، وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه مما تأكل
وتسقيه مما تشرب حتى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقه (5).
5 / 1 - 2
إياكم والمثلة
2955 - الإمام علي (عليه السلام) - من وصيته للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم
لعنه الله -: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا،



(1) يقال: هضم له من حقه: ترك له منه شيئا عن طيب نفس (تاج العروس: 17 / 760).
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 155 / 4691، الطبقات الكبرى: 3 / 37، أسد الغابة: 4 / 113 / 3789
كلاهما نحوه.
(3) الفتوح: 4 / 279.
(4) القعب: القدح الضخم، الغليظ، الجافي (لسان العرب: 1 / 683).
(5) بحار الأنوار: 42 / 289.
251
تقولون: قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي.
انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل؛
فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور! (1)
2956 - الاستيعاب: لما أخذ [ابن ملجم] قال علي (رضي الله عنه): أجلسوه؛ فإن مت
فاقتلوه، ولا تمثلوا به، وإن لم أمت فالأمر إلي في العفو أو القصاص (2).
5 / 1 - 3
ألم أحسن إليك؟!
2957 - تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد: قال علي: علي بالرجل [ابن
ملجم]، فأدخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، ألم أحسن إليك؟! قال: بلى، قال:
فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شر
خلقه، فقال (عليه السلام): لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلقه (3).
5 / 2
خطاب أم كلثوم لابن ملجم
2958 - تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد: إن الناس دخلوا على الحسن



(1) نهج البلاغة: الكتاب 47، روضة الواعظين: 152؛ تاريخ الطبري: 5 / 148، الكامل في التاريخ:
2 / 435، المعجم الكبير: 1 / 100 / 168، تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب): 75 / 137 وفيه
إلى " بالرجل "، المناقب للخوارزمي: 386 / 401 والثلاثة الأخيرة عن إسماعيل بن راشد، الرياض
النضرة: 3 / 238.
(2) الاستيعاب: 3 / 219 / 1875، الرياض النضرة: 3 / 236 وفيه " احبسوه " بدل " أجلسوه ".
(3) تاريخ الطبري: 5 / 145، المعجم الكبير: 1 / 99 / 168، الكامل في التاريخ: 2 / 435، مقتل
أمير المؤمنين: 30 / 6 عن عمر بن عبد الرحمن بن نفيع بن جعدة بن هبيرة، المناقب للخوارزمي:
383 / 401، البداية والنهاية: 7 / 328.
252
فزعين لما حدث من أمر علي، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه إذ
نادته أم كلثوم بنت علي وهي تبكي: أي عدو الله! لا بأس على أبي، والله
مخزيك، قال: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو
كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد (1).
5 / 3
زيارة الطبيب
2959 - مقاتل الطالبيين عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار: إن عليا لما
ضرب جمع له أطباء الكوفة؛ فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن
عمرو بن هانئ السكوني، وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات،
وكان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر
فسباهم، وإن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا برئة شاة حارة
واستخرج عرقا منها، فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ،
فقال له: يا أمير المؤمنين، أعهد عهدك؛ فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم
رأسك (2).



(1) تاريخ الطبري: 5 / 146، المعجم الكبير: 1 / 99 / 168، الكامل في التاريخ: 2 / 436، مقاتل
الطالبيين: 49 عن عبد الله بن محمد الأزدي؛ الإرشاد: 1 / 21 كلاهما نحوه وراجع الطبقات الكبرى:
3 / 37 وأسد الغابة: 4 / 113 / 3789 والكامل للمبرد: 3 / 1119 وتاريخ دمشق: 42 / 559.
اختلفوا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها؟ وهل استخلف من أتم بهم الصلاة أو هو أتمها؟ والأكثر
أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة (راجع الاستيعاب: 3 / 219 / 1875 والرياض
النضرة: 3 / 236).
(2) مقاتل الطالبيين: 51، الاستيعاب: 3 / 221 / 1875 عن عبد الله بن مالك نحوه.
253
5 / 4
وصايا الإمام
2960 - تاريخ دمشق عن عقبة بن أبي الصهباء: لما ضرب ابن ملجم عليا دخل
عليه الحسن وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بني؟ قال: وما لي لا أبكي وأنت في
أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا؟ فقال: يا بني احفظ أربعا وأربعا لا
يضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا أبة؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر
الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب الكرم وحسن الخلق.
قال: قلت: يا أبة هذه الأربع، فأعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة
الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب؛ فإنه يقرب إليك
البعيد ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل؛ فإنه يقعد عنك أحوج ما
يكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر؛ فإنه يبيعك بالتافه (1).
2961 - الإمام علي (عليه السلام) - من وصية له للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم
لعنه الله -: أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء
منها زوي عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم
عونا.
أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم
وصلاح ذات بينكم؛ فإني سمعت جدكما (صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من



(1) تاريخ دمشق: 42 / 561، دستور معالم الحكم: 75، كنز العمال: 16 / 266 / 44388، ينابيع
المودة: 2 / 417 / 157؛ نهج البلاغة: الحكمة 38 وفي الثلاثة الأخيرة من " يا بني احفظ أربعا
وأربعا... "، كشف الغمة: 2 / 198 عن الإمام الحسن (عليه السلام) وكلها نحوه، بحار الأنوار: 78 / 111 / 6.
254
عامة الصلاة والصيام.
الله الله في الأيتام؛ فلا تغبوا (1) أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.
والله الله في جيرانكم؛ فإنهم وصية نبيكم. ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه
سيورثهم.
والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.
والله الله في الصلاة؛ فإنها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم؛ فإنه إن ترك لم تناظروا.
والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.
وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع.
لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم
تدعون فلا يستجاب لكم.
ثم قال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا،
تقولون: قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي.
انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل؛
فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (2).
2962 - الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج: بعث إلي أبو الحسن موسى (عليه السلام)



(1) أي لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوما وتتركوهم يوما (بحار الأنوار: 42 / 257).
(2) نهج البلاغة: الكتاب 47، روضة الواعظين: 152؛ المعجم الكبير: 1 / 101 / 168، المناقب
للخوارزمي: 385 / 401 كلاهما عن إسماعيل بن راشد، جواهر المطالب: 2 / 101 كلها نحوه.
255
بوصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به علي بن
أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده
ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون،
صلى الله عليه وآله. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا
شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم إني أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله
ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام "
وأن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انظروا
ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.
الله الله في الأيتام؛ فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم؛ فقد سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز وجل له بذلك
الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار.
الله الله في القرآن؛ فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم.
الله الله في جيرانكم؛ فإن النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى بهم، وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي
بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.
الله الله في بيت ربكم؛ فلا يخلو منكم ما بقيتم؛ فإنه إن ترك لم تناظروا، وأدنى
ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف.
الله الله في الصلاة؛ فإنها خير العمل، إنها عمود دينكم.
الله الله في الزكاة؛ فإنها تطفئ غضب ربكم.

256
الله الله في شهر رمضان؛ فإن صيامه جنة من النار.
الله الله في الفقراء والمساكين؛ فشاركوهم في معايشكم.
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم؛ فإنما يجاهد رجلان: إمام
هدى، أو مطيع له مقتد بهداه.
الله الله في ذرية نبيكم؛ فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون
على الدفع عنهم.
الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا؛ فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم، والمؤوي للمحدث.
الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم؛ فإن آخر ما تكلم به نبيكم (عليه السلام) أن قال:
أوصيكم بالضعيفين: النساء، وما ملكت أيمانكم.
الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم الله من آذاكم وبغى
عليكم، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم،
وعليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق،
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد
العقاب) (1)، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته (2).



(1) المائدة: 2.
(2) الكافي: 7 / 49 / 7، تهذيب الأحكام: 9 / 176 / 714 عن جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) وعن سليم بن
قيس، من لا يحضره الفقيه: 4 / 189 / 5433 عن سليم بن قيس، تحف العقول: 197، نهج البلاغة:
الكتاب 45؛ المعجم الكبير: 1 / 101 / 168 عن إسماعيل بن راشد، تاريخ الطبري: 5 / 147، مقتل
أمير المؤمنين: 45 / 30 عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر (عليه السلام)، مقاتل الطالبيين: 51 عن عمر بن تميم
وعمرو بن أبي بكار، المناقب للخوارزمي: 385 / 401 عن إسماعيل بن راشد، البداية والنهاية:
7 / 328 كلها نحوه.
257
2963 - الإمام علي (عليه السلام): الحمد لله حق قدره متبعين أمره، وأحمده كما أحب، ولا
إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب.
أيها الناس! كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه،
والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبى الله عز
ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون.
أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا، ومحمدا (صلى الله عليه وآله) فلا تضيعوا سنته،
أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم (1) ما لم
تشردوا، حمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة، رب رحيم، وإمام عليم،
ودين قويم.
أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة
في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم، فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى
رياح، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض محطها،
وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد
حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي؛
فانه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون



(1) يقال: افعل ذلك وخلاك ذم؛ أي أعذرت وسقط عنك الذم (النهاية: 2 / 76).
258
أيامي، ويكشف الله عز وجل عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني، وقيام
غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو
لي قربة، ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (1).
فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى
شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به بعد
الموت نقمة؛ فإنما نحن له وبه.
ثم أقبل على الحسن (عليه السلام) فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم (2).
2964 - عنه (عليه السلام): وصيتي لكم: أن لا تشركوا بالله شيئا، ومحمد (صلى الله عليه وآله) فلا تضيعوا
سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم!
أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، إن أبق فأنا ولي
دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة،
فاعفوا (ألا تحبون أن يغفر الله لكم).
والله ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب
ورد، وطالب وجد (وما عند الله خير للأبرار) (3) (4).
2965 - الإمام الحسن (عليه السلام): لما حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما



(1) النور: 22.
(2) الكافي: 1 / 299 / 6 عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه، نهج البلاغة: الخطبة 149 وفيه من
" أيها الناس " إلى " غيري مقامي "، إثبات الوصية: 165؛ المعجم الكبير: 1 / 96 / 167 عن عوانة بن
الحكم، مروج الذهب: 2 / 436 كلها نحوه.
(3) آل عمران: 198.
(4) نهج البلاغة: الكتاب 23، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 108 وفيه إلى " يغفر الله لكم ".
259
أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله وابن عمه ووصيه وصاحبه.
وأول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسوله وخيرته، اختاره
بعلمه، وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن
أعمالهم، وعالم بما في الصدور.
ثم إني أوصيك يا حسن - وكفى بك وصيا - بما أوصاني به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا
كان ذلك يا بني فالزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك.
وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت
عند الشبهة، والاقتصاد في العمل، والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار،
وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب
المساكين ومجالستهم، والتواضع؛ فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، وذكر
الموت، والزهد في الدنيا؛ فإنك رهن موت، وغرض بلاء، وطريح سقم.
وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيته، وأنهاك عن التسرع بالقول
والفعل، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شيء من أمر الدنيا
فتأنه حتى تصيب رشدك فيه. وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به
السوء؛ فإن قرين السوء يغير جليسه.
وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنا زجورا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر
ناهيا، وواخ الإخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك،
وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله.
وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم.
واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي
تطيقه. والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا

260
على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما
حتى تصدق منه قبل أكله.
وعليك بالصوم؛ فإنه زكاة البدن وجنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر
جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء؛ فإني لم
آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وبينك.
وأوصيك بأخيك محمد خيرا؛ فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له.
وأما أخوك الحسين فهو ابن أمك، ولا أزيد الوصاة بذلك، والله الخليفة
عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر
حتى يتولى الله الأمر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1).
2966 - تاريخ الطبري: نظر [علي (عليه السلام)] إلى محمد ابن الحنفية، فقال: هل حفظت
ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير
أخويك؛ لعظيم حقهما عليك، فاتبع أمرهما، ولا تقطع أمرا دونهما. ثم قال:
أوصيكما به؛ فإنه شقيقكما، وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه.
وقال للحسن: أوصيك أي بني بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة
عند محلها، وحسن الوضوء؛ فإنه لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلاة من مانع
زكاة، وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عند الجهل،
والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش (2).



(1) الأمالي للمفيد: 220 / 1، الأمالي للطوسي: 7 / 8 كلاهما عن الفجيع العقيلي؛ الفصول المهمة: 133.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 147، الكامل في التاريخ: 2 / 436، المعجم الكبير: 1 / 101 / 168، المناقب
للخوارزمي: 384 / 401 كلاهما عن إسماعيل بن راشد نحوه، مقتل أمير المؤمنين: 48 / 32 عن
أبي عبد الرحمن السلمي نحوه وفيه من " أوصيك أي بني بتقوى الله... " وراجع الكامل للمبرد:
3 / 1168 والفتوح: 3 / 280.
261
2967 - الإمام الباقر (عليه السلام): لما احتضر أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع بنيه: حسنا وحسينا
وابن الحنفية والأصاغر من ولده، فوصاهم وكان في آخر وصيته: يا بني،
عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم.
يا بني، إن القلوب جنود مجندة، تتلاحظ بالمودة، وتتناجي بها، وكذلك هي
في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم
الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه (1).
2968 - الإمام الكاظم (عليه السلام) - في بيان وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) -: هذا ما قضى به
علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن (2) ابتغاء وجه الله والدار
الآخرة والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم
الآخر أن يقول في شيء قضيته من مالي ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد.
أما بعد، فإن ولائدي اللائي أطوف عليهن السبعة عشر منهن أمهات أولاد
معهن أولادهن، ومنهن حبالى ومنهن من لا ولد له، فقضاي فيهن إن حدث بي
حدث أنه من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عز وجل
ليس لأحد عليهن سبيل، ومن كان منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها
وهي من حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق ليس لأحد عليها سبيل،



(1) الأمالي للطوسي: 595 / 1232 عن جابر بن يزيد، تنبيه الخواطر: 2 / 75، بحار الأنوار:
42 / 247 / 50 وص 253 / 55 وراجع نهج البلاغة: الحكمة 10 وعيون الحكم والمواعظ:
242 / 4606.
(2) مسكن: موضع في العراق على نهر دجيل بين بغداد وبحيرة الثرثار (معجم البلدان: 5 / 127).
262
هذا ما قضى به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو سمر بن أبرهة،
وصعصعة بن صوحان، ويزيد بن قيس، وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن
أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين (1).
2969 - الإمام علي (عليه السلام): قاتلوا أهل الشام مع كل إمام بعدي (2).
5 / 5
عيادة الإمام
2970 - أسد الغابة عن عمرو ذي مر: لما أصيب علي بالضربة دخلت عليه وقد
عصب رأسه. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أرني ضربتك، قال: فحلها، فقلت:
خدش وليس بشيء، قال: إني مفارقكم، فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب،
فقال لها: اسكتي! فلو ترين ما أرى لما بكيت، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين،
ماذا ترى؟ قال: هذه الملائكة وفود والنبيون، وهذا محمد (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي،
أبشر، فما تصير إليه خير مما أنت فيه (3).
2971 - الأمالي للمفيد عن الأصبغ بن نباتة: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين
علي ابن أبي طالب (عليه السلام) غدونا عليه نفر من أصحابنا، أنا والحارث وسويد بن غفلة
وجماعة معنا، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن
علي (عليهما السلام) فقال: يقول لكم أمير المؤمنين: انصرفوا إلى منازلكم.



(1) الكافي: 7 / 50 / 7 عن عبد الرحمن بن الحجاج.
(2) الغارات: 2 / 580 عن ميسرة، بحار الأنوار: 100 / 42 / 52.
(3) أسد الغابة: 4 / 114 / 3789؛ شرح الأخبار: 2 / 434 / 789 عن عمر بن زمر وراجع الخرائج
والجرائح: 1 / 178 / 11 وعيون المعجزات: 49 وبحار الأنوار: 42 / 223 / 32.
263
فانصرف القوم غيري، واشتد البكاء من منزله فبكيت فخرج الحسن (عليه السلام) فقال:
ألم أقل لكم انصرفوا. فقلت: لا والله يا بن رسول الله، ما تتابعني نفسي، ولا
تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه. قال:
فتلبث، فدخل، ولم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل، فدخلت على
أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا هو مستند، معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف وأصفر
وجهه، ما أدري وجهه أصفر أم العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي:
لا تبك يا أصبغ؛ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك، إني أعلم والله أنك
تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين (1).
2972 - بحار الأنوار عن محمد ابن الحنفية: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع
أبي وقد نزل السم إلى قدميه، وكان يصلي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل
يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه ويخبرنا بأمره وتبيانه إلى حين طلوع الفجر،
فلما أصبح استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه وأقبلوا
يسلمون عليه، وهو يرد عليهم السلام، ثم قال: أيها الناس اسألوني قبل أن
تفقدوني، وخففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم، قال: فبكى الناس عند ذلك بكاء
شديدا، وأشفقوا أن يسألوه تخفيفا عنه، فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:
فيا أسفى على المولى التقي * أبو (2) الأطهار حيدرة الزكي
قتله كافر حنث زنيم * لعين فاسق نغل شقي
فيلعن ربنا من حاد عنكم * ويبرأ منكم لعنا وبي



(1) الأمالي للمفيد: 351 / 3، الأمالي للطوسي: 123 / 191.
(2) كذا، والصحيح: " أبي "، وأيضا البيت الثاني سقيم الوزن، مع الأقواء الذي يوجد فيه وما بعده بشكل
واضح.
264
لأنكم بيوم الحشر ذخري * وأنتم عترة الهادي النبي
فلما بصر به وسمع شعره قال له: كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة مني، فما
عساك أن تقول؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين، لو قطعت بالسيف إربا إربا، وأضرم
لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وفقت لكل خير يا
حجر، جزاك الله خيرا عن أهل بيت نبيك (1).
5 / 6
كلمات الإمام قبيل موته
2973 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلامه قبيل موته -: والله، ما فجأني من الموت وارد
كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد (وما عند الله خير
للأبرار) (2) (3).
2974 - العدد القوية عن الواقدي: آخر كلمة قالها أمير المؤمنين (عليه السلام): يا بني إذا
مت فالحقوا بي ابن ملجم - لعنه الله - أخاصمه عند رب العالمين، ثم قرأ: (فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (4) الآية (5).
2975 - الإمام الكاظم (عليه السلام) - في ذكر شهادة الإمام علي (عليه السلام) -: ثم لم يزل يقول:



(1) بحار الأنوار: 42 / 290.
(2) آل عمران: 198.
(3) نهج البلاغة: الكتاب 23، غرر الحكم: 10131، عيون الحكم والمواعظ: 505 / 9278 وليس
فيهما الآية، بحار الأنوار: 42 / 254 / 57.
(4) الزلزلة: 7 و 8.
(5) العدد القوية: 242 / 20، أنساب الأشراف: 3 / 259 وفيه " كان آخر ما تكلم به (فمن يعمل) "
الآية، بحار الأنوار: 42 / 254 / 56.
265
" لا إله إلا الله، لا إله إلا الله " حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته (1).
5 / 7
لقاء المحبوب
2976 - الأمالي للصدوق عن حبيب بن عمرو: دخلت على أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب (عليه السلام) في مرضه الذي قبض فيه فحل عن جراحته، فقلت: يا
أمير المؤمنين، ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب، أنا
والله مفارقكم الساعة. قال: فبكيت عند ذلك وبكت أم كلثوم وكانت قاعدة
عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنية؟ فقالت: ذكرت يا أبة إنك تفارقنا الساعة
فبكيت، فقال لها: يا بنية لا تبكين، فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت. قال
حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب، أرى ملائكة
السماوات والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفا إلى أن يتلقوني، وهذا أخي محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس عندي يقول: أقدم؛ فإن أمامك خير لك مما أنت فيه. قال:
فما خرجت من عنده حتى توفي (عليه السلام) (2).
2977 - ربيع الأبرار عن أسماء بنت عميس: أنا لعند علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعدما
ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة، ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحبا، مرحبا،
الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، فقيل له: ما ترى؟ قال: هذا
رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة



(1) الكافي: 7 / 52 / 7 عن عبد الرحمن بن الحجاج، من لا يحضره الفقيه: 4 / 191 / 5433 عن سليم
بن قيس، تهذيب الأحكام: 9 / 178 / 714، الغيبة للطوسي: 195 / 157 كلاهما عن جابر عن الإمام
الباقر (عليه السلام) وعن سليم بن قيس.
(2) الأمالي للصدوق: 396 / 510، روضة الواعظين: 154 وراجع إثبات الوصية: 164.
266
ينزلون يسلمون علي ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور،
وهذه منازلي في الجنة، لمثل هذا فليعمل العاملون (1).
2978 - بحار الأنوار عن محمد ابن الحنفية: لما كانت ليلة إحدى وعشرين
وأظلم الليل - وهي الليلة الثانية من الكائنة - جمع أبي أولاده وأهل بيته
وودعهم... ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى
شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقا وهو يمسحه
بيده، قلت: يا أبت أراك تمسح جبينك فقال: يا بني، إني سمعت جدك (2)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار
كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه، ثم قال: يا أبا عبد الله ويا عون، ثم نادى أولاده
كلهم بأسمائهم صغيرا وكبيرا واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم ويقول: الله
خليفتي عليكم، أستودعكم الله وهم يبكون، فقال له الحسن (عليه السلام): يا أبه، ما دعاك
إلى هذا؟ فقال له: يا بني إني رأيت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي قبل هذه الكائنة
بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي: ادع
عليهم، فقلت: اللهم أبدلهم بي شرا مني وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي: قد
استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث، يا أبا محمد
أوصيك - ويا أبا عبد الله - خيرا، فأنتما مني وأنا منكما...
ثم قال: يا أبا محمد ويا أبا عبد الله كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي
الفتن من ههنا، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
ثم قال: يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة؛ فعليك بتقوى الله والصبر على



(1) ربيع الأبرار: 4 / 208.
(2) كذا في المصدر.
267
بلائه، ثم أغمي عليه ساعة، وأفاق وقال: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمي حمزة وأخي
جعفر وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكلهم يقولون: عجل قدومك علينا فإنا إليك
مشتاقون، ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم وقال: أستودعكم الله جميعا سددكم
الله جميعا حفظكم الله جميعا، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة.
ثم قال: وعليكم السلام يا رسل ربي.
ثم قال: (لمثل هذا فليعمل العاملون) (1) (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم
محسنون) (2) وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيرا، وما زال يذكر الله كثيرا ويتشهد
الشهادتين.
ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم قضى نحبه (عليه السلام).
وكانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وكانت ليلة الجمعة
سنة أربعين من الهجرة (3).
5 / 8
بكاء الأرض
2979 - المستدرك على الصحيحين عن أسماء الأنصارية: ما رفع حجر بإيلياء (4)



(1) الصافات: 61.
(2) النحل: 128.
(3) بحار الأنوار: 42 / 290 - 293.
(4) إيلياء: اسم مدينة بيت المقدس، ومعناه بيت الله (معجم البلدان: 293).
268
ليلة قتل علي إلا ووجد تحته دم عبيط (1).
2980 - المستدرك على الصحيحين عن ابن شهاب: قدمت دمشق وأنا أريد
الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش بقرب القائم
وتحته سماطان، فسلمت ثم جلست، فقال لي: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في
بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ فقلت: نعم، فقال: هلم، فقمت من
وراء الناس حتى أتيت خلف القبة، فحول إلي وجهه فاحنا علي فقال ما كان؟
فقلت لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا وجد تحته دم، فقال: لم يبق أحد يعلم
هذا غيري وغيرك، لا يسمعن منك أحد، فما حدثت به حتى توفي (2).
5 / 9
تاريخ شهادته
كان اغتيال الإمام (عليه السلام) على يد ابن ملجم على المشهور في فجر اليوم التاسع
عشر (3) من شهر رمضان. وكانت شهادته (عليه السلام) في ليلة الجمعة (4) الحادي



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 155 / 4694، فرائد السمطين: 1 / 389 / 326؛ المناقب لابن
شهر آشوب: 2 / 346 نحوه عن أبي حمزة عن الإمام الصادق (عليه السلام) وعن سعيد بن المسيب.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 122 / 4591، تاريخ دمشق: 42 / 567، فرائد السمطين:
1 / 389 / 325، الرياض النضرة: 3 / 237 وراجع مقتل أمير المؤمنين: 113 / 107 والمناقب
للخوارزمي: 388 / 404 والفصول المهمة: 138.
(3) الإرشاد: 1 / 9 وص 19، الغيبة للطوسي: 195 / 158، إعلام الورى: 1 / 309، روضة الواعظين:
147؛ مقتل أمير المؤمنين: 59 / 40، المناقب للخوارزمي: 396 / 416 وفيه " ضربه قبل دخول
العشر الأواخر بليلتين ".
(4) الكافي: 7 / 52 / 7، تهذيب الأحكام: 9 / 178 / 714، من لا يحضره الفقيه: 4 / 191 / 5433،
الإرشاد: 1 / 9، الغيبة للطوسي: 195 / 157، تاريخ اليعقوبي: 2 / 212، إثبات الوصية: 165،
إعلام الورى: 1 / 309، روضة الواعظين: 147؛ تاريخ الطبري: 5 / 151، تاريخ دمشق: 42 / 10
و ص 584، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 559 / 942، المعجم الكبير: 1 / 95 / 164، تاريخ
بغداد: 1 / 136، مقتل أمير المؤمنين: 60 / 41 وفي الخمسة الأخيرة " يوم الجمعة "، البداية والنهاية:
7 / 331 وفيه " يوم الجمعة سحرا ".
وفي زمان شهادته (عليه السلام) أقوال أخر: منها ليلة الأحد كما في الكافي: 1 / 452؛ الطبقات الكبرى:
3 / 37، أنساب الأشراف: 3 / 256، تاريخ الطبري: 5 / 152، مروج الذهب: 2 / 426، مقاتل
الطالبيين: 54، أسد الغابة: 4 / 113 / 3789، الإمامة والسياسة: 1 / 181، البداية والنهاية:
7 / 331، مقتل أمير المؤمنين: 61 / 44، المناقب للخوارزمي: 392 / 411 وفيهما " يوم الأحد ".
269
والعشرين (1) من شهر رمضان سنة (40 ه‍) (2)، والذي يصادف ليلة نزول
القرآن (3).
وهناك أقوال أخر حول تاريخ اغتياله وهي: اليوم السابع عشر (4)، والحادي



(1) الكافي: 1 / 452، تهذيب الأحكام: 9 / 178 / 714، من لا يحضره الفقيه: 4 / 191 / 5433،
الإرشاد: 1 / 9، إثبات الوصية: 165، تاريخ اليعقوبي: 2 / 212، إعلام الورى: 1 / 309، روضة
الواعظين: 147؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 154 / 4688، فضائل الصحابة لابن حنبل:
2 / 557 / 939، مروج الذهب: 2 / 426، مقتل أمير المؤمنين: 59 / 40، تاريخ دمشق: 42 / 587،
مقاتل الطالبيين: 54، المناقب للخوارزمي: 396 / 416.
(2) هذه المسألة متفق عليها، وقد وردت في جميع المصادر الموجودة.
(3) الكافي: 1 / 457 / 8، الأمالي للصدوق: 397 / 510، تاريخ اليعقوبي: 2 / 213، روضة
الواعظين: 154؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 154 / 4688، التاريخ الكبير: 2 / 363 / 2760،
تاريخ الطبري: 5 / 157، الأخبار الطوال: 216، مقتل أمير المؤمنين: 95 / 88، تاريخ دمشق:
42 / 586.
(4) أنساب الأشراف: 3 / 253، تاريخ دمشق: 42 / 584 و 585، تاريخ الطبري: 5 / 151 وص
152، مروج الذهب: 2 / 426، أسد الغابة: 4 / 112 / 3789، شرح نهج البلاغة: 1 / 15.
270
والعشرون (1) من شهر رمضان.
كما ذكرت أقوال أخر حول تاريخ شهادته وهي: اليوم الثالث والعشرون (2)،
والتاسع عشر (3)، والسابع عشر (4)، والسابع والعشرون (5) من شهر رمضان سنة
(40 ه‍).
ويوجد هناك اختلاف أيضا بين المؤرخين حول سن الإمام (عليه السلام) حين شهادته؛
فقد ذكر أكثر المؤرخين والمحدثين من الفريقين أن عمره الشريف كان
(63 سنة) (6) بيد أنه توجد أقوال أخر في هذا المضمار، وهي: (58 سنة) (7)



(1) الكافي: 7 / 52 / 7، الغيبة للطوسي: 195 / 157، إثبات الوصية: 164؛ تاريخ دمشق: 42 / 586
و 587، الكامل للمبرد: 3 / 1118، المناقب للخوارزمي: 392 / 411.
(2) الكافي: 7 / 52 / 7، الغيبة للطوسي: 195 / 157؛ الكامل للمبرد: 3 / 1118 - 1120، المناقب
للخوارزمي: 392 / 411.
(3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 559 / 942، الطبقات الكبرى: 3 / 37، أنساب الأشراف:
3 / 257، تاريخ الطبري: 5 / 152، أسد الغابة: 4 / 113 / 3789، البداية والنهاية: 7 / 331.
(4) المعجم الكبير: 1 / 95 / 164، تاريخ بغداد: 1 / 136، تاريخ دمشق: 42 / 584، المناقب
للخوارزمي: 396 / 416، البداية والنهاية: 7 / 331.
(5) الطبقات الكبرى: 3 / 39، الفتوح: 3 / 281.
(6) الكافي: 1 / 452، تاريخ اليعقوبي: 2 / 212؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 156 / 4696،
المعجم الكبير: 1 / 96 / 165، تاريخ بغداد: 1 / 136، التاريخ الصغير: 1 / 107، أنساب الأشراف:
3 / 258، تاريخ الطبري: 5 / 151، مروج الذهب: 2 / 358، تاريخ دمشق: 42 / 10، مقتل
أمير المؤمنين: 64 / 50، الإمامة والسياسة: 1 / 181، البداية والنهاية: 7 / 331.
(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 156 / 4695، تاريخ بغداد: 1 / 136، المعجم الكبير:
1 / 96 / 166، تاريخ دمشق: 42 / 11، مقتل أمير المؤمنين: 63 / 47 و ح 48، تاريخ الطبري:
5 / 151.
271
و (65 سنة) (1) و (64 سنة) (2).
2981 - الكافي: قتل (عليه السلام) في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين
من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة (3).
2982 - الإرشاد: كانت وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة
إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن
ملجم المرادي - لعنه الله - في مسجد الكوفة، وقد خرج (عليه السلام) يوقظ الناس لصلاة
الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك،
فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره مماكر بإظهار النوم في جملة النيام
ثار إليه فضربه على أم رأسه بالسيف وكان مسموما، فمكث يوم تسعة عشر
وليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل، ثم
قضى نحبه (عليه السلام) شهيدا، ولقي ربه تعالى مظلوما (4).
2983 - تاريخ اليعقوبي - بعد ذكر إصابة الإمام (عليه السلام) بالسيف - في خبر: أقام
يومين ومات ليلة الجمعة أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان سنة (40)،
ومن شهور العجم في كانون الآخر، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وغسله الحسن
ابنه بيده، وصلى عليه وكبر عليه سبعا، وقال: أما إنه لا يكبر على أحد بعده،
ودفن بالكوفة في موضع يقال له الغري (5).



(1) تاريخ الطبري: 5 / 151؛ إثبات الوصية: 165.
(2) مقاتل الطالبيين: 54، التاريخ الصغير: 1 / 107.
(3) الكافي: 1 / 452، تهذيب الأحكام: 6 / 19، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 39 وفيهما " ليلة الجمعة ".
(4) الإرشاد: 1 / 9.
(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 212.
272
2984 - المستدرك على الصحيحين عن الحريث بن مخشى: إن عليا قتل صبيحة
إحدى وعشرين من رمضان، قال: فسمعت الحسن بن علي يقول وهو يخطب
وذكر مناقب علي فقال: قتل ليلة أنزل القرآن، وليلة أسري بعيسى، وليلة قبض
موسى. قال: وصلى عليه الحسن بن علي (عليهما السلام) (1).
2985 - الإمام الباقر (عليه السلام): لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) قام الحسن بن علي (عليه السلام) في
مسجد الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه
الآخرون، إنه كان لصاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ عن يمينه جبرئيل وعن يساره
ميكائيل، لا ينثني حتى يفتح الله له.
والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن
يشتري بها خادما لأهله. والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصي موسى
يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم، والليلة التي نزل فيها
القرآن (2).
2986 - الإمام الحسن (عليه السلام): قتل علي ليلة نزل القرآن (3).



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 154 / 4688، الدر المنثور: 2 / 226 عن الحريث بن مخشبي؛
المناقب للكوفي: 2 / 587 / 1098 عن حريث بن المخش وفيهما إلى " موسى ".
(2) الكافي: 1 / 457 / 8 عن أبي حمزة، الإرشاد: 2 / 7 عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، بشارة
المصطفى: 240 عن أبي الطفيل، تاريخ اليعقوبي: 2 / 213؛ المعجم الكبير: 3 / 80 / 2725،
الطبقات الكبرى: 3 / 38 كلاهما عن هبيرة بن يريم، البداية والنهاية: 7 / 333 عن أبي خالد بن
جابر، مجمع الزوائد: 9 / 202 / 14798 عن أبي الطفيل وكلها نحوه.
(3) التاريخ الكبير: 2 / 363 / 2760، تعجيل المنفعة: 117 / 215 كلاهما عن خالد بن جابر عن أبيه.
273
2987 - المناقب لابن شهر آشوب: قبض [علي (عليه السلام)] قتيلا في مسجد الكوفة وقت
التنوير ليلة الجمعة، لتسعة عشر مضين من شهر رمضان، على يدي عبد الرحمن
بن ملجم المرادي، وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب، وشبيب بن بجرة،
والأشعث بن قيس، وقطام بنت الأخضر، فضربه سيفا على رأسه مسموما (1).



(1) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 307، بحار الأنوار: 42 / 199 / 1.
274
الفصل السادس
بعد الاستشهاد
6 / 1
التجهيز والدفن
2988 - فرحة الغري عن أم كلثوم بنت علي (عليه السلام): آخر عهد أبي إلى أخوي (عليهما السلام) أن
قال: يا بني إن أنا مت فغسلاني، ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وفاطمة (عليها السلام)، ثم حنطاني وسجياني على سريري، ثم انتظرا حتى إذا ارتفع لكما
مقدم السرير فاحملا مؤخره، قالت: فخرجت أشيع جنازة أبي، حتى إذا كنا بظهر
الغري ركز (1) المقدم فوضعنا المؤخر، ثم برز الحسن بالبردة التي نشف بها
رسول الله وفاطمة فنشف بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أخذ المعول فضرب ضربة
فانشق القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة مكتوب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا قبر ادخره نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام.



(1) ركز: ثبت بالأرض (انظر مجمع البحرين: 2 / 728).
275
قالت أم كلثوم: فانشق القبر، فلا أدري أغار سيدي في الأرض أم أسري به
إلى السماء؟ إذ سمعت ناطقا لنا بالتعزية: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة
الله على خلقه (1).
2989 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن والحسين
صلوات الله عليهما: غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري،
واحملا مؤخره تكفيان مقدمه، فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور، ولحد ملحود،
ولبن موضوع، فالحداني وأشرجا اللبن علي، وارفعا لبنة مما يلي رأسي فانظرا
ما تسمعان. فأخذا اللبنة من عند الرأس بعدما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس في
القبر شيء وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه،
وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتى لو أن نبيا مات في المشرق ومات
وصيه في المغرب لألحق الله الوصي بالنبي (2).
2990 - فضائل الصحابة عن هارون بن سعد: كان عند علي مسك فوصى أن
يحنط به، وقال: فضل من حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).
2991 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما غسل أمير المؤمنين (عليه السلام) نودوا من جانب البيت: إن
أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه (4).



(1) فرحة الغري: 34، بحار الأنوار: 42 / 216 / 17 وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 348.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 106 / 187، فرحة الغري: 30 كلاهما عن سعد الإسكاف.
(3) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 559 / 943، المستدرك على الصحيحين: 1 / 515 / 1337 عن
أبي وائل، تاريخ دمشق: 42 / 563، أسد الغابة: 4 / 115 / 3789 نحوه، الرياض النضرة: 3 / 237
عن هارون بن سعيد.
(4) الكافي: 1 / 457 / 9، فرحة الغري: 31 كلاهما عن علي بن محمد رفعه، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 64.
276
2992 - العدد القوية: ولما توفي (عليه السلام) غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن
جعفر، وقيل: محمد ابن الحنفية، وقيل: إنه لم يغسل لأنه سيد الشهداء.
قيل: كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وكان عنده من
بقايا حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحنطوه بها، وصلى عليه ولده الحسن (عليه السلام)، وكبر عليه
خمسا، وقيل: ستا، وقيل: سبعا (1).
2993 - الإرشاد عن حبان بن علي العنزي عن مولى لعلي (عليه السلام): لما حضرت
أمير المؤمنين (عليه السلام) الوفاة قال للحسن والحسين (عليهما السلام): إذا أنا مت فاحملاني على
سريري، ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير؛ فإنكما تكفيان مقدمه، ثم ائتيا بي
الغريين (2)؛ فإنكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرا فيها؛ فإنكما تجدان
فيها ساجة، فادفناني فيها.
قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفي مقدمه، وجعلنا
نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين، فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرنا
فإذا ساجة مكتوب عليها: " مما أدخر نوح لعلي بن أبي طالب ". فدفناه فيها،
وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلحقنا قوم من الشيعة
لم يشهدوا الصلاة عليه، فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا:
نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم. فقلنا لهم: إن الموضع قد عفي أثره بوصية
منه (عليه السلام)، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا: إنهم احتفروا فلم يجدوا شيئا (3).



(1) العدد القوية: 242 / 21، بحار الأنوار: 42 / 254 / 56 وراجع جواهر المطالب: 2 / 109.
(2) الغريان: طربالان وهما بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة، قرب قبر علي بن أبي طالب (معجم
البلدان: 4 / 196).
(3) الإرشاد: 1 / 23، إعلام الورى: 1 / 393، فرحة الغري: 36 عن حسان بن علي القسري عن مولى
لعلي (عليه السلام)، روضة الواعظين: 152 وراجع الخرائج والجرائح: 1 / 234 / 78.
277
6 / 2
خطبة الإمام الحسن بعد أبيه
2994 - تاريخ الطبري عن خالد بن جابر: سمعت الحسن يقول - لما قتل علي (عليه السلام)
وقد قام خطيبا، فقال -: لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة فيها نزل القرآن، وفيها رفع
عيسى بن مريم (عليه السلام)، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى (عليهما السلام).
والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد يكون بعده، والله إن كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما
ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة - أو سبعمائة - أرصدها لخادمه (1).
2995 - خصائص أمير المؤمنين عن هبيرة بن يريم: خرج إلينا الحسن بن علي
وعليه عمامة سوداء، فقال: لقد كان فيكم بالأمس رجل ما سبقه الأولون
ولا يدركه الآخرون.
وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فيه: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله، ويقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم لا ترد رايته
حتى يفتح الله عليه. ما ترك دينارا ولا درهما إلا سبعمائة درهم أخذها من
عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله (2).
راجع: (3) من الاغتيال إلى الاستشهاد / تاريخ شهادته.



(1) تاريخ الطبري: 5 / 157، مقتل أمير المؤمنين: 95 / 88 عن جابر وفيه إلى " فتى موسى "؛ روضة
الواعظين: 154 عن حبيب بن عمرو نحوه.
(2) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 68 / 22، مسند ابن حنبل: 1 / 426 / 1720، فضائل الصحابة
لابن حنبل: 1 / 548 / 922، تاريخ دمشق: 42 / 578 كلها عن عمرو بن حبشي وص 579، صحيح
ابن حبان: 15 / 383 / 6936، المستدرك على الصحيحين: 3 / 188 / 4802 عن عمر بن علي عن
الإمام زين العابدين (عليه السلام)، المعجم الكبير: 3 / 79 / 2719 - 2724، المصنف لابن أبي شيبة:
7 / 502 / 42، الطبقات الكبرى: 3 / 38، مروج الذهب: 2 / 426 كلها نحوه وراجع الفتوح:
4 / 282.
278
6 / 3
في رثاء الإمام
2996 - الإمام الحسن (عليه السلام):
أين من كان لعلم ال‍ * - مصطفى في الناس بابا
أين من كان إذا ما * قحط الناس سحابا
أين من كان إذا نو * دي في الحرب استجابا
أين من كان دعاه * مستجابا ومجابا
وله (عليه السلام):
خل العيون وما أرد * ن من البكاء على علي
لا تقبلن من الخلي * فليس قلبك بالخلي
لله أنت إذا الرحا * ل تضعضعت وسط الندي
فرجت غمته ولم * تركن إلى فشل وعي
وله (عليه السلام):
خذل الله خاذليه ولا أغ‍ * - مد عن قاتليه سيف الفناء (1)
2997 - الكامل للمبرد عن أبي الأسود الدؤلي - في رثاء الإمام علي (عليه السلام) -:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا!



(1) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 313، بحار الأنوار: 42 / 241.
279
قتلتم خير من ركب المطايا * ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا (1)
2998 - الكامل للمبرد عن أبي زبيد الطائي - يرثي علي بن أبي طالب (عليه السلام) -:
إن الكرام على ما كان من خلق * رهط امرئ خاره للدين مختار
طب بصير بأضغان الرجال ولم * يعدل بحبر رسول الله أحبار
وقطرة قطرت إذ حان موعدها * وكل شيء له وقت ومقدار
حتى تنصلها في مسجد طهر * على إمام هدى إن معشر جاروا
حمت ليدخل جنات أبو حسن * وأوجبت بعده للقاتل النار (2)
2999 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال صعصعة بن صوحان:
ألا من لي بنشرك يا أخيا * ومن لي أن أبثك ما أريا
طوتك خطوب دهر قد تولى * كذاك خطوبه نشرا وطيا
وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا (3)
3000 - المناقب لابن شهر آشوب عن أبي صالح: لما قتل علي بن أبي طالب قال



(1) تاريخ الطبري: 5 / 150، الكامل في التاريخ: 2 / 438، مروج الذهب: 2 / 428 وفيه " النور فوق "
بدل " البدر راع "، المعجم الكبير: 1 / 103 وليس فيه البيت الخامس وفيه " خيسها " بدل " رحلها "،
أنساب الأشراف: 3 / 265 وليس فيه البيت الثاني والخامس، الفصول المهمة: 138؛ روضة
الواعظين: 153 وفيه " أكرمهم " بدل " رحلها " وراجع أسد الغابة: 4 / 116 / 3789 ووفيات الأئمة:
75.
(2) الكامل للمبرد: 3 / 1123.
(3) روضة الواعظين: 153.
280
ابن عباس: هذا [اليوم] (1) نقص الفقه والعلم من أرض المدينة.
ثم قال: إن نقصان الأرض نقصان علمائها وخيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا
العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى
إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فيضلوا
وأضلوا (2).
3001 - بحار الأنوار عن لوط بن يحيى عن أشياخه: لما ألحد أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقف صعصعة بن صوحان العبدي على القبر، ووضع إحدى يديه على فؤاده
والأخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه، ثم قال: بأبي أنت وأمي يا
أمير المؤمنين، ثم قال:
هنيئا لك يا أبا الحسن! فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك،
وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك، فتلقاك الله ببشارته،
وحفتك ملائكته، واستقررت في جوار المصطفى، فأكرمك الله بجواره، ولحقت
بدرجة أخيك المصطفى، وشربت بكأسه الأوفى، فاسأل الله أن يمن علينا
باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك، والموالاه لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن
يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد،
وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده، وقمت بدين الله
حق القيام، حتى أقمت السنن، وأبرت الفتن واستقام الإسلام، وانتظم الإيمان،
فعليك مني أفضل الصلاة والسلام.



(1) ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار.
(2) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 308، بحار الأنوار: 42 / 236 / 45.
281
بك اشتد ظهر المؤمنين، واتضحت أعلام السبل، وأقيمت السنن، وما جمع
لأحد مناقبك وخصالك، سبقت إلى إجابة النبي (صلى الله عليه وآله) مقدما مؤثرا، وسارعت إلى
نصرته، ووقيته بنفسك، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر،
قصم الله بك كل جبار عنيد، ودل (1) بك كل ذي بأس شديد، وهدم بك حصون
أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى، فهنيئا
لك يا أمير المؤمنين، كنت أقرب الناس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قربا، وأولهم سلما،
وأكثرهم علما وفهما، فهنيئا لك يا أبا الحسن، لقد شرف الله مقامك، وكنت أقرب
الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نسبا، وأولهم إسلاما، وأوفاهم يقينا، وأشدهم قلبا،
وأبذلهم لنفسه مجاهدا، وأعظمهم في الخير نصيبا؛ فلا حرمنا الله أجرك، ولا
أذلنا بعدك، فوالله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر، وإن يومك هذا
مفتاح كل شر ومغلاق كل خير، ولو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن
تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة.
ثم بكى بكاء شديدا وأبكى كل من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين
ومحمد وجعفر والعباس ويحيى وعون وعبد الله (عليهم السلام)، فعزوهم في أبيهم صلوات
الله عليه، وانصرف الناس، ورجع أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعتهم إلى الكوفة (2).
3002 - الكافي عن أسيد بن صفوان: لما كان اليوم الذي قبض فيه
أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي (صلى الله عليه وآله)، وجاء
رجل باكيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى



(1) كذا في المصدر، والظاهر أنها بالمعجمة.
(2) بحار الأنوار: 42 / 295.
282
وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
رحمك الله يا أبا الحسن! كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم
يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وآمنهم على
أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم
عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين
ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ هم أصحابه، وكنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع برغم
المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين.
فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا،
فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم
نطقا، وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم
بالأمور. كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الأول حين تفرق الناس، والآخر
حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما
عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ (1) اجتمعوا،
وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم
يحتسبوا.
كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله



(1) في المصدر: " إذا "، والصحيح ما أثبتناه كما في بقية المصادر.
283
بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك،
ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر.
كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: آمن الناس في صحبتك
وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في
نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد
فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة،
الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك
ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك
الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم
وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير وأطفئت النيران، واعتدل بك
الدين، وقوي بك الإسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الإسلام
والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن
البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه
راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون
بمثلك أبدا. كنت للمؤمنين كهفا وحصنا، وقنة (1) راسيا، وعلى الكافرين غلظة
وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك. وسكت القوم
حتى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم طلبوه فلم
يصادفوه (2).



(1) القنة: أعلى الجبل، وهو على الاستعارة (مجمع البحرين: 3 / 1518).
(2) الكافي: 1 / 454 / 4، كمال الدين: 388 / 3، الأمالي للصدوق: 312 / 363 كلاهما نحوه،
بحار الأنوار: 42 / 303 / 4 وج 100 / 354 / 1.
284
6 / 4
موقف عائشة من قتل الإمام
3003 - مقاتل الطالبيين عن أبي البختري: لما أن جاء عائشة قتل علي (عليه السلام)
سجدت (1).
3004 - الاستيعاب عن عائشة - لما بلغها قتل علي (عليه السلام) -: لتصنع العرب ما
شاءت؛ فليس أحد ينهاها (2).
3005 - تاريخ الطبري: لما انتهى إلى عائشة قتل علي (رضي الله عنه) قالت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فمن قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسى، فإذا
نسيت فذكروني (3).
6 / 5
كلام معاوية لما جيء بنعي الإمام
3006 - تاريخ دمشق عن المغيرة: لما جيء معاوية بنعي علي وهو قائل مع



(1) مقاتل الطالبيين: 55؛ الجمل: 159 وفيه " خرت ساجدة شكرا على ما بلغها من قتله ".
(2) الاستيعاب: 3 / 218 / 1875، ذخائر العقبى: 201، الرياض النضرة: 3 / 237.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 150، الكامل في التاريخ: 2 / 438، مقاتل الطالبيين: 55، الطبقات الكبرى:
3 / 40، أنساب الأشراف: 3 / 263 وفيهما إلى " المسافر "، جواهر المطالب: 2 / 104؛ الجمل: 159
نحوه، الشافي: 4 / 355، بحار الأنوار: 320 / 340 / 318 - 326 وراجع الأخبار الموفقيات:
131 / 59.
285
امرأته بنت قرظة في يوم صائف قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم
والحلم والفضل والفقه! فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في عينيه وتسترجع
اليوم عليه؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه وفضله وسوابقه (1).
6 / 6
قصاص ابن ملجم
3007 - تهذيب الأحكام عن أبي مطر: لما ضرب ابن ملجم الفاسق - لعنه
الله - أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له الحسن (عليه السلام): أقتله؟ قال: لا، ولكن احبسه؛ فإذا مت
فاقتلوه، وإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح (عليهما السلام) (2).
3008 - فضائل الصحابة عن الحسن بن كثير عن أبيه: قلت: يا أمير المؤمنين، خل
بيننا وبين مراد؛ فلا تقوم لهم زاعبة (3) أو راعية أبدا، قال: لا، ولكن احبسوا
الرجل، فإن أنا مت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص (4).
3009 - مقاتل الطالبيين عن عبد الله بن محمد الأزدي: أدخل ابن ملجم لعنه الله
على علي، ودخلت عليه فيمن دخل، فسمعت عليا يقول: (النفس بالنفس) (5) إن



(1) تاريخ دمشق: 42 / 583، مقتل أمير المؤمنين: 105 / 94 وفيه " الخير " بدل " الحلم "، المناقب
للخوارزمي: 391 / 408 نحوه.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 33 / 66، فرحة الغري: 38.
(3) زعب البعير بحمله: مر به مثقلا (لسان العرب: 1 / 449) وفي تاريخ دمشق: " راعية أو راغية "،
والراغية: الناقة (انظر لسان العرب: 14 / 330).
(4) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 560 / 944، تاريخ دمشق: 42 / 555 وراجع البداية والنهاية:
8 / 13.
(5) المائدة: 45.
286
أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي (1).
3010 - الإرشاد: جاء الناس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا له: يا أمير المؤمنين مرنا
بأمرك في عدو الله؛ فلقد أهلك الأمة وأفسد الملة! فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): إن
عشت رأيت فيه رأيي، وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي، اقتلوه ثم
حرقوه بعد ذلك بالنار (2).
3011 - مسند ابن حنبل عن أبي تحيى: لما ضرب ابن ملجم عليا (رضي الله عنه) الضربة قال
علي: افعلوا به ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يفعل برجل أراد قتله، فقال: اقتلوه ثم
حرقوه (3).
3012 - تاريخ اليعقوبي: اجتمع الناس، فبايعوا الحسن بن علي، وخرج الحسن
ابن علي إلى المسجد الجامع، فخطب خطبة له طويلة، ودعا بعبد الرحمن بن
ملجم، فقال عبد الرحمن: ما الذي أمرك به أبوك؟ قال: أمرني أن لا أقتل غير
قاتله، وأن أشبع بطنك، وأنعم وطاءك، فإن عاش أقتص أو أعفو، وإن مات
ألحقنك به.
فقال ابن ملجم: إن كان أبوك ليقول الحق ويقضي به في حال الغضب والرضا،



(1) مقاتل الطالبيين: 49، المعجم الكبير: 1 / 99 / 168، تاريخ الطبري: 5 / 146، المناقب
للخوارزمي: 383 / 401 والثلاثة الأخيرة عن محمد ابن الحنفية، الكامل في التاريخ: 2 / 435
نحوه؛ الإرشاد: 1 / 21، إعلام الورى: 1 / 391، روضة الواعظين: 150، المناقب لابن شهر آشوب:
3 / 312 نحوه.
(2) الإرشاد: 1 / 21، إعلام الورى: 1 / 391، روضة الواعظين: 150، المناقب لابن شهر آشوب:
3 / 312 نحوه وفيه من " إن عشت... ".
(3) مسند ابن حنبل: 1 / 200 / 713، تاريخ دمشق: 42 / 560 / 9065، المستدرك على الصحيحين:
3 / 155 / 4692 عن أبي يحيى، تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب): 70 / 6 كلاهما نحوه.
287
فضربه الحسن بالسيف، فالتقاه بيده فندرت (1)، وقتله (2).
3013 - الإرشاد: لما قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) وفرغ أهله من دفنه جلس
الحسن (عليه السلام) وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجيء به، فلما وقف بين يديه قال له: يا
عدو الله!! قتلت أمير المؤمنين، وأعظمت الفساد في الدين. ثم أمر به فضربت
عنقه، واستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه لتتولى إحراقها،
فوهبها لها، فأحرقتها بالنار (3).
3014 - تاريخ الطبري: وقد كان علي نهى الحسن عن المثلة، وقال: يا بني
عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قتل أمير المؤمنين،
قتل أمير المؤمنين! ألا لا يقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن؛ إن أنا مت من ضربته
هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل؛ فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور.
فلما قبض (عليه السلام) بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟
إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به، إني كنت قد أعطيت الله عهدا عند
الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه،
ولك الله علي إن لم أقتله - أو قتلته ثم بقيت - أن آتيك حتى أضع يدي في يدك.
فقال له الحسن: أما والله حتى تعاين النار فلا. ثم قدمه فقتله، ثم أخذه الناس



(1) ندرت: سقطت ووقعت (النهاية: 5 / 35).
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 214.
(3) الإرشاد: 1 / 22 عن أبي مخنف وإسماعيل بن راشد وأبي هشام الرفاعي وأبي عمرو الثقفي
وغيرهم، روضة الواعظين: 150، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 313، إعلام الورى: 1 / 391
كلاهما نحوه؛ الفصول المهمة: 134 وراجع مقاتل الطالبيين: 54.
288
فأدرجوه في بواري، ثم أحرقوه بالنار (1).
6 / 7
مكان قبر الإمام
3015 - الإمام الباقر (عليه السلام): كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام): أن أخرجوني إلى الظهر
فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني، وهو أول طور سيناء، ففعلوا
ذلك (2).
3016 - الإمام الصادق (عليه السلام): كان أمير المؤمنين علي يأتي النجف ويقول: وادي
السلام ومجمع أرواح المؤمنين ونعم المضجع للمؤمن هذا المكان. وكان يقول:
اللهم اجعل قبري بها (3).
3017 - فرحة الغري عن أحمد بن حباب: نظر أمير المؤمنين إلى ظهر الكوفة
فقال: ما أحسن ظهرك، وأطيب قعرك! اللهم اجعل قبري بها (4).
3018 - تهذيب الأحكام عن أبي طالب: سألت الحسن بن علي (عليهما السلام): أين دفنتم
أمير المؤمنين؟ قال: على شفير الجرف، ومررنا به ليلا على مسجد الأشعث،
وقال: ادفنوني في قبر أخي هود (عليه السلام) (5).



(1) تاريخ الطبري: 5 / 148، الكامل في التاريخ: 2 / 435 و 436، المعجم الكبير: 1 / 100 / 168
نحوه، تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب): 75 / 137 كلاهما عن إسماعيل بن راشد وليس
فيهما قول النبي (صلى الله عليه وآله)، البداية والنهاية: 7 / 331 وليس فيه صدره نحوه.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 34 / 69، فرحة الغري: 50 كلاهما عن الثمالي، جامع الأخبار: 73 / 94.
(3) تاريخ دمشق: 1 / 213 عن محمد بن مسلم.
(4) فرحة الغري: 31، إرشاد القلوب: 439.
(5) تهذيب الأحكام: 6 / 34 / 67، جامع الأخبار: 72 / 92، فرحة الغري: 38 وزاد في آخره ف
" وصالح "؛ مقاتل الطالبيين: 54 عن الحسن بن علي الخلال عن جده نحوه وفيه " حتى خرجنا به إلى
الظهر بجنب الغري " بدل " قال: ادفنوني... ".
289
3019 - الإرشاد عن جابر بن يزيد: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): أين
دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: دفن بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل
قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) (1).
3020 - فرحة الغري عن أبي بصير: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)؛
فإن الناس قد اختلفوا فيه، قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن مع أبيه نوح في قبره،
قلت: جعلت فداك من تولى دفنه؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع الكرام الكاتبين
بالروح والريحان (2).
3021 - تهذيب الأحكام عن أبي بصير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أين دفن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: دفن في قبر أبيه نوح (عليه السلام) قلت: وأين قبر نوح؟ الناس
يقولون: إنه في المسجد، قال: لا، ذاك في ظهر الكوفة (3).
3022 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) أخرجه الحسن والحسين
ورجلان آخران، حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم، ثم أخذوا
في الجبانة حتى مروا به إلى الغري، فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا (4).
3023 - فرحة الغري عن عبد الرحيم القصير: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر



(1) الإرشاد: 1 / 24، إعلام الورى: 1 / 393، فرحة الغري: 51، بحار الأنوار: 42 / 220 / 26.
(2) فرحة الغري: 48، بحار الأنوار: 42 / 218 / 22.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 34 / 68، جامع الأخبار: 73 / 93، فرحة الغري: 70 وص 64.
(4) الكافي: 1 / 458 / 11، فرحة الغري: 90 كلاهما عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا.
290
أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) مدفون في قبر نوح. قال: قلت: ومن
نوح؟ قال: نوح النبي (عليه السلام). قلت: كيف صار هكذا؟ فقال: إن أمير المؤمنين
صديق، هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق.
يا عبد الرحيم، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرنا بموته وبالموضع الذي دفن فيه،
وأنزل الله عز وجل له حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره أن
الملائكة تنزله قبره، فلما قبض (عليه السلام) كان فيما أوصى به ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)
إذ قال لهما:
إذا مت فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليل سرا، واحملا يا بني بمؤخر
السرير واتبعاه، فإذا وضع فضعا، وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه،
وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل، وسوياه (1).
3024 - فرحة الغري عن أبي بكر بن عياش: سألت أبا حصين والأعمش وغيرهم
فقلت: أخبركم أحد أنه صلى على أمير المؤمنين (عليه السلام) أو شهد دفنه؟ قالوا: لا،
فسألت أباك محمد بن السائب فقال: أخرج به ليلا، وخرج به الحسن
والحسين (عليهما السلام) ومحمد ابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وعدة من أهل بيته، فدفن في
ظهر الكوفة، فقلت لأبيك: لم فعل به ذلك؟ قال: مخافة أن ينبشه الخوارج
وغيرهم (2).
3025 - تاريخ اليعقوبي: دفن بالكوفة في موضع يقال له: الغري (3).



(1) فرحة الغري: 49، بحار الأنوار: 42 / 219 / 23.
(2) فرحة الغري: 124، بحار الأنوار: 42 / 222 / 30؛ مقتل أمير المؤمنين: 79.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 213.
291
6 / 8
إخفاء قبر الإمام
3026 - الإمام الصادق (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربعة
قبور في أربعة مواضع: في المسجد، وفي الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة
ابن هبيرة، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره (عليه السلام) (1).
3027 - إرشاد القلوب: لما قبض وغسل وكفن أخرج إلى مسجد الكوفة أربع
توابيت فصلي عليها، ثم أدخل تابوت إلى البيت والثلاثة الباقية منها ما بعث إلى
جهة بيت الله الحرام، ومنها ما حمل إلى مدينة الرسول، ومنها ما نقل إلى البيت
المقدس، وفعل ذلك لإخفائه (عليه السلام) (2).
راجع: بعد الاستشهاد / ظهور قبر الإمام.
6 / 9
ظهور قبر الإمام
3028 - من لا يحضره الفقيه عن صفوان عن الإمام الصادق (عليه السلام): سار وأنا معه في
القادسية (3) حتى أشرف على النجف... ثم قال (عليه السلام): اعدل بنا، قال: فعدلت به فلم
يزل سائرا حتى أتى الغري، فوقف على القبر فساق السلام من آدم على نبي



(1) فرحة الغري: 32 عن محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي وحدثتني أمي عن أمها،
بحار الأنوار: 42 / 214 / 15 وج 100 / 250 / 44.
(2) إرشاد القلوب: 435.
(3) القادسية: مدينة بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا، وبينها وبين العذيب أربعة أميال، وقعت
عندها الحرب المعروفة بين المسلمين والفرس (راجع معجم البلدان: 4 / 291).
292
نبي (عليهم السلام) وأنا أسوق السلام معه حتى وصل السلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم خر على القبر
فسلم عليه وعلا نحيبه، ثم قام فصلى أربع ركعات - وفي خبر آخر: ست
ركعات - وصليت معه، وقلت له: يا بن رسول الله ما هذا القبر؟ قال: هذا القبر قبر
جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1).
3029 - فرحة الغري عن صفوان الجمال: خرجت مع الصادق (عليه السلام) من المدينة أريد
الكوفة، فلما جزنا باب الحيرة (2) قال: يا صفوان. قلت: لبيك يا بن رسول الله.
قال: تخرج المطايا إلى القائم وجد الطريق إلى الغري.
قال صفوان: فلما صرنا إلى قائم الغري أخرج رشاء (3) معه دقيقا قد عمل من
الكنبار (4)، ثم تبعد من القائم مغربا خطى كثيرة، ثم مد ذلك الرشاء حتى انتهى إلى
آخره فوقف، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفا من تراب فشمه مليا،
ثم أقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الآن، ثم ضرب بيده المباركة إلى
التربة، فقبض منها قبضة، ثم شهق شهقة حتى ظننت أنه فارق الدنيا، فلما أفاق
قال: هاهنا والله مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم خط تخطيطا، فقلت: يا بن
رسول الله، ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده؟ قال: حذرا من بني
مروان والخوارج أن تحتال في أذاه (5).



(1) من لا يحضره الفقيه: 2 / 586 / 3195، كامل الزيارات: 84 / 83، فرحة الغري: 99.
(2) الحيرة: مدينة جاهلية كثيرة الأنهار، وهي عن الكوفة على نحو فرسخ، وكانت منازل آل النعمان بن
المنذر (تقويم البلدان: 299).
(3) الرشاء: الحبل (لسان العرب: 14 / 322).
(4) الكنبار: حبل النارجيل، وهو نخيل الهند تتخذ من ليفه حبال للسفن (لسان العرب: 5 / 153).
(5) فرحة الغري: 92، بحار الأنوار: 100 / 235 / 1.
293
3030 - الكافي عن صفوان الجمال: كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي
عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فقال له عامر: جعلت فداك إن الناس يزعمون أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن بالرحبة (1)؟ قال: لا، قال: فأين دفن؟ قال: إنه لما مات
احتمله الحسن (عليه السلام) فأتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغري يمنة عن
الحيرة، فدفنه بين ذكوات (2) بيض.
فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع فتوهمت موضعا منه، ثم أتيته فأخبرته فقال
لي: أصبت رحمك الله - ثلاث مرات - (3).
3031 - الكافي عن عبد الله بن سنان: أتاني عمر بن يزيد فقال لي: اركب، فركبت
معه، فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناسي، فاستخرجته فركب معنا، ثم
مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر، فقال: انزلوا هذا قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)،
فقلنا من أين علمت؟ فقال: أتيته مع أبي عبد الله (عليه السلام) حيث كان بالحيرة غير مرة،
وخبرني أنه قبره (4).
3032 - الإرشاد: تولى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأمره، وحملاه



(1) الرحبة: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة (معجم البلدان: 3 / 33).
(2) في المصدر: " زكوات "، والصحيح ما أثبتناه كما في نسخة مرآة العقول.
قال المجلسي: كذا في أكثر نسخ الحديث، ولعله أراد التلال الصغيرة التي كانت محيطة بقبره
صلوات الله عليه، شبهها - لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها، لاشتمالها على الوصيات
البيض والدراري - بالجمرة الملتهبة، إذ الذكوة هي الجمرة الملتهبة كما ذكره اللغويون
(مرآة العقول: 5 / 305).
(3) الكافي: 1 / 456 / 5، كامل الزيارات: 81 / 77، فرحة الغري: 62 وفيه " خزاعة " بدل " جذاعة ".
(4) الكافي: 1 / 456 / 6، كامل الزيارات: 82 / 79، فرحة الغري: 63.
294
إلى الغري من نجف الكوفة، فدفناه هناك وعفيا موضع قبره بوصية كانت منه
إليهما في ذلك؛ لما كان يعلمه (عليه السلام) من دولة بني أمية من بعده، واعتقادهم في
عداوته، وما ينتهون إليه بسوء النيات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكنوا من
ذلك، فلم يزل قبره (عليه السلام) مخفى حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في الدولة
العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر [المنصور] - وهو بالحيرة - فعرفته
الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته عليه السلام وعلى ذريته الطاهرين، وكان
سنه (عليه السلام) يوم وفاته ثلاثا وستين سنة (1).
3033 - الإرشاد عن عبد الله بن خازم: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد،
فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية (2)، فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقورة
والكلاب، فجاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة (3) فسقطت عليها فسقطت
الصقورة ناحية ورجعت الكلاب، فعجب الرشيد من ذلك، ثم إن الظباء هبطت
من الأكمة فهطبت الصقورة والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها
الكلاب والصقورة، ففعلت ذلك ثلاثا، فقال الرشيد: اركضوا؛ فمن لقيتموه
فأتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسد، فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأكمة؟
قال: إن جعلت لي الأمان أخبرتك. قال: لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا
أؤذيك.
قال: حدثني أبي عن آبائي أنهم كانوا يقولون: إن في هذه الأكمة قبر علي بن



(1) الإرشاد: 1 / 10، إعلام الورى: 1 / 312 نحوه إلى " بالحيرة ".
(2) الثوية: موضع قريب من الكوفة، وقيل بالكوفة (معجم البلدان: 2 / 87).
(3) الأكمة: الرابية؛ وهي ما ارتفع من الأرض (النهاية: 1 / 59 وج 2 / 192).
295
أبي طالب (عليه السلام)، جعله الله حرما لا يأوي إليه شيء إلا أمن. فنزل هارون فدعا بماء
وتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليها وجعل يبكي، ثم انصرفنا (1).



(1) الإرشاد: 1 / 26، إرشاد القلوب: 435، فرحة الغري: 119 كلاهما عن عبد الله بن حازم، الخرائج
والجرائح: 1 / 234 / 78 كلها نحوه، بحار الأنوار: 42 / 224 / 33.
296
بحث حول موضع قبر الإمام
قال العلامة المجلسي (قدس سره): اعلم أنه كان في بعض الأزمان بين المخالفين
اختلاف في موضع قبره الشريف (عليه السلام)؛ فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه دفن
في رحبة مسجد الكوفة، وقيل: إنه دفن في قصر الإمارة، وقيل: إنه أخرجه معه
الحسن (عليه السلام) وحمله معه إلى المدينة ودفنه بالبقيع، وكان بعض جهلة الشيعة
يزورونه بمشهد في الكرخ، وقد أجمعت الشيعة على أنه (عليه السلام) مدفون بالغري في
الموضع المعروف عند الخاص والعام، وهو عندهم من المتواترات، رووه خلفا
عن سلف إلى أئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين، وكان السبب في هذا
الاختلاف إخفاء قبره (عليه السلام) خوفا من الخوارج والمنافقين، وكان لا يعرف ذلك إلا
خاص الخاص من الشيعة، إلى أن ورد الصادق (عليه السلام) الحيرة في زمن السفاح
فأظهره لشيعته، ومن هذا اليوم إلى الآن يزوره كافة الشيعة في هذا المكان، وقد
كتب عبد الكريم بن أحمد ابن طاووس كتابا في تعيين موضع قبره (عليه السلام) ورد أقوال
المخالفين وسماه فرحة الغري، وذكر فيه أخبارا متواترة فرقناها على الأبواب.
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1): قال أبو الفرج
الأصفهاني: حدثني أحمد بن عيسى، عن الحسين بن نصر، عن زيد بن المعدل،



(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 122.
297
عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن فضل بن جريح، عن الأسود الكندي
والأجلح قالا: توفي علي (عليه السلام) وهو ابن أربع وستين سنة في عام أربعين من الهجرة
ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت في شهر رمضان، وولي غسله ابنه
الحسن (عليه السلام) وعبد الله بن العباس، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وصلى
عليه ابنه الحسن، فكبر عليه خمس تكبيرات، ودفن في الرحبة مما يلي أبواب
كندة عند صلاة الصبح، هذه رواية أبي مخنف.
قال أبو الفرج: وحدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي، عن
يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الخلال، عن جده قال:
قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): أين دفنتم أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: خرجنا به ليلا من
منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري،
قلت: وهذه الرواية هي الحق، وعليها العمل، وقد قلنا فيما تقدم أن أبناء الناس
أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغري هو الذي
كان بنو علي يزورونه قديما وحديثا ويقولون: هذا قبر أبينا، لا يشك أحد في
ذلك من الشيعة ولا من غيرهم، أعني بني علي من ظهر الحسن والحسين وغيرهما
من سلالته المتقدمين منهم والمتأخرين ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر
بعينه. وقد روى أبو الفرج علي بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال:
مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي، ليس قبر أحد منهم معروفا إلا قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)،
وهو القبر الذي تزوره الناس الآن، جاء جعفر بن محمد وأبوه محمد بن علي بن
الحسين (عليهم السلام) فزاراه ولم يكن إذ ذاك قبر ظاهر، وإنما كان به شيوخ (1) أيضا، حتى
جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة (2).



(1) من الأشجار الشيخ؛ وهي شجرة يقال لها: شجرة الشيوخ (لسان العرب: 3 / 32).
(2) بحار الأنوار: 42 / 337.
298
الفصل السابع
زيارة الإمام
7 / 1
ثواب زيارته
3034 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زار عليا بعد وفاته فله الجنة (1).
3035 - الإمام الصادق (عليه السلام): بينا الحسن بن علي (عليهما السلام) في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ رفع
رأسه فقال: يا أبه، ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال: يا بني، من أتاني زائرا بعد
موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن أتى أخاك زائرا
بعد موته فله الجنة، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة (2).
3036 - الإمام الحسن (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبة ما جزاء من زارك؟ قال



(1) المقنعة: 462، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 40 كلاهما عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، المناقب لابن
شهر آشوب: 3 / 317، عوالي اللآلي: 1 / 305 / 6 من دون إسناد إلى المعصوم نحوه.
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 20 / 44، المزار للمفيد: 180 كلاهما عن عبد الله بن سنان، روضة الواعظين:
186، جامع الأخبار: 75 / 99 كلاهما عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام).
299
رسول الله (صلى الله عليه وآله): بني من زارني حيا أو ميتا، أو زار أباك، كان حقا على الله عز وجل
أن أزوره يوم القيامة فأخلصه من ذنوبه (1).
3037 - الإمام الصادق (عليه السلام): أتى أعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إن
منزلي ناء عن منزلك، وإني أشتاقك وأشتاق إلى زيارتك، وأقدم فلا أجدك
وأجد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيؤنسني بحديثه ومواعظه، وأرجع وأنا متأسف
على رؤيتك.
فقال (عليه السلام): من زار عليا (عليه السلام) فقد زارني، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد
أبغضني، أبلغ قومك هذا عني، ومن أتاه زائرا فقد أتاني وأنا المجازي له يوم
القيامة، وجبرئيل، وصالح المؤمنين (2).
3038 - الكافي عن يونس بن أبي وهب القصري: دخلت المدينة فأتيت
أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: بئس
ما صنعت لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله مع
الملائكة، ويزوره الأنبياء، ويزوره المؤمنون؟ قلت: جعلت فداك، ما علمت
ذلك. قال: اعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أفضل من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم،
وعلى قدر أعمالهم فضلوا (3).



(1) كامل الزيارات: 91 / 92 عن المعلى بن أبي شهاب عن الإمام الصادق (عليه السلام)، الأمالي للصدوق:
114 / 94، بشارة المصطفى: 245 كلاهما عن العلاء بن المسيب عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام)
وفيهما " من زارني أو زار أباك أو زارك أو زار أخاك كان حقا علي أن أزوره... " بدل " من زارني... ".
(2) المزار الكبير: 38 / 13 عن إسحاق بن عمار، بحار الأنوار: 100 / 262 / 17.
(3) الكافي: 4 / 580 / 3، كامل الزيارات: 89 / 90 عن أبي وهب البصري، تهذيب الأحكام:
6 / 20 / 45 وفيهما " قبر أمير المؤمنين " بدل " أمير المؤمنين "، فرحة الغري: 74 كلاهما عن
أبي وهب القصري.
300
3039 - الإمام الصادق (عليه السلام): من ترك زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) لم ينظر الله إليه، ألا
تزورون من تزوره الملائكة والنبيون (عليهم السلام)؟ إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أفضل من كل
الأئمة، وله مثل ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فضلوا (1).
3040 - تهذيب الأحكام عن أبي عامر الساجي: أتيت أبا عبد الله جعفر بن
محمد (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، ما لمن زار قبره - يعني أمير المؤمنين -
وعمر تربته -؟
قال: يا أبا عامر، حدثني أبي عن أبيه عن جده الحسين بن علي عن علي (عليهم السلام)
أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: والله لتقتلن بأرض العراق، وتدفن بها. قلت: يا رسول الله، ما
لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي:
يا أبا الحسن! إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من
عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن إليكم
وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم إلى
الله مودة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون
حوضي، وهم زواري غدا في الجنة.
يا علي! من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء
بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة
الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر
أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على قلب بشر.



(1) المقنعة: 462، خصائص الأئمة (عليهم السلام): 40، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 317 وفيه إلى " والنبيون ".
301
ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها،
أولئك شرار أمتي، لا نالتهم شفاعتي، ولا يردون حوضي (1).
3041 - تهذيب الأحكام عن جعفر بن محمد بن مالك عن رجاله يرفعه: كنت عند
جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) وقد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال
ابن مارد لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار جدك أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فقال: يا بن مارد،
من زار جدي عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة،
والله يا بن مارد ما يطعم الله النار قدما اغبرت في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا
كان أو راكبا، يا بن مارد! اكتب هذا الحديث بماء الذهب (2).
3042 - الإمام الصادق (عليه السلام): من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا كتب الله له بكل خطوة
حجة وعمرة، فإن رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجتين وعمرتين (3).
7 / 2
ما يقال في زيارته
3043 - الإمام الصادق (عليه السلام): زار زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) قبر
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ووقف على القبر فبكى ثم قال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أمين الله
في أرضه، وحجته على عباده، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 22 / 50، فرحة الغري: 77 عن أبي عامر التباني، المزار للمفيد: 228 / 12
نحوه وفيه " هم زواري وجيراني " بدل " هم زواري ".
(2) تهذيب الأحكام: 6 / 21 / 49، فرحة الغري: 75.
(3) تهذيب الأحكام: 6 / 20 / 46 عن الحسين بن إسماعيل الصيمري، فرحة الغري: 75 عن الحسين
بن إسماعيل الصيرفي.
302
بكتابه، واتبعت سنن نبيه (صلى الله عليه وآله)، حتى دعاك الله إلى جواره، وقبضك إليه باختياره،
وألزم أعداءك الحجة في قتلهم إياك، مع مالك من الحجج البالغة على جميع
خلقه.
اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك،
محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة على نزول بلائك،
شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة إلى فرحة لقائك، متزودة
التقوى ليوم جزائك، مستنة بسنن أوليائك، مفارقة لأخلاق أعدائك، مشغولة
عن الدنيا بحمدك وثنائك.
ثم وضع خده على القبر وقال: اللهم قلوب المخبتين إليك والهة، وسبل
الراغبين إليك شارعة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة العارفين منك
فازعة، وأصوات الداعين إليك صاعدة، وأبواب الإجابة لهم مفتحة، ودعوة من
ناجاك مستجابة، وتوبة من أناب إليك مقبولة، وعبرة من بكى من خوفك
مرحومة، والإعانة لمن استعان بك موجودة، والإغاثة لمن استغاث بك مبذولة،
وعداتك لعبادك منجزة، وزلل من استقالك مقالة، وأعمال العاملين لديك
محفوظة، وأرزاقك إلى الخلائق من لدنك نازلة، وعوائد المزيد لهم متواترة،
وذنوب المستغفرين مغفورة، وحوائج خلقك عندك مقضية، وجوائز السائلين
عندك موفرة، وعوائد المزيد إليهم واصلة، وموائد المستطعمين معدة، ومناهل
الظماء مترعة.
اللهم فاستجب دعائي، واقبل ثنائي، وأعطني جزائي، واجمع بيني وبين
أوليائي بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إنك ولي نعمائي، ومنتهى
رجائي، وغاية مناي في منقلبي ومثواي.

303
أنت إلهي وسيدي ومولاي اغفر لأوليائنا، وكف عنا أعداءنا، واشغلهم عن
أذانا، وأظهر كلمة الحق واجعلها العليا، وأدحض كلمة الباطل واجعلها السفلى،
إنك على كل شيء قدير (1).
3044 - الإمام الباقر (عليه السلام): مضيت مع والدي علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى قبر جدي
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالنجف بناحية الكوفة، فوقف عليه ثم
بكى، وقال: السلام على أبي الأئمة، وخليل النبوة، والمخصوص بالأخوة،
السلام على يعسوب الإيمان، وميزان الأعمال، وسيف ذي الجلال، السلام على
صالح المؤمنين، ووارث علم النبيين، الحاكم في يوم الدين، السلام على شجرة
التقوى، السلام على حجة الله البالغة، ونعمته السابغة، ونقمته الدامغة، السلام
على الصراط الواضح، والنجم اللائح، والإمام الناصح ورحمة الله وبركاته.
ثم قال: أنت وسيلتي إلى الله وذريعتي، ولي حق موالاتي وتأميلي؛ فكن لي
شفيعي إلى الله عز وجل في الوقوف على قضاء حاجتي؛ وهي فكاك رقبتي من
النار، واصرفني في موقفي هذا بالنجح، وبما سألته كله برحمته وقدرته.
اللهم ارزقني عقلا كاملا، ولبا راجحا، وقلبا زاكيا، وعملا كثيرا، وأدبا بارعا،



(1) كامل الزيارات: 92 / 93 عن علي بن مهدي بن صدقة الرقي عن الإمام الرضا عن أبيه (عليهما السلام)، مصباح
المتهجد: 738 / 829، المزار للشهيد الأول: 114، فرحة الغري: 43 كلها عن جابر بن يزيد الجعفي
عن الإمام الباقر (عليه السلام) نحوه وزاد في صدره " كان أبي علي بن الحسين (عليه السلام) قد اتخذ منزله من بعد مقتل أبيه
الحسين بن علي (عليه السلام) بيتا من شعر، وأقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطة الناس
وملاقاتهم، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجده (عليهما السلام) ولا يشعر بذلك من فعله.
قال محمد بن علي: فخرج سلام الله عليه متوجها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين وأنا معه وليس
معنا ذو روح إلا الناقتين، فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة وصار إلى مكان منه فبكى حتى
اخضلت لحيته بدموعه "، بحار الأنوار: 100 / 266 / 9 وص 264 / 2.
304
واجعل ذلك كله لي، ولا تجعله علي، برحمتك يا أرحم الراحمين (1).
3045 - المزار عن صفوان: سألت الصادق (عليه السلام)، فقلت: كيف تزور
أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال... قل: السلام على أبي الأئمة وخليل النبوة المخصوص
بالأخوة. السلام على يعسوب الدين والإيمان وكلمة الرحمن. السلام على
ميزان الأعمال، ومقلب الأحوال، وسيف ذي الجلال، وساقي السلسبيل الزلال.
السلام على صالح المؤمنين، ووارث علم النبيين، والحاكم يوم الدين. السلام
على شجرة التقوى، وسامع السر والنجوى. السلام على حجة الله البالغة، ونعمته
السابغة، ونقمته الدامغة. السلام على الصراط الواضح، والنجم اللائح، والإمام
الناصح، والزناد القادح ورحمة الله وبركاته.
ثم تقول: اللهم صل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخي نبيك، ووليه،
وناصره، ووصيه، ووزيره، ومستودع علمه، وموضع سره، وباب حكمته،
والناطق بحجته، والداعي إلى شريعته، وخليفته في أمته، ومفرج الكرب عن
وجهه، قاصم الكفرة، ومرغم الفجرة، الذي جعلته من نبيك بمنزلة هارون من
موسى.
اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله،
والعن من نصب له من الأولين والآخرين، وصل عليه أفضل ما صليت على أحد
من أوصياء أنبيائك يا رب العالمين (2).
3046 - الإمام الصادق (عليه السلام): إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فتوضأ واغتسل



(1) مستدرك الوسائل: 10 / 222 / 11900 نقلا عن المزار القديم، المزار للشهيد الأول: 46 نحوه إلى
" ورحمة الله وبركاته "، بحار الأنوار: 100 / 330 / 29.
(2) المزار للشهيد الأول: 46، بحار الأنوار: 100 / 287 / 18.
305
وامش على هنيئتك وقل:
الحمد لله الذي أكرمني بمعرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن فرض طاعته رحمة منه
وتطولا منه علي بالأيمان. الحمد لله الذي سيرني في بلاده، وحملني على دوابه،
وطوى لي البعيد، ودفع عني المكروه حتى أدخلني حرم أخي رسوله (صلى الله عليه وآله) فأرانيه
في عافية. الحمد لله الذي جعلني من زوار قبر وصي رسوله. الحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأشهد أن عليا عبد الله
وأخو رسوله (عليهما السلام).
ثم تدنو من القبر وتقول: السلام من الله، والتسليم على محمد أمين الله على
رسالته، وعزائم أمره، ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق، والفاتح لما
استقبل، والمهيمن على ذلك كله، والشاهد على الخلق، السراج المنير، والسلام
عليه ورحمة الله وبركاته.
اللهم صل على محمد وأهل بيته المظلومين أفضل وأكمل وأرفع وأنفع وأشرف
ما صليت على أنبيائك وأصفيائك. اللهم صل على أمير المؤمنين عبدك وخير
خلقك بعد نبيك وأخي رسولك ووصي رسولك الذي بعثته بعلمك، وجعلته هاديا
لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديان الدين بعدلك،
وفصل قضائك بين خلقك، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. اللهم صل على
الأئمة من ولده القوامين بأمرك من بعده، المطهرين الذين ارتضيتهم أنصارا
لدينك، وحفظة على سرك، وشهداء على خلقك، وأعلاما لعبادك، وصل عليهم
جميعا ما استطعت. السلام على خالصة الله من خلقه، السلام على المؤمنين
الذين قاموا بأمرك، وآزروا أولياء الله وخافوا لخوفهم. السلام على ملائكة الله.

306
السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا حبيب حبيب الله، السلام
عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام
عليك يا عمود الدين، ووارث علم الأولين والآخرين، وصاحب المقام والصراط
المستقيم، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت
عن المنكر، واتبعت الرسول، وتلوت الكتاب حق تلاوته، ووفيت بعهد الله،
وجاهدت في الله حق جهاده، ونصحت لله ولرسوله، وجدت بنفسك صابرا،
مجاهدا عن دين الله موقيا لرسوله طالبا لما عند الله، راغبا فيما وعد الله من
رضوانه، مضيت للذي كنت عليه شاهدا وشهيدا ومشهودا، فجزاك الله عن رسوله
وعن الإسلام وأهله أفضل الجزاء، ولعن الله من قتلك، ولعن الله من بايع على
قتلك ولعن الله من خالفك، ولعن الله من افترى عليك وظلمك وغصبك، ومن بلغه
ذلك فرضي به، أنا إلى الله منهم بريء ولعن الله أمة خالفتك، وأمة جحدت
ولايتك، وأمة تظاهرت عليك وأمة، قتلتك وأمة قاتلتك وأمة خذلتك وخذلت
عنك، الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود.
اللهم العن أمة قتلت أنبياءك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك، وأصلهم حر
نارك، والعن الجوابيت والطواغيت والفراعنة واللات والعزى والجبت
والطاغوت وكل ند يدعى من دون الله وكل محدث مفتر، اللهم العنهم وأشياعهم
وأتباعهم ومحبيهم وأولياءهم لعنا كثيرا. اللهم العن قتلة الحسين - ثلاثا - اللهم
عذبهم عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين، وضاعف عليهم عذابك بما شاقوا ولاة
أمرك، وأعد لهم عذابا لم تحله بأحد من خلقك، اللهم وأدخل على قتلة أنصار
رسولك وأنصار أمير المؤمنين وعلى قتلة الحسين وأنصار الحسين، وقتلة من
قتل في ولاية آل محمد (عليهم السلام) أجمعين عذابا مضاعفا في أسفل درك الجحيم لا

307
يخفف عنهم العذاب وهم فيه مبلسون، ملعونون ناكسو رؤوسهم قد عاينوا
الندامة والخزي الطويل بقتلهم عترة نبيك ورسولك وأتباعهم من عبادك
الصالحين. اللهم والعنهم في مستسر السر وظاهر العلانية، وسمائك وأرضك.
اللهم اجعل لي لسان صدق في أوليائك وحبب إلي مشهدهم ومشاهدهم حتى
تلحقني بهم وتجعلني لهم تبعا في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.
واجلس عند رأسه وقل: سلام الله وسلام ملائكته المقربين والمسلمين
بقلوبهم، والناطقين بفضلك، والشاهدين على أنك صادق صديق عليك يا
مولاي، صلى الله على روحك وبدنك، طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر
أشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء، وأشهد أنك حبيب الله، وأنك
باب الله، وأنك وجه الله الذي منه يؤتى، وأنك سبيل الله وأنك عبد الله، وأنك أخو
رسوله، أتيتك وافدا لعظيم حالك ومنزلتك عند الله وعند رسوله، متقربا إلى الله
بزيارتك، طالبا خلاص رقبتي، متعوذا بك من نار استحققتها بما جنيت على
نفسي، أتيتك انقطاعا إليك وإلى ولدك الخلف من بعدك على تزكية الحق، فقلبي
لكم مسلم، وأمري لكم متبع، ونصرتي لكم معدة، أنا عبد الله ومولاك وفي
طاعتك الوافد إليك، التمس بذلك كمال المنزلة عند الله، وأنت ممن أمرني الله
بصلته، وحثني على بره، ودلني على فضله وهداني بحبه، ورغبني في الوفادة
إليه، وألهمني طلب الحوائج من عنده، أنتم أهل بيت؛ سعد من تولاكم ولا يخيب
من أتاكم ولا يخسر من يهواكم ولا يسعد من عاداكم، لا أجد أحدا أفزع إليه خيرا
لي منكم، أنتم أهل بيت الرحمة ودعائم الدين وأركان الأرض والشجرة الطيبة.
اللهم لا تخيب توجهي إليك برسولك وآل رسولك، ولا ترد استشفاعي بهم
إليك. اللهم أنت مننت علي بزيارة مولاي وولايته ومعرفته، فاجعلني ممن

308
ينصره وممن ينتصر به، ومن علي بنصري لدينك في الدنيا والآخرة، اللهم إني
أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأموت على ما مات عليه علي بن
أبي طالب (عليه السلام) (1).
3047 - عنه (عليه السلام) - في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) -: يا صفوان إذا حدث لك إلى الله
حاجة فزره بهذه الزيارة من حيث كنت:
السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا صفوة الله. السلام عليك يا أمين
الله. السلام على من اصطفاه الله واختصه واختاره من بريته. السلام عليك يا
خليل الله ما دجى الليل وغسق، وأضاء النهار وأشرق. السلام عليك ما صمت
صامت، ونطق ناطق، وذر شارق ورحمة الله وبركاته. السلام على مولانا
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، صاحب السوابق والمناقب والنجدة، ومبيد
الكتائب، الشديد البأس، العظيم المراس، المكين الأساس، ساقي المؤمنين
بالكأس من حوض الرسول المكين الأمين. السلام على صاحب النهى والفضل
والطوائل، والمكرمات والنوائل، السلام على فارس المؤمنين، وليث
الموحدين، وقاتل المشركين، ووصي رسول رب العالمين ورحمة الله وبركاته.
السلام على من أيده الله بجبرئيل وأعانه بميكائيل وأزلفه في الدارين، وحباه
بكل ما تقر به العين، وصلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أولاده
المنتجبين وعلى الأئمة الراشدين الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر،
وفرضوا علينا الصلوات، وأمروا بإيتاء الزكاة، وعرفونا صيام شهر رمضان
وقراءة القرآن.



(1) تهذيب الأحكام: 6 / 25 / 53، فرحة الغري: 80 كلاهما عن يونس بن ظبيان، من لا يحضره الفقيه:
2 / 587 / 3197، كامل الزيارات: 95 / 95 كلها نحوه، بحار الأنوار: 100 / 271 / 14.
309
السلام عليك يا أمير المؤمنين. السلام عليك يا يعسوب الدين، وقائد الغر
المحجلين. السلام عليك يا باب الله، السلام عليك يا عين الله الناظرة، ويده
الباسطة وأذنه الواعية، وحكمته البالغة، ونعمته السابغة، السلام على قسيم الجنة
والنار، السلام على نعمة الله على الأبرار ونقمته على الفجار. السلام على سيد
المتقين الأخيار. السلام على أخي رسول الله وابن عمه، وزوج ابنته والمخلوق
من طينته. السلام على الأصل القديم والفرع الكريم. السلام على الثمر الجني.
السلام على أبي الحسن علي. السلام على شجرة طوبى وسدرة المنتهى. السلام
على آدم صفوة الله، ونوح نبي الله، وإبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، وعيسى
روح الله، ومحمد حبيب الله، ومن بينهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
السلام على نور الأنوار وسليل الأطهار وعناصر الأخيار. السلام على والد
الأئمة الأبرار. السلام على حبل الله المتين، وجنبه المكين ورحمة الله وبركاته.
السلام على أمين الله في أرضه وخليفته في عباده، والحاكم بأمره، والقيم بدينه،
والناطق بحكمته، والعامل بكتابه، أخي الرسول، وزوج البتول، وسيف الله
المسلول. السلام على صاحب الدلالات والآيات الباهرات والمعجزات
القاهرات، والمنجي من الهلكات الذي ذكره الله في محكم الآيات، فقال تعالى:
(وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) (1).
السلام على اسم الله الرضي، ووجهه المضيء، وجنبه العلي ورحمة الله
وبركاته. السلام على حجج الله وأوصيائه، وخاصة الله وأصفيائه، وخالصته
وأمنائه، ورحمة الله وبركاته، قصدتك يا مولاي يا أمين الله وحجته زائرا عارفا



(1) الزخرف: 4.
310
بحقك، مواليا لأوليائك، معاديا لأعدائك، متقربا إلى الله بزيارتك، فاشفع لي عند
الله ربي وربك في خلاص رقبتي من النار، وقضاء حوائجي حوائج الدنيا
والآخرة.
ثم انكب على القبر فقبله وقل: سلام الله وسلام ملائكته المقربين،
والمسلمين لك بقلوبهم يا أمير المؤمنين، والناطقين بفضلك، والشاهدين على
أنك صادق أمين، وأشهد أنك طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر. اشهد لك يا
ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء، وأشهد أنك جنب الله وبابه، وحبيب الله
ووجهه الذي يؤتى منه، وأنك سبيل الله، وأنك عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أتيتك
متقربا إلى الله عز وجل بزيارتك، راغبا إليك في الشفاعة، أبتغي بشفاعتك
خلاص رقبتي من النار، متعوذا بك من النار هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على
ظهري، فزعا إليك رجاء رحمة ربي، أتيتك استشفع بك يا مولاي، وأتقرب إلى
الله ليقضي بك حوائجي، فاشفع يا أمير المؤمنين إلى الله فإني عبد الله ومولاك
وزائرك، ولك عند الله المقام المحمود، والجاه العظيم، والشأن الكبير، والشفاعة
المقبولة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وصل على أمير المؤمنين، عبدك
المرتضى، وأمينك الأوفى، وعروتك الوثقى، ويدك العليا، وجنبك الأعلى،
وكلمتك الحسنى، وحجتك على الورى، وصديقك الأكبر، وسيد الأوصياء،
وركن الأولياء، وعماد الأصفياء، أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، وقدوة
الصالحين، وإمام المخلصين، والمعصوم من الخلل، المهذب من الزلل، المطهر
من العيب المنزه من الريب، أخي نبيك ووصي رسولك، البائت على فراشه،
والمواسي له بنفسه، وكاشف الكرب عن وجهه، الذي جعلته سيفا لنبوته، وآية

311
لرسالته، وشاهدا على أمته ودلالة لحجته، وحاملا لرايته، ووقاية لمهجته،
وهاديا لأمته، ويدا لبأسه، وتاجا لرأسه، وبابا لسره، ومفتاحا لظفره، حتى هزم
جيوش الشرك بإذنك، وأباد عساكر الكفر بأمرك، وبذل نفسه في مرضاة
رسولك، وجعلها وقفا على طاعته، فصل اللهم عليه صلاة دائمة باقية.
ثم قل: السلام عليك يا ولي الله والشهاب الثاقب، والنور العاقب، يا سليل
الأطائب. يا سر الله، إن بيني وبين الله تعالى ذنوبا قد أثقلت ظهري، ولا يأتي
عليها إلا رضاه، فبحق من ائتمنك على سره، واسترعاك أمر خلقه، كن لي إلى الله
شفيعا، ومن النار مجيرا، وعلى الدهر ظهيرا؛ فإني عبد الله ووليك وزائرك صلى
الله عليك (1).
3048 - عنه (عليه السلام): إذا أردت الزيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام) فاغتسل حيث تيسر لك،
وقل حين تعزم: اللهم اجعل سعيي مشكورا، وذنبي مغفورا، وعملي مقبولا،
واغسلني من الخطايا والذنوب، وطهر قلبي من كل آفة، وزك عملي، وتقبل
سعيي، واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من
المتطهرين، والحمد لله رب العالمين.
ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي باب الحرم فقم على الباب وقل:
اللهم إني أريدك فأردني، وأقبلت بوجهي إليك؛ فلا تعرض بوجهك عني،
وإني قصدت إليك فتقبل مني، وإن كنت ماقتا فارض عني، وإن كنت ساخطا
علي فاعف عني، وارحم مسيري إليك برحمتك أبتغي بذلك رضاك؛ فلا تقطع
رجائي ولا تخيبني يا أرحم الراحمين. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك



(1) المزار الكبير: 215 / 5 عن صفوان، مصباح الزائر: 149 نحوه، بحار الأنوار: 100 / 305 / 23.
312
يعود السلام، وأنت معدن السلام، حيينا ربنا منك بالسلام. الحمد لله الذي لم
يتخذ صاحبه ولا ولدا، والحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا.
السلام عليك يا أبا الحسن، أشهد أنك قد بلغت عن رسول الله ما أمرك به،
ووفيت بعهد الله، وتمت بك كلمات الله، وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك
اليقين، لعن الله من قتلك، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي عنه، أنا بأبي أنت وأمي
ولي لمن والاك، وعدو لمن عاداك أبرأ إلى الله ممن برئت منه وبرئ منكم.
ثم تقول: السلام عليك يا أبا الحسن ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك تسمع
صوتي، أتيتك متعاهدا لديني وبيعتي، ائذن لي في بيتك، أشهد أن روحك
المقدسة أغيبت بالقدس والسكينة، جعلت لها بيتا تنطق على لسانك.
ثم ادخل وقل: السلام على ملائكة الله المقربين، السلام على ملائكة الله
المردفين، السلام على حملة العرش الكروبيين (1)، السلام على ملائكة الله
المنتجبين السلام على ملائكة الله المسومين، السلام على ملائكة الله الذين هم
في هذا الحرم بإذن الله مقيمون. الحمد لله الذي أكرمني بمعرفته ومعرفة رسوله
ومن فرض طاعته رحمة منه وتطولا منه علي بذلك. الحمد لله الذي سيرني في
بلاده، وحملني على دوابه، وطوى إلي البعيد ودفع عني المكاره حتى أدخلني
حرم ولي الله وأرانيه في عافية. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن
هدانا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأشهد أن عليا عبد الله وأخو رسوله، اللهم عبدك
وزائرك متقرب إليك بزيارة أخي رسولك، وعلى كل مزور حق على من أتاه



(1) الكروبيون: هم سادة الملائكة، منهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، هم المقربون (تاج العروس:
2 / 369).
313
وزاره، وأنت أكرم مزور وخير مأتي، فأسألك يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد
يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تصلي على محمد
وآل محمد، وأن تجعل تحفتك إياي من زيارتي في موقفي هذا فكاك رقبتي من
النار، واجعلني ممن يسارع في الخيرات رغبا ورهبا، واجعلني من الخاشعين.
اللهم إنك بشرتني على لسان نبيك فقلت: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق
عند ربهم) (1)، اللهم فإني بك مؤمن، وبجميع آياتك موقن، فلا توقفني بعد
معرفتهم موقفا تفضحني على رؤوس الخلائق، بل أوقفني معهم وتوفني على
تصديقي؛ فإنهم عبيدك، خصصتهم بكرامتك، وأمرتني باتباعهم.
ثم تدنو من القبر وتقول: السلام من الله على رسول الله محمد بن عبد الله خاتم
النبيين وإمام المتقين. السلام على أمين الله على رسالاته، وعزائم رسله، ومعدن
الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله،
والشاهد على الخلق والسراج المنير، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
اللهم صل على محمد وأهل بيته المظلومين، أفضل وأكمل وأرفع وأنفع
وأشرف ما صليت على أحد من أنبيائك وأصفيائك. اللهم صل على
أمير المؤمنين عبدك وخير خلقك بعد نبيك ووصي رسولك، الذي انتجبته
بعلمك، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك،
وديان يوم الدين بعدلك، وفصل خطابك من خلقك، والمهيمن على ذلك كله،
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. اللهم وصل على الأئمة من ولده، القوامين
بأمرك من بعد نبيك، المطهرين الذين ارتضيتهم أنصارا لدينك وأعلاما لعبادك.



(1) يونس: 2.
314
ثم تقول: السلام على الأئمة المستودعين. السلام على خالصة الله من خلقه
أجمعين. السلام على المؤمنين الذين قاموا بأمر الله وخالفوا لخوفه العالمين.
السلام على ملائكة الله المقربين.
ثم تقول: السلام عليك يا أمين الله. السلام عليك يا حبيب الله. السلام عليك
يا ولي الله. السلام عليك يا حجة الله. السلام عليك يا إمام الهدى. السلام عليك يا
علم التقى. السلام عليك أيها البر التقي. السلام عليك أيها السراج المنير. السلام
عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أبا الحسن والحسين، السلام عليك يا
وصي الرسول، السلام عليك يا عمود الدين ووارث علم الأولين والآخرين
وصاحب الميسم، والصراط المستقيم، السلام عليك يا ولي الله، أنت أول
مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين، وأشهد أنك
لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب.
جئتك يا ولي الله عارفا بحقك، مستبصرا بشأنك، معاديا لأعدائك ومن
ظلمك، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله، إن لي ذنوبا كثيرة، فاشفع لي فيها عند
ربك؛ فإن لك عند الله مقاما محمودا، وإن لك عنده جاها وشفاعة، وقد قال الله
تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (1).
السلام عليك يا نور الله في سمائه وأرضه، وأذنه السامعة، وذكره الخالص،
ونوره الساطع. أشهد أن لك من الله المزيد، وأن وجهك إلى قبل رب العالمين،
وأن لك من الله رزقا جديدا تغدو عليك الملائكة في كل صباح، رب اغفر لي،
وتجاوز عن سيئاتي، وارحم طول مكثي في القيامة به؛ فإنك علام الغيوب،



(1) الأنبياء: 28.
315
وأنت خير الوارثين.
ثم تقول: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله. السلام عليك يا وارث نوح
نبي الله. السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله. السلام عليك يا وارث هود نبي
الله. السلام عليك يا وارث داود خليفة الله. السلام عليك يا وارث عيسى روح
الله. السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله. السلام عليك يا ولي الله. السلام
عليك أيها الصديق الشهيد. السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
وأناخت برحلك. السلام على ملائكة الله المحدقين بك. أشهد أنك أقمت
الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، واتبعت الرسول،
وتلوت الكتاب حق تلاوته، وبلغت عن رسول الله، ووفيت بعهد الله، وتمت بك
كلمات الله، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده ونصحت لله ولرسوله، وجدت
بنفسك صابرا محتسبا ومجاهدا عن دين الله، موقيا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، طالبا ما عند
الله، راغبا فيما وعد الله، ومضيت للذي كنت عليه شاهدا ومشهودا، فجزاك الله
عن رسوله وعن الإسلام وأهله أفضل الجزاء.
وكنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله،
وأعظمهم عناء، وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم
سوابق، وأرفعهم درجة، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، قويت حين ضعف
أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكنت خليفته حقا برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكيد
الحاسدين، وضغن الفاسقين، فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا،
ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فمن اتبعك فقد هدي. كنت أقلهم كلاما، وأصوبهم
منطقا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا وأحسنهم عملا، وأعرفهم

316
بالله، كنت للدين يعسوبا أولا حين تفرق الناس، وآخرا حين فشلوا، كنت
للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا،
وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ جنبوا، وعلوت إذ هلعوا،
وصبرت إذ جزعوا، كنت على الكافرين عذابا صبا وغلظة وغيظا، وللمؤمنين
عينا وحصنا وعلما، لم تفلل (1) حجتك، ولم يرتب قلبك، ولم تضعف بصيرتك،
ولم تجبن نفسك، وكنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف (2)،
وكنت - كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) - قويا في أمر الله، وضيعا في نفسك، عظيما عند
الله، كبيرا في الأرض جليلا في السماء، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك
مغمز، ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له
بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد
عندك في ذلك سواء شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك
حكم وحزم، ورأيك علم وعزم، اعتدل بك الدين، وسهل بك العسير، وأطفئت
بك النيران، وقوي بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك
تعبا شديدا، فعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه
راجعون...
اللهم العن قتلة أمير المؤمنين، اللهم العن قتلة الحسن والحسين اللهم عذبهم
عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين وضاعف عليهم عذابك بما شاقوا ولاة أمرك،
وعذبهم عذابا لم تحله بأحد من خلقك. اللهم أدخل على قتلة رسولك، وأولاد
رسولك، وعلى قتلة أمير المؤمنين، وقتلة أنصاره، وقتلة الحسن والحسين



(1) الفل: الثلم (لسان العرب: 11 / 530).
(2) ريح قاصف وقاصفة: شديدة تكسر ما مرت به من الشجر وغيره (تاج العروس: 12 / 435).
317
وأنصارهما، ومن نصب لآل محمد وشيعتهم حربا من الناس أجمعين، عذابا
مضاعفا في أسفل الدرك من الجحيم لا يخفف عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون،
ملعونون، ناكسو رؤوسهم عند ربهم، قد عاينوا الندامة والخزي الطويل، بقتلهم
عترة أنبيائك ورسلك وأتباعهم من عبادك الصالحين. اللهم العنهم في مستسر
السر وظاهر العلانية في سمائك وأرضك. اللهم اجعل لي لسان صدق في
أوليائك، وحبب إلي مشاهدهم حتى تلحقني بهم، وتجعلني لهم تبعا في الدنيا
والآخرة يا أرحم الراحمين (1).
3049 - المزار - في أعمال اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول -: روي أن
جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) زار أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا اليوم بهذه الزيارة،
وعلمها لمحمد بن مسلم الثقفي فقال: إذا أتيت مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فاغتسل
للزيارة والبس أنظف ثيابك وشم شيئا من الطيب وعليك السكينة والوقار.
فإذا وصلت إلى باب السلام فاستقبل القبلة وكبر الله ثلاثين مرة وقل:
السلام على رسول الله. السلام على خيرة الله. السلام على البشير النذير،
السراج المنير، ورحمة الله وبركاته. السلام على الطهر الطاهر. السلام على العلم
الزاهر. السلام على المنصور المؤيد. السلام على أبي القاسم محمد، ورحمة الله
وبركاته. السلام على أنبياء الله المرسلين، وعباد الله الصالحين. السلام على
ملائكة الله الحافين بهذا الحرم وبهذا الضريح اللائذين به ورحمة الله بركاته.
ثم ادن من القبر وقل: السلام عليك يا وصي الأوصياء، السلام عليك يا عماد
الأتقياء، السلام عليك يا ولي الأولياء. السلام عليك يا سيد الشهداء. السلام



(1) المزار الكبير: 225 / 6 عن يوسف الكناسي ومعاوية بن عمار، بحار الأنوار: 100 / 334 / 32.
318
عليك يا آية الله العظمى. السلام عليك يا خامس أهل العباء. السلام عليك يا قائد
الغر المحجلين الأتقياء. السلام عليك يا زين الموحدين النجباء. السلام عليك يا
خالص الأخلاء. السلام عليك يا والد الأئمة الأمناء. السلام عليك يا صاحب
الحوض وحامل اللواء. السلام عليك يا قسيم الجنة ولظى.
السلام عليك يا من شرفت به مكة ومنى، السلام عليك يا بحر العلوم وكهف
الفقراء، السلام عليك يا من ولد في الكعبة، وزوج في السماء بسيدة النساء،
وكان شهودها الملائكة السفرة الأصفياء. السلام عليك يا مصباح الضياء. السلام
عليك يا من خصه النبي بجزيل الحباء (1). السلام عليك يا من بات على فراش
خاتم الأنبياء، ووقاه بنفسه شر الأعداء، السلام عليك يا من ردت له الشمس
فسامى شمعون الصفاء. السلام عليك يا من أنجى الله سفينة نوح باسمه واسم
أخيه حيث التطم حولها الماء وطمى. السلام عليك يا من تاب الله به وبأخيه على
آدم إذ غوى، السلام عليك يا فلك النجاة الذي من ركبه نجا ومن تأخر عنه
هوى. السلام عليك يا من خاطب الثعبان وذئب الفلا. السلام عليك يا
أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا حجة الله على من كفر وأناب، السلام عليك يا إمام ذوي
الألباب. السلام عليك يا معدن الحكمة وفصل الخطاب. السلام عليك يا من
عنده علم الكتاب. السلام عليك يا ميزان يوم الحساب، السلام عليك يا فاصل
الحكم الناطق بالصواب. السلام عليك أيها المتصدق بالخاتم في المحراب.
السلام عليك يا من كفى الله المؤمنين القتال به يوم الأحزاب. السلام عليك يا من
أخلص لله الوحدانية وأناب، السلام عليك يا قاتل خيبر وقالع الباب. السلام



(1) الحباء: العطية (النهاية: 1 / 336).
319
عليك يا من دعاه خير الأنام إلى المبيت على فراشه، فأسلم نفسه إلى المنية
وأجاب. السلام عليك يا من له طوبى وحسن مآب ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا ولي عصمة الدين ويا سيد السادات. السلام عليك يا صاحب
المعجزات. السلام عليك يا من كتب اسمه في السماء على السرادقات (1)، السلام
عليك يا مظهر العجائب والآيات. السلام عليك يا أمير الغزوات. السلام عليك يا
مخبرا بما غبر وبما هو آت. السلام عليك يا مخاطب ذئب الفلوات، السلام
عليك يا خاتم الحصى ومبين المشكلات. السلام عليك يا من عجبت من
حملاته في الوغى ملائكة السماوات، السلام عليك يا من ناجى الرسول فقدم
بين يدي نجواه الصدقات. السلام عليك يا والد الأئمة البررة السادات ورحمة الله
وبركاته.
السلام عليك يا تالي المبعوث. السلام عليك يا وارث علم خير موروث
ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا سيد الوصيين السلام عليك يا إمام المتقين. السلام عليك يا
غياث المكروبين. السلام عليك يا عصمة المؤمنين. السلام عليك يا مظهر
البراهين. السلام عليك يا طه ويس. السلام عليك يا حبل الله المتين. السلام
عليك يا من تصدق بخاتمه على المسكين. السلام عليك يا قالع الصخرة عن فم
القليب ومظهر الماء المعين. السلام عليك يا عين الله الناظرة في العالمين، ويده
الباسطة ولسانه المعبر عنه في بريته أجمعين. السلام عليك يا وارث علم النبيين،
ومستودع علم الأولين والآخرين، ويا صاحب لواء الحمد، وساقي أوليائه من



(1) السرادق: هو كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء (النهاية: 2 / 359).
320
حوض خاتم النبيين. السلام عليك يا يعسوب الدين، وقائد الغر المحجلين،
ووالد الأئمة المرضيين ورحمة الله وبركاته.
السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضي، وجنبه القوي، وصراطه السوي،
السلام على الإمام النقي، المخلص الصفي. السلام على الكوكب الدري. السلام
على الإمام أبي الحسن علي ورحمة الله وبركاته.
السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، ومنار الهدى،
وذوي النهى، وكهف الورى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا ورحمة الله
وبركاته.
السلام على نور الأنوار وحجج الجبار، ووالد الأئمة الأطهار، وقسيم الجنة
والنار، المخبر عن الآثار، المدمر على الكفار، مستنقذ الشيعة المخلصين من
عظيم الأوزار. السلام على المخصوص بالطاهرة التقية ابنة المختار، المولود في
البيت ذي الأستار، المتزوج في السماء بالبرة الطاهرة الرضية المرضية ابنة
الأطهار ورحمة الله وبركاته.
السلام على النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، وعليه يعرضون، وعنه
يسألون.
السلام على نور الله الأنور، وضيائه الأظهر ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك يا ولي الله وحجته، وخالصة الله وخاصته، أشهد يا ولي الله
وحجته، وخالصة الله، وولي رسوله، لقد جاهدت في سبيل الله حق جهاده،
واتبعت منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحللت حلال الله، وحرمت حرامه، وشرعت
أحكامه، وأقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر،

321
وجاهدت في سبيل الله صابرا ناصحا مجتهدا محتسبا عند الله عظيم الأجر، حتى
أتاك اليقين؛ فلعن الله من دفعك عن حقك، وأزالك عن مقامك، ولعن الله من بلغه
ذلك فرضي به، أشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني وال لمن والاك، وعاد لمن
عاداك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ثم انكب على القبر فقبله وقل: أشهد أنك تسمع كلامي وتشهد مقامي، وأشهد
لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء. يا مولاي، يا حجة الله، يا أمين الله، يا ولي الله، إن
بيني وبين الله عز وجل ذنوبا قد أثقلت ظهري ومنعتني من الرقاد، وذكرها يقلقل
أحشائي، وقد هربت إلى الله تعالى وإليك؛ فبحق من ائتمنك على سره،
واسترعاك أمر خلقه، وقرن طاعتك بطاعته، وموالاتك بموالاته، كن لي إلى الله
شفيعا، ومن النار مجيرا، وعلى العدو نصيرا، وعلى الدهر ظهيرا.
ثم انكب على القبر وقل: يا ولي الله، يا حجة الله يا باب حطة الله، وليك
وزائرك واللائذ بقبرك، والنازل بفنائك، والمنيخ رحله في جوارك يسألك أن
تشفع له إلى الله في قضاء حاجته ونجح طلبته في الدنيا والآخرة؛ فإن لك عند الله
الجاه العظيم والشفاعة المقبولة، فاجعلني يا مولاي من همك، وأدخلني في
حزبك. والسلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح. والسلام عليك وعلى ولديك
الحسن والحسين، وعلى الأئمة الطاهرين من ذريتك، ورحمة الله وبركاته.
ثم صل ست ركعات: لأمير المؤمنين (عليه السلام) ركعتين زيارة، ولآدم (عليه السلام) ركعتين
زيارة ولنوح (عليه السلام) ركعتين زيارة، وادع الله كثيرا يجاب إن شاء الله تعالى (1).
3050 - الإمام الهادي (عليه السلام) - ما يقال عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) -: السلام عليك يا



(1) المزار للشهيد الأول: 89، الإقبال: 3 / 130 نحوه، بحار الأنوار: 100 / 373 / 9.
322
ولي الله، أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك
اليقين، وأشهد أنك قد لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب،
وجدد عليه العذاب، جئتك عارفا بحقك، مستبصرا بشأنك، معاديا لأعدائك
ومن ظلمك، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله، يا ولي الله إن لي ذنوبا كثيرة، فاشفع
لي إلى ربك عز وجل؛ فإن لك عند الله مقاما محمودا، وإن لك عند الله جاها
وشفاعة. وقال الله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (1).
7 / 3
ما ظهر عند قبره من الكرامات
أقول: إن ما ظهر من الكرامات عند قبر الإمام علي (عليه السلام) وفي مشهده الشريف
أكثر من أن يذكر جزء منه في هذا الكتاب، فضلا عن استقصائه؛ فإنه بحاجة إلى
كتاب مستقل، بل قد يكون ذا عدة أجزاء. ولكن نشير هنا إلى عدة نماذج منها:
7 / 3 - 1
كرامة له في حق كمال الدين القمي
3051 - إرشاد القلوب عن كمال الدين غياث القمي: دخلت حضرة مولانا
أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم قمت، فتعلق مسمار من الضريح المقدس في قبائي فخرقه،
فقلت مخاطبا لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما أعرف عوض هذا إلا منك.
وكان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي، فقال مستهزئا: ما يعطيك عوضه إلا



(1) الكافي: 4 / 569 / 1، تهذيب الأحكام: 6 / 28 / 54، فرحة الغري: 111، كامل الزيارات:
103 / 96 كلها عن محمد بن أورمة عمن حدثه وص 95 / 94 عن محمد بن الحسن بن الوليد عن
أبي الحسن (عليه السلام).
323
قباء ورداء! وانفصلنا عن الزيارة وجئنا إلى الحلة، وكان كمال الدين بن قشم
الناصري هيأ لشخص يريد أن ينفذه إلى بغداد قباء ورداء، فخرج الخادم على
لسان ابن قشم وقال: اطلبوا كمال الدين القمي، فجئت وأخذ بيدي إلى الخزانة
وألبسني قباء ورداء، فخرجت ودخلت حتى أسلم على ابن قشم وأقبل كفه،
فنظر إلي نظرا عرفت الكراهية في وجهه، والتفت إلى الخادم وقال له: طلبت
فلانا! فقال الخادم: إنما طلبت كمال الدين القمي، فشهد الجماعة الذين هم
جلساء الأمير أنه [أمر (1)] بحضور كمال الدين القمي المذكور.
فقلت: أيها الأمير، ما خلعت أنت علي هذه الخلعة بل أمير المؤمنين خلعني،
فالتمس مني الحكاية، فحكيت له، فخر ساجدا وقال: الحمد لله رب العالمين إذ
كانت الخلعة على يدي (2).
7 / 3 - 2
كرامة له في رجل فاقد البصر
3052 - فرحة الغري عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي: كان قد وفد إلى
المشهد الشريف الغروي - على ساكنه السلام - رجل أعمى من أهل تكريت (3)،
وكان قد عمي على كبر، وكانت عيناه ناتئتين على خده وكان كثيرا ما يقعد عند
المسألة ويخاطب الجناب الأقدس بخطاب خشن، وكنت تارة أهم بالإنكار
عليه وتارة يراجعني الفكر في الصفح عنه، فمضى على ذلك مدة، فإذا أنا في



(1) ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار.
(2) إرشاد القلوب: 437، بحار الأنوار: 42 / 316 / 3 نحوه.
(3) تكريت: آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق، وهي على غربي دجلة في بر الموصل، وبينهما ستة أيام
(تقويم البلدان: 288).
324
بعض الأيام قد فتحت الخزانة إذ سمعت ضجة عظيمة، فظننت أنه قد جاء
للعلويين بر من بغداد أو قد قتل في المشهد قتيل، فخرجت ألتمس الخبر، فقيل
لي: هاهنا أعمى قد رد بصره، فرجوت أن يكون ذلك الأعمى، فلما وصلت إلى
الحضرة الشريفة وجدته ذلك الأعمى بعينه، وعيناه كأحسن ما تكون، فشكرت
الله تعالى على ذلك. وزاد والدي على هذه الرواية أنه كان يقول له من جملة
كلامه كخطاب الأحياء: وكيف يليق أن أجيء وأمشي فيشتفي من لا يحب (1).
7 / 3 - 3
كرامة له في حق رجل نصراني
3053 - إرشاد القلوب عن علي بن يحيى بن حسين الطحال المقدادي: أخبرني
أبي، عن أبيه، عن جده، أنه أتاه رجل مليح الصورة، نقي الأثواب دفع إليه
دينارين وقال لي: أغلق علي باب القبة وذرني وحدي أعبد الله، فأخذهما منه
وأغلق الباب، فنام فرأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه وهو يقول: اقعد أخرجه
عني؛ فإنه نصراني، فنهض علي بن طحال وأخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل
وقال له: اخرج، تخدعني بالدينارين وأنت نصراني؟! فقال له: لست بنصراني.
قال: بلى إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتاني في المنام وأخبرني أنك نصراني وقال:
أخرجه عني، فقال: أمدد يدك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وأن عليا أمير المؤمنين خليفة الله، والله ما علم أحد بخروجي من الشام، ولا
عرفني أحد من العراق، ثم حسن إسلامه (2).



(1) فرحة الغري: 144، بحار الأنوار: 42 / 317 / 4.
(2) إرشاد القلوب: 437، فرحة الغري: 146، بحار الأنوار: 42 / 319 / 26.
325
7 / 3 - 4
ما حصل لأبي البقاء قيم مشهد أمير المؤمنين
3054 - فرحة الغري: في سنة إحدى وخمس خمسمائة بيع الخبز بالمشهد
الشريف الغروي كل رطل بقيراط، بقي أربعين يوما، فمضى القوم من الضر على
وجوههم إلى القرى، وكان من القوم رجل يقال له أبو البقاء بن سويقة، وكان له
من العمر مائة وعشر سنين، فلم يبق من القوم سواه، فأضر به الحال، فقالت له
زوجته وبناته: هلكنا! امض كما مضى القوم، فلعل الله تعالى يفتح بشيء نعيش
به، فعزم على المضي، فدخل إلى القبة الشريفة صلوات الله على صاحبها وزار
وصلى، وجلس عند رأسه الشريف وقال: يا أمير المؤمنين لي في خدمتك مائة
سنة ما فارقتك، ما رأيت الخلة ولا السكون، وقد أضر بي وبأطفالي الجوع، وها
أنا مفارقك ويعز علي فراقك، أستودعك الله هذا فراق بيني وبينك.
ثم خرج ومضى مع المكارية حتى يعبر إلى الوقف وسوراء، وفي صحبته
وهبان السلمي وأبو كردي وجماعة من المكارية طلعوا من المشهد، وأقبلوا إلى
أبي هبيش قال بعضهم لبعض: هذا وقت كثير، فنزلوا ونزل أبو البقاء معهم، فنام
فرأى في منامه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول له: يا أبا البقاء، فارقتني بعد طول
هذه المدة؟! وعد إلى حيث كنت، فانتبه باكيا فقيل له: ما يبكيك؟ فقص عليهم
المنام ورجع، فحيث رأينه بناته صرخن في وجهه، وقص عليهن القصة وطلع،
وأخذ مفتاح القبة من الخازن أبي عبد الله بن شهريار القمي، وقعد على عادته،
بقي ثلاثة أيام ففي اليوم الثالث أقبل رجل وبين كتفيه مخلاة كهيئة المشاة إلى
طريق مكة، فحلها وأخرج منها ثيابا لبسها، ودخل إلى القبة الشريفة وزار
وصلى، ودفع إلي خفيفا وقال: ائت بطعام نتغدى، فمضى القيم أبو البقاء وأتى

326
بخبز ولبن وتمر، فقال له: ما يؤكل لي هذا ولكن امض به إلى أولادك يأكلونه،
وخذ هذا الدينار الآخر واشتر لنا به دجاجا وخبزا، فأخذت له بذلك، فلما كان
وقت صلاة الظهر صلى الظهرين وأتى إلى داره والرجل معه، فأحضر الطعام
وأكلا، وغسل الرجل يديه وقال لي: ائتني بأوزان الذهب، فطلع القيم أبو البقاء
إلى زيد بن واقصة - وهو صائغ على باب دار التقي بن أسامة العلوي
النسابة - فأخذ منه الصينية وفيها أوزان الذهب وأوزان الفضة فجمع الرجل
جميع الأوزان فوضعها في الكفة حتى الشعيرة والأرزة وحبة الشبه، وأخرج
كيسا مملوا ذهبا، وترك منه بحذاء الأوزان وصبه في حجر القيم ونهض، وشد ما
تخلف عنه وبدل لباسه، فقال له القيم: يا سيدي ما أصنع بهذا؟ قال له: هو لك،
قال: ممن؟ قال: من الذي قال لك: ارجع إلى حيث كنت. قال لي: أعطه حذاء
الأوزان، ولو جئت بأكثر من هذه الأوزان لأعطيتك، فوقع القيم مغشيا عليه،
ومضى الرجل، فزوج القيم بناته وعمر داره وحسنت حاله (1).
راجع: كتاب " بحار الأنوار ": 42 / 311 باب 129
" ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات والكرامات ".



(1) فرحة الغري: 149، بحار الأنوار: 42 / 321 / 8.
327
/ 1