موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السنة و التاريخ (جزء 12) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السنة و التاريخ (جزء 12) - نسخه متنی

محمد محمدی ری شهری؛ گردآورنده: مرکز تحقیقات دار الحدیث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ
المؤلف: محمد الريشهري
الجزء: 12
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق: مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة : السيد محمد كاظم الطباطبائي ، السيد محمود الطباطبائي نژاد
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: 1425
المطبعة: دار الحديث
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
ردمك: 964-5985-89-7
ملاحظات: ايران : قم المقدسة ، شارع معلم ، رقم 125 ، هاتف : 02517740545 - 02517740523 / لبنان : بيروت ، حارة حريك ، شارع دكاش ، هاتف : 03553892 - 01272664 / عنوان الاينترنت : www.hadith.net البريد الالكتروني : hadith@hadith.net
موسوعة
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
في الكتاب والسنة والتاريخ
محمد الريشهري
بمساعدة
محمد كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي
المجلد الثاني عشر

1
الريشهري، محمد، 1325 ه‍. ش -
موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ / محمد الريشهري؛ بمساعدة السيد محمد
كاظم الطباطبائي ومحمود الطباطبائي نژاد. - قم: دار الحديث، 1421.
12 ج.
المصادر بالهوامش
300000 ريال ISBN (set): 964 - 5985 - 89 - 7
1. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الترجمة 2. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول،
23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - السياسة والحكومة. 3. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الحروب. 4. على بن
أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الفضائل. 5. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ -
الإقضية. 6. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - الأصحاب. 7. على بن أبى طالب (عليه السلام)، الإمام
الأول، 23 ق. ه‍. - 40 ه‍ - إثبات الخلافة. الف. العنوان. ب. الطباطبائي، السيد محمد كاظم، 1344 ه‍. ش - المؤلف
المساعد. ج. الطباطبائي نژاد، السيد محمود، 1340 ه‍. ش -. المؤلف المساعد.
951 / 297
9 م 9 ر / 37 BP
موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ
المؤلف: محمد الريشهري
المساعدان: السيد محمد كاظم الطباطبائي، السيد محمود الطباطبائي نژاد
التحقيق: مركز بحوث دار الحديث
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
الطبعة: الثاني، 1425
المطبعة: دار الحديث
النسخ: 500
ثمن الدورة: 30000 تومان
مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية
مركز للطباعة والنشر
إيران: قم المقدسة، شارع معلم، رقم 125؛ هاتف: 7740545 - 7740523 0251
لبنان: بيروت، حارة حريك، شارع دكاش؛ هاتف: 559892 / 03 - 272664 / 01
hadith @ hadith. net
http: / / www. hadith. net

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
القسم السادس عشر
أصحاب الإمام علي (عليه السلام) وعماله

5
تحليل في طبقات عماله
حكومة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) التي دامت قرابة خمس
سنين جديرة بالبحث والدراسة من جهات متنوعة. والتأمل في سيرته
المباركة (عليه السلام) من جوانب شتى ذو بعد تذكيري وتربوي. وعماله وولاته يترجمون
مفردة مهمة من مفردات سياسته (عليه السلام)، من حيث اختيارهم، ومراقبة الإمام لهم بعد
الاختيار، وغير ذلك.
تحدثنا عن هذه الأمور في فصول هذا الكتاب، والذي نريد ذكره هنا هو أننا
يمكن أن نقسم ولاته (عليه السلام) إلى الأقسام الآتية:
1 - الولاة الثقات المتدينون المعروفون بكفاءتهم الإدارية وحنكتهم
وشخصيتهم الاجتماعية الخاصة. ولنا أن نسمي هؤلاء طلائع أصحابه والوجوه
البارزة فيهم.
وكان هؤلاء أعضاد الإمام (عليه السلام) ومشاوريه الصالحين المخلصين. منهم: مالك
الأشتر الذي ولاه الإمام في البداية على الجزيرة (منطقة بين دجلة والفرات،
كانت تتمتع بأهمية خاصة لقربها من الشام). ثم استعمله على مصر. ومنهم:

7
عبد الله بن عباس الذي كان واليا على البصرة. ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة
الذي وجهه إلى مصر، ثم جعله على آذربايجان.
وكان هؤلاء إذا نشبت الحرب لازموا الإمام (عليه السلام)، ولم يقيموا في العاصمة، ذلك
لأن أولي الكفاءة القيادية وأصحاب الرأي عند المشاورة كانوا قليلين.
إذا ألقينا نظرة تاريخية على هؤلاء، نجد أن مالك الأشتر هو الوجه المتألق
الذي لم تشبه شائبة قط. أما ابن عباس فإن ما أشيع عليه من أخذ أموال البصرة
حقيق بالتأمل. وأما قيس بن سعد فإن عزله عن حكومة مصر - مع عظمته -
لافت للنظر.
2 - الولاة المتدينون الملتزمون المعتمدون الذين تنقصهم الكفاءة الإدارية
بشكل من الأشكال. فهؤلاء لم يكن لهم باع يذكر في تدبير الأمور. ولقد كانوا
من الوجهاء، بيد أنهم لم يتخذوا القرار الحاسم في الظروف الحرجة، ولم
يتخلصوا من الأزمات كما ينبغي. فمحمد بن أبي بكر، مع سمو قدره، عجز عن
تهدئة الوضع في مصر، وفقد قدرة الدفاع حين اضطربت أمورها. وأبو أيوب
الأنصاري، مع جلالته وعظمته، لم يستطع مواجهة بسر ولاذ بالفرار. وسهل بن
حنيف لم يسيطر على الأوضاع في تمرد أهالي فارس وامتناعهم عن دفع
الخراج، فعزل عن منصبه. وعبيد الله بن عباس ولى مدبرا أمام بسر. وعثمان ابن
حنيف فقد حزمه في مواجهة مكيدة الناكثين، وأخفق، فألقي عليه القبض.
وكميل بن زياد لم يطق غارات معاوية، فهم بالمقابلة بالمثل وتوجه لشن الغارة
على مناطق الشام، فلامه الإمام (عليه السلام).
3 - الولاة الذين ليس لهم عقيدة راسخة، ولم يتمتعوا بإيمان عميق وإن كانوا
ساسة مدبرين وذوي حس إداري فعال. فهؤلاء لم يتورعوا عن القبض على بيت

8
المال والتلاعب به إسرافا وتبذيرا. وقد اشتكى منهم الإمام (عليه السلام) في الأيام الأخيرة
من حياته، وقال: لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته (1).
ومن هؤلاء: زياد بن أبيه؛ فقد تصرف في بيت المال بنحو غير مشروع،
فاعترض عليه الإمام (عليه السلام). ثم التحق بمعاوية بعد استشهاد الإمام (عليه السلام)، ولم يرعو
عن ارتكاب الجرائم.
ومنهم: المنذر بن الجارود. عنفه الإمام (عليه السلام) لأنه أباح لنفسه التلاعب في بيت
المال أيضا.
ومنهم: النعمان بن عجلان، لامه الإمام (عليه السلام) أيضا بسبب بذله الأموال على
قبيلته وتصرفه غير المشروع فيها لمصلحته، ثم فر والتحق بمعاوية.
ومنهم: يزيد بن حجية، ومصقلة بن هبيرة، والقعقاع بن شور، فقد فعلوا فعل
أصحابهم المذكورين.
إن التأمل في حياة عمال الإمام (عليه السلام)، وتحليل مواقفهم، والنظر في مآل حياتهم
السياسية، كل ذلك ذو بعد تربوي توجيهي للمرء.
ومن الضروري أن نستعرض في هذا المجال ملاحظات ترتبط بهذا
الموضوع:
1 - الشخصيات الفعالة الموثوق بها كانت قليلة مع الإمام (عليه السلام).
وهؤلاء هم الذين كانوا ينتدبون للأعمال في مواطن متنوعة. وظل الإمام (عليه السلام)
في الحقيقة وحيدا بعد استشهاد عدد من علية أصحابه في صفين، وخلا الجو من



(1) البداية والنهاية: 7 / 326.
9
هؤلاء الأعاظم. وعزم الإمام (عليه السلام) على تسريح هاشم بن عتبة إلى مصر بعد عزل
قيس بن سعد، بيد أنه كان بحاجة إلى شخصيته القتالية في صفين؛ لذا أشخص
محمد بن أبي بكر إليها. وعندما استشهد هاشم في صفين، لم يجد بدا إلا إرسال
مالك الأشتر إليها مع حاجته الشديدة إلى وجوده معه في مركز الخلافة
الإسلامية.
2 - كان بين أصحاب الإمام (عليه السلام) رجال أمناء صالحون ووجهاء أولو سابقة
مشرقة نقية من كل شائبة. وهؤلاء كانوا دعائم الحكومة وأعضاد النظام العلوي.
ولا مناص من بقائهم إلى جانب الإمام (عليه السلام)، إذ كان يشاورهم في شؤون الحكومة.
ومن هؤلاء: الصحابي الجليل عمار بن ياسر، النصير الوفي المخلص
للإمام (عليه السلام). وكان وجوده مع الإمام ودفاعه السخي عنه يقضي على التردد، ويثبت
كثيرا من الذين كانت تضعضعهم الدعايات المسمومة التي تبثها أجهزة الإعلام
الأموي في الشام ضد الإمام (عليه السلام).
من جانب آخر، كانت هناك قبائل ما زالت العصبيات القبلية متأصلة في
نفوسها، فلم تسمع إلا كلام رؤسائها. من هنا، ظل رجال مثل عدي بن حاتم إلى
جانب الإمام (عليه السلام) لتبقى قبائلهم معه أيضا.
3 - إن وجود أشخاص مثل زياد بن أبيه بين عمال الإمام (عليه السلام) مثير للسؤال. فقد
أنفذ الإمام الشخص المذكور - باقتراح عبد الله بن عباس وتأييد جارية بن
قدامة - على رأس قوة عسكرية كبيرة لإخماد تمرد أهل فارس الذين امتنعوا
عن دفع الضرائب، فاستطاع زياد بتدبيره وحنكته السياسية الخاصة أن يسيطر
على الوضع.
كان زياد مطعونا في نسبه، وكان يتصف بدهاء عجيب. ويمكن أن نعده

10
نموذجا للإنسان المتخصص غير الملتزم الذي جمع بين خبث السريرة وظلمة
الروح وبين التدبير والدهاء. وإن ملازمته لمعاوية مع تحذيرات الإمام المتكررة
له، وعمله في " العراقين " معلمان على خبث طينته ودنسه الذي لم يظهره في
عصر الإمام (عليه السلام).
وينبغي الالتفات إلى أن الإمام (عليه السلام) كان يواجه حقائق لا تنكر كغيره من
الحكام. وبالنظر إلى ضرورة إدارة المجتمع واستثمار مختلف الطاقات، وبالنظر
أيضا إلى معاناة الإمام (عليه السلام) من قلة الأنصار المخلصين فلابد له من تولية زياد
وأضرابه، بيد أنه (عليه السلام) كان يقرن ذلك بالإشراف والتحذير، ويراقب الأوضاع بدقة.
وهنا يكمن السر في تحذيراته (عليه السلام) للبعض، ودعوته الناس إلى طاعة البعض
الآخر طاعة مطلقة.
4 - كان بعض الأشخاص يعملون مع الإمام (عليه السلام)، لكنهم كانوا لا يوافقونه في
بعض مواقفه!! فزياد لم يشترك في حروبه جميعها. وأبو مسعود الأنصاري لم
يرغب في الاشتراك في الحروب، وحين نشبت حرب صفين، ولي الكوفة وظل
فيها. ويزيد بن قيس الذي عين واليا على إصفهان كان يميل إلى الخوارج، ففرق
الإمام (عليه السلام) بينه وبينهم بتعيينه.
هذا كله آية على سماحة الإمام (عليه السلام) من جهة، ومن جهة أخرى معلم على ما
ذكرناه آنفا من أنه كان يواجه حقائق في المجتمع لا محيص له منها.

11
1
أبو الأسود الدؤلي
هو ظالم بن عمرو (1)، المعروف بأبي الأسود الدؤلي (2). أحد الوجوه البارزة
والصحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3). أسلم على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكنه لم يحظ برؤيته (4). وهو من المتحققين بمحبة علي
ومحبة ولده (5). ويمكن أن نستشف هذا الحب من أشعاره الحسان (6).
الذين ترجموا له ذكروه بعناوين متنوعة منها: " علوي " (7)، " شاعر



(1) قد اختلف في اسمه كما اختلف في اسم أبيه وجده، والمشهور ما ورد في المتن، والذي يسهل الأمر
أنه مشهور بكنيته ولقبه، ولم يختلف في كنيته أحد.
(2) الطبقات الكبرى: 7 / 99، المعارف لابن قتيبة: 434، تاريخ دمشق: 25 / 176 وفيه " ديلي " بدل
" دؤلي ".
(3) تاريخ دمشق: 25 / 195، أسد الغابة: 3 / 102 / 2652.
(4) تاريخ دمشق: 25 / 184، سير أعلام النبلاء: 4 / 82 / 28، البداية والنهاية: 8 / 312.
(5) تاريخ دمشق: 25 / 188.
(6) تاريخ دمشق: 25 / 188 وص 200، الأغاني: 12 / 372، الكامل للمبرد: 3 / 1125.
(7) تاريخ دمشق: 25 / 184.
13
متشيع " (1)، " من وجوه الشيعة " (2).
شهد أبو الأسود حروب الإمام (عليه السلام) ضد مساعير الفتنة في الجمل (3)،
وصفين (4). وعينه الإمام (عليه السلام) قاضيا على البصرة عندما ولى عليها ابن عباس (5).
وكان ابن عباس يقدره، وحينما كان يخرج من البصرة، يفوض إليه
أعمالها (6)، وكان ذلك يحظى بتأييد الإمام (عليه السلام) أيضا (7). ووسع أبو الأسود علم
النحو بأمر الإمام (عليه السلام) الذي كان قد وضع أسسه وقواعده (8)، وأقامه ورسخ
دعائمه (9)، وهو أول من أعجم القرآن الكريم وأشكله (10).



(1) الطبقات الكبرى: 7 / 99.
(2) سير أعلام النبلاء: 4 / 82 / 28، الأغاني: 12 / 346.
(3) سير أعلام النبلاء: 4 / 82 / 28، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 278 / 124، تاريخ دمشق:
25 / 184.
(4) المعارف لابن قتيبة: 434، وفيات الأعيان: 2 / 535 / 313.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 93، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 276 / 124.
(6) الطبقات الكبرى: 7 / 99، المعارف لابن قتيبة: 434؛ وقعة صفين: 117، تاريخ اليعقوبي:
2 / 205.
(7) الطبقات الكبرى: 7 / 99.
(8) سير أعلام النبلاء: 4 / 82 / 28، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 278 / 124، الأغاني: 12 / 347،
تاريخ دمشق: 25 / 189، البداية والنهاية: 8 / 312.
(9) يدور كلام كثير حول إرساء دعائم علم النحو: فالأول لم يترددوا في دور الإمام (عليه السلام) وأبي الأسود فيه.
أما المتأخرون من الدارسين والباحثين العرب فقد تأثر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الذين ترددوا
فيه. راجع: دائرة المعارف بزرگ اسلامى (بالفارسية): 5 / 180 - 191، وتوفر بعض الكتاب على
انتقاد آراء أخرى في سياق تثبيتهم دور الإمام (عليه السلام) وأبي الأسود فيه. راجع: مجلة تراثنا / العدد 13 ص
31 مقالة " أبو الأسود الدؤلي ودوره في وضع النحو العربي ".
(10) الأغاني: 12 / 347، الإصابة: 3 / 455 / 4348، تاريخ دمشق: 25 / 192 و 193،
وفيات الأعيان: 2 / 537.
14
وله في الأدب العربي منزلة رفيعة؛ فقد عد من أفصح الناس (1). وتبلور
نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الذي رثى به الإمام (عليه السلام) (2)، وهو آية
على محبته للإمام، وبغضه لأعدائه.
ولم يدخر وسعا في وضع الحق موضعه، والدفاع عن علي (عليه السلام)، ومناظراته مع
معاوية (3) دليل على صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة " خلافة
الحق " و " حق الخلافة " ومكانة علي (عليه السلام) العلية السامقة.
وخطب بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) خطبة حماسية من وحي الألم والحرقة، وأخذ
البيعة من الناس للإمام الحسن (عليه السلام) بالخلافة (4).
فارق أبو الأسود الحياة سنة 69 ه‍ (5).
6375 - ربيع الأبرار: سأل زياد بن أبيه أبا الأسود عن حب علي فقال: إن حب
علي يزداد في قلبي حدة، كما يزداد حب معاوية في قلبك؛ فإني أريد الله والدار
الآخرة بحبي عليا، وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، ومثلي ومثلك كما قال
أخوة مذحج:
خليلان مختلف شأننا * أريد العلاء ويهوى اليمن
أحب دماء بني مالك * وراق المعلى بياض اللبن (6)



(1) تاريخ دمشق: 25 / 190.
(2) راجع: القسم الثامن / بعد الاستشهاد / في رثاء الإمام.
(3) تاريخ دمشق: 25 / 177.
(4) الأغاني: 12 / 380.
(5) سير أعلام النبلاء: 4 / 86 / 28، تاريخ دمشق: 25 / 210، الأغاني: 12 / 386.
(6) ربيع الأبرار: 3 / 479.
15
6376 - العقد الفريد: لما قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة (1)،
قال له معاوية: بلغني يا أبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد
الحكمين، فما كنت تحكم به؟
قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين، وألفا
من الأنصار وأبناء الأنصار، ثم ناشدتهم الله: المهاجرين وأبناء المهاجرين أولى
بهذا الأمر أم الطلقاء؟
قال له معاوية: لله أبوك! أي حكم كنت تكون لو حكمت! (2)
6377 - تاريخ دمشق: كان أبو الأسود ممن صحب عليا، وكان من المتحققين
بمحبته ومحبة ولده، وفي ذلك يقول:
يقول الأرذلون بنو قشير * طوال الدهر لا ينسى عليا
أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا
فإن يك حبهم رشدا أصبه * وليس بمخطئ إن كان غيا
وكان نازلا في بني قشير بالبصرة، وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلي
وولده، فإذا أصبح فذكر رجمهم، قالوا: الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو
رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمون فلا تصيبون (3).



(1) عام الجماعة: هو العام الذي سلم فيه الامام الحسن (عليه السلام) الأمر لمعاوية، وذلك في جمادى الأولى سنة
(41 ه‍) (جواهر المطالب: 2 / 199).
(2) العقد الفريد: 3 / 342، تاريخ دمشق: 25 / 180 عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه وليس فيه سؤال
معاوية.
(3) تاريخ دمشق: 25 / 188، الكامل للمبرد: 3 / 1125، الأغاني: 12 / 371 عن ابن عائشة عن أبيه
وكلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات، وفيات الأعيان: 2 / 535 وليس فيه الأبيات.
16
6378 - سير أعلام النبلاء عن أبي الأسود: دخلت على علي، فرأيته مطرقا،
فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أضع
كتابا في أصول العربية. فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا! فأتيته بعد أيام، فألقى إلي
صحيفة فيها: الكلام كله: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى،
والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.
ثم قال لي: زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه (1).
6379 - الأغاني: قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم - يعنون به النحو -؟
فقال: أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
6380 - الأربعون حديثا عن علي بن محمد: رأيت ابنة أبي الأسود الدؤلي وبين
يدي أبيها خبيص (3) فقالت: يا أبه، أطعمني، فقال: افتحي فاك. قال: ففتحت،
فوضع فيه مثل اللوزة، ثم قال لها: عليك بالتمر؛ فهو أنفع وأشبع.
فقالت: هذا أنفع وأنجع؟
فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن
أبي طالب (عليه السلام).
فقالت: قبحه الله! يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر؟ تبا لمرسله
وآكله! ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه، وأنشأت تقول باكية:



(1) سير أعلام النبلاء: 4 / 84 / 28، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 279 وراجع الأغاني: 12 / 347
ووفيات الأعيان: 2 / 535، وشرح نهج البلاغة: 1 / 20.
(2) الأغاني: 12 / 348، وفيات الأعيان: 2 / 537 وفيه " لقنت " بدل " أخذت ".
(3) الخبيص: حلواء معمول من التمر والسمن، يخبص [أي يخلط] بعضه في بعض (راجع:
تاج العروس: 9 / 265).
17
أبالشهد المزعفر يا بن هند * نبيع إليك إسلاما ودينا
فلا والله ليس يكون هذا * ومولانا أمير المؤمنينا (1)
راجع: القسم الحادي عشر / قبسات من علمه / الفروع المختلفة من العلوم / علم الآداب / مؤسس علم النحو.
2
أبو أيوب الأنصارى
هو خالد بن زيد بن كليب، أبو أيوب الأنصاري الخزرجي، وهو مشهور
بكنيته.
من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله). نزل النبي (صلى الله عليه وآله) في داره عند هجرته إلى المدينة (2).
شهد أبو أيوب حروب النبي جميعها (3). وكان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من السابقين
إلى الولاية، والثابتين في حماية حق الخلافة (4) ولم يتراجع عن موقفه هذا
قط (5). وعد من الاثني عشر الذين قاموا في المسجد النبوي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)
ودافعوا عن حق علي (عليه السلام) بصراحة (6).
لم يدع أبو أيوب ملازمة الإمام (عليه السلام) وصحبته. واشترك معه في كافة حروبه التي



(1) الأربعون حديثا لمنتجب الدين بن بابويه: 81.
(2) المعجم الكبير: 4 / 117 / 3846، الطبقات الكبرى: 1 / 237، تهذيب الكمال: 8 / 66 / 1612،
تاريخ بغداد: 1 / 153 / 7.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 518 / 5929، الطبقات الكبرى: 3 / 484، تهذيب الكمال:
8 / 66 / 1612، سير أعلام النبلاء: 2 / 405 / 83.
(4) رجال الكشي: 1 / 182 / 78.
(5) الخصال: 608 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(6) الخصال: 465 / 4، رجال البرقي: 66، الاحتجاج: 1 / 199 / 12.
18
خاضها ضد مثيري الفتنة (1). وكان على خيالته في النهروان (2)، وبيده لواء الأمان.
ولاه الإمام على المدينة (3)، لكنه فر منها حين غارة بسر بن أرطاة عليها (4).
عقد له الإمام (عليه السلام) في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة لواء على عشرة آلاف
ليتوجه إلى الشام مع لواء الإمام الحسين (عليه السلام)، ولواء قيس بن سعد لحرب معاوية،
ولكن استشهاد الإمام (عليه السلام) حال دون تنفيذ هذه المهمة، فتفرق الجيش، ولم يتحقق
ما أراده الإمام (عليه السلام) (5).
وكان أبو أيوب من الصحابة المكثرين في نقل الحديث. وروى في فضائل
الإمام (عليه السلام) أحاديث جمة. وهو أحد رواة حديث الغدير (6)، وحديث الثقلين (7)،
وكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام (عليه السلام) حين أمره بقتال الناكثين، والقاسطين،
والمارقين (8)، ودعوته (صلى الله عليه وآله) أبا أيوب أن يكون مع الإمام (عليه السلام) (9).
توفي أبو أيوب بالقسطنطينية سنة 52 ه‍، عندما خرج لحرب الروم، ودفن
هناك (10).



(1) الاستيعاب: 2 / 10 / 618، أسد الغابة: 2 / 122 / 1361، سير أعلام النبلاء: 2 / 410 / 83.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 85، الكامل في التاريخ: 2 / 405، الإمامة والسياسة: 1 / 169.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 139، تاريخ خليفة بن خياط: 152، سير أعلام النبلاء: 2 / 410 / 83؛
الغارات: 2 / 602.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 139، الكامل في التاريخ: 2 / 430؛ الغارات: 2 / 602.
(5) نهج البلاغة: ذيل الخطبة 182 عن نوف البكالي.
(6) رجال الكشي: 1 / 246 / 95؛ أسد الغابة: 3 / 465 / 3347، تاريخ دمشق: 42 / 214.
(7) الغدير: 1 / 176. راجع: كتاب " أهل البيت في الكتاب والسنة " / خصائص أهل البيت / عدل
القرآن / سند حديث الثقلين.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 150 / 4674، تاريخ دمشق: 42 / 472، البداية والنهاية: 7 / 307.
(9) تاريخ بغداد: 13 / 186 و 187 / 7165، تاريخ دمشق: 42 / 472.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3 / 518 / 5929، الطبقات الكبرى: 3 / 485، المعجم الكبير: ف
4 / 118 / 3850 وفيه " سنة 51 ه‍ " و ح 3851 وفيه " سنة 50 ه‍ " وراجع سير أعلام النبلاء:
2 / 412 / 83 والاستيعاب: 2 / 10 / 618.
19
6381 - وقعة صفين عن الأعمش: كتب معاوية إلى أبي أيوب خالد بن زيد
الأنصاري - صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان سيدا معظما من سادات الأنصار،
وكان من شيعة علي (عليه السلام) - كتابا، وكتب إلى زياد بن سمية - وكان عاملا لعلي (عليه السلام)
على بعض فارس - كتابا؛ فأما كتابه إلى أبي أيوب فكان سطرا واحدا: لا تنسى
شيباء أبا عذرتها، ولا قاتل بكرها.
فلم يدر أبو أيوب ما هو؟ فأتى به عليا وقال: يا أمير المؤمنين! إن معاوية ابن
أكالة الأكباد، وكهف المنافقين، كتب إلي بكتاب لا أدري ما هو؟ فقال له علي:
وأين الكتاب؟ فدفعه إليه فقرأه وقال:
نعم، هذا مثل ضربه لك، يقول: ما أنسى الذي لا تنسى الشيباء، لا تنسى أبا
عذرتها، والشيباء: المرأة البكر ليلة افتضاضها، لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا،
ولا تنسى قاتل بكرها؛ وهو أول ولدها. كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان (1).
راجع: القسم السادس / وقعة النهروان / إقامة الحجة في ساحة القتال / رفع راية الأمان.
3
أبو حسان البكري
6382 - وقعة صفين: بعث [علي (عليه السلام)] أبا حسان البكري على إستان العالي (2) (3).



(1) وقعة صفين: 366.
(2) الإستان العال: كورة في غربي بغداد من السواد، تشتمل على أربعة طساسيج وهي: الأنبار وبادوريا
وقطربل ومسكن (معجم البلدان: 1 / 174).
(3) وقعة صفين: 11؛ الأخبار الطوال: 153 وفيه " حسان بن عبد الله البكري ".
20
4
أبو ذر الغفاري (1)
جندب بن جنادة، وهو مشهور بكنيته. صوت الحق المدوي، وصيحة
الفضيلة والعدالة المتعالية، أحد أجلاء الصحابة، والسابقين إلى الإيمان،
والثابتين على الصراط المستقيم (2). كان موحدا قبل الإسلام، وترفع عن عبادة
الأصنام (3). جاء إلى مكة قادما من البادية، واعتنق دين الحق بكل وجوده،
وسمع القرآن.
عد رابع (4) من أسلم أو خامسهم (5). واشتهر بإعلانه إسلامه، واعتقاده بالدين
الجديد، وتقصيه الحق منذ يومه الأول (6).
وكان فريدا فذا في صدقه وصراحة لهجته، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمته
الخالدة فيه تكريما لهذه الصفة المحمودة العالية: " ما أظلت الخضراء، وما أقلت
الغبراء (7) أصدق لهجة من أبي ذر " (8).



(1) قد اختلف في اسمه ونسبه اختلافا كثيرا، وما في المتن هو أكثر وأصح ما قيل فيه، ولكنه مشهور
بكنيته ولقبه.
(2) سير أعلام النبلاء: 2 / 46 / 10، الاستيعاب: 4 / 216 / 2974، أسد الغابة: 1 / 563 / 800.
(3) الطبقات الكبرى: 4 / 222، حلية الأولياء: 1 / 158 / 26، أسد الغابة: 1 / 563 / 800.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 385 / 5459، الطبقات الكبرى: 4 / 224، أسد الغابة:
1 / 563 / 800.
(5) الطبقات الكبرى: 4 / 224، سير أعلام النبلاء: 2 / 46 / 10، أسد الغابة: 1 / 563 / 800.
(6) الطبقات الكبرى: 4 / 225، حلية الأولياء: 1 / 158 / 26.
(7) الخضراء: السماء، والغبراء: الأرض (النهاية: 2 / 42).
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 85 / 5461، الطبقات الكبرى: 4 / 228، سير أعلام النبلاء:
2 / 59 / 10.
21
وكان من الثلة المعدودة التي رعت حرمة الحق في خضم التغيرات التي
طرأت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وتفانى في الدفاع عن موقع الولاية العلوية الرفيعة،
وجعل نفسه مجنا للذب عنه، وكان أحد الثلاثة الذين لم يفارقوا عليا (عليه السلام) قط (2).
ولنا أن نعد من فضائله ومناقبه صلاته على الجثمان الطاهر لسيدة نساء
العالمين فاطمة (عليها السلام)، فقد كان في عداد من صلى عليها في تلك الليلة المشوبة
بالألم والغم والمحنة (3).
وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق، واشتهرت في التاريخ؛ فهو لم يصبر
على إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذة، وانتفض ثائرا صارخا
ضدها، ولم يتحمل التحريف الذي افتعلوه لدعم تلك المكرمات المصطنعة، وقدح
في الخليفة وتوجيه كعب الأحبار لأعماله وممارساته. فقام الخليفة بنفي صوت
العدالة هذا إلى الشام التي كانت حديثة عهد بالإسلام، غير ملمة بثقافته (4).
ولم يطقه معاوية أيضا؛ إذ كان يعيش في الشام كالملوك، ويفعل ما يفعله
القياصرة، ضاربا بأحكام الإسلام عرض الجدار، فأقضت صيحات أبي ذر
مضجعه (5). فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذر،
فأمر برده إلى المدينة (6)، وأرجعوه إليها على أسوأ حال.



(1) الخصال: 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(2) رجال الكشي: 1 / 38 / 17، الاختصاص: 6.
(3) رجال الكشي: 1 / 34 / 13، الاختصاص: 5.
(4) أنساب الأشراف: 6 / 166، مروج الذهب: 2 / 349، شرح نهج البلاغة: 8 / 256 / 130.
(5) أنساب الأشراف: 6 / 167، شرح نهج البلاغة: 8 / 256 / 130؛ الشافي: 4 / 294.
(6) الطبقات الكبرى: 4 / 226، أنساب الأشراف: 6 / 167، سير أعلام النبلاء: 2 / 63 / 10، تاريخ
الطبري: 4 / 283؛ الأمالي للمفيد: 162 / 4.
22
وقدم أبو ذر المدينة، لكن لا سياسة عثمان تغيرت، ولا موقف أبي ذر منه،
فالاحتجاج كان قائما، والصيحات مستمرة، وقول الحق متواصلا، وكشف
المساوئ لم يتوقف. ولما لم يجد الترغيب والترهيب معه، غيرت الحكومة
أسلوبها منه، وما هو إلا الإبعاد، لكنه هذه المرة إلى الربذة (1)، وهي صحراء
قاحلة حارقة، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته (2). ولم يتحمل
أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه التعاليم الجائرة، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة
لتوديعه (3).
وله كلام عظيم خاطبه به وبين فيه ظلامته (4). وتكلم من كان معه أيضا ليعلم
الناس أن الذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلى الربذة هو قول الحق ومقارعة الظلم
لا غيرها (5).
وكان إبعاد أبي ذر أحد ممهدات الثورة على عثمان (6). وذهب هذا الرجل
العظيم إلى الربذة رضي الضمير؛ لأنه لم يتنصل عن مسؤوليته في قول الحق،
لكن قلبه كان مليئا بالألم؛ إذ ترك وحده، وفصل عن مرقد حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله).



(1) الكافي: 8 / 206 / 251، الأمالي للمفيد: 164 / 4؛ أنساب الأشراف: 6 / 167، الطبقات الكبرى:
4 / 227.
(2) مروج الذهب: 2 / 351، شرح نهج البلاغة: 8 / 252 / 130؛ الأمالي للمفيد: 165 / 4.
(3) الكافي: 8 / 206 / 251، من لا يحضره الفقيه: 2 / 275 / 2428، الأمالي للمفيد: 165 / 4،
المحاسن: 2 / 94 / 1247، تاريخ اليعقوبي: 2 / 172؛ مروج الذهب: 2 / 350.
(4) الكافي: 8 / 206 / 251، نهج البلاغة: الخطبة 130.
(5) الكافي: 8 / 207 / 251 وراجع من لا يحضره الفقيه: 2 / 275 / 2428، المحاسن:
2 / 94 / 1247؛ شرح نهج البلاغة: 8 / 253 / 130.
(6) راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفي أبي ذر.
23
يقول عبد الله بن حواش الكعبي: رأيت أبا ذر في الربذة وهو جالس وحده في
ظل سقيفة، فقلت: يا أبا ذر! وحدك!
فقال: كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعاري، وقول الحق سيرتي،
وهذا ما ترك لي رفيقا.
توفي أبو ذر سنة 32 ه‍ (1). وتحقق ما كان يراه النبي (صلى الله عليه وآله) في مرآة الزمان، وما
كان يقوله فيه، وكان قد قال (صلى الله عليه وآله): " يرحم الله أبا ذر، يعيش وحده، ويموت وحده،
ويحشر يوم القيامة وحده ".
ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشتر بعد وفاة ذلك الصحابي الكبير
القائل الحق في زمانه، ووسدوا جسده النحيف الثرى باحترام وتبجيل (2) (3).
6383 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على رجل أصدق
لهجة من أبي ذر (4).



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 381 / 5451، سير أعلام النبلاء: 2 / 74 / 10؛ رجال الطوسي:
32 / 143 وفيه " مات في زمن عثمان بالربذة ".
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 388 / 5470، الطبقات الكبرى: 4 / 234، سير أعلام النبلاء:
2 / 77 / 10، تاريخ الطبري: 4 / 308، الكامل في التاريخ: 2 / 264؛ رجال الكشي: 1 / 283 / 118.
(3) المشهور إن أبا ذر انتهج أسلوب كشف المساوئ والبدع في أيام عثمان، كما كان يذكر بوجود الظلم
والتمييز والتكتل. من هنا لم تتحمل الحكومة وجوده في المدينة، فنفته إلى الشام. وفيها واصل أسلوبه
وفضح معاوية وكشف قبائحه. فشكاه معاوية إلى عثمان، فرده إلى المدينة، ثم أبعده إلى الربذة....
بيد أن بعض الباحثين ذهب إلى أنه مكث طويلا في الشام، اهتداء ببعض الوثائق التاريخية،
ومقايسة أخبار متنوعة في هذا المجال. أي: إنه توجه إلى الشام بعد موت أبي بكر، وبذر فيها التشيع.
راجع: كتاب " أبو ذر الغفاري " لمحمد جواد آل الفقيه: 65.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 385 / 5461، سنن الترمذي: 5 / 669 / 3801، سنن ابن ماجة:
1 / 55 / 156، سير أعلام النبلاء: 2 / 59 / 10 كلها عن عبد الله بن عمرو.
24
6384 - عنه (صلى الله عليه وآله): من سره أن ينظر إلى شبيه عيسى بن مريم خلقا وخلقا؛ فلينظر
إلى أبي ذر (1).
6385 - سنن الترمذي عن أبي ذر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أظلت الخضراء، ولا
أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم (عليه السلام).
فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم،
فاعرفوه له (2).
6386 - مسند ابن حنبل عن بريدة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل يحب من
أصحابي أربعة، أخبرني أنه يحبهم، وأمرني أن أحبهم. قالوا: من هم يا
رسول الله؟
قال: إن عليا منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود
الكندي (3).
6387 - أنساب الأشراف: لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى
الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت
الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكانزين بعذاب أليم، ويتلو
قول الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة) الآية (4).



(1) المعجم الكبير: 2 / 149 / 1626 عن عبد الله بن مسعود، الطبقات الكبرى: 4 / 228، سير أعلام
النبلاء: 2 / 59 / 10 كلاهما عن مالك بن دينار وفيهما " من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر... "،
الاستيعاب: 1 / 323 / 343 عن أبي هريرة وفيه " من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى فلينظر... ".
(2) سنن الترمذي: 5 / 670 / 3802.
(3) مسند ابن حنبل: 9 / 14 / 23029، سير أعلام النبلاء: 2 / 61 / 10.
(4) التوبة: 34.
25
فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر ناتلا مولاه أن انته
عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من ترك أمر
الله؟! فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله
برضاه، فأغضب عثمان ذلك وأحفظه (1)، فتصابر وكف.
وقال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال
كعب الأحبار: لا بأس بذلك! فقال أبو ذر: يا بن اليهوديين! أتعلمنا ديننا؟! فقال
عثمان: ما أكثر أذاك لي، وأولعك بأصحابي! (2)
6388 - أنساب الأشراف عن كميل بن زياد: كنت بالمدينة حين أمر عثمان أبا ذر
باللحاق بالشام، وكنت بها في العام المقبل حين سيره إلى الربذة (3).
6389 - تاريخ اليعقوبي: بلغ عثمان أيضا أن أبا ذر يقع فيه، ويذكر ما غير وبدل
من سنن رسول الله، وسنن أبي بكر وعمر، فسيره إلى الشام إلى معاوية، وكان
يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من
يجتمع إليه ويسمع منه.
وكان يقف على باب دمشق، إذا صلى صلاة الصبح، فيقول: جاءت القطار
تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن الله الناهين عن
المنكر والآتين له.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب



(1) أي: أغضبه، من الحفيظة؛ الغضب (النهاية: 1 / 408).
(2) أنساب الأشراف: 6 / 166؛ الشافي: 4 / 293 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة: 8 / 256.
(3) أنساب الأشراف: 6 / 168.
26
إليه أن احمله على قتب (1) بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم
فخذيه، فلما دخل إليه وعنده جماعة قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله
يقول: " إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا (2)، وعباد الله
خولا (3)، ودين الله دغلا (4) " فقال: نعم، سمعت رسول الله يقول ذلك.
فقال لهم: أسمعتم رسول الله يقول ذلك؟
فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن! أسمعت رسول الله
يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقص عليه الخبر. فقال علي: نعم! قال: وكيف تشهد؟
قال: لقول رسول الله: " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من
أبي ذر ".
فلم يقم بالمدينة إلا أياما حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها! قال:
أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم، وأنفك راغم. قال: فإلى مكة؟ قال:
لا، قال: فإلى البصرة؟ قال: لا، قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا، ولكن إلى الربذة
التي خرجت منها حتى تموت بها! يا مروان، أخرجه، ولا تدع أحدا يكلمه،
حتى يخرج.
فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعلي والحسن والحسين
وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون، فلما رأى أبو ذر عليا قام إليه فقبل



(1) القتب: رحل البعير، صغير على قدر السنام (مجمع البحرين: 3 / 1437).
(2) الدول: جمع دولة؛ وهو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم (النهاية: 2 / 140).
(3) خولا: أي خدما وعبيدا، يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم (النهاية: 2 / 88).
(4) دغلا: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغل: الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد فيه
(النهاية: 2 / 123).
27
يده ثم بكى، وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله، فلم أصبر
حتى أبكي! فذهب علي يكلمه، فقال له مروان: إن أمير المؤمنين قد نهى أن
يكلمه أحد، فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال: تنح، نحاك الله
إلى النار!
ثم شيعه، فكلمه بكلام يطول شرحه، وتكلم كل رجل من القوم وانصرفوا،
وانصرف مروان إلى عثمان، فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة،
وتلاحيا كلاما، فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي (1).
6390 - أنساب الأشراف: كان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، وبعث إليه
معاوية بثلاثمائة دينار، فقال: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا
قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها.
وبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري بمائتي دينار، فقال: أما وجدت أهون
عليك مني حين تبعث إلي بمال؟ وردها.
وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال: يا معاوية، إن كانت هذه الدار من مال
الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية (2).
6391 - أنساب الأشراف: كان أبو ذر يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها،
والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفأ، وباطلا يحيا،
وصادقا يكذب، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه.



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 171؛ الفتوح: 2 / 373 نحوه وراجع مروج الذهب: 2 / 350.
(2) أنساب الأشراف: 6 / 167، شرح نهج البلاغة: 8 / 256؛ الشافي: 4 / 294 وليس فيهما من " وبعث
إليه " إلى " وردها ".
28
فقال حبيب بن مسلمة لمعاوية: إن أبا ذر مفسد عليك الشام، فتدارك أهله إن
كانت لكم به حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: أما
بعد؛ فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره، فوجه معاوية من سار به الليل
والنهار.
فلما قدم أبو ذر المدينة جعل يقول: يستعمل الصبيان ويحمي الحمى، ويقرب
أولاد الطلقاء. فبعث إليه عثمان: الحق بأي أرض شئت، فقال: بمكة، فقال: لا،
قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين (1)، قال: لا، ولكني مسيرك
إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات (2).
6392 - أنساب الأشراف عن قتادة: تكلم أبو ذر بشيء كرهه عثمان فكذبه،
فقال: ما ظننت أن أحدا يكذبني بعد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما أقلت الغبراء، ولا
أطبقت الخضراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر "! ثم سيره إلى الربذة.
فكان أبو ذر يقول: ما ترك الحق لي صديقا، فلما سار إلى الربذة قال: ردني
عثمان بعد الهجرة أعرابيا! (3)
6393 - أنساب الأشراف عن إبراهيم التيمي عن أبيه: قلت لأبي ذر: ما أنزلك
الربذة؟ قال: نصحي لعثمان ومعاوية (4).
6394 - الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري: لما قدم أبو ذر
على عثمان، قال: أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال: مهاجري، فقال: لست



(1) هما الكوفة والبصرة (لسان العرب: 5 / 176).
(2) أنساب الأشراف: 6 / 167؛ الشافي: 4 / 294 نحوه.
(3) أنساب الأشراف: 6 / 168.
(4) أنساب الأشراف: 6 / 169.
29
بمجاوري. قال: فألحق بحرم الله، فأكون فيه؟ قال: لا، قال: فالكوفة أرض بها
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لا، قال: فلست بمختار غيرهن. فأمره بالمسير إلى
الربذة، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي: " اسمع وأطع، وانفذ حيث قادوك، ولو
لعبد حبشي مجدع ".
فخرج إلى الربذة، وأقام مدة، ثم أتى إلى المدينة، فدخل على عثمان والناس
عنده سماطين، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك أخرجتني من أرضي إلى أرض
ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات، وليس لي خادم إلا محررة (1)، ولا ظل
يظلني إلا ظل شجرة، فأعطني خادما وغنيمات أعش فيها، فحول وجهه عنه،
فتحول عنه إلى السماط الآخر، فقال مثل ذلك.
فقال له حبيب بن سلمة: لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة
شاة، قال أبو ذر: أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني؛
فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله.
فجاء علي (عليه السلام) فقال له عثمان: ألا تغني عنا سفيهك هذا؟ قال: أي سفيه؟
قال: أبو ذر! قال علي (عليه السلام): ليس بسفيه، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " ما أظلت
الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر " أنزله بمنزلة مؤمن آل
فرعون، (وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) (2). قال
عثمان: التراب في فيك! قال علي (عليه السلام): بل التراب في فيك، أنشد بالله من سمع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك لأبي ذر، فقام أبو هريرة وعشرة فشهدوا بذلك، فولى



(1) المحرر: الذي جعل من العبيد حرا فأعتق (النهاية: 1 / 362).
(2) غافر: 28.
30
علي (عليه السلام) (1).
6395 - الكافي عن أبي جعفر الخثعمي: لما سير عثمان أبا ذر إلى الربذة شيعه
أمير المؤمنين وعقيل والحسن والحسين (عليهم السلام)، وعمار بن ياسر، فلما كان عند
الوداع، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا ذر، إنك إنما غضبت لله عز وجل، فارج من
غضبت له. إن القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فأرحلوك عن
الفناء وامتحنوك بالبلاء. ووالله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا، ثم
اتقى الله عز وجل؛ جعل له منها مخرجا، فلا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشك إلا
الباطل (2).
6396 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما شيع أمير المؤمنين (عليه السلام) أبا ذر، وشيعه الحسن
والحسين (عليهما السلام)، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وعمار بن ياسر عليهم
سلام الله؛ قال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): ودعوا أخاكم؛ فإنه لابد للشاخص من أن
يمضي، وللمشيع من أن يرجع.
قال: فتكلم كل رجل منهم على حياله، فقال الحسين بن علي (عليهما السلام): رحمك الله
يا أبا ذر! إن القوم إنما امتهنوك بالبلاء؛ لأنك منعتهم دينك، فمنعوك دنياهم؛ فما
أحوجك غدا إلى ما منعتهم، وأغناك عما منعوك.
فقال أبو ذر: رحمكم الله من أهل بيت! فما لي في الدنيا من شجن (3) غيركم،
إني إذا ذكرتكم ذكرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).



(1) الأمالي للطوسي: 710 / 1514.
(2) الكافي: 8 / 206 / 251.
(3) الشجن: أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق (النهاية: 2 / 447).
(4) المحاسن: 2 / 94 / 1247 عن إسحاق بن جرير الجريري عن رجل من أهل بيته، من لا يحضره
الفقيه: 2 / 275 / 2428.
31
6397 - الأمالي للمفيد عن أبي جهضم الأزدي عن أبيه - بعد معاملة عثمان
السيئة مع أبي ذر -: بلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فبكى حتى بل
لحيته بدموعه، ثم قال: أهكذا يصنع بصاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! إنا لله وإنا إليه
راجعون.
ثم نهض ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وعبد الله بن العباس والفضل وقثم
وعبيد الله، حتى لحقوا أبا ذر، فشيعوه، فلما بصر بهم أبو ذر حن إليهم، وبكى
عليهم، وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشملتني البركة
برؤيتها.
ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أحبهم، ولو قطعت إربا إربا في
محبتهم، ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة، فارجعوا رحمكم الله، والله
أسأل أن يخلفني فيكم أحسن الخلافة. فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على
فراقه (1).
6398 - تاريخ اليعقوبي: لم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي، ولما حضرته الوفاة
قالت له ابنته: إني وحدي في هذا الموضع، وأخاف أن تغلبني عليك السباع،
فقال: كلا إنه سيحضرني نفر مؤمنون، فانظري أترين أحدا؟ فقالت: ما أرى
أحدا! قال: ما حضر الوقت، ثم قال: انظري، هل ترين أحدا؟ قالت: نعم أرى
ركبا مقبلين، فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، حولي وجهي إلى القبلة، فإذا
حضر القوم فأقرئيهم مني السلام، فإذا فرغوا من أمري، فاذبحي لهم هذه الشاة،
وقولي لهم: أقسمت عليكم إن برحتم حتى تأكلوا، ثم قضي عليه.



(1) الأمالي للمفيد: 165 / 4.
32
فأتى القوم، فقالت لهم الجارية: هذا أبو ذر صاحب رسول الله قد توفي،
فنزلوا، وكانوا سبعة نفر، فيهم حذيفة بن اليمان، والأشتر، فبكوا بكاء شديدا،
وغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه.
ثم قالت لهم: إنه يقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تأكلوا، فذبحوا الشاة وأكلوا،
ثم حملوا ابنته حتى صاروا بها إلى المدينة (1).
راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / معاقبة من أنكر عليه أحداثه / نفي أبي ذر.
5
أبو رافع مولى رسول الله
غلبت عليه كنيته، واختلف في اسمه، فقيل: أسلم؛ وهو أشهر ما قيل فيه،
وقيل: إبراهيم (2)، وقيل غير ذلك. أحد الوجوه البارزة في التشيع، ومن السابقين
إلى التأليف والتدوين والعلم، وأحد صحابة الإمام الأبرار.
كان غلاما للعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله) (3)، ثم وهبه العباس للنبي (صلى الله عليه وآله) (4). ولما أسلم
العباس وبلغ أبو رافع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإسلامه أعتقه (5).



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 173 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 308 والكامل في التاريخ: 2 / 264 والفتوح:
2 / 377.
(2) الاستيعاب: 1 / 177 / 34؛ تهذيب المقال: 1 / 164 / 1.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 690 / 6536، الطبقات الكبرى: 4 / 73، تاريخ الطبري:
3 / 170، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 668؛ رجال النجاشي: 1 / 61 / 1.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 690 / 6536، الطبقات الكبرى: 4 / 73، تاريخ الطبري:
3 / 170، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 668.
(5) الطبقات الكبرى: 4 / 73، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 668، سير أعلام النبلاء: 2 / 16 / 3،
الاستيعاب: 1 / 177 / 34؛ رجال النجاشي: 1 / 61 / 1.
33
شهد أبو رافع حروب النبي (صلى الله عليه وآله) كلها إلا بدرا (1). ووقف بعده إلى جانب الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) ثابت العقيدة ولم يفارقه (2). وهو أحد رواة حديث الغدير (3).
وعد من أبرار الشيعة وصالحيهم (4). وكان مع الإمام (عليه السلام) أيضا في جميع معاركه (5).
وكان مسؤولا عن بيت ماله (عليه السلام) بالكوفة (6). وولداه عبيد الله (7) وعلي (8) من
كتابه (عليه السلام).
ولأبي رافع كتاب كبير عنوانه " السنن والقضايا والأحكام " (9)، يشتمل على
الفقه في أبوابه المختلفة، رواه جمع من المحدثين الكبار وفيهم ولده. وله كتب
أخرى منها كتاب " أقضية أمير المؤمنين "، و " كتاب الديات " وغيرهما، ويعتقد
بعض العلماء أنها قاطبة أبواب ذلك الكتاب الكبير وفصوله (10). وذهب أبو رافع
مع الإمام الحسن (عليه السلام) إلى المدينة بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (11). ووضع



(1) الطبقات الكبرى: 4 / 74، الاستيعاب: 1 / 178 / 34؛ رجال النجاشي: 1 / 62 / 1 وفيه " وشهد مع
النبي (صلى الله عليه وآله) مشاهده ".
(2) رجال النجاشي: 1 / 62 / 1، الأمالي للطوسي: 59 / 86.
(3) مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 48؛ الغدير: 1 / 16 / 8.
(4) رجال النجاشي: 1 / 62 / 1.
(5) رجال النجاشي: 1 / 62 / 1، الأمالي للطوسي: 59 / 86.
(6) الكامل في التاريخ: 2 / 441.
(7) الطبقات الكبرى: 4 / 74، تاريخ الطبري: 3 / 170 وفيه " عبيدة الله "؛ رجال النجاشي:
1 / 62 / 1، رجال الطوسي: 71 / 654.
(8) رجال النجاشي: 1 / 62 / 1، رجال ابن داود: 134 / 1011 وراجع تهذيب المقال: 1 / 164
- 182 / 1.
(9) رجال النجاشي: 1 / 64 / 1.
(10) تدوين السنة الشريفة: 138 - 142.
(11) رجال النجاشي: 1 / 64 / 1، الأمالي للطوسي: 59 / 86.
34
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) نصف بيت أبيه تحت تصرفه. وروى أبو رافع عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا (1). وذكر البعض أنه توفي سنة 40 ه‍ (2).
6399 - رجال النجاشي عن أبي رافع: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم، أو
يوحى إليه، وإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها فأوقظه، فاضطجعت
بينه وبين الحية، حتى إن كان منها سوء يكون إلي دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه
الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون) (3).
ثم قال: الحمد لله الذي أكمل لعلي (عليه السلام) منيته، وهنيئا لعلي (عليه السلام) بتفضيل الله إياه،
ثم التفت، فرآني إلى جانبه، فقال: ما أضجعك هاهنا يا أبا رافع؟ فأخبرته خبر
الحية، فقال: قم إليها فاقتلها، فقتلتها.
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدي فقال: يا أبا رافع كيف أنت وقوم يقاتلون عليا (عليه السلام)
هو على الحق وهم على الباطل! يكون في حق الله جهادهم، فمن لم يستطع
جهادهم فبقلبه، فمن لم يستطع فليس وراء ذلك شيء، فقلت: ادع لي إن
أدركتهم أن يعينني الله ويقويني على قتالهم، فقال: اللهم إن أدركهم فقوه وأعنه.
ثم خرج إلى الناس، فقال: يا أيها الناس! من أحب أن ينظر إلى أميني على نفسي
وأهلي، فهذا أبو رافع أميني على نفسي (4).



(1) التاريخ الكبير: 5 / 138 / 415.
(2) سير أعلام النبلاء: 2 / 16 / 3، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 668، وقيل " مات بعد قتل عثمان " كما
في الطبقات الكبرى: 4 / 75 وتاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 668، وقيل " توفي في خلافة علي (عليه السلام) "
كما في سير أعلام النبلاء: 2 / 16 / 3 والاستيعاب: 1 / 178 / 34.
(3) المائدة: 55.
(4) رجال النجاشي: 1 / 63 / 1، الأمالي للطوسي: 59 / 86 نحوه.
35
6400 - رجال النجاشي عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع: لما بويع علي (عليه السلام)
وخالفه معاوية بالشام، وسار طلحة والزبير إلى البصرة، قال أبو رافع: هذا قول
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سيقاتل عليا (عليه السلام) قوم يكون حقا في الله جهادهم.
فباع أرضه بخيبر وداره، ثم خرج مع علي (عليه السلام) وهو شيخ كبير له خمس
وثمانون سنة، وقال: الحمد لله، لقد أصبحت لا أحد بمنزلتي، لقد بايعت
البيعتين، بيعة العقبة، وبيعة الرضوان، وصليت القبلتين، وهاجرت الهجر
الثلاث، قلت: وما الهجر الثلاث، قال: هاجرت مع جعفر بن أبي طالب إلى
أرض الحبشة، وهاجرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، وهذه الهجرة مع علي بن
أبي طالب (عليه السلام) إلى الكوفة، فلم يزل مع علي (عليه السلام) حتى استشهد علي (عليه السلام)، فرجع
أبو رافع إلى المدينة مع الحسن (عليه السلام)، ولا دار له بها ولا أرض، فقسم له الحسن (عليه السلام)
دار علي (عليه السلام) بنصفين، وأعطاه سنح (1): أرض أقطعه إياها، فباعها عبيد الله بن
أبي رافع من معاوية بمائة ألف وسبعين ألفا (2).
6
أبو سعيد الخدري
هو سعد بن مالك بن شيبان، أبو سعيد الأنصاري الخدري، وهو مشهور
بكنيته، أحد الصحابة (3) والوجوه البارزة المشهورة من الأنصار (4). وهو من



(1) سنح: موضع بعوالي المدينة، فيه منازل بني الحارث بن الخزرج (النهاية: 2 / 407).
(2) رجال النجاشي: 1 / 64 / 1 وراجع الأمالي للطوسي: 59 / 86.
(3) تاريخ بغداد: 1 / 180 / 19، سير أعلام النبلاء: 3 / 170 / 28، تاريخ دمشق: 20 / 393.
(4) تاريخ بغداد: 1 / 180 / 19، الوافي بالوفيات: 15 / 148 / 200.
36
المحدثين الكبار (1)، وفي عداد رواة حديث الغدير (2)، وحديث المنزلة (3).
كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كثير من غزواته (4)، وبعده كان أحد الثابتين فكريا
على معرفة الحق (5)، وأحد الراسخين في دعم الحقيقة (6). ذكره الإمام الصادق (عليه السلام)
بتبجيل وتكريم، ونص على استقامته في طريق الحق.
لم يترك مرافقة علي (عليه السلام)، وكان إلى جانبه في معركة النهروان (7). ودع الحياة
الدنيا سنة 74 ه‍ (8).
7
أبو قتادة الأنصارى
هو الحارث بن ربعي بن بلدمة، أبو قتادة الأنصاري الخزرجي، وهو مشهور
بكنيته، كان من الصحابة (9). شارك في معركة أحد وما بعدها من المعارك (10).



(1) تاريخ بغداد: 1 / 180 / 19، الوافي بالوفيات: 15 / 148 / 200.
(2) المعجم الأوسط: 2 / 369 / 2254، تاريخ دمشق: 42 / 228؛ الأمالي للصدوق: 670 / 898.
(3) تاريخ دمشق 42 / 172؛ المناقب للكوفي: 1 / 501 / 418.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 650 / 6488، سير أعلام النبلاء: 3 / 169 / 28 وفيه " شهد
أبو سعيد الخندق وبيعة الرضوان "، تاريخ دمشق: 20 / 387.
(5) الخصال: 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(6) رجال الكشي: 1 / 183 / 78 وراجع مستدركات علم الرجال: 1 / 20.
(7) تاريخ بغداد: 1 / 180 / 19.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 651 / 6390، المعجم الكبير: 6 / 33 / 5426 و 5427، سير
أعلام النبلاء: 3 / 171 / 28.
(9) رجال الطوسي: 35 / 183؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 341.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3 / 546 / 6031، تاريخ بغداد: 1 / 159 / 10، تاريخ الإسلام
للذهبي: 4 / 340، الاستيعاب: 4 / 295 / 3161، أسد الغابة: 6 / 244 / 6173.
37
وكان أحد الشجعان في جيش النبي (صلى الله عليه وآله) (1) حتى ذكره (صلى الله عليه وآله) بأنه من خيرة المقاتلين.
كان من صحابة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)، واشترك في جميع حروبه (3). قال
في معركة الجمل قولا يدل على إيمانه العميق ووفائه للإمام (عليه السلام) (4). وكان على
الرجالة في النهروان (5). وولاه الإمام (عليه السلام) على مكة (6). توفي أبو قتادة في أيام
خلافة الإمام (عليه السلام) (7).
6401 - الاستيعاب: إن عليا لما ولي الخلافة عزل خالد بن العاصي بن هشام بن
المغيرة المخزومي عن مكة وولاها أبا قتادة الأنصاري (8).
6402 - تاريخ الطبري عن أبي قتادة - لعلي (عليه السلام) في حرب الجمل -: يا
أمير المؤمنين! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلدني هذا السيف وقد شمته (9) فطال شيمه، وقد
أنى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشا؛ فإن أحببت أن



(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 341، سير أعلام النبلاء: 2 / 449 / 87، الاستيعاب: 1 / 353 / 414،
أسد الغابة: 6 / 244 / 6173.
(2) رجال الطوسي: 83 / 837؛ تاريخ بغداد: 1 / 159 / 10.
(3) تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 342، الاستيعاب: 4 / 295 / 3161، أسد الغابة: 6 / 245 / 6173.
(4) تاريخ الطبري: 4 / 451.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 85، الأخبار الطوال: 210، تاريخ بغداد: 1 / 159 / 10 وفيه " حضر معه قتال
الخوارج بالنهروان ".
(6) رجال الطوسي: 83 / 837؛ تاريخ خليفة بن خياط: 152، الاستيعاب: 3 / 363 / 2190 وزاد
فيهما " ثم عزله ".
(7) الاستيعاب: 4 / 295 / 3161، أسد الغابة: 6 / 245 / 6173، سير أعلام النبلاء: 2 / 453 / 87،
وذكرت بعض المصادر أنه " توفي سنة 54 ه‍ وهو ابن سبعين سنة " كما في المستدرك على
الصحيحين: 3 / 547 / 6033 والمعجم الكبير: 3 / 240 / 3274.
(8) الاستيعاب: 3 / 363 / 2190، تاريخ خليفة بن خياط: 152 وفيه " خالد بن سعيد بن العاصي ".
(9) الشيم: إغماد السيف، وهو من الأضداد (النهاية: 2 / 521).
38
تقدمني، فقدمني (1).
8
أبو مسعود البدري
هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود البدري، وهو مشهور بكنيته. من
صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). اشترك في حروبه كلها إلا بدرا (3). عندما تقلد الإمام
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أمر الخلافة، قام وأثنى عليه، وعد بيعته كبيعة العقبة،
والرضوان، وحث الناس على بيعته (عليه السلام) (4).
وحين توجه الإمام (عليه السلام) إلى صفين، استخلفه على الكوفة (5). لم يشترك هذا
الرجل في حرب من حروب الإمام (عليه السلام) (6).
مات أبو مسعود سنة 40 ه‍ (7).



(1) تاريخ الطبري: 4 / 451.
(2) المعجم الكبير: 17 / 194 / 519، الطبقات الكبرى: 6 / 16، تاريخ دمشق: 40 / 507، سير أعلام
النبلاء: 2 / 494 / 103 وفيه " معدود في علماء الصحابة "، أسد الغابة: 4 / 55 / 3717، تاريخ
الإسلام للذهبي: 3 / 658؛ رجال الطوسي: 43 / 309.
(3) الاستيعاب: 3 / 184 / 1846، أسد الغابة: 4 / 55 / 3717، الطبقات الكبرى: 6 / 16، تاريخ
دمشق: 40 / 511. واختلف في اشتراكه ببدر، راجع: تهذيب التهذيب: 7 / 209 / 4806.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 127 / 4602، المعجم الكبير: 17 / 195 / 521، الطبقات
الكبرى: 6 / 16، تاريخ خليفة بن خياط: 152، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 658، الكامل في
التاريخ: 2 / 409، سير أعلام النبلاء: 2 / 495 / 103؛ وقعة صفين: 121.
(6) المعجم الكبير: 17 / 195 / 521، تاريخ دمشق: 40 / 522، سير أعلام النبلاء: 2 / 496 / 103،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 658 وراجع المستدرك على الصحيحين: 3 / 127 / 4603.
(7) الطبقات لخليفة بن خياط: 229 / 933، سير أعلام النبلاء: 2 / 496 / 103، وفي موته أقوال أخر:
" مات أيام علي بن أبي طالب " كما في تاريخ دمشق: 40 / 516 و 517، وص 511 وفيه " مات في
أول خلافة معاوية "، وقيل " توفي في آخر خلافة معاوية " كما في الطبقات الكبرى: 6 / 16 وتاريخ
الإسلام للذهبي: 3 / 659.
39
9
أبو موسى الأشعري
هو عبد الله بن قيس بن سليم، المشهور بأبي موسى الأشعري. من أهل
اليمن (1)، وأحد صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) (2). أسلم في مكة (3). وكان حسن الصوت،
واشتهر بالقراءة (4).
ولاه النبي (صلى الله عليه وآله) على مناطق من اليمن (5). ولي البصرة (6) في عهد عمر بعد عزل
المغيرة (7).



(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 548، الفتوح: 4 / 198، الإمامة والسياسة: 1 / 151؛ وقعة صفين: 500.
(2) تاريخ دمشق: 32 / 14، أسد الغابة: 3 / 364 / 3137؛ رجال الطوسي: 42 / 295.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 526 / 5953، الطبقات الكبرى: 4 / 105 وج 6 / 16، تهذيب
الكمال: 15 / 447 / 3491، تاريخ دمشق: 32 / 18، سير أعلام النبلاء: 2 / 382 / 82.
(4) الطبقات الكبرى: 2 / 344 وج 4 / 107 و 108، تهذيب الكمال: 15 / 449 / 3491، حلية
الأولياء: 1 / 256 وص 258، الاستيعاب: 3 / 104 / 1657، تاريخ دمشق: 32 / 22.
(5) تهذيب الكمال: 15 / 447 / 3491، تاريخ خليفة بن خياط: 61، الاستيعاب: 3 / 104 / 1657،
أسد الغابة: 3 / 365 / 3137، تاريخ دمشق: 32 / 15.
(6) الطبقات الكبرى: 6 / 16، تهذيب الكمال: 15 / 447 / 3491، تاريخ دمشق: 32 / 15 وفيهما
" استعمله عمر على الكوفة والبصرة "، تاريخ الطبري: 4 / 69، الطبقات لخليفة بن خياط:
126 / 458، سير أعلام النبلاء: 2 / 382 / 82، أسد الغابة: 3 / 365 / 3137.
(7) تاريخ خليفة بن خياط: 111، سير أعلام النبلاء: 2 / 390 / 82، الاستيعاب: 3 / 104 / 1657،
الإصابة: 4 / 181 / 4916.
40
عندما كان واليا على البصرة، فتح كثيرا من مناطق إيران، منها الأهواز (1)،
وتستر (2)، وقم (3)، وأصفهان (4)، وجنديسابور (5). وظل واليا على البصرة في أول
خلافة عثمان (6)، ثم عزله عثمان ونصب مكانه عبد الله بن عامر بن كريز (7) الذي
كان ابن خمس وعشرين سنة (8).
ولما ثار أهل الكوفة على عثمان وواليه سعيد بن العاص وطلبوا أبا موسى،
وافق عثمان على ذلك، وولي أبو موسى الكوفة (9).
وعندما تسلم أمير المؤمنين (عليه السلام) مقاليد الخلافة أبقاه في منصبه باقتراح مالك
الأشتر (10). وهو الوالي الوحيد الذي ظل في منصبه من ولاة عثمان (11).



(1) تاريخ خليفة بن خياط: 94 وص 97، سير أعلام النبلاء: 2 / 390 / 82، أسد الغابة:
3 / 365 / 3137، الإصابة: 4 / 181 / 4916، معجم البلدان: 1 / 285.
(2) تاريخ خليفة بن خياط: 102 و 103، تاريخ دمشق: 32 / 22.
(3) معجم البلدان: 4 / 397.
(4) الطبقات الكبرى: 4 / 110، أسد الغابة: 3 / 365 / 3137، الإصابة: 4 / 181 / 4916، تاريخ
دمشق: 32 / 20.
(5) تاريخ خليفة بن خياط: 97.
(6) الطبقات لخليفة بن خياط: 126 / 458، تاريخ خليفة بن خياط: 133، تاريخ دمشق: 32 / 20،
سير أعلام النبلاء: 2 / 382 / 82، أسد الغابة: 3 / 365 / 3137، الإصابة: 4 / 182 / 4916.
(7) تاريخ خليفة بن خياط: 133، سير أعلام النبلاء: 2 / 390 / 82، الاستيعاب: 3 / 104 / 1657،
أسد الغابة: 3 / 365 / 3137، الإصابة: 4 / 182 / 4916.
(8) الطبقات الكبرى: 5 / 45، المستدرك على الصحيحين: 3 / 741 / 6696 وفيه " فتى من قريش "
بدل " ابن خمس وعشرين سنة ".
(9) أنساب الأشراف: 6 / 159، تاريخ الطبري: 4 / 332، مروج الذهب: 2 / 347، الاستيعاب:
3 / 104 / 1657، أسد الغابة: 3 / 365 / 3137، الإصابة: 4 / 182 / 4916.
(10) الأمالي للمفيد: 296 / 6، تاريخ اليعقوبي: 2 / 179؛ تاريخ الطبري: 4 / 499.
(11) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179.
41
وكان أبو موسى يثبط الناس عن نصرة الإمام (عليه السلام) في فتنة أصحاب الجمل،
فعزله الإمام (1)، وأخرجه مالك الأشتر من الكوفة (2).
اعتزل أبو موسى القتال في صفين (3) وانضم إلى القاعدين. ولكن عندما فرض
التحكيم على الإمام (عليه السلام)، فرض أبو موسى عليه أيضا حكما بإصرار الأشعث بن
قيس والخزرج وبلبلتهم (4).
وكان الإمام (عليه السلام) يعلم أن أبا موسى سيضيع الحق بمكيدة عمرو بن العاص،
وكذلك كان يعتقد أصحابه الأجلاء كمالك الأشتر، وابن عباس، والأحنف بن
قيس (5). وفي آخر المطاف انخدع أبو موسى بمكيدة ابن العاص، وعجز عن
استخلاف عبد الله بن عمر، الذي كان صهره (6)، وكان يطمع فيها (7).
لقد وهم أبو موسى أنه عزل عليا (عليه السلام) ومعاوية. واستغل ابن العاص الفرصة،
وكاد فأبقى معاوية. وعبر أبو موسى بحماقته هذه عن دوره المخزي في التاريخ



(1) نهج البلاغة: الكتاب 63، الجمل: 242؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 126 / 4602، تاريخ
الطبري: 4 / 499، مروج الذهب: 2 / 367، الكامل في التاريخ: 2 / 349، الفتوح: 2 / 459.
(2) الجمل: 253؛ تاريخ الطبري: 4 / 487، الكامل في التاريخ: 2 / 329. راجع: القسم السادس /
وقعة الجمل / استنصار الإمام من أهل الكوفة.
(3) وقعة صفين: 500؛ تاريخ الطبري: 5 / 52.
(4) راجع: القسم السادس / وقعة صفين / تعيين الحكم.
(5) وقعة صفين: 500 وص 501 و 545؛ مروج الذهب: 2 / 406، تاريخ الطبري: 5 / 52 وص 70،
الكامل في التاريخ: 2 / 388 وص 396، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 547، أسد الغابة:
3 / 365 / 3137.
(6) مروج الذهب: 2 / 408.
(7) وقعة صفين: 540؛ مروج الذهب: 2 / 408، حلية الأولياء: 1 / 293، سير أعلام النبلاء:
2 / 394 / 82، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 548.
42
مرة أخرى، وساق المجتمع الإسلامي إلى هاوية الدمار (1).
ويا عجبا! فإن التدقيق في حوار الرجلين يدل على أن أبا موسى كان غير
مطلع على موضوع التحكيم، ولم يعلم في الحقيقة كنه ما يريد أن يحكم فيه.
لجأ أبو موسى بعد ذلك إلى مكة (2). وعندما ملك معاوية كان يتردد عليه،
وكان معاوية يحتفي به (3).
وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يدعو في صلاته على أبي موسى، ومعاوية، وابن
العاص (4). ويدل التدبر في حياة أبي موسى الأشعري وإنعام النظر فيما ذكرناه أنه
كان ذا " جمود فكري " من جهة، و " خمود سلوكي " من جهة أخرى.
فلا هو من أولي الفكر الحركي الفعال، ولا هو من أصحاب السعي اللائق
المحمود.
لقد كان رجلا ظاهر التنسك دون الاهتداء بما عليه العقل.
مات أبو موسى سنة 42 ه‍ (5) وهو ابن ثلاث وستين سنة (6).



(1) وقعة صفين: 546؛ مروج الذهب: 2 / 410، تاريخ الطبري: 5 / 71، الكامل في التاريخ:
2 / 396، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 549. راجع: القسم السادس / وقعة صفين / خيمة التحكيم.
(2) وقعة صفين: 546؛ مروج الذهب: 2 / 410، تاريخ الطبري: 5 / 71، الكامل في التاريخ: 2 / 397.
(3) الغارات: 2 / 656؛ تهذيب الكمال: 15 / 448 / 3491، تاريخ دمشق: 32 / 15 وفيهما " قدم
دمشق على معاوية ".
(4) وقعة صفين: 552؛ شرح نهج البلاغة: 13 / 315.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 16، تهذيب الكمال: 15 / 452 / 3491، سير أعلام النبلاء: 2 / 382 / 82،
وفي وفاته أقوال أخر: " مات سنة 50 أو 51 ه‍ " كما في الطبقات لخليفة بن خياط: 126 / 458، وقيل
" مات سنة 52 ه‍ " كما في المستدرك على الصحيحين: 3 / 526 / 5956 والطبقات الكبرى:
4 / 116 وسير أعلام النبلاء: 2 / 397 / 82.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 526 / 5956، تهذيب الكمال: 15 / 452 / 3491، الإصابة: 4 / 183 / 4916.
43
6403 - الإمام علي (عليه السلام) - في وصف أبي موسى الأشعري -: والله ما كان عندي
مؤتمنا ولا ناصحا، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته، وولوه
وسلطوه بالإمرة على الناس، ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقره،
فأقررته على كره مني له، وتحملت على صرفه من بعد (1).
6404 - مروج الذهب - في ذكر حرب الجمل -: كاتب علي من الربذة أبا موسى
الأشعري ليستنفر الناس، فثبطهم أبو موسى وقال: إنما هي فتنة، فنمي (2) ذلك
إلى علي، فولى على الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري، وكتب إلى أبي موسى:
اعتزل عملنا يا بن الحائك مذموما مدحورا، فما هذا أول يومنا منك، وإن لك فينا
لهنات وهنيات (3).
6405 - سير أعلام النبلاء عن شقيق: كنا مع حذيفة جلوسا، فدخل عبد الله
وأبو موسى المسجد، فقال: أحدهما منافق ثم قال: إن أشبه الناس هديا ودلا
وسمتا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله (4).
6406 - شرح نهج البلاغة: روي أن عمارا سئل عن أبي موسى، فقال: لقد
سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما، سمعته يقول: صاحب البرنس (5) الأسود، ثم
كلح كلوحا (6)، علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط (7).



(1) الأمالي للمفيد: 295 / 6.
(2) نميت الحديث: أي رفعته وأبلغته (النهاية: 5 / 121).
(3) مروج الذهب: 2 / 367 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 499 و 500 والكامل في التاريخ: 2 / 349.
(4) سير أعلام النبلاء: 2 / 393 / 82، تاريخ دمشق: 32 / 93، المعرفة والتاريخ: 2 / 771.
(5) البرنس: قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام (النهاية: 1 / 122).
(6) الكلوح: العبوس (النهاية: 4 / 196).
(7) شرح نهج البلاغة: 13 / 315، الاستيعاب: 3 / 104 / 1657 وفيه " عزله علي (رضي الله عنه) عنها، فلم يزل ف
واجدا منها على علي، حتى جاء منه ما قال حذيفة. فقد روى فيه لحذيفة كلام كرهت ذكره، والله يغفر له ".
44
6407 - تاريخ دمشق عن أبي تحيى حكيم: كنت جالسا مع عمار، فجاء
أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ قال: ألست أخاك؟ قال: ما أدري إلا أني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ليلة الجمل. قال: إنه قد استغفر لي. قال عمار: قد شهدت
اللعن، ولم أشهد الاستغفار (1).
6408 - تاريخ الطبري عن جويرية بن أسماء: قدم أبو موسى على معاوية،
فدخل عليه في برنس أسود، فقال: السلام عليك يا أمين الله! قال: وعليك
السلام، فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لأوليه، ولا والله لا أوليه (2).
6409 - الغارات عن محمد بن عبد الله بن قارب: إني عند معاوية لجالس، إذ جاء
أبو موسى فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليك السلام، فلما تولى
قال: والله لا يلي هذا على اثنين حتى يموت (3).
6410 - الطبقات الكبرى عن أبي بردة [بن أبي موسى]: دخلت على معاوية بن
أبي سفيان حين أصابته قرحته، فقال: هلم يا بن أخي تحول فانظر. قال:
فتحولت، فنظرت، فإذا هو قد سبرت (4) - يعني: قرحته - فقلت: ليس عليك
بأس... إذ دخل يزيد بن معاوية، فقال له معاوية: إن وليت من أمر الناس شيئا،
فاستوص بهذا؛ فإن أباه كان أخا لي - أو خليلا أو نحو هذا من القول - غير أني قد
رأيت في القتال ما لم ير (5).



(1) تاريخ دمشق: 32 / 93، كنز العمال: 13 / 608 / 37554.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 332، الكامل في التاريخ: 2 / 527، أنساب الأشراف: 5 / 50 نحوه.
(3) الغارات: 2 / 656.
(4) السبر: امتحان غور الجرح وغيره (تاج العروس: 6 / 490).
(5) الطبقات الكبرى: 4 / 112، سير أعلام النبلاء: 2 / 401 / 82، تاريخ الطبري: 5 / 332.
45
10
أبو الهيثم
هو مالك بن التيهان بن مالك أبو الهيثم الأنصاري، وهو مشهور بكنيته. من
أوائل الأنصار الذين أسلموا في مكة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وكان قبل الإسلام
موحدا أيضا ولم يعبد الأصنام (2). وشهد مشاهد النبي (صلى الله عليه وآله) جميعها (3)، وهو ممن
روى حديث الغدير (4).
وكان من السابقين في معرفة الحق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ إذ سبق إلى معرفة
خلافة الحق (5)، ولم يتنازل عنها إلى غيرها (6)، وهو أحد الاثني عشر الذين
احتجوا في مسجد النبي مدافعين عن الإمام (عليه السلام)، ومعارضين لتغيير مسار
الخلافة (7).
وهكذا كان؛ فقد رافق الإمام (عليه السلام) منذ بداية تبلور خلافته، وتصدى مع عمار بن
ياسر لأخذ البيعة من الناس (8).



(1) الطبقات الكبرى: 3 / 448، سير أعلام النبلاء: 1 / 190 / 22، الاستيعاب: 3 / 404 / 2286،
الكامل في التاريخ: 2 / 409.
(2) الطبقات الكبرى: 3 / 448، سير أعلام النبلاء: 1 / 190 / 22.
(3) الطبقات الكبرى: 3 / 448، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 221، سير أعلام النبلاء: 1 / 190 / 22،
الاستيعاب: 3 / 404 / 2286.
(4) الغدير: 1 / 16.
(5) رجال الكشي: 1 / 181.
(6) الخصال: 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(7) الخصال: 465 / 4، الاحتجاج: 1 / 197 / 9، رجال البرقي: 66.
(8) الأمالي للطوسي: 728 / 1530.
46
جعله الإمام (عليه السلام) وعمار بن ياسر على بيت المال. وهو آية على نزاهته (1).
وعندما ذكر الإمام (عليه السلام) بلوعة وألم - وهو في وحدته ومحنة نكول أصحابه
وضعفهم - أحبته الماضين الذين ثبتوا على الطريق، ذكر فيهم مالك بن التيهان،
وتأسف على فقده (2).
واختلف المؤرخون في وقت وفاته، لكن يستبين من خطبة الإمام (عليه السلام)، التي
ذكر فيها اسمه وتأوة على فقده وفقد عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت
ذي الشهادتين، قائلا: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين
عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين
تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة؟ " يستبين أنه استشهد في
صفين (3). وبه صرح ابن أبي الحديد (4)، والعلامة التستري (5).
11
الأحنف بن قيس
الأحنف بن قيس بن معاوية، أبو بحر التميمي السعدي، والأحنف لقب له
لحنف (6) كان برجله، واسمه الضحاك وقيل: صخر، من كبار تميم (7). أسلم على



(1) الاختصاص: 152.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 182.
(3) الطبقات الكبرى: 3 / 449، الاستيعاب: 3 / 404 / 2286، أسد الغابة: 5 / 13 / 4572، الكامل
في التاريخ: 2 / 409 وفيه " وقيل: عاش بعدها يسيرا ".
(4) شرح نهج البلاغة: 10 / 108.
(5) قاموس الرجال: 7 / 462.
(6) الحنف في القدمين: إقبال كل واحدة منهما على الأخرى بإبهامها (لسان العرب: 9 / 56).
(7) سير أعلام النبلاء: 4 / 87 / 29، المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق: 24 / 310 وفيه " وكان
سيد قومه ".
47
عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (1)، لكنه لم يره (2). حمد بالحلم والسيادة، وربما أفرط مترجموه في
نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته (3).
وكان الأحنف من أمراء الجيش في فتح خراسان أيام عمر (4). وفتح مرو في
عصر عثمان (5). واعتزل الإمام أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) في حرب الجمل (6)، فتبعه
أربعة آلاف من قبيلته تاركين عائشة (7)، ودعته عائشة إلى اللحاق بها، فلم يجب
ودحض موقفها بكلام بصير واع (8).
وكان من قادة جيش الإمام (عليه السلام) في معركة صفين (9)، واقترح أن يمثل الإمام (عليه السلام)
في التحكيم بدل أبي موسى (10).
واعتزل في فتنة ابن الحضرمي ولم يدافع عن الإمام (عليه السلام). وكانت سياسته
ترتكز على المسامحة والموادعة، ومسايرة قومه وقبيلته، والابتعاد عن



(1) سير أعلام النبلاء: 4 / 87 / 29، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 346 / 136، الاستيعاب: 1 / 230 / 161.
(2) الاستيعاب: 1 / 230 / 161، أسد الغابة: 1 / 179 / 51، الإصابة: 1 / 332 / 429.
(3) سير أعلام النبلاء: 4 / 91 / 29، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 345 / 136، وفيات الأعيان:
2 / 499 وفيهما " يضرب به المثل في الحلم ".
(4) المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق: 24 / 313.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 310، تاريخ خليفة بن خياط: 121، المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق:
24 / 313.
(6) تاريخ الطبري: 4 / 500، الأخبار الطوال: 148؛ الجمل: 295.
(7) الجمل: 295؛ تاريخ الطبري: 4 / 501.
(8) أسد الغابة: 3 / 13 / 2493.
(9) وقعة صفين: 117 وص 205؛ سير أعلام النبلاء: 4 / 87 / 29، تاريخ خليفة بن خياط: 146،
تاريخ دمشق: 24 / 299.
(10) وقعة صفين: 501؛ تاريخ الطبري: 5 / 52، الأخبار الطوال: 193.
48
التوتر (1).
وكانت له منزلة حسنة عند معاوية (2)، لكنه لم يتنازل عن مدح الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) والثناء عليه وتعظيمه يومئذ (3). وكاتبه الإمام الحسين (عليه السلام) قبل
ثورته فلم يجبه (4). وإن صح هذا (أي عدم استجابته لدعاء الإمام (عليه السلام))؛ فهو دليل
على ركونه إلى الدنيا، وتزعزع عقيدته.
وكانت تربطه بمصعب بن الزبير صداقة، من هنا رافقه في مسيره إلى
الكوفة (5). مات الأحنف سنة 67 ه‍ (6).
6411 - تاريخ دمشق عن عبد الله بن المبارك: قيل للأحنف بن قيس: بأي شيء
سودك قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه (7).
6412 - الجمل - في ذكر حرب الجمل -: بعث إليه [علي (عليه السلام)] الأحنف بن قيس
رسولا يقول له: إني مقيم على طاعتك في قومي؛ فإن شئت أتيتك في مائتين من
أهل بيتي فعلت، وإن (8) شئت حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد.
فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام): بل احبس وكف. فجمع الأحنف قومه، فقال: يا
بني سعد! كفوا عن هذه الفتنة، واقعدوا في بيوتكم؛ فإن ظهر أهل البصرة فهم



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 415.
(2) سير أعلام النبلاء: 4 / 95 / 29.
(3) العقد الفريد: 3 / 87، وفيات الأعيان: 2 / 504.
(4) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 211.
(5) الطبقات الكبرى: 7 / 97، تاريخ الطبري: 6 / 95، تاريخ دمشق: 24 / 301.
(6) تاريخ خليفة بن خياط: 203، سير أعلام النبلاء: 4 / 96 / 29، تاريخ دمشق: 24 / 302.
(7) تاريخ دمشق: 24 / 316، سير أعلام النبلاء: 4 / 91 / 29.
(8) في المصدر: " فإن "، والصحيح ما أثبتناه.
49
إخوانكم لم يهيجوكم، وإن ظهر علي سلمتم. فكفوا وتركوا القتال (1).
6413 - الجمل: لما جاء رسول الأحنف وقد قدم على علي (عليه السلام) بما بذل له من كف
قومه عنه، قال رجل: يا أمير المؤمنين، من هذا؟ قال: هذا أدهى العرب
وخيرهم لقومه.
فقال علي (عليه السلام): كذلك هو، وإني لأمثل بينه وبين المغيرة بن شعبة؛ لزم الطائف،
فأقام بها ينتظر على من تستقيم الأمة! فقال الرجل: إني لأحسب أن الأحنف
لأسرع إلى ما تحب من المغيرة (2).
6414 - وقعه صفين - في ذكر إعزام الحكمين في آخر حرب صفين -: قام
الأحنف بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إني خيرتك يوم الجمل أن
آتيك فيمن أطاعني وأكف عنك بني سعد، فقلت: كف قومك فكفى بكفك
نصيرا، فأقمت بأمرك. وإن عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته
قريب القعر كليل المدية، وهو رجل يمان، وقومه مع معاوية. وقد رميت بحجر
الأرض وبمن حارب الله ورسوله، وإن صاحب القوم من ينأى حتى يكون مع
النجم، ويدنو حتى يكون في أكفهم. فابعثني ووالله لا يحل عقدة إلا عقدت لك
أشد منها. فإن قلت: إني لست من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فابعث رجلا من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، غير عبد الله بن قيس، وابعثني معه. فقال علي: إن القوم
أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا، فقالوا: ابعث هذا؛ فقد رضينا به. والله بالغ
أمره (3).



(1) الجمل: 295.
(2) الجمل: 296.
(3) وقعه صفين: 501.
50
6415 - وقعة صفين - بعد ذكر دعوة الإمام (عليه السلام) أهل البصرة لقتال معاوية، وقراءة
ابن عباس كتابه (عليه السلام) عليهم -: فقام الأحنف بن قيس فقال: نعم، والله لنجيبنك،
ولنخرجن معك على العسر واليسر، والرضا والكره، نحتسب في ذلك الخير،
ونأمل من الله العظيم من الأجر (1).
6416 - تاريخ دمشق: إن الأحنف بن قيس دخل على معاوية، فقال: أنت
الشاهر علينا سيفك يوم صفين، والمخذل عن أم المؤمنين؟! فقال: يا معاوية! لا
ترد الأمور على أدبارها؛ فإن السيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، والقلوب
التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والله لا تمد إلينا شبرا من غدر إلا مددنا إليك
ذراعا من ختر (2)، وإن شئت لتستصفين كدر قلوبنا بصفو من عفوك. قال: فإني
أفعل (3).
6417 - العقد الفريد عن أبي الحباب الكندي عن أبيه: إن معاوية بن أبي سفيان
بينما هو جالس وعنده وجوه الناس، إذ دخل رجل من أهل الشام، فقام خطيبا،
فكان آخر كلامه أن لعن عليا، فأطرق الناس وتكلم الأحنف، فقال:
يا أمير المؤمنين! إن هذا القائل ما قال آنفا، لو يعلم أن رضاك في لعن
المرسلين للعنهم! فاتق الله ودع عنك عليا؛ فقد لقي ربه، وأفرد في قبره، وخلا
بعمله، وكان والله - ما علمنا - المبرز بسبقه، الطاهر خلقه، الميمون نقيبته (4)،



(1) وقعة صفين: 116.
(2) الختر: شبيه بالغدر والخديعة؛ وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه (لسان العرب: 4 / 229).
(3) تاريخ دمشق: 24 / 326، عيون الأخبار لابن قتيبة: 2 / 230، العقد الفريد: 3 / 86 وفيهما من " لا
ترد الأمور... "، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 351 وفيه إلى " جوانحنا "، وفيات الأعيان: 2 / 500
كلها نحوه.
(4) أي منجح الفعال، مظفر المطالب. والنقيبة: النفس. وقيل: الطبيعة والخليقة (النهاية: 5 / 102).
51
العظيم مصيبته.
فقال له معاوية: يا أحنف! لقد أغضيت العين على القذى، وقلت بغير ما ترى،
وأيم الله لتصعدن المنبر فلتلعنه طوعا أو كرها، فقال له الأحنف: يا
أمير المؤمنين! إن تعفني فهو خير لك، وإن تجبرني على ذلك فوالله لا تجري به
شفتاي أبدا، قال: قم فاصعد المنبر.
قال الأحنف: أما والله مع ذلك لأنصفنك في القول والفعل.
قال: وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتني؟
قال: أصعد المنبر، فأحمد الله بما هو أهله، وأصلي على نبيه (صلى الله عليه وآله)، ثم أقول:
أيها الناس، إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليا، وإن عليا ومعاوية
اختلفا فاقتتلا، وادعى كل واحد منهما أنه بغي عليه وعلى فئته؛ فإذا دعوت
فأمنوا رحمكم الله. ثم أقول:
اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه،
والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم لعنا كثيرا. أمنوا رحمكم الله!
يا معاوية! لا أزيد على هذا ولا أنقص منه حرفا ولو كان فيه ذهاب نفسي.
فقال معاوية: إذن نعفيك يا أبا بحر (1).
6418 - عيون الأخبار عن السكن: كتب الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى
الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يرد الجواب، وقال: قد جربنا آل أبي الحسن، فلم
نجد عندهم إيالة (2) للملك، ولا جمعا للمال، ولا مكيدة في الحرب (3).



(1) العقد الفريد: 3 / 87، وفيات الأعيان: 2 / 504، نهاية الأرب: 7 / 237.
(2) الإيالة: السياسة. يقال: فلان حسن الإيالة وسيئ الإيالة (النهاية: 1 / 85).
(3) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 211.
52
12
الأشعث بن قيس
الأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي، يكنى أبا محمد، واسمه
معديكرب (1). من كبار اليمن، وأحد الصحابة (2). عورت عينه في حرب
اليرموك (3). وهو وجه مشبوه مريب متلون، رديء الطبع، سيئ العمل في التاريخ
الإسلامي.
ارتد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الدين وأسر، فعفا عنه أبو بكر، وزوجه أخته (4).
وكان أبو بكر يعرب عن ندمه، ويتأسف لعفوه (5).
زوج بنته لابن عثمان في أيام خلافته (6). ونصبه عثمان واليا على
آذربايجان (7). وكان يهبه مئة ألف درهم من خراجها سنويا (8).
عزل الإمام علي (عليه السلام) الأشعث عن آذربايجان، ودعاه إلى المدينة (9)، فهم



(1) سير أعلام النبلاء: 2 / 38 / 8، أسد الغابة: 1 / 249 / 185.
(2) سير أعلام النبلاء: 2 / 38 / 8، تاريخ الطبري: 3 / 138، تاريخ دمشق: 9 / 116 وص 119.
(3) تهذيب الكمال: 3 / 288 / 532، أسد الغابة: 1 / 250 / 185، تاريخ دمشق: 9 / 119.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 22، تهذيب الكمال: 3 / 290 / 532، تاريخ الطبري: 3 / 339، سير أعلام
النبلاء: 2 / 39 / 8؛ الأمالي للطوسي: 262 / 480، تاريخ اليعقوبي: 2 / 132.
(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 137؛ تاريخ الطبري: 3 / 430.
(6) وقعة صفين: 20؛ الأخبار الطوال: 156.
(7) وقعة صفين: 20؛ تهذيب الكمال: 3 / 289 / 532، سير أعلام النبلاء: 2 / 41 / 8، تاريخ دمشق:
9 / 140، مروج الذهب: 2 / 381.
(8) الغارات: 1 / 365؛ تاريخ الطبري: 5 / 130.
(9) وقعة صفين: 20، تاريخ اليعقوبي: 2 / 200؛ مروج الذهب: 2 / 381.
53
بالفرار في البداية، ثم قدم المدينة بتوصية أصحابه، ووافى الإمام (عليه السلام) (1).
تولى رئاسة قبيلته " كندة " في حرب صفين (2)، وكان على ميمنة الجيش (3).
وتزعم الأشعث التيار الذي فرض التحكيم (4) وفرض أبا موسى الأشعري على
الإمام (عليه السلام). وعارض اختيار ابن عباس ومالك الأشتر حكمين عن الإمام (عليه السلام)
بصراحة (5)، ونادى بيمانية أحد الحكمين (6). وله يد في نشوء الخوارج، كما كان
له دور كبير في إيقاد حرب النهروان مع أنه كان في جيش الإمام (عليه السلام) (7). وهو ممن
كان يعارض الإمام (عليه السلام) وأعماله داخل الجيش بكل ما يستطيع (8)، حتى عدت
مواقفه أصل كل فساد واضطراب (9). وكان شرسا إلى درجة أنه هدد الإمام (عليه السلام) مرة
بالقتل (10). وسماه الإمام (عليه السلام) منافقا، ولعنه (11).



(1) وقعة صفين: 21؛ الإمامة والسياسة: 1 / 112.
(2) وقعة صفين: 227؛ تاريخ دمشق: 9 / 120، الأخبار الطوال: 188.
(3) وقعة صفين: 205؛ تاريخ خليفة بن خياط: 145، سير أعلام النبلاء: 2 / 40 / 8، تاريخ دمشق:
9 / 136.
(4) وقعة صفين: 482، تاريخ اليعقوبي: 2 / 189؛ تاريخ الطبري: 5 / 51، سير أعلام النبلاء:
2 / 40 / 8، مروج الذهب: 2 / 400.
(5) وقعة صفين: 499؛ تاريخ الطبري: 5 / 51، مروج الذهب: 2 / 402.
(6) وقعة صفين: 500؛ الفتوح: 4 / 198.
(7) شرح نهج البلاغة: 2 / 279، تاريخ دمشق: 9 / 120 وفيه " حضر قتال الخوارج بالنهروان ".
(8) نهج البلاغة: الخطبة 19، الغارات: 2 / 498؛ الكامل للمبرد: 2 / 579، تاريخ دمشق: 9 / 135،
شرح نهج البلاغة: 4 / 75.
(9) شرح نهج البلاغة: 2 / 279.
(10) سير أعلام النبلاء: 2 / 40 / 8، تاريخ دمشق: 9 / 139، مقاتل الطالبيين: 48.
(11) نهج البلاغة: الخطبة 19؛ الأغاني: 21 / 20، شرح نهج البلاغة: 4 / 75.
54
وكان ابن ملجم يتردد على داره (1)، وهو الذي أشار على المذكور بالإسراع
يوم عزمه على قتل الإمام (عليه السلام) (2). ونحن وإن لم نمتلك دليلا تاريخيا قطعيا على
صلته السرية بمعاوية، لكن لا بد من الالتفات إلى أن الأيادي الخفية تعمل بحذر
تام وكتمان شديد، ولذا لم تنكشف إلا نادرا. لكن ملف جنايات هذا البيت
المشؤوم يمكن عده وثيقة معتبرة على علقته بل وعلقة أسرته بأعداء أهل البيت،
ومما يعزز ذلك تعبير الإمام عنه بالمنافق.
قامت بنته جعدة بسم الإمام الحسن (عليه السلام) (3). وتولى ابنه محمد إلقاء القبض على
مسلم بن عقيل بالكوفة، بعد أن آمنه زورا، ثم غدر به (4) " وكل إناء بالذي فيه
ينضح ". وكان ابنه الآخر قيس (5) من أمراء جيش عمر بن سعد في كربلاء، ولم
يقل عن أبيه ضعة ونذالة؛ إذ سلب قطيفة الإمام الحسين (عليه السلام) فاشتهر ب‍ " قيس
القطيفة " (6).
هلك الأشعث سنة 40 ه‍ (7)، فختم ملف حياته الدنس الملوث بالعار.
6419 - شرح نهج البلاغة عن الأعمش: إن جريرا والأشعث خرجا إلى جبان (8)



(1) الإرشاد: 1 / 19 وفيه " وكانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على
قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وواطأهم عليه ".
(2) أنساب الأشراف: 3 / 254؛ الإرشاد: 1 / 19، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 312.
(3) الكافي: 8 / 167 / 187؛ أنساب الأشراف: 3 / 295، أسد الغابة: 1 / 251 / 185.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 374؛ الإرشاد: 2 / 58.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 422.
(6) تاريخ الطبري: 5 / 453.
(7) سير أعلام النبلاء: 2 / 42 / 8، تاريخ دمشق: 9 / 144، أسد الغابة: 1 / 251 / 185.
(8) الجبان والجبانة: الصحراء، وتسمى بهما المقابر، لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه
(النهاية: 1 / 236).
55
الكوفة، فمر بهما ضب يعدو، وهما في ذم علي (عليه السلام)، فنادياه: يا أبا حسل، هلم
يدك نبايعك بالخلافة، فبلغ عليا (عليه السلام) قولهما، فقال: أما إنهما يحشران يوم القيامة
وإمامهما ضب (1).
6420 - الإمام الصادق (عليه السلام): إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام)،
وابنته جعدة سمت الحسن (عليه السلام)، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (عليه السلام) (2).
6421 - تاريخ دمشق عن إبراهيم: ارتد الأشعث بن قيس وناس من العرب لما
مات نبي الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نصلي ولا نؤدي الزكاة، فأبى عليهم أبو بكر ذلك، قال: لا
أحل عقدة عقدها (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا أعقد عقدة حلها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا
أنقصكم شيئا مما أخذ منكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولأجاهدنكم، ولو منعتموني (4) عقالا
مما أخذ منكم نبي الله (صلى الله عليه وآله)، لجاهدتكم عليه، ثم قرأ: (وما محمد إلا رسول قد خلت
من قبله الرسل) (5) الآية.
فتحصن الأشعث بن قيس هو وناس من قومه في حصن، فقال الأشعث:
اجعلوا لسبعين منا أمانا فجعل لهم، فنزل بعد سبعين، ولم يدخل نفسه فيهم،
فقال أبو بكر: إنه لا أمان لك، إنا قاتلوك، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟
تستعين بي على عدوك، وتزوجني أختك، ففعل (6).



(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 75.
(2) الكافي: 8 / 167 / 187 عن سليمان كاتب علي بن يقطين عمن ذكره.
(3) في المصدر: " عقد "، والصحيح ما أثبتناه كما في تهذيب الكمال.
(4) في المصدر: " منعوني "، والصحيح ما أثبتناه كما في تهذيب الكمال.
(5) آل عمران: 144.
(6) تاريخ دمشق: 9 / 134، تهذيب الكمال: 3 / 290 / 532؛ الأمالي للطوسي: 262 / 480 كلها عن
إبراهيم النخعي.
56
6422 - الأخبار الطوال: كان [الأشعث] مقيما بأذربيجان طول ولاية عثمان بن
عفان، وكانت ولايته مما عتب الناس فيه على عثمان؛ لأنه ولاه عند مصاهرته
إياه، وتزويج ابنة الأشعث من ابنه (1).
6423 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتابه إلى الأشعث بن قيس عامل أذربيجان -: وإن
عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، وأنت مسترعى لمن فوقك، ليس
لك أن تفتات (2) في رعية، ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله
عز وجل، وأنت من خزانه حتى تسلمه إلي، ولعلي ألا أكون شر ولاتك لك،
والسلام (3).
6424 - وقعة صفين عن الأشعث بن قيس - من خطبته في أذربيجان بعد بيعة
الناس مع علي (عليه السلام) -: أيها الناس! إن أمير المؤمنين عثمان ولاني أذربيجان،
فهلك وهي في يدي، وقد بايع الناس عليا، وطاعتنا له كطاعة من كان قبله، وقد
كان من أمره وأمر طلحة والزبير ما قد بلغكم، وعلي المأمون على ما غاب عنا
وعنكم من ذلك الأمر.
فلما أتى منزله دعا أصحابه فقال: إن كتاب علي قد أوحشني، وهو آخذ بمال
أذربيجان، وأنا لاحق بمعاوية.
فقال القوم: الموت خير لك من ذلك، أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون



(1) الأخبار الطوال: 156 وراجع وقعة صفين: 20.
(2) تفتات: من الفوات؛ السبق. يقال لكل من أحدث شيئا في أمرك دونك: قد افتات عليك فيه
(النهاية: 3 / 477).
(3) نهج البلاغة: الكتاب 5، وقعة صفين: 20؛ الإمامة والسياسة: 1 / 111 كلاهما نحوه وليس فيهما من
" أنت مسترعى " إلى " إلا بوثيقة " وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 200.
57
ذنبا لأهل الشام؟!
فاستحيى فسار حتى قدم على علي (1).
6425 - تاريخ اليعقوبي - في كتابة وثيقة التحكيم واختلافهم في تقديم الإمام
وتسميته بإمرة المؤمنين -: فقال أبو الأعور السلمي: لا نقدم عليا، وقال
أصحاب علي: ولا نغير اسمه ولا نكتب إلا بإمرة المؤمنين، فتنازعوا على ذلك
منازعة شديدة حتى تضاربوا بالأيدي، فقال الأشعث: امحوا هذا الاسم، فقال له
الأشتر: والله - يا أعور! - لهممت أن أملأ سيفي منك، فلقد قتلت قوما ما هم شر
منك، وإني أعلم أنك ما تحاول إلا الفتنة، وما تدور إلا على الدنيا وإيثارها على
الآخرة! (2)
6426 - الإمام علي (عليه السلام): أما هذا الأعور - يعني الأشعث - فإن الله لم يرفع شرفا إلا
حسده، ولا أظهر فضلا إلا عابه، وهو يمني نفسه ويخدعها، يخاف ويرجو، فهو
بينهما لا يثق بواحد منهما، وقد من الله عليه بأن جعله جبانا، ولو كان شجاعا
لقتله الحق (3).
6427 - الإمام الصادق (عليه السلام): حدثتني امرأة منا، قالت: رأيت الأشعث بن قيس
دخل على علي (عليه السلام) فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به.
فقال له علي (عليه السلام): أبالموت تهددني؟! فوالله ما أبالي وقعت على الموت، أو
وقع الموت علي (4).



(1) وقعة صفين: 21؛ الإمامة والسياسة: 1 / 112 نحوه.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 189.
(3) شرح نهج البلاغة: 20 / 286 / 277؛ نثر الدر: 1 / 325 نحوه.
(4) مقاتل الطالبيين: 47 عن سفيان بن عيينة.
58
6428 - تاريخ دمشق عن قيس بن أبي حازم: دخل الأشعث بن قيس على علي
في شيء، فتهدده بالموت، فقال علي: بالموت فتهددني! ما أبالي سقط علي أو
سقطت عليه. هاتوا له جامعة وقيدا، ثم أومأ إلى أصحابه فطلبوا إليه فيه، قال:
فتركه (1).
6429 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة
يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه، فقال: يا
أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض (عليه السلام) إليه بصره ثم قال -: ما يدريك ما
علي مما لي؟ عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين! حائك ابن حائك! منافق ابن كافر!
والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى! فما فداك من واحدة منهما مالك ولا
حسبك! وإن امرأ دل على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحري أن يمقته
الأقرب، ولا يأمنه الأبعد! (2)
6430 - شرح نهج البلاغة: كل فساد كان في خلافة علي (عليه السلام)، وكل اضطراب



(1) تاريخ دمشق: 9 / 139، سير أعلام النبلاء: 2 / 40 / 8 وليس فيه " ما أبالي سقط علي أو سقطت
عليه ".
(2) نهج البلاغة: الخطبة 19؛ الأغاني: 21 / 20 نحوه.
قال الشريف الرضي: يريد (عليه السلام) أنه أسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة.
وأما قوله: " دل على قومه السيف " فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غر فيه
قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمونه " عرف النار " وهو اسم للغادر
عندهم. وقيل إن الأشعث وجماعة من قبيلته ومن قبائل حضرموت الأخرى كانوا قد ارتدوا في خلافة
أبي بكر، وامتنعوا من أداء الزكاة. فحاصرهم حينئذ جيش المسلمين بقيادة زياد بن لبيد، فطلب منهم
الأشعث أن يعطى الأمان لأهله وعائلته في مقابل أن يفتح لهم بوابة القلعة! وكانت نتيجة ذلك هو قتل
جميع أفراد قبيلته. يقول الطبري: " فكان معهم يلعنه المسلمون ويلعنه سبايا قومه وسماه نساء قومه
عرف النار - كلام يمان يسمون به الغادر (تاريخ الطبري: 3 / 338).
59
حدث فأصله الأشعث، ولولا محاقته (1) أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى الحكومة في
هذه المرة لم تكن حرب النهروان، ولكان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينهض بهم إلى
معاوية، ويملك الشام؛ فإنه صلوات الله عليه حاول أن يسلك معهم مسلك
التعريض والمواربة (2).
وفي المثل النبوي صلوات الله على قائله: " الحرب خدعة "، وذاك أنهم قالوا
له: تب إلى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام، فقال لهم
كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون، وهي قوله: " أستغفر الله من كل
ذنب "، فرضوا بها، وعدوها إجابة لهم إلى سؤلهم، وصفت له (عليه السلام) نياتهم،
واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب.
فلم يتركه الأشعث، وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال، وهاتكا ستر
التورية والكناية، ومخرجا لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما
يفسد التدبير، ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة، ولم يستفسره (عليه السلام) عنها إلا بحضور من
لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن (3)، ولا ترقيقا عن صبوح (4)، وألجأه
بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، ولا يترك الكلمة على احتمالها،



(1) احتق القوم: قال كل واحد منهم: الحق في يدي (لسان العرب: 10 / 49) والمراد هنا: المحاجة
والمجادلة.
(2) المواربة: المداهاة والمخاتلة، والتوريب: أن توري عن الشيء بالمعارضات والمباحات (لسان
العرب: 1 / 796).
(3) الهدنة: اللين والسكون، ومنه قيل للمصالحة: المهادنة؛ لأنها ملاينة أحد الفريقين. والدخن: تغير
الطعام من الدخان (مجمع الأمثال: 3 / 460 / 4464).
(4) أصل المثل: " عن صبوح ترقق " الصبوح: ما يشرب صباحا، وترقيق الكلام: تزيينه وتحسينه.
يضرب لمن كنى عن شيء وهو يريد غيره (مجمع الأمثال: 2 / 348 / 2451).
60
ولا يطويها على غرها (1)، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة،
فانتقض ما دبره، وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى، وراجعوا التحكيم
والمروق.
وهكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال، يتاح لها أمثال
الأشعث من أولي الفساد في الأرض (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة
الله تبديلا) (2) (3).
13
أصبغ بن نباتة
أصبغ بن نباتة التميمي الحنظلي المجاشعي. كان من خاصة الإمام
أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه (4)، وأحد ثقاته (عليه السلام) (5)،
وهو مشهور بثباته واستقامته على حبه (عليه السلام). وصفته النصوص التاريخية القديمة
بأنه شيعي (6)، وأنه مشهور بحب علي (عليه السلام). وكان من " شرطة الخميس " (7)، ومن



(1) أصل المثل: " طويته على غره " غر الثوب: أثر تكسره، يضرب لمن يؤكل إلى رأيه (مجمع الأمثال:
2 / 290 / 2298).
(2) الأحزاب: 62.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 279.
(4) رجال النجاشي: 1 / 69 / 4، الفهرست للطوسي: 85 / 119، وقعة صفين: 406 وراجع ميزان
الاعتدال: 1 / 271 / 1014.
(5) كشف المحجة: 236، وقعة صفين: 406.
(6) الطبقات الكبرى: 6 / 225.
(7) الطبقات الكبرى: 6 / 225؛ الاختصاص: 65.
61
أمرائهم (1). عاهد الإمام (عليه السلام) على التضحية والفداء والاستشهاد (2).
وشهد معه الجمل، وصفين (3). وكان معدودا في أنصاره الأوفياء المخلصين.
وهو الذي روى عهده إلى مالك الأشتر؛ (4) ذلك العهد العظيم الخالد!
وكان من القلائل الذين أذن لهم بالحضور عند الإمام (عليه السلام) بعد ضربته (5). وعد
الأصبغ في أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) أيضا (6).
6431 - وقعة صفين عن عمر بن سعد الأسدي - في ذكر وقعة صفين -: حرض
علي بن أبي طالب أصحابه، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين!
قدمني في البقية من الناس؛ فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا. أما أهل الشام
فقد أصبنا منهم، وأما نحن ففينا بعض البقية، إيذن لي فأتقدم؟ فقال علي: تقدم
باسم الله والبركة، فتقدم وأخذ رايته، فمضى وهو يقول:
حتى متى ترجو البقايا أصبغ * إن الرجاء بالقنوط يدمغ
أما ترى أحداث دهر تنبغ * فادبغ هواك، والأديم يدبغ
والرفق فيما قد تريد أبلغ * اليوم شغل وغدا لا تفرغ
فرجع الأصبغ وقد خضب سيفه دما ورمحه، وكان شيخا ناسكا عابدا، وكان
إذا لقي القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه، وكان من ذخائر علي ممن قد بايعه على



(1) وقعة صفين: 406.
(2) رجال الكشي: 1 / 321 / 165.
(3) وقعة صفين: 406.
(4) رجال النجاشي: 1 / 70 / 4، الفهرست للطوسي: 85 / 119.
(5) الأمالي للطوسي: 123 / 191.
(6) رجال الطوسي: 93 / 919 وراجع تهذيب المقال: 1 / 198 - 204 / 5.
62
الموت، وكان من فرسان أهل العراق، وكان علي (عليه السلام) يضن به على الحرب
والقتال (1).
14
أم الفضل بنت الحارث
هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أم الفضل، وهي زوجة العباس بن
عبد المطلب، وأم أكثر بنيه، وهي أخت ميمونة زوج النبي (صلى الله عليه وآله). يقال: إنها أول
امرأة أسلمت بعد خديجة، روى ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
" الأخوات المؤمنات: ميمونة بنت الحارث وأم الفضل [و] سلمى
وأسماء (2) ".
6432 - الفتوح: كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي (رضي الله عنه): بسم الله الرحمن
الرحيم، لعبد الله علي أمير المؤمنين من أم الفضل بنت الحارث، أما بعد؛ فإن
طلحة والزبير وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة، وقد استنفروا الناس
إلى حربك، ولم يخف معهم إلى ذلك إلا من كان في قلبه مرض، ويد الله فوق
أيديهم، والسلام.
قال: ثم دفعت أم الفضل هذا الكتاب إلى رجل من جهينة له عقل ولسان، يقال
له: ظفر، فقالت: خذ هذا الكتاب، وانظر أن تقتل في كل مرحلة بعيرا وعلي
ثمنه، وهذه مائة دينار قد جعلتها لك، فجد السير حتى تلقى علي بن
أبي طالب (رضي الله عنه)، فتدفع إليه كتابي هذا.



(1) وقعة صفين: 442.
(2) الاستيعاب: 4 / 462 / 3514 وراجع أسد الغابة: 7 / 246 / 7252.
63
قال: فسار الجهني سيرا عنيفا حتى لحق أصحاب علي (رضي الله عنه) وهم على ظهر
المسير (1)، فلما نظروا إليه نادوه من كل جانب: أيها الراكب ما عندك؟ فنادى
الجهني بأعلى صوته شعرا يخبر فيه قدوم عائشة وطلحة والزبير (2).
15
أويس القرني
هو أويس بن عامر بن جزء المرادي القرني. كان طاهر الفطرة، سليم الفكرة،
ووجها متألقا في التاريخ الإسلامي. أسلم على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، لكنه ما رآه (3). لذا
عد في التابعين.
وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه أفضل التابعين وأعلاهم شأنا (4)، وصرح بأنه يشفع
لخلق كثيرين يوم القيامة (5). وكان في عداد الزهاد المشهورين (6)، وأحد ثمانيتهم
المعروفين (7). لم يكن له حضور مشهور في القضايا الاجتماعية، وكان نصبا (8)



(1) أي يتهيؤوا للخروج إلى الشام.
(2) الفتوح: 2 / 456 وراجع تاريخ الطبري: 4 / 451.
(3) تاريخ دمشق: 9 / 415، حلية الأولياء: 2 / 86، أسد الغابة: 1 / 332 / 331؛ رجال الكشي:
1 / 316 / 156.
(4) صحيح مسلم: 4 / 1968 / 223، الطبقات الكبرى: 6 / 163، المستدرك على الصحيحين:
3 / 455 / 5717، تاريخ دمشق: 9 / 413 وفيه " من خير التابعين "؛ رجال الكشي:
1 / 315 / 155.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 58 / 5721، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 539 / 50، دلائل النبوة
للبيهقي: 6 / 378؛ الإرشاد: 1 / 316، رجال الكشي: 1 / 316 / 156.
(6) أسد الغابة: 1 / 332 / 331، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 555.
(7) تهذيب الكمال: 24 / 219 / 4996، تاريخ دمشق: 50 / 250.
(8) نصب الرجل: أعيا وتعب (لسان العرب: 1 / 758).
64
في العبادة، ونقل أنه ربما أمضى الليل كله ساجدا. شهد مع الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمل، وصفين (1)، وعاهده على الشهادة في صفين. وفيها نال
ذلك الوسام بوجه مدمى (2)، ودفن هناك (3).
وقد وصف الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أويسا وصفا يبين منزلته الرفيعة، حين
قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد... أين حواريو علي بن أبي طالب... فيقوم
عمرو بن الحمق... وأويس القرني (4).
6433 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): خليلي من هذه الأمة أويس القرني (5).
6434 - صحيح مسلم عن أسير بن جابر: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد
أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت
أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك
برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من
مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو
أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فاستغفر لي، فاستغفر له.
فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال:



(1) راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / وصول قوات الكوفة إلى الإمام، ووقعة صفين / أكابر أصحاب الإمام.
(2) راجع: القسم السادس / حرب صفين / اشتداد القتال / استشهاد أويس بن عامر القرني.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 455، أسد الغابة: 1 / 333 / 331؛ رجال الكشي:
1 / 316 / 156، وقعة صفين: 324.
(4) رجال الكشي: 1 / 41 / 20، الاختصاص: 61 كلاهما عن أسباط بن سالم، روضة الواعظين:
309.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 163، تاريخ دمشق: 9 / 442 كلاهما عن سلام بن مسكين عن رجل.
65
أكون في غبراء (1) الناس أحب إلي.
قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله
عن أويس، قال: تركته رث البيت، قليل المتاع (2).
6435 - المستدرك على الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لما كان يوم
صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟
قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
" خير التابعين أويس القرني " (3).
6436 - حلية الأولياء عن أصبغ بن زيد: إنما منع أويسا أن يقدم على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بره بأمه (4).
6437 - خصائص الأئمة (عليهم السلام) عن الأصبغ بن نباتة: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلا، ثم قال: أين تمام المائة؟ فقد عهد إلي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل. فقال: فجاء رجل عليه قباء
صوف متقلد سيفين، فقال: هلم يدك أبايعك، فقال على ما تبايعني؟ قال: على



(1) غبراء الناس: أي فقراؤهم، ومنه قيل للمحاويج: بنو غبراء، كأنهم نسبوا إلى الأرض والتراب
(النهاية: 3 / 338).
(2) صحيح مسلم: 4 / 1969 / 225، المستدرك على الصحيحين: 3 / 456 / 5719، أسد الغابة:
1 / 332 / 331، الطبقات الكبرى: 6 / 163 وص 162، تاريخ دمشق: 9 / 417 كلاهما نحوه
وراجع المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 539 / 2 ورجال الكشي: 1 / 316 / 156.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 455 / 5717، الطبقات الكبرى: 6 / 163 وفيه " إن من خير " بدل
" خير "، تاريخ دمشق: 9 / 442، حلية الأولياء: 2 / 86 وفيه " أويس القرني خير التابعين بإحسان "
بدل " خير التابعين... "؛ رجال الكشي: 1 / 315 / 155 وص 316 / 156 والثلاثة الأخيرة نحوه.
(4) حلية الأولياء: 2 / 87.
66
بذل مهجة نفسي دونك. قال: ومن أنت، قال: أويس القرني، فبايعه فلم يزل
يقاتل بين يديه حتى قتل، فوجد في الرجالة مقتولا (1).
6438 - الإمام الكاظم (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة... ينادي مناد: أين حواري علي
بن أبي طالب (عليه السلام) وصي محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فيقوم عمرو بن الحمق
الخزاعي، ومحمد بن أبي بكر، وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد، وأويس
القرني (2).
6439 - الأمالي للطوسي: قيل لأويس بن عامر القرني: كيف أصبحت يا
أبا عامر؟ قال: ما ظنكم بمن يرحل إلى الآخرة كل يوم مرحلة لا يدري إذا
انقضى سفره أعلى جنة يرد أم على نار؟ (3)
6440 - حلية الأولياء عن أصبغ بن زيد: كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه
ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح.
وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح.
وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول:
اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به (4).
راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / وصول قوات الكوفة إلى الإمام.
/ وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد أويس بن عامر القرني.



(1) خصائص الأئمة (عليهم السلام): 53، رجال الكشي: 1 / 315 / 156 وراجع الإرشاد: 1 / 315 وإعلام الورى:
1 / 337 والمستدرك على الصحيحين: 3 / 455 / 5718.
(2) رجال الكشي: 1 / 41 / 20، الاختصاص: 61 كلاهما عن أسباط بن سالم، روضة الواعظين:
309.
(3) الأمالي للطوسي: 641 / 1328.
(4) حلية الأولياء: 2 / 87.
67
16
تميم المازني
هو تميم بن عمرو (1) المازني الأنصاري أبو حسن [أبو حنش] عد من
الصحابة في المصادر التي ترجمت لهم (2). ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في أصحاب
الإمام علي (عليه السلام)، ونقل أن الإمام (عليه السلام) استعمله على المدينة، حتى وصل سهل بن
حنيف (3).
17
ثابت بن قيس
ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري. أحد الصحابة. كان مع النبي (صلى الله عليه وآله)
في أحد (4)، ويقال: إنه جرح فيها اثني عشر جرحا (5)، وسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
" الحاسر ". واشترك في الغزوات التي تلتها أيضا (6)، وكان ثابت الخطى، شديد
النفس (7).
عندما ثار الناس على عثمان، واستدعى ولاته على الأمصار إلى المدينة
للمشورة، استخلف سعيد بن العاص والي الكوفة يومئذ ثابتا عليها (8). وذكر



(1) أسد الغابة: 1 / 433 / 526 وفيه " تميم بن عبد عمرو، أبو الحسن المازني ".
(2) الإصابة: 7 / 76 / 9769، أسد الغابة: 6 / 70 / 5813، الاستيعاب: 4 / 197 / 2945.
(3) رجال الطوسي: 58 / 492؛ أسد الغابة: 1 / 433 / 526.
(4) تاريخ بغداد: 1 / 175 / 15.
(5) تاريخ بغداد: 1 / 175 / 15، الإصابة: 1 / 510 / 904.
(6) الإصابة: 1 / 510 / 904.
(7) تاريخ بغداد: 1 / 176 / 15.
(8) الإصابة: 1 / 509 / 904.
68
المؤرخون أن الإمام عليا (عليه السلام) ولاه على المدائن (1). وكان معاوية يهابه (2). وظل
على المدائن إلى أن استعمل معاوية المغيرة على الكوفة، فعزله (3).
كان ثابت مع الإمام (عليه السلام) في حروبه الثلاث (4).
6441 - تاريخ بغداد - في ذكر ثابت بن قيس بن الخطيم -: شهد مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدا والمشاهد بعدها. ويقال: إنه جرح يوم أحد اثنتي عشرة
جراحة، وعاش إلى خلافة معاوية، واستعمله علي بن أبي طالب على المدائن (5).
6442 - أسد الغابة: شهد ثابت مع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الجمل وصفين
والنهروان (6).
6443 - تاريخ بغداد عن عبد الله بن عمارة بن القداح: كان ثابت بن قيس بن
الخطيم شديد النفس، وكان له بلاء مع علي بن أبي طالب، واستعمله علي بن
أبي طالب على المدائن، فلم يزل عليها حتى قدم المغيرة بن شعبة الكوفة، وكان
معاوية يتقي مكانه (7).
18
جابر بن عبد الله الأنصارى
جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري، يكنى أبا عبد الله. صحابي ذائع



(1) تاريخ بغداد: 1 / 175 / 15، الإصابة: 1 / 510 / 904.
(2) تاريخ بغداد: 1 / 176 / 15.
(3) تاريخ بغداد: 1 / 176 / 15، الإصابة: 1 / 510 / 904.
(4) أسد الغابة: 1 / 450 / 568.
(5) تاريخ بغداد: 1 / 175 / 15.
(6) أسد الغابة: 1 / 450 / 568.
(7) تاريخ بغداد: 1 / 176 / 15.
69
الصيت (1)، عمر طويلا. وكان مع أبيه في تلك الليلة التاريخية المصيرية التي
عاهد فيها أهل يثرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الدفاع عنه ودعمه ونصره، وبيعتهم هي
البيعة المشهورة في التاريخ الإسلامي ب‍ " بيعة العقبة الثانية " (2).
ولما دخل النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة، صحبه وشهد معه حروبه (3) ولم يتنازل عن
حراسة الحق وحمايته بعده (صلى الله عليه وآله)، كما لم يدخر وسعا في تبيان منزلة علي (عليه السلام)
والتنويه بها (4). أثنى الأئمة (عليهم السلام) على رفيع مكانته في معرفة مقامهم (عليهم السلام)، وعلى
وعيه العميق للتيارات المختلفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعارف التشيع الخاصة،
وفهمه النافذ لعمق القرآن. وأشادوا به واحدا من القلة الذين لم تتفرق بهم السبل
بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ولم يستبقوا الصراط بعده، بل ظلوا معتصمين متمسكين به (5).
قلنا إنه عمر طويلا، لذا ورد اسمه الكريم في صحابة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (6)،
والإمام الحسن (عليه السلام) (7)، والإمام الحسين (عليه السلام) (8)، والإمام السجاد (عليه السلام) (9)، والإمام



(1) رجال الطوسي: 31 / 134، رجال البرقي: 2؛ المستدرك على الصحيحين: 3 / 652 / 6398،
المعجم الكبير: 2 / 180 / 1730، الطبقات الكبرى: 3 / 574.
(2) رجال الكشي: 1 / 205 - 217.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 652 / 6398، تاريخ دمشق: 11 / 208، تهذيب الكمال:
4 / 448 / 871، سير أعلام النبلاء: 3 / 191 / 38؛ رجال الطوسي: 31 / 134.
(4) رجال الكشي: 1 / 182.
(5) الخصال: 607.
(6) رجال الطوسي: 59 / 498، رجال البرقي: 3 وفيه " من أصفياء أمير المؤمنين (عليه السلام) ".
(7) رجال الطوسي: 93 / 921، رجال البرقي: 7.
(8) رجال الطوسي: 99 / 964، رجال البرقي: 7.
(9) رجال الطوسي: 111 / 1087، رجال البرقي: 7.
70
الباقر (عليه السلام) (1)، وهو الذي بلغ الإمام الباقر (عليه السلام) سلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (2). وكان قد شهد
صفين مع الإمام (عليه السلام) (3). وهو أول من زار قبر الحسين (عليه السلام) وشهداء كربلاء في اليوم
الأربعين من استشهادهم، وبكى على أبي عبد الله كثيرا (4).
والروايات المنقولة عنه بشأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما أثر عنه من أخبار
تفسيرية، ومناظراته، تدل كلها على ثبات خطاه، وسلامة فكره، وإيمانه
العميق، وعقيدته الراسخة. وصحيفة جابر مشهورة أيضا (5) ولأنه لم ينصر عثمان
في فتنته، فقد ختم الحجاج بن يوسف على يده يريد إذلاله بذلك (6). فارق جابر
الحياة سنة 78 ه‍ (7).
6444 - علل الشرائع عن أبي الزبير المكي: رأيت جابرا متوكئا على عصاه وهو
يدور في سكك الأنصار ومجالسهم، وهو يقول: علي خير البشر، فمن أبي فقد
كفر. يا معشر الأنصار! أدبوا أولادكم على حب علي، فمن أبي فانظروا في شأن
أمه (8).



(1) رجال الطوسي: 129 / 1311، رجال البرقي: 9.
(2) الكافي: 1 / 470 / 2، رجال الكشي: 1 / 221 / 88.
(3) الاستيعاب: 1 / 293 / 290، أسد الغابة: 1 / 493 / 647.
(4) مصباح المتهجد: 787.
(5) التاريخ الكبير: 7 / 186 / 827، الطبقات الكبرى: 5 / 467.
(6) تهذيب الكمال: 12 / 190 / 2612، الاستيعاب: 2 / 225 / 1094، أسد الغابة: 2 / 576 / 2294.
(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 653 / 6400، المعجم الكبير: 2 / 181 / 1733، سير أعلام
النبلاء: 3 / 192 / 38؛ رجال الطوسي: 32 / 134 وراجع قاموس الرجال: 2 / 514 / 1336.
(8) علل الشرائع: 142 / 4، الأمالي للصدوق: 135 / 134، رجال الكشي: 1 / 236 / 93 وفيه " سكك
المدينة " بدل " سكك الأنصار ".
71
6445 - الإمام الصادق (عليه السلام): إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من
أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت (1).
راجع: القسم التاسع / علي عن لسان أصحاب النبي / جابر بن عبد الله الأنصاري.
19
جارية بن قدامة السعدي
جارية بن قدامة التميمي السعدي. كان من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) (2)، ومن أنصار
علي (عليه السلام) الأبرار الشجعان (3). وكان فتي القلب، عميق الرؤية، ذا شخصية رفيعة
جعلته ودودا محبوبا. وكان ثابت القدم في حب علي (عليه السلام)، شديدا على أعدائه (4).
ولما تقلد الإمام الخلافة، أخذ له البيعة في البصرة (5). وكان من جملة الهائمين
بحبه، الذين عرفوا باسم " شرطة الخميس ". وقد شهد مشاهده كلها بجد
وتفان (6).
وتولى قيادة قبيلة " سعد " و " رباب " في صفين.



(1) الكافي: 1 / 469 / 2، رجال الكشي: 1 / 217 / 88 كلاهما عن أبان بن تغلب، رجال ابن داود:
60 / 288.
(2) الطبقات الكبرى: 7 / 56، مختصر تاريخ دمشق: 5 / 364، تقريب التهذيب: 137 / 885، تهذيب
التهذيب: 1 / 415 / 1045؛ رجال الطوسي: 33 / 157.
(3) تهذيب الكمال: 4 / 481 / 886، مختصر تاريخ دمشق: 5 / 364، تهذيب التهذيب:
1 / 415 / 1045؛ الغارات: 2 / 401.
(4) الغارات: 2 / 401.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 112.
(6) الاستيعاب: 1 / 299 / 306، أسد الغابة: 1 / 502 / 664، الإصابة: 1 / 556 / 1052، الوافي
بالوفيات: 11 / 37.
72
وكان خطيبا مفوها، ويشهد على لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفين،
وكلماته الجريئة، وعباراته القوية الدامغة في قصر معاوية دفاعا عن إمامه (عليه السلام).
وجهه علي بن أبي طالب إلى أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام (1).
بدأت غارات معاوية الظالمة على أطراف العراق بعد معركة النهروان،
وأشخص عبد الله بن عامر الحضرمي إلى البصرة ليأخذ له البيعة من أهلها، ففعل
ذلك واستولى على المدينة، فوجه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في البداية أعين بن
ضبيعة لإخماد فتنة ابن الحضرمي لكنه استشهد ليلا في فراشه، فأرسل جارية،
فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة، فأثنى عليه الإمام (عليه السلام) (2).
وبعثه (عليه السلام) في الأيام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بسر بن أرطاة الذي كان
مثالا لا نظير له في الخبث واللؤم، وبينا كان جارية في مهمته هذه استشهد
الإمام (عليه السلام). وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن (عليه السلام) من أهل مكة والمدينة بخطى
ثابتة، ووعي عميق للحق (3).
وكان جارية ذا سريرة وضيئة، وروح كبيرة. ولم يخش أحدا في إعلان الحق
قط. وهكذا كان، فقد دافع عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد صلح الإمام
الحسن (عليه السلام) بحضور معاوية، وأكد ثباته على موقفه (4). وتوفي هذا الرجل الجليل



(1) رجال الكشي: 1 / 322 / 168.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 192، تهذيب الكمال: 4 / 481 / 886، مختصر تاريخ دمشق:
5 / 364 / 201، تاريخ الطبري: 5 / 112؛ الغارات: 2 / 408.
(3) أنساب الأشراف: 3 / 215، تاريخ الطبري: 5 / 140؛ الغارات: 2 / 623 وص 640، تاريخ
اليعقوبي: 2 / 199.
(4) تهذيب الكمال: 4 / 482 / 886، مختصر تاريخ دمشق: 5 / 365.
73
بعد حكومة يزيد (1).
6446 - تهذيب الكمال عن الفضل بن سويد: وفد الأحنف بن قيس، وجارية بن
قدامة، والحباب بن يزيد المجاشعي على معاوية، فقال لجارية: يا جارية! أنت
الساعي مع علي بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك، تجوس قرى عربية
تسفك دماءهم؟ قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليا؛ فما أبغضنا عليا مذ
أحببناه، ولا غششناه مذ نصحناه.
قال: ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك، إذ سموك جارية!
قال: أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية.
قال: لا أم لك.
قال: أم ما ولدتني. إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا.
قال: إنك لتهددني!
قال: إنك لم تملكنا قسرة، ولم تفتحنا عنوة (2)، ولكن أعطيتنا عهودا
ومواثيق؛ فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن نزعت إلى غير ذلك، فقد تركنا وراءنا
رجالا مدادا (3)، وأذرعا شدادا، وأسنة حدادا، فإن بسطت إلينا فترا من غدر،
دلفنا إليك بباع من ختر (4).
قال معاوية: لا كثر الله في الناس أمثالك!



(1) الثقات: 3 / 60؛ أعيان الشيعة: 4 / 58.
(2) عنوة: أي قهرا وغلبة (النهاية: 3 / 315).
(3) المداد: هو ما يكثر به ويزاد (النهاية: 4 / 307).
(4) الفتر: ما بين الإبهام والسبابة. والدلف: التقدم. والباع: مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما، والختر:
أسوأ الغدر وأقبحه (لسان العرب: 5 / 44 وج 9 / 106 وج 8 / 21 وج 4 / 229).
74
قال: قل معروفا يا أمير المؤمنين! فقد بلونا قريشا، فوجدناك أوراها زندا،
وأكثرها رفدا، فارعنا رويدا؛ فإن شر الرعاء الحطمة (1) (2).
راجع: القسم السابع / هجمات عمال معاوية / هجوم ابن الحضرمي على البصرة.
20
جعدة بن هبيرة المخزومي
جعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشي المخزومي، وأمه أم هانئ بنت
أبي طالب. ولد على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، لكنه لم يصحبه (3)، ورآه (4). أثنى المؤرخون
على استبساله في القتال (5)، وفقاهته (6)، وقدرته الخطابية (7). وهو ابن أخت
الإمام (عليه السلام) (8)، وصهره (9). وكان الإمام (عليه السلام) يحبه كثيرا ويحتفي به (10). وحين دخل



(1) الحطمة: العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها على بعض، ويعسفها.
ضربه مثلا لوالي السوء (النهاية: 1 / 402).
(2) تهذيب الكمال: 4 / 482 / 886، أنساب الأشراف: 5 / 68 نحوه عن أبي اليقظان وغيره، مختصر
تاريخ دمشق: 5 / 365 / 201، العقد الفريد: 3 / 86 نحوه من " ما كان أهونك على أهلك... ".
(3) رجال الطوسي: 33 / 156؛ الإصابة: 1 / 628 / 1268.
(4) الإصابة: 1 / 628 / 1268، تهذيب الكمال: 4 / 564 / 929.
(5) شرح نهج البلاغة: 10 / 77.
(6) تهذيب الكمال: 4 / 564 / 929، الاستيعاب: 1 / 311 / 328، شرح نهج البلاغة: 10 / 77.
(7) وقعة صفين: 463.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 210 / 4870، تهذيب الكمال: 4 / 564 / 929؛ رجال الطوسي:
59 / 507، رجال الكشي: 1 / 281 / 111.
(9) المستدرك على الصحيحين: 3 / 210 / 4870، نسب قريش: 345.
(10) وقعة صفين: 463.
75
الكوفة كان معه في داره (1). وفي حرب صفين قابل عتبة بن أبي سفيان وتحدث
معه باقتدار كبير، وأثنى على منزلة الإمام (عليه السلام) الرفيعة، وطعن في أبي سفيان بكل
صلابة (2)، وجبن عتبة في مواجهته إياه، ففر منه (3). وحواره معه آية على وعيه
لموقف الإمام الحق، وسفاهة العدو ورجسه. استعمله الإمام (عليه السلام) على
خراسان (4). وكان بالكوفة عند استشهاد الإمام (عليه السلام). وعندما ضرب الإمام صلى
مكانه (5).
توفي جعدة في أيام معاوية (6).
6447 - رجال الكشي: قال له [أي لجعدة] عتبة بن أبي سفيان: إنما لك هذه الشدة
في الحرب من قبل خالك. فقال له جعدة: لو كان خالك مثل خالي لنسيت
أباك (7).
6448 - وقعة صفين: قال عتبة: يا جعدة! إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب
خالك... فقال جعدة: أما حبي لخالي فوالله أن لو كان لك خال مثله لنسيت
أباك (8).



(1) وقعة صفين: 5؛ الفتوح: 2 / 492.
(2) رجال الكشي: 1 / 281 / 111، الاختصاص: 70، وقعة صفين: 464.
(3) وقعة صفين: 464.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 211 / 4870، تاريخ الطبري: 5 / 63، تهذيب الكمال:
4 / 564 / 929، الإصابة: 1 / 628 / 1268؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 183.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 145، الكامل في التاريخ: 2 / 435، البداية والنهاية: 7 / 327.
(6) التاريخ الكبير: 2 / 239 / 2315، التاريخ الصغير: 1 / 147.
(7) رجال الكشي: 1 / 281 / 111، الاختصاص: 70.
(8) وقعة صفين: 463.
76
6449 - وقعة صفين عن الأصبغ بن نباتة: إن عليا لما دخل الكوفة، قيل له: أي
القصرين ننزلك؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه! فنزل على جعدة بن هبيرة
المخزومي (1).
6450 - المستدرك على الصحيحين عن مصعب بن عبد الله الزبيري: قال جعدة:
ومن ذا الذي يأبى علي بخاله * وخالي علي ذو الندى وعقيل (2)
21
جندب بن عبد الله الأزدي
هو جندب بن كعب بن عبد الله الأزدي الغامدي، وربما ينسب إلى جده
ويقال: جندب بن عبد الله، وهو جندب الخير، وأحد جنادب الأزد (3). وهو من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) (4) والإمام علي (عليه السلام) (5). وهو قاتل الساحر بالكوفة أيام عثمان
عند إمارة الوليد بن عقبة عليها، بعدما أخذ يمارس الشعوذة والسحر في مسجد
الكوفة، بحضور الوليد (6)، فسجنه الوليد ثم نفاه إلى المدينة.
وقد نفي إلى الشام أيضا ومعه مالك الأشتر ورجال آخرون؛ لأنهم كانوا



(1) وقعة صفين: 5.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 210 / 4870، تهذيب الكمال: 4 / 565 / 929، نسب قريش:
344، الاستيعاب: 1 / 311 / 328 نحوه وفيه " يباهي " بدل " يأبى "، أسد الغابة: 1 / 539 / 753،
شرح نهج البلاغة: 10 / 79.
(3) الإصابة: 1 / 615 / 1230، أسد الغابة: 1 / 568 / 806، سير أعلام النبلاء: 3 / 175 / 31.
(4) سير أعلام النبلاء: 3 / 175 / 31، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 545.
(5) رجال الطوسي: 59 / 497.
(6) سير أعلام النبلاء: 3 / 176 و 177 / 31، الاستيعاب: 1 / 325 / 347 وقيل: قاتل الساحر غير
جندب الأزدي وراجع ص 326 وأسد الغابة: 1 / 565 / 802 وص 568 / 806.
77
يذكرون مساوئ عثمان ومثالبه، وحضر جندب حروب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
كلها (1).
6451 - الإرشاد عن جندب بن عبد الله: دخلت على علي بن أبي طالب بالمدينة
بعد بيعة الناس لعثمان، فوجدته مطرقا كئيبا، فقلت له: ما أصاب قومك؟ قال:
صبر جميل. فقلت له: سبحان الله! والله إنك لصبور! قال: فأصنع ماذا؟ فقلت:
تقوم في الناس وتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنك أولى الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله)
بالفضل والسابقة، وتسألهم النصر على هؤلاء المتمالئين عليك؛ فإن أجابك
عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة، فإن دانوا لك كان ذلك على ما
أحببت، وإن أبوا قاتلتهم؛ فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله الذي آتاه نبيه (عليه السلام)،
وكنت أولى به منهم، وإن قتلت في طلبه قتلت شهيدا، وكنت أولى بالعذر عند
الله، وأحق بميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال: أتراه - يا جندب - يبايعني عشرة من مائة؟
قلت: أرجو ذلك.
قال: لكنني لا أرجو ولا من كل مائة اثنين، وسأخبرك من أين ذلك؛ إنما ينظر
الناس إلى قريش، وإن قريشا تقول: إن آل محمد يرون لهم فضلا على سائر
الناس، وإنهم أولياء الأمر دون قريش، وإنهم إن ولوه لم يخرج منهم هذا السلطان
إلى أحد أبدا، ومتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم، ولا - والله - لا تدفع قريش
إلينا هذا السلطان طائعين أبدا.
قال: فقلت له: أفلا أرجع فأخبر الناس بمقالتك هذه، وأدعوهم إليك؟ فقال



(1) إعلام الورى: 1 / 339؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 545، سير أعلام النبلاء: 3 / 77 / 31.
78
لي: يا جندب، ليس هذا زمان ذاك.
قال: فرجعت بعد ذلك إلى العراق، فكنت كلما ذكرت للناس شيئا من فضائل
علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومناقبه وحقوقه زبروني (1) ونهروني، حتى رفع ذلك من
قولي إلى الوليد بن عقبة ليالي ولينا، فبعث إلي فحبسني حتى كلم في، فخلى
سبيلي (2).
22
جويرية بن مسهر
جويرية بن مسهر العبدي. من أصحاب الإمام (عليه السلام) (3) السابقين المقربين (4)،
ومن ثقاته (5).
كان عبدا صالحا، وصديقا للإمام (عليه السلام)، وكان الإمام يحبه (6).
استشهد جويرية في أيام خلافة معاوية، حيث قطع زياد يده ورجله ثم
صلبه (7).
6452 - الإرشاد: إن جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال: أين
أمير المؤمنين؟ فقيل له: نائم، فنادى: أيها النائم! استيقظ، فوالذي نفسي بيده،



(1) زبره: نهره وأغلظ له في القول والرد (النهاية: 2 / 239).
(2) الإرشاد: 1 / 241، الأمالي للطوسي: 234 / 415؛ شرح نهج البلاغة: 9 / 57.
(3) رجال الطوسي: 59 / 499، رجال البرقي: 5.
(4) الاختصاص: 7.
(5) كشف المحجة: 236.
(6) شرح نهج البلاغة: 2 / 290.
(7) الإرشاد: 1 / 323، إعلام الورى: 1 / 341؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 291.
79
لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك، كما أخبرتنا بذلك من قبل.
فسمعه أمير المؤمنين (عليه السلام) فنادى: أقبل يا جويرية حتى أحدثك بحديثك.
فأقبل، فقال: وأنت - والذي نفسي بيده - لتعتلن إلى العتل الزنيم (1)، وليقطعن
يدك ورجلك، ثم ليصلبنك تحت جذع كافر.
فمضى على ذلك الدهر حتى ولي زياد في أيام معاوية، فقطع يده ورجله، ثم
صلبه إلى جذع ابن مكعبر، وكان جذعا طويلا، فكان تحته (2).
6453 - شرح نهج البلاغة عن حبة العرني: سرنا مع علي (عليه السلام) يوما، فالتفت فإذا
جويرية خلفه بعيدا، فناداه: يا جويرية! الحق بي لا أبا لك! ألا تعلم أني أهواك
وأحبك؟ قال: فركض نحوه، فقال له: إني محدثك بأمور فاحفظها، ثم اشتركا
في الحديث سرا، فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين، إني رجل نسي، فقال له:
إني أعيد عليك الحديث لتحفظه.
ثم قال له في آخر ما حدثه إياه: يا جويرية، أحبب حبيبنا ما أحبنا، فإذا
أبغضنا فأبغضه، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا، فإذا أحبنا فأحبه (3).
23
الحارث بن الربيع
الحارث بن الربيع بن زياد العبسي، يكنى أبا زياد.



(1) عتله فانعتل: جره جرا عنيفا وجذبه فحمله. والعتل: الشديد الجافي والفظ الغليظ من الناس.
والزنيم: الدعي الملصق بالقوم وليس منهم. وقيل: الذي يعرف بالشر واللؤم (لسان العرب: 11 / 423
وج 12 / 277).
(2) الإرشاد: 1 / 322؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 291 نحوه وراجع إعلام الورى: 1 / 341 والخرائج
والجرائح: 1 / 202 / 44.
(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 290.
80
استعمله الإمام (عليه السلام) على المدينة مدة. كان من قبيلة مازن بن النجار (1). وكانت
له منزلة خاصة بين قومه في الجاهلية. عده المؤرخون من المهاجرين الأولين
نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
24
الحارث الهمداني
هو الحارث بن عبد الله بن كعب الأعور الهمداني الكوفي، أبو زهير. كان من
أصحاب الإمام علي (3) والإمام الحسن (عليهما السلام) (4) ومن الشيعة الأول (5)، كثير العلم (6)،
من أفقه الناس وأفرضهم، تعلم الفرائض من الإمام علي (عليه السلام) (7).
كان من وجوه الناس بالكوفة، ومن الذين ثاروا على عثمان وطالبوا بعزل
سعيد بن العاص (8) وممن سيرهم عثمان (9).
توفي سنة 65 ه‍ بالكوفة (10).



(1) رجال الطوسي: 61 / 528، رجال ابن داود: 68 / 360.
(2) أسد الغابة: 1 / 605 / 880، الإصابة: 1 / 668 / 1410، الطبقات الكبرى: 1 / 295.
(3) رجال الطوسي: 60 / 513؛ المحبر: 303.
(4) رجال الطوسي: 94 / 927.
(5) سير أعلام النبلاء: 4 / 153 / 54؛ الجمل: 109.
(6) سير أعلام النبلاء: 4 / 152 / 54.
(7) تهذيب الكمال: 5 / 252 / 1025، تهذيب التهذيب: 1 / 471 / 1210، سير أعلام النبلاء:
4 / 153 / 54.
(8) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 430.
(9) وقعة صفين: 121.
(10) سير أعلام النبلاء: 4 / 155 / 54، ميزان الاعتدال: 1 / 437 / 1627.
81
6454 - الطبقات الكبرى عن علباء بن أحمر: إن علي بن أبي طالب خطب الناس
فقال: من يشتري علما بدرهم؟ فاشترى الحارث الأعور صحفا بدرهم، ثم جاء
بها عليا، فكتب له علما كثيرا، ثم إن عليا خطب الناس بعد فقال: يا أهل الكوفة!
غلبكم نصف رجل (1).
6455 - شرح الأخبار عن أبي الحجاف: بلغني أن الحارث أتى علي بن
أبي طالب (عليه السلام) ليلا، فقال له: يا حارث ما جاء بك هذه الساعة؟ فقال: حبك يا
أمير المؤمنين.
قال: والله ما جاء بك إلا حبي؟ قال: والله ما جاء بي إلا حبك.
قال (عليه السلام): فأبشر يا حارث، لن تموت نفس تحبني إلا رأتني حيث تحب، والله
لا تموت نفس تبغضني إلا رأتني حيث تبغضني (2).
6456 - الأمالي للمفيد عن جميل بن صالح: أنشدني أبو هاشم السيد الحميري (3):
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بنعته واسمه وما عملا
وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا
أقول للنار حين توقف لل‍ * - عرض دعيه لا تقربي الرجلا
دعيه لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصي متصلا (4)



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 168، سير أعلام النبلاء: 4 / 153 / 54 وفيه ذيله.
(2) شرح الأخبار: 3 / 451 / 1320 وراجع الأمالي للمفيد: 271 / 2.
(3) هو إسماعيل بن محمد الحميري، لقب ب‍ " السيد " ولم يكن علويا ولا هاشميا.
(4) الأمالي للمفيد: 7 / 3، الأمالي للطوسي: 627 / 1292، بشارة المصطفى: 5.
82
25
حبة بن جوين العرني
حبة بن جوين بن علي البجلي العرني، أبو قدامة. من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1)
والإمام علي (عليه السلام) (2) ومن رواة حديث الغدير (3). اشترك في حرب الجمل (4)
وصفين (5) والنهروان (6) مع الإمام علي بن أبي طالب (7). مات في سنة 75 أو
76 ه‍ (8).
26
حبيب بن مظاهر الأسدي
حبيب بن مظاهر (9) الأسدي. من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) (10) ومن السابقين



(1) تهذيب الكمال: 5 / 351 / 1076، أسد الغابة: 1 / 669 / 1031.
(2) رجال الطوسي: 60 / 518، رجال البرقي: 6، الجمل: 109؛ أسد الغابة: 1 / 669 / 1031، تهذيب
الكمال: 5 / 352 / 1076 وفيه " كان من شيعة علي ".
(3) أسد الغابة: 1 / 669 / 1031.
(4) الجمل: 382.
(5) الكامل في التاريخ: 2 / 381.
(6) تاريخ بغداد: 8 / 274 / 4375.
(7) تهذيب الكمال: 5 / 352 / 1076 وفيه " شهد معه المشاهد كلها ".
(8) تاريخ بغداد: 8 / 277 / 4375، الطبقات الكبرى: 6 / 177، تهذيب الكمال: 5 / 352 و
353 / 1076.
(9) في رجال العلامة الحلي: 61 " حبيب بن مظهر بضم الميم وفتح الظاء المعجمة وتشديد الهاء والراء
أخيرا ". وفي رجال ابن داود: 70 " حبيب بن مظاهر، وقيل: مظهر بفتح الظاء وتشديد الهاء
وكسرها ". وفي تاج العروس: 7 / 176 " حبيب بن مظهر بن رئاب ".
(10) رجال الطوسي: 60 / 512، الاختصاص: 3 وفيه " من أصفياء أصحابه "
83
والمقربين من علي (عليه السلام) (1)، وهو أيضا من أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) (2) والإمام
الحسين (عليه السلام) (3) ومن الذين كتب إلى الإمام (عليه السلام) (4) واشترك في حرب الإمام بقيادة
ميسر جيشه (5). استشهد في يوم عاشوراء وطافوا برأسه في البلاد مع بقية
رؤوس الشهداء (6).
27
حجر بن عدى
حجر بن عدي بن معاوية الكندي، أبو عبد الرحمن، وهو المعروف بحجر
الخير، وابن الأدبر (7) كان جاهليا إسلاميا (8)، وفد على النبي (9)، وله صحبة (10).
من الوجوه المتألقة في التاريخ الإسلامي، ومن القمم الشاهقة الساطعة في



(1) الاختصاص: 7.
(2) رجال الطوسي: 93 / 925.
(3) رجال الطوسي: 100 / 971، رجال الكشي: 1 / 292 / 133، الاختصاص: 8.
(4) الإرشاد: 2 / 37.
(5) الإرشاد: 2 / 95؛ الأخبار الطوال: 256.
(6) رجال الكشي: 1 / 292 / 133.
(7) الطبقات الكبرى: 6 / 217، سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95، تاريخ دمشق: 12 / 211، تاريخ
الإسلام للذهبي: 4 / 33.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 534 / 5983، الطبقات الكبرى: 6 / 217، تاريخ دمشق:
12 / 211.
(9) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5974، الطبقات الكبرى: 6 / 217، أنساب الأشراف:
5 / 276، سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95، تاريخ دمشق: 12 / 207، أسد الغابة: 1 / 697 / 1093.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3 / 534 / 5983، سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95، تاريخ الإسلام
للذهبي: 4 / 193، الاستيعاب: 1 / 389 / 505، أسد الغابة: 1 / 697 / 1093 وفيهما " كان من
فضلاء الصحابة ".
84
التاريخ الشيعي. جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأسلم وهو لم يزل شابا. وكان من صفاته:
تجافيه عن الدنيا، وزهده، وكثرة صلاته وصيامه، واستبساله وشجاعته، وشرفه
ونبله وكرامته، وصلاحه وعبادته (1). وكان معروفا بالزهد (2)، مستجاب الدعوة
لما كان يحمله من روح طاهرة، وقلب سليم، ونقيبة محمودة، وسيرة حميدة (3).
ولم يسكت حجر قط أمام قتل الحق وإحياء الباطل والركون إليه. من هنا ثار
على عثمان مع سائر المؤمنين المجاهدين (4). ولم يأل جهدا في تحقيق حاكمية
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعد من خاصة أصحابه (5) وشيعته (6) المطيعين.
اشترك حجر في حروب الإمام (عليه السلام). وكان في الجمل (7) قائدا على خيالة
كندة (8)، وفي صفين (9) أميرا على قبيلته (10)، وفي النهروان قاد ميسرة (11) الجيش



(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95، البداية والنهاية: 8 / 50.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 531، تاريخ دمشق: 12 / 212، البداية والنهاية: 8 / 50.
(3) الاستيعاب: 1 / 391 / 505، أسد الغابة: 1 / 698 / 1093.
(4) الجمل: 137.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 217، أسد الغابة: 1 / 697 / 1093 وفيه " كان من أعيان أصحابه "، الأخبار
الطوال: 224 وفيه " كان من عظماء أصحاب علي ".
(6) سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95.
(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5974، الطبقات الكبرى: 6 / 218، أنساب الأشراف:
5 / 276، تاريخ دمشق: 12 / 210.
(8) الجمل: 320؛ الأخبار الطوال: 146.
(9) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5974، الطبقات الكبرى: 6 / 218، أنساب الأشراف:
5 / 276، تاريخ دمشق: 12 / 207.
(10) وقعة صفين: 117؛ تاريخ خليفة بن خياط: 146، سير أعلام النبلاء: 3 / 463 / 95 وفيه " شهد
صفين أميرا ".
(11) الاستيعاب: 1 / 389 / 505، أسد الغابة: 1 / 697 / 1093.
85
أو ميمنته (1).
وكان فصيح اللسان، نافذ الكلام، يتحدث ببلاغة، ويكشف الحقائق
بفصاحة. وآية ذلك كلامه الجميل المتبصر في تبيان منزلة الإمام (عليه السلام) (2).
وكان نصير الإمام الوفي المخلص، والمدافع المجد عنه. ولما أغار الضحاك
بن قيس على العراق، أمره الإمام (عليه السلام) بصده، فهزمه حجر ببطولته وشجاعته،
وأجبره على الفرار (3).
اطلع حجر على مؤامرة قتل الإمام (عليه السلام) قبل تنفيذها بلحظات، فحاول بكل
جهده أن يتدارك الأمر فلم يفلح (4). واغتم لمقتله كثيرا.
وكان من أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) الغيارى الثابتين (5).
وقد جاش دم غيرته في عروقه حين سمع خبر الصلح، فاعترض (6)، فقال له
الإمام الحسن (عليه السلام): لو كان غيرك مثلك لما أمضيته (7).
وكان قلبه يتفطر ألما من معاوية. وطالما كان يبرأ من هذا الوجه القبيح لحزب
الطلقاء الذي تأمر على المسلمين، ويدعو عليه مع جمع من الشيعة (8). وهو



(1) الأخبار الطوال: 210، الإمامة والسياسة: 1 / 169.
(2) الجمل: 255.
(3) الغارات: 2 / 425؛ تاريخ الطبري: 5 / 135، الكامل في التاريخ: 2 / 426.
(4) الإرشاد: 1 / 19، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 312.
(5) أنساب الأشراف: 3 / 280؛ رجال الطوسي: 94 / 928.
(6) أنساب الأشراف: 3 / 365، الأخبار الطوال: 220، شرح نهج البلاغة: 16 / 15.
(7) أنساب الأشراف: 3 / 365.
(8) تاريخ الطبري: 5 / 256، الكامل في التاريخ: 2 / 489.
86
الحزب الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصفه بأنه معلون. وكان حجر يقف للدفاع عن
العقيدة وأهل البيت (عليهم السلام) بلا وجل، ويعنف المغيرة الذي كان فردا في رجسه وقبحه
ورذالته، وقد تسلط على الكوفة في أثناء حكومة الطلقاء، وكان يطعن في
علي (عليه السلام) وشيعته (1). وضاق معاوية ذرعا بحجر وبمواقفه وكشفه الحقائق،
وصلابته، وثباته، فأمر بقتله وتم تنفيذ أمره، فاستشهد (2) ذلك الرجل الصالح في
" مرج عذراء (3) " (4) سنة 51 ه‍، مع ثلة من رفاقه (5).
وكان حجر وجيها عند الناس، وذا شخصية محبوبة نافذة، ومنزلة حسنة،
فكبر عليهم استشهاده (6)، واحتجوا على معاوية، وقرعوه على فعله القبيح هذا.
وكان الإمام الحسين (عليه السلام) (7) ممن تألم كثيرا لاستشهاده، واعترض على معاوية في
رسالة بليغة له أثنى فيها ثناء بالغا على حجر، وذكر استفظاعه للظلم، وذكر
معاوية بنكثه للعهد، وإراقته دم حجر الطاهر ظلما وعدوانا. واعترضت عائشة (8)



(1) أنساب الأشراف: 5 / 252، تاريخ الطبري: 5 / 254، الكامل في التاريخ: 2 / 489.
(2) تاريخ دمشق: 12 / 217، الاستيعاب: 1 / 389 / 505.
(3) عذراء: قرية بغوطة دمشق من إقليم خولان، معروفة، وإليها ينسب مرج. والمرج: الأرض الواسعة
فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب؛ أي تذهب وتجيء (معجم البلدان: 4 / 91 و 5 / 100).
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5974، مروج الذهب: 3 / 12، الاستيعاب:
1 / 390 / 505.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5978، تاريخ دمشق: 12 / 211، تاريخ الإسلام للذهبي:
4 / 194، مروج الذهب: 3 / 12 وفيه " سنة ثلاث وخمسين ".
(6) الأخبار الطوال: 224.
(7) أنساب الأشراف: 5 / 129، الإمامة والسياسة: 1 / 203؛ رجال الكشي: 1 / 252 / 99،
الاحتجاج: 2 / 90 / 164.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 534 / 5984، أنساب الأشراف: 5 / 48، تاريخ الطبري:
5 / 279، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 194، الاستيعاب: 1 / 390 / 505.
87
أيضا على معاوية من خلال ذكرها حديثا حول شهداء " مرج عذراء " (1).
وكان معاوية - على ما اتصف به من فساد الضمير - يرى قتل حجر من
أخطائه، ويعبر عن ندمه على ذلك (2)، وقال عند دنو أجله: لو كان ناصح لمنعنا
من قتله (3)!
وقتل مصعب بن الزبير ولدي حجر: عبيد الله، وعبد الرحمن صبرا (4).
وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أخبر باستشهاده من قبل، وشبه استشهاده،
وصحبه باستشهاد " أصحاب الأخدود ".
6457 - الأمالي للطوسي عن ربيعة بن ناجذ - بعد غارة سفيان بن عوف الغامدي
واستنفار الإمام علي (عليه السلام) الناس وتقاعد أصحابه -: قام حجر بن عدي وسعد بن
قيس فقالا: لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين! مرنا بأمرك نتبعه، فوالله العظيم، ما
يعظم جزعنا على أموالنا أن تفرق، ولاعلى عشائرنا أن تقتل في طاعتك (5).
6458 - تاريخ اليعقوبي - في ذكر غارة الضحاك على القطقطانة (6) ودعوته (عليه السلام)
الناس للخروج إلى قتاله -: قام إليه حجر بن عدي الكندي فقال: يا



(1) أنساب الأشراف: 5 / 274، تاريخ دمشق: 12 / 226، الإصابة: 2 / 33 / 1634؛ تاريخ اليعقوبي:
2 / 231.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 465 / 95، تاريخ دمشق: 12 / 226، تاريخ الطبري: 5 / 279، تاريخ
الإسلام للذهبي: 4 / 194.
(3) أنساب الأشراف: 5 / 275، تاريخ دمشق: 12 / 231.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 532 / 5974، تاريخ دمشق: 12 / 210.
(5) الأمالي للطوسي: 174 / 293، الغارات: 2 / 481 نحوه.
(6) القطقطانة: موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف، كان بها سجن النعمان بن المنذر (معجم البلدان:
4 / 374).
88
أمير المؤمنين! لا قرب الله مني إلى الجنة من لا يحب قربك، عليك بعادة الله
عندك؛ فإن الحق منصور، والشهادة أفضل الرياحين، اندب معي الناس
المناصحين، وكن لي فئة بكفايتك، والله فئة الإنسان وأهله، إن الشيطان لا يفارق
قلوب أكثر الناس حتى تفارق أرواحهم أبدانهم.
فتهلل وأثنى على حجر جميلا، وقال: لا حرمك الله الشهادة؛ فإني أعلم أنك
من رجالها (1).
6459 - وقعة صفين عن عبد الله بن شريك: قام حجر فقال: يا أمير المؤمنين!
نحن بنو الحرب وأهلها، الذين نلقحها وننتجها، قد ضارستنا وضارسناها (2)، ولنا
أعوان ذوو صلاح، وعشيرة ذات عدد، ورأي مجرب، وبأس محمود، وأزمتنا
منقادة لك بالسمع والطاعة؛ فإن شرقت شرقنا، وإن غربت غربنا، وما أمرتنا به
من أمر فعلناه.
فقال علي: أكل قومك يرى مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلا حسنا، وهذه
يدي عنهم بالسمع والطاعة، وبحسن الإجابة، فقال له علي خيرا (3).
6460 - الإمام علي (عليه السلام): يا أهل الكوفة! سيقتل فيكم سبعة نفر خياركم، مثلهم
كمثل أصحاب الأخدود، منهم حجر بن الأدبر وأصحابه (4).
6461 - الأغاني عن المجالد بن سعيد الهمداني، والصقعب بن زهير، وفضيل بن
خديج، والحسن بن عقبة المرادي...: إن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان
يقوم على المنبر، فيذم علي بن أبي طالب وشيعته، وينال منهم، ويلعن قتلة



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 196.
(2) ضارست الأمور: جربتها وعرفتها (لسان العرب: 6 / 118).
(3) وقعة صفين: 104.
(4) تاريخ دمشق: 12 / 227 عن ابن زرير وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 272.
89
عثمان، ويستغفر لعثمان ويزكيه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: (يا أيها الذين آمنوا
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) (1) وإني أشهد أن من تذمون أحق
بالفضل ممن تطرون، ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون. فيقول له المغيرة: يا
حجر! ويحك! اكفف من هذا، واتق غضبة السلطان وسطوته؛ فإنها كثيرا ما تقتل
مثلك، ثم يكف عنه.
فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيامه يخطب على المنبر، فنال
من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولعنه، ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل
من كان في المسجد وخارجه. فقال له: إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع،
أوهرمت! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا؛ فإنك قد حبستها عنا، ولم يكن ذلك لك ولا
لمن كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.
فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا يقولون: صدق والله حجر! مر لنا بأعطياتنا؛
فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا. وأكثروا في ذلك.
فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه في احتماله
حجرا، فقال لهم: إني قد قتلته. قال: وكيف ذلك؟! قال: إنه سيأتي أمير بعدي
فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه، فيأخذه عند أول وهلة، فيقتله شر قتلة.
إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل
خيارهم، وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز معاوية في الدنيا، ويذل
المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد جربوا العمال (2).



(1) النساء: 135.
(2) الأغاني: 17 / 137، أنساب الأشراف: 5 / 252، تاريخ الطبري: 5 / 254، الكامل في التاريخ:
2 / 488 كلها نحوه.
90
6462 - الطبقات الكبرى - في ذكر أحوال حجر بن عدي -: ذكر بعض رواة العلم
أنه وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) مع أخيه هانئ بن عدي، وشهد حجر القادسية وهو الذي
افتتح مرج عذرا، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء. وكان من أصحاب علي
بن أبي طالب وشهد معه الجمل وصفين.
فلما قدم زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال: تعلم
أني أعرفك، وقد كنت أنا وإياك على ما قد علمت - يعني من حب علي بن
أبي طالب - وإنه قد جاء غير ذلك، وإني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة
فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك...
وكانت الشيعة يختلفون إليه ويقولون: إنك شيخنا وأحق الناس بإنكار هذا
الأمر.
وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث - وهو
يومئذ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة - أبا عبد الرحمن: ما هذه الجماعة
وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه؟
إليك وراءك أوسع لك، فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد، وكتب إليه: إن
كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل...
فأرسل إليه الشرط والبخارية فقاتلهم بمن معه، ثم انفضوا عنه وأتي به زياد
وبأصحابه فقال له: ويلك ما لك؟ فقال: إني على بيعتي لمعاوية لا أقيلها ولا
أستقيلها، فجمع زياد سبعين من وجوه أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم على
حجر وأصحابه، ففعلوا ثم وفدهم على معاوية، وبعث بحجر وأصحابه إليه...
فقال معاوية بن أبي سفيان: أخرجوهم إلى عذرا فاقتلوهم هنالك.
قال: فحملوا إليها، فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء، قال: الحمد لله!

91
أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها في سبيل الله، ثم أتي بي اليوم إليها مصفودا.
ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أهل الشام ليقتله، ودفع حجر إلى رجل من
حمير فقدمه ليقتله فقال: يا هؤلاء! دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فتوضأ وصلى
ركعتين، فطول فيهما، فقيل له: طولت، أجزعت؟ فانصرف فقال: ما توضأت
قط إلا صليت، وما صليت صلاة قط أخف من هذه، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا
مشهورا وكفنا منشورا وقبرا محفورا.
وكانت عشائرهم جاؤوا بالأكفان وحفروا لهم القبور، ويقال: بل معاوية الذي
حفر لهم القبور وبعث إليهم بالأكفان.
وقال حجر: اللهم إنا نستعديك على أمتنا؛ فإن أهل العراق شهدوا علينا، وإن
أهل الشام قتلونا.
قال: فقيل لحجر: مد عنقك، فقال: إن ذاك لدم ما كنت لأعين عليه، فقدم
فضربت عنقه...
عن محمد قال: لما أتي بحجر فأمر بقتله، قال: ادفنوني في ثيابي؛ فإني أبعث
مخاصما (1).
6463 - تاريخ الطبري عن أبي إسحاق: بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى جمع
اثني عشر رجلا في السجن. ثم إنه دعا رؤوس الأرباع، فقال: اشهدوا على
حجر بما رأيتم منه...
فشهد هؤلاء الأربعة: أن حجرا جمع إليه الجموع، وأظهر شتم الخليفة، ودعا
إلى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب (2).



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 217 وراجع مروج الذهب: 3 / 12 وتاريخ الطبري: 5 / 256 و 257.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 268، الكامل في التاريخ: 2 / 496 وراجع البداية والنهاية: 8 / 51.
92
6464 - الأغاني: كتب أبو بردة بن أبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما
شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين؛ شهد أن حجر بن عدي خلع
الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه
الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله كفرة
صلعاء (1).
6465 - الأغاني: قال لهم [أي لحجر وأصحابه الستة] رسول معاوية: إنا قد أمرنا
أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له؛ فإن فعلتم هذا تركناكم، وإن أبيتم
قتلناكم، وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم،
غير أنه قد عفا عن ذلك، فابرؤوا من هذا الرجل يخل سبيلكم.
قالوا: لسنا فاعلين، فأمر بقيودهم فحلت، وأتي بأكفانهم فقاموا الليل كله
يصلون، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، قد رأيناكم البارحة أطلتم
الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من
جار في الحكم، وعمل بغير الحق. فقالوا: أمير المؤمنين كان أعرف بكم. ثم
قاموا إليهم وقالوا: تبرؤون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه (2).
6466 - الأغاني: قال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين؛ فإني والله ما توضأت قط
إلا صليت، فقالوا له: صل، فصلى ثم انصرف، فقال: والله ما صليت صلاة قط
أقصر منها، ولولا أن يروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها.
ثم قال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا؛ فإن أهل الكوفة قد شهدوا علينا، وإن



(1) الأغاني: 17 / 149، أنساب الأشراف: 5 / 262، تاريخ الطبري: 5 / 268 عن أبي الكنود.
(2) الأغاني: 17 / 155، تاريخ الطبري: 5 / 275، أنساب الأشراف: 5 / 266 نحوه.
93
أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتمونا؛ فإني أول فارس من المسلمين سلك
في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.
فمشى إليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف، فأرعدت خصائله (1)، فقال:
كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت؛ فإنا ندعك، فابرأ من صاحبك. فقال: ما
لي لا أجزع، وأنا أرى قبرا محفورا، وكفنا منشورا، وسيفا مشهورا، وإني والله
إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، فقتله (2).
6467 - الأغاني عن أبي مخنف عن رجاله: فكان من قتل منهم سبعة نفر: حجر
بن عدي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن
ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب المنقري، وكدام بن حيان العنزي،
وعبد الرحمن بن حسان العنزي (3).
6468 - تاريخ اليعقوبي: قالت عائشة لمعاوية حين حج، ودخل إليها: يا
معاوية، أقتلت حجرا وأصحابه! فأين عزب حلمك عنهم؟ أما إني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات، قال:
لم يحضرني رجل رشيد، يا أم المؤمنين! (4)
6469 - الأغاني عن عبد الملك بن نوفل: كانت عائشة تقول: لولا أنا لم نغير شيئا



(1) الخصيلة: لحم العضدين والفخذين والساقين، وجمعها خصائل (النهاية: 2 / 38).
(2) الأغاني: 17 / 155، تاريخ الطبري: 5 / 275.
(3) الأغاني: 17 / 157، أنساب الأشراف: 5 / 271، تاريخ الطبري: 5 / 277، الكامل في التاريخ:
2 / 498.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 231؛ تاريخ الطبري: 5 / 257، الكامل في التاريخ: 2 / 500 كلاهما نحوه
وليس فيهما قوله (صلى الله عليه وآله).
94
قط إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه، لغيرنا قتل حجر، أما والله إن كان
لمسلما ما علمته حاجا معتمرا (1).
6470 - تاريخ اليعقوبي: روي أن معاوية كان يقول: ما أعد نفسي حليما بعد
قتلي حجرا وأصحاب حجر (2).
6471 - تاريخ الطبري عن ابن سيرين - في معاوية -: بلغنا أنه لما حضرته الوفاة
جعل يغرغر بالصوت ويقول: يومي منك يا حجر يوم طويل (3).
28
حذيفة بن اليمان
حذيفة بن اليمان بن جابر، أبو عبد الله العبسي. كان من وجهاء الصحابة
وأعيانهم. وقد أثنى عليه الرجاليون وأصحاب التراجم بمزايا ذكروها في كتبهم
كقولهم: " كان من نجباء (4) وكبار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (5)، وقولهم: " صاحب
سر النبي (صلى الله عليه وآله) " (6)، وقولهم: " وأعلم الناس بالمنافقين " (7). وأسر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)



(1) الأغاني: 17 / 158، تاريخ الطبري: 5 / 279، الكامل في التاريخ: 2 / 499.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 231.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 257 وص 279، الكامل في التاريخ: 2 / 500 كلاهما نحوه.
(4) سير أعلام النبلاء: 2 / 361 / 76، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 494.
(5) الاستيعاب: 1 / 394 / 510؛ رجال الطوسي: 35 / 178، رجال البرقي: 2.
(6) صحيح البخاري: 3 / 1368 / 3533، مسند ابن حنبل: 10 / 428 / 27608، سير أعلام النبلاء:
2 / 361 / 76.
(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 429 / 5631، سير أعلام النبلاء: 2 / 363 / 76.
95
أسماء المنافقين (1) وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة (2) إلى قيام الساعة (3).
لم يشهد بدرا، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد (4). كان أحد الذين ثبتوا
على العقيدة. لم يصبر على تغيير " حق الخلافة " و " خلافة الحق " بعد وفاة
رسول الله، ووقف إلى جانب علي (عليه السلام) بخطى ثابتة (5).
كان حذيفة ممن شهد جنازة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وصلى على جثمانها
الطاهر (6).
ولي المدائن في عهد عمر وعثمان (7). وكان مريضا في ابتداء خلافة
أمير المؤمنين علي (عليه السلام). مع هذا كله لم يطق السكوت عن مناقبه وفضائله صلوات
الله عليه، فصعد المنبر بجسمه العليل، وأثنى عليه وأبلغ الثناء، وذكره بقوله:
" فوالله إنه لعلى الحق آخرا وأولا " (8)، وقوله: " إنه لخير من مضى بعد نبيكم ".
وأخذ له البيعة (9)، وهو نفسه بايعه أيضا (10).



(1) سير أعلام النبلاء: 2 / 364 / 76، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 494.
(2) سير أعلام النبلاء: 2 / 364 / 76.
(3) تهذيب الكمال: 5 / 500 / 1147، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 494.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 428 / 5623، الطبقات الكبرى: 6 / 15 وج 7 / 317، تاريخ
بغداد: 1 / 161 / 11.
(5) الخصال: 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(6) الخصال: 361 / 50، رجال الكشي: 1 / 34 / 13، الاختصاص: 5، تفسير فرات: 570 / 733.
(7) تاريخ دمشق: 12 / 261، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 493، تهذيب التهذيب: 1 / 516 / 1367؛
إرشاد القلوب: 321.
(8) مروج الذهب: 2 / 394.
(9) مروج الذهب: 2 / 394؛ إرشاد القلوب: 322 وفيه " نعلمه " بدل " مضى ".
(10) الأمالي للطوسي: 487 / 1066.
96
وأوصى أولاده مؤكدا ألا يقصروا في اتباعه والسير وراءه (1)، وقال لهم: " فإنه
والله على الحق، ومن خالفه على الباطل ". ثم توفي بعد سبعة أيام مضت على
ذلك (2). وقيل: توفي بعد أربعين يوما (3).
6472 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى حذيفة بن اليمان -: بسم الله الرحمن
الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى حذيفة بن اليمان، سلام عليك.
أما بعد؛ فإني قد وليتك ما كنت تليه لمن كان قبلي من حرف المدائن، وقد
جعلت إليك أعمال الخراج والرستاق وجباية أهل الذمة، فاجمع إليك ثقاتك
ومن أحببت ممن ترضى دينه وأمانته، واستعن بهم على أعمالك؛ فإن ذلك أعز
لك ولوليك، وأكبت لعدوك.
وإني آمرك بتقوى الله وطاعته في السر والعلانية، وأحذرك عقابه في المغيب
والمشهد، وأتقدم إليك بالإحسان إلى المحسن، والشدة على المعاند، وآمرك
بالرفق في أمورك، واللين والعدل على رعيتك؛ فإنك مسؤول عن ذلك، وإنصاف
المظلوم، والعفو عن الناس، وحسن السيرة ما استطعت، فالله يجزي المحسنين.
وآمرك أن تجبي خراج الأرضين على الحق والنصفة، ولا تتجاوز ما قدمت به
إليك، ولا تدع منه شيئا، ولا تبتدع فيه أمرا، ثم اقسمه بين أهله بالسوية والعدل.
واخفض لرعيتك جناحك، وواس بينهم في مجلسك، وليكن القريب والبعيد
عندك في الحق سواء، واحكم بين الناس بالحق، وأقم فيهم بالقسط، ولا تتبع



(1) مروج الذهب: 2 / 394، الاستيعاب: 1 / 394 / 510.
(2) مروج الذهب: 2 / 394.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 428 / 5623، التاريخ الكبير: 3 / 95 / 332، مروج الذهب:
2 / 394، تاريخ دمشق: 12 / 261.
97
الهوى، ولا تخف في الله لومة لائم؛ ف‍ (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم
محسنون) (1).
وقد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك، ليعلموا رأينا فيهم وفي
جميع المسلمين، فأحضرهم واقرأه عليهم، وخذ لنا البيعة على الصغير والكبير
منهم إن شاء الله (2).
6473 - الأمالي للطوسي عن حذيفة: ألا من أراد - والذي لا إله غيره - أن ينظر
إلى أمير المؤمنين حقا حقا، فلينظر إلى علي بن أبي طالب، فوازروه واتبعوه
وانصروه (3).
6474 - مروج الذهب: كان حذيفة عليلا بالكوفة في سنة ست وثلاثين، فبلغه
قتل عثمان وبيعة الناس لعلي، فقال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعة، فوضع
على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى آله، ثم قال:
أيها الناس! إن الناس قد بايعوا عليا؛ فعليكم بتقوى الله، وانصروا عليا
ووازروه، فوالله إنه لعلى الحق آخرا وأولا، وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن
بقي إلى يوم القيامة.
ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم اشهد، إني قد بايعت عليا. وقال:
الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: احملاني، وكونا
معه؛ فستكون له حروب كثيرة، فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن



(1) النحل: 128.
(2) إرشاد القلوب: 321.
(3) الأمالي للطوسي: 486 / 1065 وراجع مروج الذهب: 2 / 394.
98
تستشهدا معه؛ فإنه والله على الحق، ومن خالفه على الباطل. ومات حذيفة بعد
هذا اليوم بسبعة أيام (1).
6475 - الأمالي للطوسي عن أبي راشد: لما أتى حذيفة بيعة علي (عليه السلام) ضرب بيده
واحدة على الأخرى وبايع له، وقال: هذه بيعة أمير المؤمنين حقا، فوالله لا يبايع
بعده لواحد من قريش إلا أصغر أو أبتر يولي الحق استه (2).
6476 - مجمع الزوائد عن سيار أبي الحكم: قالت بنو عبس لحذيفة: إن
أمير المؤمنين عثمان قد قتل، فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عمارا. قالوا: إن
عمارا لا يفارق عليا! قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار
قربه من علي! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن
عمارا لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي (3).
راجع: القسم التاسع / علي عن لسان أصحاب النبي / حذيفة بن اليمان.
29
حكيم بن جبلة
حكيم بن جبلة بن حصين العبدي، ويقال ابن جبل. من أصحاب علي (عليه السلام) (4)،
ومن الثابتين على طاعته، والعارفين بحقه في الخلافة. أثنى عليه أصحاب
التراجم بعبارات متنوعة، منها: " كان مطاعا في قومه " (5)، ومنها: " أحد أشراف



(1) مروج الذهب: 2 / 394.
(2) الأمالي للطوسي: 487 / 1066.
(3) مجمع الزوائد: 7 / 488 / 12058، تاريخ دمشق: 43 / 456 وفيه " ابن عبس " بدل " بنو عبس "،
ينابيع المودة: 1 / 384 / 12، كنز العمال: 13 / 532 / 37385؛ شرح الأخبار: 1 / 210 / 181.
(4) رجال الطوسي: 61 / 530.
(5) الاستيعاب: 1 / 421 / 558، أسد الغابة: 2 / 57 / 1233.
99
الأبطال " (1)، ومنها: " وما سمع بأشجع منه " (2). تولى قيادة البصريين في الثورة
على عثمان (3).
وعندما نقض مساعير فتنة الجمل " طلحة والزبير " ومن معهما الهدنة مع
عثمان بن حنيف، وحملوا على الناس، وهموا باحتلال البصرة، قاتلهم حكيم
وأصحابه بشجاعة وبصيرة. وارتفاع كلمته الرائعة عند القتال: " إني لست في
شك من قتال هؤلاء... " (4) آية على معرفته الدقيقة واعتقاده العميق بالحق. وقد
رزقه الله الشهادة في ذلك القتال (5).
وذكر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن مقتل حكيم كان أحد الأسباب التي دفعته
إلى مقاتلة أصحاب الجمل ومواجهة فتنتهم وفسادهم (6).
6477 - تاريخ الطبري عن الجارود بن أبي سبرة: لما كانت الليلة التي أخذ فيها
عثمان بن حنيف، وفي رحبة مدينة الرزق طعام يرتزقه الناس، فأراد عبد الله أن
يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان، فقال: لست أخاف الله إن لم



(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 531 / 136.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 532 / 136، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 495، أسد الغابة: 2 / 58 / 1233
وفيهما " ما رئي أشجع منه "، أنساب الأشراف: 5 / 130 وفيه " أشجع أهل زمانه ".
(3) تاريخ الطبري: 4 / 378، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 495 وفيه " إنه أحد من سار إلى الفتنة "، سير
أعلام النبلاء: 3 / 531 / 136 وفيه " كان أحد من ثار في فتنة عثمان "، مروج الذهب: 2 / 352.
(4) تاريخ الطبري: 4 / 475، الكامل في التاريخ: 2 / 320، الاستيعاب: 1 / 423 / 558، سير أعلام
النبلاء: 3 / 531 / 136 نحوه.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 466 - 471، الاستيعاب: 1 / 421 / 558، أسد الغابة: 2 / 57 / 1233، سير
أعلام النبلاء: 3 / 532 / 136، شرح نهج البلاغة: 9 / 322.
(6) الإرشاد: 1 / 252، الجمل: 334؛ تاريخ الطبري: 4 / 481.
100
أنصره. فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس،
فأتى ابن الزبير مدينة الرزق، فقال: ما لك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا
الطعام، وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم
علي، والله لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم
بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما
تخافون الله عز وجل! بم تستحلون سفك الدماء؟ قال: بدم عثمان بن عفان.
قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟
فقال له عبد الله بن الزبير: لا نرزقكم من هذا الطعام، ولا نخلي سبيل عثمان
بن حنيف حتى يخلع عليا، قال حكيم: اللهم إنك حكم عدل فاشهد. وقال
لأصحابه: إني لست في شك من قتال هؤلاء؛ فمن كان في شك فلينصرف.
وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا، وضرب رجل ساق حكيم، فأخذ حكيم ساقه
فرماه بها، فأصاب عنقه فصرعه ووقذه (1) ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه، فمر به
رجل فقال: من قتلك؟ قال: وسادتي! وقتل سبعون رجلا من عبد القيس. قال
الهذلي: قال حكيم حين قطعت رجله:
أقول لما جد بي زماعي (2) * للرجل يا رجلي لن تراعي
إن معي من نجدة ذراعي
قال عامر ومسلمة: قتل مع حكيم، ابنه الأشرف، وأخوه الرعل بن جبلة (3).
6478 - سير أعلام النبلاء: لم يزل يقاتل يوم الجمل حتى قطعت رجله، فأخذها



(1) وقذه: ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت (لسان العرب: 3 / 519).
(2) الزماع: المضاء في الأمر والعزم عليه (لسان العرب: 8 / 143).
(3) تاريخ الطبري: 4 / 474 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 320 والاستيعاب: 1 / 423 / 558.
101
وضرب بها الذي قطعها فقتله بها، وبقي يقاتل على رجل واحدة ويرتجز،
ويقول:
يا ساق لن تراعي * إن معي ذراعي
أحمي بها كراعي (1)
فنزف منه دم كثير، فجلس متكئا على المقتول الذي قطع ساقه، فمر به
فارس، فقال: من قطع رجلك؟
قال: وسادتي! فما سمع بأشجع منه. ثم شد عليه سحيم الحداني فقتله (2).
6479 - الإمام علي (عليه السلام) - من كلامه حين دخل البصرة -: عباد الله! انهدوا (3) إلى
هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم؛ فإنهم نكثوا بيعتي، وأخرجوا ابن حنيف
عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة، وقتلوا السيابجة (4)، وقتلوا حكيم
بن جبلة العبدي (5).
30
الحلو بن عوف
6480 - تاريخ اليعقوبي: كان علي قد وجه الحلو بن عوف الأزدي عاملا على



(1) الكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب (لسان العرب: 8 / 306).
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 531 / 136، تاريخ الطبري: 4 / 471، أسد الغابة: 2 / 57 / 1233 كلاهما
نحوه وراجع الاستيعاب: 1 / 421 / 558.
(3) نهد القوم لعدوهم: إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله (النهاية: 5 / 134).
(4) قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن (الصحاح: 1 / 321).
(5) الإرشاد: 1 / 252، الجمل: 334 نحوه وفيه " السبابجة " بدل " السيابجة ".
102
عمان (1)، فوثبت به بنو ناجية فقتلوه (2).
31
خالد بن معمر
خالد بن المعمر بن سليمان السدوسي. كان من أصحاب الإمام علي، ومن
كبار قبيلة ربيعة (3). شهد الجمل. وكان من رؤساء البصرة الأول الذين استجابوا
للإمام (عليه السلام) عند عزمه على قتال معاوية، وأسرعوا إلى نصرته (4).
وكانت قبيلة ربيعة من كبار القبائل التي شهدت حرب صفين، ولها فيها دور
أساسي مهم (5).
حاول معاوية ترغيبه، وكاتبه، ووعده بولاية خراسان، ومع أن هذا الموضوع
لم يثبت عند الإمام (عليه السلام)، واستمر خالد قائدا لربيعة، إلا أن تضعضعه في الأحداث
اللاحقة للحرب كان ملحوظا بوضوح.
وعندما رفعت المصاحف على الرماح قال خالد للإمام (عليه السلام): ما البقاء إلا فيما
دعا القوم إليه إن رأيته. وإن لم تره فرأيك أفضل (6).
وخان خالد الإمام الحسن (عليه السلام) (7)، وذهب إلى معاوية وبايعه. فكرمه ووسده



(1) عمان: بلد في طرف الشام، وكانت قصبة أرض البلقاء (معجم البلدان: 4 / 151).
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 195.
(3) رجال الطوسي: 63 / 554.
(4) الأخبار الطوال: 165، الإصابة: 2 / 299 / 2326.
(5) الإصابة: 2 / 299 / 232؛ وقعة صفين: 484 وراجع الأخبار الطوال: 171.
(6) الأخبار الطوال: 189، الإمامة والسياسة: 1 / 140؛ وقعة صفين: 485 كلاهما نحوه.
(7) تاريخ دمشق: 16 / 206.
103
على أرضيية. وقيل في هذا المجال:
معاوي أكرم (أمر) خالد بن معمر * فإنك لو لا خالد لم تؤمر
ومات خالد قبل وصوله إليها (1).
وجاء في بعض المصادر أنه مدح الإمام عليا (عليه السلام) بمحضر معاوية، وقال في
حبه إياه: أحبه والله على حلمه إذا غضب، ووفائه إذا عقد، وصدقه إذا أكد،
وعدله إذا حكم (2).
32
خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمارة. ويلقب بذي
الشهادتين. من الشخصيات المتألقة بين صحابة النبي (صلى الله عليه وآله).
شهد أحدا وبقية المشاهد (3). وإنما اشتهر بذي الشهادتين؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
جعل شهادته شهادة رجلين (4). وكان خزيمة أحد الأفراد القلائل الذين ثبتوا
على " حق الخلافة " و " خلافة الحق " بعد النبي (صلى الله عليه وآله) (5)، إذ قام في المسجد رافعا



(1) الإصابة: 2 / 299 / 2326، تاريخ دمشق: 16 / 206.
(2) تاريخ دمشق: 16 / 208، الصواعق المحرقة: 132، الفصول المهمة: 127؛ الأمالي للطوسي:
594 / 1229، تنبيه الخواطر: 2 / 75، كشف الغمة: 2 / 36 كلها نحوه.
(3) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 565.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 448 / 5695، المعجم الكبير: 4 / 82 / 3712، المصنف
لعبد الرزاق: 11 / 236 / 20416، التاريخ الكبير: 3 / 206 / 704، الطبقات الكبرى: 4 / 379؛
رجال الطوسي: 38 / 226.
(5) الخصال: 608 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
104
صوته بالدفاع عن خلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام). واحتج بالمنزلة التي خصه بها
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل أهل بيته (عليهم السلام) معيارا لمعرفة الحق من
الباطل، ونصبهم أئمة على العباد (1). وشهد خزيمة حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان
ثابت الخطى فيها. رزق الشهادة بعد استشهاد عمار بن ياسر (2) (3).
6481 - رجال الكشي عن أبي إسحاق: لما قتل عمار، دخل خزيمة بن ثابت
فسطاطه، وطرح عنه سلاحه، ثم شن عليه الماء فاغتسل، ثم قاتل حتى قتل (4).
6482 - أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: كنت
بصفين فرأيت رجلا أبيض اللحية، معتما متلثما، ما يرى منه إلا أطراف لحيته،
يقاتل أشد قتال، فقلت: يا شيخ! تقاتل المسلمين؟ فحسر لثامه، وقال: أنا
خزيمة، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " قاتل مع علي جميع من يقاتل " (5).



(1) الخصال: 464 / 4، الاحتجاج: 1 / 197 / 8، رجال البرقي: 65 نحوه.
(2) تحدثت بعض النصوص التاريخية عن عدم اشتراك خزيمة في حرب الجمل، وجاء فيها " كان كافا
بسلاحه يوم الجمل ويوم صفين ". وقاتل في صفين بعد استشهاد عمار بن ياسر (راجع: مسند ابن
حنبل: 8 / 202 / 21932 والمستدرك على الصحيحين: 3 / 449 / 5697 وسير أعلام النبلاء:
2 / 487 / 100 ورجال الكشي: 1 / 268 / 101). ووردت هذه العبارات في كتب الشيعة والسنة.
وراويها هو حفيد خزيمة؛ وهو مجهول، وهذا الكلام لا ينسجم مع شأن خزيمة وجلالته (راجع:
قاموس الرجال: 4 / 169 - 174 / 2615).
(3) مسند ابن حنبل: 8 / 202 / 21932، المستدرك على الصحيحين: 3 / 448 / 5696 و 5697،
المعجم الكبير: 4 / 82 / 3711، سير أعلام النبلاء: 2 / 487 / 100؛ رجال الكشي:
1 / 268 / 101.
(4) رجال الكشي: 1 / 267 / 100.
(5) أصحاب الإمام أمير المؤمنين: 1 / 190 / 302.
105
33
خليد بن قرة اليربوعي
6483 - تاريخ الطبري - في ذكر خليد بن قرة -: كان والي خراسان (1).
6484 - وقعة صفين: بعث [الإمام علي (عليه السلام)] خليدا إلى خراسان، فسار خليد حتى
إذا دنا من نيسابور بلغه أن أهل خراسان قد كفروا ونزعوا يدهم من الطاعة، وقدم
عليهم عمال كسرى من كابل، فقاتل أهل نيسابور فهزمهم وحصر أهلها، وبعث
إلى علي بالفتح والسبي (2).
34
ربعي بن كاس
6485 - وقعة صفين: استعمل [الإمام علي (عليه السلام)] ربعي بن كأس على
سجستان (3) (4).
6486 - الكامل في التاريخ: بعد خروج حسكة في سجستان كتب علي (عليه السلام) إلى
عبد الله بن العباس يأمره أن يولي سجستان رجلا ويسيره إليها في أربعة آلاف،



(1) تاريخ الطبري: 5 / 93، الكامل في التاريخ: 2 / 409، الأخبار الطوال: 153 وفيه " خليد بن
كأس "، تاريخ خليفة بن خياط: 151 وفيه " خليد بن قرة التميمي "، البداية والنهاية: 7 / 318؛ وقعة
صفين: 12.
(2) وقعة صفين: 12؛ تاريخ الطبري: 5 / 92 وفيه " بعث خليد بن قرة اليربوعي فحاصر أهل نيسابور
حتى صالحوه وصالحه أهل مرو "، الأخبار الطوال: 154 نحوه.
(3) سجستان: معرب سيستان؛ وهي حاليا من محافظات إيران الشرقية.
(4) وقعة صفين: 12؛ الأخبار الطوال: 153، تاريخ خليفة بن خياط: 151، أنساب الأشراف:
2 / 402.
106
فوجه ربعي بن كأس العنبري ومعه الحصين بن أبي الحر العنبري، فلما ورد
سجستان قاتلهم حسكة وقتلوه، وضبط ربعي البلاد (1).
35
الربيع بن خثيم
الربيع بن خثيم (2) الثوري يكنى أبا يزيد. وهو من أصحاب عبد الله بن
مسعود (3). اشتهر بالزهد (4)، فعد أحد الزهاد الثمانية المعروفين (5).
جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقعة صفين مع جماعة من القراء، فقال: قد
شككنا في هذا القتال! ولا غنى بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل المشركين، فولنا
بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله، فولاهم ثغر قزوين والري. وولاه عليهم (6).



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 351 وراجع تاريخ خليفة بن خياط: 151.
(2) ضبط اسم والد الربيع في مصادر الفريقين على نحوين؛ فالأكثر ضبطه ب‍ " خثيم " (راجع: صحيح
البخاري: 4 / 1883 وج 5 / 2351 / 6041 وسنن الترمذي: 4 / 635 / 2454 وسنن ابن ماجة:
2 / 1414 / 4231 ومسند ابن حنبل: 9 / 141 / 23606 والإكمال: 1 / 586 وتوضيح المشتبه: 1 / 638 و
معاني الأخبار: 191 / 1 وثواب الأعمال: 100 / 1 ورجال الكشي: 1 / 313 / 154).
وبعضها جاء فيه بلفظ " خيثم " (راجع: المعجم الصغير: 1 / 143 وحلية الأولياء: 2 / 105 / 167 والنهاية:
3 / 284 ومجمع الزوائد: 10 / 93 / 16820 وفضائل الأشهر الثلاثة: 134 / 143 وكنز الفوائد: 1 / 92).
ونظرا إلى أكثرية مصادر الضبط الأول " أي خثيم "، ثم تصريح ابن حجر في فتح الباري (6 / 287)
وتقريب التهذيب (206 / 1888) بكونه: بالمعجمة والمثلثة مصغرا، فلذا رجحنا ضبطه ب‍ " خثيم ".
(3) وقعة صفين: 115؛ البداية والنهاية: 8 / 217.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 183، تهذيب الكمال: 9 / 72 / 1859؛ مصباح الشريعة: 175.
(5) تهذيب الكمال: 9 / 73 / 1859 وج 24 / 219 / 4996، صفة الصفوة: 2 / 29، حلية الأولياء:
2 / 105 / 167، تاريخ دمشق: 50 / 250.
(6) الأخبار الطوال: 165؛ وقعة صفين: 115.
107
فهو إذا لم يعرف الحق، وارتاب عند اشتعال نار الفتنة، مع ادعائه الزهد
والقداسة والإعراض عن الدنيا، ورغب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان محور
الحق وفارقه. بيد أن بعض الرجاليين أثنوا عليه (1)، ولكن حسبنا في ذمه تخلفه
وكلامه الآنف الذكر. ومن هنا إذا لم تقترن العبادة والزهد بالوعي والعمق فهذه
هي عاقبتها.
توفي في الكوفة أيام عبيد الله بن زياد (2).
فالظاهر أن خواجة ربيع المدفون في خراسان وفي جوار الإمام الرضا (عليه السلام) هو
غير ربيع بن خثيم الذي توفي بالكوفة، ولعله من أصحاب الصادق (عليه السلام).
6487 - الأخبار الطوال - في ذكر مجيء الإمام علي (عليه السلام) إلى صفين -: أجابه جل
الناس إلى المسير، إلا أصحاب عبد الله بن مسعود، وعبيدة السلماني، والربيع بن
خثيم في نحو من أربعمائة رجل من القراء، فقالوا: يا أمير المؤمنين! قد شككنا
في هذا القتال، مع معرفتنا فضلك، ولا غنى بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل
المشركين، فولنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله.
فولاهم ثغر قزوين والري، وولى عليهم الربيع بن خثيم، وعقد له لواء، وكان
أول لواء عقد في الكوفة (3).
6488 - حلية الأولياء عن بلال بن المنذر - بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) -: قال
رجل: إن لم أستخرج اليوم سيئة من الربيع لأحد لم استخرجها أبدا!



(1) رياض العلماء: 2 / 287، مجالس المؤمنين: 1 / 297 وراجع مصباح الشريعة: 106 وص 175 و
445 و 507.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 193، الطبقات لخليفة بن خياط: 238 / 992، صفة الصفوة: 2 / 33.
(3) الأخبار الطوال: 165؛ وقعة صفين: 115.
108
قال [الرجل]: قلت: يا أبا يزيد، قتل ابن فاطمة (عليها السلام)، قال: فاسترجع، ثم تلا
هذه الآية: (قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك
في ما كانوا فيه يختلفون) (1).
قال [الرجل]: قلت: ما تقول؟ قال: ما أقول! إلى الله إيابهم، وعلى الله
حسابهم (2).
36
رشيد الهجري
رشيد الهجري من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الواعين الراسخين (3). وعد من
أصحاب الإمام الحسن (4) والإمام الحسين (عليهما السلام) أيضا (5)، كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يعظمه ويسميه " رشيد البلايا ". واخترقت نظرته الثاقبة النافذة ما وراء عالم
الشهادة، فعرف بعالم " البلايا والمنايا " (6). قال له الإمام (عليه السلام) يوما: كيف صبرك إذا
أرسل إليك دعي بني أمية، فقطع يديك ورجليك ولسانك؟
قال: أيكون آخر ذلك إلى الجنة؟ (7)



(1) الزمر: 46.
(2) حلية الأولياء: 2 / 111.
(3) رجال الطوسي: 63 / 556، رجال الكشي: 1 / 290 / 131، رجال البرقي: 4، الاختصاص: 7؛
شرح نهج البلاغة: 2 / 294.
(4) رجال الطوسي: 94 / 931.
(5) رجال الطوسي: 100 / 978، الاختصاص: 8، رجال البرقي: 7.
(6) رجال الكشي: 1 / 291 / 131، الأمالي للطوسي: 166 / 276 وفيه " رشيد المبتلى "،
الاختصاص: 77، بصائر الدرجات: 264 / 9.
(7) الأمالي للطوسي: 165 / 276، رجال الكشي: 1 / 290 / 131.
109
وهكذا ترجم عظمة الصبر، ودل على صلابته في محبته أمير المؤمنين
صلوات الله عليه. ولما آن ذلك الأوان فعل زياد بن أبيه فعلته، ولم يتنازل رشيد
عن الحق إلى أن استشهد وصلب (1).
6489 - الأمالي للطوسي عن بنت رشيد الهجري عن رشيد الهجري: قال لي
حبيبي أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية
فقطع يديك ورجليك ولسانك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أيكون آخر ذلك إلى
الجنة؟ قال: نعم يا رشيد، وأنت معي في الدنيا والآخرة.
قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد، فدعاه
إلى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأبى أن يتبرأ منه، فقال له ابن زياد: فبأي ميتة
قال لك صاحبك تموت؟
قال: أخبرني خليلي صلوات الله عليه أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرأ،
فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني. فقال: والله لأكذبن صاحبك، قدموه
فاقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه، فقطعوه ثم حملوه إلى منزلنا. فقلت له: يا أبه
جعلت فداك، هل تجد لما أصابك ألما؟ قال: والله لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس.
ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجعون له، فقال: ايتوني بصحيفة ودواة أذكر
لكم ما يكون مما أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام).
فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات
ويسندها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه، فمات من ليلته تلك



(1) الإرشاد: 1 / 325؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 294.
110
رحمه الله (1).
6490 - الإرشاد عن زياد بن النضر الحارثي: كنت عند زياد إذ أتي برشيد
الهجري، فقال له زياد: ما قال لك صاحبك - يعني عليا (عليه السلام) - إنا فاعلون بك؟ قال:
تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني. فقال زياد: أم والله لأكذبن حديثه، خلو سبيله.
فلما أراد أن يخرج قال زياد: والله ما نجد له شيئا شرا مما قال صاحبه،
اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه. فقال رشيد: هيهات، قد بقي لي عندكم شيء
أخبرني به أمير المؤمنين (عليه السلام). قال زياد: اقطعوا لسانه. فقال رشيد: الآن والله جاء
تصديق خبر أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
37
زر بن حبيش
زر بن حبيش بن حباشة الأسدي من الفضلاء والعلماء والقراء المطلعين على
معارف القرآن، وأحد عيون التابعين (3)، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)
الأجلاء (4). وقد شهد الإمام (عليه السلام) بوثاقته. وبلغ حبه ووده للإمام (عليه السلام) درجة أن
أصحاب الرجال عدوه علويا (5).



(1) الأمالي للطوسي: 165 / 276، رجال الكشي: 1 / 290 / 131، الاختصاص: 77.
(2) الإرشاد: 1 / 325، إعلام الورى: 2 / 343؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 294 وراجع رجال الكشي:
1 / 290 / 131 والاختصاص: 78.
(3) الاستيعاب: 2 / 131 / 873، أسد الغابة: 2 / 312 / 1735، الإصابة: 2 / 522 / 2978؛ رجال
الطوسي: 64 / 569..
(4) تاريخ دمشق: 19 / 24، تهذيب التهذيب: 2 / 194 / 2350؛ رجال الطوسي: 64 / 569.
(5) تهذيب الكمال: 9 / 337 / 1976، سير أعلام النبلاء: 4 / 168 / 60، تاريخ دمشق: 19 / 29،
الإصابة: 2 / 523 / 2978.
111
كان بارعا في أدب العرب. ووصفته كتب التراجم بأنه أعرب الناس، وذكرت
أن عبد الله بن مسعود كان يسأله عن العربية (1). قرأ زر القرآن كله على
أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)، وقرأه عاصم عليه (3)، وكان عاصم من القراء السبعة وكبار
علماء الكوفة في القرن الثاني.
عمر زر طويلا، وتوفي حوالي سنة 80 ه‍ (4)، وهو ابن مائة وعشرين سنة (5).
6491 - ميزان الاعتدال عن زر بن حبيش: قرأت القرآن كله على علي (عليه السلام) فلما
بلغت: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات) (6) بكى حتى ارتفع
نحيبه (7).
38
زياد بن أبيه
هو زياد بن سمية؛ وهي أمه، وقبل استلحاقه بأبي سفيان يقال له: زياد بن



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 105، تهذيب الكمال: 9 / 337 / 1976، سير أعلام النبلاء: 4 / 167 / 60،
المعارف لابن قتيبة: 427، الإصابة: 2 / 522 / 2978.
(2) ميزان الاعتدال: 2 / 73 / 2878، المناقب للخوارزمي: 86 / 76.
(3) سير أعلام النبلاء: 4 / 167 / 60، المعارف لابن قتيبة: 530، وفيات الأعيان: 3 / 9، تذكرة
الحفاظ: 1 / 57 / 40.
(4) تاريخ خليفة بن خياط: 222، تاريخ دمشق: 19 / 25.
(5) تاريخ دمشق: 19 / 25، سير أعلام النبلاء: 4 / 168 / 60، الاستيعاب: 2 / 131 / 873،
أسد الغابة: 2 / 312 / 1735.
(6) الشورى: 22.
(7) ميزان الاعتدال: 2 / 73 / 2878، المناقب للخوارزمي: 86 / 76 نحوه.
112
عبيد الثقفي، تحدثنا عنه مجملا في مدخل البحث. كان من الخطباء (1) والساسة.
اشتهر بذكائه المفرط ومكره في ميدان السياسة (2). ولدته سمية، التي كانت بغيا
من أهل الطائف (3) - وكانت تحت عبيد الثقفي (4) - في السنة الأولى من الهجرة (5).
أسلم زياد في خلافة أبي بكر (6). ولفت نظر عمر في عنفوان شبابه بسبب
كفاءته ودهائه السياسي (7)، فأشخصه في أيام خلافته إلى اليمن لتنظيم ما حدث
فيها من اضطراب (8). كان عمر بن الخطاب قد استعمله على بعض صدقات
البصرة أو بعض أعمال البصرة (9).
كان زياد يعيش في البصرة، وعمل كاتبا لولاتها: أبي موسى الأشعري (10)،



(1) الاستيعاب: 2 / 100 / 829، أسد الغابة: 2 / 336 / 1800، سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112،
الإصابة: 2 / 528 / 2994.
(2) الاستيعاب: 2 / 100 / 829، العقد الفريد: 4 / 6، الإصابة: 2 / 528 / 2994.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 219؛ مروج الذهب: 3 / 15، سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112، العقد
الفريد: 4 / 4، الإصابة: 2 / 528 / 2994.
(4) سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112، الإصابة: 2 / 527 / 2994، العقد الفريد: 4 / 4.
(5) تاريخ دمشق: 19 / 163، الاستيعاب: 2 / 100 / 829، سير أعلام النبلاء: 3 / 494 / 112 وفيهما
" ولد عام الهجرة "، الوافي بالوفيات: 15 / 12 / 10، الطبقات الكبرى: 7 / 100، المعارف لابن
قتيبة: 346 وفيهما " ولد عام الفتح بالطائف ".
(6) تاريخ دمشق: 19 / 162، سير أعلام النبلاء: 3 / 494 / 112، الوافي بالوفيات: 15 / 12 / 10،
الإصابة: 2 / 528 / 2994.
(7) تاريخ دمشق: 19 / 166 - 168، أنساب الأشراف: 5 / 198.
(8) الاستيعاب: 2 / 101 / 829.
(9) الاستيعاب: 2 / 100 / 829.
(10) الطبقات الكبرى: 7 / 99، المعارف لابن قتيبة: 346، تاريخ دمشق: 19 / 162 وص 169،
الاستيعاب: 2 / 100 / 829، سير أعلام النبلاء: 3 / 494 / 112، أنساب الأشراف: 5 / 198.
113
والمغيرة بن شعبة (1)، وعبد الله بن عامر (2).
وكان كاتبا (3) ومستشارا (4) لابن عباس في البصرة أيام خلافة الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام). ولما توجه ابن عباس إلى صفين جعله على خراج البصرة
وديوانها وبيت مالها (5).
وعندما امتنع أهل فارس وكرمان من دفع الضرائب، وطردوا واليهم سهل بن
حنيف، استشار الإمام (عليه السلام) أصحابه لإرسال رجل مدبر وسياسي إليهم، فاقترح
ابن عباس زيادا (6)، وأكد جارية بن قدامة هذا الاقتراح (7).
فتوجه زياد إلى فارس وكرمان (8). وتمكن بدهائه السياسي من إخماد نار
الفتنة. وفي تلك الفترة نفسها ارتكب أعمالا ذميمة فاعترض عليه الإمام (عليه السلام) (9).
لم يشترك زياد في حروب الإمام (عليه السلام)، وكان مع الإمام وابنه الحسن المجتبى (عليهما السلام)



(1) تاريخ دمشق: 19 / 169، المعارف لابن قتيبة: 346، سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112،
أنساب الأشراف: 5 / 198.
(2) تاريخ دمشق: 19 / 169.
(3) تاريخ دمشق: 19 / 169 و 170، المعارف لابن قتيبة: 346، سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112،
أنساب الأشراف: 5 / 199.
(4) تاريخ دمشق: 19 / 171.
(5) تاريخ دمشق: 19 / 170، سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112 وفيه " ناب عنه ابن عباس بالبصرة ".
(6) تاريخ الطبري: 5 / 137، الكامل في التاريخ: 2 / 430، البداية والنهاية: 7 / 318.
(7) تاريخ الطبري: 5 / 137، الكامل في التاريخ: 2 / 429.
(8) تاريخ الطبري: 5 / 137، الكامل في التاريخ: 2 / 429، تاريخ خليفة بن خياط: 144 وفيه " وجه
علي زيادا فأرضوه وصالحوه وأدوا الخراج ".
(9) نهج البلاغة: الكتاب 20 و 21.
114
حتى استشهاد الإمام (عليه السلام)، بل حتى الأيام الأولى من حكومة معاوية (1).
ثم زل بمكيدة معاوية، ووقع فيما كان الإمام قد حذره منه (2)، وأصبح أداة
طيعة لمعاوية تماما، من خلال مؤامرة الاستلحاق. وسماه معاوية أخاه (3). وشهد
جماعة على أنه ابن زنا (4). وهكذا أصبح زياد بن أبي سفيان!!
كانت المفاسد والقبائح متأصلة في نفس زياد، وقد أبرز خبث طينته واسوداد
قلبه في بلاط معاوية. ولاه البصرة في بادئ الأمر، ثم صار أميرا على الكوفة
أيضا (5). ولما أحكم قبضته عليهما لم يتورع عن كل ضرب من ضروب الفساد
والظلم (6). وتشدد كثيرا على الناس، خاصة شيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (7)، إذ
سجن الكثيرين منهم في سجون مظلمة ضيقة أو قتلهم (8). وأكره الناس على



(1) العقد الفريد: 4 / 5.
(2) نهج البلاغة: الكتاب 44؛ الاستيعاب: 2 / 101 / 829، أسد الغابة: 2 / 337 / 1800.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 218؛ تاريخ الطبري: 5 / 214، تاريخ دمشق: 19 / 162، سير أعلام النبلاء:
3 / 494 / 112، الاستيعاب: 2 / 101 / 829، أسد الغابة: 2 / 336 / 1800، تاريخ الخلفاء: 235،
العقد الفريد: 4 / 4.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 219؛ مروج الذهب: 3 / 14 و 15، العقد الفريد: 4 / 4، الإصابة:
2 / 528 / 2994، سير أعلام النبلاء: 3 / 495 / 112.
(5) الطبقات الكبرى: 7 / 99، أنساب الأشراف: 5 / 205 وص 207، المعارف لابن قتيبة: 346،
مروج الذهب: 3 / 33 و 34، تاريخ خليفة بن خياط: 156 وص 158، تاريخ دمشق: 19 / 162،
سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112.
(6) أنساب الأشراف: 5 / 216، مروج الذهب: 3 / 35، تاريخ الطبري: 5 / 222، الكامل في التاريخ:
2 / 474، شرح نهج البلاغة: 16 / 204. ولمزيد الاطلاع على حياة زياد بن أبيه راجع: أنساب
الأشراف: 5 / 205 - 250.
(7) المعجم الكبير: 3 / 70 / 2690، الفتوح: 4 / 316، الوافي بالوفيات: 5 / 12 / 10.
(8) تاريخ دمشق: 19 / 202، مروج الذهب: 3 / 35، سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112.
115
البراءة من الإمام (عليه السلام) (1) وسبه (2) مصرا على ذلك.
هلك زياد بالطاعون (3) سنة 53 ه‍ (4) وهو ابن 53 (5) سنة، بعد عقد من الجور
والعدوان والنهب ونشر القبائح وإشاعة الرجس والفحشاء، وخلف من هذه
الشجرة الخبيثة ثمرة خبيثة تقطر قبحا، وهو عبيد الله الذي فاق أباه في الكشف
عن سوء سريرته وظلمه لآل علي (عليه السلام) وشيعته.
كان زياد نموذجا واضحا للسياسي الذي له دماغ مفكر، ولكن ليس له قلب
وعاطفة قط!!
كان الشره، والعبث، والنفاق في معاملة الناس من صفاته التي أشار إليها
الإمام (عليه السلام) في رسالة موقظة منبهة (6).
كان زياد عظيما عند طلاب الدنيا الذين يعظم في عيونهم زبرجها وبهرجها؛
ولذا مدحوه بالذكاء الحاد والمكانة السامية (7). بيد أن نظرة إلى ما وراء ذلك تدلنا
على أنه لم يرعو من كل رجس ودنس وقبح وخبث، حتى من تغيير نسبه أيضا.



(1) تاريخ دمشق: 19 / 203، سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112.
(2) مروج الذهب: 3 / 35.
(3) أنساب الأشراف: 5 / 288، تاريخ دمشق: 19 / 203، سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112،
الوافي بالوفيات: 15 / 13 / 10، وفيات الأعيان: 2 / 462.
(4) الطبقات الكبرى: 7 / 100، الطبقات لخليفة بن خياط: 328 / 1516، المعارف لابن قتيبة: 346،
تاريخ دمشق: 19 / 207، سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112، الوافي بالوفيات: 15 / 13 / 10،
أسد الغابة: 2 / 337 / 1800.
(5) تاريخ خليفة بن خياط: 166، الاستيعاب: 2 / 100 / 829.
(6) تاريخ اليعقوبي: 2 / 204، نثر الدر: 1 / 321.
(7) الاستيعاب: 2 / 100 / 829، أسد الغابة: 2 / 337 / 1800.
116
6492 - سير أعلام النبلاء - في ذكر زياد بن أبيه -: هو زياد بن عبيد الثقفي، وهو
زياد بن سمية وهي أمه، وهو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه
أخوه.
كانت سمية مولاة للحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب.
يكنى أبا المغيرة.
له إدراك، ولد عام الهجرة، وأسلم زمن الصديق وهو مراهق، وهو أخو
أبي بكرة الثقفي الصحابي لأمه، ثم كان كاتبا لأبي موسى الأشعري زمن إمرته
على البصرة....
وكان كاتبا بليغا، كتب أيضا للمغيرة ولابن عباس، وناب عنه بالبصرة.
يقال: إن أبا سفيان أتى الطائف، فسكر، فطلب بغيا، فواقع سمية، وكانت
مزوجة بعبيد، فولدت من جماعه زيادا، فلما رآه معاوية من أفراد الدهر،
استعطفه وادعاه، وقال: نزل من ظهر أبي.
ولما مات علي (عليه السلام)، كان زياد نائبا له على إقليم فارس (1).
6493 - الاستيعاب - في ذكر زياد بن أبيه -: كان رجلا عاقلا في دنياه، داهية
خطيبا، له قدر وجلالة عند أهل الدنيا (2).
6494 - أسد الغابة: كان عظيم السياسة، ضابطا لما يتولاه (3).
6495 - تاريخ اليعقوبي: كان [المغيرة] يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها:



(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 494 / 112.
(2) الاستيعاب: 2 / 100 / 829.
(3) أسد الغابة: 2 / 337 / 1800.
117
أم جميل، زوجة الحجاج بن عتيك الثقفي، فاستراب به جماعة من المسلمين،
فرصده أبو بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد وزياد بن عبيد، حتى دخل
إليها فرفعت الريح الستر فإذا به عليها، فوفد على عمر، فسمع عمر صوت
أبي بكرة وبينه وبينه حجاب، فقال: أبو بكرة! قال: نعم. قال: لقد جئت ببشر؟
قال: إنما جاء به المغيرة.
ثم قص عليه القصة.
فبعث عمر أبا موسى الأشعري عاملا مكانه، وأمره أن يشخص المغيرة، فلما
قدم عليه جمع بينه وبين الشهود، فشهد الثلاثة، وأقبل زياد، فلما رآه عمر قال:
أرى وجه رجل لا يخزي الله به رجلا من أصحاب محمد، فلما دنا قال: ما عندك
يا سلح العقاب؟ قال: رأيت أمرا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا، ورأيت أرجلا
مختلفة، ولم أر الذي مثل الميل في المكحلة.
فجلد عمر أبا بكرة، ونافعا، وشبل بن معبد، فقام أبو بكرة وقال: أشهد أن
المغيرة زان، فأراد عمر أن يجلده ثانية، فقال له: علي إذا توفي صاحبك حجارة.
وكان عمر إذا رأى المغيرة قال: يا مغيرة، ما رأيتك قط إلا خشيت أن يرجمني
الله بالحجارة (1).
6496 - الاستيعاب: بعث عمر بن الخطاب زيادا في إصلاح فساد وقع باليمن،



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 146؛ تاريخ دمشق: 60 / 35 - 39 نحوه، تاريخ الطبري: 4 / 69 - 72،
الأغاني: 16 / 103 - 110 وفيه عن الشعبي " كانت أم جميل بنت عمر - التي رمي بها المغيرة بن شعبة -
بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها، فيقضيها لها، قال: ووافقت عمر بالموسم والمغيرة هناك،
فقال له عمر: أتعرف هذه؟ قال: نعم، هذه أم كلثوم بنت علي. فقال له عمر: أتتجاهل علي؟! والله ما
أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء ".
118
فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال عمرو بن العاص: أما
والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه.
فقال أبو سفيان بن حرب: والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه.
فقال له علي بن أبي طالب: ومن هو يا أبا سفيان؟
قال: أنا.
قال: مهلا يا أبا سفيان.
فقال أبو سفيان:
أما والله لولا خوف شخص * يراني يا علي من الأعادي
لأظهر أمره صخر بن حرب * ولم تكن المقالة عن زياد
وقد طالت مجاملتي ثقيفا * وتركي فيهم ثمر الفؤاد (1)
6497 - تاريخ دمشق عن الشعبي: أقام علي (عليه السلام) بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين
ليلة، ثم أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد الله بن عباس على البصرة، قال: فلم يزل
ابن عباس على البصرة حتى سار إلى صفين. ثم استخلف أبا الأسود الديلي على
الصلاة بالبصرة، واستخلف زيادا على الخراج وبيت المال والديوان، وقد كان
استكتبه قبل ذلك، فلم يزالا على البصرة حتى قدم من صفين (2).
6498 - شرح نهج البلاغة: فأما أول ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عباس له
على البصرة في خلافة علي (عليه السلام)، وبلغت عليا عنه هنات، فكتب إليه يلومه
ويؤنبه؛ فمنها الكتاب الذي ذكر الرضي بعضه وقد شرحنا فيما تقدم ما ذكر



(1) الاستيعاب: 2 / 101 / 829، أسد الغابة: 2 / 336 / 1800 نحوه وليس فيه الأبيات، الوافي
بالوفيات: 15 / 10 / 10 وراجع تاريخ دمشق: 19 / 174 والعقد الفريد: 4 / 4.
(2) تاريخ دمشق: 19 / 170.
119
الرضي منه.
وكان علي (عليه السلام) أخرج إليه سعدا مولاه يحثه على حمل مال البصرة إلى الكوفة،
وكان بين سعد وزياد ملاحاة ومنازعة، وعاد سعد وشكاه إلى علي (عليه السلام) وعابه،
فكتب علي (عليه السلام) إليه:
أما بعد، فإن سعدا ذكر أنك شتمته ظلما، وهددته وجبهته تجبرا وتكبرا، فما
دعاك إلى التكبر وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الكبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه
قصمه ".
وقد أخبرني أنك تكثر من الألوان المختلفة في الطعام في اليوم الواحد،
وتدهن كل يوم، فما عليك لو صمت لله أياما، وتصدقت ببعض ما عندك
محتسبا، وأكلت طعامك مرارا قفارا، فإن ذلك شعار الصالحين! أفتطمع وأنت
متمرغ في النعيم؟! تستأثر به على الجار والمسكين والضعيف والفقير والأرملة
واليتيم، أن يحسب لك أجر المتصدقين!
وأخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار، وتعمل عمل الخاطئين، فإن كنت تفعل
ذلك فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت، فتب إلى ربك يصلح لك عملك، واقتصد
في أمرك، وقدم إلى ربك الفضل ليوم حاجتك، وادهن غبا (1)، فإني سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " ادهنوا غبا ولا تدهنوا رفها (2) " (3).
6499 - تاريخ اليعقوبي: وجه [علي (عليه السلام)] رجلا من أصحابه إلى بعض عماله



(1) الغب: الإتيان في اليومين، وقال الحسن: في كل أسبوع (لسان العرب: 1 / 635 و 636).
(2) الرفه: كثرة التدهن والتنعم (النهاية: 2 / 247).
(3) شرح نهج البلاغة: 16 / 196؛ نثر الدر: 1 / 321 نحوه.
120
مستحثا، فاستخف به فكتب إليه: أما بعد، فإنك شتمت رسولي وزجرته، وبلغني
أنك تبخر وتكثر الأدهان وألوان الطعام، وتتكلم على المنبر بكلام الصديقين،
وتفعل إذا نزلت أفعال المحلين، فإن يكن ذلك كذلك فنفسك ضررت وأدبي
تعرضت.
ويحك أن تقول العظمة والكبرياء ردائي، فمن نازعنيهما سخطت عليه! بل ما
عليك أن تدهن رفيها، فقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك؟! وما حملك أن تشهد الناس
عليك بخلاف ما تقول، ثم على المنبر حيث يكثر عليك الشاهد، ويعظم مقت الله
لك، بل كيف ترجو وأنت متهوع في النعيم جمعته من الأرملة واليتيم، أن يوجب
الله لك أجر الصالحين؟! بل ما عليك، ثكلتك أمك، لو صمت لله أياما، وتصدقت
بطائفة من طعامك، فإنها سيرة الأنبياء وأدب الصالحين، أصلح نفسك وتب من
ذنبك وأد حق الله عليك، والسلام (1).
6500 - تاريخ الطبري عن الشعبي: لما انتقض أهل الجبال وطمع أهل الخراج
في كسره، وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس - وكان عاملا عليها لعلي (عليه السلام) - قال
ابن عباس لعلي: أكفيك فارس.
فقدم ابن عباس البصرة، ووجه زيادا إلى فارس في جمع كثير، فوطئ بهم
أهل فارس، فأدوا الخراج (2).
6501 - تاريخ الطبري عن علي بن كثير: إن عليا استشار الناس في رجل يوليه
فارس حين امتنعوا من أداء الخراج، فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 202.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 137، البداية والنهاية: 7 / 318 نحوه.
121
أمير المؤمنين على رجل صليب الرأي، عالم بالسياسة، كاف لما ولي؟
قال: من هو؟
قال: زياد.
قال: هو لها.
فولاه فارس وكرمان، ووجهه في أربعة آلاف، فدوخ تلك البلاد حتى
استقاموا (1).
6502 - شرح نهج البلاغة عن علي بن محمد المدائني: لما كان زمن علي (عليه السلام) ولى
زيادا فارس أو بعض أعمال فارس، فضبطها ضبطا صالحا، وجبى خراجها
وحماها، وعرف ذلك معاوية، فكتب إليه: أما بعد، فإنه غرتك فلاع تأوي إليها
ليلا، كما تأوي الطير إلى وكرها، وأيم الله، لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان
لك مني ما قاله العبد الصالح: (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم
صاغرون) (2).
وكتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته:
تنسى أباك وقد شالت نعامته * إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر
فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس، وقال: العجب من ابن آكلة
الأكباد، ورأس النفاق! يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوج سيدة
نساء العالمين، وأبو السبطين، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مائة ألف
من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان! أما والله لو تخطى هؤلاء



(1) تاريخ الطبري: 5 / 137، الكامل في التاريخ: 2 / 429، البداية والنهاية: 7 / 321 كلاهما نحوه.
(2) النمل: 37.
122
أجمعين إلي لوجدني أحمر مخشا ضرابا بالسيف.
ثم كتب إلى علي (عليه السلام)، وبعث بكتاب معاوية في كتابه.
فكتب إليه علي (عليه السلام)، وبعث بكتابه:
أما بعد، فإني قد وليتك ما وليتك وأنا أراك لذلك أهلا، وإنه قد كانت من
أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس، لم تستوجب بها
ميراثا، ولم تستحق بها نسبا، وإن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين
يديه وعن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره، ثم احذره، ثم احذره،
والسلام (1).
6503 - أنساب الأشراف: كتب معاوية إلى زياد يتوعده ويتهدده، فخطب الناس
فقال: أيها الناس، كتب إلي ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، وبقية الأحزاب،
يتوعدني، وبيني وبينه ابن عم رسول الله في سبعين ألفا، قبائع سيوفهم عند
أذقانهم، لا يلتفت أحد منهم حتى يموت، أما والله لئن وصل هذا الأمر إليه
ليجدني ضرابا بالسيف (2).
6504 - أسد الغابة: لما ولي زياد بلاد فارس لعلي، كتب إليه معاوية يعرض له
بذلك ويتهدده إن لم يطعه، فأرسل زياد الكتاب إلى علي، وخطب الناس وقال:
عجبت لابن آكلة الأكباد، يتهددني، وبيني وبينه ابن عم رسول الله في المهاجرين
والأنصار.



(1) شرح نهج البلاغة: 16 / 181، أسد الغابة: 2 / 337 / 1800، تاريخ دمشق: 19 / 175 و 176
كلاهما نحوه وراجع الاستيعاب: 2 / 101 / 829.
(2) أنساب الأشراف: 5 / 199، تاريخ الطبري: 5 / 170 نحوه؛ وقعة صفين: 366 وراجع المعارف
لابن قتيبة: 346 والغارات: 2 / 647.
123
فلما وقف على كتابه علي (عليه السلام) كتب إليه: إنما وليتك ما وليتك وأنت عندي أهل
لذلك، ولن تدرك ما تريد إلا بالصبر واليقين، وإنما كانت من أبي سفيان فلتة زمن
عمر لا تستحق بها نسبا ولا ميراثا، وإن معاوية يأتي المرء من بين يديه ومن
خلفه، فاحذره، والسلام (1).
6505 - نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام) إلى زياد بن أبيه، وقد بلغه أن معاوية كتب
إليه يريد خديعته باستلحاقه: وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك،
ويستفل غربك (2)، فاحذره فإنما هو الشيطان، يأتي المرء من بين يديه ومن
خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرته.
وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس،
ونزغة من نزغات الشيطان: لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث، والمتعلق
بها كالواغل المدفع (3)، والنوط المذبذب (4).
فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها ورب الكعبة، ولم تزل في نفسه حتى
ادعاه معاوية (5).
6506 - تاريخ الخلفاء: وفي سنة ثلاث وأربعين... استلحق (6) معاوية زياد بن



(1) أسد الغابة: 2 / 337 / 1800 وراجع تاريخ دمشق: 19 / 175 و 176 والاستيعاب: 2 / 101 / 829.
(2) الغرب: الحدة والشوكة (النهاية: 3 / 351).
(3) الواغل المدفع: الذي يهجم على الشراب ليشرب معهم وليس منهم، فلا يزال مدفعا بينهم (النهاية:
5 / 209).
(4) النوط المذبذب: أراد ما يناط برحل الراكب من قعب أو غيره، فهو أبدا يتحرك (النهاية: 5 / 128).
(5) نهج البلاغة: الكتاب 44.
(6) في المصدر: " استخلف "، والصحيح ما أثبتناه.
124
أبيه، وهي أول قضية غير فيها حكم النبي عليه الصلاة والسلام في الإسلام (1).
6507 - تاريخ دمشق عن سعيد بن المسيب: أول من رد قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
دعوة معاوية (2).
6508 - تاريخ دمشق عن ابن أبي نجيع: أول حكم رد من حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الحكم في زياد (3).
6509 - تاريخ دمشق عن عمرو بن نعجة: أول ذل دخل على العرب قتل الحسين
وادعاء زياد (4).
6510 - مروج الذهب: لما هم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان أبيه - وذلك في
سنة أربع وأربعين - شهد عنده زياد بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة
السلولي والمنذر بن الزبير بن العوام: أن أبا سفيان أخبر أنه ابنه... ثم زاده يقينا
إلى ذلك شهادة أبي مريم السلولي، وكان أخبر الناس ببدء الأمر، وذلك أنه جمع
بين أبي سفيان وسمية أم زياد في الجاهلية على زنى.
وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة إلى الحارث بن كلدة،
وكانت تنزل بالموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف خارجا عن الحضر في محلة
يقال لها: حارة البغايا (5).
6511 - تاريخ اليعقوبي: كان زياد بن عبيد عامل علي بن أبي طالب على



(1) تاريخ الخلفاء: 235.
(2) تاريخ دمشق: 19 / 179.
(3) تاريخ دمشق: 19 / 179.
(4) تاريخ دمشق: 19 / 179.
(5) مروج الذهب: 3 / 14.
125
فارس، فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتوعده ويتهدده، فقام زياد خطيبا،
فقال: إن ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، وبقية الأحزاب، كتب يتوعدني
ويتهددني، وبيني وبينه ابنا بنت رسول الله في تسعين ألفا، واضعي قبائع سيوفهم
تحت أذقانهم، لا يلتفت أحدهم حتى يموت، أما والله لئن وصل إلي ليجدني
أحمز، ضرابا بالسيف.
فوجه معاوية إليه المغيرة بن شعبة، فأقدمه ثم ادعاه، وألحقه بأبي سفيان،
وولاه البصرة، وأحضر زياد شهودا أربعة، فشهد أحدهم أن علي بن أبي طالب
أعلمه أنهم كانوا جلوسا عند عمر بن الخطاب حين أتاه زياد برسالة أبي موسى
الأشعري، فتكلم زياد بكلام أعجبه، فقال: أكنت قائلا للناس هذا على المنبر؟
قال: هم أهون علي منك يا أمير المؤمنين، فقال أبو سفيان: والله لهو ابني، ولأنا
وضعته في رحم أمه. قلت: فما يمنعك من ادعائه؟ قال: مخافة هذا العير (1)
الناهق.
وتقدم آخر فشهد على هذه الشهادة. قال زياد الهمداني: لما سأله زياد كيف
قولك في علي؟ قال: مثل قولك حين ولاك فارس، وشهد لك أنك ابن
أبي سفيان.
وتقدم أبو مريم السلولي فقال: ما أدري ما شهادة علي، ولكني كنت خمارا
بالطائف، فمر بي أبو سفيان منصرفا من سفر له، فطعم وشرب، ثم قال: يا
أبا مريم طالت الغربة، فهل من بغي؟ فقلت: ما أجد لك إلا أمة بني عجلان. قال:



(1) العير: الحمار الوحشي (النهاية: 3 / 328).
126
فأتني بها على ما كان من طول ثدييها ونتن رفغها (1)، فأتيته بها، فوقع عليها، ثم
رجع إلي فقال لي: يا أبا مريم، لاستلت ماء ظهري استلالا تثيب ابن الحبل في
عينها.
فقال له زياد: إنما أتينا بك شاهدا، ولم نأت بك شاتما. قال: أقول الحق على
ما كان، فأنفذ معاوية... (2) قال: ما قد بلغكم وشهد بما سمعتم، فإن كان ما قالوا
حقا، فالحمد لله الذي حفظ مني ما ضيع الناس، ورفع مني ما وضعوا، وإن كان
باطلا، فمعاوية والشهود أعلم، وما كان عبيد إلا والدا مبرورا مشكورا (3).
6512 - تاريخ دمشق عن هشام بن محمد عن أبيه: كان سعيد بن سرح مولى
حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها
أخافه، وطلبه زياد، فأتى الحسن بن علي، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته
فحبسهم، وأخذ ماله، وهدم داره.
فكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد، أما بعد، فإنك عمدت
إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله
وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله،
فإني قد أجرته، فشفعني فيه.
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد، فقد
أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سوقة،



(1) الرفغ بالضم والفتح: واحد الأرفاغ، وهي أصول المغابن كالآباط والحوالب، وغيرها من مطاوي
الأعضاء، وما يجتمع فيه من الوسخ والعرق (النهاية: 2 / 244).
(2) بياض في المصدر.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 218 وراجع الفخري: 109 وأنساب الأشراف: 5 / 199 - 203.
127
كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله، وشر من ذلك توليه أباك وإياك، وقد علمت
أنك قد أويته إقامة منك على سوء الرأي، ورضا منك بذلك، وأيم الله لا تسبقني
به ولو كان بين جلدك ولحمك. وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك،
فإن أحب لحم إلي آكله للحم الذي أنت منه، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به
منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك.
فلما قرأ الحسن (عليه السلام) الكتاب تبسم، وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح،
وكتابه إلى زياد فيه، وإجابة زياد إياه، ولف كتابه في كتابه، وبعث به إلى معاوية.
وكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية: " الولد
للفراش وللعاهر الحجر " فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية، وقرأ معاوية
الكتاب ضاقت به الشام، وكتب إلى زياد: أما بعد، فإن الحسن بن علي بعث
بكتابك إلي جواب كتابه إليك في ابن سرح، فأكثرت التعجب منك، وعلمت أن
لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان
فحلم وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون رأي مثلها؟ ومن ذلك كتابك إلى
الحسن تشتم أباه، وتعرض له بالفسق، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن،
ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه.
وإن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك، وإن ذلك لم يضعك، وأما تركك تشفيعه
فيما شفع فيه إليك فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك.
فإذا قدم عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن سرح، وابن له داره،
ولا تعرض له، واردد عليه ماله، فقد كتبت إلى الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء
أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان، وأما
كتابك إلى الحسن باسمه ولا تنسبه إلى أبيه فإن الحسن ويلك من لا يرمى به

128
الرجوان (1)! أفإلى أمه وكلته! لا أم لك؟! هي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)! وتلك
أفخر له، إن كنت تعقل.
وكتب في أسفل الكتاب:
تدارك ما ضيعت من بعد خبرة * وأنت أريب بالأمور خبير
أما حسن بابن الذي كان قبله * إذا سار سار الموت حيث يسير
وهل يلد الرئبال إلا نظيره * فذا حسن شبه له ونظير
ولكنه لو يوزن الحلم والحجى * برأي لقالوا فاعلمن ثبير (2)
6513 - تاريخ الطبري عن مسلمة والهذلي وغيرهما: إن معاوية استعمل زيادا
على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، وقدم
البصرة في آخر شهر ربيع الآخر - أو غرة جمادى الأولى - سنة خمس، والفسق
بالبصرة ظاهر فاش، فخطب خطبة بتراء، لم يحمد الله فيها:
إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف،
وشدة في غير جبرية وعنف، وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي، والمقيم
بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم
أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر تبقى
مشهورة، فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مني
فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي أمثالها من بيت منكم فأنا ضامن لما ذهب له.
إياي ودلج الليل، فإني لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر



(1) مثل يضرب لمن لا يخدع فيزال عن وجه إلى وجه، وأصله الدلو يرمى بهارجو البئر
(أساس البلاغة: 157).
(2) تاريخ دمشق: 19 / 198.
129
ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إلي. وإياي ودعوى الجاهلية، فإني لا أجد أحدا
دعا بها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنب
عقوبة، فمن غرق قوما غرقته، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب بيتا نقبت
عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف
يدي وأذاي، لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه (1).
6514 - تاريخ الطبري عن مسلمة: استعمل زياد على شرطته عبد الله بن حصن،
فأمهل الناس حتى بلغ الخبر الكوفة، وعاد إليه وصول الخبر إلى الكوفة، وكان
يؤخر العشاء حتى يكون آخر من يصلي ثم يصلي، يأمر رجلا فيقرأ سورة البقرة
ومثلها، يرتل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانا يبلغ الخريبة، ثم يأمر
صاحب شرطته بالخروج، فيخرج ولا يرى إنسانا إلا قتله.
قال: فأخذ ليلة أعرابيا، فأتى به زيادا فقال: هل سمعت النداء؟ قال: لا والله،
قدمت بحلوبة (2) لي، وغشيني الليل، فاضطررتها إلى موضع، فأقمت لأصبح،
ولا علم لي بما كان من الأمير.
قال: أظنك والله صادقا، ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة، ثم أمر به فضربت
عنقه.
وكان زياد أول من شد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وألزم الناس
الطاعة، وتقدم في العقوبة، وجرد السيف، وأخذ بالظنة، وعاقب على الشبهة،



(1) تاريخ الطبري: 5 / 217، الكامل في التاريخ: 2 / 472، العقد الفريد: 3 / 153، شرح نهج البلاغة:
16 / 201، أنساب الأشراف: 5 / 215 و 216 وفيه من " إني أقسم بالله... " وفيه " كتب زياد كتابا
قرئ على أهل المصر نسخته " وراجع تاريخ دمشق: 19 / 179.
(2) حلوبة: أي شاة تحلب (النهاية: 1 / 422).
130
وخافه الناس في سلطانه خوفا شديدا، حتى أمن الناس بعضهم بعضا، حتى كان
الشيء يسقط من الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه،
وتبيت المرأة فلا تغلق عليها بابها، وساس الناس سياسة لم ير مثلها، وهابه
الناس هيبة لم يهابوها أحدا قبله، وأدر العطاء، وبنى مدينة الرزق (1).
6515 - شرح نهج البلاغة عن الشعبي - في ذكر سلطة زياد على البصرة -: فصبح
على باب القصر تلك الليلة سبعمائة رأس، ثم خرج الليلة الثانية فجاء بخمسين
رأسا، ثم خرج الليلة الثالثة فجاء برأس واحد، ثم لم يجئ بعدها بشيء، وكان
الناس إذا صلوا العشاء الآخرة أحضروا إلى منازلهم شدا حثيثا، وقد يترك بعضهم
نعاله (2).
6516 - مروج الذهب: قد كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم
على لعن علي، فمن أبى ذلك عرضه على السيف (3).
6517 - المعجم الكبير عن الحسن: كان زياد يتتبع شيعة علي (عليه السلام) فيقتلهم، فبلغ
ذلك الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: اللهم تفرد بموته فإن القتل كفارة (4).
6518 - سير أعلام النبلاء عن الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زيادا يتتبع
شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه.
وقيل: إنه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن، فأصابه



(1) تاريخ الطبري: 5 / 221، الكامل في التاريخ: 2 / 474 نحوه، أنساب الأشراف: 5 / 219 وفيه من
" كان يؤخر العشاء " إلى " إلا قتله " وراجع ص 206 و 225.
(2) شرح نهج البلاغة: 16 / 204 وراجع أنساب الأشراف: 5 / 206.
(3) مروج الذهب: 3 / 35، تاريخ دمشق: 19 / 203 عن عبد الرحمن بن السائب نحوه.
(4) المعجم الكبير: 3 / 70 / 2690.
131
حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين (1).
راجع: القسم الخامس عشر / عدة من مبغضيه / زياد بن أبيه.
39
زياد بن النضر
زياد بن النضر الحارثي، كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) الأجلاء، ومن
أعوانه المخلصين، وأحد أمراء الجيش (3)، وتدل أقواله ومواقفه في صفين
وغيرها من المشاهد على أنه كان ذا وعي عميق ومعرفة رفيعة بشخصية المولى
أمير المؤمنين (عليه السلام).
أشار في موقف من مواقفه إلى سبق الإمام (عليه السلام) في الإيمان، ومنزلته العالية عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأكد على القتال في صفين من خلال تصوير دقيق (4).
كان من رؤساء الكوفيين الذين قدموا المدينة للاحتجاج على عثمان (5).
وكان من أمراء جيش الإمام علي (عليه السلام)، وتولى في صفين قيادة " مقدمة الجيش "
مع شريح بن هاني (6)، ولما صاروا في مقابل العدو، أمر عليهما الإمام مالك



(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 496 / 112، تاريخ دمشق: 19 / 202 نحوه وزاد فيه " اللهم لا تقتلن زيادا
وأمته حتف أنفه " بعد " فدعا عليه " وراجع ص 203 و 204.
(2) رجال الطوسي: 65 / 583.
(3) وقعة صفين: 214؛ تاريخ الطبري: 5 / 12.
(4) وقعه صفين: 101.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 349، تاريخ دمشق: 19 / 245، أنساب الأشراف: 6 / 157.
(6) وقعة صفين: 122 و 123؛ تاريخ الطبري: 4 / 565 و 566.
132
الأشتر (1). كان زياد صاحب لواء قبيلة مذحج في المعركة (2)، وكانت له صولات
عظيمة في معارك ذي الحجة (3). وأوفده الإمام (عليه السلام) لمفاوضة أصحاب النهروان
قبل الحرب (4).
أجل، لقد كان طاهر القلب، شجاعا، خيرا كريما، مطيعا مخلصا لأمير
المؤمنين (عليه السلام).
40
زيد بن صوحان
زيد بن صوحان بن حجر العبدي أخو صعصعة وسيحان. كان خطيبا (5)
مصقعا وشجاعا ثابت الخطى (6)، وكان من العظماء، والزهاد، والأبدال (7)، ومن
أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الأوفياء (8).
أسلم في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) فعد من الصحابة (9). وله وفادة على النبي (صلى الله عليه وآله) (10).



(1) وقعة صفين: 153؛ تاريخ الطبري: 4 / 567.
(2) وقعة صفين: 118 وص 121.
(3) وقعة صفين: 195؛ تاريخ الطبري: 4 / 574.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 65.
(5) تاريخ دمشق: 19 / 440، البرصان والعرجان: 399.
(6) رجال الطوسي: 64 / 566؛ البرصان والعرجان: 399.
(7) تاريخ بغداد: 8 / 439 / 4549، سير أعلام النبلاء: 3 / 525 / 133، الاستيعاب: 2 / 124 / 857،
أسد الغابة: 2 / 364 / 1848، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 509.
(8) رجال الطوسي: 64 / 566.
(9) سير أعلام النبلاء: 3 / 525 / 133، الاستيعاب: 2 / 124 / 857، أسد الغابة: 2 / 364 / 1848.
(10) تاريخ دمشق: 19 / 429.
133
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكره بخير، ويقول:
" من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن
صوحان " (1).
وتحقق هذا الكلام النبوي الذي كان فضيلة عظيمة لزيد في حرب
جلولاء (2) (3).
وكان لزيد لسان ناطق بالحق مبين للحقائق، فلم يطق عثمان وجوده بالكوفة
فنفاه إلى الشام (4). وعندما بلور الثوار تحركهم المناهض لعثمان، التحق بهم أهل
الكوفة في أربع مجاميع؛ كان زيد على رأس أحدها (5). واشترك في حرب
الجمل (6)، وأخبر بشهادته (7). كتبت إليه عائشة تدعوه إلى نصرتها، فلما قرأ
كتابها نطق بكلام رائع نابه، فقال: " أمرت بأمر وأمرنا بغيره، فركبت ما أمرنا به،
وأمرتنا أن نركب ما أمرت هي به! أمرت أن تقر في بيتها، وأمرنا أن نقاتل حتى



(1) مسند أبي يعلى: 1 / 266 / 507، تاريخ بغداد: 8 / 440 / 4549، تاريخ دمشق: 19 / 434 و
435، الطبقات الكبرى: 6 / 123 وفيه " تقطع يده في سبيل الله، ثم يتبع الله آخر جسده بأوله " وكلها
عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي عن الإمام علي (عليه السلام).
(2) جلولاء: طسوج من طساسيج السواد في طريق خراسان، والطسوج: الناحية (معجم البلدان:
2 / 156).
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 123، سير أعلام النبلاء: 3 / 526 / 133، المعارف لابن قتيبة: 402،
الاستيعاب: 2 / 125 / 857.
(4) أنساب الأشراف: 6 / 155، الطبقات الكبرى: 6 / 124، تاريخ الطبري: 4 / 326، تاريخ دمشق:
19 / 429.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 349، تاريخ دمشق: 19 / 245.
(6) الاستيعاب: 2 / 125 / 857، أسد الغابة: 2 / 364 / 1848، سير أعلام النبلاء: 3 / 526 / 133.
(7) سير أعلام النبلاء: 3 / 526 / 133، الطبقات الكبرى: 6 / 123.
134
لا تكون فتنة، والسلام " (1).
كان لسانا ناطقا معبرا في الدفاع عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان له باع في دعمه
وحمايته. وخاطبه الإمام (عليه السلام) عندما جلس عند رأسه قائلا: " رحمك الله يا زيد قد
كنت خفيف المؤونة، عظيم المعونة " (2).
6519 - تاريخ دمشق عن أبي سليمان: لما ورد علينا سلمان الفارسي أتيناه
نستقرئه القرآن، فقال: إن القرآن عربي فاستقرئوه رجلا عربيا. وكان يقرئنا زيد
بن صوحان، ويأخذ عليه سلمان، فإذا أخطأ رد عليه سلمان (3).
6520 - تاريخ دمشق عن أبي قدامة: كان سلمان علينا بالمدائن، وهو أميرنا،
فقال: إنا أمرنا أن لا نؤمكم، تقدم يا زيد، فكان زيد بن صوحان يؤمنا
ويخطبنا (4).
6521 - الطبقات الكبرى عن ملحان بن ثروان: إن سلمان كان يقول لزيد بن
صوحان يوم الجمعة: قم فذكر قومك (5).
6522 - تاريخ بغداد عن حميد بن هلال: كان زيد بن صوحان يقوم الليل ويصوم
النهار، وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها، فإن كان ليكرهها إذا جاءت مما كان يلقى
فيها، فبلغ سلمان ما كان يصنع، فأتاه فقال: أين زيد؟ قالت امرأته: ليس ها هنا،



(1) رجال الكشي: 1 / 284 / 120؛ تاريخ الطبري: 4 / 476، الكامل في التاريخ: 2 / 319 كلاهما
نحوه.
(2) رجال الكشي: 1 / 284 / 119، الاختصاص: 79.
(3) تاريخ دمشق: 19 / 439.
(4) تاريخ دمشق: 19 / 439 وراجع الطبقات الكبرى: 6 / 124.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 124، تاريخ دمشق: 19 / 440.
135
قال: فإني أقسم عليك لما صنعت طعاما، ولبست محاسن ثيابك، ثم بعثت إلى
زيد.
قال: فجاء زيد، فقرب الطعام، فقال سلمان: كل يا زييد، قال: إني صائم،
قال: كل يا زييد لا ينقص - أو تنقص - دينك، إن شر السير الحقحقة (1)، إن لعينك
عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لزوجتك عليك حقا، كل يا زييد، فأكل
وترك ما كان يصنع (2).
6523 - الطبقات الكبرى عن ابن أبي الهذيل: دعا عمر بن الخطاب زيد بن
صوحان فضفنه (3) على الرحل كما تضفنون أمراءكم، ثم التفت إلى الناس فقال:
اصنعوا هذا بزيد وأصحاب زيد (4).
6524 - الطبقات الكبرى عن عبد الله بن أبي الهذيل: إن وفد أهل الكوفة قدموا
على عمر وفيهم زيد بن صوحان... وجعل عمر يرحل لزيد، وقال: يا أهل
الكوفة، هكذا فاصنعوا بزيد وإلا عذبتكم (5).
6525 - الطبقات الكبرى عن إبراهيم: كان زيد بن صوحان يحدث، فقال
أعرابي: إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني. فقال: أو ما تراها الشمال؟



(1) الحقحقة: شدة السير، وشر السير الحقحقة هو إشارة إلى الرفق في العبادة، يعني عليك بالقصد في
العبادة ولا تحمل على نفسك فتسأم (لسان العرب: 10 / 57).
(2) تاريخ بغداد: 8 / 439 / 4549، تاريخ دمشق: 19 / 440.
(3) الضفن: ضفن الشيء على ناقته: حمل إياه عليها (تاج العروس: 18 / 347).
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 124، سير أعلام النبلاء: 3 / 527 / 133، تاريخ دمشق: 19 / 438.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 124، سير أعلام النبلاء: 3 / 526 / 133، تاريخ دمشق: 19 / 438 وليس
فيه " وإلا عذبتكم ".
136
فقال: والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال.
فقال زيد: صدق الله (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله
على رسوله) (1) (2).
6526 - البرصان والعرجان: زيد بن صوحان العبدي، الخطيب الفارس القائد،
وفي الحديث المرفوع: " يسبقه عضو منه إلى الجنة ". وزيد هو الذي قال لعلي بن
أبي طالب رحمة الله عليهما: إني مقتول غدا.
قال: ولم؟
قال: رأيت يدي في المنام حتى نزلت من السماء، فاستشلت يدي.
فلما قتله عمير بن يثربي مبارزة، ومر به علي بن أبي طالب وهو مقتول فوقف
[وقال]: أما والله ما علمتك إلا حاضر المعونة، خفيف المؤونة (3).
6527 - الإمام الصادق (عليه السلام): لما صرع زيد بن صوحان رحمة الله عليه يوم الجمل
جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى جلس عند رأسه، فقال: يرحمك الله يا زيد، قد كنت
خفيف المؤونة عظيم المعونة.
قال: فرفع زيد رأسه إليه. وقال: وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين،
فوالله ما علمتك إلا بالله عليما وفي أم الكتاب عليا حكيما، وأن الله في صدرك
لعظيم، والله ما قاتلت معك على جهالة، ولكني سمعت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) التوبة: 97.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 123، سير أعلام النبلاء: 3 / 526 / 133، تاريخ دمشق: 19 / 437،
البرصان والعرجان: 400 نحوه.
(3) البرصان والعرجان: 399، المعارف لابن قتيبة: 402 نحوه وليس فيه من " ومر به علي... ".
137
تقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وكرهت والله أن أخذلك
فيخذلني الله (1).
41
سعد بن مسعود الثقفي
سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد، من أصحاب الإمام
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الأوفياء. وقيل: من أصحاب رسول الله (2). ذكرت بعض
المصادر أنه اصطدم يوما بعمار بن ياسر الذي كان واليا على الكوفة من قبل
عمر (3). ولاه (4) الإمام (عليه السلام) في البداية على منطقة الزوابي (5)، وعندما تحرك
الإمام (عليه السلام) تلقاء صفين، ولاه على المدائن (6) (7).
أثنى عليه الإمام (عليه السلام) في رسالة له، وذكره بالتقوى والنجابة، ودعا له (8). لما



(1) رجال الكشي: 1 / 284 / 119، الاختصاص: 79 كلاهما عن عبد الله بن سنان.
(2) الاستيعاب: 2 / 167 / 961، الإصابة: 3 / 70 / 3210.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 163 و 164، الكامل في التاريخ: 2 / 198.
(4) الأخبار الطوال: 153.
(5) زوابي جمع زاب. وهي الزاب الأعلى بين الموصل وأربل، والزاب الأسفل ما بين شهرزور
وأذربيجان، وبين الزاب الأعلى والأسفل مسيرة يومين أو ثلاثة (معجم البلدان: 3 / 123).
(6) المدائن: أصل تسميتها هي: المدائن السبعة، وكانت مقر ملوك الفرس. وهي تقع على نهر دجلة من
شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها. وفيها إيوان كسرى. فتحت هذه المدينة في (14 ه‍. ق) على يد
المسلمين (راجع تقويم البلدان: 302).
(7) تاريخ الطبري: 4 / 565، الكامل في التاريخ: 2 / 362.
(8) أنساب الأشراف: 2 / 387؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 201.
138
جرح الإمام الحسن (عليه السلام) في ساباط (1) وناله سوء من أصحابه، التجأ إلى سعد بن
مسعود (2). كان المختار بن أبي عبيد الثقفي ابن أخيه (3) الذي استخلفه الإمام (عليه السلام)
على المدائن (4). وينسب إليه أيضا المحدث والمؤرخ الشيعي الكبير إبراهيم
الثقفي الكوفي (5).
6528 - الفهرست: سعد بن مسعود أخو أبي عبيد بن مسعود عم المختار، ولاه
علي (عليه السلام) على المدائن، وهو الذي لجأ إليه الحسن (عليه السلام) يوم ساباط (6).
6529 - تاريخ اليعقوبي: كتب [علي (عليه السلام)] إلى سعد بن مسعود عم المختار بن
أبي عبيد، وهو على المدائن: أما بعد، فإنك قد أديت خراجك، وأطعت ربك،
وأرضيت إمامك، فعل المبر التقي النجيب، فغفر الله ذنبك، وتقبل سعيك، وحسن
مآبك (7).
6530 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى سعد بن مسعود الثقفي عامله على المدائن



(1) ساباط: موضع في العراق معروف، قرب المدائن وبهرسير يعرف بساباط كسرى (راجع
معجم البلدان: 3 / 166).
(2) تاريخ الطبري: 5 / 159، الكامل في التاريخ: 2 / 445، البداية والنهاية: 8 / 14، شرح
نهج البلاغة: 16 / 27؛ الفهرست للطوسي: 36 / 7 وراجع الأخبار الطوال: 217 وتاريخ الإسلام
للذهبي: 4 / 6.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 163، الكامل في التاريخ: 2 / 198.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 76، الكامل في التاريخ: 2 / 399.
(5) الفهرست للطوسي: 36 / 7.
(6) الفهرست للطوسي: 36 / 7 وراجع التاريخ الكبير: 4 / 50 / 1925 وتاريخ الطبري: 5 / 159
والفتوح: 4 / 288 وشرح نهج البلاغة: 16 / 27.
(7) تاريخ اليعقوبي: 2 / 201.
139
وجوخا (1) -: أما بعد، فقد وفرت على المسلمين فيئهم وأطعت ربك، ونصحت
إمامك، فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أمرك، ورضيت هديك، وأببت (2)
رشدك، غفر الله لك، والسلام (3).
42
سعيد بن قيس الهمداني
كان مقاتلا شجاعا وبطلا، شهد الجمل (4)، وصفين (5). جعله الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) أميرا على همدان في الجمل (6) وصفين (7). وفي سياق خطبة
بليغة خطبها في جماعة من أصحابه، كشف حقيقة الجيشين جيدا وأظهر انقياده
التام للإمام (عليه السلام) (8)، ودل على عظمة جيش الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان فيه
ثلة من البدريين. ثم بين منزلة الإمام الرفيعة بكلام رائع، وفضح معاوية وأخزاه
مشيرا إلى السابقة السيئة له ولأسلافه (9). وقد أصحر بطاعته المطلقة للإمام (عليه السلام)
بعبارات حماسية في مواطن كثيرة. وكان الإمام (عليه السلام) يثني على ذلك الرجل الزاهد



(1) جوخا: اسم نهر عليه كورة [بلدة] واسعة في سواد بغداد، وهو بين خانقين وخوزستان
(معجم البلدان: 2 / 179).
(2) أبت إبابته: استقامت طريقته (القاموس المحيط: 1 / 35).
(3) أنساب الأشراف: 2 / 387؛ نثر الدر: 1 / 323 وفيه " أوتيت " بدل " أببت ".
(4) الجمل: 319؛ شرح نهج البلاغة: 1 / 144.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 574، الفتوح: 3 / 31.
(6) الجمل: 319.
(7) وقعة صفين: 205؛ تاريخ خليفة بن خياط: 147، الفتوح: 3 / 31.
(8) وقعة صفين: 236 وص 437، الغارات: 2 / 481 وص 637، الأمالي للطوسي: 174 / 293؛
تاريخ الطبري: 5 / 79، الكامل في التاريخ: 2 / 402، الفتوح: 3 / 31.
(9) وقعة صفين: 236 و 237.
140
المقاتل. ومن ثنائه عليه قال:
يقودهم حامي الحقيقة ماجد * سعيد بن قيس، والكريم محام (1)
أشخصه الإمام (عليه السلام) إلى الأنبار (2) بعد معركة صفين لصد الغارات التي كان يشنها
سفيان بن عوف (3).
وثبت سعيد على صراط الحق بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان من أصحاب
الإمام الحسن (عليه السلام)، وبعثه الإمام الحسن (عليه السلام) ليخلف قيس بن سعد في قيادة الحرب
ضد معاوية (4).
مدحه أبو عمرو الكشي بقوله: من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم (5).
توفي سعيد بن قيس حوالي سنة 41 ه‍ (6).
6531 - الغارات - في ذكر غارة سفيان بن عوف على الأنبار، واستنفار الإمام



(1) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 172، الديوان المنسوب إلى الإمام علي (عليه السلام): 572 / 432،
بحار الأنوار: 32 / 497 وفيهما " منهم " بدل " ماجد ".
(2) الأنبار: مدينة صغيرة كانت عامرة أيام الساسانيين، وآثارها غرب بغداد على بعد ستين كيلو مترا
مشهودة. وسبب تسميتها بالأنبار هو أنها كانت مركزا لخزن الحنطة والشعير والتبن للجيوش، وإلا فإن
الإيرانيين كانوا يسمونها " فيروز شاپور ".
فتحت على يد خالد بن الوليد عام (12 ه‍) وقد اتخذها السفاح - أول خلفاء بني العباس - مقرا له مدة من
الزمان.
(3) الغارات: 2 / 470، تاريخ اليعقوبي: 2 / 196؛ تاريخ الطبري: 5 / 134، شرح نهج البلاغة:
2 / 88.
(4) شرح نهج البلاغة: 16 / 40، مقاتل الطالبيين: 71.
(5) رجال الكشي: 1 / 286 / 124.
(6) تنقيح المقال: 2 / 29 / 4860.
141
علي (عليه السلام) الناس، وقعود أصحابه -: فقام حجر بن عدي الكندي وسعيد بن قيس
الهمداني فقالا: لا يسؤك الله يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتبعه، فوالله ما نعظم
جزعا على أموالنا إن نفدت، ولا على عشائرنا إن قتلت في طاعتك (1).
6532 - الفتوح - في ذكر وقعة صفين -: فقال سعيد بن قيس: والله يا
أمير المؤمنين، ما نصرنا إلا لله ولا أجبنا غيره، ولقد قاتلنا مع من ليس له مثل
سابقتك ولا قرابتك، فارم بنا حيث شئت وأين أحببت، فنحن لك سامعون
مطيعون.
قال: فعندها أنشأ علي (عليه السلام) أبياتا يقول:
فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
جزى الله همدان الجنان فإنهم * سمام العدى في كل يوم حمام (2)
6533 - تاريخ الطبري عن جبر بن نوف - بعد أن ذكر حث الإمام علي (عليه السلام)
الناس للخروج إلى قتال أهل الشام، بعد حرب صفين -: فقام سعيد بن قيس
الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين، سمعا وطاعة، وودا ونصيحة، أنا أول الناس
جاء بما سألت وبما طلبت (3).
6534 - الغارات عن أبي عبد الرحمن السلمي - أيضا -: فقام إليه سعيد بن قيس
الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين، والله لو أمرتنا بالمسير إلى قسطنطينية ورومية
مشاة حفاة على غير عطاء ولا قوة، ما خالفتك أنا، ولا رجل من قومي.



(1) الغارات: 2 / 481، الأمالي للطوسي: 174 / 293 نحوه وفيه " سعد بن قيس ".
(2) الفتوح: 3 / 31؛ وقعة صفين: 437 نحوه وراجع ص 274.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 79، الكامل في التاريخ: 2 / 402 نحوه.
142
قال: فصدقتم جزاكم الله خيرا (1).
43
سلمان الفارسي
سلمان الفارسي، أبو عبد الله، وهو سلمان المحمدي، زاهد ثاقب البصيرة،
نقي الفطرة، من سلالة فارسية (2)، مولده رامهرمز (3) وأصله من أصبهان (4)،
صحابي (5) جليل من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله). كان يحظى بمكانة عظيمة لا
تستوعبها هذه الصفحات القليلة. كان يطوي الفيافي والقفار بحثا عن الحق.
وعندما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة حضر عنده وأسلم (6). وآثر خدمة ذلكم
السفير الإلهي العظيم بكل طواعية. ولم يأل جهدا في ذلك، وشهد الخندق وأعان
المؤمنين بذكائه وخبرته بفنون القتال، واقترح حفر الخندق، فلقي اقتراحه
ترحيبا.
كان يعيش في غاية الزهد، ولما كان قد قطع جميع الوشائج، وأعرض عن
جميع زخارف الحياة، والتحق بالحق، شرفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: " سلمان منا



(1) الغارات: 2 / 637.
(2) الطبقات الكبرى: 4 / 75، تاريخ دمشق: 21 / 376.
(3) رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان (معجم البلدان: 3 / 17).
(4) تاريخ دمشق: 21 / 383، سير أعلام النبلاء: 1 / 515 / 91 وراجع الطبقات الكبرى: 4 / 75
وتاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 510.
(5) الطبقات الكبرى: 4 / 80 وص 88، تاريخ دمشق: 21 / 376 / 2599، تاريخ الإسلام للذهبي:
3 / 511.
(6) المعجم الكبير: 6 / 212 / 598، تاريخ دمشق: 21 / 376.
143
أهل البيت " (1). وكان قلبه الطاهر مظهرا للأنوار الإلهية، فقال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" من أراد أن ينظر إلى رجل نور قلبه فلينظر إلى سلمان " (2).
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول عن سعة علمه واطلاعه:
" علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر،
وكان بحرا لا ينزف " (3).
وقد رعى سلمان حرمة الحق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يحد عن مسير الحق (4)،
وكان أحد القلائل الذين قاموا في المسجد النبوي ودافعوا عن " خلافة الحق "
و " حق الخلافة " (5). وكان من عشاق علي وآل البيت (عليهم السلام)، ومن الأقلين الذين
شهدوا الصلاة على السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وحضروا دفنها في جوف
الليل الحزين (6).
ولاه عمر على المدائن (7)، فكانت حكومته فيها من المظاهر المشرفة الباعثة



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 691 / 6539 و ح 6541، المعجم الكبير: 6 / 213 / 6040،
الطبقات الكبرى: 4 / 83، تاريخ دمشق: 21 / 408.
(2) تاريخ دمشق: 21 / 408.
(3) الطبقات الكبرى: 4 / 86، تاريخ دمشق: 21 / 422، حلية الأولياء: 1 / 187، المصنف لابن
أبي شيبة: 7 / 536 / 3، المعجم الكبير: 6 / 213 / 6041، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 515،
سير أعلام النبلاء: 1 / 541 / 91 والأربعة الأخيرة نحوه وليس فيها " وقرأ الكتاب الأول، وقرأ
الكتاب الآخر " وراجع تاريخ دمشق: 21 / 420.
(4) الخصال: 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1.
(5) الخصال: 463 / 4، الاحتجاج: 1 / 192 / 2، رجال البرقي: 64.
(6) الخصال: 361 / 50، رجال الكشي: 1 / 34 / 13، الاختصاص: 5، تفسير فرات: 570 / 733.
(7) مروج الذهب: 2 / 314، الطبقات الكبرى: 4 / 87.
144
على الفخر والاعتزاز، فهي حكومة تعلوها الرؤية الإلهية، ويحيطها الزهد
والورع، وهدفها الحق والعدل.
كان سلمان من المعمرين، عاش قرابة مائتين وخمسين سنة (1)، وتوفي
بالمدائن (2) أيام حكومة عمر (3) أو عثمان (4).
6535 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان (5).
6536 - حلية الأولياء عن أبي الأسود وزاذان الكندي: كنا ذات يوم عند علي (عليه السلام)،
فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح، فقالوا: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن
أصحابك.
قال: عن أي أصحابي؟
قالوا: عن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله).
قال: كل أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أصحابي، فعن أيهم؟
قالوا: عن الذين رأيناك تلطفهم بذكرك، والصلاة عليهم دون القوم، حدثنا عن
سلمان.



(1) سير أعلام النبلاء: 1 / 555 / 91، تاريخ دمشق: 21 / 378، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 521.
(2) الطبقات لخليفة بن خياط: 33 / 22، تاريخ دمشق: 21 / 378 وص 458، سير أعلام النبلاء:
1 / 554 / 91.
(3) المعارف لابن قتيبة: 271، تاريخ دمشق: 21 / 458.
(4) الطبقات الكبرى: 4 / 93، تاريخ بغداد: 1 / 171 / 12، المعارف لابن قتيبة: 271، تاريخ دمشق:
21 / 378 وص 458، سير أعلام النبلاء: 1 / 554 / 91 وفي ص 555 " سنة 33 ه‍ ".
(5) سنن الترمذي: 5 / 667 / 3797، المستدرك على الصحيحين: 3 / 148 / 4666، المعجم الكبير:
6 / 215 / 6045 وزاد فيه " والمقداد " وكلها عن أنس؛ الخصال: 303 / 80 عن عبد الله بن محمد بن
علي بن العباس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) وزاد فيه " وأبي ذر والمقداد "، وقعة صفين: 323
عن الحسن.
145
قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم؟! ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك
العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف (1).
6537 - الأمالي للطوسي عن منصور بن بزرج: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ما
أكثر ما أسمع منك يا سيدي ذكر سلمان الفارسي!
فقال: لا تقل الفارسي، ولكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما كثرة ذكري
له؟
قلت: لا.
قال: لثلاث خلال، أحدها: إيثاره هوى أمير المؤمنين (عليه السلام) على هوى نفسه،
والثانية: حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبه للعلم
والعلماء. إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما وما كان من المشركين (2).
6538 - المستدرك على الصحيحين عن عوف بن أبي عثمان النهدي: قال رجل
لسلمان: ما أشد حبك لعلي (عليه السلام)! قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أحب عليا
فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني (3).
6539 - الطبقات الكبرى عن النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان
بالمدائن وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله



(1) حلية الأولياء: 1 / 187، المعجم الكبير: 6 / 213 / 6042 وفيه " بمثاله " بدل " بمثل " وليس فيه
" وإلينا "، تاريخ دمشق: 21 / 421، الطبقات الكبرى: 4 / 86 عن زاذان وفيه من " من لكم بمثل... "
وفي صدره " سئل علي عن سلمان الفارسي، فقال: ذاك امرؤ منا وإلينا "؛ الغارات: 1 / 177 عن
أبي عمرو الكندي.
(2) الأمالي للطوسي: 133 / 214.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 141 / 4648.
146
فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه وأنفق درهما على عيالي وأتصدق
بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت (1).
6540 - مروج الذهب - في ذكر سلمان الفارسي -: كان يلبس الصوف،
ويركب الحمار ببرذعته (2) بغير إكاف (3)، ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكا زاهدا،
فلما احتضر بالمدائن قال له سعد بن وقاص: أوصني يا أبا عبد الله.
قال: نعم، قال: اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت، وعند
يدك إذ قسمت.
فجعل سلمان يبكي، فقال له: يا أبا عبد الله، ما يبكيك؟
قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن في الآخرة عقبة لا يقطعها إلا المخفون،
وأرى هذه الأساودة حولي، فنظروا فلم يجدوا في البيت إلا إداوة وركوة (4)
ومطهرة (5).
6541 - الطبقات الكبرى عن أبي سفيان عن أشياخه: دخل سعد بن أبي وقاص
على سلمان يعوده، فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفي
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو عنك راض، وتلقى أصحابك، وترد عليه الحوض.
قال سلمان: والله ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا، ولكن



(1) الطبقات الكبرى: 4 / 89، تاريخ دمشق: 21 / 434 عن سماك بن حرب عن عمه نحوه،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 518، سير أعلام النبلاء: 1 / 547.
(2) البرذعة: الحلس الذي يلقى تحت الرحل (لسان العرب: 8 / 8).
(3) الإكاف والأكاف من المراكب: شبه الرحال والأقتاب (لسان العرب: 9 / 8).
(4) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء (النهاية: 2 / 261).
(5) مروج الذهب: 2 / 314.
147
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد إلينا عهدا فقال: لتكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب.
وحولي هذه الأساود.
قال: وإنما حوله جفنة أو مطهرة أو إجانة (1)، فقال له سعد: يا أبا عبد الله، أعهد
إلينا بعهد نأخذه بعدك.
فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند
يدك إذا قسمت (2).
6542 - المعجم الكبير عن بقيرة - امرأة سلمان -: لما حضر سلمان الموت
دعاني، وهو في علية (3) لها أربعة أبواب، فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن
لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي، ثم دعا بمسك له، ثم
قال: ادبغيه في تور (4)، ففعلت، ثم قال: انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي،
فسوف تطلعين قربتي (5) على فراشي، فاطلعت فإذا هو قد أخذ روحه، فكأنه
نائم على فراشه أو نحوا من ذلك (6).
6543 - الطبقات الكبرى عن عطاء بن السائب: إن سلمان حين حضرته الوفاة،



(1) الإجانة: واحدة الأجاجين، وهي المركن [الإناء] الذي تغسل فيه الثياب (مجمع البحرين: 1 / 21).
(2) الطبقات الكبرى: 4 / 90، حلية الأولياء: 1 / 195، تاريخ دمشق: 21 / 452.
(3) علية: هي بضم العين وكسرها: الغرفة، والجمع العلالي (النهاية: 3 / 295).
(4) كذا في المصدر، وفي بقية المصادر: " أديفيه ". قال في تاج العروس: داف الشيء يديفه: أي خلطه،
وفي حديث سلمان (رضي الله عنه): "... فقال لامرأته: أديفيه في تور ". والتور: إناء صغير (تاج العروس:
12 / 216 و 6 / 135).
(5) كذا في المصدر، وفي حلية الأولياء: " فتريني ".
(6) المعجم الكبير: 6 / 215 / 6043، الطبقات الكبرى: 4 / 92، حلية الأولياء: 1 / 208، سير أعلام
النبلاء: 1 / 553 / 91.
148
دعا بصرة من مسك كان أصابها من بلنجر (1)، فأمر بها أن تداف وتجعل حول
فراشه، وقال: فإنه يحضرني الليلة ملائكة يجدون الريح ولا يأكلون الطعام (2).
44
سليمان بن صرد الخزاعي
سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي يكنى أبا مطرف، من صحابة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3)، وأحد وجوه الشيعة البارزين في الكوفة (4). تخلف عن الإمام
علي (عليه السلام) يوم الجمل فلامه الإمام وعنفه (5)، ولكنه كان أمير ميمنته على الرجالة
يوم صفين (6).
ولاه الإمام (عليه السلام) على منطقة الجبل (7)، ومدح صلابته في الدين (8).
وفي أيام الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كان من أصحابه (9). وعندما نقض معاوية
الصلح، اقترح سليمان على الإمام إخراج عامل معاوية من الكوفة، فلم



(1) بلنجر: مدينة ببلاد الخزر، خلف باب الأبواب، فتحها عبد الرحمن بن ربيعة (معجم البلدان:
1 / 489).
(2) الطبقات الكبرى: 4 / 92.
(3) الطبقات الكبرى: 4 / 292، تهذيب الكمال: 11 / 455 / 2531، تاريخ الطبري: 5 / 552،
الاستيعاب: 2 / 210 / 1061؛ رجال الطوسي: 40 / 255.
(4) الطبقات الكبرى: 4 / 292.
(5) وقعة صفين: 6، رجال الطوسي: 66 / 597 وفيه " المتخلف عنه يوم الجمل "؛ الفتوح: 2 / 492.
(6) وقعة صفين: 205؛ تاريخ خليفة بن خياط: 146، الأخبار الطوال: 171، الاستيعاب:
2 / 211 / 1061.
(7) أنساب الأشراف: 2 / 393.
(8) وقعة صفين: 519.
(9) رجال الطوسي: 94 / 936.
149
يوافق (1).
جمع أهل الكوفة بعد هلاك معاوية، وكتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يدعوه إلى
الكوفة، لكنه تخلف عن بيعته ولم يشهد معه واقعة الطف (2).
لما هلك يزيد، جمع شيعة الكوفة ونظم ثورة التوابين على ابن زياد رافعا
شعاره المعروف " يا لثارات الحسين " (3). وكانت هذه الثورة حماسية عاطفية.
وانهزم سليمان أمام عبيد الله بن زياد بعد قتال شديد، ورزقه الله الشهادة سنة
65 ه‍ (4)، وله من العمر 93 سنة (5).
6544 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى سليمان بن صرد وهو بالجبل -: ذكرت ما
صار في يديك من حقوق المسلمين، وإن من قبلك وقبلنا في الحق سواء،
فأعلمني ما اجتمع عندك من ذلك، فأعط كل ذي حق حقه، وابعث إلينا بما سوى
ذلك لنقسمه فيمن قبلنا إن شاء الله (6).
6545 - وقعة صفين عن عون بن أبي جحيفة: بعد كتابة صحيفة التحكيم في



(1) تنزيه الأنبياء: 172.
(2) الطبقات الكبرى: 4 / 292، تهذيب الكمال: 11 / 456 / 2531، تاريخ الطبري: 5 / 352 وص
552، أسد الغابة: 2 / 548 / 2231، الأخبار الطوال: 229؛ الإرشاد: 2 / 36.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 583، الكامل في التاريخ: 2 / 635؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 258.
(4) الطبقات الكبرى: 4 / 292 و 293، تهذيب الكمال: 11 / 456 / 2531، تاريخ الطبري: 5 / 583 -
599، الكامل في التاريخ: 2 / 635 - 641، أسد الغابة: 2 / 548 / 2231؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 258
وفيه " سنة 66 ه‍ ".
(5) الطبقات الكبرى: 4 / 293، تهذيب الكمال: 11 / 456 / 2531، الاستيعاب: 2 / 211 / 1061،
أسد الغابة: 2 / 549 / 2231.
(6) أنساب الأشراف: 2 / 393.
150
حرب صفين، أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد الصحيفة، ووجهه
مضروب بالسيف، فلما نظر إليه علي قال: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وما بدلوا تبديلا) (1) فأنت ممن ينتظر وممن لم يبدل.
فقال: يا أمير المؤمنين، أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا. أما
والله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خير
إلا قليلا (2).
6546 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود: إن سليمان بن صرد
الخزاعي دخل على علي بن أبي طالب بعد رجعته من البصرة، فعاتبه وعذله
وقال له: ارتبت وتربصت وراوغت، وقد كنت من أوثق الناس في نفسي
وأسرعهم - فيما أظن - إلى نصرتي، فما قعد بك عن أهل بيت نبيك، وما زهدك
في نصرهم؟
فقال: يا أمير المؤمنين، لا تردن الأمور على أعقابها، ولا تؤنبني بما مضى
منها، واستبق مودتي يخلص لك نصيحتي وقد بقيت أمور تعرف فيها وليك من
عدوك. فسكت عنه وجلس سليمان قليلا، ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي
وهو قاعد في المسجد، فقال: ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه من
التبكيت والتوبيخ؟
فقال له الحسن: إنما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته.
فقال: إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا، وينتضى فيها السيوف، ويحتاج



(1) الأحزاب: 23.
(2) وقعة صفين: 519.
151
فيها إلى أشباهي، فلا تستغشوا عتبي، ولا تتهموا نصيحتي.
فقال له الحسن: رحمك الله! ما أنت عندنا بالظنين (1).
45
سليم بن قيس الهلالي
سليم بن قيس الهلالي العامري يكنى أبا صادق، كان من محدثي التابعين،
وعلمائهم، وعظمائهم، وهو من أصحاب أمير المؤمنين (2)، والحسن (3)،
والحسين (4)، وزين العابدين (5)، والباقر (6)، عليهم السلام أجمعين. وكان في
أصحاب الإمام أمير المؤمنين من " شرطة الخميس (7) " (8). وعد من السباقين في
التأليف وضبط الحقائق والتاريخ (9).
ويعتبر كتابه - الذي جاء في كتب التراجم والمصادر بعناوين متنوعة - من أهم



(1) وقعة صفين: 6.
(2) رجال الطوسي: 66 / 590، الاختصاص: 3، رجال البرقي: 4 وفيه " من أولياء أصحابه ".
(3) رجال الطوسي: 94 / 934، رجال البرقي: 7.
(4) رجال الطوسي: 101 / 984، الاختصاص: 8، رجال البرقي: 8.
(5) رجال الطوسي: 114 / 1136.
(6) رجال الطوسي: 136 / 1428، رجال البرقي: 9.
(7) الشرطة، بالسكون والفتح: الجند. والجمع شرط، أعوان السلطان والولاة، وأول كتيبة تشهد للحرب
وتتهيأ للموت، سموا بذلك؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء (مجمع البحرين 2 / 942).
الخميس: الجيش، سمي به لأنه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة،
والقلب. وقيل لأنه تخمس فيه الغنائم (النهاية: 2 / 79).
(8) الاختصاص: 3.
(9) الغيبة للنعماني: 101 و 102.
152
كتب الشيعة، وسماه بعض العلماء " أصل من أكبر كتب الأصول " (1).
والذي هو الآن موجود في أيدينا وعنوانه: " كتاب سليم " مع كثرة نسخه
وطرقه، دار حوله كلام بين علماء الرجال والباحثين الإسلاميين، منذ زمن بعيد،
فذهب بعضهم إلى أنه موضوع أساسا، ورأى بعض آخر أن نسبته إلى سليم ثابتة
لا غبار عليها، وحاول هؤلاء الإجابة عن الإشكالات والشبهات المثارة عليه.
واحتاط آخرون فقالوا: إنه مدسوس، وحكموا عليه بأن فيه الثابت والمشكوك
فيه، والحسن والرديء، والصحيح والسقيم (2).
مع هذا كله، فإن سليما نفسه لا قدح فيه؛ إذ كان من الشخصيات المتألقة في
تاريخ التشيع، ومن الموالين الأبرار للأئمة (عليهم السلام)، ومن أحباء آل الرسول (صلى الله عليه وآله)
وأودائهم.
46
سهل بن حنيف
سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي، أخو عثمان بن حنيف (3). من
صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحد البدريين (4).



(1) الغيبة للنعماني: 101.
(2) تصحيح الاعتقاد: 149، قاموس الرجال: 5 / 227 - 239، معجم رجال الحديث: 8 / 216 -
227، ولمزيد الاطلاع حول كتاب سليم والأقوال المختلفة فيه راجع: مقدمة كتاب سليم بن قيس
الهلالي، طبعة نشر الهادي، تحقيق محمد باقر الأنصاري.
(3) سير أعلام النبلاء: 2 / 325 / 63؛ الاختصاص: 3.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 461 / 5730 وص 464 / 5740 وفيه " كان من كبار
الأنصار... "، الطبقات الكبرى: 3 / 471، سير أعلام النبلاء: 2 / 325 / 63؛ الاختصاص: 3.
153
شهد حروب النبي (صلى الله عليه وآله) كلها (1). وعندما اشتد القتال في أحد وفر جمع كبير من
المسلمين كان سهل ممن ثبت مع النبي (صلى الله عليه وآله) (2).
كان سهل من السباقين إلى الدفاع عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، إذ رعى
حرمة خلافة الحق (3). وهو من القلائل الذين صدعوا بذودهم عن الإمام (عليه السلام) (4).
اختاره الإمام (عليه السلام) لولاية الشام، لكن جنود معاوية حالوا دون وصوله إليها (5).
ثم ولاه الإمام (عليه السلام) على المدينة (6). وفي صفين دعاه إلى الالتحاق به وجعل
مكانه تمام بن عباس (7). وكان فيها أميرا على خيالة من جند البصرة (8). ثم ولي
فارس، ولكنه عزل بسبب الفوضى وتوتر الأوضاع فيها، فاستعمل الإمام (عليه السلام)
مكانه زياد بن أبيه باقتراح عبد الله بن عباس (9) (مضى تفصيل ذلك).
توفي بالكوفة سنة 38 ه‍ (10)، وأثنى عليه الإمام (عليه السلام) كثيرا عند دفنه (11).



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 462 / 5734، الطبقات الكبرى: 3 / 471، سير أعلام النبلاء:
2 / 325 / 63، الاستيعاب: 2 / 223 / 1089.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 462 / 5734، الطبقات الكبرى: 3 / 471، الاستيعاب: 2 / 223 / 1089.
(3) الخصال: 608 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126، رجال الكشي: 1 / 183 / 78.
(4) الخصال: 465، الاحتجاج: 1 / 198 / 10، رجال البرقي: 66.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 442، الكامل في التاريخ: 2 / 309.
(6) الطبقات الكبرى: 6 / 15، تاريخ الطبري: 5 / 93، تاريخ خليفة بن خياط: 152، الكامل في
التاريخ: 2 / 323؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
(7) الاستيعاب: 1 / 272 / 243، تاريخ خليفة بن خياط: 152.
(8) وقعة صفين: 208؛ تاريخ الطبري: 5 / 11، الكامل في التاريخ: 2 / 370 فيه " على جند البصرة ".
(9) تاريخ الطبري: 5 / 137، الاستيعاب: 2 / 223 / 1089، أسد الغابة: 2 / 573 / 2289.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3 / 462 / 5732، الطبقات الكبرى: 3 / 472، الطبقات لخليفة بن
خياط: 153 / 547، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 596، الاستيعاب: 2 / 223 / 1089.
(11) رجال الكشي: 1 / 164 / 74.
154
6547 - الأصول الستة عشر عن ذريح المحاربي: ذكر [أبو عبد الله (عليه السلام)] سهل بن
حنيف فقال: كان من النقباء (1)، فقلت له: من نقباء نبي الله الاثني عشر؟ فقال:
نعم، كان من الذين اختيروا من السبعين، فقلت له: كفلاء على قومهم، فقال: نعم،
إنهم رجعوا وفيهم دم فاستنظروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قابل، فرجعوا ففزعوا من دمهم
واصطلحوا، وأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) معهم.
وذكر سهلا فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة،
وأثنى عليه وقال: لما مات جزع أمير المؤمنين (عليه السلام) جزعا شديدا، وصلى عليه
خمس صلوات وقال: لو كان معي جبل لا رفض (2) (3).
6548 - رجال الكشي عن الحسن بن زيد: كبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) على سهل
بن حنيف سبع تكبيرات، وكان بدريا، وقال: لو كبرت عليه سبعين لكان أهلا (4).
6549 - الإمام علي (عليه السلام) - وقد توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه
معه من صفين، وكان أحب الناس إليه -: لو أحبني جبل لتهافت (5).



(1) في بيعة الأنصار لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في ليلة العقبة، أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) منهم اثني عشر نقيبا وهم: أسعد
بن زرارة، البراء بن مغرور، عبد الله بن حزام - أبو جابر بن عبد الله -، رافع بن ملك، سعد بن عبادة،
المنذر بن عمرو، عبد الله بن رواحة، سعد بن الربيع، عبادة بن الصامت (وهؤلاء من الخزرج)، أسيد بن
حضير، سعد بن خثيمة، وأبو الهيثم بن التيهان (وهؤلاء من الأوس) أشار إليهم جبرئيل وأمر النبي (صلى الله عليه وآله)
باختيارهم عدد نقباء موسى (عليه السلام) من بني إسرائيل. (راجع بحار الأنوار: 19 / 13 - 43) وليس فيهم ذكر
سهل بن حنيف بخلاف الرواية.
(2) ترفض الشيء: إذا تكسر. والمرفضة: المتفرقة يمينا وشمالا (تاج العروس: 10 / 63).
(3) الأصول الستة عشر: 86، بحار الأنوار: 81 / 376 / 25.
(4) رجال الكشي: 1 / 164 / 74، الدرجات الرفيعة: 390، بحار الأنوار: 81 / 378 / 33.
(5) نهج البلاغة: الحكمة 111.
155
47
سيحان بن صوحان
سيحان بن صوحان بن حجر، أخو زيد وصعصعة ابني صوحان (1).
كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) كأخويه (2).
كانت الراية يوم الجمل في يده فقتل فأخذها زيد فقتل فأخذها صعصعة (3).
ودفن مع أخيه زيد في قبر واحد (4).
48
شبث بن ربعي التميمي
شبث بن ربعي التميمي اليربوعي، أبو عبد القدوس الكوفي أحد الوجوه
المتلونة المشبوهة العجيبة في التاريخ الإسلامي.
كان مؤذنا لسجاح (5)، ثم أسلم (6)، وله دور في فتنة عثمان (7).
كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عصره (8)، ومن أمراء جيشه في



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 221، سير أعلام النبلاء: 3 / 525 / 133، تاريخ بغداد: 8 / 439 / 4549.
(2) رجال الطوسي: 66 / 591.
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 221.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 125، سير أعلام النبلاء: 3 / 528 / 134، تاريخ دمشق: 19 / 445.
(5) سجاح: هي امرأة ادعت النبوة (المعارف لابن قتيبة: 405).
(6) تهذيب الكمال: 12 / 352 / 2686، تهذيب التهذيب: 2 / 473 / 3197، تاريخ الطبري:
3 / 274.
(7) تاريخ الطبري: 4 / 483، تهذيب التهذيب: 2 / 473 / 3197.
(8) تهذيب التهذيب: 2 / 473 / 3197؛ رجال الطوسي: 68 / 620.
156
حرب صفين (1). وأوفده الإمام إلى معاوية ليتحدث معه (2). بيد أنه لحق
بالخوارج بعد التحكيم، وصار من أمراء عسكرهم (3).
ثم فارقهم بعد مدة، وعاد إلى جيش الإمام (عليه السلام) (4)، وكان قائد ميسرته في
النهروان (5).
كاتب الإمام الحسين (عليه السلام) بعد هلاك معاوية كسائر الكوفيين، ودعاه إلى
الكوفة (6). ثم انضم إلى جماعة ابن زياد، وثبط الناس عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) (7).
وكان ممن قاتل مسلما (8).
وكان أحد القادة العسكريين في جيش يزيد يوم الطف (9). وبعد استشهاد
الإمام الحسين (عليه السلام) جدد بناء مسجده بالكوفة؛ فرحا بقتل الحسين (10).



(1) وقعة صفين: 205؛ تاريخ خليفة بن خياط: 147، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 541، الأخبار
الطوال: 172.
(2) وقعة صفين: 197؛ تاريخ الطبري: 5 / 5، الكامل في التاريخ: 2 / 367.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 63، تاريخ خليفة بن خياط: 144، تهذيب التهذيب: 2 / 473 / 3197، مروج
الذهب: 2 / 405.
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 150 / 51، تهذيب التهذيب: 2 / 473 / 3197، ميزان الاعتدال: 2 / 261 / 3654.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 85، الكامل في التاريخ: 2 / 405، الأخبار الطوال: 210، الإمامة والسياسة:
1 / 169.
(6) تاريخ الطبري: 5 / 353، الكامل في التاريخ: 2 / 534، الأخبار الطوال: 229.
(7) الإرشاد: 2 / 52 و 53؛ تاريخ الطبري: 5 / 369، الأخبار الطوال: 239.
(8) تاريخ الطبري: 5 / 381.
(9) الإرشاد: 2 / 95، المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 98؛ تاريخ الطبري: 5 / 422، تهذيب التهذيب:
2 / 473 / 3197.
(10) الكافي: 3 / 490 / 2، تهذيب الأحكام: 3 / 250 / 687.
157
وعندما ثار المختار نهض شبث أيضا للثأر بدم الحسين (عليه السلام) (1). ثم اشترك مع
مصعب بن الزبير ضد المختار (2).
مات بالكوفة سنة 80 ه‍ (3).
49
شريح بن هاني
شريح بن هاني بن يزيد الحارثي يكنى أبا المقدام، كان من المخضرمين (4)،
أدرك النبي ولم يره (5)، وكان من أكابر التابعين (6)، ومن كبار أصحاب علي (عليه السلام) (7)
وشهد معه المشاهد (8)، وكان أميرا في الجمل (9)، وفي صفين من أمراء مقدمة
الجيش وعلى الميسرة (10).



(1) تقريب التهذيب: 263 / 2735.
(2) الأخبار الطوال: 301، تقريب التهذيب: 263 / 2735، تاريخ الطبري: 6 / 44، الكامل في
التاريخ: 2 / 666.
(3) تقريب التهذيب: 263 / 2735.
(4) المستدرك على الصحيحين: 1 / 75 / 62، تهذيب الكمال: 12 / 454 / 2729، سير أعلام النبلاء:
4 / 108 / 33.
(5) المستدرك على الصحيحين: 1 / 75 / 62، تهذيب الكمال: 12 / 452 / 2729، تاريخ دمشق:
23 / 64.
(6) المستدرك على الصحيحين: 1 / 75 / 62.
(7) تهذيب الكمال: 12 / 452 / 2729، تاريخ دمشق: 23 / 65، الاستيعاب: 2 / 259 / 1180 وفيه
" من أجلة أصحاب علي (رضي الله عنه) "، أسد الغابة: 2 / 628 / 2428 وفيه " كان من أعيان أصحاب علي (رضي الله عنه) ".
(8) الطبقات الكبرى: 6 / 128، أسد الغابة: 2 / 628 / 2428.
(9) الجمل: 319؛ الإصابة: 3 / 308 / 3991.
(10) وقعة صفين: 152؛ تاريخ الطبري: 4 / 565.
158
ولما بعث علي (عليه السلام) أبا موسى إلى دومة الجندل (1) بعث معه أربعمائة عليهم
شريح بن هاني (2).
وعندما ذكر اسمه في زمرة الشاهدين على حجر بن عدي، أنفذ إلى معاوية
كتابا كذب فيه ذلك وأثنى على حجر (3).
قتل شريح بسجستان سنة 78 ه‍ (4)، وهو ابن مائة وعشرين سنة (5).
50
صعصعة بن صوحان
صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي، كان مسلما على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ولم
يره (6). وكان من كبار أصحاب الإمام علي (عليه السلام) (7)، ومن الذين عرفوه حق معرفته
كما هو حقه (8)، وكان خطيبا شحشحا (9) بليغا (10). ذهب الأديب العربي الشهير



(1) دومة الجندل: مدينة على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويطلق عليها اليوم
" الجوف "، وقد جرت فيها قضية التحكيم (راجع معجم البلدان: 2 / 487).
(2) سير أعلام النبلاء: 4 / 107 / 33، تاريخ الطبري: 5 / 67؛ وقعة صفين: 533.
(3) أنساب الأشراف: 5 / 264، تاريخ الطبري: 5 / 272، تاريخ دمشق: 8 / 22.
(4) تاريخ خليفة بن خياط: 212، الطبقات لخليفة بن خياط: 250 / 1065، تهذيب الكمال:
12 / 453 / 2729، أسد الغابة: 2 / 628 / 2428، الإصابة: 3 / 308 / 3991.
(5) أسد الغابة: 2 / 628 / 2428، الإصابة: 3 / 308 / 3991.
(6) الاستيعاب: 2 / 273 / 1216، أسد الغابة: 3 / 21 / 2505، الإصابة: 3 / 373 / 4150.
(7) سير أعلام النبلاء: 3 / 528 / 134.
(8) رجال الكشي: 1 / 285 / 122.
(9) الشحشح: أي الماهر الماضي في كلامه (النهاية: 2 / 449).
(10) الطبقات الكبرى: 6 / 221، مروج الذهب: 3 / 48 وص 52، المعارف لابن قتيبة: 402، سير
أعلام النبلاء: 3 / 528 / 134.
159
الجاحظ إلى أنه كان مقدما في الخطابة. وأدل من كل دلالة استنطاق علي بن
أبي طالب (عليه السلام) له (1).
أثنى عليه أصحاب التراجم بقولهم: كان شريفا، أميرا، فصيحا، مفوها،
خطيبا، لسنا، دينا، فاضلا (2).
نفاه عثمان إلى الشام مع مالك الأشتر ورجالات من الكوفة (3). وعندما ثار
الناس على عثمان، واتفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قام هذا الرجل
الذي كان عميق الفكر، قليل المثيل في معرفة عظمة علي (عليه السلام) - وكان خطيبا
مصقعا - فعبر عن اعتقاده الصريح الرائع بإمامه، وخاطبه قائلا:
والله يا أمير المؤمنين! لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك،
ولهي إليك أحوج منك إليها.
وعندما أشعل موقد والفتنة فتيل الحرب على أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجمل،
كان إلى جانب الإمام، وبعد أن استشهد أخواه زيد وسيحان اللذان كانا من
أصحاب الألوية، رفع لواءهما وواصل القتال (4). وفي حرب صفين، هو
رسول الإمام (عليه السلام) إلى معاوية (5) ومن أمراء الجيش (6) وراوي وقائع صفين (7).



(1) البيان والتبيين: 1 / 327 وص 202.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 529 / 134، أسد الغابة: 3 / 21 / 2505.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 323، تاريخ دمشق: 24 / 80 وص 100، أسد الغابة: 3 / 21 / 2505.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 221، سير أعلام النبلاء: 3 / 529 / 134.
(5) وقعة صفين: 160 وص 162.
(6) وقعة صفين: 206.
(7) وقعة صفين: 457 وص 480.
160
وقف إلى جانب الإمام (عليه السلام) في حرب النهروان، واحتج على الخوارج بأحقية
إمامه وثباته (1). وجعله الإمام (عليه السلام) شاهدا على وصيته (2)، فسجل بذلك فخرا
عظيما لهذا الرجل. ونطق صعصعة بفضائل الإمام ومناقبه أمام معاوية وأجلاف
بني أمية مرارا، وكان ينشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة، ويكشف عن
قبائح معاوية ومثالبه بلا وجل (3).
وكم أراد منه معاوية أن يطعن في علي (عليه السلام)، لكنه لم يلق إلا الخزي والفضيحة،
إذ جوبه بخطبه البليغة الأخاذة (4).
آمنه معاوية مكرها بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وصلح الإمام الحسن (عليه السلام) (5)،
فاستثمر صعصعة هذه الفرصة ضد معاوية. وكان معاوية دائم الامتعاض من
بيان صعصعة الفصيح المعبر وتعابيره الجميلة في وصف فضائل الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يخف هذا الامتعاض (6).
إن ما ذكرناه بحق هذا الرجل غيض من فيض. وستلاحظون عظمة هذه
الشخصية المتألقة في النصوص التي سننقلها لاحقا. وكفى في عظمته قول الإمام
الصادق (عليه السلام): ما كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه (7).



(1) الاختصاص: 121.
(2) الكافي: 7 / 51 / 7.
(3) مروج الذهب: 3 / 50، ديوان المعاني: 2 / 41.
(4) رجال الكشي: 1 / 285 / 123.
(5) رجال الكشي: 1 / 285 / 123.
(6) رجال الكشي: 1 / 285 / 123؛ مروج الذهب: 3 / 49 وص 51.
(7) رجال الكشي: 1 / 285 / 122 عن داود بن أبي يزيد.
161
توفي صعصعة أيام حكومة معاوية (1).
6550 - الطبقات الكبرى - في ذكر صعصعة بن صوحان -: كان من أصحاب علي
بن أبي طالب وشهد معه الجمل هو وأخواه زيد وسيحان ابنا صوحان. وكان
سيحان الخطيب قبل صعصعة، وكانت الراية يوم الجمل في يده فقتل، فأخذها
زيد فقتل، فأخذها صعصعة (2).
6551 - الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان: دخلت على عثمان بن عفان
في نفر من المصريين، فقال عثمان: قدموا رجلا منكم يكلمني، فقدموني، فقال
عثمان: هذا، وكأنه استحدثني.
فقلت له: إن العلم لو كان بالسن لم يكن لي ولا لك فيه سهم، ولكنه بالتعلم.
فقال عثمان: هات.
فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) (3).
فقال عثمان: فينا نزلت هذه الآية.
فقلت له: فمر بالمعروف وانه عن المنكر.
فقال عثمان: دع هذا وهات ما معك.
فقلت له: بسم الله الرحمن الرحيم (الذين أخرجوا من ديرهم بغير حق إلا أن يقولوا
ربنا الله) (4) إلى آخر الآية.



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 221، تاريخ دمشق: 24 / 85، أسد الغابة: 3 / 21 / 2505.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 221.
(3) الحج: 41.
(4) الحج: 40.
162
فقال عثمان: وهذه أيضا نزلت فينا، فقلت له: فأعطنا بما أخذت من الله.
فقال عثمان: يا أيها الناس، عليكم بالسمع والطاعة، فإن يد الله على الجماعة
وإن الشيطان مع الفذ (1)، فلا تستمعوا إلى قول هذا، وإن هذا لا يدري من الله ولا
أين الله.
فقلت له: أما قولك: " عليكم بالسمع والطاعة " فإنك تريد منا أن نقول غدا:
(ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) (2)، وأما قولك: " أنا لا أدري من
الله " فإن الله ربنا ورب آبائنا الأولين، وأما قولك: " إني لا أدري أين الله " فإن الله
تعالى بالمرصاد.
قال: فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا (3).
6552 - تاريخ اليعقوبي عن صعصعة بن صوحان - بعد خلافة الإمام علي (عليه السلام) -:
والله يا أمير المؤمنين، لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي
إليك أحوج منك إليها (4).
6553 - الغارات عن الأسود بن قيس: جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) عائدا صعصعة
فدخل عليه فقال له: يا صعصعة، لا تجعلن عيادتي إليك أبهة على قومك.
فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن نعمة وشكرا.
فقال له علي (عليه السلام): إن كنت لما علمت لخفيف المؤونة عظيم المعونة.



(1) الفذ: الواحد. وقد فذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقي فردا (النهاية: 3 / 422).
(2) الأحزاب: 67.
(3) الأمالي للطوسي: 236 / 418.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179؛ الصواعق المحرقة: 127.
163
فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين، إنك ما علمت بكتاب الله لعليم،
وإن الله في صدرك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرؤوف رحيم (1).
6554 - تاريخ اليعقوبي: إن عليا دخل على صعصعة يعوده، فلما رآه علي قال:
إنك ما علمت حسن المونة خفيق المؤونة.
فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين، عليم، وأبه في صدرك عظيم.
فقال له علي: لا تجعلها أبهة على قومك أن عادك إمامك.
قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكنه من من الله علي أن عادني أهل البيت وابن عم
رسول رب العالمين (2).
6555 - الاختصاص عن مسمع بن عبد الله البصري عن رجل: لما بعث علي بن
أبي طالب صلوات الله عليه صعصعة بن صوحان إلى الخوارج قالوا له: أرأيت
لو كان علي معنا في موضعنا أتكون معه؟
قال: نعم.
قالوا: فأنت إذا مقلد عليا دينك، ارجع فلا دين لك.
فقال لهم صعصعة: ويلكم ألا أقلد من قلد الله فأحسن التقليد فاضطلع بأمر الله
صديقا لم يزل؟ أولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا اشتدت الحرب قدمه في لهواتها فيطؤ
صماخها بأخمصه (3)، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله عنه يعبر



(1) الغارات: 2 / 524، رجال الكشي: 1 / 284 / 121 عن أحمد بن النصر عن الإمام الرضا (عليه السلام)؛ ربيع
الأبرار: 4 / 133، مقاتل الطالبيين: 50 عن أبي الطفيل وكلها نحوه.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 204؛ تاريخ دمشق: 24 / 87 عن مصعب أبي قدامة العبدي نحوه وفيه " خفيف
المؤونة حسن المعونة " بدل " حسن المونة خفيق المؤونة " وراجع أنساب الأشراف: 2 / 391.
(3) أخمص القدم: باطنها الذي لا يصيب الأرض (مجمع البحرين: 1 / 555).
164
رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون، فأنى تصرفون، وأين تذهبون، وإلى من ترغبون
وعمن تصدفون!؟ (1)
6556 - مروج الذهب عن محمد بن عبد الله بن الحارث الطائي: لما انصرف علي
من الجمل قال لآذنه: من بالباب من وجوه العرب؟
قال: محمد بن عمير بن عطارد التيمي والأحنف بن قيس وصعصعة بن
صوحان العبدي، في رجال سماهم.
فقال: إيذن لهم.
فدخلوا فسلموا عليه بالخلافة، فقال لهم: أنتم وجوه العرب عندي، ورؤساء
أصحابي، فأشيروا علي في أمر هذا الغلام المترف - يعني معاوية - فافتنت (2) بهم
المشورة عليه.
فقال صعصعة: إن معاوية أترفه الهوى، وحببت إليه الدنيا، فهانت عليه
مصارع الرجال، وابتاع آخرته بدنياهم، فإن تعمل فيه برأي ترشد وتصب، إن
شاء الله، والتوفيق بالله وبرسوله وبك يا أمير المؤمنين، والرأي أن ترسل له عينا
من عيونك وثقة من ثقاتك، بكتاب تدعوه إلى بيعتك، فإن أجاب وأناب كان له
ما لك وعليه ما عليك، وإلا جاهدته وصبرت لقضاء الله حتى يأتيك اليقين.
فقال علي: عزمت عليك يا صعصعة إلا كتبت الكتاب بيديك، وتوجهت به إلى
معاوية، واجعل صدر الكتاب تحذيرا وتخويفا، وعجزه استتابة واستنابة،
وليكن فاتحة الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين



(1) الاختصاص: 121.
(2) افتن الرجل في كلامه وخصومته: إذا توسع وتصرف وجاء بالأفانين (لسان العرب: 13 / 326).
165
إلى معاوية، سلام عليك، أما بعد... " ثم اكتب ما أشرت به علي، واجعل عنوان
الكتاب " ألا إلى الله تصير الأمور ".
قال: أعفني من ذلك.
قال: عزمت عليك لتفعلن.
قال: أفعل، فخرج بالكتاب وتجهز وسار حتى ورد دمشق، فأتى باب معاوية
فقال لآذنه: استأذن لرسول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - وبالباب أزفلة (1)
من بني أمية - فأخذته الأيدي والنعال لقوله، وهو يقول: (أتقتلون رجلا أن يقول
ربى الله) (2) وكثرت الجلبة (3) واللغط، فاتصل ذلك بمعاوية فوجه من يكشف
الناس عنه، فكشفوا، ثم أذن لهم فدخلوا، فقال لهم: من هذا الرجل؟
فقالوا: رجل من العرب يقال له: صعصعة بن صوحان معه كتاب من علي.
فقال: والله لقد بلغني أمره، هذا أحد سهام علي وخطباء العرب، ولقد كنت إلى
لقائه شيقا، ائذن له يا غلام، فدخل عليه.
فقال: السلام عليك يا بن أبي سفيان، هذا كتاب أمير المؤمنين.
فقال معاوية: أما إنه لو كانت الرسل تقتل في جاهلية أو إسلام لقتلتك، ثم
اعترضه معاوية في الكلام، وأراد أن يستخرجه ليعرف قريحته أطبعا أم تكلفا،
فقال: ممن الرجل؟
قال: من نزار.



(1) الأزفلة: الجماعة (المحيط في اللغة: 9 / 57).
(2) غافر: 28.
(3) الجلب: هو جمع جلبة وهي الأصوات (النهاية: 1 / 281).
166
قال: وما كان نزار؟
قال: كان إذا غزا نكس، وإذا لقى افترس، وإذا انصرف احترس.
قال: فمن أي أولاده أنت؟
قال: من ربيعة.
قال: وما كان ربيعة؟
قال: كان يطيل النجاد، ويعول العباد، ويضرب ببقاع الأرض العماد.
قال: فمن أي أولاده أنت؟
قال: من جديلة.
قال: وما كان جديلة؟
قال: كان في الحرب سيفا قاطعا، وفي المكرمات غيثا نافعا، وفي اللقاء لهبا
ساطعا.
قال: فمن أي أولاده أنت؟
قال: من عبد القيس.
قال: وما كان عبد القيس؟
قال: كان خصيبا خضرما أبيض وهابا لضيفه ما يجد، ولا يسأل عما فقد،
كثير المرق، طيب العرق، يقوم للناس مقام الغيث من السماء.
قال: ويحك يا بن صوحان! فما تركت لهذا الحي من قريش مجدا ولا فخرا.
قال: بلى والله يا بن أبي سفيان، تركت لهم ما لا يصلح إلا بهم، ولهم تركت
الأبيض والأحمر، والأصفر والأشقر، والسرير والمنبر، والملك إلى المحشر،
وأنى لا يكون ذلك كذلك وهم منار الله في الأرض ونجومه في السماء؟!
ففرح معاوية وظن أن كلامه يشتمل على قريش كلها، فقال: صدقت

167
يا بن صوحان، إن ذلك لكذلك.
فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد،
بعدتم عن أنف المرعى وعلوتم عن عذب الماء.
قال: فلم ذلك ويلك يا بن صوحان؟
قال: الويل لأهل النار! ذلك لبني هاشم.
قال: قم، فأخرجوه.
فقال صعصعة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، من أراد المشاجرة قبل
المحاورة.
فقال معاوية: لشيء ما سوده قومه، وددت والله أني من صلبه، ثم التفت إلى
بني أمية فقال: هكذا فلتكن الرجال (1).
6557 - مروج الذهب عن الحارث بن مسمار البهراني: حبس معاوية صعصعة بن
صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي مع
رجال من قريش، فدخل عليهم معاوية يوما فقال: نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا
وصدقا، أي الخلفاء رأيتموني؟
فقال ابن الكواء: لولا أنك عزمت علينا ما قلنا لأنك جبار عنيد، لا تراقب الله
في قتل الأخيار، ولكنا نقول: إنك ما علمنا واسع الدنيا، ضيق الآخرة، قريب
الثرى، بعيد المرعى، تجعل الظلمات نورا، والنور ظلمات.
فقال معاوية: إن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته، التاركين



(1) مروج الذهب: 3 / 47.
168
لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله، والمحلين ما
حرم الله، والمحرمين ما أحل الله.
فقال عبد الله بن الكواء: يا بن أبي سفيان، إن لكل كلام جوابا، ونحن نخاف
جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا تأخذها في
الله لومة لائم، وإلا فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجة (1).
قال: والله لا يطلق لك لسان.
ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا بن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصر عما
أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا،
ودانهم كبرا، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا؟! أما والله، ما لك في يوم بدر
مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه إلا كما قال القائل: " لا حلي ولا سيري " (2) ولقد
كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما أنت طليق
ابن طليق، أطلقكما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنى تصلح الخلافة لطليق؟
فقال معاوية: لولا أني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم
لقتلتكم (3).
6558 - ديوان المعاني عن محمد بن عباد: تكلم صعصعة عند معاوية بكلام
أحسن فيه فحسده عمرو بن العاص، فقال: هذا بالتمر أبصر منه بالكلام!



(1) الفرجة: وهي الخلوص من شدة (مجمع البحرين: 3 / 1373).
(2) يقال للرجل إذا لم يكن عنده غناء (لسان العرب: 11 / 163).
(3) مروج الذهب: 3 / 49.
169
قال صعصعة: أجل! أجوده ما دق نواه ورق سحاؤه (1) وعظم لحاؤه (2)، والريح
تنفجه (3) والشمس تنضجه والبرد يدمجه، ولكنك يا بن العاص لا تمرا تصف ولا
الخير تعرف، بل تحسد فتقرف.
فقال معاوية [لعمرو]: رغما! فقال عمرو: أضعاف الرغم لك! وما بي إلا بعض
ما بك (4).
6559 - تاريخ الطبري عن الشعبي - في ذكر قيام الكوفيين على سعيد بن
العاص -: فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك ويقول: إن رهطا من أهل الكوفة
- سماهم له عشرة - يؤلبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا، وقد
خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا، فكتب عثمان إلى سعيد: أن سيرهم إلى معاوية
- ومعاوية يومئذ على الشام -.
فسيرهم - وهم تسعة نفر - إلى معاوية فيهم: مالك الأشتر وثابت بن قيس بن
منقع وكميل بن زياد النخعي وصعصعة بن صوحان....
إن معاوية... قال فيما يقول: وإني والله ما آمركم بشيء إلا قد بدأت فيه
بنفسي وأهل بيتي وخاصتي، وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن
أكرمها، إلا ما جعل الله لنبيه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله)، فإن الله انتخبه وأكرمه، فلم يخلق
في أحد من الأخلاق الصالحة شيئا إلا أصفاه الله بأكرمها وأحسنها، ولم يخلق
من الأخلاق السيئة شيئا في أحد إلا أكرمه الله عنها ونزهه، وإني لأظن أن



(1) أي: قشره (لسان العرب: 14 / 372).
(2) اللحاء: هو ما كسا النواة (لسان العرب: 15 / 242).
(3) نفجت الشيء: أي عظمته (مجمع البحرين: 3 / 1808).
(4) ديوان المعاني: 2 / 41؛ قاموس الرجال: 5 / 497.
170
أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازما.
قال صعصعة: كذبت قد ولدهم خير من أبي سفيان، من خلقه الله بيده ونفخ
فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البر والفاجر والأحمق
والكيس.
فخرج تلك الليلة من عندهم، ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم طويلا، ثم
قال: أيها القوم ردوا علي خيرا أو اسكتوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع
أهليكم وينفع عشائركم وينفع جماعة المسلمين، فاطلبوه تعيشوا ونعش بكم.
فقال صعصعة: لست بأهل ذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال: أوليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعته وطاعة نبيه (صلى الله عليه وآله)...
ولزوم الجماعة وكراهة الفرقة، وأن توقروا أئمتكم وتدلوهم على كل حسن ما
قدرتم، وتعظوهم في لين ولطف في شيء إن كان منهم؟
فقال صعصعة: فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن في المسلمين من هو أحق به
منك. قال: من هو؟ قال: من كان أبوه أحسن قدما من أبيك، وهو بنفسه أحسن
قدما منك في الإسلام (1). 6560 - رجال الكشي عن عاصم بن أبي النجود عمن شهد ذلك: إن معاوية حين
قدم الكوفة دخل عليه رجال من أصحاب علي (عليه السلام)، وكان الحسن (عليه السلام) قد أخذ
الأمان لرجال منهم مسمين بأسمائهم وأسماء آبائهم، وكان فيهم صعصعة.
فلما دخل عليه صعصعة، قال معاوية لصعصعة، أما والله، إني كنت لأبغض أن



(1) تاريخ الطبري: 4 / 323 وراجع تاريخ دمشق: 24 / 92 وشرح نهج البلاغة: 2 / 131 والبداية
والنهاية: 74 / 165.
171
تدخل في أماني.
قال: وأنا والله، أبغض أن أسميك بهذا الاسم، ثم سلم عليه بالخلافة.
قال: فقال معاوية: إن كنت صادقا فاصعد المنبر فالعن عليا!
فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، أتيتكم من عند رجل
قدم شره وأخر خيره، وإنه أمرني أن ألعن عليا، فالعنوه لعنه الله، فضج أهل
المسجد بآمين.
فلما رجع إليه فأخبره بما قال، ثم قال: لا والله ما عنيت غيري، ارجع حتى
تسميه باسمه.
فرجع وصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن
علي بن أبي طالب فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب، فضجوا بآمين.
فلما خبر معاوية قال: لا والله ما عنى غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد،
فأخرجوه (1).
6561 - العقد الفريد: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية ومعه عمرو بن
العاص جالس على سريره، فقال: وسع له على ترابية فيه.
فقال صعصعة: إني والله لترابي، منه خلقت وإليه أعود، ومنه أبعث، وإنك
لمارج (2) من مارج من نار (3).
6562 - تاريخ الطبري عن مرة بن منقذ بن النعمان - في ذكر خروج الخوارج في



(1) رجال الكشي: 1 / 285 / 123.
(2) المارج: اللهب المختلط بسواد النار (لسان العرب: 2 / 365).
(3) العقد الفريد: 3 / 355.
172
زمن معاوية وسعي المغيرة لتعيين قائد الجند -: لقد كان صعصعة بن صوحان قام
بعد معقل بن قيس وقال: ابعثني إليهم أيها الأمير، فأنا والله لدمائهم مستحل،
وبحملها مستقل.
فقال: اجلس، فإنما أنت خطيب. فكان أحفظه ذلك، وإنما قال ذلك لأنه بلغه
أنه يعيب عثمان بن عفان، ويكثر ذكر علي ويفضله، وقد كان دعاه، فقال: إياك
أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإياك أن يبلغني عنك أنك
تظهر شيئا من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله،
بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس،
فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدا، ندفع به هؤلاء
القوم عن أنفسنا تقية، فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي
منازلكم سرا، وأما علانية في المسجد فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا، ولا يعذرنا
به.
فكان يقول له: نعم أفعل، ثم يبلغه أنه قد عاد إلى ما نهاه عنه، فلما قام إليه
وقال له: ابعثني إليهم، وجد المغيرة قد حقد عليه خلافه إياه، فقال: اجلس،
فإنما أنت خطيب، فأحفظه.
فقال له: أو ما أنا إلا خطيب فقط؟! أجل والله، إني للخطيب الصليب الرئيس،
أما والله لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلفت القنا،
فشؤون (1) تفرى، وهامة تختلى، لعلمت أني أنا الليث الهزبر.



(1) الشأن: واحد الشؤون، وهي مواصل قبائل الرأس وملتقاها، ومنها تجيء الدموع
(مجمع البحرين: 2 / 922).
173
فقال: حسبك الآن، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا (1).
6563 - مروج الذهب: وفد عليه [أي معاوية] عقيل بن أبي طالب منتجعا وزائرا،
فرحب به معاوية، وسر بوروده، لاختياره إياه على أخيه، وأوسعه حلما
واحتمالا، فقال له: يا أبا يزيد، كيف تركت عليا؟!
فقال: تركته على ما يحب الله ورسوله وألفيتك على ما يكره الله ورسوله.
فقال له معاوية: لولا أنك زائر منتجع جنابنا لرددت عليك أبا يزيد جوابا تألم
منه، ثم أحب معاوية أن يقطع كلامه مخافة أن يأتي بشيء يخفضه، فوثب عن
مجلسه، وأمر له بنزل، وحمل إليه مالا عظيما، فلما كان من غد جلس وأرسل
إليه فأتاه، فقال له: يا أبا يزيد، كيف تركت عليا أخاك؟!
قال: تركته خيرا لنفسه منك، وأنت خير لي منه.
فقال له معاوية: أنت والله كما قال الشاعر:
وإذا عددت فخار آل محرق * فالمجد منهم في بني عتاب
فمحل المجد من بني هاشم منوط فيك يا أبا يزيد ما تغيرك الأيام والليالي.
فقال عقيل:
اصبر لحرب أنت جانيها * لابد أن تصلى بحاميها
وأنت والله يا بن أبي سفيان كما قال الآخر:
وإذا هوازن أقبلت بفخارها * يوما فخرتهم بآل مجاشع
بالحاملين على الموالي غرمهم * والضاربين الهام يوم الفازع
ولكن أنت يا معاوية إذا افتخرت بنو أمية فبمن تفخر؟



(1) تاريخ الطبري: 5 / 188.
174
فقال معاوية: عزمت عليك أبا يزيد لما أمسكت، فإني لم أجلس لهذا، وإنما
أردت أن أسألك عن أصحاب علي فإنك ذو معرفة بهم.
فقال عقيل: سل عما بدا لك.
فقال: ميز لي أصحاب علي، وابدأ بآل صوحان فإنهم مخاريق الكلام.
قال: أما صعصعة فعظيم الشأن، عضب (1) اللسان، قائد فرسان، قاتل أقران،
يرتق ما فتق ويفتق ما رتق، قليل النظير، وأما زيد وعبد الله فإنهما نهران
جاريان، يصب فيهما الخلجان، ويغاث بهما البلدان، رجلا جد لا لعب معه، وبنو
صوحان كما قال الشاعر:
إذا نزل العدو فإن عندي * أسودا تخلس الأسد النفوسا
فاتصل كلام عقيل بصعصعة فكتب إليه: " بسم الله الرحمن الرحيم، ذكر الله
أكبر، وبه يستفتح المستفتحون، وأنتم مفاتيح الدنيا والآخرة، أما بعد، فقد بلغ
مولاك كلامك لعدو الله وعدو رسوله، فحمدت الله على ذلك، وسألته أن يفيء
بك إلى الدرجة العليا، والقضيب الأحمر، والعمود الأسود فإنه عمود من فارقه
فارق الدين الأزهر، ولئن نزعت بك نفسك إلى معاوية طلبا لماله إنك لذو علم
بجميع خصاله، فاحذر أن تعلق بك ناره فيضلك عن الحجة، فإن الله قد رفع
عنكم أهل البيت ما وضعه في غيركم، فما كان من فضل أو إحسان فبكم وصل
إلينا، فأجل الله أقداركم، وحمى أخطاركم، وكتب آثاركم، فإن أقداركم مرضية،
وأخطاركم محمية، وآثاركم بدرية، وأنتم سلم الله إلى خلقه، ووسيلته إلى
طرقه، أيد علية، ووجوه جلية " (2).



(1) عضب لسانه بالضم عضوبة: صار عضبا، أي حديدا في الكلام (مجمع البحرين: 2 / 1230).
(2) مروج الذهب: 3 / 46.
175
51
الضحاك بن قيس الهلالي
6564 - الكامل في التاريخ: في هذه السنة [38 ه‍] بعد مقتل محمد بن أبي بكر
واستيلاء عمرو بن العاص على مصر، سير معاوية عبد الله بن عمرو الحضرمي
إلى البصرة... فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة... فخطبهم وقال: إن عثمان
إمامكم إمام الهدى، قتل مظلوما، قتله علي، فطلبتم بدمه فجزاكم الله خيرا.
فقام الضحاك بن قيس الهلالي، وكان على شرطة ابن عباس، فقال: قبح الله ما
جئتنا به وما تدعونا إليه، أتيتنا والله بمثل ما أتانا به طلحة والزبير، أتيانا وقد
بايعنا عليا واستقامت أمورنا، فحملانا على الفرقة حتى ضرب بعضنا بعضا،
ونحن الآن مجتمعون على بيعته، وقد أقال العثرة، وعفا عن المسئ، أفتأمرنا
أن ننتضي أسيافنا ويضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا؟ والله ليوم من أيام
علي خير من معاوية وآل معاوية... (1).
52
ضرار بن ضمرة الضبابي
6565 - خصائص الأئمة (عليهم السلام): ذكروا أن ضرار بن ضمرة الضبابي دخل على
معاوية بن أبي سفيان وهو بالموسم فقال له: صف عليا.
قال: أو تعفني؟
قال: لا بد أن تصفه لي.



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 415. راجع: القسم السابع / هجمات عمال معاوية / هجوم ابن الحضرمي
على البصرة.
176
قال: كان والله أمير المؤمنين (عليه السلام)، طويل المدى، شديد القوى، كثير الفكرة،
غزير العبرة، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة
من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان فينا
كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته،
ولا ندنو منه تعظيما له، فإن تبسم فعن غير أشر (1) ولا اختيال، وإن نطق فعن
الحكمة وفصل الخطاب، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع الغني
في باطله، ولا يوئس الضعيف من حقه، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد
أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته يتململ تململ
السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا، إليك عني أبي تعرضت أم لي
تشوقت؟ لا حان حينك، هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا
لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد،
وطول المجاز، وبعد السفر، وعظيم المورد!
قال: فوكفت (2) دموع معاوية ما يملكها، ويقول: هكذا كان علي (عليه السلام)، فكيف
حزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ دمعتها
ولا تسكن حرارتها (3).
راجع: (4) القسم التاسع / علي عن لسان أصحابه / ضرار بن ضمرة.



(1) الأشر: البطر. وقيل: أشد البطر (النهاية: 1 / 51).
(2) وكف الدمع: إذا تقاطر (النهاية: 5 / 220).
(3) خصائص الأئمة (عليهم السلام): 70، نهج البلاغة: الحكمة 77 وفيه من " فأشهد لقد رأيته " إلى " عظيم
المورد "، عدة الداعي: 195 وفي ذيله " فكيف كان حبك إياه؟ قال: كحب أم موسى لموسى، وأعتذر
إلى الله من التقصير، قال: فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال: صبر من ذبح ولدها على صدرها؛ فهي
لا ترقأ عبرتها ولا تسكن حرارتها. ثم قام وخرج وهو باك. فقال معاوية: أما إنكم لو فقدتموني
لما كان فيكم من يثني علي من هذا الثناء. فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر
صاحبه "؛ مروج الذهب: 2 / 433 وج 3 / 25 عن أبي مخنف وفيه ذيله، حلية الأولياء:
1 / 84، تاريخ دمشق: 24 / 401 كلاهما عن أبي صالح وكلها نحوه وراجع المناقب لابن
شهر آشوب: 2 / 103.
177
53
عامر بن واثلة
عامر بن واثلة بن عبد الله الكناني الليثي، أبو الطفيل وهو بكنيته أشهر. ولد
في السنة التي كانت فيها غزوة أحد. أدرك ثماني سنين من حياة النبي (صلى الله عليه وآله) (1)،
ورآه (2)، وهو آخر من مات من الصحابة (3).
وكان يقول: أنا آخر من بقي ممن كان رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). توفي سنة
100 ه‍ (5).



(1) مسند ابن حنبل: 9 / 209 / 23860، المستدرك على الصحيحين: 3 / 716 / 6592، التاريخ
الكبير: 6 / 446 / 2947، سير أعلام النبلاء: 3 / 469 / 97؛ رجال الطوسي: 70 / 646.
(2) مسند ابن حنبل: 9 / 209 / 23857، سير أعلام النبلاء: 3 / 468 / 97، تاريخ بغداد: 1 / 198 / 37،
المعارف لابن قتيبة: 341، الاستيعاب: 2 / 347 / 1352؛ رجال الكشي: 1 / 309 / 149.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 717 / 6592، تهذيب الكمال: 14 / 81 / 3064، الطبقات
لخليفة بن خياط: 68 / 176، تاريخ بغداد: 1 / 198 / 37، تاريخ دمشق: 26 / 113، تهذيب
التهذيب: 3 / 55 / 3613؛ وقعة صفين: 359.
(4) مسند ابن حنبل: 9 / 209 / 23858، تاريخ دمشق: 26 / 114.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 717 / 6594، تهذيب الكمال: 14 / 81 / 3064، الطبقات
لخليفة بن خياط: 68 / 176، الاستيعاب: 2 / 347 / 1352.
178
كان من أصحاب علي (عليه السلام) (1) وثقاته (2) ومحبيه (3) وشيعته (4) وشهد معه جميع
حروبه (5).
كان له حظ وافر من الخطابة، وكان ينشد الشعر الجميل. كما كان مقاتلا باسلا
في الحروب. خطب في صفين كثيرا، وذهب إلى العسكر ومدح عليا (عليه السلام) بشعره
النابع من شعوره الفياض. وافتخر بصمود أصحاب الإمام، وقدح في أصحاب
الفضائح من الأمويين وأخزاهم (6). وذكره نصر بن مزاحم بأنه من " مخلصي
الشيعة "، وأخبر عن مواقفه الرائعة (7).
كان عامر بن واثلة حامل لواء المختار، عندما نهض للثأر بدم الإمام
الحسين (عليه السلام) (8). وقيل: إنه كان كيسانيا (9)، واختلف فيه (10). والصحيح أنه رجع إن
كان كيسانيا (11). ساعدته مهارته في الكلام واستيعابه لمعارف الحق وإلمامه



(1) رجال الطوسي: 70 / 646، تاريخ اليعقوبي: 2 / 307؛ سير أعلام النبلاء: 3 / 468 / 97.
(2) كشف المحجة: 236.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 469 / 97، تاريخ دمشق: 26 / 116، الاستيعاب: 2 / 347 / 1352.
(4) تهذيب الكمال: 14 / 80 / 3064، سير أعلام النبلاء: 3 / 468 / 97، تاريخ دمشق: 26 / 113.
(5) سير أعلام النبلاء: 3 / 470 / 97، المعارف لابن قتيبة: 341، الاستيعاب: 2 / 347 / 1352،
الوافي بالوفيات: 16 / 584 / 623.
(6) وقعة صفين: 309 - 313 وص 554.
(7) وقعة صفين: 359.
(8) سير أعلام النبلاء: 3 / 469 / 97، المعارف لابن قتيبة: 431، الوافي بالوفيات: 16 / 584 / 623
وفيه " خرج مع المختار طالبا بدم الحسين (عليه السلام) ".
(9) رجال الكشي: 1 / 309 / 149.
(10) قاموس الرجال: 5 / 633 / 3837.
(11) معجم رجال الحديث: 9 / 205 / 6108.
179
بكتاب الله على أن يتحدث بصلابة، دفاعا عن الحق، وتقريعا لغير الكفوئين (1).
لقد كان شخصية عظيمة، ذكره أصحاب الرجال بإجلال وإكبار. وقال الذهبي في
حقه: كان ثقة فيما ينقله، صادقا، عالما، شاعرا، فارسا، عمر دهرا طويلا (2).
6566 - وقعة صفين عن جابر الجعفي: سمعت تميم بن حذيم الناجي يقول: لما
استقام لمعاوية أمره، لم يكن شيء أحب إليه من لقاء عامر بن واثلة، فلم يزل
يكاتبه ويلطف حتى أتاه، فلما قدم سأله عن عرب الجاهلية. قال: ودخل عليه
عمرو بن العاص ونفر معه، فقال لهم معاوية: تعرفون هذا؟ هذا فارس صفين
وشاعرها، هذا خليل أبا الحسن.
ثم قال: يا أبا الطفيل، ما بلغ من حبك عليا؟
قال: حب أم موسى لموسى.
قال: فما بلغ من بكائك عليه؟
قال: بكاء العجوز المقلات، والشيخ الرقوب (3) إلى الله أشكو تقصيري.
فقال معاوية: ولكن أصحابي هؤلاء لو كانوا سئلوا عني ما قالوا في ما قلت
في صاحبك.
قال: إنا والله لا نقول الباطل.
فقال لهم معاوية: لا والله ولا الحق (4).
6567 - سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن الهمداني: دخل أبو الطفيل على



(1) تنقيح المقال: 2 / 119 / 6064 نقلا عن المناقب لابن شهر آشوب، قاموس الرجال: 5 / 629
و 630 / 3837.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 470 / 97.
(3) أي الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد (لسان العرب: 1 / 427).
(4) وقعة صفين: 554؛ الوافي بالوفيات: 16 / 584 / 623.
180
معاوية، فقال: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليا؟
قال: ثكل العجوز المقلات والشيخ الرقوب.
قال: فكيف حبك له؟
قال: حب أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير (1).
6568 - الاستيعاب: قدم أبو الطفيل يوما على معاوية فقال له: كيف وجدك على
خليلك أبي الحسن؟
قال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير (2).
6569 - تاريخ اليعقوبي: أتاه [عمر بن عبد العزيز] أبو الطفيل عامر بن واثلة وكان
من أصحاب علي، فقال له: يا أمير المؤمنين! لم منعتني عطائي؟
فقال له: بلغني أنك صقلت سيفك، وشحذت سنانك، ونصلت سهمك،
وغلفت قوسك، تنتظر الإمام القائم حتى يخرج، فإذا خرج وفاك عطاءك.
فقال: إن الله سائلك عن هذا.
فاستحيا عمر من هذا وأعطاه (3).
6570 - تاريخ دمشق عن أبي عبد الله الحافظ: سمعت أبا عبد الله - يعني محمد
بن يعقوب الأخرم - يقول وسئل لم ترك البخاري حديث أبي الطفيل عامر بن
واثلة؟
قال: لأنه كان يفرط في التشيع (4).



(1) سير أعلام النبلاء: 3 / 469 / 97، أنساب الأشراف: 5 / 101، تاريخ دمشق: 26 / 116.
(2) الاستيعاب: 4 / 260 / 3084، أسد الغابة: 6 / 177 / 6035.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 307.
(4) تاريخ دمشق: 26 / 128.
181
54
عبد الله بن الأهتم
ذكره البلاذري في أنساب الأشراف من ولاة الإمام علي (عليه السلام)، فقد قال: وولي
عبد الله بن الأهتم كرمان (1).
وكان عبد الله بالبصرة حين دخلها زياد بن أبيه، وأيد خطبته الأولى
ومدحه (2). وتعاون مع الحجاج بن يوسف أيضا (3). عاقبته مدعاة إلى العظة
والاعتبار والتذكير (4).
55
عبد الله بن بديل
عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، أسلم قبل فتح مكة (5)، وشهد حنينا،
والطائف، وتبوك (6)، أشخصه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى اليمن مع أخيه عبد الرحمن (7). عده
المؤرخون من عظماء أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعيانهم (8).



(1) أنساب الأشراف: 2 / 402.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 221، الكامل في التاريخ: 2 / 474.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 295.
(4) شرح نهج البلاغة: 19 / 10.
(5) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 567، الاستيعاب: 3 / 9 / 1489، أسد الغابة: 3 / 184 / 2834،
تقريب التهذيب: 296 / 3225 وفيه " يوم الفتح " بدل " قبل فتح ".
(6) الاستيعاب: 3 / 9 / 1489، أسد الغابة: 3 / 184 / 2834 وفيه " شهد الفتح وحنينا و... "، تاريخ
الإسلام للذهبي: 3 / 567 وفيه " شهد الفتح وما بعدها ".
(7) رجال الطوسي: 70 / 643؛ الإصابة: 4 / 18 / 4577، تهذيب التهذيب: 3 / 98 / 3747.
(8) أسد الغابة: 3 / 184 / 2834، الاستيعاب: 3 / 9 / 1489، تهذيب التهذيب: 3 / 98 / 3747.
182
اشترك عبد الله في الثورة على عثمان (1). ثم كان إلى جانب الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) عضدا صلبا وصاحبا مضحيا. وشهد معه الجمل، وصفين.
وكان في صفين قائد الرجالة (2) أو قائد الميمنة، وتولى رئاسة قراء الكوفة
أيضا (3).
تدل خطبه وأقواله على أنه كان يتمتع بوعي عظيم في معرفة أوضاع عصره،
وأناس زمانه، ودوافع أعداء الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (4). وقف عند قيام الحرب
بكل ثبات، وقال: " إن معاوية ادعى ما ليس له، ونازع الأمر أهله ومن ليس
مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحق، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب،
وزين لهم الضلالة... وأنتم والله على نور من ربكم، وبرهان مبين " (5).
دنا من معاوية بشجاعة محمودة وصولة لا هوادة فيها. فلما رأى معاوية أن
الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت، أمر أن يرضخ بالصخر والحجارة ويقضى
عليه. فاستشهد عبد الله (6)، وسماه معاوية " كبش القوم "، وذكر شجاعته
واستبساله متعجبا (7)، وذهب إلى أنه فذ لا نظير له في القتال. وعد عبد الله أحد



(1) تاريخ الطبري: 4 / 382، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 567.
(2) وقعة صفين: 205؛ تاريخ خليفة بن خياط: 146، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 567، الاستيعاب:
3 / 9 / 1489، تهذيب التهذيب: 3 / 98 / 3747.
(3) وقعة صفين: 208؛ تاريخ الطبري: 5 / 15.
(4) وقعة صفين: 102.
(5) وقعة صفين: 234؛ الإصابة: 4 / 19 / 4577 نحوه.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 446 / 5688.
(7) وقعة صفين: 246؛ تاريخ الطبري: 5 / 24، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 543، الاستيعاب:
3 / 10 / 1489.
183
دهاة العرب الخمسة (1).
واستشهد أخوه عبد الرحمن في صفين أيضا (2). ودافع عبد الله عن إمامه حتى
آخر لحظة من حياته بكل ما أوتي من جهد. وعندما طلب منه رفيق دربه
وصاحبه الأسود بن طهمان الخزاعي أن يوصيه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، قال:
" أوصيك بتقوى الله، وأن تناصح أمير المؤمنين، وأن تقاتل معه المحلين حتى
يظهر الحق أو تلحق بالله، وأبلغه عني السلام... ".
وعندما بلغ الإمام صلوات الله عليه سلامه قال:
" رحمه الله! جاهد معنا عدونا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة " (3).
6571 - وقعة صفين عن زيد بن وهب: إن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال:
إن معاوية ادعى ما ليس له، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله، وجادل بالباطل
ليدحض به الحق، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب، وزين لهم الضلالة،
وزرع في قلوبهم حب الفتنة، ولبس عليهم الأمر، وزادهم رجسا إلى رجسهم،
وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين.
قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم، وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من
ربكم ظاهر مبروز؟! (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قتلوهم



(1) التاريخ الصغير: 1 / 138، تهذيب الكمال: 24 / 45، تاريخ الطبري: 5 / 164، الكامل في
التاريخ: 2 / 448، سير أعلام النبلاء: 3 / 108.
(2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 567، تهذيب التهذيب: 3 / 98 / 3747، أسد الغابة: 3 / 184 / 2834؛
رجال الطوسي: 70 / 643.
(3) وقعة صفين: 457؛ شرح نهج البلاغة: 8 / 93.
184
يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) (1) وقد
قاتلتهم مع النبي (صلى الله عليه وآله) والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر، قوموا إلى عدو الله
وعدوكم (2).
راجع: القسم السادس / وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد عبد الله بن بديل.
56
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي يكنى أبا جعفر من صحابة
النبي (صلى الله عليه وآله) (3). وعندما هاجرت أول مجموعة من المسلمين إلى الحبشة، كان جعفر
بن أبي طالب المشهور بذي الجناحين (4)، وزوجته أسماء بنت عميس معهم (5)،
وولد عبد الله هناك (6).
كان له من العمر سبع سنين عندما جاء إلى المدينة مع أبيه. ولما نظر إليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) تبسم وبسط يده، فبايعه عبد الله (7).



(1) التوبة: 13 و 14.
(2) وقعة صفين: 234؛ تاريخ الطبري: 5 / 16 وفيه " مبرورا " بدل " مبروز "، الاستيعاب:
3 / 10 / 1489 وليس فيه من " ولا تخشوهم " إلى " مبروز ".
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 655 / 6412، سير أعلام النبلاء: 3 / 456 / 93، تاريخ دمشق:
27 / 248؛ رجال الطوسي: 42 / 287.
(4) تاريخ دمشق: 27 / 248، سير أعلام النبلاء: 3 / 456 / 93.
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 655 / 6408، سير أعلام النبلاء: 3 / 457 / 93، تاريخ دمشق:
27 / 250.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 655 / 6408، تاريخ دمشق: 27 / 252.
(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 655 / 6410، سير أعلام النبلاء: 3 / 457 / 93، تاريخ دمشق:
27 / 252.
185
استشهد والده جعفر في مؤتة، فتكفل النبي (صلى الله عليه وآله) تربيته (1).
كان أخا لمحمد بن أبي بكر، ويحيى بن علي بن أبي طالب من جهة الأم (2).
وكانت تربطه بآل الرسول (صلى الله عليه وآله) وشيجة قوية. وهو زوج زينب بنت علي (عليه السلام). شهد
صفين مع عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) (3). ولم يأذن له بالقتال. وعندما عاد إلى الكوفة
قال (عليه السلام):... لئلا ينقطع به نسل بني هاشم (4). وكان عبد الله طويل الباع، فصيح
اللسان، ثابتا على الحق. عده المؤرخون وأصحاب التراجم من أجواد العرب
المشهورين (5)، بل من أسخاهم (6). وذكروا قصصا في ذلك (7)، من هنا سمي " بحر
الجود " (8).
كان يصحر بالحق في مواطن كثيرة، ويرعى المنزلة الرفيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
وآل الرسول (صلى الله عليه وآله). ولم يسكت عن الطعن في " الشجرة الملعونة " الأمويين على
مرأى ومسمع منهم (9)، مع هذا كله كان معاوية يكرمه (10).



(1) الطبقات الكبرى: 4 / 37، سير أعلام النبلاء: 3 / 456 وص 458 / 93، تاريخ دمشق: 27 / 255.
(2) أسد الغابة: 3 / 199 / 2864، الإصابة: 4 / 37 / 4609.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 460 / 93، تاريخ دمشق: 27 / 272، الإصابة: 4 / 37 / 4609،
تهذيب التهذيب: 3 / 108 / 3773.
(4) الخصال: 380 / 58، وقعة صفين: 530؛ تاريخ الطبري: 5 / 61، الكامل في التاريخ: 2 / 391.
(5) الاستيعاب: 3 / 18 / 1506.
(6) الاستيعاب: 3 / 17 / 1506.
(7) سير أعلام النبلاء: 3 / 459 - 461 / 93، تاريخ دمشق: 27 / 275 - 294.
(8) الاستيعاب: 3 / 17 / 1506، أسد الغابة: 3 / 200 / 2864.
(9) شرح نهج البلاغة: 15 / 229 وج 6 / 295.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3 / 656 / 6413، سير أعلام النبلاء: 3 / 459 / 93، الاستيعاب:
3 / 17 / 1506.
186
وكان مع الحسنين (عليهما السلام) بعد استشهاد أبيهما، وتبعهما بصدق.
وكان يتأسف على عدم حضوره في كربلاء، لكنه كان يفتخر ويعتز باستشهاد
أولاده مع الحسين (عليه السلام) (1).
توفي عبد الله بالمدينة سنة 80 ه‍ عام الجحاف (2) (3) وهو ابن ثمانين سنة (4).
57
عبد الله بن شبيل الأحمسي
كان واليا على آذربايجان مدة (5). وعندما فتحت ثانية سنة 24 ه‍ أو 25 ه‍
توجه إليها أميرا على مقدمة الجيش (6). أثنى عليه الإمام علي (عليه السلام) بالتواضع
وحسن السيرة والهدى (7).
6572 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى قيس بن سعد عامله على أذربيجان -:
قد سألني عبد الله بن شبيل الأحمسي الكتاب إليك في أمره، فأوصيك به خيرا،



(1) تاريخ الطبري: 5 / 466.
(2) سيل كان ببطن مكة جحف الحاج وذهب بالإبل وعليها الحمولة (تهذيب الكمال: 14 / 372).
(3) تهذيب الكمال: 14 / 372 / 3202، تاريخ خليفة بن خياط: 215، المستدرك على الصحيحين:
3 / 655 / 6408 وليس فيهما " عام الجحاف "، تاريخ دمشق: 27 / 253، الاستيعاب:
3 / 17 / 1506.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 655 / 6408، تاريخ دمشق: 27 / 298، تقريب التهذيب:
298 / 3251.
(5) أنساب الأشراف: 3 / 238؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
(6) تاريخ الطبري: 4 / 246، الكامل في التاريخ: 2 / 231، الإصابة: 4 / 109 / 4760، الاستيعاب:
3 / 58 / 1589، أسد الغابة: 3 / 274 / 3004 وفي الثلاثة الأخيرة " سنة 28 ه‍ ".
(7) أنساب الأشراف: 2 / 389؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 202.
187
فإني رأيته وادعا متواضعا، حسن السمت والهدي (1).
6573 - تاريخ اليعقوبي عن غياث: لما أجمع علي القتال لمعاوية كتب أيضا إلى
قيس: أما بعد، فاستعمل عبد الله بن شبيل الأحمسي خليفة لك، وأقبل إلي، فإن
المسلمين قد أجمع ملؤهم وانقادت جماعتهم، فعجل الإقبال، فأنا سأحضرن
إلى المحلين عند غرة الهلال، إن شاء الله، وما تأخري إلا لك، قضى الله لنا ولك
بالإحسان في أمرنا كله (2).
58
عبد الله بن عباس
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس القرشي الهاشمي، من
المفسرين والمحدثين المشهورين في التاريخ الإسلامي (3) ولد بمكة في الشعب
قبل الهجرة بثلاث سنين (4). وذهب إلى المدينة سنة 8 ه‍، عام الفتح (5). كان عمر
يستشيره في أيام خلافته (6). وعندما ثار الناس على عثمان، كان مندوبه في
الحج (7). ولما آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان صاحبه،
ونصيره، ومستشاره، وأحد ولاته وأمرائه العسكريين.



(1) أنساب الأشراف: 2 / 389؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 202 نحوه.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 203 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 238.
(3) أنساب الأشراف: 4 / 39، حلية الأولياء: 1 / 314، سير أعلام النبلاء: 3 / 331 / 51.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 615 / 6277، تاريخ بغداد: 1 / 173 / 14، تاريخ دمشق:
29 / 289، سير أعلام النبلاء: 3 / 332 / 51.
(5) سير أعلام النبلاء: 3 / 333 / 51.
(6) تاريخ بغداد: 1 / 173 / 14.
(7) أنساب الأشراف: 4 / 39، تاريخ الطبري: 4 / 448، سير أعلام النبلاء: 3 / 349 / 51.
188
كان على مقدمة الجيش في معركة الجمل (1)، ثم ولي البصرة (2) بعدها. وقبل
أن تبدأ حرب صفين، استخلف أبا الأسود الدؤلي على البصرة وتوجه مع
الإمام (عليه السلام) لحرب معاوية (3).
كان أحد أمراء الجيش في الأيام السبعة الأولى من الحرب (4). ولازم الإمام (عليه السلام)
بثبات على طول الحرب.
اختاره الإمام (عليه السلام) ممثلا عنه في التحكيم، بيد أن الخوارج والأشعث عارضوا
ذلك قائلين: لا فرق بينه وبين علي (عليه السلام) (5).
حاور الخوارج مندوبا عن الإمام (عليه السلام) في النهروان مرارا. وأظهر في مناظراته
الواعية عدم استقامتهم، وتزعزع موقفهم، كما أبان منزلة الإمام الرفيعة
السامية (6). كان واليا على البصرة عند استشهاد الإمام (عليه السلام) (7).
بايع الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) (8)، وتوجه إلى البصرة من قبله (9). ولم يشترك



(1) الجمل: 319؛ العقد الفريد: 3 / 314، الإمامة والسياسة: 1 / 90.
(2) أنساب الأشراف: 4 / 39، تاريخ الطبري: 5 / 93، سير أعلام النبلاء: 3 / 353 / 51؛ الجمل:
420.
(3) أنساب الأشراف: 4 / 39، تاريخ بغداد: 1 / 173 / 14، سير أعلام النبلاء: 3 / 353 / 51؛ الجمل:
421، وقعة صفين: 117.
(4) وقعة صفين: 221؛ تاريخ الطبري: 5 / 13، مروج الذهب: 2 / 388.
(5) وقعة صفين: 499؛ تاريخ الطبري: 5 / 51، الأخبار الطوال: 192، الفتوح: 4 / 198.
(6) راجع: القسم السادس / وقعة النهروان / مسير المارقين إلى النهروان / إشخاص عبد الله بن عباس
إليهم.
(7) تاريخ الطبري: 5 / 155؛ الإرشاد: 2 / 9.
(8) الإرشاد: 2 / 8؛ الفتوح: 4 / 283.
(9) الإرشاد: 2 / 9.
189
مع الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء. وعلل البعض ذلك بعماه.
لم يبايع عبد الله بن الزبير حين استولى على الحجاز، والبصرة، والعراق.
ومحمد ابن الحنفية لم يبايعه أيضا، فكبر ذلك على ابن الزبير حتى هم
بإحراقهما (1).
كان ابن عباس عالما له منزلته الرفيعة العالية في التفسير، والحديث، والفقه.
وكان تلميذ الإمام (عليه السلام) في العلم (2) مفتخرا بذلك أعظم افتخار.
توفي ابن عباس في منفاه بالطائف سنة 68 ه‍ وهو ابن إحدى وسبعين (3)، وهو
يكثر من قوله: " اللهم إني أتقرب إليك بمحمد وآله، اللهم إني أتقرب إليك بولاية
الشيخ علي بن أبي طالب " (4) وفي رواية: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة
قال: " اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب " (5).
خلفاء بني العباس من ذريته وأخبر الإمام (عليه السلام) بهذا في خطابه لابن عباس
" أبا الأملاك " (6).



(1) الطبقات الكبرى: 5 / 100 و 101، تاريخ دمشق: 54 / 338 و 339، سير أعلام النبلاء:
3 / 356 / 51، البداية والنهاية: 8 / 306.
(2) رجال العلامة الحلي: 103؛ مختصر تاريخ دمشق: 12 / 301 / 154، البداية والنهاية: 8 / 298.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 626 / 6309 وص 615 / 6277، التاريخ الكبير: 5 / 3 / 5،
أنساب الأشراف: 4 / 71، مروج الذهب: 3 / 108، سير أعلام النبلاء: 3 / 359 / 51.
(4) كفاية الأثر: 22، بشارة المصطفى: 239، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 200؛ فضائل الصحابة
لابن حنبل: 2 / 662 / 1129 وليس في الثلاثة الأخيرة " اللهم إني أتقرب إليك بمحمد وآله ".
(5) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 662 / 1129؛ بشارة المصطفى: 239، العمدة: 272 / 429،
المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 200، نهج الحق: 221.
(6) راجع: القسم الثالث عشر / إخباره بالأمور الغيبية / ملك بني العباس وزواله.
190
6574 - المستدرك على الصحيحين عن الزهري: قال المهاجرون لعمر بن
الخطاب: ادع أبناءنا كما تدعو ابن عباس.
قال: ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا سؤولا وقلبا عقولا (1).
6575 - أنساب الأشراف: إن ابن عباس خلا بعلي حين أراد أن يبعث أبا موسى
فقال: إني أخاف أن يخدع معاوية وعمرو أبا موسى فابعثني حكما ولا تبعثه
ولا تلتفت إلى قول الأشعث وغيره ممن اختاره فأبى، فلما كان من أمر
أبي موسى وخديعة عمرو له ما كان، قال علي: لله در ابن عباس إن كان لينظر إلى
الغيب من ستر رقيق (2).
6576 - مختصر تاريخ دمشق عن المدائني: قال علي بن أبي طالب في عبد الله
بن عباس: إنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق لعقله وفطنته بالأمور (3).
6577 - الجمل عن أبي مخنف لوط بن يحيى: لما استعمل أمير المؤمنين (عليه السلام)
عبد الله بن العباس على البصرة، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
رسوله، ثم قال:
يا معاشر الناس! قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس، فاسمعوا له وأطيعوا
أمره ما أطاع الله ورسوله، فإن أحدث فيكم أو زاغ عن الحق فأعلموني أعزله
عنكم، فإني أرجو أن أجده عفيفا تقيا ورعا، وإني لم أوله عليكم إلا وأنا أظن



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 621 / 6298، مختصر تاريخ دمشق: 12 / 304، سير أعلام
النبلاء: 3 / 345 / 51.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 121.
(3) مختصر تاريخ دمشق: 12 / 305، عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 35، المناقب للخوارزمي:
197 / 238 وليس فيهما " لعقله وفطنته بالأمور ".
191
ذلك به، غفر الله لنا ولكم (1).
6578 - وقعة صفين: كان علي قد استخلف ابن عباس على البصرة، فكتب
عبد الله بن عباس إلى علي يذكر له اختلاف أهل البصرة، فكتب إليه علي:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس.
أما بعد، فالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله.
أما بعد، فقد قدم علي رسولك وذكرت ما رأيت وبلغك عن أهل البصرة بعد
انصرافي، وسأخبرك عن القوم:
هم بين مقيم لرغبة يرجوها، أو عقوبة يخشاها. فأرغب راغبهم بالعدل عليه،
والإنصاف له والإحسان إليه، وحل عقدة الخوف عن قلوبهم، فإنه ليس لأمراء
أهل البصرة في قلوبهم عظم إلا قليل منهم. وانته إلى أمري ولا تعده، وأحسن إلى
هذا الحي من ربيعة، وكل من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله،
والسلام (2).
6579 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على
البصرة -: واعلم أن البصرة مهبط إبليس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها
بالإحسان إليهم، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم، وقد بلغني تنمرك لبني تميم،
وغلظتك عليهم، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر، وإنهم لم يسبقوا
بوغم (3) في جاهلية ولا إسلام، وإن لهم بنا رحما ماسة، وقرابة خاصة، نحن



(1) الجمل: 420.
(2) وقعة صفين: 105.
(3) الوغم: الترة، الحقد (النهاية: 5 / 209).
192
مأجورون على صلتها ومأزورون على قطيعتها. فأربع أبا العباس - رحمك الله -
فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشر! فإنا شريكان في ذلك، وكن عند
صالح ظني بك، ولا يفيلن (1) رأيي فيك، والسلام (2).
6580 - مختصر تاريخ دمشق عن سفيان بن عيينة: ورد صعصعة بن صوحان على
علي بن أبي طالب من البصرة، فسأله عن عبد الله بن عباس، وكان على خلافته
بها، فقال صعصعة: يا أمير المؤمنين، إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث: آخذ بقلوب
الرجال إذا حدث، ويحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف.
تارك للمراء، وتارك لمقاربة اللئيم، وتارك لما يعتذر منه (3).
6581 - رجال الكشي عن الحارث: استعمل علي (عليه السلام) على البصرة عبد الله بن
عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة، ولحق بمكة وترك عليا (عليه السلام)، وكان
مبلغه ألفي ألف درهم.
فصعد علي (عليه السلام) المنبر حين بلغه ذلك فبكى، فقال: هذا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
علمه وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن من كان دونه؟ اللهم إني قد مللتهم
فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول (4).
6582 - رجال الكشي عن الشعبي: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة
وذهب به إلى الحجاز، كتب إليه علي بن أبي طالب: من عبد الله علي بن
أبي طالب إلى عبد الله بن عباس، أما بعد، فإني قد كنت أشركتك في أمانتي، ولم



(1) فيل رأيه: قبحه وخطأه (لسان العرب: 11 / 534).
(2) نهج البلاغة: الكتاب 18.
(3) مختصر تاريخ دمشق: 12 / 313.
(4) رجال الكشي: 1 / 279 / 109.
193
يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة
إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة
الناس قد خربت، وهذه الأمور قد قست، قلبت لابن عمك ظهر المجن (1)،
وفارقته مع المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين.
فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك
إنما كنت تكيد أمة محمد (صلى الله عليه وآله) على دنياهم، وتنوي غرتهم (2)، فلما أمكنتك الشدة
في خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه
اختطاف الذئب الأزل (3) رمية المعزى الكسير.
كأنك - لا أبا لك - إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك، سبحان الله!
أما تؤمن بالمعاد؟! أو ما تخاف من سوء الحساب؟! أو ما يكبر عليك أن
تشتري الإماء، وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم
هذه البلاد؟!
أردد إلى القوم أموالهم، فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن الله
فيك، فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل ما فعلت، لما كان لهما عندي في ذلك
هوادة، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة، حتى آخذ الحق، وأزيح الجور عن
مظلومها، والسلام.
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد، فقد أتاني كتابك، تعظم علي



(1) ظهر المجن: هذه كلمة تضرب مثلا لمن كان لصاحبه على مودة أو رعاية ثم حال عن ذلك (النهاية:
1 / 308).
(2) الغرة: الغفلة (النهاية: 3 / 354).
(3) الأزل: بتشديد اللام: السريع الجري.
194
إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، ولعمري إن لي في بيت مال الله
أكثر مما أخذت، والسلام.
قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام): أما بعد، فالعجب كل العجب من تزيين
نفسك، أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت، وأكثر مما لرجل من المسلمين،
فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل، وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الإثم، ويحل
لك ما حرم الله عليك، عمرك الله أنك لأنت العبد المهتدي إذا.
فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا (1)، تشتري مولدات مكة
والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك، وإني لأقسم بالله ربي
وربك رب العزة، ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي
ميراثا، فلا غرو، وأشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدى،
وعرضت على ربك، والمحل الذي يتمنى الرجعة، والمضيع للتوبة كذلك وما
ذلك، ولات حين مناص! والسلام.
قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد، فقد أكثرت علي، فوالله لأن ألقى
الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها أحب إلي أن ألقى الله بدم رجل
مسلم (2).
6583 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى بعض عماله -: أما بعد، فإني كنت
أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق
منك في نفسي لمواساتي وموازرتي، وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان على



(1) العطن: مبرك الإبل، المراح (النهاية: 3 / 258).
(2) رجال الكشي: 1 / 279 / 110؛ أنساب الأشراف: 2 / 400، العقد الفريد: 3 / 348 عن
أبي الكنود، الأوائل لأبي هلال: 196 كلها نحوه.
195
ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب، وأمانة الناس قد خزيت، وهذه الأمة قد
فنكت (1) وشغرت (2)، قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين،
وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة
أديت.
وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك
إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم، وتنوي غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك
الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت
عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى
الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله، غير متأثم من أخذه، كأنك
- لا أبا لغيرك - حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك، فسبحان الله! أما تؤمن
بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب؟
أيها المعدود - كان - عندنا من أولي الألباب، كيف تسيغ شرابا وطعاما، وأنت
تعلم أنك تأكل حراما، وتشرب حراما، وتبتاع الإماء وتنكح النساء من أموال
اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال،
وأحرز بهم هذه البلاد! فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل
ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به
أحدا إلا دخل النار!
ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت، ما كانت لهما عندي
هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة، حتى آخذ الحق منهما، وأزيح الباطل عن



(1) الفنك: الكذب، والتعدي، واللجاج (لسان العرب: 1 / 479).
(2) الشغر: البعد (النهاية: 2 / 482).
196
مظلمتهما، وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال
لي، أتركه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا، فكأنك قد بلغت المدى، ودفنت
تحت الثرى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة،
ويتمنى المضيع فيه الرجعة، ولات حين مناص! (1)
6584 - عيون الأخبار: وجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى
ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ:
إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما
رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب، قلبت لابن عمك ظهر
المجن بفراقه مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه
من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى.
وفي الكتاب: ضح رويدا فكأن قد بلغت المدى، وعرضت عليك أعمالك
بالمحل الذي به ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المضيع التوبة، والظالم
الرجعة (2).
6585 - تاريخ الطبري: خرج عبد الله بن العباس من البصرة ولحق مكة في قول
عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم، وزعم أنه لم يزل بالبصرة عاملا عليها
من قبل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حتى قتل، وبعد مقتل علي حتى صالح الحسن
معاوية، ثم خرج حينئذ إلى مكة (3).



(1) نهج البلاغة: الكتاب 41 وراجع ربيع الأبرار: 3 / 375.
(2) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 57، مختصر تاريخ دمشق: 12 / 320.
(3) تاريخ الطبري: 5 / 141، الكامل في التاريخ: 2 / 432.
197
6586 - تاريخ اليعقوبي: كتب أبو الأسود الدؤلي - وكان خليفة عبد الله بن عباس
بالبصرة - إلى علي يعلمه أن عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم،
فكتب إليه يأمره بردها، فامتنع، فكتب يقسم له بالله لتردنها.
فلما ردها عبد الله بن عباس، أو رد أكثرها، كتب إليه علي: أما بعد، فإن المرء
يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما أتاك من الدنيا
فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، واجعل همك لما بعد
الموت، والسلام.
فكان ابن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين (1).



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 205.
198
كلام فيما نسب إلى ابن عباس من الخيانة
من الملاحظات المهمة في حياة ابن عباس موضوع بيت المال بالبصرة؛ فقد
جاء في المصادر التاريخية والحديثية كتاريخ الطبري، والكامل في التاريخ،
وأنساب الأشراف، ورجال الكشي، ونهج البلاغة (بلا ذكر لاسمه) وأمثالها أنه
أخذ من بيت مال البصرة ويختلف أنظار الباحثين حول هذا الموضوع على
أقوال:
أ - أنكره بعض الباحثين وعلماء الرجال نظرا إلى:
- ضعف الأسانيد.
- جلالة ابن عباس وعلمه وفضله.
- ارتباطه الوثيق بالإمام علي (عليه السلام) وإخلاصه له وحبه إياه.
- دور الأمويين في تشويه سمعة أصحاب الإمام (عليه السلام).
ب - اعترف قسم منهم ببعض ما حصل، لأنه ورد في كتب كثيرة، وتناقله
الناس آنذاك، وانتقد ابن عباس عليه يومئذ، فلم ير هؤلاء أن إنكاره أمر سهل.
ج - أقر بعضهم بأصل الموضوع وبتذكير الإمام (عليه السلام) إياه، فذهبوا إلى أنه وقف

199
على خطئه، وأعاد أكثر الأموال أو بعضها. وهذا ما ذكره اليعقوبي في تاريخه،
ويبدو أن اليعقوبي قد تفرد في نقله، غير أنه يمكن أن يكون مفيدا في تحليل
الموضوع.
النقطة المهمة التي ينبغي ألا ننساها في مثل هذه الموضوعات هي دور
المفتعلين للحوادث والمرجفين. وقد وقف حسن بن زين الدين المشهور
بصاحب المعالم على دور الأمويين في اختلاق هذه الحادثة، وأكده باحثون مثل
السيد جعفر مرتضى العاملي.
وسيتيسر علينا فهم هذه النقطة إذا عرفنا أن ابن عباس - نظرا إلى مكانته
السامية وسمعته العلمية التي لا تنكر - كان المدافع الشجاع عن علي وآل
علي (عليهم السلام) في ذلك العهد الأموي الأسود، كما كان المنتقد الجرئ للأمويين
والكاشف عن فضائحهم. علما أننا لا نقول بعصمته، ولا ننكر احتمال خطئه، بيد
أنا نستبعد قبول جميع ما جاء في كتب التاريخ حول هذا الموضوع، ولا نراه لائقا
بشأن ابن عباس (1).
ولذا قال ابن أبي الحديد: قد أشكل علي أمر هذا الكتاب، فإن أنا كذبت النقل
وقلت: هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين (عليه السلام)، خالفت الرواة، فإنهم قد أطبقوا
على رواية هذا الكلام عنه، وقد ذكر في أكثر كتب السير، وإن صرفته إلى عبد الله
بن عباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته
وبعد وفاته، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل



(1) ولمزيد الاطلاع على هذا الموضوع راجع: أعيان الشيعة: 8 / 57 وقاموس الرجال: 6 / 423
ومعجم رجال الحديث: 10 / 233 - 239، ونهج السعادة: 5 / 321 - 349 وكتاب " ابن عباس
وأموال البصرة " للسيد جعفر مرتضى العاملي.
200
أمير المؤمنين (عليه السلام)، والكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله وبني عمه، فأنا
في هذا الموضع من المتوقفين! (1)
59
عبد الله بن كعب المرادي
كان من أعيان أصحاب الإمام علي (عليه السلام) (2).
6587 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن عبد الله: إن عبد الله بن كعب قتل يوم
صفين، فمر به الأسود بن قيس بآخر رمق فقال: عز علي والله مصرعك، أما والله
لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك، ولو رأيت الذي أشعرك لأحببت ألا يزايلني
حتى أقتله أو يلحقني بك.
ثم نزل إليه فقال: رحمك الله يا عبد الله، والله إن كان جارك ليأمن بوائقك، وإن
كنت لمن الذاكرين الله كثيرا، أوصني رحمك الله.
قال: أوصيك بتقوى الله، وأن تناصح أمير المؤمنين، وأن تقاتل معه المحلين،
حتى يظهر الحق أو تلحق بالله. وأبلغه عني السلام وقل له: قاتل على المعركة
حتى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب.
ثم لم يلبث أن مات، فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال: رحمه الله، جاهد
معنا عدونا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة (3).



(1) شرح نهج البلاغة: 16 / 172.
(2) أسد الغابة: 3 / 371 / 3153، الاستيعاب: 3 / 105 / 1662، الإصابة: 4 / 187 / 4936.
(3) وقعة صفين: 456؛ تاريخ الطبري: 5 / 46 عن أبي بكر الكندي، الكامل في التاريخ: 2 / 385 نحوه.
201
60
عبد الله بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص
نجل البطل العظيم في ساحة الوغى، والعابد ذي القلب السليم في جيش
أمير المؤمنين (عليه السلام) هاشم بن عتبة (1). رفع الراية بعد أبيه (2)، وألقى خطبة حماسية
أمام جيش معاوية، وصف فيها أباه، وذكر منزلة الإمام الرفيعة، وكشف عن
حقيقة معاوية. ثم حمل على العدو (3).
أخذ إلى معاوية أسيرا بعد شهادة أمير المؤمنين، وتحدث بشجاعة وثبات،
فرد على ما نطق به عمرو بن العاص من كلمات بذيئة وأخزاه (4). وهذا الحوار
دليل على شهامته، وقوته، وشجاعته العجيبة. أمضى مدة في سجن معاوية.
6588 - وقعة صفين عن عمرو بن شمر: لما انقضى أمر صفين، وسلم الأمر
الحسن (عليه السلام) إلى معاوية ووفدت عليه الوفود، أشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيرا،
فلما أدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين،
هذا المختال ابن المرقال، فدونك الضب المضب، المغتر المفتون، فإن العصا من
العصية، وإنما تلد الحية حية، وجزاء السيئة سيئة مثلها.
فقال له ابن هاشم: ما أنا بأول رجل خذله قومه، وأدركه يومه.
فقال معاوية: تلك ضغائن صفين وما جنى عليك أبوك، فقال عمرو: أمكني



(1) ستأتي ترجمته في أواخر هذا القسم.
(2) وقعة صفين: 356؛ تاريخ دمشق: 33 / 345، الأخبار الطوال: 183 و 184.
(3) وقعة صفين: 356.
(4) وقعة صفين: 348؛ تاريخ دمشق: 33 / 344، الفتوح: 3 / 124.
202
منه فأشخب أوداجه (1) على أثباجه (2).
فقال له ابن هاشم: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا بن العاص أيام صفين حين
ندعوك إلى النزال، وقد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال (3)، وقد تضايقت بك
المسالك، وأشرفت فيها على المهالك. وأيم الله لولا مكانك منه لنشبت لك مني
خافية أرميك من خلالها أحد من وقع الأشافي (4)، فإنك لا تزال تكثر في
هوسك، وتخبط في دهشك، وتنشب في مرسك، تخبط العشواء في الليلة
الحندس الظلماء.
قال: فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم، فأمر به إلى السجن وكف
عن قتله (5).
61
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
6589 - تاريخ الطبري - في بيان تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية ومنهم
عبد الرحمن بن حسان، وساق الحديث إلى أن قال -: ثم أقبل على عبد الرحمن
العنزي فقال: إيه يا أخا ربيعة ما قولك في علي؟
قال: دعني ولا تسألني فإنه خير لك.
قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه.



(1) الأوداج: هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح، واحدها ودج بالتحريك (النهاية: 5 / 165).
(2) الثبج: الوسط، وما بين الكاهل إلى الظهر، أو ما بين الكتفين والكاهل (النهاية: 1 / 206).
(3) الجريال: الحمرة، أو ما خلص من لون أحمر وغيره (لسان العرب: 11 / 108 و 109).
(4) الأشفى: المثقب، المخصف للنعال (لسان العرب: 14 / 438).
(5) وقعة صفين: 348 وراجع تاريخ دمشق: 33 / 343 - 345 والفتوح: 3 / 124.
203
قال: أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الآمرين بالحق، والقائمين
بالقسط، والعافين عن الناس.
قال: فما قولك في عثمان؟
قال: هو أول من فتح باب الظلم، وأرتج (1) أبواب الحق.
قال: قتلت نفسك.
قال: بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي - يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم
بن عفيف الخثعمي، ولم يكن له أحد من قومه يكلمه فيه - فبعث به معاوية إلى
زياد، وكتب إليه: أما بعد، فإن هذا العنزي شر من بعثت، فعاقبه عقوبته التي هو
أهلها، واقتله شر قتله، فلما قدم به على زياد بعث به زياد إلى قس الناطف (2)،
فدفن به حيا (3).
62
عبد الرحمن بن كلدة
6590 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن حاطب: خرجت ألتمس أخي في القتلى
بصفين، سويدا، فإذا برجل قد أخذ بثوبي، صريع في القتلى، فالتفت فإذا بعبد
الرحمن بن كلدة، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هل لك في الماء؟
قال: لا حاجة لي في الماء قد أنفذ في السلاح وخرقني، ولست أقدر على



(1) الإرتجاج: الإغلاق (النهاية: 2 / 197).
(2) قس الناطف: موضع قرب الكوفة، على شاطئ الفرات كانت عنده وقعة بين الفرس وبين المسلمين
في خلافة عمر قتل فيه أبو عبيد بن مسعود الثقفي (تاج العروس: 8 / 415).
(3) تاريخ الطبري: 5 / 276، الكامل في التاريخ: 2 / 498، تاريخ دمشق: 8 / 26، الأغاني:
17 / 156.
204
الشرب، هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين رسالة فأرسلك بها؟
قلت: نعم.
قال: فإذا رأيته فاقرأ عليه مني السلام، وقل: يا أمير المؤمنين، احمل
جرحاك إلى عسكرك، حتى تجعلهم من وراء القتلى، فإن الغلبة لمن فعل ذلك.
ثم لم أبرح حتى مات، فخرجت حتى أتيت عليا فدخلت عليه فقلت: إن
عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام.
قال: وعليه، أين هو؟
قلت: قد والله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح وخرقه فلم أبرح حتى توفي،
فاسترجع. قلت: قد أرسلني إليك برسالة.
قال: وما هي؟
قلت: قال: يا أمير المؤمنين، احمل جرحاك إلى عسكرك، حتى تجعلهم من
وراء القتلى، فإن الغلبة لمن فعل ذلك.
قال: صدق والذي نفسي بيده. فنادى منادي العسكر: أن احملوا جرحاكم
إلى عسكركم، ففعلوا ذلك (1).
63
عبيد الله بن أبي رافع
أحد الوجوه المتألقة في تاريخ التشيع، ومن السباقين إلى التأليف وتدوين



(1) وقعة صفين: 394.
205
العلوم. وكان كاتب أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)، ومن خاصته. وشهد معه الجمل (2)،
وصفين (3)، والنهروان (4).
عده مؤلفو التراجم والرجاليون من رواد التأليف في الثقافة الإسلامية،
وذكروا بعض كتبه. منها: كتاب " قضايا أمير المؤمنين "، و " تسمية من شهد مع
أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمل وصفين والنهروان من الصحابة رضي الله عنهم " (5).
وهذا الكتاب معلم على نباهة عبيد الله ووعيه للوقائع، ويدل على اهتمامه
بضبط الحوادث. وكان أخوه - علي بن أبي رافع - كاتبا للإمام (عليه السلام) أيضا (6).
64
عبيد الله بن عباس
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أخو عبد الله بن عباس،
ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). ولد على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (7). قيل: إنه
سمع الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صغره، وحفظه، وحدث به، وكان مشهورا
بالسخاء (8).



(1) رجال الطوسي: 71 / 654، الاختصاص: 4؛ الطبقات الكبرى: 4 / 74، تهذيب الكمال: 19 / 34 / 3632،
تاريخ خليفة بن خياط: 151، تاريخ الطبري: 3 / 170، تاريخ بغداد: 10 / 304 / 5453.
(2) الجمل: 395 وص 399.
(3) وقعة صفين: 471.
(4) تاريخ بغداد: 10 / 304 / 5453.
(5) الفهرست للطوسي: 174 / 467، والجدير بالذكر أن الأستاذ محمد رضا الحسيني الجلالي قام
بتصحيح كتاب " تسمية من شهد... " راجع: مجلة " حوزة " العدد: 38 ومجلة " تراثنا " العدد: 15.
(6) رجال النجاشي: 1 / 62 وص 65، رجال ابن داود: 236 / 991.
(7) سير أعلام النبلاء: 3 / 513 / 121.
(8) ذخائر العقبى: 394؛ الدرجات الرفيعة: 144.
206
ولاه الإمام (عليه السلام) على اليمن (1). وفر بعد غارة بسر بن أرطاة عليها (2)، وعثر بسر
على طفليه الصغيرين فذبحهما (3). وعاد عبيد الله إليها بعد أن غادرها بسر (4).
جعله الإمام الحسن (عليه السلام) على مقدمة الجيش الذي أنفذه إلى معاوية، ولكنه
خان، وانخدع بمال معاوية، ومن ثم التحق به (5). وتوفي بالمدينة في أيام معاوية
ويقال: إنه كف بصره (6).
6591 - الغارات عن أبي روق: كان الذي هاج معاوية على تسريح بسر بن
أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن، أن قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون
قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس، فبايعوا لعلي (عليه السلام) على ما في أنفسهم، وعامل
علي (عليه السلام) يومئذ على صنعاء عبيد الله بن العباس، وعامله على الجند (7) سعيد بن
نمران، فلما اختلف الناس على علي (عليه السلام) بالعراق، وقتل محمد بن أبي بكر بمصر،
وكثرت غارات أهل الشام تكلموا، ودعوا إلى الطلب بدم عثمان، ومنعوا
الصدقات وأظهروا الخلاف، فبلغ ذلك عبيد الله بن العباس فأرسل إلى ناس من
وجوههم فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟ قالوا: إنا لم نزل ننكر قتل عثمان



(1) أنساب الأشراف: 4 / 79، تاريخ الطبري: 5 / 92 وص 155، تاريخ خليفة بن خياط: 151؛
تاريخ اليعقوبي: 2 / 179، الغارات: 2 / 621.
(2) الغارات: 2 / 621؛ تاريخ الطبري: 5 / 139، سير أعلام النبلاء: 3 / 513 / 121، أسد الغابة:
3 / 520 / 3470، تاريخ خليفة بن خياط: 151.
(3) الغارات: 2 / 621؛ تاريخ الطبري: 5 / 140، سير أعلام النبلاء: 3 / 513 / 121، أسد الغابة:
3 / 520 / 3470.
(4) أسد الغابة: 3 / 520 / 3470، تاريخ خليفة بن خياط: 151.
(5) رجال الكشي: 1 / 330 / 179، مقاتل الطالبيين: 73.
(6) أنساب الأشراف: 4 / 79، سير أعلام النبلاء: 3 / 514 / 121، تاريخ خليفة بن خياط: 171.
(7) الجند: شمالي تعز، وهي عن صنعاء ثمانية وأربعون فرسخا (تقويم البلدان: 91).
207
ونرى مجاهدة من سعى عليه، فحبسهم، فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم
فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم، وخرج إليهم من
كان بصنعاء، وانضم إليهم كل من كان على رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا على
رأيهم إرادة أن يمنعوا الصدقة.
فذكر من حديث أبي روق قال: والتقى عبيد الله وسعيد بن نمران ومعهما شيعة
علي، فقال ابن عباس لابن نمران: والله لقد اجتمع هؤلاء وإنهم لنا لمقاربون ولئن
قاتلناهم لا نعلم على من تكون الدائرة، فهلم فلنكتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
بخبرهم وعددهم وبمنزلهم الذي هم به، فكتبا إلى علي (عليه السلام):
أما بعد، فإنا نخبر أمير المؤمنين أن شيعة عثمان وثبوا بنا وأظهروا أن معاوية
قد شيد أمره، واتسق له أكثر الناس، وإنا سرنا إليه بشيعة أمير المؤمنين ومن كان
على طاعته، وإن ذلك أحمشهم وألبهم، فتعبوا لنا وتداعوا علينا من كل أوب،
ونصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم، ممن سعى إلينا إرادة أن يمنع حق الله
المفروض عليه، وقد كانوا لا يمنعون حقا عليهم ولا يؤخذ منهم إلا الحق
فاستحوذ عليهم الشيطان، فنحن في خير، وهم منك في قفزة، وليس يمنعنا من
مناجزتهم إلا انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزه وأيده وقضى
بالأقدار الصالحة في جميع أموره، والسلام.
فلما وصل كتابهما ساء عليا (عليه السلام) وأغضبه فكتب إليهما:
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران، سلام
عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنه أتاني كتابكما
تذكران فيه خروج هذه الخارجة وتعظمان من شأنها صغيرا، وتكثران من عددها
قليلا، وقد علمت أن نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وشتات رأيكما وسوء

208
تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائما، وجرأ عليكما من كان
عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتى تقرءا عليهم
كتابي إليهم، وتدعواهم إلى حظهم وتقوى ربهم، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلنا
منهم، وإن حاربوا استعنا عليهم بالله ونبذناهم على سواء: (إن الله لا يحب
الخائنين) (1) والسلام عليكما (2).
6592 - الغارات عن أبي الوداك: كنت عند علي (عليه السلام) حين قدم عليه سعيد بن نمران
الكوفة فعتب عليه وعلى عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسرا، فقال سعيد: والله
قاتلت، ولكن ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منا
بسر، فقلت: إن ابن عمك لا يرضى مني ولا منك إلا بالجد في قتالهم، وما نعذر،
قال: لا والله، ما لنا بهم طاقة ولا يدان.
فقمت في الناس، وحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت: يا أهل اليمن، من كان
في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين فإلي إلي، فأجابني منهم عصابة فاستقدمت
بهم فقاتلت قتالا ضعيفا وتفرق الناس عني، وانصرفت ووجهت إلى صاحبي
فحذرته موجدة (3) صاحبه عليه، وأمرته أن يتمسك بالحصن ويبعث إلى صاحبنا
ويسأله المدد، فإنه أجمل بنا وأعذر لنا، فقال: لا طاقة لنا بمن جاءنا، وأخاف
تلك (4).
6593 - رجال الكشي: كان الحسن (عليه السلام) جعل ابن عمه عبيد الله بن العباس على



(1) الأنفال: 58.
(2) الغارات: 2 / 592؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 3.
(3) وجد عليه: غضب (لسان العرب: 3 / 446).
(4) الغارات: 2 / 619؛ شرح نهج البلاغة: 2 / 15 وفيه إلى " وانصرفت ".
209
مقدمته، فبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم، فمر بالراية ولحق بمعاوية وبقي
العسكر بلا قائد ولا رئيس (1).
راجع: القسم السابع / هجمات عمال معاوية / غارة بسر بن أرطاة.
65
عبيدة السلماني
هو عبيدة بن عمرو، وقيل: ابن قيس، السلماني، وسلمان بطن من مراد يكنى
أبا مسلم. أحد العلماء والفقهاء، ومن تلامذة عبد الله بن مسعود. ذكر البلاذري
أنه كان عامل علي (عليه السلام) على منطقة الفرات (2).
أسلم عبيدة قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بعامين (3). كان يسكن اليمن، وهاجر إلى
الكوفة في عهد عمر (4). روى عن علي (عليه السلام) وابن مسعود وعمر (5).
لم يدخل في عسكر الإمام (عليه السلام) يوم صفين، وأقام له عسكرا مستقلا مع جماعة
من القراء (6)، بعد محاورته للإمام (عليه السلام). ولم يشترك في الحرب. وتحدث هو
ومرافقوه مع الإمام (عليه السلام) ومعاوية مرارا كوسطاء في موضوع الحرب (7).



(1) رجال الكشي: 1 / 330 / 179.
(2) أنساب الأشراف: 2 / 402.
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 93، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 482 / 214، الإصابة: 5 / 92 / 6421،
الاستيعاب: 3 / 143 / 1773، أسد الغابة: 3 / 546 / 3532، سير أعلام النبلاء: 4 / 40 / 9.
(4) الإصابة: 5 / 92 / 6421 وراجع الطبقات الكبرى: 6 / 93.
(5) الطبقات الكبرى: 6 / 93، أسد الغابة: 3 / 546 / 3532، سير أعلام النبلاء: 4 / 40 / 9، تاريخ
الإسلام للذهبي: 5 / 482 / 214، الاستيعاب: 3 / 143 / 1773 وليس فيهما " عمر ".
(6) وقعة صفين: 115.
(7) وقعة صفين: 188.
210
عده علماء الشيعة من أصحاب الإمام (1)، ومن شرطة الخميس (2).
مات سنة 72 ه‍ (3).
6594 - أنساب الأشراف: ولى علي بن أبي طالب (عليه السلام) عبيدة السلماني - من مراد -
الفرات (4).
66
عثمان بن حنيف
عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي أخو سهل بن حنيف، من
صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) وأحد الأنصار (5). شهد أحدا وما تلاها من غزوات (6). وكان أحد
الاثني عشر الذين اعترضوا على تغيير الخلافة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (7). وتولى
مساحة الأرض (8)، وتعيين الخراج (9) في أيام عمر. ولي البصرة في خلافة الإمام
علي (عليه السلام). عندما وصل أصحاب الجمل إلى البصرة قاتلهم في البداية، وحين
أعلنت الهدنة بينهما، هجموا عليه ليلا، وقتلوا حراس دار الإمارة وظفروا به،



(1) رجال الطوسي: 71 / 652.
(2) رجال البرقي: 4، الاختصاص: 3.
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 95، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 483 / 214، سير أعلام النبلاء: 4 / 44 / 9.
(4) أنساب الأشراف: 2 / 402.
(5) سير أعلام النبلاء: 2 / 320 / 61، الاستيعاب: 3 / 151 / 1788.
(6) أسد الغابة: 3 / 571 / 3577.
(7) الاحتجاج: 1 / 198 / 11.
(8) تاريخ خليفة بن خياط: 106، تاريخ الطبري: 4 / 144، سير أعلام النبلاء: 2 / 320 / 61، تاريخ
الإسلام للذهبي: 3 / 223، الاستيعاب: 3 / 151 / 1788.
(9) سير أعلام النبلاء: 2 / 320 / 61، الاستيعاب: 3 / 151 / 1788.
211
وعذبوه، ونتفوا شعر لحيته (1).
وتعد رسالة الإمام (عليه السلام) إليه حين دعي إلى وليمة (2) في البصرة من الوثائق الدالة
على عظمة الحكومة العلوية، وضرورة اجتناب الولاة والمسؤولين الترف
والرفاهية ومعاشرة الأثرياء والمفسدين.
توفي عثمان أيام حكومة معاوية (3).
6595 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وكان عامله
على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها -: أما بعد،
يا بن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت
إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان (4)، وما ظننت أنك تجيب إلى
طعام قوم، عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم،
فما اشتبه عليك علمه فألفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إماما، يقتدي به ويستضئ بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد
اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك،
ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد (5).
راجع: القسم الخامس / السياسة الإدارية.
القسم السادس / وقعة الجمل / احتلال البصرة.
القسم العاشر / الخصائص العملية / إمام المستضعفين / طعامه.



(1) سير أعلام النبلاء: 2 / 322 / 61، تاريخ الطبري: 4 / 464 - 469، مروج الذهب: 2 / 367؛
الجمل: 280 و 281، تاريخ اليعقوبي: 2 / 181.
(2) نهج البلاغة: الكتاب 45.
(3) سير أعلام النبلاء: 2 / 322 / 61، الإصابة: 4 / 372 / 5451، تاريخ خليفة بن خياط: 172.
(4) الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع والجمع جفان وجفن (لسان العرب: 13 / 89).
(5) نهج البلاغة: الكتاب 45؛ ربيع الأبرار: 2 / 719 وفيه إلى " بقرصيه ".
212
67
عدى بن حاتم
عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي يكنى أبا طريف، ابن سخي العرب المشهور
حاتم الطائي (1)، وأحد الصحابة (2).
تولى عدي رئاسة قبيلته، وحضر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنة (7 ه‍) وأسلم (3)،
فأكرمه ورعى حرمته (4).
ظل وفيا للولاية العلوية بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وذاد عن حريم الحق والولاية (5).
شهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام) مشاهده (6). ولما لحق أحد أولاده بمعاوية، برئ
منه (7). وكلماته أمام مساعير الفتنة دليل على وعيه العميق للحوادث، وإدراكه
السليم لموقف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وثباته على صراط الحق، ومن كلماته:
أيها الناس، إنه والله لو غير علي دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه... (8).



(1) أسد الغابة: 4 / 8 / 3610، سير أعلام النبلاء: 3 / 163 / 26.
(2) تهذيب الكمال: 19 / 525 / 3884، تاريخ بغداد: 1 / 189 / 29، تاريخ دمشق: 40 / 66،
سير أعلام النبلاء: 3 / 163 / 26.
(3) تهذيب الكمال: 19 / 525 / 3884، سير أعلام النبلاء: 3 / 163 / 26، الاستيعاب: 3 / 168 / 1800،
وقيل " سنة عشرة ".
(4) سير أعلام النبلاء: 3 / 163 / 26.
(5) رجال الكشي: 1 / 186.
(6) تاريخ بغداد: 1 / 189 / 29، الطبقات الكبرى: 6 / 22، الطبقات لخليفة بن خياط: 127 / 463،
تهذيب الكمال: 19 / 529 / 3884، الاستيعاب: 3 / 169 / 1800؛ الجمل: 367، وقعة صفين: 197.
(7) وقعة صفين: 522 و 523.
(8) الإمامة والسياسة: 1 / 141.
213
اختاره الإمام (عليه السلام) لمفاوضة العدو في صفين بسبب منطقه البليغ (1). قتل أحد
أولاده في إحدى حروب الإمام، كما فقد إحدى عينيه (2). وكان معاوية يعظمه
ويرعى حرمته، بيد أنه كان يذكر الإمام (عليه السلام) في مناسبات مختلفة ويثني عليه. ولم
يتنازل عن موقفه الحق أمام معاوية (3).
توفي حوالي سنة 68 ه‍ (4)، وله من العمر مائة وعشرون سنة (5).
6596 - الإمامة والسياسة - في ذكر حرب صفين واختلاف أصحاب الإمام في
استمرار القتال -: ثم قام عدي بن حاتم فقال: أيها الناس، إنه والله لو غير علي
دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه، ولا وقع بأمر قط إلا ومعه من الله برهان،
وفي يديه من الله سبب، وإنه وقف عن عثمان بشبهة، وقاتل أهل الجمل على
النكث، وأهل الشام على البغي (6).
6597 - وقعة صفين: جاء عدي بن حاتم يلتمس عليا، ما يطأ إلا على إنسان
ميت أو قدم أو ساعد، فوجده تحت رايات بكر بن وائل، قال: يا أمير المؤمنين،
ألا نقوم حتى نموت؟



(1) وقعة صفين: 197؛ تاريخ الطبري: 5 / 5، الكامل في التاريخ: 2 / 367.
(2) الجمل: 367، وقعة صفين: 360؛ الطبقات الكبرى: 6 / 22، تهذيب الكمال: 19 / 530 / 3884،
تاريخ دمشق: 40 / 69 وص 92 و 93، سير أعلام النبلاء: 3 / 164 / 26.
(3) مروج الذهب: 3 / 13، أنساب الأشراف: 5 / 100، العقد الفريد: 3 / 86، تاريخ دمشق: 40 / 95.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 22، تاريخ بغداد: 1 / 190 / 29، تاريخ دمشق: 40 / 69، المعارف لابن
قتيبة: 313، سير أعلام النبلاء: 3 / 165 / 26.
(5) الطبقات لخليفة بن خياط: 127 / 463، تاريخ بغداد: 1 / 190 / 29، تاريخ دمشق: 40 / 69،
المعارف لابن قتيبة: 313، سير أعلام النبلاء: 3 / 165 / 26.
(6) الإمامة والسياسة: 1 / 141.
214
فقال علي: ادنه، فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه، فقال: ويحك، إن عامة من
معي يعصيني، وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه (1).
6598 - الجمل - في ذكر أحداث ما قبل حرب الجمل -: أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)
على عدي بن حاتم فقال له: يا عدي، أنت شاهد لنا، وحاضر معنا وما نحن فيه؟
فقال عدي: شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت، هذه خيولنا معدة،
ورماحنا محددة، وسيوفنا مجردة، فإن رأيت أن نتقدم تقدمنا، وإن رأيت أن
نحجم أحجمنا، نحن طوع لأمرك، فأمر بما شئت، نسارع إلى امتثال أمرك (2).
6599 - تاريخ الطبري عن جعفر بن حذيفة: إن عائذ بن قيس الحزمري واثب
عدي بن حاتم في الراية بصفين - وكانت حزمر أكثر من بني عدي رهط حاتم -
فوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائي البولاني عند علي، فقال:
يا بني حزمر، على عدي تتوثبون! وهل فيكم مثل عدي أو في آبائكم مثل
أبي عدي؟! أليس بحامي القربة ومانع الماء يوم روية؟ أليس بابن ذي المرباع
وابن جواد العرب؟! أليس بابن المنهب ماله ومانع جاره؟! أليس من لم يغدر
ولم يفجر، ولم يجهل ولم يبخل، ولم يمنن ولم يجبن؟! هاتوا في آبائكم مثل
أبيه، أو هاتوا فيكم مثله.
أوليس أفضلكم في الإسلام؟! أو ليس وافدكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! أليس
برأسكم يوم النخيلة ويوم القادسية ويوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم
نهاوند ويوم تستر؟! فما لكم وله؟! والله ما من قومكم أحد يطلب مثل الذي
تطلبون.



(1) وقعة صفين: 379.
(2) الجمل: 270.
215
فقال له علي بن أبي طالب: حسبك يا بن خليفة، هلم أيها القوم إلي، وعلي
بجماعة طيئ، فأتوه جميعا، فقال علي: من كان رأسكم في هذه المواطن؟
قالت له طيئ: عدي.
فقال له ابن خليفة: فسلهم يا أمير المؤمنين، أليسوا راضين مسلمين لعدي
الرياسة؟ ففعل، فقالوا: نعم، فقال لهم: عدي أحقكم بالراية، فسلموها له.
فقال علي - وضجت بنو الحزمر -: إني أراه رأسكم قبل اليوم، ولا أرى قومه
كلهم إلا مسلمين له غيركم، فأتبع في ذلك الكثرة، فأخذها عدي (1).
6600 - وقعة صفين عن المحل بن خليفة: لما توادع علي (عليه السلام) ومعاوية بصفين،
اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح، فأرسل علي بن أبي طالب إلى معاوية
عدي بن حاتم، وشبث بن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن خصفة، فدخلوا
على معاوية، فحمد الله عدي بن حاتم وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا، ويحقن الله به
دماء المسلمين، وندعوك إلى أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا، وقد
اجتمع له الناس، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا، فلم يبق أحد غيرك وغير من
معك، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل.
فقال له معاوية: كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا. هيهات يا عدي،
كلا والله إني لابن حرب، ما يقعقع لي بالشنان (2). أما والله إنك لمن المجلبين على
ابن عفان، وأنت لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله. هيهات يا



(1) تاريخ الطبري: 5 / 9، الكامل في التاريخ: 2 / 369 نحوه.
(2) الشن والشنة: الخلق من كل آنية صنعت من جلد، وجمعها شنان (لسان العرب: 13 / 241).
216
عدي، قد حلبت بالساعد الأشد (1).
6601 - مروج الذهب: ذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية، فقال له
معاوية: ما فعلت الطرفات - يعني أولاده - ‍؟
قال: قتلوا مع علي.
قال: ما أنصفك علي، قتل أولادك وبقى أولاده.
فقال عدي: ما أنصفت عليا إذ قتل وبقيت بعده.
فقال معاوية: أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من
أشراف اليمن.
فقال عدي: والله إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإن أسيافنا التي
قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فترا لندنين إليك من الشر
شبرا، وإن حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في
علي، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف.
فقال معاوية: هذه كلمات حكم فاكتبوها. وأقبل على عدي محادثا له كأنه ما
خاطبه بشيء (2).
6602 - المحاسن والمساوئ: إن عدي بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سفيان
فقال: يا عدي، أين الطرفات؟ يعني بنيه طريفا وطارفا وطرفة.



(1) وقعة صفين: 197؛ تاريخ الطبري: 5 / 5، الكامل في التاريخ: 2 / 367 كلاهما نحوه.
(2) مروج الذهب: 3 / 13 وراجع تاريخ دمشق: 40 / 95 والعقد الفريد: 3 / 86 والأمالي للسيد
المرتضى: 1 / 217.
217
قال: قتلوا يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).
فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدم بنيك وأخر بنيه!
قال: بل ما أنصفت أنا عليا إذ قتل وبقيت!
قال: صف لي عليا. فقال: إن رأيت أن تعفيني.
قال: لا أعفيك.
قال: كان والله بعيد المدى وشديد القوى، يقول عدلا ويحكم فضلا، تتفجر
الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها،
ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة، يحاسب نفسه
إذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش
الخشن، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا
وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تبسم فعن اللؤلؤ
المنظوم، يعظم أهل الدين، يتحبب إلى المساكين، لا يخاف القوي ظلمه، ولا
ييأس الضعيف من عدله.
فأقسم، لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه، وأرخى الليل سرباله وغارت
نجومه، ودموعه تتحادر على لحيته وهو يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء
الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا أإلي تعرضت أم إلي أقبلت؟
غري غيري، لا حان حينك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعيشك حقير
وخطرك يسير، آه من قلة الزاد وبعد السفر وقلة الأنيس!
قال: فوكفت عينا معاوية ينشفهما بكمه، ثم قال: يرحم الله أبا الحسن! كان
كذا فكيف صبرك عنه؟
قال: كصبر من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ دمعتها ولا تسكن عبرتها.

218
قال: فكيف ذكرك له؟
قال: وهل يتركني الدهر أن أنساه! (1)
68
عدى بن الحارث
ذكرت بعض المصادر أن الإمام (عليه السلام) ولاه على " بهرسير (2) " (3)، وأورد العلامة
المجلسي أن اسم الوالي على تلك المنطقة هو عدي بن حاتم (4). وعلى أي حال
لم تثمر الجهود المبذولة لمعرفة عدي بن حارث، وهو شخصية مجهولة بناء على
الوثائق التاريخية.
6603 - وقعة صفين: بعث [علي (عليه السلام)]... عدي بن الحارث على مدينة بهرسير
وأستانها (5) (6).
69
العكبر بن جدير
بطل مقدام ومقاتل لا يكل. وكان له لسان بليغ وبيان يأخذ بالقلوب. اشترك
في صفين، واستبسل حتى أهدر معاوية دمه غيظا. وكان ينظم الشعر أيضا،



(1) المحاسن والمساوئ: 46، وفي أكثر المصادر نقل هذا الكلام عن ضرار بن ضمرة. راجع: ضرار بن
ضمرة الضبابي.
(2) بهرسير: من نواحي سواد بغداد قرب المدائن. وهي غربي دجلة (معجم البلدان: 1 / 515).
(3) الأخبار الطوال: 153؛ وقعة صفين: 11.
(4) بحار الأنوار: 32 / 357.
(5) الأستان: السواد والقرى.
(6) وقعة صفين: 11؛ الأخبار الطوال: 153.
219
ونلحظ في شعره الفياض إعلاء لملحمة الحق، وإخزاء لحزب الطلقاء (1).
6604 - وقعة صفين عن زيد بن وهب - في ذكر وقعة صفين -: كان فارس أهل
الكوفة الذي لا ينازع رجل كان يقال له: العكبر بن جدير الأسدي، وكان فارس
أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزأة الكوفي المرادي المكنى أبا أحمر،
وهو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف يوم صرع في المسجد بمكة، وكان
العكبر له عبادة ولسان لا يطاق.
فقام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين! إن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه
إلى الناس، وقد ظننا بأهل الشام الصبر وظنوه بنا، فصبرنا وصبروا. وقد عجبت
من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة، وصبر أهل الحق على أهل الباطل، ورغبة
أهل الدنيا، ثم نظرت فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من كتاب الله: (ألم *
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (2) وأثنى عليه علي خيرا، وقال خيرا.
وخرج الناس إلى مصافهم وخرج عوف بن مجزأة المرادي نادرا (3) من
الناس، وكذلك كان يصنع، وقد كان قتل قبل ذلك نفرا من أهل العراق مبارزة،
فنادى: يا أهل العراق، هل من رجل عصاه سيفه يبارزني، ولا أغركم من نفسي؛
فأنا فارس زوف.
فصاح الناس بالعكبر، فخرج إليه منقطعا من أصحابه والناس وقوف، ووقف



(1) وقعة صفين: 450 - 452، أعيان الشيعة: 8 / 148.
(2) العنكبوت: 1 - 3.
(3) أي شذ وخرج من الجمهور (لسان العرب: 5 / 199) والمراد خرج وحيدا.
220
المرادي وهو يقول:
بالشام أمن ليس فيه خوف * بالشام عدل ليس فيه حيف
بالشام جود ليس فيه سوف (1) * أنا المرادي ورهطي زوف
أنا ابن مجزاة وإسمي عوف * هل من عراقي عصاه سيف
يبرز لي وكيف لي وكيف
فبرز إليه العكبر وهو يقول:
الشام محل والعراق تمطر * بها الإمام والإمام معذر
والشام فيها للإمام معور (2) * أنا العراقي وإسمي العكبر
ابن جدير وأبوه المنذر * ادن فإني للكمي مصحر
فاطعنا فصرعه العكبر فقتله، ومعاوية على التل في أناس من قريش ونفر من
الناس قليل، فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه (3) ركضا يضربه بالسوط، مسرعا
نحو التل، فنظر إليه معاوية فقال: إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن،
فاسألوه. فأتاه رجل وهو في حمى (4) فرسه، فناداه فلم يجبه، فمضى مبادرا
حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل، ورجا العكبر أن يفردوا
له معاوية، فقتل رجالا، وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح، فلما لم يصل
إلى معاوية نادى: أولى لك (5) يا بن هند، أنا الغلام الأسدي. فرجع إلى علي فقال



(1) يقال: فلان يقتات السوف: أي يعيش بالأماني (لسان العرب: 9 / 164).
(2) رجل معور: قبيح السريرة (لسان العرب: 4 / 616).
(3) يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع (النهاية: 3 / 423).
(4) أي شدة عدوه.
(5) أولى لك: أي قرب منك ما تكره، وهي كلمة تلهف، يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة، وقيل هي
كلمة تهدد ووعيد (النهاية: 5 / 229).
221
له: ماذا دعاك إلى ما صنعت يا عكبر؟ لا تلق نفسك إلى التهلكة. قال: أردت
غرة ابن هند. وكان شاعرا فقال:
قتلت المرادي الذي جاء باغيا * ينادي وقد ثار العجاج: نزال
يقول أنا عوف بن مجزاة والمنى * لقاء ابن مجزاة بيوم قتال
[إلى آخر الأبيات] وانكسر أهل الشام لقتل عوف المرادي، وهدر معاوية دم
العكبر. فقال العكبر: يد الله فوق يد معاوية، فأين دفاع الله عن المؤمنين؟ (1)
70
علقمة بن قيس
علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، أبو شبل، أحد فقهاء الكوفة
ومحدثيها وقرائها الكبار، ويعد من رجال مدرسة ابن مسعود في الفقه
والحديث (2)، ومن الرواة الذين روى عنهم رجال كثر (3).
شهد معركة صفين (4)، وفقد فيها إحدى رجليه (5). وكان مع الإمام علي (عليه السلام) في



(1) وقعة صفين: 450.
(2) تهذيب الكمال: 20 / 303 و 304 / 4017، تاريخ بغداد: 12 / 299 / 6743، سير أعلام النبلاء:
4 / 53 و 54 / 14.
(3) تهذيب الكمال: 20 / 302 / 4017، سير أعلام النبلاء: 4 / 54 / 14.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 87، تهذيب الكمال: 20 / 305 / 4017، تاريخ بغداد: 12 / 297 / 6743،
المعارف لابن قتيبة: 583.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 32، الكامل في التاريخ: 2 / 379، الطبقات الكبرى: 6 / 88؛ رجال الكشي:
1 / 317 / 159 وفيهما " عرجت رجله "، وقعة صفين: 287.
222
النهروان أيضا (8). أمضى سنتين في خوارزم، وتوجه إلى خراسان للقتال.
اختلف في سنة وفاته بين سنة 61 و 65 ه‍ (1).
استشهد أخوه في صفين أيضا (2).
6605 - وقعة صفين: إن النخع قاتلت قتالا شديدا، فأصيب منهم يومئذ...
أبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه، وقطعت رجل علقمة بن قيس فكان
يقول: ما أحب أن رجلي أصح ما كانت؛ لما أرجو بها من حسن الثواب من
ربي (3).
71
علي بن أبي رافع
علي بن أبي رافع. ولد في عهد النبي وسماه عليا (4)، تابعي، من خيار الشيعة،
كانت له صحبة مع أمير المؤمنين، وكان كاتبا له، وحفظ كثيرا، وجمع كتابا في
فنون من الفقه: الوضوء، والصلاة، وسائر الأبواب (5)، وكان على بيت مال
علي (عليه السلام) (6)، وكان كاتبه (7).



(8) تاريخ بغداد: 12 / 297 / 6743.
(1) تهذيب الكمال: 20 / 307 / 4017، سير أعلام النبلاء: 4 / 61 / 14.
(2) وقعة صفين: 287، رجال الكشي: 1 / 317 / 159؛ الطبقات الكبرى: 6 / 88، تاريخ الطبري:
5 / 32، الكامل في التاريخ: 2 / 379.
(3) وقعة صفين: 287؛ تاريخ الطبري: 5 / 32، الكامل في التاريخ: 2 / 379.
(4) الإصابة: 5 / 53 / 6278.
(5) رجال النجاشي: 1 / 65.
(6) تهذيب الأحكام: 10 / 151 / 606؛ تاريخ الطبري: 5 / 156 وفيه " ابن أبي رافع ".
(7) تهذيب الأحكام: 10 / 151 / 606، رجال النجاشي: 1 / 62 وص 65.
223
72
عمار بن ياسر
عمار بن ياسر بن عامر المذحجي، أبو اليقظان، وأمه سمية، وهي أول من
استشهد في سبيل الله. من السابقين إلى الإيمان والهجرة، ومن الثابتين الراسخين
في العقيدة؛ فقد تحمل تعذيب المشركين مع أبويه منذ الأيام الأولى لبزوغ
شمس الإسلام، ولم يداخله ريب في طريق الحق لحظة واحدة (1).
شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه يزول مع الحق، وأنه الطيب المطيب وأنه ملئ إيمانا.
وأكد أن النار لا تمسه أبدا. وهو ممن حرس - بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) - " خلافة الحق "
و " حق الخلافة "، ولم ينكب عن الصراط المستقيم قط (2)، وصلى مع
أمير المؤمنين (عليه السلام) على جنازة السيدة المطهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (3)، وظل ملازما
للإمام صلوات الله عليه.
ولي الكوفة مدة في عهد عمر (4). وكان قائدا للجيوش في فتح بعض
الأقاليم (5). ولما حكم عثمان كان من المعارضين له بجد (6). وانتقد سيرته مرارا،



(1) الطبقات الكبرى: 3 / 246 وص 249، أنساب الأشراف: 1 / 180 - 182، تهذيب الكمال:
21 / 216 / 4174، أسد الغابة: 4 / 122 / 3804، سير أعلام النبلاء: 1 / 406 / 84؛ الجمل: 102 / 1.
(2) الخصال: 464 / 4 وص 607 / 9، عيون أخبار الرضا: 2 / 126 / 1، الاحتجاج: 1 / 195 / 6،
رجال البرقي: 65.
(3) الخصال: 361 / 50، رجال الكشي: 1 / 34 / 13، الاختصاص: 5، تفسير فرات: 570 / 733.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 438 / 5663، الطبقات الكبرى: 3 / 255، أنساب الأشراف:
1 / 185، تاريخ الطبري: 4 / 139 وص 144، سير أعلام النبلاء: 1 / 423 / 84.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 41 وص 90 و 138.
(6) الطبقات الكبرى: 3 / 260، أنساب الأشراف: 1 / 197 وج 6 / 162، تاريخ دمشق: 43 / 473،
المعارف لابن قتيبة: 257.
224
حتى هم بنفيه إلى الربذة لولا تدخل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ حال دون تحقيق
هدفه (1).
ضرب بأمر عثمان لصراحته، وفعل به ذلك أيضا عثمان نفسه، وظل يعاني
من آثار ذلك الضرب إلى آخر عمره (2).
وكان لاشتراكه الفعال في حرب الجمل، وتصديه لقيادة الخيالة في
جيش الإمام (عليه السلام) مظهر عظيم (3). كما تولى في صفين قيادة رجالة الكوفة
والقراء (4). تحدث مع عمرو بن العاص وأمثاله من مناوئي الإمام (عليه السلام) في غير
موطن، وكشف الحق بمنطقه البليغ واستدلالاته الرصينة (5).
وفي صفين استشهد هذا الصحابي الجليل والنموذج المتألق (6)،
فتحققت بذلك النبوءة العظيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ إذ كان قد خاطبه قائلا:
تقتلك الفئة الباغية (7). وكان له من العمر إبان استشهاده ثلاث وتسعون
سنة (8).



(1) أنساب الأشراف: 6 / 169، الفتوح: 2 / 378؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 173.
(2) أنساب الأشراف: 6 / 161 - 163، الفتوح: 2 / 373.
(3) راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / مواصفات الحرب / قادة جيش الإمام، وقادة جيش
الناكثين.
(4) وقعة صفين: 208؛ تاريخ الطبري: 5 / 11 وص 15.
(5) وقعة صفين: 319 و 320 وص 336 - 339؛ تاريخ الطبري: 5 / 39.
(6) راجع: القسم السادس / وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد عمار.
(7) هذا الحديث متواتر، راجع: القسم السادس / وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد عمار.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 436 / 5657، التاريخ الكبير: 7 / 25 / 107، الطبقات الكبرى:
3 / 264، المعارف لابن قتيبة: 258، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 582، سير أعلام النبلاء:
1 / 426 / 84، مروج الذهب: 2 / 391، الطبقات الكبرى: 3 / 259، أنساب الأشراف: 1 / 194
وفيهما " 91، 94 سنة "، أسد الغابة: 4 / 127 / 3804 وفيه " 91، 93، 94 سنة ".
225
نقل الخبر الغيبي الذي أدلى به النبي (صلى الله عليه وآله) حول قتل الفئة الباغية عمار بن ياسر
بألفاظ متشابهة، وطرق متعددة. وكان الناس ينظرون إلى عمار بوصفه المقياس
في تمييز الحق والباطل. وأثر هذا الحديث بصيغة: " تقتلك الفئة الباغية "،
وبصيغة: " تقتل عمارا الفئة الباغية "، وبصيغة: " تقتله الفئة الباغية " على لسان
سبعة وعشرين من الصحابة، وهم: أبو سعيد الخدري، وعمرو بن العاص،
وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومعاوية، وأبو هريرة، وأبو رافع، وخزيمة بن
ثابت، وأبو اليسر، وعمار، وأم سلمة، وقتادة بن النعمان، وأبو قتادة، وعثمان
بن عفان، وجابر بن سمرة، وكعب بن مالك، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله،
وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، وأبو أيوب، وعبد الله بن أبي هذيل،
وعبد الله بن عمر، وأبو سعد، وأبو أمامة، وزياد بن الفرد، وعائشة (1).



(1) صحيح البخاري: 3 / 1035 / 2657، صحيح مسلم: 4 / 2235 / 70 وص 2236 / 72 و 73،
سنن الترمذي: 5 / 669 / 3800، مسند ابن حنبل: 2 / 654 / 6943 وج 6 / 229 / 17781
وج 8 / 202 / 21932 وج 10 / 190 / 26625، المستدرك على الصحيحين: 3 / 435 / 5657
وص 436 / 5659 وص 442 / 5676، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 240 / 20426 و 20427،
المعجم الكبير: 5 / 221 / 5146 وج 23 / 363 / 852 - 857، خصائص أمير المؤمنين للنسائي:
289 - 300، الطبقات الكبرى: 3 / 251 - 253 وص 259، مسند أبي يعلى: 6 / 355 / 7140 وص
425 / 7304 وص 427 / 7308، مسند البزار: 4 / 256 / 1428، السيرة النبوية لابن هشام:
2 / 114، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 571 وص 577 و 579، حلية الأولياء: 4 / 172 وص 361
وج 7 / 197 و 198، الاستيعاب: 3 / 230 و 231 / 1883 وفيه " تواترت الآثار عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: تقتل عمارا الفئة الباغية. وهذا من أصح الأحاديث "، أسد الغابة: 4 / 125 / 3804، الإصابة:
4 / 474 / 5720 وفيه " تواترت الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على
أنه قتل مع علي بصفين "، البداية والنهاية: 7 / 267 - 270.
226
وصرح البعض بتواتره كابن عبد البر (1)، والذهبي (2)، والسيوطي (3). وأثار هذا
الحديث مشكلة لمعاوية بعد استشهاد عمار، فحاول توجيهه بقوله: ما نحن
قتلناه وإنما قتله من جاء به (4)! فقال الإمام (عليه السلام) في جوابه: فرسول الله (صلى الله عليه وآله) إذن
قاتل حمزة (5)!
ولا يمكن لهذه الصفحات القليلة أن تفي بحق تلك الشخصية العظيمة قط.
وأترككم مع هذه النصوص من الروايات والتاريخ، التي بينت لنا غيضا من
فيض فيما يرتبط بهذه القمة الرفيعة شرفا، واستقامة، وحرية.
6606 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان (6).
6607 - الإمام علي (عليه السلام) - لرسول الله (صلى الله عليه وآله) -: يا رسول الله، إنك قلت: " إن الجنة
لتشتاق إلى ثلاثة " فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال: أنت منهم وأنت أولهم، وسلمان
الفارسي؛ فإنه قليل الكبر، وهو لك ناصح؛ فاتخذه لنفسك، وعمار بن ياسر شهد
معك مشاهد غير واحدة، ليس منها إلا وهو فيها كثير خيره، ضوي نوره، عظيم



(1) الاستيعاب: 3 / 231 / 1883.
(2) الإصابة: 4 / 474 / 5720، سير أعلام النبلاء: 1 / 421 / 84، تاريخ الإسلام للذهبي: 31 / 580.
(3) الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 76 / 104.
(4) الأمالي للصدوق: 489 / 665.
(5) شرح نهج البلاغة: 20 / 334 / 835؛ بحار الأنوار: 33 / 16.
(6) سنن الترمذي: 5 / 667 / 3797، المستدرك على الصحيحين: 3 / 148 / 4666، أنساب
الأشراف: 1 / 182 وفيه " بلال " بدل " سلمان "، المعجم الكبير: 6 / 215 / 6045 وزاد فيه
" والمقداد "، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 574 كلها عن أنس؛ الخصال: 303 / 80 عن عبد الله بن
محمد بن علي بن العباس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) وزاد فيه " وأبي ذر والمقداد "،
وقعة صفين: 323 عن الحسن.
227
أجره (1).
6608 - عنه (عليه السلام): جاء عمار يستأذن على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ائذنوا له، مرحبا بالطيب
المطيب (2).
6609 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه (3) (4).
6610 - عنه (صلى الله عليه وآله): ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا أخذ بالأرشد منهما (5).
6611 - عنه (صلى الله عليه وآله): عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان
بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا (6).
6612 - الإمام علي (عليه السلام) - في وصف عمار -: ذلك امرؤ خالط الله الإيمان بلحمه



(1) رجال الكشي: 1 / 137 / 58 عن بريدة الأسلمي، روضة الواعظين: 314 وفيه " يشهد " بدل
" شهد ".
(2) سنن الترمذي: 5 / 668 / 3798، مسند ابن حنبل: 1 / 214 / 779، المستدرك على الصحيحين:
3 / 437 / 5662، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 522 / 1؛ وقعة صفين: 323، رجال الكشي:
1 / 147 / 66 وفيهما " ابن الطيب " بدل " المطيب " وكلها عن هانئ بن هانئ.
(3) المشاش: هي رؤوس العظام، كالمرفقين والكتفين والركبتين (النهاية: 4 / 333).
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 443 / 5680 عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله، سنن النسائي:
8 / 111 عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فضائل الصحابة لابن حنبل:
2 / 858 / 1600، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 522 / 2 كلاهما عن عمرو بن شرحبيل، حلية
الأولياء: 1 / 139 عن هانئ بن هانئ عن الإمام علي (عليه السلام) وعن ابن عباس؛ الجمل: 103 / 1 وفيه
" عمار ملئ إيمانا وعلما "، وقعة صفين: 323 عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
وفيه " لقد... ".
(5) المستدرك على الصحيحين: 3 / 438 / 5664 عن عبد الله بن مسعود و ح 5665 نحوه، سنن
الترمذي: 5 / 668 / 3799، سير أعلام النبلاء: 1 / 416 / 84 كلها عن عائشة، المصنف لابن
أبي شيبة: 7 / 523 / 4، تاريخ دمشق: 43 / 405 كلاهما عن عبد الله بن مسعود.
(6) تاريخ دمشق: 43 / 393 عن النزال بن سبرة الهلالي عن الإمام علي (عليه السلام).
228
ودمه وشعره وبشره، حيث زال زال معه، ولا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا (1).
6613 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه (2).
6614 - الإمام علي (عليه السلام) - في وصف عمار بن ياسر -:... ذاك امرؤ حرم الله لحمه
ودمه على النار أن تمس شيئا منهما (3).
6615 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إنك أولعتهم بعمار يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى
النار (4).
6616 - عنه (صلى الله عليه وآله): ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، وذاك
دأب الأشقياء الفجار (5).
6617 - عنه (صلى الله عليه وآله): يا عمار بن ياسر! إن رأيت عليا قد سلك واديا، وسلك الناس
واديا غيره، فاسلك مع علي؛ فإنه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من هدى (6).



(1) الغارات: 1 / 177 عن أبي عمرو الكندي؛ المعجم الكبير: 6 / 214 / 6041 عن أبي الأسود وزاذان
الكندي نحوه.
(2) تاريخ دمشق: 43 / 401، سير أعلام النبلاء: 1 / 415 / 84 وكلاهما عن أوس بن أوس عن الإمام
علي (عليه السلام)، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 575 عن الإمام علي (عليه السلام) وليس فيهما " أن تأكله أو تمسه ".
(3) الاحتجاج: 1 / 616 / 139 عن الأصبغ بن نباتة.
(4) حلية الأولياء: 4 / 20، المعجم الكبير: 12 / 301 / 13457 نحوه وكلاهما عن ابن عمر، تاريخ
دمشق: 43 / 403 عن مجاهد.
(5) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 858 / 1598، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 523 / 5، سير أعلام
النبلاء: 1 / 415 / 84، تاريخ دمشق: 43 / 402 كلها عن مجاهد، مروج الذهب: 2 / 391 عن
عبد الله بن عمرو بن العاص وليس فيه " وذاك دأب... "؛ وقعة صفين: 323 وليس فيه " دأب "، رجال
الكشي: 1 / 143 / 62 وفيه " دار " بدل " دأب " وكلاهما عن مجاهد.
(6) تاريخ بغداد: 13 / 187، تاريخ دمشق: 42 / 472 وفيه " ركي " بدل " ردى "، البداية والنهاية:
7 / 307، المناقب للخوارزمي: 105 / 110، الفردوس: 5 / 384 / 8501 وزاد فيهما " ودع الناس "
بعد " مع علي "، فرائد السمطين: 1 / 178 / 141 نحوه وكلها عن أبي أيوب الأنصاري.
229
6618 - عنه (صلى الله عليه وآله): إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (1).
6619 - المستدرك على الصحيحين عن حبة العرني: دخلنا مع أبي مسعود
الأنصاري على حذيفة بن اليمان أسأله عن الفتن، فقال: دوروا مع كتاب الله
حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها؛ فإنه يدور مع كتاب الله
حيثما دار.
قال: فقلنا له: ومن ابن سمية؟
قال: عمار، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له: لن تموت حتى تقتلك الفئة
الباغية، تشرب شربة ضياح (2) تكن آخر رزقك من الدنيا (3).
6620 - الإمام علي (عليه السلام): إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار، ويدخل
عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد، رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله
عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا!
لقد رأيت عمارا ما يذكر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة إلا كان الرابع، ولا
خمسة إلا كان الخامس، وما كان أحد من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يشك في أن عمارا
قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئا له الجنة! عمار مع الحق أين
دار، وقاتل عمار في النار (4).



(1) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 575، سير أعلام النبلاء: 1 / 416 / 84 كلاهما عن ابن مسعود.
(2) الضياح: اللبن الخاثر يصب فيه الماء ثم يخلط (النهاية: 3 / 107).
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 442 / 5676.
(4) أنساب الأشراف: 1 / 197، الطبقات الكبرى: 3 / 262، تاريخ دمشق: 43 / 476 كلاهما عن
أبي الغادية.
230
6621 - الأمالي للطوسي عن عمار: لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب
لما خالفته، ولا زالت يدي مع يده؛ وذلك لأن عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله
نبيه (صلى الله عليه وآله)؛ فإني أشهد أنه لا ينبغي لأحد أن يفضل عليه أحدا (1).
6622 - أنساب الأشراف عن أبي مخنف: إن المقداد بن عمرو وعمار بن ياسر
وطلحة والزبير في عدة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث
عثمان، وخوفوه ربه، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب
وأتاه به، فقرأ صدرا منه، فقال له عثمان: أعلي تقدم من بينهم؟ فقال عمار:
لأني أنصحهم لك، فقال: كذبت يا بن سمية، فقال: أنا والله ابن سمية وابن ياسر.
فأمر غلمانا له فمدوا بيديه ورجليه، ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين
على مذاكيره، فأصابه الفتق، وكان ضعيفا كبيرا، فغشي عليه (2).
6623 - أنساب الأشرف عن أبي مخنف: كان في بيت المال بالمدينة سفط (3) فيه
حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه
في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا
من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام.
فقال له علي: إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه.
وقال عمار بن ياسر: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان: أعلي
يا بن المتكاء (4) تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي



(1) الأمالي للطوسي: 731 / 1530.
(2) أنساب الأشراف: 6 / 162، الرياض النضرة: 3 / 85 نحوه.
(3) السفط: الذي يعبى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء (لسان العرب: 7 / 315).
(4) المتكاء: هي التي لم تختن. وقيل: هي التي لا تحبس بولها. وأصله من المتك (النهاية: 4 / 293).
231
عليه، ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يصل
الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى، وقال: الحمد لله، ليس هذا أول
يوم أوذينا فيه في الله...
وبلغ عائشة ما صنع بعمار، فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وثوبا من ثيابه، ونعلا من نعاله، ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا
شعره وثوبه ونعله ولم يبل بعد! فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما
يقول (1).
6624 - تاريخ اليعقوبي: لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر، قال: رحم الله أبا ذر! قال
عمار: نعم! رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان.
وبلغ عثمان عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضا، فاجتمعت بنو مخزوم إلى
علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس
عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم، فأمسك عنه (2).
6625 - الكامل في التاريخ: خرج عمار بن ياسر على الناس فقال: اللهم إنك
تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته. اللهم إنك
تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة (3) سيفي في بطني ثم أنحني عليها
حتى تخرج من ظهري لفعلته. وإني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد
هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته.



(1) أنساب الأشرف: 6 / 161.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 173؛ أنساب الأشراف: 6 / 169، الفتوح: 2 / 378 كلاهما نحوه.
(3) ظبة السيف: طرفه (النهاية: 3 / 155).
232
والله إني لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون، وأيم الله لو ضربونا
حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمت أنا على الحق وأنهم على الباطل.
ثم قال: من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع إلى مال ولا ولد؟ فأتاه عصابة،
فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب بدمه
ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها، وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما
يتمرغون فيه منها، ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية
عليهم، فخدعوا أتباعهم وإن قالوا: إمامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة
ملوكا، فبلغوا ما ترون، فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان.
اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في
عبادك العذاب الأليم (1).
6626 - رجال الكشي عن حمران بن أعين عن الإمام الباقر (عليه السلام): قلت: ما تقول في
عمار؟ قال: رحم الله عمارا، ثلاثا! قاتل مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وآله، وقتل شهيدا. قلت في نفسي: ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟
فالتفت إلي، فقال: لعلك تقول مثل الثلاثة! هيهات! قلت: وما علمه أنه يقتل في
ذلك اليوم؟
قال: إنه لما رأى الحرب لا تزداد إلا شدة، والقتل لا يزداد إلا كثرة، ترك
الصف وجاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، هو هو؟ قال: ارجع
إلى صفك، فقال له ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول له: ارجع إلى صفك، فلما أن



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 380، تاريخ الطبري: 5 / 38 و 39 نحوه وراجع حلية الأولياء: 1 / 143
والبداية والنهاية: 7 / 267 ووقعة صفين: 320.
233
كان في الثالثة قال له: نعم. فرجع إلى صفه وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة، محمدا
وحزبه (1).
6627 - الإمام علي (عليه السلام) - في الديوان المنسوب إليه مما أنشده في شهادة عمار -:
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك مضرا بالذين أحبهم * كأنك تنحو نحوهم بدليل (2)
6628 - رسول الله (صلى الله عليه وآله): بشر قاتل ابن سمية بالنار (3).
6629 - عنه (صلى الله عليه وآله) - في عمار -: إن قاتله وسالبه في النار (4).
6630 - عنه (صلى الله عليه وآله): ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار (5).
6631 - المناقب لابن شهر آشوب: كثر أصحاب الحديث على شريك (6)،
وطالبوه بأنه يحدثهم بقول النبي (صلى الله عليه وآله): " تقتلك الفئة الباغية " فغضب وقال:
أتدرون أن لا فخر لعلي أن يقتل معه عمار، إنما الفخر لعمار أن يقتل مع



(1) رجال الكشي: 1 / 126 / 56، روضة الواعظين: 313 وراجع البداية والنهاية: 7 / 268 و 269.
(2) الديوان المنسوب إلى الإمام علي (عليه السلام): 496 / 380، كفاية الأثر: 123 نحوه؛ مطالب السؤول: 62.
(3) تاريخ دمشق: 43 / 473، الفردوس: 2 / 27 / 2170 كلاهما عن عمرو بن العاص.
(4) مسند ابن حنبل: 6 / 231 / 17791، المستدرك على الصحيحين: 3 / 437 / 5661، أنساب
الأشراف: 1 / 197، سير أعلام النبلاء: 1 / 425 / 84 كلها عن عمرو بن العاص، تاريخ الإسلام
للذهبي: 3 / 582 عن عبد الله بن عمرو وفيه " قاتل عمار وسالبه في النار "؛ الجمل: 103 / 1 وفيه
" بشروا قاتل عمار وسالبه بالنار ".
(5) صحيح البخاري: 1 / 172 / 436 عن أبي سعيد.
(6) هو شريك بن عبد الله الكوفي، ولد سنة (90 ه‍) ومات سنة (177 ه‍). ولي القضاء بواسط، ثم ولي
الكوفة بعده ومات بها، وكان فقيها عالما (تهذيب التهذيب: 2 / 491 / 3254).
234
علي (عليه السلام) (1).
6632 - الكامل في التاريخ: إن أبا الغارية قتل عمارا وعاش إلى زمن الحجاج،
ودخل عليه فأكرمه الحجاج وقال له: أنت قتلت ابن سمية - يعني عمارا -؟ قال:
نعم... ثم سأله أبو الغارية حاجته فلم يجبه إليها، فقال: نوطئ لهم الدنيا، ولا
يعطونا منها، ويزعم أني عظيم الباع يوم القيامة!
فقال الحجاج: أجل والله، من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل جبل ورقان،
ومجلسه مثل المدينة والربذة إنه لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو أن عمارا قتله
أهل الأرض كلهم لدخلوا كلهم النار (2).
راجع: القسم السادس / وقعة صفين / اشتداد القتال / استشهاد عمار بن ياسر.
73
عمر بن أبي سلمة
عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد القرشي المخزومي. ولد قبل الهجرة بعامين
أو أكثر (3). توفي أبوه سنة 3 ه‍ (4)، فانتقل إلى بيت النبي (صلى الله عليه وآله) مع أمه التي أصبحت
من أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5)، فنشأ في بيت الوحي (6). وكانت والدته امرأة جليلة،



(1) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 217.
(2) الكامل في التاريخ: 2 / 382، والصحيح أن قاتل عمار: أبو الغادية. راجع: أسد الغابة:
6 / 231 / 6147 والاستيعاب: 4 / 288 / 3144.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 407 / 63، الاستيعاب: 3 / 245 / 1903.
(4) سير أعلام النبلاء: 3 / 407 / 63.
(5) راجع: سير أعلام النبلاء: 3 / 407 / 63، أسد الغابة: 4 / 169 / 3836.
(6) سير أعلام النبلاء: 3 / 407 / 63.
235
وهي التي أرسلته إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة الجمل (1)، ومعه كتاب
منها إليه (2).
ولاه الإمام (عليه السلام) على البحرين (3) بعد معركة الجمل، ثم عزله وطلب منه أن
يلتحق بعسكر الإمام (عليه السلام) في صفين (4). وتدل رسالة الإمام (عليه السلام) على أنه كان رجلا
أمينا ومجربا وجادا في عمله. وأن حضوره في عسكر الإمام (عليه السلام) ضد ظلمة الشام
ضروري. وكان مع الإمام في حروبه جميعها (5). توفي عمر سنة 83 ه‍ (6).
6633 - تاريخ اليعقوبي: كتب [علي (عليه السلام)] إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي، وهو
ابن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان عامله على البحرين: أما بعد؛ فإني قد وليت
النعمان بن العجلان البحرين بلا ذم لك، فأقبل، غير ظنين (7)، واخرج إليه من
عمل ما وليت، فقد أردت الشخوص إلى ظلمة أهل الشام وبقية الأحزاب،
فأحببت أن تشهد معي لقاءهم؛ فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين ونصر
الهدى، جعلنا الله وإياك من الذين يعملون بالحق وبه يعدلون.
فأقبل عمر فشهد معه، ثم انصرف وتبع عليا إلى الكوفة، فمكث معه سنة



(1) تاريخ الطبري: 4 / 451، الاستيعاب: 3 / 246 / 1903، أسد الغابة: 4 / 170 / 3836.
(2) الفتوح: 2 / 455، شرح نهج البلاغة: 6 / 219. راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / أكابر أصحاب الإمام.
(3) بلد في جنوب الخليج الفارسي.
(4) نهج البلاغة: الكتاب 42، تاريخ اليعقوبي: 2 / 201؛ تاريخ الطبري: 4 / 452، الكامل في التاريخ:
2 / 323 وفيهما " استعمله على البحرين، ثم عزله واستعمل النعمان بن العجلان "، أسد الغابة:
4 / 170 / 3836 وفيه " استعمله على البحرين وعلى فارس ".
(5) شرح نهج البلاغة: 6 / 219.
(6) الاستيعاب: 3 / 246 / 1903، أسد الغابة: 4 / 170 / 3836 وفيه " توفي بالمدينة أيام عبد الملك
بن مروان "، سير أعلام النبلاء: 3 / 408 / 63.
(7) ظنين: أي متهم في دينه (النهاية: 3 / 163).
236
وبعض أخرى (1).
6634 - الفتوح: جاء عمر بن أبي سلمة إلى علي (رضي الله عنه) فصار معه، وكان له فضل
وعبادة وعقل، فأنشأ رجل من أصحاب علي (رضي الله عنه) يمدح أم سلمة وهو يقول أبياتا
مطلعها:
أم يا أمة لقيت الظفر * ثم لا زلت تسقين المطر (2)
74
عمرو بن الحمق الخزاعي
عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي. صحابي جليل من صحابة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) (4)، والإمام الحسن (عليه السلام) (5).
أسلم بعد الحديبية (6)، وتعلم الأحاديث من النبي (صلى الله عليه وآله). وكان من الصفوة الذين
حرسوا " حق الخلافة " بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فوقف إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام)
بإخلاص (7). واشترك في ثورة المسلمين على عثمان، ورفع صوت الحق إزاء



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 201، نهج البلاغة: الكتاب 42؛ أنساب الأشراف: 2 / 387 وفيهما كتاب
الإمام (عليه السلام) فقط.
(2) الفتوح: 2 / 456.
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 25، تهذيب الكمال: 21 / 597 / 4353، المعارف لابن قتيبة: 291،
الاستيعاب: 3 / 258 / 1931، أسد الغابة: 4 / 205 / 3912؛ الجمل: 104 / 15.
(4) رجال الطوسي: 70 / 644.
(5) رجال الطوسي: 95 / 940، المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 40.
(6) الاستيعاب: 3 / 258 / 1931، أسد الغابة: 4 / 205 / 3912، تهذيب الكمال: 21 / 597 / 4353،
المعارف لابن قتيبة: 291 وفيهما " بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، وصحبه بعد ذلك ".
(7) الاختصاص: 7، رجال الكشي: 1 / 186 / 78.
237
التغيرات الشاذة التي حصلت في هذا العصر (1).
شهد حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) وساهم فيها بكل صلابة وثبات (2). وكان ولاؤه
للإمام (عليه السلام) عظيما حتى قال له: ليت أن في جندي مائة مثلك (3).
أجل، كان عمرو مهتديا، عميق النظر. وكان من بصيرته بحيث يرى نفسه
فانيا في علي (عليه السلام)، وكان يقول له بإيمان ووعي: ليس لنا معك رأي.
وكان عمرو صاحبا لحجر بن عدي ورفيق دربه. وصيحاته المتعالية ضد ظلم
الأمويين (4) هي التي دفعت معاوية إلى الهم بقتله.
وقتله سنة 50 ه‍، بعد أن كان قد سجن زوجته الكريمة بغية استسلامه (5).
وأرسل برأسه إلى معاوية (6). وهو أول رأس في الإسلام يحمل من بلد إلى
بلد (7).



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 25، أنساب الأشراف: 6 / 219، تاريخ الطبري: 4 / 393، تهذيب الكمال:
21 / 597 / 4353، المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 3 / 258 / 1931، أسد الغابة:
4 / 206 / 3912 وفيهما " هو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار "، مروج الذهب: 2 / 352؛ تاريخ
اليعقوبي: 2 / 176.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 25، تهذيب الكمال: 21 / 597 / 4353، المعارف لابن قتيبة: 291،
الاستيعاب: 3 / 258 / 1931، أسد الغابة: 4 / 206 / 3912.
(3) وقعة صفين: 104، الاختصاص: 15 وفيه " شيعتي " بدل " جندي ".
(4) المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 3 / 258 / 1931، أسد الغابة: 4 / 206 / 3912 وفيها
" أعان حجر بن عدي ".
(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 232؛ أسد الغابة: 4 / 206 / 3912.
(6) تهذيب الكمال: 21 / 597 / 4353، المعارف لابن قتيبة: 292، الاستيعاب: 3 / 258 / 1931،
أسد الغابة: 4 / 206 / 3912.
(7) الطبقات الكبرى: 6 / 25، أنساب الأشراف: 5 / 282، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 88.
238
عبر عنه الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) ب‍ " العبد الصالح الذي أبلته العبادة "،
وذلك في رسالته البليغة القارعة التي بعثها إلى معاوية، ووبخه فيها لارتكابه
جريمة قتله (1).
6635 - الإمام الكاظم (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة... ينادي مناد: أين حواري علي
بن أبي طالب (عليه السلام) وصي محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم عمرو بن الحمق
الخزاعي، ومحمد بن أبي بكر، وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد، وأويس
القرني (2).
6636 - وقعة صفين - في أحداث ما بعد رفع المصاحف -: قام عمرو بن الحمق
فقال: يا أمير المؤمنين! إنا والله ما أجبناك ولا نصرناك عصبية على الباطل،
ولا أجبنا إلا الله عز وجل، ولا طلبنا إلا الحق، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه
لاستشرى (3) فيه اللجاج، وطالت فيه النجوى، وقد بلغ الحق مقطعه، وليس لنا
معك رأي (4).
6637 - وقعة صفين عن عبد الله بن شريك: قال عمرو بن الحمق: إني والله
يا أمير المؤمنين، ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال
تؤتينيه، ولا التماس سلطان يرفع ذكري به، ولكن أحببتك لخصال خمس: إنك
ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأول من آمن به، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت
محمد (صلى الله عليه وآله)، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعظم رجل من



(1) رجال الكشي: 1 / 253 / 99، الاحتجاج: 2 / 90 / 164؛ أنساب الأشراف: 5 / 129 نحوه.
(2) رجال الكشي: 1 / 41 / 20 عن أسباط بن سالم.
(3) وفي نسخة: " لكان فيه اللجاج ". واستشرى: لج وتمادى وجد (لسان العرب: 14 / 429).
(4) وقعة صفين: 482 وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 144.
239
المهاجرين سهما في الجهاد.
فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي (1) حتى يأتي علي
يومي في أمر أقوي به وليك، وأوهن به عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل
الذي يحق علي من حقك.
فقال أمير المؤمنين علي: اللهم نور قلبه بالتقى، واهده إلى صراط مستقيم،
ليت أن في جندي مائة مثلك!
فقال حجر: إذا والله يا أمير المؤمنين، صح جندك، وقل فيهم من يغشك (2).
6638 - تاريخ الطبري: - في ذكر طلب زياد ومتابعته أصحاب حجر -: فخرج
عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن، ثم ارتحلا حتى أتيا أرض
الموصل (3)، فأتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق أن رجلين قد كمنا
في جانب الجبل، فاستنكر شأنهما - وهو رجل من همدان يقال له: عبد الله بن
أبي بلتعة - فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما
خرجا.
فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا، وكان بطنه قد سقى (4)، فلم يكن عنده
امتناع، وأما رفاعة بن شداد - وكان شابا قويا - فوثب على فرس له جواد، فقال



(1) طما البحر: ارتفع بموجه (النهاية: 3 / 139).
(2) وقعة صفين: 103، الاختصاص: 14 نحوه وفيه " شيعتي " بدل " جندي ".
(3) الموصل: المدينة المشهورة، قالوا سميت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل:
وصلت بين دجلة والفرات، وقيل: لأنها وصلت بين بلد سنجار والحديثة. وهي مدينة قديمة الأس
على طرف دجلة، ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى (معجم البلدان: 5 / 223).
(4) يقال: سقى بطنه: أي حصل فيه الماء الأصفر (النهاية: 2 / 382).
240
له: أقاتل عنك؟ قال: وما ينفعني أن تقاتل! انج بنفسك إن استطعت، فحمل
عليهم، فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه - وكان
راميا - فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه، وأخذ
عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن
قتلتموه كان أضر لكم، فسألوه، فأبى أن يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة إلى
عامل الموصل - وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي - فلما رأى عمرو
بن الحمق عرفه، وكتب إلى معاوية بخبره.
فكتب إليه معاوية: إنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص (1)
كانت معه، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان،
فأخرج فطعن تسع طعنات، فمات في الأولى منهن أو الثانية (2).
6639 - تاريخ اليعقوبي: بلغ عبد الرحمن بن أم الحكم - وكان عامل معاوية على
الموصل - مكان عمرو بن الحمق الخزاعي، ورفاعة بن شداد، فوجه في طلبهما،
فخرجا هاربين، وعمرو بن الحمق شديد العلة، فلما كان في بعض الطريق لدغت
عمرا حية، فقال: الله أكبر! قال لي رسول الله: " يا عمرو! ليشترك في قتلك الجن
والإنس " ثم قال لرفاعة: امض لشأنك؛ فإني مأخوذ ومقتول.
ولحقته رسل عبد الرحمن بن أم الحكم، فأخذوه وضربت عنقه، ونصب
رأسه على رمح، وطيف به، فكان أول رأس طيف به في الإسلام.
وقد كان معاوية حبس امرأته بدمشق، فلما أتى رأسه بعث به، فوضع في



(1) المشاقص: جمع مشقص؛ وهو فصل السهم إذا كان طويلا غير عريض (النهاية: 2 / 490).
(2) تاريخ الطبري: 5 / 265، الكامل في التاريخ: 2 / 492 نحوه.
241
حجرها، فقالت للرسول: أبلغ معاوية ما أقول: طالبه الله بدمه، وعجل له الويل
من نقمه! فلقد أتى أمرا فريا، وقتل برا نقيا!
وكان أول من حبس النساء بجرائر الرجال (1).
6640 - الاختصاص: كان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)،
فلما صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهرزور من الموصل وكتب إليه معاوية:
أما بعد؛ فإن الله أطفأ النائرة (2)، وأخمد الفتنة، وجعل العاقبة للمتقين، ولست
بأبعد أصحابك همة، ولا أشدهم في سوء الأثر صنعا، كلهم قد أسهل بطاعتي،
وسارع إلى الدخول في أمري، وقد بطؤ بك ما بطؤ، فادخل فيما دخل فيه
الناس، يمح عنك سالف ذنوبك، ومحي داثر حسناتك، ولعلي لا أكون لك دون
من كان قبلي إن أبقيت واتقيت ووقيت وأحسنت، فاقدم علي آمنا في ذمة الله
وذمة رسوله (صلى الله عليه وآله)، محفوظا من حسد القلوب وإحن الصدور، وكفى بالله شهيدا.
فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه، وبعث به إلى
امرأته فوضع في حجرها، فقالت: سترتموه عني طويلا وأهديتموه إلي قتيلا!
فأهلا وسهلا من هدية غير قالية ولا مقلية، بلغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول:
طلب الله بدمه، وعجل الوبيل من نقمه! فقد أتى أمرا فريا وقتل بارا تقيا! فأبلغ
أيها الرسول معاوية ما قلت.
فبلغ الرسول ما قالت، فبعث إليها، فقال لها: أنت القائلة ما قلت؟ قالت: نعم،
غير ناكلة عنه ولا معتذرة منه، قال لها: أخرجي من بلادي، قالت: أفعل، فوالله



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 231.
(2) النائرة: الحقد والعداوة، وقيل: الكائنة تقع بين القوم (لسان العرب: 5 / 247).
242
ما هو لي بوطن ولا أحن فيها إلى سجن، ولقد طال بها سهري واشتد بها عبري،
وكثر فيها ديني من غير ما قرت به عيني.
فقال عبد الله بن أبي سرح الكاتب: يا أمير المؤمنين! إنها منافقة فألحقها
بزوجها، فنظرت إليه فقالت: يا من بين لحييه كجثمان الضفدع، ألا قلت من
أنعمك خلعا وأصفاك كساء! إنما المارق المنافق من قال بغير الصواب، واتخذ
العباد كالأرباب، فأنزل كفره في الكتاب! فأومى معاوية إلى الحاجب بإخراجها،
فقالت: وا عجباه من ابن هند، يشير إلي ببنانه ويمنعني نوافذ لسانه، أما والله
لأبقرنه بكلام عتيد كنواقد الحديد، أو ما أنا بآمنة بنت الشريد (1).
6641 - الإمام الحسين (عليه السلام) - من كتابه إلى معاوية -: أو لست قاتل عمرو بن الحمق
صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت
لونه، بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه، ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك
من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك، واستخفافا بذلك العهد؟ (2)
75
عمرو بن محصن
عمرو بن محصن بن حرثان الأسدي، أخو عكاشة بن محصن. صحابي
جليل من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله). شهد أحدا (3). وكان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة



(1) الاختصاص: 16 وراجع بلاغات النساء: 87.
(2) رجال الكشي: 1 / 253 / 99، الاحتجاج: 2 / 90 / 164 نحوه؛ أنساب الأشراف: 5 / 129 وفيه
إلى " وصفرت لونه "، الإمامة والسياسة: 1 / 202 كلاهما نحوه.
(3) الطبقات الكبرى: 4 / 104، أسد الغابة: 4 / 256 / 4021، الاستيعاب: 3 / 277 / 1974،
الإصابة: 4 / 562 / 5970.
243
الجمل (1)، وكان - علاوة على حضوره فيها - قد دفع مائة ألف درهم لتجهيز
جيش الإمام (عليه السلام).
استشهد في صفين (2)، فعز ذلك على أمير المؤمنين (عليه السلام) وأعرب عن حزنه
عليه (3).
رثاه النجاشي شاعر العراق بقصيدة طويلة، أثنى فيها على بطولته وأبعاد
شخصيته الكريمة (4).
6642 - رجال الطوسي: عمرو بن محصن، يكنى أبا أحيحة، أصيب بصفين، وهو
الذي جهز أمير المؤمنين (عليه السلام) بمائة ألف درهم في مسيره إلى الجمل (5).
6643 - وقعة صفين: كان ابن محصن من أعلام أصحاب علي (عليه السلام)، قتل في
المعركة، وجزع علي (عليه السلام) لقتله (6).
76
الفضل بن العباس
الفضل بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وأمه أم الفضل لبابة بنت
الحارث. وهو أكبر ولد العباس. عد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام). غزا



(1) الجمل: 104 / 20.
(2) رجال الطوسي: 73 / 675، الاختصاص: 5.
(3) وقعة صفين: 359.
(4) وقعة صفين: 357.
(5) رجال الطوسي: 73 / 675، الاختصاص: 5.
(6) وقعة صفين: 359.
244
مع رسول الله مكة وحنينا (1). وثبت يومئذ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين ولى الناس
منهزمين (2). كان فيمن غسل النبي وشهد كفنه ودفنه ودخل القبر مع الإمام
علي (عليه السلام) (3).
كان من جملة المخلصين في ولائهم للإمام علي (عليه السلام)، ومن المدافعين عن
حقه (عليه السلام) في الخلافة (4). شارك في مراسم دفن فاطمة (عليها السلام) (5). وتوفي في سنة 18 ه‍
في زمن خلافة عمر بن الخطاب (6).
6644 - الأخبار الموفقيات عن محمد بن إسحاق: إن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم
بن مرة. قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو
صاحب الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال الفضل بن العباس: يا معشر قريش
وخصوصا يا بني تيم! إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة، ونحن أهلها دونكم، ولو
طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا،



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 308 / 5196، الطبقات الكبرى: 4 / 54.
(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 308 / 5196، الطبقات الكبرى: 4 / 54، تاريخ الطبري: 3 / 74،
الكامل في التاريخ: 1 / 625.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 308 / 5196، تاريخ الطبري: 3 / 211 - 213، الكامل في
التاريخ: 2 / 15.
(4) الأخبار الموفقيات: 580 / 380.
(5) الطبقات الكبرى: 8 / 29، تاريخ الطبري: 3 / 241، الكامل في التاريخ: 2 / 21.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 308 / 5196، الطبقات الكبرى: 4 / 55.
وفي زمن موته أقوال أخر: " قتل في خلافة أبي بكر مع خالد بن الوليد وحدد بعضهم قتله بيوم
اليرموك " كما في المستدرك على الصحيحين: 3 / 308 / 5197 و 5198، وقيل " مات في عهد
أبي بكر " كما في التاريخ الكبير: 7 / 114 / 502.
245
حسدا منهم لنا، وحقدا علينا، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه (1).
77
قثم بن العباس
قثم بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وأمه أم الفضل لبابة بنت
الحارث من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2)، وأخو أحد الحسنين (عليهما السلام) من الرضاعة (3)،
أثنوا عليه بالمعرفة القوية والفضل والفضيلة. ولي مكة (4) والطائف (5) طيلة خلافة
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). وصار أمير الحج سنة 38 ه‍ (6). وعندما أغار بسر بن
أرطاة على مكة، فر منها (7) ثم عاد إليها بعد خروج بسر (8).
كان قثم حاضرا في مسجد الكوفة عندما ضرب الإمام (عليه السلام)، وهو الذي قبض
على ابن ملجم (9).



(1) الأخبار الموفقيات: 580 / 380.
(2) مسند ابن حنبل: 1 / 440 / 1760، التاريخ الكبير: 7 / 194 / 863، سير أعلام النبلاء:
3 / 440 / 82، أسد الغابة: 4 / 373 / 4279 وفيها " قد أردفه النبي (صلى الله عليه وآله) خلفه ".
(3) مسند ابن حنبل: 10 / 256 / 26939، الإصابة: 5 / 320 / 7096، أنساب الأشراف: 4 / 85،
سير أعلام النبلاء: 3 / 440 / 82.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 92 وص 155، تاريخ خليفة بن خياط: 152 وفيه " ولاها أبا قتادة الأنصاري
ثم عزله وولى قثم بن عباس، فلم يزل واليا حتى قتل علي "؛ نهج البلاغة: الكتاب 67، تاريخ
اليعقوبي: 2 / 179.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 92 وص 155.
(6) تاريخ الطبري: 5 / 132، الكامل في التاريخ: 2 / 424؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 213 وفيه " أقام الحج
للناس... وفي سنة 37 قثم بن العباس وقيل: عبد الله بن العباس ".
(7) الغارات: 2 / 608.
(8) الغارات: 2 / 621.
(9) تاريخ اليعقوبي: 2 / 212.
246
توفي قثم في فتح سمرقند (1) أيام معاوية (2).
6645 - الاستيعاب: كان قثم بن العباس واليا لعلي بن أبي طالب على مكة، وذلك
أن عليا لما ولي الخلافة عزل خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي
عن مكة، وولاها أبا قتادة الأنصاري، ثم عزله، وولى قثم بن العباس، فلم يزل
واليا عليها حتى قتل علي (رحمه الله) (3).
6646 - المستدرك على الصحيحين عن أبي إسحاق: سألت قثم بن العباس: كيف
ورث علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقا، وأشدنا به
لزوقا (4).
6647 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى قثم بن العباس عامله على مكة -: أما بعد،
فأقم للناس الحج، وذكرهم بأيام الله، واجلس لهم العصرين؛ فأفت المستفتي،
وعلم الجاهل، وذاكر العالم. ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب
إلا وجهك. ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها؛ فإنها إن ذيدت عن أبوابك في
أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها.
وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال
والمجاعة، مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا
لنقسمه فيمن قبلنا.



(1) سمرقند: بلد معروف في خراسان وهو الآن في تاجيكستان.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 237؛ الطبقات الكبرى: 7 / 367، أنساب الأشراف: 4 / 86 وفيه " ويقال
استشهد بها "، أسد الغابة: 4 / 374 / 4279 وفيه " مات بها شهيدا ".
(3) الاستيعاب: 3 / 363 / 2190، تاريخ خليفة بن خياط: 152.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 136 / 4633، المعجم الكبير: 19 / 40 / 86 و ح 85 نحوه،
تاريخ دمشق: 42 / 393، أسد الغابة: 4 / 373 / 4279.
247
ومر أهل مكة ألا يأخذوا من ساكن أجرا؛ فإن الله سبحانه يقول: (سواء
العاكف فيه والباد) (1) فالعاكف: المقيم به، والبادي: الذي يحج إليه من غير أهله.
وفقنا الله وإياكم لمحابه، والسلام (2).
6648 - الطبقات الكبرى: غزا قثم خراسان، وكان عليها سعيد بن عثمان فقال له:
أضرب لك بألف سهم، فقال: لا، بل أخمس، ثم أعط الناس حقوقهم، ثم أعطني
بعد ما شئت.
وكان قثم ورعا فاضلا، وتوفي بسمرقند (3).
78
قدامة بن عجلان الأزدي
كان من ولاة الإمام (عليه السلام) على منطقة كسكر (4). ويستشف من كتاب الإمام (عليه السلام)
إليه (5) أنه كان قد أفرط في التصرف ببيت المال، فانتقده الإمام (عليه السلام) على ذلك. ولم
نحصل على معلومات أكثر حول حياته.
6649 - أنساب الأشراف: قدامة بن عجلان عامله [أي علي (عليه السلام)] على كسكر (6).



(1) الحج: 25.
(2) نهج البلاغة: الكتاب 67.
(3) الطبقات الكبرى: 7 / 367 وراجع أنساب الأشراف: 4 / 86.
(4) كسكر: كورة واسعة...، وقصبتها اليوم واسط التي بين الكوفة والبصرة...، ويقال: إن حد كورة
كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النهروان إلى أن تصب دجلة في البحر (معجم البلدان: 4 / 461).
(5) أنساب الأشراف: 2 / 388.
(6) أنساب الأشراف: 2 / 388، الأخبار الطوال: 153، تاريخ خليفة بن خياط: 151 وفيه " البحران "
بدل " كسكر "، وقعة صفين: 11 وفيه " قدامة بن مظعون " وهو مخالف لبقية المصادر.
248
6650 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى قدامة بن عجلان عامله على كسكر -: أما
بعد؛ فاحمل ما قبلك من مال الله؛ فإنه فيء للمسلمين، لست بأوفر حظا فيه من
رجل فيهم، ولا تحسبن يا بن أم قدامة أن مال كسكر مباح لك كمال ورثته عن
أبيك وأمك، فعجل حمله، وأعجل في الإقبال إلينا، إن شاء الله (1).
79
قرظة بن كعب الأنصارى
قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا عمر. من صحابة
النبي (صلى الله عليه وآله) (2) وفقهائهم (3). اشترك في غزوة أحد وما تلاها من غزوات (4).
فتح الري في زمن عمر (5). ولي الكوفة (6)، وبهقباذات (7) (8)، وخراج ما بين



(1) أنساب الأشراف: 2 / 388.
(2) المستدرك على الصحيحين: 1 / 183 / 347، التاريخ الكبير: 7 / 193 / 858، الطبقات الكبرى:
6 / 17، تهذيب الكمال: 23 / 563 / 4864، تهذيب التهذيب: 4 / 527 / 6511.
(3) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 661، تهذيب الكمال: 23 / 564 / 4864، الاستيعاب: 3 / 365 / 2192،
أسد الغابة: 4 / 380 / 4291 وفيها " كان فاضلا ".
(4) تهذيب الكمال: 23 / 563 / 4864، الاستيعاب: 3 / 365 / 2192، أسد الغابة: 4 / 380 / 4291،
الإصابة: 5 / 329 / 7113.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 148، تهذيب الكمال: 23 / 563 / 4864، الاستيعاب: 3 / 365 / 2192،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 662؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 157.
(6) تاريخ الطبري: 4 / 499، تهذيب الكمال: 23 / 564 / 4864، مروج الذهب: 2 / 368، أسد
الغابة: 4 / 380 / 4291، تاريخ خليفة بن خياط: 152؛ الجمل: 265.
(7) هي ثلاث بهقباذات، وبهقباذ: ثلاث كور ببغداد منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنوشروان. (راجع:
معجم البلدان: 1 / 516).
(8) وقعة صفين: 11؛ الأخبار الطوال: 153 وفيه " قرط بن كعب ".
249
النهرين في خلافة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
كان مع الإمام (عليه السلام) في حروبه (2)، وتوفي في أيام خلافة الإمام (عليه السلام) بالكوفة
فصلى عليه الإمام (عليه السلام) (3).
6651 - الاستيعاب: ولاه [قرظة بن كعب الأنصاري] علي بن أبي طالب على
الكوفة، فلما خرج علي إلى صفين حمله معه وولاها أبا مسعود البدري (4).
6652 - الاستيعاب: شهد قرظة بن كعب مع علي مشاهده كلها، وتوفي في
خلافته في دار ابتناها بالكوفة، وصلى عليه علي بن أبي طالب (5).
6653 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى قرظة بن كعب -: أما بعد، فإن قوما من
أهل عملك أتوني، فذكروا أن لهم نهرا قد عفا ودرس، وأنهم إن حفروه
واستخرجوه عمرت بلادهم، وقووا على كل خراجهم، وزاد فيء المسلمين
قبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عليه،
ولست أرى أن أجبر أحدا على عمل يكرهه، فادعهم إليك، فإن كان الأمر في



(1) أنساب الأشراف: 3 / 205.
(2) الاستيعاب: 3 / 365 / 2192، أسد الغابة: 4 / 380 / 4291، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 662
وفيه " ثم سار إلى الجمل مع علي ثم شهد صفين "، تاريخ بغداد: 1 / 185 / 23 وفيه " كان على راية
الأنصار يومئذ " أي يوم صفين.
(3) الطبقات الكبرى: 6 / 17، تاريخ بغداد: 1 / 185 / 23، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 662،
الاستيعاب: 3 / 365 / 2192، تهذيب الكمال: 23 / 564 / 4864 وليس فيه صلاة علي (عليه السلام) عليه.
وفيهما " وقيل: توفي في إمارة المغيرة بن شعبة ".
(4) الاستيعاب: 3 / 365 / 2192، أسد الغابة: 4 / 380 / 4291 وزاد فيه " لما سار إلى الجمل " بعد
" الكوفة "، تاريخ خليفة بن خياط: 152 نحوه.
(5) الاستيعاب: 3 / 365 / 2192، أسد الغابة: 4 / 380 / 4291، الطبقات الكبرى: 6 / 17 وليس فيه
صدره.
250
النهر على ما وصفوا، فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من
كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحب إلي من أن يضعفوا، والسلام (1).
80
قنبر مولى أمير المؤمنين
غلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومرافقه.
غالبا ما يرد ذكره بالخير في أقضية الإمام (عليه السلام) (2). وكان ملازما له مقيما لحدوده
ومنفذا لأوامره. وذكر أنه كان من السابقين الذين عرفوا حق أمير المؤمنين (عليه السلام) (3)
وثبتوا على الذود عن حق الولاية (4). دفع إليه الإمام (عليه السلام) لواء يوم صفين في قبال
غلام عمرو بن العاص الذي كان قد رفع لواء (5).
استدعاه الحجاج وأمر بقتله، بسبب وفائه وعشقه الصادق الخالص للإمام
علي (عليه السلام). وكان عند استشهاده يتلو آية من القرآن الكريم أخزى بها الحجاج
وأضرابه (6).
6654 - الإمام الصادق (عليه السلام): كان قنبر غلام علي يحب عليا (عليه السلام) حبا شديدا، فإذا
خرج علي صلوات الله عليه خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر
ما لك؟



(1) أنساب الأشراف: 2 / 390 وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
(2) راجع: القسم الثاني عشر / نماذج من قضاياه بعد النبي، ونماذج من قضاياه في إمارته.
(3) رجال الكشي: 1 / 288 / 128 و 129، الاختصاص: 73.
(4) الاختصاص: 7.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 563، الكامل في التاريخ: 2 / 361.
(6) رجال الكشي: 1 / 290 / 130، الإرشاد: 1 / 328.
251
فقال: جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين.
قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض؟!
فقال: لا، بل من أهل الأرض.
فقال: إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله من السماء، فارجع.
فرجع (1).
6655 - الإرشاد: ما رواه أصحاب السيرة من طرق مختلفة: إن الحجاج بن
يوسف الثقفي قال ذات يوم: أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب
فأتقرب إلى الله بدمه!!
فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في
طلبه فأتي به، فقال له: أنت قنبر؟
قال: نعم.
قال: أبو همدان؟
قال: نعم.
قال: مولى علي بن أبي طالب؟
قال: الله مولاي، وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي.
قال: أبرأ من دينه.
قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه؟
فقال: إني قاتلك، فاختر أي قتلة أحب إليك.
قال: قد صيرت ذلك إليك.
قال: ولم؟



(1) الكافي: 2 / 59 / 10 عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه.
252
قال: لأنك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، ولقد خبرني أمير المؤمنين (عليه السلام) أن
منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حق.
قال: فأمر به فذبح (1).
6656 - الإمام الهادي (عليه السلام): إن قنبرا مولى أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل على الحجاج بن
يوسف، فقال له: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟
فقال: كنت أوضئه.
فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟
فقال: كان يتلو هذه الآية: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى
إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين) (2)
فقال الحجاج: أظنه كان يتأولها علينا؟
قال: نعم.
فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك؟
قال: إذن أسعد وتشقى. فأمر به (3).
81
قيس بن سعد بن عبادة
قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الساعدي، هو أحد الصحابة (4)



(1) الإرشاد: 1 / 328.
(2) الأنعام: 44 و 45.
(3) رجال الكشي: 1 / 290 / 130 عن أحكم بن يسار، تفسير العياشي: 1 / 359 / 22.
(4) رجال الطوسي: 45 / 351؛ تهذيب الكمال: 24 / 40 / 4906، الاستيعاب: 3 / 350 / 2158،
سير أعلام النبلاء: 3 / 102 / 21، تاريخ دمشق: 49 / 396.
253
ومن كبار الأنصار. وكان يحظى باحترام خاص بين قبيلته والأنصار وعامة
المسلمين (1)، وكان شجاعا، كريم النفس، عظيما، مطاعا في قبيلته (2).
وكان طويل القامة، قوي الجسم، معروفا بالكرم (3)، مشهورا بالسخاء (4).
حمل اللواء في بعض حروب النبي (صلى الله عليه وآله) (5). وهو من السباقين إلى رعاية حرمة
الحق (6)، والدفاع عن " خلافة الحق " و " حق الخلافة " وإمامة الإمام
أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (7).
وكان من صحابة الإمام (عليه السلام) المقربين وحماته الثابتين في أيام خلافته (عليه السلام).
ولاه (عليه السلام) على مصر (8)، فاستطاع بحنكته أن يسكت المعارضين ويقضي على
جذور المؤامرة (9).



(1) الاستيعاب: 3 / 350 / 2158، أسد الغابة: 4 / 404 / 4354، سير أعلام النبلاء: 3 / 102 / 21.
(2) تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290، البداية والنهاية: 8 / 99 وراجع أسد الغابة: 4 / 404 / 4354.
(3) تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17 وفيه " كان شجاعا، بطلا، كريما، سخيا "، الكامل للمبرد: 2 / 641
وفيه " كان شجاعا، جوادا، سيدا ".
(4) تهذيب الكمال: 24 / 43 / 4906، تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290،
الاستيعاب: 3 / 351 / 2158، تاريخ دمشق: 49 / 410 - 422.
(5) تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17، تاريخ الطبري: 4 / 552 وفيه " كان صاحب راية الأنصار مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) "، الاستيعاب: 3 / 350 / 2158، تاريخ دمشق: 49 / 401 وص 403، سير أعلام
النبلاء: 3 / 103 / 21، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290.
(6) رجال الكشي: 1 / 185 / 78.
(7) رجال البرقي: 65.
(8) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179؛ الطبقات الكبرى: 6 / 52، تاريخ خليفة بن خياط: 152، تاريخ بغداد:
1 / 178 / 17.
(9) الغارات: 1 / 212؛ تاريخ الطبري: 4 / 549 و 550 وج 5 / 94، الكامل في التاريخ: 2 / 354،
تاريخ دمشق: 49 / 425.
254
حاول معاوية آنذاك أن يعطفه إليه، بيد أنه خاب ولم يفلح. وبعد مدة استدعاه
الإمام (عليه السلام) وأشخص مكانه محمد بن أبي بكر لحوادث وقعت يومئذ (1).
وكان قيس قائدا لشرطة الخميس (2)، وأحد الأمراء في صفين، إذ ولي رجالة
البصرة فيها (3).
تولى قيادة الأنصار عند احتدام القتال (4) وكان حضوره في الحرب مهيبا.
وخطبه في تمجيد شخصية الإمام (عليه السلام)، ورفعه علم الطاعة لأوامره (عليه السلام)، وحث أولي
الحق وتحريضهم على معاوية، كل ذلك كان أمارة على وعيه العميق، وشخصيته
الكبيرة، ومعرفته بالتيارات السياسية والاجتماعية والأمور الجارية، وطبيعة
الوجوه يومذاك (5).
ولاه الإمام (عليه السلام) على أذربيجان (6). وشهد قيس معه صفين والنهروان (7)، وكان
على ميمنة الجيش (8).
ولما عزم الإمام (عليه السلام) على قتال معاوية بعد النهروان، ورأى حاجة الجيش إلى



(1) الطبقات الكبرى: 6 / 52، تاريخ خليفة بن خياط: 152، الاستيعاب: 3 / 350 / 2158، أسد
الغابة: 4 / 405 / 4354.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 52، تاريخ الطبري: 5 / 95 وص 158، الكامل في التاريخ: 2 / 410،
تاريخ دمشق: 49 / 428؛ رجال الكشي: 1 / 326 / 177 وفيه " صاحب شرطة الخميس ".
(3) وقعة صفين: 208؛ تاريخ الطبري: 5 / 11، البداية والنهاية: 7 / 261.
(4) وقعة صفين: 453.
(5) وقعة صفين: 93 وص 446 - 449.
(6) تاريخ اليعقوبي: 2 / 202، الغارات: 1 / 257؛ أنساب الأشراف: 3 / 278.
(7) تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17، الاستيعاب: 3 / 350 / 2158، تاريخ دمشق: 49 / 403.
(8) تاريخ خليفة بن خياط: 149.
255
قائد شجاع مجرب متحرس أرسل إليه ليشهد معه الحرب (1).
وفي آخر تعبئة للجيش من أجل حرب المفسدين والمعتدين، صعد الإمام (عليه السلام)
على حجارة وخطب خطبة كلها حرقة وألم، وذكر الشجعان من جيشه - ويبدو
أن هذه الخطبة كانت آخر خطبة له - ثم أمر قيسا على عشرة آلاف. كما عقد
للإمام الحسين (عليه السلام) على عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري على عشرة آلاف،
ومن المؤسف أن الجيش قد تخلخل وضعه بعد استشهاده (عليه السلام) (2).
وكان قيس أول من بايع الإمام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)،
ودعا الناس إلى بيعته من خلال خطبة واعية له (3). وكان على مقدمة جيشه (عليه السلام) (4).
ولما كان عبيد الله بن العباس أحد أمراء الجيش، كان قيس مساعدا له، وحين فر
عبيد الله إلى معاوية صلى قيس بالناس الفجر، ودعا المصلين إلى الجهاد والثبات
والصمود، ثم أمرهم بالتحرك (5).
وبعد عقد الصلح بايع قيس معاوية بأمر الإمام (عليه السلام) (6). فكرمه معاوية، وأثنى
عليه (7).



(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 203؛ أنساب الأشراف: 3 / 238.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 182.
(3) أنساب الأشراف: 3 / 278.
(4) الطبقات الكبرى: 6 / 53، تاريخ الطبري: 5 / 159، الكامل في التاريخ: 2 / 445، تاريخ بغداد:
1 / 178 / 17، تاريخ دمشق: 49 / 403 وفيهما " كان مع الحسن بن علي على مقدمته بالمدائن ".
(5) مقاتل الطالبيين: 73.
(6) رجال الكشي: 1 / 326 / 177؛ أسد الغابة: 4 / 405 / 4354، تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17، مقاتل
الطالبيين: 79، شرح نهج البلاغة: 16 / 48.
(7) سير أعلام النبلاء: 3 / 102 / 21.
256
وعد قيس أحد الخمسة المشهورين بين العرب بالدهاء (1). وفارق قيس
الحياة في السنين الأخيرة من حكومة معاوية (2).
6657 - سير أعلام النبلاء عن عمرو بن دينار: كان قيس بن سعد رجلا ضخما،
جسيما، صغير الرأس، ليست له لحية، إذا ركب حمارا خطت رجلاه الأرض (3).
6658 - أسد الغابة عن ابن شهاب: كان قيس بن سعد يحمل راية الأنصار مع
النبي (صلى الله عليه وآله). قيل: إنه كان في سرية فيها أبو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم
الناس، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس،
فلما سمع سعد قام خلف النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن
الخطاب؟ يبخلان علي ابني (4).
6659 - تاريخ بغداد عن عروة: باع قيس بن سعد مالا من معاوية بتسعين ألفا،
فأمر مناديا فنادى في المدينة: من أراد القرض فليأت منزل سعد. فأقرض
أربعين أو خمسين، وأجاز بالباقي، وكتب على من أقرضه صكا، فمرض مرضا
قل عواده، فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة - أخت أبي بكر -: يا قريبة، لم
ترين قل عوادي؟



(1) التاريخ الصغير: 1 / 137، تهذيب الكمال: 24 / 44 / 4906، تاريخ الطبري: 5 / 164، الكامل
في التاريخ: 2 / 448، سير أعلام النبلاء: 3 / 108 / 21.
(2) الطبقات الكبرى: 6 / 53، تاريخ خليفة بن خياط: 172، تاريخ بغداد: 1 / 179 / 17، الاستيعاب:
3 / 351 / 2158، تاريخ دمشق: 49 / 403، سير أعلام النبلاء: 3 / 112 / 21.
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 103 / 21، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290، تهذيب الكمال:
24 / 42 / 4906، تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17 وفيه " له لحية، وأشار سفيان إلى ذقنه "، البداية
والنهاية: 8 / 102 وفيه " له لحية في ذقنه ".
(4) أسد الغابة: 4 / 404 / 4354، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290، تاريخ دمشق: 49 / 415 و 416،
سير أعلام النبلاء: 3 / 106 / 21.
257
قالت: للذي لك عليهم من الدين.
فأرسل إلى كل رجل بصكه (1).
6660 - الاستيعاب: من مشهور أخبار قيس بن سعد بن عبادة: أنه كان له مال
كثير ديونا على الناس، فمرض واستبطأ عواده، فقيل له: إنهم يستحيون من أجل
دينك، فأمر مناديا ينادي: من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له، فأتاه الناس
حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه (2).
6661 - تاريخ الإسلام عن موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز، فقالت:
أشكو إليك قلة الجرذان.
فقال: ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا (3).
6662 - شعب الإيمان عن قيس بن سعد: لولا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر هذه الأمة (4).
6663 - تهذيب الكمال عن ابن شهاب: كانوا يعدون دهاة العرب حين ثارت
الفتنة خمسة رهط، يقال لهم: ذوو رأي العرب في مكيدتهم: معاوية بن
أبي سفيان وعمرو بن العاص وقيس بن سعد بن عبادة والمغيرة بن شعبة، ومن



(1) تاريخ بغداد: 1 / 178، تهذيب الكمال: 24 / 43 / 4906، تاريخ دمشق: 49 / 418، سير أعلام
النبلاء: 3 / 106 / 21، البداية والنهاية: 8 / 100.
(2) الاستيعاب: 3 / 352 / 2158.
(3) تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 290، تاريخ دمشق: 49 / 415، سير أعلام النبلاء: 3 / 106 / 21،
الاستيعاب: 3 / 352 / 2158 نحوه، البداية والنهاية: 8 / 99 وفيه " فأر بيتي " بدل " الجرذان ".
(4) شعب الإيمان: 4 / 324 / 5268، تهذيب الكمال: 24 / 44 / 4906، تاريخ الإسلام للذهبي:
4 / 290، تاريخ دمشق: 49 / 423، أسد الغابة: 4 / 405 / 4354، سير أعلام النبلاء: 3 / 107 / 21
وفيها " من أمكر ".
258
المهاجرين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان قيس بن سعد وابن بديل
مع علي (1).
6664 - سير أعلام النبلاء عن أحمد بن البرقي: كان [قيس] صاحب لواء النبي (صلى الله عليه وآله)
في بعض مغازيه، وكان بمصر واليا عليها لعلي (عليه السلام) (2).
6665 - تاريخ الطبري عن الزهري: كانت مصر من حين علي، عليها قيس بن
سعد بن عبادة، وكان صاحب راية الأنصار مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان من ذوي
الرأي والبأس، وكان معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص جاهدين على أن
يخرجاه من مصر ليغلبا عليها، فكان قد امتنع فيها بالدهاء والمكايدة، فلم يقدرا
عليه، ولا على أن يفتتحا مصر (3).
6666 - تاريخ الطبري عن سهل بن سعد: لما قتل عثمان وولي علي بن أبي طالب
الأمر، دعا قيس بن سعد الأنصاري فقال له: سر إلى مصر فقد وليتكها، واخرج
إلى رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتيها ومعك جند،
فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله، فأحسن إلى
المحسن، واشتد على المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يمن.
فقال له قيس بن سعد: رحمك الله يا أمير المؤمنين، فقد فهمت ما قلت، أما



(1) تهذيب الكمال: 24 / 44 / 4906، التاريخ الصغير: 1 / 137 نحوه، تاريخ الطبري: 5 / 164، سير
أعلام النبلاء: 3 / 108 / 21 كلها عن الزهري، الكامل في التاريخ: 2 / 448، أسد الغابة:
4 / 405 / 4354، تاريخ دمشق: 49 / 423.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 103 / 21، تاريخ بغداد: 1 / 178 / 17، الكامل في التاريخ: 2 / 354 وفيه
" كان صاحب راية الأنصار مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) " بدل " كان صاحب لواء النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض مغازيه " وراجع
الاستيعاب: 3 / 350 / 2158 والبداية والنهاية: 8 / 99.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 552.
259
قولك: اخرج إليها بجند، فوالله لئن لم أدخلها إلا بجند آتيها به من المدينة لا
أدخلها أبدا، فأنا أدع ذلك الجند لك، فإن أنت احتجت إليهم كانوا منك قريبا،
وإن أردت أن تبعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا عدة لك، وأنا أصير إليها بنفسي
وأهل بيتي. وأما ما أوصيتني به من الرفق والإحسان، فإن الله عز وجل هو
المستعان على ذلك.
قال: فخرج قيس بن سعد في سبعة نفر من أصحابه حتى دخل مصر (1).
6667 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتاب كتبه لأهل مصر مع قيس بن سعد لما ولاه
إمارتها -: قد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة أميرا، فوازروه وكانفوه (2)،
وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة على مريبكم،
والرفق بعوامكم وخواصكم، وهو ممن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصيحته.
أسأل الله عز وجل لنا ولكم عملا زاكيا، وثوابا جزيلا، ورحمة واسعة، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته (3).
6668 - الكامل في التاريخ: خرج قيس حتى دخل مصر في سبعة من
أصحابه...، فصعد المنبر فجلس عليه، وأمر بكتاب أمير المؤمنين فقرئ على
أهل مصر بإمارته، ويأمرهم بمبايعته ومساعدته وإعانته على الحق، ثم قام
قيس خطيبا وقال:
الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين، أيها الناس، إنا قد



(1) تاريخ الطبري: 4 / 547، الكامل في التاريخ: 2 / 354 وليس فيه من " وأنا أصير " إلى " المستعان
على ذلك "؛ الغارات: 1 / 208.
(2) كنفه: حفظه وأعانه (لسان العرب: 9 / 308).
(3) تاريخ الطبري: 4 / 549 عن سهل بن سعد، البداية والنهاية: 7 / 252؛ الغارات: 1 / 209 عن سهل
بن سعد.
260
بايعنا خير من نعلم بعد نبينا (صلى الله عليه وآله)، فقوموا أيها الناس فبايعوه على كتاب الله وسنة
رسوله، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.
فقام الناس فبايعوا، واستقامت مصر، وبعث عليها عماله إلا قرية منها يقال
لها: خرنبا، فيها ناس قد أعظموا قتل عثمان، عليهم رجل من بني كنانة ثم من
بني مدلج اسمه يزيد بن الحرث، فبعث إلى قيس يدعو إلى الطلب بدم عثمان.
وكان مسلمة بن مخلد قد أظهر الطلب أيضا بدم عثمان، فأرسل إليه قيس:
ويحك أعلي تثب؟! فوالله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلتك!
فبعث إليه مسلمة: إني كاف عنك ما دمت أنت والي مصر.
وبعث قيس، وكان حازما، إلى أهل خرنبا: إني لا أكرهكم على البيعة وإني
كاف عنكم، فهادنهم وجبى الخراج ليس أحد ينازعه (1).
6669 - أنساب الأشراف عن محمد بن سيرين: بعث علي قيس بن سعد بن عبادة
أميرا على مصر، فكتب إليه معاوية وعمرو بن العاص كتابا أغلظا فيه وشتماه،
فكتب إليهما بكتاب لطيف قاربهما فيه، فكتبا إليه يذكران شرفه وفضله، فكتب
إليهما بمثل جوابه كتابهما الأول.
فقالا: إنا لا نطيق مكر قيس بن سعد، ولكنا نمكر به عند علي، فبعثا بكتابه
الأول إلى علي، فلما قرأه قال أهل الكوفة: غدر والله قيس فاعزله.
فقال علي: ويحكم، أنا أعلم بقيس إنه والله ما غدر ولكنها إحدى فعلاته.
قالوا: فإنا لا نرضى حتى تعزله، فعزله وبعث مكانه محمد بن أبي بكر (2).



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 354، تاريخ الطبري: 4 / 548 وفيه " خربتا " بدل " خرنبا " في كلا
الموضعين؛ الغارات: 1 / 211 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 162.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 173.
261
6670 - تاريخ الطبري عن أبي مخنف: لما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على
أمره، شق عليه ذلك؛ لما يعرف من حزمه وبأسه، وأظهر للناس قبله أن قيس بن
سعد قد تابعكم، فادعوا الله له، وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه.
قال: واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد، فقرأه على أهل الشام:
بسم الله الرحمن الرحيم، للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد،
سلام عليك، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني لما نظرت
رأيت أنه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا، فنستغفر الله
عز وجل لذنوبنا، ونسأله العصمة لديننا. ألا وإني قد ألقيت إليكم بالسلم، وإني
أجبتك إلى قتال قتلة عثمان، إمام الهدى المظلوم، فعول علي فيما أحببت من
الأموال والرجال أعجل عليك، والسلام.
فشاع في أهل الشام أن قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سفيان، فسرحت
عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك، فلما أتاه ذلك أعظمه وأكبره، وتعجب له،
ودعا بنيه، ودعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال: ما رأيكم؟
فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل
قيسا عن مصر.
قال لهم علي: إني والله ما أصدق بهذا على قيس.
فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، اعزله، فوالله لئن كان هذا حقا لا يعتزل لك إن
عزلته (1).
6671 - تاريخ الطبري عن أبي مخنف: جاء كتاب من قيس بن سعد فيه: بسم الله



(1) تاريخ الطبري: 4 / 553؛ الغارات: 1 / 215 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 355
وأنساب الأشراف: 3 / 163.
262
الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن قبلي رجالا
معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم، وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر
الناس، فنرى ويروا رأيهم، فقد رأيت أن أكف عنهم، وألا أتعجل حربهم، وأن
أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله عز وجل أن يقبل بقلوبهم، ويفرقهم عن ضلالتهم،
إن شاء الله.
فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ما أخوفني أن يكون هذا ممالأة لهم
منه، فمره يا أمير المؤمنين بقتالهم، فكتب إليه علي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فسر إلى القوم الذين ذكرت، فإن دخلوا
فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجزهم، إن شاء الله.
فلما أتى قيس بن سعد الكتاب فقرأه، لم يتمالك أن كتب إلى أمير المؤمنين:
أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد عجبت لأمرك، أتأمرني بقتال قوم كافين عنك،
مفرغيك لقتال عدوك؟! وإنك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوك، فأطعني يا
أمير المؤمنين، واكفف عنهم، فإن الرأي تركهم، والسلام...
فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر وعزل عنها قيسا (1).
6672 - تاريخ الطبري عن كعب الوالبي: إن عليا كتب معه [أي محمد بن
أبي بكر] إلى أهل مصر كتابا، فلما قدم به على قيس، قال له قيس: ما بال
أمير المؤمنين؟! ما غيره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟
قال له: لا، وهذا السلطان سلطانك!
قال: لا، والله لا أقيم معك ساعة واحدة. وغضب حين عزله، فخرج منها
مقبلا إلى المدينة، فقدمها، فجاءه حسان بن ثابت شامتا به - وكان حسان



(1) تاريخ الطبري: 4 / 554؛ الغارات: 1 / 218 و 219 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 163.
263
عثمانيا - فقال له: نزعك علي بن أبي طالب، وقد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم،
ولم يحسن لك الشكر!
فقال له قيس بن سعد: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي
ورهطك حربا لضربت عنقك، اخرج عني.
ثم إن قيسا خرج هو وسهل بن حنيف حتى قدما على علي، فخبره قيس
فصدقه علي، ثم إن قيسا وسهلا شهدا مع علي صفين (1).
6673 - سير أعلام النبلاء عن الزهري: قدم قيس المدينة فتوامر (2) فيه الأسود بن
أبي البختري ومروان أن يبيتاه، وبلغ ذلك قيسا، فقال: والله إن هذا لقبيح أن
أفارق عليا وإن عزلني، والله لألحقن به.
فلحق به، وحدثه بما كان يعتمد بمصر. فعرف علي أن قيسا كان يداري أمرا
عظيما بالمكيدة، فأطاع علي قيسا في الأمر كله، وجعله على مقدمة جيشه (3).
6674 - الغارات عن المدائني عن أصحابه: فسدت مصر على محمد بن أبي بكر،
فبلغ عليا توثبهم عليه، فقال: ما لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلناه
عنها بالأمس - يعني قيس بن سعد - أو مالك بن الحارث الأشتر.
وكان علي (عليه السلام) حين رجع عن صفين قد رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة، وقال
لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة، ثم



(1) تاريخ الطبري: 4 / 555، أنساب الأشراف: 3 / 164 نحوه، الكامل في التاريخ: 2 / 356؛
الغارات: 1 / 219 - 222.
(2) آمره في أمره ووامره واستأمره: شاوره (لسان العرب: 4 / 30).
(3) سير أعلام النبلاء: 3 / 110 / 21، تاريخ دمشق: 49 / 428 وفيه " وجعله مقدمة أهل العراق على
شرطة الخميس الذين كانوا يبايعون للموت ".
264
أخرج إلى أذربيجان، فكان قيس مقيما على شرطته (1).
6675 - الإمام علي - في كتابه إلى قيس بن سعد بن عبادة وهو على أذربيجان -:
أما بعد، فأقبل على خراجك بالحق وأحسن إلى جندك بالإنصاف وعلم من
قبلك مما علمك الله، ثم إن عبد الله بن شبيل الأحمسي سألني الكتاب إليك فيه
بوصايتك به خيرا، فقد رأيته وادعا متواضعا، فألن حجابك وافتح بابك واعمد
إلى الحق فإن وافق الحق ما يحبو أسره (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين
يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (2) (3).
6676 - تاريخ اليعقوبي عن غياث: ولما أجمع علي القتال لمعاوية كتب أيضا إلى
قيس: أما بعد، فاستعمل عبد الله بن شبيل الأحمسي خليفة لك، وأقبل إلي، فإن
المسلمين قد أجمع ملؤهم وانقادت جماعتهم، فعجل الإقبال، فأنا سأحضرن
إلى المحلين عند غرة الهلال، إن شاء الله، وما تأخري إلا لك، قضى الله لنا ولك
بالإحسان في أمرنا كله (4).
6677 - تاريخ الطبري عن الزهري: جعل علي (عليه السلام) قيس بن سعد على مقدمته من
أهل العراق إلى قبل أذربيجان، وعلى أرضها، وشرطة الخميس الذي ابتدعه من
العرب، وكانوا أربعين ألفا، بايعوا عليا (عليه السلام) على الموت، ولم يزل قيس يدارئ
ذلك البعث حتى قتل علي (عليه السلام) (5).
6678 - وقعة صفين عن قيس بن سعد - قبل حرب صفين -: يا أمير المؤمنين،



(1) الغارات: 1 / 256؛ تاريخ الطبري: 5 / 95، الكامل في التاريخ: 2 / 410.
(2) ص: 26.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 202 وراجع أنساب الأشراف: 2 / 389.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 203؛ أنساب الأشراف: 3 / 238 عن عوانة نحوه.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 158.
265
انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد (1)، فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك
والروم؛ لإدهانهم في دين الله، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) من
المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه، وفيئنا لهم في
أنفسهم حلال، ونحن لهم - فيما يزعمون - قطين (2) (3).
6679 - تاريخ اليعقوبي: أتاه [معاوية] قيس بن سعد بن عبادة فقال: بايع قيس!
قال: إن كنت لأكره مثل هذا اليوم، يا معاوية.
فقال له: مه، رحمك الله! فقال: لقد حرصت أن أفرق بين روحك وجسدك
قبل ذلك، فأبى الله، يا بن أبي سفيان، إلا ما أحب. قال: فلا يرد أمر الله.
قال: فأقبل قيس على الناس بوجهه، فقال: يا معشر الناس، لقد اعتضتم الشر
من الخير، واستبدلتم الذل من العز، والكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية
أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم
الطليق ابن الطليق يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك
أنفسكم، أم طبع الله على قلوبكم، وأنتم لا تعقلون؟
فجثا معاوية على ركبتيه، ثم أخذ بيده وقال: أقسمت عليك! ثم صفق على
كفه، ونادى الناس: بايع قيس!
فقال: كذبتم، والله، ما بايعت (4).



(1) التعريد: الفرار، وقيل سرعة الذهاب في الهزيمة (لسان العرب: 3 / 288).
(2) القطين: الخدم والأتباع والحشم والمماليك (لسان العرب: 13 / 343).
(3) وقعة صفين: 93.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 216 وراجع تاريخ دمشق: 49 / 399.
266
تحليل عزل قيس بن سعد
كان قيس بن سعد بن عبادة سياسيا ماهرا، وذكيا ودقيقا، فعينه الإمام (عليه السلام) في
أوائل أيام خلافته واليا على مصر، وبعثه إليها.
وأراد الإمام (عليه السلام) إرسال جيش إلى مصر لدعم ونصرة قيس، بيد أن قيسا أخذ
معه نفرا قليلا يقل عددهم عن السبعة وقائلا للإمام: حاجتك للجيش أكبر من
حاجتي له.
وأخرج محمد بن أبي حذيفة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وأعوانه وأنصاره
من ممثلي عثمان في مصر قبل مجيء قيس إليها، فلما وصل قيس تسلط على
زمام الأمور بسهولة، واعتمد سياسة مسايرة المخالفين، واستطاع بهذه السياسة
أن يسيطر على الوضع السائد، ويهدئ العثمانيين، ويحول دون ثورتهم.
واستمر هذا الهدوء مدة هي دون السنة قطعا، حيث عزل الإمام قيس بن سعد
واستدعاه وولى عليها محمد بن أبي بكر؛ وكان شابا شجاعا، لكن لم تكن له
قدرة قيس السياسية.
وكان عزل قيس ونصب محمد محلا لسؤال وقدح الكثيرين، وبالخصوص

267
في السنوات التالية؛ حيث ثار الناس على محمد بن أبي بكر، وآل الأمر إلى إلقاء
القبض عليه وقتله وإحراق جسده.
فكان السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا عزل الإمام (عليه السلام) السياسي الذكي، وعين
محله هذا الشاب الناشئ، حتى انتهى به الحال إلى شهادته بهذا الشكل المفجع؟
تعزي النصوص التاريخية السبب إلى مؤامرة حاكها معاوية لتحقيق أهدافه
الخبيثة؛ حيث قيل إنه كان يسعى إلى كسب قيس بأساليبه الخداعة، وأرسل إليه
عدة رسائل حرضه فيها على الطلب بثأر عثمان، بيد أن قيسا كان أذكى من أن
تنطلي عليه هكذا، بل احترز عن الإدلاء برأيه الصريح في موافقة معاوية أو
مخالفته؛ وذلك لما تميزت به مصر من المحل الاستراتيجي من جهة، وطمع بني
أمية ونفوذهم فيها، وقربها إلى الشام من جهة أخرى.
بيد أن معاوية - هذا السياسي الماكر المتأثر بمرافقة وإسناد عمرو بن العاص -
ابتدع بمكره رسالة مزورة عن لسان قيس بن سعد مضمونها تأييد معاوية (1).
وذاع خبر هذه الرسالة في الشام، ووصل خبرها إلى الكوفة وإلى الإمام
علي (عليه السلام)، فجمع الإمام (عليه السلام) أعوانه وشاورهم في هذا الموضوع، فكان رأيهم عزل
قيس بن سعد وتعيين رجل أصلب منه؛ لانتشار خبر هذه الرسالة بين الجيش
وبين عامة المسلمين. جاء في بعض النصوص الإشارة إلى اقتراح عبد الله بن
جعفر بعزل قيس بن سعد وتعيين، محمد بن أبي بكر.
وقد حمل هذا الاقتراح على محبة عبد الله لأخيه محمد بن أبي بكر؛ حيث
كانا أخوين لأم واحدة (2).



(1) تاريخ دمشق: 49 / 425 / 5756، سير أعلام النبلاء: 3 / 109؛ الغارات: 1 / 217.
(2) الغارات: 1 / 219.
268
وقال بعض المفكرين: إن عزل قيس ونصب محمد بن أبي بكر كان بسبب
الضغوط التي تحملها الإمام من أصحابه؛ قال العلامة المجلسي: وجدت في
بعض الكتب أن عزل قيس عن مصر مما غلب أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه
واضطروه إلى ذلك، ولم يكن هذا رأيه؛ كالتحكيم، ولعله أظهر وأصوب (1).
وقال بعض المغرضين: إن سبب هذا هو انخداع أمير المؤمنين (عليه السلام) بحيلة
معاوية (2).
والذي وصلنا إليه من مجموع هذه التحليلات والنظريات أنها جميعا بصدد
تحليل " النتيجة " لا بصدد تحليل " الأسلوب "، وبكلمة أخرى إن الذي جعل
تحت مجهر البحث هو النتيجة الحاصلة من دون لحاظ الظروف المحيطة
والعوامل المؤثرة الموجودة أو المختلقة آنذاك. وإنما صب النظر على موفقية
قيس بن سعد وانهزام محمد بن أبي بكر. مع أن الصحيح هو تحليل هذا الموقف
الذي اتخذه الإمام (عليه السلام) مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل المؤثرة، وكل ما له
دخل في اتخاذ هذا التصميم من دون غفلة عن الواقع اليومي الحاكم آنذاك،
وعلى هذا، نقول في تحليل الموقف:
1 - إن قيس بن سعد من الشخصيات السياسية البارزة في التاريخ الإسلامي،
بل عد من دهاة العرب الخمسة، ولا شبهة في ذكائه، ومما يؤيد ذلك الاطمئنان
والهدوء الذي خيم على مصر أيام حكومته.
2 - إن محمد بن أبي بكر كان هو الآخر من الشخصيات البارزة آنذاك، وكان



(1) بحارالأنوار: 33 / 540 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 173.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 109 و 108.
269
له محبة في قلوب المصريين، حتى أن الثائرين على عثمان طلبوا من عثمان
عزل عبد الله بن أبي سرح ونصبه بدله، وحين قام عثمان بذلك سافر المصريون
إلى بلادهم. ولهذا كان من الطبيعي أن يميل المصريون إلى حكومة محمد بن
أبي بكر حين ولي أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة أيضا.
3 - عزل قيس بن سعد في منتصف سنة (36 ه‍) عن ولاية مصر، وولي محمد
بن أبي بكر مكانه، فكان مجموع ولايته على مصر ثمانية أشهر.
وأما محمد بن أبي بكر فقد استمرت حكومته إلى آخر العام (37 ه‍) وقد
حكمها تلك المدة باقتدار تام، ولم تحصل أي فتنة أو ثورة.
4 - بعد التحكيم وما أعقبه من تشتت جيش الإمام واشتداد شوكة معاوية
وأصحابه، تغيرت الأوضاع، ومن جملة ذلك أوضاع مصر؛ حيث اعترض
العثمانيون في مصر بعد سباتهم وهدوئهم قبل ذلك. وهجم جيش الشام بقيادة
عمرو بن العاص على مصر - التي كان يراها حقه وحصته من صفقة الصلح مع
معاوية - وقد استطاع بمؤازرة العثمانيين القاطنين في مصر كسر جيش محمد بن
أبي بكر، ولم تكن الأوضاع مؤاتية للإمام كي يستطيع إرسال الإمدادت
العسكرية لإسناد محمد بن أبي بكر، كما لم تكن قوات محمد بن أبي بكر بذلك
العدد الذي يستطيع مقاومة جيش الشام.
5 - اتضح مما سبق أن اختيار محمد بن أبي بكر ونصبه واليا على مصر اختيار
صائب تماما في ذلك الظرف، كما أنه على وفق القواعد السياسية. وتبين أن مدة
حكومته على مصر تعادل حكومة قيس بن سعد بمرتين، وأن انكسار محمد بن
أبي بكر ناشئ من عوامل ومؤثرات خارجة عن اختياره.
6 - إن سياسة قيس بن سعد وإن حافظت على هدوء مصر لكنها كانت محطا

270
للسؤال والنقد؛ حيث كان الواجب عليه في أوائل خلافة الإمام - والذي هو أوان
قمة قدرته - أن يلجئ العثمانيين الذين في مصر على البيعة للإمام؛ فإنه لو كان
فعل ذلك لكان اعتراضهم فيما بعد محدودا لا شاملا، حتى تتهيأ الأرضية
المناسبة لتدخل الجيش الشامي، علما أن هذه التصرفات لم تكن مرضية عند
الثوريين من أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، بل لعل الإمام (عليه السلام) لم يكن موافقا على ذلك،
ولذا فإن عزل قيس بن سعد يمكن أن يكون تأييدا لاعتراض هؤلاء الثوريين.
7 - لما ثار العثمانيون في مصر نصب الإمام مالك الأشتر واليا على مصر، وهو
رجل شجاع جريء، وكانت سمعته العسكرية طاغية على سمعته السياسية.
ومن جهة أخرى فإن الإمام أثنى على هاشم بن عتبة، وأيد أهليته لحكومة
مصر. فتعيين مالك والثناء على هاشم بن عتبة يكشف عن موافقة الإمام على
المواجهة العسكرية في مصر، وعدم رضاه بالمداهنة والمصالحة.
8 - إن الإمام ذكر قيس بن سعد وقال: إنه صالح لحكومة مصر، بيد أنه لم
ينصبه مرة أخرى، بل بعثه إلى بلد بعيد وقليل الأهمية في هذا الأزمنة مثل
أذربيجان.
ولا نمتلك نصا تاريخيا يدل على مذاكرة الإمام مع قيس في شأن توليته مصر
مرة ثانية.

271
82
كميل بن زياد
هو كميل بن زياد بن نهيك النخعي الكوفي من أصحاب الإمامين
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (1)، وأبي محمد الحسن (عليه السلام) (2).
عد من ثقات أصحاب الإمام علي (عليه السلام) (3)، وقيل في حقه: كان شجاعا فاتكا،
وزاهدا عابدا (4).
كان في مقدمة الكوفيين الثائرين على عثمان (5)، فأقصاه عثمان مع عدة إلى
الشام (6). ولما كانت حرب صفين شارك فيها مع أهل الكوفة (7).
ولاه الإمام على هيت، فلم يتحمل عبأها، بل كان ضعيفا في ولايته، فعاتبه
الإمام على ذلك (8). روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (9)، ومما رواه الدعاء المشهور
ب‍ " دعاء كميل " (10). لم يرد ذكره في واقعة كربلاء، ولا في ثورة التوابين
والمختار.



(1) رجال الطوسي: 80 / 792، رجال البرقي: 6؛ تهذيب الكمال: 24 / 219 / 4996.
(2) رجال الطوسي: 95 / 946.
(3) كشف المحجة: 236؛ تهذيب الكمال: 24 / 219 / 4996، الإصابة: 5 / 486 / 7516.
(4) البداية والنهاية: 9 / 46.
(5) أنساب الأشراف: 6 / 139، تاريخ الطبري: 4 / 326.
(6) تاريخ الطبري: 4 / 323 وص 326.
(7) الطبقات الكبرى: 6 / 179، الإصابة: 5 / 486 / 7516، تاريخ دمشق: 50 / 249.
(8) نهج البلاغة: الكتاب 61؛ أنساب الأشراف: 3 / 231.
(9) نهج البلاغة: الحكمة 147، تاريخ اليعقوبي: 2 / 205؛ تهذيب الكمال: 24 / 220 / 4996،
تاريخ دمشق: 50 / 251 / 5829.
(10) مصباح المتهجد: 844 / 910.
272
استشهد كميل - والذي كان من جملة العباد الثمانية المشهورين في
الكوفة (1) - في سنة 82 ه‍ (2) على يد الحجاج لعنه الله (3).
6680 - شرح نهج البلاغة: كان كميل بن زياد عامل علي (عليه السلام) على هيت (4)، وكان
ضعيفا، يمر عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق ولا يردها، ويحاول أن يجبر
ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف أعمال معاوية، مثل قرقيسيا (5) وما
يجري مجراها من القرى التي على الفرات.
فأنكر (عليه السلام) ذلك من فعله، وقال: إن من العجز الحاضر أن يهمل الوالي ما وليه،
ويتكلف ما ليس من تكليفه (6).
6681 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى كميل بن زياد النخعي، وهو عامله على
هيت، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة -: أما بعد،
فإن تضييع المرء ما ولي، وتكلفه ما كفي، لعجز حاضر، ورأي متبر (7)! وإن
تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا، وتعطيلك مسالحك (8) التي وليناك - ليس بها



(1) تهذيب الكمال: 24 / 219 / 4996، تاريخ دمشق: 50 / 250.
(2) الطبقات لخليفة بن خياط: 249 / 1058، تاريخ دمشق: 50 / 257، تاريخ الطبري: 6 / 365
وفيه " سنة 83 ه‍ ".
(3) الإرشاد: 1 / 327؛ تهذيب الكمال: 24 / 219 / 4996، الطبقات الكبرى: 6 / 179، الطبقات
لخليفة بن خياط: 249 / 1058، الإصابة: 5 / 486 / 7516، البداية والنهاية: 9 / 46.
(4) هيت: بلدة في العراق على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار (معجم البلدان: 5 / 421).
(5) قرقيسياء: بلد في العراق على نهر الخابور قرب صفين والرقة، وعندها مصب الخابور في الفرات
(راجع معجم البلدان: 4 / 328).
(6) شرح نهج البلاغة: 17 / 149.
(7) أي مهلك (لسان العرب: 4 / 88).
(8) جمع مسلحة؛ وهي كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة؛ فإذا ف
رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له (النهاية: 2 / 388).
273
من يمنعها، ولا يرد الجيش عنها - لرأي شعاع (1)! فقد صرت جسرا لمن أراد
الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا ساد
ثغرة، ولا كاسر لعدو شوكة، ولا مغن عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره! (2)
6682 - الإرشاد عن المغيرة: لما ولي الحجاج طلب كميل بن زياد، فهرب منه،
فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير قد نفد عمري؛
لا ينبغي أن أحرم قومي عطياتهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج، فلما رآه قال
له: لقد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا!
فقال له كميل: لا تصرف (3) علي أنيابك، ولا تهدم (4) علي، فوالله ما بقي من
عمري إلا مثل كواسل (5) الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل
الحساب، ولقد خبرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنك قاتلي.
فقال له الحجاج: الحجة عليك إذا!
فقال كميل: ذاك إن كان القضاء إليك!
قال: بلى، قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان! اضربوا عنقه. فضربت عنقه (6).



(1) أي متفرق (النهاية: 2 / 481).
(2) نهج البلاغة: الكتاب 61 وراجع أنساب الأشراف: 3 / 231.
(3) الصريف: صوت الأنياب. وصرف نابه وبنابه: حرقه [: حكه] فسمعت له صوتا (لسان العرب: 9 / 191).
(4) من المجاز: تهدم عليه غضبا؛ إذا توعده. وفي الصحاح: اشتد غضبه (تاج العروس: 17 / 744).
(5) كأنها بقايا الغبار التي كسلت عن أوائله.
(6) الإرشاد: 1 / 327؛ الإصابة: 5 / 486 / 7516 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 404 وتاريخ
دمشق: 50 / 256.
274
83
مالك الأشتر
هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، المعروف بالأشتر؛
الوجه المشرق، والبطل الذي لا يقهر، والليث الباسل في الحروب، وأصلب
صحابة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأثبتهم.
وكان الإمام (عليه السلام) يثق به ويعتمد عليه، وطالما كان يثني على وعيه، وخبرته،
وبطولته، وبصيرته، وعظمته، ويفتخر بذلك.
وليس بأيدينا معلومات تذكر حول بدايات وعيه. وكان أول حضوره الجاد
في فتح دمشق وحرب اليرموك (1)، وفيها أصيبت عينه (2) فاشتهر بالأشتر (3).
وكان مالك يعيش في الكوفة. وكان طويل القامة، عريض الصدر، طلق
اللسان (4)، عديم المثيل في الفروسية (5). وكان لمزاياه الأخلاقية ومروءته ومنعته
وهيبته وأبهته وحيائه، تأثير عجيب في نفوس الكوفيين؛ من هنا كانوا يسمعون
كلامه، ويحترمون آراءه.
ونفي مع عدد من أصحابه إلى حمص (6) في أيام عثمان بسبب اصطدامه



(1) تاريخ دمشق: 56 / 379.
(2) تهذيب الكمال: 27 / 127 / 5731، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 593، المعارف لابن قتيبة: 586،
سير أعلام النبلاء: 4 / 34 / 6، تاريخ دمشق: 56 / 380.
(3) الشتر: انقلاب جفن العين إلى أسفل. والرجل أشتر (انظر النهاية: 2 / 443).
(4) وقعة صفين: 255؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 594.
(5) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 594.
(6) حمص: بلد مشهور قديم، بين دمشق وحلب نصف الطريق (معجم البلدان: 2 / 302).
275
بسعيد بن العاص والي عثمان (1). ولما اشتدت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلى
الكوفة، ومنع واليه - الذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك - من دخولها (2).
واشترك في ثورة المسلمين على عثمان (3)، وتولى قيادة الكوفيين الذين كانوا
قد توجهوا إلى المدينة، وكان له دور حاسم في القضاء على حكومة عثمان (4).
وكان يصر على خلافة الإمام علي (عليه السلام) بفضل ما كان يتمتع به من وعي عميق،
ومعرفة دقيقة برجال زمانه، وبالتيارات والحوادث الجارية يومذاك (5). من هنا
كان نصير الإمام (عليه السلام) وعضده المقتدر عند خلافته. وقد امتزجت طاعته وإخلاصه
له (عليه السلام) بروحه ودمه، وكان الإمام (عليه السلام) أيضا يحترمه احتراما، خاصا ويقيم وزنا
لآرائه في الأمور.
وكان له رأي في بقاء أبي موسى الأشعري واليا على الكوفة، ارتضاه
الإمام (عليه السلام) وأيده (6)، مع أنه (عليه السلام) كان يعلم بمكنون فكر أبي موسى، ولم يكن له رأي
في بقائه (7).



(1) أنساب الأشراف: 6 / 155 و 156، تاريخ الطبري: 4 / 318 - 326، مروج الذهب: 2 / 346 و
347.
(2) أنساب الأشراف: 6 / 157، تاريخ الطبري: 4 / 332، مروج الذهب: 2 / 347.
(3) الجمل: 137؛ تهذيب الكمال: 27 / 127 / 5731، تاريخ الطبري: 4 / 326، مروج الذهب:
2 / 352، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 594، تاريخ دمشق: 56 / 381، سير أعلام النبلاء:
4 / 34 / 6.
(4) الشافي: 4 / 262؛ الطبقات الكبرى: 3 / 71، أنساب الأشراف: 6 / 219، تاريخ الإسلام للذهبي:
3 / 448.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 433، الإمامة والسياسة: 1 / 66.
(6) الأمالي للمفيد: 296 / 6، تاريخ اليعقوبي: 2 / 179؛ تاريخ الطبري: 4 / 499.
(7) الأمالي للمفيد: 295 / 6.
276
وعندما كان أبو موسى يثبط الناس عن المسير مع الإمام (عليه السلام) في حرب الجمل،
ذهب مالك إلى الكوفة، وأخرج أبا موسى - الذي كان قد عزله الإمام (عليه السلام) - منها،
وعبأ الناس من أجل دعم الإمام (عليه السلام) والمسير معه في الحرب ضد أصحاب
الجمل (1). وكان له دور حاسم وعجيب في الحرب. وكان على الميمنة فيها (2).
واصطراعه مع عبد الله بن الزبير مشهور في هذه المعركة (3).
ولي مالك الجزيرة (4) - وهي تشمل مناطق بين دجلة والفرات - بعد حرب
الجمل. وكانت هذه المنطقة قريبة من الشام التي كان يحكمها معاوية (5).
واستدعاه الإمام (عليه السلام) قبل حرب صفين.
وكان على مقدمة الجيش في البداية، وقد هزم مقدمة جيش معاوية.
ولما استولى جيش معاوية على الماء وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام (عليه السلام)،
كان لمالك دور فاعل في فتح تلك المنافذ والسيطرة على الماء (6). وكان في
الحرب مقاتلا باسلا مقداما، رابط الجأش مجدا مستبسلا، وقد قاتل بقلب فتي
وشجاعة منقطعة النظير (7). وتولى قيادة الجيش مع الأشعث (8)، وكان على خيالة



(1) الجمل: 253؛ تاريخ الطبري: 4 / 487، الكامل في التاريخ: 2 / 329، البداية والنهاية: 7 / 237.
(2) الأخبار الطوال: 147، البداية والنهاية: 7 / 244 و 245.
(3) الجمل: 350؛ تاريخ الطبري: 4 / 525، تهذيب الكمال: 27 / 128 / 5731، تاريخ دمشق:
56 / 382، الأخبار الطوال: 150.
(4) وقعة صفين: 12؛ تاريخ خليفة بن خياط: 151، الأخبار الطوال: 154.
(5) وقعة صفين: 12.
(6) وقعة صفين: 174 - 179؛ المناقب للخوارزمي: 215 - 220.
(7) وقعة صفين: 196 وص 430؛ تاريخ الطبري: 4 / 575، الفتوح: 3 / 45.
(8) تاريخ الطبري: 4 / 569 و 570، الكامل في التاريخ: 2 / 364.
277
الكوفة طول الحرب (1)، وأحيانا كان يقود أقساما أخرى من الجيش (2).
وفي معارك ذي الحجة الأولى كانت المسؤولية الأصلية والدور الأساس
للقتال على عاتقه (3). وفي المرحلة الثانية - شهر صفر - كان يقود القتال أيضا
يومين في كل ثمانية أيام (4).
وكان له مظهر عجيب في المنازلات الفردية للقتال، وفي حل عقد الحرب،
وعلاج مشاكل الجيش، والنهوض بعبء الحرب، والسير بها قدما بأمر
الإمام (عليه السلام). بيد أن مظهره الباهر الخالد قد تجلى في الأيام الأخيرة منها، بخاصة
" يوم الخميس " و " ليلة الهرير ".
وكان يوم الخميس وليلة الجمعة " ليلة الهرير " مسرحا لعرض عجيب تجلت
فيه شجاعته، وشهامته، واستبساله، وقتاله بلا هوادة، إذ خلخل نظم الجيش
الشامي، وتقدم صباح الجمعة حتى أشرف على خيمة القيادة (5).
وصار هلاك العدو أمرا محتوما، وبينا كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة،
والنصر يلتمع في عيون مالك، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخ مكيدته،
فأسرعت جموع من جيش الإمام - وهم الذين سيشكلون تيار الخوارج -
ومعهم الأشعث إلى مؤازرته، فازداد الطين بلة بحماقتهم. وهكذا جعلوا الإمام (عليه السلام)



(1) تاريخ الطبري: 5 / 11، الكامل في التاريخ: 2 / 371، البداية والنهاية: 7 / 261.
(2) وقعة صفين: 475؛ تاريخ الطبري: 5 / 47، الكامل في التاريخ: 2 / 385.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 574، الكامل في التاريخ: 2 / 366، البداية والنهاية: 7 / 260.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 12 و 13، مروج الذهب: 2 / 387 - 389، الكامل في التاريخ: 2 / 371
و 372؛ وقعة صفين: 214.
(5) وقعة صفين: 475؛ تاريخ الطبري: 5 / 47، الكامل في التاريخ: 2 / 385.
278
في وضع حرج ليقبل الصلح، ويرجع مالكا عن موقعه المتقدم في ميدان الحرب.
وكان طبيعيا في تلك اللحظة المصيرية الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك،
ويرفض معه الإمام (عليه السلام) أيضا، لكن لما بلغه أن حياة الإمام في خطر، عاد بروح
ملؤها الحزن والألم، فأغمد سيفه، ونجا معاوية الذي أوشك أن يطلب الأمان من
موت محقق، وخرج من مأزق ضاق به!! (1)
وشاجر مالك الخوارج والأشعث، وكلمهم في حقيقة ما حصل، وأنبأهم، بما
يملك من بصيرة وبعد نظر، أن جذر تقدسهم يكمن في تملصهم من المسؤولية،
وشغفهم بالدنيا (2).
وحين اقترح الإمام (عليه السلام) عبد الله بن عباس للتحكيم ورفضه الخوارج
والأشعث، اقترح مالكا، فرفضوه أيضا مصرين على يمانية الحكم، في حين كان
مالك يماني المحتد، وهذا من عجائب الأمور! (3)
وعاد مالك بعد صفين إلى مهمته (4). ولما اضطربت مصر على محمد بن
أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرد أهلها، انتدب الإمام (عليه السلام) مالكا وولاه عليها (5).
وكان قد خبر كفاءته، ورفعته، واستماتته، ودأبه، ووعيه، وخبرته في العمل،



(1) وقعة صفين: 489 و 490؛ تاريخ الطبري: 5 / 48 - 50، الكامل في التاريخ: 2 / 386، الفتوح:
3 / 185 - 188.
(2) وقعة صفين: 491؛ تاريخ الطبري: 5 / 50، الكامل في التاريخ: 2 / 387.
(3) وقعة صفين: 499 - 504؛ مروج الذهب: 2 / 402، تاريخ الطبري: 5 / 51 و 52، الكامل في
التاريخ: 2 / 387، الفتوح: 4 / 197 و 198.
(4) تاريخ الطبري: 5 / 95، الكامل في التاريخ: 2 / 410؛ الغارات: 1 / 257.
(5) الأمالي للمفيد: 79 / 4، الغارات: 1 / 257 - 259؛ أنساب الأشراف: 3 / 167 و 168، تاريخ
الطبري: 5 / 95.
279
فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرفهم به، قال فيه:
"... بعثت إليكم عبدا من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء
ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو
مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق؛ فإنه سيف من سيوف الله، لا
كليل الظبة (1) ولا نابي (2) الضريبة؛ فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن
تقيموا فأقيموا؛ فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد
آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على عدوكم " (3).
وكانت تعليماته (عليه السلام) الحكومية - المشهورة ب‍ " عهد مالك الأشتر " - أعظم
وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط، وهي خالدة على مر التاريخ (4).
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر، وحين شعر أن جميع خططه ستخيب
بذهاب مالك إليها، قضى عليه قبل وصوله إليها. وهكذا استشهد ليث الوغى،
والمقاتل الفذ، والناصر الفريد لمولاه، بطريقة غادرة بعدما تناول من العسل
المسموم بسم فتاك، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى (5).



(1) كل السيف، فهو كليل: إذا لم يقطع. وظبة السيف: طرفه (النهاية: 4 / 198 وج 3 / 155).
(2) يقال: نبا حد السيف: إذا لم يقطع (النهاية: 5 / 11).
(3) نهج البلاغة: الكتاب 38، الأمالي للمفيد: 81 / 4، الغارات: 1 / 260 وص 266، الاختصاص:
80؛ تاريخ الطبري: 5 / 96، تاريخ دمشق: 56 / 390.
(4) نهج البلاغة: الكتاب 53، تحف العقول: 126 وراجع: القسم السابع / استشهاد مالك الأشتر /
واجبات مالك في حكومة مصر.
(5) أنساب الأشراف: 3 / 168، تاريخ الطبري: 5 / 95 - 96، مروج الذهب: 2 / 420، الكامل في
التاريخ: 2 / 410؛ الأمالي للمفيد: 82 / 4، الغارات: 1 / 263، الاختصاص: 81، تاريخ اليعقوبي:
2 / 194.
280
وحزن الإمام (عليه السلام) لمقتله، حتى عد موته من مصائب الدهر (1). وأبنه فكان
تأبينه إياه فريدا؛ كما أن وجود مالك كان فريدا له في حياته (عليه السلام) (2).
ولما نعي إليه مالك وبلغه خبر استشهاده المؤلم، صعد المنبر وقال:
" ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقي ربه، فرحم الله
مالكا! لو كان جبلا لكان فندا (3)، ولو كان حجرا لكان صلدا. لله مالك! وما
مالك! وهل قامت النساء عن مثل مالك! وهل موجود كمالك! " (4).
ومعاوية الذي كان فريدا أيضا في خبث طويته ورذالته وضعته وقتله
للفضيلة، طار فرحا باستشهاد مالك، ولم يستطع أن يخفي سروره، فقال من
فرط فرحه:
كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان، فقطعت إحداهما يوم صفين - يعني
عمار بن ياسر - وقطعت الأخرى اليوم، وهو مالك الأشتر (5).
وكلما كان يذكره الإمام (عليه السلام)، يثقل عليه الغم والحزن، ويتحسر على فقده.
وحين ضاق ذرعا من التحركات الجائرة لأهل الشام، وتألم لعدم سماع جنده
كلامه، وتأوه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة، قال رجل:
استبان فقد الأشتر على أهل العراق. لو كان حيا لقل اللغط، ولعلم كل امرئ



(1) الأمالي للمفيد: 83 / 4، الغارات: 1 / 264.
(2) نهج البلاغة: الحكمة 443، الأمالي للمفيد: 83 / 4، رجال الكشي: 1 / 283 / 118، الغارات:
1 / 265؛ الكامل في التاريخ: 2 / 410، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 594، ربيع الأبرار: 1 / 216.
(3) الفند من الجبل: أنفه الخارج منه. وقيل: هو المنفرد من الجبال (النهاية: 3 / 475).
(4) الاختصاص: 81، الأمالي للمفيد: 83 / 4، الغارات: 1 / 265 كلاهما نحوه.
(5) الغارات: 1 / 264، الاختصاص: 81؛ تاريخ الطبري: 5 / 96، الكامل في التاريخ: 2 / 410.
281
ما يقول (1).
نطق هذا الرجل حقا، فلم يكن أحد في جيش الإمام (عليه السلام) مثل مالك.
6683 - تنبيه الخواطر: حكي أن مالكا الأشتر كان مجتازا بسوق الكوفة وعليه
قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة (2) فازدرى (3) بزيه؛ فرماه ببندقة
تهاونا به، فمضى ولم يلتفت، فقيل له: ويلك! أتدري بمن رميت؟ فقال: لا،
فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر
منه، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي، فلما انفتل أكب الرجل على قدميه
يقبلهما، فقال: ما هذا الأمر؟! فقال: أعتذر إليك مما صنعت، فقال: لا بأس
عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك (4).
6684 - المناقب للخوارزمي عن أبي هاني بن معمر السدوسي - في ذكر غلبة
جند معاوية على الماء في حرب صفين -: كنت حينئذ مع الأشتر وقد تبين فيه
العطش، فقلت لرجل من بني عمي: إن الأمير عطشان، فقال الرجل: كل هؤلاء
عطاش، وعندي إداوة (5) ماء أمنعه لنفسي، ولكني أوثره على نفسي، فتقدم إلى
الأشتر فعرض عليه الماء، فقال: لا أشرب حتى يشرب الناس (6).
6685 - تاريخ دمشق عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر - في ذكر وقعة اليرموك -:



(1) الأمالي للطوسي: 174 / 293، الغارات: 2 / 481.
(2) السوقة من الناس: الرعية (النهاية: 2 / 424).
(3) الازدراء: الاحتقار والانتقاص والعيب (النهاية: 2 / 302).
(4) تنبيه الخواطر: 1 / 2.
(5) الإداوة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها (النهاية: 1 / 33).
(6) المناقب للخوارزمي: 215 / 240.
282
ومضى خالد يطلب عظم (1) الناس حتى أدركهم بثنية العقاب (2)، وهي تهبط
الهابط المغرب منها إلى غوطة دمشق يدرك عظم الناس حتى أدركهم بغوطة
دمشق، فلما انتهوا إلى تلك الجماعة من الروم، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من
فوقهم، فتقدم إليهم الأشتر وهو في رجال من المسلمين، فإذا أمامهم رجل من
الروم جسيم عظيم، فمضى إليه حتى وقف عليه، فاستوى هو والرومي على
صخرة مستوية، فاضطربا بسيفيهما، فأطر الأشتر كف الرومي، وضرب الرومي
الأشتر بسيفه فلم يضره، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فوقعا على الصخرة،
ثم انحدرا، وأخذ الأشتر يقول - وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه -: (قل إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين) (3).
قال: فلم يزل يقول ذلك حتى انتهى إلى مستوى الخيل وقرار، فلما استقر
وثب على الرومي فقتله، وصاح في الناس: أن جوزوا.
قال: فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل، خلوا الثنية وانهزموا.
قالوا: وكان الأشتر الأحسن في اليرموك، قالوا: لقد قتل ثلاثة عشر (4).
6686 - وقعة صفين عن سنان بن مالك - في مواجهة مقدمة الجيش قبل حرب
صفين -: قلت له [لأبي الأعور]: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، فسكت عني



(1) عظم الأمر وعظمه: معظمه (لسان العرب: 12 / 410).
(2) ثنية العقاب: وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق، يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص (معجم
البلدان: 2 / 85).
(3) الأنعام: 162 و 163.
(4) تاريخ دمشق: 56 / 379.
283
طويلا ثم قال: إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى إجلاء عمال عثمان
من العراق، وافتراءه عليه يقبح محاسنه، ويجهل حقه، ويظهر عداوته.
ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره، فقتله فيمن
قتله، فأصبح مبتغى بدمه؛ لا حاجة لي في مبارزته.
قال: قلت له: قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك، قال: فقال: لا حاجة لي
في جوابك، ولا الاستماع منك، اذهب عني، وصاح بي أصحابه، فانصرفت
عنه (1).
6687 - شرح نهج البلاغة - في وصف الأشتر -: كان شديد البأس، جوادا
رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع
السطوة، ويرفق في موضع الرفق (2).
6688 - سير أعلام النبلاء: ملك العرب، مالك بن الحارث النخعي، أحد الأشراف
والأبطال المذكورين. حدث عن عمر، وخالد بن الوليد، وفقئت عينه يوم
اليرموك. وكان شهما مطاعا زعرا (3)، ألب على عثمان وقاتله، وكان ذا فصاحة
وبلاغة.
شهد صفين مع علي (عليه السلام)، وتميز يومئذ، وكاد أن يهزم معاوية، فحمل عليه
أصحاب علي لما رأوا مصاحف جند الشام على الأسنة يدعون إلى كتاب الله،
وما أمكنه مخالفة علي، فكف (4).



(1) وقعة صفين: 155.
(2) شرح نهج البلاغة: 15 / 101.
(3) من الزعارة - بتشديد الراء، وتخفف -: الشراسة (تاج العروس: 6 / 463).
(4) سير أعلام النبلاء: 4 / 34 / 6 وراجع تاريخ الطبري: 5 / 48.
284
6689 - شرح نهج البلاغة: قد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة
للأشتر (رحمه الله)، وهي شهادة قاطعة من النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه مؤمن، روى هذا الحديث أبو عمر
بن عبد البر في كتاب الاستيعاب في حرف الجيم، في باب " جندب "، قال
أبو عمر:
لما حضرت أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته أم ذر، فقال لها: ما
يبكيك؟
فقالت: ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، وليس عندي ثوب
يسعك كفنا، ولابد لي من القيام بجهازك؟!
فقال: أبشري ولا تبكي، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " لا يموت بين
امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا "؛ وقد
مات لنا ثلاثة من الولد.
وسمعت أيضا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن أحدكم بفلاة من
الأرض يشهده عصابة من المؤمنين "، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات
في قرية وجماعة. فأنا - لا أشك - ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت،
فانظري الطريق.
قالت أم ذر: فقلت: أني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق؟!
فقال: اذهبي فتبصري.
قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأصعد فأنظر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا
أنا وهو على هذه الحال إذ أنا برجال على ركابهم، كأنهم الرخم (1)، تخب بهم



(1) الرخم: نوع من الطير معروف، واحدته رخمة (النهاية، 2 / 212).
285
رواحلهم، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي، وقالوا: يا أمة الله، ما لك؟
فقلت: امرؤ من المسلمين يموت، تكفنونه؟
قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر. قالوا: صاحب رسول الله (عليه السلام)؟
قلت: نعم، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال
لهم: أبشروا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن رجل منكم
بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين "، وليس من أولئك النفر إلا وقد
هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني
كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها؛ وإني أنشدكم الله ألا يكفنني
رجل منكم كان أميرا أو عريفا (1) أو بريدا أو نقيبا (2)!
قالت: وليس في أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من
الأنصار قال له: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين معي في عيبتي من
غزل أمي.
فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الأنصاري وغسله النفر الذين
حضروه وقاموا عليه ودفنوه؛ في نفر كلهم يمان.
روى أبو عمر بن عبد البر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب:
كان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة؛ منهم حجر بن



(1) عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم
(النهاية: 3 / 218).
(2) النقيب: هو كالعريف على القوم المقدم عليهم، الذي يتعرف أخبارهم، وينقب عن أحوالهم: أي
يفتش (النهاية: 5 / 101).
286
الأدبر، ومالك بن الحارث الأشتر.
قلت: حجر بن الأدبر هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية، وهو من أعلام
الشيعة وعظمائها، وأما الأشتر فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في
المعتزلة (1).
راجع: القسم السادس / وقعة صفين / اشتداد القتال / دور الأشتر في القتال.
القسم السابع / استشهاد مالك الأشتر.
84
مالك بن حبيب
مالك بن حبيب اليربوعي من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) البررة،
وعندما تحرك الإمام (عليه السلام) تلقاء صفين، تركه في الكوفة ليعبئ الناس لنصرته.
وكان قد ساءه عدم حضوره المعركة معه، لكن الإمام (عليه السلام) وعده بالأجر العظيم،
وكان مالك على شرطة الإمام (عليه السلام) في الكوفة (2).
6690 - وقعة صفين: أخذ مالك بن حبيب رجلا وقد تخلف عن علي فضرب
عنقه، فبلغ ذلك قومه، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى مالك، فنتسقطه لعله
أن يقر لنا بقتله، فإنه رجل أهوج.
فجاؤوا فقالوا: يا مالك، قتلت الرجل؟
قال: أخبركم أن الناقة ترأم (3) ولدها. اخرجوا عني قبحكم الله، أخبرتكم أني
قتلته (4).



(1) شرح نهج البلاغة: 15 / 99 و 100.
(2) وقعة صفين: 133.
(3) تعطف عليه فتشمه وتترشفه (النهاية: 2 / 176).
(4) وقعة صفين: 140.
287
85
مالك بن كعب
مالك بن كعب الأرحبي من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) ومن أركان حكومته كان
واليا على عين التمر (1)، وبهقباذات (2)، مضافا إلى إشرافه على عمل سائر
المسؤولين في الكوفة والجزيرة.
ومما يثنى عليه شجاعته التي أبداها قبال هجوم النعمان بن بشير على عين
التمر؛ فإنه واجه جيش النعمان الذي قوامه ألفي فارس بسرية قوامها مائة مقاتل
فقط، حتى وصل الإسناد العسكري إليه، واضطر النعمان إلى الفرار (3).
كما استدعي لمواجهة جيش مسلم بن عقبة المري في دومة الجندل، فكان
موفقا في هذه المهمة أيضا.
ومما يدل على حسن معرفته؛ إظهار استعداده لإعانة محمد بن أبي بكر في
الوقت الذي لم يلب دعوة الإمام أحد.
6691 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتابه إلى مالك بن كعب الأرحبي -: إني وليتك
معونة البهقباذات، فآثر طاعة الله، واعلم أن الدنيا فانية والآخرة آتية، واعمل
صالحا تجز خيرا، فإن عمل ابن آدم محفوظ عليه وإنه مجزي به، فعل الله بنا
وبك خيرا، والسلام (4).



(1) الغارات: 2 / 447.
(2) أنساب الأشراف: 2 / 393.
(3) الغارات: 2 / 456.
(4) أنساب الأشراف: 2 / 393.
288
6692 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى كعب بن مالك (1) -: أما بعد، فاستخلف
على عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض كورة السواد (2)،
فتسأل عن عمالي وتنظر في سيرتهم فيما بين دجلة والعذيب (3)، ثم ارجع إلى
البهقباذات فتول معونتها، واعمل بطاعة الله فيما ولاك منها، واعلم أن كل عمل
ابن آدم محفوظ عليه مجزي به، فاصنع خيرا صنع الله بنا وبك خيرا
وأعلمني الصدق فيما صنعت والسلام (4).
6693 - الإمام علي (عليه السلام) - في كتابه إلى كعب بن مالك -: أما بعد، فاستخلف على
عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة كورة،
فتسألهم عن عمالهم، وتنظر في سيرتهم، حتى تمر بمن كان منهم فيما بين دجلة
والفرات، ثم ارجع إلى البهقباذات فتول معونتها، واعمل بطاعة الله فيما ولاك
منها.
واعلم أن الدنيا فانية وأن الآخرة آتية، وأن عمل ابن آدم محفوظ عليه، وأنك
مجزي بما أسلفت، وقادم على ما قدمت من خير، فاصنع خيرا تجد خيرا (5).
6694 - الغارات عن عبد الله بن حوزة الأزدي: كنت مع مالك بن كعب حين نزل



(1) كذا في المصدر، والصحيح: " مالك بن كعب " لأنه لم يوجد في عمال الإمام (عليه السلام) شخص مسمى ب‍
" كعب بن مالك ".
(2) السواد: أراضي وقرى العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب؛ سمي
بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار (راجع معجم البلدان: 3 / 272).
(3) العذيب: تصغير العذب؛ وهو الماء الطيب، وهو ماء بين القادسية والمغيثة، بينه وبين القادسية أربعة
أميال، وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلا (معجم البلدان: 4 / 92).
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 204.
(5) الخراج لأبي يوسف: 118، نهج السعادة: 4 / 137 وفيه " باقية " بدل " آتية ".
289
بنا النعمان بن بشير وهو في ألفين، وما نحن إلا مائة، فقال لنا: قاتلوهم في القرية
واجعلوا الجدر في ظهوركم، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واعلموا أن الله
تعالى ينصر العشرة على المائة، والمائة على الألف، والقليل على الكثير مما
يفعل الله ذلك.
ثم قال: إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة علي (عليه السلام) وأنصاره وعماله قرظة بن
كعب ومخنف بن سليم، فاركض إليهما وأعلمهما حالنا، وقل لهما: فلينصرانا بما
استطاعا.
فأقبلت أركض وقد تركته وأصحابه، وإنهم ليترامون بالنبل، فمررت بقرظة
بن كعب فاستغثته، فقال: إنما أنا صاحب خراج وما معي أحد أغيثه به، فمضيت
حتى أتيت مخنف بن سليم فأخبرته الخبر، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف
في خمسين رجلا، وقاتلهم مالك بن كعب وأصحابه إلى العصر، فأتيناه وقد كسر
هو وأصحابه جفون (1) سيوفهم واستسلموا للموت، فلو أبطأنا عنهم هلكوا، فما
هو إلا أن رآنا أهل الشام قد أقبلنا عليهم أخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا
مالك وأصحابه فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية واستعرضناهم، فصرعنا
منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا، وظنوا أن وراءنا مددا، ولو ظنوا أنه ليس
غيرنا لأقبلوا علينا وأهلكونا، وحال بيننا وبينهم الليل فانصرفوا إلى أرضهم.
وكتب مالك بن كعب إلى علي (عليه السلام): أما بعد، فقد نزل بنا النعمان بن بشير في
جمع من أهل الشام كالظاهر علينا، وكان عظم أصحابي متفرقين، وكنا للذي كان
منهم آمنين، فخرجنا إليهم رجالا مصلتين (2) فقاتلناهم حتى المساء،



(1) جفون السيوف: أغمادها، واحدها جفن (النهاية: 1 / 280).
(2) أصلت السيف: إذا جرده من غمده (النهاية: 3 / 45).
290
واستصرخنا مخنف بن سليم، فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
وولده عند المساء، فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا، فحملنا على عدونا وشددنا
عليهم، فأنزل الله علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده، والحمد لله رب العالمين،
والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
قال: لما ورد الكتاب على علي (عليه السلام) قرأه على أهل الكوفة فحمد الله وأثنى
عليه، ثم نظر إلى جلسائه فقال: الحمد لله، وندم أكثرهم (1).
6695 - أنساب الأشراف: بعث معاوية [مسلم] بن عقبة المري إلى أهل دومة
الجندل (2) - وكانوا قد توقفوا عن البيعة لعلي ومعاوية جميعا - فدعاهم إلى طاعة
معاوية وبيعته، وبلغ ذلك عليا فبعث إلى مالك بن كعب الهمداني أن خلف على
عملك من تثق به وأقبل إلي.
ففعل واستخلف عبد الرحمن بن عبد الله الكندي، فبعثه علي إلى دومة
الجندل في ألف فارس، فلم يشعر مسلم إلا وقد وافاه، فاقتتلوا يوما ثم انصرف
مسلم منهزما، وأقام مالك أياما يدعو أهل دومة الجندل إلى البيعة لعلي، فلم
يفعلوا وقالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام. فانصرف (3).
6696 - تاريخ الطبري - بعد أن ذكر خطبة الإمام (عليه السلام) يستنفر الناس لإغاثة
محمد بن أبي بكر وأصحابه، وعدم استجابة الناس له (عليه السلام) -: فقام إليه مالك بن



(1) الغارات: 2 / 456 وراجع تاريخ الطبري: 5 / 133.
(2) دومة الجندل: مدينة على سبع مراحل من دمشق، بينها وبين مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويطلق عليها اليوم
" الجوف "، وقد جرت فيها قضية التحكيم (راجع معجم البلدان: 2 / 487).
(3) أنساب الأشراف: 3 / 225، الكامل في التاريخ: 2 / 429 نحوه وراجع الغارات: 2 / 459.
291
كعب الهمداني ثم الأرحبي، فقال: يا أمير المؤمنين، اندب الناس فإنه لا عطر بعد
عروس (1)، لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي، والأجر لا يأتي إلا بالكرة، اتقوا الله
وأجيبوا إمامكم، وانصروا دعوته، وقاتلوا عدوه، أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين،
قال: فأمر علي مناديه سعدا، فنادى في الناس: ألا انتدبوا إلى مصر مع مالك بن
كعب (2).
86
محمد بن أبي بكر
هو محمد بن عبد الله بن عثمان وهو محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وأمه
أسماء بنت عميس، ولد في حجة الوداع [سنة 10 ه‍] بذي الحليفة (3)، في وقت
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تهيأ مع جميع أصحابه لأداء حجة الوداع.
أمه أسماء بنت عميس. كانت في البداية زوجة جعفر بن أبي طالب (4)
وهاجرت معه إلى الحبشة (5). وبعد استشهاد جعفر تزوجها أبو بكر (6)، وبعد موته



(1) لا مخبأ لعطر بعد عروس، ويروى: لا عطر بعد عروس: أول من قال ذلك امرأة من عذرة يقال لها
أسماء بنت عبد الله، وكان لها زوج من بني عمها يقال له عروس، فمات عنها...، فقالت: لا عطر بعد
عروس، فذهبت مثلا يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس (مجمع الأمثال: 3 / 151 / 3491).
(2) تاريخ الطبري: 5 / 107، الكامل في التاريخ: 2 / 414 نحوه؛ الغارات: 1 / 292.
(3) صحيح مسلم: 2 / 887 / 147، التاريخ الكبير: 1 / 124 / 369، أنساب الأشراف: 1 / 474،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 600، الاستيعاب: 3 / 422 / 2348.
(4) أسد الغابة: 1 / 544 / 759، الاستيعاب: 1 / 313 / 331، مروج الذهب: 2 / 306، شرح
نهج البلاغة: 6 / 53.
(5) شرح نهج البلاغة: 6 / 53.
(6) مروج الذهب: 2 / 307، أسد الغابة: 5 / 97 / 4751، شرح نهج البلاغة: 6 / 53.
292
تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام). فانتقلت إلى بيته مع أولادها وفيهم محمد الذي كان
يومئذ ابن ثلاث سنين (1).
نشأ في حجر الإمام (عليه السلام) (2) إلى جانب الحسن والحسين (عليهما السلام)، وامتزجت روحه
بمعرفة وحب أهل البيت (عليهم السلام) وكان الإمام (عليه السلام) يقول أحيانا ملاطفا: محمد ابني من
صلب أبي بكر (3).
وكان محمد في مصر أيام حكومة عثمان، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له (4)،
واشترك في الثورة عليه (5). وكان إلى جانب الإمام (عليه السلام) بعد تصديه للخلافة. وهو
الذي حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل (6)، وكان على الرجالة
فيها (7). وبعد غلبة الإمام (عليه السلام) تولى متابعة الشؤون المتعلقة بعائشة بأمر
الإمام (عليه السلام) (8)، وأعادها إلى المدينة (9).



(1) مروج الذهب: 2 / 307، الاستيعاب: 3 / 422 / 2348، أسد الغابة: 5 / 97 / 4751،
أنساب الأشراف: 3 / 173.
(2) الاستيعاب: 3 / 422 / 2348، أسد الغابة: 5 / 98 / 4751، الإصابة: 6 / 194 / 8313،
مروج الذهب: 2 / 307 وفيه " رباه علي بن أبي طالب ".
(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 53.
(4) تاريخ الطبري: 4 / 292، الكامل في التاريخ: 2 / 254.
(5) الطبقات الكبرى: 3 / 73، أنساب الأشراف: 6 / 163، تاريخ الطبري: 4 / 357 وص 372،
تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 601، أسد الغابة: 5 / 98 / 4751؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 175.
(6) تاريخ الطبري: 4 / 477، الكامل في التاريخ: 2 / 326.
(7) الجمل: 319؛ تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 485، العقد الفريد: 3 / 314، الاستيعاب:
3 / 422 / 2348، أسد الغابة: 5 / 98 / 4751.
(8) تاريخ الطبري: 4 / 534، الكامل في التاريخ: 2 / 348.
(9) الأخبار الطوال: 152، الكامل في التاريخ: 2 / 348.
293
كان محمد مجدا في الجهاد والعبادة، ولجده في عبادته سمي عابد قريش (1).
وهو جد الإمام الصادق (عليه السلام) من الأمهات (2).
ولاه الإمام (عليه السلام) على مصر سنة 36 ه‍ بعد عزل قيس بن سعد عنها (3). ولما
تخاذل أصحاب الإمام عن نصرته (عليه السلام) وتركوه وحيدا، اغتنم معاوية هذه الفرصة
واستطاع أن يغتال هذا النصير المخلص بأسلوب غادر خبيث، واستطاع حينئذ
أن يسخر مصر تحت قدرته (4).
كان الإمام (عليه السلام) يثني عليه ويذكره بخير في مناسبات مختلفة ويقول:
لقد كان إلي حبيبا وكان لي ربيبا (5)، فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا
كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا (6).
6697 - صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري - في ذكر حجة الوداع -:
حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر (7).



(1) مروج الذهب: 2 / 307، المعارف لابن قتيبة: 175، شرح نهج البلاغة: 6 / 54 وفيهما " كان محمد
من نساك قريش ".
(2) مروج الذهب: 2 / 307، سير أعلام النبلاء: 6 / 255، شرح نهج البلاغة: 6 / 54؛ الكافي:
1 / 472 / 1، الإرشاد: 2 / 180، عمدة الطالب: 195.
يحتمل أن المأثور عن الإمام الصادق (عليه السلام): " ولدني أبو بكر مرتين " يعود إلى أن أمه أم فروة هي بنت القاسم
بن محمد بن أبي بكر، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 554، الكامل في التاريخ: 2 / 356؛ الغارات: 1 / 219.
(4) راجع: القسم السابع / احتلال مصر / استشهاد محمد بن أبي بكر.
(5) نهج البلاغة: الخطبة 68، الغارات: 1 / 301 وليس فيه " إلي حبيبا ".
(6) نهج البلاغة: الكتاب 35.
(7) صحيح مسلم: 2 / 887 / 1218.
294
6698 - أسد الغابة - في ذكر محمد بن أبي بكر -: كان له فضل وعبادة، وكان
علي يثني عليه، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه، وأخو يحيى بن علي لأمه (1).
6699 - أسد الغابة - في ذكر محمد بن أبي بكر -: تزوج علي بأمه أسماء بنت
عميس بعد وفاة أبي بكر، وكان أبو بكر تزوجها بعد قتل جعفر بن أبي طالب،
وكان ربيبه في حجره. وشهد مع علي الجمل، وكان على الرجالة، وشهد معه
صفين، ثم ولاه مصر فقتل بها (2).
6700 - شرح نهج البلاغة: كان محمد ربيبه وخريجه، وجاريا عنده مجرى
أولاده، رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يكن يعرف له أبا
غير علي، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتى قال علي (عليه السلام): محمد ابني من صلب
أبي بكر (3).
6701 - الإمام علي (عليه السلام) - في ذكر محمد بن أبي بكر والتفجع عليه -: إنه كان لي
ولدا، ولولدي وولد أخي أخا (4).
راجع: القسم السابع / احتلال مصر / استشهاد محمد بن أبي بكر.
87
محمد بن أبي حذيفة
هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة العبشمي أبو القاسم، حفيد عتبة بن



(1) أسد الغابة: 5 / 98 / 4751 وراجع الطبقات الكبرى: 4 / 34.
(2) أسد الغابة: 5 / 97 / 4751.
(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 53.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 194؛ أنساب الأشراف: 3 / 173 نحوه.
295
ربيعة (1) - أحد أقطاب المشركين (2) - وابن خال معاوية (3).
ولد في الحبشة حين هاجر أبوه إليها (4)، ولما استشهد أبوه نشأ في أحضان
عثمان بن عفان (5).
والعجيب أنه كان أحد المعارضين المحادين لعثمان حين ثارت الأمة
ضده (6)، وهو الذي حرض المصريين على الثورة ضد عثمان (7)، واشترك في
محاصرة داره (8).
كان من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) (9). ولما عزل والي مصر تولى حكومتها حتى
نصب الإمام (عليه السلام) قيس بن سعد (10).



(1) الطبقات الكبرى: 3 / 84، سير أعلام النبلاء: 3 / 480 / 103، الاستيعاب: 3 / 425 / 2354، أسد
الغابة: 5 / 82 / 4720.
(2) سير أعلام النبلاء: 3 / 480 / 103، المستدرك على الصحيحين: 3 / 247.
(3) رجال الكشي: 1 / 286 / 125، الغارات: 1 / 328؛ تاريخ الطبري: 5 / 106، أسد الغابة: 5 / 82 / 4720.
(4) الطبقات الكبرى: 3 / 84، المعارف لابن قتيبة: 272، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 602، سير
أعلام النبلاء: 3 / 479 / 103.
(5) المعارف لابن قتيبة: 272، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 602، سير أعلام النبلاء: 3 / 480 / 103
الاستيعاب: 3 / 426 / 2354.
(6) الاستيعاب: 3 / 426 / 2354، أسد الغابة: 5 / 82 / 4720، أنساب الأشراف: 6 / 163، تاريخ
الطبري: 4 / 292، الكامل في التاريخ: 2 / 352.
(7) الطبقات الكبرى: 3 / 84، أنساب الأشراف: 6 / 164، تاريخ الطبري: 4 / 292، الكامل في
التاريخ: 2 / 352 و 353.
(8) أسد الغابة: 5 / 82 و 83 / 4720.
(9) رجال الطوسي: 82 / 821، رجال الكشي: 1 / 286 / 126.
(10) تاريخ الطبري: 4 / 546، الكامل في التاريخ: 2 / 352 و 353، أسد الغابة: 5 / 83 / 4720،
سير أعلام النبلاء: 3 / 480 / 103.
296
ولما تسلط معاوية على مصر ألقي عليه القبض وسجن، بيد أنه تمكن من
الفرار، ثم قتل بأمر معاوية (1).
6702 - رجال الكشي عن أمير بن علي عن الإمام الرضا (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يقول: إن المحامدة تأبى أن يعصى الله عز وجل.
قلت: ومن المحامدة؟
قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد
بن أمير المؤمنين (عليه السلام). أما محمد بن أبي حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن
خال معاوية (2).
6703 - تاريخ الطبري عن الزهري: خرج محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن
أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد، فأظهرا عيب عثمان، وما غير، وما خالف به
أبا بكر وعمر، وأن دم عثمان حلال.
ويقولان: استعمل عبد الله بن سعد رجلا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباح دمه ونزل
القرآن بكفره، وأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما وأدخلهم، ونزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر.
فبلغ ذلك عبد الله بن سعد، فقال: لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد
من المسلمين، ولقوا العدو، وكانا أكل المسلمين قتالا، فقيل لهما في ذلك، فقالا:
كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه! عبد الله بن سعد استعمله عثمان،



(1) تاريخ الطبري: 5 / 106، الكامل في التاريخ: 2 / 353، أسد الغابة: 5 / 83 / 4720؛ الغارات:
1 / 328 و 329، رجال الكشي: 1 / 288 / 126 وفيه " مات في السجن ".
(2) رجال الكشي: 1 / 286 / 125.
297
وعثمان فعل وفعل، فأفسدا أهل تلك الغزاة، وعابا عثمان أشد العيب (1).
6704 - الغارات عن علي بن محمد بن أبي سيف: إن محمد بن أبي حذيفة بن
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر، فبعث به إلى
معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ بفلسطين، فحبسه معاوية في سجن له فمكث
فيه غير كثير، ثم إنه هرب - وكان ابن خال معاوية - فأرى معاوية الناس أنه كره
انفلاته من السجن، فقال لأهل الشام: من يطلبه؟
وقد كان معاوية فيما يرون يحب أن ينجو، فقال رجل من خثعم يقال له:
عبيد الله بن عمرو بن ظلام، وكان شجاعا وكان عثمانيا: أنا أطلبه، فخرج في
خيله فلحقه بحوارين (2) وقد دخل في غار هناك، فجاءت حمر تدخله وقد
أصابها المطر، فلما رأت الرجل في الغار فزعت منه فنفرت.
فقال حمارون - كانوا قريبا من الغار -:
والله إن لنفر هذه الحمر من الغار لشأنا، ما نفرها من هذا الغار إلا أمر، فذهبوا
ينظرون، فإذا هم به فخرجوا، فوافاهم عبيد الله بن عمرو بن ظلام فسألهم عنه
ووصفه لهم، فقالوا له: ها هوذا في الغار، فجاء حتى استخرجه، وكره أن يحمله
إلى معاوية فيخلي سبيله، فضرب عنقه، رحمه الله تعالى (3).
6705 - رجال الكشي: كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن



(1) تاريخ الطبري: 4 / 292، الكامل في التاريخ: 2 / 254 نحوه.
(2) حوارين: من قرى حلب، معروفة. وحوارين: حصن من ناحية حمص (معجم البلدان: 2 / 315).
(3) الغارات: 1 / 327؛ تاريخ الطبري: 5 / 106 عن هشام بن محمد الكلبي نحوه وراجع الكامل في
التاريخ: 2 / 353.
298
أبي طالب (عليه السلام) ومن أنصاره وأشياعه، وكان ابن خال معاوية، وكان رجلا من خيار
المسلمين، فلما توفي علي (عليه السلام) أخذه معاوية وأراد قتله، فحبسه في السجن
دهرا، ثم قال معاوية ذات يوم: ألا نرسل إلى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة
فنبكته (1)، ونخبره بضلاله، ونأمره أن يقوم فيسب عليا؟
قالوا: نعم.
فبعث إليه معاوية فأخرجه من السجن، فقال له معاوية: يا محمد بن
أبي حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن
أبي طالب...
قال: والله إني لأشهد إنك منذ عرفتك في الجاهلية والإسلام لعلى خلق واحد
ما زاد الإسلام فيك قليلا ولا كثيرا، وإن علامة ذلك فيك لبينة تلومني على حبي
عليا، كما خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وأنصاري، وخرج معك أبناء
المنافقين والطلقاء والعتقاء، خدعتهم عن دينهم، وخدعوك عن دنياك، والله يا
معاوية ما خفي عليك ما صنعت، وما خفي عليهم ما صنعوا، إذ أحلوا أنفسهم
بسخط الله في طاعتك، والله لا أزال أحب عليا لله، وأبغضك في الله وفي رسوله
أبدا ما بقيت.
قال معاوية: وإني أراك على ضلالك بعد، ردوه، فردوه وهو يقرأ في السجن:
(رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه) (2)، فمات في السجن (3).



(1) التبكيت: التقريع والتوبيخ (النهاية: 1 / 148).
(2) يوسف: 33.
(3) رجال الكشي: 1 / 286 / 126.
299
88
مخنف بن سليم
مخنف بن سليم بن الحارث الأزدي الغامدي، كان من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) (1)،
وعلي (عليه السلام) (2). وكان يحمل راية قبيلته - الأزد - يوم الجمل (3)، وقد جرح في هذه
الحرب (4). وقبل صفين طلب منه الإمام (عليه السلام) أن يأتي إلى الكوفة، ويرافقه في
مسيره إلى صفين. وتولى قيادة قبيلته (5) وبعض القبائل الأخرى في حرب
صفين (6).
ولاه الإمام (عليه السلام) على أصفهان (7) وهمدان (8). وكلفه (عليه السلام) مرة بجمع الضرائب في
أرض الفرات حتى منطقة بكر بن وائل، وظل مسؤولا عليها برهة. وكتب إليه في
هذه المهمة تعليمات رفيعة هي في غاية الروعة والقيمة والوعظ والتذكير (9).
ومخنف هذا هو الجد الأعلى للمؤرخ الشيعي الجليل أبي مخنف (10). ونقلت



(1) التاريخ الكبير: 8 / 52 / 2122، الطبقات الكبرى: 6 / 35، المعجم الكبير: 20 / 310 / 738،
تاريخ أصبهان: 1 / 100 / 16، أسد الغابة: 5 / 123 / 4804.
(2) رجال الطوسي: 81 / 808، رجال البرقي: 6.
(3) تاريخ الطبري: 4 / 521، الكامل في التاريخ: 2 / 343.
(4) الفتوح: 2 / 474.
(5) الاستيعاب: 4 / 30 / 2563، أسد الغابة: 5 / 123 / 4804.
(6) وقعة صفين: 117؛ الأخبار الطوال: 146.
(7) وقعة صفين: 11 وص 105؛ تاريخ أصبهان: 1 / 101 / 16، الاستيعاب: 4 / 30 / 2563،
أسد الغابة: 5 / 123 / 4804.
(8) وقعة صفين: 11 وص 105.
(9) دعائم الإسلام: 1 / 259.
(10) الطبقات الكبرى: 6 / 35، الاستيعاب: 4 / 30 / 2563، أسد الغابة: 5 / 123 / 4804، الإصابة: 6 / 46 / 7865.
300
عن الامام (عليه السلام) كلمات في مدحه وذمه (1).
6706 - أسد الغابة: مخنف بن سليم، له صحبة. واستعمله علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه على مدينة أصفهان، وشهد معه صفين، وكان معه راية الأزد (2).
89
مسلم المجاشعي
كان يعيش في المدائن أيام واليها حذيفة بن اليمان، وبعد قتل عثمان وبقاء
حذيفة واليا عليها بأمر الإمام علي (عليه السلام)، قرأ حذيفة على الناس رسالة الإمام (عليه السلام)،
ودعاهم إلى بيعته متحدثا عن عظمته. ولما بايع الناس، طلب مسلم من حذيفة
أن يحدثه بحقيقة ما كان قد جرى، ففعل فأصبح مسلم من الموالين للإمام (عليه السلام) (3).
ورسخ حب الإمام في قلبه حتى قال (عليه السلام) فيه يوم الجمل: إن الفتى ممن حشى الله
قلبه نورا وإيمانا، وهو مقتول... (4).
وكان أول من استشهد يومئذ بعد قطع يديه (5).
6707 - المناقب للخوارزمي عن مجزأة السدوسي - في ذكر أحداث حرب
الجمل -: لما تقابل العسكران: عسكر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وعسكر أصحاب
الجمل، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة،
فقال الناس: يا أمير المؤمنين، إنه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم؟!



(1) وقعة صفين: 11.
(2) أسد الغابة: 5 / 122 / 4804.
(3) إرشاد القلوب: 321 - 343.
(4) إرشاد القلوب: 342.
(5) شرح نهج البلاغة: 9 / 112، الفتوح: 2 / 473، المناقب للخوارزمي: 186.
301
فقال علي: اللهم إني أشهدك أني قد أعذرت وأنذرت، فكن لي عليهم من
الشاهدين.
ثم دعا علي بالدرع، فأفرغها عليه، وتقلد بسيفه واعتجر (1) بعمامته واستوى
على بغلة النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم دعا بالمصحف فأخذه بيده، وقال: يا أيها الناس، من
يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه؟
قال: فوثب غلام من مجاشع يقال له: مسلم، عليه قباء أبيض، فقال له: أنا
آخذه يا أمير المؤمنين.
فقال له علي: يا فتى إن يدك اليمنى تقطع، فتأخذه باليسرى فتقطع، ثم
تضرب عليه بالسيف حتى تقتل.
فقال الفتى: لا صبر لي على ذلك يا أمير المؤمنين.
قال: فنادى علي ثانية، والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتى وقال: أنا
آخذه يا أمير المؤمنين.
قال: فأعاد عليه على مقالته الأولى، فقال الفتى: لا عليك يا أمير المؤمنين،
فهذا قليل في ذات الله، ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء،
هذا كتاب الله بيننا وبينكم.
قال: فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف
بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل
- رحمة الله عليه - (2).



(1) الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه
(النهاية: 3 / 185).
(2) المناقب للخوارزمي: 186 / 223، الفتوح: 2 / 472 وفيه من " ثم دعا علي بالدرع "، ف
شرح نهج البلاغة: 9 / 111 و 112 نحوه وراجع تاريخ الطبري: 4 / 511 وأنساب الأشراف: 3 / 36
والكامل في التاريخ: 2 / 350 ومروج الذهب: 2 / 370 وإرشاد القلوب: 341 و 342.
302
6708 - الجمل: كانت أمه [أي مسلم] حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه
وجرته من موضعه، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أعانوها على
حمله حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمه تبكي وتندبه وتقول:
يا رب إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه قناهم * وأمهم قائمة تراهم
تأمرهم بالقتل لا تنهاهم (1)
راجع: القسم السادس / وقعة الجمل / جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود.
90
مصقلة بن هبيرة
كان أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) (2)، ونائب ابن عباس، ووالي أردشير خره (3) (4)،
فكان عاملا غير مباشر للإمام (عليه السلام).
وفي سنة 38 ه‍ (5) لما ظهر معقل بن قيس على الثوار المرتدين من بني ناجية
وأسرهم، اشتراهم مصقلة وأطلق سراحهم، ثم لم يتمكن من أداء قيمتهم إلى



(1) الجمل: 339 وراجع مروج الذهب: 2 / 370 والكامل في التاريخ: 2 / 350.
(2) رجال الطوسي: 83 / 832.
(3) أردشير خره: من أجل بقاع فارس، وقد بناها أردشير بابكان، ومنها مدينة شيراز وميمند وكازرون،
وهي بلدة قديمة (راجع معجم البلدان: 1 / 146).
(4) أنساب الأشراف: 2 / 389، تاريخ دمشق: 58 / 269 / 7450؛ نهج البلاغة: الكتاب 43 وفيه " هو
عامله على أردشير خره "، تاريخ اليعقوبي: 2 / 201 وفيه " يهب أموال أردشير خره وكان عليها ".
(5) تاريخ الطبري: 5 / 128.
303
بيت المال (1).
مضافا إلى تصرفه في أموال بيت المال بالبذل لأقربائه والعفو عما عليهم.
ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه على تصرفه غير المشروع في بيت مال المسلمين
وإتلافه للأموال، وطلب منه رد ما أخذه من بيت المال لفك الأسرى.
فعظم ذلك على مصقلة حيث لم يكن يتصور أن الإمام يعامله بهذه الشدة بعد
أن رأى عطاء عثمان وهباته من بيت المال، بل كان يأمل عفو الإمام. فلما لم
يصل إلى أمله فر والتحق بمعاوية (2). ولهذا قال الإمام (عليه السلام) في حقه: " فعل فعل
السادة، وفر فرار العبيد " (3).
لقد شغل مصقلة بعض المناصب في حكومة معاوية (4). وشهد على حجر بن
عدي حين أراد معاوية قتله. (5).
6709 - مروج الذهب: مضى الحارث بن راشد الناجي في ثلاثمائة من الناس



(1) تهذيب الأحكام: 10 / 140 / 551، نهج البلاغة: الخطبة 44؛ أنساب الأشراف: 3 / 181، مروج
الذهب: 2 / 419، تاريخ الطبري: 5 / 128، تاريخ دمشق: 58 / 270 / 7450.
(2) أنساب الأشراف: 3 / 181، تاريخ الطبري: 5 / 129 و 130، الكامل في التاريخ: 2 / 421 و
422، تاريخ دمشق: 58 / 272 / 7450؛ الغارات: 1 / 364 - 366، رجال الطوسي: 83 / 832
وفيه " هرب إلى معاوية ".
(3) نهج البلاغة: الخطبة 44، الغارات: 1 / 366؛ مروج الذهب: 2 / 419، تاريخ الطبري: 5 / 130،
الكامل في التاريخ: 2 / 422، تاريخ دمشق: 58 / 272 / 7450 وفيها " فعل فعل السيد، وفر فرار
العبد ".
(4) أنساب الأشراف: 3 / 183 وج 5 / 278، تاريخ خليفة بن خياط: 169، تاريخ دمشق:
58 / 273 / 7450.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 269، أنساب الأشراف: 5 / 264.
304
فارتدوا إلى دين النصرانية... فسرح إليهم علي معقل بن قيس الرياحي، فقتل
الحارث ومن معه من المرتدين بسيف البحر، وسبى عيالهم وذراريهم، وذلك
بساحل البحرين، فنزل معقل بن قيس بعض كور الأهواز بسبي القوم، وكان
هنالك مصقلة بن هبيرة الشيباني عاملا لعلي، فصاح به النسوة: امنن علينا،
فاشتراهم بثلاثمائة ألف درهم وأعتقهم، وأدى من المال مائتي ألف وهرب إلى
معاوية.
فقال علي: قبح الله مصقلة! فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، لو أقام أخذنا ما
قدرنا على أخذه؛ فإن أعسر أنظرناه، وإن عجز لم نأخذه بشيء، وأنفذ العتق.
وفي ذلك يقول مصقلة بن هبيرة، من أبيات:
تركت نساء الحي بكر بن وائل * وأعتقت سبيا من لؤي بن غالب
وفارقت خير الناس بعد محمد * لمال قليل لا محالة ذاهب (1)
6710 - الغارات عن عبد الله بن قعين - بعدما اشترى مصقلة أسارى بني ناجية -:
انتظر علي (عليه السلام) مصقلة أن يبعث إليه بالمال، فأبطأ به، فبلغ عليا (عليه السلام) أن مصقلة خلى
سبيل الأسارى، ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء. فقال: ما أرى
مصقلة إلا قد حمل حمالة (2)، لا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا (3).
ثم كتب إليه: أما بعد؛ فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على



(1) مروج الذهب: 2 / 418 و 419 وراجع تاريخ الطبري: 5 / 130 والكامل في التاريخ: 2 / 422
ونهج البلاغة: الخطبة 44.
(2) الحمالة: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة (النهاية: 1 / 442).
(3) بلدح الرجل: إذا ضرب بنفسه على الأرض (تاج العروس: 4 / 16).
305
أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث
إلي بها حين يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي؛ فإني قد تقدمت
إلى رسولي أن لا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال،
والسلام.
قال: وكان الرسول أبا حرة الحنفي، فقال له أبو حرة: إن تبعث بهذا المال وإلا
فاشخص معي إلى أمير المؤمنين، فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، وكان
العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون ابن عباس هو الذي
يبعث به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: نعم أنظرني أياما، ثم أقبل من البصرة حتى
أتى عليا (عليه السلام) بالكوفة، فأقره علي (عليه السلام) أياما لم يذكر له شيئا ثم سأله المال، فأدى
إليه مائتي ألف درهم، وعجز عن الباقي فلم يقدر عليه (1).
6711 - تاريخ اليعقوبي: كتب [علي (عليه السلام)] إلى مصقلة بن هبيرة؛ وبلغه أنه يفرق
ويهب أموال أردشير خرة وكان عليها: أما بعد؛ فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن
أصدقه: أنك تقسم فيء المسلمين في قومك، ومن اعتراك من السألة
والأحزاب، وأهل الكذب من الشعراء، كما تقسم الجوز!
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لأفتش عن ذلك تفتيشا شافيا؛ فإن وجدته
حقا لتجدن بنفسك علي هوانا، فلا تكونن من الخاسرين أعمالا، الذين ضل
سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (2).



(1) الغارات: 1 / 364؛ تاريخ الطبري: 5 / 129، تاريخ دمشق: 58 / 271 / 7450 كلاهما عن
عبد الله بن فقيم وفيهما " ملبدا " بدل " مبلدحا "، شرح نهج البلاغة: 3 / 144 وراجع أنساب الأشراف:
3 / 181 والكامل في التاريخ: 2 / 421 والفتوح: 4 / 244 والبداية والنهاية: 7 / 310.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 201.
306
6712 - الإمام علي (عليه السلام) - من كتابه إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامله على
أردشير خرة -: بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك، وعصيت
إمامك: أنك تقسم فيء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم، وأريقت عليه
دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك!
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لئن كان ذلك حقا لتجدن لك علي هوانا،
ولتخفن عندي ميزانا، فلا تستهن بحق ربك، ولا تصلح دنياك بمحق دينك،
فتكون من الأخسرين أعمالا.
ألا وإن حق من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء؛ يردون
عندي عليه، ويصدرون عنه (1).
6713 - الغارات عن ذهل بن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحله، فقدم عشاء
فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال، ووالله لا أقدر
عليه، فقلت له: لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتى تجمع هذا المال، فقال: والله
ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد.
ثم قال: أما والله لو أن ابن هند يطالبني بها، أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى
ابن عفان حيث أطعم الأشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج أذربيجان في
كل سنة، فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأي وما هو بتارك لك شيئا، فسكت ساعة
وسكت عنه، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، فبلغ ذلك
عليا (عليه السلام) فقال:
ما له؟! ترحه (2) الله! فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما



(1) نهج البلاغة: الكتاب 43؛ أنساب الأشراف: 2 / 389 نحوه إلى " أعمالا ".
(2) الترح: ضد الفرح؛ وهو الهلاك والانقطاع أيضا (النهاية: 1 / 186).
307
إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه؛ فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم نقدر له
على مال تركناه، ثم سار إلى داره فهدمها (1).
91
معقل بن قيس الرياحي
معقل بن قيس الرياحي، شجاع من مقاتلي الكوفة، وخطيب بليغ من
خطبائها. وكان من أمراء الجيش في زمن الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن
المجتبى (عليهما السلام). وكان رسول عمار إلى المدينة في فتح " تستر " (2) وقدم إليها مع
الهرمزان (3).
تولى قيادة رجالة الكوفة في معركة الجمل (4)، وغدا أميرا على بعض قبائلها
في معركة صفين (5). وولي قيادة الجيش حينا في معارك ذي الحجة يوم
صفين (6).
كان قائد الميسرة يوم النهروان (7). ثم أمره الإمام (عليه السلام) بقمع تمرد " بني ناجية "



(1) الغارات: 1 / 365؛ تاريخ الطبري: 5 / 130، تاريخ دمشق: 58 / 272 / 7450 كلاهما عن
عبد الله بن فقيم نحوه وراجع أنساب الأشراف: 3 / 181 و 182 والكامل في التاريخ: 2 / 421
والفتوح: 4 / 244 والبداية والنهاية: 7 / 310.
(2) تستر: هو تعريب " شوشتر "؛ وهي من مدن إيران في محافظة خوزستان، وهي قريبة من مدينة
دزفول.
(3) شرح نهج البلاغة: 15 / 92 وج 16 / 39.
(4) الجمل: 321.
(5) وقعة صفين: 117.
(6) وقعة صفين: 195؛ تاريخ الطبري: 4 / 574، الكامل في التاريخ: 2 / 366.
(7) البداية والنهاية: 7 / 289، تاريخ الطبري: 5 / 85، الكامل في التاريخ: 2 / 405.
308
فهزم خريت بن راشد (1).
عندما أغار يزيد بن شجرة على مكة والمدينة، هب معقل إلى مواجهته،
فأسر عددا من أصحابه ولاذ الباقون بالفرار (2).
لما عزم الإمام (عليه السلام) على معاودة قتال معاوية بعد إخماد فتنة النهروان، واستبان
الاستعداد النسبي الذي أبداه أهل الكوفة للقتال، ذهب معقل إلى أطراف الكوفة
لجمع المقاتلين، لكنه تلقى - وهو في مهمته - الخبر المفجع لاستشهاد الإمام
علي (عليه السلام) (3).
في سنة 43 ه‍ خرج المستورد - أحد أقطاب الخوارج - في أيام حكومة
معاوية الغاصبة (4) وهو يريد الشيعة، فنهض معقل إلى قتاله. واستشهد بعد أن
دحر جيشه وقتله في مبارزة بينهما (5).
وصفه سعيد بن قيس بأنه ناصح، أريب صليب شجاع (6).
6714 - شرح نهج البلاغة: معقل بن قيس كان من رجال الكوفة وأبطالها، وله
رياسة وقدم، أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان لفتح تستر.
وكان من شيعة علي (عليه السلام)، وجهه إلى بني ساقة فقتل منهم وسبى. وحارب



(1) تهذيب الأحكام: 10 / 139 / 551، الغارات: 1 / 348 - 364، تاريخ اليعقوبي: 2 / 195؛
تاريخ الطبري: 5 / 121 - 128، الكامل في التاريخ: 2 / 419 - 421.
(2) الغارات: 2 / 511.
(3) الغارات: 2 / 638؛ الأخبار الطوال: 213.
(4) أنساب الأشراف: 5 / 175.
(5) أنساب الأشراف: 5 / 176 و 177، تاريخ الطبري: 5 / 206، الكامل للمبرد: 3 / 1163، الكامل
في التاريخ: 2 / 465، شرح نهج البلاغة: 15 / 92.
(6) الأمالي للطوسي: 174 / 293، الغارات: 2 / 638.
309
المستورد بن علفة الخارجي من تميم الرباب، فقتل كل واحد منهما صاحبه
بدجلة (1).
6715 - الغارات عن عبد الله بن قعين - في ذكر حرب بني ناجية -: سار فينا
معقل، يحرضنا ويقول لنا: يا عباد الله، لا تبدؤوا القوم وغضوا الأبصار، وأقلوا
الكلام، ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالهم بالأجر
العظيم، إنما تقاتلون مارقة مرقت من الدين وعلوجا (2) منعوا الخراج، ولصوصا
وأكرادا، انظروني فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد.
قال: فمر في الصف كله يقول لهم هذه المقالة حتى إذا مر بالناس كلهم، أقبل
فوقف وسط الصف في القلب، ونظرنا إليه ما يصنع، فحرك رايته تحريكتين، ثم
حمل في الثالثة وحملنا معه جميعا، فوالله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولوا
وانهزموا، وقتلنا سبعين عربيا من بني ناجية ومن بعض من اتبعه من العرب،
وقتلنا نحو ثلاث مأة من العلوج والأكراد (3).
6716 - الغارات عن كعب بن قعين: أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز وكتب إلى
علي (عليه السلام) معي بالفتح وكنت أنا الذي قدم بالكتاب عليه، وكان في الكتاب: بسم الله
الرحمن الرحيم، لعبد الله علي أمير المؤمنين من معقل بن قيس، سلام عليك
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنا لقينا المارقين وقد استظهروا
علينا بالمشركين، فقتلنا منهم ناسا كثيرا، ولم نتعد فيهم سيرتك، فلم نقتل منهم



(1) شرح نهج البلاغة: 15 / 92.
(2) العلج: الرجل من كفار العجم وغيرهم (النهاية: 3 / 286).
(3) الغارات: 1 / 353؛ تاريخ الطبري: 5 / 123 عن عبد الله بن فقيم، البداية والنهاية: 7 / 317 نحوه
وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 421.
310
مدبرا ولا أسيرا، ولم نذفف (1) منهم على جريح، وقد نصرك الله والمسلمين،
والحمد لله رب العالمين، والسلام (2).
6717 - الغارات عن أبي عبد الرحمن السلمي - في ذكر عزم الإمام (عليه السلام) على
حرب معاوية ثانيا وقوله لأصحابه -: أشيروا علي برجل يحشر الناس من
السواد ومن القرى ومن محشرهم.
فقال سعيد بن قيس: أما والله أشير عليك بفارس العرب الناصح، الشديد على
عدوك.
قال له: من؟
قال: معقل بن قيس الرياحي.
قال: أجل، فدعاه فسرحه في حشر الناس من السواد إلى الكوفة، فلم يقدم
حتى أصيب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه (3).
92
المقداد بن عمرو
المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراوي الكندي، المعروف بالمقداد بن الأسود.
طويل القامة، أسمر الوجه (4). كان من شجعان الصحابة وأبطالهم ونجبائهم (5).



(1) تذفيف الجريح: الإجهاز عليه وتحرير قتله (النهاية: 2 / 162).
(2) الغارات: 1 / 354؛ تاريخ الطبري: 5 / 124 عن عبد الله قعين.
(3) الغارات: 2 / 638، الأمالي للطوسي: 174 / 293 عن ربيعة بن ناجذ نحوه.
(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 392 / 5484، الإصابة: 6 / 160 / 8201.
(5) حلية الأولياء: 1 / 172.
311
شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وصفوه بأنه مجمع الفضائل والمناقب،
وكان أحد الأركان الأربعة (2). وعده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم
الجنة (3).
ثبت على الصراط المستقيم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفظ حق الولاية العلوية،
وأعلن مخالفته للذين بدلوا، في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) (4).
وعد المقداد في بعض الروايات أطوع أصحاب الإمام (عليه السلام) (5). وكان من الصفوة
الذين صلوا على الجثمان الطاهر لسيدة النساء فاطمة صلوات الله عليها (6).
عارض المقداد حكومة عثمان، وأعلن عن معارضته لها من خلال خطبة
ألقاها في مسجد المدينة (7). وقال: إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما
أقول إن أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل.. أما والله لو أجد عليه أعوانا....
توفي المقداد سنة 33 ه‍ وهو في السبعين من عمره (8).



(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 392 / 5484، الطبقات الكبرى: 3 / 162، تهذيب الكمال:
28 / 453 / 6162.
(2) الاختصاص: 6.
(3) المعجم الكبير: 6 / 215 / 6045، حلية الأولياء: 1 / 142 وص 190 وفيه " إن الله تعالى يحب
أربعة من أصحابي "؛ الخصال: 303 / 80.
(4) الخصال: 463 / 4، الاحتجاج: 1 / 194 / 37، رجال البرقي: 64.
(5) رجال الكشي: 1 / 46 / 22.
(6) الخصال: 361 / 50، رجال الكشي: 1 / 34 / 13، الاختصاص: 5، تفسير فرات: 570 / 733.
(7) تاريخ الطبري: 4 / 232 و 233، الكامل في التاريخ: 2 / 221 - 224؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 163.
(8) المستدرك على الصحيحين: 3 / 392 / 5484، الطبقات الكبرى: 3 / 163، تهذيب الكمال:
28 / 456 و 457 / 6162، الاستيعاب: 4 / 43 / 2590، أسد الغابة: 5 / 244 / 5076.
312
وكان له نصيب من مال الدنيا منذ البداية فأوصى للحسن والحسين (عليهما السلام) بستة
وثلاثين ألف درهم منه (1).
وهذه الوصية دليل على حبه لأهل البيت (عليهم السلام) وتكريمه واحترامه لهم (عليه السلام).
6718 - الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه: لما بويع عثمان
سمعت المقداد بن الأسود الكندي يقول لعبد الرحمن بن عوف: والله
يا عبد الرحمن، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم.
فقال له عبد الرحمن: وما أنت وذاك يا مقداد؟
قال: إني والله أحبهم لحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعتريني والله وجد لا أبثه بثة،
لتشرف قريش على الناس بشرفهم، واجتماعهم على نزع سلطان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من أيديهم.
فقال له عبد الرحمن: ويحك! والله لقد اجتهدت نفسي لكم.
فقال له المقداد: والله لقد تركت رجلا من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون،
أما والله لو أن لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إياهم يوم بدر وأحد.
فقال له عبد الرحمن: ثكلتك أمك يا مقداد! لا يسمعن هذا الكلام منك الناس،
أما والله إني لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة.
قال جندب: فأتيته بعدما انصرف من مقامه، فقلت له: يا مقداد أنا من
أعوانك.
فقال: رحمك الله، إن الذي نريد لا يغني فيه الرجلان والثلاثة، فخرجت من



(1) تهذيب الكمال: 28 / 456 / 6162.
313
عنده وأتيت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فذكرت له ما قال وقلت، قال: فدعا لنا
بخير (1).
6719 - تاريخ اليعقوبي - في ذكر أحداث ما بعد استخلاف عثمان -: مال قوم
مع علي بن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان.
فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله، فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه
يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول: واعجبا لقريش! ودفعهم
هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله أعلم
الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم غناء في الإسلام، وأبصرهم بالطريق،
وأهداهم للصراط المستقيم.
والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحا للأمة
ولا صوابا في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم
الظالمين.
فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله؟ ومن هذا الرجل؟
فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب.
قال: فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟
فقال: يا بن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان.
ثم خرجت فلقيت أباذر، فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد. ثم
أتيت عبد الله بن مسعود، فذكرت ذلك له، فقال: لقد أخبرنا فلم نأل (2).



(1) الأمالي للطوسي: 191 / 323.
(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 163.
314
93
المنذر بن الجارود العبدي
المنذر بن الجارود العبدي، واسم الجارود بشر بن عمرو بن حبيش، من
صحابة الإمام علي (عليه السلام) (1)، وكان على قسم صغير من جيشه في معركة الجمل (2).
ولاه الإمام (عليه السلام) على إصطخر (3) (4)، وكان حسن الظاهر لكنه مضطرب الباطن،
وليس له ثبات.
خان المنذر الإمام (عليه السلام) في بيت المال، واستأثر بقسم منه لنفسه، فكتب إليه
الإمام (عليه السلام) كتابا عنفه فيه. وبعد استلامه كتاب الإمام جاء إلى الكوفة، فعزله
الإمام (عليه السلام)، وحكم عليه بدفع ثلاثين ألف درهم، وحبسه، ثم أطلقه بشفاعة
صعصعة بن صوحان (5).
ولي بعض المناطق في أيام عبيد الله بن زياد (6) الذي كان صهره (7).
وعندما عزم الإمام الحسين (عليه السلام) على نهضته العظمى كاتب كثيرا من



(1) تاريخ دمشق: 60 / 281.
(2) الجمل: 321؛ تاريخ الطبري: 4 / 505، تاريخ دمشق: 60 / 283، الإصابة: 6 / 209 / 8353
وفيه " كان شهد الجمل مع علي ".
(3) اصطخر: معرب استخر، وهي من أقدم مدن فارس، وبها كان سرير الملك دارا بن داراب، وبها آثار
عظيمة. بينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا (راجع تقويم البلدان: 329).
(4) الطبقات الكبرى: 5 / 561، المعارف لابن قتيبة: 339، تاريخ دمشق: 60 / 281، الإصابة:
6 / 209 / 8353.
(5) أنساب الأشراف: 2 / 391؛ تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
(6) الأخبار الطوال: 231، الفتوح: 5 / 37.
(7) الطبقات الكبرى: 5 / 561 وج 7 / 87، تاريخ دمشق: 60 / 283، الإصابة: 6 / 209 / 8353.
315
الشخصيات المعروفة ودعاهم إلى نصرته والدفاع عن الحق. وكان المنذر أحد
الذين راسلهم الإمام (عليه السلام)، لكنه سلم الرسالة والرسول إلى عبيد الله بن زياد،
فيا عجبا من فعلته هذه (1)!
مات المنذر سنة 61 ه‍ (2).
6720 - الغارات عن الأعمش: كان علي (عليه السلام) ولى المنذر بن الجارود فارسا فاحتاز
مالا من الخراج، قال: كان المال أربعمائة ألف درهم، فحبسه علي (عليه السلام)، فشفع فيه
صعصعة بن صوحان إلى علي (عليه السلام) وقام بأمره وخلصه (3).
6721 - تاريخ اليعقوبي عن غياث: [إن عليا (عليه السلام)] كتب إلى المنذر بن الجارود،
وهو على إصطخر: أما بعد، فإن صلاح أبيك غرني منك، فإذا أنت لا تدع انقيادا
لهواك أزرى ذلك بك. بلغني أنك تدع عملك كثيرا، وتخرج لاهيا بمنبرها،
تطلب الصيد وتلعب بالكلاب، وأقسم لئن كان حقا لنثيبنك فعلك، وجاهل أهلك
خير منك، فأقبل إلي حين تنظر في كتابي، والسلام.
فأقبل فعزله وأغرمه ثلاثين ألفا، ثم تركها لصعصعة بن صوحان بعد أن أحلفه
عليها، فحلف (4).
6722 - الأخبار الطوال: قد كان الحسين بن علي (رضي الله عنه) كتب كتابا إلى شيعته من أهل



(1) تاريخ الطبري: 5 / 357، الكامل في التاريخ: 2 / 535 و 536، الأخبار الطوال: 231، الفتوح:
5 / 37.
(2) الطبقات الكبرى: 5 / 561، تاريخ دمشق: 60 / 285، الإصابة: 6 / 209 / 8353، تاريخ خليفة
بن خياط: 180 وفيه " مات في سنة 62 ه‍ ".
(3) الغارات: 2 / 522 وراجع أنساب الأشراف: 2 / 391.
(4) تاريخ اليعقوبي: 2 / 203.
316
البصرة مع مولى له يسمى " سلمان " نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، من
الحسين بن علي إلى مالك بن مسمع والأحنف ابن قيس، والمنذر بن الجارود
ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم، سلام عليكم، أما بعد، فإني أدعوكم إلى
إحياء معالم الحق وإماتة البدع، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد، والسلام.
فلما أتاهم هذا الكتاب كتموه جميعا إلا المنذر بن الجارود، فإنه أفشاه،
لتزويجه ابنته هندا من عبيد الله بن زياد، فأقبل حتى دخل عليه، فأخبره
بالكتاب، وحكى له ما فيه، فأمر عبيد الله بن زياد بطلب الرسول، فطلبوه، فأتوه
به، فضربت عنقه (1).
راجع: القسم الخامس / السياسة الإدارية / الموقف الحازم مع العمال / المنذر بن الجارود.
94
ميثم التمار
هو ميثم بن يحيى التمار الأسدي أبو سالم، جليل من أصحاب
أمير المؤمنين (2)، والحسن (3)، والحسين (4) (عليهم السلام). كان عبدا لامرأة فاشتراه علي (عليه السلام)
وأعتقه، نال منزلة رفيعة من العلم بفضل باب العلم النبوي حتى وصف بأنه أوتي
علم المنايا والبلايا.
كان الإمام (عليه السلام) قد أخبره بكيفية استشهاده وما يلاقيه في سبيل الله. وقد نطق



(1) الأخبار الطوال: 231، تاريخ الطبري: 5 / 357 عن أبي عثمان النهدي نحوه وراجع الكامل في
التاريخ: 2 / 535 والفتوح: 5 / 37.
(2) رجال الطوسي: 81 / 802، الاختصاص: 7.
(3) رجال الطوسي: 96 / 951.
(4) رجال الطوسي: 105 / 1034، الاختصاص: 8، رجال الكشي: 1 / 294 / 136؛ الإصابة:
6 / 250 / 8493.
317
ميثم بهذه الحقيقة العظيمة الواعظة أمام قاتله الجلاد الجائر، وأكد حتمية تحقق
تلك النبوءة الإعجازية بصلابة تامة (1).
إن رسوخه على طريق الحق، وثباته في الدفاع عن الولاية، ومنطقه البليغ
في تجلية الحقائق. كل ذلك قد استبان مرارا في كلمات الأئمة (عليهم السلام) وذكرته أقلام
العلماء مما سنقف عليه لاحقا.
قتله عبيد الله بن زياد قبل استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) بأيام (2).
6723 - الإرشاد: إن ميثم التمار كان عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه
أمير المؤمنين (عليه السلام) منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم. قال: أخبرني
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن اسمك الذي سماك به أبواك في العجم ميثم. قال: صدق الله
ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين، والله إنه لا سمي. قال: فارجع إلى اسمك
الذي سماك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودع سالما. فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم.
فقال له علي (عليه السلام) ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا كان
اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دما فيخضب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب،
وتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة
وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها. فأراه
إياها. فكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت ولي
غذيت. ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليها
بالكوفة. قال: وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن
جواري. فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟



(1) الإرشاد: 1 / 323، إعلام الورى: 1 / 342؛ الإصابة: 6 / 249 / 8439، شرح نهج البلاغة: 2 / 291.
(2) الإرشاد: 1 / 323.
318
وهو لا يعلم ما يريد. وحج في السنة التي قتل فيها، فدخل على أم سلمة رضي
الله عنها، فقالت: من أنت؟ قال: أنا ميثم. قالت: والله لربما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يوصي بك عليا في جوف الليل. فسألها عن الحسين، قالت: هو في حائط (1) له.
قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن
شاء الله. فدعت له بطيب فطيبت لحيته، وقالت له: أما إنها ستخضب بدم.
فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فأدخل عليه فقيل: هذا كان من آثر
الناس عند علي. قال: ويحكم هذا الأعجمي؟! قيل له: نعم. قال له عبيد الله: أين
ربك؟ قال: بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة. قال: إنك على عجمتك لتبلغ
الذي تريد، ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر
عشرة، أنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة. قال: لنخالفنه.
قال: كيف تخالفه؟! فوالله ما أخبرني إلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله
تعالى، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هو
من الكوفة، وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام. فحبسه وحبس معه المختار بن
أبي عبيد، فقال ميثم التمار للمختار: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين فتقتل
هذا الذي يقتلنا. فلما دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى
عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاه، وأمر بميثم أن يصلب، فأخرج فقال له رجل
لقيه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسم وقال وهو يومئ إلى النخلة: لها خلقت
ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن
حريث. قال عمرو: قد كان والله يقول: إني مجاورك. فلما صلب أمر جاريته



(1) الحائط هاهنا البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار (النهاية: 1 / 462).
319
بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره (1)، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم،
فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد. فقال: ألجموه. فكان أول خلق الله ألجم
في الإسلام. وكان مقتل ميثم رحمة الله عليه قبل قدوم الحسين بن علي (عليه السلام) العراق
بعشرة أيام، فلما كان يوم الثالث من صلبه، طعن ميثم بالحربة، فكبر ثم انبعث في
آخر النهار فمه وأنفه دما (2).
6724 - رجال الكشي عن حمزة بن ميثم: خرج أبي إلى العمرة، فحدثني قال:
استأذنت على أم سلمة رحمة الله عليها، فضربت بيني وبينها خدرا، فقالت لي:
أنت ميثم؟ فقلت: أنا ميثم. فقالت: كثيرا ما رأيت الحسين بن علي، ابن فاطمة
صلوات الله عليهم يذكرك. قلت: فأين هو؟ قالت: خرج في غنم له آنفا. قلت:
أنا والله أكثر ذكره فاقرئيه السلام فإني مبادر. فقالت: يا جارية أخرجي فادهنيه،
فخرجت فدهنت لحيتي ببان. فقلت: أما والله لئن دهنتها لتخضبن فيكم بالدماء.
فخرجنا فإذا ابن عباس رحمة الله عليهما جالس، فقلت: يا ابن عباس سلني ما
شئت من تفسير القرآن، فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلمني
تأويله. فقال: يا جارية الدواة وقرطاسا، فأقبل يكتب. فقلت: يا بن عباس،
كيف بك إذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة.
فقال لي: وتكهن أيضا خرق الكتاب. فقلت: مه احتفظ بما سمعت مني فإن
يك ما أقول لك حقا أمسكته، وإن يك باطلا خرقته. قال: هو ذاك.
فقدم أبي علينا فما لبث يومين حتى أرسل عبيد الله بن زياد، فصلبه تاسع



(1) أجمرت الثوب وجمرته إذا بخرته بالطيب (النهاية: 1 / 293).
(2) الإرشاد: 1 / 323، إعلام الورى: 1 / 341؛ الإصابة: 6 / 249 / 8493 عن المؤيد بن النعمان،
شرح نهج البلاغة: 2 / 291 عن أحمد بن الحسن الميثمي نحوه وراجع الاختصاص: 76.
320
تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله
وقد أشار إليه بالحربة، وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قواما، ثم طعنه
في خاصرته فأجافه فاحتقن الدم فمكث يومين، ثم إنه في اليوم الثالث بعد
العصر قبل المغرب انبعث منخراه دما، فخضبت لحيته بالدماء (1).
6725 - خصائص الأئمة (عليهم السلام) عن ابن ميثم التمار: سمعت أبي يقول: دعاني
أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما فقال لي: يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله
بن زياد إلى البراءة مني؟ قلت: إذا والله أصبر، وذاك في الله قليل.
قال: يا ميثم، إذا تكون معي في درجتي.
وكان ميثم يمر بعريف قومه فيقول: يا فلان، كأني بك قد دعاك دعي بني أمية
وابن دعيها فيطلبني منك، فتقول هو بمكة، فيقول: لا أدري ما تقول، ولا بد لك
أن تأتي به، فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياما، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه
حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من
منخري دم عبيط. قال: وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها،
ويقول: يا نخلة ما غذيت إلا لي، وكان يقول لعمرو بن حريث: إذا جاورتك
فأحسن جواري، فكان عمرو يرى أنه يشتري عنده دارا أو ضيعة له بجنب
ضيعته، فكان عمرو يقول: سأفعل. فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى عريف
ميثم يطلبه منه، فأخبره أنه بمكة، فقال له: إن لم تأتني به لأقتلنك فأجله أجلا،
وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما، فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به
عبيد الله بن زياد، فلما أدخله عليه، قال له: ميثم؟ قال: نعم. قال: ابرأ من
أبي تراب. قال: لا أعرف أبا تراب. قال: ابرأ من علي بن أبي طالب. قال: فإن لم



(1) رجال الكشي: 1 / 294 / 136، بحار الأنوار: 42 / 128 / 11.
321
أفعل؟ قال: إذا والله أقتلك. قال: أما إنه قد كان يقال لي إنك ستقتلني، وتصلبني
على باب عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط.
قال: فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث. فقال للناس: سلوني،
سلوني - وهو مصلوب - قبل أن أموت، فوالله لأحدثنكم ببعض ما يكون من
الفتن، فلما سأله الناس وحدثهم، أتاه رسول من ابن زياد - لعنه الله - فألجمه
بلجام من شريط، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب، ثم أنفذ إليه من وجأ
جوفه حتى مات، فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (1).
6726 - رجال الكشي عن سدير عن أبيه أبي حكيم: اجتمعنا سبعة من التمارين
فاتعدنا لحمله فجئنا إليه ليلا والحراس يحرسونه، وقد أوقدوا النار فحالت بيننا
وبينهم، فاحتملناه بخشبته حتى انتهينا به إلى فيض من ماء في مراد فدفناه فيه،
ورمينا بخشبته في مراد في الخراب، وأصبح فبعث الخيل فلم يجد شيئا (2).
95
النعمان بن العجلان
6727 - الإصابة عن المبرد: أن علي بن أبي طالب استعمل النعمان هذا على
البحرين، فجعل يعطي كل من جاءه من بني زريق، فقال فيه الشاعر:
أرى فتنة قد ألهت الناس عنكم * فندلا زريق المال ندل الثعالب
فإن ابن عجلان الذي قد علمتم * يبدد مال الله فعل المناهب (3)
راجع: القسم السابع / هرب عدة من أصحاب الإمام إلى معاوية / النعمان بن العجلان.



(1) خصائص الأئمة (عليهم السلام): 54، رجال الكشي: 1 / 295 / 139 نحوه وفي صدره " يوسف بن عمران
الميثمي قال: سمعت ميثم النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: كيف أنت يا ميثم إذا... ".
(2) رجال الكشي: 1 / 295 / 138، بحار الأنوار: 42 / 129 / 12.
(3) الإصابة: 6 / 352.
322
96
نعيم بن دجاجة الأسدي
6728 - الإمام الصادق (عليه السلام): بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بشر بن عطارد التميمي في
كلام بلغه، فمر به رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بني أسد وأخذه، فقام إليه نعيم بن
دجاجة الأسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتوه به وأمر به أن يضرب،
فقال له نعيم: أما والله إن المقام معك لذل وإن فراقك لكفر.
قال: فلما سمع ذلك منه قال له: يا نعيم، قد عفونا عنك، إن الله عز وجل يقول:
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (1).
أما قولك: إن المقام معك لذل، فسيئة اكتسبتها، وأما قولك: إن فراقك لكفر،
فحسنة اكتسبتها، فهذه بهذه، ثم أمر أن يخلى عنه (2).
97
هاشم بن عتبة
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال، يكنى أبا عمرو، وهو ابن أخي سعد بن
أبي وقاص العارف السليم القلب، وأسد الحروب الباسل. كان من الفضلاء
الخيار وكان من الأبطال البهم (3) (4). من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكبار (5)، وكان



(1) المؤمنون: 96.
(2) الكافي: 7 / 268 / 40 عن ابن محبوب عن بعض أصحابه، رجال الكشي: 1 / 303 / 144 عن ابن
محبوب عن رجل، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 113 نحوه وراجع الأمالي للصدوق: 446 / 596.
(3) البهمة بالضم: الشجاع، وقيل: هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى له من شدة بأسه، والجمع بهم
(لسان العرب: 12 / 58).
(4) الاستيعاب: 4 / 107 / 2729.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 41، الاستيعاب: 4 / 107 / 2729، الطبقات لخليفة بن خياط: 214 / 831، ف
المستدرك على الصحيحين: 3 / 447 / 5690.
323
نصيرا وفيا للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)، ومن الشجعان الأبطال (2).
أسلم يوم الفتح. وذهبت إحدى عينيه في معركة اليرموك (3).
ثم سارع إلى نصرة عمه سعد بن أبي وقاص (4). وتولى قيادة الجيش في فتح
جلولاء (5). لقب بالمرقال لطريقته الخاصة في القتال وفي هجومه على العدو (6).
شهد معركة الجمل (7) وصفين (8). وإن ملاحمه، وخطبه في بيان عظمة الإمام
علي (عليه السلام)، وكشفه ضلال الأمويين وسيرتهم القبيحة، كلها كانت دليلا على عمق
تفكيره، ومعرفته الحق. وثباته عليه. دفع الإمام علي (عليه السلام) رايته العظمى إليه يوم



(1) رجال الطوسي: 84 / 852 وفيه " هشام بن عتبة بن أبي وقاص المرقال "؛ مروج الذهب: 2 / 387،
أسد الغابة: 5 / 353 / 5328.
(2) أسد الغابة: 5 / 353 / 5328، الإصابة: 6 / 404 / 8934، المعارف لابن قتيبة: 241، الاستيعاب:
4 / 107 / 2729.
(3) المستدرك على الصحيحين: 3 / 447 / 5693، الاستيعاب: 4 / 107 / 2729، تاريخ بغداد:
1 / 196 / 34، مروج الذهب: 2 / 387،.
(4) الاستيعاب: 4 / 107 / 2729، تاريخ بغداد: 1 / 196 / 34، الإصابة: 6 / 405 / 8934 وفيهما
" حضر مع عمه حرب الفرس بالقادسية ".
(5) الاستيعاب: 4 / 107 / 2729، أسد الغابة: 5 / 353 / 5328، الإصابة: 6 / 405 / 8934.
(6) رجال الطوسي: 84 / 852، وقعة صفين: 328؛ تاريخ الطبري: 5 / 44، مروج الذهب: 2 / 387،
الإصابة: 6 / 404 / 8934، وفي النهاية: 2 / 253 " الإرقال: ضرب من العدو فوق الخبب. يقال:
أرقلت الناقة ترقل إرقالا، فهي مرقل ومرقال. وأضاف في لسان العرب: 11 / 294 " ومرقال: كثيرة
الإرقال.... والمرقال: لقب هاشم بن عتبة الزهري؛ لأن عليا (عليه السلام) دفع إليه الراية يوم صفين فكان يرقل
بها إرقالا ".
(7) الجمل: 321؛ الاستيعاب: 4 / 108 / 2729.
(8) الاستيعاب: 4 / 108 / 2729؛ وقعة صفين: 154.
324
صفين (1). وتولى قيادة رجالة البصرة يومئذ (2). استشهد في صفين عند مقاتلته
كتيبة أموية بقيادة " ذو الكلاع " (3). وأثنى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على شجاعته
وشهامته وثباته وكياسته (4).
6729 - الاستيعاب عن أبي عمر: أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح، يعرف بالمرقال،
وكان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البهم، فقئت عينه يوم اليرموك، ثم
أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد، كتب إليه بذلك، فشهد
القادسية، وأبلى بها بلاء حسنا وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد، وكان سبب
الفتح على المسلمين. وكان بهمة من البهم فاضلا خيرا. وهو الذي افتتح
جلولاء، فعقد له سعد لواء ووجهه، وفتح الله عليه جلولاء ولم يشهدها سعد (5).
6730 - المستدرك على الصحيحين عن محمد بن عمر: كان [هاشم بن عتبة]
أعور، فقئت عينه يوم اليرموك (6).



(1) الأخبار الطوال: 183، المستدرك على الصحيحين: 3 / 447 / 5691، تاريخ الطبري: 5 / 11
وص 40، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 584، الاستيعاب: 4 / 108 / 2729؛ رجال الطوسي:
85 / 852 وفيه " كان صاحب رايته ليلة الهرير "، وقعة صفين: 205.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 11، المستدرك على الصحيحين: 3 / 447 / 5693، الاستيعاب:
4 / 108 / 2729 وليس فيهما " البصرة ".
(3) وقعة صفين: 348؛ مروج الذهب: 2 / 393، تاريخ الطبري: 5 / 41، تاريخ بغداد: 1 / 196 / 34،
الأخبار الطوال: 183.
(4) نهج البلاغة: الخطبة 68، الغارات: 1 / 301؛ تاريخ الطبري: 5 / 110، أنساب الأشراف:
3 / 173.
(5) الاستيعاب: 4 / 107 / 2729.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 447 / 5693، الاستيعاب: 4 / 107 / 2729، أسد الغابة:
5 / 353 / 5328، مروج الذهب: 2 / 387 نحوه.
325
6731 - الإصابة عن المرزباني: لما جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة، قال هاشم
لأبي موسى الأشعري: تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة علي. فقال: لا
تعجل. فوضع هاشم يده على الأخرى، فقال: هذه لعلي وهذه لي، وقد بايعت
عليا، وأنشد:
أبايع غير مكترث عليا * ولا أخشى أميرا أشعريا
أبايعه وأعلم أن سأرضي * بذاك الله حقا والنبيا (1)
6732 - الإمام علي (عليه السلام): وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة، ولو وليته إياها لما
خلى لهم العرصة، ولا أنهزهم الفرصة، بلا ذم لمحمد بن أبي بكر، ولقد كان إلي
حبيبا، وكان لي ربيبا (2).
6733 - عنه (عليه السلام): رحم الله محمدا، كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت أردت أن
أولي المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر، والله لو أنه وليها لما خلى لعمرو
بن العاص وأعوانه العرصة، ولما قتل إلا وسيفه في يده (3).
6734 - وقعة صفين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود: لما أراد علي المسير
إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى
عليه وقال: أما بعد، فإنكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق،
مبارك والفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم، فأشيروا علينا
برأيكم. فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله،
ثم قال: أما بعد، يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء،



(1) الإصابة: 6 / 405 / 8934.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 68؛ أنساب الأشراف: 3 / 173 نحوه.
(3) الغارات: 1 / 301 عن مالك بن الجون؛ تاريخ الطبري: 5 / 110 عن مالك بن الحور.
326
وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا،
مشاحة على الدنيا، وضنا بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة (1) غيرها إلا ما
يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان. كذبوا ليسوا بدمه يثأرون،
ولكن الدنيا يطلبون، فسر بنا إليهم، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا
الضلال، وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم. والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد
ممن يطاع إذا نهى، ولا يسمع إذا أمر (2).
6735 - وقعة صفين عن هاشم بن عتبة - في جواب استنفار علي (عليه السلام) قبل حرب
صفين -: سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين
نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله، فأحلوا حرامه
وحرموا حلاله، واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني، حتى
أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على
دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربنا.
وأنت يا أمير المؤمنين، أقرب الناس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحما، وأفضل الناس
سابقة وقدما. وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا. ولكن كتب عليهم
الشقاء، ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين. فأيدينا مبسوطة لك بالسمع
والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك جذلة (3) على من
خالفك وتولى الأمر دونك. والله ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت، وما
تحت السماء مما أظلت، وأني واليت عدوا لك، أو عاديت وليا لك.



(1) الإربة: الحاجة (مجمع البحرين: 1 / 37).
(2) وقعة صفين: 92.
(3) الجذل: الفرح (مجمع البحرين: 1 / 280).
327
فقال علي: اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك (صلى الله عليه وآله) (1).
98
هانئ بن هوذة النخعي
6736 - تاريخ خليفة بن خياط: استخلف [علي (عليه السلام)] حين سار إلى النهروان هانئ
ابن هوذة النخعي فلم يزل بالكوفة حتى قتل علي (2).
99
يزيد بن حجية
من أصحاب الإمام (عليه السلام) (3)، وشهد معه حروبه (4). وجعله الإمام (عليه السلام) أحد الشهود
في التحكيم (5). استعمله الإمام (عليه السلام) على الري (6) ودستبى (7) (8). لكنه انتهج الخيانة،



(1) وقعة صفين: 112.
(2) تاريخ خليفة بن خياط: 152؛ الغارات: 1 / 18 وفيه " استخلف علي (عليه السلام) حين سار إلى النهروان
رجلا من النخع يقال له: هانئ بن هوذة ".
(3) تاريخ دمشق: 65 / 147.
(4) الكامل في التاريخ: 2 / 367، الأخبار الموفقيات: 575 / 374.
(5) تاريخ الطبري: 5 / 54، الكامل في التاريخ: 2 / 389، تاريخ دمشق: 65 / 147 وفيه " كان أحد
الشهود في كتاب الصلح ".
(6) الري: مدينة من بلاد فارس، والنسبة إليها " الرازي " (تقويم البلدان: 421). وهي اليوم تعد إحدى
نواحي مدينة طهران وضواحيها.
(7) دستبى: كورة [بلدة] كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان؛ فقسم منها يسمى " دستبى الرازي "
وقسم منها يسمى " دستبى همذان " (معجم البلدان: 2 / 454).
(8) الغارات: 2 / 525؛ أنساب الأشراف: 3 / 215 و 216، الأخبار الموفقيات: 575 / 374، الكامل
في التاريخ: 2 / 367، تاريخ دمشق: 65 / 147، وفيهما " استعمله على الري ".
328
إذ نقل ابن الأثير أنه استحوذ على ثلاثين ألف درهم من بيت المال؛ وطالبه الإمام
بالنقص الحاصل في بيت المال، فأنكر ذلك، فجلده (1) وسجنه، ففر من السجن
والتحق بمعاوية (2). وشهد على حجر بن عدي حين أراد معاوية قتله (3).
100
يزيد بن قيس الأرحبي
اشترك في الثورة على عثمان (4)، وشهد الجمل (5) وصفين مع الإمام (عليه السلام). وكان
أحد الذين بعثهم الإمام (عليه السلام) إلى معاوية في حرب صفين (6). مال إلى الخوارج في
فتنتهم التي أوقدوا نارها، بيد أن الإمام (عليه السلام) فصله عنهم وولاه على إصفهان
والري (7). وكان مع الإمام (عليه السلام) في النهروان، واحتج الخوارج على ذلك (8). ولي
المدائن (9) وجوخا (10) مدة، (ويبدو أن ذلك كان في الفترة الواقعة بين الجمل



(1) الكامل في التاريخ: 2 / 367.
(2) الغارات: 2 / 525 - 528؛ أنساب الأشراف: 3 / 216، الكامل في التاريخ: 2 / 367،
الأخبار الموفقيات: 575 / 374 وليس فيه " حبسه "، تاريخ دمشق: 65 / 147.
(3) الغارات: 2 / 528؛ أنساب الأشراف: 5 / 268، تاريخ الطبري: 5 / 273.
(4) تاريخ الطبري: 4 / 331، أنساب الأشراف: 6 / 159.
(5) تاريخ الطبري: 4 / 488 وص 515، الكامل في التاريخ: 2 / 330.
(6) وقعة صفين: 197 و 198؛ تاريخ الطبري: 5 / 5 وص 17، الكامل في التاريخ: 2 / 367.
(7) تاريخ الطبري: 5 / 65، الكامل في التاريخ: 2 / 394.
(8) تاريخ الطبري: 5 / 86.
(9) المدائن: مدينة تقع على نهر دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها، وفيها إيوان كسرى.
فتحت في (14 ه‍) على يد المسلمين (راجع تقويم البلدان: 302).
(10) جوخا: اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد وهو بين خانقين وخوزستان (معجم البلدان: 2 / 179).
329
وصفين) (1). وبعد النهروان كان عامل الإمام (عليه السلام) على أصفهان (2)، وهمدان (3).
6737 - وقعة صفين عن يوسف وأبي روق: إن عليا حين قدم من البصرة إلى
الكوفة بعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن وجوخا كلها (4).
6738 - تاريخ اليعقوبي: كتب [علي (عليه السلام)] إلى يزيد بن قيس الأرحبي: أما بعد،
فإنك أبطأت بحمل خراجك، وما أدري ما الذي حملك على ذلك. غير أني
أوصيك بتقوى الله وأحذرك أن تحبط أجرك، وتبطل جهادك بخيانة المسلمين،
فاتق الله ونزه نفسك عن الحرام، ولا تجعل لي عليك سبيلا، فلا أجد بدا من
الإيقاع بك، وأعزز المسلمين ولا تظلم المعاهدين، وابتغ فيما آتاك الله الدار
الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك: (ولا تبغ الفساد
في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) (5) (6).



(1) وقعة صفين: 11؛ الأخبار الطوال: 153.
(2) رجال الطوسي: 86 / 863؛ تاريخ الطبري: 5 / 65 وص 86.
(3) رجال الطوسي: 86 / 863.
(4) وقعة صفين: 11؛ الأخبار الطوال: 153 وفيه " ثم استعمل على المدائن وجوخى كلها يزيد بن قيس
الأرحبي ".
(5) القصص: 77.
(6) تاريخ اليعقوبي: 2 / 200.
330
/ 1