موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 11) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 11) - نسخه متنی

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة المصطفى والعترة (ع)
المؤلف: الحاج حسين الشاكري
الجزء: 11
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1417
المطبعة: ستارة
الناشر: نشر الهادي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: ج 11 : موسوعة المصطفى والعترة ، الإمام موسى الكاظم (ع)
موسوعة
المصطفى والعترة
(11)
الكاظم موسى (عليه السلام)
كتاب، علمي، أدبي، تاريخي
يبحث في حياة النبي (ص) والعترة الطاهرة
تأليف
حسين الشاكري

1
جميع حقوق الطبع
محفوظة
للمؤلف
نشر الهادي - قم - خيابان صفائية - مقابل كوچه ورزشگاه
الكتاب: الكاظم موسى (عليه السلام)
تأليف: حسين الشاكري
الناشر: نشر الهادي
الطبعة: الأولى - 1417 ه‍. ق
المطبعة: ستاره
العدد: 1500 نسخة
الفلم والزنك: ليتوغرافي تيزهوش
عنوان المؤلف
الجمهورية الإسلامية الإيرانية / قم المقدسة
زنبيل آباد 30 مترى استانه بلاك 76 - كد 37166
هاتف: 26990 - 718771 / كد 0098251

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
الإهداء
سيدي أيها الإمام الزكي، زين العابدين، وسيد الساجدين،
أرفع لمقامك السيامي صحائف نور ومجد عن حياة حفيدك الغالي
حليف السجدة، وغزير العبرة، المغيب في قعر السجون وظلم المطامير
ذو الساق المرضوض بحلق القيود، العبد الصالح، والعابد الزاهد
والكاظم الصابر، الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهم أجمعين.
وهي صرخة مستغيث، وآهة مكبوت، ونفثة مصدور رمز مولاكم.
الذي يشاطركم الآلام لما أصابكم من ظلم واضطهاد، وعنت وعذاب.
عسى أن يخطى بالقبول من لدنكم، ليسع يوم الفزع الأكبر،
عند تطاير الصحف، ويوم يدعى كل أناس بإمامهم... فهو حسبي.
مولاكم
حسين الشاكري

5
المقدمة
لقد حفل عصر الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) بكثير من الأزمات
السياسية والأحداث الجسيمة، لا سيما الثورات المتسمة بالعنف وسفك الدماء،
وأبرز تلك الثورات: ثورة زيد بن علي، والثورة الهاشمية التي أطاحت بالحكم
الأموي، فقد اندفعت الشعوب الإسلامية بحماس بالغ إلى الثورة العارمة ضد الحكم
الأموي البغيض الذي جهد على إذلال الأمة الإسلامية وحرمانها من أبسط
حقوقها الشرعية، ومقومات حياتها الإنسانية، تحت شعار " الرضا من آل محمد "،
وقد استجابت له الشعوب كافة من كل حدب وصوب، وتعطشت القلوب للثأر
لكرامتها، والتخلص من ظلم وجود الأمويين، باعتقادهم أن آل محمد (صلى الله عليه وآله)
هم الركيزة الأولى لنيل الأهداف السامية التي ينشدها المجتمع الإسلامي لتطبيق
العدالة الاجتماعية وإشاعة الحرية والمساواة.
وما كان يظن أحد أن الثورة تحمل بين طياتها الدعوة لبني العباس، فإن هذه
الأسرة كانت خاملة الذكر، ولم يكن لها أي رصيد شعبي، أو عمل جدي يخدم
الإسلام والمسلمين.
وعلى أي حال، فقد انحرفت الثورة عن مسارها المخطط الذي رسم لها

7
في الأبواء، حين مبايعة محمد بن عبد الله بن الحسن ذي النفس الزكية بالخلافة،
وقد اتجهت إلى حمل بني العباس إلى سدة الحكم بقيادة أبي مسلم الخراساني باتفاق
سري مسبق " أمر دبر بليل "، والذي ثبت ركائز الحكم العباسي جيوش خراسان
وزحفها على بغداد ودمشق.
ولم يثبت الحكم العباسي إلا على بحور من الدماء، وجبال من جثث الضحايا
بما فيهم الأبرياء والعجزة والمرضى والشيوخ والأطفال.
كما أن الإجراءات التعسفية القاسية التي مارسها المنصور العباسي وسنها،
خاصة ضد أبناء عمه العلويين، تركت أعمق الأثر وأمضه في نفسي الإمامين
الصادق والكاظم (عليهما السلام) خاصة بعدما نكل المنصور بأبناء عمه الحسنيين أفظع
التنكيل وأشده، ومن خلفيات هذه الهجمة الشرسة ونتائجها، وامتدادا لظلم
السلف المتعسف وقعت المذبحة الرهيبة التي راح ضحيتها المئات من العلويين
في واقعة " فخ " قرب مكة. وكان في مقدمة الشهداء قائدهم الثائر الحسين بن علي
ابن الحسن في عهد موسى الهادي.
إن حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بجميع أبعادها تتميز بالصلابة في الحق،
والصمود أمام الأحداث الرهيبة بأسلوبها السلبي، وبالسلوك النير الواضح الذي
لم يؤثر فيه أي انحراف أو التواء أو إغراء أو إرهاب، وإنما كان متسما بالتوازن،
ومنسجما مع سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهديه، والتزامه بحرفية الإسلام.
وكان من بين تلك المظاهر الفذة التي تميزت بها شخصيته (عليه السلام) هو الصبر
على الأحداث الجسام، وتحمل المحن الشاقة التي لاقاها من طغاة عصره وحكام
زمانه، فقد أمعنوا في اضطهاده والتنكيل به، وقد حاول الحكام العباسيون،
لا سيما المهدي منهم والرشيد على قتل الإمام واغتياله عدة مرات وبأساليب مختلفة،

8
فعمد أخيرا هارون الرشيد إلى اعتقاله وزجه في ظلمات المطامير وزوايا السجون
بعدما أشخصه من مدينة جده إلى العراق، وحبسه في البصرة ثم في بغداد سنين
متمادية يعاني فيها الحرمان والاضطهاد والتعسف والآلام ويتجرع الغصص
والخطوب، ولم يؤثر عنه أنه أبدى أي تذمر أو شكوى، أو جزع مما ألم به،
وإنما كان العكس من ذلك، تراه يبدي شكره لخالقه، الذي طالما دعاه أن يفرغه
لعبادته، وانقطاعه لطاعته.
وإذا استعرضنا جانبا من حياة إمامنا المفدى (عليه السلام) فإننا نجد أنفسنا أمام
تراث زاخر ضخم، ونفس مشرق يفيض بالخير والجمال، يحمل العطاء السخي،
والتوجيه الصائب للأمة.
كما قام إمامنا الفذ (عليه السلام) بإدارة شؤون الجامعة العلمية بعد أبيه الإمام
الصادق (عليه السلام) التي أسسها بعد أبيه، والتي تعتبر أول مؤسسة ثقافية في الإسلام،
وأول معهد تخرجت عليه كوكبة من فطاحل العلماء، منهم أصحابه والرواة عنه
وتلاميذه، ومنهم أئمة المذاهب الإسلامية، وامتد إشعاعها إلى العصور الصاعدة،
وهي تحمل روح الإسلام وهديه.
أما عبادته وتهجده فقد أجمع المؤرخون والمترجمون له أنه كان من أعظم
الناس طاعة، وأكثرهم عبادة لله تعالى، فكانت له ثفنات كثفنات البعير في مواقع
سجوده من كثرة السجود، كما كانت لجده الإمام السجاد زين العابدين (عليه السلام)
من قبل، حتى لقب بذي الثفنات، وقد بهر أعداءه قبل مواليه، وبهر العقول بكثرة
علمه، وصبره وعبادته وتهجده حينما كان في السجن، فكان يصوم نهاره،
ويقوم ليله ساهرا في محراب عبادته لله.
وقد أدلى هارون الرشيد عندما شاهده في سجن الفضل بن الربيع بحديث

9
عن عبادته وتهجده، وعن مدى تجرده عن الدنيا، وإقباله على الله قائلا:
" لا شك إنه من رهبان بني هاشم "!!
ولما انتقل الإمام (عليه السلام) إلى سجن السندي بن شاهك بأمر هارون، وتعرفت
عليه أخت السندي تأثرت به فاعتنقت فكره ومذهبه، وكان من آثار ذلك
أن أصبح كشاجم حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.
فسيرته كانت تمتلك القلوب والمشاعر، وهي مفعمة بسمو المعاني، ومشحونة
بالنبل والزهد في الدنيا، والإقبال على الله سبحانه وتعالى.
وفي ذلك السجن الرهيب وبيد السندي لعنه الله سقي السم الناقع الذي أودى
بحياته واستشهاده، في حالة عبادته وتهجده.
ومن مظاهر شخصيته الكريمة، السخاء والجود، فقد كان من أندى الناس
كفا، وأكثرهم عطاء للمعوزين، وكانت صراره يضرب بها المثل، فكان الناس
يقولون: " عجبا لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي الفقر "!! وكان يصل الفقراء
والمحرومين في غلس الليل البهيم لئلا يعرفه أحد، وقد أنفق جميع ما يملك بسخاء
وطيبة نفس على الضعفاء والمنكوبين، وأنقذ الكثيرين من محنة الفقر ومرارة
الحرمان.
ومن تلك المشاكل التي حفل بها عصر الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)
الحركات الفكرية الهدامة كالزندقة والغلو وغيرها، فقد كانت تستهدف القضاء
على الإسلام، وتقويض دعائمه، وقد امتدت هذه الظاهرة إلى كثير من الأقطار
الإسلامية.
فقد تصدى لها الإمام (عليه السلام) بكل إمكاناته، كما تصدى أبوه الصادق (عليه السلام)
من قبل، وأبرز علمه وحججه في مناظراته مع حملة أفكار الغلو والإلحاد

10
وغيرهما من الأفكار الهدامة الأخرى التي داهمت العالم الإسلامي في ذلك العصر، فدعت
إلى تفكيك عرى المسلمين وروابطهم الاجتماعية، وتضليل الرأي العام في كثير من
جوانبه الاجتماعية والعقائدية، وقد بادر الإمام الكاظم وأبوه الإمام الصادق (عليهما السلام)
من قبل إلى إيقاظ المسلمين وتحذيرهم منها.
وليس في ميادين الخدمة الدينية والاجتماعية ما هو أعم نفعا وأكثر عائدة
على المسلمين من نشر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وعرض سيرتهم وشؤون حياتهم،
فإنها تمد المجتمع بما يحتاجه من مقومات النهوض الإنساني والارتقاء العلمي،
وما أحوجنا في هذا العصر إلى التمسك بالقيم الفاضلة ومنهاج أهل البيت السليم،
الذي هو امتداد لمنهج السماء الهادف إلى العبودية ونكران الذات والتضحية في سبيل
رفع كلمة الله سبحانه وتعالى في الأرض، والانطلاق نحو العمل المثمر البناء.
وأما سياسته (عليه السلام) مع حكام زمانه، فكانت المقاطعة والسلبية تمثلان منهاجه
القويم، لعلمه بأن المقاومة الإيجابية لا تجدي نفعا في التغلب على الحكم القائم
وحتمية فشل الثورة، كما قام بها أولاد عمه الحسنيين، وبإعلانه السلبية حرم (عليه السلام)
أي تعامل مع الحكم القائم، والاتصال بالجهاز الحاكم، حتى حرم على أصحابه
أن يبري قلم لأحدهم، وحرم الترافع إلى مجالس قضائهم، حسبما دونه فقهاء
الإمامية في كتب القضاء، وهي طريقة مجدية ذات أثر بالغ في تحقيق الأهداف
السليمة التي ينشدها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والتي مارسها الإمام موسى الكاظم
ومن قبله أبيه الإمام الصادق (عليهما السلام)، وما حديثه مع صفوان الجمال وتحريم إكراء
جماله لهارون الرشيد حتى لحج بيت الله الحرام إلا أدل شاهد على ذلك، وسنذكر
ذلك بالتفصيل في فصول هذا الكتاب.
هذه كلمة عابرة قدمتها مفتتحا بها كتاب الإمام الفذ السابع من أئمة

11
أهل البيت (عليهم السلام)، (الكاظم موسى) عليه وعلى آبائه وأبنائه أفضل التحية
والسلام، آملا منه سبحانه وتعالى التفضل بالقبول، وأن يجعله ذخرا لنا في يوم
عز فيه الشافع وعدم الناصر إلا رحمة الله سبحانه وتعالى، وشفاعة رسوله وأهل
بيته الطاهرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على رسوله وأهل بيته الطاهرين.
حسين الشاكري
دار الهجرة - قم المشرفة
الفاتح من شهر الصيام عام 1417 ه‍

12
الفصل الأول
شذرات من ملامح شخصيته (عليه السلام)
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) غني عن التعريف، يتجلى مجدا
كالشمس في رابعة النهار، ورث المجد كابرا عن كابر، حتى انتهى مجده إلى الإمام
أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب، وجدته فاطمة الزهراء (عليهم السلام).
وهو النجم السابع من مشكاة الرسالة وسليل النبوة، ووليد الشرف الرفيع،
إمام المسلمين، وأستاذ العلماء والفقهاء، وسيد الطالبيين في عصره بعد أبيه
من غير منازع.
نسبه (عليه السلام):
هو موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي
زين العابدين، بن الحسين الشهيد، بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). سابع أئمة أهل البيت
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
أمه (عليه السلام):
فأما أمه فاسمها حميدة البربرية ابنة صاعد (1)، تلقب ب‍ (المصفاة)،



(1) دلائل الإمامة: 146. تأريخ الأئمة: 25. الكافي 1: 397. الهداية الكبرى: 263.
عيون المعجزات: 95.
13
ويروى أنها أندلسية تعرف ب‍ (لؤلؤة) (1)، اشتراها الإمام الباقر (عليه السلام) وأهداها
لولده الإمام الصادق (عليه السلام) فأولدها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، وفي رواية
أن الإمام الصادق (عليه السلام) لقبها ب‍ (المصفاة)، فقال: حميدة مصفاة من الأدناس
كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إلي كرامة من الله لي
وللحجة من بعدي (2). وقد اعتنى أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) بتربيتها وتعليمها
وتثقيفها حتى صارت عالمة فقيهة ومربية فاضلة، ثم عهد إليها بتعليم النساء
وإرشادهن إلى أحكام الإسلام وسننه وعقيدته ومفاهيمه وأخلاقه.
روى الشيخ الكليني والقطب الراوندي وغيرهما، عن عيسى بن
عبد الرحمن، عن أبيه، قال: دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر
الباقر (عليه السلام)، وكان أبو عبد الله الصادق قائما عنده، فقال لأبي جعفر (عليه السلام): لأي شيء
لا تزوج أبا عبد الله (عليه السلام)، فقد أدرك التزويج؟ قال - وبين يديه صرة مختومة -:
أما إنه سيجيء نخاس من أهل بربر، فينزل في دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة
جارية.
قال: فأتى لذلك ما أتى، فدخلنا يوما على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال:
ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاشتروا بهذه الصرة منه
جارية.
قال: فأتينا النخاس، فقال: قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين،
إحداهما أمثل من الأخرى (3). قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما. فأخرجهما، فقلنا:



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 323. تذكرة الخواص: 348. الفصول المهمة: 232.
(2) دلائل الإمامة: 147. بحار الأنوار 48: 6، الحديث 7. الكافي 1: 477، الحديث 2.
(3) أي أمثل إلى الشفاء، يقال: تماثل العليل: قارب البرء.
14
بكم تبيعنا هذه الجارية المتماثلة؟ قال: بسبعين دينارا. قلنا: أحسن. قال:
لا أنقص من سبعين دينارا. قلنا له: نشتريها منك بهذه الصرة (1) ما بلغت،
وما ندري ما فيها. وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية، فقال: فكوا الخاتم
وزنوا. فقال النخاس: لا تفكوا، فإنها إن تنقص حبة من سبعين دينارا، لم أبايعكم.
فقال الشيخ: زنوا. ففككنا الخاتم ووزنا الدنانير، فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد
ولا تنقص.
فأخذنا الجارية، فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام)، وجعفر قائم عنده،
فأخبرنا أبا جعفر (عليه السلام) بما كان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت:
حميدة، فقال (عليه السلام): حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة؛ أخبريني عنك، أبكر
أم ثيب؟ قالت: بكر. قال: كيف ولا يقع في يد النخاسين شيء إلا أفسدوه؟
فقالت: كان مولاي إذا أراد أن يقرب مني (2) يسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس
واللحية فيلطمه فيتركني. فقال (عليه السلام): يا جعفر، خذها إليك. فولدت خير أهل
الأرض موسى بن جعفر (عليه السلام) (3).
وروى نحوه المسعودي في " إثبات الوصية "، والطبري في " دلائل
الإمامة " (4).



(1) في رواية الطبري (في الدلائل: 147): فأخرجت الصرة إليه، فقال النخاس: لا إله
إلا الله، رأيت البارحة في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ابتاع مني هذه الجارية بهذه الصرة بعينها.
(2) هذه العبارة وفق رواية الطبري في الدلائل: 147.
(3) الكافي 1: 397، الحديث 1. الخرائج والجرائح 1: 286، الحديث 20. البحار 48: 5،
الحديث 5.
(4) إثبات الوصية: 160. دلائل الإمامة: 147.
15
روى ابن بابويه بالإسناد عن سليمان بن حفص، قال: وأمه (عليه السلام) هي
أم أخويه إسحاق ومحمد ابني جعفر (عليه السلام) (1).
ولادته (عليه السلام):
ولد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في الأبواء (2)، البلد الذي توفيت فيه جدته
آمنة بنت وهب أم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وهو موضع بين مكة ويثرب، في ملك
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، آخر ملوك بني أمية المعروف
ب‍ (مروان الحمار). وكانت ولادته (عليه السلام) يوم الأحد السابع من صفر سنة 128 ه‍
على أصح الروايات (3).
وفي " وفيات الأعيان ": كانت ولادته يوم الثلاثاء قبل طلوع الفجر
سنة 129 ه‍ (4).
وحين بشر الصادق (عليه السلام) بولادته خف لاستقبال وليده الجديد يملأه الفرح
والسرور، وهالة من الحب والحنان الأبوي الكريم. روي عن أبي بصير قال:



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 85، الحديث 7، عنه البحار 48: 228، الحديث 30.
(2) قال ياقوت (في معجم البلدان 1: 79): الأبواء، قرية من أعمال الفرع من المدينة
بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا.
(3) أنظر الكافي 1: 397. الإرشاد 2: 215. تأريخ بغداد 12: 27. روضة الواعظين 1: 221.
إعلام الورى: 294. تأريخ الأئمة: 11. تاج المواليد: 122. تأريخ مواليد الأئمة ووفياتهم:
188. المناقب 4: 323. صفة الصفوة 2: 187. سير أعلام النبلاء 6: 270. الفصول المهمة:
232. نور الأبصار: 301.
(4) وفيات الأعيان 5: 310.
16
كنت عند أبي عبد الله في السنة التي ولد فيها ابنه موسى بن جعفر، فلما نزلنا
الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله الغداء، وأكثره وأطاب، فبينا نحن نتغدى معه إذ أتاه
الرسول: أن حميدة قد أخذها الطلق، فقام فرحا مسرورا، ومضى فلم يلبث أن عاد
إلينا حاسرا عن ذراعيه، ضاحكا مستبشرا، فقلنا: أضحك الله سنك، وأقر عينك،
ما صنعت حميدة؟
فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير أهل زمانه، ولقد خبرتني أمه عنه
بما كنت أعلم به منها.
فقلت: جعلت فداك، وما الذي خبرتك به عنه؟ فقال: ذكرت أنه لما خرج
من أحشائها وقع إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، قد اتقى الأرض بيده،
يشهد أن لا إله إلا الله. فقلت لها: إن ذلك أمارة رسول الله وأمارة الأئمة من
بعده (1).
فسماه أبوه (عليه السلام) موسى، ولم يقم بعد ولادته (عليه السلام) في الأبواء طويلا، بل عاد
إلى يثرب.
وعلى عادة الأمجاد من العرب في استقبال مواليدهم، فقد صنع الصادق (عليه السلام)
وليمة، ودعا الناس إليها احتفاء بالمولود السعيد، فأطعم ضيوفه ثلاثة أيام.
روى البرقي في " المحاسن " عن منهال القصاب، قال: خرجت إلى مكة
وأنا أريد المدينة، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله (عليه السلام)، فسبقته إلى المدينة،
ودخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا



(1) المحاسن 2: 314، الحديث 32. بصائر الدرجات: 460، الحديث 4. الكافي 1: 316،
الحديث 1. عيون المعجزات: 95. دلائل الإمامة: 145.
17
إلى الغد حتى أعود فآكل، فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتى أرتفق (1)، ثم لا أطعم شيئا
إلى الغد (2).
وهكذا توافد على الإمام (عليه السلام) أعداد كبيرة يهنئونه بمولوده الكريم المبارك،
وهم لا يكتمون مشاعر الحب الفياض لاستقبال المولود المبارك الكريم، وذلك
لما رأوا على أبيه (عليه السلام) من علامات الغبطة والسرور، ولأنهم رأوه قد صنع به
ما لم يصنع بغيره من إخوته.
روى الشيخ المفيد والطبرسي بالإسناد عن يعقوب السراج، قال: دخلت
على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد،
فجعل يساره طويلا، فجلست حتى فرغ فقمت إليه، فقال لي: أدن إلى مولاك
فسلم عليه، فدنوت فسلمت عليه (3).
كنيته (عليه السلام):
قال الشيخ المفيد: كان يكنى أبا إبراهيم، وأبا الحسن، وأبا علي (4).
وفي " مطالب السؤول ": كنيته أبو الحسن، وقيل: أبو إسماعيل (5).



(1) ارتفق: امتلأ، أو اتكأ على مرفق يده، وقيل: على المخدة.
(2) المحاسن 2: 418، الحديث 187. الوسائل 15: 133، الحديث 1. البحار 48: 4،
الحديث 4.
(3) الإرشاد 2: 219. إعلام الورى: 299.
(4) الإرشاد 2: 215.
(5) مطالب السؤول: 83.
18
وفي " مناقب ابن شهرآشوب ": كنيته أبو الحسن الأول، وأبو الحسن
الماضي، وأبو إبراهيم، وأبو علي (1).
واكتفى الطبري في " الدلائل " على أبي الحسن وأبي إبراهيم، وقال:
الثاني أثبت، لأنه قال (عليه السلام): منحني أبي كنيتين (2).
ألقابه (عليه السلام):
لقد عرف (عليه السلام) بألقاب كثيرة وردت في مصادر ترجمته وفي أسانيد
الروايات، وذلك دليل على شدة مراقبة السلطة له (عليه السلام) ولأصحابه ولمن يروي عنه،
لذلك أخذ الأصحاب رضوان الله عليهم يكنون عنه بألقاب مختلفة مستقاة
من صفات نفسه الكريمة وشمائله الفريدة، كالعبد الصالح، والعالم، والأمين،
والصابر، والوفي، وراهب بني هاشم، ومنقذ الفقراء، وأسخى العرب، وأعبد
أهل زمانه، وأفقه الثقلين، ومطعم المساكين، وزين المجتهدين، وحليف كتاب الله،
والنفس الزكية (3)، وغيرها.
وأشهر ألقابه (عليه السلام): الكاظم، قال ابن شهرآشوب (رحمه الله): سمي الكاظم لما كظم
من الغيظ وغض بصره عما فعله الظالمون به حتى مضى قتيلا في حبسهم (4).



(1) المناقب 4: 323.
(2) دلائل الإمامة: 146.
(3) أنظر: تأريخ الأئمة: 28. روضة الواعظين: 212. تاج المواليد: 121. المناقب 4: 323.
الهداية الكبرى: 263. دلائل الإمامة: 146. التتمة في تواريخ الأئمة: 105.
(4) المناقب 4: 323.
19
وقال ابن الأثير: كان يلقب بالكاظم لأنه كان يحسن إلى من يسيء إليه،
وكان هذا عادته أبدا (1).
وقال ابن حجر وابن الصبان: سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه (2).
وقال سبط ابن الجوزي: كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده
وقيامه بالليل (3).
نقش خاتمه (عليه السلام):
روى الصدوق بسنده عن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، قال: كان
نقش خاتم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): حسبي الله. قال: وبسط الرضا (عليه السلام)
كفه وخاتم أبيه (عليه السلام) في إصبعه حتى أراني النقش (4).
وروى الكليني بسنده عن البزنطي، عن الرضا (عليه السلام)، قال: كان نقش خاتم
أبي الحسن (عليه السلام): حسبي الله، وفيه وردة وهلال في أعلاه (5).
وفي " الفصول المهمة " و " نور الأبصار ": نقش خاتمه (عليه السلام): الملك لله
وحده (6).



(1) الكامل في التأريخ 6: 164.
(2) الصواعق المحرقة: 121. إسعاف الراغبين: 246.
(3) صفة الصفوة 2: 184.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 59، الحديث 206. أمالي الصدوق: 371، الحديث 5.
بحار الأنوار 48: 10، الحديث 3.
(5) الكافي 6: 473، الحديث 4. بحار الأنوار 48: 10، الحديث 4.
(6) الفصول المهمة: 232. نور الأبصار: 164. بحار الأنوار 48: 11، الحديث 9.
20
شاعره (عليه السلام):
السيد الحميري (1). والظاهر من الخبر الذي نقله الكشي في " الرجال "
عن درست بن أبي منصور، أن الكميت بن زيد (رحمه الله) كان ممن يتردد على
الإمام (عليه السلام) (2).
مدة عمره (عليه السلام):
صار (عليه السلام) إلى كرامة الله تعالى وقد كمل عمره خمسا وخمسين سنة، عشرون
منها مع أبيه (عليه السلام)، وخمس وثلاثون بعده، وهي مدة إمامته (3). وقيل: قبض
وهو ابن أربع وخمسين سنة (4)، وهو مبني على الخلاف المتقدم في سنة ولادته.
واستشهد (عليه السلام) في حبس السندي بن شاهك ببغداد سنة 183 ه‍. وسيأتي تفصيل
ذلك في بحث وفاته (عليه السلام).
بوابه (عليه السلام):
محمد بن المفضل (5). وفي المناقب: بابه المفضل بن عمر (6).



(1) الفصول المهمة: 232.
(2) رجال الكشي: 207، الرقم 364.
(3) إعلام الورى: 294. مناقب ابن شهرآشوب 4: 324. الفصول المهمة: 241. روضة
الواعظين: 221.
(4) الكافي 1: 405. تأريخ الأئمة: 11. روضة الواعظين: 221. مناقب ابن شهرآشوب 4: 324.
(5) دلائل الإمامة: 147. الفصول المهمة: 232. مصباح الكفعمي: 523. نور الأبصار:
164. تأريخ أهل البيت: 148.
(6) المناقب لابن شهرآشوب 4: 325.
21
أولاده (عليه السلام):
كان لأبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى، منهم:
علي الرضا (عليه السلام)، وإبراهيم، والعباس، والقاسم، لأمهات أولاد.
وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسين، لأم ولد.
وأحمد، ومحمد، وحمزة، لأم ولد.
وعبد الله، وإسحاق، وعبيد الله، وزيد، والحسن، والفضل، وسليمان،
لأمهات أولاد.
وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، وحكيمة، وأم أبيها، ورقية
الصغرى، وكلثم، وأم جعفر، ولبابة، وزينب، وخديجة، وعلية، وآمنة، وحسنة،
وبريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم، لأمهات أولاد.
وقد وقع خلاف في العدد والأسماء (1)، ويظهر من كتب النسب أن له (عليه السلام):
إبراهيم الأصغر - وهو المجاب -، وإبراهيم الأكبر - الذي ظهر باليمن -.
في سيرة بعض أولاده (عليه السلام):
1 - الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
وهو الإمام بعد أبيه (عليه السلام)، لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته، وظهور علمه



(1) أنظر: تأريخ مواليد الأئمة: 190. كشف الغمة 3: 6. دلائل الإمامة: 149.
الفصول المهمة: 241. نور الأبصار: 167. إعلام الورى: 312. تذكرة الخواص: 351.
كفاية الطالب: 457. عمدة الطالب: 196.
22
وحلمه، وورعه واجتهاده، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به
منه، وبنص أبيه على إمامته (عليه السلام) من بعده، وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته
وأهل بيته.
2 - أحمد بن موسى (عليه السلام):
وهو المعروف بشاه جراغ، صاحب المزار المعروف ببلدة شيراز، ويظهر
أنه كان محدثا جليلا وعالما نبيلا، فقد روى في الكافي عن عمه علي بن جعفر (عليه السلام)،
وروى عنه أحمد بن أبي عبد الله (1).
قال الشيخ المفيد: كان كريما جليلا ورعا، وكان أبو الحسن موسى (عليه السلام)
يحبه ويقدمه، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة، ويقال: إن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)
أعتق ألف مملوك (2).
3 - إبراهيم الأكبر:
أمه أم ولد نوبية اسمها نجية، وسيأتي خبرها في زوجاته (عليه السلام).
قال أبو نصر البخاري: إبراهيم بن موسى الأكبر، وقفوا في عقبه، وأكثرهم
على أنه لم يعقب، وباليمن وغيره عدة من المنتسبين إليه، وهو إبراهيم الأكبر
الخارج باليمن أيام المأمون، أحد أئمة الزيدية (3).
وقال أبو الفرج الإصفهاني: وعقد أبو السرايا لإبراهيم بن موسى بن جعفر
(عليه السلام) على اليمن، فأذعن له أهل اليمن بالطاعة بعد وقعة كانت بينهم يسيرة المدة (4).



(1) الكافي 4: 406، كتاب الحج، باب المزاحمة على الحجر الأسود.
(2) الإرشاد 2: 244.
(3) سر السلسلة العلوية: 37.
(4) مقاتل الطالبيين: 355.
23
وقال الشيخ المفيد: كان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما، وتقلد الإمرة
على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة، ومضى إليها ففتحها وأقام بها
مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان، فأخذ له الأمان من المأمون (1).
4 - إبراهيم الأصغر:
وهو المشهور بإبراهيم المجاب، المدفون بالحائر الحسيني، وهو جد السيدين
الجليلين الشريفين: السيد المرتضى والسيد الرضي رضوان الله عليهما.
قال أبو عبد الله بن طباطبا: أعقب إبراهيم من ثلاثة: موسى وجعفر
وإسماعيل.
وقال أبو نصر البخاري، لا يصح لإبراهيم بن موسى الكاظم (عليه السلام) عقب
إلا من موسى بن إبراهيم وجعفر بن إبراهيم، وكل من انتسب إليه من غيرهما
فهو مدع كذاب (2).
5 - محمد بن موسى (عليه السلام):
وكان من أهل الفضل والصلاح، روى الشيخ المفيد عن الحسن بن محمد
ابن يحيى، عن جده، قال: حدثتني هاشمية مولاة رقية بنت موسى، قالت:
كان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة، وكان ليله كله يتوضأ ويصلي فيسمع
سكب الماء، ثم يصلي ليلا، ثم يهدأ ساعة فيرقد، ويقوم فيسمع سكب الماء
والوضوء، ثم يصلي ليلا، ثم يرقد سويعة، ثم يقوم فيسمع سكب الماء والوضوء،



(1) الإرشاد 2: 245.
(2) عمدة الطالب: 202.
24
ثم يصلي، ولا يزال ليله كذلك حتى يصبح، وما رأيته إلا ذكرت قول الله عز وجل:
(كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) (1).
6 - زيد النار بن موسى الكاظم (عليه السلام):
وهو الخارج بالبصرة أيام الأمين والمأمون، قال ابن عنبة: زيد النار
ابن موسى الكاظم (عليه السلام)، عقد له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) أيام أبي السرايا على الأهواز، ولما دخل البصرة وغلب
عليها، أحرق دور بني العباس، وأضرم النار في نخيلهم وجميع أسبابهم، فقيل له:
زيد النار، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به، وأرسله إلى مرو مقيدا، فأرسله
المأمون إلى أخيه علي الرضا (عليه السلام)، ووهب له جرمه (2).
قال أبو نصر البخاري: سأل الرضا (عليه السلام) في أمره، فعفا عنه المأمون، ثم سقاه
السم وقتله، وقبره بمرو (3).
وقال الشيخ العمري وغيره: أعقب زيد النار بن موسى الكاظم (عليه السلام)
من أربعة رجال: الحسن ولده بالمغرب والقيروان، والحسين المحدث، وجعفر،
وموسى الأصم (4).
7 - إسماعيل بن موسى (عليه السلام):
قال النجاشي: سكن مصر وولده بها، وله كتب يرويها عن أبيه عن



(1) الذاريات: 17. الإرشاد 2: 245.
(2) عمدة الطالب: 221.
(3) سر السلسلة العلوية: 37.
(4) عمدة الطالب: 221.
25
آبائه (عليهم السلام)، منها: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم،
كتاب الحج، كتاب الجنائز، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب الحدود، كتاب
الدعاء، كتاب السنن والآداب، كتاب الرؤيا (1).
8 - القاسم بن موسى (عليه السلام):
وكان أبوه (عليه السلام) يحبه كثيرا ويرأف عليه، ففي حديث يزيد بن سليط،
قال (عليه السلام): لو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه،
ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء (2).
وقبره في شوشة، كما في " معجم البلدان "، قال ياقوت: شوشة قرية
بأرض بابل أسفل من حلة بني مزيد، بها قبر القاسم بن موسى الكاظم بن جعفر
الصادق (عليه السلام)، وبالقرب منها قبر ذي الكفل، وهو حزقيل (3).
والمراد منه مزار القاسم المعروف عند الهاشمية قرب الحلة، وعنده مزار حمزة
ابن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، ولعله القاسم بن العباس بن موسى الكاظم (عليه السلام)، لا القاسم
ابن موسى بن جعفر (عليه السلام) (4).
روما للاختصار اكتفينا بهذا القدر.



(1) رجال النجاشي: 21.
(2) الكافي 1: 251، الباب 72، الحديث 14.
(3) معروفة اليوم بمدينة القاسم، وهي واقعة بين الحلة والديوانية، أما قبر النبي ذي الكفل بلدة
معروفة باسمه اليوم بين الحلة والكوفة.
(4) أنظر عمدة الطالب: 229.
26
المعقبون من أولاده (عليه السلام):
في " عمدة الطالب " عن النقيب تاج الدين، قال: أعقب الكاظم (عليه السلام)
من ثلاثة عشر ولدا رجلا، منهم أربعة مكثرون، وهم: علي الرضا (1)، وإبراهيم
المرتضى، ومحمد العابد، وجعفر. وأربعة متوسطون، وهم: زيد النار، وعبد الله،
وعبيد الله، وحمزة. وخمسة مقلون، وهم: العباس، وهارون، وإسحاق، والحسن،
والحسين.
قال: وقد كان للحسين بن الكاظم (عليه السلام) عقب في قول الشيخ أبي الحسن
العمري، ثم انقرض (2).
وقال أبو نصر البخاري: الخلص من الموسوية الذين لم يشك فيهم أحد
من النساب: الإمام علي الرضا (عليه السلام)، وإبراهيم المجاب - أي الأصغر -، والعباس،
وإسماعيل، ومحمد، وعبد الله، وعبيد الله، وجعفر، وإسحاق، وحمزة، هؤلاء لا يشك
في أولادهم أحد من علماء النسب (3).
أحوال السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام):
الولادة والوفاة:
نقل عن كتاب " نزهة الأبرار في نسب أولاد الأئمة الأطهار " وكتاب



(1) المعروف أن الإمام الجواد هو الولد الوحيد للإمام علي الرضا (عليه السلام).
(2) عمدة الطالب: 196. بحار الأنوار 48: 289، الحديث 8.
(3) سر السلسلة العلوية: 36.
27
" لواقح الأنوار في طبقات الأخبار ": أن ولادة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليها السلام)
في المدينة المنورة غرة ذي القعدة الحرام سنة 183 ه‍ بعد الهجرة النبوية، وتوفيت
في العاشر من ربيع الثاني في سنة إحدى ومائتين في بلدة قم (1).
وفي رواية: أن ولادتها كانت سنة 179 ه‍.
والظاهر عدم دقة تأريخ الولادة، حيث إن سنة 183 ه‍ هي سنة شهادة الإمام
موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد كان فيها رهين سجون الظالمين.
في سبب خروجها من المدينة ووفاتها:
قال الحسن بن محمد القمي: أخبرني مشايخ قم عن آبائهم: أنه لما أخرج
المأمون الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة،
خرجت فاطمة أخته تقصده في سنة 201 ه‍، فلما وصلت إلى ساوة مرضت،
فسألت: كم بينها وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ، فقالت: احملوني إليها،
فحملوها إلى قم، وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري.
قال: وفي أصح الروايات أنه لما وصل خبرها إلى قم، استقبلها أشراف قم،
وتقدمهم موسى بن خزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى منزله،
وكانت في داره سبعة عشر يوما، ثم توفيت رضوان الله عليها، فأمر موسى بتغسيلها
وتكفينها وصلى عليها ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها، وبنى عليها
سقيفة من البواري، إلى أن بنت زينب بنت محمد بن علي الجواد (عليه السلام) عليها قبة (2).
وروى الحسن بن محمد القمي، بإسناده عن محمد بن الحسن بن أحمد



(1) عوالم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): 328.
(2) تأريخ قم: 213. البحار 48: 290، الحديث 2، و 60: 219.
28
ابن الوليد: أنه لما توفيت فاطمة رضوان الله عليها وغسلت وكفنت، حملوها
إلى مقبرة بابلان، ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد في من ينزلها
إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له قادر، فلما بعثوا
إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما اللثام، فلما قربا من الجنازة نزلا
وصليا عليها، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه، ثم خرجا ولم يكلما
أحدا وركبا وذهبا ولم يدر أحد من هما.
وقال: المحراب الذي كانت فاطمة رضوان الله عليها تصلي فيه موجود
إلى الآن في دار موسى بن خزرج ويزوره الناس (1).
قال المؤلف: ولا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمه الناس للصلاة
والدعاء والتبرك، وهو الآن في مسجد عامر في شارع جهار مردان بقم المقدسة،
وقد جددت عمارته أخيرا بشكل يناسب مقام السيدة فاطمة المعصومة رضوان الله
عليها. وقد زرت حجرتها ومحرابها عدة مرات.
مشهدها رضوان الله عليها:
يعد مشهد السيدة فاطمة المعصومة رضوان الله عليها في مدينة قم اليوم
من المشاهد المشهورة في عالمنا الإسلامي، وهو مبني على طراز إسلامي رائع،
ويقصده محبو أهل البيت (عليهم السلام) من مختلف ديار الإسلام للزيارة والتوسل والدعاء،
وببركة السيدة فاطمة المعصومة رضوان الله عليها تعج المدينة المقدسة قم بأعداد
غفيرة من طلبة العلم، يختلفون إلى عشرات المدارس الدينية وفي مراحل مختلفة
ومن أقطار شتى، فهي اليوم جامعة علمية ودينية يتخرج منها آلاف الطلبة
كل عام، حتى أصبحت مدينة قم مدينة العلم والاجتهاد.



(1) تأريخ قم: 213. البحار 48: 290، الحديث 9، و 60: 219.
29
فضل زيارتها رضوان الله عليها:
1 - روى ابن قولويه والشيخ الصدوق بالإسناد عن سعد بن سعد، قال:
سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال:
من زارها فله الجنة (1).
2 - وروى ابن قولويه بالإسناد عن العمركي، عمن ذكره، عن
ابن الرضا (عليه السلام)، قال: من زار قبر عمتي بقم فله الجنة (2).
3 - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد، عن علي بن موسى
الرضا (عليه السلام)، قال: يا سعد، عندكم لنا قبر. قلت له: جعلت فداك، قبر فاطمة
بنت موسى (عليه السلام). قال: نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة (3).
4 - روى الحسن بن محمد القمي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إن لله
حرما وهو مكة، وإن للرسول (صلى الله عليه وآله) حرما وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام)
حرما وهو الكوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي
تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة (4).
المدفونات في مشهدها:
قال الحسن بن محمد القمي: ثم ماتت أم محمد بنت موسى بن محمد بن علي
الرضا (عليه السلام) فدفنوها في جنب فاطمة (عليها السلام)، ثم توفيت ميمونة أختها فدفنوها هناك



(1) ثواب الأعمال: 124، الحديث 1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 267، الحديث 1. كامل
الزيارات: 324، الحديث 1.
(2) كامل الزيارات: 324، الحديث 2.
(3) البحار 102: 265، الحديث 4. مستدرك الوسائل 2: 227، الحديث 3.
(4) تأريخ قم: 214. عنه البحار 60: 216، الحديث 41.
30
أيضا، وبنوا عليهما قبة متصلة بقبة فاطمة (عليها السلام).
وفي هاتين القبتين ستة قبور، هي:
في القبة الأولى قبر السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، وقبر أم محمد
بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام)، وقبر أم إسحاق جارية محمد بن موسى.
وفي القبة الثانية قبر أم حبيب جارية أبي علي محمد بن أحمد بن موسى
ابن محمد بن الرضا (عليه السلام) وهي أم أم كلثوم بنت محمد، وقبر أم القاسم بنت علي
الكوكبي، وقبر ميمونة بنت موسى أخت محمد بن موسى (عليه السلام) (1).
سيأتي تفصيل ذلك في المجلد الثامن عشر من هذه الموسوعة إن شاء الله
تعالى.
زوجاته (عليه السلام):
زوجاته (عليه السلام) كلهن أمهات أولاد، كما مر في ذكره أولاده (عليه السلام)، وفيما يلي نذكر
ما ورد عن أم الإمام الرضا (عليه السلام) وأم إبراهيم.
أم الإمام الرضا (عليه السلام):
اسمها تكتم، وقيل: اسمها نجمة، وسماها الإمام الكاظم (عليه السلام) لما ولدت
الرضا (عليه السلام): الطاهرة.
عن هشام بن أحمر، قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام) (أي موسى
الكاظم): هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا. قال: بلى، قد قدم
رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا إليه، فركب وركبت معه حتى انتهينا
إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب ومعه رقيق، فقلت له: اعرض علينا،



(1) تأريخ قم: 214. كشكول الشيخ البهائي 1: 207، طبعة الأعلمي - بيروت.
31
فعرض علينا سبع جوار، كل ذلك يقول أبو الحسن: لا حاجة لي فيها. ثم قال:
اعرض علينا، فقال: ما عندي إلا جارية مريضة. فقال: ما عليك أن تعرضها.
فأبى عليه، فانصرف ثم أرسلني من الغد، فقال لي: قل له كم كان غايتك فيها؟
فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له: قد أخذتها به، فأتيته، فقال: ما أريد أن أنقصها
من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها. فقال: هي لك، ولكن أخبرني من الرجل
الذي معك بالأمس؟ قلت: رجل من بني هاشم. قال: من أي بني هاشم؟ فقلت:
ما عندي أكثر من هذا.
فقال: أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل
الكتاب، فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي. فقالت: ما ينبغي
أن تكون هذه عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض،
فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد له غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله،
قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا (عليه السلام) (1).
أم إبراهيم الأكبر:
روى القطب الراوندي عن واضح، عن الرضا (عليه السلام)، قال: قال أبي
موسى (عليه السلام) للحسين بن أبي العلاء: اشتر لي جارية نوبية. فقال الحسين: أعرف
والله جارية نوبية نفيسة أحسن ما رأيت من النوبة، فلولا خصلة لكانت من شأنك.
فقال: ما تلك الخصلة؟ قال: لا تعرف كلامك، وأنت لا تعرف كلامها.
فتبسم الإمام (عليه السلام)، ثم قال: اذهب حتى تشتريها.
قال [الحسين]: فلما دخلت بها إليه، قال لها بلغتها: ما اسمك؟ قالت:
مؤنسة.



(1) كشف الغمة 1: 62.
32
قال (عليه السلام): أنت لعمري مؤنسة، قد كان لك اسم غير هذا، كان اسمك قبل هذا
(حبيبة). قالت: صدقت.
ثم قال: يا بن أبي العلاء، إنها ستلد لي غلاما لا يكون في ولدي أسخى منه،
ولا أشجع ولا أعبد منه، قال: فما تسميه حتى أعرفه؟ قال: اسمه إبراهيم.
فقال علي بن أبي حمزة: كنت مع موسى (عليه السلام) بمنى إذ أتاني رسوله فقال:
إلحق بي بالثعلبية، فلحقت به ومعه عياله وعمران خادمه، فقال (عليه السلام): أيما أحب
إليك، المقام ها هنا، أو تلحق بمكة؟ قلت: أحبهما إلي ما أحببته. قال: مكة
خير لك.
ثم بعثني إلى داره بمكة، وأتيته وقد صلى المغرب، فدخلت، فقال:
اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس، فخلعت نعلي وجلست معه، فأتيت بخوان فيه
خبيص (1)، فأكلت أنا وهو (عليه السلام)، ثم رفع الخوان وكنت أحدثه، ثم غشيني النعاس،
فقال لي: قم فنم حتى أقوم أنا لصلاة الليل، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة
الليل. ثم جاءني فنبهني، فقال: قم فتوضأ وصل صلاة الليل وخفف. فلما فرغت
من الصلاة صليت الفجر.
ثم قال لي: يا علي، إن أم ولدي ضربها الطلق، فحملتها إلى الثعلبية مخافة
أن يسمع الناس صوتها، فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه
وشجاعته.
قال علي بن أبي حمزة: فوالله لقد أدركت الغلام فكان كما وصف (2).



(1) الخبيص: الحلواء المخبوصة من التمر والسمن.
(2) الخرائج والجرائح 1: 310، الحديث 4. البحار 48: 69، الحديث 92.
33
إخوانه (عليه السلام):
1 - إسماعيل بن جعفر (عليه السلام):
وهو أكبر إخوته، وكان الصادق (عليه السلام) يحبه كثيرا، قال الشيخ المفيد (رحمه الله):
إنه مات في حياة أبيه (عليه السلام) بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة
حتى دفن بالبقيع، روي أن أبا عبد الله (عليه السلام) جزع عليه جزعا شديدا، وحزن عليه
حزنا عظيما، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء، وأمر بوضع سريره على الأرض
قبل دفنه مرارا كثيرة، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر
وفاته عند الظانين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنهم في حياته (عليه السلام) (1).
2 - عبد الله الأفطح بن جعفر (عليه السلام):
وهو أكبر إخوته بعد إسماعيل، قال الطبرسي: أما عبد الله بن جعفر،
فلم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من الأولاد، وكان متهما بالخلاف على أبيه
في الاعتقاد، وادعى الإمامة بعد وفاة أبيه أبي عبد الله (عليه السلام) وتابعه قوم، ثم رجع
أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى بن جعفر (عليه السلام)، لما ظهر عندهم براهين
إمامته، ولم يبق على القول بإمامة عبد الله إلا طائفة يسيرة تسمى الفطحية،
وإنما لزمهم هذا اللقب لأن عبد الله كان أفطح الرجلين، وقيل: أفطح الرأس.
ويقال: لأن داعيهم إلى ذلك رجل اسمه عبد الله بن الأفطح (2).
3 - علي بن جعفر (عليه السلام):
وهو محدث مشهور، روى أجوبة المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام)، وقد عمر



(1) الإرشاد 2: 209، وقد سبق أن ذكرنا ذلك مفصلا في حياة أولاد الإمام الصادق (عليه السلام).
(2) إعلام الورى: 292.
34
طويلا حتى أدرك الإمام الجواد (عليه السلام).
قال عنه الشيخ الطوسي (رحمه الله): جليل القدر ثقة، له كتاب المناسك، ومسائل
لأخيه موسى الكاظم بن جعفر (عليه السلام) سأله عنها (1). وقد سبق ذكره مفصلا في حياة
أولاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
وقال النجاشي: سكن العريض من نواحي المدينة، فنسب ولده إليها،
له كتاب في الحلال والحرام (2).
4 - إسحاق بن جعفر (عليه السلام):
الملقب بالمؤتمن، زوج السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن
السبط (عليه السلام)، صاحبة الروضة المعروفة بالقاهرة ب‍ (الست نفيسة)، سافرا معا
إلى مصر، وأقاما بالفسطاط.
قال الشيخ المفيد: كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع
والاجتهاد، قد روى عنه الناس الحديث والآثار، وكان ابن كاسب إذا حدث عنه
يقول: حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر، وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه
موسى بن جعفر (عليه السلام) (3).
5 - محمد بن جعفر (عليه السلام):
وهو من الزهاد والعباد، وكان يسكن مكة، ويروي بها الأحاديث، وفي أيام
الأمين والمأمون وظهور الفتنة بينهما خرج في مكة وادعى الخلافة، وتسمى
بأمير المؤمنين، ثم أرسل المأمون إليه جيشا بإمارة الجلودي، فلما وصل جيش



(1) الفهرست: 113.
(2) رجال النجاشي: 190.
(3) الإرشاد 2: 211.
35
المأمون مكة خلع نفسه وبايع المأمون، ثم أرسله الجلودي إلى خراسان،
فلما وصل مرو وحضر عند المأمون عفا عنه.
أقام بمرو، وروى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ثم سافر مع المأمون حين عودته
من خراسان إلى العراق، فلما وصل المأمون جرجان قتله بالسم، وكان قبره
معروفا بجرجان في القرن الرابع، لكن ليس له أثر اليوم (1).
6 - عباس بن جعفر (عليه السلام):
قال الشيخ المفيد: كان العباس بن جعفر رضوان الله عليه فاضلا نبيلا (2).
حليته (عليه السلام):
في " الفصول المهمة ": صفته أسمر عميق (3)، أي شديد السمرة.
وفي " مناقب ابن شهرآشوب ": كان (عليه السلام) أزهر إلا في القيظ لحرارة مزاجه،
ربعة، تمام أخضر (4) حالك، كث اللحية (5).
قال المجلسي (رحمه الله): المراد بالأزهر المشرق المتلألئ، لا الأبيض، وقوله:
لحرارة، تعليل لعدم الزهرة في القيظ (6).



(1) مسند الإمام الكاظم (عليه السلام) 1: 196. وانظر تفصيل ترجمته في الإرشاد 2: 211.
(2) الإرشاد 2: 214.
(3) الفصول المهمة: 229.
(4) الربعة: الوسيط القامة للمذكر والمؤنث، والأخضر: الأسمر. وفي المناقب: ربع تمام خضر،
وما أثبتناه من أعيان الشيعة 2: 6، إذ لا تخلو نسخة المناقب من التصحيف.
(5) المناقب 4: 323.
(6) بحار الأنوار 48: 11.
36
الفصل الثاني
النص على إمامته (عليه السلام)
قبل عرض النصوص القطعية على إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام) بعد أبيه
الصادق (عليه السلام)، لا بد من تسليط الضوء على حالة التكتم والحيرة خوفا من بطش
السلطة العباسية الحاكمة، وعلى موقف الشيعة من الإمام الكاظم (عليه السلام)، ووصية
الإمام الصادق (عليه السلام) حين وفاته.
وصية الإمام الصادق (عليه السلام):
لقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) سيما في أواخر عمره الشريف يتحاشى الصراحة
في النص على إمامة ولده الكاظم (عليه السلام) إلا لخواص أصحابه على ما سيأتي بيانه،
وذلك خوفا من السلطات الحاكمة التي كانت تراقبه أشد المراقبة في السنين الأخيرة
من حياته المباركة، كما تؤكد ذلك مواقف المنصور معه واهتمامه بمعرفة وصيه
عندما بلغه نبأ وفاته (عليه السلام)، فقد دعا أبو جعفر المنصور في جوف الليل أبا أيوب
الخوزي، فلما أتاه رمى كتابا إليه، وقال: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا
بأن جعفر بن محمد قد مات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأين مثل جعفر! ثم قال له:
اكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، فكتب وعاد الجواب:

37
قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله،
وموسى، وحميدة. قال المنصور: ما إلى قتل هؤلاء سبيل (1).
وفي رواية النضر بن سويد: أولهم أبو جعفر المنصور، ثم عبد الله، وموسى،
ومحمد بن جعفر، ومولى لأبي عبد الله (2).
ويبدو من وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لهؤلاء الخمسة أنه كان يقدر حراجة
الموقف ويخاف على خليفته من أولئك الطغاة، فصاغ وصيته على هذا النحو،
وأخبر ثقات أصحابه بخليفته الشرعي، وأوصاهم بالكتمان حتى عن عامة الشيعة
ريثما يتهيأ الجو المناسب لذلك.
حراجة الموقف:
هكذا يواجه الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو في مقتبل إمامته موقفين في غاية
الخطورة والصعوبة، فمن جهة يواجه بطش السلطة ومراقبتها فيضطر إلى التكتم،
ومن جانب آخر حيرة عامة الشيعة وانقسامهم، فاستقبل الإمام (عليه السلام) خلافته
في هذا الجو المحفوف بالمخاطر هو وخلص شيعته، وعيون المنصور تراقبهم وتحصي
عليهم أنفاسهم، والباقون من الشيعة حيارى لا يدرون لمن يرجعون، ولعل رجوع
من رجع منهم إلى عبد الله الأفطح وإلى إسماعيل كان السبب المباشر له هو عدم
إعلان الإمام الصادق (عليه السلام) عن خليفته الشرعي لعامة الشيعة وتكتم الإمام موسى
ابن جعفر (عليه السلام) إلا عن عدد محدود من خاصة أصحابه خوفا من المنصور وولاته.



(1) المناقب 4: 320. إعلام الورى: 298.
(2) إعلام الورى: 298.
38
ويدل على ذلك عدة روايات، منها:
1 - رواية هشام بن سالم، قال: كنا في المدينة أنا ومحمد بن النعمان
صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر على أنه صاحب الأمر
بعد أبيه، فدخلنا عليه والناس عنده، فسألناه عن الزكاة في كم تجب، فقال:
في مائتي درهم خمسة دراهم، فقلنا له: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف، قلنا:
والله ما تقول المرجئة هذا. فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة.
قال: فخرجنا من مجلسه ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه، أنا وأبو جعفر
الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه
وإلى من نقصد، نقول: إلى المرجئة، إلى القدرية، إلى الزيدية، إلى المعتزلة،
إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه، يومئ إلي بيده،
فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنه كان له بالمدينة
جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه، فخفت
أن يكون منهم، فقلت للأحول: تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني
لا يريدك؛ فتنح عني ولا تهلك وتعين على نفسك؛ فتنحى غير بعيد، وتبعت الشيخ،
وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت
على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن (عليه السلام)، ثم خلاني ومضى، فإذا خادم
بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله.
فدخلت فإذا أبو الحسن (عليه السلام)، فقال لي ابتداء منه: لا إلى المرجئة،
ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الخوارج، إلي إلي.
قال: فقلت له: جعلت فداك، مضى أبوك؟ قال: نعم. قال: قلت: جعلت
فداك، مضى في موت؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال:

39
إن شاء الله يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه؟
فقال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت له: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟
فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك أيضا.
قلت: جعلت فداك، أنت هو؟ قال: ما أقول ذلك. قلت في نفسي: لم أصب
طريق المسألة. قال: قلت: جعلت فداك، عليك إمام؟ قال: لا، فدخلني شيء
لا يعلمه إلا الله إعظاما له وهيبة أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه.
قلت: جعلت فداك، أسألك عما كان يسأل أبوك؟ قال: سل تخبر ولا تذع،
فإن أذعت فهو الذبح. قال: فسألته فإذا هو بحر.
قال: قلت: جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضلال فألقي إليهم، وأدعوهم
إليك، فقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منهم رشدا فألق إليهم، وخذ
عليهم الكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح، وأشار بيده إلى حلقه.
قال: فخرجت من عنده، فلقيت أبا جعفر، فقال لي: ما وراءك؟ قال:
قلت: الهدى. قال: فحدثته بالقصة. قال: ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير. قال:
فدخلوا عليه فسمعوا كلامه وسألوه. قال: ثم قطعوا عليه (عليه السلام).
ثم قال: ثم لقينا الناس أفواجا. قال: فكان كل من دخل عليه قطع عليه
إلا طائفة مثل عمار الساباطي وأصحابه، فبقي عبد الله لا يدخل عليه أحد
إلا قليل من الناس. قال: فلما رأى ذلك وسأل عن حال الناس، قال: فأخبر
أن هشام بن سالم صد عنه الناس، فقال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد
ليضربوني (1).



(1) الكافي 1: 351. إعلام الورى: 291. حلية الأبرار 2: 231. مدينة المعاجز 6: 208،
الحديث 1949. إثبات الهداة 3: 173، الحديث 9.
40
2 - ومنها: حديث أبي جعفر النيسابوري، الذي ورد المدينة يسأل
عن الإمام بعد الصادق (عليه السلام)، وكان قد حمل أموالا ومتاعا ومسائل وفتاوى يريد
أن يوصلها إليه (عليه السلام)، فدلوه على عبد الله الأفطح بن الإمام الصادق (عليه السلام)،
فتوجه إليه بمسائل عرف من خلالها أنه ليس بصاحبه، قال: فانصرفت من عنده
وجئت إلى ضريح النبي (صلى الله عليه وآله) فانكببت على قبره، وشكوت خيبة سفري، وقلت:
يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي؟ إلى اليهود،
أم إلى النصارى؟ أم إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ إلى أين يا رسول الله؟
فما زلت أبكي وأستغيث به، فإذا أنا بإنسان يحركني، فرفعت رأسي من فوق القبر،
فرأيت عبدا أسود عليه قميص خلق (1)، وعلى رأسه عمامة خلق، فقال لي:
يا أبا جعفر النيسابوري، يقول لك مولاك موسى بن جعفر (عليه السلام): لا إلى اليهود،
ولا إلى النصارى، ولا إلى المجوس، ولا إلى أعدائنا من النواصب، إلي، فأنا حجة
الله،... (2).
3 - ومنها أيضا ما يدل على حالة التكتم على الإمام (عليه السلام) من قبل خلص
أصحابه (عليه السلام)، ففي خبر أم الرضا (عليه السلام) عن هشام بن الأحمر، المتقدم في (ملامح
من شخصيته (عليه السلام)): قال صاحب الرقيق المغربي لهشام: هي لك، ولكن أخبرني
عن الرجل الذي كان معك بالأمس، قال هشام: رجل من بني هاشم، قال:
من أي بني هاشم؟ قال هشام: ما عندي أكثر من هذا... (3).



(1) الثوب الخلق: البالي.
(2) الثاقب في المناقب: 442. الخرائج 1: 328. المناقب 4: 291.
(3) كشف الغمة 3: 62.
41
خلص الشيعة يعرفون الإمام (عليه السلام):
رغم حالة التكتم وشدة التقية في ظروف البطش والتنكيل العباسي،
فإن خاصة الشيعة يعرفون الإمام (عليه السلام) من علامات وأمارات شاهدوها في
آبائه (عليهم السلام)، بل وفسروا أيضا المغزى من وصية الصادق (عليه السلام) لخمسة أشخاص
أو لثلاثة كما في بعض الروايات، هذا فضلا عن أنهم يسألون ويمتحنون ولا يسلمون
أو يقطعون إلا بعد التحري والبحث الشديدين.
ففي حديث أبي جعفر النيسابوري المتقدم آنفا، قال: وسرت إلى المدينة،
وجعلت رحلي في بعض الخانات، وقصدت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزرته
وصليت، ثم خرجت وسألت أهل المدينة: إلى من أوصى جعفر بن محمد؟ فقالوا:
إلى ابنه الأفطح عبد الله. فقلت: هل يفتي؟ قالوا: نعم.
فقصدته وجئت إلى باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد
على باب دار أمير البلد، فأنكرت، ثم قلت: الإمام لا يقال له: لم وكيف؟
فاستأذنت، فدخل الغلام وخرج، وقال: من أين أنت؟ فأنكرت وقلت: والله
ما هذا بصاحبي، ثم قلت: لعله من التقية. فقلت: قل: فلان الخراساني.
فدخل وأذن لي، فدخلت فإذا به جالس في الدست (1) على منصة عظيمة،
وبين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسي: ذا أعظم، الإمام يقعد في الدست؟!
ثم قلت: هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه، يفعل الإمام ما يشاء،
فسلمت عليه، فأدناني وصافحني وأجلسني بالقرب منه، وسألني فأحفى (2).



(1) الدست: صدر المجلس، والوسادة.
(2) أي ألح في السؤال وبالغ.
42
ثم قال: في أي شيء جئت؟ قلت: في مسائل أسأل عنها، وأريد الحج.
فقال لي: اسأل عما تريد.
فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟ قال: خمسة دراهم. قلت: كم في المائة؟
قال: درهمان ونصف.
فقلت: حسن يا مولاي، أعيذك بالله، ما تقول في رجل قال لامرأته:
أنت طالق عدد نجوم السماء؟ قال: يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة. فقلت:
الرجل لا يحسن شيئا، فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيدنا غدا. فقال: إن كان لك
حاجة فإنا لا نقصر... (1)
وفي حديث أبي جعفر الأحول وهشام بن سالم المتقدم آنفا ما يدل
على تشخيص خلص أصحاب الأئمة للإمام ودقة تحريهم في هذا الأمر الخطير.
وقد عرفوا المغزى الحقيقي وراء وصية الإمام الصادق (عليه السلام) لأكثر من واحد
بعده، والإمام لا يوصي إلا إلى واحد، فقد روى داود بن كثير الرقي قال:
أتى أعرابي إلى أبي حمزة [وكان جالسا في لمة من أصحابه]، فسأله خبرا، فقال:
توفي جعفر الصادق (عليه السلام)، فشهق شهقة وأغمي عليه، فلما أفاق قال: هل أوصى
إلى أحد؟ قال: نعم، أوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور،
فضحك أبو حمزة وقال: الحمد لله الذي هدانا ولم يضلنا، بين لنا عن الكبير،
ودلنا على الصغير، وأخفى عن أمر عظيم، فسئل عن قوله فقال: بين عيوب الكبير،
ودل على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر الخطير بالمنصور،
لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل: أنت (2).



(1) الثاقب في المناقب: 441.
(2) المناقب 4: 320. الأنوار البهية: 149. الثاقب في المناقب: 440.
43
وهكذا أخذ أمر الإمام (عليه السلام) ينتشر ويتسع حتى اهتدى إليه أكثر الشيعة،
ورجعوا إليه في مشاكلهم وأمور دينهم بالرغم من الرقابة الشديدة التي وضعها
المنصور ومحاولاته لتشتيت أمر الشيعة بإرجاعهم إلى أخويه عبد الله الأفطح
وإسماعيل، مع أن إسماعيل قد مات في حياة أبيه (عليه السلام) وقد شيعه بحضور الوالي
محمد بن سليمان، وكان كلما سار المشيعون بالنعش خطوات يتقدم الإمام
الصادق (عليه السلام) ويكشف وجهه للناس (1)، رغم ذلك فإن المنصور وأنصاره أشاعوا
بأن الوالي على البصرة كتب إليهم يخبرهم بوجوده فيها (أي بوجود إسماعيل)،
وأنه مر على مريض مزمن فدعا له وبرئ من مرضه (2)، وذلك لتشتيت الشيعة
وتفريقهم عن الإمام (عليه السلام).
الشيعة بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام):
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): ثم لم تزل الإمامية على القول بنظام الإمامة
حتى افترقت كلمتها بعد وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فقالت فرقة منها:
إن أبا عبد الله (عليه السلام) حي لم يمت، ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا
كما ملئت ظلما وجورا، لأنه القائم المهدي، وتعلقوا بحديث رواه رجل يقال له
عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: إن جاءكم من يخبركم عني
بأنه غسلني ودفنني فلا تصدقوه، وهذه الفرقة تسمى: الناووسية، وإنما سميت بذلك
لأن رئيسهم في هذه المقالة رجل من أهل البصرة يقال له: عبد الله بن ناووس.



(1) بحار الأنوار 47: 247، الحديث 10.
(2) سيرة الأئمة الاثني عشر: 304.
44
وقالت فرقة أخرى: إن أبا عبد الله (عليه السلام) توفي ونص على ابنه إسماعيل
ابن جعفر، وإنه الإمام بعده، وإنه القائم المنتظر. وأنكروا وفاة إسماعيل في حياة
أبي عبد الله (عليه السلام)، وقالوا: لم يمت، وإنما لبس على الناس في أمره لأمر رآه أبوه.
وقال فريق منهم: إن إسماعيل قد كان توفي على الحقيقة في زمن أبيه (عليه السلام)
غير أنه قبل وفاته نص على ابنه محمد، فكان الإمام بعده، وهؤلاء هم القرامطة،
وهم المباركية، ونسبهم إلى القرامطة برجل من أهل السواد يقال له قرمطويه،
ونسبهم إلى المباركية برجل يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر، والقرامطة
أخلاف المباركية، والمباركية سلفهم (1).
وقال فريق من هؤلاء: إن الذي نص على محمد بن إسماعيل هو الصادق (عليه السلام)
دون إسماعيل، وكان ذلك الواجب عليه، لأنه أحق بالأمر بعد أبيه من غيره،
ولأن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهؤلاء الفرق الثلاثة
هم الإسماعيلية، وإنما سموا بذلك لادعائهم إمامة إسماعيل.
وأما علتهم في النص على إسماعيل فهي أن قالوا: كان إسماعيل أكبر ولد
جعفر، وليس يجوز أن ينص على غير الأكبر، قالوا: وقد أجمع من خالفنا على أن
أبا عبد الله (عليه السلام) نص على إسماعيل، غير أنهم ادعوا أنه بدا لله فيه، وهذا قول
لا نقبله.
وقالت فرقة أخرى: إن أبا عبد الله توفي وكان الإمام بعده محمد بن جعفر،
واعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به، وهو أن أبا عبد الله (عليه السلام) - على ما زعموا - كان



(1) سبق أن ذكرنا ذلك مفصلا في المجلد العاشر من هذه الموسوعة في فصل نشوء المذاهب
والفرق الإسلامية.
45
في داره جالسا، فدخل عليه محمد وهو صبي صغير، فعدا إليه فكبا في قميصه،
ووقع لحر وجهه فقام إليه أبو عبد الله (عليه السلام) فقبله ومسح التراب عن وجهه،
وضمه إلى صدره، وقال: سمعت أبي يقول: إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي،
وهذا الولد شبيهي وشبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى سنته وشبيه علي (عليه السلام)، وهذه الفرقة
تسمى السمطية (1) بنسبتها إلى رجل يقال له: يحيى بن أبي السمط (2)، وهو رئيسهم.
وقالت فرقة أخرى: إن الإمام بعد أبي عبد الله (عليه السلام) ابنه عبد الله بن جعفر،
واعتلوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبد الله (عليه السلام)، قالت: وإن أبا عبد الله (عليه السلام)
قال: الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام. وهذه الفرقة تسمى الفطحية،
وإنما سميت بذلك لأن رئيسا لها يقال له: عبد الله بن أفطح، ويقال: إنه أفطح
الرجلين، ويقال: بل كان أفطح الرأس، ويقال: إن عبد الله كان هو الأفطح.
إبطال قول الناووسية:
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): فأما الناووسية فقد ارتكبت في إنكارها وفاة
أبي عبد الله (عليه السلام) ضربا من دفع الضرورة وإنكار المشاهدة؛ لأن العلم بوفاته
كالعلم بوفاة أبيه من قبله، ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة
أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين من أنكر مقتل الحسين (عليه السلام) ودفع ذلك وادعى أنه
كان مشبها للقوم، فكل شيء جعلوه فصلا بينهم وبين من ذكرناه فهو دليل
على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبد الله (عليه السلام).



(1) وفي نسخة: الشمطية.
(2) وفي نسخة: ابن أبي الشمط.
46
وأما الخبر الذي تعلقوا به، فهو خبر واحد، لا يوجب علما ولا عملا،
ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات
وارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات، على أنه يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون
هذا القول إنما صدر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته
في تلك الأحوال، ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق، ويحذرهم من قبول أقوال
المرجفين به المؤدية إلى الفساد، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الأزمان،
وأن يكون على العموم في كل حال، ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم
أنهم لا يبقون بعده، وأنه يتأخر عنهم، فقال: من جاءكم من هؤلاء، فقد جاء
في بعض الأسانيد، من جاءكم منكم، وفي بعضها: من جاءكم من أصحابي،
وهذا يقتضي الخصوص.
وله وجه آخر، وهو أنه عنى بذلك كل الخلق سوى الإمام القائم بعده،
لأنه ليس يجوز أن يتولى غسل الإمام وتكفينه ودفنه إلا الإمام القائم مقامه،
إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك، فكأنه (عليه السلام) أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم
من بعده عن تولي أمره بنفسه.
وإذا كان الخصوص قد يكون في كتاب الله تعالى مع ظاهر القول للعموم،
وجاز أن يخص القرآن ويصرف عن ظواهره على مذهب أصحاب العموم
بالدلائل، فلم جاز الانصراف عن ظاهر قول أبي عبد الله (عليه السلام) إلى معنى يلائم
الصحيح، ولا يحمل على وجه يفسد المشاهدات ويسد على العقلاء باب
الضرورات؟ وهذا كاف في هذا الموضع - إن شاء الله تعالى - مع أنه لا بقية
للناووسية، ولم تكن أيضا في الأصل كثيرة، ولا عرف منهم رجل مشهور بالعلم،
ولا قرئ له كتاب، وإنما هي حكاية إن صحت فعن عدد يسير لم يبرز قولهم

47
حتى اضمحل وانتقض، وفي ذلك كفاية عن الإطالة في نقضه. هذا ما شرحه الشيخ
المفيد (رحمه الله).
إبطال قول الإسماعيلية:
وأضاف الشيخ المفيد (رحمه الله): وأما ما اعتلت به الإسماعيلية من أن إسماعيل (رحمه الله)
كان الأكبر، وأن النص يجب أن يكون على الأكبر، فلعمري إن ذلك يجب إذا كان
الأكبر باقيا بعد الوالد، وأما إذا كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته ولا يبقى
بعده فليس يجب ما ادعوه، بل لا معنى للنص عليه، ولو وقع لكان كذبا، لأن معنى
النص أن المنصوص عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به، وإذا لم يبق بعده لم يكن
خليفة، فيكون النص حينئذ عليه كذبا لا محالة، وإذا علم الله أنه يموت قبل الأول
فأمره باستخلافه لكان الأمر بذلك عبثا مع كون النص كذبا؛ لأنه لا فائدة فيه،
ولا غرض صحيح، فيبطل ما اعتمدوه في هذا الباب.
وأما ما ادعوه من تسليم الجماعة لهم حصول النص عليه، فإنهم ادعوا
في ذلك باطلا، وتوهموا فاسدا، من قبل أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف
بأن أبا عبد الله (عليه السلام) نص على ابنه إسماعيل، ولا روى راو ذلك في شاذ من الأخبار
ولا في معروف منها، وإنما كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبد الله (عليه السلام)
ينص عليه لأنه أكبر أولاده، وبما كانوا يرونه من تعظيمه، فلما مات إسماعيل (رحمه الله)
زالت ظنونهم، وعلموا أن الإمامة في غيره، فتعلق هؤلاء المبطلون بذلك الظن،
وجعلوه أصلا، وادعوا أنه قد وقع النص، وليس معهم في ذلك أثر ولا خبر يعرفه
أحد من نقلة الشيعة، وإذا كان معتمدهم على الدعوى المجردة من برهان فقد سقط
بما ذكرناه.

48
فأما الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله: ما بدا لله في شيء كما بدا له
في إسماعيل، فإنها على غير ما توهموه أيضا من البداء في الإمامة، وإنما معناها
ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن الله تعالى كتب القتل على ابني إسماعيل
مرتين، فسألته فيه فعفا عن ذلك، فما بدا له في شيء كما بدا له في إسماعيل، يعني به
ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله (عليه السلام).
وأما [أمر] الإمامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء، وعلى ذلك إجماع فقهاء
الإمامية ومعهم فيه أثر عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في
نقل نبي عن نبوته، ولا إمام عن إمامته، ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه.
وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه
وجعلوه دلالة على نص أبي عبد الله (عليه السلام) على إسماعيل.
فأما من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه، فإنه منتقض القول
فاسد الرأي، من قبل أنه إذا لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة أبي عبد الله (عليه السلام)
لاستحالة وجود إمامين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في زمان واحد، لم يجز أن تثبت إمامة محمد
لأنها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام، وذلك فاسد بالنظر الصحيح.
وأما من زعم أن أبا عبد الله (عليه السلام) نص على محمد بن إسماعيل بعد وفاة أبيه،
فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر، وإنما قالوه قياسا على أصل فاسد، وهو ما ذهبوا إليه
من حصول النص على ابنه إسماعيل، وزعموا أن العدل يوجب بعد موت إسماعيل
النص على ابنه لأنه أحق الناس به، وإذا كنا قد بينا عن بطلان قولهم فيما ادعوه
من النص على إسماعيل، فقد فسد أصلهم الذي بنوا عليه الكلام.
على أنه لو ثبت ما ادعوه من نص أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه إسماعيل لما صح
قولهم في وجوب النص على ابنه من بعده، لأن الإمامة والنصوص ليستا موروثتين

49
على حد ميراث الأموال، ولو كانت كذلك لاشترك فيها ولد الإمام، وإذا لم تكن
موروثة، وكانت إنما تجب لمن له صفات مخصوصة، ومن أوجبت المصلحة إمامته،
فقد بطل أيضا هذا المذهب.
إبطال مقولة السمطية:
فأما من ادعى إمامة محمد بن جعفر بعد أبيه (عليه السلام) فإنهم شذاذ جدا،
قالوا بذلك زمانا مع قلة عددهم وإنكار الجماعة عليهم، ثم انقرضوا حتى لم يبق
منهم أحد يذهب إلى هذا المذهب، وفي ذلك إبطال مقالتهم، لأنها لو كانت حقا
لما جاز لله أن يعدم أهلها كافة حتى لا يبقى منهم من يحتج بنقله.
مع أن الحديث الذي رووه لا يدل على ما ذهبوا إليه، لو صح وثبت،
فكيف وليس هو حديثا معروفا، ولا رواه محدث مذكور، وأكثر ما فيه عند ثبوت
الرواية له أنه خبر واحد، وأخبار الآحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها.
ولو كان صحيحا أيضا لما كان في متضمنه دليل الإمامة، لأن مسح
أبي عبد الله (عليه السلام) التراب عن وجه ابنه ليس بنص عليه في عقل ولا سمع ولا عرف
ولا عادة، وكذلك ضمه إلى صدره، وكذلك قوله: إن أبي خبرني أن سيولد لي ولد
يشبهه، وإنه أمر بتسميته، وإنه أخبره أنه يكون على شبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ولا في مجموع هذا كله دلالة على الإمامة في ظاهر قول وفعل ولا في تأويله،
وإذا لم يك في ذلك دلالة على ما ذهبوا إليه بان بطلانه.
مع أن محمد بن جعفر خرج بالسيف بعد أبيه ودعا إلى إمامته وتسمى
بإمرة المؤمنين، ولم يتسم بذلك أحد ممن خرج من آل أبي طالب، ولا خلاف
بين أهل الإمامة أن من تسمى بهذا الاسم فقد أتى منكرا، فكيف يكون هذا شبه

50
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولولا أن الراوي لهذا الحديث قد وهم فيه أو تعمد الكذب!
إبطال مقولة الفطحية:
وأما الفطحية فإن أمرها أيضا واضح، وفساد قولها غير خاف، ولا مستور
عمن تأمله، وذلك أنهم لم يدعوا نصا من أبي عبد الله (عليه السلام) على عبد الله، وإنما عملوا
على ما رووه من أن الإمامة تكون في الأكبر، وهذا حديث لم يرو قط إلا مشروطا،
وهو أنه قد ورد أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة، وأهل الإمامة
القائلون بإمامة موسى بن جعفر (عليه السلام) متواترون بأن عبد الله كان به عاهة بالدين (1)،
لأنه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي (عليه السلام) وعثمان،
وأن أبا عبد الله (عليه السلام) قال وقد خرج من عنده عبد الله: هذا مرجئ كبير، وأنه
دخل عليه عبد الله يوما وهو يحدث أصحابه، فلما رآه سكت حتى خرج،
فسئل عن ذلك فقال: أو ما علمتم أنه من المرجئة؟
هذا مع أنه لم يكن له من العلم بما يتخصص به من العامة ولا روي عنه شيء
من الحلال والحرام، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام، وقد ادعى الإمامة
بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها، ولا يأتي للجواب، فأي علة أكبر
مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل، مع أنه لو لم تكن به علة تمنع من إمامته لما جاز
من أبيه صرف النص عنه، ولو لم يكن صرفه عنه لأظهره فيه، ولو أظهره لنقل،
وكان معروفا في أصحابه، وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان
ما ذهبوا إليه (2).



(1) فضلا عن عاهة الجسم.
(2) الفصول المختارة: 247 - 253. بحار الأنوار 37: 9.
51
النصوص الدالة على إمامته (عليه السلام):
عرف الإمام الصادق (عليه السلام) المقربين من شيعته بإمامة ولده موسى (عليه السلام)
منذ أن أشرقت الدنيا بولادته، وكان في كل مناسبة يحيطهم علما بذلك ويوصيهم
بضرورة الكتمان خوفا عليهم وعلى ولده من السلطة الحاكمة.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وكان موسى بن جعفر (عليهما السلام) أجل ولد
أبي عبد الله (عليه السلام) قدرا، وأعظمهم محلا، وأبعدهم في الناس صيتا، ولم ير في زمانه
أسخى منه، ولا أكرم نفسا وعشرة، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم، وأجلهم
وأفقههم، واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته، والتعظيم لحقه، والتسليم
لأمره.
ورووا عن أبيه (عليه السلام) نصوصا كثيرة عليه بالإمامة، وإشارات إليه بالخلافة،
وأخذوا عنه معالم دينهم، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يقطع بها على حجية
وصواب القول بإمامته.
فمن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن
موسى (عليه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء
الصالحين رضوان الله عليهم، المفضل بن عمر الجعفي، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمن
ابن الحجاج، والفيض بن المختار، ويعقوب السراج، وسليمان بن خالد، وصفوان
الجمال وغيرهم.
وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر (عليه السلام)، وكانا من الفضل
والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.
1 - فروى موسى الصيقل، عن المفضل بن عمر (رحمه الله)، قال: كنت عند

52
أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل أبو إبراهيم موسى (عليه السلام) وهو غلام، فقال لي
أبو عبد الله (عليه السلام): استوص به، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك (1).
2 - وروى ثبيت، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت
له (عليه السلام): أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة، أن يرزقك من عقبك
قبل الممات مثلها. فقال: قد فعل الله ذلك.
قلت: من هو، جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد، قال:
هذا الراقد، وهو يومئذ غلام (2).
3 - وروى أبو علي الأرجاني، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال:
دخلت على جعفر بن محمد (عليه السلام) في منزله، فإذا هو في بيت كذا من داره، في مسجد
له، وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر (عليه السلام) يؤمن على دعائه، فقلت له:
جعلني الله فداك، قد عرفت انقطاعي إليك، وخدمتي لك، فمن ولي الأمر بعدك؟
قال: يا عبد الرحمن، إن موسى قد لبس الدرع، واستوت عليه. فقلت له:
لا أحتاج بعدها إلى شيء (3).
4 - وروى عبد الأعلى، عن الفيض بن المختار، قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): خذ بيدي من النار، من لنا بعدك؟ قال: فدخل أبو إبراهيم،
وهو يومئذ غلام، فقال: هذا صاحبك، فتمسك به (4).



(1) الكافي 1: 246، الحديث 4. البحار 48: 17، الحديث 13. إعلام الورى: 296.
(2) الكافي 1: 245، الحديث 2. البحار 48: 17، الحديث 15. إعلام الورى: 296.
(3) الكافي 1: 245، الحديث 3. الفصول المهمة: 228. البحار 48: 17، الحديث 17.
(4) الكافي 1: 245، الحديث 1. الفصول المهمة: 229. البحار 48: 18، الحديث 18.
إعلام الورى: 297.
53
5 - وعن ابن أبي نجران، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله
جعفر الصادق (عليه السلام): بأبي أنت وأمي، إن الأنفس يغدى عليها ويراح، فإن كان
ذلك فمن؟
فقال جعفر (عليه السلام): إذا كان ذلك فهذا صاحبكم، وضرب بيده على منكب
أبي الحسن الأيمن، وهو فيما أعلم يومئذ خماسي، وعبد الله بن جعفر جالس معنا (1).
6 - وعن ابن أبي نجران، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: إن كان كون - ولا أراني
الله ذلك - فيمن أئتم؟ قال: فأومأ إلى ابنه موسى. قلت له: فإن حدث بموسى حدث
فيمن أئتم؟ قال: بولده. قلت: فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا
صغيرا؟ قال: بولده، ثم هكذا أبدا (2).
7 - وروى الفضل، عن طاهر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
رأيته يلوم عبد الله ابنه ويعظه، ويقول له: ما يمنعك أن تكون مثل أخيك؟ فوالله
إني لأعرف النور في وجهه. فقال عبد الله: وكيف؟ أليس أبي وأبوه واحدا،
وأصلي وأصله واحدا؟! فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إنه من نفسي، وأنت ابني (3).



(1) الكافي 1: 246، الحديث 6. الفصول المهمة: 229. البحار 48: 18، الحديث 20.
إعلام الورى: 297.
(2) الكافي 1: 246، الحديث 7. كمال الدين: 349، الحديث 43. البحار 48: 16،
الحديث 11. إعلام الورى: 297.
(3) الكافي 1: 247، الحديث 10. الإمامة والتبصرة: 210، الحديث 63. البحار 48: 18،
الحديث 22. إعلام الورى: 298.
54
8 - وروى محمد بن سنان، عن يعقوب السراج، قال: دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في المهد،
فجعل يساره طويلا، فجلست حتى فرغ فقمت إليه، فقال لي: ادن إلى مولاك
فسلم عليه، فدنوت فسلمت عليه، فرد علي بلسان فصيح (1).
9 - وروى ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، قال: دعا أبو عبد الله
أبا الحسن (عليه السلام) يوما ونحن عنده، فقال لنا: عليكم بهذا بعدي، فهو والله صاحبكم
بعدي (2).
10 - وروى الوشاء، عن علي بن الحسين، عن صفوان الجمال، قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، فقال: صاحب هذا الأمر لا يلهو
ولا يلعب، فأقبل أبو الحسن (عليه السلام) ومعه بهمة (3) له، وهو يقول لها: اسجدي لربك،
فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه، وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب (4).
11 - وروى يعقوب بن جعفر الجعفري، قال: حدثني إسحاق بن جعفر
الصادق، قال: كنت عند أبي يوما، فسأله علي بن عمر بن علي، فقال: جعلت
فداك، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال: إلى صاحب هذين الثوبين
الأصفرين والغديرتين (5)، وهو الطالع عليك من الباب.



(1) الكافي 1: 247، الحديث 11. دلائل الإمامة: 161. البحار 48: 19، الحديث 24.
إعلام الورى: 299.
(2) الكافي 1: 247، الحديث 12. البحار 48: 19، 25. إعلام الورى: 298.
(3) البهمة: الصغيرة من الغنم.
(4) الكافي 1: 248، الحديث 15. البحار 48: 19، الحديث 27. إعلام الورى: 298.
(5) الغديرة: الذؤابة التي تسقط على الصدر.
55
قال: فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحتا، ودخل
علينا أبو إبراهيم موسى (عليه السلام) وهو صبي، وعليه ثوبان أصفران (1).
12 - وروى محمد بن الوليد، قال: سمعت علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) يقول:
سمعت أبي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا بابني
موسى (عليه السلام) خيرا، فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي، وهو القائم مقامي،
والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي (2).
13 - وعن إبراهيم الكرخي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فإني
لجالس عنده، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو غلام، فقمت إليه فقبلته
وجلست، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إبراهيم، أما إنه صاحبك من بعدي،
أما ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه
العذاب... (3).
14 - وعن فيض بن المختار، قال: إني لعند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أقبل
أبو الحسن (عليه السلام) وهو غلام فالتزمته وقبلته، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنتم السفينة
وهذا ملاحها... (4).



(1) الكافي 1: 246، الحديث 5. البحار 48: 20، الحديث 29. إعلام الورى: 299.
(2) إعلام الورى: 299. البحار 48: 20، الحديث 30. وجميع الأحاديث في الإرشاد 2:
214 - 220.
(3) كمال الدين: 334، الحديث 5، و 647، الحديث 8. غيبة النعماني: 90، الحديث 21.
(4) الكافي 1: 311، الحديث 16. حلية الأبرار 2: 291. إثبات الهداة 5: 473، الحديث
16. العوالم: 42، الحديث 2.
56
15 - وعن سلمة بن محرز، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن رجلا
من العجلية (1) قال لي: كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ، إنما هو سنة أو سنتين
حتى يهلك، ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ألا قلت له: هذا موسى بن جعفر (عليه السلام) قد أدرك
ما يدرك الرجال... (2).
16 - وعن يزيد بن سليط الزيدي، قال: لقينا أبا عبد الله جعفر
الصادق (عليه السلام) في الطريق قاصدا إلى مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي،
أنتم الأئمة المطهرون، والموت لا يتعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه
إلى ما يخلفني.
فقال لي: نعم، هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى الكاظم -
ففيه العلم والحكمة، والفهم والسخاء، والمعرفة فيما يحتاج إليه الناس، فيما اختلفوا فيه
من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله
عز وجل... (3).
هذا غيض من فيض الأحاديث والروايات الناصة على إمامة الإمام موسى
ابن جعفر (عليه السلام) من قبل أبيه الإمام الصادق (عليه السلام)، تكاد تصل إلى حد التواتر،



(1) العجلية: طائفة من الغلاة.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 24، الحديث 20. البحار 48: 23، الحديث 37. العوالم: 43،
الحديث 1.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23، الحديث 9. البحار 48: 12، الحديث 1. الكافي 1:
313، الحديث 14. العوالم: 51، الحديث 1.
57
وقد رويت بأسانيد معتبرة لا يتسرب إليها أدنى ريب.
قال الطبرسي (رحمه الله): إن الجماعة التي نقلت النص عليه من أبيه وجده
وآبائه (عليهم السلام) قد بلغوا من الكثرة إلى حد يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب،
إذ لا يحصرهم بلد ومكان، ولا يضمهم صقع، ولا يحصيهم إنسان (1).



(1) إعلام الورى: 296.
58
الفصل الثالث
فضائله (عليه السلام) ومكارم أخلاقه
قال ابن الصباغ: أما مناقبه وكراماته الظاهرة وفضائله وصفاته الباهرة،
فتشهد له بأنه اقترع قبة الشرف وعلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها، وذللت
له كواهل السيادة وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها (1).
ومن البديهي أن للإمامة عند الشيعة صفات لا يمكن للإمام أن يكون إماما
دونها، وهي صفات الإنسان الكامل التي ترفع قدره حتى تجعله فوق مستوى
الناس من حيث التقوى والعدل والأمانة وحب الخير وإسداء المعروف والبعد
عن كل خلق شائن، هذا إضافة إلى غزارة العلم وسعة الاطلاع لكي يصلح
أن يكون قدوة في دنيا الناس، ولقد أوتي الإمام الكاظم (عليه السلام) كل الصفات
التي أوتيها آباؤه الأئمة من قبله (عليهم السلام).
فخلقه (عليه السلام) وأدبه ينطق من واقع أصالته ومحتده العريق بالنبوة، والشامخ
بالإمامة، حيث تجتمع الكمالات الإنسانية في أروع مثلها وقيمها قولا وعملا
وإطارا ومحتوى، وخلقه وأدبه امتداد طبيعي لخلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدبه، فهو (عليه السلام)



(1) الفصول المهمة: 229.
59
وغيره من الأئمة (عليهم السلام) ما ورثوا عن جدهم (صلى الله عليه وآله) صفراء ولا بيضاء، وإنما
هي علومه وصفاته المثلى ومكارم أخلاقه، فكان لهم شرف احتوائها والحفاظ
عليها، فهم الأمناء على معطيات رسالته، والحفظة لسنته ومبادئه ومثله، يروونها
عنه قولا، ويجسدونها في ممارساتهم عملا.
قال الشيخ المفيد: كان موسى بن جعفر (عليه السلام) أجل ولد أبي عبد الله (عليه السلام)
قدرا، وأعظمهم محلا، وأبعدهم في الناس صيتا، ولم ير في زمانه أسخى منه
ولا أكرم نفسا وعشرة، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلهم وأفقههم (1).
وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: هو الإمام الكبير القدر،
العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب
على الطاعات، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار
متصدقا وصائما (2).
وقال ابن شهرآشوب: كان أفقه أهل زمانه، وأحفظهم لكتاب الله،
وأحسنهم صوتا بالقرآن، وكان أجل الناس شأنا، وأعلاهم في الدين مكانا،
وأسخاهم بنانا، وأفصحهم لسانا، وأشجعهم جنانا، قد خص بشرف الولاية،
وحاز إرث النبوة، وبوئ محل الخلافة، سليل النبوة، وعقيد الخلافة (3).
وفيما يلي نورد نبذة من فضائله وخصائصه التي ورثها عن آبائه
المعصومين (عليهم السلام)، فتميز بها عن أهل زمانه.



(1) الإرشاد 2: 214.
(2) مطالب السؤول: 83.
(3) المناقب 4: 323.
60
أولا - العلم:
كان من بعض مظاهر العظمة عند الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه كان أعلم
أهل زمانه وأفضلهم بشهادة الأكابر من معاصريه بما فيهم خصمه وقاتله هارون
الرشيد. فعندما شاهد المأمون الحفاوة والتكريم من قبل أبيه الرشيد في استقبال
الإمام الكاظم (عليه السلام) حينما كان في المدينة وقد استأذن عليه، قال لأبيه: لقد رأيتك
عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار
ولا ببني هاشم، فمن هذا الرجل؟! فقال الرشيد: يا بني، هذا وارث علم النبيين،
هذا موسى بن جعفر بن محمد، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا (1).
ولقد استقى الإمام الكاظم (عليه السلام) علمه من أبيه الصادق (عليه السلام) مؤسس المدرسة
العلمية الكبرى لأهل البيت (عليهم السلام)، فقد نشأ ودرج في حجره وأخذ عنه العلم
وورث منه مصادر الإيمان والحق. وكان علمه (عليه السلام) إلهاميا كعلم الأنبياء
والأوصياء، لا كسبيا كعلم بقية الناس، وقد أقام المتكلمون من الشيعة على ذلك
سيلا من الأدلة التي لا تقبل الجدل والشك.
وقد كان (عليه السلام) يعرف بالعالم لما روي عنه في فنون العلم المختلفة العقلية
والنقلية، ولتميزه من بين أقرانه منذ صباه (عليه السلام) حيث توسم فيه الإمام أبو حنيفة
هذا النبوغ وعلو الهمة وهو لم يزل بعد غلاما، وسيأتي فيما سنذكره من حديث
عيسى شلقان ما يدل على ذلك أيضا.



(1) أمالي الصدوق: 307، الحديث 1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 93، الحديث 12. بحار
الأنوار 48: 134، الحديث 6. حلية الأبرار 2: 272.
61
وقد نقل المؤرخون والمحدثون الشيء الكثير من آثاره الدالة على سعة علمه،
وعمق حكمته، ورفعة أدبه.
قال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) فأكثروا،
وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله (1).
وتوفر أصحابه على رواية العلم عنه، حتى في ظروف السجن القاهرة،
كأبي عمران موسى بن إبراهيم المروزي، معلم ولد السندي بن شاهك، الذي كان
الإمام (عليه السلام) وديع سجنه، حيث ألف المروزي مسندا عن الإمام الكاظم (عليه السلام)
رواه عنه وهو في السجن (2).
وبلغ عدد أصحابه (عليه السلام) ومن روى عنه أكثر من 500 صحابي وراو (3)،
منهم: أخوه علي بن جعفر (عليه السلام)، قال عنه الشيخ المفيد (رحمه الله): كان شديد التمسك
بأخيه موسى والانقطاع إليه والتوفر على أخذ معالم الدين منه، وله مسائل مشهورة
عنه وجوابات رواها سماعا منه (4).
وترك الإمام الكاظم (عليه السلام) من المواعظ والحكم والوصايا ما يضرب به المثل،



(1) الإرشاد 2: 235.
(2) هذا المسند متداول في عصرنا الحالي، ومطبوع في سبع صفحات بتحقيق السيد محمد حسين
الحسيني الجلالي.
(3) أنظر كتاب أحسن التراجم لأصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، تأليف عبد الحسين الشبستري،
مطبوع بجزءين.
(4) الإرشاد 2: 220. ومسائل علي بن جعفر (عليه السلام) مطبوعة بتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث، مع مستدركاتها.
62
سيما وصية لهشام بن الحكم، والتي تعد منهاجا تربويا في الحكمة والأدب
والأخلاق، وسنأتي على ذكرها في مواعظه وحكمه (عليه السلام).
وفيما يلي نورد أهم الروايات وأكثرها ذيوعا في المصادر التي ترجمت
له (عليه السلام)، والدالة على غزارة علمه الذي لا يحد وفقهه الذي لا يجارى:
1 - روي عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت، قال: دخلت المدينة فأتيت
أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) فسلمت عليه، وخرجت من عنده فرأيت ابنه
موسى في دهليزه قاعدا في مكتبه، وهو صغير السن (1)، فقلت: أين يضع الغريب
إذا كان عندكم، إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي ثم قال: يجتنب شطوط الأنهار، ومساقط
الثمار، وأفنية الدار، والطرق النافذة، والمساجد، ويضع بعد ذلك أين شاء.
فلما سمعت هذا القول نبل في عيني، وعظم في قلبي، وقلت له: جعلت فداك،
ممن المعصية؟ فنظر إلي ثم قال: اجلس حتى أخبرك. فجلست فقال: إن المعصية
لا بد أن تكون من العبد، أو من ربه، أو منهما جميعا. فإن كانت من الرب فهو أعدل
وأنصف من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم يفعله، وإن كان منهما جميعا فهو شريكه،
فالقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر،
وإليه توجه النهي، وله حق الثواب والعقاب، ولذلك وجبت له الجنة والنار.
فلما سمعت ذلك قلت: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (2).
وقد نظم بعض الشعراء معنى قوله (عليه السلام) شعرا، فقال:



(1) في بعض المصادر: كان خماسيا، أو سداسيا.
(2) آل عمران: 24.
63
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها * إحدى ثلاث خلال حين نبديها
إما تفرد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين نأتيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه * ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها (1)
ولا شك أن صبيا مهما بلغ من النضج لا يمكنه أن يحدد الموضوع هذا التحديد
الفقهي الجامع ما لم يكن فوق مستوى أقرانه من الفطنة والذكاء والإحاطة الكافية
بالفقه والشريعة، وما لم يكن علمه إلهاميا كعلم الأنبياء والأوصياء.
2 - وعن عيسى شلقان، قال: دخلت على أبي عبد الله أريد أن أسأله
عن أبي الخطاب، فقال مبتدئا: ما يمنعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟
قال: فذهبت إليه وهو قاعد في الكتاب، وعلى شفتيه أثر مداد، فقال لي
مبتدئا: يا عيسى، إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلن يتحولوا
إلى غيرها عنها أبدا، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلن يتحولوا عنها أبدا،
وأعار قوما الإيمان زمانا ثم سلبهم إياه، وإن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان ثم سلبه
الله إياه.
قال: فضممته إلى صدري، وقبلت بين عينيه، فقلت: بأبي أنت وأمي (ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم) (2).



(1) الكافي 3: 16، الحديث 5. التهذيب 1: 30، الحديث 18. إثبات الوصية: 162.
تحف العقول: 411. أعلام الدين: 318. إعلام الورى: 308. الفصول المختارة: 44.
أمالي المرتضى 1: 152. كنز الفوائد 1: 366. الطرائف: 328.
(2) آل عمران: 24.
64
ثم رجعت إلى أبي عبد الله، فقال لي: ما صنعت يا عيسى؟ قلت له: بأبي
أنت وأمي، أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن شي بجميع ما أردت. قال:
يا عيسى، إن ابني الذي رأيته لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.
قال عيسى: ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب، فعلمت عند ذلك أنه صاحب
هذا الأمر (1).
3 - روى الكليني عن هشام بن الحكم - في حديث بريه (2) - أنه لما جاء معه
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، فحكى له هشام
الحكاية، فلما فرغ قال أبو الحسن (عليه السلام) لبريه [الراهب]: يا بريه، كيف علمك
بكتابك؟ قال: أنا به عالم. ثم قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه!
قال: فابتدأ أبو الحسن (عليه السلام) يقرأ الإنجيل، فقال بريه: إياك كنت أطلب منذ خمسين
سنة أو مثلك. قال: فآمن بريه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه.
فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله (عليه السلام) فحكى له هشام الكلام
الذي جرى بين أبي الحسن موسى (عليه السلام) وبين بريه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم) (3).



(1) دلائل الإمامة: 161. قرب الإسناد: 143. الخرائج والجرائح 2: 653، الحديث 5.
(2) بريه: هذا راهب من رهبان النصارى، والمرأة التي معه كذلك راهبة، وسيأتي تفصيل
الحديث عن الشيخ الصدوق في فصل مناظراته ومحاججاته (عليه السلام)، وفي رواية الصدوق (رحمه الله):
بريهة بدل: بريه.
(3) آل عمران: 24.
65
فقال بريه: أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة
من عندهم لنقرؤها كما قرأوها، ونقولها كما قالوا، إن الله لا يجعل حجة في أرضه
يسأل عن شيء فيقول: لا أدري (1).
4 - وعن أبي عاصم، عن الرضا (عليه السلام)، قال: إن موسى بن جعفر (عليه السلام) تكلم
يوما بين يدي أبيه (عليه السلام) فأحسن، فقال له: يا بني، الحمد لله الذي جعلك خلفا
من الآباء، وسرورا من الأبناء، وعوضا عن الأصدقاء (2).
5 - وعن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، في خبر النصراني الذي أسلم
على يديه (عليه السلام)، قال مطران عليا دمشق واصفا الإمام الكاظم (عليه السلام) ومرشدا
النصراني إليه: وإن كنت تريد علم الإسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل وعلم
الزبور وكتاب هود وكل ما أنزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك، وما
أنزل من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان كل شيء، وشفاء للعالمين،
وروح لمن استروح إليه، وبصيرة لمن أراد الله به خيرا، وأنس إلى الحق، فأرشدك
إليه، فائته ولو مشيا على رجليك، فإن لم تقدر فحبوا على ركبتيك... الخبر (3).



(1) الكافي 1: 227، الحديث 1. البحار 48: 114، الحديث 25. حلية الأبرار 2: 240.
العوالم: 306، الحديث 1.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 127.
(3) الكافي 1: 478، الحديث 4. البحار 48: 85، الحديث 106. العوالم: 297، الحديث 1.
حلية الأبرار 2: 236. البرهان 4: 157، الحديث 1. مدينة المعاجز 6: 297، الحديث
2023.
66
ثانيا - العبادة والتهجد:
لقد ترعرع الإمام الكاظم (عليه السلام) في مهد العبادة والطاعة والزهد، ودرج
في بيت القداسة والتقوى، حتى صار مثالا يقتدى به، حيث أجمع أغلب المترجمين له
على أنه كان أعبد أهل زمانه، حتى لقب بالعبد الصالح لشدة انقطاعه إلى ربه
واجتهاده في العبادة والتقوى، ولقب بزين المجتهدين، إذ لم ير أحد نظيرا له
في الطاعة والعبادة.
وفيما يلي نورد بعض الأقوال والأحاديث الدالة على عبادته وتقواه (عليه السلام):
1 - قال الخطيب البغدادي: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن
ابن محمد بن يحيى العلوي، حدثني جدي، قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد
الصالح من عبادته واجتهاده. روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: " عظيم الذنب عندي
فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى، ويا أهل المغفرة "، فجعل يرددها حتى
أصبح (1).
2 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمد العلوي، حدثني
جدي، حدثني عمار بن أبان، قال: حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند
السندي، فسألته أخته أن تتولى حبسه - وكانت تتدين - ففعل، فكانت تلي



(1) تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 308.
67
خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل
كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا
حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد
إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي
المغرب، ثم يصلي العشاء ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه، فكانت
أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبدا
صالحا (1). وقد ترك هذا أثرا في حفيدها - وهو كشاجم شاعر أهل البيت (عليهم السلام) -.
3 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله): كان أبو الحسن (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأفقههم،
وأسخاهم كفا، وأكرمهم نفسا.
روي أنه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع
الشمس، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال
الشمس، وكان يدعو كثيرا فيقول: " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت،
والعفو عند الحساب "، ويكرر ذلك.
وكان من دعائه: " عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك ".
وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع (2).
4 - وقال الشيخ الطبرسي (رحمه الله): كان (عليه السلام) أحفظ الناس بكتاب الله تعالى،



(1) تأريخ بغداد 13: 31. ذيل تأريخ أبي الفداء 1: 281. سير أعلام النبلاء 6: 273.
الكامل في التأريخ 6: 164.
(2) الإرشاد 2: 231.
68
وأحسنهم صوتا به، وكان إذا قرأ يحزن ويبكي السامعون لتلاوته، وكان الناس
بالمدينة يسمونه زين المجتهدين (1).
5 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن حفص، قال: كانت قراءته (عليه السلام)
حزنا، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا (2). هكذا كان الإمام (عليه السلام) يتلو القرآن ممعنا
في آدابه وتعاليمه، مستبصرا في أوامره ونواهيه.
6 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بالإسناد عن عبد الله القروي أنه قال:
دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادن، فدنوت
حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف على البيت في الدار، فأشرفت، فقال: ما ترى
في البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا، فقال: انظر حسنا، فتأملت ونظرت، فقلت:
رجلا ساجدا.
فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك، قلت: ومن مولاي؟ فقال:
تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولى.
فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، إني أتفقده الليل والنهار
فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها، إنه يصلي الفجر
فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا
حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام:



(1) إعلام الورى: 310.
(2) الكافي 2: 606، الحديث 10. الوسائل 4: 857، الحديث 3. حلية الأبرار 2: 277.
69
قد زالت الشمس، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فاعلم
أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر.
فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس،
فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا،
ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي
يؤتى به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم
فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر،
فلست أدري متى يقول الغلام: إن الفجر قد طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر،
فهذا دأبه منذ حول إلي.
فقلت: اتق الله ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم
أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت نعمته زائلة.
فقال: قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك،
وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني (1).
7 - قال بعض العيون الذين وكلتهم السلطة لمراقبته في السجن: كنت أسمعه
كثيرا يقول في دعائه: اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك،
اللهم وقد فعلت، فلك الحمد (2).



(1) عيون الأخبار 1: 106، الحديث 10. البحار 48: 210، الحديث 9. العوالم: 434،
الحديث 1. أمالي الصدوق: 126، الحديث 18. روضة الواعظين: 216. المناقب 4: 327.
(2) المناقب 4: 318. البحار 38: 107.
70
8 - وكان (عليه السلام) لا يتوانى عن فعل كل ما يحبه الله تعالى ويندب إليه عن رغبة
وإخلاص، فمن ذلك أنه (عليه السلام) حج بيت الله ماشيا على قدميه والنجائب تقاد
بين يديه، قال علي بن جعفر: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر (عليه السلام) في أربع عمر
يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما،
وأخرى خمسة وعشرين يوما، وأخرى أربعة وعشرين يوما، وأخرى أحدا
وعشرين ويوما (1). وكان (عليه السلام) في أغلب أسفاره إلى بيت الله الحرام يتنكب الطريق
وينفرد عن الناس، وقد تعلق قلبه وفكره بالله تعالى، وجرت له قصة مع شقيق
البلخي تدل على ذلك (2).
9 - وعن هشام بن الأحمر، قال: كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض
أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا، فأطال وأطال، ثم رفع رأسه
وركب دابته، فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود! فقال: إنني ذكرت نعمة
أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي (3).
ثالثا - الزهد:
كان الإمام الكاظم (عليه السلام) في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها



(1) البحار 48: 100، الحديث 2، عن قرب الإسناد: 165.
(2) ستأتي في معجزاته (عليه السلام)، وقد أجمع على ذكرها أغلب من ترجم للإمام الكاظم (عليه السلام).
(3) الكافي 2: 98، الحديث 26. الوسائل 4: 1081، الحديث 4. البحار 48: 116،
الحديث 29. حلية الأبرار 2: 253.
71
وزخارفها، فقد اتجه إلى الله ورغب فيما أعده له في دار الخلود من النعيم والكرامة،
وكان (عليه السلام) دوما يتلو على أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل
الأعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقال (عليه السلام): رحم الله
أبا ذر، فلقد كان يقول: جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغدى
بأحدهما وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف ائتزر بإحداهما وأتردى
بالأخرى (1).
وفيما يلي نورد بعض ما جاء من سيرته الدالة على زهده وإعراضه عن الدنيا:
1 - عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام)
في بيته الذي يصلي فيه، فإذا ليس في البيت إلا خصفة وسيف معلق (2). وهذا يدل
على منتهى الزهد وغاية البساطة في حياة الإمام (عليه السلام)، فقد كان بيته بسيطا
ولا يحتوي على شيء من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء، وقد كانت تجبى
له الأموال الطائلة والحقوق الشرعية من مختلف ديار الإسلام، وكان يملك اليسيرية
وساية وغيرهما من الضياع والأراضي الزراعية في ساية ونقمى وسواهما التي تدر
عليه الأموال الطائلة، فاختار (عليه السلام) أن ينفقها بسخاء على البائسين والمحرومين
في سبيل الله وابتغاء مرضاته معرضا عن الدنيا متجردا عن زخارفها.
2 - ذكر ابن عمار وغيره من الرواة: أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب



(1) الكافي 2: 134، الحديث 17.
(2) قرب الإسناد: 128. البحار 48: 100، الحديث 1.
72
من المدينة استقبلته الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر (عليه السلام) على بغلة،
فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين (عليه السلام)؟! وأنت
إن طلبت عليها لم تدرك، وإن طلبت لم تفت! فقال (عليه السلام): إنها تطأطأت عن خيلاء
الخيل، وارتفعت عن ذلة العير (1)، وخير الأمور أوسطها (2). وهذا مثل رائع
في الزهد والتواضع والترفع عن مظاهر الترف الزائلة.
رابعا - الحلم:
كان الإمام الكاظم (عليه السلام) مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ ومجازاة
المسيئين إليه بالإحسان إليهم، قال الشيخ المفيد: وسمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ
وصبر عليه من فعل الظالمين به حتى مضى قتيلا في حبسهم ووثاقهم (3).
كان (عليه السلام) يصفح عمن اعتدى عليه، ويعفو عمن أساء إليه، ولم يكتف بذلك
وإنما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والأنانية
من نفوسهم، فقد روي أنه كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها
ألف دينار (4).



(1) العير: الحمار الوحشي، والأهلي أيضا.
(2) الإرشاد 2: 234. مقاتل الطالبيين: 333. إعلام الورى: 307. المناقب 4: 320.
البحار 48: 103. حلية الأبرار 2: 274. زهر الآداب 1: 133.
(3) الإرشاد 2: 235.
(4) دلائل الإمامة: 148. تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 308. شرح ابن
أبي الحديد 6: 191. سير أعلام النبلاء 6: 271. الأئمة الاثنا عشر: 89.
73
وكان (عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلي بالحلم والصفح عمن أساء إليهم، فقد جاء
في وصيته لهم: " يا بني، إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت
فأسمع أحدكم في الأذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر لكم وقال:
إني لم أقل شيئا، فاقبلوا عذره ".
وقد روى المؤرخون مزيدا من الروايات في سعة حلمه وكظمه للغيظ
ومقابلته الإساءة بالإحسان، منها:
1 - روى الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده يحيى بن الحسن،
عن غير واحد من أصحابه، أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه
ويشتم عليا، قال: وكان قد قال له بعض جلسائه: دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك
أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري: فذكر له أنه يزدرع بناحية
من نواحي المدينة، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره
فصاح به العمري: لا تطأ زرعنا، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه، فنزل فجلس عنده
وضاحكه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال له: مائة دينار. قال:
فكم ترجو أن يصيب؟ قال: أنا لا أعلم الغيب. قال: إنما قلت لك: كم ترجو
أن يجيئك فيه؟ قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار. قال: فأعطاه ثلاثمائة دينار،
وقال: هذا زرعك على حاله. قال: فقام العمري فقبل رأسه وانصرف، قال:
فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل
رسالته. قال: فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا!
قال: فخاصمهم وشاتمهم، قال: وجعل يدعو لأبي الحسن موسى (عليه السلام) كلما دخل
وخرج.

74
قال: فقال أبو الحسن موسى لجلسائه الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان
خير، ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار الذي عرفتم وكفيت به
شره؟ (1)
2 - عن حماد بن عيسى، قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي في المسعى
يشرف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى (عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة،
فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه أن يتعلق بلجامه ويدعي البغلة،
فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة، فثنى أبو الحسن (عليه السلام) رجله فنزل عنها وقال
لغلمانه: خذوا سرجها عنها وادفعوها إليه (2).
3 - قال ابن أبي الحديد: روي أن عبدا لموسى بن جعفر (عليه السلام) قدم إليه صحفة
فيها طعام حار، فعجل فصبها على رأسه ووجهه، فغضب فقال له: (والكاظمين
الغيظ)، قال: قد كظمت. قال: (والعافين عن الناس)، قال: قد عفوت. قال:
(والله يحب المحسنين)، قال: أنت حر لوجه الله، وقد نحلتك ضيعتي
الفلانية (3).



(1) تأريخ بغداد 13: 28. إعلام الورى: 306. سير أعلام النبلاء 6: 271. الإرشاد 2:
233. مقاتل الطالبيين: 499. المناقب 4: 319. البحار 48: 102، الحديث 7.
(2) الكافي 8: 86، الحديث 48. تنبيه الخواطر 2: 135. الوسائل 18: 224، الحديث 1.
بحار الأنوار 48: 148. الحديث 23.
(3) شرح نهج البلاغة 18: 46. والآية من سورة آل عمران: 134.
75
خامسا - الكرم والصدقات:
من المظاهر البارزة في سيرة الإمام (عليه السلام) كرمه وسخاؤه وبره ومعروفه،
إذ يجد المتصفح لتأريخه (عليه السلام) صورا فريدة من الجود والإحسان قلما يجد نظيرا لها
إلا عند آبائه المعصومين (عليهم السلام) الذين ضربوا أسمى وأروع الأمثلة في مكارم
الأخلاق.
وقد أجمع المؤرخون أنه (عليه السلام) أنفق جميع ما عنده على البائسين والمحرومين
لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس، فكان (عليه السلام) لا يرى للمال أدنى قيمة
حتى يشبع به جائعا أو يكسو به عاريا، وكان (عليه السلام) يبذل عن طيب نفس وبداعي
التقرب إلى الله تعالى والخير والإحسان، ولم يبتغ من أحد جزاء ولا شكورا،
حتى إنه كان (عليه السلام) في صدقاته وبره يتوخى الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على
الفقير ذلة الحاجة ملتمسا بذلك وجه الله ورضاه، وقد أعال بهباته وصلاته الخفية
فقراء المدينة دون أن يعلموا من أي جهة تصلهم إلا بعد حبسه وشهادته (عليه السلام)،
فكانت صدقاته (عليه السلام) كصدقات آبائه معروفا من غير سؤال وسرا من غير إعلان.
وكان (عليه السلام) يوصي أصحابه ويحثهم على التحلي بالسخاء، قال (عليه السلام):
" السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يستخلي الله عنه حتى يدخله الجنة،
وما بعث الله عز وجل نبيا إلا سخيا، وما زال أبي يوصيني بالسخاء حتى
مضى... " (1).
وفيما يلي نورد طرفا من أقوال وروايات المؤرخين عن كرمه وسخائه (عليه السلام):



(1) الكافي 4: 39، الحديث 4.
76
1 - قال ابن الصباغ: كان موسى الكاظم (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأعلمهم،
وأسخاهم كفا، وأكرمهم نفسا، وكان يتفقد فقراء المدينة ويحمل إليهم الدراهم
والدنانير إلى بيوتهم والنفقات، ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، وما علموا
بذلك إلا بعد موته (عليه السلام) " (1).
2 - قال الخطيب البغدادي: كان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل
أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار،
وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة، وكان مثل صرر موسى
ابن جعفر (عليه السلام) إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى (2).
3 - وعن محمد بن عبد الله البكري، قال: قدمت المدينة أطلب بها دينا
فأعياني، فقلت: لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر فشكوت ذلك إليه،
فأتيته بنقمى (3) في ضيعته، فخرج إلي ومعه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع (4)
ليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي،
فدخل فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي، فقال لغلامه: اذهب. ثم مد يده إلي،



(1) الفصول المهمة: 234.
(2) تأريخ بغداد 13: 17. وفيات الأعيان 5: 308. مرآة الجنان 1: 394. الصواعق المحرقة:
203.
(3) نقمى: موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب.
(4) المنسف: ما يفرق به الطعام، والقديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس، والمجزع: المقطع.
77
فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى، فقمت فركبت دابتي وانصرفت (1).
4 - وعن عيسى بن محمد بن مغيث القرظي - وبلغ تسعين سنة - قال:
زرعت بطيخا وقثاء وقرعا في موضع بالجوانية (2) على بئر، يقال لها أم العظام،
فلما قرب الخير، واستوى الزرع، بغتني الجراد، فأتى على الزرع كله، وكنت
غرمت على الزرع وفي ثمن جملين مائة وعشرين دينارا، فبينما أنا جالس إذ طلع
موسى بن جعفر بن محمد فسلم، ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت
كالصريم (3)، بغتني الجراد فأكل زرعي، قال: وكم غرمت فيه؟ قلت: مائة
وعشرين دينارا مع ثمن الجملين. فقال: يا عرفة، زن لأبي المغيث مائة وخمسين
دينارا فربحك ثلاثين دينارا والجملين. فقلت: يا مبارك، ادخل وادع لي فيها،
فدخل ودعا، وحدثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " تمسكوا ببقايا المصائب ".
ثم علقت عليه الجملين وسقيته، فجعل الله فيها البركة، زكت فبعت منها
بعشرة آلاف (4).
5 - عن محمد بن موسى، قال: خرجت مع أبي إلى ضياعه بساية (5)،



(1) تأريخ بغداد 13: 28. روضة الواعظين: 215. سير أعلام النبلاء 6: 271. حلية الأبرار
2: 260. الإرشاد 2: 232.
(2) الجوانية: موضع أو قرية قرب المدينة.
(3) الصريم: الأرض المحصود زرعها.
(4) تأريخ بغداد 13: 29.
(5) ساية: واد من حدود الحجاز فيه مزارع وعيون.
78
فأصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا على عين من عيون ساية،
فخرج إلينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستدفئ بخرقة، على رأسه قدر فخار
يفور، فوقف على الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكنى؟
قالوا له: أبو الحسن.
قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي، يا أبا الحسن، هذه عصيدة أهديتها إليك.
قال: ضعها عند الغلمان، فوضعها عند الغلمان، فأكلوا منها.
قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج وعلى رأسه حزمة حطب، حتى وقف
عليه، فقال له: يا سيدي، هذا حطب أهديته إليك. قال: ضعه عند الغلمان،
وهب لنا نارا. فذهب فجاء بنار. قال: وكتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه
إلي، وقال: يا بني، احتفظ بهذه الورقة حتى أسألك عنها.
قال: فوردنا إلى ضياعه، وأقام بها ما طاب له، ثم قال: امضوا بنا إلى زيارة
البيت، قال: فخرجنا حتى وردنا مكة، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعدا،
فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فإذا علمت بموضعه فأعلمني حتى أمشي إليه،
فإني أكره أن أدعوه والحاجة لي. قال لي صاعد: فذهبت حتى وقفت على الرجل،
فلما رآني عرفني - وكنت أعرفه، وكان يتشيع - فلما رآني سلم علي، وقال:
أبو الحسن قدم؟ قلت: لا. قال: فأيش أقدمك؟ قلت: حوائج. وقد كان علم
بمكانه وبشأنه، فتتبعني وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه، فلما رأيت أني
لا أنفلت منه، مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته، فقال: ألم أقل لك
لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك، لم أعلمه، فسلم عليه، فقال له أبو الحسن:
غلامك فلان تبيعه؟ قال له: جعلت فداك، الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك.
قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها، وقد حدثني أبي، عن جدي، أن بائع
الضيعة ممحوق، ومشتريها مرزوق.

79
قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها، فاشترى أبو الحسن الضيعة
والرقيق منه بألف دينار، وأعتق العبد ووهب له الضيعة.
قال إدريس بن أبي رافع: فهو ذا ولده في الصرافين بمكة (1).
سادسا - التواضع:
لقد بلغ الإمام الكاظم (عليه السلام) من رقة الحاشية والتواضع حتى أصبح حديث
أهل زمانه، على الرغم مما كان يحوطه من الوقار الذي يفرض احترامه وهيبته
على الناس عفوا، وهذا الوقار وذاك التواضع المقرون بالهيبة والتجليل بين صفوف
الناس هما من جملة الأسباب التي أثارت تخوف هارون الرشيد من إقبال الناس
عليه. قال أبو العلاء المعري في قصيدة يرثي بها حفيد الإمام أبا أحمد الموسوي
والد الشريفين الرضي والمرتضى:
ويخال موسى جدكم لجلاله * في النفس صاحب سورة الأعراف (2)
ومن الأخبار الدالة على تواضعه وبساطته (عليه السلام) ما رواه الحراني في " تحف
العقول "، قال: روي أنه مر برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلم عليه،
ونزل عنده، وحادثه طويلا، ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت
له، فقيل له: يا بن رسول الله، أتنزل إلى هذا، ثم تسأله عن حوائجه، وهو إليك
أحوج؟!



(1) تأريخ بغداد 13: 29 - 30. دلائل الإمامة: 148. إحقاق الحق 12: 305. وفي الدلائل
(تحقيق مؤسسة البعثة: 313): فهو ذا ولده يعرف بالصراف بمكة.
(2) سقط الزند: 36.
80
فقال (عليه السلام): عبد من عبيد الله، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله،
يجمعنا وإياه خير الآباء آدم (عليه السلام)، وأفضل الأديان الإسلام، ولعل الدهر يرد
من حاجاتنا إليه، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه، ثم قال (عليه السلام):
نواصل من لا يستحق وصالنا * مخافة أن نبقى بغير صديق (1)
وفي هذا الخبر موعظة جليلة وحكمة بالغة تدل على سماحة الإمام (عليه السلام)
ورحمته وتذلله للمؤمنين، وهو مصداق قوله تعالى: (أذلة على المؤمنين) (2).
سابعا - الإرشاد والتوجيه:
لقد كان الإمام (عليه السلام) يحرص على إرشاد الناس إلى الحق وهدايتهم
إلى الصواب وفعل الخير، ويدلهم على التقوى والعمل الصالح ويحذرهم لقاء الله
واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنى الموت، فانبرى (عليه السلام) له قائلا: هل بينك
وبين الله قرابة يحابيك لها؟ قال: لا. قال (عليه السلام): فأنت إذن تتمنى هلاك الأبد (3).
وكان (عليه السلام) يدعو الناس إلى الإصلاح بمكارم أخلاقه وحسن سيرته
وتواضعه وإحسانه، وببركة إرشاده ووعظه استطاع أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم
الدنيا وجرفتهم متاهاتها، فتركوا ما هم فيه من الغي والضلال وصاروا من عيون
المؤمنين، وسنذكر بعض نصائحه الرفيعة وإرشاداته القيمة الحافلة بالتوجيه والنصح
في باب حكمه ومواعظه (عليه السلام)، وفيما يلي نذكر بعض النوادر التي ذكرها المؤرخون
في هذا المجال:



(1) تحف العقول: 413.
(2) المائدة: 54.
(3) بحار الأنوار 78: 327، الحديث 5.
81
1 - قال العلامة في " منهاج الكرامة " في سبب توبة بشر بن الحارث المروزي
المعروف ببشر الحافي (1): إنه اجتاز مولانا الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على داره
ببغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت
جارية وبيدها قمامة، فرمت بها في الدرب، فقال (عليه السلام) لها: يا جارية، صاحب
هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر. فقال: صدقت لو كان عبدا خاف من
مولاه. فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك؟ فقالت:
حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيا حتى لقي مولانا الكاظم (عليه السلام)، فتاب
على يده، واعتذر وبكى لديه استحياء من عمله (2).
2 - نقل ابن شهرآشوب عن كتاب " الأنوار "، قال العامري: إن هارون
الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية حصيفة (3)، لها جمال ووضاءة لتخدمه
في السجن، فقال [للخادم]: قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون) (4) لا حاجة لي
في هذه ولا في أمثالها.



(1) هو أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي البغدادي، العارف الزاهد المشتهر،
أحد أركان رجال الطريقة، قيل: إنه كان من أولاد الرؤساء والكتاب، وكان من أهل المعازف
والملاهي فتاب، ونقل في سبب توبته جملة أخبار منها ما ذكرناه، ونقل عنه كلمات رائعة
في الحكمة وأشعار في الزهد، أنظر تأريخ بغداد 7: 67.
(2) روضات الجنات 2: 130. الكنى والألقاب 2: 168. وقد ذكرنا ذلك مفصلا في كراس
" التوابون في التأريخ " من سلسلة الثقافة الإسلامية - رقم 7، فراجع.
(3) أي جيدة الرأي محكمة العقل.
(4) النمل: 36.
82
قال: فاستطار هارون غضبا وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك
حبسناك، ولا برضاك أخدمناك، واترك الجارية عنده وانصرف.
قال: فمضى ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه، وأنفذ الخادم إليه ليتفحص
عن حالها، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها، تقول: قدوس، سبحانك
سبحانك! فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره (1)، علي بها... (2).
3 - عن محمد الرافعي، قال: كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله،
وكان زاهدا، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان يتقيه السلطان لجده في الدين
واجتهاده، وربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يغضبه،
فكان يحتمل ذلك له لصلاحه، فلم تزل هذه حاله حتى دخل يوما المسجد وفيه
أبو الحسن موسى (عليه السلام)، فأومأ إليه فأتاه، فقال له: يا أبا علي، ما أحب إلي
ما أنت فيه وأسرني به، إلا أنه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة.
فقال له: جعلت فداك، وما المعرفة؟ قال: إذهب تفقه، واطلب الحديث.
قال: عمن؟ قال: عن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض علي الحديث.
قال: فذهب فكتب، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله، ثم قال له: اذهب
فاعرف، وكان الرجل معنيا بدينه، قال: فلم يزل يترصد أبا الحسن حتى خرج
إلى ضيعة له، فلقيه في الطريق فقال له: جعلت فداك، إني أحتج عليك بين يدي الله،
فدلني على ما تجب علي معرفته.



(1) هذا هو شأن الطواغيت يجعلون الهداية سحرا.
(2) المناقب 4: 297. إثبات الهداة 3: 214، الحديث 145. البحار 48: 238. العوالم:
441، الحديث 4.
83
قال: فأخبره أبو الحسن (عليه السلام) بأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) وحقه وما يجب له،
وأمر الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام)،
ثم سكت، فقال له: جعلت فداك، فمن الإمام اليوم؟ قال: إن أخبرتك تقبل؟ قال:
نعم. قال: أنا هو، قال: فشئ أستدل به؟ قال: اذهب إلى تلك الشجرة - وأشار
إلى بعض شجر أم غيلان (1) - فقل لها: يقول لك موسى بن جعفر: أقبلي. قال:
فأتيتها فرأيتها والله تخد (2) الأرض خدا حتى وقفت بين يديه، ثم أشار إليها
بالرجوع فرجعت. قال: فأقر به، ثم لزم الصمت والعبادة، فكان لا يراه أحد يتكلم
بعد ذلك (3). وهكذا هدي الرجل إلى نهج الصواب واستبصر باعتناقه مذهب
أهل البيت (عليهم السلام) الحق.
وسيأتي في فصل مناظراته (عليه السلام) أن جملة من النصارى قد اعتنقوا دين الحق
الإسلام، واهتدوا على يديه (عليه السلام)، بعد أن أفحمهم بحجته البالغة وبرهانه الساطع،
وبعد ما رأوا من فضائله ومكارم أخلاقه.



(1) أم غيلان: من الأشجار عند العرب، وتسمى أيضا: السمرة.
(2) تخد الأرض: تشقها.
(3) الإرشاد 2: 223. الكافي 1: 286، الحديث 8. بصائر الدرجات: 274، الحديث 6.
البحار 48: 53، الحديث 49.
84
الفصل الرابع
سيرته (عليه السلام) وسننه
سيرة الإمام الكاظم (عليه السلام) نموذج رائع من سيرة آبائه الطاهرين (عليهم السلام)
ومصداق بارز وناطق من سيرة وسنة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) وتجسيد حي لمبادئ
الإسلام وشريعة السماء، والقرآن الكريم. وقد سبق أن ألمحنا في مفتتح هذا الكتاب
عن ملامح شخصية الإمام وجوانب عديدة من مكارم أخلاقه، لا سيما عبادته
وتهجده، وحلمه، وزهده، وجوده وسخاؤه وكظمه للغيظ، لا سيما مع الحكام
المعاصرين له.
وسنذكر جانبا من مظاهر العظمة التي يتحلى بها إمامنا العظيم (عليه السلام)
في هذا الباب، آملين أن نكون قد أوفينا بعض الذي علينا من الواجب والحق...
مصلاه (عليه السلام):
عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) في بيته
الذي كان يصلي فيه، فإذا ليس في البيت شيء إلا خصفة وسيف معلق ومصحف (1).



(1) قرب الإسناد: 128. البحار 48: 100، الحديث 1. الخصفة: ما يعمل من الخوص
للفراش أو لعمل القفة، أو الجلة لحفظ التمر ونحوه.
85
عمرته (عليه السلام):
عن علي بن جعفر (عليه السلام)، قال: خرجنا مع أخي موسى بن جعفر (عليه السلام) في أربع
عمر يمشي [فيها سائرا على قدميه] إلى مكة بعياله وأهله، واحدة منهن مشى فيها
ستة وعشرين يوما، وأخرى خمسة وعشرين يوما، وأخرى أربعة وعشرين يوما،
وأخرى إحدى وعشرين يوما (1).
قراءته وحفظه (عليه السلام):
كان (عليه السلام) أحفظ أهل زمانه لكتاب الله، وأحسنهم صوتا بالقرآن (2).
وكانت قراءته حزنا، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا (3).
شكره (عليه السلام):
عن هشام بن أحمر، قال: كنت أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض أطراف
المدينة، إذ ثنى رجله عن دابته، فخر ساجدا، فأطال وأطال، ثم رفع رأسه
وركب دابته. فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود؟ فقال: إنني ذكرت نعمة
أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي (4).



(1) قرب الإسناد: 122. البحار 48: 100، الحديث 2.
(2) إعلام الورى: 309، البحار 48: 103.
(3) الكافي 2: 66، الحديث 1. حلية الأبرار 2: 277. البحار 48: 111، الحديث 18.
(4) الكافي 2: 98، الحديث 26. البحار 48: 116، الحديث 29.
86
استغفاره (عليه السلام):
في كتاب الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: قال لي
أبو الحسن (عليه السلام) [الكاظم]: إني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة (1).
كتابه (عليه السلام):
عن علي بن عطية، أنه رأى كتبا لأبي الحسن (عليه السلام) متربة (2).
ثيابه (عليه السلام):
1 - عن محمد بن عيسى، عن يونس، قال: رأيت على أبي الحسن (عليه السلام)
طيلسانا أزرق (3).
2 - وعن محمد بن علي، قال: رأيت على أبي الحسن (عليه السلام) ثوبا
عدسيا (4).



(1) الزهد: 74، الحديث 199. البحار 48: 119، الحديث 36.
(2) الكافي 2: 673، الحديث 9. البحار 48: 112، الحديث 21. وترب الكتاب: جعل عليه
التراب، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: تربوا الكتاب، فإنه أنجح للحاجة. الخصال:
394، الحديث 99.
(3) الكافي 6: 448.
(4) الكافي 6: 448.
87
3 - وعن العباس بن هلال الشامي، مولى أبي الحسن (عليه السلام)، قال: قلت له:
جعلت فداك، ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويتخشع!
فقال: أما علمت أن يوسف (عليه السلام) نبي ابن نبي كان يلبس أقبية الديباج
مزرورة بالذهب، ويجلس في مجالس آل فرعون يحكم، فلم يحتج الناس إلى لباسه
وإنما احتاجوا إلى قسطه، وإنما يحتاج من الإمام في أن إذا قال صدق، وإذا وعد
أنجز، وإذا حكم عدل، إن الله لا يحرم طعاما ولا شرابا من حلال، وإنما حرم الحرام
قل أو كثر، وقد قال الله عز وجل: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق) (1).
4 - عن سليمان بن رشيد، عن أبيه، قال: رأيت على أبي الحسن (عليه السلام) دراعة
سوداء وطيلسانا أزرق (2).
5 - وعن الحسن بن مختار، قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام): اعمل لي
قلنسوة لا تكون مصنعة، فإن السيد مثلي لا يلبس المصنع (والمصنع: المكسر
بالظفر) (3).
6 - وعن محمد بن علي، قال: رأيت على أبي الحسن (عليه السلام) قلنسوة خز مبطنة



(1) الكافي 6: 453، الحديث 5.
(2) مكارم الأخلاق: 118.
(3) مكارم الأخلاق: 138. الظفر: فيروزج.
88
بسمور (1).
7 - وفي مكارم الأخلاق: لم يكن شيء أبغض إليه (عليه السلام) من لبس الثوب
المشهور، وكان يأمر بالثوب الجديد فيغمس في الماء ويلبسه (2).
خاتمه (عليه السلام):
عن الحسن بن علي بن مهران، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)
وفي إصبعه خاتم فضة فيروزج، نقشه: " الله الملك "، فأدمت النظر إليه، فقال (عليه السلام):
ما لك تديم النظر إليه؟
فقلت: بلغني أنه كان لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتم فضة فيروزج نقشه:
" الله الملك ". فقال: أتعرفه؟ قلت: لا. فقال: هذا هو، تدري ما سببه؟ قلت: لا.
قال: هذا حجر أهداه جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوهبه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لأمير المؤمنين (عليه السلام)، أتدري ما اسمه؟ قلت: فيروزج. قال: هذا بالفارسية، فما اسمه
بالعربية؟ قلت: لا أدري. قال: اسمه الظفر (3).
مطعمه وآداب أكله (عليه السلام):
1 - عن محمد بن جعفر العاصي، عن أبيه، عن جده، قال: حججت



(1) مكارم الأخلاق: 137.
(2) مكارم الأخلاق: 133.
(3) الكافي 6: 472. ثواب الأعمال: 209. مكارم الأخلاق: 101.
89
ومعي جماعة من أصحابنا، فأتيت المدينة، فقصدنا مكانا فنزله، فاستقبلنا
أبو الحسن (عليه السلام) على حمار أخضر يتبعه طعام، ونزلنا بين النخل، وجاء ونزل
وأتي بالطست والماء والأشنان، فبدأ يغسل يديه، وأدير الطست عن يمينه حتى بلغ
آخرنا، ثم أعيد على يساره حتى أتى إلى آخرنا.
ثم قدم الطعام، فبدأ بالملح، ثم قال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ثنى
بالخل، ثم أتي بكتف مشوي، فقال: كلوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإن هذا طعام
كان يعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال -: ورفعت المائدة فذهب أحدنا ليلتقط
ما كان تحتها، فقال (عليه السلام): إنما ذلك في المنازل تحت السقوف، فأما في مثل
هذا الموضع فهو لعافية (1) الطير والبهائم. ثم أتي بالخلال، فقال: من حق الخلال
أن تدير لسانك في فمك، فما أجابك ابتلعته، وما امتنع تحركه بالخلال، ثم تخرجه
فتلتقطه.
وأتي بالطست والماء فابتدأ بأول من على يساره، حتى انتهى إليه فغسل،
ثم غسل من على يمينه، حتى أتى على آخرهم (2).
2 - عن يونس بن يعقوب، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يقطع الكراث
بأصوله، فيغسله بالماء ويأكله (3).



(1) العافي: طالب الفضل والرزق.
(2) مكارم الأخلاق: 144. البحار 48: 117، الحديث 35.
(3) الكافي 7: 365، الحديث 3. المحاسن: 512، الحديث 690. البحار 66: 204، الحديث
16.
90
3 - عن موفق المديني، عن أبيه، عن جده، قال: بعث إلي [أبو الحسن]
الماضي (عليه السلام) يوما، فأجلسني للغداء، فلما جاءوا بالمائدة لم يكن عليها بقل،
فأمسك يده، ثم قال للغلام: أما علمت أني لا آكل على مائدة ليس فيها خضرة،
فأتني بالخضرة.
قال: فذهب الغلام فجاء بالبقل، فألقاه على المائدة، فمد يده (عليه السلام) حينئذ
وأكل (1).
4 - عن مرازم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) إذا توضأ قبل الطعام لم يمس
المنديل، وإذا توضأ بعد الطعام مس المنديل (2).
5 - عن الفضل بن يونس، قال: لما تغدى عندي أبو الحسن (عليه السلام)
وجئ بالطست بدئ به (عليه السلام)، وكان في صدر المجلس، فقال (عليه السلام): ابدأ بمن على
يمينك، فلما أن توضأ واحد، أراد الغلام أن يرفع الطست، فقال أبو الحسن (عليه السلام):
دعها، فاغسلوا أيديكم فيها (3).



(1) الكافي 6: 362، الحديث 1. البحار 66: 425. الحديث 44. المحاسن: 507،
الحديث 651.
(2) الكافي 6: 291، الحديث 2. التهذيب 9: 98، الحديث 161. المحاسن: 428، الحديث
244. البحار 66: 261، الحديث 32.
(3) الكافي 6: 291، الحديث 3. التهذيب 9: 98، الحديث 160. المحاسن: 425، الحديث
228. البحار 66: 357، الحديث 23.
91
6 - وعنه، قال: لما تغدى عندي أبو الحسن (عليه السلام) أتي بمنديل ليطرح
على ثوبه، فأبى أن يلقيه على ثوبه (1).
7 - عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) لا يدع العشاء
ولو كعكة، وكان يقول: إنه قوة للجسم، قال: ولا أعلمه إلا قال: وصالح للجماع (2).
8 - عن معمر بن خلاد، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: من أكل في منزله
طعاما فسقط منه شيء فليتناوله، ومن أكل في الصحراء أو خارجا فليتركه للطير
والسبع (3).
9 - وروي عن الفضل بن يونس، قال: إني في منزلي يوما، فدخل علي
الخادم، فقال: إن في الباب رجلا يكنى بأبي الحسن، يسمى موسى بن جعفر،
فقلت: يا غلام، إن كان الذي أتوهم فأنت حر لوجه الله.
قال: فبادرت إليه، فإذا أنا به (عليه السلام) فقلت: إنزل يا سيدي، فنزل، ودخل
المجلس، فذهبت لأرفعه في صدر البيت، فقال لي: يا فضل، صاحب المنزل أحق
بصدر البيت، إلا أن يكون في القوم رجل من بني هاشم. فقلت: فأنت إذن جعلت
فداك، ثم قلت: جعلني الله فداك، إنه قد حضر طعام لأصحابنا، فإن رأيت...



(1) المحاسن: 430، الحديث 251. البحار 66: 361، الحديث 36.
(2) المحاسن: 423، الحديث 211. مكارم الأخلاق: 195. البحار 66: 345، الحديث 19.
(3) الكافي 6: 300، الحديث 8.
92
فقال: يا فضل، إن الناس يقولون: إن هذا طعام الفجأة، وهم يكرهونه،
أما إني لا أرى له بأسا.
فأمرت الغلام فأتى بالطست، فدنا منه، فقال: الحمد لله الذي جعل لكل شيء
حدا. فقلت: جعلت فداك، فما حد هذا؟ فقال: أن يبدأ رب البيت لكي ينشط
الأضياف، فإذا وضع الطست سمى، وإذا رفع حمد الله.
ثم أتي بالمائدة، فقلت: ما حد هذا؟ قال: أن تسمي إذا وضع، وتحمد الله
إذا رفع.
ثم أتي بالخلال، فقلت: فما حد هذا؟ قال: أن تكسر رأسه لأن لا يدمي
اللثة.
فأتي بالإناء، فقلت: فما حده؟ قال: أن لا تشرب من موضع العروة،
ولا من موضع كسر - إن كان به - فإنه مجلس الشيطان، فإذا شربت سميت،
وإذا فرغت حمدت الله، وليكن صاحب البيت - يا فضل - إذا فرغ من الطعام
ووضأ القوم، آخر من يتوضأ (1).
10 - عن الجعفري، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: الوضوء قبل الطعام
وبعده يثبت النعمة (2).
11 - عن الفضل بن يونس، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام)، وسمعته يقول



(1) مكارم الأخلاق: 148. البحار 66: 422، الحديث 37.
(2) المحاسن: 424، الحديث 218. البحار 66: 356، الحديث 15.
93
وقد أتينا بالطعام: الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا، قلنا: ما حد هذا الطعام
إذا وضع؟ وما حده إذا رفع؟ فقال: حده إذا وضع أن يسمى عليه، وإذا رفع
يحمد الله عليه (1).
12 - عن عمرو بن إبراهيم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لو أن الناس
قصدوا في المطعم، لاستقامت أبدانهم (2).
13 - عن بشير الدهان، أو عمن ذكره عنه، قال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله
يبغض البطن الذي لا يشبع (3).
تخلله (عليه السلام):
1 - عن الفضل بن يونس، قال: تغدى عندي أبو الحسن (عليه السلام)، فلما فرغ
من الطعام أتي بالخلال، فقلت له: جعلت فداك، ما حد هذا الخلال؟ فقال:
يا فضل، كل ما بقي في فيك، وما أدرت عليه لسانك، وما استكرهته بالخلال
فأنت فيه بالخيار، إن شئت أكلته، وإن شئت طرحته (4).
2 - عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: لا تخللوا



(1) المحاسن: 431، الحديث 256. البحار 66: 370، الحديث 11.
(2) المحاسن: 439، 296. البحار 66: 334، الحديث 17.
(3) المحاسن: 446، الحديث 326. البحار 66: 336، الحديث 24.
(4) المحاسن: 559، الحديث 934. الكافي 6: 377. البحار 66: 440، الحديث 15.
94
بعود الريحان، ولا بقضيب الرمان، فإنهما يهيجان عرق الجذام (1).
3 - وعن كتاب السياري، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: ملك ينادي
في السماء: اللهم بارك في الخلالين والمتخللين. والخل بمنزلة الرجل الصالح
يدعو لأهل البيت بالبركة.
فقلت: جعلت فداك، وما الخلالون والمتخللون؟ قال: الذين في بيتهم الخل،
والذين يتخللون، فإن الخلال نزل به جبرئيل مع اليمين والشهادة من السماء (2).
4 - وعن يعقوب بن شعيب، عمن أخبره، عن أبي الحسن (عليه السلام)، أنه أتي
بخلال من الأخلة المهيأة وهو في منزل الفضل بن يونس، فأخذ منه شظية ورمى
بالباقي (3).
وليمته (عليه السلام):
عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا، قال: أولم أبو الحسن (عليه السلام)
على بعض ولده، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات (4) في الجفان،



(1) المحاسن: 564، الحديث 966. الكافي 6: 377.
(2) مستطرفات السرائر: 49، الحديث 9. البحار 66: 441، الحديث 26.
(3) المحاسن: 560، الحديث 938. البحار 66: 440، الحديث 16. الكافي 6: 376،
الحديث 6.
(4) الفالوذج: حلوى، تعمل من الدقيق والماء والعسل.
95
في المساجد والأزقة، فعابه بذلك بعض أهل المدينة، فبلغه ذلك فقال (عليه السلام):
ما أتى الله عز وجل نبيا من أنبيائه شيئا إلا وقد أتى محمدا (صلى الله عليه وآله) مثله، وزاده
ما لم يؤتهم، قال لسليمان (عليه السلام): (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) (1)،
وقال لمحمد (صلى الله عليه وآله): (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2).
حمامه (عليه السلام):
1 - قال موسى بن جعفر (عليه السلام): الحمام يوم ويوم لا يكثر اللحم، وإدمانه
كل يوم يذيب شحم الكليتين (3).
2 - عن علي بن الحكم، عن رجل من بني هاشم، قال: دخلت على جماعة
من بني هاشم، فسلمت عليهم في بيت مظلم، فقال بعضهم: سلم على
أبي الحسن (عليه السلام) فإنه في الصدر.
قال: فسلمت عليه وجلست بين يديه، فقلت له: قد أحببت أن ألقاك
منذ حين لأسألك عن أشياء. فقال: سل ما بدا لك، قلت: ما تقول في الحمام؟
قال: لا تدخل الحمام إلا بمئزر، وغض بصرك، ولا تغتسل من غسالة
ماء الحمام، فإنه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا، والناصب لنا
أهل البيت، وهو شرهم (4).



(1) سورة ص: 39.
(2) الكافي 6: 281، الحديث 1. البحار 48: 110، الحديث 12. والآية من سورة الحشر: 7.
(3) مكارم الأخلاق: 53. البحار 76: 78.
(4) الكافي 6: 498، الحديث 10.
96
3 - وعنه (عليه السلام)، قال: لا تدخلوا الحمام على الريق، لا تدخلوه حتى تطعموا
شيئا (1).
4 - عن الحسين بن موسى، قال: خرج أبو الحسن (عليه السلام) يوما من الحمام،
فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له كنيد، وبيده أثر حناء، فقال: ما هذا الأثر
بيدك؟ فقال: أثر حناء...
فقال: ويلك يا كنيد، حدثني أبي - وكان أعلم أهل زمانه - عن أبيه،
عن جده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من دخل الحمام فأطلى ثم أتبعه بالحناء
من قرنه إلى قدمه، كان أمانا له من الجنون والجذام والبرص والأكلة إلى مثله
من النورة (2).
5 - عن عبد الرحمن بن مسلم، قال: كنت في الحمام في البيت الأوسط،
فدخل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وعليه إزار فوق النورة، فقال: السلام
عليكم، فرددت عليه، ودخلت البيت الذي فيه حوض، فاغتسلت وخرجت (3).
6 - عن الحسن بن الجهم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يدهن بالخيري (4).



(1) مكارم الأخلاق: 53. البحار 76: 77.
(2) الكافي 6: 509، الحديث 1. البحار 48: 110، الحديث 15.
(3) مكارم الأخلاق: 53. البحار 76: 78.
(4) الكافي 6: 522، الحديث 2. البحار 62: 223، الحديث 11. والخيري: اسم يوناني،
وعرفه العرب باسم المنثور الأصفر، والقرنفل الأصفر.
97
خضابه (عليه السلام):
1 - عنه (عليه السلام)، قال: في الخضاب ثلاث خصال: هيبة في الحرب، ومحبة
إلى النساء، ويزيد في الباه (1).
2 - عن الحسن بن الجهم، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وهو مختضب
بسواد، فقلت: جعلت فداك، قد اختضبت بالسواد؟! قال: إن في الخضاب أجرا،
إن الخضاب والتهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة لترك أزواجهن
التهيئة لهن (2).
3 - عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: الخضاب
بالسواد زينة للنساء، مكبتة للعدو (3).
4 - عن علي بن المؤمل، قال: لقيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وكان يخضب
بالحمرة، فقلت: جعلت فداك، ليس هذا من خضاب أهلك! فقال: أجل،
كنت أخضب بالوسمة، فتحركت علي أسناني، إن الرجل كان إذا أسلم على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل ذلك، ولقد خضب أمير المؤمنين (عليه السلام) بالصفرة، فبلغ



(1) مكارم الأخلاق: 81. البحار 76: 102.
(2) مكارم الأخلاق: 79. البحار 76: 100.
(3) ثواب الأعمال: 39.
98
النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك فقال: إسلام، فخضبه بالحمرة، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك فقال:
إسلام وإيمان، فخضبه بالسواد، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال: إسلام وإيمان
ونور (1).
حلق الشعر:
1 - عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)،
قال: سمعته يقول: إن الشعر على الرأس إذا طال أضعف البصر، وذهب بضوء
نوره، وطم الشعر (2) يجلي البصر ويزيد في ضوء نوره (3).
2 - عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته عن قص
الشارب، أمن السنة؟ قال: نعم (4).
3 - عن عبد الرحمن بن عمر بن أسلم، قال: حجمني الحجام فحلق
من موضع النقرة، فرآني أبو الحسن (عليه السلام)، فقال: أي شيء هذا؟! إذهب فاحلق
رأسك، قال: فذهبت وحلقت رأسي (5).



(1) أمالي الصدوق: 183.
(2) أي حلقه وقصه.
(3) مستطرفات السرائر: 57، الحديث 17. البحار 76: 85، الحديث 10.
(4) الكافي 6: 487، الحديث 7.
(5) الكافي 6: 484، الحديث 5.
99
4 - عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)،
قال: سمعته يقول: شعر الجسد إذا طال قطع ماء الصلب، وأرخى المفاصل،
وورث الضعف والسل، وإن النورة تزيد في ماء الصلب، وتقوي البدن، وتزيد
في شحم الكليتين، وتسمن البدن (1).
حجامته (عليه السلام):
1 - محمد بن رباح القلاء، قال: رأيت أبا إبراهيم (عليه السلام) يحتجم يوم الجمعة،
فقلت: جعلت فداك، تحتجم يوم الجمعة؟ قال: أقرأ آية الكرسي، فإذا هاج بك
الدم ليلا كان أو نهارا، فاقرأ آية الكرسي واحتجم (2).
2 - عبد الرحمن بن عمرو بن أسلم، قال: رأيت أبا الحسن موسى
ابن جعفر (عليه السلام) احتجم يوم الأربعاء وهو محموم فلم تتركه الحمى، فاحتجم يوم
الجمعة فتركته الحمى (3).
3 - وعن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: لا تدع الحجامة في سبع من حزيران،
فإن فاتك فلأربع عشرة (4).



(1) مستطرفات السرائر: 57، الحديث 18. البحار 76: 91، الحديث 12.
(2) الخصال: 390، الحديث 83. البحار 59: 32، الحديث 3.
(3) الخصال: 386، الحديث 71. قرب الإسناد: 124. البحار 59: 43، الحديث 3.
(4) مكارم الأخلاق: 75. البحار 62: 126، الحديث 75.
100
مشطه (عليه السلام):
1 - عن الحسين بن الحسن بن عاصم، عن أبيه، قال: دخلت على
أبي إبراهيم (عليه السلام) وفي يده مشط عاج يتمشط به، فقلت له: جعلت فداك، إن عندنا
بالعراق من يزعم أنه لا يحل التمشط بالعاج؟ قال: ولم؟ فقد كان لأبي منها مشط
أو مشطان. ثم قال: تمشطوا بالعاج، فإن العاج يذهب بالوباء (1).
2 - عن جعفر بن بشير، عن موسى بن بكر، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام)
يتمشط بمشط عاج، واشتريته له (2).
3 - عن عمار النوفلي، عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:
المشط يذهب بالوباء، وكان لأبي عبد الله (عليه السلام) مشط في المسجد، يتمشط به إذا فرغ
من صلاته (3).
4 - وعن عبد الله بن المغيرة، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله عز وجل:
(خذوا زينتكم عند كل مسجد) (4)، قال: من ذلك التمشط عند كل صلاة (5).



(1) الكافي 6: 488، الحديث 3. البحار 48: 111، الحديث 16.
(2) الكافي 6: 489، الحديث 4. البحار 48: 111، الحديث 17.
(3) الكافي 6: 488، الحديث 2. تفسير العياشي 2: 13. البحار 76: 116، الحديث 2.
(4) الأعراف: 31.
(5) الكافي 6: 489، الحديث 7.
101
5 - وعن يونس، عمن أخبره، عن أبي الحسن صلوات الله عليه، قال:
إذا سرحت رأسك ولحيتك، فأمر المشط على صدرك، فإنه يذهب بالهم والوباء (1).
تجمره (عليه السلام):
1 - عن مرازم، قال: دخلت مع أبي الحسن (عليه السلام) الحمام، فلما خرج
إلى المسلخ، دعا بمجمرة فتجمر (2) بها. ثم قال: جمروا مرازما. قال: قلت: من أراد
أن يأخذ نصيبه يأخذ؟ قال: نعم (3).
2 - عن الحسن بن الجهم، قال: خرج إلي أبو الحسن (عليه السلام) فوجدت فيه
رائحة التجمير (4).
سيرته (عليه السلام) مع غلمانه وجواريه:
عن معتب، قال: كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) في حائط له يصرم (5)،
فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة (6) من تمر ورمى بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته،



(1) الكافي 6: 489، الحديث 8. مكارم الأخلاق: 70. البحار 76: 117، الحديث 4.
(2) المسلخ: المنزع، والمجمرة: ما يوضع فيه الجمر، يتبخر به.
(3) الكافي 6: 518، الحديث 3. مكارم الأخلاق: 42.
(4) الكافي 6: 518، الحديث 3. البحار 49: 104، الحديث 27.
(5) أي يقطع ثمر النخل.
(6) الكارة: مقدار معلوم من الطعام أو الحنطة أو التمر، والمراد هنا التمر.
102
وذهبت به إليه، فقلت له: جعلت فداك، إني وجدت هذا وهذه الكارة. فقال
للغلام: فلان. قال: لبيك. قال: أتجوع؟ قال: لا، يا سيدي. قال: فتعرى؟ قال:
لا، يا سيدي. قال: فلأي شيء أخذت هذه؟ قال: اشتهيت ذلك. قال: اذهب
فهي لك، وقال: خلوا عنه (1).
مركوبه (عليه السلام):
1 - عن ابن عمار وغيره، قال: لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب
من المدينة، استقبلته الوجوه من أهلها، يقدمهم موسى بن جعفر (عليه السلام) على بغلة،
فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟! وأنت إن طلبت
عليها لم تدرك، وإن طلبت لم تفت. فقال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل،
وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوساطها (2).
2 - عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: من ارتبط
فرسا أشقر أغر أقرح، فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه فهو أحب إلي،
لم يدخل بيته فقر ما دام ذلك الفرس فيه، وما دام أيضا في ملك صاحبه لا يدخل
بيته حيف.
قال: وسمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: كرهنا البهم من الدواب كلها إلا الجمل



(1) الكافي 2: 108، الحديث 7. البحار 48: 115، الحديث 26.
(2) الإرشاد 2: 234. مقاتل الطالبيين: 333. إعلام الورى: 307. المناقب 4: 320. البحار
48: 103. العير: الحمار الوحشي والأهلي أيضا.
103
والبغل، وكرهت شية أوضاح في الحمار والبغل الألوان، وكرهت القرح في البغل
إلا أن يكون به غرة سائلة، ولا أشتهيها على حال (1).
زراعته (عليه السلام):
1 - عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام)
يعمل في أرض له، قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت: جعلت فداك، أين
الرجال؟ فقال: يا علي، قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي. فقلت:
ومن هو؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وآبائي كلهم كانوا قد عملوا
بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين (2).
2 - من معتب، قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن نخرجها
فنبيعها، ونشتري مع المسلمين يوما بيوم (3).
سعيه (عليه السلام) في قضاء حاجة المسلمين:
1 - عن محمد بن سالم، قال: لما حمل سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام)



(1) المحاسن: 631، الحديث 114.
(2) الكافي 5: 75، الحديث 10. البحار 48: 115، الحديث 27. الفقيه 3: 162،
الحديث 3593.
(3) الكافي 5: 166، الحديث 3. البحار 48: 117، الحديث 33. التهذيب 7: 161،
الحديث 16.
104
إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي، قد كتب لي
صك إلى الفضل بن يونس، فسله أن يروج أمري (1).
قال: فركب إليه أبو الحسن (عليه السلام)، فدخل عليه حاجبه، فقال: يا سيدي،
أبو الحسن موسى بالباب، فقال: إن كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا،
فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه، فوقع على قدميه يقبلهما،
ثم سأله أن يدخل فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن إبراهيم، فقضاها (2).
2 - عن علي بن جعفر (عليه السلام)، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سمعته يقول:
من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره، بعد أن يقدر
عليه، فقد قطع ولاية الله عز وجل (3).
3 - ومن كتاب " حقوق المؤمنين " لأبي علي بن طاهر، قال: استأذن
علي بن يقطين مولاي الكاظم (عليه السلام) في ترك عمل السلطان فلم يأذن له - وكان
مما قال له (عليه السلام) -:
يا علي، كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم، اضمن لي واحدة وأضمن
لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته،
وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا، ولا ينالك حد سيف أبدا، ولا يدخل



(1) أي يسرع ويعجل.
(2) رجال الكشي: 50، الرقم 957. البحار 48: 109، الحديث 11.
(3) الكافي 2: 366، الحديث 4. البحار 75: 179، الحديث 19.
105
الفقر بيتك أبدا. يا علي، من سر مؤمنا فبالله بدأ، وبالنبي (صلى الله عليه وآله) ثنى، وبنا ثلث (1).
4 - وروى المجلسي عن الشيخ المفيد (رحمه الله) بإسناده، قال: قال الكاظم (عليه السلام)
لعلي بن يقطين: من سر مؤمنا فبالله بدأ، وبالنبي (صلى الله عليه وآله) ثنى، وبنا ثلث. وقال (عليه السلام):
إن لله حسنة ادخرها لثلاثة: لإمام عادل، ومؤمن حكم أخاه في ماله، ومن سعى
لأخيه المؤمن في حاجته (2).
5 - عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: من أتاه أخوه
المؤمن في حاجة، فإنما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك
فقد وصله بولايتنا، وهو موصول بولاية الله، وإن رده عن حاجته وهو يقدر
على قضائها، سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة،
مغفورا له أو معذبا، فإن عذره الطالب كان أسوأ حالا (3).
طبه (عليه السلام):
1 - عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: علامات الدم
أربعة: الحكة، والبثرة، والنعاس، والدوران (4).



(1) بحار الأنوار 48: 136، الحديث 10.
(2) بحار الأنوار 74: 314، الحديث 70.
(3) الكافي 2: 196، الحديث 13. الاختصاص: 250.
(4) الخصال: 250، الحديث 115. البحار 62: 97، الحديث 12.
106
2 - عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام):
أرأيت إن احتجت إلى طبيب وهو نصراني، أسلم عليه وأدعو له؟ قال: نعم،
لأنه لا ينفعه دعاؤك (1).
3 - عن عثمان الأحول، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ليس من دواء
إلا وهو يهيج داء، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد إلا عما يحتاج
إليه (2).
4 - عن الجعفري، قال: سمعت موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو يقول: ادفعوا
معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم، فإنه بمنزلة البناء قليله يجر إلى كثيره (3).
5 - عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: ثلاثة
يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه
الحسن (4).
6 - عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)، قال: أربعة



(1) قرب الإسناد: 129. علل الشرائع: 600، الحديث 53. البحار 62: 63، الحديث 3.
(2) الكافي 8: 273، الحديث 409. البحار 62: 68، الحديث 18.
(3) علل الشرائع: 465، الحديث 17. البحار 62: 63، الحديث 4.
(4) الخصال: 92، الحديث 35. البحار 62: 144، الحديث 1.
107
من الوسواس: أكل الطين، وفت الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللحية (1).
7 - قال العالم (عليه السلام): رأس الحمية الرفق بالبدن (2).
8 - وقال (عليه السلام): الحمية رأس كل دواء، والمعدة بيت الأدواء، وعود بدنك
ما تعود (3).
9 - وقال (عليه السلام): اثنان عليلان أبدا: صحيح محتم، وعليل مخلط (4).
10 - وعن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: ليس الحمية
أن تدع الشيء أصلا لا تأكله، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفف (5).
11 - وعن أبان الأحمر، قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن (عليه السلام) عن
الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها، أتحول عنها؟ قال: نعم. قال: ففي القرية وأنا فيها،
أتحول عنها؟ قال: نعم. قال: ففي الدار وأنا فيها، أتحول عنها؟ قال: نعم.



(1) الخصال: 221، الحديث 46. البحار 60: 151، الحديث 3.
(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 340، البحار 62: 141، الحديث 4.
(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 340. البحار 62: 260، الحديث 1.
(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 340. البحار 62: 141، الحديث 4.
(5) الكافي 8: 291، الحديث 443. البحار 62: 142، الحديث 11.
108
قلت: إنا نتحدث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الفرار من الطاعون كالفرار
من الزحف؟ قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور
في نحو العدو، فيقع الطاعون، فيخلون أماكنهم ويفرون منها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ذلك فيهم (1).
12 - وفي " مكارم الأخلاق " عن العالم (عليه السلام) أنه قال: الحجامة بعد الأكل،
لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم اجتمع الدم وخرج الداء، وإذا احتجم قبل الأكل
خرج الدم وبقي الداء (2).
13 - وعن حمزة بن الطيار، قال: كنت عند أبي الحسن الأول، فرآني أتأوه
فقال: ما لك؟ قلت: ضرسي. فقال: احتجم، فاحتجمت فسكن، فأعلمته،
فقال لي: ما تداوى الناس بشيء خير من مصة دم أو مزعة عسل. قلت: جعلت
فداك، ما المزعة عسل؟ قال: لعقة عسل (3).
14 - وعن عمر بن أبي حسنة الجمال، قال: شكوت إلى أبي الحسن (عليه السلام)
قلة الولد، فقال: استغفر الله وكل البيض بالبصل (4).



(1) معاني الأخبار: 254، الحديث 1.
(2) مكارم الأخلاق: 73. البحار 62: 124، الحديث 60.
(3) الكافي 8: 194، الحديث 231. البحار 62: 163، الحديث 8.
(4) المحاسن: 48، الحديث 509. البحار 66: 46، الحديث 11.
109
في مواصفات بعض الأدوية وعلاجات بعض الأمراض:
في الحناء:
1 - عن الحسين بن موسى، قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) مع رجل عند قبر
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنظر إليه وقد أخذ الحناء من يديه (1)، فقال بعض أهل المدينة:
أما ترون إلى هذا، كيف أخذ الحناء من يديه؟ فالتفت إليه فقال له: فيه ما تخبره
وما لا تخبره. ثم التفت إلي فقال: إنه من أخذ من الحناء بعد فراغه من إطلاء النورة
من قرنه إلى قدمه، أمن من الأدواء الثلاثة: الجنون، والجذام، والبرص (2).
2 - عن إسماعيل بن بزيع، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن لي فتاة
قد ارتفعت علتها؟ فقال: اخضب رأسها بالحناء، فإن الحيض سيعود إليها، قال:
ففعلت ذلك، فعاد إليها الحيض (3).
3 - عن الحسن بن الجهم، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): بلغنا أن الحناء
يزيد في الشيبة. قال: أي شيء يزيد في الشيب، الشيب يزيد في كل يوم (4).
في الحنظل:
عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول:
دواء الضرس: تأخذ حنظلة فتقشرها ثم تستخرج دهنها، فإن كان الضرس



(1) أي أخذ لون الحناء شيئا من يديه.
(2) الكافي 60: 509، الحديث 5.
(3) الكافي 6: 484، الحديث 6.
(4) الكافي 6: 480، الحديث 1.
110
مأكولا منحفرا تقطر فيه قطرات، وتجعل منه في قطنة شيئا، وتجعل في جوف
الضرس، وينام صاحبه مستلقيا، يأخذه ثلاث ليال.
فإن كان الضرس لا أكل فيه وكانت ريحا، قطر في الأذن التي تلي ذلك
الضرس ثلاث ليال، كل ليلة قطرتين أو ثلاث قطرات، يبرأ بإذن الله تعالى (1).
في الزبيب:
روي عنه (عليه السلام) أنه شكا إليه يونس بن عمار بياضا ظهر به، فأمره (عليه السلام)
أن ينقع الزبيب ويشربه، ففعل فذهب عنه (2).
في الصعتر:
وعن علي بن سليمان، عن بعض الواسطيين، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه شكا
إليه الرطوبة، فأمره أن يستف الصعتر على الريق (3).
في الخطمي:
عن كتاب زيد النرسي، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: غسل الرأس
بالخطمي يوم الجمعة من السنة، يدر الرزق، ويصرف الفقر، ويحسن الشعر والبشر،
وهو أمان من الصداع (4).
في خبز الشعير:
وعنه (عليه السلام)، قال: فضل خبز الشعير على البر كفضلنا على الناس، ما من نبي



(1) الكافي 8: 194، الحديث 232. البحار 62: 163، الحديث 9.
(2) مكارم الأخلاق: 384.
(3) الكافي 6: 375، الحديث 2. البحار 66: 244، الحديث 4.
(4) البحار 76: 88، الحديث 9.
111
إلا وقد دعا لآكل الشعير وبارك عليه، وما دخل جوفا إلا وأخرج كل داء فيه،
وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار، أبى الله أن يجعل قوت الأنبياء للأشقياء (1).
في اللحم:
عن موسى بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن الأول (عليه السلام): ما لي أراك
مصفرا؟ فقلت: وعك أصابني. فقال: كل اللحم. فأكلته، ثم رآني بعد جمعة
وأنا على حالي مصفر، فقال: ألم آمرك بأكل اللحم؟ قلت: ما أكلت غيره
منذ أمرتني به. قال: كيف أكلته؟ قلت: طبيخا. قال: لا، كله كبابا. فأكلت،
ثم أرسل إلي فدعاني بعد جمعة، فإذا الدم قد عاد في وجهي، فقال: نعم (2).
في كحل أبي جعفر (عليه السلام):
عن سليم مولى علي بن يقطين، أنه كان يلقى من عينيه أذى، قال: فكتب إليه
أبو الحسن (عليه السلام) ابتداء من عنده: ما يمنعك من كحل أبي جعفر (عليه السلام)؟ جزء كافور
رباحي، وجزء صبر اصقوطري، يدقان جميعا وينخلان بحريرة، يكتحل منه مثلما
يكتحل من الأثمد، الكحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن.
قال: فكان يكتحل به، فما اشتكى عينه حتى مات (3).
في الكراث:
عن موسى بن بكر، قال: اشتكى غلام لأبي الحسن (عليه السلام)، فسأل عنه، فقيل،



(1) مكارم الأخلاق: 154.
(2) المحاسن: 468، الحديث 449. رجال الكشي: 438، الرقم 826. البحار 66: 77،
الحديث 1.
(3) الكافي 8: 382، الحديث 582. البحار 62: 150، الحديث 23.
112
به طحال، فقال: أطعموه الكراث ثلاثة أيام. فأطعمناه فقعد الدم ثم برئ (1).
في الأترج:
1 - عن الجعفري، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أي شيء يأمركم أطباؤكم
من الأترج؟ قلت: يأمروننا به قبل الطعام. قال: قال: لكني آمركم به بعد
الطعام (2).
2 - وعنه، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: ما تقول الأطباء في الأترج؟ قال:
يأمروننا بأكله على الريق. قال: لكنني آمركم أن تأكلوه على الشبع (3).
في الإجاص:
عن زياد القندي، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) وبين يديه تور (4)
ماء فيه إجاص أسود في إبانه، فقال: إنه هاجت بي حرارة، وإن الإجاص الطري
يطفئ الحرارة، ويسكن الصفراء، وإن اليابس منه يسكن الدم، ويسل (5) الداء
الدوي (6).



(1) المحاسن: 511، الحديث 681. البحار 66: 202، الحديث 8. الكافي 6: 365،
الحديث 1. وقال المجلسي (رحمه الله): الظاهر أن المراد بقعود الدم: انفصال الدم عنه عند القعود
للبراز، وقد ذكر الأطباء أنه يفتح سدة الطحال وإسهال الدم بسبب التسخين والتفتيح كما يدر
الدم في الحيض.
(2) المحاسن: 555، الحديث 909. البحار 66: 192، الحديث 4.
(3) المحاسن: 556، الحديث 911. البحار 66: 192، الحديث 6.
(4) التور: إناء من صفر أو حجارة كالإجانة.
(5) أي يخرج ويجذب.
(6) الكافي 6: 359، الحديث 1. البحار 66: 189.
113
في لحم البقر:
1 - عن يحيى بن مساور، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: السويق ومرق
لحم البقر يذهبان بالوضح (1).
2 - وعنه (عليه السلام)، قال: من أكل مرقا بلحم بقر أذهب الله عنه البرص
والجذام (2).
في البيض:
عن موسى بن بكر، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: أكثروا من البيض،
فإنه يزيد في الولد (3).
في التفاح:
1 - عن الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول: التفاح شفاء
من خصال: من السم، والسحر، واللمم يعرض من أهل الأرض، والبلغم الغالب،
وليس شيء أسرع منفعة منه (4).
2 - وعن زياد القندي، قال: أصاب الناس وباء ونحن بمكة فأصابني،
فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)، فكتب إلي: كل التفاح، فأكلته فعوفيت (5).
3 - وعنه، قال: دخلت المدينة ومعي أخي سيف، فأصاب الناس رعاف،
فكان الرجل إذا رعف يومين مات، فرجعت إلى المنزل، فإذا سيف يرعف رعافا



(1) الكافي 6: 311، الحديث 7.
(2) طب الأئمة: 104. البحار 62: 212، الحديث 5.
(3) المحاسن: 481، الحديث 510. البحار 66: 46، الحديث 12.
(4) المحاسن: 553، الحديث 898. البحار 66: 174، الحديث 29. واللمم: الجنون.
(5) المحاسن: 553، الحديث 897، البحار 62: 210، الحديث 2.
114
شديدا، فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: يا زياد، أطعم سيفا التفاح.
فأطعمته إياه فبرئ (1).
في البقل والجرجير:
عن موفق مولى أبي الحسن (عليه السلام)، قال: كان مولاي أبو الحسن إذا أمر
بشراء البقل، يأمرنا بالإكثار منه ومن الجرجير فيشترى له، وكان يقول (عليه السلام):
ما أحمق بعض الناس؟! يقولون: إنه ينبت في واد في جهنم، والله تبارك وتعالى
يقول: (وقودها الناس والحجارة) فكيف تنبت البقل؟! (2).
في الباذروج:
عن أيوب بن نوح، قال: حدثني من حضر أبا الحسن الأول على المائدة
معه، فدعا بالباذروج، فقال: إني أحب أن أستفتح به الطعام، فإنه يفتح السدد،
ويشهي الطعام، ويذهب بالسل، وما أبالي إذا افتتحت به ما أكلت بعده من الطعام،
فإني لا أخاف داء ولا غائلة.
قال: فلما فرغنا من الغداء دعا به أيضا، ورأيته يتتبع ورقه على المائدة
ويأكله، ويناولني منه وهو يقول: اختم به طعامك، فإنه يمرئ ما قبل، كما يشهي
ما بعد، ويذهب بالثقل، ويطيب الجشاء والنكهة (3).



(1) الكافي 6: 356، الحديث 4.
(2) المحاسن: 518، الحديث 719. الكافي 6: 368، الحديث 4. البحار 66: 237،
الحديث 5.
(3) الكافي 6: 364، الحديث 3. مكارم الأخلاق: 179. البحار 66: 215، الحديث 14.
والباذروج: بقلة تسمى في الشام الريحان الأحمر أو السليماني، مقوية للقلب. وقال الشيخ
الطوسي: المشهور أنه الريحان الجبلي، وشبيه بالريحان البستاني إلا أن ورقه أعرض.
115
سنن الرأس والجسد:
عن الحسن بن الجهم، عن الكاظم (عليه السلام)، قال: خمس من السنن في الرأس
وخمس في الجسد.
فأما التي في الرأس: فالسواك، وأخذ الشارب، وفرق الشعر، والمضمضة،
والاستنشاق.
وأما التي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، ونتف الإبطين، وتقليم الأظفار،
والاستنجاء (1).
تقليم الأظفار:
1 - عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن أصحابنا يقولون:
إنما أخذ الشارب والأظافير يوم الجمعة؟ فقال: سبحان الله، خذها إن شئت
في يوم الجمعة، وإن شئت في سائر الأيام (2).
2 - عن خلف، قال: رآني أبو الحسن (عليه السلام) وأنا أشتكي عيني، فقال:
ألا أدلك على شيء إذا فعلته لم تشتك عينك؟ قلت: بلى. قال: خذ من أظفارك
في كل خميس. قال: ففعلت فلم أشتك عيني (3).



(1) الخصال: 271، الحديث 11. البحار 76: 67، الحديث 1.
(2) مكارم الأخلاق: 64. البحار 76: 121، الحديث 12.
(3) مكارم الأخلاق: 65. البحار 76: 122.
116
حفظ اللسان:
روى الكليني (رحمه الله) بالإسناد عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال:
إن كان في يدك هذه شيء، فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل.
قال: وكان عنده إنسان فتذاكروا الإذاعة، فقال: احفظ لسانك تعز،
ولا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل (1).
التوسيع على العيال:
عن سعيد بن محمد بن مسعدة، قال:
قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): إن عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم
الله عليه نعمة، فليوسع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك
النعمة (2).
في الوفاء للصبيان:
عن كليب الصيداوي، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): إذا وعدتم الصبيان
ففوا لهم، فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم، إن الله عز وجل ليس يغضب لشيء
كغضبه للنساء والصبيان (3).



(1) الكافي 2: 225.
(2) الفقيه 4: 402. روضة الواعظين: 310.
(3) الكافي 6: 50.
117
في سعة الدار:
1 - عن معمر بن خلاد، قال: إن أبا الحسن (عليه السلام) اشترى دارا وأمر مولى له
يتحول إليها، وقال: إن منزلك ضيق. فقال: قد أجزأت هذه الدار أبي. فقال
أبو الحسن (عليه السلام): إن كان أبوك أحمق، ينبغي أن تكون مثله؟! (1).
2 - عن المفضل، أن أبا الحسن (عليه السلام) كان يثني عليه، وقال بشر: كان
أبو الحسن (عليه السلام) في المسجد الحرام في حلقة بني هاشم، وفيها العباس بن محمد
وغيره، فتذاكروا عيش الدنيا، فذكر كل واحد منهم معنى، فسئل أبو الحسن (عليه السلام)
فقال: سعة في المنزل، وفضل في الخادم (2).



(1) المحاسن: 611، الحديث 27. الكافي 6: 525، الحديث 2.
(2) المحاسن: 611، الحديث 26.
118
الفصل الخامس
معاجزه (عليه السلام)
نظرة في المعجزات:
الإمامة هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، وهي امتداد لوجود النبي
الأكرم (صلى الله عليه وآله) وحماية لأمانته، وحفظ لعهده، والقيام برسالته، وكل ما صح أن يكون
دليلا على النبوة صح أن يكون دليلا على الإمامة، ودلائل النبوة هي عين دلائل
الإمامة، ما عدا نزول الوحي، الذي هو من شأن الأنبياء بالإجماع، أما سائر
الدلائل التي ظهر بها الأنبياء فهي مشتركة بينهم وبين الأئمة (عليهم السلام)، كالنص،
والسبق في العلم والحكمة، والاستقامة وسلامة النشأة، وجملة أحاديثهم وآثارهم،
والنسب الرفيع، وإظهار المعجزة وغيرها.
وبما أن الإمام يمثل القيادة العامة لمصالح العباد وأمور الدين والدنيا، فليس
هناك أي مانع عقلي من صدور المعجزة عنه، من أجل الحصول على مكسب رسالي
عام يكون له أهمية خاصة في مجال الدعوة إلى الدين وشريعة الإسلام السمحاء.
فالمعجزة التي تظهر على أيدي الأنبياء تصديقا لنبوتهم هي ضرورية أيضا
لتصديق دعوى الإمامة، فلسنا بعد هذا ممن ينكر القابليات الخارقة التي كان يملكها
الأئمة (عليهم السلام) وإمكان صدور المعجز عنهم، كيف لا وقد أظهر الله تعالى المعجزات

119
لمن هو أدنى مقاما من الإمام تصديقا لدعواه المرضية عند الله تعالى، وشواهده
كثيرة مسطورة في الكتاب والسنة والتأريخ، كالذي ظهر لمريم العذراء (عليهما السلام) تبرئة
لساحتها، وكما ظهر لأصحاب الكهف وغير ذلك كثير.
وقبل عرض طرف من معجزات الإمام الكاظم (عليه السلام)، لا بد أن نشير
إلى جملة ملاحظات حول هذا الموضوع:
1 - روى الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بالإسناد عن الحسن
ابن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له:
يا ابن رسول الله، بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال (عليه السلام): بالنص والدلائل.
قال له: فدلالة الإمام، فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة.
قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟ قال (عليه السلام): ذلك بعهد معهود إلينا
من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السلام): أما بلغك قول
الرسول (صلى الله عليه وآله): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ
استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل
في كتابه: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) (1).
وفي هذا الحديث إجابة واضحة لما يدور في خلد البعض حول موضوع
المعجزات والدلائل التي يتمتع بها أئمة الهدى (عليهم السلام)، ولا يشك أحد في أنهم (عليهم السلام)
أعلم أهل زمانهم، وأنهم قد تميزوا باستجابة دعواتهم لما استفاضت به الروايات،



(1) بحار الأنوار 25: 134، الحديث 6، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 324.
120
ولا يبقى بعد هاتين المسألتين أدنى ريب في ترك بعض ما يرويه الغلاة من خوارق
مما لا يناسب مقام الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ولا ينسجم مع منهجهم الرسالي القويم
في إثبات الحق بالحجة القاطعة والبرهان الساطع، ففي نفس الحديث المتقدم: قال له
المأمون: يا أبا الحسن، بلغني أن قوما يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد، فقال له
الإمام الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه
محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي
ابن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله
تبارك وتعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا... إلى أن قال (عليه السلام): وإنا لنبرأ
إلى الله عز وجل ممن يغلو فينا، فيرفعنا فوق حدنا، كبراءة عيسى بن مريم (عليه السلام) من
النصارى، قال الله عز وجل: (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس
اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) (1). إلى أن قال (عليه السلام): فمن ادعى للأنبياء ربوبية،
أو ادعى للأئمة ربوبية أو نبوة، أو لغير الأئمة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا
والآخرة (2). وفي هذا وضع الإمام الرضا (عليه السلام) حدا فاصلا بين درجة الغلو
والاعتدال. ولا ريب أنه في النصوص الصريحة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على
إمامتهم (عليهم السلام) وما امتازوا به من مؤهلات وقابليات فاقت أهل زمانهم، كفاية
لمن شاء أن يعرف الحق بقناعة ووضوح.
هذا مع الاعتراف بأن لهم (عليهم السلام) القدرة على إتيان المعجز وأي عمل خارق
بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وعندما تقتضيه المصلحة الرسالية العامة، وهو ما ينسجم
مع اعتقادنا بأن الإمامة منصب إلهي وهو امتداد لمنصب الرسالة، إلا أنها خلو



(1) المائدة: 116 و 117.
(2) بحار الأنوار 25: 134 - 135، الحديث 6.
121
من الوحي، وكما أن النبي يحتاج في بناء دعوته إلى عناية إلهية خاصه تمنحه قدرة
روحية في تأثيرها، يمارسها في حالات رسالية معينة، كذلك الإمام فإنه الأمين
الثاني للدعوة والمركز لأساسها وقواعدها، قال الإمام الرضا (عليه السلام): إن الله
عز وجل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى
إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي مع الأئمة منا تسددهم وتوفقهم، وهو عمود من نور
بيننا وبين الله عز وجل (1).
2 - إذا كان يصعب التصديق بالمعجزات أو بعضها، فلأن أصل المعجزة
هو كونها خارقة للعادة مخالفة للمألوف، وإنما يشترط في قبولها شهرتها وصحة
إسنادها، فمتى بقيت نسبتها إليهم (عليهم السلام) بالطرق المعتبرة والموثقة، فليس هناك
ما يمنع من قبولها، ولم يبق مبرر للشك فيها بعد أن عرفنا عظيم منزلتهم وصحة
نسبة الخير إليهم، كيف لا ونحن نرى ونصدق الكثير من خوارق العادات التي تظهر
لعباد صالحين هم أدنى بكثير من مراتب الإمام.
أما تلك المعاجز التي رواها أناس لا أمانة لهم على النقل أو من الغلاة
وغيرهم من الشذاذ، فلا ملزم لنا لتصديقها، خصوصا عندما لا نرى لمواردها
أي مقتضيات مصلحية تعود على الرسالة بالنفع العام أو الخاص، والأئمة (عليهم السلام)
قادة رساليون لا يمكن أن تخرج ممارساتهم عن الخط الرسالي الذي هو خط رسالة
السماء في أروع صورها ومعطياتها.
فقد دس الغلاة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، ولا سيما في باب المعجزات،
من الأحاديث الموضوعة والمنتحلة الكثير، وقد تعددت الأغراض والأسباب
في هذا الباب.



(1) المصدر المتقدم.
122
روى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: إن مخالفينا
وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام، أحدها الغلو، وثانيها
التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا
شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا
مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا (1). إذن لا بد للكاتب أو المحقق من الفرز
وتحري الدقة في الخوض بمثل هذا الموضوع، وهو أمر يحتاج إلى خبرة واسعة
وممارسة طويلة نرجو من الله تعالى أن يسدد من يبحث ويحقق في هذا المورد
من علمائنا الأفذاذ وأساتذتنا الأفاضل.
3 - إن الإيمان بإمامة الأئمة لا يصح أن ينحصر في النظر إلى معجزاتهم
وكراماتهم فحسب، كما لا يصح إثبات نبوة موسى (عليه السلام) بقلب العصا ثعبانا، أو نبوة
عيسى (عليه السلام) بخلق الطير من الطين، ما لم يؤيد ذلك بقرائن أخرى تجعل المعجزة
مدعمة لنبوته أو إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، كحسن سلوكهم مثلا، وغزارة علمهم،
وصدق لهجتهم، وفضائل أخلاقهم.
وإلا فإن بعض خوارق العادات قد تجري على أيدي غير المؤمنين من طرق
السحر والشعبذة والحيل وشتى الأفعال التي تحول بين المرء وزوجه، كما ذكرها
القرآن المجيد.
وما أن نعرض أصحابها على طاولة الاختبار إلا انهار كل ما صنعوا باطلا،
كما انهار سحر السحرة أمام عصا موسى (عليه السلام).
وإن سلوك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وسنتهم هو امتداد لمنهاج النبي وسلوكه
الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 304.
123
وإن قوله، وفعله، وإقراره، هو الدين الذي أراده سبحانه وتعالى لعباده،
وكذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين ورثوا هذا المجد كابرا عن كابر، وأما المعاجز
التي تصدر على أيديهم فهي نعمة منه سبحانه وتعالى لدعم إمامتهم أمام الحكام
الظالمين والملحدين ومردة أهل الكتاب.
وعند الإيمان بمعجزاتهم (عليهم السلام) وبقدرتهم على إتيان خوارق العادات،
ليس المطلوب أن نجعلها كل شيء في اعتقادنا وسلوكنا وثقافتنا، وإنما المطلوب
هو الإيمان بإمامتهم (عليهم السلام) وبحقيقة إيمانهم لأجل اتباع هديهم والاقتداء بسلوكهم
وسيرتهم والاهتداء بنهجهم، ولم تأت المعاجز التي أتحفهم بها الله إلا خدمة
لذلك الغرض، فهي ليست غاية في ذاتها، وإنما هي شاهد واحد فقط من عدة
شواهد تساهم في تقوية الدافع إلى اتباعهم في نفوس الناس.
4 - إن الغرض من المعجزة هو أن تتم بها الحجة ويتوقف عليها التصديق،
وأما ما خرج عن هذا فلا يجب على الله إظهاره، ولا يجب على النبي أو الإمام
الإجابة عليه، ولو كان على سبيل التحدي.
5 - إن إقامة المعجزة ليست أمرا اختياريا للنبي أو الإمام، وإنما ذلك بيد الله
تعالى يظهره حيثما شاء واقتضت حكمته (1).
وفيما يلي نذكر شذرات من معجزات الإمام الكاظم (عليه السلام) في أغراض
وموضوعات شتى:



(1) لمزيد من التفصيل في هذا البحث، انظر البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي (رحمه الله): 80
- 119، دلائل الإمامة: 7 - 27 (تحقيق مؤسسة البعثة)، الإمام الصادق (عليه السلام)؛ للسيد
محمد جواد فضل الله: 69 - 81.
124
أولا - في البلايا والمنايا والآجال
1 - عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه،
فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته؟ فالتفت إلي شبه مغضب،
فقال: يا إسحاق، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا، والإمام أولى
بعلم ذلك.
ثم قال: يا إسحاق، إصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني، وإنك تموت
إلى سنتين، وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم
ويخون بعضهم بعضا، حتى يشمت بهم عدوهم. فكان هذا في نفسك؟ فقلت:
إني أستغفر الله بما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا
يسيرا حتى مات. فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس
فأفلسوا (1).
2 - وعن الأخطل الكاهلي، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال:
حججت فدخلت عليه، فقال لي (عليه السلام): اعمل خيرا في سنتك هذه، فقد دنا أجلك.



(1) الكافي 1: 404، الحديث 7، باب مولد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، بصائر الدرجات:
284، الحديث 9، إثبات الوصية: 166، رجال الكشي: 409، الرقم 768. إعلام الورى:
305، الخرائج والجرائح 2: 712، الحديث 9، الثاقب في المناقب: 434، الحديث 366،
إثبات الهداة 5: 504، الحديث 16، دلائل الإمامة: 158.
125
فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: جعلت فداك، نعيت إلي نفسي، فقال لي: أبشر،
فإنك من شيعتنا، وإنك إلى خير.
قال الأخطل: فما لبث عبد الله بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات (1).
3 - وعن إسحاق بن عمار، قال: لما حبس هارون أبا الحسن (عليه السلام) دخل
عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، فقال أحدهما للآخر:
نحن على أحد أمرين: إما أن نساويه، وإما أن نشككه (2)، فجلسا بين يديه،
فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي، فقال: إن نوبتي قد انقضت، وأنا
على الانصراف، فإن كانت لك حاجة فأمرني حتى آتيك بها في الوقت الذي
تلحقني النوبة، فقال: ما لي حاجة.
فلما خرج قال لأبي يوسف ومحمد بن الحسن: ما أعجب هذا، يسألني
أن أكلفه حاجة ليرجع وهو ميت في هذه الليلة!
قال: فغمز أبو يوسف محمد بن الحسن فقاما، فقال أحدهما للآخر: إنا جئنا
لنسأله عن الفرض والسنة، وهو الآن جاء بشيء آخر كأنه من علم الغيب!
ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتى تلازمه وتنظر ما يكون من أمره
في هذه الليلة، وتأتينا بخبره من الغد. فمضى الرجل فنام في مسجد عند باب داره،
فلما أصبح سمع الواعية، ورأى الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟ قالوا:
مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة!



(1) دلائل الإمامة: 161، رجال الكشي: 448، الرقم 842.
(2) في نسخة: نشاكله.
126
فانصرف إليهما فأخبرهما، فأتيا أبا الحسن (عليه السلام) فقالا: قد علمنا أنك
أدركت العلم في الحلال والحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت
في هذه الليلة؟ قال: من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي
ابن أبي طالب، فلما ورد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا (1).
4 - وعن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال:
قال لي: افرغ فيما بينك وبين من كان له معك عمل في سنة أربع وسبعين ومائة
حتى يجيئك كتابي، وانظر ما عندك وما بعث به إلي، ولا تقبل من أحد شيئا.
وخرج إلى المدينة، وبقي خالد بمكة خمسة عشر يوما ثم مات (2).
5 - وعن علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند أبي الحسن إذ أتاه رجل
من أهل الري، يقال له جندب، فسلم عليه وجلس، فسأله أبو الحسن فأحسن
السؤال، فقال له: ما فعل أخوك؟ فقال: بخير - جعلت فداك - ويقرئك السلام.
قال: يا جندب، عظم الله أجرك في أخيك. فقال: ورد والله علي كتابه من الكوفة
لثلاثة عشر يوما بالسلامة!
فقال: يا جندب، إنه والله مات بعد كتابه بيومين، ودفع إلى امرأته مالا،



(1) كشف الغمة 3: 41، الفصول المهمة: 238، نور الأبصار: 150، الخرائج والجرائح 1:
322، الرقم 14، الإتحاف بحب الأشراف: 154.
(2) بصائر الدرجات: 284، الحديث 10، الثاقب في المناقب: 434، الحديث 367،
الخرائج والجرائح 2: 765، الحديث 14.
127
وقال: ليكن هذا عندك، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه، وقد أودعته الأرض في البيت
الذي كان هو فيه، فإذا أنت أتيتها فتلطف لها وأطمعها في نفسك فإنها ستدفعه إليك.
قال علي بن أبي حمزة، فلقيت جندبا بعد ذلك، فسألته عما كان قال
أبو الحسن، فقال: صدق والله سيدي، ما زاد ولا نقص (1).
6 - وعن علي بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول:
لا والله لا يرى أبو جعفر الدوانيقي بيت الله أبدا. فقدمت الكوفة فأخبرت
أصحابنا، فلم يلبث أن خرج، فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك، فقلت:
لا والله لا يرى بيت الله أبدا، فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن (عليه السلام) فوجدته
في المحراب قد سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه إلي فقال: اخرج فانظر ما يقول
الناس؛ فخرجت فسمعت واعية أبي جعفر، فرجعت فأخبرته، فقال: الله أكبر،
ما كان ليرى بيت الله أبدا (2).
7 - وعن الحسين بن موسى، قال: اشتكى عمي محمد بن جعفر حتى أشرف
على الموت، قال: فكنا مجتمعين عنده، فدخل أبو الحسن (عليه السلام) فقعد في ناحية
وإسحاق عمي عند رأسه يبكي، فقعد قليلا ثم قام فتبعته، فقلت: جعلت فداك،



(1) دلائل الإمامة: 159، إثبات المعصية: 166، عيون المعجزات: 98، الخرائج والجرائح
1: 317، الحديث 10، الثاقب في المناقب: 462، الحديث 392، فرج المهموم: 230،
كشف الغمة 2: 241، الصراط المستقيم 2: 190، الحديث 7.
(2) قرب الإسناد: 144.
128
يلومك إخوتك وأهل بيتك ويقولون دخلت على عمك وهو في الموت ثم خرجت.
قال: أرأيت هذا الباكي سيموت ويبكي ذاك عليه. قال: فبرأ محمد بن جعفر،
واشتكى إسحاق فمات، وبكى محمد عليه (1).
8 - وعن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن أصحابنا قدموا
من الكوفة، فذكروا أن المفضل شديد الوجع، فادع الله له، فقال: قد استراح.
وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيام (2).
9 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: استقرض أبو الحسن (عليه السلام) من
شهاب بن عبد ربه مالا، وكتب كتابا ووضعه على يدي، وقال: إن حدث بي حدث
فحرقه، قال عبد الرحمن: فخرجت إلى مكة، فلقيني أبو الحسن (عليه السلام) وأنا بمنى،
فقال لي: يا عبد الرحمن، حرق الكتاب. ففعلت، وقدمت الكوفة فسألت
عن شهاب، فإذا هو قد مات في الوقت الذي أومأ إلي في حرق الكتاب (3).
10 - وعن علي بن أبي حمزة، قال: أرسلني أبو الحسن إلى رجل من أهل



(1) بصائر الدرجات: 264، الحديث 7.
(2) بصائر الدرجات: 284، الحديث 10، رجال الكشي: 329، الحديث 597، الخرائج
والجرائح 2: 715، الحديث 13، الثاقب في المناقب: 435، الحديث 368.
(3) بصائر الدرجات: 72، الحديث 6. الخرائج والجرائح 2: 714، الحديث 12، الثاقب
في المناقب: 435، الحديث 370.
129
الوازارين. قلت: ليس تعرف الوازارين، قال: الوازارين الذي يشتري غدد
اللحم. قلت: قد عرفته، قال: أتعرف فيه زقاقا يباع فيه الجواري؟ قلت: نعم.
قال: فإن على باب الزقاق شيخ يقعد على ظهر الطريق بين يديه طبق فيه نبع (1)
يبيعه بنفسه للصبيان بفلس فلس، فأته واقرأه مني السلام، فأعطه هذه الثمانية عشر
درهما، وقل له: يقول لك أبو الحسن انتفع بهذه الدراهم فإنها تكفيك حتى
تموت.
قال: فأتيت الموضع، فطلبت الرجل فلم أجده في موضعه، فسألت عنه،
فقالوا: هذه الساعة يجيء، فلم ألبث أن جاء، فقلت: فلان يقرئك السلام،
وهذه الدنانير خذها فإنها تكفيك حتى تموت، فبكى الشيخ، فقلت له: ما يبكيك؟
قال: ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي، فقلت: ما عند الله خير لك مما أنت فيه.
قال: من أنت؟ قلت: أنا علي بن أبي حمزة، قال: والله ما كذبني، قال لي سيدي
ومولاي: أنا باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي.
فقلت: ومن أنت لا أعرفك من إخواني؟ قال: أنا عبد الله بن صالح. قلت:
وأين المنزل؟ قال: في سكة البربر عند دار أبي داود، وأنا معروف في منزلي
إذا سألت عني هناك.
قال: فلبثت عشرين ليلة، وسألت عنه، فخبرت أنه شاك منذ أيام، فأتيت
الموضع الذي وصف، فإذا الرجل في حد الموت، فسلمت عليه فأثبتني (2). فقلت له:
أوصني بما أحببت، أنفذه من مالي، قال: يا علي، لست أخلف إلا ابنتي وهذه



(1) النبع: شجر ينبت في قلة الجبل تتخذ منه القسي والسهام.
(2) أي عرفني حق المعرفة.
130
الدويرة، فإذا أنا مت فزوج ابنتي ممن أحببت من إخوانك، ولا تزوجها إلا من
رجل يدين الله بدينك، فإذا فعلت فبع داري، واحمل ثمنها إلى أبي الحسن،
ولتشهد لي بالوصية، ولا يلي أحد غسلي غيرك حتى تدخلني قبري؛ ففعلت جميع
ما أوصاني به، وزوجت ابنته رجلا من أصحابنا له دين، وبعت داره، وحملت الثمن
إلى أبي الحسن، وأخبرته بجميع ما أوصاني به. فقال أبو الحسن: رحمه الله،
لقد كان من شيعتنا، وكان لا يعرف (1).
11 - عن الحسن بن علي الوشاء، عن هشام، قال: أردت شراء جارية بمنى،
فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أستشيره في ذلك، فأمسك ولم يخبر، قال: فإنني
من الغد عند مولى الجارية إذ مر بي (عليه السلام) وهي جالسة عند جوار، فتحدث
مع جارية، فنظر إليها، ثم رجع إلى منزله، وقال لي: لا بأس، إن لم يكن في عمرها
قلة، فأمسكت عن شرائها، فلم أخرج من مكة حتى ماتت (2).
12 - عن سليمان بن حفص المروزي، قال: سمعت أبا الحسن موسى
ابن جعفر (عليه السلام) يقول: إن ابني عليا مقتول بالسم ظلما، ومدفون إلى جنب هارون
بطوس، من زاره كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3).



(1) دلائل الإمامة: 162.
(2) بصائر الدرجات: 72، الحديث 6. الخرائج والجرائح 2: 716، الحديث 16. الثاقب
في المناقب: 435، الحديث 371.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 260، الحديث 23، البحار 102: 38، الحديث 32.
131
ثانيا - في طي الأرض
1 - عن إسماعيل بن سلام وابن حميد، قالا: بعث إلينا علي بن يقطين فقال:
اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق، ودفع إلينا مالا وكتبا، حتى توصلا ما معكما
من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) ولا يعلم بكما أحد.
قالا: فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزودنا زادا، وخرجنا نتجنب
الطريق، حتى إذا صرنا ببطن الرمة (1) شددنا راحلتنا ووضعنا لها العلف وقعدنا
نأكل، فبينا نحن كذلك، إذا راكب قد أقبل ومعه شاكري (2)، فلما قرب منا
فإذا هو أبو الحسن موسى (عليه السلام)، فقمنا إليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب
وما كان معنا، فأخرج من كمه كتبا فناولنا إياها. فقال: هذه جوابات كتبكم.
قال: قلنا: إن زادنا قد فني، فلو آذنت لنا فدخلنا المدينة فزرنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتزودنا زادا؟ فقال: هاتا ما معكما من الزاد، فأخرجنا الزاد إليه
فقلبه بيده، فقال: هذا يبلغكما إلى الكوفة، وأما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد رأيتماه (3)،



(1) بطن الرمة: منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، بها يجتمع أهل البصرة والكوفة، ومنه
إلى العسيلة.
(2) الشاكري: المستخدم أو الأجير.
(3) قوله (عليه السلام): " أما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد رأيتماه " يحتمل معنيين: الأول: إنكما قربتما المدينة
والقرب بحكم الزيارة. والثاني: إن رؤيتي بمنزلة رؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهذا صحيح لو كانت
المسافة إلى المدينة بعيدة. واستظهر العلامة المجلسي المعنى الأول.
132
إني صليت معهم الفجر، وأنا أريد أن أصلي معهم الظهر، انصرف في حفظ الله (1).
2 - وعن محمد بن علي الصوفي، قال: استأذن إبراهيم الجمال على أبي الحسن
علي بن يقطين الوزير، فحجبه، فحج علي بن يقطين في تلك السنة، فاستأذن
بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر (عليه السلام) فحجبه، فرآه ثاني يومه، فقال علي
ابن يقطين: يا سيدي، ما ذنبي! فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال،
وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال.
فقال: سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة
وهو بالكوفة؟ فقال: إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك
أحد من أصحابك وغلمانك، واركب نجيبا هناك مسرجا، قال: فوافى البقيع وركب
النجيب، ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة، فقرع الباب وقال:
أنا علي بن يقطين.
فقال إبراهيم من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!
فقال علي بن يقطين: يا هذا، إن أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له، فلما دخل
قال: يا إبراهيم، إن المولى (عليه السلام) أبى أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك.
فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خذه، فامتنع إبراهيم من ذلك،
فآلى عليه ثانيا ففعل، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللهم
اشهد، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن
جعفر (عليه السلام) بالمدينة فأذن له، ودخل عليه فقبله (2).



(1) رجال الكشي: 735، الحديث 821، البحار 48: 34، الحديث 5، العوالم: 130، الحديث 1.
(2) عيون المعجزات: 101، البحار 48: 85، الحديث 105، الثاقب في المناقب: 458،
الحديث 4.
133
ثالثا - في علمه بالمغيبات وبما يكون
1 - عن ابن سنان، قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى ابن يقطين ثيابا
أكرمه بها، وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب،
وتقدم علي بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وأضاف إليها
مالا كان أعده على رسمه له فيما يحمله إليه من خمس ماله، فلما وصل ذلك إلى
أبي الحسن (عليه السلام) قبل المال والثياب ورد الدراعة على يد غير الرسول إلى علي بن
يقطين، وكتب إليه: احتفظ بها ولا تخرجها من يدك، فسيكون لك شأن تحتاج إليها
معه، فارتاب علي بن يقطين بردها عليه، ولم يدر ما سبب ذلك، فاحتفظ بالدراعة.
فلما كان بعد أيام تغير ابن يقطين على غلام له كان يختص به، فصرفه
عن خدمته، فسعى به إلى الرشيد وقال: إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر،
ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه أمير المؤمنين
بها في وقت كذا وكذا.
فاستشاط الرشيد غضبا وقال: لأكشفن عن هذه الحال، وأمر بإحضار علي
ابن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بتلك الدراعة التي كسوتك بها؟
قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب، وقد احتفظت بها،
وكلما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها، وأردها إلى موضعها،
ولما أمسيت صنعت مثل ذلك.
فقال: ائت بها الساعة. قال: نعم. وأنفذ بعض خدمه فقال: امض إلى البيت
الفلاني، وافتح الصندوق، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه. فلم يلبث الغلام أن جاء

134
بالسفط مختوما، ووضع بين يدي الرشيد، ففك ختمه، ونظر إلى الدراعة مطوية
مدفوفة بالطيب، فسكن غضب الرشيد، وقال: ارددها إلى مكانها وانصرف
راشدا، فلن أصدق عليك بعدها ساعيا، وأمر له بجائزة سنية، وأمر بضرب الساعي
ألف سوط، فضرب خمسمائة سوط فمات في ذلك (1).
2 - وعن محمد بن الفضل، قال: إن علي بن يقطين كتب إلى الإمام (عليه السلام):
إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إلي بخطك
ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله.
فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء،
والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا، وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك
ثلاثا، وتخلل شعر لحيتك، وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما،
وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره.
فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم فيه مما أجمع العصابة
على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره، وكان يعمل في وضوئه
على هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن (عليه السلام).
وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل: إنه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد
لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له (2) بخلافنا،



(1) إعلام الورى: 302، البحار 48: 137، الحديث 12، المناقب 4: 289، عيون
المعجزات: 99، الخرائج والجرائح 1: 334، الحديث 25، الصراط المستقيم 2: 192،
الحديث 20، دلائل الإمامة: 156.
(2) القرف: التهمة، فيقال: هو يقرف بكذا، أي يرمى عليه ويتهم، فهو مقروف.
135
وميله إلى الرفض، ولست أرى في خدمته لي تقصير، وقد امتحنته مرارا فما ظهرت
منه علي ما يقرف به، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز
مني.
فقيل له: إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه،
ولا ترى غسل الرجلين، فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم بالوقوف
على وضوئه. فقال: أجل، إن هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة وناطه بشيء
من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة
في الدار لوضوئه وصلاته.
فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى
علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا، واستنشق
ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وخلل شعر لحيته، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا،
ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر إليه.
فلما رآه فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه:
كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة، وصلحت حاله عنده، وورد عليه
كتاب أبي الحسن (عليه السلام)، ابتداء من الآن يا علي بن يقطين فتوضأ كما أمر الله،
واغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك،
وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف
عليك، والسلام (1).



(1) إعلام الورى: 293، المناقب 4: 288، الثاقب في المناقب: 451، الحديث 4،
الخرائج والجرائح 1: 335، الحديث 26.
136
3 - وعن عثمان بن سعيد، عن أبي علي بن راشد، قال: اجتمعت العصابة
بنيشابور في أيام أبي عبد الله (عليه السلام)، فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج، وقالوا:
نحن نحمل في كل سنة إلى مولانا ما يجب علينا، وقد كثرت الكاذبة، ومن يدعي
هذا الأمر، فينبغي لنا أن نختار رجلا ثقة نبعثه إلى الإمام، ليتعرف لنا الأمر.
واختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيشابوري، ودفعوا إليه
ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار،
والدراهم خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقة.
وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها شطيطة ومعها درهم
صحيح، وشقة من غزلها تساوي أربعة دراهم، وقالت: ما يستحق علي في مالي
غير هذا، فأدفعه إلى مولاي، فقال: يا امرأة، استحي من أبي عبد الله (عليه السلام) أن أحمل
إليه درهما وشقة. فقالت: لم لا تفعل؟! إن الله لا يستحي من الحق، هذا الذي
يستحق، فاحمل يا فلان، فلئن ألقى الله عز وجل وما له قبلي حق قل أم كثر،
أحب إلي من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد حق.
قال: فعوجت الدرهم وطرحته في كيس فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف
بخلف بن موسى اللؤلؤي، وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثين ثوبا لأخوين
بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل، وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل،
وكان سبعين ورقة، وكل مسألة تحتها بياض، وقد أخذوا كل ورقتين فحزموها
بحزائم ثلاثة، وختموا على كل حزام بخاتم.
ثم إنه لما وصل النيشابوري إلى الكوفة سمع بنعي الإمام الصادق (عليه السلام)،
فازدادت في نفسه الحيرة والأسى، فسار إلى المدينة، وجعل رحله في بعض
الخانات، وسأل أهل المدينة: إلى من أوصى جعفر بن محمد؟ فقالوا: إلى ابنه

137
الأفطح عبد الله. فقال: هل يفتي؟ قالوا: نعم. فاختبره في عدة مسائل، فعرف
أنه ليس بصاحبه ولا يحسن شيئا.
قال أبو جعفر النيشابوري: فانصرفت من عنده، وجئت إلى ضريح
النبي (صلى الله عليه وآله) فانكببت على قبره، وشكوت خيبة سفري، وقلت: يا رسول الله،
بأبي أنت وأمي، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي؟ إلى اليهود، أم إلى
النصارى، أم إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ فما زلت أبكي وأستغيث به،
فإذا أنا بإنسان يحركني، فرفعت رأسي من فوق القبر، فرأيت عبدا أسود عليه
قميص خلق، وعلى رأسه عمامة خلق. فقال لي: يا أبا جعفر النيشابوري، يقول لك
مولاك موسى بن جعفر (عليه السلام): لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى، ولا إلى المجوس،
ولا إلى أعدائنا من النواصب، إلي فأنا حجة الله، قد أجبتك عما في الجزء وبجميع
ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان،
الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين.
قال: فطار عقلي، وجئت إلى رحلي، ففتحت وأخذت الجزء والكيس
والرزمة فجئت إليه، إلى أن قال: ثم قال لي: هات الكيس، فدفعته إليه، فحله
وأدخل يده فيه، وأخرج منه درهم شطيطة، وقال لي: هذا درهمها؟ فقلت: نعم.
فأخذ الرزمة وحلها، وأخرج منها شقة قطن مقصورة طولها خمسة وعشرون
ذراعا، وقال لي: اقرأ عليها السلام كثيرا، وقل لها: قد جعلت شقتك في أكفاني،
وبعثت إليك بهذه من أكفاننا، فاجعليها في كفنك.
ثم قال: يا معتب (1)، جئني بكيس نفقة مؤنتنا. فجاء به، فطرح درهما فيه،



(1) هو مولى أبي الحسن (عليه السلام).
138
وأخرج منه أربعين درهما، وقال: اقرأها مني السلام، وقل لها: ستعيشين
تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ووصول هذا الكفن، وهذه الدراهم فانفقي
منها ستة عشر درهما، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك،
وأنا أتولى الصلاة عليك، فإذا رأيتني [يا نيشابوري] فاكتم، فإن ذلك أبقى
لنفسك، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا، قبل أن تجيء بدراهمهم
كما أوصوك، فإنك رسول.
إلى أن قال: ورجعت إلى خراسان، فاستقبلني الناس، وشطيطة من جملتهم،
فسلموا علي، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى، ودفعت إليها
الشقة والدراهم، وكادت تنشق مرارتها من الفرح، ودفعت الجزء إليهم، ففتحوا
الخواتيم، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم.
وأقامت شطيطة تسعة عشر يوما، وماتت رحمها الله فتزاحمت الشيعة
على الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسن (عليه السلام) على نجيب، فنزل عنه وأخذ بخطامه،
ووقف يصلي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها، ونثر في قبرها من تراب
قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه
نحو البرية، وقال: عرف أصحابك وأقرأهم عني السلام، وقل لهم: إنني ومن جرى
مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله
في أنفسكم، وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار.
قال أبو جعفر: فلما ذهب (عليه السلام) عرفت الجماعة، فرأوه وقد بعد والنجيب
يجري به، فكادت أنفسهم تسيل حزنا إذ لم يتمكنوا من النظر إليه (1).



(1) الخرائج والجرائح 1: 328، الحديث 22، المناقب 4: 291، الثاقب في المناقب: 439،
الحديث 376.
139
4 - وعن علي بن أبي حمزة، قال: قال لي أبو الحسن مبتدئا من غير أن أسأله
عن شيء، يا علي، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك عني، فقل له: هو والله
الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله، وإذا سأل عن الحلال والحرام فأجبه عني، قلت:
ما علامته؟ قال: رجل طوال (1) جسيم، اسمه يعقوب، وهو رائد (2) قومه،
وإذا أحب أن تدخله علي فأدخله.
قال: فوالله إني لفي الطواف، إذ أقبل إلي رجل طوال جسيم، فقال: إني أريد
أن أسألك عن صاحبك. قلت: عن أي صاحبي؟ قال، عن فلان بن فلان. قلت:
ما اسمك؟ قال: يعقوب. قلت: من أين أنت؟ قال: من المغرب. قلت: من أين
عرفتني؟ قال: أتاني آت في منامي فقال: إلق عليا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه،
فسألت عنك حتى دللت عليك، فقلت: اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي
وآتيك إن شاء الله. فطفت ثم أتيته فكلمت رجلا عاقلا، وطلب إلي أن أدخله
على أبي الحسن، فأخذت بيده واستأذنت، فأذن لي، فلما رآه أبو الحسن قال:
يا يعقوب، قدمت أمس، ووقع بينك وبين أخيك شر في موضع كذا وكذا حتى شتم
بعضكم بعضا، وليس هذا من ديني ولا دين آبائي، ولا نأمر بهذا أحدا، فاتق الله
وحده، فإنكما ستعاقبان بموت، أما أخوك فيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله،
وستندم أنت على ما كان، ذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما، قال الرجل:
جعلت فداك، فأنا متى أجلي؟ قال: كان حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها
في منزلك كذا وكذا، فأنسأ (3) الله به أجلك عشرين سنة.



(1) أي طويل.
(2) الرائد: الذي يتقدم قومه ليرتاد لهم.
(3) أي أخر.
140
قال: فلقيت الرجل في قابل بمكة، فأخبرني أن أخاه توفي في ذلك الوجه،
ودفنه قبل أن يصل إلى أهله (1).
5 - وعن شعيب العقرقوفي، قال: بعثت مولاي إلى أبي الحسن (عليه السلام)
ومعه مائتي دينار، وكتبت معه كتابا، وكان من الدنانير خمسين دينارا من دنانير
أختي فاطمة، وأخذتها سرا لتمام المائتي دينار، وكنت سألتها لم تعطني، وقالت:
إني أريد أشتري بها قراح (2) فلان بن فلان.
فذكر مولاي أنه قدم فسأل عن أبي الحسن (عليه السلام)، فقيل له: إنه خرج،
فأسرع في السير، فقال: والله إني لأسير من المدينة إلى مكة في ليلة مظلمة،
وإذا الهاتف يهتف بي، يا مبارك، يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي. قلت: من أنت؟
قال: أنا معتب، يقول لك أبو الحسن: هات الكتاب الذي معك، ووافني بما معك
إلى منى.
قال: فنزلت من محملي، فدفعت إليه الكتاب، وصرت إلى منى، فدخلت
عليه، وطرحت الدنانير عنده، فجر بعضها إليه ودفع بعضها بيده. ثم قال لي:
يا مبارك، ادفع هذه الدنانير إلى شعيب، وقل له: يقول لك أبو الحسن ردها
إلى موضعها الذي أخذتها منه، فإن صاحبتها تحتاج إليها.
قال: فخرجت من عنده، وقدمت على شعيب، فقلت له: قد رد عليك



(1) دلائل الإمامة: 163، رجال الكشي 442، 831، الخرائج والجرائح 1: 307، الحديث
1، المناقب 4: 294، الصراط المستقيم 2: 189، الحديث 1.
(2) القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر.
141
من الدنانير التي بعثت بها خمسين دينارا، وهو يقول لك: ردها إلى موضعها
الذي أخذتها منه، فما قصة هذه الدنانير، فقد دخلني من أمرها ما الله به عليم.
فقال: يا مبارك، إني طلبت من فاطمة أختي خمسين دينارا لتمام هذه
الدنانير، فامتنعت وقالت: أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان، فأخذتها سرا،
ولم ألتفت إلى كلامها.
قال شعيب: فدعوت بالميزان فوزنتها، فإذا هي خمسين دينارا، لا تزيد
ولا تنقص، فوالله لو حلفت عليها أنها دنانير فاطمة لكنت صادقا.
قال شعيب: فقلت لمبارك: هو والله إمام فرض الله طاعته، وهكذا صنع بي
أبو عبد الله، الإمام من الإمام (1).
6 - وعن عثمان بن عيسى، عن الحارث بن المغيرة النضري، قال:
دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) سنة الموت بمكة، وهي سنة أربع وسبعين ومائة (2)،
فقال لي: من ها هنا من أصحابكم مريض، فقلت: عثمان بن عيسى من أوجع
الناس، فقال: قل له يخرج، ثم قال: من ها هنا؟ فعددت عليه ثمانية، فأمر بإخراج
أربعة، وكف عن أربعة، فما أمسينا من غد حتى دفنا الأربعة الذين كف عن
إخراجهم، فقال عثمان بن عيسى: وخرجت أنا فأصبحت معافى (3).



(1) دلائل الإمامة: 163، المناقب 4: 292.
(2) ذكر الطبري في حوادث سنة 174 وقوع الوباء بمكة.
(3) دلائل الإمامة: 168، بصائر الدرجات: 284، الحديث 11، والصفحة 285، الحديث
16، الخرائج والجرائح 2: 714، الحديث 12، البحار 48: 55، الحديث 61، العوالم:
105، الحديث 14.
142
7 - وعن عيسى المدائني، قال: خرجت سنة إلى مكة، فأقمت مجاورا،
ثم قلت: أذهب إلى المدينة فأقيم بها سنة مثل ما أقمت بمكة، فهو أعظم لثوابي،
وقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى بجنب دار أبي ذر (رضي الله عنه)، وجعلت أختلف
إلى سيدي موسى الكاظم (عليه السلام)، فبينما أنا عنده في ليلة مطيرة إذ قال: يا عيسى،
قم فقد انهدم البيت على متاعك. فقمت فإذا البيت قد انهدم على المتاع،
فاكتريت قوما كشفوا عن متاعي، واستخرجت جميعه لم يذهب لي شيء غير سطل
للوضوء.
فلما أتيته من الغد قال: فقد شيء من متاعك، فندعو الله لك بالخلف،
فقلت: ما فقدت غير سطل كنت أتوضأ به. فأطرق رأسه ثلاثا، ثم رفعه فقال:
قد ظننت أنك نسيته قبل جارية رب الدار، فاسألها عنه، وقل لها: نسيت السطل
في بيت الخلاء فرديه، وإنها سترده عليك، قال: فسألتها عنه فردته (1).
8 - وعن عثمان بن عيسى، قال: قال موسى الكاظم (عليه السلام) لإبراهيم
ابن عبد الحميد، وقد لقيه سحرا، وإبراهيم ذاهب إلى قبا (2)، وموسى داخل
إلى المدينة: يا إبراهيم، إلى أين؟ قال: إلى قبا. قال: في أي شيء؟ فقال:
إنا في كل سنة نشتري من هذا التمر، فأردت أن آتي في هذه السنة إلى رجل
من الأنصار فأشتري منه من الثمار. فقال له موسى (عليه السلام): وقد أمنتم الجراد؟!



(1) الفصول المهمة: 232، نور الأبصار: 150.
(2) قبا: قرية قرب المدينة فيها أول مسجد أسسه الرسول (صلى الله عليه وآله) ونزلت فيه آية من القرآن
الكريم.
143
ثم فارقه، فوقع كلامه في صدره، فلم يشتر شيئا، فما مرت بنا خامسة حتى بعث الله
جرادا أكل عامة ما في النخل (1).
9 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: استقرضت من غالب مولى الربيع
ستة آلاف درهم، تمت بها بضاعتي، ودفع إلي شيئا أدفعه إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام)
وقال: إذا قضيت من الستة آلاف درهم حاجتك فادفعها أيضا إلى أبي
الحسن (عليه السلام).
فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي من الأمانة والذي من قبل غالب،
فأرسل إلي: فأين الستة آلاف درهم؟ فقلت: استقرضتها وأمرني أن أدفعها إليك،
فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك، فأرسل إلي: عجلها فإنا نحتاج إليها، فبعثت بها
إليه (2).
10 - وعن الأصمعي، قال: دخلت على الرشيد، وكنت غبت عنه حولين
بالبصرة، فأومأ إلي بالجلوس قريبا منه، فجلست قليلا، ثم نهضت، فأومأ إلي
أن اجلس، فجلست حتى خف الناس، ثم قال لي: يا أصمعي، ألا تحب أن ترى
محمدا وعبد الله (3)؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، إني لأحب ذلك، وما أردت القيام
إلا إليهما لأسلم عليهما. قال: تكفى. ثم قال: علي بمحمد وعبد الله! فانطلق الرسول



(1) الفصول المهمة: 233، قرب الإسناد: 145، البحار 48: 46، الحديث 30.
(2) قرب الإسناد: 142.
(3) وهما الأمين والمأمون ولدا الرشيد.
144
وقال: أجيبا أمير المؤمنين. فأقبلا كأنهما قمرا أفق، قد قاربا خطاهما، وضربا
ببصرهما الأرض حتى وقفا على أبيهما، فسلما عليه بالخلافة، وأومأ إليهما،
فدنيا منه، فأجلس محمدا عن يمينه، وعبد الله عن شماله.
إلى أن قال: فضمهما إلى صدره، وسبقته عبرته حتى تحدرت دموعه،
ثم أذن لهما، حتى إذا نهضا وخرجا قال: كيف بكم إذا ظهر تعاديهما وبدا
تباغضهما، ووقع بأسهما بينهما حتى تسفك الدماء، ويود كثير من الأحياء أنهم
كانوا موتى؟
فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا شيء قضى به المنجمون عند مولدهما،
أو شيء أثرته العلماء في أمرهما؟ قال: بل شيء أثرته العلماء عن الأوصياء
عن الأنبياء في أمرهما. قالوا: فكان المأمون يقول في خلافته: قد كان الرشيد سمع
جميع ما جرى بيننا من موسى بن جعفر بن محمد، فلذلك قال ما قال (1).
11 - عن محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)
قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعلي (عليه السلام) ابنه بين يديه، فقال لي: يا محمد، قلت:
لبيك. قال: إنه ستكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع منها، ثم أطرق ونكت
الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلي وهو يقول: (ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء) (2).
قلت: وما ذاك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته



(1) الأخبار الطوال: 388.
(2) إبراهيم: 27.
145
من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه وإمامته من بعد محمد (صلى الله عليه وآله)،
فعلمت أنه قد نعى إلي نفسه ودل على ابنه، فقلت: والله لئن مد الله في عمري
لأسلمن إليه حقه، ولأقرن له بالإمامة، وأشهد أنه من بعدك حجة الله تعالى
على خلقه والداعي إلى دينه.
فقال لي: يا محمد، يمد الله في عمرك، وتدعو إلى إمامته وإمامة من يقوم مقامه
من بعده.
فقلت: ومن ذاك جعلت فداك؟ قال: محمد ابنه [أي محمد بن علي الجواد].
قلت: فالرضا والتسليم. فقال: كذلك قد وجدتك في صحيفة أمير المؤمنين (عليه السلام)،
أما إنك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء، ثم قال: يا محمد، إن المفضل
أنسي ومستراحي، وأنت أنسهما ومستراحهما، حرام على النار أن تمسك
أبدا (1).
12 - عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد، قال: مرضت فدخل الطبيب علي
ليلا، ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما، فلم يمكنني تحصيله من الليل،
وخرج الطبيب من الباب، وورد صاحب أبي الحسن (عليه السلام) في الحال ومعه صرة فيها
ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذا الدواء
كذا وكذا يوما، فأخذته وشربت فبرأت (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 32، الحديث 29، غيبة الطوسي: 32، الحديث 8، الكافي 1:
319، الحديث 16، رجال الكشي: 508، الحديث 982.
(2) روضة الواعظين: 244، الثاقب في المناقب: 549، الحديث 10.
146
رابعا - في علمه باللغات
1 - عن علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه
ثلاثون مملوكا من الحبش، وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان من الحبش،
فكلمه بكلامه ساعة، حتى أتى بجميع ما يريد، وأعطاه درهما، فقال: اعط
أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما.
ثم خرجوا. فقلت: جعلت فداك، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية،
فماذا أمرته؟
قال (عليه السلام): أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين
درهما، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم،
فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه، فقبل وصيتي، ومع هذا غلام صدق.
ثم قال (عليه السلام): لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لا تعجب، فما الذي
خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر، وما هذا من الإمام في علمه إلا كطير أخذ
بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟
قال: فإن الإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير
حين أخذ من البحر قطرة لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا
ولا تنفد عجائبه (1).



(1) قرب الإسناد: 144، الخرائج والجرائح 1: 312، الحديث 5، البحار 48: 100، الحديث
3.
147
2 - وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي الحسن موسى: جعلت فداك، بم يعرف
الإمام؟ قال: بخصال، أما أولاهن فإنه بشيء قد تقدم فيه من أبيه، وإشارته إليه
لتكون حجة، ويسأل فيجيب، وإذا سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلم الناس
بكل لسان.
ثم قال: يا أبا محمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم ألبث أن دخل عليه
رجل من أهل خراسان يكلمه، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبو الحسن
بالفارسية، فقال الخراساني: والله ما منعني أن أكلمك بالفارسية إلا أنني ظننت
أنك لا تحسنها، فقال: سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك
فيما أستحق.
ثم قال: يا أبا محمد، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا منطق
الطير، ولا كلام شيء فيه روح (1).
خامسا - في استجابة دعواته
1 - عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا حماد بن عيسى
الجهني، قال: دخلت على أبي الحسن موسى فقلت: جعلت فداك، ادع الله
أن يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كل سنة، فرفع يده وقال:
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين.



(1) إعلام الورى: 304، دلائل الإمامة: 166، قرب الإسناد: 146، الكافي 1: 225،
الحديث 7، إثبات الوصية: 167، عيون المعجزات: 99، روضة الواعظين: 213،
المناقب 4: 299، الخرائج والجرائح 1: 333، الحديث 24.
148
قال حماد: فحججت ثمانية وأربعين سنة، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع
كلامي، وهذا ابني، وهذا خادمي، وحج بعد هذا الكلام حجتين، ثم خرج
بعد الخمسين فزامل أبا العاص النوفلي، فلما صار في موضع الإحرام دخل
يغتسل، فجاء الوادي فحمله، فغرق فمات ودفن بالسيالة (1).
2 - وعن محمد بن الحسين، عن عثمان بن عيسى، قال: قلت لأبي الحسن
الأول (عليه السلام): إن الحسن بن محمد له إخوة من أبيه وليس يولد له ولد إلا مات،
فادع الله له، فقال: قضيت حاجته؛ فولد له غلامان (2).
3 - وعن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: حججت
أيام خالي إسماعيل بن إلياس، فكتبت إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام)، فكتب خالي:
إن لي بنات وليس لي ذكر، وقد قل رجالنا، وقد خلفت امرأتي وهي حامل،
فادع الله أن يجعله غلاما وسمه، فوقع في الكتاب: قد قضى الله تبارك وتعالى
حاجتك، وسمه محمدا، فقدمنا الكوفة وقد ولد له غلام قبل دخول الكوفة بستة
أيام، ودخلنا يوم سابعه، قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد (3).



(1) دلائل الإمامة: 160، قرب الإسناد: 128، إثبات الوصية: 168، أمالي المفيد 12: 11،
الاختصاص: 205، رجال الكشي: 316، الحديث 572، المناقب 4: 306، والسيالة:
هي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.
(2) قرب الإسناد: 126.
(3) قرب الإسناد: 141.
149
4 - وعن إبراهيم بن صالح، عن رجل من الجعفريين، قال: كان بالمدينة
عندنا رجل يكنى أبا القمقام وكان محارفا (1)، فأتى أبا الحسن (عليه السلام) فشكا إليه
حرفته، وأخبره أنه لا يتوجه في حاجة فتقضى له، فقال له أبو الحسن (عليه السلام):
قل في آخر دعائك من صلاة الفجر: " سبحان الله العظيم، أستغفر الله وأسأله من
فضله " عشر مرات.
قال أبو القمقام: فلزمت ذلك، فوالله ما لبثت إلا قليلا حتى ورد علي قوم
من البادية، فأخبروني أن رجلا من قومي مات ولم يعرف له وارث غيري،
فانطلقت فقبضت ميراثه وأنا مستغن (2).
5 - وعن زياد القندي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام): علمني دعاء
فإني قد بليت بشيء، وكان قد حبس ببغداد حيث اتهم بأموالهم، فكتب إليه:
إذا صليت فأطل السجود، ثم قل: يا أحد من لا أحد له، حتى ينقطع النفس،
ثم قل: يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا جودا وكرما، حتى ينقطع النفس، ثم قل:
يا رب الأرباب، أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلا منك، يا علي يا عظيم.
قال زياد: فدعوت به ففرج الله عني وخلي سبيلي (3).
6 - قال ابن شهرآشوب: حكي أنه مغص بعض الخلفاء، فعجز بختيشوع
النصراني عن دوائه، وأخذ جليدا فأذابه بدواء، ثم أخذ ماء وعقده بدواء، وقال:



(1) المحارف: المحروم يطلب فلا يرزق، وهو خلاف المبارك.
(2) الكافي 5: 315.
(3) الكافي 3: 328، الحديث 25.
150
هذا الطب إلا أن يكون مستجابا دعاؤه، ذا منزلة عند الله يدعو لك.
فقال الخليفة: علي بموسى بن جعفر، فأتي به، فسمع في الطريق أنينه،
فدعا الله سبحانه، وزال مغص الخليفة، فقال له: بحق جدك المصطفى أن تقول
بما دعوت لي؟ فقال: قلت: اللهم كما أريته ذل معصيته، فأره عز طاعتي؛ فشفاه الله
من ساعته (1).
7 - وعن شقيق البلخي (2)، قال: خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين
ومائة، فنزلنا القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم، فنظرت
إلى فتى حسن الوجه، شديد السمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف،
مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى
من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه،
فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق (... اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض
الظن إثم...) (3).
ثم تركني ومضى فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم، قد تكلم بما في نفسي،
ونطق باسمي، وما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه ولأسألنه أن يحالني، فأسرعت في أثره



(1) المناقب 4: 305، البحار 48: 140، الحديث 17، العوالم: 238، الحديث 1.
(2) هو شقيق بن إبراهيم البلخي الأزدي، زاهد صوفي، من مشاهير المشايخ في خراسان،
حدث عن أبي حنيفة، وقتل في غزاة كولان - وهي بليدة في حدود بلاد الترك - في سنة
153 ه‍، وقيل: سنة 194 ه‍. سير أعلام النبلاء 9: 313، طبقات الأولياء: 12، حلية
الأولياء 8: 58، منتهى الآمال: 324.
(3) الحجرات: 12.
151
فلم ألحقه، وغاب عن عيني، فلما نزلنا واقصة (1)، وإذا به يصلي وأعضاؤه
تضطرب ودموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله.
فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل:
(وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (2).
ثم تركني ومضى، فقلت: إن هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلم على سري
مرتين، فلما نزلنا زبالة (3) إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (4) يريد أن يستقي
ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر، وأنا أنظر إليه، فرأيته وقد رمق السماء وسمعته
يقول:
أنت ريي (5) إذا ظمئت إلى الماء * وقوتي إذا أردت الطعاما
اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها، قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر وقد
ارتفع ماؤها، فمد يده وأخذ الركوة وملأها ماء، فتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال
إلى كثيب رمل، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب، فأقبلت
إليه وسلمت عليه، فرد علي السلام. فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك.
فقال: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك،
ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا هو سويق وسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه
ولا أطيب ريحا، فشبعت ورويت، وبقيت أياما لا أشتهي طعاما وشرابا.



(1) واقصة: منزل بطريق مكة بعد القرعاء.
(2) طه: 82.
(3) زبالة: منزل بطريق مكة من الكوفة.
(4) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
(5) في نسخة: ربي.
152
ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في
نصف الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل،
فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح، ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت
أسبوعا (1)، فخرج فتبعته، وإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته
في الطريق، دار به الناس من حوله يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب
منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليهم السلام). فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.
وقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق البلخي معه (عليه السلام) في أبيات طويلة، منها:
سل شقيق البلخي عنه بما شا * هد منه وما الذي كان أبصر
قال لما حججت عاينت شخصا * ناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائرا وحده وليس له زاد * فما زلت دائبا أتذكر
وتوهمت أنه يسأل الناس * ولم أدر أنه الحج الأكبر
ثم عاينته ونحن نزول * دون فيد (2) على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإنا ويشربه * فناديته وعقلي محير
إسقني شربة فلما سقاني * منه عاينته سويقا وسكر
فسألت الحجيج من يك هذا * قيل: هذا الإمام موسى بن جعفر (3)



(1) أي سبعا.
(2) فيد: بليدة في منتصف طريق مكة من الكوفة.
(3) كشف الغمة 3: 3، نور الأبصار: 149، تذكرة الخواص: 348، صفة الصفوة 2: 185،
الفصول المهمة: 233، إسعاف الراغبين: 247، دلائل الإمامة: 152، مطالب السؤول:
83، المناقب 4: 302.
153
سادسا - في علمه بحديث النفس
1 - عن هشام بن سالم، قال: كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام)،
أنا ومؤمن الطاق أبو جعفر، قال: والناس مجتمعون على أن عبد الله [الأفطح]
صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند
عبد الله، وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الأمر في الكبير ما لم يكن به
عاهة.
فدخلنا نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال:
في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم، قال: قلنا له: والله
ما تقول المرجئة هذا، فرفع يده إلى السماء فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة.
قال: فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر
الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى من نقصد
وإلى من نتوجه، نقول إلى المرجئة، إلى القدرية، إلى الزيدية، إلى المعتزلة،
إلى الخوارج. قال: فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومئ إلي بيده،
فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر (1)، وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس
ينظرون على من اتفق شيعة جعفر فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فقلت
لأبي جعفر: تنح فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني ليس يريدك،
فتنح عني لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ، وذاك



(1) هو أبو جعفر المنصور العباسي.
154
أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه.
فما زلت أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ثم خلاني
ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، قال: فدخلت فإذا
أبو الحسن (عليه السلام) فقال لي ابتداء: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية،
ولا إلى الخوارج، إلي إلي إلي... الحديث (1).
2 - وعن خالد بن نجيح، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام)
وهو في عرصة داره، وهو يومئذ بالرميلة (2)، فلما نظرت إليه قلت في نفسي:
بأبي وأمي مظلوم مغصوب مضطهد، ثم دنوت فقبلت ما بين عينيه، ثم جلست
بين يديه، فالتفت إلي وقال: يا خالد، نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تضمر هذا
في نفسك، فقلت: والله ما أردت بهذا شيئا.
فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، لو أردنا لزف إلينا، وإن لهؤلاء القوم
مدة وغاية لا بد من الانتهاء إليها، فقلت: لا أعود أضمر في نفسي شيئا بعد هذا.
فقال: لا تعد أبدا (3).



(1) رجال الكشي 2: 565، الحديث 502، المناقب 4: 290، بصائر الدرجات: 270،
الكافي 1: 285، الحديث 7، الخرائج والجرائح 1: 331، الحديث 23. حلية الأبرار
2: 233، دلائل الإمامة: 157، إعلام الورى: 291.
(2) الرميلة: منزل في طريق مكة إلى البصرة.
(3) بصائر الدرجات: 146، الحديث 7. دلائل الإمامة: 159. الثاقب في المناقب: 437،
الحديث 372.
155
3 - وعن علي بن يقطين، قال: أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام):
أيتنور الرجل وهو جنب؟ فكتب إلي أشياء ابتداء منه، أولها: النورة تزيد الرجل
نظافة، ولكن لا يجامع الرجل وهو مختضب، ولا يجامع امرأة مختضبة (1).
4 - وعن محمد بن الفضل الصيرفي، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام)
فسألته عن أشياء، وأردت أن أسأله عن السلاح فأغفلته، وخرجت ودخلت
على أبي الحسن بن بشير، فإذا غلامه ومعه رقعته (عليه السلام) وفيها: بسم الله الرحمن
الرحيم، أنا بمنزلة أبي ووارثه وعندي ما كان عنده (2).
5 - وعن علي بن أبي حمزة، قال: أصاب الناس بمكة سنة من السنين
صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير، فدخلت على أبي إبراهيم (عليه السلام) فقال مبتدئا
من غير أن أسأله: ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا لا يدفن إلا
أن يجيء منه ريح تدل على موته.
قلت: جعلت فداك، كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير أحياء؟ فقال:
نعم يا علي، قد دفن ناس كثير أحياء، ما ماتوا إلا في قبورهم (3).
6 - وعن أحمد بن عمر الخلال، قال: سمعت الأخرس يذكر موسى



(1) بصائر الدرجات: 271، الحديث 3. دلائل الإمامة: 160. الخرائج والجرائح 1: 652.
(2) بصائر الدرجات: 252، الحديث 5. الخرائج والجرائح 2: 663، الحديث 6.
(3) الكافي 3: 210، الحديث 6. التهذيب 1: 338، الحديث 159. المناقب 4: 292.
156
ابن جعفر (عليه السلام) بسوء، فاشتريت سكينا وقلت في نفسي: والله لأقتلنه إذا خرج
للمسجد، فأقمت على ذلك وجلست فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن (عليه السلام) قد طلعت
علي فيها مكتوب: بحقي عليك لما كففت عن الأخرس، فإن الله ثقتي وهو حسبي،
فما بقي أيام إلا ومات (1).
سابعا - ظهور آياته في الحيوان والجماد
1 - عن علي بن يقطين، قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن
ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم (2)، فلما أحضرت المائدة عمل
ناموسا (3) على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز طار
من بين يديه، واستفز هارون الفرح والضحك لذلك.
فلم يلبث أبو الحسن أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال
له: يا أسد الله، خذ عدو الله. قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من
السباع، فافترس ذلك المعزم، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم،
وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه. فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال
هارون لأبي الحسن (عليه السلام): أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل.



(1) الخرائج والجرائح 2: 651، الحديث 3. المناقب 4: 289. الثاقب في المناقب: 438،
الحديث 4. بحار الأنوار 48: 59، الحديث 69.
(2) المعزم: الذي يستعمل العزائم والرقى لنفع أو ضرر.
(3) الناموس: ما يتنمس به من الحيلة.
157
فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم،
فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل (1).
2 - وعن علي بن أبي حمزة البطائني، قال: خرج أبو الحسن موسى (عليه السلام)
في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها، فصحبته أنا، وكان (عليه السلام) راكبا
بغلة وأنا على حمار لي، فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد، فأحجمت
خوفا، وأقدم أبو الحسن غير مكترث به، فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن (عليه السلام)
ويهمهم، فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته، ووضع الأسد يده على كفل
بغلته، وقد همتني نفسي من ذلك، وخفت خوفا عظيما، ثم تنحى الأسد إلى جانب
الطريق، وحول أبو الحسن (عليه السلام) وجهه إلى القبلة، وجعل يدعو ويحرك شفتيه
ما لا أفهمه، ثم أومأ إلى الأسد بيده أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة
وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: آمين آمين، وانصرف الأسد حتى غاب عن بين أعيننا.
ومضى أبو الحسن (عليه السلام) لوجهه واتبعته، فلما بعدنا عن الموضع لحقته،
فقلت له: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد ولقد خفته والله عليك، وعجبت
من شأنه معك! فقال لي أبو الحسن (عليه السلام): إنه خرج إلي يشكو عسر الولادة
على لبوته، وسألني أن أسأل الله أن يفرج عنها، ففعلت ذلك له، وألقي في روعي
أنها تلد ذكرا فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله، فلا سلط الله عليك،



(1) المناقب 4: 299. البحار 48: 41، الحديث 17. العوالم: 145، الحديث 1. عيون أخبار
الرضا (عليه السلام) 1: 95، الحديث 1. أمالي الصدوق: 127، الحديث 19. روضة الواعظين:
215.
158
ولا على ذريتك، ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع، فقلت: آمين.
وقد نظم ذلك بعض الشعراء:
واذكر الليث حين ألقى يديه * فسعى نحوه وزار وزمجر
ثم لما رأى الإمام أتاه * وتجافى عنه وهاب وأكبر
وهو طاو ثلاثا هذا هو الحق * وما لم أقله أوفى وأكثر (1)
ثامنا - في شفاء بعض أصحابه
وروى الحسن قال: أخبرنا أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي
ابن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: دخلت المدينة وأنا شديد المرض،
وكان أصحابنا يدخلون علي فلم أعقل بهم، وذلك أنه أصابني حصر (2) فذهب
عقلي، فأخبرني إسحاق بن عمار أنه قام علي بالمدينة ثلاثة أيام لا يشك أنه
لا يخرج منها حتى يدفنني ويصلي علي، فخرج وأفقت بعد خروج إسحاق،
فقلت لأصحابي: افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة درهم، واقسموها في أصحابي،
ففعلوا.
وأرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) بقدح فيه ماء، فقال الرسول: يقول لك
أبو الحسن: تشرب هذا الماء، فإن فيه شفاءك إن شاء الله، ففعلت فأسهل بطني،



(1) المناقب 4: 298. البحار 48: 57، الحديث 67. العوالم: 141، الحديث 1. الصراط
المستقيم 2: 192، الحديث 22. الخرائج والجرائح 2: 649، الحديث 1.
(2) الحصر: احتباس البطن.
159
وأفرج الله ما كنت أجده من الأذى.
فدخلت على أبي الحسن، فقال: يا علي، أما إن أجلك كان قد حضر مرة
بعد أخرى، ولكنك رجل وصول لقرابتك وإخوانك، فأنسأ الله في أجلك مرة
بعد أخرى.
قال: وخرجت إلى مكة فلحقني إسحاق بن عمار، فقال: والله لقد أقمت
بالمدينة ثلاثة أيام، فأخبرني بقصتك. فأخبرته بما صنعت، وما قال لي أبو الحسن،
فقال لي إسحاق بن عمار: هكذا قال لي أبو عبد الله مرة بعد أخرى، وأصابني مثل
الذي أصابك (1).



(1) دلائل الإمامة: 164. رجال الكشي: 445، الحديث 838.
160
الفصل السادس
مناظراته ومحاججاته (عليه السلام)
للإمام الكاظم (عليه السلام) مناظرات بليغة مع بعض علماء اليهود والنصارى،
وجرت له أيضا احتجاجات مع خصومه ومناوئيه وخلفاء عصره، وقد أفلج (عليه السلام)
الجميع بحجته البالغة وبرهانه الساطع وأدلته الوافرة، وأبطل (عليه السلام) مدعاهم
وما ذهبوا إليه.
وللإمام (عليه السلام) دور بارز في إبطال شبهات الملحدين ومقالاتهم، سيما في مجال
العقائد والتوحيد، فقد دافع (عليه السلام) عن العقيدة الإسلامية المقدسة، وأثبت زيف
معتقدات الملحدين والمنحرفين، على ما سيأتي بيانه في الفصل اللاحق إن شاء الله.
هذا فضلا عن أن أصحابه رضوان الله عليهم قاموا بدور فعال للتدليل
على فكرة الإمامة وأطروحتها، كهشام بن الحكم وهشام بن سالم ومؤمن الطاق
وغيرهم، وذلك من خلال مناظراتهم واحتجاجاتهم مع أئمة المذاهب الإسلامية
وقادتها، الأمر الذي أدى إلى انتشار فكر أئمة أهل البيت وذيوع منهجهم
بين المسلمين بفضل براهينهم الساطعة وحججهم الدامغة، التي كانت تقوم
على أساس من البحث الموضوعي المجرد والفكر الحر.
والمتصفح لمناظرات الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) يلاحظ أنها تتميز بقوة

161
الحجة وسرعة البديهة والجرأة في معرض المناظرة والمحاججة، يفرغها في أسلوب
بعيد كل البعد عن التبجح والمكابرة والاستظهار، وقد روى الرواة والمؤرخون عنه
مواقف تثير الإعجاب سيما مع هارون الرشيد والمحيطين به.
وفيما يلي نورد طرفا من مناظراته (عليه السلام):
مع أبي يوسف القاضي وأبي حنيفة
1 - عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه، قال: قال أبو يوسف (1)
للمهدي وعنده موسى بن جعفر (عليه السلام): تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها
شيء؟ فقال له: نعم. فقال لموسى بن جعفر (عليه السلام): أسألك؟ قال: نعم. قال: ما تقول
في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الأرض ويدخل
البيت؟ قال: نعم، فما الفرق بين هذين؟
قال أبو الحسن (عليه السلام): ما تقول في الطامث، أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال:
فتقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: ولم؟ قال: هكذا جاء. قال أبو الحسن (عليه السلام):
وهكذا جاء هنا.
فقال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا. قال: رماني بحجر دامغ (2).



(1) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأي، أخذ الفقه
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة، وولي القضاء لهارون الرشيد.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 78، الحديث 6. البحار 81: 108، الحديث 28. الاحتجاج
2: 168. العوالم: 423، الحديث 1.
162
2 - عن محمد بن مسلم، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام)،
فقال له: رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه، فلا ينهاهم، وفيه
ما فيه! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ادعو لي موسى، فدعي، فقال له: يا بني، إن
أبا حنيفة يذكر أنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك، فلم تنههم؟
فقال (عليه السلام): نعم يا أبت، إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم، يقول
الله عز وجل: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (1)، قال: فضمه أبو عبد الله (عليه السلام)
إلى نفسه ثم قال: بأبي أنت وأمي، يا مودع الأسرار (2).
مع الرشيد
ويشتمل هذا الباب ما جرى له (عليه السلام) من مناظرات مع الرشيد، أو مع أعوانه،
أو ما جرى بمحضره:
1 - روى أبو زيد، قال: أخبرنا عبد الحميد، قال: سأل محمد بن الحسن
أبا الحسن موسى (عليه السلام) بمحضر من الرشيد وهو بمكة، فقال له: هل يجوز للمحرم
أن يظلل محمله؟ فقال: لا يجوز له ذلك مع الاختيار، فقال محمد بن الحسن:
أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ قال: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن
من ذلك، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أتعجب من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتستهزئ بها!
إن رسول الله كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم، إن أحكام الله



(1) سورة ق: 16.
(2) الكافي 3: 297، الحديث 4. البحار 48: 171، الحديث 8. الاختصاص: 185.
163
تعالى يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضه على بعض فقد ضل عن سواء السبيل،
فسكت محمد بن الحسن، ولم يحر جوابا (1).
2 - وعن محمد بن الزبرقان الدامغاني - في حديث - عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام)، قال: قال الرشيد: إني أريد أن أسألك عن مسألة، فإن أجبتني،
أعلم أنك صدقتني خليت عنك، ووصلتك، ولم أصدق ما قيل فيك. فقلت:
ما كان علمه عندي، أجبتك فيه.
فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم: " يا بن رسول الله "، وأنتم
ولد علي، وفاطمة إنما هي وعاء، والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم؟
فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل. فقال:
لست أفعل أو أجبت.
فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شيئا؟ فقال:
لك الأمان.
قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ووهبنا له
إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب
ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى...) (2)،
فمن أبو عيسى؟ فقال: ليس له أب، إنما خلق من كلام الله عز وجل وروح
القدس.



(1) إعلام الورى: 309. الاحتجاج 2: 168. البحار 99: 176، الحديث 1.
(2) الأنعام: 84 و 85.
164
فقلت: إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم، وألحقنا بذراري
الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي (عليه السلام).
فقال: أحسنت أحسنت يا موسى، زدني من مثله.
فقلت: اجتمعت الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه
النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي وعلي وفاطمة والحسن
والحسين (عليهم السلام)، فقال الله تبارك وتعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (1)،
فكان تأويل " أبناءنا " الحسن والحسين، و " نساءنا " فاطمة، و " أنفسنا " علي
ابن أبي طالب.
فقال: أحسنت. ثم قال: أخبرني عن قولكم: " ليس للعم مع ولد الصلب
ميراث ".
فقلت: أسألك يا أمير المؤمنين بحق الله وبحق رسوله (صلى الله عليه وآله) أن تعفيني
من تأويل هذه الآية وكشفها، وهي عند العلماء مستورة.
فقال: إنك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك ولست أعفيك.
فقلت: فجدد في الأمان. فقال: قد أمنتك.
فقلت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإن عمي
العباس قدر على الهجرة فلم يهاجر، وإنما كان في عداد الأسارى عند النبي (صلى الله عليه وآله)،
وجحد أن يكون له الفداء، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي (صلى الله عليه وآله) يخبره بدفين له
من ذهب، فبعث عليا (عليه السلام) فأخرجه من عند أم الفضل، وأخبر العباس بما أخبره



(1) آل عمران: 61.
165
جبرئيل عن الله تبارك وتعالى، فأذن لعلي، وأعطاه علامة الموضع الذي دفن
فيه.
فقال العباس عند ذلك: يا بن أخي، ما فاتني منك أكثر، وأشهد أنك رسول
رب العالمين، فلما أحضر علي الذهب، قال العباس: أفقرتني يا بن أخي،
فأنزل الله تبارك وتعالى: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم
ويغفر لكم)، وقوله: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء
حتى يهاجروا)، ثم قال: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (1)؛ فرأيته
قد اغتم.
ثم قال: أخبرني من أين قلتم: إن الإنسان يدخله الفساد من قبل النساء
لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله؟
فقلت: أخبرك يا أمير المؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد
ما دمت حيا، وعن قريب يفرق الله بيننا وبين من ظلمنا، وهذه مسألة لم يسألها
أحد من السلاطين غير أمير المؤمنين.
قال: ولا تيم، ولا عدي، ولا بنو أمية، ولا أحد من آبائنا؟
قلت: ما سئلت ولا سئل أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عنها.
قال: فإن بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به،
رجعت عما أمنتك منه، فقلت: لك علي ذلك.
فقال: أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا، له أصول وفروع، يفهم تفسيره
ويكون ذلك سماعك من أبي عبد الله (عليه السلام). فقلت: نعم، وعلي عيني يا أمير المؤمنين.



(1) الأنفال: 70 و 72.
166
قال: فإذا فرغت فارفع حوائجك، وقام ووكل بي من يحفظني، وبعث إلي
في كل يوم بمائدة سرية.
فكتبت: " بسم الله الرحمن الرحيم، أمر الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه،
وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها، والأخبار المجمع عليها،
المعروض عليها كل شبهة، والمستنبط منها كل حادثة. وأمر يحتمل الشك والإنكار،
وسبيله استنصاح أهل الحجة عليه.
فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع من تأويله، أو سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق على من استوضح تلك الحجة
ردها، ووجب عليه قبولها، والإقرار والديانة بها.
وما لم يثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع على تأويله، أو سنة
عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، وسع خاص الأمة
وعامها الشك فيه، والإنكار له.
كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه، إلى أرش الخدش فما دونه،
فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته،
وما غمض عنك ضوؤه نفيته، ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل ".
فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته، فأخبره فخرج، وعرضت
عليه، فقال: أحسنت، هو كلام موجز جامع...، الحديث (1).
3 - عن أبي أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي، عن أبيه، بإسناده



(1) الاختصاص: 48. البحار 48: 121، الحديث 1. تحف العقول: 404 نحوه.
167
عن موسى بن جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: قال الرشيد: وأنا أريد أن أسألك
عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحدا، فإن أنت أجبتني عنها
خليت عنك، ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنك لم تكذب قط، فأصدقني
عما أسألك مما في قلبي.
فقلت: ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني.
قال: لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر
بني فاطمة.
فقلت: ليسأل أمير المؤمنين عما شاء.
قال: أخبرني لم فضلتم علينا؟ ونحن وأنتم من شجرة واحدة، وبنو
عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، وإنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب، وهما
عما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟
فقلت: نحن أقرب. قال: وكيف ذلك؟!
قلت: لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم، وأبوكم العباس ليس هو من أم
عبد الله، ولا من أم أبي طالب.
قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي (صلى الله عليه وآله)، والعم يحجب ابن العم، وقبض
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد توفي أبو طالب قبله، والعباس عمه حي؟
فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني
عن كل باب سواه يريده. فقال: لا أو تجيب. فقلت: أمني. قال: قد أمنتك
قبل الكلام.
فقلت: إن في قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليس مع ولد الصلب ذكرا كان
أو أنثى لأحد سهم إلا للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب

168
ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلا أن تيما وعديا وبني أمية قالوا: " العم والد "
رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله).
ومن قال بقول علي (عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح
ابن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي (عليه السلام)، وقد حكم به، وقد ولاه أمير
المؤمنين المصرين: الكوفة والبصرة، وقد قضى به، فأنهي إلى أمير المؤمنين
فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله، منهم: سفيان الثوري، وإبراهيم
المدني، والفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي (عليه السلام) في هذه المسألة.
فقال لهم - فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز -: فلم لا تفتون به
وقد قضى به نوح بن دراج؟ فقالوا: جسر نوح وجبنا.
وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" علي أقضاكم "، وكذلك قال عمر بن الخطاب: " علي أقضانا "، وهو اسم جامع،
لأن جميع ما مدح به النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل
في القضاء.
قال: زدني يا موسى. قلت: المجالس بالأمانات، وخاصة مجلسك. فقال:
لا بأس عليك. فقلت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يورث من لم يهاجر، ولا أثبت له ولاية
حتى يهاجر. فقال: ما حجتك فيه؟
فقلت: قول الله تعالى: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء
حتى يهاجروا) (1)، وإن عمي العباس لم يهاجر.
فقال لي: أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا، أم أخبرت



(1) الأنفال: 72.
169
أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟
فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين.
ثم قال: لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقولون
لكم: " يا بني رسول الله " وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة
إنما هي وعاء، والنبي (صلى الله عليه وآله) جدكم من قبل أمكم؟
فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أن النبي (صلى الله عليه وآله) نشر فخطب إليك كريمتك
هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه؟! بل أفتخر على العرب والعجم
وقريش بذلك.
فقلت: لكنه (صلى الله عليه وآله) لا يخطب إلي ولا أزوجه. فقال: ولم؟ فقلت: لأنه ولدني
ولم يلدك. فقال: أحسنت يا موسى.
ثم قال: كيف قلتم: إنا ذرية النبي، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يعقب، وإنما العقب للذكر
لا للأنثى، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟
فقلت: أسألك على القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة.
فقال: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي؟ وأنت يا موسى يعسوبهم،
وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه
بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء،
ألف ولا واو إلا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب
من شيء) (1) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات.



(1) الأنعام: 38.
170
فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته
داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى
وعيسى...) (1) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب.
فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم (عليها السلام)، وكذلك
ألحقنا بذراري النبي (صلى الله عليه وآله) من قبل أمنا فاطمة (عليها السلام).
أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات.
قلت: قول الله عز وجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله
على الكاذبين) (2)، ولم يدع أحد أنه أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند مباهلة
النصارى إلا علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، فكان تأويل
قوله عز وجل: " أبناءنا " الحسن والحسين، و " نساءنا " فاطمة، و " أنفسنا "
علي بن أبي طالب.
على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد: يا محمد،
إن هذه هي المواساة من علي، قال: لأنه مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما
يا رسول الله. ثم قال: " لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي "، فكان كما مدح الله
عز وجل به خليله (عليه السلام) إذ يقول: (فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) (3)، إنا معشر
بني عمك نفتخر بقول جبرئيل إنه منا.



(1) الأنعام: 84 و 85.
(2) آل عمران: 61.
(3) الأنبياء: 60.
171
فقال: أحسنت يا موسى، ارفع إلينا حوائجك.
فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده (صلى الله عليه وآله)
وإلى عياله، فقال: ننظر إن شاء الله (1).
4 - عن التلعكبري، بإسناده عن الكاظم (عليه السلام)، قال: قال لي هارون:
أتقولون: إن الخمس لكم؟ قلت: نعم. قال: إنه لكثير. قال: قلت: إن الذي
أعطاناه علم أنه لنا غير كثير (2).
5 - حكي أنه لما دخل هارون الرشيد حرم مكة، ابتدأ بالطواف،
ومنع الناس من الطواف، فسبقه أعرابي وجعل يطوف معه، فشق ذلك على هارون
الرشيد، والتفت إلى حاجبه كالمنكر عليه.
فقال الحاجب: يا أعرابي، خل الطواف ليطوف أمير المؤمنين.
فقال الأعرابي: إن الله ساوى بين الأنام في هذا المقام والبيت الحرام،
فقال تعالى: (سواء فيه العاكف والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب
أليم) (3)، فلما سمع الرشيد ذلك من الأعرابي أمر حاجبه بالكف عنه، ثم جاء
الرشيد إلى الحجر الأسود ليستلمه، فسبقه الأعرابي فاستلمه، ثم أتى إلى المقام



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 81، الحديث 9. البحار 48: 125، الحديث 2. الاحتجاج
2: 161.
(2) البحار 48: 158، الحديث 33 عن كتاب الاستدراك.
(3) الحج: 25.
172
ليصلي فيه فسبقه فصلى فيه.
فلما فرغ الرشيد من صلواته وطوافه، قال للحاجب: ائتني بالأعرابي،
فأتى الحاجب الأعرابي، وقال له: أجب أمير المؤمنين. فقال: ما لي إليه حاجة،
إن كانت له حاجة، فهو أحق بالقيام إليها. فانصرف الحاجب مغضبا، ثم قص
على الرشيد حديثه. فقال: صدق، نحن أحق بالقيام والسعي إليه، ثم نهض الرشيد
والحاجب بين يديه حتى وقف بإزاء الأعرابي وسلم عليه، فرد عليه السلام.
فقال له الرشيد: يا أخا العرب، أجلس ها هنا بأمرك؟ فقال له الأعرابي:
ليس البيت بيتي، ولا الحرم حرمي، البيت بيت الله، والحرم حرم الله، وكلنا فيه
سواء، إن شئت تجلس وإن شئت تنصرف.
قال: فعظم ذلك على الرشيد حيث سمع ما لم يخطر في أذنه، وما ظن أحدا
يواجهه بمثل ذلك، فجلس إلى جانبه، وقال له: يا أعرابي، أريد أن أسألك
عن فرضك، فإن قمت به فأنت بغيره أقوم، وإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز.
فقال له الأعرابي: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال: فعجب
الرشيد من سرعة جوابه، وقال: بل سؤال متعلم.
فقال الأعرابي: قم واجلس مقام السائل من المسؤول. قال: فقام الرشيد
وجثا على ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال له: قد جلست، سل عما بدا لك.
فقال: أخبرني عما فرضه الله عليك.
فقال له: تسألني عن أي فرض، عن فرض واحد، أم عن خمسة فروض،
أم عن سبعة عشر فرضا، أم عن أربعة وثلاثين فرضا، أم عن أربعة وتسعين فرضا،
أم عن واحدة من أربعين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن خمسة من مائتين؟
قال: فضحك الرشيد مستهزءا، ثم قال: سألتك عن فرض، فأتيتني بحساب الدهر!

173
قال: يا هارون، لولا أن الدين حساب لما أخذ الله الخلائق بالحساب
يوم القيامة، قال تعالى: (فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها
وكفى بنا حاسبين) (1).
قال: فظهر الغضب في وجه هارون وتغير من حال إلى حال حين قال له:
يا هارون، ولم يقل له: يا أمير المؤمنين، وبلغ منه ذلك مبلغا شديدا، غير أن الله
عصمه من ذلك الغضب، ورجع إلى عقله لما علم أن الله هو الذي أنطقه بذلك.
ثم قال له الرشيد: وتربة آبائي وأجدادي إن لم تفسر لي ما قلت أمرت
بضرب عنقك بين الصفا والمروة.
فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين، اعف عنه، وهبه لله تعالى لأجل
هذا المقام الشريف. قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتى استلقى على قفاه.
فقال له الرشيد: مم تضحك؟ قال: عجبا منكما، فإن أحدكما يستوهب أجلا
قد حضر، والآخر يستعجل أجلا لم يحضر. فلما سمع الرشيد ما سمع منه،
هانت عليه الدنيا. ثم قال: سألتك بالله إلا ما فسرت لي ما قلت، فقد تشوقت
نفسي إلى شرحه.
فقال الأعرابي: أما سؤالك عما فرض الله علي، فقد فرض الله علي فروضا
كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد، هو دين الإسلام، وأما قولي لك عن خمسة
فروض فهي الصلوات الخمس، وأما قولي لك عن سبعة عشر فهي سبع عشر ركعة
في اليوم والليلة، وأما قولي لك عن أربع وثلاثين فهي السجدات، وأما قولي
عن أربع وتسعين فهي التكبيرات، وأما قولي لك عن واحدة من أربعين فهي الزكاة



(1) الأنبياء: 47.
174
دينار من أربعين دينارا، وأما قولي لك عن واحدة في طول العمر فهي حجة
في طول العمر على الإنسان، وأما قولي لك عن خمسة من مائتين فهي زكاة الورق.
فامتلأ الرشيد فرحا وسرورا من تفسير هذه المسائل، ومن حسن كلام الأعرابي
وعظم فطنته، واستعظمه في عينه.
ثم إن الأعرابي قال للرشيد: سألتني فأجبتك، فإذا سألتك أنا، تجيبني؟
فقال الرشيد: سل.
فقال له الأعرابي: ما يقول أمير المؤمنين في رجل نظر إلى امرأته وقت
الصبح، فكانت عليه حراما، فلما كان الظهر حلت له، فلما كان العصر حرمت
عليه، فإذا كان المغرب حلت له، فإذا كان العشاء حرمت عليه، فإذا كان الفجر
حلت له، فإذا كان الظهر حرمت عليه، فلما كان العصر حلت له، فلما كان
المغرب حرمت عليه، فلما كان العشاء حلت له؟
فقال الرشيد: فقد أوقعتني في بحر لا يخلصني منه غيرك.
فقال الأعرابي: أنت أمير المؤمنين وليس أحد فوقك، ولا ينبغي أن تعجز
عن شيء، فكيف تعجز عن مسألتي؟
فقال الرشيد: لقد عظم قدرك العلم، ورفع ذكرك، فأريد أن تفسر لي
ما ذكرت إكراما لي ولهذا البيت الشريف. فقال الأعرابي: حبا وكرامة.
أما قولي لك في رجل نظر إلى امرأته وقت الصبح فكانت عليه حراما،
فهذا رجل نظر إلى أمة غيره فهي حرام، فلما كان الظهر اشتراها فحلت له،
فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان المغرب تزوجها فحلت له،
فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه، فلما كان الفجر راجعها فحلت له،
فلما كان الظهر ارتد عن الإسلام فحرمت عليه، فلما كان العصر استتيب فرجع

175
فحلت له، فلما كان المغرب ارتدت هي فحرمت عليه، فلما كان العشاء استتيبت
فرجعت فحلت له.
قال: فتعجب الرشيد وفرح به، واشتد عجبه، ثم أمر بعشرة آلاف درهم،
فلما حضرت قال: لا حاجة لي بها، ردها إلى أصحابها، قال: فهل تريد أن أجري
لك جراية تكفيك مدة حياتك. قال: الذي أجرى عليك يجري علي.
قال: فإن كان عليك دين قضيناه، فلم يقبل منه شيئا، ثم أنشأ يقول:
هب الدنيا تؤاتينا سنينا * فتكدر تارة وتلذ حينا
فما أرضى بشيء ليس يبقى * وأتركه غدا للوارثينا
كأني بالتراب علي يحثى * وبالإخوان حولي نائحينا
ويوم تزفر النيران فيه * وتقسم جهرة للسامعينا
وعزة خالقي وجلال ربي * لأنتقمن منكم أجمعينا
فلما فرغ من إنشاده تأوه الرشيد وسأل عنه وعن أهله وبلاده، فأخبروه
أنه موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. وكان تزيا بزي الأعراب زهدا في الدنيا
وتورعا عنها، فقام وقبله بين عينيه، ثم قرأ (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (1).
6 - نقل السيد ابن طاوس عن كتاب " نزهة الكرام وبستان العوام "
تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي، أن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى



(1) إحقاق الحق 12: 309، عن الروض الفائق: 65، مطبعة الاستقامة بالقاهرة. البحار
48: 141، الحديث 18 عن المناقب لابن شهرآشوب نحوه.
176
ابن جعفر (عليه السلام) فأحضره، فلما حضر عنده قال: إن الناس ينسبونكم
يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة
يقولون: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا القدر
فاسكتوا، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا "، وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان أعلم الخلائق
بعلم النجوم، وأولاده وذريته الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
فقال له الكاظم (عليه السلام): هذا حديث ضعيف، وإسناده مطعون فيه، والله تعالى
قد مدح النجوم، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز وجل، والأنبياء (عليهم السلام)
كانوا عالمين بها، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام):
(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (1).
وقال في موضع آخر: (فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم) (2)
فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال: (إني سقيم)، وإدريس (عليه السلام)
كان أعلم أهل زمانه بالنجوم.
والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) (3)،
وقال في موضع آخر: (والنازعات غرقا) إلى قوله: (فالمدبرات أمرا) (4)،
يعني بذلك اثني عشر برجا وسبعة سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله
عز وجل.



(1) الأنعام: 75.
(2) الصافات: 88 و 89.
(3) الواقعة: 76.
(4) النازعات: 1 - 5.
177
وبعد علم القرآن، ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء
والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال الله عز وجل: (وعلامات وبالنجم هم
يهتدون) (1)، ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره.
فقال له هارون: بالله عليك يا موسى، هذا العلم لا تظهره عند الجهال
وعوام الناس حتى لا يشنعوا عليك، وأنفس عن العوام به (2)، وغط هذا العلم،
وارجع إلى حرم جدك.
ثم قال له هارون: وقد بقي مسألة أخرى، بالله عليك أخبرني بها. قال له:
سل. فقال: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني:
أنت تموت قبلي، أو أنا أموت قبلك؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم.
فقال له موسى (عليه السلام): أمني حتى أخبرك. فقال: لك الأمان. فقال: أنا أموت
قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب.
فقال له هارون: قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر. فقال له: سل. فقال:
خبروني أنكم تقولون: إن جميع المسلمين عبيدنا وجوارينا، وإنكم تقولون:
من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم.
فقال له موسى (عليه السلام): كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك، إذا كان الأمر كذلك
فكيف يصح البيع والشراء عليهم (3)؟ ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم،
ونقعد معهم، ونأكل معهم، ونشتري المملوك، ونقول له: يا بني، وللجارية: يا بنتي،



(1) النحل: 16.
(2) أي لا تعلمهم، من قولهم: نفست عليه الشيء نفاسة، إذا لم تره له أهلا.
(3) أي كيف يصح بيع الناس العبيد لنا وشراؤنا منهم؟
178
ونقعدهم يأكلون معنا تقربا إلى الله سبحانه، فلو أنهم عبيدنا وجوارينا ما صح البيع
والشراء. وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة: " الله الله في الصلاة وما ملكت
أيمانكم " يعني صلوا وأكرموا مماليككم وجواريكم ونحن نعتقهم.
وهذا الذي سمعته غلط من قائله ودعوى باطلة، ولكن نحن ندعي أن ولاء
جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا
دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم: " من كنت
مولاه فعلي مولاه "، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين، والذي يوصلونه إلينا
من الزكاة والصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما الغنائم والخمس من بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد منعونا ذلك،
ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء
الملك، فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي (صلى الله عليه وآله):
" لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت " - والكراع اسم قرية،
والكراع يد الشاة - وذلك سنة إلى يوم القيامة. ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا
أنها زكاة رددناها، وإن كانت هدية قبلناها.
ثم إن هارون أذن له في الانصراف، فتوجه إلى الرقة، ثم تقولوا عليه أشياء
فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي صلوات الله عليه (1).
7 - وعن أيوب بن الحسين الهاشمي، قال: قدم على الرشيد رجل



(1) فرج المهموم: 107، الحديث 25. البحار 48: 145، الحديث 21، و 58: 252،
الحديث 36.
179
من الأنصار، يقال له نفيع - وكان عريضا - قال: فحضر باب الرشيد ومعه
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وحضر موسى بن جعفر (عليهما السلام) على حمار له،
فتلقاه الحاجب بالبر والإكرام، وأعظمه من كان هناك، وعجل له الإذن، فقال نفيع
لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا.
قال: هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسى بن جعفر. قال: ما رأيت أعجز
من هؤلاء القوم! يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير! أما لئن خرج
لأسوءنه، فقال له عبد العزيز: لا تفعل، فإن هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد
في خطاب إلا وسموه بالجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر.
قال: وخرج موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقام إليه نفيع الأنصاري: فأخذ بلجام
حماره، ثم قال له: من أنت؟ فقال له: يا هذا، إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد
حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو
الذي فرض الله على المسلمين وعليك - إن كنت منهم - الحج إليه، وإن كنت تريد
المفاخرة، فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا:
يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قريش. وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن
الذين أمر الله تعالى بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة بقوله: اللهم صل
على محمد وآل محمد، ونحن آل محمد.
قال: فخلى عنه ويده ترعد، وانصرف بخزي، فقال له عبد العزيز: ألم أقل
لك (1).



(1) أمالي المرتضى 1: 274. المناقب 4: 316. أعلام الدين: 305. أعلام الورى: 307.
البحار 48: 143، الحديث 19.
180
مناظراته (عليه السلام) مع بعض اليهود والنصارى
1 - روى الحميري عن الحسن بن طريف، عن معمر، عن الرضا (عليه السلام)،
عن أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ذات يوم وأنا طفل
خماسي، إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الأمة والحجة
على أهل الأرض؟ قال لهم: نعم.
قالوا: إنا نجد في التوراة أن الله تبارك وتعالى أتى إبراهيم (عليه السلام) وولده الكتاب
والحكم والنبوة، وجعل لهم الملك والإمامة، وهكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم
النبوة والخلافة والوصية، فما بالكم قد تعداكم ذلك وثبت في غيركم، ونلقاكم
مستضعفين مقهورين لا يرقب فيكم ذمة نبيكم.
فدمعت عينا أبي عبد الله (عليه السلام)، ثم قال (عليه السلام): نعم، لم تزل أمناء الله مضطهدة
مقهورة مقتولة بغير حق، والظلمة غالبة، وقليل من عباد الله الشكور.
قالوا: فإن الأنبياء وأولادهم علموا من غير تعليم، وأوتوا العلم تلقينا،
وذلك ينبغي لأئمتهم وخلفائهم وأوصيائهم، فهل أوتيتم ذلك؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ادن يا موسى، فدنوت، فمسح يده على صدري،
ثم قال: اللهم أيده بنصرك بحق محمد وآله. ثم قال (عليه السلام): سلوه عما بدا لكم.
قالوا: وكيف نسأل طفلا لا يفقه؟ قلت: سلوني تفقها ودعوا التعنت.
قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران.
قلت: العصا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء، والجراد، والقمل، والضفادع،
والدم، ورفع الطور، والمن والسلوى آية واحدة، وفلق البحر.

181
قالوا: صدقت، فما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك عن قلوب
من أرسل إليهم.
قلت: آيات كثيرة أعدها إن شاء الله، فاسمعوا وعوا وفقهوا.
أما أول ذلك فأنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه،
فمنعت من أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم وبطلان الكهنة والسحر.
ومن ذلك: كلام الذئب يخبر بنبوته، وإجماع العدو والموالي على صدق لهجته
وصدق أمانته، وعدم جهله أيام طفولته، وحين أيفع وفتأ وكهل، لا يعرف له شكل،
ولا يواريه مثل.
ومن ذلك: أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه وفد قريش،
فيهم عبد المطلب، فسألهم عنه ووصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة
في محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال: هذا أوان مبعثه، ومستقره أرض يثرب، وموته بها.
ومن ذلك: أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه،
فقال عبد المطلب: إن لهذا البيت ربا يمنعه، ثم جمع أهل مكة فدعا، وهذا
بعدما أخبره سيف بن ذي يزن، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيرا أبابيل،
ودفعهم عن مكة وأهلها.
ومن ذلك: أن أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه وهو نائم خلف جدار
ومعه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه.
ومن ذلك: أن أعرابيا باع ذودا (1) له من أبي جهل فمطله بحقه، فأتى قريشا،
فقال: اعدوني على أبي الحكم، فقد لوى حقي، فأشاروا إلى محمد (صلى الله عليه وآله)،



(1) الذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر.
182
وهو يصلي في الكعبة فقالوا: ائت هذا الرجل فاستعد به عليه، وهم يهزءون
بالأعرابي، فأتاه فقال له: يا عبد الله، أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي.
قال: نعم، فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه، فخرج إليه متغيرا فقال:
ما حاجتك؟ قال: اعط الأعرابي حقه. قال: نعم، فجاء الأعرابي إلى
قريش، فقال: جزاكم الله خيرا، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فأخذ
حقي.
فجاء أبو جهل فقالوا: أعطيت الأعرابي حقه؟ قال: نعم. قالوا: إنما أردنا
أن نغريك بمحمد، ونهزأ بالأعرابي. قال: يا هؤلاء، دق بابي فخرجت إليه، فقال:
اعط الأعرابي حقه وفوقه مثل الفحل، فاتحا فاه، كأنه يريدني، فقال: أعطه حقه،
فلو قلت: لا، لابتلع رأسي، فأعطيته.
ومن ذلك: أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب
إلى اليهود وقالوا لهما: إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه وهما قد سألوهم عنه، فقالوا:
صفوا لنا صفته، فقالوا: ومن تبعه منكم؟ قالوا: سفلتنا، فصاح حبر منهم وقال:
هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة ونجد قومه أشد الناس عداوة له.
وعدد (عليه السلام) نحو ست وعشرين آية ودلالة أخرى من دلالات نبوة خاتم
الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، إلى أن قال:
ومن ذلك: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الخلال
التي إن ذكرناها لطالت.
فقالت اليهود: وكيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟
فقال لهم موسى (عليه السلام): وكيف لنا أن نعلم ما تذكرون من آيات موسى
على ما تصفون؟

183
قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين.
قال لهم: فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين
ولا معرفة عن الناقلين.
فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنكم الأئمة القادة
والحجج من عند الله على خلقه.
فوثب أبو عبد الله (عليه السلام) فقبل بين عيني، ثم قال: أنت القائم من بعدي،
فلهذا قال الواقفة: إنه حي، وإنه القائم، ثم كساهم أبو عبد الله، ووهب لهم،
وانصرفوا مسلمين (1).
2 - عن يعقوب بن جعفر، قال: كنت عند أبي إبراهيم (عليه السلام) وأتاه رجل
من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار،
فقال له: إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير.
قال: فوافينا من الغد، فوجدنا القوم قد وافوا، فأمر بخصفة بواري، ثم جلس
وجلسوا، فبدأت الراهبة بالمسائل، فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها،
وسألها أبو إبراهيم (عليه السلام) عن أشياء لم يكن عندها فيها شيء، ثم أسلمت.
ثم أقبل الراهب يسأله، فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد
كنت قويا على ديني، وما خلفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي
في العلم، ولقد سمعت برجل في الهند، إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة،



(1) قرب الإسناد: 132 - 141. الخرائج والجرائح 1: 111، الحديث 186. البحار 17:
235، الحديث 1.
184
ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند، فسألت عنه: بأي أرض هو؟ فقيل لي: إنه
بسبذان (1).
وسألت الذي أخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظفر به آصف بن برخيا
صاحب سليمان لما أتى بعرش سبأ، وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم، ولنا معشر
الأديان في كتبنا.
فقال له أبو إبراهيم: فكم لله من اسم لا يرد؟
فقال الراهب: الأسماء كثيرة، فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله
فسبعة.
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): فأخبرني عما تحفظ منها؟
فقال الراهب: لا والله الذي أنزل التوراة على موسى، وجعل عيسى عبرة
للعالمين وفتنة لشكر أولي الألباب، وجعل محمدا (صلى الله عليه وآله) بركة ورحمة، وجعل
عليا (عليه السلام) عبرة وبصيرة، وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمد، ما أدري،
ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك، ولا جئتك، ولا سألتك.
فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): عد إلى حديث الهندي.
فقال له الراهب: سمعت بهذه الأسماء، ولا أدري ما بطانتها ولا شرائحها،
ولا أدري ما هي، ولا كيف هي، ولا بدعائها، فانطلقت حتى قدمت سبذان الهند،
فسألت عن الرجل فقيل لي: إنه بنى ديرا في جبل، فصار لا يخرج ولا يرى
إلا في كل سنة مرتين.
وزعمت الهند أن الله تعالى فجر له عينا في ديره، وزعمت الهند أنه يزرع له



(1) في نسخة: بسندان، وكذا في الموضع الآتي.
185
من غير زرع يلقيه، ويحرث له من غير حرث يعمله، فانتهيت إلى بابه، فأقمت ثلاثا
لا أدق الباب، ولا أعالج الباب، فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب، وجاءت بقرة
عليها حطب، تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن، فدفعت الباب
فانفتح فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي، وينظر
إلى الأرض فيبكي، وينظر إلى الجبال فيبكي. فقلت: سبحان الله، ما أقل ضربك
في دهرنا هذا!
فقال لي: والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك.
فقلت له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تعالى تبلغ به في كل يوم وليلة
بيت المقدس وترجع إلى بيتك. فقال لي: وهل تعرف بيت المقدس؟ فقلت:
لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام.
فقال: ليس بيت المقدس، ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد.
فقلت له: أما ما سمعت به إلى يومي هذا، فهو: بيت المقدس.
فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، وإنما كان يقال لها حظيرة المحاريب،
حتى جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وقرب البلاء
من أهل الشرك، وحلت النقمات في دور الشياطين، فحولوا وبدلوا ونقلوا
تلك الأسماء، وهو قول الله تبارك وتعالى - البطن لآل محمد والظهر مثل - (إن هي
إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) (1).
فقلت له: إني قد ضربت إليك من بلد بعيد، تعرضت إليك بحارا وغموما
وهموما وخوفا، وأصبحت وأمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي.



(1) النجم: 23.
186
فقال لي: ما أرى أمك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم، ولا أعلم
أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر، ولا أزعم
إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك، فختم له بخير، ارجع من حيث
جئت، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد (صلى الله عليه وآله) التي يقال لها طيبة، وقد كان اسمها
في الجاهلية يثرب، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له البقيع، ثم سل عن دار يقال لها
دار مروان، فانزلها وأقم ثلاثا.
ثم سل الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري، وهي في بلادهم
اسمها الخصف، فالطف بالشيخ، وقل له: بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل
في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني،
وسله أين ناديه؟ وسله أي ساعة يمر فيها؟ فليريكاه، أو يصفه لك فتعرفه بالصفة،
وسأصفه لك.
قلت: فإذا لقيته فأصنع ماذا؟ فقال: سله عما كان وعما هو كائن؟
وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي، فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): قد نصحك
صاحبك الذي لقيت.
فقال الراهب: ما اسمه جعلت فداك؟
قال (عليه السلام): هو متمم بن فيروز، وهو من أبناء الفرس، وهو ممن آمن بالله
وحده لا شريك له، وعبده بالإخلاص والإيقان، وفر من قومه لما خافهم،
فوهب له ربه حكما، وهداه لسبيل الرشاد، وجعله من المتقين، وعرف بينه
وبين عباده المخلصين، وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا، ويعتمر
في كل رأس شهر مرة، ويجيء من موضعه من الهند إلى مكة فضلا من الله وعونا،
وكذلك نجزي الشاكرين.

187
ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها، وسأل الراهب
عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء فأخبره بها.
ثم إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها
أربعة، وبقي في الهواء منها أربعة، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء،
ومن يفسرها؟
قال: ذاك قائمنا، ينزل الله عليه فيفسره، وينزل عليه ما لم ينزل على
الصديقين والرسل والمهتدين.
ثم قال الراهب: فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي
في الأرض ما هي؟
قال: أخبرك بالأربعة كلها: أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا،
والثانية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة: شيعتنا منا،
ونحن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) من الله بسبب.
فقال له الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وأن ما جاء به من عند الله حق، وأنكم صفوة الله من خلقه، وأن شيعتكم المطهرون
والمستبدلون، ولهم عاقبة الله والحمد لله رب العالمين.
فدعا أبو إبراهيم (عليه السلام) بجبة خز وقميص قهوئي وطيلسان وخف وقلنسوة،
فأعطاه إياها، وصلى الظهر.
وقال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي (1).



(1) الكافي 1: 481، الحديث 5. الوسائل 3: 264، الحديث 9. البحار 48: 92،
الحديث 107.
188
3 - وفي حديثه (عليه السلام) مع الراهب - عن ابن شهرآشوب - قال الراهب:
يا هذا، أنت غريب؟ قال: نعم. قال: منا أو علينا؟ قال: لست منكم. قال:
أنت من الأمة المرحومة؟ قال: نعم. قال: أفمن علمائهم أنت، أم من جهالهم؟ قال:
لست من جهالهم.
فقال: كيف طوبى أصلها في دار عيسى، وعندكم في دار محمد، وأغصانها
في كل دار. فقال (عليه السلام): الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع،
وهي في السماء.
قال: والجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه، ولا ينقص منه شيء؟ قال (عليه السلام):
السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء.
قال: وفي الجنة ظل ممدود؟ فقال (عليه السلام): الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله
ظل ممدود، قوله تعالى (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) (1).
قال: ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطا؟ قال: الجنين
في بطن أمه.
قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟ فقال (عليه السلام): إذا احتاج
الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك، ويفعلون بمراده من غير أمر.
قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟ قال (عليه السلام): مفتاح الجنة لسان العبد
" لا إله إلا الله ".
قال الراهب: صدقت، وأسلم الجماعة معه (2).



(1) الفرقان: 45.
(2) البحار 48: 105. العوالم: 180، الحديث 4 عن المناقب لابن شهرآشوب.
189
4 - عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، قال: كنت عند أبي الحسن موسى (عليه السلام)
إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض (1)، فقال له النصراني: إني أتيتك من بلد
بعيد وسفر شاق، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان
وإلى خير العباد وأعلمهم - إلى أن قال -: فقال النصراني: إني أسألك أصلحك
الله؟ قال: سل.
قال: أخبرني عن كتاب الله الذي أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله) ونطق به، ثم وصفه
بما وصفه به، فقال: (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها
يفرق كل أمر حكيم) (2)، ما تفسيرها في الباطن؟
فقال: أما (حم) فهو محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه،
وهو منقوص الحروف، وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأما الليلة
ففاطمة صلوات الله عليها، وأما قوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم) يقول:
يخرج منها خير كثير، فرجل حكيم، ورجل حكيم، ورجل حكيم.
فقال الرجل: صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال.
فقال: إن الصفات تشتبه، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج
من نسله، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم، إن لم تغيروها وتحرفوا
وتكفروا، وقديما ما فعلتم.
فقال له النصراني: إني لا أستر منك ما علمت ولا أكذبك وأنت تعلم
في صدق ما أقول وكذبه، والله لقد أعطاك الله من فضله، وقسم عليك من نعمه



(1) العريض: واد قرب المدينة.
(2) الدخان: 1 - 4.
190
ما لا يخطره الخاطرون، ولا يستره الساترون، ولا يكذب فيه من كذب، فقولي
لك في ذلك الحق كما ذكرت فهو كما ذكرت.
فقال له أبو إبراهيم (عليه السلام): أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ
الكتب، أخبرني ما اسم أم مريم؟ وأي يوم نفخت فيه مريم؟ ولكم من ساعة
من النهار؟ وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى (عليه السلام)؟ ولكم من ساعة من النهار؟
فقال النصراني: لا أدري.
فقال أبو إبراهيم (عليه السلام): أما أم مريم فاسمها مرثا، وهي وهيبة بالعربية،
وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال، وهو اليوم الذي هبط فيه
الروح الأمين، وليس للمسلمين عيد كان أولى منه، عظمه الله تبارك وتعالى،
وعظمه محمد (صلى الله عليه وآله)، فأمر أن يجعله عيدا، فهو يوم الجمعة، وأما اليوم الذي ولدت
فيه مريم فهو يوم الثلاثاء لأربع ساعات ونصف من النهار.
والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى (عليه السلام)، هل تعرفه؟ قال: لا، قال:
هو الفرات، وعليه شجر النخل والكرم، وليس يساوي بالفرات شيء للكروم
والنخيل.
فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها، ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه،
وأخرجوا آل عمران، لينظروا إلى مريم، فقالوا لها: ما قص الله عليك في كتابه
وعلينا في كتابه، فهل فهمته؟ قال: نعم، وقرأته اليوم الأحدث.
قال (عليه السلام): إذن لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله.
قال النصراني: ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية؟
فقال: كان اسم أمك بالسريانية عنقالية، وعنقورة كان اسم جدتك لأبيك،
وأما اسم أمك بالعربية فهو مية، وأما اسم أبيك فعبد المسيح، وهو عبد الله بالعربية،

191
وليس للمسيح عبد.
قال: صدقت وبررت، فما كان اسم جدي؟
قال: كان اسم جدك جبريل، وهو عبد الرحمن سميته في مجلسي هذا.
قال: أما إنه كان مسلما؟
قال أبو إبراهيم (عليه السلام): نعم، وقتل شهيدا، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله
غيلة، والأجناد من أهل الشام.
قال: فما كان اسمي قبل كنيتي؟
قال: كان اسمك عبد الصليب.
قال: فما تسميني؟
قال: أسميك عبد الله.
قال: فإني آمنت بالله العظيم، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
فردا صمدا، ليست كما يصفه النصارى، وليس كما يصفه اليهود، ولا جنس
من أجناس الشرك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق فأبان به لأهله
وعمى المبطلون، وأنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الناس كافة، إلى الأحمر والأسود،
كل فيه مشرك، فأبصر من أبصر، واهتدى من اهتدى، وعمي المبطلون، وضل
عنهم ما كانوا يدعون، وأشهد أن وليه نطق بحكمته، وأن من كان قبله من الأنبياء
نطقوا بالحكمة البالغة، وتوازروا على الطاعة لله، وفارقوا الباطل وأهله،
والرجس وأهله، وهجروا سبيل الضلالة، ونصرهم الله بالطاعة له، وعصمهم
من المعصية، فهم لله أولياء، وللدين أنصار، يحثون على الخير، ويأمرون به،
آمنت بالصغير منهم والكبير، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر، وآمنت بالله تبارك
وتعالى رب العالمين.

192
ثم قطع زناره (1)، وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب، ثم قال: مرني
حتى أضع صدقتي حيث تأمرني.
فقال (عليه السلام): ها هنا أخ لك كان على مثل دينك، وهو رجل من قومك
من قيس بن ثعلبة، وهو في نعمة كنعمتك، فتواسيا وتجاورا، ولست أدع أن أورد
عليكما حقكما في الإسلام.
فقال: والله أصلحك الله، إني لغني، ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس
وفرسة، وتركت ألف بعير فحقك فيها أوفر من حقي.
فقال له: أنت مولى الله ورسوله، وأنت في حد نسبك على حالك، فحسن
إسلامه، وتزوج امرأة من بني فهر، وأصدقها أبو إبراهيم (عليه السلام) خمسين دينارا من
صدقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأخدمه وبوأه، وأقام حتى أخرج أبو إبراهيم (عليه السلام)
إلى البصرة، فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة (2).
هشام بن الحكم مع بريهة النصراني:
5 - روى الصدوق بالإسناد عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام
ابن الحكم، عن جاثليق (3) من جثالقة النصارى يقال له بريهة، قد مكث جاثليق
النصرانية سبعين سنة، وكان يطلب الإسلام، ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه



(1) الزنار: حزام يشده النصراني على وسطه.
(2) الكافي 1: 478، الحديث 4. البحار 48: 85، الحديث 106. مدينة المعاجز 6: 297،
الحديث 2023. تأويل الآيات 2: 573، الحديث 1.
(3) الجاثليق: مقدم الأساقفة.
193
ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته. قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى
والمسلمين واليهود والمجوس، حتى افتخرت به النصارى، وقالت: لو لم يكن فيه
دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، وكان طالبا للحق والإسلام مع ذلك.
وكانت معه امرأة تخدمه، طال مكثها معه، وكان يسر إليها ضعف النصرانية
وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن، وأقبل
يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام، من أعلمكم؟ وأقبل يسأل عن أئمة
المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة،
لا يجد عند القوم شيئا، وقال: لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم
بعض الحق.
فوصفت له الشيعة، ووصف له هشام بن الحكم، فقال يونس بن
عبد الرحمن: فقال لي هشام: بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس
وعندي قوم يقرأون علي القرآن، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين
إلى غيرهم نحو من مائة رجل، عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الأكبر فيهم
بريهة، حتى نزلوا حول دكاني، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه، فقامت الأساقفة
والرهابنة على عصيهم، وعلى رؤوسهم برانسهم، فقال بريهة: ما بقي من المسلمين
أحد ممن يذكر بالعلم والكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية، فما عندهم شيء،
وقد جئت أناظرك في الإسلام.
قال: فضحك هشام، فقال: يا بريهة، إن كنت تريد مني آيات كآيات
المسيح، فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه، ذلك روح طيبة خميصة (1) مرتفعة،



(1) أي منزهة عن الرذائل النفسية والكدورات المادية.
194
آياته ظاهرة، وعلاماته قائمة.
قال بريهة: فأعجبني الكلام والوصف.
قال هشام: إن أردت الحجاج فها هنا.
قال بريهة: نعم، فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة
الأبدان؟
قال هشام: ابن عم جده لأمه، لأنه من ولد إسحاق، ومحمد من ولد
إسماعيل.
قال بريهة: وكيف تنسبه إلى أبيه؟
قال هشام: إن أردت نسبه عندكم أخبرتك، وإن أردت نسبه عندنا
أخبرتك.
قال بريهة: أريد نسبه عندنا - وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه - قلت:
فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها.
قال هشام: نعم، تقولون: إنه قديم من قديم، فأيهما الأب، وأيهما
الابن؟
قال بريهة: الابن رسول الأب.
قال هشام: إن الأب أحكم من الابن، لأن الخلق خلق الأب.
قال بريهة: إن الخلق خلق الأب وخلق الابن.
قال هشام: ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا؟
قال بريهة: كيف يشتركان وهما شيء واحد! إنما يفترقان بالاسم.
قال هشام: إنما يجتمعان بالاسم.
قال بريهة: جهل هذا الكلام.

195
قال هشام: عرف هذا الكلام.
قال بريهة: إن الابن متصل بالأب.
قال هشام: إن الابن منفصل عن الأب.
قال بريهة: هذا خلاف ما يعقله الناس.
قال هشام: إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك، لأن الأب
كان ولم يكن الابن، فتقول هكذا يا بريهة؟
قال: ما أقول هكذا.
قال: فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك؟
قال بريهة: إن الأب اسم، والابن اسم يقدر به القديم.
قال هشام: الاسمان قديمان كقدم الأب والابن؟
قال بريهة: لا، ولكن الأسماء محدثة.
قال هشام: قد جعلت الأب ابنا والابن أبا، إن كان الابن أحدث هذه
الأسماء دون الأب فهو الأب، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن
فهو الأب، والابن أب، وليس ها هنا ابن!
قال بريهة: إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض.
قال هشام: فحين لم تنزل إلى الأرض، فاسمها ما هو؟
قال بريهة: فاسمه ابن نزلت أو لم تنزل.
قال هشام: فقبل النزول، هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان؟
قال بريهة: هي كلها واحدة، روح واحدة.
قال هشام: قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا.
قال بريهة: لا، لأن اسم الأب واسم الابن واحد.

196
قال هشام: فالابن أبو الأب، والأب أبو الابن، والابن واحد.
قالت الأساقفة بلسانها لبريهة: ما مر بك مثل ذا قط، تقوم؟ فتحير بريهة،
وذهب ليقوم، فتعلق به هشام، قال: ما يمنعك من الإسلام؟ أفي قلبك حزازة؟
فقلها، وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك فتصبح وليس لك
همة غيري.
قالت الأساقفة: لا ترد هذه المسألة، لعلها تشكك.
قال بريهة: قلها يا أبا الحكم.
قال هشام: أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب؟ قال: نعم.
قال: أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن؟ قال: نعم.
قال: أفرأيتك تخبر عن الابن، أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الأب؟
قال: نعم.
قال: أفرأيتك تخبر عن الأب، أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن؟ قال:
نعم.
قال هشام: فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان؟ وكيف
يظلم كل واحد منهما صاحبه؟!
قال بريهة: ليس منهما ظلم.
قال هشام: من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب، والأب ابن الابن،
بت عليها يا بريهة. وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما
ولا أصحابه.
قال: فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله، فقالت امرأته التي
تخدمه: ما لي أراك مهتما مغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام،

197
فقالت: ويحك، أتريد أن تكون على حق أو على باطل؟ فقال بريهة: بل على الحق،
فقالت له: أينما وجدت الحق فمل إليه، وإياك واللجاجة، فإن اللجاجة شك،
والشك شؤم، وأهله في النار. قال: فصوب قولها، وعزم على الغدو على هشام.
قال: فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام، ألك
من تصدر عن رأيه، وترجع إلى قوله، وتدين بطاعته؟
قال هشام: نعم يا بريهة.
قال: وما صفته؟
قال هشام: في نسبه أو في دينه؟
قال: فيهما جميعا، صفة نسبه وصفة دينه.
قال هشام: أما النسب فخير الأنساب، رأس العرب، وصفوة قريش،
وفاضل بني هاشم، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه، لأن قريشا أفضل
العرب، وبني هاشم أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم،
وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره، وهذا من ولد السيد.
قال: فصف دينه.
قال هشام: شرائعه، أو صفة بدنه وطهارته؟
قال: صفة بدنه وطهارته.
قال هشام: معصوم فلا يعصي، وسخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن،
وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين، قائم بما فرض عليه، من عترة
الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين
عند الرضا، وينصف من الولي والعدو، ولا يسأل شططا في عدوه، ولا يمنع
إفادة وليه، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول

198
الأئمة الأصفياء، لم تنقص له حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، ويجلو
كل مدلهمة.
قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته، وأثبته بحججه وآياته، إلا أن الشخص
بائن عن شخصه، والوصف قائم بوصفه، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص.
قال هشام: إن تؤمن ترشد، وإن تتبع الحق لا تؤنب.
ثم قال هشام: يا بريهة، ما من حجة أقامها الله على خلقه إلا أقامها
على وسط خلقه وآخر خلقه، فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب
السنن.
قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق، وهذه صفة الحكماء،
يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة، قال هشام: نعم.
فارتحلا حتى أتيا المدينة، والمرأة معهما، وهما يريدان أبا عبد الله (عليه السلام)،
فلقيا موسى بن جعفر (عليه السلام) فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال موسى
ابن جعفر (عليه السلام): يا بريهة، كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم.
قال (عليه السلام): كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه!
قال: فابتدأ موسى بن جعفر (عليه السلام) بقراءة الإنجيل، قال بريهة: والمسيح
لقد كان يقرأ هكذا، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح.
ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك.
قال: فآمن وحسن إيمانه، وآمنت المرأة وحسن إيمانها.
قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله (عليه السلام)، وحكى هشام
الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى (عليه السلام) وبريهة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
(ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).

199
فقال بريهة: جعلت فداك، أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟
قال (عليه السلام): هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرأوها، ونقولها
كما قالوها. إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري.
فلزم بريهة أبا عبد الله (عليه السلام) حتى مات أبو عبد الله (عليه السلام)، ثم لزم موسى
ابن جعفر (عليه السلام) حتى مات في زمانه، فغسله بيده، وكفنه بيده، ولحده بيده، وقال:
هذا حواري من حواريي المسيح، يعرف حق الله عليه. قال: فتمنى أكثر أصحابه
أن يكونوا مثله (1).



(1) التوحيد: 270، الحديث 1. البحار 10: 234، الحديث 1، و 26: 181، الحديث 7.
200
الفصل السابع
تصديه (عليه السلام) للتيارات المنحرفة والملحدة
لقد سار الإمام الكاظم (عليه السلام) على النهج الذي انتهجه أبوه الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام) واعتمده في التصدي للتيارات المنحرفة التي غزت العالم الإسلامي
آنذاك، سيما الدعوة إلى الأفكار الإلحادية والغلو التي بدأت تنشط وتبث سمومها في
نفوس الناشئة الإسلامية، وقد تبناها أعداء الإسلام والحاقدون على انتصاراته
العظيمة في بناء العقل والروح.
ولما عجز الملحدون والغلاة وفشلوا في الوقوف بوجه الزحف الإسلامي
المتنامي، وجدوا أن لا مناص من أن يندسوا بين المسلمين لبث أفكارهم السامة
للنيل منهم وتفكيك أواصرهم المترابطة في غزو عقولهم وأفكارهم وهم في عقر
دارهم.
وقد كثر الملحدون في ذلك العصر، وأشاعوا مقولاتهم كقولهم إن الله تعالى
جسم كباقي الموجودات، وكان موقف الإمام الكاظم (عليه السلام) من هذه الدعوات
المحمومة موقف المتصدي والناقد لها بالأدلة العلمية الثابتة والمنطق الحازم، وبين
فساد بعض الآراء والعقائد، وشرح المراد من الأحاديث التي قد يستفاد من
ظواهرها التجسيم أو التشبيه أو الحركة أو الانتقال، وأكد القول إنه تعالى لا جسم

201
ولا صورة ولا تحديد، وكل شيء سواه مخلوق، وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته
من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان.
وقد وجهت المزيد من الأسئلة للإمام (عليه السلام) فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته
وعلمه وإرادته ومشيئته، فأجاب (عليه السلام) هو ومن بعده أصحابه عن كثير من
الأضاليل التي كانت شائعة بين الناس في تلك الأيام.
فعلى الرغم من المراقبة الشديدة والضغط السياسي، وتضييق الحكام على
الإمام (عليه السلام)، إلا أنه (عليه السلام) لم يترك مسؤوليته العلمية، ولم يتخل عن تصحيح المسار
الإسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف واتجاهات، فتصدى هو وتلامذته
لتيارات الإلحاد والزندقة، كما تصدى أبوه الصادق وجده الباقر (عليهما السلام) من قبل
لتثبيت أركان التوحيد وتنقية مدارات العقيدة وإيجاد رؤية عقائدية أصيلة تشع
بروح التوحيد وتثبت في أعماق النفس والعقل.
وفيما يلي بعض المسائل العقائدية التي أجاب عنها الإمام (عليه السلام) أو بينها
لأصحابه (عليه السلام):
النهي عن التشبيه والتحديد
روى الشيخ المفيد في " أماليه " بالإسناد عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال:
سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لأبي: ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ قال:
إنه خالي. فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله تعالى
ويحده، والله لا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا، وإما جلست معنا وتركته.
فقال: إن هو يقول ما شاء، أي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال له

202
أبو الحسن (عليه السلام): أما تخافن أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟ أما علمت بالذي كان
من أصحاب موسى (عليه السلام)، وكان أبوه من أصحاب فرعون، فلما لحقت خيل
فرعون موسى (عليه السلام) تخلف عنه ليعظه، وأدركه موسى، وأبوه يراغمه حتى بلغا طرف
البحر فغرقا جميعا، فأتى موسى (عليه السلام) الخبر، فسأل جبرئيل (عليه السلام) عن حاله، فقال له:
غرق رحمه الله، ولم يكن على رأي أبيه، لكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب
المذنب دفاع (1).
النهي عن الانتقال والحركة
1 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن
أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى
السماء الدنيا. فقال (عليه السلام): إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في
القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج إلى شيء، بل
يحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
أما قول الواصفين إنه ينزل تبارك وتعالى، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى
نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله
الظنون هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة،
أو تحريك أو تحرك، أو زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود، فإن الله جل وعز عن
صفة الواصفين، ونعت الناعتين، وتوهم المتوهمين، وتوكل على العزيز الرحيم الذي



(1) أمالي المفيد: 112، الحديث 3.
203
يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين (1).
2 - وروى الطبرسي بالإسناد عن يعقوب بن جعفر الجعفري، قال: سأل
رجل يقال له عبد الغفار السلمي أبا إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول الله
تعالى: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) (2) قال: أرى ها هنا خروجا من
حجب، وتدليا إلى الأرض، وأرى محمدا رأى ربه بقلبه، ونسب إلى بصره، فكيف
هذا؟
فقال أبو إبراهيم (عليه السلام): دنا فتدلى، فإنه لم يزل عن موضع ولم يتدل ببدن.
فقال عبد الغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: (دنا فتدلى) فلم يتدل عن
مجلسه إلا وقد زال عنه، ولولا ذلك لم يصف بذلك نفسه. فقال أبو إبراهيم (عليه السلام): إن
هذه لغة في قريش، إذا أراد رجل منهم أن يقول: قد سمعت، يقول: قد تدليت، وإنما
التدلي الفهم (3).
الإرادة والتشبيه والمشيئة
روى البرقي في " المحاسن " بالإسناد عن محمد بن إسحاق، قال: قال
أبو الحسن (عليه السلام) ليونس مولى علي بن يقطين: يا يونس، لا تتكلم بالقدر. قال:



(1) الكافي 1: 125، الحديث 1. الاحتجاج 2: 156. التوحيد: 183، الحديث 18.
(2) النجم: 8 و 9.
(3) الاحتجاج 2: 157. البحار 3: 313.
204
إني لا أتكلم بالقدر، ولكني أقول: لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر.
فقال (عليه السلام): ليس هكذا أقول، ولكني أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر
وقضى، ثم قال: أتدري ما المشيئة؟ فقال: لا. فقال: همه بالشيء، أو تدري
ما أراد؟ قال: لا. قال: إتمامه على المشية. فقال: أو تدري ما قدر؟ قال: لا. قال:
هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء.
ثم قال: إن الله إذا شاء شيئا أراده، فإذا أراده قدره، وإذا قدره قضاه،
وإذا قضاه أمضاه.
يا يونس، إن القدرية لم يقولوا بقول الله: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) (1)،
ولا قالوا بقول أهل الجنة: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله) (2)، ولا قالوا بقول أهل النار: (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين) (3)،
ولا قالوا بقول إبليس: (رب بما أغويتني) (4)، ولا قالوا بقول نوح: (ولا ينفعكم
نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون) (5).
ثم قال: قال الله: " يا بن آدم، بمشيتي كنت أنت الذي تشاء، وبقوتي أديت
إلي فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، وجعلتك سميعا بصيرا قويا، فما أصابك
من حسنة فمني، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك لأني لا أسأل عما أفعل



(1) الإنسان: 30.
(2) الأعراف: 43.
(3) المؤمنون: 106.
(4) الحجر: 15.
(5) هود: 34.
205
وهم يسألون "، ثم قال: قد نظمت لك كل شيء تريده (1).
علمه تعالى
1 - عن أيوب بن نوح: أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الله
عز وجل، أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أو لم يعلم ذلك حتى
خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، وما كون عندما كون؟
فوقع بخطه: لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعدما
خلق الأشياء (2).
2 - وعن الكاهلي، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في دعاء " الحمد لله
منتهى علمه ". فكتب إلي: لا تقولن منتهى علمه، ولكن قل: منتهى رضاه (3).
التوحيد
عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى بن جعفر (عليه السلام)،
فقلت له: يا بن رسول الله، علمني التوحيد. فقال (عليه السلام): يا أبا أحمد، لا تتجاوز



(1) المحاسن: 244، الحديث 238.
(2) الكافي 1: 107، الحديث 4.
(3) التوحيد: 134. الكافي 1: 107، الحديث 3.
206
في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك.
واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك،
ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي
لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد،
والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي
لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل.
وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأفكار،
ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير،
وليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى
من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كانوا) (1)، وهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر
الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى عن صفات المخلوقين
علوا كبيرا (2).
الصفات
عن صفوان بن يحيى، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة،
من الله ومن المخلوق. قال: فقال (عليه السلام): الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له



(1) المجادلة: 7.
(2) التوحيد: 76، الحديث 32.
207
بعد ذلك من الفعل، وأما من الله عز وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه
لا يروي ولا يهم ولا يتفكر. وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق،
فإرادة الله تعالى هي الفعل لا غير ذلك. يقول له: كن، فيكون، بلا لفظ ولا نطق
بلسان، ولا همة ولا تفكر، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف (1).
نفي الزمان والمكان
1 - عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام): لأي علة عرج الله بنبيه (صلى الله عليه وآله) إلى السماء، ومنها إلى سدرة المنتهى،
ومنها إلى حجب النور، وخاطبه وناجاه هناك، والله لا يوصف بمكان؟
فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان، ولا يجري عليه زمان،
ولكنه عز وجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته،
ويريه عجائب عظمته، ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقول المشبهون،
سبحان الله وتعالى عما يشركون (2).
2 - وعن الشيخ المفيد (رحمه الله)، قال: قال يونس بن عبد الرحمن يوما لموسى
ابن جعفر (عليه السلام): أين كان ربك حين لا سماء مبنية ولا أرضا مدحية؟
قال (عليه السلام): كان نورا على نورا، خلق من ذلك النور ماء منكدرا، فخلق



(1) التوحيد: 147، الحديث 17.
(2) التوحيد: 175، الحديث 5. العلل 1: 126.
208
من ذلك الماء ظلمة، فكان عرشه على تلك الظلمة.
قال: إنما سألتك عن المكان.
قال: قال (عليه السلام): كلما قلت: أين، فأين هو المكان.
قال: وصفت فأجدت، إنما سألتك عن المكان الموجود المعروف!
قال: كان في علمه لعلمه، فقصر علم العلماء عند علمه.
قال: إنما سألتك عن المكان! قال: يا لكع، أليس قد أجبتك، أنه كان
في علمه لعلمه، فقصر علم العلماء عند علمه (1).
السعادة والشقاوة
1 - عن محمد بن أبي عمير، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد
في بطن أمه ".
فقال (عليه السلام): الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء،
والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال السعداء. قلت له: فما معنى
قوله (صلى الله عليه وآله): " اعملوا فكل ميسر لما خلق له "؟
فقال (عليه السلام): إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه، ولم يخلقهم ليعصوه،
وذلك قوله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (2) فيسر كلا لما خلق



(1) الاختصاص: 60.
(2) الذاريات: 56.
209
له، فالويل لمن استحب العمى على الهدى (1).
2 - وروى داود بن قبيصة، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، أنه قال: سأل رجل
أبي (عليه السلام): هل منع الله عما أمر به، وهل نهى عما أراد، وهل أعان على ما لم
يرد؟
فقال (عليه السلام): أما قولك: هل منع عما أمر به، فلا يجوز ذلك عليه، ولو جاز
ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منعه لعذره ولم يلعنه.
وأما قولك هل نهى عما أراد، فلا يجوز ذلك، ولو جاز ذلك لكان حيث
نهى آدم (عليه السلام) عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها، لما نادى عليه
صبيان الكتاتيب (وعصى آدم ربه فغوى) (2) والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر
بشيء ويريد غيره.
وأما قولك: هل أعان على ما لم يرد، فلا يجوز ذلك عليه، وتعالى الله
عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكفيرهم، وقتل الحسين بن علي (عليه السلام) والفضلاء
من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد وقد أعد جهنم لمخالفيه ولعنهم على تكذيبهم
لطاعته وارتكابهم لمخالفته؟ ولو جاز أن يعين على ما لم يرد، لكان أعان فرعون
على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أنه أراد من فرعون أن يدعي الربوبية؟
ومضى الإمام يقول: يستتاب قائل هذا القول، فإن تاب من كذبه على الله
وإلا ضربت عنقه (3).



(1) التوحيد: 356، الحديث 3.
(2) طه: 121.
(3) بحار الأنوار 5: 24، الحديث 31. الاحتجاج: 387.
210
في سبب المعصية
وسأله أبو حنيفة: ممن المعصية؟ فقال (عليه السلام): إن السيئات لا تخلو من إحدى
ثلاث: إما أن تكون عن الله وليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على
ما لا يرتكب، وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك، فلا ينبغي للشريك
القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا
فبكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته (1).
في الكفر والشرك
قال له أبو أحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟ فقال (عليه السلام) له: ما لك
ولهذا، ما عهدي بك تكلم الناس! قلت: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك.
فقال (عليه السلام): قل له الكفر أقدم، أول من كفر إبليس (أبى واستكبر وكان
من الكافرين) (2)، والكفر شيء واحد، والشرك يثبت واحد ويشرك معه غيره (3).
ونكتفي بهذا القدر من رده (عليه السلام) على شبهات الملحدين، وكل ما ذكرناه يتعلق



(1) تحف العقول: 412.
(2) البقرة: 32.
(3) تحف العقول: 412.
211
بالتوحيد، وقد ذكر في الإمامة والنبوة من ذلك الكثير. ولو تعرضنا لجميعه لاحتجنا
إلى بحث مفصل ودراسة شاملة، وقد كان لاحتجاجات الأئمة (عليهم السلام) الأثر البالغ
في إرجاع المسلمين إلى طريق الحق والصواب، إذ لم تلبث تلك الأفكار والأضاليل
والبدع أن قبرت وتلاشت بفضل مساعي الأئمة (عليهم السلام) وقادة الفكر من تلامذتهم
الذين هبوا للدفاع عن مبادئ الإسلام وصيانتها من شبه المضلين والملحدين.

212
الفصل الثامن
انحراف الواقفة بعده (عليه السلام)
الواقفة:
هم الواقفون على الإمام الكاظم (عليه السلام)، والقائلون: إنه حي يرزق، وإنه
هو القائم من آل محمد، وأن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم
من ذلك عدم انتقال الإمامة إلى ولده الإمام الرضا (عليه السلام).
وقد روج لهذه الفكرة بعض الكبار من أصحاب الإمام موسى بن
جعفر (عليه السلام)، كعلي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى
الرواسي، ويعتبر هؤلاء الثلاثة أول من ابتدع هذا المذهب، وأظهر الاعتقاد به،
والدعوة إليه.
ولم تكن هذه الانطلاقة المذهبية الجديدة ناشئة عن محض اعتقاد واقتناع
بواقعيتها، بل هي رغبات مادية وعوامل دنيوية أثرت في نفوسهم، فانحرفت بهم
إلى هذا الطريق.
ويعتذرون عن تورطهم في هذا المذهب بأخبار وضعوها، أو سمعوها
من الإمام الصادق (عليه السلام) ولكنهم جهلوا - أو تجاهلوا - محتواها وانغلق عليهم فهمها،
علما بأن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) شرحها لهم بقوله: " ما من إمام يكون قائما

213
في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم، فالذي يليه هو القائم والحجة حتى يغيب
عنهم، فكلنا قائم ".
وكان أصحاب هذا المذهب من قوام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وخزنة
أمواله التي تجبى إليه من شيعته، وحين مضى إلى ربه، كان عند زياد بن مروان
سبعون ألف دينار، وعند علي بن حمزة البطائني ثلاثون ألف دينار، وعند عثمان
ابن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار، وقد نازعتهم نفوسهم في تسليم هذه
الأموال لولده القائم من بعده، فتحيلوا بإنكار موت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)
وادعاء أنه حي يرزق، وأنهم لن يسلموا الأموال حتى يرجع فيسلموها له.
وقد غرر هؤلاء بصفوة بريئة من أصحاب الإمام، وألقوا عليهم الشبهة،
فأذعنوا لهم، ودانوا بما قالوا، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى الاعتراف بإمامة
الرضا (عليه السلام)، والانحراف عن مذهب الوقف، وقد استغرقت هذه الفرقة ردحا طويلا
من المنازعات والخلافات إلى أن انقرضت ولم يبق لها أثر، ويطلق على هؤلاء
الممطورة (1) والموسوية (2).
قال الشيخ الصدوق: لم يكن موسى بن جعفر ممن يجمع المال، ولكنه
قد حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه، ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع
إلا على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك،
وأراد أن لا يحقق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد ويقول: إنه تحمل إليه



(1) لقب أطلقه عليهم علي بن إسماعيل، قال لهم: ما أنتم إلا كلاب ممطورة. وقيل: أطلقه عليهم
يونس بن عبد الرحمن القمي.
(2) معجم الفرق الإسلامية: 238، 240 و 268.
214
الأموال، وتعقد له الإمامة ويحمل على الخروج عليه، ولولا ذلك لفرق ما اجتمع
من هذه الأموال، على أنها لم تكن أموال الفقراء، وإنما كانت أمواله يصل بها
مواليه (1).
أخبار في سبب حدوث الوقف:
1 - عن الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد، عن عمه، قال: كان بدء الواقفة
أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم وما كان يجب عليهم
فيها، فحملوا إلى وكيلين لموسى (عليه السلام) بالكوفة، أحدهما حيان السراج، والآخر
كان معه، وكان موسى (عليه السلام) في الحبس، فاتخذوا بذلك دورا، وعقدوا العقود،
واشتروا الغلات. فلما مات موسى (عليه السلام) وانتهى الخبر إليهما، أنكرا موته، وأذاعا
في الشيعة أنه لا يموت، لأنه هو القائم، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة، وانتشر
قولها في الناس، حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى (عليه السلام)،
واستبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصا على المال (2).
2 - قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): روى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي
ابن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا
في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه
من الأموال، نحو: حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام الخثعمي وأمثالهم.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 114، البحار 48: 253، العوالم: 485.
(2) رجال الكشي: 459، الحديث 871. البحار 48: 266، الحديث 27.
215
فروى محمد بن يعقوب بالإسناد عن يونس بن عبد الرحمن، قال: مات
أبو إبراهيم (عليه السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب
وقفهم وجحدهم موته، طمعا في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون
ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، فلما رأيت ذلك وتبينت
الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت، تكلمت ودعوت الناس
إليه، فبعثا إلي وقالا: ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك،
وضمنا لي عشرة آلاف دينار، وقالا لي: كف، فأبيت، وقلت لهما: إنا روينا
عن الصادقين (عليهما السلام) أنهم قالوا: " إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه،
فإن لم يفعل سلب نور الإيمان "، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال،
فناصباني وأضمرا لي العداوة " (1).
3 - وعن ابن يزيد، عن بعض أصحابه، قال: مضى أبو إبراهيم (عليه السلام) وعند
زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار
وخمس جوار ومسكنه بمصر، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): " أن احملوا
ما قبلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار، فإني وارثه
وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه، ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوراثه
قبلكم، أو كلام يشبه هذا.
فأما ابن أبي حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي،



(1) غيبة الطوسي: 42. علل الشرائع 1: 235، الحديث 1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1:
112، الحديث 2. رجال الكشي: 493، الرقم 946. البحار 48: 251، الحديثان 2 و 3.
216
وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه: إن أباك (صلوات الله عليه) لم يمت، وهو حي
قائم، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل، واعمل على أنه قد مضى كما تقول، فلم يأمرني
بدفع شيء إليك، وأما الجواري فقد أعتقتهن وتزوجت بهن (1).
4 - وعن أحمد بن حماد، قال: كان أحد القوام عثمان بن عيسى،
وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير وست جوار، قال: فبعث إليه أبو الحسن
الرضا (عليه السلام) فيهن وفي المال، قال: فكتب إليه: إن أباك لم يمت. قال: فكتب إليه
أبو الحسن (عليه السلام): إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته،
واحتج عليه فيه.
قال: فكتب إليه، إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان
قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري
وتزوجتهن (2).
ما تعلقوا به من أحاديث موضوعة:
1 - عن الحسين بن قياما الصيرفي، قال: حججت في سنة ثلاث وتسعين
ومائة، وسألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك، ما فعل أبوك؟ فقال:
مضى كما مضى آباؤه.



(1) غيبة الطوسي: 43. البحار 48: 252، الحديث 4.
(2) غيبة الطوسي: 43. علل الشرائع: 236، الحديث 2. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 113،
الحديث 3. البحار 48: 253، الحديث 5.
217
قلت: وكيف أصنع بحديث حدثني به يعقوب بن شعيب عن أبي بصير، أن
أبا عبد الله (عليه السلام) قال: " إن جاءكم من يخبركم أن ابني هذا مات وكفن وقبر ونفضوا
أيديهم من تراب قبره، فلا تصدقوا به ".
قال: كذب أبو بصير، ليس هكذا حدثه: إنما قال: إن جاءكم عن صاحب
هذا الأمر (1).
2 - وعنه أيضا، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، قلت: جعلت فداك،
ما فعل أبوك؟ قال: مضى كما مضى آباؤه (عليهم السلام).
فقلت: فكيف أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة
ابن مهران، أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: " إن ابني هذا فيه شبه من خمسة أنبياء: يحسد
كما حسد يوسف، ويغيب كما غاب يونس... وذكر ثلاثة أخر ".
قال (عليه السلام): كذب زرعة، ليس هكذا حديث سماعة، إنما قال: صاحب هذا
الأمر - يعني القائم (عليه السلام) - فيه شبه من خمسة أنبياء، ولم يقل: " ابني " (2).
الأدلة على بطلان ما تعلقوا به:
1 - قال الشيخ المفيد (عليه السلام): ثم لم تزل الإمامية بعد من ذكرناه على نظام
الإمامة، حتى قبض موسى بن جعفر (عليه السلام)، فافترقت بعد وفاته فرقا:
- فقال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ودانوا بالنص عليه،



(1) رجال الكشي: 475، الرقم 902.
(2) رجال الكشي: 476، الرقم 904.
218
وسلكوا الطريقة المثلى في ذلك.
- وقال جماعة منهم بالوقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وادعوا حياته
وزعموا أنه هو المهدي المنتظر، وقال فريق منهم: إنه قد مات وسيبعث، وهو القائم
بعده.
- وشذت فرقة ممن كان على الحق إلى قول سخيف جدا، فأنكروا موت
أبي الحسن (عليه السلام) وحبسه، وزعموا أن ذلك كان تخيلا للناس، وادعوا أنه حي
غائب، وأنه المهدي، وزعموا أنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد،
وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحة ودانوا بالتناسخ.
واعتلت الواقفة فيما ذهبوا إليه بأحاديث رووها عن أبي عبد الله (عليه السلام)، منها
أنهم حكوا عنه (عليه السلام): أنه لما ولد موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل أبو عبد الله (عليه السلام) على
حميدة البربرية، أم موسى (عليه السلام)، فقال لها: بخ بخ، حل الملك في بيتك. قالوا: وسئل
عن اسم القائم، فقال: اسمه اسم حديدة الحلاق.
فيقال لهذه الفرقة: ما الفصل بينكم وبين الناووسية الواقفة على
أبي عبد الله (عليه السلام)، والكيسانية الواقفة على أبي القاسم ابن الحنفية رحمة الله عليه،
والمفوضة المنكرة لوفاة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) الدافعة لقتله، والسبائية المنكرة
لوفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) المدعية حياته، والمحمدية النافية لموت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
المتدينة بحياته، وكل شيء راموا به كسر مذاهب من عددناهم فهو كسر لمذهبهم،
ودليل على إبطال مقالتهم.
ثم يقال لهم، فيما تعلقوا به من الحديث الأول: ما أنكرتم أن يكون
الصادق (عليه السلام) أراد بالملك الإمامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر وملك الأمر
والنهي، وأي دليل في قوله لحميدة: " حل الملك في بيتك " على أنه نص على ابنه،

219
وأنه القائم بالسيف! أو ما سمعتم قول الله تعالى يقول: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب
والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (1)؟ وإنما أراد ملك الدين والرياسة فيه على العالمين.
وأما قوله (عليه السلام) وقد سئل عن اسم القائم فقال: " اسم حديدة الحلاق "،
فإنه إن صح وثبت ذلك، على أنه غير معروف، فإنما أشار به إلى القائم بالإمامة
بعده (عليه السلام)، ولم يشر به إلى القائم بالسيف، وقد علمنا أن كل إمام فهو القائم بالأمر
بعد أبيه، فأي حجة فيما تعلقوا به لولا عمى القلوب؟
مع أنه يقال لهم: ما الدليل على إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وما البرهان
على أن أباه نص عليه؟ فبأي شيء تعلقوا في ذلك واعتمدوا عليه، أريناهم بمثله
حجة إمامة الرضا (عليه السلام) وثبوت النص على أبيه (عليه السلام)، وهذا ما لا يجدون عنه
مخلصا (2).
2 - وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): أما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة
الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى (عليه السلام) وقالوا: إنه المهدي، فقولهم باطل
بما ظهر من موته (عليه السلام)، واشتهر واستفاض، كما اشتهر موت أبيه وجده ومن تقدم
من آبائه (عليهم السلام)، ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة
الذين خالفوا في موت من تقدم من آبائه (عليهم السلام).
على أن موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه (عليهم السلام)، لأنه أظهر
وأحضر القضاة والشهود، ونودي عليه ببغداد على الجسر، وقيل: " هذا الذي
تزعم الرافضة أنه حي لا يموت، مات حتف أنفه ". وما جرى هذا المجرى لا يمكن
الخلاف فيه.



(1) النساء: 54.
(2) الفصول المختارة: 252 - 255.
220
فروى يونس بن عبد الرحمن قال: حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة
أبي إبراهيم (عليه السلام)، فلما وضع على شفير القبر، إذا رسول من السندي بن شاهك
قد أتى أبا المهنا خليفته - وكان مع الجنازة - أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه
حتى يروه صحيحا لم يحدث به حدث.
قال: وكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته، ثم غطي وجهه وأدخل
قبره صلى الله عليه.
وروى محمد بن عيسى بن عبيد العبيدي، قال: أخبرتني رحيمة أم ولد
الحسين بن علي بن يقطين - وكانت امرأة حرة فاضلة قد حجت نيفا وعشرين
حجة - عن سعيد مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وكان يخدمه في الحبس، ويختلف
في حوائجه، أنه حضره حين مات كما يموت الناس من قوة إلى ضعف إلى أن
قضى (عليه السلام) (1).
وروى عدة أحاديث سنأتي على ذكرها في شهادته (عليه السلام) تدل بمجموعها
دلالة قاطعة على تحقق الوفاة أولا، ثم إن النصوص المتظافرة عن النبي
الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى (عليهم السلام) تشير إلى أن الإمام الغائب هو الثاني عشر من أئمة
أهل البيت (عليهم السلام) وليس غيره، وهذان الأمران يدلان بوضوح على فساد مذهب
الواقفة، وأضاف الشيخ الطوسي دليلا آخر على بطلان مذهبهم حيث قال:
على أن المشهور عنه (عليه السلام) أنه وصى إلى ابنه علي بن موسى (عليه السلام) وأسند إليه
أمره بعد موته، والأخبار بذلك أكثر من أن تحصى، ولو كان حيا باقيا لما احتاج
إليه (2).



(1) الغيبة: 19.
(2) الغيبة: 24.
221
هذا وقد أورد الشيخ الطوسي جملة الأحاديث التي رواها رجال الواقفة،
وبين أوجه فسادها وبطلانها (1).
أحاديث في الطعن على الواقفة:
1 - عن عيص، قال: دخلت مع خالي سليمان بن خالد على
أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: يا سليمان، من هذا الغلام؟ فقال: ابن أختي. فقال:
هل يعرف هذا الأمر؟ فقال: نعم. فقال: الحمد لله الذي لم يخلقه شيطانا.
ثم قال: يا سليمان، عوذ بالله ولدك من فتنة شيعتنا. فقلت: جعلت فداك،
وما تلك الفتنة؟ قال: إنكارهم الأئمة (عليهم السلام) ووقوفهم على ابني موسى.
قال: ينكرون موته، ويزعمون أن لا إمام بعده، أولئك شر الخلق (2).
2 - عن عمر بن يزيد، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فحدثني مليا
في فضائل الشيعة، ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب.
قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم، ويتولونكم، ويتبرون من
عدوكم؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك، بين لنا نعرفهم فعلنا منهم. قال: كلا
يا عمر، ما أنت منهم، إنما هم قوم يفتنون بزيد، ويفتنون بموسى (3).



(1) أنظر الغيبة: 29 - 46.
(2) رجال الكشي: 457، الرقم 866. البحار 48: 265، الحديث 24.
(3) رجال الكشي: 459، الرقم 869. البحار 48: 266، الحديث 27.
222
3 - عن ابن أبي يعفور، قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل موسى (عليه السلام)
فجلس فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا بن أبي يعفور، هذا خير ولدي وأحبهم إلي،
غير أن الله عز وجل يضل قوما من شيعتنا، فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في
الآخرة، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
قلت: جعلت فداك، قد أزغت قلبي عن هؤلاء. قال: يضل به قوم من
شيعتنا بعد موته جزعا عليه فيقولون لم يمت، وينكرون الأئمة (عليهم السلام) من بعده،
ويدعون الشيعة إلى ضلالهم، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم دين الله. يا بن
أبي يعفور، فالله ورسوله منهم بريء، ونحن منهم براء (1).
4 - عن حمزة الزيات، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أمن شيعتكم أنا؟ قال:
إي والله، في الدنيا والآخرة، وما أحد من شيعتنا إلا وهو مكتوب عندنا اسمه واسم
أبيه، إلا من يتولى عنا.
وقال: قلت: جعلت فداك، أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة؟
قال: يا حمران، نعم، وأنت لا تدركهم.
قال حمزة: فتناظرنا في هذا الحديث، قال: فكتبنا به إلى الرضا (عليه السلام) نسأله
عمن استثنى به أبو جعفر (عليه السلام)، فكتب: هم الواقفة على موسى بن جعفر (عليه السلام) (2).
5 - وعن صفوان بن يحيى، عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد، قال:



(1) رجال الكشي: 462، الرقم 881. البحار 48: 268، الحديث 28.
(2) رجال الكشي: 462، الرقم 882. البحار 48: 268، الحديث 28.
223
قال الرضا (عليه السلام): ما فعل الشقي حمزة بن بزيع؟ قلت: هو ذا، هو قد قدم، فقال:
يزعم أن أبي حي، هم اليوم شكاك، ولا يموتون غدا إلا على الزندقة.
قال صفوان: فقلت فيما بيني وبين نفسي، شكاك قد عرفتهم، فكيف يموتون
على الزندقة؟ فما لبثنا إلا قليلا حتى بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته:
هو كافر برب أماته! قال صفوان: فقلت: هذا تصديق الحديث (1).
6 - عن محمد بن سنان، قال: ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا (عليه السلام) فلعنه،
ثم قال: إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه، فأبى الله إلا أن يتم
نوره ولو كره المشركون، ولو كره اللعين المشرك.
قلت: المشرك! قال: نعم والله، وإن رغم أنفه، كذلك هو في كتاب الله:
(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) (2) وقد جرت فيه وفي أمثاله، إنه أراد
أن يطفئ نور الله (3).
7 - وعن أحمد بن محمد، قال: وقف علي أبو الحسن (عليه السلام) في بني زريق، فقال
لي وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت: لبيك. قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جهد
الناس في إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما توفي
أبو الحسن (عليه السلام) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن



(1) رجال الكشي: 462، الرقم 882. البحار 48: 256، الرقم 10.
(2) التوبة: 32.
(3) غيبة الطوسي: 46.
224
يتم نوره. وإن أهل الحق إذا دخل عليهم داخل سروا به، وإذا خرج منهم خارج
لم يجزعوا عليه، وذلك أنهم على يقين من أمرهم، وإن أهل الباطل إذا دخل فيهم
داخل سروا به، وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه، وذلك أنهم على شك من
أمرهم، إن الله جل جلاله يقول: (فمستقر ومستودع) (1)، قال: ثم قال
أبو عبد الله (عليه السلام): المستقر الثابت، والمستودع المعار (2).
8 - عن علي بن عبد الله بن الزبيري، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله
عن الواقفة، فكتب: " الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة، إن مات بها كانت
جهنم مأواه وبئس المصير " (3).
9 - عن عمرو بن فرات، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الواقفة،
فقال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة (4).
10 - عن محمد بن رجاء الحناط، عن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، أنه قال:
الواقفة هم حمير الشيعة، ثم تلا هذه الآية (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل
سبيلا) (5).



(1) الأنعام: 98.
(2) رجال الكشي: 445، الرقم 837. البحار 48: 261، الحديث 15.
(3) رجال الكشي: 455، الرقم 860. البحار 48: 263، الحديث 18.
(4) رجال الكشي: 460، الرقم 876. البحار 48: 267، الرقم 28.
(5) رجال الكشي: 460، الرقم 872. البحار 48: 267. والآية من سورة الفرقان: 44.
225
من رجع من مذهب الواقفة:
عندما تبين لكثير من رجال الواقفة الحق المبين في أن الرضا (عليه السلام) هو الإمام
الحق القائم بعد أبيه صلوات الله عليهما، وأن أباه قد مضى كما مضى آباؤه (عليهم السلام)،
سيما بعد أن شاهدوا ما ظهر من المعجزات على يد الرضا (عليه السلام) وعلمه الذي فاق به
سائر أهل زمانه مما يدل على حجة إمامته، رجع جماعة من القول بالوقف مثل:
عبد الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج،
وحماد بن عيسى وغيرهم، وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكوا فيه ثم رجعوا.
وكذلك رجع بعض من كان في عصره (عليه السلام)، مثل: أحمد بن محمد بن أبي نصر،
والحسن بن علي الوشاء، وغيرهما ممن قال بالوقف، فالتزموا الحجة وقالوا بإمامة
الرضا (عليه السلام) وإمامة من بعده من ولده (عليهم السلام)، وفيما يلي بعض الأحاديث الواردة
في ذلك:
1 - روى الكشي بالإسناد عن الحسن بن علي بن فضال، قال: قال عبد الله
ابن المغيرة: كنت واقفا فحججت على تلك الحالة، فلما صرت في مكة خلج
في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم، ثم قلت: " اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي،
فأرشدني إلى خير الأديان "، فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام)، فأتيته فوقفت
ببابه، وقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب. فسمعت نداءه:
أدخل يا عبد الله بن المغيرة. فدخلت، فلما نظر إلي قال: قد أجاب الله دعوتك،
وهداك لدينك. فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه (1).



(1) رجال الكشي: 594، الرقم 1110. البحار 48: 272، الحديث 33. الكافي 1: 355،
الحديث 13. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 219، الحديث 31. الاختصاص: 81.
226
2 - وعن يزيد بن إسحاق شعر، وكان من أدفع الناس لهذا الأمر، قال:
خاصمني مرة أخي محمد، وكان مستويا، قال: فقلت له لما طال الكلام بيني وبينه:
إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول فاسأله أن يدعو الله لي حتى أرجع إلى قولكم.
قال: قال لي محمد: فدخلت على الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك، إن لي أخا،
وهو أسن مني، وهو يقول بحياة أبيك، وأنا كثيرا ما أناظره، فقال لي يوما
من الأيام: سل صاحبك - إن كان بالمنزلة التي ذكرت - أن يدعو الله لي حتى أصير
إلى قولكم، فأنا أحب أن تدعو الله له.
قال: فالتفت أبو الحسن (عليه السلام) نحو القبلة، فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال:
" اللهم خذ بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتى ترده إلى الحق ". قال: كان يقول هذا
وهو رافع يده اليمنى. قال: فلما قدم أخبرني بما كان، فوالله ما لبثت إلا يسيرا حتى
قلت بالحق (1).
3 - وعن الحسين بن عمر بن يزيد، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) وأنا شاك
في إمامته، وكان زميلي في طريقي رجلا يقال له: مقاتل بن مقاتل، وكان قد مضى
على إمامته بالكوفة، فقلت له: عجلت! فقال: عندي في ذلك برهان وعلم.
قال الحسين: فقلت للرضا (عليه السلام): مضى أبوك؟ قال: إي والله، وإني لفي
الدرجة التي فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن كان أسعد ببقاء أبي
مني! ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (والسابقون السابقون أولئك
المقربون) (2).



(1) رجال الكشي: 605، الرقم 1126. البحار 48: 273، الحديث 34.
(2) الواقعة: 10.
227
ثم قال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: من؟ قال: مقاتل بن مقاتل، المسنون
الوجه، الطويل اللحية، الأقنى الأنف.
وقال: أما إني ما رأيته ولا دخل علي، ولكنه آمن وصدق فاستوص به.
قال: فانصرفت من عنده إلى رحلي، فإذا مقاتل راقد فحركته، ثم قلت:
لك بشارة عندي لا أخبرك بها حتى تحمد الله مائة مرة، ففعل، ثم أخبرته
بما كان (1).



(1) رجال الكشي: 614، الرقم 1146. البحار 48: 274، الحديث 36.
228
الفصل التاسع
الثقات من رواته (عليه السلام)
لقد التف حول الإمام الكاظم (عليه السلام) أثناء إقامته في المدينة المنورة جمع غفير
من كبار الرواة والعلماء ممن تتلمذوا في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) الكبرى، حيث
قام الإمام موسى (عليه السلام) بعد أبيه بإدارة شؤون تلك المدرسة التي أعزت العلم ورفعت
مناره، فأصبح (عليه السلام) بعد أبيه عميدا وزعيما للحركة العلمية والنهضة الفكرية في
عصره.
وكان العلماء والرواة ملازمون لمجلسه (عليه السلام) ولا يفترقون عنه، حتى بلغ من
احتفائهم به وإقبالهم عليه أنه إذا نطق بكلمة أو أفتى بفتوى سارعوا إلى تدوين
ذلك.
روى ابن طاوس: أن أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وخواصه من شيعته
وأهل بيته كانوا يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس وأميال، فإذا نطق
بكلمة أو أفتى في نازلة بادروا إلى تسجيل ذلك (1).
لقد روى العلماء والفقهاء من أحاديثه (عليه السلام) الكثير ودونوها في كتبهم



(1) مهج الدعوات: 219.
229
ومسانيدهم، وفي شتى العلوم التي تلقوها منه، على اختلاف آرائهم وتباين
نزعاتهم، من الحكمة والتفسير والفقه والحديث، حتى طبقت آراؤه الخافقين،
وضربت لأجل ذلك آباط الإبل، للاستماع إلى حديثه والانتهال من علومه.
فكانت مدرسته امتدادا لمدرسة أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) حتى ضاق الحكام
العباسيون به ذرعا، مما جعلهم يقررون تصفيته جسديا، وإشخاصه (عليه السلام) من المدينة
إلى العراق وحبسه في سجن عيسى بن موسى بالبصرة، ومن ثم نقله إلى حبس
الفضل بن الربيع في بغداد، وبعدها نقل إلى حبس الفضل بن يحيى البرمكي،
وآخرها نقل إلى حبس السندي بن شاهك حتى قضى بالسم شهيدا بأمر من
الطاغية هارون الرشيد.
قال ابن شهرآشوب: أخذ عنه العلماء من العلوم ما لا يحصى كثرة، ذكر ذلك
الخطيب في " تأريخ بغداد " والسمعاني في " الرسالة القوامية " وأبو صالح أحمد المؤذن
في " الأربعين " وأبو عبد الله بن بطة في " الإبانة " والثعلبي في " الكشف والبيان ".
وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن خط أهل البيت (عليهم السلام) كما روي عنه قال:
حدثني موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد
ابن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال:
حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال أحمد: وهذا
إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق (1).
يربو عدد الرواة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) على الخمسمائة راو (2)، وذكر الشيخ



(1) المناقب 4: 316 - 317.
(2) عد الشبستري في " أحسن التراجم لأصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) " خمسمائة واثنين
وثلاثين رجلا ممن روى عنه (عليه السلام)، واستدرك سبعة آخرين في نهاية الكتاب.
230
الطوسي في رجاله مائتين وسبعين رجلا ممن روى عنه (عليه السلام)، ولم تكن هذه الطائفة
من العلماء والرواة على مستوى واحد من حيث الثقة والعدالة، ففيهم الثقة
والصحيح والحسن والضعيف والمتروك والمجهول، وتفصيل ذلك موكول إلى كتب
الرجال وأصحاب الجرح والتعديل.
وسنقتصر في هذا الباب على بعض الثقات من أصحابه (عليه السلام) ممن كان عليهم
المعول في نقل أحاديثه وأخباره.
قال ابن شهرآشوب (رحمه الله): في " اختيار الرجال " عن الطوسي: أنه اجتمع
أصحابنا على تصديق ستة نفر من فقهاء الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وهم:
يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير،
وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب السراء، وأحمد بن محمد بن أبي نصر.
كذا من ثقاته: الحسن بن علي بن فضال الكوفي مولى لتيم الرباب،
وعثمان بن عيسى، وداود بن كثير الرقي مولى بني أسد، وأخيه علي بن جعفر
الصادق (عليه السلام).
ومن خواص أصحابه: علي بن يقطين مولى بني أسد، وأبو الصلت
عبد السلام بن صالح الهروي، وإسماعيل بن مهران، وعلي بن مهزيار من قرى
فارس ثم سكن الأهواز، والريان بن الصلت الخراساني، وأحمد بن محمد الحلبي،
وموسى بن بكير الواسطي، وإبراهيم بن أبي البلاد الكوفي (1).
ويضاف إلى هؤلاء بعض من نص أصحاب الرجال والجرح والتعديل بثقته
وحسن حاله، وفيما يلي نذكر تراجمهم على ترتيب حروف المعجم:



(1) المناقب 4: 325.
231
1 - إبراهيم بن عيسى الخزاز:
في رجال الكشي: قال محمد بن مسعود، عن علي بن الحسن: أبو أيوب
كوفي، اسمه إبراهيم بن عيسى، ثقة.
وفي رجال النجاشي: إبراهيم بن عيسى، أبو أيوب الخزاز، وقيل: إبراهيم
ابن عثمان، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكر ذلك أبو العباس في كتابه،
ثقة كبير المنزلة، له كتاب نوادر كبير...
وفي فهرست الطوسي: إبراهيم بن عثمان، المكنى بأبي أيوب الخزاز الكوفي،
ثقة، له أصل (1).
2 - إبراهيم بن محمد الأشعري القمي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن الإمامين موسى والرضا (عليهما السلام)، وأخوه
الفضل، وكتابهما شركة، رواه الحسن بن علي بن فضال عنهما (2).
3 - إبراهيم بن أبي محمود الخراساني:
في رجال الكشي: قال نصر بن الصباح: إبراهيم بن أبي محمود، كان
مكفوفا، روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى مسائل الإمام موسى (عليه السلام) قدر خمس
وعشرين ورقة، وعاش بعد الرضا (عليه السلام).



(1) رجال الكشي: 366. رجال النجاشي: 15. الفهرست: 8. تهذيب المقال 1: 286.
تنقيح المقال 1: 26. جامع الرواة 1: 26. جامع المقال: 53.
(2) رجال النجاشي: 18. الخلاصة: 6. رجال ابن داود: 33. تنقيح المقال 1: 30.
232
وفي رجال النجاشي: إبراهيم بن أبي محمود الخراساني، ثقة، روى عن الإمام
الرضا (عليه السلام)، وله كتاب يرويه أحمد بن محمد بن عيسى (1).
4 - إبراهيم بن مهزم الأسدي الكوفي:
في رجال النجاشي: إبراهيم بن مهزم الأسدي من بني نصر، يعرف
بابن أبي بردة، ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) وعمر طويلا،
له كتاب رواه عنه جماعة (2).
5 - إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي:
في رجال النجاشي: إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي، كوفي، يروي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة صحيح الحديث، قال ابن سماعة: بجلي،
وقال ابن عبدة: فزاري. له كتاب رواه جماعة، ثم ذكر طرقه إليه (3).
6 - إبراهيم بن نعيم العبدي:
في رجال النجاشي: إبراهيم بن نعيم العبدي، أبو الصباح الكناني، نزل فيهم



(1) رجال الكشي: 567. رجال النجاشي: 18. رجال الطوسي: 343. الخلاصة: 3.
تنقيح المقال 1: 12. جامع الرواة 1: 17.
(2) رجال النجاشي: 16. فهرست الشيخ الطوسي: 9. الخلاصة: 6. رجال ابن داود: 34.
(3) رجال النجاشي: 15. رجال ابن داود: 34. الخلاصة: 6. تهذيب المقال 1: 302.
أعيان الشيعة 2: 232.
233
فنسب إليهم، كان أبو عبد الله (عليه السلام) يسميه الميزان لثقته، ذكره أبو العباس في
الرجال، رأى أبا جعفر (عليه السلام)، وروى عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، له كتاب يرويه عنه
جماعة (1).
7 - إبراهيم بن أبي البلاد:
في رجال النجاشي: إبراهيم بن أبي البلاد، واسم أبي البلاد يحيى بن سليم،
وقيل: ابن سليمان، مولى بني عبد الله بن غطفان، يكنى أبا يحيى، كان ثقة قارئا،
أديبا، وكان أبو البلاد ضريرا، وكان راوية للشعر، وله يقول الفرزدق:
يا لهف نفسي على عينيك من رجل
وروى إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن موسى (عليه السلام) والرضا (عليه السلام)،
وعمر دهرا، وكان للرضا (عليه السلام) إليه رسالة وأثنى عليه، له كتاب يرويه عنه جماعة،
ثم ذكر طرقه إليه.
وفي رجال الكشي عن علي بن أسباط، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) ابتداء
منه: إبراهيم بن أبي البلاد على ما تحبون (2).
8 - إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الكندي الطحان:
في رجال النجاشي: روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ثقة، له كتاب نوادر



(1) رجال النجاشي: 15. الخلاصة: 3. رجال البرقي: 11 و 18 و 38. رجال ابن داود: 34.
رجال الطوسي: 102 و 144. مجمع الرجال 1: 76 و 7: 54 و 146. معالم العلماء: 139.
(2) رجال الكشي: 504. رجال النجاشي: 16. رجال الطوسي: 145، 342 و 368.
الخلاصة 3. تهذيب المقال 1: 317. أعيان الشيعة 2: 237.
234
يرويه عنه جماعة، ثم ذكر طرقه إليه (1).
9 - أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وعن أبيه
الكاظم (عليه السلام) من قبل، وهو ابن عم عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمد الحلبيين،
روى أبوهم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكانوا ثقات، ولأحمد كتاب يرويه عنه جماعة،
ثم ذكر طرقه إليه (2).
10 - أحمد بن محمد البزنطي:
ذكره البرقي في أصحاب الكاظم (عليه السلام) الذين أدركوا الرضا (عليه السلام).
وفي رجال ابن داود: من رواة الإمامين الكاظم (عليه السلام) والرضا (عليه السلام)، ثقة
جليل عندهما (عليهما السلام)، له كتاب الجامع.
وفي خلاصة العلامة: لقي الرضا (عليه السلام)، وكان عظيم المنزلة عنده، وهو ثقة
جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن الرضا (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام)،
أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه، وأقروا له بالفقه، مات (رحمه الله) سنة
221 (3).



(1) رجال النجاشي: 17. الخلاصة: 6. رجال ابن داود: 34.
(2) رجال النجاشي: 72. الخصال: 20. رجال ابن داود: 410. رجال الكشي: 393
و 597.
(3) رجال البرقي: 54. الخلاصة: 13. رجال ابن داود: 42. التحرير الطاوسي: 40.
235
11 - أحمد بن موسى الكاظم (عليه السلام) الهاشمي العلوي:
أحد أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام)، من كبار محدثي وعلماء أهل البيت (عليهم السلام)
الأجلاء، كان كريما ورعا جليلا شجاعا، وكان الكاظم (عليه السلام) يحبه ويقدمه، ووهب
له ضيعته المعروفة باليسيرة أو اليسيرية.
وهو المعروف ب‍ " شاه چراغ "، ويعد من أصحاب الكرامات الباهرة، ومن
فضائله الكثيرة أنه أعتق ألف عبد وأمة في سبيل الله، وكتب ألف مصحف بيده،
خرج مع جماعة من بني هاشم من المدينة المنورة قاصدين طوس بخراسان لملاقاة
الرضا (عليه السلام)، فلما وصل إلى شيراز علم بوفاة أخيه الرضا (عليه السلام)، فأراد مواصلة
السفر إلى طوس، ولكن حاكم شيراز يومئذ من قبل المأمون العباسي منعه
من مواصلة السفر بأمر من المأمون، مما أدى إلى وقوع معركة بين السيد أحمد
ومرافقيه وأصحاب الحاكم انتهت بمقتله ومقتل أصحابه وذلك بعد سنة 203، ودفن
بشيراز (1). وقبره شاخص معروف بشيراز يزوره خلق كثير للتبرك.
12 - أسامة بن حفص:
في رجال ابن داود: ممدوح، وكان قيما للكاظم (عليه السلام)، وفي رجال الطوسي
ذكره في أصحاب الكاظم (عليه السلام) وقال: كان قيما له (عليه السلام)، أي قائما بأموره
وخدماته (2).



(1) أعلام الورى: 312. أعيان الشيعة 3: 191. تنقيح المقال 1: 97. عمدة الطالب: 197.
كشف الغمة 3: 26. نقد الرجال: 35. أحسن التراجم 1: 59.
(2) رجال ابن داود: 47. رجال الطوسي: 344. معجم رجال الحديث 3: 22.
236
13 - إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي:
روى عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، ثقة، له كتاب (1).
14 - إسماعيل بن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي:
ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، وقال:
إسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي ثقة ممدوح له أصول، روى عنه صفوان بن يحيى.
وفي معالم العلماء: له كتاب وله أصل (2).
15 - إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه الكوفي:
في رجال النجاشي: إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه بن أبي ميمونة
ابن يسار مولى بني أسد، وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه من فقهائنا، وهو من بيت
الشيعة، عمومته شهاب وعبد الرحيم ووهب وأبوه عبد الخالق كلهم ثقات،
وإسماعيل روى عن أبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب...
وفي رجال ابن داود: عده من أصحاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) (3).
16 - إسماعيل بن الفضل الهاشمي:
هو إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن نوفل



(1) رجال ابن داود: 48. رجال النجاشي: 53. فهرست الطوسي: 16.
(2) رجال الطوسي: 105، 147 و 343. معالم العلماء: 10. رجال النجاشي: 23.
(3) رجال النجاشي: 20. رجال ابن داود: 50. الخلاصة: 9. معجم رجال الحديث 3:
146 - 148.
237
ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، المدني البصري.
روى عن الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، وقال فيه الإمام الصادق (عليه السلام):
هو كهل من كهولنا، وسيد من ساداتنا.
قال علي بن الحسين بن علي بن فضال: إن إسماعيل بن الفضل الهاشمي
كان من ولد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وكان ثقة، وكان من أهل البصرة (1).
17 - إسماعيل بن موسى الكاظم (عليه السلام) القرشي الهاشمي العلوي:
أحد أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام)، كان عالما جليلا، ومحدثا فاضلا، ومؤلفا
بارعا، روى عن أبيه (عليه السلام)، وصحب أخاه الرضا (عليه السلام) وروى عنه أيضا، وسكن
مصر، وولده بها، وله كتب مبوبة يرويها عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)، منها كتاب الرؤيا
وكتاب الزكاة والطهارة والصلاة والحج والصوم والطلاق والجنائز والحدود
والنكاح والدعاء والآداب والسفن وغيرها (2).
18 - إسماعيل بن همام الكندي:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وفي رجال النجاشي:
روى عن الرضا (عليه السلام)، ثقة هو وأبوه وجده، وله كتاب يرويه عنه جماعة، ثم ذكر



(1) رجال البرقي: 19. الخلاصة: 7. رجال ابن داود: 51. رجال الكشي: 57 و 218.
رجال النجاشي: 42.
(2) أعيان الشيعة 3: 436. تنقيح المقال 1: 145. رجال ابن داود: 51. رجال النجاشي:
19. عمدة الطالب: 197. معجم رجال الحديث 3: 188. المناقب 4: 324. منهج المقال:
61.
238
طرقه إليه (1).
19 - أيوب بن الحر الجعفي، بياع الهروي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمامين الصادق
والكاظم (عليهما السلام).
وفي رجال النجاشي: مولى ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره أصحابنا
في الرجال، يعرف بأخي أديم، له أصل (2).
20 - أبو الحسن بسطام بن سابور الواسطي:
في رجال النجاشي: ثقة، وإخوته زكريا وزياد وحفص ثقات كلهم، رووا
عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ذكرهم أبو العباس وغيره من الرجال، له
كتاب يرويه عنه جماعة، ثم ذكر طرقه إليه (3).
21 - بشر بن يسار العجلي:
في رجال النجاشي: أخو سعيد، مولى بني ضبيعة، من عجل، ثقة، روى هو
وأخوه عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ذكرهما أصحاب الرجال، وله
كتاب رواه عنه محمد بن أبي عمير (4).



(1) رجال البرقي: 51. رجال النجاشي: 22. الخلاصة: 10. رجال ابن داود: 52.
(2) رجال الطوسي: 150، 153 و 343. رجال النجاشي: 75. الخلاصة: 12.
(3) رجال النجاشي: 80. رجال ابن داود: 56. رجال الطوسي: 159 و 160.
(4) رجال النجاشي: 82. رجال ابن داود: 56. مجمع الرجال 1: 263 و 267.
239
22 - بشر بن مسلمة الكوفي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليه السلام)، وفي
أصحاب الكاظم (عليه السلام) قال:
بشر بن مسلمة، ثقة، يكنى أبا صدقة.
وفي رجال النجاشي: كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب رواه
ابن أبي عمير (1).
23 - بكر بن الأشعث الكوفي:
في رجال النجاشي: بكر بن الأشعث، أبو إسماعيل، كوفي ثقة، روى عن
الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) كتابا (2).
24 - بكر بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي الكوفي الغامدي:
في رجال النجاشي: وجه في هذه الطائفة، من بيت جليل بالكوفة من
آل نعيم الغامديين، عمومته شديد وعبد السلام، وابن عمه موسى بن عبد السلام،
وهم كثيرون، وعمته غنيمة، روت أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)،
ذكر ذلك أصحاب الرجال، وكان ثقة، وعمر عمرا طويلا، له كتاب يرويه عدة
من أصحابنا (3).



(1) رجال النجاشي: 81. رجال الطوسي: 155 و 345.
(2) رجال النجاشي: 79.
(3) رجال النجاشي: 78.
240
25 - أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار الأزدي الكوفي:
من ثقات وفضلاء محدثي وشيوخ الإمامية، ومن خيار الشيعة ومعتمديهم في
الحديث والرواية، عاصر كلا من السجاد والباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، وروى
عنهم، وكان مقربا منهم ومعظما ومنقطعا إليهم، وكان عارفا بالتفسير والحديث،
وله كتاب الزهد وتفسير القرآن والنوادر ورسالة الحقوق وغيرها. قال فيه الإمام
الصادق (عليه السلام): أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه (1)، وهو الذي روى الدعاء
المعروف ب‍ (دعاء أبي حمزة الثمالي) عن الإمام السجاد (عليه السلام).
26 - ثعلبة بن ميمون الأسدي الكوفي:
في رجال النجاشي: كان وجها في أصحابنا، قارئا فقيها نحويا، لغويا
راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب (2).
27 - جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار
ابن أبي طالب القرشي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن السجاد والباقر والصادق
والكاظم (عليهم السلام) (3).



(1) رجال البرقي: 9. رجال ابن داود: 59. الخلاصة: 29. رجال الطوسي: 84، 110
و 160. رجال الكشي: 201. رجال النجاشي: 83.
(2) رجال النجاشي: 85.
(3) رجال البرقي: 9. رجال ابن داود: 61. رجال النجاشي: 130 في ترجمة ابنه سليمان،
منهج المقال: 81.
241
28 - جميل بن صالح الأسدي الكوفي:
محدث إمامي ثقة، من وجوه شيعة الكوفة، له كتاب، روى عن الإمامين
الصادق والكاظم (عليهما السلام) (1).
29 - جهم بن أبي جهم الكوفي:
محدث إمامي، جليل المنزلة، ممدوح، له كتاب النوادر يعتمد عليه (2).
30 - الحارث بن المغيرة النصري البصري المعروف ببياع الزطي:
في رجال النجاشي: روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر (عليه السلام) وموسى
ابن جعفر (عليه السلام) وزيد بن علي، ثقة ثقة، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا (3).
31 - حبيب بن المعلل الخثعمي بالولاء الكوفي:
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)
والرضا (عليه السلام)، ثقة ثقة، صحيح، له كتاب (4).
32 - حديد بن حكيم الأزدي المدايني:
في رجال النجاشي: ثقة، وجه، متكلم، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)



(1) الخلاصة: 34. رجال النجاشي: 92. منهج المقال: 88.
(2) رجال البرقي: 50. رجال الطوسي: 345. رجال النجاشي: 95.
(3) رجال النجاشي: 101. رجال ابن داود: 68. الخلاصة: 55.
(4) رجال النجاشي: 102. رجال الكشي: 125، 226، 307، 370 و 462.
242
وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه محمد بن خالد (1).
33 - حذيفة بن منصور الكوفي المعروف ببياع السابري:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام)
وأبي الحسن (عليه السلام)، وابناه الحسن ومحمد رويا الحديث، له كتاب يرويه عدة
من أصحابنا (2).
34 - حسان بن مهران الجمال:
في رجال النجاشي: حسان بن مهران الجمال، مولى بني كاهل بن أسد،
وقيل: مولى لغني، أخو صفوان، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)،
ثقة ثقة، أصح من صفوان وأوجه، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا (3).
35 - الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني:
في رجال ابن داود: من أصحاب الكاظم (عليه السلام) والرضا (عليه السلام)، ثقة، صحيح،
وروي له في كتاب الفهرست للشيخ الطوسي ومعالم العلماء ورجال النجاشي كتاب
ومسائل (4).



(1) رجال النجاشي: 108. رجال ابن داود: 70. مجمع الرجال 2: 20 و 86.
(2) رجال النجاشي: 107. رجال ابن داود: 71. رجال العلامة: 60.
(3) رجال النجاشي: 107. رجال ابن داود: 71. الخلاصة: 64.
(4) رجال ابن داود: 72. الخلاصة: 43. رجال النجاشي: 37. الفهرست: 47. معالم العلماء:
33.
243
36 - الحسن بن زياد الضبي الكوفي الصيقل:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب، روى عن الباقر والصادق
والكاظم (عليهم السلام) (1).
37 - الحسن بن صدقة المدايني الأزدي:
هو أخو مصدق بن صدقة، من محدثي الإمامية الثقات، روى عن الإمام
الصادق (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام) وأدرك الإمام الرضا (عليه السلام) وروى عنه (2).
38 - الحسن بن علي بن زياد الوشاء:
من وجوه محدثي الإمامية الثقات، وكان خيرا جليل القدر ممدوحا،
وله كتاب، روى عن الإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الهادي (عليهم السلام) (3).
39 - الحسن بن علي بن فضال الكوفي:
من ثقات محدثي وعلماء الإمامية، وكان فقيها جليل القدر، زاهدا،
عارفا بالتفسير، روى عن الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام)، وكان أول أمره
فطحيا يقول بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام) المعروف بالأفطح، ثم استبصر



(1) رجال النجاشي: 35. رجال الكشي: 424. الخلاصة: 41.
(2) رجال الطوسي: 347. رجال ابن داود: 74. الخلاصة: 45، رجال البرقي: 50.
(3) رجال البرقي: 51، 55 و 58. الخلاصة: 41. رجال الطوسي: 371 و 412. رجال
النجاشي: 28.
244
ورجع إلى الحق، وقال بإمامة الكاظم (عليه السلام). له عده كتب، منها: الزيارات
والبشارات والنوادر والرد على الغالية والشواهد والمتعة والناسخ والمنسوخ
والملاحم والصلاة والزهد والديات والتفسير والطب وغيرها، وفي لسان الميزان
توفي سنة 224 (1).
40 - الحسن بن علي بن يقطين:
نص على توثيقه الشيخ الطوسي وابن داود في الرجال، وقال النجاشي
في رجاله: مولى بني هاشم، وقيل: مولى بني أسد، كان فقيها متكلما، روى عن
أبي الحسن (2) والرضا (3)، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) (4).
41 - الحسن بن محبوب بن وهب السراد الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، كان فقيها فاضلا ومفسرا جليل القدر وأحد
الأركان الأربعة في عصره، روى عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وله كتب،
منها: كتاب المشيخة والحدود والديات والفرائض والمناكح والطلاق والنوادر
والتفسير ومعرفة رواة الأخبار والعتق وغيرها. توفي سنة 224 (5).



(1) الخلاصة: 37. رجال ابن داود: 76. رجال النجاشي: 24. لسان الميزان 2: 225.
(2) الخلاصة: 37. رجال ابن داود: 76. رجال النجاشي: 24. لسان الميزان 2: 225.
(3) الخلاصة: 37. رجال ابن داود: 76. رجال النجاشي: 24. لسان الميزان 2: 225.
(4) رجال النجاشي: 34. رجال الطوسي: 372. رجال ابن داود: 76.
(5) رجال البرقي: 48 و 53. الخلاصة: 37. رجال ابن داود: 77. رجال الطوسي: 347
و 372. رجال الكشي: 556.
245
42 - الحسين بن عمر بن يزيد:
من محدثي الإمامية الثقات، روى عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) (1).
43 - حفص بن البختري الكوفي البغدادي:
في رجال النجاشي: مولى بغدادي، أصله كوفي، ثقة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ذكره أبو العباس،... له كتاب يرويه عنه
جماعة (2).
44 - حفص بن سابور الواسطي، أخو بسطام:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) (3).
45 - حفص بن سوقة العمري الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب، روى عن الإمامين الصادق
والكاظم (عليهما السلام) (4).



(1) رجال البرقي: 52. الخلاصة: 49. رجال ابن داود: 77. رجال الطوسي: 373.
(2) الخلاصة: 58. رجال النجاشي: 97. رجال ابن داود: 82. رجال الطوسي: 177
و 347.
(3) الخلاصة: 58. رجال ابن داود: 82. رجال النجاشي: 80 في ترجمة أخيه بسطام.
(4) رجال البرقي: 37. الخلاصة: 58. رجال ابن داود: 83. رجال الطوسي: 184. رجال
النجاشي: 98.
246
46 - حماد بن عثمان بن زياد الرؤاسي المعروف بالناب:
من محدثي الإمامية الثقات ومن أجلاء فقهائهم، وله كتاب.
روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام)،
وتوفي بالكوفة سنة 190 ه‍ (1).
47 - حماد بن عيسى الجهني:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب النوادر والزكاة والصلاة، ومنافع
الأعضاء من الإنسان والحيوان، روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) والإمام
الكاظم (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام)، وتوفي غريقا بالجحفة سنة 209، وقيل:
سنة 208 (2).
48 - حمدان بن المعافى الصبيحي:
روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب شرائع الإيمان
وكتاب الإهليلجة، وكان حسن الحال ممدوحا (3).
49 - حميد بن المثنى العجلي أبو المغرا:
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، كوفي ثقة
ثقة.



(1) رجال ابن داود: 81. رجال الطوسي: 173، 346 و 371. فهرست الطوسي: 60. معالم
العلماء: 43.
(2) رجال البرقي: 21، 48 و 53. رجال النجاشي: 103. جامع الرواة 1: 273.
(3) الخلاصة: 62. رجال النجاشي: 100.
247
وفي الخلاصة ورجال ابن داود ومعالم العلماء: ثقة، له أصل (1).
50 - خالد بن زياد القلانسي الكوفي:
في رجال النجاشي: خالد بن زياد القلانسي الكوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، مولى ثقة، له كتاب (2).
51 - خالد بن سعيد القماط الكوفي:
روى عن الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السلام)، وكان من ثقات وأجلاء
محدثي الإمامية، وله كتاب (3).
52 - خالد بن يزيد بن جبل الكوفي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن الإمام موسى [الكاظم] (عليه السلام)، له كتاب
رواه يحيى بن زكريا اللؤلؤي (4).
53 - خلف بن حماد بن ياسر الأسدي الكوفي:
في رجال النجاشي: ثقة، سمع من الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، له كتاب
يرويه جماعة منهم محمد بن الحسين بن أبي الخطاب... (5).



(1) الخلاصة: 58. رجال ابن داود: 86. رجال النجاشي: 96. معالم العلماء: 42.
(2) رجال النجاشي: 108. الخلاصة: 65. رجال ابن داود: 87.
(3) الخلاصة: 65. رجال ابن داود: 87. رجال الطوسي: 365. رجال النجاشي: 108.
(4) رجال النجاشي: 109. رجال ابن داود: 88. الخلاصة: 66.
(5) رجال النجاشي: 110. الخلاصة: 66. رجال ابن داود: 88.
248
54 - داود بن زربي البندار الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، وله كتاب، روى عن الإمام الصادق والإمام
الكاظم (عليهما السلام) (1).
55 - داود بن سرحان العطار الكوفي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكره
ابن نوح، له كتاب، روى عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا (رحمهم الله)... (2).
56 - داود بن سليمان:
من ثقات محدثي الإمامية وعلمائهم الورعين، وكان من خواص الإمام
الكاظم (عليه السلام)، ومن الذين شهدوا على وصيته (عليه السلام) بالنص على إمامة الرضا (عليه السلام) (3).
57 - داود بن علي اليعقوبي الهاشمي:
في رجال النجاشي: روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وقيل: روى
عن الرضا (عليه السلام)، ثقة، له كتاب يرويه جماعة منهم عيسى بن عبد الله العمري... (4).



(1) رجال النجاشي: 116. الخلاصة: 68. رجال ابن داود: 90.
(2) رجال النجاشي: 115. الخلاصة: 69. رجال ابن داود: 90.
(3) تنقيح المقال 1: 410. جامع الرواة 1: 304. معجم رجال الحديث 7: 107. منهج
المقال: 135.
(4) رجال النجاشي: 115. الخلاصة: 69. رجال ابن داود: 90.
249
58 - داود بن فرقد الأسدي الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب الهدى، وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وعن أبي الحسن (عليه السلام) (1).
59 - داود بن كثير الرقي:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب المزار والإهليلجة، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وعن أبي الحسن (عليه السلام)، وكان من المختصين بالإمام الكاظم (عليه السلام)
ومن ثقاته، وممن روى النص على إمامة الرضا (عليه السلام) من أبيه الكاظم (عليه السلام) (2).
60 - داود بن النعمان الأنباري بياع الأنماط:
وثقه العلامة في الخلاصة، وكان خيرا فاضلا، وله كتاب، روى عن الإمام
الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) (3).
61 - دعبل بن علي الخزاعي:
من مشاهير شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، ومن فحول الشعراء العرب، كان عالما



(1) رجال البرقي: 32. الخلاصة: 68. رجال ابن داود: 91. رجال الطوسي: 189 و 349.
رجال النجاشي: 114.
(2) رجال البرقي: 32. الخلاصة: 67. رجال ابن داود: 91. رجال الطوسي: 190 و 349.
فهرست الشيخ الطوسي: 68. معالم العلماء: 48.
(3) الخلاصة: 69. رجال ابن داود: 91. رجال الطوسي: 191 و 375. رجال النجاشي:
115.
250
محدثا، ثقة، عظيم المنزلة، عالي الشأن، فصيحا، متفننا في صنوف الشعر، جريئا
على ولاة الأمور.
روى عن الإمام الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام)، وتوفي نحو سنة 245 ه‍.
وله من الكتب: طبقات الشعراء والواحدة في مثالب العرب ومناقبها
وديوان شعر (1).
62 - ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي:
في الخلاصة: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، قال الشيخ (رحمه الله):
إنه ثقة له أصل.
وفي رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ذكره
ابن عقدة وابن نوح، له كتاب يرويه عده من أصحابنا... (2).
63 - ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي البصري:
محدث إمامي ثقة، روى عن الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، وله
كتاب الراهب والراهبة (3).



(1) رجال ابن داود: 92. رجال الطوسي: 375. رجال النجاشي: 116. روضات الجنات
3: 306.
(2) رجال البرقي: 44. الخلاصة: 70. رجال ابن داود: 92. رجال الطوسي: 191.
رجال النجاشي: 117.
(3) رجال البرقي: 40. الخلاصة: 71. رجال ابن داود: 94. رجال النجاشي: 119.
251
64 - رفاعة بن موسى الأسدي النخاس:
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، وكان ثقة
في حديثه، مسكونا إلى روايته، لا يعرض بشيء من الغمز، حسن الطريقة،
له كتاب مبوب في الفرايض (1).
65 - رومي بن زرارة بن أعين الشيباني:
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، كان ثقة،
قليل الحديث، له كتاب رواه ابن عياش (2).
66 - زرارة بن أعين الشيباني:
من كبار علماء ومحدثي الإمامية الثقات، كان فقيها فاضلا، ومتكلما جليلا،
وأديبا شاعرا، له كتاب العهود والاستطاعة والجبر، روى عن الإمام الباقر
والصادق والكاظم (عليهم السلام)، توفي سنة 150 ه‍ عن تسعين سنة (3).
67 - زكريا بن سابور الأزدي الواسطي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) (4).



(1) رجال النجاشي: 119. الخلاصة: 71. رجال ابن داود: 95.
(2) رجال النجاشي: 119. رجال الطوسي: 195. الخلاصة: 72. رجال ابن داود: 95.
(3) الخلاصة: 76. رجال ابن داود: 96. رجال الطوسي: 123، 201 و 350. رجال
النجاشي: 125.
(4) الخلاصة: 75. رجال ابن داود: 98. رجال الطوسي: 199. رجال النجاشي: 80 في
ترجمة أخيه بسطام بن سابور.
252
68 - زكريا بن عبد الصمد القمي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) (1).
69 - زياد بن سابور الواسطي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) (2).
70 - زيد بن محمد بن يونس الشحام:
في رجال النجاشي: زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى، أبو أسامة الشحام،
مولى سديد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامدي، كوفي، روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه جماعة (3).
71 - سالم بن مكرم بن عبد الله الكناسي:
في رجال النجاشي: سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة، ويقال: أبو سلمة
الكناسي، يقال: صاحب الغنم، مولى بني أسد الجمال، يقال كنيته كانت
أبو خديجة، وإن أبا عبد الله (عليه السلام) كناه أبا سلمة، ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه عنه عدة من أصحابنا... (4).



(1) الخلاصة: 75. رجال ابن داود: 98. رجال الطوسي: 365 و 376.
(2) الخلاصة: 74. رجال ابن داود: 99. رجال الطوسي: 198. رجال النجاشي: 80.
(3) رجال النجاشي: 125.
(4) رجال النجاشي: 134.
253
72 - سعد بن أبي خلف الزهري بالولاء الكوفي:
في رجال النجاشي: مولى بني زهرة بن كلاب، كوفي ثقة.
روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه عنه
جماعة... (1).
73 - سعدان بن مسلم بن عبد الرحمن العامري:
من ثقات محدثي الإمامية، كبير القدر، عظيم المنزلة، وله كتاب.
روى عن الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السلام) وعمر طويلا (2).
74 - سعيد بن عبد الرحمن الأعرج:
من ثقات محدثي الإمامية، وله كتاب، روى عن الإمام الصادق والإمام
الكاظم (عليهما السلام) (3).
75 - سعيد بن يسار الضبعي الحناط:
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة،
له كتاب يرويه عدة من أصحابنا... (4).



(1) رجال النجاشي: 127.
(2) رجال ابن داود: 103. رجال النجاشي: 137.
(3) الخلاصة: 80. رجال ابن داود: 103. رجال النجاشي: 129.
(4) رجال النجاشي: 129.
254
76 - سلمة بن محمد بن عبد الله الخزاعي الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب، وروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) والإمام
الكاظم (عليهما السلام)... (1).
77 - سليم بن عمران الغراء الكوفي:
في رجال النجاشي: سليم الفراء، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة، ذكره أصحابنا في الرجال، له كتاب يرويه جماعة منهم
محمد بن أبي عمير (2).
78 - سليمان بن جعفر الجعفري:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب (فضل الدعاء)، روى عن الإمام
الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام) (3).
79 - سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي:
في رجال النجاشي: مولى عبد بن وائل بن حجر الحضرمي، يكنى أبا ناشرة،
وقيل: أبا محمد، كان يتجر في القز ويخرج به إلى حران، ونزل الكوفة في كندة، روى
عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) ومات بالمدينة، ثقة ثقة، وله بالكوفة مسجد



(1) رجال النجاشي: 134. رجال ابن داود: 105. الخلاصة: 86.
(2) رجال النجاشي: 138.
(3) الخلاصة: 77. رجال ابن داود: 105. رجال الطوسي: 351 و 377.
255
بحضرموت، وهو مسجد زرعة بن محمد الحضرمي بعده... له كتاب يرويه عنه
جماعة كثيرة... (1).
80 - سندي بن الربيع البغدادي:
في رجال النجاشي: روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له كتاب يرويه
صفوان بن يحيى وغيره...
ويبدو من غيره أنه روى عن الإمامين الرضا والعسكري (عليهما السلام)، وقد وثقه
الشيخ الطوسي في الرجال (2).
81 - سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن الإمامين موسى والرضا (عليهما السلام)، أخبرنا
عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا الحميري، قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن سهل، عن أبيه، بكتابه (3).
82 - سيف بن عميرة النخعي الكوفي:
في رجال النجاشي: عربي، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا (4).



(1) رجال النجاشي: 138.
(2) رجال النجاشي: 133. رجال الطوسي: 378، 431 و 476. رجال ابن داود: 107.
(3) رجال النجاشي: 133.
(4) رجال النجاشي: 135.
256
83 - شعيب بن يعقوب العقرقوفي:
في رجال النجاشي: شعيب العقرقوفي، أبو يعقوب، ابن أخت أبي بصير يحيى
ابن القاسم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة، عين، له كتاب... (1).
84 - صالح بن خالد المحاملي:
وثقه الشيخ الطوسي في الرجال، وفي رجال النجاشي: صالح بن خالد
المحاملي، أبو شعيب الكناسي، مولى علي بن الحكم بن الزبير، مولى بني أسد، روى
عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له كتاب يرويه عنه جماعة منهم عباس بن معروف... (2).
85 - صفوان بن مهران الجمال:
من ثقات محدثي وفقهاء الإمامية، وأحد الذين رووا النص على إمامة
الكاظم (عليه السلام) من أبيه الإمام الصادق (عليه السلام)، وله كتاب، كان جمالا يسكن الكوفة،
فباع جماله امتثالا لأمر الإمام الكاظم (عليه السلام) لأنه كان يكريها لهارون العباسي (3).
86 - صفوان بن يحيى البجلي:
في رجال النجاشي: أبو محمد البجلي بياع السابري، كوفي، ثقة ثقة، عين،



(1) رجال النجاشي: 139.
(2) رجال النجاشي: 142. رجال الطوسي: 365.
(3) رجال البرقي: 45. الخلاصة: 89. رجال ابن داود: 111. رجال الطوسي: 220.
رجال الكشي: 441. رجال النجاشي: 140.
257
روى أبوه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وروى هو عن الرضا (عليه السلام)، وكانت له عنده منزلة
شريفة.
ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وقد توكل للرضا
وأبي جعفر (عليهما السلام) وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة...
وصنف ثلاثين كتابا كما ذكر أصحابنا، يعرف منها الآن: كتاب الوضوء،
كتاب الصلاة، كتاب الصوم، كتاب الحج، كتاب الزكاة، كتاب النكاح... ومات
صفوان بن يحيى (رحمه الله) سنة عشر ومائتين " 210 ه‍ " (1).
87 - الضحاك الحضرمي الكوفي:
في رجال النجاشي: الضحاك أبو مالك الحضرمي، كوفي، عربي، أدرك
أبا عبد الله (عليه السلام) وقال قوم من أصحابنا: روى عنه، وقال آخرون: لم يرو عنه،
وروى عن أبي الحسن (عليه السلام)، وكان متكلما ثقة ثقة في الحديث، وله كتاب في
التوحيد رواية علي بن الحسن الطاطري... (2).
88 - العباس بن عامر بن رباح القصباني:
عده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، وفي رجال
النجاشي: العباس بن عامر بن رباح أبو الفضل الثقفي القصباني، الشيخ الصدوق
الثقة، كثير الحديث، له كتب... (3).



(1) رجال النجاشي: 139.
(2) رجال النجاشي: 145.
(3) رجال النجاشي: 200. رجال الطوسي: 356.
258
89 - عبد الحميد بن سالم العطار الكوفي:
في رجال النجاشي: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وكان ثقة
من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر... (1).
90 - عبد الحميد بن عواض الطائي الكسائي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام
الكاظم (عليهم السلام) (2).
91 - عبد الرحمن بن الحجاج البجلي الكوفي:
هو أبو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحجاج البجلي بالولاء الكوفي، المعروف
ببياع السابري، من ثقات محدثي الإمامية، ومن الفقهاء الفضلاء، ومن أصحاب
الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهم السلام)، ومن الذين رووا النص
بالإمامة من الإمام الصادق (عليه السلام) على ولده الإمام الكاظم (عليه السلام)، وكان كوفيا، ثم
نزل بغداد وسكنها، وله كتاب (3).
92 - عبد العزيز بن المهتدي الأشعري القمي:
من محدثي الإمامية الثقات، كان ممدوحا صالحا، وله كتاب، يروي عن



(1) رجال النجاشي: 239، في ترجمة ابنه محمد بن عبد الحميد.
(2) الخلاصة: 116. رجال ابن داود: 127. رجال الطوسي: 128، 235 و 353.
(3) الخلاصة: 113. رجال ابن داود: 128. رجال الطوسي: 353. رجال النجاشي: 165.
259
الإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الجواد (1).
93 - عبد الكريم بن عتبة القرشي الهاشمي اللهبي الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) (2).
94 - عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الكوفي الملقب ب‍ (كرام):
في رجال النجاشي: روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثم وقف على
أبي الحسن (عليه السلام)، وكان ثقة ثقة عينا، يلقب بكرام، له كتاب يرويه عدة من
أصحابنا... (3).
95 - عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري الهاشمي:
في رجال النجاشي: ثقة صدوق، روى أبوه عن أبي جعفر (عليه السلام)
وأبي عبد الله (عليه السلام)، وروى أخوه جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ولم تشتهر روايته،
له كتب منها كتاب (خروج محمد بن عبد الله ومقتله) وكتاب (خروج صاحب فخ
ومقتله)... (4).



(1) الخلاصة: 116. رجال ابن داود: 129. رجال الطوسي: 380 و 487. رجال النجاشي:
171.
(2) الخلاصة: 127. رجال ابن داود: 131. رجال الطوسي: 234 و 354.
(3) رجال النجاشي: 172.
(4) رجال النجاشي: 149.
260
96 - عبد الله بن جندب البجلي الكوفي:
من محدثي الإمامية الثقات، روى عن الإمام الصادق والكاظم
والرضا (عليهم السلام)، وكان مجتهدا جليل القدر... (1).
97 - عبد الله بن الحارث المخزومي:
من خواص أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته، وكان من الفقهاء والعلماء
الورعين، وممن روى النص على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) من أبيه الإمام
الكاظم (عليه السلام) (2).
98 - عبد الله بن حماد الأنصاري:
من شيوخ الإمامية وثقات محدثيهم، وقيل: من الحسان، وكان أديبا
مؤرخا، روى عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وله من الكتب: (شعر
أبي طالب وأخباره)، و (طبقات الشعراء)... (3).
99 - عبد الله بن سنان الكوفي:
من ثقات محدثي الإمامية، كان عالما جليل القدر، ومن الفقهاء الأعلام



(1) الخلاصة: 105. رجال ابن داود: 117. رجال الطوسي: 226، 255 و 379.
(2) تهذيب التهذيب 5: 157. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27. معجم رجال الحديث 10:
152. منهج المقال: 201.
(3) الخلاصة: 110. رجال ابن داود: 118. رجال الطوسي: 265. رجال النجاشي: 151.
معجم رجال الحديث 102: 172 و 22: 35.
261
والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، أدرك الإمام
الباقر (عليه السلام)، وروى عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام)، له من الكتب: الصلاة
والصلاة الكبير والحلال والحرام. وكان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد
ولا يطعن عليه في شيء (1).
100 - عبد الله بن غالب الأسدي:
في الخلاصة: من أصحاب الباقر (عليه السلام)، يكنى أبا علي، روى عن الباقر
والصادق والكاظم (عليهم السلام)، ثقة ثقة، قال له الصادق (عليه السلام): إن ملكا يلقي الشعر
عليك، وإني لأعرف ذلك الملك. وزاد في رجال النجاشي: له كتاب تكثر الرواة
عنه... (2).
101 - عبد الله بن مسكان الكوفي:
في رجال النجاشي: عبد الله بن مسكان، أبو محمد، مولى عنزة، ثقة عين،
روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وقيل: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وليس بثبت،
له كتب، منها: كتاب في الإمامة وكتاب في الحلال والحرام أكثره عن محمد بن علي
الحلبي... ومات في أيام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قبل الحادثة... (3).



(1) الخلاصة: 104. رجال ابن داود: 120. رجال الطوسي: 225 و 354. رجال النجاشي:
148.
(2) الخلاصة: 104. رجال النجاشي: 154، طبعة قم: 582.
(3) رجال النجاشي: 148، طبعة قم: 559.
262
102 - عبد الله بن المغيرة النوفلي الخزاز:
في رجال النجاشي: عبد الله بن المغيرة، أبو محمد البجلي، مولى جندب
ابن عبد الله بن سفيان العلقي، كوفي ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه
وورعه.
روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام). قيل: إنه صنف ثلاثين كتابا، والذي
رأيت أصحابنا (رحمهم الله) يعرفون منها: كتاب الوضوء وكتاب الصلاة، وقد روى هذه
الكتب كثير من أصحابنا... وله كتاب الزكاة وكتاب الفرائض وكتاب في أصناف
الكلام... (1).
103 - عبد الله بن الوضاح الكوفي:
في رجال النجاشي: كوفي ثقة، من الموالي، صاحب أبا بصير يحيى بن القاسم
كثيرا وعرف به، له كتب منها كتاب الصلاة، أكثره عن أبي بصير (2).
104 - عبد الله بن يحيى الكاهلي:
في رجال النجاشي: عبد الله بن يحيى، أبو محمد الكاهلي، عربي،
أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان عبد الله وجها عند
أبي الحسن (عليه السلام)، ووصى به علي بن يقطين، فقال (عليه السلام) له: اضمن لي الكاهلي
وعياله أضمن لك الجنة. وقال محمد بن عقدة الناسب: عبد الله بن يحيى الذي يقال



(1) رجال النجاشي: 149.
(2) رجال النجاشي: 149.
263
له الكاهلي هو تميمي النسب، وله كتاب يرويه جماعة منهم أحمد بن محمد
ابن أبي نصر... (1).
105 - عبد الله بن حكيم الخثعمي الكوفي:
في رجال النجاشي: عبد الملك بن حكيم الخثعمي، كوفي ثقة عين، روى
عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام)، له كتاب يرويه جماعة... (2).
106 - عبد الملك بن عتبة الصيرفي:
من ثقات محدثي الإمامية، روى عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام)،
وله كتاب (3).
107 - علي بن جعفر الصادق (عليه السلام) المعروف بالعريضي:
في رجال ابن داود: من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام)، معظم، سكن
العريض من نواحي المدينة فنسب ولده إليها، له كتاب في الحلال والحرام عن أبيه
وأخيه الكاظم (عليهما السلام).
وفي رجال الطوسي: علي بن جعفر، أخوه (عليه السلام)، له كتاب ما سأله عنه،
وروى عن أبيه.



(1) رجال النجاشي: 153.
(2) رجال النجاشي: 166.
(3) رجال النجاشي: 166. الخلاصة: 114. رجال ابن داود: 131. رجال الطوسي: 234.
264
وفي أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): عمه (عليه السلام)،
له كتاب، ثقة (1).
108 - علي بن حمزة بن الحسن القرشي الهاشمي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى وأكثر الرواية، له نسخة يرويها عن موسى
ابن جعفر (عليه السلام)... (2).
109 - علي بن رئاب الطحان:
في رجال ابن داود: من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، ثقة جليل القدر، له أصل
كبير.
وفي رجال النجاشي: علي بن رئاب أبو الحسن، مولى جرم بطن من قضاعة،
وقيل: مولى بني سعد بن بكر، طحان، كوفي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره
أبو العباس وغيره، وروى عن أبي الحسن (عليه السلام)، له كتب منها كتاب الوصية
والإمامة وكتاب الديات (3).
110 - علي بن سويد السائي:
في رجال العلامة (رحمه الله): ثقة، من أصحاب الرضا (عليه السلام).



(1) رجال الطوسي: 241، 353 و 379. رجال ابن داود: 136.
(2) رجال النجاشي: 194.
(3) رجال ابن داود: 138. رجال النجاشي: 175.
265
وفي رجال النجاشي: ينسب إلى قرية قريبة من المدينة يقال لها الساية،
روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام).
وقيل: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وليس أعلم، روى رسالة أبي الحسن
موسى (عليه السلام) إليه (1).
111 - علي بن شجرة الشيباني:
في رجال النجاشي: علي بن شجرة بن ميمون بن أبي أراكة النبال مولى كندة،
روى أبوه عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام)، وأخوه الحسن بن شجرة روى،
وكلهم ثقات وجوه جلة، ولعلي كتاب يرويه جماعة...
وعده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في رجاله من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام) (2).
112 - علي بن عبيد الله القرشي الهاشمي:
في رجال النجاشي: كان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه، واختص
بموسى (عليه السلام) والرضا (عليه السلام)، واختلط بأصحابنا الإمامية، وكان لما أراده محمد
ابن إبراهيم طباطبا لأن يبايع له أبو السرايا بعده أبى، ورد الأمر إلى محمد بن محمد
ابن زيد بن علي.
له كتاب في الحج يرويه كله عن موسى بن جعفر (عليه السلام) (3).



(1) الخلاصة: 92. رجال النجاشي: 196.
(2) رجال النجاشي: 196، رجال الطوسي: 267 و 354.
(3) رجال النجاشي: 180.
266
113 - علي بن عطية السلمي:
من ثقات محدثي الإمامية، له كتاب، روى عن الإمام الباقر والصادق
والكاظم (عليهم السلام) (1).
114 - علي بن يقطين الكوفي البغدادي:
في الخلاصة: كان ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة عند أبي الحسن (عليه السلام)،
عظيم المكانة في هذه الطائفة.
وفي رجال النجاشي: علي بن يقطين بن موسى البغدادي، سكنها وهو كوفي
الأصل، مولى بني أسد، أبو الحسن، وكان أبوه يقطين بن موسى داعية، طلبه مروان
فهرب، وولد علي بالكوفة سنة 124 ه‍، وكانت أمه هربت به وبأخيه عبيد إلى
المدينة حتى ظهرت الدولة [العباسية] ورجعت، ومات سنة 182 ه‍ في أيام موسى
ابن جعفر (عليه السلام) ببغداد، وهو محبوس في سجن هارون، بقي فيه أربع سنين، قال
أصحابنا: روى علي بن يقطين عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديثا واحدا، وروى عن
موسى (عليه السلام) فأكثر، له كتاب مسائله... (2).
115 - عمار بن موسى الساباطي:
في رجال النجاشي: عمار بن موسى الساباطي، أبو الفضل، مولى،



(1) رجال الطوسي: 130، 243 و 353. الخلاصة: 103. رجال النجاشي: 34 في ترجمة
أخيه الحسن بن عطية. معالم العلماء: 67.
(2) الخلاصة: 91. رجال النجاشي: 194.
267
وأخواه قيس وصباح، رووا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكانوا ثقات
في الرواية، له كتاب يرويه جماعة (1).
116 - عمر بن أذينة الكوفي:
من الثقات، روى عن الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السلام)، هرب
من الكوفة إلى اليمن خوفا من بطش المهدي العباسي، ولم يزل يسكن اليمن
حتى توفي بها نحو سنة 169 ه‍، له كتاب الفرائض (2).
117 - عمر بن محمد بن يزيد الثقفي المعروف ببياع السابري:
في رجال النجاشي: عمر بن محمد بن يزيد، أبو الأسود، بياع السابري،
مولى ثقيف، كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كل سنة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكر أصحاب كتب الرجال له كتاب في مناسك الحج وفرائضه
وما هو مسنون من ذلك، سمعه كله من أبي عبد الله (عليه السلام)... (3).
118 - عمرو بن المنهال بن مقلاص القيسي:
في الخلاصة: كوفي ثقة، وفي رجال النجاشي: عمرو بن المنهال بن مقلاص



(1) رجال النجاشي: 206.
(2) رجال الطوسي: 253 و 353. رجال الكشي: 64، 144، 151، 187 و 334. رجال
النجاشي: 202.
(3) رجال النجاشي: 201.
268
القيسي.
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له ولدان أحمد والحسن من أهل
الحديث، له كتاب (1).
119 - عيسى بن عبد الله الأشعري:
محدث إمامي ثقة، ومن وجوه الشيعة في زمانه، روى عن الإمام
الصادق (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام)، وله مسائل عن الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
120 - عيص بن القاسم البجلي:
في رجال النجاشي: عربي، يكنى أبا القاسم، ثقة، عين، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)... له كتاب... (3).
121 - فضالة بن أيوب الأزدي:
في رجال النجاشي: عربي صميم، سكن الأهواز.
روى عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وكان ثقة في حديثه، مستقيما في دينه، له
كتاب... (4).



(1) الخلاصة: 121. رجال النجاشي: 42 و 206 في ترجمة ابنه الحسن.
(2) رجال ابن داود: 149. رجال النجاشي: 210. منهج المقال: 255.
(3) رجال النجاشي: 214.
(4) رجال النجاشي: 220.
269
122 - الفضل بن يونس الكاتب:
في رجال النجاشي: الفضل بن يونس الكاتب البغدادي، روى عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام)، ثقة، له كتاب... (1).
123 - الفيض بن المختار الجعفي:
في رجال النجاشي: روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهم السلام)،
ثقة عين، له كتاب... (2).
124 - القاسم بن بريد بن معاوية العجلي:
في رجال ابن داود: من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام)، ثقة (3).
125 - الليث بن البختري المرادي:
محدث ثقة، وفقيه جليل القدر، روى عن الإمام الباقر والصادق
والكاظم (عليهم السلام).
وهو أحد الذين رووا النص على إمامة الكاظم (عليه السلام) من أبيه الصادق (عليه السلام)،
وله كتاب... (4).



(1) رجال النجاشي: 218.
(2) رجال النجاشي: 220.
(3) رجال ابن داود: 221.
(4) الخلاصة: 136. رجال النجاشي: 225.
270
126 - مثنى الحناط:
محدث ثقة، وقيل: من الحسان، روى عن الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام) (1).
127 - محمد بن إسحاق الصيرفي:
في رجال النجاشي: ثقة عين، روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له كتاب (2).
128 - محمد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي:
في رجال النجاشي: كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل،
له كتب، منها كتاب ثواب الحج، وكتاب الحج (3).
129 - محمد بن بكر بن جناح:
في رجال النجاشي: كوفي، مولى ثقة، له كتاب نوادر، وعده الشيخ
الطوسي (رحمه الله) في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام) (4).
130 - محمد بن أبي عمير الأزدي:
من ثقات محدثي الإمامية، ومن وجهاء الشيعة في وقته، كان فقيها عظيم



(1) معجم رجال الحديث 14: 185. الوسائل 20: 307. إتقان المقال: 220. التحرير
الطاوسي: 272.
(2) رجال النجاشي: 256.
(3) رجال النجاشي: 233.
(4) رجال النجاشي: 244. رجال الطوسي: 362.
271
المنزلة وعالما جليل القدر، ناسكا ورعا، مؤلفا، قاضيا.
لقي الإمام الكاظم (عليه السلام) وتشرف برؤيته ولم يرو عنه، وروى عن الإمام
الرضا والإمام الجواد (عليهما السلام)، له عدة كتب، منها: المغازي والكفر والإيمان وفضائل
الحج والبداء والملاحم والاستطاعة والمعارف والرضاع والطلاق والتوحيد
وغيرها (1).
131 - محمد بن الصباح الكوفي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وفي رجال
النجاشي: كوفي، ثقة، له كتاب... (2).
132 - محمد بن عذافر بن عثيم:
في رجال النجاشي: ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وعمر
إلى أيام الرضا (عليه السلام)، ومات وله ثلاث وتسعون سنة، له كتاب... (3).
133 - محمد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق:
هو أبو جعفر البجلي بالولاء الكوفي الصيرفي، المعروف بمؤمن الطاق، وقيل:



(1) الخلاصة: 140. رجال ابن داود: 159. رجال النجاشي: 228. فهرست الطوسي:
142.
(2) رجال النجاشي: 258. رجال الطوسي: 360.
(3) رجال النجاشي: 255.
272
صاحب الطاق، ويسميه الأعداء (شيطان الطاق) لأن دكانه كان في طاق المحامل،
وعندما يرجع إليه في النقد والصيرفة كان يرد ردا يخرج كما يقول.
كان متكلما بارعا ومناظرا سريع البديهة ومؤلفا في العقائد والتأريخ، روى
عن الإمام السجاد والباقر والصادق (عليهم السلام)، وعده الشيخ الطوسي في رجاله من
أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) ووثقه، ومن مؤلفاته كتاب الجمل وكتاب الرد على
المعتزلة وكتاب المعرفة وكتاب الإمامة وكتاب إثبات الوصية وكتاب افعل لا تفعل
وغيرها (1).
134 - محمد بن الفرج الرخجي:
ثقة، جليل القدر، له كتاب المسائل، روى عن الإمام الكاظم والرضا
والجواد والهادي (عليهم السلام) (2).
135 - محمد بن الفضيل الأزدي:
محدث إمامي، ثقة، روى عن الإمام الكاظم والرضا (عليهما السلام) (3).
136 - محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي:
عده البرقي من أصحاب الكاظم (عليه السلام).



(1) رجال النجاشي: 228. رجال الطوسي: 302 و 359.
(2) رجال النجاشي: 262. الخلاصة: 140. معجم رجال الحديث 17: 131.
(3) الخلاصة: 139. رجال ابن داود: 181. رجال الطوسي: 386.
273
وفي رجال النجاشي: ثقة هو وأبوه وعمه العلاء وجده الفضيل، روى عن
الرضا (عليه السلام)، له كتاب... (1).
137 - محمد بن مرازم بن حكيم الساباطي:
في رجال النجاشي: ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له
كتاب يرويه عنه جماعة منهم محمد بن خالد البرقي... وعده البرقي في رجاله من
أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) (2).
138 - محمد بن مسعود الطائي الكوفي:
في رجال النجاشي: عربي صميم، ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، وله كتاب (3).
139 - محمد بن مسلم بن رباح الثقفي الكوفي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وفي رجال
النجاشي: وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام)
وروى عنهما، وكان من أوثق الناس، له كتاب الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال
والحرام (4).



(1) رجال البرقي: 52. رجال النجاشي: 256.
(2) رجال البرقي: 49. رجال النجاشي: 258.
(3) رجال النجاشي: 254.
(4) رجال النجاشي: 226. رجال الطوسي: 358.
274
140 - محمد بن يونس:
من محدثي الإمامية الثقات، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) (1).
141 - مرازم بن حكيم الأزدي:
مولى ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، أحضره الرشيد ومعه
أخواه محمد وحديد، وعبد الحميد بن غواص، فأمر الرشيد بقتل عبد الحميد ونجا
مرازم وأخواه من شره، وتوفي مرازم في أيام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب يرويه عنه
جماعة (2).
142 - مسمع بن عبد الملك البصري المعروف بكردين:
في رجال النجاشي: مسمع بن عبد الملك بن مسمع... أبو سيار، الملقب
بكردين، شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيد المسامعة، وكان أوجه من أخيه
عامر بن عبد الملك وابنه، وله بالبصرة عقب.
روى عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية يسيرة.
وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأكثر واختص به، وقال له أبو عبد الله (عليه السلام):
إني لأعدك لأمر عظيم يا أبا سيار.
وروى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له نوادر كثيرة وروى أيام البسوس (3).



(1) رجال الطوسي: 359. رجال ابن داود: 187.
(2) رجال النجاشي: 300.
(3) رجال النجاشي: 297.
275
143 - معاوية بن عمار:
أبو القاسم الدهني الكوفي، كان وجها من أصحابنا، ومقدما كبير الشأن
عظيم المنزلة ثقة، وكان أبوه عمار ثقة عند العامة.
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتب منها كتاب الحج وكتاب
الصلاة وكتاب يوم وليلة وكتاب الدعاء وكتاب الطلاق وكتاب مزار أمير المؤمنين،
توفي سنة 175 ه‍ (1).
144 - معاوية بن وهب البجلي:
في رجال النجاشي: معاوية بن وهب البجلي، أبو الحسن، عربي صميم،
ثقة حسن الطريقة
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتب منها كتاب فضائل
الحج... (2).
145 - معتب المدني:
مولى أبي عبد الله، عده الشيخ من أصحاب أبي الحسن موسى (عليه السلام)،
وأضاف إلى ذلك أنه ثقة، وقال في حقه الإمام الصادق (عليه السلام): موالي عشرة،
خيرهم وأفضلهم معتب (3).



(1) رجال النجاشي: 292.
(2) رجال النجاشي: 293.
(3) رجال الطوسي: 358. رجال الكشي: 250.
276
146 - المغيرة بن توبة المخزومي الكوفي:
عده الشيخ المفيد في الإرشاد من خاصة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته
ومن أهل الورع والعلم والفقه، وأحد رواة النص على إمامة الرضا (عليه السلام) (1).
147 - منصور بن حازم البجلي:
أبوه أيوب البجلي الكوفي، ثقة عين صدوق، من جملة أصحابنا وفقهائهم،
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتب منها أصول الشرائع وكتاب
الحج (2).
148 - منصور بن يونس بزرج:
أبو يحيى، وقيل: أبو سعيد، كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله
وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب... (3).
149 - نشيط بن صالح العجلي:
نشيط بن صالح بن لفافة، مولى بني عجل، روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)،
ثقة، له كتاب (4).



(1) الإرشاد 2: 248 و 250.
(2) رجال النجاشي: 294.
(3) رجال النجاشي: 294.
(4) رجال النجاشي: 302.
277
150 - نصر بن قابوس اللخمي:
روى عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهم السلام)، وكان ذا منزلة
عندهم، له كتاب (1).
151 - النضر بن سويد الصيرفي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، وقال: له كتاب،
وهو ثقة (2).
152 - نعيم القابوسي:
عده الشيخ المفيد من خاصة الإمام الكاظم (عليه السلام) ومن ثقاته ومن أهل الورع
والعلم والفقه من شيعته، وأحد الذين رووا النص على إمامة الرضا (عليه السلام) (3).
153 - هشام بن الحكم:
كان من خواص سيدنا ومولانا موسى بن جعفر (عليه السلام)، وكانت له مباحثات
كثيرة مع المخالفين في الأصول وغيرها، وكان له أصل، ويكنى أبا محمد، وهو مولى
بني شيبان، كوفي، وتحول إلى بغداد، ولقي أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) وابنه
موسى (عليه السلام)، وله عنهما روايات كثيرة، وروي عنهما فيه مدائح له جليلة، وكان ممن
فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب في النظر، وكان حاذقا بصناعة الكلام،



(1) رجال النجاشي: 301.
(2) رجال الطوسي: 362.
(3) الإرشاد 2: 248.
278
حاضر الجواب، وسئل يوما عن معاوية بن أبي سفيان، أشهد بدرا؟ قال: نعم، من
ذلك الجانب، وكان منقطعا إلى يحيى بن خالد البرمكي، وكان القيم بمجالس كلامه
ونظره، وكان ينزل الكرخ من مدينة السلام بغداد في درب الجنب، وتوفي بعد نكبة
البرامكة بمدة يسيرة مستترا، وقيل: في خلافة المأمون، وكان لاستتاره قصة
مشهورة في المناظرات (1).
154 - هشام بن سالم الجواليقي:
مولى بشر بن مروان أبو الحكم، كان من سبي الجوزجان، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة ثقة، له كتب منها: التفسير والحج والمعراج (2).
155 - يحيى بن عبد الرحمن الأزرق:
كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب يرويه عدة
من أصحابنا (3).
156 - يحيى بن عمران الحلبي:
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثقة ثقة، صحيح الحديث،
له كتاب (4).



(1) فهرست الشيخ الطوسي: 174.
(2) رجال النجاشي: 305. فهرست الشيخ الطوسي: 174.
(3) رجال النجاشي: 310.
(4) رجال النجاشي: 310.
279
157 - يحيى بن القاسم:
أبو بصير الأسدي، وقيل: أبو محمد، ثقة وجيه. روى عن أبي جعفر
الباقر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام). وقيل: يحيى بن أبي القاسم، واسم أبي القاسم
إسحاق، وروى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، له كتاب يوم وليلة، مات أبو بصير
سنة 150 (1).
158 - يعقوب بن شعيب:
هو يعقوب بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار، مولى بني أسد، أبو محمد، ثقة،
روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهم السلام)، وله كتاب (2).
159 - يعقوب بن يقطين بن موسى الكوفي:
ثقة، روى عن الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام) (3).
160 - يونس بن عبد الرحمن القمي:
أبو محمد، كان وجها في أصحابنا متقدما، عظيم المنزلة.
ولد في أيام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن محمد (عليه السلام) بين الصفا والمروة
ولم يرو عنه.



(1) رجال النجاشي: 308.
(2) رجال النجاشي: 313. رجال الطوسي: 140، 336 و 363.
(3) رجال البرقي: 52. رجال ابن داود: 206.
280
وروى عن أبي الحسن موسى والرضا (عليهما السلام)، وكان الرضا (عليه السلام) يشير إليه في
العلم والفتيا.
وكان ممن بذل له على الوقف مال جزيل وامتنع من أخذه وثبت على الحق،
له كتب منها جامع الآثار والشرائع وتفسير القرآن واختلاف الحديث والعلل
والإمامة والرد على الغلاة، توفي في المدينة المنورة سنة 208 ه‍ (1).
161 - يونس بن يعقوب البجلي:
أبو علي الجلاب، اختص بأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان يتوكل
لأبي الحسن (عليه السلام)، مات بالمدينة في أيام الرضا (عليه السلام) فتولى أمره، وكان حظيا
عندهم موثقا، له كتاب الحج (2).
162 - أبو عامر بن جناح:
ثقة، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) (3).
163 - أبو المحتمل الكوفي:
ثقة، روى عن الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السلام) (4).



(1) رجال النجاشي: 311. فهرست الطوسي: 181.
(2) رجال النجاشي: 311.
(3) رجال ابن داود: 219. رجال الطوسي: 365.
(4) رجال ابن داود: 221. رجال الطوسي: 365.
281
164 - أبو مصعب الزيدي:
ثقة، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) (1).
إلى هنا ينتهي الحديث عن ذكر بعض أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) ورواة
حديثه الذين ينيفوا على الخمسمائة، وقد اقتصرنا على الثقات والخواص من
أصحابه (عليه السلام)، والملاحظ أن أكثر أصحابه (عليه السلام) هم من عظماء وكبار أصحاب سلفه
الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، ومن المؤلفين الذين شعت علومهم على العالم
الإسلامي بطاقات فكرية هائلة ونتاجات قيمة تدل على أن النهضة الفكرية في
عالمنا الإسلامي تستند في أساسها إلى علم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي فاق جميع
المستويات الفكرية المتاحة في عصرهم (عليهم السلام).



(1) رجال ابن داود: 221. رجال الطوسي: 365.
282
الفصل العاشر
حكمه ومواعظه (عليه السلام)
نعرض في هذا المقام بعض مواعظ الإمام الكاظم (عليه السلام) وحكمه التي تطرق لها
في مناسبات عديدة، وقد عالج فيها الشؤون الاجتماعية والأخلاقية والتربوية
بأسلوب رصين مقرون بالفصاحة والبلاغة والوجازة في توجيه المجتمع وأصحابه
الذين ما انفكوا ينتهلون من نمير علمه وسديد حكمه، سائرا على نهج آبائه
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد ذكرنا ذلك على ترتيب الحروف الهجائية، ليتيسر الرجوع إليها:
1 - اتق فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله.
2 - اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة
لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم
ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة
تقدرون على الثلاث ساعات. لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من
حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدثها بطول العمر يحرص، اجعلوا لأنفسكم حظا من

283
الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروءة وما لا سرف فيه،
واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك
دينه لدنياه.
3 - أحسن من الصدق قائله، وخير من الخير فاعله.
4 - أداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر
والنفاق.
5 - ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم، فإنه بمنزلة البناء قليله يجر
إلى كثيره.
6 - إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى
يعرف ذلك منه.
7 - إذا لم تستح فاعمل ما شئت.
8 - اشتدت مؤونة الدين والدنيا، أما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شيء
منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه، وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا
يعينونك عليها.
9 - أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.

284
10 - الله ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.
11 - إن الله عز وجل يقول: إني لم أغن الغني لكرامة له علي، ولم أفقر الفقير
لهوان به علي، وهو مما ابتليت الأغنياء بالفقراء، ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء
الجنة.
12 - إن الأنبياء وأولاد الأنبياء وأتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال:
السقم في الأبدان، وخوف السلطان، والفقر.
13 - إن أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا وأدوا الأمانة وعملوا بالحق.
14 - إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أيها الناس، إنما هما نجدان: نجد خير، ونجد
شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.
15 - إن صلاحكم من صلاح سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد
الرحيم، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم.
16 - إن قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا هم الآمنون يوم
القيامة.
17 - إن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلا من أسدى إلى أخيه معروفا،
أو نفس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سرورا.

285
18 - إن لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم
القيامة، ومن أدخل على مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة.
19 - إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه
وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء، وأجب دعوته إذا دعاك، ولا تخل بينه وبين
عدوه من الناس، وإن كان أقرب إليه منك، وعده في مرضه.
20 - أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلا به، وأوجب العلم عليك
ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم ما دلك على صلاح قلبك وأظهر لك
فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في عقل العاقل، فلا تشغلن بعلم لا يضرك جهله،
ولا تغفلن عن علم يزيد في جهلك تركه.
21 - إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله.
22 - التحدث بنعم الله شكر، وترك ذلك كفر، فاربطوا نعم ربكم تعالى
بالشكر، وحصنوا أموالكم بالزكاة.
23 - التدبير نصف العيش.
24 - تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل.
25 - التودد إلى الناس نصف العقل.

286
26 - ثلاث يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري،
والنظر إلى الوجه الحسن.
27 - ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: رجل زوج أخاه
المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرا.
28 - جهاد المرأة حسن التبعل.
29 - الحج جهاد كل ضعيف.
30 - رأس السخاء أداء الأمانة.
31 - السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة،
وما بعث الله نبيا إلا سخيا، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى
مضى.
32 - صلاة النوافل قربان إلى الله لكل مؤمن.
33 - الصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلا بثلاثة أشياء: تصغيرها،
وسترها، وتعجيلها، فمن صغر الصنيعة عند المؤمن فقد عظم أخاه، ومن عظم
الصنيعة عنده فقد صغر أخاه، ومن كتم ما أولاه من صنيعه فقد كرم فعاله، ومن
عجل ما وعد فقد هنئ العطية.

287
34 - الصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي دين أو حسب.
35 - العجلة هي الخرق.
36 - عليك بالجد، ولا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله وطاعته،
فإن الله تعالى لا يعبد حق عبادته.
37 - عونك للضعيف من أفضل الصدقة.
38 - فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو
محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا
همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته، ولذلك هو
أفضل عند الله من ألف عابد وألف عابد.
39 - قال عيسى (عليه السلام) للحواريين: يا بني آدم، لا تأسوا على ما فاتكم من
دنياكم كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من آخرتهم إذا أصابوا دنياهم.
40 - قلة الشكر تزهد في اصطناع المعروف.
41 - قلة العيال أحد اليسارين.
42 - قلة الوفاء عيب بالمروءة.

288
43 - كثرة الهم تورث الهرم.
44 - كذب سمعك وبصرك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قسامة،
وقال لك قولا فصدقه وكذبهم، ولا تذيعن شيئا يشينه.
45 - كفى بالتجارب تأديبا، وبمر الأيام عظة، وبأخلاق من عاشرت معرفة،
وبذكر الموت حاجزا من الذنوب والمعاصي.
والعجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن ينزل بهم،
كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في أبدانهم!
46 - كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.
47 - كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من
البلاء ما لم يكونوا يعدون.
48 - لا تبذل لإخوانك من نفسك ما ضرره عليك أعظم من منفعته لهم.
49 - لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك، وأبق منها، فإن ذهابها ذهاب
الحياء.
50 - لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب
تجتمع حتى تصير كثيرا.

289
وخافوا الله في السر والعلانية حتى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى
طاعة الله، وأصدقوا الحديث، وأدوا الأمانة، فإن ذلك لكم، ولا تظلموا،
ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فإنما ذلك عليكم.
51 - لا تصلح المسألة إلا في ثلاث: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة
مدقعة.
52 - لا تضيع حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من
ضيعت حقه، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته.
53 - لا تمكن الناس من قيادك فتذل.
54 - لا خير في العيش إلا لمسمع واع أو عالم ناطق.
55 - لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل.
56 - لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
57 - ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى.
58 - ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله
منه، وحمد الله عليه، وإن عمل شرا استغفر الله وتاب إليه.

290
59 - ما أهان الدنيا قوم قط إلا هنأهم الله إياها وبارك لهم فيها، وما أعزها
قوم قط إلا بغضهم الله إياها.
60 - ما تساب اثنان إلا انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل.
61 - ما عال امرؤ اقتصد.
62 - المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلا بالصبر
والاسترجاع عند الصدمة.
63 - المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.
64 - المعروف تلو المعروف غل لا يفكه إلا مكافأة أو شكر.
65 - المغبون من غبن من عمره ساعة.
66 - من أتى إلى أخيه مكروها فبنفسه بدأ.
67 - من أحزن والديه فقد عقهما.
68 - من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون،

291
ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له
من الحياة.
69 - من اغتم كان للغم أهلا، فينبغي للمؤمن أن يكون بالله وبما صنع راضيا.
70 - من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة.
71 - من أيقن بالخلف جاد بالعطية.
72 - من ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه فيها، لم ينل جسيما.
73 - من تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته، أو يتحفه مما عنده
ولا يتكلف شيئا.
74 - من تكلف ما ليس من عمله ضاع عمله وخاب أمله.
75 - من تكلم في الله هلك، ومن طلب الرياسة هلك، ومن دخله العجب
هلك.
76 - من دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) كان كمن رمى
بسهم بلا وتر.

292
77 - من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد
في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) ما يقوت به
عياله، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره، إن
الله عز وجل يقول: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين - إلى قوله تعالى -
والغارمين).
78 - من كثر قلقه لم يعرف بشره.
79 - من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن منه عدوه (1).
80 - من ولده الفقر أبطره الغنى.
81 - المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه وإن لم يلده أبوه، ملعون من اتهم أخاه،
ملعون من لم ينصح لأخيه، ملعون من استأثر على أخيه، ملعون من احتجب عن
أخيه، ملعون من اغتاب أخاه.
82 - المؤمن أعز من الجبل، الجبل يستقل بالمعاول، والمؤمن لا يستقل دينه
بشيء.
83 - المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.



(1) يعني به الشيطان.
293
84 - نعم المال النخل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل.
85 - وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثانية أن تعرف
ما صنع بك، والثالثة أن تعرف ما أراد منك، والرابعة أن تعرف ما يخرجك عن
دينك.
86 - يعرف شدة الجور من حكم به عليه.
87 - ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم
إلا من عفا وأصلح، فأجره على الله.
88 - ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتهمه في
قضائه.
من أقواله ومواعظه (عليه السلام) البليغة
1 - رأى رجلين يتسابان، فقال (عليه السلام): البادئ أظلم، ووزره ووزر صاحبه
عليه ما لم يعتد المظلوم.
2 - وقال (عليه السلام) وقد حضر ميتا أنزل في قبره: إن شيئا هذا آخره لحقيق
أن يزهد في أوله، وإن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره.

294
3 - وسمع (عليه السلام) رجلا يتمنى الموت فقال له: هل بينك وبين الله قرابة يحاميك
لها؟ قال: لا. قال: فهل لك حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك؟ قال: لا. قال:
فأنت إذن تتمنى هلاك الأبد.
4 - وقال (عليه السلام) للفضل بن يونس: أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمعة. قلت:
وما الإمعة؟ قال: لا تقل أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس.
5 - قال رجل: سألته عن اليقين، فقال (عليه السلام): يتوكل على الله، ويسلم لله،
ويرضى بقضاء الله، ويفوض إلى الله.
6 - وسأله رجل عن الجواد. فقال (عليه السلام): إن لكلامك وجهين: فإن كنت
تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل
بما افترض الله، وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع،
لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك، وإن منعك منعك ما ليس لك.
7 - قال (عليه السلام) لبعض شيعته: أي فلان، اتق الله وقل الحق وإن كان فيه
هلاكك، فإن فيه نجاتك. أي فلان، اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك،
فإن فيه هلاكك.
8 - وقال لبعض ولده: يا بني، إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، وإياك
أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها، ولا تخرجنك نفسك عن التقصير في عبادة الله

295
وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته، وإياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك
ويستخف مروءتك. وإياك والضجر والكسل فإنهما يمنعان حظك من الدنيا
والآخرة.
9 - ذكر عنده بعض الجبابرة فقال: أما والله لئن عز بالظلم في الدنيا ليذلن
بالعدل في الآخرة.
10 - وسئل (عليه السلام) عن أفضل عيش الدنيا، فقال (عليه السلام): سعة المنزل، وكثرة
المحبين.
11 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): اتق
المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا.
12 - وعنه أيضا، قال: وكان (عليه السلام) يقول: لا تدع النفس وهواها، فإن هواها
رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكف النفس عما تهوى دواها.
13 - عن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: إن الدعاء يرد
ما قد قدر وما لم يقدر. قلت: وما قد قدر عرفته، فما لم يقدر؟ قال: حتى لا يكون؟
نكتفي بهذا القدر من جوامع كلماته (عليه السلام) القصار، وقد انتخبناها من المصادر
التالية: " الكافي " و " المحاسن " و " تحف العقول " و " قرب الإسناد " و " مجموعة
ورام " و " بحار الأنوار " وغيرها.

296
وصيته (عليه السلام) لهشام بن الحكم
وفيما يلي سنعرض وصيته (عليه السلام) لهشام بن الحكم، وهي تشتمل على مواعظ
بليغة وحكم رائعة وأقوال جامعة، سيما في العقل وأهميته وجنوده:
إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: (فبشر عبادي *
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم
أولو الألباب) (1).
- يا هشام بن الحكم، إن الله عز وجل أكمل للناس الحجج بالعقول، وأفضى
إليهم بالبيان، ودلهم على ربوبيته بالأدلاء، فقال: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو
الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار) إلى قوله:
(لآيات لقوم يعقلون) (2).
- يا هشام، قد جعل الله عز وجل ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا،
فقال: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك
لآيات لقوم يعقلون) (3). وقال: (حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا عربيا
لعلكم تعقلون) (4). وقال: (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء



(1) الزمر: 17 و 18.
(2) البقرة: 163 و 164.
(3) النحل: 12.
(4) الزخرف: 1 - 3.
297
فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) (1).
- يا هشام، ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة، فقال: (وما الحياة الدنيا
إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) (2). وقال: (وما أوتيتم
من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) (3).
- يا هشام، ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه، فقال عز وجل: (ثم دمرنا
الآخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون) (4).
- يا هشام، ثم بين أن العقل مع العلم، فقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس
وما يعقلها إلا العالمون) (5).
- يا هشام، ثم ذم الذين لا يعقلون، فقال: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله
قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) (6).
وقال: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم
لا يعلمون) (7).
ثم ذم الكثرة فقال: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) (8)،



(1) الروم: 24.
(2) الأنعام: 32.
(3) القصص: 60.
(4) الصافات: 136 - 138.
(5) العنكبوت: 43.
(6) البقرة: 170.
(7) لقمان: 24.
(8) الأنعام: 116.
298
وقال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) (1)، (وأكثرهم لا يشعرون).
- يا هشام، ثم مدح القلة فقال: (وقليل من عبادي الشكور) (2)، وقال:
(وقليل ما هم) (3)، وقال: (وما آمن معه إلا قليل) (4).
- يا هشام، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية،
فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر
إلا أولو الألباب) (5).
- يا هشام، إن الله تعالى يقول: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) (6)؛
يعني العقل، وقال: (ولقد آتينا لقمان الحكمة) (7)؛ قال: الفهم والعقل.
- يا هشام، إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني،
إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله،
وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر.
- يا هشام، لكل شيء دليل، ودليل العاقل التفكر، ودليل التفكر الصمت،
ولكل شيء مطية، ومطية العاقل التواضع، وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.



(1) الأنعام: 37.
(2) سبأ: 13.
(3) ص: 24.
(4) هود: 40.
(5) البقرة: 269.
(6) ق: 37.
(7) لقمان: 12.
299
- يا هشام، لو كانت في يدك جوزة فقال الناس: في يدك لؤلؤة، ما كان
ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة! ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنها جوزة،
ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة!
- يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله،
فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأعقلهم
أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
- يا هشام، ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلا رفعه الله،
ولا يتعاظم إلا وضعه الله.
- يا هشام، إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة،
فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول.
- يا هشام، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام
صبره.
- يا هشام، من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله،
من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأنور
عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه
دينه ودنياه.
- يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك!
وأطعت هواك على غلبة عقلك.
- يا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله تبارك
وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند ربه. وكان الله أنسه في
الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزه في غير عشيرة.

300
- يا هشام، نصب الخلق (1) لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم،
والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العالم (2)
بالعقل.
- يا هشام، قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل
الهوى والجهل مردود.
- يا هشام، إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون
من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
- يا هشام، إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان
لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك.
- يا هشام، إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من
الفضل وترك الذنوب من الفرض!
- يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن
الدنيا طالبة ومطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى
يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه
وآخرته.
- يا هشام، من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في
الدين، فليتضرع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن
قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.



(1) في الكافي: الحق.
(2) في الكافي: العلم.
301
- يا هشام، إن الله جل وعز حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (1) حين علموا أن
القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم
يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون
أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا، لأن الله لم يدل على
الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه.
- يا هشام، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من
العقل، وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى، الكفر والشر منه مأمونان،
والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، نصيبه من
الدنيا القوت، ولا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره،
والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير
المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام
الأمر.
- يا هشام، من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن
حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره.
- يا هشام، لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
- يا هشام، كما تركوا لكم الحكمة، فاتركوا لهم الدنيا.
- يا هشام، لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس
قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة



(1) آل عمران: 8.
302
فلا تبيعوها بغيرها.
- يا هشام، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس
إلا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام،
ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق.
وقال الحسن بن علي (عليهما السلام): " إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها " قيل:
يا بن رسول الله، ومن أهلها؟ قال: " الذين قص الله في كتابه وذكرهم، فقال:
(إنما يتذكر أولو الألباب) (1) قال: " هم أولو العقول ".
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): " مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وأدب
العلماء زيادة في العقل. وطاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروة،
وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن
عاجلا وآجلا ".
- يا هشام، إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه،
ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يتقدم على ما يخاف فوته
بالعجز عنه.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي أصحابه يقول: " أوصيكم بالخشية من الله
في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن
تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم، وليكن نظركم
عبرا، وصمتكم فكرا، وقولكم ذكرا، وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة
بخيل، ولا يدخل النار سخي ".



(1) الزمر: 9.
303
- يا هشام، رحم الله من استحيا من الله حق الحياء فحفظ الرأس وما حوى،
والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره، والنار
محفوفة بالشهوات.
- يا هشام، من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة،
ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.
- يا هشام، إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
- يا هشام، وجد في ذؤابة سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن أعتى الناس على الله
من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله
على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا، لم يقبل الله منه يوم القيامة
صرفا ولا عدلا.
- يا هشام، أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة، وبر
الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر.
- يا هشام، أصلح أيامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو، وأعد له
الجواب فإنك موقوف ومسؤول، وخذ موعظتك من الدهر وأهله، فإن الدهر
طويله قصيره، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك، واعقل من
الله وانظر في تصرف الدهر وأحواله، فإن ما هو آت من الدنيا كما ولى منها،
فاعتبر بها.
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): " إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق
الأرض ومغاربها، بحرها وبرها، وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل
المعرفة بحق الله كفيء الظلال.
ثم قال (عليه السلام): أولا حر يدع [هذه] اللماظة لأهلها - يعني الدنيا - فليس

304
لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي
بالخسيس ".
- يا هشام، إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف
مجاريها ومنازلها، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من
عمل بها.
- يا هشام، إن المسيح (عليه السلام) قال للحواريين: " يا عبيد السوء، يهولكم طول
النخلة، وتذكرون شوكها، ومؤونة مراقيها، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها، كذلك
تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، وتنسون ما تفضون إليه من
نعيمها ونورها وثمرها.
يا عبيد السوء، نقوا القمح وطيبوه، وأدقوا طحنه تجدوا طعمه، ويهنئكم
أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته، وينفعكم غبه.
بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم
به، ولم يمنعكم منه ريح نتنه، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة عمن وجدتموها
معه، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.
يا عبيد الدنيا، بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون،
فلا تنظروا بالتوبة غدا، فإن دون غد يوما وليلة وقضاء الله فيهما يغدو ويروح.
بحق أقول لكم: إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل هما ممن عليه
الدين، وإن أحسن القضاء، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل
الخطيئة، وإن أخلص التوبة وأناب. وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد
إبليس، يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم.
بحق أقول لكم: إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وصدقها

305
بفعله، ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله، فشتان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل،
وويل للعلماء بالقول.
يا عبيد السوء، اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم وجباهكم،
واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات، إن أجزعكم
عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا.
يا عبيد السوء، لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة، ولا بالثعالب الخادعة،
ولا بالذئاب الغادرة، ولا بالأسد العاتية كما تفعل بالفرائس، كذلك تفعلون
بالناس، فريقا تخطفون، وفريقا تخدعون، وفريقا تغدرون بهم.
بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا، وباطنه
فاسدا، كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم، وما يغني
عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب
ويمسك النخالة، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم.
يا عبيد الدنيا، إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه.
يا بني إسرائيل، زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب، فإن الله
يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
- يا هشام، مكتوب في الإنجيل: " طوبى للمتراحمين، أولئك هم المرحومون
يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة، طوبى
للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة، طوبى للمتواضعين في الدنيا، أولئك
يرتقون منابر الملك يوم القيامة.
- يا هشام، قلة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فإنه دعة حسنة، وقلة
وزر، وخفة من الذنوب، فحصنوا باب الحلم، فإن بابه الصبر، وإن الله عز وجل

306
يبغض الضحاك من غير عجب، والمشاء إلى غير أرب، ويجب على الوالي أن يكون
كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما
تستحيون من الناس في علانيتكم، واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن،
فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.
- يا هشام، تعلم من العلم ما جهلت، وعلم الجاهل مما علمت، عظم العالم
لعلمه، ودع منازعته، وصغر الجاهل لجهله، ولا تطرده، ولكن قربه وعلمه.
- يا هشام، إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. وقال
أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): " إن لله عبادا كست قلوبهم خشيته، فأسكتتهم
عن المنطق، وإنهم لنصحاء عقلاء، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية، لا يستكثرون
له الكثير، ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرار، وأنهم
لأكياس وأبرار.
- يا هشام، الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء
في النار.
- يا هشام، المتكلمون ثلاثة: فرابح، وسالم، وشاجب، فأما الرابح فالذاكر
لله، وأما السالم فالساكت، وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل.
إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي بما قال
ولا ما قيل فيه، وكان أبو ذر (رضي الله عنه) يقول: " يا مبتغي العلم، إن هذا اللسان مفتاح
خير ومفتاح شر، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك ".
- يا هشام، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه
إذا شاهده، ويأكله إذا غاب عنه، إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله.
إن أسرع الخير ثوابا البر، وأسرع الشر عقوبة البغي، وإن شر عباد الله

307
من تكره مجالسته لفحشه، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد
ألسنتهم، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
- يا هشام، لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، ولا يكون
خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.
- يا هشام، قال الله جل وعز: وعزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي
وعلوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه، وهمه في
آخرته، وكففت عليه في ضيعته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من
وراء تجارة كل تاجر.
- يا هشام، الغضب مفتاح الشر، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وإن
خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحدا منهم إلا من كانت يدك عليه العليا
فافعل.
- يا هشام، عليك بالرفق، فإن الرفق يمن والخرق شؤم، إن الرفق والبر
وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق.
- يا هشام، قول الله: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) (1) جرت في المؤمن
والكافر والبر والفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة
أن تصنع كما صنع حتى تري فضلك، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.
- يا هشام، إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل،
يحذرها الرجال ذوو العقول، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
- يا هشام، اصبر على طاعة الله، واصبر عن معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة،



(1) سورة الرحمن: الآية 60.
308
فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا، وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر
على تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت.
- يا هشام، مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا
حتى يقتله.
- يا هشام، إياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من
كبر، الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه.
- يا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنا استزاد
منه، وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه.
- يا هشام، تمثلت الدنيا للمسيح (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء فقال لها:
كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا، قال: فكل طلقك؟ قالت: لا، بل كلا قتلت. قال
المسيح (عليه السلام): فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.
- يا هشام، إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد
كله، وإن ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه، وإذا كان عالما
بربه أبصر دينه، وإن كان جاهلا بربه لم يقم له دين، وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس
الحية، فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل.
- يا هشام، إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة
تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة
العقل، وجعل التكبر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجه،
ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنه؟ وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، ومن
تواضع لله رفعه.
- يا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح الخطيئة بعد النسك، وأقبح من

309
ذلك العابد لله ثم يترك عبادته!
- يا هشام، لا خير في العيش إلا لرجلين: لمستمع واع، وعالم ناطق.
- يا هشام، ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر
الجاهل، وما بعث الله نبيا إلا عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد
المجتهدين، وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه.
- يا هشام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم المؤمن صموتا فأدنوا منه،
فإنه يلقي الحكمة، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل
العمل.
- يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) قل لعبادي: لا يجعلوا بيني وبينهم
عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي، أولئك قطاع
الطريق من عبادي، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من
قلوبهم.
- يا هشام، من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض، ومن
تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله، ومن ادعى ما ليس له فهو غي
لغير رشده.
- يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): يا داود، حذر وأنذر أصحابك
عن حب الشهوات، فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني.
- يا هشام، إياك والكبر على أوليائي، والاستطالة بعلمك فيمقتك الله،
فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك، وكن في الدنيا كساكن دار ليست له، إنما
ينتظر الرحيل.
- يا هشام، مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة، ومشاورة العاقل

310
الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك
والخلاف فإن في ذلك العطب.
- يا هشام، إياك ومخالطة الناس والأنس بهم، إلا أن تجد منهم عاقلا
ومأمونا، فآنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية. وينبغي
للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله، وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله
أحدا غيره.
وإذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك
فخالفه، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك. وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل
الجهالة.
قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا لها غير أن عقله لا يتسع
لضبط ما ألقي إليه؟ قال (عليه السلام): فتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن
نفسك للفتنة، واحذر رد المتكبرين، فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق.
قلت: فإن لم أجد من يعقل عنها؟ قال (عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتى
تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد.
واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته
ومجده، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده، ولم يفرح
المحزونين بقدر حزنهم، ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي
يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه! وما ظنك بالتواب الرحيم
الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه!
- يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد
علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا، وازداد الله عليه غضبا.

311
- يا هشام، إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر للصواب في
خلاف الهوى، ومن طال أمله ساء عمله.
- يا هشام، لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.
- يا هشام، إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع
من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح للذل، واختلاس العقل، واختلاق المروات،
وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه،
وجاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك.
قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال (عليه السلام): أقربهم
إليك، وأعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك عداوة، وأخفاهم لك شخصا مع
دنوه منك، ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس الموكل بوسواس من القلوب،
فله فلتشتد عداوتك، ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك
لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركنا في قوته، وأقل منك ضررا في كثرة شره، إذا أنت
اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم.
- يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه، وعلم
يكفيه مؤونة جهله، وغنى يكفيه مخافة الفقر.
- يا هشام، احذر هذه الدنيا، واحذر أهلها، فإن الناس فيها على أربعة
أصناف: رجل مترد معانق لهواه، ومتعلم مقرئ كلما ازداد علما ازداد كبرا،
يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في
عبادته، يحب أن يعظم ويوقر، وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق، يحب القيام
به، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفه فهو محزون مغموم بذلك،
فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا.

312
- يا هشام، اعرف العقل وجنده، والجهل وجنده، تكن من المهتدين. قال
هشام: فقلت: جعلت فداك، لا نعرف إلا ما عرفتنا.
- فقال (عليه السلام): يا هشام، إن الله خلق العقل، وهو أول خلق خلقه الله من
الروحانيين، عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر، فأدبر، ثم قال له: أقبل،
فأقبل، فقال الله عز وجل: خلقتك خلقا عظيما، وكرمتك على جميع خلقي. ثم خلق
الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر، ثم قال له: أقبل،
فلم يقبل، فقال له: استكبرت، فلعنه.
ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا، فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل
وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا رب، هذا خلق مثلي خلقته وكرمته
وقويته، وأنا ضده، ولا قوة لي به، أعطني من الجند مثل ما أعطيته. فقال تبارك
وتعالى: نعم، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي،
فقال: قد رضيت، فأعطاه الله خمسة وسبعين جندا، فكان مما أعطي العقل
من الخمسة والسبعين جندا الخير وهو وزير العقل، وجعل ضده الشر وهو وزير
الجهل.
جنود العقل والجهل:
الإيمان، الكفر، التصديق، التكذيب، الإخلاص، النفاق، الرياء، القنوط،
العدل، الجور، الرضا، السخط، الشكر، الكفران، اليأس، الطمع، التوكل، الحرص،
الرأفة، الغلظة، العلم، الجهل، العفة، التهتك، الزهد، الرغبة، الرفق، الخرق، الرهبة،
الجرأة، التواضع، الكبر، التؤدة، العجلة، الحلم، السفه، الصمت، الهذر، الاستسلام،
الاستكبار، التسليم، التجبر، العفو، الحقد، الرحمة، القسوة، اليقين، الشك، الصبر،

313
الجزع، الصفح، الانتقام، الغنى، الفقر، التفكر، السهو، الحفظ، النسيان، التواصل،
القطيعة، القناعة، الشره، المواساة، المنع، المودة، العداوة، الوفاء، الغدر، الطاعة،
المعصية، الخضوع، التطاول، السلامة، البلاء، الفهم، الغباوة، المعرفة، الإنكار،
المدارأة، المكاشفة، سلامة الغيب، المماكرة، الكتمان، الإفشاء، البر، العقوق، الحقيقة،
التسويف، المعروف، المنكر، التقية، الإذاعة، الإنصاف، الظلم، التقى، الحسد،
النظافة، القذر، الحياء، القحة، القصد، الإسراف، الراحة، التعب، السهولة،
الصعوبة، العافية، البلوى، القوام، المكاثرة، الحكمة، الهوى، الوقار، الخفة،
السعادة، الشقاء، التوبة، الإصرار، المحافظة، التهاون، الدعاء، الاستنكاف،
النشاط، الكسل، الفرح، الحزن، الألفة، الفرقة، السخاء، البخل، الخشوع، العجب،
صون الحديث، النميمة، الاستغفار، الاغترار، الكياسة، الحمق.
يا هشام، لا تجمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه
للإيمان، وأما ساير ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض
هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل،
فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وفقنا الله وإياكم
لطاعته (1).
بهذا نكتفي بما أوصى به الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) العالم الجليل والمتكلم
المفوه هشام بن الحكم رضوان الله عليه، أملا أن تكون هذه المواعظ عونا لنا
على تزكية نفوسنا وصالح أعمالنا.



(1) تحف العقول: 383 - 402. الكافي 1: 10 - 15، الحديث 12. بحار الأنوار 1: 132،
الحديث 30.
314
نظمه (عليه السلام) للشعر
أما نظمه للشعر فقليل جدا، روى الكليني بالإسناد عن موسى بن بكر، قال:
ما أحصي ما سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) ينشد:
فإن يك يا أميم علي دين * فعمران بن موسى يستدين (1)
وفي " مناقب ابن شهرآشوب "، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال:
دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي، فأجلسني أبي بين يديه، وقال:
يا بني، اكتب:
تنح عن القبيح ولا ترده
ثم قال: أجزه (2). فقلت:
ومن أوليته حسنا فزده
ثم قال:
ستلقى من عدوك كل كيد
فقلت:
إذا كان العدو فلا تكده
قال: فقال: (ذرية بعضها من بعض) (3).



(1) الكافي 5: 94، الحديث 10. البحار 48: 116، الحديث 31.
(2) الإجازة: أن تتم مصراع غيرك.
(3) المناقب 4: 319. البحار 48: 109، الحديث 10.
315
ومنها: قوله (عليه السلام) في خبر شقيق البلخي (1):
أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء * وقوتي إذا أردت الطعاما (2)
ومنها: قوله (عليه السلام) في مناظرته مع الرشيد، وستأتي في فصل مناظراته
ومحاججاته (عليه السلام):
هب الدنيا تؤاتينا سنينا * فتكدر تارة وتلذ حينا
فما أرضى بشيء ليس يبقى * وأتركه غدا للوارثينا
كأني بالتراب علي يحثى * وبالإخوان حولي نائحينا
ويوم تزفر النيران فيه * وتقسم جهرة للسامعينا
وعزة خالقي وجلال ربي * لأنتقمن منكم أجمعينا (3)



(1) سيأتي مع تخريجاته في معجزاته (عليه السلام).
(2) بحار الأنوار 48: 81.
(3) إحقاق الحق 12: 312.
316
الفصل الحادي عشر
من التفسير المأثور عنه (عليه السلام)
روي عنه (عليه السلام) المزيد من التفسير لآي للقرآن الكريم، ولو نقوم باستقصاء
ما ورد في التفسير بالمأثور كتفسير القمي والعياشي والبرهان ونور الثقلين
وغيرها، لحصلنا على مجموعة كبيرة من التفاسير المأثورة عن الإمام الكاظم (عليه السلام)،
وفيما يلي بعض النماذج المختارة من تفسيره (عليه السلام) مرتبة وفق ترتيب السور:
البقرة:
1 - عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته فقلت:
جعلت فداك، ما كان تابوت موسى؟ وكم كانت سعته؟
قال: ثلاث أذرع في ذراعين. قلت: ما كان فيه؟
قال: عصى موسى والسكينة. قلت: وما السكينة؟
قال: روح الله يتكلم، كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمهم، وأخبرهم ببيان
ما يريدون (1).



(1) معاني الأخبار: 284 / 2.
317
2 - وعن سليمان الفراء، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى: (واستعينوا
بالصبر والصلاة) (1)، قال: الصبر: الصوم، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة
فليصم، فإن الله يقول: (استعينوا بالصبر والصلاة) الصبر: الصوم (2).
3 - وعن عبد الصمد بن برار، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: كانت
القردة - وهم اليهود - الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قرودا (3).
4 - وعن علي بن يقطين، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إن الله أمر
بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، وإنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها، فشددوا فشدد الله
عليهم (4).
5 - وعن أبي سمينة، عن مولى لأبي الحسن، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
قوله تعالى: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا) (5)، قال: وذلك والله أن لو قد قام
قائمنا، يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان (6).



(1) البقرة: 45.
(2) تفسير العياشي 1: 43 / 41.
(3) تفسير العياشي 1: 46 / 55.
(4) تفسير العياشي 1: 47 / 58.
(5) البقرة: 148.
(6) تفسير العياشي 1: 66 / 117.
318
6 - وعن ربعي بن عبد الله بن الجارود، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته
عن قول الله تعالى: (فصيام ثلاثة أيام في الحج) (1)، قال: قبل التروية يصوم،
ويوم التروية، ويوم عرفة، فمن فاته ذلك في بقية ذي الحجة، فإن الله يقول في كتابه:
(الحج أشهر معلومات) (2).
7 - وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليه السلام)، قال: سألته عن أهل مكة،
هل يصلح لهم أن يتمتعوا في العمرة إلى الحج؟ قال: لا يصلح لأهل مكة المتعة،
وذلك قول الله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (3).
8 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنت قائما أصلي، وأبو الحسن
موسى بن جعفر (عليه السلام) قاعدا قدامي وأنا لا أعلم، قال: فجاءه عباد البصري فسلم
عليه وجلس، وقال: يا أبا الحسن، ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال:
يصوم الأيام التي قال الله.
قال: فجعلت سمعي إليهما، قال عباد: وأي أيام هي؟ قال: قبل التروية،
ويوم التروية، ويوم عرفة.
قال: فإن فاته؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعده.
قال: أفلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال: وأي شيء قال؟ قال:



(1) البقرة: 196.
(2) تفسير العياشي 1: 92 / 238، والآية من سورة البقرة: 197.
(3) تفسير العياشي 1: 94 / 249، والآية من سورة البقرة: 196.
319
قال: يصوم أيام التشريق؟ قال: إن جعفرا (عليه السلام) كان يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر
بلالا لينادي أن هذه أيام أكل وشرب، ولا يصومن أحد.
فقال: يا أبا الحسن، إن الله ليقول: (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم) (1). قال: كان جعفر (عليه السلام) يقول: وذو القعدة وذو الحجة كلتين أشهر
الحج (2).
9 - وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: من جادل في
الحج فعليه إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، إن كان صادقا أو كاذبا،
فإن عاد مرتين فعلى الصادق شاة، وعلى الكاذب بقرة، لأن الله عز وجل يقول:
(لا جدال في الحج ولا رفث ولا فسوق) (3) والرفث: الجماع، والفسوق: الكذب،
والجدال: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، والمفاخرة (4).
10 - وعن أسامة بن جعفر، قيم موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: سله
عن رجل يتزوج المرأة ولم يسم لها مهرا؟ قال: لها الميراث وعليها العدة، ولا مهر
لها، وقال: أما تقرأ ما قال الله في كتابه: (إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (5)؟



(1) البقرة: 196.
(2) تفسير العياشي 1: 91 / 236.
(3) البقرة: 197.
(4) تفسير العياشي 1: 95 / 255.
(5) تفسير العياشي 1: 124 / 402، والآية من سورة البقرة: 237.
320
11 - وعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): قوله تعالى:
(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) (1)؟ قال: هي صلة الإمام (2).
12 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (3)، قال: إذا دعاك الرجل تشهد على دين أو حق،
لا ينبغي لأحد أن يتقاعس عنها (4).
13 - وعن ابن شهرآشوب، قال: عن الكاظم (عليه السلام)، في قوله تعالى: (بلى
من كسب سيئة)، قال: بغضنا (وأحاطت به خطيئته) (5)، قال: من شرك في
دمائنا (6).
آل عمران:
1 - عن ابن بكير، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله تعالى: (وله أسلم
من في السماوات والأرض طوعا وكرها) (7)، قال: أنزلت في القائم (عليه السلام)، إذا خرج



(1) البقرة: 245.
(2) تفسير العياشي 1: 131 / 435.
(3) البقرة: 282.
(4) تفسير العياشي 1: 156 / 523.
(5) البقرة: 81.
(6) البحار 24: 44 / 11.
(7) آل عمران: 83.
321
باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض
وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به
المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب
أحد إلا وحد الله.
قلت له: جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إن الله إذا أراد أمرا
قلل الكثير وكثر القليل (1).
2 - وعن الحسين بن خالد، قال: قال أبو الحسن الأول: كيف تقرأ هذه
الآية؟ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (2) ماذا؟
قلت: مسلمون.
فقال: سبحان الله! توقع عليهم الإيمان فسميتهم مؤمنين، ثم يسألهم
الإسلام؟! والإيمان فوق الإسلام!
قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد، قال: إنما هي في قراءة علي (عليه السلام)،
وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد (عليهما الصلاة والسلام): (إلا وأنتم
مسلمون) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم الإمام من بعده (3).
3 - وعن عمر بن يزيد، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن رجل دبر



(1) تفسير العياشي 1: 183 / 82.
(2) آل عمران: 102.
(3) تفسير العياشي 1: 193 / 119.
322
مملوكه (1)، هل له أن يبيع عتقه؟ قال: فكتب (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل
إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) (2).
4 - وعن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعا) (3)، قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام) حبل الله
المتين (4).
5 - وعن ابن شهرآشوب، عن الكاظم (عليه السلام)، في قوله تعالى: (واكتبنا مع
الشاهدين) (5)، قال: نحن هم، نشهد للرسل على أممها (6).
النساء:
1 - عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: (حوبا كبيرا) (7)،
قال: هو مما تخرج الأرض من أثقالها (8).



(1) تدبير المملوك: تعليق عتقه بموته.
(2) تفسير العياشي 1: 185 / 87، والآية من سورة آل عمران: 93.
(3) آل عمران: 103.
(4) تفسير العياشي 1: 194 / 122.
(5) آل عمران: 53.
(6) بحار الأنوار 23: 336 / 3.
(7) النساء: 2.
(8) تفسير العياشي 1: 217 / 11.
323
2 - وعن أحمد بن محمد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يكون في
يده مال لأيتام فيحتاج فيمد يده فينفق منه عليه وعلى عياله وهو ينوي أن يرده
إليهم، أهو ممن قال الله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) (1) الآية؟ قال: لا،
ولكن ينبغي له ألا يأكل إلا بقصد ولا يسرف.
قلت له: كم أدنى ما يكون من مال اليتيم إذا هو أكله وهو لا ينوي رده حتى
يكون يأكل في بطنه نارا؟ قال: قليله وكثيره واحد، إذا كان من نفسه ونيته أن
لا يرده إليهم (2).
3 - وعن محمد بن فضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى: (إن
تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (3)، قال: من اجتنب ما وعد الله
عليه النار إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته (4).
4 - وعن محمد بن الفضل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (5)، قال: هذا قبل أن يحرم
الخمر (6).



(1) النساء: 10.
(2) تفسير العياشي 1: 224 / 42.
(3) النساء: 31.
(4) تفسير العياشي 1: 238 / 112.
(5) النساء: 43.
(6) تفسير العياشي 1: 242 / 135.
324
5 - وعن عمرو بن سعيد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: (أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (1)، قال: علي بن أبي طالب والأوصياء من
بعده (2).
6 - وعن كردويه الهمداني، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(فتحرير رقبة مؤمنة) (3) كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة (4).
7 - وعن يونس بن عبد الرحمن، قال: سألت موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قول
الله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (5). فقال: هذه مخاطبة
لنا خاصة، أمر الله تبارك وتعالى كل إمام منا أن يؤدي إلى الإمام الذي بعده
ويوصي إليه، ثم هي جارية في سائر الأمانات، ولقد حدثني أبي، عن أبيه: أن علي
ابن الحسين (عليه السلام) قال لأصحابه: عليكم أداء الأمانة، فلو أن قاتل أبي الحسين
ابن علي (عليه السلام) ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه (6).
8 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قوله تعالى: (ولولا



(1) النساء: 59.
(2) تفسير العياشي 1: 253 / 176.
(3) النساء: 92.
(4) تفسير العياشي 1: 263 / 220.
(5) النساء: 58.
(6) معاني الأخبار: 107 / 1.
325
فضل الله عليكم ورحمته) (1)، قال: الفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورحمته
أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
المائدة:
1 - عن عبد صالح، قال: سألناه عن قوله تعالى: (والمحصنات من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم) (3)، ما هن، وما معنى إحصانهن؟ قال: هن العفائف من
نسائهم (4).
2 - وعن أبي إسحاق المدائني، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه
رجل فقال له: جعلت فداك، إن الله يقول: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله)
إلى (أو ينفوا) (5)؟ فقال: هكذا قال الله.
فقال له: جعلت فداك، فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه
الأربع؟ قال: فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أربع، فخذ أربعا بأربع، إذا حارب الله
ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل، فإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن
أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن حارب الله ورسوله وسعى
في الأرض فسادا ولم يأخذ المال نفي من الأرض.



(1) النساء: 83.
(2) العياشي 1: 261 / 208.
(3) المائدة: 5.
(4) تفسير العياشي 1: 396 / 40.
(5) المائدة: 33.
326
فقال له الرجل: جعلت فداك، وما حد نفيه؟ قال: ينفى من المصر الذي فعل
فيه ما فعل إلى غيره، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي،
فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه، فإذا خرج من ذلك المصر إلى غيره، كتب
إليهم بمثل ذلك، فيفعل به ذلك سنة، فإنه سيتوب من السنة وهو صاغر.
فقال له الرجل: جعلت فداك، فإن أتى أرض الشرك فدخلها؟ قال:
يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك (1).
3 - وعن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن (إطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) (2) أو إطعام ستين مسكينا، أيجمع
ذلك؟ فقال: لا، ولكن يعطي كل إنسان كما قال الله.
قال: قلت: فيعطي الرجل قرابته إذا كانوا محتاجين؟ قال: نعم.
قلت: فيعطيها إذا كانوا ضعفاء من غير أهل الولاية؟ فقال: نعم، وأهل
الولاية أحب إلي (3).
الأنعام:
1 - عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قوله تعالى: (هو الذي
أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) (4)، قال: ما كان من الإيمان المستقر



(1) تفسير العياشي 1: 317 / 98.
(2) المائدة: 89.
(3) تفسير العياشي 1: 336 / 166.
(4) الأنعام: 98.
327
فمستقر إلى يوم القيامة، وما كان مستودعا سلبه الله قبل الممات (1).
2 - وعن صفوان، قال: سألني أبو الحسن (عليه السلام)، ومحمد بن الخلف جالس،
فقال لي: مات يحيى بن القاسم الحذاء! فقلت له: نعم، ومات زرعة.
فقال: كان جعفر (عليه السلام) يقول: (فمستقر ومستودع) فالمستقر قوم يعطون
الإيمان، ويستقر في قلوبهم، والمستودع قوم يعطون الإيمان ثم يسلبونه (2).
الأعراف:
عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي الحسن (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (خذوا
زينتكم عند كل مسجد) (3)، قال: من ذلك التمشط عند كل صلاة (4).
الأنفال:
1 - عن أبي إبراهيم، قال: سألته عن الأنفال، فقال: ما كان من أرض باد
أهلها فذلك الأنفال فهو لنا (5).
2 - وعن أبي أسامة زيد الشحام، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت



(1) تفسير العياشي 1: 371 / 72.
(2) تفسير العياشي 1: 372 / 73.
(3) الأعراف: 31.
(4) الكافي 6: 489 / 7.
(5) تفسير العياشي 2: 47 / 9.
328
فداك، إنهم يقولون: ما منع عليا (عليه السلام) إن كان له حق أن يقوم بحقه؟
فقال: إن الله لم يكلف هذا أحدا إلا نبيه (عليه وآله السلام)، قال له: (قاتل
في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) (1)، وقال لغيره: (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى
فئة) (2) فعلي لم يجد فئة، ولو وجد فئة لقاتل (3).
التوبة:
1 - عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: المؤذن أمير المؤمنين
علي (صلوات الله عليه) يؤذن أذانا يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله
عز وجل في سورة البراءة: (أذان من الله ورسوله) (4)، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
أنا ذلك الأذان (5).
2 - وعن أحمد بن عمير، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سأل عن قول الله
عز وجل: (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (6)، قال: إن أعمال
العباد تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل صباح أبرارها وفجارها، فاحذروا (7).



(1) النساء: 84.
(2) الأنفال: 16.
(3) تفسير العياشي 2: 51 / 31.
(4) التوبة: 3.
(5) ينابيع المودة: 101.
(6) التوبة: 105.
(7) البصائر: 444 / 2.
329
3 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في هذه الآية: (وقل
اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، قال: نحن هم (1).
يونس:
1 - روى علي بن إبراهيم بسنده عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: لما خافت
بنو إسرائيل جبابرتها أوحى الله إلى موسى وهارون (عليهما السلام): (أن تبوءا لقومكما
بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) (2)، قال: أمروا أن يصلوا في بيوتهم (3).
2 - وعن إسحاق بن عبد العزيز، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)، قال: إن الله
خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يكذبوا بما لا يعلمون أو يقولوا بما لا يعلمون،
وقرأ (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) (4)، وقال: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن
لا يقولوا على الله إلا الحق) (5).
الرعد:
1 - عن محمد بن الفضيل، قال: سمعت العبد الصالح يقول: (والذين يصلون



(1) البصائر: 447 / 5.
(2) يونس: 87.
(3) تفسير القمي 1: 315.
(4) يونس: 39.
(5) تفسير العياشي 2: 35 / 98، والآية من سورة الأعراف: 169.
330
ما أمر الله به أن يوصل) (1)، قال: هو رحم آل محمد معلقة بالعرش، تقول: اللهم
صل من وصلني، واقطع من قطعني، وهي تجري في كل رحم (2).
2 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله عز وجل:
(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (3) قال: هو علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) (4).
النحل:
1 - عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(وعلامات وبالنجم هم يهتدون) (5) قال: نحن العلامات، والنجم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6).
2 - وعن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول في
قول الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، قال: نحن هم (7).



(1) الرعد: 21.
(2) تفسير العياشي 2: 208 / 29.
(3) الرعد: 43.
(4) بصائر الدرجات: 235 / 13.
(5) النحل: 16.
(6) تفسير العياشي 2: 256 / 10.
(7) بصائر الدرجات: 60 / 12، والآية من سورة النحل: 43.
331
3 - وعن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: على الأئمة من
الفرائض ما ليس على شيعتهم، وعلى شيعتنا ما ليس علينا، أمرهم الله أن يسألونا،
فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فأمرهم أن يسألونا، وليس علينا
الجواب، إن شئنا أجبنا، وإن شئنا أمسكنا (1).
الإسراء:
1 - عن إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: لا يملق حاج أبدا.
قلت: وما الإملاق؟ قال: قول الله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) (2).
2 - عن أبي هاشم الخادم، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)، قال: ما بين غروب
الشمس إلى سقوط القرص غسق (3).
3 - وفي قوله تعالى: (وءات ذا القربى حقه) (4) - في حديث - قال
أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): إن الله عز وجل لما فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله) فدك
وما والاها، ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فأنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله):
(وءات ذا القربى حقه) فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم، فراجع في ذلك



(1) بصائر الدرجات: 63 / 28.
(2) تفسير العياشي 2: 289 / 62، والآية من سورة الإسراء: 31.
(3) تفسير العياشي 2: 310 / 144.
(4) الإسراء: 26.
332
جبرئيل (عليه السلام)، فسأل الله عز وجل عن ذلك، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى
فاطمة. فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة، إن الله تعالى أمرني أن أدفع
إليك فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله، من الله ومنك، فلم يزل وكلاؤها فيها
حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن
يردها عليها، فقال لها: أتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك بذلك. فجاءت بأمير
المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) وأم أيمن، فشهدوا لها بذلك، فكتب بترك التعرض،
فخرجت بالكتاب معها فلقيها عمر، فقال لها: ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت:
كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. فقال لها: أرينيه، فأبت، فانتزعه من يدها، فنظر فيه،
وتفل فيه، ومحاه وخرقه، وقال: هذا لأن أباك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب؛
وتركها ومضى (1).
4 - وعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن الله عز وجل
يقول في كتابه: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه
كان منصورا) (2)، فما هذا الإسراف الذي نهى الله عز وجل عنه؟
قال (عليه السلام): نهى أن يقتل غير قاتله، أو يمثل بالقاتل.
قلت: فما معنى قوله: (إنه كان منصورا)؟
قال (عليه السلام): وأي نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فيقتله،
ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا (3).



(1) التهذيب 4: 148، الحديث 414. الكافي 1: 456، الحديث 5. المقنعة: 289.
(2) الإسراء: 33.
(3) الكافي 7: 370، الحديث 7.
333
طه:
1 - عن محمد بن أبي عمير، قال: قلت لموسى بن جعفر (عليه السلام): أخبرني عن
قول الله عز وجل لموسى وهارون: (إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله
يتذكر أو يخشى) (1).
فقال: أما قوله: (فقولا له قولا لينا) أي كنياه، وقولا له: يا أبا مصعب،
وكان اسم فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب، وأما قوله: (لعله يتذكر أو يخشى)
فإنما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب، وقد علم الله عز وجل أن فرعون
لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس، ألا تسمع الله عز وجل يقول: (حتى إذا
أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) (2)،
فلم يقبل الله إيمانه وقال: (ألآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) (3).
2 - وعن عبد الله بن منصور، عن أبيه، قال: سألت مولانا أبا الحسن موسى
ابن جعفر (عليه السلام) عن قوله عز وجل: (يعلم السر وأخفى) (4)، قال: فقال لي: سألت
أبي، قال: سألت جدي، قال: سألت أبي علي بن الحسين، قال: سألت أبي الحسين
ابن علي، قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن قول الله عز وجل: (يعلم السر وأخفى)
قال: سألت الله عز وجل، فأوحى إلي: أني خلقت في قلب آدم عرقين يتحركان



(1) طه: 43 - 44.
(2) يونس: 90.
(3) علل الشرائع 1: 67 / 1، والآية من سورة يونس: 91.
(4) طه: 7.
334
بشيء من الهواء، فإن يكن في طاعتي كتبت له حسنات، وإن يكن في معصيتي لم
أكتب عليه شيئا حتى يواقع الخطيئة، فاذكروا الله على ما أعطاكم أيها المؤمنون (1).
3 - وعن الحسن بن راشد، قال: سئل أبو الحسن موسى عن معنى قول الله
تعالى: (الرحمن على العرش استوى) (2) فقال: استولى على ما دق وجل (3).
4 - وعن عبد الرحمن بن حماد، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الميت
لم يغسل غسل الجنابة، قال: إن الله تبارك وتعالى أعلى وأخلص من أن يبعث
أشياء بيده، إن لله تبارك وتعالى ملكين خلاقين، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك
الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عز وجل في كتابه: (منها خلقناكم وفيها
نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) (4) فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم، فإذا
عجنت النطفة بالتربة قالا: يا رب نخلق؟ قال: فيوحي الله تبارك وتعالى إليهما ما
يريد من ذلك ذكرا أو أنثى، مؤمنا أو كافرا، أسود أو أبيض، شقيا أو سعيدا، فإذا
مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها، فمن ثم صار الميت يغسل غسل
الجنابة (5).



(1) بحار الأنوار 71: 250 / 13.
(2) طه: 5.
(3) الاحتجاج: 386، التوحيد: 230 / 4.
(4) طه: 55.
(5) علل الشرائع: 300 / 5.
335
المؤمنون:
عن أبي جرير القمي، قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن النطفة ما فيها من
الدية؟ وما في العلقة؟ وما في المضغة المخلقة وما يقر في الأرحام؟ قال: إنه يخلق في
بطن أمه خلقا من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة أربعين يوما، ثم
مضغة أربعين يوما، ففي النطفة أربعون دينارا، وفي العلقة ستون دينارا، وفي المضغة
ثمانون دينارا، فإذا اكتست العظام لحما ففيه مائة دينار، قال الله عز وجل: (ثم
أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) (1) فإن كان ذكرا ففيه الدية، وإن كانت
أنثى ففيها ديتها (2).
القصص:
عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن، في قول الله عز وجل: (ومن أضل ممن
اتبع هواه بغير هدى من الله) (3) يعني اتخذ دينه هواه بغير هدى من أئمة الهدى (4).
الزمر:
روي عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: إن المرء إذا نام فإن روح الحيوان باقية في
البدن، والذي يخرج منه روح العقل، فقال عبد الغفار الأسلمي: يقول الله



(1) المؤمنون: 14.
(2) التهذيب 10: 282 / 4.
(3) القصص: 50.
(4) بصائر الدرجات: 33 / 5.
336
عز وجل: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) إلى قوله: (إلى أجل مسمى) (1)،
أفليس ترى الأرواح كلها تصير إليه عند منامها، فيمسك ما يشاء ويرسل
ما يشاء؟
قال له أبو الحسن (عليه السلام): إنما يصير إليه أرواح العقول، فأما أرواح الحياة فإنها
في الأبدان لا تخرج إلا بالموت، ولكنه إذا قضى على نفس الموت قبض الروح الذي
فيه العقل، ولو كانت روح الحياة خارجة لكان بدنا ملقى لا يتحرك، ولقد ضرب الله
لهذا مثلا في كتابه في أصحاب الكهف حيث قال: (ونقلبهم ذات اليمين
وذات الشمال) (2) أفلا ترى أن أرواحهم فيهم بالحركات؟ (3).
القلم:
عن الحسين بن سعد، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قوله عز وجل: (يوم يكشف
عن ساق) (4)، قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب
المنافقين فلا يستطيعون السجود (5).
المزمل:
في " نوادر الراوندي " بالإسناد عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)،



(1) الزمر: 42.
(2) الكهف: 18.
(3) البحار 61: 43 / 19.
(4) القلم: 42.
(5) التوحيد: 154 / 1.
337
قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) (1)، قال: بينه
تبيانا، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به
القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة (2).
الماعون:
عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في قوله تعالى: (الذين هم
عن صلاتهم ساهون) (3)، قال (عليه السلام): هو التضييع (4).
الإخلاص:
عن يونس بن عبد الرحمن، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام)
وسئل عن الصمد، فقال: الصمد الذي لا جوف له (5).



(1) المزمل: 4.
(2) بحار الأنوار 92: 215 / 17.
(3) الماعون: 5.
(4) نور الثقلين 5: 678 / 9.
(5) التوحيد: 93 / 7.
338
الفصل الثاني عشر
مواقفه (عليه السلام) السياسية
لقد عاصر الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) في فترة حياته
الشريفة أربعة من طواغيت زمانه وجبابرة عصره من بني العباس السفاحين.
عاش ردحا من الزمن معاصرا للمنصور الدوانيقي الذي ما تورع في إبادة
أمة بكاملها في سبيل تثبيت عرش بني العباس، ولما هلك تربع على العرش العباسي
ابنه محمد المهدي، وسار على منهج سلفه في القتل وسفك دماء المسلمين، بل زاد على
ما فعله أبوه، وبعد هلاكه خلفه الطاغية الشاب النزق الفاسق الفاجر السفاح موسى
الهادي العباسي، ولم يطل به المقام حتى هلك، فخلفه أخوه الطاغية الجبار هارون
الرشيد الذي زاد في الظلم والجور وسفك دماء المؤمنين على نهج أسلافه الطغاة
الظلمة، حتى قضى الإمام (عليه السلام) مسموما شهيدا في سجن المجرم السفاح السندي بن
شاهك عليه وعلى أسياده لعنة الله ولعنة اللاعنين.
وخلال هذه الفترة المتمادية من السنين تحمل الإمام (عليه السلام) صنوف الإرهاب
السياسي والفكري والعذاب النفسي والجسدي، ما لا تتحمله الجبال الرواسي.
وقد واجه الإمام (عليه السلام) كل تلكم المآسي التي تنهد لهولها الجبال بعزم ثابت
وإرادة لا تلين، وبتصميم راسخ لا تزعزعه العواصف ولا تزيله القواصف، موطنا

339
نفسه على مواجهة وتحمل كل الصعاب التي مارسها حكام الجور ضده وضد
العلويين من آله، كما شمل ذلك العنت والعذاب أصحابه البررة والموالين المنتسبين
لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صمم (عليه السلام) على مواجهة كل ما يستجد من جور
الحكام العباسيين وتابعيهم من محن ومآس في سبيل ترسيخ دعائم شريعة السماء
وما جاء به جده المصطفى صلوات الله عليه، حتى ظهور المنقذ الأعظم للبشرية،
وحتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
اتخذ الإمام الكاظم (عليه السلام) السلبية موقفا له في التعامل مع السلطة الحاكمة
وأجهزتها، فقد كان يبدي التحفظات في ممارسة أي عمل للنظام الحاكم، وكان يندد
بمواقف بعض المتملقين للحكم والعاملين في أجهزته.
وتتضح دعوته (عليه السلام) في تحريم التعاون مع الحكم في أي مجال من المجالات،
خلال حواره مع صفوان الجمال، فقد روى الكشي عن حمدويه قال: حدثني محمد
ابن إسماعيل الرازي، قال: حدثني الحسن بن علي بن فضال، قال: حدثني صفوان
ابن مهران الجمال، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال لي: يا صفوان،
إن كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك، أي شيء؟
قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون -.
قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا
الطريق - يعني طريق مكة - ولا أتولاه، ولكن أبعث معه غلماني.
فقال لي: يا صفوان، أيقع إكراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال
لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك. قلت: نعم. قال: فمن أحب بقاءهم فهو منهم،
ومن كان منهم كان واردا النار. قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها،
فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني، وقال: يا صفوان، بلغني أنك بعت جمالك؟ قلت:

340
نعم. فقال: لم؟ قلت: أنا شيخ كبير، وإن الغلمان لا يفون بالأعمال.
فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار موسى
ابن جعفر. قلت: ما لي ولموسى بن جعفر. فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حسن
صحبتك لقتلتك (1).
وثمة موقف آخر أعرب فيه الإمام عن نقمته وسخطه الشديدين على حكومة
هارون ودعوته إلى حرمة التعاون معهم بأي لون كان، وقد منع (عليه السلام) الركون إليهم
مستشهدا بقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2) وقد حرم
على المسلمين الميل إليهم وأكد على ضرورة مقاطعتهم حتى لو كان ذلك مستندا إلى
التخلي عن بعض المصالح الشخصية، كما وحذر أصحابه من الدخول في أجهزة
الدولة أو قبول أي وظيفة من وظائفها أو الانضمام إلى أجهزتها، ويتضح ذلك في
موقفه من زياد بن أبي سلمة، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، فقال لي:
يا زياد، إنك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت: أجل. قال لي: ولم؟
قلت: أنا رجل لي مروة وعلي عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي:
يا زياد، لأن أسقط من حالق (3) فأتقطع قطعة قطعة، أحب إلي من أن أتولى لأحد
منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم، إلا لماذا؟ قلت: لا أدري، جعلت فداك.
قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه. يا زياد، إن



(1) رجال الكشي: 373.
(2) هود: 113.
(3) أي جبل عال.
341
أهون ما يصنع الله بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ
الله من حساب الخلائق.
يا زياد، فإن وليت شيئا من أعمالهم، فأحسن إلى إخوانك، فواحدة
بواحدة، والله من وراء ذلك.
يا زياد، أيما رجل منكم تولى لأحد منهم عملا ثم ساوى بينكم وبينهم
فقولوا له: أنت منتحل كذاب.
يا زياد، إذا ذكرت مقدرتك على الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غدا،
ونفاد ما أتيت إليهم عنهم، وبقاء ما أتيت إليهم عليك (1).
وقد استثنى الإمام (عليه السلام) ولمصالح خاصة أحد أصحابه الكبار أن يتولى
منصب الوزارة أيام هارون ومن قبلها منصب الأزمة أيام المهدي، ألا وهو علي
ابن يقطين، وقد تقدم إلى الإمام (عليه السلام) مرات عديدة يطلب منه الإذن في ترك منصبه
والاستقالة منه فنهاه (عليه السلام) عن ذلك.
ففي كتاب " قضاء حقوق المؤمنين " لأبي علي بن طاهر، قال: استأذن علي
ابن يقطين مولاي الكاظم (عليه السلام) في ترك عمل السلطان فلم يأذن له، وقال: لا تفعل،
فإن لنا بك أنسا، ولإخوانك بك عزا، وعسى أن يجبر بك كسرا، ويكسر بك نائرة
المخالفين عن أوليائه.
يا علي، كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم، اضمن لي واحدة وأضمن
لك ثلاثة، إضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائنا إلا قضيت حاجته وأكرمته،



(1) الكافي 5: 109 / 1، التهذيب 6: 333 / 45، البحار 48: 172 / 13.
342
وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا، ولا ينالك حد سيف أبدا، ولا يدخل
الفقر بيتك أبدا.
يا علي، من سر مؤمنا فبالله بدأ، وبالنبي (صلى الله عليه وآله) ثنى، وبنا ثلث (1).
وفي الكافي والتهذيب بالإسناد عن إبراهيم بن أبي محمود، عن علي
ابن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: إن كنت
لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة. قال: فأخبرني علي أنه كان يجبيها من الشيعة
علانية ويردها عليهم في السر (2).
وفي قرب الإسناد، بالإسناد عن علي بن يقطين: أنه كتب إلى أبي الحسن
موسى (عليه السلام): إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان - وكان وزيرا لهارون -
فإن أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه. فرجع الجواب: لا آذن لك بالخروج من
عملهم، واتق الله، أو كما قال (3).
وموقف علي بن يقطين في طلب الإذن يتأتى من تفهمه لموقف الإمام (عليه السلام) من
السلطة ودعوته إلى مقاطعتها، أما موقف الإمام (عليه السلام) فينطلق من مصالح خاصة
ذكرها في حديثه الأول...



(1) كتاب قضاء حقوق المؤمنين (تراثنا، العدد 3، الصفحة 187، الحديث 25)، بحار الأنوار
48: 136 / 10.
(2) الكافي 5: 110 / 3. التهذيب 6: 335 / 48. البحار 48: 158 / 31.
(3) قرب الإسناد: 126. البحار 48: 158 / 32.
343
الموقف السلبي تجاه السلطة اتخذه الإمام (عليه السلام) ومن قبله أبوه الصادق (عليه السلام)
لأنه لا يمتلك مؤهلات وعناصر القوة على مواجهة الحكم بالرفض الصريح لتكوينه
ودعوة الأمة للقيام بعمل ثوري من أجل تصحيح الانحرافات وإقامة دولة العدل،
لذا اتخذ الإمام (عليه السلام) موقفا مرحليا في مواجهة الجهاز الحاكم، إذ إن رفض العمل
للحكم والسلبية في التعاون معه يعد منطلقا مبدئيا في تهيئة المواجهة الصريحة الثائرة
بعد أن يكون الحكم قد فقد عنصر القوة بفعل السلبية العملية التي مارستها الأمة
إزاء العمل له والتعاون معه.
وحرب المقاطعة وسلبية الإمام (عليه السلام) الصارمة التي التزمها وألزم بها أصحابه
وندد على المخالفين لمضمونها تهدف إلى إضعاف الروابط العملية بين السلطان
والرعية، وبذلك يفقد السلطان مؤهلات إقامة دولته وتركيز بناء حكمه ويهيئ
الأرضية لإنهاء تماسك أجهزة الحكم وشل حركتها من الداخل، وهو أمضى سلاح
يواجهه الحاكم الظالم، فحين تمتنع الطاقات عن عطائها للحكم وتكف الجماعة يدها
عن العمل له وحماية مكاسبه، تتقلص قدرته ويتداعى بناء أجهزته الظالمة.
فمقاطعة الحكم التي اعتمدها الإمام (عليه السلام) في حربه الباردة ضد الحكم
والسلبية، كانت ثورة عملية ضد النظام ذات أبعاد سياسية عميقة، وكان نجاحها
يتوقف على نسبة الدعم الذي تقوم به الأمة في سلبيتها العملية ضد الحكم القائم وفق
المخطط المرسوم لها من قبل الإمام (عليه السلام)، غير أن افتقاد الأمة لمقومات السلبية
والركون إلى الحكام الظلمة لأجل مصالحها الذاتية فوت الفرصة وأبطل فاعلية
الخطة مما تسبب في تقليص آثارها.
ولم يكن الإمام بما يملك من حس مرهف وبعد في النظر ومعرفة بالواقع العام
لمختلف فئات الأمة بعيدا عن رؤيا النتائج الواقعية لهذا التحرك، ولكنه (عليه السلام) أراد أن

344
يقدم للأمة الأطروحة العملية في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتفق وظروف
تلك المرحلة وبما ينسجم مع مسؤولياته الرسالية في النصح للأمة وتسديدها عند
اشتباه الحق والتباس معالم الهدى والصلاح، وعلى الأمة بعد هذا أن تختار لنفسها
المصير الذي تشاء، فأما الاستجابة والعمل وبذلك تنتصر لرسالتها وحقها في الحياة
الكريمة، وإما الرضا والخنوع للواقع المعاش، وبذلك تكون قد فرضت على نفسها
أن تعيش بعيدا عن رسالتها تحت ظل القمع والظلم والإرهاب.
موقف السلطة من الإمام
لقد عانى الإمام الكاظم (عليه السلام) من تجاوزات الحكم وتصرفاته الحاقدة،
ولم يكن ثمة ما يبرر كل تلك التجاوزات والتصرفات سوى قلق رؤوس السلطة
وأزلامهم من وجود الإمام نفسه بما يتمتع به من سمو شخصيته العلمية والروحية
الفذة، التي تمتاز بالنزاهة والأصالة وعمق الإيمان في مختلف الأوساط العامة.
ويحاول الرشيد بما يمتلك من مخطط تصفوي أن يفتعل الأعذار والمبررات
للوقيعة بالإمام والتخلص منه حتى لا يواجه الأمة بالجريمة دون أن يكون لها
ما يستدعيها، وكان الإمام (عليه السلام) يتصدى لمحاولات التصفية بالصبر وكظم الغيظ.
لقد استدعي الإمام (عليه السلام) ولأكثر من مرة إلى بغداد في زمان المهدي ومن بعده
في زمان الرشيد وذلك لتقليص نفوذه في الأمة وعزله بعيدا عن وجدانها وتفكيرها.
فحينما يشعر الآخرون بالرقابة تفرض على الإمام بقوة، والملاحقة تستمر
بعنف لا يسعهم انسجاما مع حب السلامة والعافية إلا أن يقلصوا من ارتباطهم به
ويحدوا من ممارساتهم العادية معه (عليه السلام).

345
ولم يكن الرشيد ليجهل موقف الإمام (عليه السلام) واعتزاله العمل السياسي في سبيل
الوصول للحكم، بل لقد صرح الرشيد مرة ببراءة الإمام عن كل ما يرمى به من قبل
الوشاة حيث قال: الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو بريء مما يرمى به (1)،
ولكنها عقدة النجاح الهائل الذي لقيه الإمام (عليه السلام) والتأثر بسيرته الصالحة في مختلف
أوساط الأمة، والمحبة له التي عمرت قلوب الناس، وصلابته في موقف الحق،
وتفوقه بالعلم ومكارم الأخلاق، كل ذلك جعل منه في نظر الرأي العام المسلم
البديل المتعين لعناصر الخلافة الظالمة، أضف إلى أن سلبية الإمام (عليه السلام) في التعاون مع
الحكم وعدم التعاطف مع مواقفه المشبوهة، كل ذلك جعل الإمام (عليه السلام) في تصورات
الرشيد وسابقيه منافسا خطيرا وخصما عنيدا دون أن تبدو منه (عليه السلام) أي بادرة
خلاف عملية تصطدم مع هيكل الحكم.
وفيما يلي نستعرض مواقف الحكام الذين عاصرهم، وما جرى له معهم.
مع المنصور:
لقد دامت فترة تولي الإمام الكاظم (عليه السلام) الإمامة في عهد المنصور نحو عشر
سنوات، شاهد قبلها موقف المنصور مع أبيه الصادق (عليه السلام) الذي اتخذ من النظام
الحاكم موقفا سلبيا، ورغم ذلك فقد تعرض مرارا لتحديات المنصور وتهديده له
بالقتل تارة وبالحبس أخرى، وكان يحصي عليه أنفاسه ويراقبه من خلال عيونه
وجواسيسه، حتى اضطر الصادق (عليه السلام) إلى التستر بالنص على الإمام بعده إلا إلى
خلص أصحابه، وأوصاهم بالحذر والكتمان من جواسيس المنصور وزبانيته، بل



(1) الكافي 1: 366 / 99. البحار 48: 165 / 7. العوالم: 366 / 1.
346
وأوصى الإمام (عليه السلام) من بعده إلى خمسة أشخاص - وقيل إلى ثلاثة أشخاص -
حذرا على الإمام الذي بعده وعلى شيعته.
وشاهد الإمام الكاظم (عليه السلام) أيضا بني عمه من الحسنيين وما حل بهم من
الرزايا والنكبات ظلما وعدوانا وقتلا وتشريدا، هكذا استقبل الإمام الكاظم (عليه السلام)
إمامته في عهد المنصور العباسي، فانطوت نفسه الزكية على الحزن العميق والأسى
المرير، وتجرع مرارة تلك الأحداث القاسية محتسبا كاظما للغيظ.
لقد كان الإمام (عليه السلام) يقدر حراجة الموقف الذي مر به وهو في مقتبل إمامته،
فكان (عليه السلام) حريصا على التزام جانب الحذر والكتمان إلا من خاصته وخلص
أصحابه، ولم يشترك في الميادين السياسية ولم ينضم إلى الثوار من العلويين لعلمه
بفشل حركتهم وعدم نجاحها، وكان (عليه السلام) يتقي شر العباسيين ولا يسمح لشيعته
ومريديه من الاتصال به بشكل اعتيادي، حتى إن الرواة من خلص أصحابه كانوا
يكنون عنه بالعبد الصالح، والعالم، والسيد، والرجل، وأبي إبراهيم، وغيرها حذرا
وتوقيا من فتك السلطة.
ورغم أن الإمام (عليه السلام) قد اتخذ كافة الاحتياطات الكفيلة بأن تقيه وأصحابه
من شر الحكام الظلمة من القتل والحبس والتشريد في زمان المنصور، إلا أن عيون
المنصور كانت تراقبه بدقة وتحصي عليه وعلى أصحابه أنفاسهم، ففي حديث هشام
ابن سالم الذي تحير في الاهتداء إلى الإمام بعد الصادق (عليه السلام)، فلما دل عليه قال:
قلت: جعلت فداك، إن أخاك عبد الله يزعم أنه الإمام من بعد أبيه؟ فقال: عبد الله
يريد أن لا يعبد الله. قال: قلت: جعلت فداك؟ فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله
أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، فأنت هو؟ قال: لا أقول ذلك. قال: فقلت
في نفسي: إني لم أعرف طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك، أعليك إمام؟
قال: لا.

347
قال: فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله تعالى إعظاما له وهيبة، ثم قلت له:
جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل أباك؟ قال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت
فهو الذبح (1)، الحديث.
وهكذا فإن انقطاع الإمام واعتصامه في بيته ومزاولته أعماله الخاصة
واعتزاله الناس إلا خواص أصحابه جعل المنصور لا يراه خطرا على عرشه، فكف
عنه الأذى والمكروه، سيما وإن بعض الشيعة كانوا قد التفوا حول أخيه عبد الله
الأفطح، وبعضهم قد رجع إلى القول بإمامة أخيه إسماعيل المتوفى في حياة أبيه (عليه السلام)،
وقد بدت نتائج احتياطات الإمام (عليه السلام) واضحة خلال حكم المنصور، الذي سام
العلويين أشد أنواع النكال والتعذيب والجور والسجن والقتل، ورغم ذلك فإنه
لم يتعرض للإمام إلى الاستدعاء إلى بغداد مثلا كما كان يستدعي أباه (عليه السلام) ويتهدده
بالقتل، ولا تعرض (عليه السلام) للحبس من قبله كما تعرض له في أيام المهدي والرشيد بعد
أن اشتهر أمره وذاع صيته وتوسعت قاعدته والتف حوله جماهير الشيعة ورجع إليه
من شذ منهم إلى غيره.
ولولا تلك التدابير التي اتخذها الإمام وأبوه (عليه السلام) لكان مصيره القتل على يد
المنصور الجائر، ويتضح ذلك من خلال رسالة المنصور إلى واليه على المدينة محمد
ابن سليمان حين أخبره بوفاة الصادق (عليه السلام) والتي يقول فيها: إن كان أوصى إلى
رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، وعاد الجواب: قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو
جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله وموسى وحميدة. فقال المنصور: ما إلى
قتل هؤلاء سبيل (2).



(1) كشف الغمة 1: 13.
(2) المناقب 4: 320.
348
ولعل هذه الوصية هي التي ساهمت أيضا إلى حد ما في بقاء الإمام
الكاظم (عليه السلام) بعيدا عن مخالب المنصور العباسي ولو إلى حين.
أخباره (عليه السلام) مع المنصور:
1 - روى ابن شهرآشوب أنه حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن
جعفر (عليه السلام) بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز، وقبض ما يحمل إليه، فقال (عليه السلام): إني
قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم أجد لهذا العيد خبرا، وإنه سنة
للفرس ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام.
فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست،
فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنونه، ويحملون إليه الهدايا
والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل.
فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن، فقال له: يا بن بنت رسول الله،
إنني رجل صعلوك (1) لا مال لي، أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين
ابن علي (عليه السلام):
عجبت لمصقول علاك فرنده (2) * يوم الهياج وقد علاك غبار
ولأسهم نفذتك دون حرائر * يدعون جدك والدموع غزار
ألا تقضقضت (3) السهام وعاقها * عن جسمك الإجلال والإكبار!
قال (عليه السلام): قبلت هديتك، إجلس بارك الله فيك، ورفع رأسه إلى الخادم،



(1) الصعلوك: الفقير.
(2) الفرند: السيف، وما يلمح في صفحته من أثر تموج الضوء.
(3) أي تفرقت.
349
وقال: امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به، فمضى الخادم وعاد
وهو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد. فقال موسى (عليه السلام) للشيخ: اقبض جميع
هذا المال فهو هبة مني لك (1).
ولا يعرف بالضبط أين طلب المنصور منه ذلك، هل في المدينة أم في بغداد،
إذ لم تصرح الرواية بذلك، ومهما يكن الأمر فإنه يستبعد أن يكون ذلك في بغداد؛
لأنه (عليه السلام) لم يستدع من قبل السلطة إلى بغداد في زمان المنصور كما ذكر
المؤرخون.
2 - وقد توقع الإمام (عليه السلام) موت المنصور في نفس العام الذي توفي فيه،
كما ذكرنا ذلك في معجزاته (عليه السلام)، ونزيد هنا رواية الطبري بالإسناد عن عمر
ابن زيد، قال: سمعت أبا الحسن يقول: لا يشهد أبو جعفر [المنصور] بالناس
موسما بعد السنة، وكان حج في تلك السنة، فذهب عمر فخبر أنه يموت في تلك
السنة (2).
وقد حج المنصور في خلافته مرتين، وفي الثالثة أصيب بإسهال شديد، فهلك
قبل أن يصل مكة في بئر ميمون، وذلك سنة 158 ه‍، لست خلون من ذي الحجة (3)،
وانطوت بموته صفحة حافلة بالظلم والجور والإثم والموبقات.



(1) المناقب 4: 318.
(2) دلائل الإمامة: 158.
(3) أنظر تأريخ بغداد 1: 53 - 61. سير أعلام النبلاء 7: 83. الجوهر الثمين 1: 116 - 118.
مآثر الإنافة 1: 175.
350
المهدي بعد أبيه المنصور:
تولى بعد المنصور ولده محمد المهدي عشر سنين وشهرا وستة عشر يوما،
ولم يتعرض المهدي في بداية حكمه للإمام بمكروه ولم ينله بسوء، مكتفيا بوضع
الرقابة الشديدة عليه، ولما رجع أكثر المنحرفين عن الإمام إلى القول بإمامته،
والتف حوله الرواة والعلماء، فاشتهر أمره وذاع صيته، عمد المهدي إلى استدعائه
إلى بغداد فحبسه، قاصدا التنكيل به وقتله، لكن إرادة الله كانت تحول دون ذلك،
فأطلق سراحه بعد أن رأى برهان ربه، والظاهر من الروايات أنه اعتقله أكثر من
مرة، وفي كل مرة كان ينجو (عليه السلام) بإرادة الله تعالى.
أخباره (عليه السلام) مع المهدي:
1 - عن أبي خالد الزبالي، قال: قدم علينا أبو الحسن الكاظم (عليه السلام) زبالة،
ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه إليه إلى العراق من المدينة، ذلك
في القدمة الأولى على المهدي، فأتيته وسلمت عليه، فسر برؤيتي، وأوصاني بشراء
حوائج له وتعبيتها عندي، فرآني غير منبسط وأنا مفكر منقبض، فقال: ما لي أراك
منقبضا؟ فقلت: وكيف لا ورأيتك سائرا وأنت تصير إلى هذا الطاغية ولا آمن
عليك منه! فقال: يا أبا خالد، ليس علي منه بأس، فإذا كان في شهر كذا من يوم
الفلاني فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل، فإني أوافيك إن شاء الله تعالى.
قال أبو خالد: فما كان لي هم إلا إحصاء تلك الشهور والأيام إلى ذلك اليوم
الذي وعدني المأتى فيه، فخرجت وانتظرته إلى أن غربت الشمس، فلم أر أحدا،
فداخلني الشك في أمره، فلما كان دخول الليل، فبينما أنا كذلك، فإذا بسواد قد
أقبل من ناحية العراق، فإذا هو على بغلة أمام القطار، فسلمت وسررت بمقدمه

351
وتخلصه، فقال لي: داخلك الشك يا أبا خالد! فقلت: الحمد لله الذي خلصك من
هذا الطاغية، فقال: يا أبا خالد، إن لهم إلي دعوة لا أتخلص منها (1).
2 - وعن الفضل بن الربيع، عن أبيه، أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر،
رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقول: يا محمد (فهل عسيتم إن
توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (2).
قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية
- وكان أحسن الناس صوتا - وقال علي بموسى بن جعفر، فجئته به، فعانقه
وأجلسه إلى جانبه، وقال: يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب، في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي،
فقال: والله لا فعلت ذلك، ولا هو من شأني. قال: صدقت، يا ربيع، أعطه ثلاثة
آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة.
قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف
العوائق (3).



(1) الفصول المهمة: 232. نور الأبصار: 149. الكافي 1: 477 / 3. عنه البحار 48:
228 / 32. إعلام الورى: 305. ونحوه في دلائل الإمامة: 165. المناقب 4: 287 و 294.
قرب الإسناد: 140. إثبات الوصية: 165. الخرائج والجرائح 1: 315 / 8.
(2) سورة محمد (صلى الله عليه وآله): 22.
(3) تأريخ بغداد 13: 30. إعلام الورى: 294. صفة الصفوة 2: 184. تذكرة الخواص:
249. وفيات الأعيان 5: 308. سير أعلام النبلاء 6: 272. البداية والنهاية 10: 190.
الفصول المهمة: 230.
352
3 - وعن ابن شهرآشوب، قال: لما بويع محمد المهدي، دعا حميد بن قحطبة
نصف الليل، وقال: إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك
عندي موقوف. فقال: أفديك بالمال والنفس. فقال: هذا لسائر الناس.
قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد. فلم يجبه المهدي. فقال: أفديك
بالمال والنفس والأهل والولد والدين. فقال: لله درك، فعاهده على ذلك، وأمره
بقتل الكاظم (عليه السلام) في السحر بغتة، فنام فرأى في منامه عليا (عليه السلام) يشير إليه ويقرأ
(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)، فانتبه مذعورا،
ونهى حميدا عما أمره، وأكرم الكاظم (عليه السلام) ووصله (1).
4 - وعن علي بن يقطين، قال: سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر، هل
هي محرمة في كتاب الله عز وجل؟ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون
التحريم لها؟ فقال له أبو الحسن (عليه السلام): بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أمير
المؤمنين. فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله جل اسمه، يا أبا الحسن؟
فقال: قول الله عز وجل: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم
والبغي بغير الحق) (2)، فأما قوله: (ما ظهر منها) يعني الزنا المعلن ونصب
الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل:
(وما بطن) يعني ما نكح من الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه وآله) إذا
كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده، إذا لم تكن أمه، فحرم الله عز
وجل ذلك.



(1) المناقب 4: 300. البحار 48: 139 / 15. العوالم: 222 / 1.
(2) الأعراف: 33.
353
وأما الإثم، فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله عز وجل في موضع آخر:
(يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) (1) فأما الإثم في
كتاب الله فهي الخمرة والميسر، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.
قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه والله فتوى هاشمية.
قال: قلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا
العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي [إلا] أن قال لي: صدقت
يا رافضي (2).
5 - وعن الحسن بن علي بن النعمان، قال: لما بنى المهدي في المسجد الحرام
بقيت دار في تربيع المسجد، فطلبها من أصحابها فامتنعوا، فسأل عن ذلك الفقهاء،
فكل قال له: إنه لا ينبغي أن يدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا، فقال له علي
ابن يقطين: يا أمير المؤمنين، لو كتبت إلى موسى بن جعفر لأخبرك بوجه الأمر في
ذلك.
فكتب إلى والي المدينة أن يسأل موسى بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في
المسجد الحرام، فامتنع علينا صاحبها، فكيف المخرج من ذلك؟ فقال ذلك
لأبي الحسن (عليه السلام)، فقال أبو الحسن (عليه السلام): ولا بد من الجواب في هذا؟ فقال له:
الأمر لا بد منه. فقال له: اكتب، " بسم الله الرحمن الرحيم، إن كانت الكعبة هي



(1) البقرة: 219.
(2) الكافي 6: 406 / 1. العياشي 2: 17 / 83. الوسائل 14: 314 / 7، و 17: 240 /
12. البحار 79: 145 / 59.
354
النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة
فالكعبة أولى بفنائها ". فلما أتى الكتاب إلى المهدي أخذ الكتاب فقبله، ثم أمر
بهدم الدار، فأتى أهل الدار أبا الحسن (عليه السلام) فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتابا في
ثمن دارهم، فكتب إليه أن أرضخ (1) لهم شيئا، فأرضاهم (2).
6 - وعن علي بن أسباط، قال: لما ورد أبو الحسن موسى (عليه السلام) على المهدي
العباسي رآه يرد المظالم، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال له:
وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله) فدك
وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله) (وآت
ذا القربى حقه) (3) فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل،
وراجع جبرئيل ربه، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة (عليها السلام).
فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: يا فاطمة، إن الله أمرني أن أدفع إليك
فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاؤها، فأتته فسألته أن يردها عليها. فقال
لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك.
فجاءت بأمير المؤمنين [علي (عليه السلام)] وأم أيمن، فشهدا لها، فكتب لها بترك



(1) أرضخ له: أعطاه قليلا من كثير.
(2) تفسير العياشي 1: 185.
(3) الإسراء: 26.
355
التعرض، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر بن الخطاب، فقال: ما هذا معك
يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرينيه، فأبت، فانتزعه
من يدها ونظر فيه، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه.
فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب، فضعي الحبال في رقابنا.
فقال المهدي العباسي: يا أبا الحسن، حدها لي. فقال: حد منها جبل أحد،
وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل.
فقال له: كل هذا؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا كله، إن هذا كله
مما لم يوجف أهله على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيل ولا ركاب. فقال: كثير، وأنظر
فيه (1).
ومات المهدي في 22 محرم سنة 169 ه‍، وبويع بعده لولده موسى الهادي.
مع موسى الهادي:
تسلم الهادي مقاليد الخلافة وهو في غضارة العمر، فقد كان عمره 23 سنة،
وقيل: 26 سنة، وكان سادرا في الطيش والغرور، متماديا في الإثم والفجور، يشرب
الخمر ويجاهر بالفسوق (2).
وقد أسرف في سفك دماء العلويين، فأنزل بهم العقاب الصارم، وقد أجمع
رأيه على التنكيل بالإمام موسى (عليه السلام)، إلا أن الله تعالى استجاب لدعاء الإمام



(1) الكافي 1: 456 / 5. عنه البحار 48: 156 / 29. ورواه في التهذيب 4: 148 / 414.
عنهما الوسائل 6: 366 / 5.
(2) أنظر سيرته وأخباره في الكامل في التأريخ لابن الأثير 6: 101 - 106.
356
موسى بن جعفر (عليه السلام) وقصم ظهره قبل أن يقوم بذلك، وسنذكر ذلك مفصلا.
ولم تذكر المصادر التأريخية أن الهادي استدعى الإمام إلى بغداد كما هو ديدن
خلفاء الجور مع أهل البيت (عليهم السلام)، ولعل المدة القصيرة التي حكم بها والتي
لا تتجاوز سنة وشهرا وخمسة عشر يوما، لم تسمح له بممارسة هذا الأسلوب.
وقد بلغ من حقد موسى الهادي على أهل بيت النبوة (عليهم السلام) أنه كان علي
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي يلقب بالجزري، قد
تزوج رقية بنت عمرو العثمانية، وكانت قبله تحت المهدي، فبلغ ذلك الهادي، فأرسل
إليه وحمل إليه، فقال له: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين؟ قال: ما حرم الله
على خلقه إلا نساء جدي (صلى الله عليه وآله)، أما غيرهن فلا ولا كرامة، فشجه بمخصرة كانت في
يده، وجلده خمسمائة سوط، وأراده أن يطلقها فلم يفعل، وكان قد غشي عليه من
الضرب (1).
ثورة الحسين صاحب فخ:
لقد كانت فترة حكم الهادي من الفترات القاسية الرهيبة في تأريخ الطالبيين،
فقد استمر الحاكم على سياسة آبائه في كراهية العلويين وعامة الطالبيين ومحاربتهم
والتضييق عليهم، مما اضطر العلويين وأتباعهم إلى إعلان الثورة عليه بقيادة
الحسين بن علي صاحب فخ سنة 169 ه‍ في عهد الإمام موسى بن جعفر
الكاظم (عليه السلام)، وفيما يلي نستعرض مجمل أحداث هذه الثورة ونتائجها، وفقا
للمصادر التأريخية التي ذكرتها.



(1) الكامل في التأريخ 6: 104.
357
الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخ (1):
نسبه: الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن
أبي طالب، ويكنى أبا عبد الله، وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب، وكان يقال لزينب وزوجها علي بن الحسن الزوج الصالح
لعبادتهما، ولما قتل أبو جعفر المنصور العباسي أباها وأخاها وعمومتها وبنيهم
وزوجها، كانت تلبس المسوح، ولا تجعل بين جسدها وبينها شعارا، حتى لحقت
بالله عز وجل، وكانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها، ولا تذكر أبا جعفر بسوء
تحرجا من ذلك، وكراهة لأن تشفي نفسها بما يؤثمها، ولا تزيد على أن تقول:
" يا فاطر السماوات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده، احكم
بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الحاكمين " (2).
فضل شهداء فخ:
1 - روى أبو الفرج الاصفهاني بإسناده عن يحيى بن زيد، عن زيد بن علي،
قال: انتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى موضع فخ، فصلى بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال:
يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط
من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.



(1) أنظر تفصيل أخباره في تأريخ الطبري 8: 192. تأريخ اليعقوبي 3: 142. مروج الذهب
3: 326. مقاتل الطالبيين: 285 - 303. الأخبار الطوال: 386. الكامل في التأريخ 6: 90.
أعيان الشيعة 6: 97. تأريخ ابن خلدون 3: 269. أعلام الزركلي 2: 244. البداية والنهاية
10: 162.
(2) مقاتل الطالبيين: 285 - 286.
358
2 - وروى بإسناده عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: مر
النبي (صلى الله عليه وآله) بفخ، فنزل فصلى ركعة، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما
رأى الناس النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم، قالوا: لما رأيناك
تبكي بكينا يا رسول الله. قال: نزل علي جبرئيل لما صليت الركعة الأولى فقال:
يا محمد، إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.
3 - وبإسناده عن النضر بن قرواش، قال: أكريت جعفر بن محمد (عليه السلام) من
المدينة إلى مكة، فلما ارتحلنا من بطن مر، قال لي: يا نضر، إذا انتهيت إلى فخ
فأعلمني، قلت: أو لست تعرفه؟ قال: بلى، ولكن أخشى أن تغلبني عيني، فلما
انتهينا إلى فخ دنوت من المحل، فإذا هو قائم فتنحنحت فلم ينتبه، فحركت المحمل
فجلس، فقلت: قد بلغت. فقال: حل محملي. فحللته، ثم قال: صل القطار،
فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة، فأنخت بعيره، فقال: ناولني الإداوة والركوة،
فتوضأ وصلى ثم ركب. فقلت له: جعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئا. أفهو من
مناسك الحج؟ قال: لا، ولكن يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق
أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.
4 - وبإسناده عن موسى بن عبد الله بن الحسن، قال: حججت مع أبي، فلما
انتهينا إلى فخ أناخ محمد بن عبد الله بعيره، فقال لي أبي: قل له يثير بعيره. فقلت له
فأثاره، ثم قلت لأبي: يا أبه، لم كرهت له هذا؟ قال: إنه يقتل في هذا الموضع رجل
من أهل بيتي يتعاوى عليه الحاج، فنفست أن يكون هو (1).



(1) مقاتل الطالبيين: 290.
359
كرم الحسين صاحب فخ وسخاؤه:
1 - روى أبو الفرج بإسناده عن علي بن الحسين الحضرمي، قال: بعت
لحسين بن علي صاحب فخ حائط بأربعين ألف دينار، فنثرها على بابه، فما دخل إلى
أهله منها حبة، كان يعطيني كفا كفا، فأذهب به إلى فقراء أهل المدينة.
2 - وبإسناده عن الحسن بن هذيل، قال: قال لي الحسين صاحب فخ،
اقترض لي أربعة آلاف درهم، فذهبت إلى صديق لي، فأعطاني ألفين وقال لي: إذا
كان غد فتعال حتى أعطيك ألفين؛ فجئت فوضعتها تحت حصير كان يصلي عليه،
فلما كان من الغد أخذت الألفين الأخريين، ثم جئت أطلب الذي وضعته تحت
الحصير فلم أجده. فقلت له: يا بن رسول الله، ما فعل الألفان؟ قال: لا تسأل
عنهما، فأعدت، فقال: تبعني رجل أصفر من أهل المدينة، فقلت: ألك حاجة؟
فقال: لا. ولكني أحببت أن أصل جناحك، فأعطيته إياها، أما إني أحسبني
ما أجرت على ذلك لأني لم أجد لها حسنا، وقال الله عز وجل (لن تنالوا البر حتى
تنفقوا مما تحبون) (1).
3 - بإسناده عن الحسن بن هذيل، قال: كنت أصحب الحسين بن علي
صاحب فخ، فقدم إلى بغداد، فباع ضيعة له بتسعة آلاف دينار، فخرجنا فنزلنا
سوق أسد، فبسط لنا على باب الخان، فأتى رجل معه سلة، فقال له: مر الغلام يأخذ
مني هذه السلة، فقال له: وما أنت؟ قال: أنا أصنع الطعام الطيب، فإذا نزل هذه



(1) آل عمران: 92.
360
القرية رجل من أهل المروءة أهديته إليه. قال: يا غلام، خذ السلة منه وعد إلينا
لتأخذ سلتك.
قال: ثم أقبل علينا رجل عليه ثياب رثة، فقال: أعطوني مما رزقكم الله.
فقال لي الحسين: ادفع إليه السلة، وقال له: خذ ما فيها ورد الإناء. ثم أقبل علي
وقال: إذا رد السائل السلة فادفع إليه خمسين دينارا، وإذا جاء صاحب السلة
فادفع إليه مائة دينار. فقلت - إبقاء مني عليه -: جعلت فداك، بعث عينا لك لتقضي
دينا عليك؛ فسألك سائل فأعطيته طعاما هو مقنع له، فلم ترض حتى أمرت له
بخمسين دينارا، وجاءك رجل بطعام لعله يقدر فيه دينارا أو دينارين، فأمرت له
بمائة دينار!
فقال: يا حسن، إن لنا ربا يعرف الحسنات، إذا جاء السائل فادفع له مائة
دينار، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائتي دينار، والذي نفسي بيده، إني
لأخاف أن لا يقبل مني، لأن الذهب والفضة والتراب عندي بمنزلة واحدة (1).
4 - وقال ابن الأثير وابن كثير: كان الحسين شجاعا كريما، قدم على المهدي
فأعطاه أربعين ألف دينار، ففرقها في الناس ببغداد والكوفة، وخرج من الكوفة
لا يملك ما يلبسه إلا فروا ليس تحته قميص (2).
ذكر مقتله (رضوان الله عليه ورحمته):
1 - روى أبو الفرج الاصفهاني بأسانيد متعددة وطرق مختلفة عن رجال



(1) مقاتل الطالبيين: 291 - 294.
(2) الكامل في التأريخ 6: 94. البداية والنهاية: 10: 162.
361
عدة، قالوا: كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن موسى الهادي ولى المدينة إسحاق بن عيسى
ابن علي، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن
عبد الله، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم، وأفرط في التحامل عليهم، وطالبهم
بالعرض كل يوم، وكانوا يعرضون في المقصورة، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه
ونسيبه، فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن، الحسن بن محمد
ابن عبد الله بن الحسن، ووافى أوائل الحاج، وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا،
فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها، ولقوا حسينا وغيره، فبلغ ذلك العمري
فأنكره. وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبد الله، وابن جندب الهذلي
الشاعر، ومولى لعمر بن الخطاب، وهم مجتمعون، فأشاع أنه وجدهم على شراب،
فضرب الحسن ثمانين سوطا، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا، وضرب
مولى عمر سبعة أسواط، وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم،
فبعثت إليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبد الله، فقالت له:
لا ولا كرامة، لا تشهر أحدا من بني هاشم، وتشنع عليهم وأنت ظالم، فكف عن
ذلك وخلى سبيلهم.
فلما اجتمع النفر من الشيعة في دار ابن أفلح، أغلظ العمري أمر العرض،
وولى على الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار،
فعرضهم يوم الجمعة فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى
المسجد، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى
المسجد، فلما وصلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ثم عرضهم، فدعا باسم
الحسن بن محمد فلم يحضر، فقال ليحيى والحسين بن علي، لتأتياني به أو

362
لأحبسنكما، فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب، فراده بعض
المرادة وشتمه يحيى، وخرج فمضى ابن الحائك هذا، فدخل على العمري فأخبره،
فدعا بهما فوبخهما وتهددهما، فتضاحك الحسين في وجهه، وقال: أنت مغضب
يا أبا حفص. فقال له العمري: أتهزأبي وتخاطبني بكنيتي؟! فقال له: قد كان
أبو بكر وعمر، وهما خير منك، يخاطبان بالكنى، فلا ينكران ذلك، وأنت تكره
الكنية وتريد المخاطبة بالولاية!
فقال له: آخر قولك شر من أوله، فقال: معاذ الله، يأبى الله لي ذلك ومن أنا
منه.
فقال له: أفإنما أدخلتك إلي لتفاخرني وتؤذيني؟ فغضب يحيى بن عبد الله
فقال له: فما تريد منا؟ فقال: أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد. فقال: لا نقدر
عليه، وهو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم
كما جمعتنا، ثم أعرضهم رجلا رجلا، فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة
الحسن عنك فقد أنصفتنا. فحلف بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه
أو يجيئه به في باقي يومه وليلته، وإنه إن لم يجئ به ليركبن إلى سويقة فيخربها
ويحرقها، وليضربن الحسين ألف سوط، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على
الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته.
فوثب يحيى مغضبا، فقال له: أنا أعطي الله عهدا، وكل مملوك لي حر إن ذقت
الليلة نوما حتى آتيك بالحسن بن محمد، أو لا أجده، فاضرب عليك بابك
حتى تعلم أني قد جئتك. وخرجا من عنده وهما مغضبان، وهو مغضب. فقال
الحسين ليحيى بن عبد الله: بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به، وأين تجد
حسنا!

363
قال: لم أرد أن آتيه بالحسن والله، وإلا فأنا نفي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن
علي (عليه السلام)، بل أردت إن دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف، وإن
قدرت عليه قتلته.
فقال له الحسين: بئسما تصنع، تكسر علينا أمرنا.
قال له يحيى: وكيف أكسر عليك أمرك، وإنما بيني وبين ذلك عشرة أيام حتى
تسير إلى مكة، فوجه الحسين إلى الحسن بن محمد فقال: يا بن عمي، قد بلغك
ما كان بيني وبين هذا الفاسق، فامض حيث أحببت.
فقال الحسن: لا والله يا بن عمي، بل أجيء معك الساعة حتى أضع يدي في
يده.
فقال له الحسين: ما كان الله ليطلع علي وأنا جاء إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وهو خصمي
وحجيجي في دمك، ولكن أقيك بنفسي لعل الله أن يقيني من النار.
قال: ثم وجه، فجاءه يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن الحسن،
وعبد الله بن الحسن الأفطس، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا، وعمر بن الحسن
ابن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم
ابن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام)، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب، ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم، فاجتمعوا ستة
وعشرين رجلا من ولد علي (عليه السلام)، وعشرة من الحاج، ونفر من الموالي، فلما أذن
المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا: أحد، أحد، وصعد عبد الله بن الحسن
الأفطس المنارة التي عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) عند موضع الجنائز، فقال للمؤذن: أذن
بحي على خير العمل، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها، وسمعه العمري فأحس
بالشر ودهش وصاح: أغلقوا الباب وأطعموني حبتي ماء.

364
قال علي بن إبراهيم العلوي في حديثه: فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني
حبتي ماء.
قالوا: ثم اقتحم إلى دار عمر بن الخطاب وخرج في الزقاق المعروف بزقاق
عاصم بن عمر، ثم مضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط حتى نجا، فصلى الحسين
ابن علي بالناس الصبح، ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن
يأتي بالحسن إليه، ودعا بالحسن وقال للشهود: هذا الحسن قد جئت به، فهاتوا
العمري، وإلا والله خرجت من يميني ومما علي.
قال: وخطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة، فحمد الله وأثنى عليه،
وقال: أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، وفي حرم رسول الله، أدعوكم إلى
سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أيها الناس، أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود، وتتمسحون بذلك،
وتضيعون بضعة منه؟!
قالوا: فأقبل خالد البربري، وكان مسلحة للسلطان بالمدينة، في السلاح،
ومعه أصحابه، حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له: باب جبرئيل، فقصده يحيى
ابن عبد الله وفي يده السيف، فأراد خالد أن ينزل، فبدره يحيى فضربه على جبينه،
وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة، فقطع ذلك كله، وأطار قحف رأسه، وسقط عن
دابته، وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا.
وحج في تلك السنة مبارك التركي - أحد قواد بني العباس - فبدأ بالمدينة
للزيارة، فبلغه خبر الحسين، فبعث إليه من الليل: إني والله ما أحب أن تبتلي بي
ولا أبتلي بك، فابعث الليلة إلي نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتى
أنهزم واعتل بالبيات، ففعل ذلك الحسين، ووجه عشرة من أصحابه فجعجعوا

365
بمبارك وصبحوا في نواحي عسكره، فطلب دليلا يأخذ به غير الطريق فوجده،
فمضى به حتى انتهى إلى مكة.
وحج في تلك السنة العباس بن محمد، وسليمان بن أبي جعفر، وموسى
ابن عيسى، فصار مبارك معهم، واعتل عليهم بالبيات.
وخرج الحسين بن علي قاصدا إلى مكة ومعه من تبعه من أهله ومواليه
وأصحابه وهم زهاء ثلاثمائة، واستخلف على المدينة دينار الخزاعي، فلما قربوا
من مكة فصاروا بفخ وبلدح تلقتهم الجيوش، فعرض العباس على الحسين الأمان
والعفو والصلة، فأبى ذلك أشد الإباء.
ولما أن رأى الحسين المسودة أقعد رجلا على جمل معه سيف يلوح به
والحسين يملي عليه حرفا حرفا، يقول: ناد، فنادى: يا معشر الناس، يا معشر
المسودة، هذا الحسين بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وابن عمه، يدعوكم إلى كتاب الله وسنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعن أرطأة قال: لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ، قال: أبايعكم
على كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، وأدعوكم إلى الرضا
من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، والعدل في الرعية،
والقسم بالسوية، وعلى أن تقيموا معنا، وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم
لنا، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.
ولقيته الجيوش بفخ، وقادها العباس بن محمد، وموسى بن عيسى، وجعفر
ومحمد ابنا سليمان، ومبارك التركي، ومنارة، والحسن الحاجب، والحسين بن يقطين،
فالتقوا في يوم التروية سنة 169 ه‍ وقت صلاة الصبح، فأمر موسى بن عيسى
بالتعبئة، فصار محمد بن سليمان في الميمنة، وموسى في الميسرة، وسليمان بن أبي جعفر

366
والعباس بن محمد في القلب، فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه، فاستطرد
لهم شيئا حتى انحدروا في الوادي، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم، فطعنهم
طعنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين، وجعلت المسودة تصيح للحسين:
يا حسين، لك الأمان، فيقول: ما أريد الأمان، ويحمل عليهم حتى قتل، وقتل معه
سليمان بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن.
وجعل الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام) يقاتل
أشد القتال، فناداه محمد بن سليمان: يا بن خال، اتق الله في نفسك، ولك الأمان.
فقال: والله ما لكم أمان، ولكني أقبل منك، ثم كسر سيفا هنديا كان في يده، ودخل
إليهم، فصاح العباس بن محمد بابنه عبيد الله: قتلك الله إن لم تقتله، أبعد تسع
جراحات تنتظر هنا؟! فقال له موسى بن عيسى: إي والله عاجلوه! فحمل عليه
عبيد الله فطعنه. وضرب العباس بن محمد عنقه بيده صبرا، ونشبت الحرب بين
العباس بن محمد ومحمد بن سليمان، وقال: أمنت ابن خالي فقتلتموه! فقال: نحن
نعطيك رجلا من العشيرة تقتله مكانه!
وفي رواية أحمد بن الحارث: أن موسى بن عيسى هو الذي ضرب عنق
الحسن بن محمد.
2 - قال أحمد بن الحارث: حدثني يزيد بن عبد الله الفارسي، قال: كان
عمار التركي ممن حضر وقعة فخ، فقال للقوم: أروني حسينا، فأروه إياه، فرماه
بسهم فقتله، فوهب له محمد بن سليمان مائة ألف درهم ومائة ثوب.
3 - قالوا: وغضب موسى الهادي على مبارك التركي لانهزامه عن الحسين،

367
وحلف ليجعلنه سائسا، وغضب على موسى بن عيسى في قتله الحسن بن محمد
صبرا، وقبض أموالهم. وكان يقول: متى توافي فاطمة أخت الحسين بن علي، والله
لأطرحنها إلى السواس، فمات قبل أن يوافي بها.
4 - وعن القاسم بن إبراهيم، عمن ذكره، قال: رأيت الحسين بن علي
صاحب فخ وقد دفن شيئا، فظننت أنه شيء له مقدار، فلما كان من أمره ما كان
نظرنا فإذا هو قطعة من جانب قد قطع فدفنه، ثم عاد فكر عليهم.
5 - وعن أبي العرجاء الجمال، قال: إن موسى بن عيسى دعاه فقال له:
أحضرني جمالك، قال: فجئته بمائة جمل ذكر، فختم أعناقها وقال: لا أفقد منها
وبرة إلا ضربت عنقك، ثم تهيأ للمسير إلى الحسين صاحب فخ، فسار حتى أتينا
بستان بني عامر فنزل فقال لي: إذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه وتخبرني بكل
ما رأيت، فمضيت فدرت، فما رأيت خللا ولا فللا، ولا رأيت إلا مصليا أو مبتهلا،
أو ناظرا في مصحف أو معدا للسلاح، قال: فجئته فقلت: ما أظن القوم إلا
منصورين. فقال: وكيف ذلك يا بن الفاعلة؟ فأخبرته: فضرب يدا على يد وبكى،
حتى ظننت أنه سينصرف، ثم قال: هم والله أكرم عند الله وأحق بما في أيدينا منا،
ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر - يعني النبي (صلى الله عليه وآله) - نازعنا الملك ضربنا
خيشومه بالسيف!!! يا غلام، اضرب بطبلك، ثم سار إليهم، فوالله ما انثنى عن
قتلهم.
6 - قال: وحملت الأسرى إلى موسى الهادي، وفيهم العذافر الصيرفي، وعلي
ابن سابق القلانسي، ورجل من ولد الحاجب بن زرارة (1)، فأمر بهم فضربت



(1) في متن المصدر: زارة، والصحيح ما أثبتناه.
368
أعناقهم، ومن بين يديه رجل آخر من الأسرى واقف، فقال: أنا مولاك يا أمير
المؤمنين. فقال: مولاي يخرج علي، ومع موسى سكين، فقال: والله لأقطعنك
بهذه السكين مفصلا مفصلا، قال: وغلبت عليه العلة، فمكث ساعة طويلة ثم مات،
وسلم الرجل من القتل، فأخرج من بين يديه.
7 - وعن عمر بن خلف الباهلي، عن بعض الطالبيين، قال: لما قتل أصحاب
فخ جلس موسى بن عيسى بالمدينة، وأمر الناس بالوقيعة على آل أبي طالب،
فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد.
8 - قالوا: ولما بلغ العمري وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ،
عمد إلى داره ودور أهله فحرقها وقبض أموالهم ونخلهم، فجعلها في الصوافي
المقبوضة (1).
9 - قال ياقوت: بقي قتلاهم ثلاثة أيام حتى أكلتهم السباع، ولهذا يقال:
لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ (2).
10 - وروى أبو نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) أنه قال: لم يكن لنا
بعد الطف مصرع أعظم من فخ (3).



(1) مقاتل الطالبيين: 294 - 303.
(2) معجم البلدان 4: 269.
(3) بحار الأنوار 48: 165.
369
مراثيه:
1 - عن عمر بن مساور الأهوازي، قال: أخبرني جماعة من موالي محمد
ابن سليمان، أنه لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة وهو يقول:
ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن * لقيت حسينا يوم فخ ولا الحسن
فجعل يرددها حتى مات.
2 - قال: وكان محمد إذا رأى أخاه جعفرا يئن وينشد هذا البيت:
ألا ليت أمي لم تلدني * ولم أشهد حسينا يوم فخ (1)
3 - قال عيسى بن عبد الله يرثي الحسين صاحب فخ:
فلأبكين على الحسين * بعولة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي * أثووه ليس بذي كفن
تركوا بخف غدوة * في غير منزلة الوطن
كانوا كراما فانقضوا * لا طائشين ولا جبن
غسلوا المذلة عنهم * غسل الثياب من الدرن
هدي العباد بجدهم * فلهم على الناس المنن (2)
4 - عن أبي صالح الفزاري، قال: سمع على مياه غطفان كلها ليلة قتل الحسين
صاحب فخ هاتف يهتف ويقول:



(1) مقاتل الطالبيين: 304.
(2) مقاتل الطالبيين: 305. معجم البلدان 4: 270. مروج الذهب 3: 248 - 249.
370
ألا يا لقومي للسواد المصبح * ومقتل أولاد النبي ببلدح
ليبك حسينا كل كهل وأمرد * من الجن إن لم يبكك من الإنس نوح
فإني لجني وإن معرسي * لبالبرقة السوداء من دون زحزح
فسمعها الناس لا يدرون ما الخبر، حتى أتاهم قتل الحسين (1).
5 - وقال داود السلمي (2) يرثي من قتل بفخ:
يا عين إبكي بدمع منك منهمر * فقد رأيت الذي لاقى بنو حسن
صرعى بفخ تجر الريح فوقهم * أذيالها وغوادي الدلح (3) المزن
حتى عفت أعظم لو كان شاهدها * محمد ذب عنها ثم لم تهن
ماذا يقولون والماضون قبلهم * على العداوة والبغضاء والإحن؟
ماذا يقولون إن قال النبي لهم * ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن؟
لا الناس من مضر حاموا ولا غضبوا * ولا ربيعة والأحياء من يمن
يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرما * وقد رعى الفيل حق البيت ذي الركن (4)
موقف الإمام (عليه السلام):
عندما عزم الحسين صاحب واقعة فخ أن يثور على الأوضاع الفاسدة التي



(1) مقاتل الطالبيين: 306.
(2) وتنسب إلى داود بن علي العباسي. وفي معجم البلدان: وأنشد موسى بن داود بن سلم
لأبيه.
(3) الدلح: الغيوم الكثيرة الماء.
(4) مقاتل الطالبيين: 306 - 307. معجم البلدان 4: 270.
371
وصلت إلى حد الإذلال والاضطهاد الشديد لكل من هو شيعي وعلوي يوالي
الإمام (عليه السلام)، أقبل الحسين إلى الإمام يستشيره في ثورته، وعرض عليه فكرة
الثورة، فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) قائلا: يا بن عم، إنك مقتول فأجد الضراب، فإن
القوم فساق، يظهرون إيمانا، ويضمرون نفاقا وشركا، فإنا لله وإنا إليه راجعون،
وعند الله عز وجل أحتسبكم من عصبة (1).
وعندما جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهما جماعة من ولد
الحسن والحسين، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلا موسى بن جعفر (عليه السلام)، قيل له: هذا
رأس الحسين؟ قال: نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله مسلما صالحا،
صواما قواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله. فلم
يجيبوه بشيء (2).
وروى أبو الفرج بإسناده عن إبراهيم بن إسحاق القطان، قال: سمعت
الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله يقولان: ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا،
وشاورنا موسى بن جعفر، فأمرنا بالخروج (3).
ولم يخرج الإمام (عليه السلام) مع الحسين رغم علمه بأن السلطة سوف تحمله
مسؤوليتها كما حمل هشام بن الحكم الأموي جده الباقر (عليه السلام) مسؤولية ثورة زيد،
وحمل المنصور أباه الصادق (عليه السلام) مسؤولية ثورة محمد النفس الزكية، وذلك لعلمه
مسبقا بالنتائج وبمآل الثورة، ولمصالح أخرى يعلمها ويقدرها الإمام (عليه السلام).



(1) مقاتل الطالبيين: 298. الكافي 1: 366 / 18. البحار 48: 160 / 6.
(2) مقاتل الطالبيين: 302. بحار الأنوار 48: 165.
(3) مقاتل الطالبيين: 304.
372
وروى الكليني بإسناده عن عبد الله بن المفضل - مولى عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب - قال: لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ، واحتوى على المدينة،
دعا موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى البيعة فأتاه، فقال له: يا بن عم، لا تكلفني ما كلف
ابن عمك عمك (1) أبا عبد الله (عليه السلام)، فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من
أبي عبد الله (عليه السلام) ما لم يكن يريد.
فقال له الحسين: إنما عرضت عليك أمرا، فإن أردته دخلت فيه، وإن كرهته
لم أحملك عليه، والله المستعان؛ ثم ودعه.
وحين ودعه أوصاه بما تقدم: يا بن عم، إنك لمقتول، فأجد الضراب... ثم
خرج الحسين، وكان من أمره ما كان، قتلوا كلهم كما قال (عليه السلام) (2).
هلاك الهادي بدعاء الإمام:
روى ابن طاوس بالإسناد عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله النهشلي، قال:
أخبرني أبي، قال: لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ، وتفرق الناس عنه، حمل
رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي، فلما بصر بهم أنشأ يقول
متمثلا:
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله * فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا



(1) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، المعروف بالنفس الزكية، والمقتول بأحجار
الزيت في أيام المنصور.
(2) الكافي 1: 366 / 18. البحار 48: 160 / 6.
373
ولكن حكم السيف فينا مسلط * فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن * ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا
ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأخذ من الطالبيين، وجعل ينال منهم إلى أن
ذكر موسى بن جعفر (عليه السلام)، فنال منه. قال: والله ما خرج حسين إلا عن أمره،
ولا اتبع إلا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله إن أبقيت
عليه!
فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، وكان جريئا عليه: يا أمير
المؤمنين، أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر، ولولا
ما سمعته من المهدي، فيما أخبر به المنصور، بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن
أهله في دينه وعلمه وفضله، وما بلغني من السفاح فيه من تقريظه وتفضيله، لنبشت
قبره وأحرقته بالنار إحراقا.
فقال أبو يوسف: نساؤه طوالق، وعتق جميع ما يملك من الرقيق، وتصدق
بجميع ما يملك من المال، وحبس دوابه، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام، إن كان
مذهب موسى بن جعفر الخروج، لا يذهب إليه، ولا مذهب أحد من ولده،
ولا ينبغي أن يكون هذا منهم.
ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون، فقال: وما كان بقي من الزيدية إلا هذه
العصابة، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين بن علي، وقد ظفر أمير المؤمنين بهم، ولم
يزل يرفق به حتى سكن غضبه.
قال: وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بصورة

374
الأمر، فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته، فأطلعهم
أبو الحسن (عليه السلام) على ما ورد عليه من الخبر، وقال لهم: ما تشيرون في هذا؟
فقالوا: نشير عليك - أصلحك الله - وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا
الجبار، وتغيب شخصك دونه، فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه، سيما وقد
توعدك وإيانا معك.
فتبسم موسى (عليه السلام) ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة، وهو:
زعمت سخينة (1) أن ستغلب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته، فقال: ليفرخ روعكم (2)، إنه
لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن المهدي وهلاكه.
فقالوا: وما ذلك أصلحك الله؟
فقال: سنح لي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي، فشكوت إليه موسى بن
المهدي، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته (عليهم السلام) وأنا مشفق من غوائله. فقال لي:
لتطب نفسك يا موسى، فما جعل الله لموسى عليك سبيلا، فبينما هو يحدثني إذ أخذ
بيدي وقال لي: قد أهلك الله آنفا عدوك، فليحسن لله شكرك.
ثم استقبل أبو الحسن (عليه السلام) القبلة، ورفع يديه إلى السماء يدعو، وكان خاصته
من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه، ومعهم في أكمامهم ألواح أبنوس لطاف
وأميال، فإذا نطق أبو الحسن (عليه السلام) بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في



(1) سخينة: لقب قريش، لأنها كانت تعاب بأكل السخينة، وهي حساء يعمل من التمر
والسمن.
(2) أفرخ روعه: خلا قلبه من الهم.
375
ذلك، فسمعناه وهو يقول في دعائه: شكرا لله جلت عظمته: إلهي كم من عدو
انتضى علي سيف عداوته... إلى آخر الدعاء - وهو دعاء طويل جليل المضامين،
وهو المسمى بدعاء " الجوشن الصغير ".
ثم أقبل علينا مولانا أبو الحسن (عليه السلام) وقال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، عن
جده، أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: اعترفوا بنعمة الله عليكم، وتوبوا إلى الله من
جميع ذنوبكم، فإن الله يحب الشاكرين من عباده.
وتفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي،
والبيعة لهارون الرشيد.
وفي ذلك يقول بعض من حضر موسى بن جعفر (عليه السلام) من أهل بيته، يصف
تلك الدعوة وسرعة إجابتها:
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي * محلا ولم يقطع بها العبد قاطع
تمر وراء الليل والليل ضارب * بجثمانه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السماء ودونها * إذا قرع الأبواب منهن قارع
إذا وردت لم يردد الله وفدها * على أهلها والله راء وسامع
وإني لأرجو الله حتى كأنما * أرى بجميل الظن ما الله صانع (1)
وهكذا مات الطاغية قبل أن ينال الإمام (عليه السلام) بسوء، وانطوت بموته صفحة
سوداء من تأريخ بني العباس، وذلك في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 170 ه‍.



(1) مهج الدعوات: 217 - 227. المجالس السنية 5: 532 - 535. وانظر أيضا عيون أخبار
الرضا (عليه السلام) 1: 79 / 7. أمالي الطوسي 2: 35. أمالي الصدوق: 307 / 2. البحار 48:
217 / 17، و 218 / 18 و 19.
376
مع هارون الرشيد:
وتولى بعد الهادي أخوه هارون المعروف بالرشيد، ودام حكمه 23 سنة
وشهرين وتسعة وعشرين يوما، استشهد الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد مضي 15 سنة
من ملك هارون الرشيد تقريبا، وذلك سنة 183 ه‍، وقيل: سنة 186 ه‍ (1).
قال البغدادي وابن خلكان: وأقام [موسى الكاظم (عليه السلام)] بالمدينة إلى أيام
هارون الرشيد، تقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة 179 ه‍، فحمل
موسى معه إلى بغداد، وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه (2).
وكانت السنون التي قضاها الإمام (عليه السلام) في عهد الرشيد أسوأ ما مر به في
حياته، فقد سخر الرشيد كافة أجهزته القمعية لمراقبة الإمام والنيل منه واستدعائه
أكثر من مرة إلى بغداد في مطلع خلافته وهو حاقد عليه، وكان يضعه في سجنه ثم
يأمر بإطلاقه بعد مدة من الزمن، وأحيانا كان يتظاهر بإكرامه وتعظيمه دجلا
ونفاقا.
أخباره (عليه السلام) مع الرشيد:
1 - عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حج هارون الرشيد، فأتى قبر
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زائرا له، وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر، فلما
انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمي، افتخارا على من



(1) الكافي 1: 405. روضة الواعظين: 221. تاج المواليد: 123. المناقب 4: 323.
الفصول المهمة: 241.
(2) تأريخ بغداد 13: 27. وفيات الأعيان 5: 309.
377
حوله، فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون وقال:
هذا الفخر يا أبا الحسن حقا (1).
2 - وفي كامل الزيارات: عن عدة من أصحابنا، عن سهل، عن علي
ابن حسان، عن بعض أصحابنا، قال: حضرت أبا الحسن الأول (عليه السلام) وهارون
الخليفة، وعيسى بن جعفر، وجعفر بن يحيى بالمدينة، وقد جاءوا إلى قبر
النبي (صلى الله عليه وآله).
فقال هارون لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية.
فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم، فأبى، فتقدم عيسى، فسلم، ووقف
مع هارون.
فقال جعفر لأبي الحسن (عليه السلام): تقدم، فأبى، فتقدم جعفر، فسلم، ووقف مع
هارون.
وتقدم أبو الحسن (عليه السلام) فقال: " السلام عليك يا أبة، أسأل الله الذي اصطفاك
واجتباك وهداك، وهدى بك، أن يصلي عليك ".
فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟ قال: نعم.
قال هارون: أشهد أنه أبوه حقا (2).



(1) تأريخ بغداد 13: 31. وفيات الأعيان 5: 309. إعلام الورى: 307.
(2) كامل الزيارات: 18. عنه البحار 48: 136 / 9. ورواه في الكافي 4: 553 / 8. عنه
البحار 100: 155 / 26. وحلية الأبرار 2: 273. وأخرجه في التهذيب 6: 6 / 3. عن
محمد بن يعقوب. وفي الوسائل 10: 268 / 4 عن الكافي والتهذيب.
378
3 - وفي الاختصاص: عن عبد الله بن محمد السائي، عن الحسن بن موسى،
عن عبد الله بن محمد النهيكي، عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري، قال: كان
مما قال هارون لأبي الحسن (عليه السلام) حين أدخل عليه: ما هذه الدار؟ فقال: هذه دار
الفاسقين، قال الله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي
يتخذوه سبيلا) (1)، الآية.
فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة.
قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟
فقال: أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة.
قال: فأين شيعتك؟ فقرأ أبو الحسن (عليه السلام): (لم يكن الذين كفروا من أهل
الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة) (2).
قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال: لا، ولكن كما قال الله: (الذين بدلوا نعمة
الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) (3).
فغضب عند ذلك وغلظ عليه، فقد لقيه أبو الحسن (عليه السلام) بمثل هذه المقالة،
وما رهبه، وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف (4).



(1) الأعراف: 146.
(2) البينة: 1.
(3) إبراهيم: 28.
(4) الاختصاص: 256. البحار 49: 156 / 28، و 72: 136 / 22. تفسير العياشي 2: 29
/ 78.
379
4 - وفي كتاب " أخبار الخلفاء ": أن هارون الرشيد كان يقول لموسى
ابن جعفر (عليه السلام): خذ فدكا حتى أردها إليك، فيأبى حتى ألح عليه، فقال (عليه السلام):
لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها؟ قال: بحق
جدك إلا فعلت.
قال: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد، وقال: إيها.
قال: والحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه (1).
قال: والحد الثالث إفريقية، فاسود وجهه، وقال: هيه.
قال: والرابع سيف البحر (2) مما يلي الجزر وأرمينية.
قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحول إلى مجلسي.
قال موسى (عليه السلام): قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على
قتله (3).
وفي رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر، والثاني:
دومة الجندل، والثالث: أحد، والرابع: سيف البحر.
فقال: هذا كله! هذه الدنيا؟!
فقال (عليه السلام): هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة، فأفاءه الله على
رسوله بلا خيل ولا ركاب، فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة (عليها السلام) (4).



(1) أربد وجهه: احمر حمرة فيها سواد عند الغضب.
(2) أي ساحله.
(3) ربيع الأبرار 1: 315.
(4) بحار الأنوار 48: 144 / 20، عن المناقب لابن شهرآشوب.
380
5 - وفي " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن الوراق، والمكتب، والهمداني،
وابن ناتانة، وأحمد بن علي بن إبراهيم، وماجيلويه، وابن المتوكل رضي الله عنهم
جميعا عن علي، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سفيان بن نزار، قال: كنت يوما
على رأس المأمون فقال:
أتدرون من علمني التشيع! فقال القوم جميعا: لا والله ما نعلم.
قال: علمنيه الرشيد. قيل له: وكيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل هذا
البيت؟!
قال: كان يقتلهم على الملك، لأن الملك عقيم، ولقد حججت معه سنة، فلما
صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه، وقال: لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة
ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلا نسب
نفسه. فكان الرجل إذا دخل عليه قال: أنا فلان بن فلان، حتى ينتهي إلى جده من
هاشمي، أو قرشي، أو مهاجري، أو أنصاري، فيصله من المال بخمسة آلاف درهم،
وما دونها إلى مائتي دينار، على قدر شرفه، وهجرة آبائه.
فأنا ذات يوم واقف، إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: يا أمير المؤمنين،
على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب، فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه، والأمين والمؤتمن وسائر القواد
فقال: احفظوا على أنفسكم، ثم قال لآذنه: ائذن له، ولا ينزل إلا على بساطي.
فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد (1) قد أنهكته العبادة، كأنه شن بال، قد كلم (2)
السجود وجهه وأنفه.



(1) أي مصفر الوجه.
(2) أي جرحه وأثر فيه.
381
فلما رأى الرشيد رمى بنفسه من حمار كان راكبه، فصاح الرشيد: لا والله
إلا على بساطي، فمنعه الحجاب من الترجل، ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال
والإعظام، فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط، والحجاب والقواد
محدقين به، فنزل، فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه وعينيه،
وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس، وأجلسه معه فيه، وجعل يحدثه، ويقبل
بوجهه عليه، ويسأله عن أحواله.
ثم قال له: يا أبا الحسن، ما عليك من العيال؟ فقال: يزيدون على
الخمسمائة.
قال: أولاد كلهم؟ قال: لا، أكثرهم موالي وحشم، فأما الولد فلي نيف
وثلاثون: الذكران منهم كذا، والنسوان منهم كذا.
قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟ قال: اليد تقصر
عن ذلك.
قال: فما حال الضيعة؟ قال: تعطي في وقت، وتمنع في آخر.
قال: فهل عليك دين؟ قال: نعم. قال: كم؟ قال: نحوا من عشرة آلاف
دينار.
فقال الرشيد: يا بن عم، أنا أعطيك من المال ما تزوج به الذكران والنسوان،
وتقضي الدين، وتعمر الضياع. فقال له: وصلتك رحم يا بن عم، وشكر الله لك
هذه النية الجميلة، والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس
عم النبي (صلى الله عليه وآله)، وصنو أبيه، وعم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصنو أبيه، وما أبعدك
الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك، وأعلى محتدك. فقال: أفعل
ذلك يا أبا الحسن وكرامة.

382
فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا
فقراء الأمة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا
إلى العاني، وأنت أولى من يفعل ذلك. فقال: أفعل يا أبا الحسن.
ثم قام، فقام الرشيد لقيامه، وقبل عينيه ووجهه، ثم أقبل علي وعلى الأمين
والمؤتمن فقال: يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم، بين يدي عمكم وسيدكم، خذوا
بركابه، وسووا عليه ثيابه، وشيعوه إلى منزله.
فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال
لي: إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي.
ثم انصرفنا، وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت: يا أمير
المؤمنين، من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه
فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟!
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق.
والله يا بني، إنه لأحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني، ومن الخلق جميعا، ووالله
لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم.
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار، ثم
أقبل على الفضل بن الربيع، فقال له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) وقل له:
يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت.
فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار
وسائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى

383
ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار؟! أخس
عطية أعطيتها أحدا من الناس.
فقال: اسكت لا أم لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن
يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي
ولكم من بسط أيديهم وأعينهم.
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني، دخله من ذلك غيظ، فقام إلى الرشيد
وقال: يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن
خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده،
فأمر له بعشرة آلاف دينار.
فقال له: يا أمير المؤمنين، هذا لأهل المدينة، وعلي دين فأحتاج أن أقضيه،
فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين، بناتي أريد أن أزوجهن، وأنا محتاج إلى جهازهن،
فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى.
فقال له: يا أمير المؤمنين، لا بد من غلة تعطنيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي
وأزواجهن القوت. فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلته في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر
أن يعجل ذلك له من ساعته.
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر (عليه السلام) وقال له: قد وقفت على
ما عاملك به هذا الملعون، وما أمر به لك، وقد احتلت عليه لك وأخذت منه صلات
ثلاثين ألف دينار، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي
ما أحتاج إلى شيء من ذلك، وما أخذته إلا لك، وأنا أشهد لك بهذه الأقطاع، وقد
حملت المال إليك.

384
فقال: بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاك، ما كنت لآخذ منه درهما
واحدا، ولا من هذه الأقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا،
ولا تراجعني في ذلك. فقبل يده وانصرف (1).
الوشاية به (عليه السلام):
لقد كان الحقد من مقومات ذات الرشيد، ومن أبرز صفاته النفسية، فكان
يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره، فلم يرق له بأي حال
أن يسمع الناس وهم يتحدثون عن شخص يتمتع بمكانة عليا في المجتمع، وذلك لئلا
يزهد الناس فيه، ولكي يحتكر التعالي والعظمة والأولوية لنفسه ولذاته، كما هو
دأب الطغاة في كل عصر، فقد حسد الرشيد البرامكة لما ذاع صيتهم، وتحدثت
الناس عن مكارمهم، فلم يشف شأفة نفسه وحرارة حقده إلا باستئصالهم وإزالة
وجودهم من الأرض.
وكان من الطبيعي أن يحقد الرشيد على الإمام موسى (عليه السلام)؛ لأنه ألمع شخصية
في عصره علما وتقوى وزهدا وخلقا، فقد تناقل الناس فضائله وتحدثت جميع
الأوساط عن علمه ومواهبه، وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى إمامته، وأنه
أحق بمنصب الخلافة منه. حتى إن هارون نفسه كان يقر ذلك ويقول لولده المأمون:
هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، والله يا بني إنه أحق بمقام
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي
فيه عيناك، فإن الملك عقيم.



(1) عيون الأخبار 1: 88 / 11، عنه البحار 48: 129 / 4. ومدينة المعاجز: 449 / 74.
وحلية الأبرار 2: 269.
385
وقال مرة له: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت
العلم الصحيح فعند هذا (1).
وقد أضيف لشخصيته الحاقدة شهوته للملك وحبه للسلطان، الذي يضحي
في سبيله بجميع القيم والمقدسات، فكيف تطيب نفسه وقد رأى الناس قد أجمعوا على
حب الإمام وتقديره!
ويضاف لذلك أيضا أنه كان مبغضا للعلويين، وورث عداءهم من آبائه
وسلفه اللذين نكلوا بهم، وساموهم وابلا من العذاب، وساقوهم إلى السجون
والقبور، فكان أبغض شيء على الرشيد أن يرى عميد العلويين وسيدهم الإمام
موسى الكاظم (عليه السلام) في دعة واطمئنان دون أن ينكل به، ويودعه السجن حتى
الموت.
كما عمد فريق من باعة الضمير والدين إلى السعي بالإمام (عليه السلام) والوشاية به
عند هارون، ليتزلفوا إليه، وينالوا من حطام دنياه النزر اليسير، بدعوى أن الإمام
تجبى له الأموال الطائلة من شتى ديار الإسلام، وأنه يدعو لنفسه بالخلافة ويكتب
إلى سائر الأمصار الإسلامية يدعوهم إلى نفسه، وما إلى ذلك من البهت والكذب،
وفيما يلي نورد طرفا من الأخبار في ذلك:
1 - في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): عن الطالقاني، عن محمد بن يحيى الصولي،
عن أبي العباس أحمد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن صالح
ابن علي بن عطية، قال: كان السبب في وقوع موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى بغداد: أن



(1) أمالي الصدوق: 307 / 1. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 93 / 12. البحار 48: 134 / 6.
386
هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة، وكان له من البنين أربعة
عشر ابنا، فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، وجعله ولي عهده، وعبد الله
المأمون، وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة، والقاسم المؤتمن، وجعل الأمر له بعد
المأمون.
فأراد أن يحكم الأمر في ذلك، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام،
فحج في سنة تسع وسبعين ومائة، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء
والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة.
قال علي بن محمد النوفلي: حدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد
بموسى بن جعفر (عليه السلام) وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد
ابن الأشعث، فساء ذلك يحيى، وقال: إذا مات الرشيد، وأفضى الأمر إلى محمد
ابن زبيدة انقضت دولتي ودولة ولدي، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث
وولده (1).
وكان قد عرف يحيى مذهب جعفر الأشعث في التشيع، فأظهر له أنه على
مذهبه، فسر به جعفر بن الأشعث وأفضى إليه بجميع أموره، وذكر له ما هو عليه في
موسى بن جعفر (عليه السلام).
فلما وقف يحيى على مذهبه سعى به إلى الرشيد، وكان الرشيد يرعى له



(1) ولم يكن يحيى يعلم أن الله بالمرصاد لكل باغ، وأن من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها،
وأن من سل سيف البغي قتل به، فزالت دولته ودولة ولده في حياة الرشيد قبل انتقال الأمر
إلى الأمين، وقتله الرشيد وولده شر قتلة، واقتص للإمام الكاظم (عليه السلام) منهم في دار الدنيا،
ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.
387
موضعه وموضع أبيه محمد بن الأشعث من نصرة الخلافة، فكان يقدم في أمره
[جعفر بن الأشعث] ويؤخر، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه، إلى أن دخل يوما إلى
الرشيد فأظهر له إكراما، وجرى بينهما كلام مت (1) به جعفر بحرمته وحرمة أبيه،
فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه
شيئا حتى أمسى.
ثم قال يحيى للرشيد: يا أمير المؤمنين، قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه
فتكذب عنه، وها هنا أمر فيه الفيصل. قال: وما هو؟ قال: إنه لا يصل إليه مال من
جهة من الجهات إلا أخرج خمسه، فوجه به إلى موسى بن جعفر، ولست أشك أنه
قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت بها له. فقال هارون: إن في هذا
لفيصلا.
فأرسل إلى جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيى به، فتباينا وأظهر كل
واحد منهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن
يكون قد سمع فيه قول يحيى، وأنه إنما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك
وكافور فتحنط بهما، ولبس بردة فوق ثيابه، وأقبل إلى الرشيد، فلما وقعت عليه
عينه وشم رائحة الكافور، ورأى البردة عليه، قال: يا جعفر ما هذا؟!
فقال: يا أمير المؤمنين، قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني
رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال علي، فأرسلت
إلي لتقتلني.
فقال: كلا ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير



(1) المت: التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك.
388
إليك بخمسه، وأنك قد فعلت ذلك في العشرين ألف دينار، فأحببت أن أعلم ذلك،
فقال جعفر بن الأشعث: الله أكبر يا أمير المؤمنين، تأمر بعض خدمك يذهب
فيأتيك بها بخواتيمها.
فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال.
وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال، فدفعت إليه البدر بخواتيمها، فأتى به
الرشيد فقال له جعفر: هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك. قال: صدقت
يا جعفر انصرف آمنا، فإني لا أقبل فيك قول أحد. قال: وجعل يحيى يحتال في
إسقاط جعفر بن الأشعث.
قال النوفلي: فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي، عن بعض
مشايخه - وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة - قال: لقيني علي بن إسماعيل
ابن جعفر بن محمد، فقال لي: ما لك قد أخملت نفسك؟ ما لك لا تدبر أمر الوزير؟
فقد أرسل إلي فعادلته (1)، وطلبت الحوائج إليه.
وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: ألا تدلني على
رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا، فأوسع له منها؟ قال: بلى، أدلك على
رجل بهذه الصفة، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد.
فأرسل إليه يحيى فقال: أخبرني عن عمك، وعن شيعته، والمال الذي يحمل
إليه. فقال له: عندي الخبر، فسعى بعمه.
وكان في سعايته أنه قال: إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة تسمى
اليسيرة، بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال، قال البائع: لا أريد هذا النقد،



(1) أي ركبت معه في المحمل.
389
أريد نقد كذا وكذا، فأمر بها فصبت في بيت ماله، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من
ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة.
قال النوفلي: قال أبي: وكان موسى بن جعفر (عليه السلام) يأمر لعلي بن إسماعيل
بالمال ويثق به، حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل،
ثم استوحش منه.
فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر (عليه السلام) أن عليا
ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق.
فأرسل إليه: ما لك والخروج مع السلطان؟ قال: لأن علي دينا. فقال:
دينك علي. قال: وتدبير عيالي، قال: أنا أكفيهم. فأبى إلا الخروج.
فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم.
فقال: اجعل هذا في جهازك، ولا تؤتم ولدي (1).
فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لمن حضره: والله ليسعين
في دمي وليؤتمن أولادي. فقالوا له: جعلنا الله فداك، أنت تعلم هذا من حاله
وتعطيه وتصله! قال: نعم، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أن الرحم
إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله "، وإني أردت أن أصله بعد قطعه لي حتى إذا
قطعني قطعه الله (2).
قالوا: فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد، فتعرف منه خبر
موسى بن جعفر، فرفعه إلى الرشيد، وزاد فيه، ثم أوصله يحيى إلى الرشيد، فسأله



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 69 / 1. البحار 48: 207 / 1.
(2) الإرشاد 2: 238.
390
عن عمه موسى بن جعفر، فسعى به إليه، وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق
والمغرب، وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، فقال له صاحبها
وقد أحضر المال: لا آخذ هذا النقد، ولا آخذ إلا نقد كذا وكذا، فأمر بذلك المال
فرد، وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأله بعينه، فسمع ذلك منه
الرشيد (1).
ونقل أنه ذكر في مجلس الرشيد أنه يجتمع على باب عمه من الناس أكثر مما
يجتمع على باب الرشيد، فأمر له بمائتي ألف درهم وولاه على بعض النواحي،
ومضت رسله لقبض المال، فدخل إلى الخلاء فزحر زحرة خرجت منها حشوته (2)
كلها فسقط لوجهه، واجتهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، فجاءه المال وهو
ينزع، فقال: ما أصنع به وأنا في الموت؟ ومات ولم ينتفع بالمال (3).
2 - وفي بعض الروايات أن الذي وشى بالكاظم (عليه السلام) هو أخوه محمد بن
جعفر (عليه السلام) (4)، ففي " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن المكتب، عن علي بن إبراهيم،



(1) مقاتل الطالبيين: 333. روضة الواعظين 1: 218. الإرشاد 2: 238.
(2) الزحير: استطلاق البطن، حشوة البطن: أمعاؤه.
(3) الإرشاد 2: 238 و 239. التتمة في تواريخ الأئمة: 113.
(4) لعل هذا الحديث مجرد ادعاء من محمد بن إسماعيل بن جعفر على عمه محمد بن جعفر
ليس إلا، لأن محمد بن جعفر كان معروفا بجلالته وتقواه أولا، ولأنه كان مخالفا للعباسيين
وقد خرج أيام المأمون وتسمى بأمير المؤمنين، وقد ذكرنا ذلك في ترجمته عند ذكر إخوته (عليه السلام)
في الفصل الأول من هذا الكتاب.
391
عن اليقطيني، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، قال: جاءني محمد
ابن إسماعيل بن جعفر بن محمد، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون
الرشيد فسلم عليه بالخلافة، ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت
أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة (1).
وقيل: كان ممن سعى بموسى بن جعفر (عليه السلام) يعقوب بن داود، وكان يرى رأي
الزيدية.
3 - وفي رواية أن الذي وشى بالإمام (عليه السلام) هو محمد بن إسماعيل بن جعفر،
روى الكشي بسنده عن علي بن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: جاءني محمد بن إسماعيل
ابن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) أن يأذن له في الخروج إلى العراق،
وأن يرضى عنه ويوصيه بوصية.
قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ، وخرج وهو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو
به وأكلمه، قال: فلما خرج قلت له: إن ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن
تأذن له في الخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن له (عليه السلام).
فلما رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال: يا عم، أحب أن توصيني.
فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، فقال: لعن الله من يسعى في دمك. ثم قال:
يا عم أوصني. فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. قال: ثم ناوله أبو الحسن (عليه السلام)
صرة فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها محمد، ثم ناوله أخرى فيها مائة وخمسون
دينارا فقبضها، ثم أعطاه صرة أخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها، ثم أمر له



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 72 / 2. البحار 48: 210 / 8.
392
بألف وخمسمائة درهم كانت عنده.
فقلت له في ذلك واستكثرته، فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني
ووصلته.
قال: فخرج إلى العراق، فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب
طريقه قبل أن ينزل، واستأذن على هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين أن
محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب، فقال الحاجب: إنزل أولا، وغير ثياب
طريقك، وعد لأدخلك إليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت.
فقال: أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي، فدخل الحاجب وأعلم
هارون قول محمد بن إسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين،
خليفتان في الأرض، موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج، وأنت بالعراق يجبى
لك الخراج.
فقال: والله. فقال: والله. قال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلما قبضها وحملت
إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته، فمات وحول من الغد المال الذي حمل إليه
إلى الرشيد (1).
قال ابن شهرآشوب في المناقب: كان محمد بن إسماعيل بن الصادق (عليه السلام)
عند عمه موسى الكاظم (عليه السلام) يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق، فلما ورد
الرشيد الحجاز سعى بعمه إلى الرشيد، فقال: أما علمت أن في الأرض خليفتين يجبى
إليهما الخراج؟ فقال الرشيد: ويلك أنا ومن؟ قال: موسى بن جعفر، وأظهر
أسراره، فقبض عليه، وحظي محمد عند الرشيد، ودعا عليه موسى الكاظم بدعاء



(1) رجال الكشي: 263 / 478.
393
استجابه الله فيه وفي أولاده (1).
ويمكن أن يكون كل منهم قد سعى به (عليه السلام).
موقف الرشيد:
1 - في " الاختصاص ": عن ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد
ابن أحمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي قال: حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني
قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): لما أمر هارون الرشيد بحملي، دخلت
عليه، فسلمت، فلم يرد السلام، ورأيته مغضبا، فرمى إلي بطومار، فقال: اقرأه.
فإذا فيه كلام، قد علم الله عز وجل براءتي منه.
وفيه: أن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول
بإمامته، يدينون الله بذلك، ويزعمون أنه فرض عليهم إلى أن يرث الأرض ومن
عليها، ويزعمون أنه من لم يذهب إليه بالعشر، ولم يصل بإمامتهم، ولم يحج بإذنهم،
ويجاهد بأمرهم، ويحمل الغنيمة إليهم، ويفضل الأئمة على جميع الخلق، ويفرض
طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله، فهو كافر، حلال ماله ودمه.
وفيه كلام شناعة، مثل المتعة بلا شهود، واستحلال الفروج بأمره ولو بدرهم،
والبراءة من الذنب، ويلعنون عليهم في صلاتهم، ويزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد
بانت امرأته منه، ومن أخر الوقت فلا صلاة له، لقول الله تبارك وتعالى: (أضاعوا
الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) (2)، يزعمون أنه واد في جهنم والكتاب



(1) المناقب 4: 326.
(2) مريم: 59.
394
طويل، وأنا قائم أقرأ وهو ساكت. فرفع رأسه، وقال: اكتفيت بما قرأت، فكلم
بحجتك بما قرأته.
قلت: يا أمير المؤمنين، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ما حمل إلي أحد
درهما ولا دينارا من طريق الخراج، لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي
أحلها الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) في قوله: " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إلى
ذراع لأجبت ".
وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن فيه، وكثرة عدونا، وما منعنا السلف من
الخمس الذي نطق لنا به الكتاب، فضاق بنا الأمر، وحرمت علينا الصدقة،
وعوضنا الله عز وجل عنها الخمس، فاضطررنا إلى قبول الهدية، وكل ذلك مما
علمه أمير المؤمنين.
فلما تم كلامي سكت، ثم قلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في
حديث عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله)؛ فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته!
فقلت: حدثني أبي، عن جدي، يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله): " إن الرحم إذا مست
رحما تحركت واضطربت "، فإن رأيت أن تناولني يدك، فأشار بيده إلي. ثم قال:
أدن، فدنوت، فصافحني وجذبني إلى نفسه مليا ثم فارقني وقد دمعت عيناه،
فقال لي: اجلس يا موسى، فليس عليك بأس، صدقت، وصدق جدك، وصدق
النبي (صلى الله عليه وآله)، لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي، واعلم أنك لحمي ودمي، وأن الذي
حدثتني به صحيح، وإني أريد أن أسألك عن مسألة، فإن أجبتني أعلم أنك
صدقتني، خليت عنك ووصلتك، ولم أصدق ما قيل فيك.
فأجابه الإمام (عليه السلام) عن كل ما سأل بأبلغ جواب. وقد تقدمت أسئلة الرشيد
وأجوبة الإمام (عليه السلام) في فصل مناظراته ومحاججاته (عليه السلام).

395
وجاء في آخر الحديث: قال (عليه السلام): فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من
حاجته، فأخبره فخرج، وعرضت عليه.
فقال: أحسنت، هو كلام موجز جامع، فارفع حوائجك يا موسى.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى
أهلي، فإني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا. فقال: مأذون لك، أزدد.
فقلت: يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمه.
فقال: أزدد.
فقلت: علي عيال كثير، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين
وعادته.
فأمر لي بمائة ألف درهم وكسوة، وحملني، وردني إلى أهلي مكرما (1).
وهذا الحديث يدل على أنه (عليه السلام) قد استدعي أكثر من مرة إلى بغداد، وأن
الرشيد قد تمادى به الغي إلى أن يسجن الإمام مرة بعد أخرى رغم قناعته ببراءة
الإمام، وكذب ما أنهي إليه عن طريق الوشاة.
2 - وفي " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن أبي أحمد هاني بن محمد بن محمود
العبدي (رضي الله عنه)، عن أبيه بإسناده رفعه إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: لما أدخلت
على الرشيد، سلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: يا موسى بن جعفر، خليفتان
يجبى إليهما الخراج؟!



(1) الاختصاص: 48. البحار 2: 240، و 48: 121 / 1، و 104: 337 / 19. تحف
العقول: 404.
396
فقلت: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من
أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما علم ذلك
عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني
به أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: قد أذنت لك.
فقلت: أخبرني أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" إن الرحم إذا مست الرحم تحركت واضطربت "، فناولني يدك. فقال: أدن،
فدنوت منه، فأخذ بيدي، ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلا، ثم تركني، وقال:
اجلس يا موسى، فليس عليك بأس.
فنظرت إليه، فإذا أنه قد دمعت عيناه، فرجعت إلى نفسي، فقال: صدقت،
وصدق جدك (صلى الله عليه وآله) لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي، حتى غلبت علي الرقة،
وفاضت عيناي.
وسأله عدة مسائل فأجابه (عليه السلام) بأجوبة بليغة، أتينا على ذكرها في مناظراته
ومحاججاته (عليه السلام).
وجاء في آخر الحديث: فقال الرشيد: أحسنت يا موسى، ارفع إلينا
حوائجك.
فقلت له: أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده (صلى الله عليه وآله) وإلى
عياله. فقال: ننظر إن شاء الله. فروي أنه أنزله عند السندي بن شاهك، فزعم أنه
توفي عنده، والله أعلم (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 81 / 9. البحار 48: 125 / 2. الاحتجاج 2: 161. البحار
8: 129 / 3.
397
3 - وقال الرشيد لموسى بن جعفر (عليه السلام): إني قاتلك! قال: " لا تفعل، فإني
سمعت أبي يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن العبد يكون واصلا لرحمه وقد بقي من
أجله ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعا لرحمه وقد بقي
من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين " (1).



(1) ربيع الأبرار للزمخشري 3: 553، وفي طبعة الأعلمي 4: 277.
398
الفصل الثالث عشر
شهادته (عليه السلام)
القبض على الإمام (عليه السلام) وسجنه:
1 - في " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن الطالقاني، عن محمد بن يحيى
الصولي، عن أحمد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن سليمان، عن إبراهيم
ابن أبي البلاد، قال:
كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قد قال بالإمامة، فدخلت إليه بالمدينة في
الليلة التي أخذ فيها موسى بن جعفر (عليه السلام) في صبيحتها، فقال لي: كنت عند الوزير
الساعة - يعني يحيى بن خالد - فحدثني أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كالمخاطب له: " بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أعتذر إليك من أمر قد عزمت
عليه، فإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت أن يلقي بين
أمتك حربا يسفك فيها دماءهم ".
وأنا أحسب أنه سيأخذه غدا. فلما كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع
وهو قائم يصلي في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمر بالقبض عليه وحبسه (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 73 / 3. البحار 48: 213 / 13.
399
2 - روى الشيخ المفيد (رحمه الله) والشيخ الطوسي (رحمه الله) بعدة أسانيد، وكذا الشيخ
الصدوق (رحمه الله) (1) بما لا يخرج عما ورد في روايتهما إلا في بعض التفاصيل، قالوا:
خرج الرشيد إلى الحج في هذه السنة - سنة 179 ه‍ - فبدأ بالمدينة وقبض فيها على
أبي الحسن موسى (عليه السلام).
ويقال إنه لما ورد المدينة استقبله موسى (عليه السلام) في جماعة من الأشراف،
وانصرفوا من استقباله، فمضى أبو الحسن (عليه السلام) إلى المسجد على رسمه، فأقام الرشيد
إلى الليل، فصار إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إني أعتذر إليك من
شيء أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسى بن جعفر، فإنه يريد التشتيت بين أمتك،
وسفك دمائها.
ثم أمر به، فأخذ من المسجد فأدخل عليه فقيده، واستدعى قبتين، جعله في
إحداهما على بغل، وجعل القبة الأخرى على بغل آخر، وأخرج البغلتين من داره
عليهما القبتان مستورتان، ومع كل واحدة منهما خيل، فافترقت الخيل، فمضى
بعضها مع إحدى القبتين على طريق البصرة وكان عليها حسان السروي،
والأخرى على طريق الكوفة، وكان أبو الحسن (عليه السلام) في القبة التي مضي بها
على طريق البصرة، وإنما فعل ذلك الرشيد ليعمي على الناس الأمر في باب
أبي الحسن (عليه السلام).
وأمر حسان أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكان أميرا على
البصرة حينئذ، فسلم إليه فحبسه.
وكان حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال، وقيل: في السابع والعشرين



(1) الإرشاد 2: 242، الغيبة للشيخ الطوسي: 21. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 85 / 10.
400
من رجب سنة تسع وسبعين ومائة، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه
إلى عيسى بن جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك، وشاع أمره، فحبسه عيسى في
بيت من بيوت الحبس الذي كان يحبس فيه، وأقفل عليه، وشغله عنه العيد، فكان
لا يفتح عليه الباب إلا في حالتين: حال يخرج فيها إلى الطهور، وحال يدخل إليه
فيها الطعام.
قال الفيض بن أبي صالح، وكان نصرانيا ثم أظهر الإسلام، وكان يكتب
لعيسى بن جعفر: لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها
من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله.
فبقي محبوسا عنده سنة، وكتب إليه الرشيد في دمه، فاستدعى عيسى بعض
خواصه وثقاته فاستشارهم، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك، والاستعفاء منه،
فكتب عيسى إلى الرشيد: لقد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد
اختبرت حاله، ووضعت عليه العيون طول هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة،
ووضعت عليه من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك ولا علي ولا ذكرنا
بسوء، وما يدعو إلا لنفسه بالمغفرة والرحمة، فإن أنت أنفذت إلي من يتسلمه مني
وإلا خليت سبيله، فإني متحرج من حبسه.
وروي أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه يسمعه كثيرا يقول في
دعائه: اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت، فلك
الحمد. فوجه الرشيد من تسلمه منه وصيره إلى بغداد، فسلم إلى الفضل بن الربيع
فبقي محبوسا عنده مدة طويلة (1).



(1) الإرشاد 2: 240.
401
وروى الصدوق في " العيون "، بسنده عن عبد الله القروي، قال: دخلت
على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادن مني، فدنوت حتى
حاذيته ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت، فقال لي: ما ترى في
البيت؟ قلت: ثوبا مطروحا. فقال: انظر حسنا. فتأملت ونظرت فتيقنت، فقلت:
رجل ساجد.
فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك. قلت: ومن مولاي؟ قال:
تتجاهل علي؟ فقلت: لا أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولى. فقال: هذا
أبو الحسن موسى بن جعفر، إني أتفقده الليل والنهار، فلم أجده في وقت من
الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها، أنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر
صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول
الشمس، وقد وكل من يترصد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت
الشمس، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فاعلم أنه لم ينم في
سجوده ولا أغفى، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر
سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت وثب من سجدته
فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي
العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي (1) يؤتى به، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد، ثم
يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في
جوف الليل حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إن الفجر قد طلع، إذ
قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول إلي.



(1) الشوي: ما يشوى من اللحم.
402
فقلت: اتق الله، ولا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم
أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت نعمته زائلة.
فقال: قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك،
وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني (1).
وعن الخطيب البغدادي في " تأريخ بغداد "، وغيره: قال: " بعث موسى
ابن جعفر (عليه السلام) من الحبس رسالة إلى هارون يقول له: لن ينقضي عني يوم من
البلاء حتى ينقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له
انقضاء يخسر فيه المبطلون " (2).
ما رأى الرشيد من الآيات والمعجزات حين حبسه:
1 - قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في كتاب " مروج
الذهب "، في أخبار هارون الرشيد:
إن عبد الله بن مالك الخزاعي كان على دار هارون الرشيد وشرطته، فقال:
أتاني رسول الرشيد وقتا ما جاءني فيه قط، فانتزعني من موضعي ومنعني من
تغيير ثيابي، فراعني ذلك، فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرف الرشيد
خبري، فأذن لي في الدخول عليه، فدخلت فوجدته قاعدا على فراشه، فسلمت



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 106 / 10. أمالي الصدوق: 136 / 18. روضة الواعظين:
259.
(2) تأريخ بغداد 13: 31 - 32. تذكرة الخواص: 360. الفصول المهمة: 222. البداية والنهاية
10: 183. الكامل في التأريخ 6: 164. سير أعلام النبلاء 6: 273.
403
عليه فسكت ساعة، فطار عقلي وتضاعف الجزع علي، ثم قال: يا عبد الله، أتدري
لم طلبتك في هذا الوقت؟ قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: إني رأيت الساعة في
منامي كأن حبشيا قد أتاني ومعه حربة، فقال: إن خليت عن موسى بن جعفر
الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين،
أطلق موسى بن جعفر؟ ثلاثا، قال: نعم، امض الساعة حتى تطلق موسى بن
جعفر، وأعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له: إن أحببت المقام قبلنا فلك عندي
ما تحب، وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك لك.
قال: فمضيت إلى الحبس لأخرجه، فلما رآني موسى (عليه السلام) وثب إلي قائما،
وظن أني قد أمرت فيه بمكروه، فقلت: لا تخف، فقد أمرني بإطلاقك وأن أدفع لك
ثلاثين ألف درهم، وهو يقول لك: إن أحببت المقام قبلنا فلك كل ما تحب، وإن
أحببت الانصراف إلى المدينة فالأمر في ذلك مطلق لك، وأعطيته ثلاثين ألف
درهم، وخليت سبيله! وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجبا. قال: فإني أخبرك،
بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا موسى، حبست مظلوما، فقل هذه
الكلمات، فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال:
قل: " يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحما، ومنشرها بعد الموت،
أسألك بأسمائك الحسنى، وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد
من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوى على أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا
ولا يحصى عددا، فرج عني "، فكان ما ترى (1).



(1) وفيات الأعيان 5: 309. مروج الذهب 3: 356. ونحوه في مهج الدعوات: 245. البحار
48: 245 / 52.
404
2 - وروى الصدوق بإسناده عن عبد الله بن الفضل، عن أبيه الفضل، قال:
كنت أحجب الرشيد، فأقبل علي يوما غضبانا وبيده سيف يقلبه، فقال لي:
يا فضل، بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه
عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي. قلت: وأي الحجازيين؟ قال:
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال الفضل:
فخفت من الله عز وجل إن جئت به إليه، ثم فكرت في النقمة، فقلت له: أفعل.
فقال: ائتني بسوطين وهصارين وجلادين.
قال: فأتيته بذلك، ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)،
فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل، فإذا أنا بغلام أسود، فقلت له: استأذن
لي على مولاك يرحمك الله، فقال لي: لج (1)؛ ليس له حاجب ولا بواب. فولجت إليه،
فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده،
فقلت له: السلام عليك يا بن رسول الله، أجب الرشيد.
فقال: ما للرشيد وما لي؟ أما تشغله نعمته عني؟ ثم قام مسرعا، وهو
يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن طاعة السلطان
للتقية واجبة "، إذن ما جئت.
فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله. فقال (عليه السلام): أليس معي من
يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله.
قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها على رأسه ثلاث مرات.
فدخلت إلى الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران.



(1) أي: ادخل.
405
فلما رآني قال لي: يا فضل. فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمي. قلت:
نعم.
قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه
غضبان؟ فإني قد هيجت على نفسي ما لم أرده، إئذن له بالدخول، فأذنت له.
فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه، وقال له: مرحبا بابن عمي وأخي،
ووارث نعمتي، ثم أجلسه على فخذه وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال:
سعة ملكك وحبك للدنيا.
فقال: ائتوني بحقة الغالية (1)، فأتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه
خلع وبدرتان دنانير.
فقال موسى بن جعفر (عليه السلام): والله لولا أني أرى من أزوجه بها من عزاب
بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا، ما قبلتها. ثم تولى (عليه السلام) وهو يقول: الحمد لله
رب العالمين.
فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، أردت أن تعاقبه، فخلعت عليه وأكرمته!
فقال لي: يا فضل، إنك لما مضيت لتجيئني به، رأيت أقواما قد أحدقوا
بداري، بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذى ابن رسول الله
خسفنا به، وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه.
فتبعته (عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء
جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه، ولا إلى
فارس إلا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء.



(1) الغالية: أخلاط من الطيب.
406
قلت: وما هو؟ قال: قلت:
" اللهم بك أساور، وبك أحاول، وبك أحاور، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك
أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.
اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني أغنيتني، وإذا
هويت رددتني، وإذا عثرت قومتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني، يا سيدي،
ارض عني فقد أرضيتني " (1).
3 - وفي " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن ماجيلويه، عن علي، عن أبيه،
قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس الرشيد موسى بن جعفر (عليه السلام) جن
عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى (عليه السلام) طهوره واستقبل
بوجهه القبلة وصلى لله عز وجل أربع ركعات، ثم دعا بهذه الدعوات، فقال:
" يا سيدي، نجني من حبس هارون، وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين
رمل وطين، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم،
ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء،
خلصني من يدي هارون ".
قال: فلما دعا موسى (عليه السلام) بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في
منامه، وبيده سيف قد سله، فوقف على رأس هارون وهو يقول: يا هارون، أطلق
عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 76 / 5. البحار 48: 215 / 16، و 85: 166 / 16.
407
فخاف هارون من هيبته، ثم دعا الحاجب، فجاء الحاجب فقال له: إذهب
إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر.
قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن، فقال:
من ذا؟
قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه.
فصاح السجان: يا موسى، إن الخليفة يدعوك.
فقام موسى (عليه السلام): وهو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريد
بي، فقام مغموما آيسا من حياته.
فجاء إلى هارون، فقال: سلام على هارون، فرد عليه السلام.
ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟
فقال: نعم.
قال: وما هن؟
قال: جددت طهورا وصليت لله عز وجل أربع ركعات، ورفعت طرفي إلى
السماء وقلت: " يا سيدي خلصني من يد هارون وشره ".
وذكر له ما كان من دعائه.
فقال هارون: قد استجاب الله دعوتك، يا حاجب أطلق عن هذا.
ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا وحمله على فرسه، وأكرمه، وصيره نديما لنفسه.
ثم قال: هات الكلمات. فعلمه، فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى
الدار ويكون معه.
فصار موسى بن جعفر (عليه السلام) كريما شريفا عند هارون، وكان يدخل عليه في
كل خميس إلى أن حبسه الثانية، فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك،

408
وقتله بالسم (1).
4 - وفي " عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ": عن الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن
عبيد الله بن صالح، قال: حدثني حاجب الفضل بن الربيع، عن الفضل بن الربيع،
قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريي، فلما كان في نصف الليل سمعت
حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض
إلا يسيرا حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا مسرور الكبير قد
دخل علي فقال لي: أجب الأمير، ولم يسلم علي. فيئست من نفسي وقلت: هذا
مسرور دخل إلي بلا إذن ولم يسلم، ما هو إلا القتل، وكنت جنبا، فلم أجسر أن
أسأله إنظاري حتى أغتسل.
فقالت لي الجارية لما رأت تحيري وتبلدي: ثق بالله عز وجل وانهض.
فنهضت ولبست ثيابي، وخرجت معه حتى أتيت الدار، فسلمت على أمير
المؤمنين، وهو في مرقده، فرد علي السلام، فسقطت.
فقال: تداخلك رعب؟! قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فتركني ساعة حتى
سكنت.
ثم قال لي: صر إلى حبسنا، فأخرج موسى بن جعفر بن محمد، وادفع إليه
ثلاثين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله على ثلاثة مراكب، وخيره بين
المقام معنا، أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 93 / 13. أمالي الصدوق: 308 / 3. أمالي الطوسي: 36.
البحار 48: 219 / 3.
409
فقلت: يا أمير المؤمنين، تأمر بإطلاق موسى بن جعفر؟! قال: نعم.
فكررت ذلك عليه ثلاث مرات، فقال لي: نعم، ويلك أتريد أن أنكث
العهد؟
فقلت: يا أمير المؤمنين، وما العهد؟
قال: بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم
منه، فقعد على صدري، وقبض على حلقي، وقال لي: حبست موسى بن جعفر ظالما
له. فقلت: فأنا أطلقه وأهب له، وأخلع عليه. فأخذ علي عهد الله عز وجل وميثاقه،
وقام من صدري وقد كادت نفسي تخرج.
فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو في حبسه، فرأيته قائما
يصلي، فجلست حتى سلم، ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين، وأعلمته بالذي أمرني به
في أمره، وإني قد أحضرت ما وصله به.
فقال: إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله.
فقلت: لا وحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أمرت إلا بهذا.
فقال: لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الأمة.
فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ.
فقال: اعمل به ما أحببت، وأخذت بيده (عليه السلام) وأخرجته من السجن، ثم
قلت له: يا بن رسول الله، أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا
الرجل؟ فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك، ولما أجراه الله عز وجل على يدي
من هذا الأمر.
فقال (عليه السلام): رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسى، أنت
محبوس مظلوم.

410
فقلت: نعم يا رسول الله، محبوس مظلوم، فكرر علي ذلك ثلاثا.
ثم قال: " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ".
أصبح غدا صائما، وأتبعه بصيام الخميس والجمعة، فإذا كان وقت الإفطار
فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة " الحمد " واثنتي عشرة مرة " قل هو الله
أحد " فإذا صليت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل:
" يا سابق الفوت، ويا سامع كل صوت، يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت،
أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين
الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه "، ففعلت فكان الذي رأيت.
" الإختصاص ": حمدان بن الحسين النهاوندي، عن إبراهيم بن إسحاق
النهاوندي، عن أحمد بن إسماعيل، عن عبيد الله بن صالح (مثله) وفيه:
فبرزت إليه مرعوبا فقال لي: يا فضل، اطلق موسى بن جعفر الساعة، وهب
له ثمانين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله على خمسة من الظهر (1).
كظم الغيظ وعدم الخضوع
ولم يخطر ببال الكاظم (عليه السلام) رغم قسوة السجن وشدته وعمق المرارة لفراق
أهله وأصحابه، أن يمد يد الإقرار والإذعان إلى السلطان الجائر أو يظهر بمظهر
الخاضع أمامه، على أن الرشيد كان قد طلب ذلك منه فأباه (عليه السلام). فعن محمد
ابن غياث المهلبي، قال: لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)
وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس، تحير الرشيد، فدعا يحيى بن خالد



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 73 / 4. البحار 48: 213 / 14. الاختصاص: 52.
411
البرمكي، فقال له: يا أبا علي، أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب، ألا تدبر في
أمر هذا الرجل تدبيرا يريحنا من غمه؟
فقال له يحيى بن خالد: الذي أراه لك يا أمير المؤمنين، أن تمن عليه وتصل
رحمه، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا، فقال له هارون: انطلق إليه وأطلق عنه
الحديد، وأبلغه عني السلام، وقل له: يقول لك ابن عمك: إنه قد سبق مني فيك
يمين، إني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة، وتسألني العفو عما سلف منك، وليس
عليك في إقرارك عار، ولا في مسألتك إياي منقصة، وهذا يحيى بن خالد هو ثقتي
ووزيري وصاحب أمري، فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا.
قال محمد بن غياث: فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد: أن أبا إبراهيم (عليه السلام)
قال ليحيى: يا أبا علي، أنا ميت، وإنما بقي من أجلي أسبوع، اكتم موتي وائتني يوم
الجمعة عند الزوال، وصل علي أنت وأوليائي فرادى، وانظر إذا سار هذا الطاغية
إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه لنفسك، فإني رأيت في نجمك ونجم ولدك
ونجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه. ثم قال: يا أبا علي، أبلغه عني، يقول لك موسى
ابن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين
يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه، والسلام.
فخرج يحيى من عنده، واحمرت عيناه من البكاء، حتى دخل على هارون،
فأخبره بقصته وما رد عليه، فقال هارون: إن لم يدع النبوة بعد أيام، فما أحسن
حالنا!
فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)، وقد خرج
هارون إلى المدائن قبل ذلك، فأخرج إلى الناس حتى نظروا إليه ثم دفن (عليه السلام) (1).



(1) غيبة الطوسي: 19. البحار 48: 230 / 37.
412
الشهادة
وطلب الرشيد من الفضل بن الربيع قتله فأبى، فكتب إليه أن يسلمه إلى
الفضل بن يحيى البرمكي، فتسلمه منه، وجعله في بعض حجر دوره، ووضع عليه
الرصد، وكان (عليه السلام) مشغولا بالعبادة، يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء
واجتهادا، ويصوم النهار في أكثر الأيام، ولا يصرف وجهه عن المحراب، فوسع
عليه الفضل بن يحيى وأكرمه، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة (1)، فكتب إليه ينكر
عليه توسعته على موسى (عليه السلام)، ويأمره بقتله، فتوقف عن ذلك، ولم يقدم عليه،
فاغتاظ الرشيد من ذلك.
وبعث مسرورا الخادم على البريد إلى بغداد، وقال له: ادخل من فورك على
موسى بن جعفر، فإن وجدته في سعة ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن
محمد، ومره بامتثال ما فيه، وسلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك، يأمره فيه
بطاعة العباس بن محمد.
فقدم مسرور، فنزل دار الفضل بن يحيى، لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل
على موسى بن جعفر (عليه السلام) فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى إلى العباس بن محمد،
والسندي بن شاهك، فأوصل الكتابين إليهما
فخرج الرسول من عند العباس يركض ركضا إلى الفضل بن يحيى، فركب
معه وهو مدهوش حتى دخل على العباس بن محمد، فدعا العباس بسياط



(1) الرقة: مدينة مشهورة على الفرات، وهي الآن إحدى مدن سوريا.
413
وعقابين (1)، وأمر بالفضل فجرد من ثيابه، وضربه السندي بين يديه مائة سوط،
وخرج متغير اللون خلاف ما دخل، فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا، وكتب
مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى (عليه السلام) إلى السندي بن شاهك،
وجلس الرشيد مجلسا حافلا، وقال: أيها الناس، إن الفضل بن يحيى قد عصاني،
وخالف طاعتي، ورأيت أن ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج
البيت والدار بلعنه، فبلغ يحيى بن خالد الخبر، فركب إلى الرشيد، ودخل من غير
الباب الذي يدخل الناس منه، حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر به، ثم قال: التفت
إلي يا أمير المؤمنين، فأصغى إليه فزعا، فقال: إن الفضل حدث، وأنا أكفيك
ما تريد، فانطلق وجهه وسر، فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين، قد غضضت من
الفضل بلعنك إياه، فشرفه بإزالة ذلك، فأقبل على الناس فقال: إن الفضل كان قد
عصاني في شيء فلعنته، وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من
واليت وأعداء من عاديت، وقد توليناه.
ثم خرج يحيى على البريد حتى وافى بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكل شيء،
وأظهر أنه ورد لتعديل السواد، والنظر في أمر العمال، وتشاغل ببعض ذلك أياما،
ثم دعا السندي بن شاهك، فأمره بقتل موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقتله.
قيل: جعل له سما في طعام وقدمه إليه. وقيل: جعله في رطب، فأكل منه
فأحس بالسم، ولبث ثلاثا بعده موعوكا منه، ثم مات في اليوم الثالث (2).



(1) العقابان: آلة من آلات العقوبة لها طرفان، إذا شال أحدهما نزل الآخر وبالعكس، حتى
يأتيا على روحه.
(2) الإرشاد 2: 240 - 242.
414
وفي " مقاتل الطالبيين ": أن يحيى بن خالد أمر السندي فلفه في بساط وقعد
الفراشون النصارى على وجهه.
وعن " عمدة الطالب ": قيل: إنه سم، وقيل: بل لف في بساط وغمز حتى
مات (1).
وروى الشيخ الكليني (رحمه الله) والشيخ الصدوق (رحمه الله) بالإسناد عن شيخ من أهل
قطيعة الربيع من العامة، أنه قال:
قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في
نسكه وفضله.
قلت: كيف رأيته؟
قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب
إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر، فقال لنا السندي: يا هؤلاء، انظروا إلى
هذا الرجل، هل حدث به حدث، فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه،
ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أمير
المؤمنين سوءا، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظر، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع
أمره، فاسألوه.
قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل، وإلى فضله وسمته، فقال: أما



(1) عمدة الطالب: 196. البحار 48: 248 / 57.
415
ما ذكر من التوسعة فهو على ما ذكر، غير أني أخبركم أني قد سقيت السم في تسع
تمرات، وإني أحتضر غدا، وبعد غد أموت، فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد
ويضطرب مثل السعفة (1).
وروي أنه (عليه السلام) لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضر مولى
له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه،
ففعل ذلك.
وقال السندي: فكنت أسأله في الإذن لي في أن أكفنه فأبى، وقال: إنا أهل
بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا (2)، وأكفان موتانا، من طاهر أموالنا، وعندي
كفن، وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان، فتولى ذلك منه (3).
ولبث بعدما سقاه السم ثلاثة أيام موعوكا منه. ثم توفي في آخر اليوم الثالث
كما أخبر عن نفسه صلوات الله عليه غريبا مسموما شهيدا مظلوما صابرا محتسبا
بعد ما حبس أربع سنوات، أو سبع سنوات.
ولما توفي موسى بن جعفر (عليهما السلام) أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء
ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره، فنظروا إليه لا أثر به من جرح
ولا خنق، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه، فشهدوا على ذلك (4).



(1) الكافي 1: 202 / 2. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 69 / 2. البحار 48: 212 / 10.
(2) أي الذي لم يحج منا.
(3) إعلام الورى: 311. الإرشاد 2: 243.
(4) الإرشاد 2: 242.
416
وفي " تأريخ بغداد ": عن أبي موسى العباسي، حدثني إبراهيم بن عبد السلام
ابن السندي بن شاهك، عن أبيه، قال: كان موسى بن جعفر عندنا محبوسا، فلما
مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الكرخ، فأدخلناهم عليه، فأشهدناهم على
موته (1).
وفي رواية: أن السندي أحضر نيفا وخمسين رجلا ممن يعرف موسى
ابن جعفر وقد صحبه، منهم: عمر بن واقد، وخرج كاتبه ومعه طومار، فكتب
أسماءهم ومنازلهم وأعمالهم وحلاهم، قال: فقال لي: يا أبا حفص، اكشف الثوب
عن وجهه فكشفته، فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت، ثم قال للقوم: انظروا إليه،
فدنا واحد بعد واحد، فنظروا إليه، ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر،
ثم قال: يا غلام، إطرح على عورته منديلا واكشفه! ففعل. فقال: أترون به أثرا
تنكرونه؟ فقلنا: لا، ما نرى به شيئا، ولا نراه إلا ميتا (2).
وفي رواية: أنه لما توفي جمع الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وسائر أهل
المملكة والحكام وأحضره (عليه السلام) فقال: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه،
فانظروا إليه، فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته، فنظروا إليه، وليس به أثر
جراحة ولا خنق، وكان في رجله أثر الحناء (3).



(1) تأريخ بغداد 13: 32.
(2) كمال الدين: 37. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 97 / 3. البحار 48: 225 / 27.
(3) كمال الدين: 39. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 105 / 8. البحار 48: 228 / 31.
417
وعن " عمدة الطالب ": أنه عمل محضر بأنه مات حتف أنفه، وترك ثلاثة
أيام على الطريق، يأتي من يأتي فينظر إليه، ثم يكتب في المحضر (1).
وكانت وفاته في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة، وفيه السدرة.
وأخرج (عليه السلام) ووضع على الجسر ببغداد، ونودي: هذا موسى بن جعفر قد مات،
فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت، وقد كان قوم زعموا في
أيام موسى (عليه السلام) أنه هو القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم،
فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم
الرافضة أنه لا يموت، فانظروا إليه، فنظر الناس إليه ميتا، ثم حمل فدفن في مقابر
قريش في باب التبن، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والأشراف من الناس قديما (2).
وروى الصدوق عليه الرحمة أنه حمل على نعش ونودي عليه: هذا إمام
الرافضة فاعرفوه، فلما أتي به مجلس الشرطة أقام السندي أربعة نفر، فنادوا:
ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان
ابن أبي جعفر المنصور من قصره إلى الشط، فسمع الصياح والضوضاء، فقال لولده
وغلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا فخذوه من
أيديهم، فإن مانعوكم فاضربوهم، وأخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به،
نزلوا إليهم، فأخذوه من أيديهم وضربوهم، وخرقوا عليهم سوادهم، ووضعوه في



(1) عمدة الطالب: 196. البحار 48: 248 / 57.
(2) الإرشاد 2: 242 - 243.
418
مفرق أربع طرق، وأقام سليمان المنادين ينادون: ألا من أراد أن يرى الطيب
ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق، وغسل وحنط بحنوط فاخر،
وكفنه سليمان بكفن فيه حبرة ثمنها خمسمائة دينار عليها القرآن كله، واحتفى ومشى
في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك (1).
يقول المؤلف: هذه الفذلكة السياسية من سليمان بن المنصور أراد بها تهدئة
خواطر الشيعة الثائرة، وهي من باب ذر الرماد في أعين الناس، وتطييب الخواطر،
وصمام أمان يحد من ثورة المؤمنين من الموالين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) على الحكم
القائم حيث كان شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يسكنون بغداد بأعداد هائلة.
خبر المسيب بن زهير:
روى الصدوق بالإسناد عن عمر بن واقد، قال: ثم إن سيدنا موسى
ابن جعفر (عليه السلام) دعا بالمسيب، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام، وكان موكلا به، فقال:
يا مسيب، فقال: لبيك يا سيدي. قال: إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة مدينة
جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأعهد إلى ابني علي بن موسى الرضا بما عهد إلي أبي جعفر،
وأجعله وصيي وخليفتي وآمره بأمري.
فقال المسيب: كيف تأمرني يا مولاي أن أفتح لك الأبواب وأقفالها مغلقة،
والحرس على الأبواب؟
فقال (عليه السلام): يا مسيب، أضعف يقينك في الله تعالى وفينا؟ قلت: لا يا سيدي.
قال: قم. قلت: يا سيدي، ادع الله أن يثبتني. فقال (عليه السلام): اللهم ثبته.



(1) كمال الدين: 38. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 99 / 5. بحار الأنوار 48: 227 / 29.
419
ثم قال: أعوذ بالله عز وجل، وباسمه العظيم الأعظم، الذي دعا به آصف
ابن برخيا (عليه السلام) حتى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه
إليه، إجمع بيني وبين ابني في المدينة.
قال المسيب (رحمه الله): سمعته يدعو ففقدته من مصلاه، فلم أزل قائما على قدمي
حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجله، فخررت ساجدا لله شكرا
على ما أنعم الله به علي من معرفته.
فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب، واعلم أني راحل إلى الله تعالى في ثالث هذا
اليوم. قال: فبكيت، فقال (عليه السلام): تبكي، فإن عليا ابني إمامك من بعدي، فاستمسك
بولايته، فإنك لن تضل ما لزمته، فقلت: الحمد لله.
ثم إن سيدي دعاني ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني على ما عرفتك من
الرحيل إلى الله تعالى، فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها، ورأيتني قد انتفخت
وارتفع بطني، واخضر لوني، واحمر وتلون ألوانا، فخبر الطاغية بوفاتي، وإذا رأيت
هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحدا إلا بعد وفاتي.
قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده (عليه السلام) حتى دعا بالشربة فشربها،
ثم دعاني، فقال: يا مسيب، إن هذا الرجل اللعين السندي بن شاهك لعنه الله
سيزعم أنه تولى غسلي ودفني، هيهات هيهات، لا يكون ذلك أبدا، فإذا حملت إلى
المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدني فيها، ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع
مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئا فتتبركوا به، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة
جدي الحسين (عليه السلام)، فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
ثم رأيت شخصا أشبه الخلق به (عليه السلام) جالسا إلى جانبه، وكان عهدي بسيدي
الرضا (عليه السلام) وهو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام): أليس نهيتك

420
يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتى مضى وغابت الشمس.
ثم إني أتيت بالخبر إلى الرشيد، فوافاني السندي بن شاهك، فوالله لقد
رأيتهم وهم يظنون بأنهم يغسلونه ولا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه
ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه
وتكفينه، وهو يظهر المعونة لهم وهم لا يعرفونه، فلما فرغ من تجهيزه قال ذلك
الشخص: يا مسيب، مهما شككت فيه فلا تشك في، فإني إمامك ومولاك وحجة الله
تعالى عليك بعد أبي.
يا مسيب، مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام)، ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا
فعرفهم وهم له منكرون.
ثم حمل حتى دفن في مقابر قريش، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به (عليه السلام)، ثم
رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه (1).
والذي يوضح ما ورد في خبر المسيب حديث علي بن أبي حمزة حين سأل
الرضا (عليه السلام)، قال: إنا روينا عن آبائك، أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟
فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): فأخبرني عن الحسين بن علي، كان إماما
أو كان غير إمام؟ قال: كان إماما.
قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين.
قال: وأين كان علي بن الحسين؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد. قال:
خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 100 / 6. بحار الأنوار 48: 222 / 26. دلائل الإمامة: 152
- 154.
421
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي
كربلاء فيلي أمر أبيه، فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه، ثم
ينصرف وليس في حبس ولا في أسار... (1).
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني (رحمه الله) بالإسناد عن مسافر مولى
أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أمر أبو إبراهيم (عليه السلام) حين أخرج به أبا الحسن الرضا (عليه السلام)
أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا إلى أن يأتيه خبره.
قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الدهليز، ثم يأتي بعد
العشاء فينام، فإذا أصبح انصرف إلى منزله، قال: فمكث على هذه الحال أربع
سنين.
فلما كان في ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له، فلم يأت كما كان يأتي،
فاستوحش العيال وذعروا، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه، فلما كان من الغد أتى
الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى أم أحمد، فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي،
فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها، وقالت: مات والله سيدي، فكفها وقال
لها: لا تكلمي بشيء ولا تظهريه حتى يجيء الخبر إلى الوالي.
فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار، أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع
إليه دون غيره، وقالت: إنه قال لي فيما بيني وبينه، وكانت أثيرة (2) عنده: " احتفظي
بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحدا حتى أموت، فإذا مضيت فمن أتاك من
ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه، واعلمي أني قد مت " وقد جاءتني والله علامة
سيدي.



(1) رجال الكشي: 464 / 883. البحار 48: 270 / 29.
(2) أي مفضلة وراجحة على غيرها.
422
فقبض (عليه السلام) ذلك منها، وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر، وانصرف
فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل، فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جاءت
الخريطة (1) بنعيه، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت، فإذا هو قد مات في الوقت الذي
فعل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ما فعل من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض (2).
وفي حديث صفوان، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أخبرني عن الإمام متى يعلم
أنه إمام، حين يبلغه أن صاحبه قد مضى، أو حين يمضي مثل أبي الحسن موسى (عليه السلام)
قبض ببغداد وأنت ها هنا؟
قال (عليه السلام): يعلم ذلك حين يمضي صاحبه. قلت: بأي شيء؟ قال: يلهمه
الله (3).
تأريخ شهادته (عليه السلام):
وكانت شهادته (عليه السلام) لخمس بقين من رجب سنة 183 ه‍، وقيل سنة 186 ه‍.
فعلى الأول أنه بقي (عليه السلام) في السجن نحو أربع سنين، وعلى الثاني أنه بقي (عليه السلام) سبع
سنين.
وقبره (عليه السلام) في جانب الكرخ من بغداد، وإلى جنبه قبر الجواد محمد بن علي
ابن موسى (عليه السلام)، وقد صارت مقابر قريش بلدا ببركتهما (عليهما السلام).



(1) كيس تصان فيه الكتب.
(2) الكافي 1: 381 / 6. البحار 48: 246 / 53.
(3) الكافي 1: 381 / 4. البحار 48: 247 / 55. بصائر الدرجات: 466 / 1.
423
قال ابن خلكان: قال الخطيب: وقبره هناك مشهور يزار، وعليه مشهد
عظيم فيه قناديل الذهب والفضة وأنواع الآلات والفرش ما لا يحد، وهو في الجانب
الغربي (1).
سلام عليه يوم ولد، ويوم جاهد وعلم، ويوم مات، ويوم يبعث حيا، ويوم
رافق جده في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.



(1) وفيات الأعيان 5: 310.
424
الفصل الرابع عشر
وصيته (عليه السلام) وعهده للإمام من بعده
1 - روى الصدوق في " عيون الأخبار " بالإسناد عن إبراهيم بن عبد الله
الجعفري، عن عدة من أهل بيته: أن أبا إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) أشهد على
وصيته إسحاق بن جعفر بن محمد، وإبراهيم بن محمد الجعفري، وجعفر بن صالح،
ومعاوية الجعفريين، ويحيى بن الحسين بن زيد، وسعد بن عمران الأنصاري، ومحمد
ابن الحارث الأنصاري، ويزيد بن سليط الأنصاري، ومحمد بن جعفر الأسلمي،
وهذه صورتها:
" أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن
الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الموت حق، والبعث بعد
الموت حق، وأن الحساب والقصاص حق، وأن الوقوف بين يدي الله عز وجل
حق، وكل ما جاء به محمد بن عبد الله فهو حق، وأن الذي نزل به الروح الأمين
حق، على ذلك أحيا، وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله تعالى.
أشهدهم أن هذه وصيتي بخطي، وقد نسخت وصية جدي رسول الله، وأمير
المؤمنين، ووصية الحسن والحسين (عليهما السلام) ووصية علي بن الحسين، ومحمد بن علي
وجعفر بن محمد (عليهم السلام) قبل ذلك حرفا بحرف، ووصيت بها إلى علي ابني، وبني بعده،

425
فإن شاء وآنس منهم رشدا وأحب إقرارهم فذلك له، وإن كرههم وأحب أن
يخرجهم، فذلك له، ولا أمر لهم معه.
وأوصيت له بصدقاتي وأموالي وصبياني الذين خلفت وولدي، وإلى إبراهيم
والعباس، وإسماعيل وأحمد وأم أحمد، وإلى علي أمر نسائي دونهم، وثلث صدقة أبي
وأهل بيتي يضعه حيث يرى، ويجعل منه ما يجعل ذو المال في ماله، إن أحب أن يجيز
ما ذكرت في عيالي فذلك له، وإن كره فذلك له، وإن أحب أن يبيع أو يوهب أو
ينحل أو يتصدق على غير ما وصيته فذلك إليه، وهو أنا في وصيتي في مالي وفي
أهلي وولدي.
وإن رأى أن يقر إخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم، وإن كره فله
أن يخرجهم غير مردود عليه، وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن
يزوجها إلا بإذنه وأمره، وأي سلطان كشفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما
ذكرت من كتابي فقد برئ من الله ومن رسوله، والله ورسوله بريئان منه، وعليه لعنة
الله ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين أجمعين وجماعة المؤمنين.
وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة
ولا لأحد من ولدي، ولي عنده مال، وهو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل أو أكثر
فهو الصادق، وإنما أردت بإدخال الذين أدخلت معه من ولدي التنويه بأسمائهم،
وأولادي الأصاغر وأمهات أولادي، من أقام منهن في منزلها أو في حجابها فلها
ما كان يجري عليها في حياتي إن أراد ذلك، ومن خرج منهن إلى زوج، فليس لها أن
ترجع إلى حزانتي (1) إلا أن يرى علي ذلك وبناتي مثل ذلك.



(1) حزانة الرجل: عياله، وفي نسخة: جرايتي.
426
ولا يزوج بناتي أحد من إخوانهن، ولا من أمهاتهن، ولا من سلطان،
ولا عمل لهن إلا برأيه ومشورته، فإن فعلوا ذلك فقد خالفوا الله تعالى ورسوله
وحاربوه في ملكه، وهو عارف بمناكح قومه، إن أراد أن يزوج زوج، وإن أراد أن
يترك ترك، وقد أوصيتهن بمثلما ذكرت في كتابي، وأشهدت الله عليهن.
وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهي على ما ذكرت وسميت،
فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد، وليس لأحد من
سلطان ولا غيره أن يفض كتابي الذي ختمت عليه في أسفله، فمن فعل ذلك فعليه
لعنة الله وغضبه والملائكة بعد ذلك وجماعة المسلمين والمؤمنين " (1).
2 - وروى الصدوق بالإسناد عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: بعث إلي
أبو الحسن (عليه السلام) بوصية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعث إلي بصدقة أبيه مع أبي إسماعيل
مصادف، وذكر صدقة جعفر بن محمد (عليه السلام) وصدقة نفسه:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما تصدق به موسى بن جعفر، تصدق بأرضه مكان كذا وكذا، وحدود
الأرض كذا وكذا، كلها ونخلها وأرضها وبياضها ومائها وأرجائها وحقوقها
وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع أو مظهر (2)، أو عنصر (3)، أو مرفق (4)،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 1، بحار الأنوار 48: 276 / 1، الكافي 1: 316 / 15.
(2) المرفع: المكان المرتفع، أو من قولهم: رفعوا الزرع، أي حملوه بعد الحصاد إلى البيدر،
والمظهر: المصعد.
(3) في نسخة: أو غيض، وهو الشجر الكثير الملتف، وأصول الشجر، والعنصر: الأصل.
(4) مرافق الدار: مصاب الماء ونحوها.
427
أو ساحة، أو مسيل، أو عامر، أو غامر (1)، تصدق بجميع حقه من ذلك على ولده
من صلبه الرجال والنساء يقسم.
وإليها ما أخرج الله عز وجل من غلتها بعد الذي يكفيها في عمارتها
ومرافقها، وبعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين أهل القرية بين ولد موسى بن جعفر
للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حق لها في هذه الصدقة حتى
ترجع إليها بغير زوج.
فإن رجعت كانت لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى.
ومن توفي من ولد موسى وله ولد، فولده على أسهم أبيهم، للذكر مثل حظ
الأنثيين على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه.
ومن توفي من ولد موسى ولم يترك ولدا رد حقه على أهل الصدقة.
وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق إلا أن يكون آباؤهم من ولدي.
وليس لأحد في صدقتي هذه حق مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم
أحد.
فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم
أحد على ما شرطت بين ولدي وعقبي.
فإن انقرض ولد أبي من أمي وأولادهم فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم
ما بقي منهم أحد.
فإن لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى حتى يرث الله الذي



(1) الغامر: الخراب.
428
ورثها وهو خير الوارثين.
تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبيسا بتا بتلا
لا مثنوية فيها (1) ولا رد أبدا، ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة.
ولا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو يهبها أو
ينحلها، أو يغير شيئا مما وضعتها عليه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم.
فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي مكانه.
فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما.
فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما.
فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه.
فإن لم يبق من ولدي إلا واحد، فهو الذي يقوم به (2).
عهده بالإمامة:
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) (3): كان الإمام بعد أبي الحسن موسى بن جعفر ابنه
أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته، وظهور
علمه وحلمه وورعه واجتهاده، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم



(1) أي لا استثناء.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 37 / 2، البحار 48: 281 / 2، الكافي 7: 53 / 8، التهذيب
7: 53 / 8، الفقيه 4: 249 / 5592.
(3) الإرشاد 2: 247 - 253.
429
به منه، وبنص أبيه على إمامته (عليه السلام) من بعده وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته
وأهل بيته.
فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة
إليه منه بذلك، من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته: داود
ابن كثير الرقي، ومحمد بن إسحاق بن عمار، وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي،
والحسين بن المختار، وزياد بن مروان، والمخزومي، وداود بن سليمان، ونصر
ابن قابوس، وداود بن زربي، ويزيد بن سليط، ومحمد بن سنان.
1 - فعن داود الرقي، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): جعلت فداك، إني قد
كبرت سني، فخذ بيدي وأنقذني من النار، من صاحبنا بعدك؟ قال: فأشار إلى
ابنه أبي الحسن (عليه السلام) فقال: هذا صاحبكم من بعدي (1).
2 - وعن محمد بن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام):
ألا تدلني على من آخذ عنه ديني؟ فقال: هذا ابني علي، إن أبي أخذ بيدي فأدخلني
إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: يا بني، إن الله جل وعلا قال: (إني جاعل في
الأرض خليفة) (2) وإن الله إذا قال قولا وفى به (3).



(1) الكافي 1: 249 / 3، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 7، غيبة الطوسي: 34 / 9،
الفصول المهمة: 243، إعلام الورى: 304، البحار 49: 23 / 34.
(2) البقرة: 30.
(3) الكافي 1: 249 / 4، غيبة الطوسي: 34 / 10، البحار 49: 24 / 35.
430
3 - وعن الحسين بن نعيم الصحاف، قال:
كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت
عند العبد الصالح فقال لي: يا علي بن يقطين، هذا علي سيد ولدي، أما إني قد نحلته
كنيتي (1) - وفي رواية أخرى: كتبي - فضرب هشام براحته جبهته، ثم قال: ويحك،
كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعته والله منه كما قلت، فقال هشام: إن الأمر
والله فيه من بعده (2).
4 - وعن نعيم القابوسي، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: ابني علي أكبر
ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إلي، وهو ينظر معي في الجفر، ولم ينظر فيه إلا نبي
أو وصي نبي (3).
5 - وعن الحسين بن المختار، قال: خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن
موسى (عليه السلام) وهو في الحبس: عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا، وأن يفعل كذا،
وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي الله علي بالموت (4).



(1) يعني: أبا الحسن.
(2) الكافي 1: 248 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 21 / 2، غيبة الطوسي: 35 / 11.
(3) الكافي 1: 249 / 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 27، غيبة الطوسي: 36 / 12،
مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، البحار 49: 24 / 39.
(4) الكافي 1: 350 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 30 / 23، غيبة الطوسي: 36 / 13،
البحار 49: 24 / 37.
431
6 - وعن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي إبراهيم وعنده
أبو الحسن ابنه (عليه السلام) فقال لي:
يا زياد، هذا ابني فلان، كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما
قال فالقول قولي (1).
7 - وعن محمد بن الفضيل، قال: حدثني المخزومي - وكانت أمه من ولد
جعفر بن أبي طالب - قال: بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال: أتدرون
لم جمعتكم؟ فقلنا: لا. قال: اشهدوا أن ابني هذا وصيي، والقيم بأمري، وخليفتي
من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة
فليتنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه (2).
8 - وعن داود بن سليمان، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني أخاف
أن يحدث حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال: ابني فلان، يعني
أبا الحسن (عليه السلام) (3).



(1) الكافي 1: 249 / 6، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 25، غيبة الطوسي: 37 / 14،
الفصول المهمة: 244، البحار 49: 19 / 23.
(2) الكافي 1: 249 / 7، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 14، غيبة الطوسي: 37 / 15،
الفصول المهمة: 244، البحار 49: 16 / 12.
(3) الكافي 1: 250 / 11، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 8، غيبة الطوسي: 38 / 16،
البحار 49: 24 / 38.
432
9 - وعن نصر بن قابوس، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إنني سألت أباك:
من الذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فلما توفي أبو عبد الله (عليه السلام)
ذهب الناس يمينا وشمالا، وقلت بك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك
من ولدك؟ قال: ابني علي (1).
10 - وعن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال، فأخذ
بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله، لأي شيء تركته عندي؟ فقال: إن
صاحب هذا الأمر يطلبه منك، فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام)،
فسألني ذلك المال، فدفعته إليه (2).
11 - وعن يزيد بن سليط - في حديث طويل - عن أبي إبراهيم (عليه السلام) أنه قال
في السنة التي قبض عليه فيها: إني أؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي،
سمي علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأما علي الآخر فعلي
ابن الحسين (عليه السلام)، أعطي فهم الأول وحلمه ونصره وورعه وورده ودينه، ومحنة
الآخر وصبره على ما يكره (3).



(1) الكافي 1: 250 / 12، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 36، رجال الكشي: 451 /
849، غيبة الطوسي: 38 / 17، البحار 49: 25 / 39.
(2) الكافي 1: 520 / 13، غيبة الطوسي: 93 / 18، المناقب 4: 398، البحار 49: 25 /
40.
(3) الكافي 1: 252 / ذيل الحديث 14، غيبة الطوسي: 40 / 19.
433
12 - وعن ابن سنان، قال:
دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة (1)، وعلي
ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: يا محمد، إنه سيكون في هذه السنة حركة،
فلا تجزع لذلك.
قال: قلت: وما يكون - جعلني الله فداك - فقد أقلقتني؟
قال (عليه السلام): أصير إلى هذا الطاغية، أما إنه لا يدناني (2) منه سوء، ولا من الذي
يكون من بعده.
قال: قلت: وما يكون، جعلني الله فداك؟
قال: (يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) (3).
قال: قلت: وما ذاك، جعلني الله فداك؟
قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) إمامته وجحده حقه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته.
قال: صدقت يا محمد، يمد الله في عمرك، وتسلم له حقه، وتقر له بإمامته
وإمامة من يكون من بعده.
قال: قلت: ومن ذاك؟
قال: ابنه محمد،



(1) أي القدمة الأولى أيام المهدي العباسي.
(2) أي لا يصيبني.
(3) إبراهيم: 27.
434
قال: قلت: له الرضا والتسليم (1).
13 - وعن محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال:
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد اشتكى شكاية شديدة،
فقلت له: إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه، فإلى من؟
قال: إلى علي ابني، وكتابه كتابي، وهو وصيي وخليفتي من بعدي (2).
14 - وعن داود بن كثير، قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك - وقدمني للموت قبلك - إن كان كون،
فإلى من؟
قال: إلى ابني موسى.
فكان ذلك الكون، فوالله ما شككت في موسى طرفة عين قط، ثم مكثت نحوا
من ثلاثين سنة، ثم أتيت أبا الحسن موسى فقلت له: جعلت فداك، إن كان كون
فإلى من؟
قال: علي ابني.
قال: فكان ذلك الكون، فوالله ما شككت في علي طرفة عين قط (3).



(1) الكافي 1: 256 / 16، غيبة الطوسي: 32 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 32 / 29،
البحار 49: 22 / 27.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 20 / 1.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 6.
435
15 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال:
أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى ابنه علي، وكتب له كتابا أشهد فيه
ستين رجلا من وجوه أهل المدينة (1).
16 - عن حسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ابنه
عليا (عليه السلام) كما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة
- أو قال: يا أهل المسجد - هذا وصيي من بعدي (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 17.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 18.
436
الفصل الخامس عشر
تعظيم العلماء له (عليه السلام)
لقد أجمع معظم علماء المسلمين وأئمتهم على اختلاف نزعاتهم وميولهم
ومذاهبهم على إجلال الإمام الكاظم (عليه السلام) وتعظيمه وتقريظه والإطراء على علمه
وتقواه وزهده وعبادته وسيرته وسلوكه ورسوخ يقينه.
وفيما يلي عرض لأقوالهم مرتب وفقا للتسلسل التأريخي:
1 - الإمام الصادق (عليه السلام):
هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام) - فيه العلم
والحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر
دينهم.
وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله تعالى.
يخرج الله تعالى منه غوث هذه الأمة، وغياثها وعلمها ونورها وفهمها
وحكمها، خير مولود وخير ناشيء... (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 9، مدينة المعاجز 6: 257 / 59.
437
2 - روى المأمون عن أبيه الرشيد أنه قال في حق موسى الكاظم (عليه السلام):
هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده، وأنا إمام
الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وإنه والله أحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن
الخلق جميعا، والله لو نازعني في هذا الأمر لآخذن الذي فيه عيناه، فإن الملك عقيم.
وقال الرشيد للمأمون: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر،
إن أردت العلم الصحيح تجده عند هذا، قال المأمون: من حينئذ انغرس في قلبي
حبه (1).
3 - أحمد بن أبي يعقوب، المعروف بابن واضح - المتوفى بعد سنة 292 ه‍ -:
قال: كان موسى بن جعفر (عليه السلام) من أشد الناس عبادة، وكان قد روى عن
أبيه (عليه السلام) (2).
4 - عبد الرحمن بن أبي حاتم - المتوفى سنة 327 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
روى عن أبيه، روى عنه ابنه علي بن موسى وأخوه علي بن جعفر، سمعت أبي يقول
ذلك، حدثنا عبد الرحمن، قال: سئل أبي عنه، فقال: ثقة، صدوق، إمام من أئمة
المسلمين (3).



(1) ينابيع المودة: 383.
(2) تأريخ اليعقوبي 3: 121.
(3) الجرح والتعديل 8: 139 / 625.
438
5 - الشيخ المفيد - المتوفى سنة 413 ه‍ -:
قال: كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأفقههم، وأسخاهم كفا،
وأكرمهم نفسا، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل
فيحمل إليهم فيه العين والورق والأدقة (1) والتمور، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون
من أي جهة هو (2).
6 - الخطيب البغدادي - المتوفى سنة 463 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
أبو الحسن الهاشمي، أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى
العلوي، حدثني جدي، قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته
واجتهاده.
روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسجد سجدة في أول الليل،
وسمع وهو يقول في سجوده: " عظيم الذنب عندي، فليحسن العفو عندك، يا أهل
التقوى ويا أهل المغفرة "، فجعل يرددها حتى أصبح.
وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها
ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثم
يقسمها بالمدينة، وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد
استغنى (3).



(1) العين: الذهب والدنانير، الورق: الفضة والدراهم، الأدقة: جمع دقيق وهو الطحين.
(2) الإرشاد 2: 231.
(3) تأريخ بغداد 13: 27 - 28 / 6987.
439
7 - علي بن محمد العمري - من أعلام القرن الخامس الهجري -:
قال: كان موسى (عليه السلام) عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، وقيل: إن
أهله كانوا يقولون: عجبا لمن جاءته صرار موسى (عليه السلام) فشكا القلة (1).
8 - أبو علي الطبرسي - المتوفى سنة 548 ه‍ -:
قد اشتهر في الناس أن أبا الحسن موسى (عليه السلام) كان أجل ولد الصادق (عليه السلام)
شأنا، وأعلاهم في الدين مكانا، وأفصحهم لسانا، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم
وأفقههم (2).
9 - ابن شهرآشوب - المتوفى سنة 588 ه‍ -:
قال: كان (عليه السلام) أفقه أهل زمانه، وأحفظهم لكتاب الله، وأحسنهم صوتا
بالقرآن، فكان إذا قرأ يحزن، وبكى وبكى السامعون لتلاوته، وكان أجل الناس
شأنا، وأعلاهم في الدين مكانا، وأسخاهم بنانا، وأفصحهم لسانا، وأشجعهم
جنانا، قد خص بشرف الولاية، وحاز إرث النبوة، وتبوأ محل الخلافة، سليل
النبوة، وعقيد الخلافة (3).
10 - أبو الفرج ابن الجوزي - المتوفى سنة 597 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن



(1) المجدي: 106.
(2) إعلام الورى: 305.
(3) المناقب 4: 323.
440
الهاشمي (عليهم السلام)، كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل،
وكان كريما حليما، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال (1).
11 - محمد بن طلحة الشافعي - المتوفى سنة 652 ه‍ -:
قال: أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم، هو الإمام الكبير القدر، العظيم
الشأن، المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات،
المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدقا وصائما،
ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسئ
بإحسانه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح،
ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله، لنجح مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به،
كراماته تحار منها القول، وتقضي بأن له عند الله قدم صدق لا تزل ولا تزول (2).
12 - سبط ابن الجوزي - المتوفى سنة 654 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليهم السلام)، ويلقب بالكاظم والمأمون والطيب والسيد، وكنيته أبو الحسن،
ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل... وكان موسى جوادا
حليما، وإنما سمي الكاظم لأنه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال... وهو من
الطبقة السابعة، من أهل المدينة، من التابعين (3).



(1) صفة الصفوة 2: 184 / 191.
(2) مطالب السؤول: 83، طهران.
(3) تذكرة الخواص: 348.
441
13 - ابن خلكان - المتوفى سنة 681 ه‍ -:
قال: أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي
زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، أحد الأئمة
الاثني عشر (رضي الله عنهم أجمعين).
قال الخطيب في " تأريخ بغداد ": كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته
واجتهاده...
وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها
ألف دينار (1)... إلى آخر ما قاله الخطيب في " تأريخ بغداد ".
14 - علي بن عيسى الإربلي - المتوفى سنة 692 ه‍ -:
قال: مناقب الكاظم (عليه السلام) وفضائله ومعجزاته الظاهرة ودلائله وصفاته
الباهرة ومخائله، تشهد أنه افترع قبة الشرف وعلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ
أعلاها، وذللت له كواهل السيادة فركبها وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار
صفاياها واصطفاها.
تركت والحسن تأخذه * تصطفي منه وتنتجب
فانتقت منه أحاسنه * واستزادت فضل ما تهب
طالت أصوله فسمت إلى أعلى رتب الجلال، وطابت فروعه فعلت إلى حيث
لا ينال، يأتيه المجد من كل أطرافه، ويكاد الشرف يقطر من أعطافه.
أتاه المجد من هنا وهنا * وكان له بمجتمع السيول



(1) وفيات الأعيان 5: 308 / 746.
442
السحاب الماطر قطرة من كرمه، والعباب الزاخر نغبة (1) من نغبه، واللباب
الفاخر عد من عبيده وخدمه، كأن الشعرى (2) علقت في يمينه، ولا كرامة للشعرى
العبور، وكأن الرياض أشبهت خلائقه، ولا نعمى لعين الروض الممطور، وهو (عليه السلام)
غرة في وجه الزمان، وما الغرور والحجول (3)! وهو أضواء من الشمس والقمر.
وهذا جهد ما يقال، بل هو والله أعلى مكانة من هذه الأوصاف، وأسمى
وأشرف عرقا من هذه النعوت وأنمى، فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره، أو ترتقي همة
البليغ إلى نعت فخاره، أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته، أو يسري خيال
الأوهام في ذكر حالاته!
كاظم الغيظ، وصائم الغيظ، عنصره كريم، ومجده حادث وقديم، وخلق
سؤدده وسيم، وهو بكل ما يوصف به زعيم، الآباء عظام، والأبناء كرام، والدين
متين، والحق ظاهر مبين، والكاظم في أمر الله قوي أمين، وجوهر فضله عال ثمين،
وواصفه لا يكذب ولا يمين، قد تلقى راية الإمامة باليمين، فسما (عليه السلام) إلى الخيرات
منقطع القرين، وأنا أحلف على ذلك فيه وفي آبائه وأبنائه (عليهم السلام) باليمين.
كم له من فضيلة جليلة، ومنقبة لعلو شأنه كفيلة، وهي وإن بلغت الغاية
بالنسبة إليه قليلة، ومهما عد من المزايا والمفاخر فهي فيهم صادقة وفي غيرهم
مستحيلة.
إليهم ينسب العظماء، ومنهم يأخذ العلماء، ومنهم يتعلم الكرماء، وهم الهداة



(1) النغبة: الجرعة.
(2) الشعرى: الكوكب الذي يطلع في الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر.
(3) الحجول: يوم مضيء مشرق بالسرور.
443
إلى الله فبهداهم اقتده، وهم الأدلاء على الله فلا تحل عنهم ولا تنشده... (1).
15 - الحافظ جمال الدين المزي - المتوفى سنة 742 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
القرشي الهاشمي العلوي، أبو الحسن المدني، الكاظم.
روى عن أبيه جعفر بن محمد الصادق... وروى عنه أولاده إبراهيم بن موسى
ابن جعفر، وإسماعيل بن موسى بن جعفر، وحسين بن موسى بن جعفر، وصالح
ابن يزيد، وأخوه علي بن جعفر، وابنه علي بن موسى بن جعفر أبو الحسن الرضا،
وأخوه محمد بن جعفر، ومحمد بن صدقة العنبري.
قال أبو حاتم: ثقة، صدوق، إمام من أئمة المسلمين (2). ثم اقتبس
ترجمته (عليه السلام) عن " تأريخ بغداد " للخطيب عن آخرها.
16 - الذهبي - المتوفى سنة 748 ه‍ -:
قال: موسى الكاظم (عليه السلام)، الإمام القدوة، السيد أبو الحسن العلوي،
والد الإمام علي بن موسى الرضا، مدني، نزل بغداد، وحدث بأحاديث عن
أبيه...
وحدث عنه أولاده: علي، وإبراهيم، وإسماعيل، وحسين، وأخواه: علي
ابن جعفر، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن صدقة العنبري، وصالح بن يزيد،...



(1) كشف الغمة 3: 46 - 47.
(2) تهذيب الكمال 29: 43 / 6247.
444
ذكره أبو حاتم فقال: ثقة، صدوق، إمام من أئمة المسلمين.
قلت: له عند الترمذي وابن ماجة حديثان (1).
وقال في موضع آخر:
موسى بن جعفر بن محمد بن علي العلوي الملقب بالكاظم، عن أبيه.
قال ابن أبي حاتم: صدوق، إمام. وقال أبوه أبو حاتم الرازي: ثقة
إمام.
قلت: روى عنه بنوه: علي الرضا وإبراهيم وإسماعيل وحسين وأخواه علي
ومحمد... وقد كان موسى من أجواد الحكماء ومن العباد الأتقياء، وله مشهد
معروف ببغداد (2).
وقال أيضا:
هو الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب العلوي الحسيني، والد علي بن موسى الرضا. وببغداد مشهد موسى
والجواد...
قال أبو حاتم: ثقة إمام... وكان صالحا عالما عابدا متألها (3).
وقال أيضا:
موسى الكاظم بن جعفر بن محمد العلوي، عن أبيه... وعنه ابنه علي الرضا،
وأخوه علي ومحمد، وبنوه إبراهيم وإسماعيل وحسين وصالح.



(1) سير أعلام النبلاء 6: 270.
(2) ميزان الاعتدال 4: 201 / 8855.
(3) تأريخ الإسلام: حوادث سنة 183، الصفحة 417 / 372.
445
قال أبو حاتم: ثقة، إمام. مات في حبس الرشيد، ولد سنة 128، ومات سنة
183 ه‍ (1).
17 - ابن كثير - المتوفى سنة 774 ه‍ -:
قال في حوادث سنة 183: وفيها توفي موسى بن جعفر بن محمد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم (عليه السلام).
ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه
عن أحد أنه يؤذيه أرسل إليه بالذهب والتحف...
ولد له من الذكور والإناث أربعون نسمة.
وأهدى له مرة عبد عصيدة، فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف
دينار، وأعتقه ووهب المزرعة له (2).
18 - ابن عنبة - المتوفى سنة 828 ه‍ -:
قال: أما الإمام موسى بن جعفر الصادق (عليه السلام) ويكنى أبا الحسن
وأبا إبراهيم، وأمه أم ولد يقال لها حميدة المغربية وقيل: نباتة، ولد (عليه السلام) بالأبواء
سنة 128 ه‍، وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك سنة 183 ه‍، وله يومئذ
خمس وخمسون. وكان عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، لقب بالكاظم
لكظمه الغيظ وحلمه، وكان يخرج في الليل وفي كمه صرر من الدراهم فيعطي من



(1) الكاشف 3: 182 / 5782.
(2) البداية والنهاية 10: 190.
446
لقيه ومن أراد بره، وكان يضرب المثل بصرة موسى، وكان أهله يقولون: عجبا لمن
جاءته صرة موسى فشكا القلة (1).
19 - ابن حجر العسقلاني - المتوفى سنة 852 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
الهاشمي العلوي، أبو الحسين المدني، الكاظم. روى عن أبيه... وعنه أخواه علي
ومحمد وأولاده إبراهيم وحسين وإسماعيل وعلي الرضا وصالح بن يزيد ومحمد
ابن صدقة العنبري.
قال أبو حاتم: ثقة، صدوق، إمام من أئمة المسلمين.
قال يحيى بن الحسن بن جعفر النسابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد
الصالح من عبادته واجتهاده (2).
وقال في موضع آخر:
صدوق، عابد، من [الطبقة] السابعة [من التابعين]، مات سنة ثلاث
وثمانين (3)، أي بعد المائة.
20 - ابن الصباغ المالكي - المتوفى سنة 855 ه‍ -:
قال: كان موسى الكاظم (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، وأسخاهم كفا،



(1) عمدة الطالب: 196 - المقصد الأول.
(2) تهذيب التهذيب 10: 339 / 597.
(3) تقريب التهذيب 2: 282 / 1444.
447
وأكرمهم نفسا، وكان يتفقد فقراء المدينة، فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم
ليلا وكذلك النفقات، ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلا بعد
موته.
وكان كثيرا ما يدعو " اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند
الحساب " (1).
21 - الخزرجي - المتوفى بعد سنة 923 ه‍ -:
قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
الهاشمي، أبو الحسن الكاظم المدني، [روى] عن أبيه. وعنه ابنه علي الرضا،
وأخواه: علي ومحمد ابنا جعفر بن محمد وطائفة.
قال أبو حاتم: ثقة، إمام من أئمة المسلمين.
قال يحيى بن الحسين العلوي، بلغه عن رجل أنه يؤذيه فبعث إليه بصرة فيها
ألف دينار.
حبسه المهدي ثم أطلقه، ومات سنة 183 ه‍ (2).
22 - عبد الوهاب الحنفي الشعراني - المتوفى سنة 973 ه‍ -:
قال: أحد الأئمة الاثني عشر، وهو ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)، كان يكنى ب‍ (العبد الصالح)



(1) الفصول المهمة: 237.
(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 3: 63 / 7257.
448
لكثرة عبادته واجتهاده، وقيامه بالليل، وكان إذا بلغه عن أحد يؤذيه يبعث إليه
بمال (1).
23 - ابن حجر الهيتمي - المتوفى سنة 974 ه‍ -:
قال: موسى الكاظم، وهو وارث جعفر بن محمد الصادق علما ومعرفة
وكمالا وفضلا، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه.
وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل
زمانه وأعلمهم وأسخاهم (2).
24 - ابن العماد الحنبلي - المتوفى سنة 1089 ه‍ -:
قال في حوادث سنة 183 ه‍: وفيها توفي السيد الجليل أبو الحسن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق، ووالد علي بن موسى الرضا، ولد سنة 128 ه‍، روى عن
أبيه...
قال أبو حاتم: ثقة إمام من أئمة المسلمين.
وقال غيره: كان صالحا عابدا جوادا حليما كبير القدر، بلغه عن رجل
الأذى له فبعث [إليه] بألف دينار.
وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين، على اعتقاد الإمامية.
سكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى المهدي في نومه عليا



(1) الطبقات الكبرى: 33، القاهرة 1313 ه‍.
(2) الصواعق المحرقة: 203.
449
(كرم الله وجهه) وهو يقول له: يا محمد (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم) (1) فأطلقه على أن لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه، وأعطاه
ثلاثة آلاف، ورده إلى المدينة.
ثم حبسه هارون الرشيد في دولته ومات في حبسه، وقيل: إن هارون قال:
رأيت حسينا في النوم قد أتى بالحربة وقال: إن خليت عن موسى هذه الليلة،
وإلا نحرتك بها؛ فخلاه وأعطاه ثلاثين ألف درهم.
وقال موسى: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) وقال لي: يا موسى، حبست ظلما، فقل هذه
الكلمات، لا تبيت هذه الليلة في الحبس: يا سامع كل صوت، يا سابق الفوت،
يا كاسي العظام لحما، ومنشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسنى، وباسمك
الأعظم الأكبر المخزون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة،
يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، فرج عني ".
وأخباره كثيرة شهيرة (رضي الله عنه) (2).
25 - محمد بن علي الصبان المالكي - المتوفى سنة 1206 ه‍ -:
قال: وأما موسى الكاظم فكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج
عند الله، وكان من أعبد أهل زمانه، ومن أكابر العلماء الأسخياء،... ولقب بالكاظم
لكثرة تجاوزه وحلمه (3).



(1) سورة محمد (صلى الله عليه وآله): 22.
(2) شذرات الذهب 1: 304 / حوادث سنة 183 ه‍.
(3) إسعاف الراغبين: 246.
450
26 - الشيخ مصطفى رشدي - المتوفى بعد سنة 1267 ه‍ -:
قال: الإمام موسى الكاظم أبو إبراهيم، كان يبيت الليل ساجدا وقائما
ويقطع النهار متصدقا وصائما، حليما يتجاوز عن المعتدين عليه، كريما يقابل
المسئ بالإحسان إليه، ولذا لقب بالكاظم، ولكثرة عبادته سمي بالعبد الصالح.
ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله تعالى لنجح المتوسلين به إليه
سبحانه، عبادته مشهورة تقضي بأن له قدم صدق عند الله لا يزول، وكراماته
مشهورة تحار منها العقول (1).
27 - الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي - من أعلام القرن الثالث
عشر -:
قال: قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد، الحجة،
الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن
المعتدين كاظما.
وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح قضاء
حوائج المتوسلين به، ومناقبه (رضي الله عنه) كثيرة شهيرة (2).
28 - خير الدين الزركلي - المتوفى سنة 1396 ه‍ (1976 م) -:
قال: موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو الحسن، سابع الأئمة



(1) الروضية الندية: 11، المطبعة الخيرية - مصر.
(2) نور الأبصار: 164.
451
الاثني عشر عند الإمامية، كان من سادات بني هاشم، ومن أعبد أهل زمانه،
وأحد كبار العلماء الأجواد (1).
هذا غيض من فيض أقوال كبار العلماء، وهي تحمل عبارات الإكبار
والتقدير للإمام الكاظم (عليه السلام)، وأجمعت الأمة على اتصافه (عليه السلام) بالحلم وكظم الغيظ،
والجود والسخاء، والاجتهاد في العبادة والطاعة، وأنه (عليه السلام) أعبد أهل زمانه
وأفقههم، وأنه باب الحوائج عند الله تعالى لنجح مطالب المتوسلين به، وأنه بلغ قمة
التواضع ودماثة الأخلاق، وغير ذلك مما يقصر القلم عن إيراده، وكل تلك
الصفات وغيرها تعتبر السر في عظمته (عليه السلام) وفي إجماع العلماء على إكباره واتفاق
المسلمين على محبته. سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الميامين.



(1) الأعلام 7: 321.
452
الفصل السادس عشر
فضل بقعته وزيارته (عليه السلام)
الكاظمية - لمحة تأريخية:
في عام 145 ه‍ ابتدأ المنصور العباسي بتأسيس المدينة المدورة بغداد، واستتم
البناء في رواية الخطيب البغدادي في سنة 146 ه‍، ثم أتم بناء سور المدينة، وفرغ من
خندقها وسائر شؤونها في سنة 149 ه‍.
ولما أنهى المنصور عمارة مدينته اقتطع الشونيزي الصغير، المجاورة لمدينته
من جهة الشمال فجعلها مقبرة، ولعله اعتبرها خاصة بعائلته وأسرته فسماها
(مقابر قريش)، وربما اختار لفظ قريش ليشير إلى مشاركة فيها، وقد تسمى أيضا
(مقابر بني هاشم). ويروي الشيخ المفيد أنها كانت مقبرة لبني هاشم والأشراف من
الناس.
ومع مرور الأيام درس اسمها (الشونيزي الصغير) واشتهرت باسمها الجديد
(مقابر قريش)، وكان أول من دفن في هذه المقابر جعفر الأكبر بن أبي جعفر
المنصور، وذلك في سنة 150 ه‍، ثم توالى الدفن فيها بعد ذلك.
وفي عام 183 ه‍ لخمس بقين من رجب استشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)،
وكان قد دس إليه السم من قبل السندي بن شاهك بأمر من هارون الرشيد، فقضى

453
عليه، وحمل جثمانه الطاهر إلى مقابر قريش فدفن هناك حيث قبره الشريف الآن.
وذهب بعض المؤرخين إلى أنه دفن في موضع كان قد ابتاعه لنفسه في مقابر
قريش، فإن صحت هذه الرواية فإنها تدل على مقدار ما حظيت به هذه الأرض
من الأهمية خلال مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة عقود من السنين.
واشتهر مدفن الإمام بعد ذلك باسم (مشهد باب التبن) نسبة إلى باب التبن
الذي كان في شرقيه مما يقرب من دجلة، كما أن المسجد المجاور لقبر الإمام (عليه السلام)
كان يسمى (مسجد باب التبن) أيضا.
وفي عام 220 ه‍ في آخر ذي القعدة، أو لخمس أو لست خلون من ذي الحجة
توفي ببغداد الإمام أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر (عليهم السلام)،
ودفن في تربة جده أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام).
وأصبح السكن حول مقابر قريش - بعد دفن الإمامين فيها - في ازدياد
واتساع على مرور الأيام، حيث دفعت العقيدة الدينية بعض الناس إلى السكن
حول المشهد لحمايته وإدارته وإيواء زائريه، وكان هذا التجمع حول المشهد هو
النواة الأولى لمدينة الكاظمية، هذا فضلا عن الموقع الجغرافي لمقابر قريش من حيث
قربها من دجلة وجودة تربتها، ومجاورتها للقرى والأرياف والمزارع والأشجار
الوارفة الظلال.
ويستفاد من مجموع النصوص التأريخية المتعلقة بالعصر العباسي الأول أن
هذه المنطقة المغمورة قد قفزت قفزات واسعة إلى الأمام، فأصبحت جزءا متصلا
ببغداد، بل محلة من محلاتها، وصارت تحدد يومذاك بكونها بين الحربية ومقبرة
ابن حنبل والحريم الطاهري، وبذلك أصبحت منطقة عامره بالسكان زاخرة
بالعمران شأنها في ذلك شأن سائر المحلات البغدادية الشرقية والغربية.

454
وفي عام 334 سيطر معز الدولة البويهي على أزمة الحكم في بغداد، وكان من
جملة أعماله خلال أيام ملكه، تشييد المرقد الكاظمي تشييدا رائعا في عمارته،
وإنزال جماعة من الجنود الديالمة لغرض الخدمة والحفاظ على الأمن، وكان من جملة
آثار استتباب الأمن في العهد البويهي والتصاق مقابر قريش ببغداد، ذهاب الناس
في أعداد غفيرة إليها في الجمعات والمواسم والمناسبات الدينية، كذكرى مقتل الإمام
الحسين (عليه السلام) وعيد الغدير وما شابه ذلك من المناسبات.
وقد تعرضت المدينة خلال فترات تأريخية متعاقبة إلى الغرق والفيضان سيما
في سنة 367 ه‍ وسنة 466 ه‍ وسنة 554 ه‍ وسنة 569 ه‍، ثم سنة 614 ه‍ وسنة 646 ه‍
وسنة 654 ه‍، ولما حدث فيضان سنة 614 ه‍ أثر في المشهد ومدينته أثرا بالغا،
وقام الناصر لدين الله بتعمير ما خربه الماء، كما شيد سورا جديدا للمشهد، وذلك
سنة 614 ه‍.
وانطوى العصر العباسي وبلدة المشهد الكاظمي محلة عامرة مفردة، فيها
خلق كثير، وذات سور، وتضم سائر مقتضيات المدن ومرافقها من دور وسكان
وعمارة، ونقيب يشرف على شؤون المشهد والبلدة غير نقيب العلويين أو الطالبيين.
وفي الشهر الأول من عام 656 ه‍ حاصر الجيش المغولي بغداد، وتم احتلالها
يوم الاثنين الثامن عشر من المحرم أو بعد ذلك بأيام، ووافق هذا الاحتلال عدد من
حوادث التخريب والتلف وضروب من المصائب والنكبات.
وعلى الرغم من خروج بلدة المشهد الكاظمي عن خط زحف الجيش المحتل،
وعدم وجود أية قوة عسكرية عباسية فيها، فقد أصيبت بشيء من ذلك الخراب
العام، كما أصيب المشهد نفسه بالحريق، وسارع الوزير ابن العلقمي إلى الأمر
بإصلاح ما تلف وتجديد ما اندثر من البلدة، كما قام صدر الوقوف شهاب الدين

455
علي بن عبد الله بعمارة ما أتلفه الحريق في المشهد المطهر.
وما أن أطل القرن الثامن حتى كانت المدينة قد سارت أشواطا في طريق
تقدمها، عاجة بسكانها، صاخبة بزوارها والقادمين إليها.
ويصفها حمد الله المستوفي في أوائل القرن الثامن فيقول: إنها مدينة صغيرة،
يبلغ طول محيطها حوالي ستة آلاف خطوة، وإن سكانها ستة آلاف نسمة.
وفي أوائل القرن العاشر دخلت الكاظمية عهدها الجديد، من حيث
الاستقلال الإداري الداخلي، وأصبحت مدينة لها كيانها ودورها في الشؤون
العامة، ففي سنة 914 ه‍ سيطر الصفويون على العراق، وزار الشاه إسماعيل الصفوي
الكاظمية، وأمر بتشكيل إدارة خاصة بالبلدة ومحكمة شرعية يرأسها قاض يحمل
لقب " شيخ الإسلام " وأمر بتشييد المشهد الكاظمي تشييدا رائعا فخما، وعين
الرواتب لخدام المشهد والمسؤولين عنه.
وعندما زال الاحتلال الصفوي وتم للسلطان سليمان القانوني احتلال العراق
سنة 941 ه‍ لم يتغير وضع الكاظمية السابق، ولما زارها السلطان العثماني أمر بإكمال
بعض ما لم يتم من عمارة المشهد، وأقر رواتب سدنة المشهد والعاملين فيه.
وحفلت القرون الأربعة الأخيرة - أي منذ الاحتلال الصفوي إلى نهاية
الاحتلال العثماني - بما لا يمكن وصفه من مآسي الأوبئة والطواعين والغرق، وكانت
من العنف والشدة والتتابع بشكل حد من تطور الكاظمية، بل وتطور العراق كله
إلى أبعد الحدود، ولكن المدينة حافظت على كيانها الخاص خلال العهد الصفوي
الأول، فالعهد العثماني التركي الأول، فالعهد الصفوي الإيراني الثاني، ثم العهد
العثماني التركي الثاني والأخير. ولما تولى مدحت باشا حكم العراق، جعل
الكاظمية قضاء يديره (قائم مقام) بعد أن أضاف إلى حدود الكاظمية الإدارية بعض

456
الأراضي والمقاطعات المجاورة، ومد سكك الحديد من الكرخ إلى الكاظمية، وأمر
بتأسيس شركة الترامواي لتسهيل حركة النقل بين الكاظمية وبغداد، وكانت
عربات الترامواي تجرها الخيول.
وفي نحو سنة 1302 ه‍ أمر المشير هدايت باشا قائد الفيلق العسكري التركي
السادس في بغداد بعمل جسر من الخشب عائم على نهر دجلة، يربط بين الكاظمية
والأعظمية، وبذلك ارتبطت الكاظمية بالجانب الشرقي من بغداد أيضا.
وفي يوم السبت 24 رجب سنة 1318 ه‍ تم وضع حجر الأساس لبناء سراي
الكاظمية، وقد أنجبت بلدة الكاظمية خلال عمرها الطويل عددا كبيرا جدا من
الفقهاء والأدباء والشعراء والمفكرين والأطباء.
وضمت المدينة بين جوانحها مجموعة من المدارس الدينية التي تعنى بتدريس
العلوم الإسلامية، وكانت عامرة زاهرة بطلابها وأساتذتها، وفي طليعتها مدرسة
الفقيه السيد محسن الأعرجي المؤسسة في أوائل القرن الثالث عشر الهجري،
وضمت المدينة أيضا مجموعة من المكتبات الضخمة الحافلة بنفائس المخطوطات
وأمهات الكتب.
وقيل: إن أول مطبعة عراقية حجرية كانت في الكاظمية سنة 1237 ه‍، وذلك
يعد في صدر قائمة النشاط العلمي لهذه المدينة في النصف الأول من القرن الثالث
عشر.
ومن أبرز المواقف السياسية لمدينة الكاظمية موقفها خلال الحرب العالمية
الأولى، من الاحتلال البريطاني للعراق، فقد استنجد وجوه البصرة في 20
ذي الحجة سنة 1332 ه‍ بعلماء الكاظمية، فأصدر العلماء أمرا بوجوب الدفاع
المقدس على كل مسلم، وفي يوم الثلاثاء 12 محرم سنة 1333 ه‍ خرج السيد مهدي

457
الحيدري قاصدا ساحة الحرب وبصحبته الشيخ مهدي الخالصي وجماعة من
المجاهدين، وخرجت البلدة بأسرها لتشييع موكب الجهاد الزاحف، وكانت البلدة
تستقبل وفود العلماء الزاحفين نحو المعركة من النجف وكربلاء وغيرهما بمنتهى
الترحاب والتكريم وتودعهم إلى ساحة القتال بمثل ذلك.
واحتل الجيش البريطاني الكاظمية في السابع عشر من جمادى الأولى سنة
1335 ه‍، فطويت صفحة احتلال عثماني طويل لتبدأ صفحة احتلال آخر، ولم تنقطع
الكاظمية بعد الاحتلال البريطاني الغاشم عن العمل الجاد في محاربته بكل ما أوتيت
من طاقات وقوى مادية ومعنوية، ويدل على ذلك ما جاء في رسائل المس بيل:
" الكاظمية المتطرفة في إيمانها بالوحدة الإسلامية، والمتشددة في مناوأة الانكليز ".
وكتب فيليب آيرلاند البريطاني يقول: " وكان الشعور المعادي لبريطانيا في
الكاظمية شعورا قويا جدا، فقد هدد العلماء جميع من يصوت للاحتلال البريطاني
بالمروق عن الدين ".
تأريخ عمارة المشهد الكاظمي في العصر العباسي:
1 - العمارة الأولى: بعد وفاة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) مباشرة، وذلك سنة
183 ه‍.
2 - العمارة الثانية: بعد استيلاء معز الدولة البويهي على بغداد، حيث أعاد
تشييد المرقد سنة 336 ه‍.
3 - العمارة الثالثة: في سنة 450 ه‍ بعد الحريق الذي أصاب المشهد سنة
443 ه‍ بفعل فتنة طائفية انتهت بحرق المشهد المقدس، وهي عمارة البساسيري.
4 - العمارة الرابعة: وهي عمارة مجد الملك القمي سنة 490 ه‍، وهي في

458
الحقيقة ليست عمارة، بل عبارة عن مجموعة مرافق أضيفت إلى العمارة السابقة،
وأطلق عليها اسم عمارة تجوزا أو تسامحا.
5 - العمارة الخامسة: عمارة الناصر لدين الله سنة 575 ه‍ وما يليها من
السنين، وهي عمارة وسعت وأضيفت إليها الشيء الكثير خلال عهد الناصر الطويل
وبعده، فكانت خاتمة عمارات العصر العباسي، بل أفخمها أيضا.
عمارة المشهد بعد العصر العباسي:
وفي سنة 769 ه‍ قام السلطان أويس الجلائري بتعمير المشهد، وذلك
لتصدعه من جراء تتابع الغرق والفيضانات.
وفي سنة 914 ه‍ وما بعدها قام الشاه إسماعيل الصفوي بعد احتلاله بغداد
بعمارة المشهد المقدس وتجديدها، وتوسيع الروضة، وتبليط الأروقة بالرخام،
وصنع صندوقين خشبيين يوضعان على المرقدين الشريفين، وتزيين الحرم وأطرافه
الخارجية بالطابوق الكاشاني ذي الآيات القرآنية والكتابات التأريخية، كما أمر بأن
تكون المآذن أربعا بعد أن كانت اثنتين، وبتشييد مسجد كبير في الجهة الشمالية للحرم
متصل به يعرف لحد الآن بالجامع الصفوي، هذا فضلا عن تقديم ما يحتاجه المشهد
من فرش وقناديل وتعيين الخدام والحفاظ والمؤذنين، وبعض الآثار الصفوية باقية
إلى اليوم.
وفي سنة 941 ه‍ دخل سليمان القانوني بغداد محتلا لها ومزيلا آثار حكم
الصفويين، فأصدر فرمانا بإكمال بعض النواقص الصغيرة التي لم يكملها الصفويون.
وفي سنة 1032 ه‍ فتح الشاه عباس الصفوي بغداد ثانية، وزار المشهد
الكاظمي، وأمر بإعادة وتشييد ما خربته الحروب والفتن وما سببته من إهمال

459
وتسيب، وأمر بنصب ضريح ضخم من الفولاذ يوضع على الصندوقين ليقيهما من
غوائل النهب والسلب أثناء معارك الفوضى أو هجوم العشائر على البلدة، ونتيجة
لتأزم العلاقات بين إيران وتركيا تأخر وصول الضريح حتى سنة 1115 ه‍.
وفي سنة 1045 ه‍ قام الشاه صفي بن عباس الصفوي بإجراء بعض
الإصلاحات في المشهد.
وفي سنة 1207 ه‍ بدأ العمل في المشهد الكاظمي على قدم وساق، تنفيذا
لأوامر آقا محمد شاه القاجاري، وذلك لإكمال ما بدأه الصفويون في هذا المشهد،
كإكمال تشييد المنائر وإحداث صحن واسع يحف بالحرم من جهاته الثلاث الشرقية
والجنوبية والغربية، ويتصل الجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية، وتم تخطيط
الصحن بمساحته الموجودة اليوم.
وقام الشاه فتح علي شاه بأعمال إضافية أخرى بعد الشاه محمد شاه
القاجاري، منها نقش باطن القبتين بماء الذهب والميناء وقطع الزجاج الملون،
وتزيين جدران الروضة كلها من حد الطابوق الكاشاني الصفوي إلى أعلى الجدار
المتصل بالسقف بقطع الزجاج " المرايا " الجميل المثبت على الخشب، وتذهيب
القبتين والمنائر الصغار الأربع.
وفي سنة 1255 ه‍ غشي الإيوان الصغير الذي يشرع فيه باب الرواق في
الطارمة الجنوبية بالذهب، بنفقة منوجهر خان الملقب بمعتمد الدولة.
وفي سنة 1255 ه‍ أيضا أهدى السلطان محمود الثاني إلى المشهد الكاظمي
الستر النبوي، وهو من السندس المطرز، فأسدل على الضريح في ليلة القدر من شهر
رمضان من السنة المذكورة.
وفي سنة 1270 ه‍ أرسل ناصر الدين شاه القاجاري ملك إيران أحد علماء

460
عصره المعروفين، وهو الشيخ عبد الحسين الطهراني، المعروف بلقب شيخ العراقين
إلى العراق، للإشراف على تنفيذ مخطط عمراني واسع للعتبات المقدسة من تجديد
وإصلاح وتجميل، وخوله تخويلا كاملا في الصرف والتصرف.
وقد بدأت الأعمال العمرانية في المشهد الكاظمي سنة 1281 ه‍، وانتهى العمل
سنة 1285 ه‍، بعد إجراء سائر الإصلاحات المطلوبة في المشهد بروضته وأروقته
وإيوانيه، وأصبح آية في الفن والجمال والإبداع والإحكام.
وتطوع الأمير فرهاد ميرزا القاجاري - عم ملك إيران ناصر الدين شاه -
للإنفاق على مشروع ضخم يشتمل على بناء سراديب منظمة لدفن الموتى، وتذهيب
المنائر الأربعة الكبرى من حد وقوف المؤذن إلى قمتها، وتشييد سور مرتفع للصحن
يتكون من طابقين، ونصب ساعتين كبيرتين فوق البابين الرئيسيين، وتم جميع ذلك
في سنة 1301 ه‍ (1).
التوسل بقبره الشريف وما ظهر فيه من المعاجز:
1 - روى البغدادي في (تأريخ بغداد) بالإسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان
القطيعي، قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول: ما همني أمر فقصدت
قبر موسى بن جعفر (عليه السلام) فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحب (2).
2 - وفي (مناقب ابن شهرآشوب): رؤي في بغداد امرأة تهرول، فقيل: إلى



(1) دائرة المعارف الإسلامية الشيعية: 345 - 353، باختصار وتصرف.
(2) تأريخ بغداد 1: 120.
461
أين؟ قالت: إلى موسى بن جعفر، فإنه حبس ابني. فقال لها حنبلي: إنه قد مات في
الحبس. فقالت: بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة، فإذا بابنها قد أطلق، وأخذ
ابن المستهزئ بجنايته (1).
3 - وعن الحسن بن محمد بن جمهور العمي، قال: رأيت في سنة 296 - وهي
السنة التي تقلد فيها علي بن محمد بن موسى بن الفرات وزارة المقتدر - أحمد بن
ربيعة الأنباري الكاتب، وقد اعتلت يده العلة الخبيثة، وعظم أمرها حتى راحت
واسودت، وأشار يزيد المتطبب بقطعها، ولم يشك أحد مما رآه في تلفه.
فرأى في منامه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: يا أمير المؤمنين،
أما تستوهب لي يدي؟ فقال: أنا مشغول عنك، ولكن امض إلى موسى بن جعفر،
فإنه يستوهبها لك. فأصبح فقال: ائتوني بمحمل ووطئوا تحتي، واحملوني إلى مقابر
قريش. ففعلوا ذلك بعد أن غسلوه وطيبوه وطرحوا عليه ثوبا، وحملوه إلى قبر
موسى بن جعفر (عليه السلام)، فلاذ به ودعا، وأخذ من تربته وطلا بها يده إلى الكتف
وشدها.
فلما كان من الغد حلها وقد سقط كل لحم وجلد عليها حتى بقيت عظاما
وعروقا وأعصابا مشبكة، وانقطعت الرائحة، وبلغ خبره الوزير، فحمل إليه حتى
نظر إليه، ثم عولج فرجع إلى الديوان، وكتب بها كما كان، ففيه يقول صالح الديلمي:
وموسى قد شفي الكف * من الكاتب إذ زارا (2)



(1) المناقب 4: 305.
(2) بحار الأنوار 102: 6 / 27.
462
4 - في (كشف الغمة) للإربلي، قال: لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها
بعض صدور العراق، أثبتت لموسى (عليه السلام) أشرف منقبة، وشهدت له بعلو مقامه عند
الله تعالى وزلفى ومنزلة لديه، وظهرت بها كرامته بعد وفاته، ولا شك أن ظهور
الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة.
وهي أن من عظماء الخلفاء من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه
الأعيان، في ولاية عامة طالت فيها مدته، وكان ذا سطوة وجبروت، فلما انتقل
إلى الله تعالى اقتضت رعاية الخليفة أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام
موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمشهد المطهر، وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف مشهود له
بالصلاح، كثير التردد والملازمة للضريح والخدمة له، قائم بوظائفها. فذكر هذا
النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف، فرأى في منامه
أن القبر قد انفتح والنار تشتعل فيه، وقد انتشر منه دخان ورائحة قتار (1) ذلك
المدفون فيه إلى أن ملأت المشهد، وأن الإمام موسى (عليه السلام) واقف، فصاح لهذا النقيب
باسمه وقال له: تقول للخليفة: يا فلان - وسماه باسمه - لقد آذيتني بمجاورة هذا
الظالم. وقال كلاما خشنا. فاستيقظ ذلك النقيب وهو يرعد فرقا وخوفا، ولم يلبث
أن كتب ورقة وسيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها.
فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه واستدعى النقيب،
ودخلوا الضريح، وأمر بكشف ذلك القبر، ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر
خارج المشهد، فلما كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق، ولم يجدوا للميت أثرا (2).



(1) القتار: رائحة العظم أو اللحم المحترق.
(2) كشف الغمة 3: 5. البحار 48: 83 / 103.
463
5 - وردتنا هذه الرسالة - والكتاب ماثل للطبع - من الدكتور الخطيب الشيخ
أحمد الوائلي، يحدثنا فيها عن المعجزة التي حصلت في شفاء الله عين ابنته بعد توسله
بالإمام الكاظم (عليه السلام)، وإليك نصها:
الأخ الكريم أبا علي، دام محترما.
تحية يؤججها الشوق ويذكيها البعد لك وللأولاد والأهل، أرجو أن تكون
بخير وعافية.
وبعد:
فيما يخص قضية عين ابنتي، فهي كما يلي بإيجاز:
في نفس اليوم الذي تعرض فيه عبد الكريم قاسم للاغتيال، كانت ابنتي
الكبيرة - وهي آنذاك في حدود الثانية عشرة - تكنس ساحة البيت، وهناك
استكان شاي مكسور وقد لصق بأرض البيت، فحاولت قلعه فانكسر ووقعت منه
شظية بعينها، ففركت عينها وهي لا تدري بالشظية، فتمزق إنسان العين.
وعلى الفور استحصلنا إذنا بالسفر إلى بغداد، وأدخلتها مستشفى للعيون في
شارع الرشيد للدكتور وهرام اراثون - وهو أرمني - فعقد لجنة واستخرجوا الشظية
من عينها، ثم أخبروني بأنهم لا يستطيعون شيئا سوى إجراء عملية لحفظ العين من
التشويه الخارجي، أما الرؤية فلا تعود؛ لأن العين تمزقت، وأكدوا لي بأنه حتى في
الخارج لا يستطيعون أكثر من ذلك. فوقعت على إجراء العملية، وأدخلوا البنت إلى
العملية.
وفي الأثناء خطر بذهني إننا نقول للناس بأن آل محمد (صلى الله عليه وآله) لهم معجزات،
وإن لهم عند الله جاها عظيما، فلم لا أقصد موسى بن جعفر (عليه السلام) حتى أعرف صدق
دعوانا؟ فتوضأت وقصدت الإمام، وفي أثناء الطريق كنت أقول: ما ذنب هذه

464
الطفلة من دون سائر البنات، ثم استغفرت الله تعالى ولعنت هذه الخطرات،
وقصدت فورا ضريح الإمام الكاظم (عليه السلام)، فصليت ركعتين ووقفت عند الرأس
الشريف، وقلت له: هذه صبية، وأنا خادمكم ومحسوب عليكم، وأنت إما أن
تكون كما نقرأ، أو أنت مجرد دعوى. وخرجت وعدت للمستشفى وقد أخرجت
البنت من العملية.
ومكثنا نراقبها سبعة أيام لئلا تغير وضعية نومها، وفي اليوم السابع جاء
الطبيب ليفتح العين ويجدد الضماد، ولما فتح الضماد وقف ساكنا، وقال: ماذا
صنعت؟ فظننت أنه يوبخنا لأنا أهملنا مراقبتها، ولكنه قال: إن العين فيها نور،
وسوف تعود لها وضعيتها الطبيعية. فانفجرت باكيا، وقلت له: لقد طرقت بابا من
أبواب الله فأكرمني. وحكيت له القصة. فقال: آمنت بالله تعالى.
وبعد أسبوع خرجت من المستشفى وهي بعافية.
أما الأبيات فهي قصيدة منشورة في ديوان " إيقاع الفكر "، وهي:
لقدسك يا باب الحوائج باب * جثت عنده للطالبين رغاب
يمر عليه المستحيل فينثني * إلى ممكن يدعى به فيجاب
مناهل ريا عند باب ابن جعفر * تفيض عطاء للذين أنابوا
ويمكنكم قراءة القصيدة في الديوان المذكور وتسجيلها عندكم.
تقبلوا بالختام أعز أمنياتي وأحر أشواقي لكم ولكافة إخواننا، وسامحوني على
التأخير.
أحمد الوائلي
الأول من ذي القعدة الحرام
1 / 11 / 1417

465
فضل زيارته (عليه السلام):
1 - روى ابن قولويه بالإسناد عن الحسن بن علي الوشاء، قال:
سألت الرضا (عليه السلام) عن زيارة قبر أبي الحسن (عليه السلام)، أمثل زيارة قبر
الحسين (عليه السلام)؟
قال: نعم (1).
2 - وبالإسناد عن الوشاء أيضا، قال:
قلت للرضا (عليه السلام): ما لمن زار قبر أبيك أبي الحسن (عليه السلام)؟
فقال: زره.
قال: فقلت: فأي شيء فيه من الفضل؟
قال: له مثل من زار قبر الحسين (عليه السلام) (2).
3 - وبالإسناد عن الحسين بن بشار الواسطي، قال:
سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): ما لمن زار قبر أبيك صلوات الله عليه؟
قال: فقال: زوروه.
قال: قلت: فأي شيء فيه من الفضل؟
قال: فقال: فيه من الفضل كفضل من زار والده، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله).



(1) كامل الزيارات: 298، التهذيب 6: 81.
(2) كامل الزيارات: 299.
466
قلت: وإن خفت ولم يكن لي الدخول داخلا؟
قال: سلم من وراء الجدار (1).
4 - وبالإسناد عن الحسن بن محمد الأشعري القمي، قال:
قال لي الرضا (عليه السلام): من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلا أن لرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما (2).
5 - وبالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاصدا؟
قال: له الجنة، ومن زار قبر أبي الحسين (عليه السلام) فله الجنة (3).
6 - وبالإسناد عن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، قال:
زيارة قبر أبي مثل زيارة قبر الحسين (عليه السلام) (4).
7 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن ابن سنان، قال:



(1) كامل الزيارات: 299، التهذيب 6: 82، روضة الواعظين: 189، وفي بعض المصادر: من
وراء الجسر.
(2) كامل الزيارات: 299، التهذيب 6: 81.
(3) كامل الزيارات: 300.
(4) كامل الزيارات: 300.
467
قلت للرضا (عليه السلام): ما لمن زار أباك؟
قال: الجنة فزره (1).



(1) التهذيب 6: 82.
468
الفصل السابع عشر
في رحاب المدح والرثاء
لو اجتهد العلماء المحققون والأدباء والشعراء لإحصاء ما قيل في إمام المكارم
والفضائل المفدى الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) من النظم والنثر
لما استطاعوا أن يحصوا كل ما قيل فيه (عليه السلام)، ولكن لا يترك الميسور بالمعسور،
لكثرة ما قيل في مدحه وذكر مآثره ومناقبه ومعاجزه (عليه السلام)، وكذلك في رثائه، سواء
المتقدمين منهم والمتأخرين على مر العصور، ما يخالج خواطرهم ويدغدغ
مشاعرهم مظهرين إعجابهم وولاءهم.
ومما لا ريب فيه أن ما قيل فيه (عليه السلام) من الشعر والنثر هو ترجمة حصيلة
الواقع الذي عاشه الإمام (عليه السلام) في سلوكه الأخلاقي المتميز في حياته، وإظهار
معاجزه الباهرة حيا وميتا. ولا غرو، فإنه المعروف بباب الحوائج إلى الله سبحانه
وتعالى، الذي يجد المكروب عنده متنفسا من كربه، والمهموم راحة من ثقل همه.
وفي هذا المقام نذكر شذرات مما دبجه يراع الأدباء وتفتحت له قرائح
الشعراء في حقه (عليه السلام) من النظم والنثر على سبيل المثال في وصف بعض معالمه
وجوانب حياته (عليه السلام) وشخصيته الفذة المملوءة بالعطاء.
وهاك هذا النزر اليسير المنتخب بحسب التسلسل الزمني.

469
منهم:
[1] أبو نؤاس، الحسن بن هانئ (1):
قال ابن شهرآشوب: ولقيه (عليه السلام) أبو نؤاس فقال:
إذا أبصرتك العين من غير ريبة * وعارض فيه الشك أثبتك القلب
ولو أن ركبا أمموك لقادهم * نسيمك حتى يستدل بك الركب
جعلتك حسبي في أموري كلها * وما خاب من أضحى وأنت له حسب (2)
* * *
[2] وقال دعبل الخزاعي (3) في تائيته الشهيرة:



(1) هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء، أبو نؤاس، شاعر العراق في
عصره، ولد في الأهواز، ونشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس،
فمدح بعضهم، وخرج إلى دمشق ومصر، ومدح أمير مصر الخصيب، وعاد إلى بغداد وأقام بها
إلى أن توفي سنة 198 ه‍، وقيل: 196 ه‍، وقيل: 195 ه‍، الأعلام للزركلي 2: 225.
(2) المناقب 4: 317.
(3) هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان الخزاعي، أبو علي. ويقال له: أبو جعفر، أصله
من الكوفة، وأقام في بغداد، أكثر شعره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) وهجاء حكام عصره،
روى عن الإمام الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام)، وله مصنفات منها " الواحدة " و " طبقات
الشعراء " وغيرهما، استشهد سنة 246 ه‍. رجال النجاشي: 161 / 428، تأريخ بغداد
8: 382، معجم الأدباء 11: 99، الأغاني 18: 29، الشعر والشعراء: 582.
470
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات (1)
* * *
[3] وقال المرزكي يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام):
قصدتك يا موسى بن جعفر راجيا * بقصدي تمحيص الذنوب الكبائر
ذخرتك في يوم القيامة شافعا * وأنت لعمر الله خير الذخائر (2)
* * *
[4] وقال أبو الحسن المعاذ يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام):
زر ببغداد موسى بن جعفر * قبر موسى مديحه ليس ينكر
هو باب إلى المهيمن تقضى * منها حاجاتنا وتحبى وتجبر
هو حصني وعدتي وغياثي * وملاذي وموئلي يوم أحشر
صائم القيظ كاظم الغيظ في * الله مصفى به الكبائر تغفر
كم مريض وافى إليه فعافاه * وأعمى أتاه صح وأبصر (3)



(1) الديوان: 137، الشريف الرضي، قم. والمراد قبر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وقد جاء
في عيون الأخبار 2: 263 لابن بابويه: أن دعبلا لما بلغ هذا البيت الذي هو من تائيته
المشهورة التي أنشدها بمحضر الإمام الرضا (عليه السلام)، قال له الإمام الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك
بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى، يا بن رسول الله. فقال الإمام:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الإمام (عليه السلام): هو قبري.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 4: 298.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 329.
471
[5] وقال الناشئ (1) يمدح الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
ببغداد وإن ملئت قصورا * قبور أغشت الآفاق نورا
ضريح السابع المعصوم موسى * إمام يحتوي مجدا وخيرا
بأكناف المقابر من قريش * له جدث غدا بهجا نضيرا
وقبر محمد في ظهر موسى * يغشي نور بهجته الحضورا
هما بحران من علم وحلم * تجاوز في نفاستها البحورا
إذا غارت جواهر كل بحر * فجوهرها ينزه أن يغورا
يلوح على السواحل من بغاه * تحصل كفه الدر الخطيرا (2)
* * *
[6] وقال السيد الشريف الرضي (3) يمدح الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
قال من قصيدة في مدح أهل البيت (عليهم السلام):



(1) هو علي بن عبد الله بن وصيف البغدادي، المعروف بالناشئ الأصغر، متكلم وشاعر، له
تصانيف، منها: كتاب في الإمامة، وشعر مدون، توفي سنة 366، وقيل: 365. أعيان الشيعة
8: 282، معجم المؤلفين 7: 142.
(2) المناقب 4: 329.
(3) هو محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو الحسن الشريف الرضي الموسوي،
عالم شيعي، وأديب وشاعر، ولد ببغداد، وتولى نقابة الطالبيين بها، وتوفي سنة 406 ه‍،
ومن آثاره: " خصائص الأئمة (عليهم السلام) "، " الآثار النبوية "، " ديوان شعر كبير "، و " تلخيص
البيان في مجازات القرآن "، " نهج البلاغة ". تأريخ بغداد 2: 246، الوافي بالوفيات 2: 374،
شذرات الذهب 3: 182، مصفى المقال: 405، معجم المؤلفين 9: 262.
472
ولي قبران بالزوراء أشفي * بقربهما نزاعي واكتئابي
أقود إليهما نفسي وأهدي * سلاما لا يحيد عن الجواب
لقاؤهما يطهر من جناني (1) * ويدرأ عن ردائي كل عاب (2)
* * *
[7] وقال الشيخ أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي (3) يمدح الإمام
الكاظم (عليه السلام):
مدايحي وقف على الكاظم * فما على العاذل واللايم
وكيف لا أمدح مولى غدا * في عصره خير بني آدم؟
ومن كموسى أو كآبائه * أو كعلي وإلى القائم
إمام حق يقتضي عدله * لو سلم الحكم إلى الحاكم
إفاضة العدل وبذل الندى * والكف عن عادية الظالم
يبسم للسائل مستبشرا * أفديه من مستبشر باسم
ليث وغى في الحرب دامي الشبا (4) * وغيث جود كالحيا الساجم



(1) الجنان: القلب.
(2) الديوان 1: 92، المطبعة الأدبية، بيروت - 1307 ه‍.
(3) هو الشيخ علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، بهاء الدين، أبو الحسن، أديب وناثر
وشاعر ومؤرخ، من تصانيفه: كشف الغمة في معرفة الأئمة، المقامات الأربع، رسائل الطيف
في الإنشاء، نزهة الأخيار، وله شعر، وتوفي سنة 692 ه‍. معجم المؤلفين 7: 163،
الوافي بالوفيات 12: 135، كشف الظنون: 1492، الأنوار الساطعة: 107.
(4) الشبا: الحد من السيف وغيره.
473
مآثر يعجز عن وصفها * بلاغة الناثر والناظم
تعد إن قيست إلى جوده * معايبا ما قيل عن حاتم
في الحلم بحر ذاخر مده (1) * وفي الوغى أمضى من الصارم
يعفو عن الجاني ويولي الندى * ويحمل الغرم عن الغارم
القائم الصائم أكرم به * من قائم مجتهد صائم!
من معشر سنوا الندى والقرى * وأشرفوا في الزمن القائم
وأحرزوا خصل العلى فاغتدوا * أشرف خلق الله في العالم
يروي المعالي عالم منهم * مصدق في النقل عن عالم
قد استووا في شرف المرتقى * كما تساوت حلقة الخاتم
من ذا يجاريهم إذا ما اعتزوا (2) * إلى علي وإلى فاطم
ومن يناويهم إذا عددوا * خير بني الدنيا أبا القاسم
صلى عليه الله من مرسل * لما أتى من قبله خاتم
يا آل طه أنا عبد لكم * باق على حبكم اللازم
أرجو بكم نيل الأماني غدا * إذا استبانت حسرة النادم
معتصم منكم بود إذا * ما ظل شانيكم بلا عاصم
وليكم في نعم خالد * وضدكم في نصب دائم (3)
* * *



(1) أي سكوت وسكون.
(2) أي انتسبوا.
(3) كشف الغمة 3: 48. وفي المصدر: نسب دائم، تصحيف صوابه ما أثبتناه.
474
[8] وقال الشيخ البهائي (1) يمدح الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
أيا قاصد الزوراء عرج * على الغربي من تلك المغاني
ونعليك اخلعن واسجد خضوعا * إذا لاحت لديك القبتان
فتحتهما لعمرك نار موسى * ونور محمد متقاربان (2)
* * *
[9] وقال الشيخ حسين بن محمد الدرازي (3) يرثي الإمام الكاظم (عليه السلام):
جلت مصيبة أحمد في آله * فرمتهم الأعداء بسهم نكال
تبا لها من أمة قد جردت * سيف البغاة بهم وقوس نبال



(1) هو الشيخ بهاء الدين أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الصمد، الحارثي الهمذاني
العاملي، ولد في بعلبك نحو سنة 953 ه‍، وفي أيام الدولة الصفوية هاجر أبوه إلى إيران،
فحظي الشيخ البهائي بمنزلة رفيعة لدى الشاه عباس الأول، وارتقى منصب شيخ الإسلام،
وسافر إلى عدة بلدان كالبيت الحرام ومدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) والعراق ومصر والشام والقدس
وهرات وغيرها، ثم عاد إلى أصفهان، وله مؤلفات عديدة في الحديث والدراية والتفسير
والرجال والدعاء والفقه وأصوله والنحو والشعر والبلاغة والصرف وعلم الهيئة والحكمة
والتأريخ والأدب وغيرها، وله كرامات معروفة، وتوفي في إصفهان سنة 1031 ه‍، ونقل جثمانه
إلى مشهد المقدسة. مقدمة كتاب الأربعين للبهائي: 5 - 48.
(2) الغدير 11: 279.
(3) هو الشيخ حسين بن محمد بن أحمد الدرازي البحراني، المعروف بالشيخ حسين عصفور،
كان يضرب به المثل في قوة الحافظة، له نحو 35 مؤلفا في فنون شتى، وله شعر ومنظومات
عدة، توفي سنة 1216 ه‍، وقيل غير ذلك. أعيان الشيعة 6: 140، مستدرك أعيان الشيعة
2: 93.
475
كم جرعتهم من قداح سمومها * حتى غدوا صرعى بكل مجال
ما مات منهم سيد بفراشه * بل مات مقتولا بشر قتال
إما بسيف أو بسم ناقع * وا لهفتاه لهم وعظم وبال
لا زال من بعد النبي عدوهم * يسعى لهم بالقهر والإذلال
فلقد أصيبوا من بني العباس ما * زادوا على سفهاء كل ضلال
سفها أمية سيما ما قد جرى * بالطهر موسى مجمع الأفضال
من عجلها ذاك العنيد رشيدها * قد زاد فعل يزيدها بفعال
خرت لمصدرها سماوات العلا * والأرض في رجف وفي زلزال
والعرش منحرف كذا كرسيها * والعالم العلوي في إعوال (1)
لا غرو إن كسفت له شمس الضحى * والنجم خر وكل ما هو عال
فلألبسن عليه ثوب كآبة * ما دمت حيا لانقضا الأجيال
لهفي لدين محمد من بعده * أضحى ولا حام إليه ووال
لعنت بنو العباس أشأم لعنة * من ربها وغدت بشر وبال
وغدت صلاة الله مع تسليمه * تهدى لأحمد دائما والآل (2)
* * *
[10] وقال الشيخ محسن أبو الحب الكربلائي (3) يمدح الإمامين



(1) في المصدر: أغوال، تصحيف صوابه ما أثبتناه.
(2) مجموعة وفيات الأئمة: 274.
(3) هو الشيخ محسن بن محمد أبو الحب الكربلائي، ولد سنة 1344 ه‍، كان خطيبا أديبا بحاثة،
توفي في كربلاء ليلة الاثنين في العشرين من ذي القعدة سنة 1405 ه‍. معارف الرجال 2:
181.
476
الجوادين (عليهما السلام):
ألا يا قاصد الزوراء عرج * لتحظى بالأمان وبالأماني
وحث الركب إن تبغي نجاحا * على الغربي من تلك المغاني
فطف واسع وحج بها ولب * وسلم في جنانك واللسان
ونعليك اخلعن واخضع خشوعا * إذا لاحت لديك القبتان
فتحتهما لعمرك نار موسى * أضاءت حين نودي لن تراني
فتلك النار نور الله فيها * ونور محمد متقاربان (1)
* * *
[11] وقال الشيخ صالح التميمي (2) يمدح الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
إذا ضل حاديها الطريق بدا له * سنا بارق بالكرخ يهدي إلى الرشد
سنا نور موسى والجواد محمد * سناء يعيد البرء للأعين الرمد
هما شرعا من لجة العلم موردا * جداوله للناس أحلى من الشهد (3)
* * *



(1) الديوان: 215، النجف - 1966 م. والظاهر أن بعض أبياتها تضمين من قصيدة الشيخ
البهائي المتقدمة.
(2) هو الشيخ صالح بن درويش بن علي الكاظمي، النجفي، الحلي، أبو سعيد، أديب وناثر
وناظم، ولد في الكاظمية نحو سنة 1190 ه‍، ورحل إلى النجف، وتوفي ببغداد سنة 1261 ه‍،
من آثاره: ديوان شعر، وشرك العقول وغرائب المنقول، وغيرهما. معجم المؤلفين 5: 7،
شعراء الحلة 3: 142.
(3) الديوان: 34، مطبعة الزهراء، النجف الأشرف - 1948 م.
477
[12] وقال عبد الباقي العمري (1) يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام):
لا تلمني على وقوفي باب * تتمنى الأملاك فيه وقوفي
هو باب مجرب ذو خواص * كان منها إغاثة الملهوف
ملجأ العاجزين كهف اليتامى * مروة المرملين (2) مأوى الضيوف
أنا عنه حيا وميتا بدنياي * وأخراي لست بالمصروف
فليلمني من شاء إني موال * رافل من ولائهم بشغوف (3)
وقال:
خلعنا نفوسا قبل خلع نعالنا * غداة حللنا مرقدا منك مأنوسا
وليس علينا من جناح بخلعها * لأنك بالوادي المقدس يا موسى (4)
وقال:
زر حضرة مجمع البحرين ساحتها * أبان عن قبتيها سره القدر
ترى ابن جعفر موسى في حظيرته * موسى ولكن له من نفسه خضر (5)



(1) هو عبد الباقي بن سليمان بن أحمد العمري، الفاروقي، الموصلي، أديب وشاعر ومؤرخ،
ولد بالموصل، وانتقل إلى بغداد، وولي بها أعمالا حكومية، وتوفي بها سنة 1278 ه‍،
وله من الآثار: نزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر، أهلة الأفكار في معاني الابتكار،
الباقيات الصالحات، الترياق الفاروقي (ديوان شعر)، وغيرها. معجم المؤلفين 5: 71،
تأريخ آداب اللغة العربية - جرجي زيدان 4: 235، إيضاح المكنون 1: 285 و 2: 639،
هدية العارفين 1: 497.
(2) المرمل: الفقير، والمعوز الذي نفد زاده.
(3) الترياق الفاروقي: 118، مصر - 1316 ه‍.
(4) الترياق الفاروقي: 132.
(5) الترياق الفاروقي: 132.
478
وقال وهو في أثناء موسم الزيارة في رجب سنة 1269 ه‍:
زيارة الكاظمين في رجب * تنقذ يوم اللقا من اللهب
تعدل حجا ووقفة بمنى * وعمرة كلها بلا نصب
إي وأبي لا يخاف هول غد * من حازها في الزمان إي وأبي
من شاهد الفرقدين قبلهما * في سفطي قبتين من ذهب (1)
* * *
[13] وقال عبد الغفار الأخرس (2) يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام) وذلك حين
أهدى السلطان محمود الثاني (1199 ه‍ - 1255 ه‍) ستائر كانت على الضريح
النبوي الشريف إلى مقامه (عليه السلام):
يا إمام الهدى ويا صفوة الله ويا * من هدى هداه العبادا
يا بن بنت الرسول يا بن علي * حي هذا النادي وهذا المنادى
قد أتيناك بثوب جدك نسعى * وأتيناك يا سيدي وفادا
فأتيناك راجلين احتراما * واحتشاما وهيبة وانقيادا
نتهادى به إليك جميعا * وبه كانت المطايا تهادى
طالبات موسى بن جعفر فيه * وكذا القدوة الإمام الجوادا



(1) الترياق الفاروقي: 141.
(2) هو عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب، المعروف بالأخرس، شاعر، ولد بالموصل نحو
سنة 1220 ه‍، وسافر إلى بغداد فسكنها، وتوفي بالبصرة سنة 1290 ه‍، وله من الآثار:
ديوان شعر، جمعه أحمد عزت وسماه الطراز الأنفس في شعر الأخرس. معجم المؤلفين
5: 268، هدية العارفين 1: 588، تأريخ آداب اللغة العربية - جرجي زيدان 4: 238.
479
من نبي قد شرف العرش لما * أن ترقى بالله سبعا شدادا
شرف في ثياب قبر نبي * عطرت في ورودها بغدادا
كاظم الغيظ سالم الصدر عاف * ما حوى قط صدره الأحقادا
قد وقفنا لدى علاك وألقينا * إلى بابك الرفيع القيادا
موطن تنزل الملائك فيه * ومقام يسر فيه الفؤادا
أيها الطاهر الزكي أغثنا * وأنلنا الإسعاف والإسعادا
فعليك السلام يا خيرة الخلق * سلام يبقى ويأبى النفادا (1)
* * *
[14] وقال السيد موسى الطالقاني (2) يمدح الإمامين الكاظمين (عليهما السلام):
وببغداد قد ثوى سيد الكونين * موسى أسير كف الذحول
كاظما غيظه يريد رضا الله * فيلقى الردى بصبر جميل
عابد زاهد تقي نقي * غوث داع وغيث عام محيل
قد أصاب الرشيد في قتله الغي * وقد ضل عن سواء السبيل
وإلى جنبه ثوى من بنيه * خير شبل له وخير سليل (3)
* * *



(1) الطراز الأنفس: 79 - 81، استانبول - 1304 ه‍.
(2) هو موسى الطالقاني النجفي، أديب وشاعر، وفقيه وأصولي، ولد في النجف، وتوفي سنة
1296 ه‍، وقيل غير ذلك، وله من الآثار: كتاب في الأصول، وكتاب في الفقه، وديوان شعر
مطبوع. معجم المؤلفين 13: 40.
(3) الديوان: 58، النجف الأشرف - 1957 م.
480
[15] وقال السيد حيدر الحلي (1) يمدح الإمامين الكاظمين (عليهما السلام):
حزت بالكاظمين شأنا كبيرا * فابق يا صحن آهلا معمورا
فوق هذا البهاء تكسى بهاء * ولهذي الأنوار تزداد نورا
إنما أنت جنة ضرب الله * عليها كجنة الخلد سورا
إن تكن فجرت بهاتيك عين * وبها يشرب العباد نميرا
فلكم فيك من عيون ولكن * فجرت من حواسد تفجيرا
فاخرت أرضك السماء وقالت: * إن يكن مفخر فمني استعيرا
أتباهين بالضراح وعندي * من غدا فيهما الضراح فخورا (2)
بمصابيحي استضئ فمن شمسي * يبدو فيك الصباح سفورا
ولبيتي المعمور ربا معال * شرفا بيت ربك المعمورا
لك فخر المحارة انفلقت عن * درتين استقلتا الشمس نورا
وهما قبتان ليست لكل * منهما قبة السماء نظيرا
صاغ كلتيهما بقدرته الصائغ * من نوره وقال: أنيرا
حول كل منارتين من التبر * يجلي سناهما الديجورا (3)
كبرت كل قبة بهما شأنا * فأبدت عليهما التكبيرا



(1) هو حيدر بن سليمان بن داود بن حيدر الحلي، أديب وناثر وشاعر، ولد في الحلة، وتوفي بها
سنة 1304 ه‍، ودفن في النجف الأشرف، من آثاره: ديوان شعر كبير، دمية القصر في شعراء
العصر، العقد المفصل، الأشجان في مراثي خير إنسان. معجم المؤلفين 4: 90، هدية العارفين
1: 342، شعراء الحلة 2: 331، إيضاح المكنون 1: 499.
(2) الضراح: هو البيت المعمور، وهو الذي في السماء حيال الكعبة.
(3) التبر: الذهب. والديجور: الظلام.
481
فغدت ذات منظر لك تحكي * فيه عذراء تستخف الوقورا
كعروس بدت بقرطي نضار (1) * فملت قلب مجتليها (2) سرورا
بوركت من منائر قد أقيمت * عمدا تحمل العظيم الخطيرا
رفعت قبة الوجود ولولا * ممسكاها لآذنت أن تمورا
يا لك الله ما أجلك صحنا * وكفى بالجلال فيك خفيرا!
حرم آمن به أودع الله * تعالى حجابه المستورا
طبت إما ثراك مسك وإما * عبق المسك من شذاه استعيرا
بل أراها كافورة حملتها * الريح خلدية فطابت مسيرا
كلما مرت الصبا عرفتنا * أنها جددت عليك المرورا
أين منها عطر الإمامة لولا * أنها قبلت ثراك العطيرا
كيف تحبيري الثناء فقل لي * أنت ماذا؟ لأحسن التعبيرا
صحن دار أم دارة (3) نيراها * بهما الكون قد غدا مستنيرا
إن أقل: أرضك الأثير ثراها * ما أراني مدحت إلا الأثيرا
وعلى بلدة الجوادين عرج * بالقوافي مهنيا وبشيرا
قل لها لا برحت فردوس أنس * فيك تلقى الناس الهنا والحبورا
ما نزلنا حماك إلا وجدنا * بلدا طيبا وربا غفورا
وإمامين ينقذان من النار * لمن فيهما غدا مستجيرا (4)



(1) النضار: الذهب.
(2) اجتلت العروس بعلها: نظر إليها مجلوة.
(3) الدارة: الهالة المحيطة بالقمر.
(4) ديوان السيد حيدر الحلي: 35 - 41.
482
[16] وقال السيد صالح القزويني (1) يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام):
اعطف على الكرخ من بغداد وابك بها * كنزا لعلم رسول الله مخزونا
موسى بن جعفر سر الله والعلم المبين * في الدين مفروضا ومسنونا
باب الحوائج عند الله والسبب الموصول * بالله غوث المستغيثينا
الكاظم الغيظ عمن كان مقترفا * ذنبا ومن عم بالحسنى المسيئينا
يا ابن النبيين كم أظهرت معجزة * في السجن أزعجت فيها الرجس هارونا
وكم بك الله عافى مبتلى، ولكم * شافى مريضا وأغنى فيك مسكينا
لم يلهك السجن عن هدي وعن نسك * إذ لا تزال بذكر الله مفتونا
وكم أسروا بزاد أطعموك به * سما فأخبرتهم عما يسرونا



(1) هو السيد صالح بن مهدي بن رضي الحسيني، الشهير بالقزويني، أديب وشاعر، ولد في
النجف سنة 1208 ه‍، وتوفي سنة 1306 ه‍ في بغداد، ودفن بالنجف، وترك من الآثار:
الدرر الغروية في رثاء العترة المصطفوية، وديوان شعر كبير. معجم المؤلفين 5: 14.
483
وللطبيب بسطت الكف تخبره * لما تمكن منها السم تمكينا
بكت على نعشك الأعداء قاطبة * ما حال نعش له الأعداء باكونا
راموا البراءة عند الناس من دمه * والله يشهد ما كانوا بريئينا
كم جرعتك بنو العباس من غصص * تذيب أحشاءنا ذكرا وتشجينا
قاسيت ما لم تقاس الأنبياء وقد * لاقيت أضعاف ما كانوا يلاقونا
أبكيت جديك والزهراء أمك والأطهار * آباءك الغر الميامينا
طالت لطول سجود منه ثفنته * فقرحت جبهة منه وعرنينا
رأى فراغته في السجن منيته * ونعمة شكر الباري بها حينا
يا ويل هارون لم تربح تجارته * بصفقة كان فيها الدهر مغبونا
ليس الرشيد رشيدا في سياسته * كلا ولا ابنه المأمون مأمونا

484
تا لله ما كان من قرب ولا رحم * بين المصلين ليلا والمغنينا
لهفي لموسى بهم طالت بليته * وقد أقام بهم خمسا وخمسينا
يزيدهم معجزات كل آونة * ونائلا وله ظلما يزيدونا
لم يحفظوا من رسول الله منزله * ولا لحسناه بالحسنى يكافونا
باعوا لعمري بدنيا الغير دينهم * جهلا فما ربحوا دنيا ولا دينا
في كل يوم يقاسي منهم حزنا * حتى قضى في سبيل الله محزونا (1)
وقال يمدح الإمامين الجوادين (عليهما السلام):
أقول لركب حيث بانوا ويمموا * سراعا إلى الزوراء عوجوا وألمموا
إذا جئتم من جانب الكرخ غربوا * إلى الطور حيث النور يبدو ويكتم
قفوا حيث نار الطور أشرق نورها * ولاح سناها والظلام مخيم
وحيث تراءت نار موسى فأولجوا * إليه مع السارين والليل مظلم
قفوا بي إذا ما جئتم ذروة الحمى * على قبر موسى والجواد وسلموا (2)



(1) المجالس السنية 5: 550.
(2) ديوان ابن كمونة: 90، النجف الأشرف - 1948 م. وقد خمسها الحاج محمد علي كمونة
الأسدي الكربلائي واكتفينا هنا بذكر الأصل دون التخميس.
485
[17] وقال الشيخ جابر الكاظمي (1) في تعمير حضرة الجوادين (عليهما السلام) سنة
1281 ه‍:
فقل لمن قصد الزوراء معتمدا * قطع الفدافد (2) يطوي كل بيداء
إن صرت غربي بغداد وشمت سنا الوادي * المقدس مأوى كل آلاء
قل للمنيبين رشدا عن مورخه * (نادوا المهيمن هذا طور سيناء) (3)
وقال مؤرخا زخرفة إيوان باب المراد من الحضرة الكاظمية بالزجاج:
وإيوان صفا مرآه حتى * على الأفلاك فضل بالضياء
وفي مرآته التكوين طرا * تراءى للعيون بلا غطاء
فزخرفه وزينه كرام * سموا بعلائهم قمم العلاء
لموسى والجواد السبط سبطي * رسول الله خير الأنبياء
وأقصى الوجد زال فأرخوه * (أراه شبه مرآة السماء) (4)
* * *



(1) هو الشيخ جابر بن عبد الحسين بن عبد الحميد الكاظمي، شاعر وأديب، ولد بالكاظمية،
سنة 1222، وتوفي سنة 1313 ه‍، ومن آثاره: ديوان شعر اسمه (سلوة الغريب وأهبة
الأديب)، والدرر واللآلئ في تخميس القصيدة الأزرية. نقباء البشر 1: 274، معجم المؤلفين
3: 106.
(2) الفدافد: الصحارى الشاسعة.
(3) الديوان: 28 - 31، بغداد - 1964 م. والجملة في البيت الأخير تساوي في حساب الجمل
1281 ه‍.
(4) الديوان: 35، والجملة في البيت الأخير تساوي في حساب الجمل 1284، وذلك بعد
حذف (الدال) التي تساوي (4) لإشارته إليها بقوله: وأقصى الوجد زال.
486
[18] وقال الشيخ محمد حسين الاصفهاني (1) المتوفى سنة 1361 ه‍ في
منظومته:
باب الحوائج الإمام موسى بن جعفر صلوات الله عليهما
أشرق نور العلم والعبادة * في ملكوت الغيب والشهادة
وقد تجلى نير اللاهوت * فأشرقت مشارق الناسوت
أو نور طور الجبروت سطعا * فاندك فيه الطور والنور معا
والطور فان في فناء بابه * والنور كل النور من قبابه
فإنه مبدأ كل نور * بل هو منتهاه في الظهور
نور تعالى شأنه عن حد * وعز في نعوته عن عد
ذلك نور منية الكليم * رؤيته من زمن قديم
ذلك نور كعبة الأعاظم * وقبلة الحاجات موسى الكاظم
أبو العقول والنفوس النيرة * أم الكتاب وابن خير الخيرة
بل هو نور كعبة التوحيد * وقبلة الشاهد في الشهود
نور سماء الذات والصفات * به حياة عالم الحيات
فالق صبح الأزل المنير * به استنارت كل مستنير
أضاءت السبع العلى بنوره * كأنها تدور حول طوره



(1) هو الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني النجفي، الشهير بالكمباني، من أعاظم
العلماء، وأجلاء الفلاسفة، توفي في سنة 1361 ه‍، ودفن في النجف، وترك آثارا، منها:
نهاية الدراية، أصول الفقه، حاشية المكاسب، ديوان شعر فارسي، الأنوار القدسية (شعر
عربي في تأريخ المصطفى والعترة (عليهم السلام)). نقباء البشر 2: 560.
487
باب الرحمة
تود وهي ركع ببابه * تكون سجدا على ترابه
وبابه كعبة كل مالك * ومستجار الكل في المهالك
وبابه ملتزم الأرواح * باب المقام قبلة الضراح
وهو مطاف كعبة الإسلام * ومشعر المشاعر العظام
أكرم به فإنه باب الهدى * أنعم به فإنه باب الندى
بل هو باب الكشف والشهود * والسير في عوالم الوجود
وباب أبواب التجليات * في الذات والأفعال والصفات
وباب أبواب المعالي والهمم * باب مدينة العلوم والحكم
وكيف لا وإنه ابن بجدته * سر علا في علو رتبته
وسر خير الخلق في سريرته * في علمه وحلمه وسيرته
والجوهر الفرد من الكنز الخفي * وجاز فيما حاز كل الشرف
كرسي علمه العظيم أرفع * من السماوات العلى وأوسع
وكيف وهو أعظم المرائي * لغيب ذات بارئ الأشياء
فإنه كالشمس والضياء * من المحمدية البيضاء
اقرأ الشعر الحر
فهل ترى بغيره يضاهى * مهجة ياسين وقلب طه
إلى علاه منتهى مكارمه * ذا فاتح الخير وهذا خاتمه
له الخلافة المحمدية * في كل مكرماته العليه
له الخلافة الإلهية في * عباده أكرم به من خلف
يعرب حقا في تجلياته * عن ذاته العليا وعن صفاته

488
السجن والسر
يفصح صدقا وهو في السجون * عن مستسر غيبه المكنون
هو اسمه الأعظم وهو مختفي * والمظهر الأتم للكنز الخفي
أو في حجاب القدس ناموس الأزل * فلا يزال باطنا ولم يزل
أو في محيط الكبرياء والشرف * كالدرة البيضاء وهي في الصدف
وأشرقت من خلق القيود * نقطة قطب حلقة الوجود
ومذ على الجسر غدا مصفدا * وكان عرشه على الماء بدا
صلاته الوسطى
يمثل المبدأ في ثنائه * في جبروته وكبريائه
تكبيره من أفصح البيان * عن الكبير المتعال الشان
يمثل المنزل في آياته * إذا تلى الآيات في صلاته
يمثل العظيم في ركوعه * وهو على ما هو من خضوعه
كما يمثل العلي الأعلى * عند سجوده إذا تدلى
يمثل المشهود في تشهده * مذ بلغ الغايات في تجرده
يمثل النبي في سلامه * والمسك كل المسك في ختامه
وهو حليف السجدة الطويلة * وصاحب الضراعة الجميلة
وأزهرت عوالم الوجود * بنوره الزاهر في السجود
كأن من دموعه الغزيرة * سحائب الرحمة مستثيرة
يعرب في القيام والقعود * عن قوسي النزول والصعود
وفي قيوده عن أقياده * لله والفناء في مراده

489
المعاجز والمآثر
آيات معجزاته مرتسمة * في صفحات الصحف المكرمه
له من المآثر الجليلة * ما ليس يحصي أحد تفصيله
له يد المعروف والأيادي * على الورى من حاضر وباد
بل كل ما في عالم الإيجاد * من ذلك المعروف والأيادي
إذ يده الباسطة القوية * حقا يد الباسط بالعطية
ومن أياديه على العباد * معرفة المبدأ والمعاد
ونعمة العلم أتم نعمه * وليها ولي أمر الأمه
معروفه المعارف المأثورة * فهي على ذمته مقصورة
فإنه قطب محيط المعرفة * بل هو سر كل اسم وصفه
باب الحوائج
وبابه باب شفاء المرضى * وكل حاجة لديه تقضى
وبابه باب حوائج الورى * لأجله عدا به مشتهرا
وكعبة الرجاء لكل راج * ومستجار الملتجى المحتاج
وكيف لا والباب باب رحمه * وفي فنائه نجاة الأمه
له من الخوارق الجسيمة * ما جبهة الدهر به وسيمة
يغنيك عن بيانها عيانها * وإنما شهودها برهانها
وكظمه للغيظ من صفاته * ثبوته يغنيك عن إثباته
الكوارث والمحن
قضى حياته مدى الزمان * وهي حياة عالم الإمكان
في السجن والحديد والعذاب * يا لعظيم الرزء والمصاب

490
ونوره في ظلمة المطموره * أنار وجه قطري المعموره
بل الجهات الست والسبع العلى * والملأ الأعلى استنارت كملا
ويل لهارون الخنا أختي (1) على * موسى ربيت المجد بل رب العلا
من بعد أن قضى على صلاته * يقطعها لا بل على حياته
سيره من طيبة الغراء * ظلما إلى بصرة والزوراء
لا تخل أخرجه عن وطنه * لا بل أزال روحه عن بدنه
كيف وأين الروضة المنوره * من محبس السندي رأس الفجره!
ولم يزل يعالج الحبوسا * وكان كل يومه عبوسا
وعضه القيد فرض ساقه * لهفي لمن أمضه وثاقه
المصفد المسموم
ولم يزل مصفدا مكبلا * حتى قضى بالسم موسى الأجلا
آنس نارا من سموم السم * فزاده غما عقيب غم
نور الهدى خبا فأظلم الفضا * يا ساعد الله إمامنا الرضا
وا عجبا من هو أزكى ثمره * من دوحة المجد الأثيل المثمره
من دوحة العليا والفتوه * من دوحة التنزيل والنبوة
كيف قضى بالرطب المسموم * على يد ابن شاهك المشوم
النعش المحمول
أمثل موسى وارث الرسالة * يحمل نعشه مع الحمالة!
نعش تطوف حوله الأفلاك * تبركت بحمله الأملاك



(1) أي انقض عليه، أو احتال عليه وختله.
491
ولم يشيعه من الناس أحد * فيا لها من غربة بغير حد
بل شيعة الزفاف المحرقة * من أنفس قلوبها محترقة
شعث العقول والأرواح * لهم على غربته نياح
وكيف نعش صاحب الخلافة * يرمى على الجسر من الرصافة!
تنوح في غربته عليه * خشخشة الحديد في رجليه
ناحت عليه زمر الملائك * بل ناحت الحور على الأرائك
أم كيف يستخف بالنداء * عليه وهو أعظم الأرزاء!
لهفي لذاك الهتك والجسارة * على سليل القدس والطهارة
نادى عليه الرجس بالتحقير * وإنه ابن آية التطهير
أيذكر الطيب وابن الطيب * بأفحش القول فيا للعجب
وهو ابن من نودي باسمه على * منابر القدس بعز وعلا
نودي باسمه العظيم السامي * في الصلاة الخمس بالإعظام
أحجة الحق إمام الرافضة * بل حجة الباطل منه داحضة
وليس في الغيب والشهادة * سواه قائد إلى السعادة
بل رفض الباطل رفضا رفضا * ومحض الحق الصريح محضا
فلا ورب العرش لولا الكاظم * لم يك للدين الحنيف ناظم (1)
* * *



(1) الأنوار القدسية: 75.
492
[19] قال السيد محسن الأمين العاملي (1) يرثي الإمام الكاظم (عليه السلام):
خلها تطوي الفلا طيا يداها * لا تعفها فلقد طاب سراها
قصدها الزوراء تنحو تربة * طاب من مثوى الجوادين شذاها
بأريج المسك يزري نشرها * وعلى شهب السما يسمو حصاها
فإذا لاحت لعينيك فقف * واخلع النعلين في وادي طواها
تر أنوارا لموسى لمعت * نار موسى قبسات من سناها
وإذا كف الجواد انبجست * لك كان الغيث في فيض نداها
تفخر الزوراء في موسى على * طور سيناء وتسمو في علاها
قف بها وقفة عبد وأطل * وقفة العيس بها والثم ثراها
واذر دمع العين في ساحاتها * فلمن تدخر العين بكاها
وابك فيها كاظم الغيظ الذي * مات مسموما بأيدي أشقياها
بأبي من طال ظلما حبسه * وهو للأعداء لو شاء محاها (2)
* * *



(1) هو المصلح الكبير السيد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي، من أشهر علماء
عصره، ولد في شقراء من قرى لبنان سنة 1284 ه‍، وانتخب عضوا في المجمع العلمي بدمشق،
وتوفي في بيروت سنة 1371 ه‍، وترك من الآثار: أعيان الشيعة، الرحيق المختوم (شعر)،
الحصون المنيعة، تحفة الأحباب في آداب الطعام والشراب، وغيرها كثير. شعراء الغري
7: 255، الأعلام للزركلي 5: 287.
(2) المجالس السنية 5: 552.
493
[20] وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي (1) يمدح الإمام الكاظم (عليه السلام) (2):
نعم هكذا تبدو الكرامات منهم * كشهب الدراري ليس تخفى وتكتم
بنو الوحي سر الكائنات بأسرها * بهم بدأت قدما وفيهم ستختم
فلم يرو إلا عنهم خبر الندى * ولم يسند المعروف إلا إليهم
أقول لمرتاد النجاح تقله * من العيس كوماء تخب وترسم (3)
إذا جئت من بغداد جانب كرخها * ونار الجوى ما بين جنبيك تضرم
ولاحت لعينيك القباب زواهرا * تشق الدجى أنوارها وهو مظلم
فيمم بها مثوى لموسى بن جعفر * فما الخير إلا حيث أنت ميمم
وعرج على ذاك الضريح الذي غدت * بساحته غر الملائك تخدم
فإن يك حول البيت في العام موسم * ففي كل آن فيه للناس موسم
يحوم عليه المعتقون كأنهم * على الورد أسراب من الطير حوم



(1) هو الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر النجفي، الملقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه،
خطيب شهير، وأديب معروف، ولد سنة 1313 ه‍ في النجف الأشرف، وانتخب عميدا
للرابطة الأدبية، وبقي حتى وفاته في سنة 1385 ه‍، وترك آثارا منها: المقصورة العلوية،
عنوان المصائب، البابليات، الذخائر، ديوان شعر، وقائع الأيام، وغيرها. مستدرك الأعيان
1: 190، شعراء الغري 9: 505.
(2) نظمت في مدحه (عليه السلام) وألقيت في " الصحن الكاظمي " ليلة الاثنين 15 ذي الحجة سنة
1349 باحتفال مهيب بمناسبة ظهور بعض الكرامات من مشهده الطاهر، ونشرت في مجلة
" الهدى "، العدد 3 من المجلد الثالث من السنة المذكورة.
(3) الكوماء: الناقة الضخمة السنام، ورسمت الناقة: سارت فوق الذميل، وهو نوع من سير
الإبل.
494
هناك ترى قلب العدو من الأذى * يذوب وآناف الحواسد ترغم
مزايا توالت كل يوم وليلة * بها قد أقر الجاحدون وسلموا
تناقلها الراوون غربا ومشرقا * فذا منجد فيها وذلك متهم
أينكرها قوم عنادا وإنها * شموس بآفاق المعالي وأنجم!
فقل للنصارى: أين ضلت عقولكم * خذو ما رأيتم واتركوا ما سمعتم
لئن عظمت آيات عيسى بعصرها * فآيات موسى في الحقيقة أعظم
فهاتيك تحصى إن تعد وهذه * على مدد الأيام لم يحصها فم
فكم أكمه (1) في فضله عاد مبصرا * وأخرس أضحى ناطقا يتكلم
ومن داخل جارت صروف زمانه * عليه فوافى شاكيا يتظلم
ومن خارج تضفو عليه سوابغا * صنايع من جد الجواد وأنعم
فبلغهم باب المراد مرادهم * وكف الأذى باب الحوائج عنهم
أليس عجيبا أن يصدق ملحد * ويجنح للتكذيب فيهن مسلم!
فقل للأعادي كم تسيئون أحمدا * ألم يكفكم من آله ما عرفتم!
إلى م وكم تطوون كل كرامة * فينشر منها الله ما قد طويتم؟
أجل قد علمتم موقنين بصدقها * ولكن تجاهلتم بما قد علمتم
هم الحبل حبل الله فاعتصموا به * وعروته الوثقى التي ليس تفصم
فيا جاحدي آياتهم إن فضلهم * بدا واضحا صلوا عليهم وسلموا (2)
* * *



(1) الكمه: العمى.
(2) الذخائر: 50.
495
وقال أيضا (1):
حملت وسوق (2) الهم يوم تحملوا * وظل خلي القلب يلحو (3) ويعذل
نأوا ففؤادي ليس يألف بعدهم * سلوا وطرفي بالكرى ليس يكحل
وما جزعي يوم الفراق بنافع * وصبر الفتى في البين أحجى وأجمل
أحباي جرتم بالصبابة فاعدلوا * بذي شغف عن حبكم ليس يعدل
فإن تكن الأهواء منكم تبدلت * فحبي على العلات لا يتبدل
حملت العنا فيكم وفاء لعهدكم * ومن شيم الحر الوفا والتحمل
ولولا الوفا ما اختار أن يرد ابنه * حياض الردى دون الذمار السموأل (4)



(1) نظمها في مدح ورثاء الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على أثر ظهور بعض الكرامات لدى مرقده
الشريف ونشرت في (المرشد) البغدادية سنة 1347 ه‍.
(2) الوسوق: جمع وسق، وهو حمل البعير، وقيل: يساوي 60 صاعا.
(3) يلحو: يقبح ويلعن.
(4) هو السموأل بن غريض بن عاديا، الأزدي، شاعر جاهلي حكيم، وقصة وفائه مع
امرئ القيس الشاعر مشهورة. أعلام الزركلي 3: 140.
496
عذيري من الخلان لم ألق واحدا * عليه إذا جار الزمان يعول
سوى من يريني في الرخاء مودة * ويسلمني عند البلاء ويخذل
ومذ أكدت (1) الآمال مني ولم أجد * على الأرض من يرجى لنيل ويسأل
قصدت بحاجاتي لموسى بن جعفر * فيممت بابا عنده الصعب يسهل
حمى عكفت فيه ملائكة السما * فتعرج أفواج وأخرى تنزل
فأبت وقد بلغت أسنى رغائبي * وخولت من جدواه ما لا يخول
وكم رحت أستجدي سواه فخيبت * ظنوني وهل أجدى عن البحر جدول!
مزاياه لم تحصر بعد كأنها * عطاياه إن وافى إليه المؤمل
بدت مثلما تبدو الكواكب في السما * سوى أنها أبهى سناء وأكمل



(1) أي خابت ولم يظفر صاحبها بشيء.
497
فلولاه ما كان ابن يقطين تاركا * طريقته الأولى التي ليس تجهل
على حين قد كان الرشيد بمرصد * يراقبه في سره كيف يفعل
فعاين منه غير ما كان سامعا * وكذب ما عنه الوشاة تقولوا
وسار لنيشابور من أرض طيبة * لينجز فيها موعدا ليس يمطل
أتى فتولى من شطيطة أمرها * غداة بها أودى الحمام (1) المعجل
نحا (2) قبره العافون من كل وجهة * إلى الله في أعتابه تتوسل
وبالأمس بالزوراء بانت كرامة * بها فاجأتنا صحفها تتمثل
فكم من وجوه قطبت عند ذكرها * وأخرى سرورا أصبحت تتهلل
أتى قبره الأعمى الذي في علاجه * أساة (3) الورى أضحت تحار وتذهل



(1) أي الموت.
(2) نحا: قصد.
(3) الأساة: جمع أسوة، القدوة.
498
توسل في ذاك الضريح ويا له * ضريحا به أهل السما تتوسل
فما حاجة إلا بمغناه تنقضي * ولا غلة إلا بجدواه تنهل
فعاد بصير المقلتين لأهله * يردد آيات الثنا ويرتل
بنفسي الذي لاقى من القوم صابرا * أذى لو يلاقي يذبلا (1) ساخ يذبل
بعيدا عن الأوطان والأهل لم يزل * ببغداد من سجن لآخر ينقل
يعاني وحيدا لوعة السجن مرهقا * ويرسف (2) بالأصفاد وهو مكبل
ودس له السم ابن شاهك غيلة * فأدرك منه الرجس ما كان يأمل
ومات سميما حيث لا متعطف * لديه ولا حان عليه يعلل
قضى فغدا ملقى على الجسر نعشه * له الناس لا تدنو ولا تتوصل



(1) يذبل: اسم جبل.
(2) رسف بالقيد: مشى فيه رويدا.
499
ونادوا على جسر الرصافة حوله * نداء تكاد الأرض منه تزلزل
فقل لبني العباس فيم اعتذارها * عن الآل لو أن المعاذير تقبل
بحيث رسول الله والطهر فاطم * خصيمان والرحمن يقضي ويفصل
يمينا لقد زادت بما هي قد جنت * على ما جنته عبد شمس ونوفل
رمت قبلها حرب فأصمت سهامها * وسهم بني الأعمام أدمى وأقتل
فيا بن الألى عن حبهم وولائهم * جميع الورى يوم القيامة تسأل
خذوا يوم حشري إن وهنت بساعدي * فإني بأعباء الجرائم مثقل (1)
* * *
وقال أيضا يرثيه (عليه السلام):
للكرخ سارت بنا عيس الرجا تخد (2) * وفي الضلوع لظى الأشواق تتقد
تؤم في وخدها باب الحوائج واليم * الذي منه هلاك الورى وردوا



(1) الذخائر: 52.
(2) وخد البعير يخد: أسرع.
500
يا بن الأولى بلغوا من كل مكرمة * شأوا بعيد المراقي لم تنله يد
ومن إذا الدهر قد هبت زعازعه * عليهم الناس بعد الله تعتمد
لم أعتقد أبدا إلا مودتهم * والمرء يسأل عما كان يعتقد
تصرم العمر مني وانقضى أملي * وما وفت لي أيامي بما تعد
ولو تعي الهضب ما في القلب من ألم * دكت ولم تتحمل بعض ما أجد
فلذت فيك وآمالي بك انعقدت * وهل سواك به الآمال تنعقد
ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت * أواصرا برسول الله تتحد
أبكيك رهن السجون المظلمات وقد * ضاق الفضا وتوالى حولك الرصد
لبثت فيهن أعواما ثمانية * ما بارحتك القيود الدهم والصفد
تمسي وتغدو بنو العباس في مرح * وأنت في محبس السندي مضطهد!
دسوا إليك نقيع السم في رطب * فاخضر لونك مذ ذابت به الكبد
حتى قضيت غريب الدار منفردا * لله ناء غريب الدار منفرد
أبكي لنعشك والأبصار ترمقه * ملقى على الجسر لا يدنو له أحد
أبكيك ما بين حمالين أربعة * تشال جهرا وكل الناس قد شهدوا
نادوا عليه نداء تقشعر له السبع * الطباق فهلا زلزل البلد
لم تجتمع هاشم البطحا لديه ولا الأ * شراف من مضر الحمراء تحتشد
كأنها ما درت أن العميد مضى * ومن رواق علاها قد هوى العمد (1)
* * *



(1) الذخائر: 55.
501
[21] وقال الشيخ سليمان الظاهر (1) في رثائه (عليه السلام):
يا قلب أقصر عن هواك فما الهوى * إلا الهوان لكل ندب حازم
من جن فيه فما لداء جنونه * راق وما يجديه رقش تمائم
حتى م يسلس من مقادتك الهوى * فتقاد مجنونا بغير شكائم؟
هل فيك أبقى للحسان وحبهن * بقية حب الإمام الكاظم؟
هو سابع لأئمة وأب لخمسة * قادة هم خير هذا العالم
هم آل بيت إن نماهم آدم * فيهم أقال الله عثرة آدم
هل كان للأعراف غيرهم رجا * لا يعرفون برغم أنف الكاتم
من كان معتصما ففي الدار * ين لن يلفى له من عاصم
نفسي الفدى لمضيع في قومه * وبه يجعجع وهو أهدى قائم
وإذا نماهم هاشم كانت له * من دونهم في المجد ذروة هاشم
من كان يعزى للنبي محمد * خير الورى ولحيدر ولفاطم
لم تشأه من همة ولو انها * شمخت على نسر السماء الجاثم
ضل الذي قد قاسه فيمن غدا * في جنبه حلما لجفني حالم
ومن السفاهة أن تقارن عالما * في جاهل أو بانيا في هادم
هل كان هارون يجاري في تقى * موسى وفي شأوي على ومكارم؟!
* * *
أفديه من متنقل في سجنه * من عارم يهدى لآخر عارم
والسجن لم يك منقصا قدرا له * أن يرتقى أبدا بوهم الواهم



(1) أستاذ وأديب سوري، كان عضوا في المجمع العلمي بدمشق.
502
ماذا به السندي يلقى ربه * وهو الخصيم أمام أعدل حاكم
أيريع حزب الله منه ولا يعض * بحشره سبابة من نادم
ويذيقه السم النقيع بسجنه * ظلما ولا يلقى جزاء الظالم
أفديه من متبتل لإلهه * متسربل سربال ليل فاحم
وتراه أفضل صائم بنهاره * وبليله الغربيب (1) أفضل قائم
وترى الضراغم كالضباء إذا دنا * منها وتلقاه بقلب واجم
قل للذي أغراه فيه حلمه * ومشى به يسعى لأعظم ظالم
لم يرع فيه أواصر القربى ولم * تحجزه عنه رقة من راحم
كم بدرة نفحتك فيها كفه * إن فيه قد أغرتك بيض دراهم
فقطعت موصولا وكم بسعاية * فيه انغمست بموبقات مآثم
إن عنك نامت عينه فاعلم بأن * الله عن مسعاك ليس بنائم
فجزاك ربك عن صنيعك ميتة * ما أعقبت لك غير خزي الآثم
أظننت جهلا أن ربك تارك * أحزابه أو غافل عن غاشم
* * *
يا حجة الله الذي أضحت ولاية * حزبه في الناس ضربة لازم
ما زلت للحاجات بابا من يلجه * فاز منه في عظيم مغانم
ما كنت متخذا ولاية غيركم * لي شافعا في مثقلات جرائمي
هل كان يلفى خاشعا أو جازعا * من كان جنته الولاء الفاطمي
جار الزمان عليكم في حكمه * وعليكم ما انفك أجور حاكم



(1) الغربيب: الشديد السواد.
503
إن الذي قلدتموهم صارما * تخذوكم هدفا لذاك الصارم
وتقمصوا بكم قميصا لم يكن * إلا لكم في غابر أو قادم
ونسيجه من حكمة وسداه من * حلم ولحمته سني مكارم
صلى الإله عليكم ما أرضعت * للنبت طفلا مثقلات غمائم (1)
* * *
[22] وقال السيد محمد رضا القزويني في رثائه (عليه السلام):
ذكرتك يا بغداد بعد سنين * فألفيت ذكراك كل شجون
وما كدت أن أخفي عليها مسرة * تخيلتها إلا قتلت ظنون
كأن الذي قد كان بينك لم يدع * بقلبك نحو الآل أي حنين
تمثلت الدنيا لديك بغدرها * بوجه جميل للحتوف كمين
خدعت الذي يهواك يوما بسلطة * وخضرة جنات وجري عيون
ودجلة تجري والخطوب أمامها * تئن بلحن في الخرير حزين
تذكر بالماضين من كان يرعوي * بما قد رأت قتلا وسمل عيون
وتضحك إذ كانوا يسمون برهة * لها ذهبي العصر عصر حجون
تضج بكلتا الضفتين مظالم * ويملأ أرجاها الهوى بفنون
ويحكم هارون بدعوى خلافة * سمت من رسول الله بعد قرون
لتمنح أبناء العمومة إرثه * وتسلب في ظلم حقوق بنين
يخاطب أفواج السحاب غروره * خراجك ما أمطرت ملك يمين
ويمنع آل المصطفى عن حقوقهم * ويكشف عن حقد لديه دفين



(1) موسوعة العتبات المقدسة 10: 55 - 58.
504
أيوضع في الأغلال موسى بن جعفر * ويودع أعواما بقعر سجون؟!
ويخرج حمالون بالنعش ميتا * ليطرح فوق الجسر طرح مهين؟!
ينادون هذا للروافض شيخهم * وليس له من ناصر ومعين
ولولا أثيرت في سليمان (1) غيرة * وشيعه بالعز فوق متون
لألقي فوق الجسر موسى بن جعفر * ثلاثا غريب الدار مثل حسين (2)
* * *
[23] وقال السيد عباس المدرسي في رثائه (عليه السلام):
في عميق السجون والظلمات * راح يتلو الصلاة تلو الصلاة
هو ابن الإيمان ليس يبالي * فالبلايا للأنفس الصالحات
علوي الإباء والرفض فيه * رفض إيمان كافر باللات
خشية الله أرهبت منه قلبا * أرهب الظالمين في الحجرات
من يجلجل في قلبه الله فردا * يحسب الكون أصغرا من نواة
فهو أقوى قلبا وأربط جأشا * في شديد البلاء والأزمات
هات يا قلب من مناجاتك الآن * فأحلى النجوى لدى الخلوات
رب شكرا لفرصة العمر إني * كم تمنيت هذه في حياتي
أعبد الله وحده لا سواه * ليس من دونه يرى حالاتي
وبعيدا عن أعين الناس وحدي * فارغا عن شواغل النيات
يأنس المؤمنون بالله مهما * حلت السجن عتمة الظلمات



(1) هو سليمان بن أبي جعفر المنصور، عم الرشيد. وقد ذكرنا ذلك في شهادته (عليه السلام).
(2) المنتخب من الشعر الحسيني: 177.
505
ما ألذ الدعاء والقلب صاف * وأعز الدعاء في السهرات!
راح يدعو والليل رهن سكوت * وعيون العباد رهن السبات
ويناجي من لا تضيع لديه * دعوة في ضمائر الكائنات
رب زنزانتي أحب لنفسي * لن أجب طاغيا بشق نواة
يا إلهي وسيدي وحبيبي * يا رجاء المضطر في المشكلات
أنت أعلى من أن تنال بفكري * لن ينال الوادي ذرى الشاهقات
أنت أرشدتني إليك إلهي * فتفضل علي بالرحمات
يا مجيبا لو عز كل مجيب * ومغيثا لو غاب كل الحماة
يا إله اللطف الخفي أغثني * خلص الطير من لهاة البزاة
منقذ النبت من غلالة طين * ومياه محيطة بالنواة
منقذ الطفل بعد طول بقاء * من كهوف الأرحام والمشيمات
منقذ اللبن من دماء وفرث * جاريا في العروق والقنوات
رب خلص من سجن هارون نفسا * تتمنى الممات قبل الممات
ولقاء الرحمن في فسحة النور * طليقا من قيود العصاة
لك هارون ساعة ليس تنجو * من عذاب مسعورة الجمرات (1)
* * *



(1) المنتخب من الشعر الحسيني: 178.
506
خاتمة المطاف
تم بحمد الله وتوفيقه... المجلد الحادي عشر من " موسوعة المصطفى والعترة "
والذي تطرق في بحثه إلى ترجمة حياة السابع من أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين، ألا وهو الإمام أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ويليه إن شاء الله
المجلد الثاني عشر عن حياة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله
وسلامه عليه.
وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أشكر الذوات الأفاضل الذين آزروني في
إخراج هذا السفر الميمون المبارك، وأخص بالذكر منهم: الأستاذ علي موسى
الكعبي الذي ساهم في مراجعة نصوصه ومصادره، وولدنا البار الحاج عارف
الشاكري في متابعته مراحل سير الكتاب من مراجعته، وأخذ الفلم والزينك والطبع
والتجليد.
وكذلك الأستاذ محمد الخازن على صف حروفه وتبويبه، حتى انتهى الكتاب
بهذه الحلة القشيبة.
وذلك في الفاتح من شهر الصيام من سنة 1417 هجرية في دار الهجرة - مدينة
قم المقدسة.

507
سائلا من المولى القدير أن يتقبل منا هذا اليسير، ويعفو عنا الكثير، فإنه سميع
بصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
وسيد بريته، محمد وآله الطاهرين.
العبد المنيب
حسين الشاكري

508
فهرست المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم.
2 - الأئمة الاثني عشر. لابن طولون - قم - منشورات الرضي.
3 - الاتحاف بحب الأشراف. للشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي المصري - مصر.
4 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. للحر العاملي - طهران - دار الكتب الإسلامية.
5 - إثبات الوصية. للمسعودي - النجف - المكتبة الرضوية.
6 - الاحتجاج. للطبرسي - مشهد - مطبعة سعيد - منشورات المرتضى.
7 - أحسن التراجم لأصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). لعبد الحسين الشبستري - مشهد
- المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام).
8 - إحقاق الحق. للسيد التستري - قم - مكتبة السيد المرعشي.
9 - الأخبار الطوال. للدينوري - مصر - دار إحياء الكتب العربية.
10 - الاختصاص. منسوب للشيخ المفيد - قم - جماعة المدرسين.
11 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي). للشيخ الطوسي - مشهد.
12 - الأربعين. للشيخ البهائي - قم - جماعة المدرسين.
13 - الإرشاد. للشيخ المفيد - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
14 - إسعاف الراغبين. لمحمد بن علي الصبان - بيروت - دار الكتب العلمية - 1398 ه‍.
15 - الأعلام. لخير الدين الزركلي - بيروت - دار العلم للملايين - 1986 م.

509
16 - أعلام الدين في صفات المؤمنين. للديلمي - قم - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
17 - إعلام الورى. لأبي علي الطبرسي - طهران - دار الكتب الإسلامية.
18 - أعيان الشيعة. للسيد محسن الأمين العاملي - بيروت - دار التعارف.
19 - الأغاني. لأبي الفرج الاصفهاني - بيروت - مؤسسة عز الدين.
20 - الأمالي. للشيخ الصدوق - بيروت - الأعلمي.
21 - الأمالي. للسيد المرتضى - بيروت - دار الكتاب العربي.
22 - الأمالي. للشيخ المفيد - قم - المطبعة الإسلامية - 1403 ه‍.
23 - الإمام الصادق (عليه السلام). للسيد محمد جواد فضل الله - بيروت - دار الزهراء.
24 - الإمامة والتبصرة من الحيرة. لابن بابويه القمي (والد الشيخ الصدوق) - قم -
مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام).
25 - الأنوار البهية. للشيخ عباس القمي، - قم - الشريف الرضي.
26 - الأنوار الساطعة في المائة السابعة. للشيخ آقا بزرك الطهراني - بيروت - دار الكتاب
العربي.
27 - الأنوار القدسية. للشيخ محمد حسين الاصفهاني - بيروت - مؤسسة الوفاء.
28 - بحار الأنوار. للشيخ المجلسي - طهران - دار الكتب الإسلامية.
29 - البداية والنهاية. لابن كثير الدمشقي - بيروت - دار الكتب العلمية - 1408 ه‍.
30 - البرهان في تفسير القرآن. للسيد البحراني - قم - اسماعيليان.
31 - بصائر الدرجات. للصفار - طهران - الأعلمي، وطبعة مكتبة السيد المرعشي - قم.
32 - البيان في تفسير القرآن. للسيد الخوئي - بيروت - دار الزهراء.
33 - تأريخ آداب اللغة العربية. لجرجي زيدان - بيروت - دار مكتبة الحياة.
34 - تأريخ الأئمة (عليهم السلام). لابن أبي الثلج البغدادي - قم - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله).
35 - تأريخ ابن خلدون. لعبد الرحمن بن خلدون - بيروت - دار الفكر.
36 - تأريخ الإسلام. للذهبي - بيروت - مؤسسة الرسالة.

510
37 - تأريخ بغداد. للخطيب البغدادي - مصر - مطبعة السعادة - 1349 ه‍.
38 - تأريخ الطبري (تأريخ الأمم والملوك). لمحمد بن جرير الطبري - بيروت - دار
التراث.
39 - تأريخ قم. للحسن بن محمد بن الحسن القمي - طهران - انتشارات طوس.
40 - تأريخ مواليد الأئمة (عليهم السلام) ووفياتهم. لابن الخشاب البغدادي - قم - مكتبة السيد
المرعشي.
41 - تأريخ اليعقوبي. النجف - المكتبة الحيدرية - 1384 ه‍.
42 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة. للسيد شرف الدين النجفي - قم -
مؤسسة الإمام المهدي - 1407 ه‍.
43 - تحف العقول عن آل الرسول. لابن شعبة الحراني - قم - جماعة المدرسين -
1404 ه‍.
44 - تذكرة الخواص. لسبط ابن الجوزي - طهران - مكتبة نينوى الحديثة.
45 - الترياق الفاروقي. لعبد الباقي العمري - مصر - 1316 ه‍.
46 - تفسير العياشي. لأبي النضر محمد بن مسعود العياشي من أعلام القرن الرابع الهجري
- طهران - المكتبة العلمية الإسلامية.
47 - تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني - بيروت - دار المعرفة.
48 - تنقيح المقال في علم الرجال. للمامقاني - النجف - المطبعة المرتضوية - 1352 ه‍.
49 - تهذيب الأحكام. للشيخ الطوسي - طهران - دار الكتب الإسلامية.
50 - تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني - بيروت - دار إحياء التراث العربي.
51 - التوحيد. للشيخ الصدوق - قم - جماعة المدرسين.
52 - الثاقب في المناقب. لعماد الدين الطوسي - بيروت - دار الزهراء - 1411 ه‍.
53 - جامع الرواة. لمحمد بن علي الأردبيلي - قم - مكتبة السيد المرعشي.
54 - جامع المقال. للشيخ فخر الدين الطريحي - طهران - كتابفروشي جعفري تبريزي.

511
55 - الجرح والتعديل. لابن أبي حاتم التميمي - بيروت - دار إحياء التراث العربي -
1271 ه‍.
56 - الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين. لابن دقماق - بيروت - عالم الكتب.
57 - حلية الأبرار في فضائل محمد وآله الأطهار. للسيد البحراني - قم - دار الكتب العلمية
- 1397 ه‍.
58 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأبي نعيم الاصفهاني بيروت - دار الكتب العلمية،
1409 ه‍.
59 - حياة الإمام الكاظم (عليه السلام). لباقر شريف القرشي - دار الكتب العلمية - طبعة قم.
60 - الخرائج والجرائح. لقطب الدين الراوندي - قم - مؤسسة الإمام المهدي - 1409 ه‍.
61 - الخصال. للشيخ أبي جعفر الصدوق - قم - جماعة المدرسين - 1403 ه‍.
62 - الخلاصة (رجال العلامة الحلي). للعلامة الحلي - النجف - المكتبة الحيدرية.
63 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. للخزرجي - مصر - مكتبة القاهرة - 1392 ه‍.
64 - دائرة المعارف الإسلامية الشيعية. للسيد حسن الأمين - بيروت - دار التعارف.
65 - دلائل الإمامة. لأبي جعفر الطبري الإمامي من أعلام القرن الخامس الهجري - قم -
مؤسسة البعثة - 1413.
66 - ديوان الشريف الرضي. بيروت - المطبعة الأدبية - 1307 ه‍.
67 - رجال ابن داود. لتقي الدين الحلي - قم - الشريف الرضي.
68 - رجال البرقي. لأبي جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي تحقيق السيد كاظم الموسوي.
69 - رجال الطوسي. للشيخ أبي جعفر الطوسي - النجف - المكتبة الحيدرية - 1381 ه‍.
70 - رجال النجاشي. لأبي العباس النجاشي - قم - جماعة المدرسين - 1407 ه‍.
71 - رجال الكشي. (أنظر اختيار معرفة الرجال).
72 - روضة الواعظين. لمحمد بن الفتال النيسابوري - قم - الشريف الرضي.
73 - سير أعلام النبلاء. للذهبي - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1405 ه‍.

512
74 - سيرة الأئمة الاثني عشر. لهاشم معروف الحسني القسم الأول والثاني - طبعة دار
التعارف - بيروت
75 - شذرات الذهب. لابن عماد الحنبلي - بيروت - دار إحياء التراث العربي.
76 - شرح نهج البلاغة. لابن أبي الحديد - مصر - دار إحياء الكتب العربية.
77 - صفة الصفوة. لابن الجوزي - بيروت - دار المعرفة - 1406 ه‍.
78 - الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة. لابن حجر الهيثمي - مصر -
مكتبة القاهرة - 1385 ه‍.
79 - طب الأئمة (عليهم السلام). لابني بسطام عبد الله والحسين، من أعلام القرن الرابع الهجري -
النجف - المكتبة الحيدرية - 1385 ه‍. دار المعرفة.
80 - الطبقات الكبرى. للشعراني الحنفي - القاهرة - 1313 ه‍.
81 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف. للسيد رضي الدين بن طاوس - قم - مطبعة
الخيام.
82 - علل الشرائع. للشيخ الصدوق - النجف - المكتبة الحيدرية.
83 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. لجمال الدين ابن عنبة الحسني - النجف -
المكتبة الحيدرية.
84 - عوالم الإمام الكاظم (عليه السلام). لعبد الله البحراني الاصفهاني - قم - مؤسسة الإمام المهدي
- 1409 ه‍.
85 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام). للشيخ الصدوق - نشر رضا المشهدي.
86 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب. للشيخ الأميني - طهران - دار الكتب الإسلامية.
87 - الغيبة. للنعماني، من أعلام القرن الرابع الهجري - طهران - منشورات مكتبة
الصدوق.
88 - الغيبة. للشيخ الطوسي - طهران - مكتبة نينوى الحديثة.
89 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن. للسيد المرتضى - بيروت - دار الأضواء.

513
90 - الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (عليهم السلام). لابن الصباغ المالكي - النجف - مطبعة
العدل.
91 - الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام). نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) - 1406 ه‍.
92 - الفهرست. للشيخ الطوسي - النجف - المكتبة الرضوية.
93 - قرب الإسناد. للحميري، من أعلام القرن الثالث - طهران - مكتبة نينوى الحديثة.
94 - الكاشف. للذهبي - القاهرة - دار الكتب الحديثة - 1392 ه‍.
95 - الكافي. للكليني - طهران - المكتبة الإسلامية. وطبعة دار الكتب الإسلامية.
96 - كامل الزيارات. لابن قولويه - النجف - المطبعة المرتضوية - 1356 ه‍.
97 - الكامل في التأريخ. لابن الأثير - بيروت - دار صادر.
98 - كشف الغمة. لأبي الحسين الإربلي - بيروت - دار الأضواء.
99 - الكشكول. للشيخ البهائي - مؤسسة انتشارات فراهاني، وطبعة مؤسسة الأعلمي.
100 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام). للكنجي الشافعي - طهران - دار
إحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام) - 1404 ه‍.
101 - كمال الدين وتمام النعمة. للشيخ الصدوق - قم - جماعة المدرسين.
102 - الكنى والألقاب. للشيخ عباس القمي - طهران - مطبعة الحيدري - 1409 ه‍.
103 - كنز الفوائد. للكراجكي - دار الأضواء - بيروت.
104 - لسان العرب. لابن منظور - قم - أدب الحوزة - 1405 ه‍.
105 - لسان الميزان. لابن حجر العسقلاني - النجف - المطبعة الحيدرية.
106 - المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية. للسيد محسن الأمين - بيروت -
دار التعارف، أوفست الشريف الرضي - قم.
107 - المجدي في أنساب الطالبيين. لنجم الدين العمري - قم - مكتبة السيد المرعشي -
1409 ه‍.
108 - مجمع الرجال. للشيخ القهبائي - قم - إسماعيليان.

514
109 - مجموعة وفيات الأئمة (عليهم السلام). للشيخ حسين عصفور الدرازي - دار البلاغة - بيروت.
110 - المحاسن. لأبي جعفر البرقي - قم - دار الكتب الإسلامية.
111 - مدينة المعاجز. للسيد البحراني - قم - مؤسسة المعارف الإسلامية - 1415 ه‍.
112 - مرآة الجنان. لأبي محمد عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي - بيروت - الأعلمي.
113 - مروج الذهب ومعادن الجوهر. للمسعودي - قم - دار الهجرة - 1404 ه‍. وطبعة
القاهرة - المكتبة التجارية الكبرى.
114 - مستدرك وسائل الشيعة. للميرزا حسين النوري - قم - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) -
1407 ه‍ - والطبعة الحجرية.
115 - مسند الإمام الكاظم (عليه السلام). للشيخ عزيز الله العطاروي - مشهد - المؤتمر العالمي
للإمام الرضا (عليه السلام).
116 - مصباح الكفعمي. لتقي الدين الكفعمي - النجف - الكتب العلمية.
117 - مصفى المقال. للشيخ آقا بزرك الطهراني - جابخانة دولتي إيران.
118 - مطالب السؤول. لأبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي - النجف - دار
الكتب التجارية.
119 - معارف الرجال. للشيخ محمد حرز الدين - قم - مطبعة الولاية - 1405 ه‍.
120 - معالم العلماء. لابن شهرآشوب - النجف - المطبعة الحيدرية.
121 - معاني الأخبار. للشيخ الصدوق - قم - جماعة المدرسين - 1361 ه‍ ش.
122 - معجم الأدباء. لياقوت الحموي - بيروت - دار الفكر - 1400 ه‍.
123 - معجم البلدان. لياقوت الحموي - بيروت - دار صادر - 1388 ه‍.
124 - معجم رجال الحديث. للسيد أبي القاسم الخوئي - بيروت - الطبعة الثالثة -
1403 ه‍.
125 - معجم الفرق الإسلامية. لشريف يحيى الأمين - بيروت - دار الأضواء - 1406 ه‍.
126 المعجم الوسيط. المجمع العلمي في القاهرة - بيروت - دار إحياء التراث العربي.

515
127 - مقاتل الطالبيين. لأبي الفرج الاصفهاني - النجف - المكتبة الحيدرية.
128 - المقنعة. للشيخ المفيد - قم - جماعة المدرسين.
129 - مكارم الأخلاق. للطبرسي - قم - الشريف الرضي.
130 - مناقب آل أبي طالب. لابن شهرآشوب - قم - المطبعة العلمية.
131 - منتهى الآمال. للشيخ عباس القمي - طبعة بيروت، وطبعة قم - إيران.
132 - من لا يحضره الفقيه. للشيخ أبي جعفر الصدوق - طهران - دار الكتب الإسلامية.
133 - مهج الدعوات ومنهج العبادات. لابن طاوس - بيروت - مؤسسة الأعلمي،
1399 ه‍.
134 - موسوعة العتبات المقدسة (قسم الكاظمين). لجعفر الخليلي - بيروت - مؤسسة
الأعلمي.
135 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال. للذهبي - بيروت - دار المعرفة - 1382 ه‍.
136 - نقباء البشر في القرن الرابع عشر. للشيخ آقا بزرك الطهراني - مشهد - دار
المرتضى.
137 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار (صلى الله عليه وآله). للشبلنجي من أعلام القرن الثالث
عشر الهجري - بيروت - دار الجيل - 1409 ه‍.
138 - نور الثقلين. للشيخ عبد علي الحويزي - قم - المطبعة العلمية.
139 - الهداية الكبرى. للخصيبي - بيروت - مؤسسة البلاغ - 1406 ه‍.
140 - الوافي بالوفيات. للصفدي - دار النشر فرانز - 1381 ه‍.
141 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. للحر العاملي - طهران - المكتبة
الإسلامية، وطبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
142 - وفيات الأعيان. لابن خلكان - قم - الشريف الرضي.
143 - ينابيع المودة. لسليمان القندوزي - الكاظمية - دار الكتب العراقية.

516
/ 1