موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 12) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 12) - نسخه متنی

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة المصطفى والعترة (ع)
المؤلف: الحاج حسين الشاكري
الجزء: 12
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1418
المطبعة: ستارة
الناشر: نشر الهادي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: ج 12 : موسوعة المصطفى والعترة ، الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
موسوعة
المصطفى والعترة
(12)
الرضا علي (عليه السلام)
كتاب، علمي، أدبي، تاريخي
يبحث في حياة النبي (ص) والعترة الطاهرة
تأليف
حسين الشاكري

1
جميع حقوق الطبع
محفوظة
للمؤلف
نشر الهادي - قم - خيابان صفائيه - مقابل كوچه ورزشگاه
الكتاب: الرضا علي (عليه السلام)
تأليف: حسين الشاكري
الناشر: نشر الهادي
الطبعة: الأولى - 1418 ه‍. ق
المطبعة: ستاره
العدد: 1500 نسخة
الفلم والزنك: ليتوغرافي تيزهوش
عنوان المؤلف
الجمهورية الإسلامية الإيرانية / قم المقدسة
زنبيل آباد 30 مترى استانه بلاك 76 - كد 37166
هاتف: 26990 - 718771 / كد 0098251

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
الإهداء
سيدي
إمام الموحدين ويعسوب المؤمنين
أرفع لمقامك السامي صحائف ولائي
وبضاعتي المزجاة، وجهدي المتواضع
عن سيدة حفيدك وسميتك الإمام
الغريب أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع)
راجيا التفضل بالقبول ليكون ذخرا لي
وشافعا يوم عز فيه الشافع وعدم الناصر
إلا رحمة الله وولائكم فهو حسبي.
مولاك
حسين الشاكري

5
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته
أجمعين محمد، وآله الطاهرين.
وبعد...
إن بعض المنعطفات التأريخية التي تمر بالأمة، تؤثر فيها تأثيرا مباشرا أو غير
مباشر في كيانها وواقعها، حاضرا كان أو مستقبلا، بل ولربما تؤثر في روح الامة،
وعقلها وتفكيرها، وقد تؤثر على مبادئها العامة، التي تنظم مسيرتها وتهيمن على
سلوكها، وقد تقوي دعائمها، وترسخ وجودها وتؤكد استمراريتها، أو قد تنسفها
من أساسها، إن كانت أسسها واهية، ومبادئها مبنية على قواعد غير سليمة، فحينئذ
يعتريها الضعف والوهن وتنهار.
فإن الحدث التأريخي الذي حصل قبل ألف عام مثلا، أو أكثر، قد نجد له
آثارا بارزة، لحد واقعنا المعاش اليوم.
فيمكن أن نستخلص من هذا أن الأحداث التأريخية مهما بعدت، ومن أي
نوع كانت، قد تؤثر في وضع الامة تأثيرا عميقا، وتترك بصماتها ظاهرة على سلوكها

7
وتصرفاتها، وأن العامل التأريخي له أثره الكبير في تحديد المستوى الذي يعيشه
المجتمع بالفعل، سواء كان أدبيا، أو علميا، أو دينيا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، أو
غير ذلك.
ومن أهم مصاديقها المعاصرة الثورة الإسلامية العملاقة في إيران التي غيرت
وجه التأريخ، وقلبت المعايير.
ومن هذا المنطلق تبرز أهمية منعطفات التأريخ في أي زمان كان ومكان،
وتحاول الحكومات جهد إمكانها الهيمنة عليه، وتسيره لمصالحها السياسية
والعقائدية، وأهوائها، وتسخر أقلام الكتاب والمؤرخين، بحثا ودراسة وتدوينا
وتمحيصا، لأنها تريد أن تستفيد من جميع جوانبه وتتحكم فيه، وتوجهه حسب
أهوائها وعقائدها، تثبيتا لواقعها الذي تعيشه.
إذن فالتأريخ أساس الحضارة، وعليه المعول، يجب أن يكون نقيا من كل
الشوائب، ليعكس بأمانة ودقة ما يجري على الامة من تحولات اجتماعية، وأزمات
فكرية، وظروف سياسية، أو اقتصادية، وغير ذلك.
غير أننا وجدنا الحكومات الزمنية والمكانية يدونون تأريخهم حسب
مصالحهم، ويتحكمون بها، بواسطة المرتزقة والمتزلفين، من الكتاب والمؤرخين،
بعيدا عن الواقع.
أقول - بمرارة -: نحن كأمة نفقد مقومات تحديد التأريخ، وإبراز واقعه إلى
حيز الوجود، لنستفيد منه ونبني عليه أمجادنا، لأن زمام المبادرة ليس بأيدينا، وقد
حرفت مسيرة التأريخ منذ الصدر الأول، وتحكمت فيه الأهواء، والزعامات
السياسية، والعصبيات القبلية والمذهبية، والمصالح الشخصية في تدوينه، وغيرت
مجراه، وأثرت أثرها العميق، لأن الكتاب والمؤرخين إذا كانوا مخلصين فهم غير

8
أحرار في كتاباتهم للتأريخ، وكانوا يؤرخون ويكتبون حسب ما يريده الحكام
منهم، ويخدم مصالحهم، إما رهبة، أو رغبة، أو طمعا، أو تعصبا لمذهب معين، أو
غير ذلك.
إذن: فليس من الغريب أن نرى المؤرخ الذي يعتني بأمور تافهة فيسهب
القول في وصف مجلس شراب، أو منادمة، حتى لا يفوته شيء منه، أو يتكلم عن
أمجاد أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر، بل قد لا يكون لهم وجود أصلا إلا في خياله،
بينما نجده في نفس الوقت يهمل شخصيات لها مكانتها العلمية والاجتماعية، وخطرها
التأريخي، أو يحاول تجاهل الأدوار التي سجلت هذه الشخصيات أحداثها، ويهمل
أو يشوه أحداثا ذات أهمية تأريخية، تخص أشخاصا لا ينتمي إليهم سياسيا أو
مذهبيا.
وفي طليعة تلك الأحداث التي كان لها نصيب من الإهمال والتجاهل، البيعة
للإمام أبي الحسن علي الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، من قبل الخليفة العباسي - عبد الله
المأمون - وهذا الحدث لم يكن عاديا، كسائر الأحداث التي تجري في الساحة، بل
كان من الأهمية بمكان، يمكن بموجبه تغيير مسير الحكم العباسي في التأريخ، وحجر
الزاوية في قلب الأوضاع من الحكم العباسي إلى العلويين في التأريخ.
ولو أننا على يقين أن الحاكم العباسي في تصميمه وقرارة نفسه غير جاد في
هذا الصدد، أراد بذلك الإجراء السياسي جعل ولاية العهد ورقة يساوم بها
العباسيين لمبايعته بالخلافة بعد أن احتل بغداد وأزاح خصمه بقتل أخيه محمد الأمين
من جهة، وإرضاء العلويين والتقرب إليهم وامتصاص ثوراتهم، وتهدئة الثائرين
من شيعة آل محمد في جميع الأقطار التي تحت نفوذه، لا سيما المتواجدين في مرو
ومنطقة خراسان وما وراء النهر.

9
ولا بد أن يعيد مسار الحكم العباسي على ما كان عليه، وينهي هذه اللعبة
ويصفيها بعد وصوله إلى هدفه المنشود وسيطرته على سدة الحكم، وانقياد الجميع له
بالبيعة والاعتراف بخلافته.
وبعد أن تم له ذلك صمم على التخلص من ولي عهده - الإمام الرضا (عليه السلام) -
وإزاحته عن طريقه، وتصفيته جسديا، بأي وسيلة كانت، وسنذكر ذلك وتحليله فيما
بعد.
أعود من حيث أفضيت، فأقول:
كان نصيب ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) من قبل المؤرخين الإهمال
والتجاهل والتقليل ما أمكنهم من أهمية هذا الحدث وخطره، وأن يحيطوا أسبابه
ودوافعه بستار من الكتمان، كما حدث لأسلافهم تجاهل بيعة يوم الغدير للإمام
علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين وعهد الولاية، بأمر الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد
ونص الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وتبليغه الامة بالرسالة، " من كنت مولاه فعلي
مولاه " (1).
وعندما كانت أسئلة المسلمين توجه إلى الكتاب والمؤرخين، تراهم
يتلعثمون ويرددون أقوال الحكام وما يريدونه في تفهيم الناس، دون أن يكون
الجواب مقنعا، أو شافيا، وترى الناس حيارى بين مصدق ومكذب.
ربما يكون للمؤرخين القدامى ظروفهم الخاصة في تجاهل الأحداث والتقليل
من أهميتها سواء كان ذلك سياسيا أو اجتماعيا أو مذهبيا.



(1) ذكرنا ذلك في عدة أماكن من مؤلفاتنا، موسوعة " علي في الكتاب والسنة والأدب "،
وموسوعة " المصطفى والعترة "، الأجزاء 1 - 3، فراجع.
10
لكنما نجد الغريب من مؤرخينا وباحثينا المعاصرين، يحيكون على منوال
سلفهم، ويرددون أقوالهم، مع علمهم بمواقع الخطأ، ومع أنهم لا يعيشون ظروفهم،
وأنهم ينعمون بحرية الرأي بمفهومها الواسع، ومع هذا كله يحاولون بدورهم تجاهل
الأحداث بصورة عامة، وهذا الحدث بصورة خاصة، والتقليل من أهميته عن
قصد، أو دون قصد.
ولأجل تثبيت الواقع، وكشف الحقيقة التأريخية، حاولت جادا أن اظهر
ملامح التأريخ قدر استطاعتي، مما استخلصته من كتب التأريخ والسيرة.
ولو أنني لا أدعي الكمال والوصول إلى إظهار الحقيقة التأريخية، غير أني
حاولت أن أرسم علامة استفهام حول طبيعة هذا الحدث، والهدف الذي خطط له
الخليفة العباسي المأمون، ونواياه المشبوهة، وهو المعروف بحزمه وذكائه.
ومن هذا المنطلق أتساءل؟ كيف يمكن للمأمون العباسي أن يقدم عرش
الحكم العباسي، الذي أريق من اجل تثبيته أنهار من الدماء وجبال من الجثث،
هدية باردة إلى (الإمام العلوي) دون عناء، لينقل الحكم في دوره من العباسيين إلى
العلويين، وهل هذا التصرف يصدر من حاكم قوي محنك؟؟؟ أنا لا أعتقد أن
يصدر مثل ذلك من رجل قتل أخاه الأمين وعددا كبيرا من أبناء عمه العباسيين في
سبيل انفراده بالحكم.
المأمون الذي بتر ساعده الأيمن وقتل رئيس وزرائه الفضل بن سهل، والقائد
العام لقواته المسلحة، والذي فتح بغداد وقتل أخاه الأمين وعددا كبيرا من قادة
العباسيين وفعل ما فعل وركعها له وأخضعها لحكمه، قتله غدرا في حمام سرخس بعد
أن أعطاه الأيمان المغلظة والأموال الطائلة وغيرها.
تريد أن يسلم عرش العباسيين طعمة باردة للإمام الرضا (عليه السلام) حتى يحكم

11
فيها أعداءه التقليديين العلويين، وينزع العرش العباسي ويقدمه للحكم
العلوي؟؟؟
هل هذا من المعقول؟؟؟
نكشف فيما يلي النقاب في حل بعض الألغاز، عن هدف المأمون العباسي
وخبث نواياه، وننقل مقطعا من مقدمة كتاب الإمام الرضا (عليه السلام)، للسيد محمد جواد
فضل الله، فقال:
بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وهلاك هارون الرشيد،
أقدم المأمون على القضاء على أخيه محمد الأمين وحكمه في بغداد، بالشكل
المأساوي الذي انتهى به، واستلامه مقاليد الحكم دون منازع.
بدأت تهب على الإمام الرضا (عليه السلام) عاصفة المأساة، مثل ما مرت على أبيه،
لكنها بشكل آخر، عاشها الإمام بمرارة قاسية.
فقد شاء المأمون ولظروف سياسية معينة، أن يلعب لعبته السياسية الخطرة
- سنتعرض لها خلال دراستنا - بأن يجعل من الإمام ورقة مساومة بينه وبين
العباسيين في بغداد من جهة، وبينه وبين العلويين من جهة اخرى، وبينه وبين شيعة
أهل البيت في خراسان من جهة ثالثة.
وكانت لعبة التنازل عن الخلافة أول مكره، وحينما امتنع الإمام عن قبولها
وفشلت خطته، كانت لعبة ولاية العهد التي أرغم الإمام (عليه السلام) وهدده على قبولها
بقوله: " لما أشخصناك من المدينة ليس بأمرك ".
وضرب له مثلا آخر من التهديد وذكره قصة عمر بن الخطاب لما طعن وقبل
أن يموت، كيفية وصيته وتعيين ستة من المهاجرين دون الأنصار يعرف ميولهم
وجعل فيهم علي بن أبي طالب، وجعل عليهم أبا طلحة الأنصاري في خمسين

12
مسلحا مهددا إياهم إن لم يتفقوا خلال ثلاثة أيام سوف يقتلون جميعا، أو يقتل
المخالف منهم.
والذي يهمنا من هذا أن نكشف بعض الغموض الذي تلبسها، وأوقع جملة
من الباحثين في تخبط عشوائي، ضلت معه النتائج عن بعد نظرهم، الذي لا يتعدى
في بعده عن الطفو الذي يتسرب إلى السطح - سطح الماء - دون أن يكلفوا أنفسهم
عناء التحقيق والغور في مسالك العمق، ليصلوا إلى الحقيقة.
ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن الإمام (عليه السلام) حين رفض تنازل
المأمون له عن الخلافة، أو تقلد مركز ولاية العهد، فذلك لأنه يشعر بعمق الهدف
وخطورته الذي تنطوي عليه خطة المأمون، وأن الرغبة لم تكن صادقة بنحو يصدق
معها الغرض، بل هو دور سياسي أراد المأمون أن يتقن لعبته فيه في فترة زمنية
معينة، دعت إليه ضرورات السياسة التي كانت تهدد مركز الحكم العباسي، ويتوقف
على دفعها مصيره.
وقبول الإمام (عليه السلام) الولاية كان على مضض، قائلا له: إن بقيت بعدك.
واشترط عليه أن لا يأمر ولا ينهى، ولا يتدخل بأي شأن من شؤون الدولة أبدا،
فقبل المأمون منه ذلك.
وكانت النهاية المرتقبة بعد هذا، حين اكتملت فصول الرواية التي أعد لها
المأمون من قبل، وأتقن دوره الدقيق فيها ببراعة وإحكام، وضمن لفترة حكمه
هدوءا، ما كان ليستقيم له الحكم على ما نعتقد، لولا لعبته هذه.
وإلى جانب ذلك سنحاول عرض بعض الجوانب الحياتية للإمام لتكتمل
الصورة بأطرافها.
وإلى هذا الحد أختتم هذه المقدمة، وأترك التفصيل والتحليل فيما يأتي في هذا

13
الكتاب مستندا إلى الروايات ومصادر التأريخ ليطلع الباحث وتظهر أمامه الوقائع
الحقيقية.
والله أسأل أن يهدينا سواء السبيل، ويرينا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا
فنجتنبه، والله من وراء القصد.
حسين الشاكري
دار الهجرة - قم المشرفة
الفاتح من ربيع الأول عام 1418 ه‍

14
الفصل الأول
ملامح شخصيته (عليه السلام)
ولادته (عليه السلام):
لقد وقع الخلاف في تأريخ ولادته (عليه السلام)، والأشهر أنه ولد في الحادي عشر من
شهر ذي القعدة الحرام سنة 148 ه‍ في المدينة المنورة، في ملك المنصور العباسي، بعد
وفاة جده الصادق (عليه السلام) بأيام قليلة (1).
وكان جده الصادق (عليه السلام) يتمنى رؤية الرضا (عليه السلام)، كما روي عن الإمام
موسى الكاظم (عليه السلام) أنه قال: " سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) غير مرة، يقول لي:
إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني أدركته، فإنه سمي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) " (2).
وقد توسم الإمام الصادق (عليه السلام) بعلمه الإلهامي مخايل الخير ومكارم الشيم في
هذا الوليد المبارك، فقد روى الشيخ الصدوق عن يزيد بن سليط، أنه قال: لقينا
أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وامي، أنتم الأئمة
المطهرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا ألقيه إلى من يخلفني.



(1) تاج المواليد: 124، إعلام الورى: 313، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 119.
(2) إعلام الورى: 315، العوالم 22: 179 / 1، إثبات الهداة 6: 28 / 63.
15
فقال لي: نعم، هؤلاء ولدي، وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام) -
وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه
من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله
عز وجل، وفيه اخرى هي خير من هذا كله. فقال له أبي: وما هي، بأبي أنت
وامي؟
قال: يخرج الله منه غوث هذه الامة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها
وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم
به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به
الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخير ناشئ، يبشر به عشيرته
قبل أوان حمله، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه... (1).
كيفية ولادته (عليه السلام):
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن ميثم، عن أبيه، قال: سمعت
امي تقول: سمعت نجمة ام الرضا (عليه السلام) تقول: لما حملت بابني علي، لم أشعر بثقل
الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني، فيفزعني ذلك
ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئا.
فلما وضعته وقع على الأرض، واضعا يديه على الأرض، رافعا رأسه إلى
السماء، يحرك شفتيه كأنه يتكلم. فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقال لي:
هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك. فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 9، بحار الأنوار 48: 12 / 1، العوالم 21: 51 / 5.
16
في اليسرى. ودعا بماء الفرات فحنكه به، ثم رده إلي، وقال: خذيه، فإنه بقية الله
تعالى في أرضه (1).
2 - وروى ابن بابويه بسند معتبر، عن محمد بن زياد، أنه قال: سمعت
أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول - لما ولد الرضا (عليه السلام) -: إن ابني هذا ولد
مختونا، طاهرا مطهرا، وليس من الأئمة أحد يولد إلا مختونا، طاهرا مطهرا، ولكن
سنمر الموسى (2) عليه لإصابة السنة، واتباع الحنيفية (3).
اسمه ونسبه (عليه السلام):
هو الإمام علي الرضا، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق،
ابن الإمام محمد الباقر، بن الإمام علي زين العابدين، بن الإمام الحسين، بن الإمام
علي بن أبي طالب، وسيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا محمد
رسول الله المصطفى (صلى الله عليه وآله).
أمه (عليه السلام):
أمه (عليه السلام) أم ولد تكنى أم البنين، واسمها نجمة، ويقال لها: أروى النوبية،
وسكن، وخيزران المرسية، ولقبها شقراء. اشترتها حميدة المصفاة أم موسى



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 20 / 2، بحار الأنوار 49: 9 / 14، العوالم 22: 30 / 1.
(2) الموسى: آلة الحلاقة.
(3) كمال الدين 2: 433 / 15، بحار الأنوار 25: 44 / 19، العوالم 22: 31 / 1.
17
الكاظم (عليه السلام)، وكانت من أفضل النساء في عقلها، وعفتها ودينها، وإعظامها
لمولاتها، ووهبتها لابنها موسى.
ويقال لها: تكتم، أيضا، وعليه قول الشاعر يمدح الرضا (عليه السلام):
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا * ورهطا وأجدادا علي المعظم
أتتنا به للعلم والحلم ثامنا * إماما يؤدي حجة الله تكتم (1)
1 - روى الشيخ المفيد وغيره، بالإسناد عن هشام بن أحمر، قال: قال لي
أبو الحسن الأول (عليه السلام): هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا. قال:
بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا. فركب وركبت معه حتى
انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: أعرض علينا،
فعرض علينا سبع جوار، كل ذلك يقول أبو الحسن (عليه السلام): لا حاجة لي فيها، ثم
قال: أعرض علينا، فقال: ما عندي إلا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن
تعرضها؟ فأبى عليه، فانصرف.
ثم أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها؟ فإذا قال لك: كذا
وكذا؛ فقل: قد أخذتها. فأتيته فقال: ما كنت أريد أن أنقصها من كذا وكذا. فقلت:



(1) أنظر كشف الغمة 3: 49، إعلام الورى: 313، الإرشاد 2: 247، دلائل الإمامة: 180،
الكافي 1: 406، إثبات الوصية: 171، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 14، المناقب 4: 367،
تذكرة الخواص: 351، عمدة الطالب: 199، نور الأبصار: 168، لتقف على الاختلاف في
اسمها، والظاهر أن جميع الأسماء ترجع إلى امرأة واحدة هي مولاة حميدة المصفاة، كما سيأتي
لاحقا في حديث عن الصدوق (رحمه الله).
18
قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس؟
قلت: رجل من بني هاشم. قال: من أي بني هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا.
فقال: أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل
الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي. فقالت: ما ينبغي
أن تكون هذه عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض،
فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله.
قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت الرضا (عليه السلام) (1). وزاد
الطبري في (الدلائل): وكان يقال لها: تكتم (2).
2 - وروى ابن بابويه بسند معتبر، عن علي بن ميثم، أنه قال: اشترت حميدة
المصفاة - وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) - وكانت من أشراف العجم،
جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامها
لمولاتها حميدة المصفاة، حتى إنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها.
فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني، إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل
منها، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك
فاستوص بها خيرا.



(1) الإرشاد 2: 254، الكافي 1: 406 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 17 / 4، إثبات
الوصية: 170، عيون المعجزات: 106، الخرائج والجرائح 2: 653 / 6، بحار الأنوار 49:
7 / 11.
(2) دلائل الإمامة: 173.
19
فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة، قال: وكان الرضا (عليه السلام) يرتضع
كثيرا، وكان تام الخلق. فقالت: أعينوني بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدر؟ فقالت:
لا أكذب، والله ما نقص، ولكن علي ورد (1) من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ
ولدت (2).
3 - وروى أيضا بسند معتبر أنه: لما اشترت حميدة - أم موسى بن
جعفر (عليه السلام) - أم الرضا نجمة، ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد به منها خير أهل الأرض،
فوهبتها له، فلما ولد له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة.
وكانت لها أسماء، منها: نجمة، وأروى، وسكن، وسمان، وتكتم، وهو آخر
أساميها.
قال علي بن ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمة بكرا لما
اشترتها حميدة (3).
4 - وروى في (الدر النظيم)، عن (إثبات الوصية)، عن الكاظم (عليه السلام)، أنه
قال: لما ابتاعها - أي تكتم - جمع قوما من أصحابه، ثم قال: والله ما اشتريت هذه



(1) الورد: الجزء من التهجد في الليل يكون على الإنسان أن يصليه، أو النصيب من القرآن أو
الذكر، أو التسبيح والتهليل، أو الوظيفة من القراءة ونحوها.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 14 / 2، بحار الأنوار 49: 4 / 7، العوالم 22: 19 / 1.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 16 / 3، بحار الأنوار 49: 7 / 8، العوالم 22: 22 / 2.
20
الأمة إلا بأمر الله ووحيه. فسئل عن ذلك، فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي،
ومعهما شقة حرير فنشراها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية.
فقال: يا موسى، ليكونن من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثم أمراني
إذا ولدته أن أسميه عليا، وقالا لي: إن الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن
صدقه، وويل لمن عاداه وجحده وعانده (1).
كنيته وألقابه (عليه السلام):
كنيته: أبو الحسن، ويقال له أيضا: أبو الحسن الثاني (2).
روى علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: هذا أفقه ولدي
- وأشار بيده إلى الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته كنيتي (3).
وروى أيضا عنه (عليه السلام)، قال: يا علي، هذا سيد ولدي - مشيرا إلى
الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته كنيتي (4).
وهذا يدل على أن أباه (عليه السلام) هو الذي كناه بأبي الحسن.
واشهر ألقابه: الرضا، وقيل أيضا: الصابر، والفاضل، والرضي، والوفي،
وقرة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين، والضامن، ونور الهدى، وسراج الله (5).



(1) الدر النظيم 2: 203 - الباب العاشر، إثبات الوصية: 197، دلائل الإمامة: 173.
(2) تاج المواليد: 124.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 4.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 3.
(5) أنظر دلائل الإمامة: 180.
21
1 - روى ابن بابويه بسند حسن عن البزنطي أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد
ابن علي بن موسى (عليه السلام): إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك (عليه السلام) إنما سماه
المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده؟
فقال (عليه السلام): كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا، لأنه كان
رضيا لله تعالى في سمائه، ورضيا لرسوله والأئمة من بعده - صلوات الله عليهم - في
أرضه.
قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضيا لله تعالى
ولرسوله والأئمة (عليهم السلام)؟ فقال: بلى.
فقلت: فلم سمي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟
قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه، كما رضي به الموافقون من أوليائه،
ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام)، فلذلك سمي من بينهم الرضا (1).
2 - وروى أيضا عن سليمان بن حفص بسند معتبر، أنه قال: كان موسى بن
جعفر (عليه السلام) يسمي ولده عليا الرضا، وكان يقول: ادعوا لي ولدي الرضا، وقلت
لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال: يا أبا الحسن (2). وهذا
الحديث يدل على أن أباه (عليه السلام) هو الذي لقبه الرضا، كما كناه بكنيته.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 13 / 1، علل الشرائع: 236 / 1، معاني الأخبار: 64 / 17،
بحار الأنوار 49: 4 / 5، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 119.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 13 / 2، بحار الأنوار 49: 4، العوالم 22: 14 / 1.
22
نقش خاتمه (عليه السلام):
كان نقش خاتمه: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله "، وعلى رواية: " حسبي
الله ".
روى الشيخ الكليني عن موسى بن عبد الرحمن، أنه قال: سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن نقش خاتمه، وخاتم أبيه (عليه السلام)، قال: نقش خاتمي " ما شاء الله،
لا قوة إلا بالله "، ونقش خاتم أبي " حسبي الله " وهو الذي كنت أتختم به (1).
وهذه الرواية تجمع بين الروايتين المتقدمتين.
وفي (دلائل الإمامة): وكان له خاتم نقش فصه: العزة لله (2).
بوابه (عليه السلام):
محمد بن الفرات (3). وقيل: محمد بن راشد (4).
شعراؤه (عليه السلام):
دعبل الخزاعي، وأبو نؤاس الحسن بن هانئ، وإبراهيم بن العباس
الصولي.



(1) الكافي 6: 473 / 5.
(2) دلائل الإمامة: 180.
(3) دلائل الإمامة: 180، الفصول المهمة: 241، تأريخ الأئمة (عليهم السلام): 33، نور الأبصار: 168.
(4) المناقب 4: 368.
23
صفته (عليه السلام):
في (الفصول المهمة): معتدل القامة (1).
أولاده (عليه السلام):
قيل: أولاده ستة، خمسة ذكور وأنثى، وهم: محمد (عليه السلام) وهو الإمام بعده،
والحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة (2). وهذا هو المنقول عن محمد بن
طلحة في (مطالب السؤول)، وعبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في (معالم العترة
الطاهرة)، وابن الخشاب في (مواليد أهل البيت)، وأبو نعيم في (الحلية).
وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي: أولاده محمد الإمام أبو جعفر
الثاني، وجعفر، وأبو محمد الحسن، وإبراهيم، وابنة واحدة (3).
وفي (العدد القوية): كان له (عليه السلام) ولدان: أحدهما محمد، والآخر موسى، لم
يترك غيرهما (4).
ويؤيده ما روي في (قرب الإسناد): أن البزنطي قال للرضا (عليه السلام): جعلت
فداك، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أجلك، والخطب فيه جليل، وإنما أريد



(1) الفصول المهمة: 241.
(2) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 123، كشف الغمة 3: 57، الفصول المهمة: 264، نور
الأبصار: 177.
(3) تذكرة الخواص: 358.
(4) العدد القوية: 294 / 22، بحار الأنوار 49: 222 / 13.
24
فكاك رقبتي من النار. فرآني وقد دمعت، فقال: لا تدع شيئا تريد أن تسألني عنه
إلا سألتني عنه.
فقلت له: جعلت فداك، إني سألت أباك عن خليفته من بعده، فدلني عليك.
وقد سألتك منذ سنين - وليس لك ولد - عن الإمامة، فيمن تكون من بعدك؟
فقلت: في ولدي. وقد وهب الله لك ابنين، فأيهما عندك بمنزلتك التي كانت عند
أبيك؟ الحديث (1).
وفي (الشجرة المباركة في أنساب الطالبية): له من الأبناء خمسة، وبنت
واحدة، أما البنون: فأبو جعفر محمد التقي (عليه السلام)، والحسن، وعلي قبره بمرو،
والحسين، وموسى، والبنت هي فاطمة (2).
ويؤيده حديث روي في (البحار) في باب حسن الخلق عن (عيون أخبار
الرضا (عليه السلام)) بالإسناد عن فاطمة بنت الرضا، عن أبيها (عليه السلام)... (3).
والظاهر أن الصواب ما ذكره الشيخ المفيد في (الإرشاد)، وابن شهرآشوب
في (المناقب)، والطبرسي في (إعلام الورى)، والطبري في (الدلائل) وغيرهم،
وهو أن الرضا (عليه السلام) مضى ولم يترك ولدا إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن
علي (عليه السلام) (4).



(1) قرب الإسناد: 376 / 1321، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(2) الشجرة المباركة: 77.
(3) بحار الأنوار 71: 388 / 36.
(4) دلائل الإمامة: 180، الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام) 3: 165، إعلام الورى: 344، المناقب
4: 367، الإرشاد 2: 271، بحار الأنوار 49: 222، 12.
25
ويؤيد هذا ما روي في (كشف الغمة) عن حنان بن سدير، قال: قلت
لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن: أما إنه
لا يولد لي إلا واحد، ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة. قال أبو خداش: سمعت هذا
الحديث منذ ثلاثين سنة (1).
وما روي في (إثبات الوصية) و (عيون المعجزات) بالإسناد عن كلثم بن
عمران، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت تحب الصبيان، فادع الله أن يرزقك ولدا.
فقال: إنما أرزق ولدا واحدا وهو يرثني.
فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلما طال ذلك
على عدة ليال، قلت: جعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكل هذا تعوذه!
فقال (عليه السلام): ويحك! ليس هذا عوذة، إنما أغره بالعلم غرا (2).
نساؤه (عليه السلام):
قال السيد تاج الدين بن علي العاملي: كانت له (عليه السلام) امرأة عدا السراري، لم
أقف على اسمها (3).
ويظهر من سائر الروايات أن من نسائه (عليه السلام): أم حبيبة بنت المأمون، وقيل:
أم حبيب (4)، ودرة، وكانت مريسية، ثم سماها الرضا (عليه السلام) خيزران، وهي



(1) كشف الغمة 3: 92، بحار الأنوار 49: 221.
(2) إثبات الوصية: 210، عيون المعجزات: 118، بحار الأنوار 50: 15 / 19.
(3) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 123.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 2، بحار الأنوار 49: 10 / 21، و 132 / 8، و 221
/ 9، وإثبات الوصية: 205.
26
أم الجواد (عليه السلام)، وكانت من أهل بيت مارية القبطية، أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأم ولده
إبراهيم (عليه السلام)، ويقال: سبيكة النوبية (1).
ويبدو من رواية الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن عيسى اليقطيني،
أنه (عليه السلام) كانت له امرأة اسمها رحم، حيث قال: بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم
ثياب وغلمانا، وحجة لي وحجة لأخي موسى، وحجة ليونس بن عبد الرحمن،
وأمرنا أن نحج عنه، وكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا.
فلما أردت أن أعبئ الثياب، رأيت في أضعاف الثياب طينا، فقلت
للرسول: ما هذا؟ فقال: ليس يوجه بمتاع إلا جعل فيه طينا من قبر الحسين (عليه السلام).
ثم قال الرسول: قال أبو الحسن (عليه السلام): هو أمان بإذن الله. وأمر بالمال بأمور
من صلة أهل بيته وقوم محاويج لا يؤبه لهم، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم
- امرأة كانت له - وأمرني أن أطلقها عنه، وأمتعها بهذا المال، وأمرني أن أشهد على
طلاقها صفوان بن يحيى وآخر نسي محمد بن عيسى اسمه (2).
عمره ومدة إمامته (عليه السلام):
قبض (عليه السلام) بطوس من خراسان في قرية يقال لها سناباذ في آخر صفر،
وقيل: في السابع عشر منه، سنة 203 ه‍، في ملك المأمون، ودفن ملاصقا لقبر
هارون الرشيد.
قال أبو الحسن بن عباد: قال لي الرضا (عليه السلام) مرارا: أنا والرشيد كهاتين



(1) المناقب 4: 379، مروج الذهب 2: 418، الكافي 1: 411، روضة الواعظين: 243.
(2) التهذيب 8: 40 / 40، الاستبصار 3: 279 / 7، وفي الاستبصار: رحيم.
27
- وضم بين إصبعيه - فلم أدر ما قال، ومنعني هيبته أن أسأله، حتى مضى فقبروه إلى
جانب الرشيد (1). وروي عن مسافر نحو هذا الحديث (2).
ومضى (عليه السلام) وله يومئذ 55 سنة، 35 منها مع أبيه (عليه السلام)، وكانت مدة إمامته
وخلافته بعد أبيه عشرين سنة، وكانت في أيام إمامته بقية ملك الرشيد عشر سنين،
ثم مات الرشيد سنة 193 ه‍، وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين
يوما، وقيل: أربع سنين وسبعة أشهر، ثم خلع الأمين وحبس وأجلس عمه إبراهيم
بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما، ثم أخرج محمد ثانية، وبويع له،
وبقي بعد ذلك سنة وسبعة أشهر، وقتله طاهر بن الحسين سنة 198 ه‍، ثم ملك
المأمون الخلافة بعده عشرين سنة، فكان جانب من ملكه في إمامة الرضا (عليه السلام)،
وكان للرضا (عليه السلام) معه ما كان، واستشهد في أيام ملكه مسموما (3)، وسيأتي تفصيل
ذلك في فصل خاص إن شاء الله تعالى.



(1) دلائل الإمامة: 180، وكان السبب في موت الرشيد بخراسان أنه خرج عليه رافع بن الليث
بن نصر بن سيار، واستولى على ما وراء النهر، فبعث الرشيد هرثمة بن أعين لقتاله، ونهض هو
وراءه إلى خراسان، فلما بلغ هذا الموضع مرض مرضا شديدا، فجاءه الخبر بأن هرثمة هزم
رافعا، وأسر أخاه بشيرا، وأرسله إلى الرشيد، فأمر القصاب بقطع أعضاء بشير، ومات
الرشيد بعده بثلاثة أيام فدفن هناك، ثم دفن إلى جنبه الإمام الرضا (عليه السلام) بعد عشر سنين.
(2) إعلام الورى: 325، كشف الغمة 3: 95. وسيأتي مع تخريجات أخرى في فصل معجزاته
(عليه السلام).
(3) إعلام الورى: 314، الإرشاد 2: 247، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 122.
28
الفصل الثاني
النصوص الدالة على إمامته (عليه السلام)
قال الشيخ المفيد (رحمه الله):
وكان الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ابنه أبا الحسن علي
ابن موسى الرضا (عليهما السلام)، لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه
وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه، ولنص أبيه (عليه السلام)
على إمامته من بعده.
فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة
منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته: داود بن كثير
الرقي، ومحمد بن إسحاق بن عمار، وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي، والحسين بن
المختار، وزياد بن مروان، والمخزومي، وداود بن سليمان، ونصر بن قابوس، وداود
ابن زربي، ويزيد بن سليط، ومحمد بن سنان (1).
وفيما يلي جملة من الأحاديث الدالة على النص على إمامة أبي الحسن
الرضا (عليه السلام):



(1) الإرشاد 2: 247 - 248.
29
1 - عن داود الرقي، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): جعلت فداك، إني قد
كبرت سني فخذ بيدي وأنقذني من النار، من صاحبنا بعدك؟ قال: فأشار إلى ابنه
أبي الحسن فقال: " هذا صاحبكم من بعدي " (1).
2 - عن محمد بن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام):
ألا تدلني على من آخذ عنه ديني؟ فقال: " هذا ابني علي، إن أبي أخذ بيدي
فأدخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لي: يا بني، إن الله جل وعلا قال: (إني
جاعل في الأرض خليفة) (2) وإن الله إذا قال قولا وفى به " (3).
3 - عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن
يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح فقال لي: " يا علي بن
يقطين، هذا علي سيد ولدي، أما إني قد نحلته كنيتي "، وفي رواية أخرى: " كتبي "،
فضرب هشام براحته جبهته، ثم قال: ويحك، كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين:



(1) الكافي 1: 249 / 3، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 7، الإرشاد 2: 248، غيبة
الطوسي: 34 / 9، الفصول المهمة لابن الصباغ: 243، إعلام الورى: 315، البحار 49:
23 / 34.
(2) البقرة 2: 30.
(3) الكافي 1: 249 / 4، الإرشاد 2: 249، غيبة الطوسي: 34 / 10، إعلام الورى: 315،
البحار 49: 24 / 35.
30
سمعته والله منه كما قلت، فقال هشام: إن الأمر والله فيه من بعده (1).
4 - عن نعيم القابوسي، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: " ابني علي أكبر
ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إلي، وهو ينظر معي في الجفر، ولم ينظر فيه إلا نبي
أو وصي نبي " (2).
5 - عن الحسين بن المختار، قال: خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن
موسى (عليه السلام) وهو في الحبس: " عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا،
وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي الله علي الموت " (3).
6 - عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي إبراهيم [موسى]
وعنده أبو الحسن ابنه (عليهما السلام) فقال لي: " يا زياد، هذا ابني فلان، كتابه كتابي،
وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قولي " (4).



(1) الكافي 1: 248 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 21 / 3، الإرشاد 2: 249، غيبة
الطوسي: 35 / 11، إعلام الورى: 315.
(2) الكافي 1: 249 / 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 27، الإرشاد 2: 250، غيبة
الطوسي: 36 / 12، مناقب ابن شهرآشوب 4: 367، إعلام الورى: 315، البحار 49: 24
/ 36.
(3) الكافي 1: 250 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 30 / 23، الإرشاد 2: 250، غيبة
الطوسي: 36 / 13، إعلام الورى: 316، البحار 49: 24 / 37.
(4) الكافي 1: 249 / 6، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 25، الإرشاد 2: 50، غيبة
الطوسي: 37 / 14، الفصول المهمة: 244، إعلام الورى: 316، البحار 49: 19 / 23.
31
7 - عن محمد بن الفضيل، قال: حدثني المخزومي - وكانت أمه من ولد جعفر
ابن أبي طالب - قال: بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال: " أتدرون
لم جمعتكم؟ " فقلنا: لا، قال: " اشهدوا أن ابني هذا وصيي، والقيم بأمري،
وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له
عندي عدة فليتنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه " (1).
8 - عن داود بن سليمان، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني أخاف أن
يحدث حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال: " ابني علي، يعني
أبا الحسن (عليه السلام) " (2).
9 - عن نصر بن قابوس، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إنني سألت أباك:
من الذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فلما توفي أبو عبد الله (عليه السلام)،
ذهب الناس يمينا وشمالا، وقلت بك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك
من ولدك؟ قال: " ابني علي " (3).



(1) الكافي 1: 249 / 7، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 14، الإرشاد 2: 251، غيبة
الطوسي: 37 / 15، الفصول المهمة: 244، إعلام الورى: 318، البحار 49: 16 / 12.
(2) الكافي 1: 250 / 11، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 8، الإرشاد 2: 251، غيبة
الطوسي: 38 / 16، إعلام الورى: 316، البحار 49: 24 / 38.
(3) الكافي 1: 250 / 12، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 26، الإرشاد 2: 251، رجال
الكشي: 451 / 849، غيبة الطوسي: 38 / 17، إعلام الورى: 316، البحار 49: 25 / 39.
32
10 - عن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال، فأخذ بعضه
وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله، لأي شيء تركته عندي؟ فقال: " إن صاحب
هذا الأمر يطلبه منك "، فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فسألني ذلك
المال فدفعته إليه (1).
11 - عن يزيد بن سليط - في حديث طويل - عن أبي إبراهيم (عليه السلام) أنه قال
في السنة التي قبض عليه فيها: " إني أؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي سمي
علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين
- صلوات الله عليهم - أعطي فهم الأول وحلمه ونصره وورعه وورده ودينه،
ومحنة الآخر وصبره على ما يكره " الحديث (2).
12 - عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن
يقدم العراق بسنة، وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: " يا محمد، إنه
سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ".
قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني؟



(1) الكافي 1: 250 / 13، غيبة الطوسي: 93 / 18، الإرشاد 2: 252، المناقب 4: 368،
رجال الكشي: 313 / 565، البحار 49: 25 / 40، إعلام الورى: 317.
(2) الكافي 1: 252 / 14 ذيل الحديث، الإرشاد 2: 252، غيبة الطوسي: 40 / 19، إعلام
الورى: 319.
33
قال: " أصير إلى هذه الطاغية، أما إنه لا ينداني (1) منه سوء، ولا من الذي
يكون من بعده ".
قال: قلت: وما يكون، جعلني الله فداك؟
قال: (يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) (2).
قال: قلت: وما ذاك، جعلني الله فداك؟
قال: " من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي، كان كمن ظلم علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) إمامته وجحده حقه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن بإمامته.
قال: " صدقت - يا محمد - يمد الله في عمرك، وتسلم له حقه، وتقر له بإمامته
وإمامة من يكون من بعده ".
قال: قلت: ومن ذاك؟
قال: " ابنه محمد ".
قال: قلت: له الرضى والتسليم (3).
13 - وعن محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: دخلت على
أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وقد اشتكى شكاية شديدة، فقلت له: إن كان



(1) أي لا يصيبني.
(2) إبراهيم 14: 27.
(3) الكافي 1: 256 / 16، الإرشاد 2: 253، غيبة الطوسي: 32 / 8، عيون أخبار
الرضا (عليه السلام) 1: 32 / 29، البحار 49: 22 / 27، إعلام الورى: 320.
34
ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من؟ قال: إلى ابني علي؛ فكتابه كتابي وهو وصيي
وخليفتي من بعدي (1).
14 - عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام) وعلي ابنه (عليه السلام) في حجره وهو يقبله، ويمص لسانه، ويضعه على عاتقه،
ويضمه إليه، ويقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيب ريحك، وأطهر خلقك، وأبين
فضلك.
قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد
إلا لك!
فقال لي: يا مفضل، هو مني بمنزلتي من أبي (عليه السلام) (ذرية بعضها من بعض والله
سميع عليم).
قال: قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟
قال: نعم، من أطاعه رشد، ومن عصاه كفر (2).
15 - وعن علي بن يقطين، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): يا علي، هذا أفقه
ولدي، وقد نحلته كنيتي، وأشار بيده إلى علي ابنه (3).



(1) كشف الغمة 3: 88، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 2 / 1، البحار 49: 13 / 12، العوالم
22: 39 / 8.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 28، البحار 49: 20 / 26، العوالم 22: 33 / 1.
(3) بصائر الدرجات: 164 / 7، البحار 49: 23 / 31، العوالم 22: 34 / 1.
35
16 - وعن الحسن بن موسى، قال: كان نشيط وخالد يخدمان أبا
الحسن (عليه السلام)، قال: فذكر الحسن عن يحيى بن إبراهيم، عن نشيط، عن خالد
الجوان، قال: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قلت لخالد: أما ترى
ما قد وقعنا فيه من اختلاف الناس؟ فقال لي خالد: قال لي أبو الحسن (عليه السلام):
عهدي إلى ابني علي، أكبر ولدي، وخيرهم، وأفضلهم (1).
17 - وعن علي بن يقطين، قال: كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
وعنده علي ابنه (عليه السلام) فقال: يا علي، هذا ابني سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي، قال:
فضرب هشام - يعني ابن سالم - يده على جبهته، فقال: إنا لله نعى والله إلينا نفسه (2).
18 - عن سليمان المروزي، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الحجة على الناس بعده، فلما نظر إلي ابتدأني،
فقال: يا سليمان، إن عليا ابني وصيي، والحجة على الناس بعدي، وهو أفضل
ولدي، فإن بقيت بعدي فاشهد لي بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي، والمستخبرين
عن خليفتي من بعدي (3).



(1) رجال الكشي: 452 / 855، البحار 49: 27 / 47، العوالم 22: 36 / 6.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 21 / 2، البحار 49: 13 / 3، حلية الأبرار 2: 380، العوالم
22: 39 / 9.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 26 / 11، البحار 49: 15 / 9، حلية الأبرار 2: 382، العوالم
22: 42 / 15.
36
19 - وعن علي بن عبد الله الهاشمي، قال: كنا عند القبر نحو ستين رجلا منا
ومن موالينا، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) ويد علي ابنه (عليه السلام) في يده،
فقال: أتدرون من أنا؟ قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا. قال: سموني وانسبوني. فقلنا:
أنت موسى بن جعفر بن محمد.
فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر. قال: فاشهدوا أنه
وكيلي في حياتي ووصيي بعد موتي (1).
20 - وعن عبد الله بن مرحوم، قال: خرجت من البصرة أريد المدينة،
فلما صرت في بعض الطريق، لقيت أبا إبراهيم [موسى] (عليه السلام) وهو يذهب به إلى
البصرة، فأرسل إلي، فدخلت عليه، فدفع إلي كتبا، وأمرني أن أوصلها بالمدينة،
فقلت: إلى من أدفعها جعلت فداك؟ قال: إلى ابني علي، فإنه وصيي، والقيم
بأمري، وخير بني (2).
21 - وعن محمد بن زيد الهاشمي أنه قال: الآن تتخذ الشيعة علي بن موسى
[الرضا] (عليه السلام) إماما، قلت: وكيف ذاك؟ قال: دعاه أبو الحسن موسى بن



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 26 / 12، البحار 49: 15 / 10، حلية الأبرار 2: 382،
العوالم 22: 42 / 16.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 13، البحار 49: 15 / 11، حلية الأبرار 2: 382،
العوالم 22: 43 / 17.
37
جعفر (عليه السلام) فأوصى إليه (1).
22 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام) إلى ابنه علي (عليه السلام) وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلا من وجوه أهل
المدينة (2).
23 - وعن الحسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
ابنه عليا (عليه السلام) كما أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم، فقال: يا أهل
المدينة - أو قال - يا أهل المسجد، هذا وصيي من بعدي (3).
24 - وعن جعفر بن خلف، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى منه خلفا، وقد أراني الله من ابني هذا خلفا،
وأشار إليه - يعني إلى الرضا (عليه السلام) - (4).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 27 / 15، البحار 49: 16 / 13، العوالم 22: 44 / 19.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 17، البحار 49: 17 / 15، حلية الأبرار 2: 383،
العوالم: 45 / 21.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 18، البحار 49: 17 / 16، حلية الأبرار 2: 383،
العوالم 22: 45 / 22.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 30 / 22، رجال الكشي: 477 / 905، البحار 49: 18 /
20، العوالم 22: 46 / 25.
38
25 - وعن عبد الرحمن بن الحجاج، عن إسحاق وعلي ابني أبي عبد الله
جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنهما دخلا على عبد الرحمن بن أسلم بمكة في السنة التي أخذ
فيها موسى بن جعفر (عليه السلام) ومعهما كتاب أبي الحسن [الرضا] (عليه السلام) بخطه فيه حوائج
قد أمر بها، فقالا: إنه قد أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه، فإن كان من أمره شيء
فادفعه إلى ابنه علي (عليه السلام) فإنه خليفته والقيم بأمره، وكان هذا بعد النفر بيوم،
بعدما أخذ أبو الحسن (عليه السلام) بنحو من خمسين يوما، وأشهد إسحاق وعليا ابني
أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) الحسين بن أحمد المنقري وإسماعيل بن عمر وحسان بن
معاوية والحسين بن محمد صاحب الختم، على شهادتيهما: أن أبا الحسن علي بن
موسى (عليه السلام) وصي أبيه (عليه السلام) وخليفته، فشهد اثنان بهذه الشهادة، واثنان قالا:
خليفته ووكيله. فقبلت شهادتهم عند حفص بن غياث القاضي (1).
26 - عن الحسن بن الحسن، قال: قلت لأبي الحسن [موسى] (عليه السلام):
أسألك؟ فقال: سل إمامك. فقلت: من تعني؟ فإني لا أعرف إماما غيرك! قال:
هو علي الرضا ابني قد نحلته كنيتي. فقلت: سيدي أنقذني من النار، فإن أبا عبد الله
الصادق (عليه السلام) قال: إنك القائم بهذا الأمر! قال: أو لم أكن قائما؟ ثم قال: يا حسن،
ما من إمام يكون قائما في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم فالذي يليه هو القائم
والحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم، فاصرف جميع ما كنت تعاملني به إلى ابني
علي، والله والله ما أنا فعلت ذلك به، بل الله فعل به ذاك حبا (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 38 / 3، البحار 49: 22 / 28، العوالم 22: 49 / 32.
(2) غيبة الطوسي: 27، البحار 49: 25 / 41، العوالم 22: 54 / 43.
39
27 - وعن موسى بن بكر، قال: كنت عند أبي إبراهيم [موسى] (عليه السلام)،
فقال لي: إن جعفرا (عليه السلام) كان يقول: سعد امرؤ لم يمت حتى يرى خلفه من نفسه،
ثم أومأ بيده إلى ابنه علي (عليه السلام) فقال: هذا. وقد أراني الله خلفي من
نفسي (1).
28 - وعن ابن فضال، قال: سمعت علي بن جعفر يقول: كنت عند أخي
موسى بن جعفر (عليه السلام)، وكان والله حجة في الأرض بعد أبي (عليه السلام)، إذ طلع ابنه علي،
فقال لي: يا علي، هذا صاحبك، وهو مني بمنزلتي من أبي، فثبتك الله على دينه.
فبكيت وقلت في نفسي: نعى والله إلي نفسه.
فقال: يا علي، لا بد من أن تمضي مقادير الله في، ولي برسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة،
وبأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وكان هذا قبل أن يحمله هارون
الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام - تمام الخبر - (2).
29 - عن داود بن كثير - في حديث - قال: ثم أتيت أبا الحسن موسى (عليه السلام)
فقلت له: جعلت فداك، إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى علي ابني. قال: فكان ذلك
الكون، فوالله ما شككت في علي (عليه السلام) طرفة عين قط (3).



(1) غيبة الطوسي: 28، البحار 49: 26 / 42، العوالم 22: 55 / 43.
(2) غيبة الطوسي: 28، البحار 49: 26 / 45، العوالم 22: 55 / 44.
(3) العوالم 22: 57 / 3، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام).
40
هذا ما نص الإمام أبي الحسن موسى (عليه السلام) على إمامة ولده الإمام الرضا (عليه السلام)
بالإمامة، بطرق متعددة ومعتبرة، بحيث لا يترك لمعتذر عذرا.
نصه على نفسه (عليه السلام):
فيما تقدم ذكرنا أهم النصوص الدالة على إمامة أبي الحسن الرضا (عليه السلام)،
الواردة عن أبيه (عليه السلام)، وفيما يلي نذكر طرفا من النصوص الواردة عنه (عليه السلام) في النص
على نفسه:
1 - روى ابن بابويه بالإسناد عن العباس بن النجاشي الأسدي، قال: قلت
للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: إي والله، على الإنس والجن (1).
2 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي جرير القمي - في حديث - قال:
قلت لأبي الحسن (عليه السلام): عليك من إخوتك إمام؟ قال: لا. قلت: فأنت الإمام؟
قال: نعم (2).
3 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسن بن علي الخزاز، قال: دخل
علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم (3).



(1) الإمامة والتبصرة: 77 / 67، البحار 49: 106، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 26 / 10.
(2) الكافي 1: 380 / 1، العوالم 22: 62 / 1.
(3) غيبة الطوسي: 134، البحار 25: 251 / 5، العوالم 22: 62 / 2.
41
4 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عقبة بن جعفر، قال: قلت لأبي
الحسن الرضا (عليه السلام): قد بلغت وليس لك ولد! فقال: يا عقبة بن جعفر، إن صاحب
هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده (1).
5 - وروى صاحب ثاقب المناقب بالإسناد عن محمد بن العلاء الجرجاني،
قال: حججت فرأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت
فداك، هذا الحديث قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات
ميتة جاهلية "، قال: فقال: نعم، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين، عن علي بن
أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات
ميتة جاهلية...
قال: فقلت له: ومن مات ميتة جاهلية؟ قال: مشرك.
قال: قلت: فمن إمام زماننا، فإني لا أعرفه؟ قال: أنا هو، الحديث (2).
هذا ما نص وأكد الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) على نفسه بالإمامة، بأدلة
قاطعة دامغة لا تقبل التأويل والتلبيس، وسنذكر في باب الواقفة وموقف الإمام
منهم بعض ما ورد عنهم في مجال النص على إمامة الرضا (عليه السلام) التي جحدوها



(1) كمال الدين 1: 229 / 25، البحار 23: 42 / 80، العوالم 22: 63 / 3.
(2) الثاقب في المناقب: 495 / 424.
42
الفصل الثالث
موقفه (عليه السلام) من الواقفة
الواقفة:
واجه الإمام الرضا (عليه السلام) بعد شهادة أبيه (عليه السلام) في السجن، عدة محن قاسية،
منها أنه كان يعاني من مرارة ذلك الانقسام الرهيب الذي أوقع الخلاف بين
أصحاب أبيه، ومنها أنه كان يعاني من شدة وطأة المراقبة الدقيقة من قبل عيون
الأجهزة الحاكمة التي كانت تحصي عليه أنفاسه إلى الحد الذي لا يستطيع الإذن
لأصحابه في الدخول عليه.
فعن البزنطي، قال: كنت شاكا في أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فكتبت إليه كتابا
أسأله فيه الإذن عليه، وقد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث
آيات، قد عقدت قلبي عليها.
قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه: عافانا الله وإياك، أما ما طلبت من
الإذن علي، فإن الدخول علي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك، فلست تقدر
عليه الآن، وسيكون إن شاء الله.
وكتب بجواب ما أردت أن أسأله عنه، عن الآيات الثلاث في الكتاب،
ولا والله ما ذكرت له منهن شيئا، ولقد بقيت متعجبا لما ذكرها في الكتاب، ولم أدر

43
أنه جوابي إلا بعد ذلك، فوقفت على معنى ما كتب به (عليه السلام) (1).
وفي ظل مراقبة النظام وأجهزته يصعب على الإمام (عليه السلام) أن يشرع بابه لأداء
مهامه الرسالية في إرشاد أصحابه، وأن يبرهن لهم على بطلان شبهة الواقفة وتهافت
الحجج التي تمسكوا بها، ليدل على طريق الهدى والحق والرشاد، لقد كانت المرارة
لا توصف، والمحنة قاسية لا تحتمل.
أصل الشبهة:
أول من ابتدع فكرة الوقف وأظهر الاعتقاد بها وروج لها بين الشيعة هم:
علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي،
وهؤلاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، ذهبوا إلى الوقوف على الإمام
الكاظم (عليه السلام) وادعوا بأنه حي لم يمت، وأنه هو القائم من آل محمد (عليهم السلام)، وأن غيبته
كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم على ضوء هذا الادعاء عدم انتقال الإمامة
إلى ولده الإمام الرضا (عليه السلام).
الدوافع:
المتطلع في الروايات والتأريخ وكتب الرجال يلمس أن أبرز الدوافع في نشوء
هذه الشبهة والترويج لها هو أن قوام الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وخزنة
أمواله التي تجبى له من شيعته، طمعوا فيما كان بأيديهم من الحقوق الشرعية



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 18، بحار الأنوار 49: 36 / 17، العوالم 22: 85 /
31.
44
والأخماس، ولقد اجتمع عند هؤلاء أموال طائلة خلال الشطر الأخير من حياة
الإمام الكاظم (عليه السلام) عندما كان يرزح تحت وطأة سجون الظالمين، ولما استشهد
الإمام (عليه السلام) في السجن بالسم، طالبهم الإمام الرضا (عليه السلام) بما عندهم من الأموال،
فغررت بهم الدنيا، وأنكروا موت أبيه (عليه السلام)، ولقد كان عند علي بن أبي حمزة
البطائني ثلاثون ألف دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند
عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وست جوار، وعند أحمد بن أبي بشر
السراج عشرة آلاف دينار، فنازعتهم نفوسهم وأطماعهم في تسليم هذه الأموال
للإمام الرضا (عليه السلام)، متحيلين لذلك بإنكار موت الإمام الكاظم (عليه السلام)، مدعين أنه
حي يرزق، وأنهم لم يسلموا من هذه الأموال شيئا حتى يرجع فيسلموها له، وذلك
لأجل التمويه على العامة، ولتمرير جشعهم وطمعهم عبر طريق صحيح حسب
اعتقادهم، والحقيقة أنهم ابتعدوا عن جادة الهدى وهووا في قرار الجحيم.
وخلاصة القول: إن نشوء هذه الفكرة وانطلاؤها على أذهان كثير من شيعة
الإمام (عليه السلام) يعد من العوامل الهدامة الخطيرة في ذلك الوقت، التي لا بد من التصدي
لها بكافة الوسائل المتاحة. والشيء الآخر أن نشوء هذه الفكرة لم يكن عن اعتقاد
واقتناع بواقعية وأصالة مبادئها، بل كان لمجرد رغبات مادية وعوامل دنيوية
انحرفت بأصحابها عن الطريق المستقيم.
حب المال:
وجاء في رواية أحمد بن حماد: أن عثمان بن عيسى الرواسي كان في مصر،
وعنده للإمام مال كثير وست جوار، فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فيهن وفي
المال، فكتب إليه: أن أباك لم يمت. فكتب إليه الإمام (عليه السلام): إن أبي قد مات، وقد

45
قسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته، واحتج عليه فيه.
فكتب إليه عثمان الرواسي: إن لم يكن أبوك قد مات، فليس لك من ذلك
شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت
الجواري وتزوجتهن (1).
وفي رواية الشيخ الطوسي في (الغيبة): أن أباك لم يمت، وهو حي قائم، ومن
ذكر أنه مات فهو مبطل (2).
أما علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي، فقد أنكرا وجود أي
مال للإمام عندهما، ولكن حوارهما مع يونس بن عبد الرحمن، ومحاولتهما إغراءه
بمبلغ كبير من المال لكي يتبنى موقفهما يؤكد اغتصابهما للمبالغ الضخمة التي كانت
بحوزتهما.
فقد روي بالإسناد إلى أحمد بن الفضل: أن يونس بن عبد الرحمن قال: مات
أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير،
وذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار،
وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، ومضى يقول: فلما رأيت ذلك، وتبين
لي الحق، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما علمت، تكلمت في ذلك،
ودعوت الناس إليه، فبعثا إلي وقالا: لا تدع إلى هذا الأمر، فإن كنت تريد المال
فنحن نغنيك، وضمنا لي عشرة آلاف دينار على أن أكف وأترك هذا الأمر، فقلت
لهما: إنا روينا عن الصادقين أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 113 / 3.
(2) الغيبة: 43.
46
علمه، فإن لم يفعل سلب الله عنه نور الإيمان. وما كنت أدع الجهاد، وأمر الله على كل
حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة (1).
وقد اعترف أحمد بن أبي بشر السراج، أحد أقطاب الواقفة، بأن الذي دعاه
لعدم الرجوع إلى أبي الحسن الرضا الأموال التي كانت عنده للإمام الكاظم (عليه السلام)،
فقد جاء في (الغيبة) للطوسي: أن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال
قال: كنت أرى عند عمي علي بن الحسين بن فضال شيخا من أهل بغداد، وكان
يهازل عمي، فقال له يوما: ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة.
فقال له عمي: ولم لعنك الله؟
قال: أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج، فقال لي لما حضرته الوفاة:
إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر (عليه السلام)، فدفعت ابنه عنها
بعد موته، وشهدت أنه لم يمت، فالله الله خلصوني من النار، وسلموها إلى
الرضا (عليه السلام)، فوالله ما أخرجنا حبة، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم (2).
ومما يدل على شدة تمسك هؤلاء بالخلاف على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
وحبهم للمال أن جماعة من الشيعة رجعوا بعد أبي الحسن موسى بن جعفر إلى ولده
أحمد بن موسى، واختلفوا إليه مدة من الزمن، وكانوا قد أيقنوا بوفاة والده موسى
ابن جعفر (عليه السلام)، ومن هؤلاء إبراهيم وإسماعيل ابنا أبي سمال - أو السماك -
ولما خرج ابن طباطبا ضد الحكم العباسي، وأرسل الرشيد إليه جيشا بقيادة
أبي السرايا، خرج معه أحمد بن الإمام موسى بن جعفر لحرب ابن طباطبا، فقال لهما



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 112 / 2، الغيبة: 43.
(2) الغيبة: 44.
47
جماعة: إن هذا الرجل قد خرج مع أبي السرايا، فما تقولان؟ فأنكرا ذلك من فعله،
ورجعا عنه، وقالا: أبو الحسن موسى حي، نثبت على الوقف (1). ووقفا عند القول
بإمامته، إلى غير ذلك مما يشير إلى أن المنحرفين عن أبي الحسن الرضا كانوا من
بين الذين أغرتهم الدنيا، واستبد بهم الطمع، فتظاهروا بإنكار موت أبيه طمعا
بما كان بأيديهم من الأموال التي كانت بحوزتهم لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام).
ومن هؤلاء ابن السراج، والبطائني، والقندي، وابن عيسى الرواسي
وغيرهم من وكلائه والقيمين على أمواله.
الذرائع:
لقد اعتذر الواقفة في اعتناق هذه الفكرة بأخبار رووها من الإمام
الصادق (عليه السلام)، ولكنهم جهلوا محتواها، وانغلق عليهم فهمها، مفادها أن الإمام
الكاظم (عليه السلام) هو القائم بهذا الأمر، ومن أخبر بموته فلا تصدقوه، وأنه يغيب كغيبة
يونس (عليه السلام)، أو كغيبة موسى (عليه السلام).
واحتجوا قبل ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) بحديث الصادق (عليه السلام): أن الإمام
لا يكون عقيما، وقالوا للإمام الرضا (عليه السلام): كيف تكون إماما وليس لك ولد؟!
ولعل بعض هذه الأخبار التي تمسكوا بها هي من موضوعات الواقفة
ومفترياتهم لتبرير فكرتهم، وترسيخ مذهبهم الذي ابتدعوه في أذهان العامة.
على أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قد بين في حياته المفاد الواقعي لبعض هذه
الأخبار، كما أكد بالنص على ولده الرضا (عليه السلام) بأحاديث صحاح لا مجال للشك



(1) رجال الكشي: 472 / 898.
48
فيها، وقد جاء بعض هذه النصوص برواية دعاة الوقف وأقطابه الذين أنكروا على
الإمام الرضا (عليه السلام) إمامته، حيث كانوا قبل الوقف من ثقات أبيه (عليه السلام)، وهذا
مما يزيد في إبلاغ الحجة عليهم.
وبين الإمام الرضا (عليه السلام) كذلك خطأ فهمهم لمضامين الأحاديث التي تمسكوا
بها، وفسر لهم المضمون الصحيح لها، وأنها على خلاف ما بنى عليه دعاة الوقف،
فألزمهم الحجة في كذب ما تأولوه.
تفنيد ذرائعهم:
1 - عن الحسن بن الحسن - في حديث - قال: قلت لأبي الحسن
موسى (عليه السلام): أسألك؟ فقال: سل إمامك؟ فقلت: من تعني؟ فإني لا أعرف إماما
غيرك!
قال: هو علي ابني، قد نحلته كنيتي.
قلت: سيدي أنقذني من النار، فإن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إنك القائم بهذا
الأمر.
قال: أو لم أكن قائما؟
ثم قال: يا حسن، ما من إمام يكون قائما في أمة إلا وهو قائمهم، فإذا
مضى عنهم فالذي يليه هو القائم والحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم، فاصرف
جميع ما كنت تعاملني به إلى ابني علي، والله ما أنا فعلت ذلك به، بل الله فعل ذلك به
حبا (1).



(1) الغيبة: 27.
49
2 - عن الفضل بن شاذان بسنده إلى الحسن بن قياما الصيرفي، أنه قال:
حججت سنة ثلاث وتسعين ومائة، وسألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، فقلت له:
جعلت فداك، ما فعل أبوك؟ قال: مضى كما مضى آباؤه. قلت: فكيف أصنع
بحديث حدثني به يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير: أن أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)
قال: إن جاءكم من يخبركم أن ابني هذا مات وكفن وقبر ونفضوا أيديهم من تراب
قبره فلا تصدقوا به.
فقال: كذب أبو بصير، ليس هكذا حديثه، إنما قال: إن جاءكم عن صاحب
هذا الأمر (1). ويعني الإمام بصاحب هذا الأمر الإمام الثاني عشر.
3 - وعن محمد بن يونس بن الحسن الواسطي، عن الحسن بن قياما الصيرفي،
أنه قال: سألت أبا الحسن الرضا عن أبيه، فقال: مضى كما مضى آباؤه. فقلت:
فكيف أصنع بحديث حدثني به زرعة بن محمد الحضرمي، عن سماعة بن مهران:
أن أبا عبد الله الصادق قال: إن ابني هذا - وأشار إلى ولده موسى - فيه شبه
لخمسة أنبياء، يحسد كما حسد يوسف، ويغيب كما غاب يونس؛ وذكر ثلاثة
أخر.
فقال: كذب زرعة بن محمد، ليس هكذا حدث سماعة بن مهران، إنما قال:
صاحب هذا الأمر - يعني القائم - فيه شبه من خمسة أنبياء، ولم يقل ابني (2).



(1) رجال الكشي: 475 / 902.
(2) رجال الكشي: 476 / 904.
50
4 - وعن ابن أبي نجران وصفوان، قالا: حدثنا الحسين بن قياما - وكان من
رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له على الرضا (عليه السلام)، ففعلنا، فلما صار بين
يديه، قال له: أنت إمام؟ قال (عليه السلام): نعم. قال: إني أشهد الله أنك لست بإمام.
قال: فنكت (عليه السلام) طويلا في الأرض منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه، فقال
له: ما علمك أني لست بإمام؟
قال: لأنا روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن الإمام لا يكون عقيما، وأنت قد
بلغت هذا السن وليس لك ولد.
قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، فقال: إني أشهد الله
أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني.
قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب
الله له أبا جعفر (عليه السلام) في أقل من سنة.
قال: وكان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف، فنظر إليه أبو الحسن
الأول (عليه السلام) فقال له: ما لك حيرك الله؟ فوقف عليه بعد الدعوة (1).
5 - وعن الحسين بن بشار، قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتابا،
يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد؟
فأجابه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) شبه المغضب: وما علمك أنه لا يكون لي ولد؟
والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا، يفرق به بين الحق والباطل (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، إعلام الورى: 323، بحار الأنوار 49: 34 / 13.
(2) الكافي 1: 320 / 4، حلية الأبرار 2: 429، العوالم 22: 120 / 3.
51
6 - وعن محمد بن علي، عن ابن قياما - وكان من الواقفة - قال: دخلت على
علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فقلت له: يكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهم
صامت.
فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت - ولم يكن ولد له أبو جعفر (عليه السلام) بعد -
فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله.
فولد له بعد سنة أبو جعفر (عليه السلام)، فقيل لابن قياما: ألا تقنعك هذه الآية؟
فقال: أما والله إنها لآية عظيمة، ولكن كيف بما قال أبو عبد الله (عليه السلام) في ابنه؟ (1).
موقف الإمام (عليه السلام):
سبق أن ذكرنا أن نشوء هذه الفكرة وانتشارها بين أوساط الشيعة آنذاك،
يعد من عوامل الانقسام الخطيرة التي لا بد من التصدي لها بكافة الوسائل المتاحة،
وقد تقدم أيضا أن الإمام (عليه السلام) بادر ومنذ البدء إلى تفنيد مزاعم الواقفة وذرائعهم،
وهداية أصحابه إلى طريق الحق والهدى.
ولقد كانت جهود الإمام (عليه السلام) في التصدي لتيار الواقفة تدور حول ثلاثة
محاور أساسية:
1 - الحوار وإلزام الحجة.
2 - إراءة المعجزة.
3 - رميهم بالشرك والزندقة.



(1) الكافي 1: 354 / 11، بحار الأنوار 49: 68 / 89، العوالم 22: 74 / 14.
52
الحوار وإلزام الحجة:
لقد فتح الإمام (عليه السلام) بابه لأصحابه ودعا لنفسه رغم قناعته بقسوة الظروف
التي تكتنف هذا العمل الخطير، وما يترتب عليه من إجراءات تعسفية من قبل
السلطة، وذلك لكي يواجه الخطر الآتي من الداخل، خطر الانقسام والتكتل،
وليحفظ وحدة أصحابه، ويضطلع بأداء دوره الرسالي والتربوي، ولأنه (عليه السلام) كان
واثقا بأن الرشيد لن يمسه بسوء - رغم الرقابة المفروضة على الإمام (عليه السلام) - وذلك
بالخبر الموثوق عن آبائه (عليهم السلام) عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانبرى (عليه السلام) لمناظرة
الواقفة ولأكثر من مرة، ليحد من تفشي فكرة الوقف في أوساط شيعته.
1 - عن منصور بن العباس البغدادي، أنه قال: حدثنا إسماعيل بن سهل،
قال: حدثني بعض أصحابنا، وسألني أن أكتم اسمه، قال: كنت عند الرضا (عليه السلام)،
فدخل عليه علي بن أبي حمزة، وابن السراج، وابن المكاري، فقال له ابن أبي حمزة:
ما فعل أبوك؟ قال: مضى موتا. فقال له: إلى من عهد بعده؟ فقال: عهد إلي. فقال
له: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال: نعم.
قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه. قال: ويلك وبم
أمكنته! أتريد أن آتي بغداد، وأقول لهارون: أنا إمام مفترض الطاعة؟ والله
ما ذلك علي، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم، وتشتت
أمركم، لئلا يصير سركم في يد عدوكم.
فقال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك،
ولا يتكلم به، قال: بلى، لقد تكلم خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أمره الله تعالى أن
ينذر عشيرته الأقربين، فلقد جمع من أهل بيته أربعين رجلا، وقال لهم: أنا رسول
الله إليكم، فكان أشدهم تكذيبا له وتأليبا عليه عمه أبو لهب، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله):

53
إن خدشني خدش فلست بنبي، فهذا أول ما أبدع لكم من آيات النبوة، وأنا أقول:
إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام، فهذا ما أبدع لكم من آية الإمامة.
ثم قال له علي بن أبي حمزة: إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره
إلا إمام مثله. فقال له أبو الحسن الرضا: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان
إماما أم لا؟ فقال: لقد كان إماما، فقال له الرضا: فمن ولي أمره؟ قال: ولده علي
ابن الحسين.
قال: لقد كان علي بن الحسين أسيرا في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة،
فخرج وهم لا يعلمون إلى كربلاء حتى ولي أمر أبيه ورجع.
فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن الذي أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي
كربلاء فيلي أمر أبيه، يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد ليلي أمر أبيه، وهو ليس
في حبس ولا أسر (1).
وروى نحوه الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) عن أبي
مسروق (2).
2 - وعن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير القمي، قال: قلت لأبي
الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك، ثم حلفت له:
وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني
ما تخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن أبيه، أحي هو أو ميت؟ فقال (عليه السلام):
قد والله مات.



(1) رجال الكشي: 463 / 883.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 20، بحار الأنوار 18: 52 / 4، و 49: 114 / 5،
العوالم 22: 60 / 2.
54
فقلت: جعلت فداك، إن شيعتك يروون: أن فيه سنة أربعة أنبياء؟
قال (عليه السلام): قد - والله الذي لا إله إلا هو - هلك.
قلت: هلاك غيبة، أو هلاك موت؟ قال: هلاك موت.
فقلت: لعلك مني في تقية؟ فقال: سبحان الله!
قلت: فأوصى إليك؟ قال: نعم.
قلت: فأشرك معك فيها أحدا؟ قال (عليه السلام): لا.
قلت: فعليك من إخوتك إمام؟ قال: لا.
قلت: فأنت الإمام؟ قال: نعم (1).
إراءة المعجزة:
لقد كانت نتيجة جهود الإمام (عليه السلام) المتواصلة لمواجهة تحدي الواقفة في مجمل
مناظراته وحواره المستمر أن ألزمهم بالحجة، وبرهن على سوء عقيدتهم
وشذوذها، ومن جانب آخر أرى (عليه السلام) بعض أصحابه وفي مناسبات عديدة بعض
المعاجز، ليدل على إمامته، ويبرهن عليها. وكان حاصل ذلك أن عاد بعض رجال
الوقف إلى القول بإمامة الرضا (عليه السلام)، بعد أن رفضوا شبهة الوقف، ومنهم: عبد
الرحمن بن الحجاج، ورفاعة بن موسى، ويونس بن يعقوب، وجميل بن دراج،
وحماد بن عيسى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، والحسن بن علي الوشاء
وغيرهم.
1 - فعن صالح بن أبي حماد، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنت كتبت
معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن (عليه السلام)، وجمعتها في كتاب مما روي



(1) الكافي 1: 380 / 1، العوالم 22: 62 / 1.
55
عن آبائه (عليهم السلام) وغير ذلك، وأحببت أن أتثبت في أمره وأختبره، فحملت الكتاب
في كمي وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة، فأناوله الكتاب، فجلست
ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه، وبالباب جماعة جلوس يتحدثون، فبينا أنا
كذلك في الفكرة والاحتيال في الدخول عليه، إذ أنا بغلام قد خرج من الدار وفي يده
كتاب، فنادى: أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي؟
فقمت إليه: وقلت: أنا الحسن بن علي الوشاء، فما حاجتك؟ قال: هذا
الكتاب أمرت بدفعه إليك فهاك خذه، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته، فإذا والله
فيه جواب مسألة مسألة، فعند ذلك قطعت عليه، وتركت الوقف (1).
2 - وعن البزنطي، قال: إني كنت من الواقفة على موسى بن جعفر (عليه السلام)،
وأشك في الرضا (عليه السلام)، فكتبت إليه أسأله عن مسائل، ونسيت ما كان أهم المسائل
إلي، فجاء الجواب عن جميعها.
ثم قال (عليه السلام): وقد نسيت ما كان أهم المسائل عندك، فاستبصرت.
الحديث (2).
3 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: كنا عند رجل بمرو، وكان معنا رجل
واقفي، فقلت له: اتق الله، قد كنت مثلك، ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس
والجمعة، واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على
هذا الأمر.
فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 1، بحار الأنوار 49: 44 / 37، العوالم 22: 97 / 51.
(2) الخرائج والجرائح 2: 662 / 5، بحار الأنوار 49: 48 / 48، العوالم 22: 100 / 58.
56
هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته، وقلت: أحمد الله واستخره مائة
مرة.
وقلت له: إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار، أن أقول لك
ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء،
فأتاني يوم السبت في السحر، فقال لي: أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة.
قلت: وكيف ذلك؟ فقال: أتاني أبو الحسن (عليه السلام) البارحة في النوم، فقال:
يا إبراهيم، والله لترجعن إلى الحق، وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله (1).
4 - وعن جعفر بن محمد بن يونس، قال: جاء قوم إلى باب أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) برقاع فيها مسائل، وفي القوم رجل واقفي، وأقف على باب أبي الحسن
ابن موسى (عليه السلام)، فوصلت الرقاع إليه، فخرجت الأجوبة في جميعها، وخرجت رقعة
الواقفي بلا جواب، فسألته: لم خرجت رقعته بلا جواب؟
فقال لي الرجل: ما عرفني الرضا (عليه السلام) ولا رآني فيعلم أني واقفي، ولا في
القوم الذي جئت معهم من يعرفني، اللهم إني تائب من الوقف، مقر بإمامة
الرضا (عليه السلام).
فما استتم كلامه حتى خرج الخادم، فأخذ رقعته من يده ودخل بها، وعاد
الجواب فيها إلى الرجل، فقال: الحمد لله، هذان برهانان في وقت واحد (2).
رميهم بالشرك والزندقة:
لقد جهد الإمام (عليه السلام) ليؤكد خطأ فكرة الواقفة وعدم واقعيتها كما تقدم في



(1) الخرائج والجرائح 1: 366 / 23، بحار الأنوار 49: 53 / 62، العوالم 22: 104 / 68.
(2) الهداية الكبرى: 288، العوالم 22: 120 / 5.
57
مناظرتهم، ولقد عانى (عليه السلام) كثيرا في محاربة هؤلاء، ودحض أباطيلهم، وكشف
دخائل نفوسهم، وتعريتهم أمام الملأ لئلا تنخدع بهم النفوس الضعيفة، ولقد أثمرت
جهود الإمام (عليه السلام) في عودة قسم كبير من أصحابه إلى جادة الحق وترك القول
بالوقف.
ولم يبق غير أولئك الذين أغرتهم الأموال الطائلة التي كانت بحوزتهم
مصرين على القول بالوقف رغم أنهم سمعوا النص على الرضا (عليه السلام) من أبيه (عليه السلام)،
ورأوا دلائل إمامة الرضا (عليه السلام) ومعجزاته، وسمعوا تفنيده لآرائهم وإفحامهم
بالحجة، كالبطائني والقندي وابن السراج وحمزة بن بزيع وغيرهم، لذلك فقد لعنهم
الإمام (عليه السلام) ووصفهم بالشك والإلحاد والزندقة.
وفيما يلي نورد الأحاديث التي تدل على مكابرة هؤلاء بالباطل، والأحاديث
التي ذمتهم ورماهم فيها الإمام (عليه السلام) بالشرك والزندقة:
1 - عن علي بن الحكم، عن حيدر بن أيوب، قال: كنا بالمدينة في موضع
يعرف بالقبا، فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا
فيه: جعلنا الله فداك، ما حبسك؟
قال: دعانا أبو إبراهيم [موسى] (عليه السلام) اليوم سبعة عشر رجلا من ولد علي
وفاطمة صلوات الله عليهما. فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد
موته، وأن امره جائز عليه وله.
ثم قال محمد بن زيد: والله يا حيدر، لقد عقد له الإمامة اليوم، وليقولن
الشيعة به من بعده.
قال حيدر: قلت: بل يبقيه الله، وأي شيء هذا؟
قال: يا حيدر، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة.

58
قال علي بن الحكم: مات حيدر وهو شاك (1).
2 - وعن غنام بن القاسم، قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج: دخلت
على أبي الحسن - يعني موسى بن جعفر (عليه السلام) - يوما، فقال لي: يا منصور،
أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ قلت: لا.
قال: قد صيرت عليا ابني وصيي - وأشار بيده إلى الرضا (عليه السلام) - وقد نحلته
كنيتي، والخلف من بعدي، فادخل عليه وهنئه بذلك، وأعلمه أني أمرتك بهذا.
قال: فدخلت عليه فهنأته بذلك، وأعلمته أن أباه أمرني بذلك، ثم جحد
منصور بعد ذلك، فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها (2).
3 - وعن اليقطيني، عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على
أبي إبراهيم (عليه السلام) وعنده علي ابنه، فقال لي: يا زياد، هذا كتابه كتابي، وكلامه
كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله.
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): إن زياد بن مروان روى هذا الحديث، ثم أنكره.
بعد مضي موسى (عليه السلام)، وقال بالوقف، وحبس ما كان عنده من مال موسى بن
جعفر (عليه السلام) (3).
4 - وعن الحسن بن موسى، عن علي بن خطاب - وكان واقفيا - قال: كنت



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 28 / 16، بحار الأنوار 49: 16 / 14، العوالم 22: 44 / 20.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 22 / 5، رجال الكشي: 468 / 893، بحار الأنوار 49: 14
/ 6، العوالم 22: 48 / 12.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 31 / 25، الكافي 1: 312 / 6، الغيبة: 26، بحار الأنوار 49:
19 / 23، العوالم 22: 47 / 28.
59
في الموقف يوم عرفة، فجاء أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ومعه بعض بني عمه، فوقف
أمامي، وكنت محموما شديد الحمى، وقد أصابني عطش شديد. قال: فقال
الرضا (عليه السلام) لغلام له شيئا لم أعرفه، فنزل الغلام، فجاء بماء في مشربة، فناوله
فشرب، وصب الفضلة على رأسه من الحر، ثم قال: املأ، فملأ المشربة، ثم قال:
اذهب فاسق ذلك الشيخ. قال: فجائني بالماء فقال لي: أنت موعوك؟ قلت: نعم.
قال: اشرب، قال: فشربت. قال: فذهبت والله الحمى.
فقال لي يزيد بن إسحاق: ويحك يا علي! فما تريد بعد هذا، ما تنتظر؟ قلت:
يا أخي دعنا.
قال له يزيد: فحدثت (1) بحديث إبراهيم بن شعيب - وكان واقفيا مثله - قال:
كنت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى جنبي إنسان ضخم آدم (2). فقلت له: ممن
الرجل؟ فقال لي: مولى لبني هاشم. قلت: فمن أعلم بني هاشم؟ قال: الرضا (عليه السلام).
قلت: فما باله لا يجيء عنه كما جاء عن آبائه؟ قال: فقال لي: ما أدري
ما تقول، ونهض وتركني، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني بكتاب فدفعه إلي،
فقرأته فإذا خط ليس بجيد، فإذا فيه: يا إبراهيم، إنك نجل من آبائك، وإن لك من
الولد كذا وكذا، ومن الذكور فلان وفلان - حتى عدهم بأسمائهم - ولك من البنات
فلانة وفلانة، حتى عد جميع البنات بأسمائهن.
قال: وكانت له بنت تلقب بالجعفرية، قال: فخط على اسمها، فلما قرأت
الكتاب قال لي: هاته. قلت: دعه. قال: لا، أمرت أن آخذه منك. قال: فدفعته
إليه.



(1) كذا، والظاهر أنه تصحيف: قال يزيد فحدثته.
(2) أي شديد السمرة.
60
قال الحسن: فأجدهما ماتا على شكهما (1).
5 - وعن صفوان، عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد، قال: قال الرضا (عليه السلام):
ما فعل الشقي حمزة بن بزيع؟ قلت: هو ذا قد قدم.
فقال: يزعم أن أبي حي، هم اليوم شكاك، ولا يموتون غدا إلا على الزندقة!
قال صفوان: فقلت فيما بيني وبين نفسي: شكاك قد عرفتهم، فكيف يموتون
على الزندقة؟! فما لبثنا إلا قليلا حتى بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته: هو
كافر برب أماته!
قال صفوان: هذا تصديق الحديث (2).
6 - عن علي بن عبد الله الزبيري، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن
الواقفة، فكتب: الواقف عاند من الحق، ومقيم على سيئة، إن مات بها كانت جهنم
مأواه وبئس المصير (3).
7 - وعن الفضل بن شاذان، رفعه عن الرضا (عليه السلام)، قال: سئل عن الواقفة،
فقال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة (4).
8 - وعن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أعطي
هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا؟ قال (عليه السلام): لا تعطهم، فإنهم
كفار مشركون زنادقة (5).



(1) رجال الكشي: 469 / 895، بحار الأنوار 49: 63 / 81، العوالم 22: 69 / 7.
(2) الغيبة: 45، بحار الأنوار 48: 256 / 1، العوالم 22: 124 / 14.
(3) رجال الكشي: 455 / 860.
(4) رجال الكشي: 456 / 861.
(5) رجال الكشي: 456 / 862.
61
9 - وعن عدة من أصحابنا، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعناه يقول:
يعيشون شكاكا، ويموتون زنادقة، قال: فقال بعضنا: أما الشكاك فقد علمناه،
فكيف يموتون زنادقة؟ قال: فقال: حضرت رجلا منهم وقد احتضر، فسمعته
يقول: هو كافر إن مات موسى بن جعفر. قال: فقلت: هذا هو (1).
10 - وعن محمد بن عاصم، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: يا محمد، بلغني
أنك تجالس الواقفة؟ قلت: نعم، جعلت فداك، أجالسهم وأنا مخالف لهم.
قال (عليه السلام): لا تجالسهم، فإن الله عز وجل يقول: (وقد نزل عليكم في الكتاب
أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزؤا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره
إنكم إذا مثلهم) (2)، يعني بالآيات الأوصياء الذين كفروا بهم الواقفة (3).
11 - وعن سليمان بن الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن [الرضا] (عليه السلام)
بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فسأله عن الواقفة، فقال أبو
الحسن (عليه السلام): (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من
قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) (4) والله إن الله لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم (5).
12 - وعن محمد بن أبي عمير، عن رجل من أصحابنا، قال: قلت
للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، قوم قد وقفوا على أبيك، يزعمون أنه لم يمت؟



(1) رجال الكشي: 456 / ذيل الحديث السابق.
(2) النساء: 140.
(3) رجال الكشي: 457 / 864.
(4) الأحزاب: 61 و 62.
(5) رجال الكشي: 457 / 864.
62
قال (عليه السلام): كذبوا، وهم كفار بما أنزل الله عز وجل على محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو كان الله يمد
في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه، لمد الله في أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
13 - وعن محمد بن الفضيل، قال: قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، ما حال
قوم قد وقفوا على أبيك موسى (عليه السلام)؟
قال (عليه السلام): لعنهم الله، ما أشد كذبهم! أما إنهم يزعمون أني عقيم، وينكرون
من يلي هذا الأمر من ولدي (2).
14 - وعن عمر بن فرات، قال: سألت أبا الحسن [الرضا] (عليه السلام) من
الواقفة، فقال: يعيشون حيارى، ويموتون زنادقة (3).
15 - وعن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: ذكرت
الممطورة وشكهم، فقال: يعيشون ما عاشوا في شك، ثم يموتون زنادقة (4).
16 - وعن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -:
جعلت فداك، قد عرفت بعض هذه الممطورة، فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم،
اقنت عليهم في صلاتك (5).
17 - وعن عبد الله بن جندب، قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت، أنهم كانوا بالأمس لكم إخوانا،



(1) رجال الكشي: 458 / 867.
(2) رجال الكشي: 458 / 868.
(3) رجال الكشي: 460 / 876.
(4) رجال الكشي: 461 / 878.
(5) رجال الكشي: 461 / 879.
63
والذي صاروا إليه من الخلاف لكم، والعداوة لكم، والبراءة منكم، والذين تأفكوا
به من حياة أبي صلوات الله عليه ورحمته.
وذكر في آخر الكتاب: إن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة،
وليس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم، واتفقت كلمتهم، وكذبوا على
عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف؟ فأتاهم الهلاك من
مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولم يكن ذلك لهم
ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير، ورد
ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه: (ولو ردوه
إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1) يعني آل محمد، وهم
الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجة لله على خلقه (2).
الإمام (عليه السلام) يكشف عن دوافع الواقفة:
عن البزنطي، قال: كتبت إليه - يعني الرضا (عليه السلام) - جعلت فداك، إنه لم يمنعني
من التعزية لك بأبيك إلا أنه كان يعرض في قلبي مما يروي هؤلاء، فأما الآن فقد
علمت أن أباك قد مضى، فآجرك الله في أعظم الرزية، وحباك أفضل العطية، فإني
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم وصفت له حتى انتهيت إليه.
فكتب: قال أبو جعفر (عليه السلام): لا يستكمل عبد الإيمان حتى يعرف أنه يجري
لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجة والطاعة، والحلال والحرام، لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين فضلهما، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من مات وليس له إمام حي يعرف



(1) النساء: 83.
(2) تفسير العياشي 1: 26 / 206.
64
مات ميتة جاهلية ".
وقال أبو جعفر (عليه السلام): إن الحجة لا تقوم لله عز وجل على خلقه إلا بإمام حتى
يعرفونه.
وقال أبو جعفر (عليه السلام): من سره أن لا يكون بينه وبين الله حجاب حتى ينظر
إلى الله وينظر الله إليه، فليتول آل محمد (عليهم السلام) ويبرأ من عدوهم، ويأتم بالإمام
منهم، فإنه إذا كان كذلك نظر الله إليه ونظر إلى الله.
ولولا ما قال أبو جعفر (عليه السلام) حين يقول: لا تعجلوا على شيعتنا، إن تزل لهم
قدم ثبتت أخرى، وقال: من لك بأخيك كله، لكان مني من القول في ابن أبي حمزة
وابن السراج وأصحاب ابن أبي حمزة.
أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال
لأبي الحسن (عليه السلام) عظيم فاقتطعه في حياة أبي الحسن، وكابرني، وأبى أن يدفعه،
والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي، فلما حدث
ما حدث من هلاك أبي الحسن (عليه السلام)، اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي
وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به.
وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأول تأويلا لم يحسنه ولم يؤت علمه، فألقاه إلى
الناس، فلج فيه، فكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يؤت
علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني
وغيره أنه كائن، لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء،
ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء، ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه،
فصار فتنة له وشبهة عليه، وفر من أمر فوقع فيه (1).



(1) قرب الإسناد: 350 - 352.
65
انقراض الواقفة:
لقد استوعبت هذه الشبهة زمنا طويلا، كانت الخلافات والمنازعات على
أشدها بين الفرقة المحقة والقائلين بالوقف، حتى كتب الله لهذه الشبهة ولأصحابها
التحلل والانقراض، وذلك لعدم اعتمادها على أسس ثابتة تقوى على المقاومة
والاستقرار لفترة طويلة من الزمن، وتتيح لها البقاء والاستمرار، بل كان أساسها
ماديا سرعان ما يزول، وزالت هي بزواله.
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله):
أجمع أصحاب أبيه أبي الحسن موسى (عليه السلام) على أنه نص عليه وأشار بالإمامة
إليه، إلا من شذ منهم من الواقفة والمسمين الممطورة، والسبب الظاهر في ذلك؛
طمعهم فيما كان في أيديهم من الأموال [الواردة] إليهم في مدة حبس أبي الحسن
موسى (عليه السلام)، وما كان عندهم من ودائعه، فحملهم ذلك على إنكار وفاته، وادعاء
حياته، ودفع الخليفة بعده عن الإمامة، وإنكار النص عليه، ليذهبوا بما في أيديهم
مما وجب عليهم أن يسلموه إليه، ومن كان هذا سبيله بطل الاعتراض بمقالة هذا،
ووجب أن الإنكار لا يقابل الإقرار، فثبت النص المنقول، وفسد قولهم المخالف
للمعقول، على أنهم قد انقرضوا ولله الحمد، فلا يوجد منهم ديار (1).
الواقفة:
عن كتاب الإمامة والتبصرة للعلامة ابن بابويه القمي (رحمه الله) والد الشيخ



(1) إعلام الورى: 314.
66
الصدوق في الباب السادس عشر - أنقله بالمعنى -:
عندما استشهد الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بالسم في سجن
هارون الرشيد العباسي، تجمعت عنده (عليه السلام) أموال طائلة وكانت موزعة عند بعض
أصحابه ووكلائه، ولم يتسنى له توزيعها على مستحقيها وهو في السجن، وقد أنكر
بعضهم أمواله وطمعوا بها وكذبوا موته (عليه السلام) زاعمين أنه لم يمت وسيعود كما عاد
موسى بن عمران، حتى يتهربوا من تسليم ما في أيديهم وفي ذمتهم إلى الإمام الذي
يليه وخليفته بالحق الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وانحرفوا عن خط
أهل البيت (عليهم السلام).
ومن جملة الخونة المنحرفين، زياد القندي، الذي كانت عنده سبعون ألف
دينار ذهب، وعثمان بن عيسى، وكان بمصر وكانت عنده أموال كثيرة وست
جواري، فطالبه بها الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام) برد الأمانة من الأموال
والجواري، وكتب إليه كتابا بذلك، فكان جوابه لعنه الله: إن أباك لم يمت، فرد الإمام
عليه بكتاب آخر قائلا فيه: إن أبي مات وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار
بموته (عليه السلام)، فكتب لعنه الله إلى الإمام (عليه السلام): إن لم يكن أبوك قد مات فليس لك من
ذلك شيء، وإن كان قد مات فلم يأمرني بدفع شيء منها إليك، وقد أعتقت
الجواري وتزوجتهن، وأصر على عدم الوفاء بذمته، وكذلك الاثنان الآخران.
وعلى هذا الأساس من الجحود والكفران والانحراف فقد تأسست النحلة
الواقفية، وابتدعوا مذهبا جديدا، ابتداء بالخيانة والغدر والانحراف، فانظر إلى أي
مستوى من الحضيض يهبط الإنسان نتيجة الطمع.
وذكر الطبرسي (رحمه الله) في كتاب الاحتجاج (2: 474 - 485) بعض الذين
انحرفوا عن خط أهل البيت الطاهرين، وعن الإمام الهادي، والإمام العسكري،

67
والإمام الحجة بن الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، وكانوا من أصحاب
الأئمة (عليهم السلام) وتلاميذهم. ومن انحرافاتهم الغلو، والقول بالتناسخ، وإباحة المحارم،
واللواط، والكذب وغيرها، والعياذ بالله.
وقد ظهر التوقيع من الناحية المقدسة على يد النائب الثالث الحسين بن روح
النوبختي (رحمه الله)، بلعنهم والبراءة منهم، وأمر شيعته بذلك، وهم:
1 - أبو محمد الحسن الشريعي.
2 - محمد بن نصير النميري، وكان مأبونا ويقول بحلية اللواط.
3 - أحمد بن هلال الكرخي.
4 - أبو طاهر محمد بن هلال، الذي اختلس الأموال التي كانت عنده للإمام
علي الهادي (عليه السلام) وهو ممن انتحل الواقفية.
5 - الحسين بن منصور الحلاج، وهو من الملحدين المشعوذين.
6 - محمد بن الشلمقاني، المعروف بابن أبي العزاقير.
7 - محمد بن الحسن بن موسى بن الفرات، يؤيد محمد بن نصير النميري، قولا
وفعلا، لعنهم الله.
وللمزيد من التفاصيل في البحث، يراجع الجزء الأول من كتاب الواقفة الذي
طبع حديثا في دراسة تحليلية عن هذه النحلة، تأليف الشيخ رياض الناصري، طبع
قم المشرفة سنة 1410 ه‍.
هذا ملخص ما بينا من أقوال وروايات مما يثبت بطلان ادعاء الفئة الواقفة.

68
الفصل الرابع
سيرته ومكارم أخلاقه (عليه السلام)
إن الشواهد على فضائل الإمام الرضا (عليه السلام) ومكارم أخلاقه كثيرة تفوق حد
الإحصاء، ولقد أجاد أبو نؤاس حيث قال فيه (عليه السلام):
قيل لي أنت أوحد الناس طرا * في علوم الورى وشعر البديه
لك من جوهر الكلام نظام * يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه (1)
لقد امتاز الإمام الرضا (عليه السلام) بخلق عال وسيرة فريدة اجتلب بها محبة الناس،
واستهوى بها قلوبهم، وبإنسانية فذة استمدها من روح رسالة السماء، الرسالة
الإسلامية السامية، التي كان (عليه السلام) أحد حفظتها والأمناء عليها والوارثين
لأسرارها، وقد استمدها ميراثا نقيا يشع بالخير والرحمة من جده الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي توج رسالته بشعار مكارم الأخلاق حيث قال (صلى الله عليه وآله): " بعثت
لأتمم مكارم الأخلاق ".



(1) المناقب 4: 342.
69
ولا تقتصر الثقافة السلوكية في المجال التربوي والتوجيهي مجردة على التوعية
الكلامية والممارسات السلوكية، بل تتعدى ذلك إلى فرض الرقابة العملية الدقيقة
وملاحظة أخطاء السلوك في المسيرة الحياتية للآخرين، وفي هذا المجال كثير من
الأمثلة سنتعرض لذكر بعضها في هذا الفصل.
وقد اعترف للإمام الرضا (عليه السلام) بالأفضلية والأعلمية ومكارم الأخلاق
والعبادة الأعداء والمخالفون فضلا عن الأصحاب والأتباع والمؤالفين.
فعن أبي الصلت وياسر الخادم وغيرهما: أن المأمون قال للرضا (عليه السلام):
يا بن رسول الله، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك،
وأراك أحق بالخلافة مني.
فقال الرضا (عليه السلام): بالعبودية لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من
شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو
الرفعة عند الله... الحديث (1).
وفي رسالة المأمون إلى العباسيين المعترضين على توليته للعهد، عن الحاكم
النيسابوري، قال: وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن،
فما بايع له إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق على ظهرها أبين فضلا، ولا أظهر
عفة، ولا أورع ورعا، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا، ولا أرضى في
الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه... (2).
وفيما يلي نقدم نبذة يسيرة من سائر فضائله الجمة ومناقبه الكثيرة وسيرته



(1) المناقب 4: 362.
(2) العوالم 22: 333، البحار 49: 211.
70
الحميدة، وما هي بالقياس إلى جميعها إلا كالقطرة من البحر، لأنه يصعب
استقصاؤها جميعا:
1 - روى الشيخ الصدوق عن إبراهيم بن العباس، أنه قال: ما رأيت
أبا الحسن الرضا (عليه السلام) جفا أحدا بكلمة قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه
حتى يفرغ منه، وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي
جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحدا من مواليه
ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه
التبسم (1).
2 - وروى الشيخ الكليني في (الكافي) بسنده: أنه نزل بأبي الحسن
الرضا (عليه السلام) ضيف، وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل، فتغير السراج، فمد
الرجل يده ليصلحه، فزبره أبو الحسن (عليه السلام)، ثم بادره بنفسه فأصلحه، ثم قال: إنا
قوم لا نستخدم أضيافنا (2).
3 - وبسنده عن ياسر ونادر خادمي الرضا (عليه السلام) أنهما قالا: قال لنا
أبو الحسن صلوات الله عليه: إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 / 7، بحار الأنوار 49: 90 / 4، العوالم 22: 174 / 3،
إعلام الورى: 327.
(2) الكافي 6: 283 / 2، بحار الأنوار 49: 102 / 20، حلية الأبرار 2: 367.
71
حتى تفرغوا، ولربما دعا بعضنا فيقال: هم يأكلون، فيقول: دعوهم حتى
يفرغوا (1).
4 - وعن نادر الخادم، قال: كان أبو الحسن إذا أكل أحدنا لا يستخدمه حتى
يفرغ من طعامه (2).
5 - وقال الصدوق في (العيون): كان (عليه السلام) خفيف الأكل، قليل الطعم (3).
6 - وروى الشيخ الكليني عن سليمان الجعفري، أنه قال: كنت مع الرضا (عليه السلام)
في بعض الحاجة، فأردت أن أنصرف إلى منزلي، فقال لي: انصرف معي، فبت
عندي الليلة، فانطلقت معه، فدخل إلى داره مع المعتب، فنظر إلى غلمانه يعملون
بالطين أواري الدواب (4) وغير ذلك، وإذا معهم أسود ليس منهم.
فقال: ما هذا الرجل معكم؟ قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئا، قال: قاطعتموه
على أجرته؟ فقالوا: لا، هو يرضى منا بما نعطيه، فأقبل عليهم وغضب لذلك غضبا
شديدا، فقلت: جعلت فداك، لم تدخل على نفسك؟



(1) الكافي 6: 298 / 10، بحار الأنوار 49: 102 / 22، العوالم 22: 175 / 5، المحاسن 2:
423 / 214.
(2) الكافي 6: 298 / 11، بحار الأنوار 49: 102 / 22، العوالم 22: 175 / 6.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 136 / 1، وسائل الشيعة 3: 515 / 1.
(4) الأرى: محبس الدابة، والجمع: أواري.
72
فقال: إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، أن يعمل معهم أحد حتى
يقاطعوه أجرته، وأعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك
الشيء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك نقصته أجرته، وإذا قاطعته ثم
أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبة عرف ذلك لك، ورأى أنك قد
زدته (1).
وفي هذا الحديث يشير الإمام (عليه السلام) إلى نقطة مهمة تتعلق بقانون العمل، طالما
أدت إلى مزيد من المشاكسات والمنازعات بين العامل ورب العمل في حال عدم
التعاقد على أجر معلوم يضمن حق الطرفين دون نزاع أو خلاف.
7 - وروي عن ياسر الخادم، قال: أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا
أكلها، ورموا بها، فقال لهم أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله، إن كنتم استغنيتم فإن أناسا
لم يستغنوا، أطعموه من يحتاج إليه (2).
وبهذا يمارس الإمام (عليه السلام) أسلوبا تربويا في مراقبة سلوك غلمانه، وتوجيههم
بما ينسجم ومبادئ الرسالة الإسلامية السمحاء، وفي التفكير بسد حاجات
الآخرين ممن هم في حاجة ماسة إلى ما يشعر الآخرون بزيادته ويحاولون إتلافه
بطريقة أو بأخرى بطرا واكتفاء.
8 - وعن أبي عبد الله محمد بن موسى بن نصر الرازي، قال: سمعت أبي



(1) الكافي 5: 288 / 1، بحار الأنوار 49: 106 / 34، العوالم 22: 211 / 6.
(2) الكافي 6: 297 / 8، بحار الأنوار 49: 102 / 21، المحاسن 2: 441 / 304.
73
يقول: قال رجل للرضا (عليه السلام): والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا،
فقال (عليه السلام): التقوى شرفتهم، وطاعة الله أحظتهم.
وقال له آخر: أنت والله خير الناس. فقال له: لا تحلف يا هذا، خير مني من
كان أتقى لله تعالى وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية: (وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (1).
وهكذا يحدد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) نظرية الإسلام في إزالة الفوارق الطبقية،
ورعاية كرامة الإنسان، وأن الفارق الذي يجب ملاحظته هو إطاعة الله وتقواه.
9 - وقال له أبو الصلت: يا ابن رسول الله، ما شيء يحكيه الناس عنكم.
قال: وما هو؟ قلت: يقولون إنكم تدعون أن الناس لكم عبيد.
فقال (عليه السلام): اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت
تشهد بأني لم أقل ذلك قط، ولا سمعت أحدا من آبائي قاله، وأنت العالم بما لنا من
المظالم عند هذه الأمة، وأن هذه منها.
ثم أقبل علي وقال: يا عبد السلام، إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما حكوه
عنا، فممن نبيعهم؟ قلت: يا بن رسول الله، صدقت.
ثم قال: يا عبد السلام، أمنكر أنت لما أوجب الله عز وجل لنا من الولاية
كما ينكره غيرك؟ قلت: معاذ الله، بل أنا مقر بولايتكم (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 236 / 10، بحار الأنوار 46: 177 / 33، و 49: 95 / 8،
حلية الأبرار 2: 367، والآية من سورة الحجرات: 13.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 183 و 184، بحار الأنوار 49: 170 / 7.
74
وفي هذا الحديث دلالة أخرى على أنهم (عليهم السلام) يرون أن جميع الناس سواسية
في الحقوق العامة، ما عدا حق الولاية على الخلق التي فرضها الله لهم، فإنه ليس
لغيرهم أن يدعيها لنفسه، وما عدا حق الطاعة لله تعالى، ما عدا هذا فالكل عبيد
الله، يجمعهم أب واحد وأم واحدة، ورب واحد.
10 - وقال إبراهيم بن العباس الصولي كما جاء في (عيون الأخبار): سمعت
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: حلفت بالعتق، ولا أحلف بالعتق إلا أعتقت
رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك، إن كان يرى (1) أنه خير من هذا - وأومأ إلى
عبد أسود من غلمانه - بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن يكون لي عمل صالح،
فأكون أفضل منه (2).
وبهذا المعنى يحدد لنا الإمام (عليه السلام) الخلق الإسلامي الأصيل في الحفاظ على
كرامة الإنسان، وإلغاء الامتيازات الطبقية، فيما عدا العمل الصالح، فهو (عليه السلام) لا يرى
أن قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعطيه امتيازا على العبد الأسود، ما لم يقترن بتلك
القرابة عمل صالح يكون به الفضل والامتياز.
11 - وعن البزنطي، قال: بعث إلي الرضا (عليه السلام) بحمار له، فجئت إلى صريا (3)



(1) اي إن كنت أرى، وهكذا قاله (عليه السلام) فغيره الراوي فرواه على الغيبة، لئلا يتوهم تعلق حكم
الحلف بنفسه، بحار الأنوار 49: 96.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 237 / 11، بحار الأنوار 49: 95 / 9، حلية الأبرار 2: 367.
(3) صريا: قرية على ثلاثة أميال من المدينة، أسسها موسى بن جعفر (عليه السلام)، المناقب 4: 382.
75
فمكثت عامة الليل معه، ثم أوتيت بعشاء، ثم قال: افرشوا له، ثم أوتيت بوسادة
طبرية، ومرادع، وكساء قياسري (1)، وملحفة مروي.
فلما أصبت من العشاء، قال لي: ما تريد أن تنام؟ قلت: بلى جعلت فداك،
فطرح علي الملحفة والكساء، ثم قال: بيتك الله في عافية، وكنا على سطح،
فلما نزل من عندي قلت في نفسي: قد نلت من هذا الرجل كرامة ما نالها أحد قط،
فإذا هاتف يهتف بي: يا أحمد، ولم أعرف الصوت، حتى جاءني مولى له، فقال:
أجب مولاي. فنزلت فإذا هو مقبل إلي، فقال: كفك، فناولته كفي فعصرها، ثم قال:
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى صعصعة بن صوحان عائدا له، فلما أراد أن يقوم من
عنده، قال: " يا صعصعة بن صوحان، لا تفتخر بعيادتي إياك، وانظر لنفسك، فكأن
الأمر قد وصل إليك، ولا يلهينك الأمل، أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام
كثيرا " (2).
في هذا الحديث إشارة واضحة إلى أهمية التربية الروحية الواقعية والنظرة
الموضوعية بعيدا عن المؤثرات الخارجية العابرة، والتصورات النفسية المزيفة،
فلا بد أن نكون حريصين على أنفسنا من أن ننخدع بشيء يبعدها عن التفكير
بواقعها الذي يرتبط مصيرها به، وعلينا أن ننظر إليها بنظرة موضوعية، ترتبط
بواقع الذات وأهميتها.



(1) الثوب المردوع: المصبوغ بالزعفران، وجمعه مرادع، والقياسري: المنسوب إلى قياسرية،
موضع في فلسطين، وقيل: في بلاد الروم.
(2) قرب الإسناد: 377 / 1333، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 19، بحار الأنوار 49:
269 / 10.
76
12 - وكان الإمام الرضا (عليه السلام) يؤدب شيعته ويحثهم على الالتزام بالفرائض،
وعدم التهاون في حقوق الآخرين، ففي الاحتجاج والتفسير المنسوب إلى الإمام
العسكري (عليه السلام)، قال (عليه السلام): ولما جعل إلى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولاية العهد،
دخل عليه آذنه، فقال: إن قوما بالباب يستأذنون عليك، يقولون: نحن من شيعة
علي (عليه السلام). فقال (عليه السلام): أنا مشغول فاصرفهم، فصرفهم.
فلما كان في اليوم الثاني جاءوا وقالوا كذلك، فقال مثلها، فصرفهم إلى أن
جاءوه هكذا يقولون ويصرفهم شهرين، ثم أيسوا من الوصول، وقالوا للحاجب:
قل لمولانا: إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك
لنا، ونحن ننصرف هذه الكرة، ونهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا، وعجزا عن
احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة أعدائنا.
فقال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): إئذن لهم ليدخلوا، فدخلوا عليه، فقالوا:
يا بن رسول الله، ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب؟ أي
باقية تبقى منا بعد هذا؟
فقال الرضا (عليه السلام): اقرأوا (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا
عن كثير) (1) ما اقتديت إلا بربي عز وجل فيكم، وبرسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمير
المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده من آبائي الطاهرين (عليهم السلام) عتبوا عليكم، فاقتديت بهم.
قالوا: لماذا يا بن رسول الله؟
قال لهم: لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويحكم



(1) الشورى: 30.
77
إنما شيعته الحسن والحسين (عليهما السلام) وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن
أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره، ولم يرتكبوا شيئا من فنون زواجره.
فأما أنتم إذا قلتم أنكم من شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون، مقصرون
في كثير من الفرائض، ومتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث
لا تجب التقية، وتتركون التقية حيث لا بد من التقية، لو قلتم أنكم موالوه ومحبوه،
والموالون لأوليائه، والمعادون لأعدائه، لم أنكره من قولكم، ولكن هذه مرتبة
شريفة ادعيتموها، إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم، إلا أن تتدارككم رحمة من
ربكم.
قالوا: يا بن رسول الله، فإنا نستغفر الله ونتوب إليه من قولنا، بل نقول
- كما علمنا مولانا - نحن محبوكم ومحبو أوليائكم، ومعادو أعدائكم.
قال الرضا (عليه السلام): فمرحبا بكم يا إخواني وأهل ودي، ارتفعوا، ارتفعوا،
فما زال يرفعهم حتى ألصقهم بنفسه... وتفقد أمورهم وأمور عيالاتهم، فأوسعهم
بنفقات ومبرات وصلات (1).
13 - وفي (وفيات الأعيان): أنه (عليه السلام) قال لأخيه زيد بن موسى (عليه السلام)
وكان قد خرج بالبصرة على المأمون: ويلك يا زيد، فعلت بالمسلمين بالبصرة
ما فعلت، وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لأشد الناس عليك
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
يا زيد، ينبغي لمن أخذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يعطي به، فبلغ كلامه المأمون



(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 312 / 159، العوالم 22: 177 / 1.
78
فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
14 - ولسلوك الإمام الفذ، فقد اهتدى به الكثيرون، ففي (المناقب) عن
ابن الشهرزوري في (مناقب الأبرار): أن معروف الكرخي كان من موالي علي بن
موسى الرضا (عليه السلام)، وكان أبواه نصرانيين، فسلما معروفا إلى المعلم وهو صبي، فكان
المعلم يقول له: قل ثالث ثلاثة، وهو يقول: بل هو الواحد. فضربه المعلم ضربا
مبرحا، فهرب ومضى إلى الرضا (عليه السلام) وأسلم على يده، ثم إنه أتى داره فدق الباب،
فقال أبوه: من بالباب؟ فقال: معروف، فقال: على أي دين؟ قال: على ديني
الحنيفي. فأسلم أبوه ببركات الرضا (عليه السلام).
قال معروف: فعشت زمانا، ثم تركت كلما كنت فيه إلا خدمة مولاي علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) (2).
علمه (عليه السلام):
لا بد أن يكون الإمام أعلم الناس وأعرفهم بما تحتاج إليه الأمة من أمور
دينها وضروريات حياتها، ولا بد أن يكون أعبدهم وأزهدهم، وأكملهم في



(1) وفيات الأعيان 3: 271، سير أعلام النبلاء 9: 392، العوالم 22: 388. وزيد بن موسى
الكاظم (عليه السلام) خرج بالبصرة، وقيل: إنه أحرق دور العباسيين وأموالهم، فسمي زيد النار،
وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله في موقف الإمام السياسي وفي موقف الإمام (عليه السلام) من الثورات
العلوية.
(2) المناقب 4: 361.
79
أخلاقه وشيمه وجميع صفات الفضيلة ومكارم الأخلاق، والمتتبع لتأريخ الأئمة
الاثني عشر (عليهم السلام)، والباحث في سلوكهم وسيرتهم لا بد أن ينتهي إلى أنهم (عليهم السلام)
كانوا أعلم أهل زمانهم وأعبدهم وأتقاهم وأزهدهم وأوسطهم نسبا وأعلمهم بسنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرته.
وقد عرضنا بعض الجوانب من صفات وفضائل الأئمة السبعة (عليهم السلام)
وخصائصهم، وسنتابع الحديث هنا عن الإمام الثامن (عليه السلام)، فقد روى لنا المؤرخون
والمحدثون الكثير من مواقفه العلمية ومحاوراته الفكرية التي انتصر بها على
خصوم الرسالة، ورووا عنه الكثير من شتى فنون المعرفة التي كان يمد بها رواد
العلم ورجالات الفكر، وفيما يلي نبذة من أقوال المحدثين والمؤرخين في علم
الرضا (عليه السلام):
1 - عن إبراهيم بن العباس الصولي، أنه قال: ما رأيت الرضا (عليه السلام) سئل عن
شيء إلا علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وإن المأمون
كان يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه، وإن جوابه كله كان انتزاعات من
القرآن (1).
2 - وروى الشيخ الطبرسي، عن أبي الصلت الهروي، أنه قال: ما رأيت
أعلم من علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 180 / 4، بحار الأنوار 49: 90 / 3، العوالم 22: 179 / 3،
إعلام الورى: 327، أمالي الصدوق: 525 / 14.
80
ولقد جمع المأمون في مجالس له من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين،
فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل، وأقر على نفسه
بالقصور.
ولقد سمعت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: كنت أجلس في الروضة
والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة، أشاروا إلي بأجمعهم،
وبعثوا إلي بالمسائل فأجيب عنها.
قال أبو الصلت: ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر، عن أبيه،
أن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كان يقول لبنيه: هذا أخوكم علي بن موسى الرضا، عالم
آل محمد، فاسألوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فإني سمعت أبي جعفر بن
محمد (عليهما السلام) غير مرة يقول لي: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني أدركته، فإنه سمي
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (1).
3 - وروى ابن شهرآشوب عن كتاب (الجلاء والشفاء)، قال: قال محمد بن
عيسى اليقطيني: لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، جمعت من
مسائله مما سئل عنه وأجاب عليه ثمانية عشر ألف مسألة.
وأضاف إلى ذلك: وقد روى عنه جماعة من المصنفين، منهم أبو بكر الخطيب
في تأريخه، والثعلبي في تفسيره، والسمعاني في رسالته، وابن المعتز في كتابه
وغيرهم (2).



(1) إعلام الورى: 328، بحار الأنوار 49: 100 / 17، العوالم 22: 179 / 1 و 2.
(2) المناقب 4: 351، بحار الأنوار 49: 99 / 14.
81
4 - وروى الشيخ في كتاب (الغيبة) عن الحميري، عن محمد بن عيسى
اليقطيني مثله، إلا أنه قال: خمسة عشر ألف مسألة (1).
5 - وفي (المناقب): ذكر أبو جعفر القمي في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) أن
المأمون جمع علماء سائر الملل، مثل الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين،
منهم: عمران الصابي، والهربذ الأكبر، وأصحاب زردشت، ونسطاس الرومي،
والمتكلمين منهم سليمان المروزي، ثم أحضر الرضا (عليه السلام) فسألوه، فقطع الرضا (عليه السلام)
واحدا بعد واحد.
وكان المأمون أعلم خلفاء بني العباس، وهو مع ذلك كله انقاد له اضطرارا
حتى جعله ولي عهده وزوجه ابنته (2).
6 - وقال ابن الجوزي في (التذكرة) والحاكم في (تأريخ نيسابور): كان
[أي الإمام (عليه السلام)] يفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة (3).
7 - وعن رجاء بن أبي الضحاك، وكان بعثه المأمون لإشخاص الرضا (عليه السلام)،
قال: كان لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم، ويحدثهم



(1) الغيبة للشيخ الطوسي: 48، بحار الأنوار 49: 97 / 10، العوالم 22: 180 / 4.
(2) المناقب 4: 351.
(3) تذكرة الخواص: 361، العوالم: 183 / 5.
82
الكثير عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما وردت به
على المأمون سألني عن حاله في طريقه، فأخبرته بما شاهدت منه في ليله ونهاره،
وظعنه وإقامته، فقال: بلى يا ابن أبي الضحاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم،
وأعبدهم (1).
8 - وقال الشيخ الصدوق (رحمه الله): كان المأمون يجلب على الرضا (عليه السلام) من
متكلمي الفرق وأهل الأهواء المضلة كل من سمع به، حرصا على انقطاع الرضا (عليه السلام)
عن الحجة مع واحد منهم، وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم، فكان لا يكلمه
أحد إلا أقر له بالفضل، وألزم الحجة له عليه (2).
9 - وجاء في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) بعد حوار جرى للإمام الرضا (عليه السلام)
مع المأمون، قال علي بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة وأخذ بيد محمد بن جعفر،
وكان قد حضر الحوار، فقال له: كيف رأيت ابن أخيك؟ فقال: عالم، ولم نره يختلف
إلى أحد من أهل العلم!
فقال له المأمون: إن ابن أخيك هذا من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) الذين قال فيهم:
" ألا إن أبرار عترتي وأطائب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلمهم كبارا،
لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، ولا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم في
باب ضلال " (3).



(1) العوالم 22: 172، بحار الأنوار 49: 95.
(2) بحار الأنوار 10: 341، عن التوحيد وعيون أخبار الرضا (عليه السلام).
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 195، بحار الأنوار 49: 179 / 15، العوالم 22: 292.
83
10 - وعن عمر بن يزيد، قال:
قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إني سألت أباك عن مسألة، أريد أن أسألك
عنها.
قال: وعن أي شيء تسأل؟
قال: قلت له: عندك علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتبه، وعلم الأوصياء وكتبهم؟
قال: فقال: نعم، وأكثر من ذلك، سل عما بدا لك... (1).
11 - وعن أحمد بن محمد بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثني أبي، قال:
حلف رجل بخراسان بالطلاق أن معاوية ليس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام
كان الرضا (عليه السلام) بها، فأفتى الفقهاء بطلاقها، فسئل الرضا (عليه السلام) فأفتى: أنها لا تطلق،
فكتب الفقهاء رقعة، وأنفذوها إليه، وقالوا له: من أين قلت يا بن رسول الله أنها لم
تطلق؟
فوقع (عليه السلام) في رقعتهم: قلت هذا من روايتكم، عن أبي سعيد الخدري: أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لمسلمة يوم الفتح، وقد كثروا عليه: أنتم خير، وأصحابي خير،
ولا هجرة بعد الفتح، فأبطل الهجرة، ولم يجعل هؤلاء أصحابا له. قال: فرجعوا إلى
قوله (عليه السلام) (2).



(1) بصائر الدرجات: 511 / 19، مختصر بصائر الدرجات: 62، بحار الأنوار 26: 176 /
54.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 87 / 34، بحار الأنوار 19: 89 / 44.
84
عبادته وتقواه (عليه السلام):
1 - عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال: كان (عليه السلام) قليل النوم بالليل، كثير
السهر، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام
ثلاثة أيام في الشهر [وهي الخميس من أول كل شهر، وآخره، والأربعاء من وسط
الشهر] ويقول: ذلك صوم الدهر (1).
2 - وعنه، أنه قال: كان يختم القرآن في كل ثلاث، وكان يقول: لو أني
أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت، ولكنني ما مررت بآية قط إلا فكرت
فيها، وفي أي شيء أنزلت، وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام (2).
3 - وعن رجاء بن أبي الضحاك، وكان بعثه المأمون لإشخاص الرضا (عليه السلام)
قال: والله ما رأيت رجلا كان أتقى لله منه، ولا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته منه،
ولا أشد خوفا لله عز وجل منه.
وكان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده
ويكبره ويهلله، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 / 7، بحار الأنوار 49: 90 / 4، العوالم 22: 174 / 3،
إعلام الورى: 327.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 180 / 4، بحار الأنوار 49: 90 / 3، العوالم 22: 179 / 3،
إعلام الورى: 327، المناقب 4: 360.
85
فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم
جدد وضوءه وعاد إلى مصلاه.
فإذا زالت الشمس قام وصلى ست ركعات، يقرأ في الركعة الأولى (الحمد)
و (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (الحمد) و (قل هو الله أحد)، ويقرأ في
الأربع في كل ركعة (الحمد لله) و (قل هو الله أحد) ويسلم في كل ركعتين، ويقنت
فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. ثم يؤذن، ثم يصلي ركعتين، ثم يقيم ويصلي
الظهر.
فإذا سلم سبح الله وحمده وكبره وهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة الشكر،
يقول فيها مائة مرة: (شكرا لله)، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات، يقرأ في
كل ركعة (الحمد لله) و (قل هو الله أحد) ويسلم في كل ركعتين ويقنت في الثانية كل
ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين، ويقنت في الثانية، فإذا
سلم أقام وصلى العصر، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره
ويهلله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة (حمدا لله).
فإذا غابت الشمس توضأ وصلى المغرب ثلاثا بأذان وإقامة، وقنت في الثانية
قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره
ويهلله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم يرفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم
ويصلي أربع ركعات بتسليمتين، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد
القراءة، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع (الحمد، وقل يا أيها الكافرون) وفي
الثانية (الحمد، وقل هو الله أحد) ويقرأ في الركعتين الباقيتين (الحمد، وقل هو الله
أحد).
ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي ثم يفطر، ثم يلبث

86
حتى يمضي من الليل قريب من الثلث، ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات،
ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم جلس في مصلاه يذكر الله
عز وجل، يسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة
الشكر، ثم يأوي إلى فراشه.
فإذا كان الثلث الأخير من الليل، قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير
والتهليل والاستغفار، فاستاك ثم توضأ، ثم قام إلى صلاة الليل، فصلى ثمان ركعات،
ويسلم في كل ركعتين، يقرأ في الأوليتين منها في كل ركعة (الحمد) مرة و (قل هو الله
أحد) ثلاثين مرة.
ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أربع ركعات، يسلم في كل ركعتين،
ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح، ويحتسب بها من صلاة
الليل، ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأولى (الحمد) و (سورة الملك)،
وفي الثانية (الحمد) و (هل أتى على الإنسان).
ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع، يقرأ في كل ركعة منها (الحمد) مرة و (قل هو
الله أحد) ثلاث مرات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلم قام
فصلى ركعة الوتر، يتوجه فيها ويقرأ فيها (الحمد) و (قل هو الله أحد) ثلاث مرات
و (قل أعوذ برب الفلق) مرة واحدة و (قل أعوذ برب الناس) مرة واحدة، ويقنت
فيها قبل الركوع وبعد القراءة.
ويقول في قنوته: " اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم اهدنا فيمن هديت،
وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر
ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من
عاديت، تباركت ربنا وتعاليت ".

87
ثم يقول: " أستغفر الله وأسأله التوبة " سبعين مرة، فإذا سلم جلس في العقيب
ما شاء الله، فإذا قرب الفجر قام فصلى ركعتي الفجر يقرأ في الأولى (الحمد) و (قل
يا أيها الكافرون) وفي الثانية (الحمد) و (قل هو الله أحد)، فإذا طلع الفجر أذن
وأقام وصلى الغداة ركعتين، فإذا سلم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم
سجد سجدتي الشكر حتى يتعالى النهار.
وكانت قراءته في جميع المفروضات في الأولى (الحمد) و (إنا أنزلناه) وفي
الثانية (الحمد) و (قل هو الله أحد) إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة،
فإنه كان يقرأ فيها ب‍ (الحمد وسورة الجمعة، والمنافقين).
وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى (الحمد) و (سورة
الجمعة)، وفي الثانية (الحمد) و (سبح اسم ربك الأعلى)، وكان يقرأ في صلاة الغداة
يوم الاثنين والخميس في الأولى (الحمد) و (هل أتى على الإنسان) وفي الثانية
(الحمد) و (هل أتاك حديث الغاشية).
وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الليل والشفع والوتر
والغداة، ويخفي القراءة في الظهر والعصر.
وكان يسبح في الأخراوين ويقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله
والله أكبر) ثلاث مرات، وكان قنوته في جميع صلواته: " رب اغفر وارحم، وتجاوز
عما تعلم، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم ".
وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائما لا يفطر، فإذا جن الليل بدأ بالصلاة
قبل الإفطار.
وكان في الطريق يصلي فرائضه ركعتين ركعتين، إلا في المغرب فإنه كان
يصليها ثلاثا، ولا يدع نافلتها، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر

88
في سفر ولا حضر، وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا.
وكان يقول بعد كل صلاة يقصرها: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر) ثلاثين مرة، ويقول: هذا لتمام الصلاة.
وما رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر، وكان لا يصوم في السفر شيئا،
وكان (عليه السلام) يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد وآله، ويكثر من ذلك في الصلاة
وغيرها، وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر جنة
أو نار، بكى وسأل الله الجنة، وتعوذ به من النار.
وكان (عليه السلام) يجهر ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) في جميع صلواته بالليل والنهار،
وكان إذا قرأ (قل هو الله أحد) قال سرا: (الله أحد) فإذا فرغ منها قال: (كذلك الله
ربنا) ثلاثا، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سرا: (يا أيها الكافرون) فإذا
فرغ منها قال: (ربي الله، وديني الإسلام) ثلاثا، وكان إذا قرأ (والتين والزيتون)
قال عند الفراغ منها: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) وكان إذا قرأ (لا أقسم
بيوم القيامة) قال عند الفراغ منها: (سبحانك اللهم بلى).
وكان يقرأ في سورة الجمعة: (... قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة)
للذين اتقوا (والله خير الرازقين) (1).
وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: (الحمد لله رب العالمين)، وإذا قرأ (سبح اسم
ربك الأعلى) قال سرا: (سبحان ربي الأعلى)، وإذا قرأ (يا أيها الذين آمنوا)
قال: (لبيك اللهم لبيك) سرا.
وكان (عليه السلام) لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم، فيجيبهم



(1) الجمعة: 11.
89
ويحدثهم الكثير عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فلما وردت به على المأمون، سألني عن حاله في طريقه، فأخبرته
بما شاهدت منه في ليله ونهاره، وظعنه وإقامته. فقال: بلى، يا ابن أبي الضحاك،
هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم وأعبدهم، فلا تخبر أحدا بما شاهدت منه،
لئلا يظهر فضله إلا على لساني، وبالله أستعين على ما أقوى من الرفع منه
والإساءة به (1).
4 - وروى الشيخ الصدوق في (عيون الأخبار) عن الحاكم أبي علي البيهقي،
عن محمد بن يحيى الصولي، أنه قال: حدثتني جدتي أم أبي، واسمها (عذر)، قالت:
اشتريت مع عدة جوار من الكوفة، وكنت من مولداتها، قالت: فحملنا إلى
المأمون، فكنا في داره في جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير، فوهبني
المأمون للرضا (عليه السلام).
قال الصولي: وما رأيت امرأة قط أتم من جدتي هذه عقلا، ولا أسخى كفا،
وتوفيت سنة سبعين ومائتين ولها نحو مائة سنة، وكانت تسأل عن أمر الرضا (عليه السلام)
كثيرا فتقول: ما أذكر منه شيئا إلا أني كنت أراه يتبخر بالعود الهندي الني،
ويستعمل بعده ماء ورد ومسكا، وكان (عليه السلام) إذا صلى الغداة كان يصليها في أول
وقت، ثم يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس، ثم يقوم فيجلس للناس
أو يركب، ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائنا من كان، إنما كان



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 180 / 5، بحار الأنوار 49: 91 / 7، العوالم 22: 168 / 1،
وفي نسخة من البحار والعوالم: " والإشادة به " بدل " والإساءة به ".
90
يتكلم الناس قليلا قليلا (1).
5 - وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام)، قال: كان وهو بخراسان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه إلى أن تطلع
الشمس، ثم يؤتى بخريطة (2) فيها مساويك، فيستاك بها واحدا بعد واحد، ثم يؤتى
بكندر فيمضغه، ثم يدع ذلك، فيؤتى بالمصحف فيقرأ فيه (3).
6 - وفي (الإتحاف)، قال: كان الرضا (عليه السلام) صاحب وضوء وصلاة ليله كله،
يتوضأ ويصلي ويرقد، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ويرقد، وهكذا إلى الصباح.
قال بعض جماعته: ما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى: (كانوا قليلا من الليل
ما يهجعون) (4).
7 - وعن الوشاء، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) وبين يديه إبريق يريد أن
يتهيا منه للصلاة، فدنوت لأصب عليه، فأبى ذلك، وقال: مه يا حسن، فقلت له:
لم تنهاني أن أصب على يديك، تكره أن أوجر؟



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 179 / 3، بحار الأنوار 49: 89 / 2، العوالم 22: 173 / 2.
(2) الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه.
(3) الفقيه 1: 319.
(4) إحقاق الحق 19: 557، عن الاتحاف بحب الأشراف: 155، والآية من سورة الذاريات:
17.
91
قال: تؤجر أنت، وأوزر أنا.
فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت الله عز وجل يقول: (فمن كان يرجو
لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (1)، وها أنذا أتوضأ للصلاة،
وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد (2).
عطاؤه وبره (عليه السلام):
روى الكليني (رحمه الله) بإسناده عن البزنطي، عن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: إن
صاحب النعمة على خطر، إنه يجب عليه حقوق الله فيها، والله إنه لتكون علي النعم
من الله عز وجل، فما أزال منها على وجل حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله علي
فيها.
قلت: جعلت فداك، أنت في قدرك تخاف هذا؟ قال: نعم، فأحمد ربي على
ما من به علي (3).
وظاهر من هذا الحديث أن أسلوب الإمام (عليه السلام) في العطاء لا ينطلق من زاوية
العطف على المساكين والمعذبين ومن أصالة الخير التي انطوت عليها نفسه فحسب،
وإنما كان يرى أن ذلك شكر للمعروف الذي حباه الله به، لأن صاحب النعمة بنظره
في خطر محدق به حتى يخرج من الحقوق التي هي لله فيما أنعم به عليه.
وفيما يلي نماذج مختارة من جوده وكرمه وعطائه:



(1) الكهف: 110.
(2) الكافي 3: 69 / 1، بحار الأنوار 49: 104 / 30، التهذيب 1: 365 / 37.
(3) الكافي 3: 502 / 19، بحار الأنوار 49: 105 / 32.
92
1 - سيأتي عن ذكر ولايته للعهد أنه وفد عليه من الشعراء إبراهيم بن العباس
الصولي، فوهب له عشرة آلاف من الدراهم التي ضربت باسمه، وأجاز أبا نواس
بثلاثمائة دينار لم يكن عنده غيرها، وساق إليه البغلة (1)، وأجاز دعبلا الخزاعي
بستمائة دينار واعتذر إليه (2).
2 - روى الشيخ الكليني، عن اليسع بن حمزة القمي، أنه قال: كنت أنا
في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أحدثه، وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه
عن الحلال والحرام، إذ دخل عليه رجل طوال آدم (3)، فقال له: السلام عليك
يا ابن رسول الله، رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك (عليهم السلام)، مصدري من
الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ به مرحلة، فإن رأيت أن تنهضني
إلى بلدي، ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك، فلست
موضع صدقة.
فقال له (عليه السلام): اجلس رحمك الله، وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا،
وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له
سليمان: قدم الله أمرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة، ثم خرج ورد الباب،
وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا. فقال: خذ



(1) إعلام الورى: 329، المناقب 4: 366.
(2) إعلام الورى: 330.
(3) الطوال: الطويل، والآدم: الأسمر.
93
هذه المائتي دينار، واستعن بها في مؤونتك ونفقتك، وتبرك بها، ولا تصدق بها
عني، واخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج.
فقال له سليمان: جعلت فداك، لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك
عنه؟
فقال: مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول،
والمستتر بها مغفور له ".
أما سمعت قول الأول:
متى آته يوما لأطلب حاجة * رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه (1)
فهو (عليه السلام) يحتجب عن السائل عندما يقدم له العطاء، لكي لا ينظر لذل
السؤال في وجهه، ولكي يحتفظ السائل بعزة نفسه حين يستتر عنه المعطي، ويطلب
منه أن يخرج دون أن يراه صونا للسائل عن تقديم الامتنان له، وصونا لنفسه من
الشعور بالمنة على سائله.
3 - وفي (المناقب) عن يعقوب بن إسحاق النوبختي، قال: مر رجل
بأبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له: أعطني على قدر مروءتك، قال: لا يسعني
ذلك. فقال: على قدر مروءتي، قال: أما هذا فنعم. ثم قال: يا غلام، أعطه
مائتي دينار.



(1) الكافي 4: 23 / 3، بحار الأنوار 49: 101 / 19، حلية الأبرار 2: 315، المناقب 4:
360.
94
قال: وفرق (عليه السلام) بخراسان ماله كله في يوم عرفة، فقال له الفضل بن
سهل: إن هذا لمغرم، فقال: بل هو المغنم، لا تعدن مغرما ما ابتغيت به أجرا
وكرما (1).
فهو (عليه السلام) لا يعتبر العطاء وسيلة لاكتساب ود الآخرين، بل هو صفة حميدة
يتقرب بها المرء من ربه ابتغاء الأجر والثواب.
4 - وجاء في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) عن البزنطي، أنه قال: قرأت كتاب
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إلى ولده أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، وفيه: يا أبا جعفر، بلغني أن
الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنما ذلك من بخل بهم، لئلا ينال منك
أحد خيرا، فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير،
وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة، ثم لا يسألك أحد إلا أعطيته، ومن سألك من
عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا، والكثير إليك، ومن سألك من
عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين دينارا، والكثير إليك، إني أريد أن
يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا (2).
وهذا الكتاب يجسد لنا روح العطاء والكرم المتأصلة في نفوس أهل
البيت (عليهم السلام).
5 - عن إبراهيم بن العباس، قال: وكان (عليه السلام) كثير المعروف والصدقة في



(1) المناقب 4: 360 و 361.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 8 / 20.
95
السر، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله
فلا تصدقوه (1).
6 - وروى الشيخ الأجل أحمد بن محمد البرقي، عن معمر بن خلاد، أنه قال:
كان أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إذا أكل أتي بصحفة، فتوضع قرب مائدته، فيعمد إلى
أطيب الطعام مما يؤتى به، فيأخذ من كل شيء شيئا، فيوضع في تلك الصحفة، ثم
يأمر بها للمساكين، ثم يتلو هذه الآية: (فلا اقتحم العقبة) (2)، ثم يقول (عليه السلام): علم
الله تعالى أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم السبيل إلى الجنة
بإطعام الطعام (3).
فالإمام (عليه السلام) يشعر بوطأة الحرمان والبؤس اللذان يعاني منهما الفقراء
والمساكين، فيشاركهم بالطيب من طعامه، استجابة لنداء البر والعاطفة، وانسجاما
مع روح الرسالة التي حمله الله مسؤوليتها.
7 - وفي (الإتحاف): يقال: إن عليا الرضا (عليه السلام) أعتق ألف مملوك (4).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 / 7، بحار الأنوار 49: 90 / 4، العوالم 22: 174 / 3،
إعلام الورى: 327.
(2) البلد: 11.
(3) المحاسن 2: 392 / 39، بحار الأنوار 49: 97 / 11، العوالم 22: 198 / 1، الكافي 4: 52
/ 12.
(4) إحقاق الحق 19: 557، العوالم 22: 176 / 3.
96
تواضعه وزهده (عليه السلام):
1 - روى الشيخ الصدوق عن إبراهيم بن العباس، أنه قال: كان (عليه السلام) إذا
خلا ونصبت مائدته، أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب
والسائس... ومن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه (1).
2 - وعن ياسر الخادم: كان الرضا (عليه السلام) إذا خلا جمع حشمه كلهم عنده
الصغير والكبير، فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، فكان (عليه السلام) إذا جلس على المائدة
لا يدع صغيرا ولا كبيرا حتى السائس والحجام إلا أقعده معه على مائدته (2).
وهكذا يعطي إمامنا (عليه السلام) درسا في السيرة الإنسانية الفاضلة التي تؤمن
بكرامة الإنسان، ويعرض نظرية الإسلام عمليا، فقد قال تعالى: (إن أكرمكم عند
الله أتقاكم) (3).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): " كلكم من آدم وآدم من تراب "، وقال (صلى الله عليه وآله):
" لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ".
3 - وروى الكليني في (الكافي) بسنده عن عبد الله بن الصلت، عن رجل من
أهل بلخ، قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوما بمائدة له،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 / 7، بحار الأنوار 49: 90 / 4، العوالم 22: 174 / 3.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159، بحار الأنوار 49: 164، العوالم 22: 359 / 1.
(3) الحجرات: 13.
97
فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقال له بعض أصحابه: جعلت فداك،
لو عزلت لهؤلاء مائدة.
فقال (عليه السلام): إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد،
والجزاء بالأعمال (1).
فلا يرى الإمام (عليه السلام) فارقا بينه وبين مماليكه وعبيده إلا في العمل، وفيما عداه
تلغى الفروق عندما يتعلق الأمر بالحقوق العامة التي يتساوى بها الأسود
والأبيض، فكل مخلوق لله، وكل من آدم، وآدم من تراب.
4 - وروي عن محمد بن أبي عباد، أنه قال: كان جلوس الرضا (عليه السلام) في
الصيف على حصير، وفي الشتاء على مسح (2)، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز
للناس تزين لهم (3).
فهو حين يخلو لنفسه ويبتعد عن واقع الحياة العامة، تنسجم روحه مع طبيعة
الرفض للزيف، المتمثل في بهارج هذه الدنيا وزينتها، أما حين يبرز للناس فإنه
يتزين لهم، انسجاما مع ما فطروا عليه من الاهتمام بمظاهر هذه الدنيا والتمتع
بطيباتها.
ولا شك أن مفهوم الزهد عندهم (عليهم السلام) لا يتحدد باللباس الخشن المتواضع،



(1) الكافي 8: 230 / 296، بحار الأنوار 49: 101 / 18، العوالم 22: 202 / 1.
(2) المسح: البساط من شعر.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 178 / 1، بحار الأنوار 49: 89 / 1، العوالم 22: 207 / 1،
إعلام الورى: 328، المناقب 4: 360.
98
والمأكل الجشب البسيط وحسب، بل إن حدوده تمتد إلى أبعد من ذلك، فالزاهد من
لا يسمح لمتع الدنيا أن تتحكم في نفسه من دون أن يكون له قوة السيطرة عليها،
والذي لا تمثل الدنيا عنده غاية يسعى إليها، فإن هي أقبلت فللمؤمن أن يتمتع
بطيباتها، وإن هي أدبرت فما عند الله أبقى.
قال الآبي في (نثر الدر): دخل على الرضا بخراسان قوم من الصوفية، فقالوا
له: إن أمير المؤمنين نظر فيما ولاه تعالى من الأمر، فرآكم أهل البيت أولى الناس
بأن تقوموا الناس، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس، فرأى أن يرد
هذا الأمر إليك، والأمة تحتاج إلى من يلبس الخشن، ويأكل الجشب، ويركب
الحمار، ويعود المريض.
قال: وكان الرضا متكئا، فاستوى جالسا، ثم قال: كان يوسف (عليه السلام) نبيا
يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب، ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم،
إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز،
إن الله لم يحرم ملبوسا ولا مطعما، وتلا قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق) (1).
وقيل للإمام الجواد (عليه السلام): ما تقول في المسك؟ فقال (عليه السلام): إن أبي أمر
فعمل له مسك في بان بسبعمائة درهم، فكتب له الفضل بن سهل يخبره: إن الناس
يعيبون ذلك. فكتب إليه: يا فضل، أما علمت أن يوسف وهو نبي، كان يلبس
الديباج مزررا بالذهب، ويجلس على كراسي الذهب، فلم ينقص ذلك من حكمته
شيئا.



(1) كشف الغمة 3: 100، الفصول المهمة: 251، والآية من سورة الأعراف: 32.
99
قال: ثم أمر فعملت له غالية بأربعة آلاف درهم (1).
وبذلك يثبت الإمام (عليه السلام) أن المظهر الخارجي ليس مصداقا للزهد، بل قد
يكون مجرد رياء يحاول الإنسان من خلاله أن يلفت به لنفسه انتباه الآخرين، ولهذا
لا يرى (عليه السلام) وكذلك غيره من الأئمة (عليهم السلام) لا يرون بأسا في الظهور بمظهر الترف
باللباس والمأكل، ما دام ذلك لا يصطدم مع واقع الزهد الذي هو بناء النفس من
الداخل على رفض الدنيا وفتنتها، باعتبارها عرض زائل لا بقاء له، وهذا لا يمنع
من أن ينال المؤمن من طيباتها بالوجه الذي أحله الله تعالى، ولم يخلق الله تعالى
الطيبات في الدنيا لينعم بها الكافر، ويحرم منها المؤمن، بل المؤمن أولى بنعم الله،
عندما يهب نفسه لله ويبذلها في سبيله.
5 - قال ابن شهرآشوب: ولقيه سفيان الثوري في ثوب خز، فقال: يا بن
رسول الله، لو لبست ثوبا أدنى من هذا؟ فقال: هات يدك، فأخذ بيده وأدخلها
كمه، فإذا تحت ذلك مسح (2)، فقال: يا سفيان، الخز للخلق، والمسح للحق (3).
6 - وقال ابن شهرآشوب: دخل الرضا (عليه السلام) الحمام، فقال له بعض الناس:
دلكني يا رجل، فجعل يدلكه فعرفوه، فجعل الرجل يعتذر منه، وهو يطيب قلبه
ويدلكه (4).



(1) الكافي 6: 516 / 4، بحار الأنوار 49: 103 / 25، حلية الأبرار 2: 363.
(2) المسح: ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد.
(3) المناقب 4: 360.
(4) المناقب 4: 362.
100
7 - وفي (نور الأبصار) قال: دخل (عليه السلام) يوما حماما، فبينما هو في مكان من
الحمام، إذ دخل عليه جندي، فأزاله عن موضعه، وقال: صب على رأسي
يا أسود، فصب على رأسه، فدخل من عرفه، فصاح: يا جندي، هلكت،
أتستخدم ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فأقبل الجندي يقبل رجليه ويقول: هلا
عصيتني إذ أمرتك؟ فقال: إنها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه (1).
8 - وفي (الإتحاف): كان له بنيسابور على باب داره حمام، وكان إذا
دخل الحمام فرغ له الحمام، فدخل ذات يوم، فأطبق باب الحمام، ومر
الحمامي إلى قضاء بعض حوائجه، فتقدم إنسان رستاقي إلى باب الحمام،
ودخل ونزع ثيابه، فدخل الحمام، فرأى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فظن أنه
بعض خدام الحمام، فقال له: قم فاحمل إلي الماء، فقام علي بن موسى (عليه السلام) وامتثل
جميع ما كان يأمره (2).
9 - وكان (عليه السلام) متواضعا في بيته، وتصور لنا إحدى الجواري طبيعة الزهد
والعبادة البعيدة عن حياة الترف وقصور ذلك العصر، فتقول: اشتريت مع عدة
جوار من الكوفة، وكنت من مولداتها، قالت: فحملنا إلى المأمون، فكنا في داره في
جنة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير، فوهبني المأمون للرضا (عليه السلام)،



(1) نور الأبصار: 168، إحقاق الحق 12: 353، و 19: 558.
(2) إحقاق الحق 12: 354، عن إتحاف السادة المتقين 7: 360.
101
فلما صرت في داره، فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم، وكانت علينا قيمة تنبهنا
في الليل، وتأخذنا بالصلاة، وكان ذلك من أشد شيء علينا (1).
حلمه (عليه السلام):
1 - يكفي مثالا على حلمه (عليه السلام) تشفعه إلى المأمون في الجلودي، الذي كان
ذهب إلى المدينة بأمر الرشيد ليسلب نساء آل أبي طالب، ولا يدع على واحدة
منهن إلا ثوبا واحدا، ونقم بيعة الرضا (عليه السلام)، فحبسه المأمون، ثم دعا به من الحبس
بعدما قتل اثنين قبله، فقال الرضا (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، هب لي هذا الشيخ، فظن
الجلودي أنه يعين عليه، فأقسم على المأمون أن لا يقبل قوله فيه. فقال: والله
لا أقبل قوله فيك، وأمر بضرب عنقه (2).
وسيأتي ذلك مفصلا في الفصل الخاص بمواقفه (عليه السلام) من السلطة.
2 - وتنص المرويات أن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قد أوصى إلى ولده
الإمام الرضا (عليه السلام) وجعل له الولاية من بعده، ولم يجعل لأبنائه الآخرين شيئا وكتب
بذلك كتابا وختمه، ولعن من يفضه، بعد أن أشهد عليه جملة من أهل بيته وأصحابه،
وقد نازعه إخوته في وصية أبيه إليه، وظنوا أن في الكتاب الذي كتبه مالا حباه به
دونهم.
وجاء في (الكافي) بسنده إلى يزيد بن سليط، أنه قال: كان أبو عمران



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 179 / 3، بحار الأنوار 49: 89 / 2، العوالم 22: 173 / 2.
(2) العوالم 22: 361 و 362.
102
الطلحي قاضي المدينة، فلما مضى موسى بن جعفر (عليه السلام)، جاء إخوة الإمام
الرضا (عليه السلام) وقدموه إلى الطلحي القاضي، وقال العباس بن موسى للقاضي:
أصلحك الله، وأمتع بك، إن في أسفل هذا الكتاب كنزا وجوهرا، وهو يريد أن
يحتجبه ويأخذه دوننا، ولم يدع أبونا (رحمه الله) شيئا إلا ألجأه إليه وتركنا عالة، ولولا أني
أكف نفسي لأخبرتك على رؤوس الملأ.
ووثب إليه إبراهيم بن محمد، وكان من شهود الوصية، فقال له: إذا والله تخبر
بما لا نقبله منك، ولا نصدقك عليه، ثم تكون عندنا ملوما مدحورا، نعرفك بالكذب
صغيرا وكبيرا، وكان أبوك أعرف بك، لو كان فيك خير، وما كان ليأمنك على
تمرتين.
ووثب إليه إسحاق بن جعفر عمه، فأخذ بتلابيبه، وقال له: إنك لسفيه
ضعيف أحمق، اجمع هذا مع ما كان بالأمس منك، وأعانه القوم أجمعون.
فقال القاضي أبو عمران لعلي الرضا (عليه السلام): قم يا أبا الحسن، حسبي ما لعنني
أبوك اليوم، وقد وسع لك أبوك، ولا والله ما أحد أعرف بالولد من والده، وما كان
أبوك بمستخف في عقله وضعيف في رأيه.
وقال العباس بن موسى بن جعفر (عليه السلام) للقاضي: أصلحك الله، فض الخاتم
واقرأ ما تحته. فقال أبو عمران: لا أفضه، حسبي ما لعنني أبوك اليوم.
فقال العباس: فأنا أفضه. فقال: ذاك إليك. ففض العباس الخاتم، فإذا فيه
إخراجهم وإقرار علي (عليه السلام) بها وحده، وإدخاله إبراهيم في ولاية علي (عليه السلام) إن
أحبوا أو كرهوا، وإخراجهم من حد الصدقة وغيرها، وكان فتحه عليهم بلاء
وفضيحة وذلة، ولعلي (عليه السلام) خيرة...
وكان في الوصية التي فض العباس تحت الخاتم: هؤلاء الشهود إبراهيم بن

103
محمد، وإسحاق بن جعفر، وجعفر بن صالح، وسعيد بن عمران.
وأبرزوا وجه أم أحمد في مجلس القاضي، وادعوا أنها ليست إياها، حتى
كشفوا عنها وعرفوها. فقالت عند ذلك: قد والله قال سيدي هذا: إنك ستؤخذين
جبرا، وتخرجين إلى المجالس. فزجرها إسحاق بن جعفر، وقال: اسكتي، فإن
النساء إلى الضعف، ما أظنه قال من هذا شيئا.
ثم إن عليا (عليه السلام) التفت إلى العباس فقال: يا أخي، أنا أعلم أنه إنما حملكم
على هذا الغرائم والديون التي عليكم، فانطلق يا سعيد فتعين لي ما عليهم، ثم اقض
عنهم ديونهم، واقبض زكاة حقوقهم، وخذ لهم البراءة، ولا والله ما أدع مواساتكم
وبركم ما مشيت على الأرض، فقولوا ما شئتم.
فقال العباس: ما تعطينا إلا من فضول أموالنا، وما لنا عندك أكثر.
فقال (عليه السلام): قولوا ما شئتم، فالعرض عرضكم، فإن تحسنوا فذاك لكم عند
الله، وإن تسيئوا فإن الله غفور رحيم، والله إنكم تعرفون بأنه ما لي يومي هذا ولد
ولا وارث غيركم، فلئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته، فإنما هو لكم ومرجعه
إليكم، والله ما ملكت منذ مضى أبوك (عليه السلام) شيئا إلا وقد سيبته حيث رأيتم.
فوثب العباس فقال: والله ما هو كذلك، ولا جعل الله لك من رأي علينا،
ولكن حسد أبينا لنا، وإرادته ما أراد، مما لا يسوغه الله إياه ولا إياك، وإنك
لتعرف أني أعرف صفوان بن يحيى بياع السابري بالكوفة، ولئن سلمت لأغصصنه
بريقه وأنت معه.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أما إني - يا إخوتي - فحريص
على مسرتكم، الله يعلم، اللهم إن كنت تعلم أني أحب صلاحهم، وأني بار بهم،
واصل لهم، رفيق عليهم، أعني بأمورهم ليلا ونهارا، فاجزني به خيرا، وإن كنت

104
على غير ذلك فأنت علام الغيوب، فاجزني به ما أنا أهله، إن كان شرا فشرا، وإن
كان خيرا فخيرا، اللهم أصلحهم وأصلح لهم واخسأ عنا وعنهم شر الشيطان،
وأعنهم على طاعتك، ووفقهم لرشدك، أما أنا يا أخي فحريص على مسرتكم،
جاهد في صلاحكم، والله على ما نقول وكيل.
فقال العباس: ما أعرفني بلسانك! وليس لمسحاتك عندي طين؛ فافترق
القوم على هذا (1).
وهكذا يحافظ الإمام (عليه السلام) على اتزانه وحلمه ورفقه مع إخوته، رغم أن
أخاه العباس قد تعدى طور اللياقة في مواجهته لأخيه وفي تجنيه على أبيه الإمام
موسى بن جعفر (عليه السلام) باتهامه له بالحسد والحيف عليهم، وبقي الإمام الرضا (عليه السلام)
ملتزما بموقفه الحليم الهادئ والمتسامح أمام التعدي غير المقبول، فلم تستفزه حماقة
أخيه، ولم تخرجه عن حد التوازن، ولم ينفرد الإمام الرضا (عليه السلام) بهذا الموقف، بل هو
منطلق آبائه (عليهم السلام) في الحلم والتسامح عندما يواجهون التحديات من قبل الآخرين.
3 - وروى العياشي عن صفوان، قال: استأذنت لمحمد بن خالد على
الرضا (عليه السلام)، وأخبرته أنه ليس يقول بهذا القول، وأنه قال: والله لا أريد بلقائه
إلا لأنتهي إلى قوله. فقال: أدخله. فدخل فقال له: جعلت فداك، إنه كان فرط مني
شيء، وأسرفت على نفسي، وكان فيما يزعمون أنه كان يعيبه، فقال: وأنا أستغفر الله



(1) الكافي 1: 316 - 319، عيون الأخبار 1: 33 - 37، بحار الأنوار 49: 224 - 232 /
17. وقوله: " ليس لمسحاتك عندي طين " مثل يضرب لمن لا تؤثر حيلته في غيره، وقيل:
يضرب لمن حيل بينه وبين مراده.
105
مما كان مني، فأحب أن تقبل عذري، وتغفر لي ما كان مني.
فقال: نعم أقبل، إن لم أقبل، كان إبطال ما يقول هذا وأصحابه - وأشار إلي
بيده - ومصداق ما يقول الآخرون - يعني المخالفين - قال الله لنبيه عليه وآله السلام:
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم
واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) (1)، ثم سأله عن أبيه، فأخبره أنه قد مضى، واستغفر
له (2).
وله (عليه السلام) مواقف كثيرة مع الواقفة تدل على خلقه الرفيع واتزانه رغم تشدد
الطرف المقابل وانحرافه، وقد تقدمت في الفصل الخاص عن الواقفة.



(1) آل عمران: 159.
(2) تفسير العياشي 1: 203.
106
الفصل الخامس
مناظراته واحتجاجاته (عليه السلام)
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه ناظر فرقا ومللا مختلفة، كان من بينهم علماء
أهل الكتاب اليهود والنصارى، وناظر أيضا المجوس والصابئة والزنادقة، وناظر
أصحاب المقالات من فرق المسلمين المختلفة في مسائل الاعتقاد وأصول الإسلام
وشتى الموارد التي شاع فيها الجدل وكانت متسعا للصراع بين المعتزلة والأشاعرة
وغيرهم من سائر الفرق ومحدثي الأمة وفقهائها، وهي امتداد لما احتج به وناظر
جده وأبوه.
ومناظرات الإمام الرضا (عليه السلام) وأجوبته وجملة محاوراته تستحق التأمل
والتوقف، لأنه (عليه السلام) كان بإزاء المأمون العباسي الذي كان يتبنى مذهب الاعتزال
أولا، ثم إنه باعتباره حاكما وخليفة يرى في الإمام (عليه السلام) منافسا لا يجارى في العلم
والفضل ومكارم الأخلاق، فأعد مزيدا من مجالس النظر مع سائر الفرق والملل
وأصحاب المذاهب المختلفة، وكان يدعو عمالقة الفكر وأفذاذ العلم وزنادقة العصر
وأصحاب الجدل وأهل الأديان، لزج الإمام (عليه السلام) في معترك الحوار المعقد مع سائر
المناظرين، وكان عصره من أشد العصور انفتاحا بين أهل الكلام والفرق والآراء
الشاذة.

107
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): كان المأمون يجلب على الرضا (عليه السلام) من متكلمي
الفرق وأهل الأهواء المضلة كل من سمع به، حرصا على انقطاع الرضا (عليه السلام) عن
الحجة مع واحد منهم، وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم، فكان لا يكلمه أحد
إلا أقر له بالفضل والتزم الحجة له عليه، لأن الله تعالى ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته
ويتم نوره، وينصر حجته، وهكذا وعد تبارك وتعالى في كتابه المجيد فقال: (إنا
لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) (1) يعني بالذين آمنوا الأئمة الهداة (عليهم السلام)
وأتباعهم العارفين والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في
الدنيا، وكذلك يفعل بهم في الآخرة، وإن الله عز وجل لا يخلف وعده (2).
وروي عن محمد بن يحيى الصولي أنه قال: كان المأمون في باطنه يحب
سقطات الرضا (عليه السلام) وأن يعلوه المحتج، وإن أظهر غير ذلك (3).
ولم يتحقق شيء مما أراد المأمون، فقد كان الإمام (عليه السلام) قبسا للهداية، ونورا
يستضاء بهديه، تأثر بعلمه واهتدى به الكثيرون بعد أن أفحمهم بقوة حجته،
وحضور بديهته، وسرعة إجابته، وطلاقة بيانه.
قال أبو الصلت الهروي: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل
المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس وسائر أهل
المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته، كأنه ألقم حجرا (4)... الحديث.



(1) غافر: 51.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 179، بحار الأنوار 49: 179.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 231.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 192.
108
وعن الفضل بن العباس، عن أبي الصلت الهروي أيضا، قال: ما رأيت أعلم
من علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادته، ولقد جمع
المأمون في مجالس له ذوات عدد من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين،
فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي أحد منهم إلا أقر له بالفضل، وأقر على نفسه
بالقصور (1).
وخرج الإمام (عليه السلام) في جميع ما تعرض له من مناظرات ومحاورات منتصرا
على خصومه، بما يملكه من إمكانات علمية هائلة، وما يعتمده من الحجة الواضحة
في إثبات الحق، والقول الفصل، والبيان المعجز، والأسلوب المنهجي الهادئ، إلى
الحد الذي وجد المأمون نفسه مضطرا إلى الثناء على الإمام في نهاية المناظرات وفي
أكثر من مرة، وسيأتي في غضون هذا الفصل أنه قال المأمون مرة بعد أن ناظره في
عصمة الأنبياء: " لقد شفيت صدري - يا بن رسول الله - وأوضحت لي ما كان
ملتبسا علي، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا ".
وأخذ المأمون بيد محمد بن جعفر، وكان حاضرا المجلس، فقال له المأمون:
" كيف رأيت ابن أخيك؟ " فقال: عالم، ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.
فقال المأمون: " إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله):
ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا،
لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم في
باب ضلال ".
وفي نهاية مناظرة الرضا (عليه السلام) مع المأمون أيضا بحضور أهل الكلام من الفرق



(1) إعلام الورى: 328.
109
المختلفة، قال المأمون: " لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فوالله ما يوجد العلم
الصحيح إلا عند أهل هذا البيت، وإليك انتهت علوم آبائك، فجزاك الله عن
الإسلام وأهله خيرا ".
وفي مناظرته (عليه السلام) مع سليمان المروزي، قال المأمون: " هذا أعلم هاشمي ".
وفي مناظرته مع يحيى بن الضحاك السمرقندي، قال المأمون: " يا أبا
الحسن، ما في الأرض من يحسن هذا سواك " (1).
ولم يقف المأمون عند حدود الثناء على الإمام وحسب، بل كان يتقرب إلى
الإمام (عليه السلام) بشتى الطرق، ويلجأ إلى مختلف الوسائل كالمناظرة في أحقية أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) بالخلافة وتفضيله على سائر الصحابة (2).
قال إسحاق بن حماد: كان المأمون يعقد مجالس النظر، ويجمع المخالفين لأهل
البيت (عليهم السلام)، ويكلمهم في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتفضيله على
جميع الصحابة، تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وكان الرضا (عليه السلام)
يقول لخلص أصحابه الذين يثق بهم: " لا تغتروا بقوله، فما يقتلني والله غيره، ولكنه
لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله " (3).
وعندما بدأنا نجمع مسودات هذا الموضوع وجدنا أنفسنا أمام تراث فذ



(1) سيأتي تخريج هذه الأقوال لاحقا في غضون هذا الفصل.
(2) للمأمون مناظرة طويلة مع نحو أربعين من أهل الحديث وأهل الكلام والنظر في هذا
الموضوع، رواها الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن يحيى بن أكثم القاضي، في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)
2: 185 - 200، وانظر البحار 49: 189 - 208 / 2.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 - 185، بحار الأنوار 49: 189 / 1.
110
لا يسعنا استقصاؤه جميعا، ومن باب ما لا يدرك كله لا يترك جله سنعرض فيما يلي
غيضا من فيض أجوبته ومناظراته ومحاوراته مع بعض متكلمي عصره، تعكس
للقارئ صورة عن الأسلوب العلمي الهادئ الرصين الذي كان يتبناه أئمة
الهدى (عليهم السلام) في حوارهم ومناظراتهم مع الخصوم والمخالفين.
مع أهل الأديان والزنادقة:
1 - في (الخرائج والجرائح): روي عن محمد بن الفضل الهاشمي - في
مناظراته (عليه السلام) مع الجاثليق ورأس الجالوت - قال: ثم إن الرضا (عليه السلام) التفت إلى
الجاثليق، فقال: هل دل الإنجيل على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لو دل الإنجيل على
ذلك ما جحدناه. فقال (عليه السلام): أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث.
فقال الجاثليق: اسم من أسماء الله تعالى، لا يجوز لنا أن نظهره.
فقال الرضا (عليه السلام): فإن قررتك أنه اسم محمد (صلى الله عليه وآله) وذكره، وأقر عيسى به،
وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد (صلى الله عليه وآله)، أتقر به ولا تنكره؟
قال الجاثليق: إن فعلت أقررت، فإني لا أرد الإنجيل ولا أجحده.
قال الرضا (عليه السلام): فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وبشارة
عيسى (عليه السلام) بمحمد (صلى الله عليه وآله). قال الجاثليق: هات. فأقبل الرضا (عليه السلام) يتلو ذلك السفر
من الإنجيل، حتى بلغ ذكر محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا جاثليق، من هذا [النبي]
الموصوف؟ قال الجاثليق: صفه.
قال (عليه السلام): لا أصفه إلا بما وصفه الله، هو صاحب الناقة والعصا والكساء،
النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم

111
إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل،
والصراط الأقوم.
سألتك - يا جاثليق - بحق عيسى روح الله وكلمته، هل تجدون هذه الصفة في
الإنجيل لهذا النبي؟ فأطرق الجاثليق مليا، وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر، فقال:
نعم، هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي، ولم يصح عند
النصارى أنه صاحبكم.
فقال الرضا (عليه السلام): أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة
محمد (صلى الله عليه وآله) فخذ علي في السفر الثاني، فإني أوجدك ذكره وذكر وصيه، وذكر ابنته
فاطمة وذكر الحسن والحسين (عليهم السلام).
فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك، علما أن الرضا (عليه السلام) عالم بالتوراة
والإنجيل، فقالا: والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود التوراة والإنجيل
والزبور، ولقد بشر به موسى وعيسى (عليهما السلام) جميعا، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه
محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم
أو غيره.
فقال الرضا (عليه السلام): احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم
إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد، أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع
الأنبياء (عليهم السلام) غير محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فأحجموا عن جوابه، وقالوا: لا يجوز لنا أن نقر
لكم بأن محمدا هو محمدكم، لأنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على
ما ذكرتم، أدخلتمونا في الإسلام كرها.
فقال الرضا (عليه السلام): أنت يا جاثليق، آمن في ذمة الله وذمة رسوله، أنه
لا يبدؤك منا شيء تكره مما تخافه وتحذره.

112
قال: أما إذا قد أمنتني، فإن النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه
علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين
في التوراة والإنجيل والزبور.
قال الرضا (عليه السلام): فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسمه
هذا النبي وهذا الوصي وهذه البنت وهذين السبطين، صدق وعدل، أم كذب
وزور؟
فقال: بل صدق وعدل، ما قال الله إلا الحق.
فلما أخذ الرضا (عليه السلام) إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس الجالوت: فاستمع
الآن - يا رأس الجالوت - السفر الفلاني من زبور داود. قال: هات، بارك الله عليك
وعلى من ولدك. فتلا الرضا (عليه السلام) السفر الأول من الزبور، حتى انتهى إلى ذكر محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فقال: سألتك - يا رأس الجالوت - بحق
الله، أهذا في زبور داود؟ ولك من الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيته للجاثليق.
فقال رأس الجالوت: نعم، هذا بعينه في الزبور بأسمائهم.
قال الرضا (عليه السلام): فبحق العشر آيات التي أنزلها الله على موسى بن
عمران (عليه السلام) في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟ قال: نعم، ومن جحدها فهو
كافر بربه وأنبيائه.
فقال له الرضا (عليه السلام): فخذ الآن في سفر كذا من التوراة. فأقبل الرضا (عليه السلام)
يتلو التوراة، ورأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه وفصاحته ولسانه، حتى إذا
بلغ ذكر محمد (صلى الله عليه وآله)، قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحماد، وأليا، وبنت أحماد وشبر
وشبير، وتفسيره بالعربية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فتلا الرضا (عليه السلام)
إلى تمامه.

113
فقال رأس الجالوت - لما فرغ من تلاوته -: والله يا بن محمد، لولا الرئاسة
التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك، فوالله الذي أنزل
التوراة على موسى، والزبور على داود، وما رأيت أقرأ للتوراة والإنجيل والزبور
منك، ولا رأيت أحدا أحسن تبيانا وتفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك...
الحديث (1).
2 - وعن الفضل بن شاذان، قال: سأل رجل من الثنوية أبا الحسن علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال له: إني أقول: إن صانع العالم اثنان، فما الدليل
على أنه واحد؟
فقال (عليه السلام): قولك إنه اثنان، دليل على أنه واحد، لأنك لم تدع الثاني إلا بعد
إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه، وأكثر من واحد مختلف فيه (2).
3 - وروى الكليني بإسناده عن البزنطي، قال: جاء رجل إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) من وراء نهر بلخ، فقال: إني أسألك عن مسألة، فإن أجبتني فيها
بما عندي قلت بإمامتك. فقال أبو الحسن (عليه السلام): سل عما شئت.
فقال: أخبرني عن ربك متى كان، وكيف كان، وعلى أي شيء كان
اعتماده؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى أين الأين بلا أين، وكيف الكيف



(1) الخرائج والجرائح 1: 341 - 351 / 6، بحار الأنوار 49: 73 / 1.
(2) التوحيد: 270 / 6.
114
بلا كيف، وكان اعتماده على قدرته. فقام إليه الرجل، فقبل رأسه، وقال: أشهد أن
لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن عليا وصي رسول الله، والقيم بعده بما قام
به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنكم الأئمة الصادقون، وأنك الخلف من بعدهم (1).
4 - وفي كتاب الصفواني، أنه قال الرضا (عليه السلام) لابن قرة النصراني: ما تقول
في المسيح؟ قال: يا سيدي إنه من الله.
قال: ما تريد بقولك من؟ ومن على أربعة أوجه لا خامس لها، أتريد بقولك
من كالبعض من الكل فيكون مبعضا، أو كالخل من الخمر فيكون على سبيل
الاستحالة، أو كالولد من الوالد فيكون على سبيل المناكحة، أو كالصنعة من
الصانع فيكون على سبيل المخلوق من الخالق، أو عندك وجه آخر فتعرفناه؟
فانقطع (2).
5 - وقال ابن شهرآشوب: وكان الجاثليق يناظر المتكلمين فيقول: نحن نتفق
على نبوة عيسى وكتابه، وأنه حي في السماء، ونختلف في بعثة محمد ونتفق في موته،
فما الذي يدل على نبوته؟ فيحيرهم.
فأحضر عند الرضا والمأمون فقال: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه؟ هل
تنكر منهما شيئا؟
فقال الرضا (عليه السلام): أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه، وما بشر به أمته، وأقر به



(1) الكافي 1: 88 / 2، بحار الأنوار 49: 104 / 31.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 4: 351.
115
الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد وكتابه، ولم يبشر به أمته،
فانقطع.
ثم قال الرضا (عليه السلام): يا نصراني، والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد،
وما ننقم على عيساكم إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته.
فقال: والله ما زال عيسى صائم النهار قائم الليل!
قال (عليه السلام): لمن كان يصلي ويصوم؟ فخرس.
وقال الجاثليق: ما أحيا الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص مستحق أن يعبد.
فقال الرضا (عليه السلام): فإن اليسع صنع ما صنع، مشى على الماء، وأبرأ الأكمه
والأبرص، وحزقيل أحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة،
وقوم من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت
فأماتهم الله في ساعة واحدة، فأوحى الله إلى نبي مر على عظامهم بعد سنين أن
نادهم. فقال: أيتها العظام البالية، قومي بإذن الله؛ فقاموا.
وذكر (عليه السلام) حديث إبراهيم الخليل (عليه السلام) والطير (فصرهن إليك) (1)
وحديث موسى (واختار موسى) (2) لما قالوا: (لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة) (3)، فاحترقوا فأحياهم الله من بعد قول موسى: (لو شئت أهلكتهم) (4)،
وسؤال قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحييهم.



(1) البقرة: 260.
(2) الأعراف: 155.
(3) البقرة: 55.
(4) الأعراف: 155.
116
ثم قال: والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قد نطقت به، فإن كان
من أحيا الموتى يتخذ ربا من دون الله، فاتخذوا هؤلاء كلهم أربابا، فأسلم
النصراني (1).
6 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عبد الله الخراساني
خادم الرضا (عليه السلام)، قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا (عليه السلام) وعنده جماعة،
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أيها الرجل، أرأيت إن كان القول قولكم، وليس هو
كما تقولون، ألسنا وإياكم شرعا سواء، ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا
وأقررنا، فسكت.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): وإن يكن القول قولنا وهو كما نقول، ألستم قد هلكتم
ونجونا.
فقال: رحمك الله، فأوجدني كيف هو، وأين هو؟
قال: ويلك، إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أين الأين، وكان ولا أين، وهو
كيف الكيف وكان ولا كيف، ولا يعرف بكيفوية ولا بأينونية، ولا يدرك بحاسة،
ولا يقاس بشيء.
قال الرجل: فإذن إنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت
ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الأشياء.
قال الرجل: فأخبرني متى كان؟



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 352.
117
فقال أبو الحسن (عليه السلام): أخبرني متى لم يكن، فأخبرك متى كان؟
قال الرجل: فما الدليل عليه؟
قال أبو الحسن (عليه السلام): إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة
ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا
البنيان بانيا، فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب،
وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات
العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ.
قال الرجل: فلم احتجب؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الاحتجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم، فأما هو
فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار.
قال: فلم لا تدركه حاسة البصر؟
قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم ومن
غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل.
قال: فحده لي. قال: لا حد له. قال: ولم؟ قال: لأن كل محدود متناه إلى
حد، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان،
فهو غير محدود، ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزئ ولا متوهم.
قال الرجل: فأخبرني عن قولكم: إنه لطيف سميع بصير عليم حكيم. أيكون
السميع إلا بالأذن، والبصير إلا بالعين، واللطيف إلا بعمل اليدين، والحكيم
إلا بالصنعة؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت
الرجل منا يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه، فيقال: ما ألطف فلانا! فكيف لا يقال

118
للخالق الجليل: لطيف، إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا، وركب في الحيوان أرواحا،
وخلق كل جنس متباينا عن جنسه في الصورة، لا يشبه بعضه بعضا، فكل له لطف
من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته.
ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطايبها المأكولة منها وغير المأكولة، فقلنا عند
ذلك: إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم. وقلنا: إنه سميع لا يخفى عليه
أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى، من الذرة إلى أكبر منها في برها وبحرها،
ولا تشتبه عليه لغاتها، فقلنا عند ذلك إنه سميع لا بأذن.
وقلنا: إنه بصير لا ببصر، لأنه يرى أثر الذرة السحماء (1) في الليلة الظلماء
على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية، ويرى مضارها ومنافعها
وأثر سفادها وفراخها ونسلها، فقلنا عند ذلك إنه بصير لا كبصر خلقه.
قال: فما برح حتى أسلم، وفيه كلام غير هذا (2).
7 - وعن صفوان بن يحيى صاحب السابري، قال:
سألني أبو قره صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في
ذلك.
فقال (عليه السلام): أدخله علي، فلما دخل عليه قبل بساطه، وقال: هكذا علينا في
ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا. ثم قال: أصلحك الله، ما تقول في فرقة ادعت
دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون؟ قال: الدعوى لهم.



(1) السحماء: السوداء.
(2) التوحيد: 250 / 3.
119
قال: فادعت فرقة أخرى دعوى، فلم يجدوا شهودا من غيرهم؟ قال:
لا شيء لهم.
قال: فإنا نحن ادعينا أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها، فوافقنا على ذلك
المسلمون، وادعى المسلمون أن محمدا نبي، فلم نتابعهم عليه، وما أجمعنا عليه خير
مما افترقنا فيه.
فقال له الرضا (عليه السلام): ما اسمك؟ قال: يوحنا.
قال: يا يوحنا، إنا آمنا بعيسى بن مريم (عليه السلام) روح الله وكلمته الذي كان
يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ويبشر به، ويقر على نفسه أنه عبد مربوب، فإن كان عيسى الذي
هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وبشر به، ولا هو الذي
أقر لله عز وجل بالعبودية والربوبية، فنحن منه براء، فأين اجتمعنا؟
فقام وقال لصفوان بن يحيى: قم، فما كان أغنانا عن هذا المجلس! (1)
8 - وقال ابن شهرآشوب (رحمه الله): ومما أجاب (عليه السلام) بحضرة المأمون لصباح بن
نصر الهندي وعمران الصابئ عن مسائلهما.
قال عمران: العين نور مركبة، أم الروح تبصر الأشياء من منظرها؟
قال (عليه السلام): العين شحمة، وهو البياض والسواد، والنظر للروح، دليله أنك
تنظر فيه فترى صورتك في وسطه، والإنسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة
وما أشبه ذلك.
قال صباح: فإذا عميت العين، كيف صارت الروح قائمة، والنظر ذاهب؟



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 230 / 1.
120
قال (عليه السلام): كالشمس طالعة يغشاها الظلام.
قال: أين تذهب الروح؟
قال (عليه السلام): أين يذهب الضوء الطالع من الكوة إذا سدت الكوة؟
قال: أوضح لي ذلك.
قال (عليه السلام): الروح مسكنها في الدماغ، وشعاع منبث في الجسد، بمنزلة الشمس
دائرتها في السماء وشعاعها منبسط في الأرض، فإذا غابت الدائرة، فلا شمس، وإذا
قطع الرأس فلا روح.
قالا: فما بال الرجل يلتحي دون المرأة.
قال (عليه السلام): زين الله الرجال باللحى، وجعلها فضلا (1) يستدل بها على
الرجال من النساء.
قال عمران: ما بال الرجل إذا كان مؤنثا، والمرأة إذا كانت مذكرة؟
قال (عليه السلام): ذلك أن المرأة إذا حملت وصار الغلام منها في الرحم موضع
الجارية كان مؤنثا، وإذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة، وذلك أن
موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها، والجارية مما يلي مياسرها، وربما
ولدت المرأة ولدين في بطن واحد، فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين، وإن عظم
أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنه تلد واحدا، إلا أنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم
كان المولود ذكرا، وإذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى، وإذا كانت خاملا
فضمر (2) ثديها الأيمن فإنها تسقط غلاما، وإذا ضمر ثديها الأيسر فإنها تسقط أنثى،



(1) في البحار: فصلا.
(2) أي: هزل ودق وقل لحمه.
121
وإذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا.
قالا: من أي شيء الطول والقصر في الإنسان؟
فقال (عليه السلام): من قبل النطفة، وإذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر،
وإن استطالت جاء الطول.
قال صباح: ما أصل الماء؟
قال (عليه السلام): أصل الماء خشية الله (1)، بعضه من السماء ويسلكه في الأرض
ينابيع، وبعضه ماء عليه الأرضون، وأصله واحد عذب فرات.
قال: فكيف منها عيون نفط وكبريت، ومنها قار وملح وما أشبه ذلك؟
قال (عليه السلام): غيره الجوهر، وانقلبت كانقلاب العصير خمرا، وكما انقلبت الخمر
فصارت خلا، وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا.
قال: فمن أين أخرجت أنواع الجواهر؟
قال: انقلبت منها كانقلاب النطفة علقة، ثم مضغة، ثم خلقة مجتمعة مبنية على
المتضادات الأربع.
قال عمران: إذا كانت الأرض خلقت من الماء، والماء البارد رطب، فكيف
صارت الأرض باردة يابسة؟
قال (عليه السلام): سلبت النداوة فصارت يابسة.
قال: الحر أنفع أم البرد؟



(1) قال العلامة المجلسي (رحمه الله): قوله (عليه السلام) " خشيه الله " أي لما نظر الله بالهيبة في الدرة صارت
ماء، كما ورد في الخبر - والنظر مجاز - فلذا نسب الماء إلى الخشية، ويحتمل أن يكون تصحيف
خلقه الله. بحار الأنوار 6: 113.
122
قال: الحر أنفع من البرد، لأن الحر من حر الحياة، والبرد من برد الموت،
وكذلك السموم القاتلة الحار منها أسلم وأقل ضررا من السموم الباردة (1).
مع المأمون أو في حضرته:
1 - روى الشيخ الصدوق، بالإسناد عن علي بن محمد بن الجهم، قال:
حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، فقال له المأمون: يا ابن
رسول الله، أليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى.
قال: فما معنى قول الله عز وجل: (فعصى آدم ربه فغوى) (2).
فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى قال لآدم: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا
منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فتكونا
من الظالمين) (3) ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها.
فلم يقربا تلك الشجرة، وإنما أكلا من غيرها، لما أن وسوس الشيطان إليهما
وقال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) وإنما نهاكما ان تقربا غيرها ولم ينهكما
عن الأكل منها (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما من
الناصحين) ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فدلاهما
بغرور) (4) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله.



(1) المناقب 4: 353 - 354، بحار الأنوار 6: 111 / 6.
(2) طه: 121.
(3) البقرة: 35.
(4) الأعراف: 20 - 22.
123
وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول
النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي
عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا، كان معصوما لا يذنب صغيرة
ولا كبيرة، قال الله عز وجل: (وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه
فهدى) (1)، وقال عز وجل: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين) (2).
فقال له المأمون: فما معنى قول الله عز وجل: (فلما آتاهما صالحا جعلا له
شركاء فيما آتاهما) (3).
فقال له الرضا (عليه السلام): إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن، ذكرا وأنثى، وإن
آدم (عليه السلام) وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه، وقالا: (لئن آتيتنا صالحا لنكونن من
الشاكرين فلما آتاهما صالحا) (4) من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة (5) والعاهة،
وكان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكرانا، وصنفا أناثا، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره
شركاء فيما آتاهما، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل، قال الله تبارك وتعالى:
(فتعالى الله عما يشركون) (6).



(1) طه: 121 - 122.
(2) آل عمران: 33.
(3) الأعراف: 190.
(4) الأعراف: 189.
(5) الزمانة: الآفة أو المرض المزمن الذي يدوم.
(6) الأعراف: 190.
124
فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حقا، فأخبرني عن قول الله
عز وجل في حق إبراهيم (عليه السلام): (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي).
فقال الرضا (عليه السلام): إن إبراهيم (عليه السلام) وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد
الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب (1)
الذي اختفى فيه، فلما جن عليه الليل فرأى الزهرة (قال هذا ربي) على الإنكار
والاستخبار (فلما أفل) الكوكب (قال لا أحب الآفلين) لأن الأفول من
صفات المحدث لا من صفات القديم (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) على
الإنكار والاستخبار (فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين)
يقول لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين (فلما) أصبح و (رأى الشمس
بازغة قال هذا ربي هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار، لا على
الإخبار والإقرار (فلما أفلت قال) للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر
والشمس (يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) (2).
وإنما أراد إبراهيم (عليه السلام) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن
العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها
وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه،
كما قال الله عز وجل: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (3).



(1) السرب: الكهف، والبيت أو المسلك تحت الأرض.
(2) الأنعام: 76 - 79.
(3) الأنعام: 83.
125
قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان) (1).
قال الرضا (عليه السلام): إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة
من أهلها، وذلك بين المغرب والعشاء، فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته،
وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فقضى موسى على
العدو بحكم الله تعالى ذكره، فوكزه فمات، فقال: (هذا من عمل الشيطان) يعني
الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى (عليه السلام) من قتله (إنه) يعني
الشيطان (عدو مضل مبين).
فقال المأمون: فما معنى قول موسى: (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي)؟
قال (عليه السلام): يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة
(فاغفر لي)، أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني، (فغفر له إنه هو
الغفور الرحيم قال) موسى: (رب بما أنعمت علي) من القوة حتى قتلت رجلا
بوكزة (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى
(فأصبح) موسى (عليه السلام) (في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس
يستصرخه) على آخر (قال له موسى إنك لغوي مبين) قاتلت رجلا بالأمس
وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك؛ وأراد أن يبطش به (فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو
لهما) وهو من شيعته (قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد
إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين) (2).



(1) القصص: 15.
(2) القصص: 16 - 19.
126
قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن، فما معنى قول موسى
لفرعون: (فعلتها إذا وأنا من الضالين)؟
قال الرضا (عليه السلام): إن فرعون قال لموسى لما أتاه: (فعلت فعلتك التي فعلت
وأنت من الكافرين * قال) موسى: (فعلتها إذا وأنا من الضالين) (1) عن الطريق
بوقوعي إلى مدينة من مدائنك (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني
من المرسلين) (2).
وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله): (ألم يجدك يتيما فآوى) يقول:
ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس (ووجدك ضالا) يعني عند قومك (فهدى)
أي هداهم إلى معرفتك (ووجدك عائلا فأغنى) (3) يقول أغناك بأن جعل دعاءك
مستجابا.
قال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله، فما معنى قول الله عز وجل:
(فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن) (4)
الآية، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أن الله تعالى
ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟
فقال الرضا (عليه السلام): إن كليم الله موسى بن عمران علم أن الله تعالى غني عن أن
يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا، رجع إلى قومه فأخبرهم



(1) الشعراء: 19 - 21.
(2) الشعراء: 19 - 21.
(3) الضحى: 6 - 8.
(4) الأعراف: 143.
127
أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه
كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعين ألفا، ثم اختار سبعة
آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم، فخرج
بهم إلى الطور، وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره
وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه
في الشجرة الزيتونة، وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن
نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول
العظيم، واستكبروا وعتوا، بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم
فماتوا.
فقال موسى: يا رب، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، وقالوا: إنك
ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله تعالى إياك،
فأحياهم الله وبعثهم معه.
فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو،
فنعرفه حق معرفته.
فقال موسى: يا قوم، إن الله تعالى لا يرى بالأبصار، ولا كيفية له، وإنما
يعرف بآياته، ويعلم بأعلامه.
فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله. فقال موسى: يا رب، إنك قد سمعت مقالة
بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم.
فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، سلني ما سألوك، فلن أؤاخذك بجهلهم.
فعند ذلك قال موسى: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن
استقر مكانه) وهو يهوي (فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل) بآية من آياته

128
(جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) يقول رجعت إلى
معرفتي بك عن جهل قومي (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل (ولقد
همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) (1).
فقال الرضا (عليه السلام): لقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به،
لكنه كان معصوما، والمعصوم يهم بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني أبي، عن أبيه
الصادق (عليه السلام) أنه قال: همت بأن تفعل، وهم بأن لا يفعل.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: (وذا
النون إذ ذهب مغاضبا) الآية.
فقال الرضا (عليه السلام): ذاك يونس بن متى (عليه السلام) ذهب مغاضبا لقومه (فظن)
بمعنى استيقن (أن لن نقدر عليه) أي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله عز وجل:
(وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) (2) أي ضيق وقتر (فنادى في الظلمات) أي
ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين) (3) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت. فاستجاب
الله تعالى له، وقال عز وجل: (فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم
يبعثون) (4).



(1) يوسف: 24.
(2) الفجر: 16.
(3) الأنبياء: 87.
(4) الصافات: 143 و 144.
129
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) (1).
قال الرضا (عليه السلام): يقول الله عز وجل: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم،
وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا.
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل:
(ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (2).
قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما، فلما
جاءهم (صلى الله عليه وآله) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: (أجعل
الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على
آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) (3).
فلما فتح الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله) مكة قال له: يا محمد (إنا فتحنا لك
فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (4) عند مشركي أهل مكة
بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج
بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه،
فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.



(1) يوسف: 110.
(2) الفتح: 2.
(3) ص: 5 - 7.
(4) الفتح: 1 و 2.
130
فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: (عفا
الله عنك لم أذنت لهم) (1).
قال الرضا (عليه السلام): هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله
عز وجل بذلك نبيه، وأراد به أمته، وكذلك قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين) (2)، وقوله عز وجل: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت
تركن إليهم شيئا قليلا) (3).
قال: صدقت يا ابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: (إذ تقول
للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله
مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (4).
قال الرضا (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصد دار زيد بن حارثة الكلبي في أمر
أراده، فرأى امرأته تغتسل، فقال لها: سبحان الذي خلقك، وإنما أراد بذلك تنزيه
الله تبارك وتعالى عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله. فقال الله عز وجل:
(أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) (5) فقال
النبي (صلى الله عليه وآله) لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا
التطهير والاغتسال.



(1) التوبة: 43.
(2) الزمر: 65.
(3) الإسراء: 74.
(4) الأحزاب: 37.
(5) الإسراء: 40.
131
فلما عاد زيد إلى منزله، أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقوله
لها: سبحان الذي خلقك، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظن أنه قال ذلك لما أعجبه
من حسنها، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله، إن امرأتي في خلقها
سوء وإني أريد طلاقها. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): (أمسك عليك زوجك واتق الله)
وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه، وأن تلك المرأة منهن، فأخفى ذلك
في نفسه ولم يبده لزيد، وخشي الناس أن يقولوا: إن محمدا يقول لمولاه: إن
امرأتك ستكون لي زوجة، فيعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: (وإذ تقول
للذي أنعم الله عليه) يعني بالإسلام (وأنعمت عليه) يعني بالعتق: (أمسك
عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن
تخشاه).
ثم إن زيد بن حارثة طلقها، واعتدت منه، فزوجها الله عز وجل من نبيه
محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنزل بذلك قرآنا، فقال عز وجل: (فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان
أمر الله مفعولا) (1). ثم علم عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل:
(ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) (2).
فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا بن رسول الله، وأوضحت لي ما كان
ملتبسا علي، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.
قال علي بن محمد بن الجهم: فقام المأمون إلى الصلاة، وأخذ بيد محمد بن



(1) الأحزاب: 37.
(2) الأحزاب: 38.
132
جعفر بن محمد، وكان حاضر المجلس، وتبعتهما. فقال له المأمون: كيف رأيت ابن
أخيك؟ فقال: عالم، ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.
فقال المأمون: إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال (صلى الله عليه وآله) فيهم:
" ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي (1) أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا،
لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم في باب
ضلال ".
وانصرف الرضا (عليه السلام) إلى منزله، فلما كان من الغد، غدوت عليه، وأعلمته
ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له، فضحك (عليه السلام)، ثم قال:
يا بن الجهم، لا يغرنك ما سمعته منه، فإنه سيغتالني، والله ينتقم لي منه (2).
2 - وجرت له (عليه السلام) مناظرة أخرى في هذا المعنى مع اختلاف في ألفاظها
وسياقها مع علي بن محمد بن الجهم، وبمحضر المأمون.
فعن أبي الصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام)
أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس
والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كأنه قد ألقم
حجرا.
فقام إليه علي بن محمد بن الجهم، فقال: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة
الأنبياء؟ قال: بلى. قال: فما تعمل في قوله الله عز وجل: (وعصى آدم ربه



(1) الأرومة: الأصل.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 195 - 204، بحار الأنوار 11: 78 / 8، و 49: 179 / 15.
133
فغوى) (1)، وقوله عز وجل: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) (2)،
وقوله في يوسف: (ولقد همت به وهم بها) (3)، وقوله عز وجل في داود: (وظن
داود أنما فتناه) (4)، وقوله في نبيه محمد (صلى الله عليه وآله): (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى
الناس والله أحق أن تخشاه) (5).
فقال مولانا الرضا (عليه السلام): ويحك يا علي! اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله
الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عز وجل برأيك، فإن الله عز وجل يقول:
(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (6). أما قوله عز وجل في آدم (عليه السلام):
(وعصى آدم ربه فغوى) فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في
بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر
الله عز وجل، فلما هبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة، عصم بقوله عز وجل
(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) (7).
وأما قوله عز وجل: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)
إنما ظن أن الله عز وجل لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عز وجل: (وأما



(1) طه: 121.
(2) الأنبياء: 87.
(3) يوسف: 24.
(4) ص: 24.
(5) الأحزاب: 37.
(6) آل عمران: 7.
(7) آل عمران: 33.
134
إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) (1)؟ أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه
لكان قد كفر.
وأما قوله عز وجل في يوسف: (ولقد همت به وهم بها) فإنها همت
بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها
والفاحشة، وهو قوله: (وكذلك لنصرف عنه السوء) يعني القتل
(والفحشاء) (2) يعني الزنا.
فأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟
فقال علي بن الجهم: يقولون: إن داود كان في محرابه يصلي، إذ تصور له
إبليس على صورة طير، أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته، وقام ليأخذ
الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في
طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير، فإذا بامرأة
أوريا تغتسل، فلما نظر إليها هويها، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته،
فكتب إلى صاحبه: أن أقدم أوريا أمام الحرب، فقدم فظفر أوريا بالمشركين،
فصعب ذلك على داود، فكتب الثانية أن قدمه أمام التابوت، فقتل أوريا (رحمه الله)،
وتزوج داود بامرأته!
قال: فضرب الرضا (عليه السلام) بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون!
لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير، ثم
بالفاحشة ثم بالقتل!



(1) الفجر: 16.
(2) يوسف: 24.
135
فقال: يا بن رسول الله، فما كانت خطيئته؟
فقال (عليه السلام): ويحك، إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم
منه، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا: (خصمين بغى بعضنا
على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له
تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب)، فعجل
داود (عليه السلام) على المدعى عليه، فقال: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) (1)،
ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول ما يقول.
فكان هذا خطيئة حكمه لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع قول الله عز وجل يقول:
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (2) إلى آخر
الآية.
فقلت: يا بن رسول الله، فما قصته مع أوريا؟
فقال الرضا (عليه السلام): إن المرأة في أيام داود إذا مات بعلها أو قتل، لا تتزوج
بعده أبدا، وأول من أباح الله عز وجل له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود (عليه السلام)
فذلك الذي شق على أوريا.
أما محمد نبيه (صلى الله عليه وآله) وقول الله عز وجل له: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (3) فإن الله عز وجل عرف نبيه (صلى الله عليه وآله) أسماء
أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنهن أمهات المؤمنين، وأحد من



(1) ص: 23.
(2) ص: 26.
(3) الأحزاب: 37.
136
سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى (صلى الله عليه وآله) اسمها في
نفسه، ولم يبده له، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في امرأة في بيت رجل،
إنها واحدة من أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله
عز وجل: (والله أحق أن تخشاه) في نفسك، وإن الله عز وجل ما تولى تزويج
أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفاطمة من
علي (عليه السلام).
قال: فبكى علي بن الجهم، وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله
عز وجل أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلا بما ذكرته (1).
3 - وفي (المناقب): قال ابن سنان: كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يوم
الاثنين ويوم الخميس، ويقعد الرضا (عليه السلام) على يمينه، فرفع إليه أن صوفيا من أهل
الكوفة سرق، فأمر بإحضاره، فرأى عليه سيماء الخير، فقال: سوأة لهذه الآثار
الجميلة بهذا الفعل القبيح!
فقال الرجل: فعلت ذلك اضطرارا لا اختيارا، وقال الله تعالى: (فمن
اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فلا إثم عليه) (2)، وقد منعت من الخمس
والغنائم.
فقال: وما حقك منها؟ فقال: قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 191 - 195 / 1، بحار الأنوار 11: 72 / 1، و 49: 179 /
14.
(2) المائدة: 3.
137
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (1) فمنعتني
حقي وأنا مسكين وابن السبيل، وأنا من حملة القرآن، وقد منعت كل سنة مني مائتي
دينار بقول النبي (عليه السلام).
فقال المأمون: لا أعطل حدا من حدود الله وحكما من أحكامه في السارق
من أجل أساطيرك هذه.
قال: فابدأ أولا بنفسك فطهرها، ثم طهر غيرك، وأقم حدود الله عليها، ثم
على غيرك.
قال: فالتفت المأمون إلى الرضا (عليه السلام)، فقال: ما يقول؟ قال: يقول: إنه
سرقت فسرق.
قال: فغضب المأمون، ثم قال: والله لأقطعنك.
قال: أتقطعني وأنت عبدي!
فقال: ويلك أيش تقول؟
قال: أليست أمك اشتريت من مال الفيء؟ فأنت عبد لمن في المشرق
والمغرب من المسلمين حتى يعتقوك، وأنا منهم وما أعتقتك، والأخرى أن النجس
لا يطهر نجسا، إنما يطهره طاهر، ومن في جنبه حد لا يقيم الحدود على غيره حتى
يبدأ بنفسه، أما سمعت الله تعالى يقول: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم
تتلون الكتاب أفلا تعقلون) (2).
فالتفت المأمون إلى الرضا (عليه السلام) فقال: ما تقول؟ قال: إن الله عز وجل



(1) الأنفال: 41.
(2) البقرة: 44.
138
قال لنبيه (عليه السلام): (قل فلله الحجة البالغة) (1) وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها
على جهله كما يعلمها العالم بعلمه، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجة، وقد احتج
الرجل.
قال: فأمر بإطلاق الرجل الصوفي، وغضب على الرضا (عليه السلام) في السر (2).
ورواه الصدوق في (العيون) بسنده عن محمد بن سنان، نحوه (3).
4 - وعن أبي الصلت الهروي، قال: قال المأمون يوما للرضا (عليه السلام): يا أبا
الحسن، أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟
فقال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، ألم ترو عن أبيك، عن آبائه، عن عبد الله بن
عباس، أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: حب علي إيمان، وبغضه كفر؟ فقال:
بلى.
قال الرضا (عليه السلام): فقسمة الجنة والنار إليه.
فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول
الله (صلى الله عليه وآله).
قال أبو الصلت الهروي: فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته، فقلت: يا بن
رسول الله، ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين!



(1) الأنعام: 149.
(2) المناقب 4: 368.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 237 / 1، علل الشرائع 1: 240 / 2، بحار الأنوار 49:
288 / 1.
139
فقال: يا أبا الصلت، أنا كلمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن
آبائه، عن علي (عليهم السلام)، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، أنت قسيم الجنة
والنار يوم القيامة، تقول للنار هذا لي، وهذا لك (1).
5 - وفي (الفصول المختارة) للسيد المرتضى، قال: قال المأمون يوما
للرضا (عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين يدل عليها القرآن؟
قال: فقال له الرضا (عليه السلام): فضيلته في المباهلة، قال الله جل جلاله: (فمن
حاجك فيه) (2) الآية، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فكانا ابنيه،
ودعا فاطمة (عليها السلام) فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان
نفسه بحكم الله عز وجل، فثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه وتعالى أجل من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بحكم الله عز وجل.
قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع، وإنما دعا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنيه خاصة، وذكر النساء بلفظ الجمع، وإنما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ابنته وحدها، فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة
دون غيره، فلا يكون لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما ذكرت من الفضل؟
قال: فقال له الرضا (عليه السلام): ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين، وذلك أن
الداعي إنما يكون داعيا لغيره، كما أن الآمر آمر لغيره، ولا يصح أن يكون داعيا



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 86 / 30، بحار الأنوار 49: 172 / 10.
(2) آل عمران: 16.
140
لنفسه في الحقيقة، كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا
في المباهلة إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ثبت أنه نفسه التي عنى الله تعالى في كتابه،
وجعل حكمه ذلك في تنزيله.
قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال (1).
6 - وعنه أيضا، قال: روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان، وكان معه
الرضا علي بن موسى (عليه السلام)، فبينا هما يسيران إذا قال له المأمون: يا أبا الحسن، إني
فكرت في شيء، فنتج لي الفكر الصواب فيه، فكرت في أمرنا وأمركم، ونسبنا
ونسبكم، فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على
الهوى والعصبية.
فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن لهذا الكلام جوابا، إن شئت ذكرته لك،
وإن شئت أمسكت.
فقال له المأمون: إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه.
قال له الرضا (عليه السلام): أنشدك الله يا أمير المؤمنين، لو أن الله تعالى بعث نبيه
محمدا (صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من وراء أكمة (2) من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك، أكنت
مزوجه إياها؟
فقال: يا سبحان الله، وهل أحد يرغب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال له الرضا (عليه السلام): أفتراه يحل له أن يخطب إلي؟ قال: فسكت المأمون



(1) الفصول المختارة: 17، بحار الأنوار 10: 350 / 10، و 49: 188 / 20.
(2) الأكمة: التل.
141
هنيئة. ثم قال: أنتم والله أمس برسول الله (صلى الله عليه وآله) رحما (1).
7 - وله (عليه السلام) مناظرة في الاصطفاء مع المأمون، رواها ابن شعبة الحراني في
(تحف العقول)، والشيخ الصدوق في (العيون) عن الريان بن الصلت، قال:
لما حضر علي بن موسى (عليه السلام) مجلس المأمون، وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل
العراق وخراسان، فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: (ثم أورثنا الكتاب
الذين اصطفينا من عبادنا) (2) الآية.
فقالت العلماء: أراد الله الأمة كلها.
فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا، ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالى
بذلك العترة الطاهرة (عليهم السلام).
فقال المأمون: وكيف عنى العترة دون الأمة؟
فقال الرضا (عليه السلام): لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة، لقول الله: (فمنهم
ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) (3)، ثم
جعلهم كلهم في الجنة، فقال عز وجل: (جنات عدن يدخلونها) (4) فصارت الوراثة
للعترة الطاهرة لا لغيرهم.



(1) الفصول المختارة: 16، بحار الأنوار 10: 349 / 9، و 49: 187 / 19.
(2) فاطر: 32.
(3) فاطر: 32.
(4) فاطر: 33.
142
ثم قال الرضا (عليه السلام): هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال: (إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1)، وهم الذين قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض، انظروا كيف تخلفوني فيهما. يا أيها الناس،
لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ".
قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة، هم الآل أو غير الآل؟
فقال الرضا (عليه السلام): هم الآل.
فقالت العلماء: فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤثر عنه أنه قال: " أمتي آلي " وهؤلاء
أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه: " آل محمد أمته ".
فقال الرضا (عليه السلام): أخبروني هل تحرم الصدقة على آل محمد؟ قالوا: نعم.
قال (عليه السلام): فتحرم على الأمة؟ قالوا: لا.
قال (عليه السلام): هذا فرق بين الآل وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم، أصرفتم
عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون (2)، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر
على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟
قالوا: من أين قلت، يا أبا الحسن؟
قال (عليه السلام): من قول الله: (لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة
والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) (3)، فصارت وراثة النبوة والكتاب في



(1) الأحزاب: 33.
(2) اقتباس من سورة الزخرف، الآية 5.
(3) الحديد: 26.
143
المهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أن نوحا سأل ربه فقال: (رب إن ابني من أهلي
وإن وعدك الحق...) (1)، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له ربه تبارك
وتعالى: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني
أعظك أن تكون من الجاهلين) (2).
فقال المأمون: فهل فضل الله العترة على سائر الناس؟
فقال الرضا (عليه السلام): إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم
كتابه.
فقال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟
فقال الرضا (عليه السلام): في قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم
وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض) (3)، وقال الله في موضع آخر:
(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة
وآتيناهم ملكا عظيما) (4)، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (5) يعني الذين
أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)، يعني



(1) هود: 45.
(2) هود: 46.
(3) آل عمران: 33 و 34.
(4) النساء: 54.
(5) النساء: 59.
144
الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك ها هنا الطاعة لهم.
قالت العلماء: هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر
موضعا:
فأول ذلك: قول الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1) ورهطك المخلصين،
هكذا في قراءة أبي بن كعب، وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود، وهذه منزلة
رفيعة وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل، فهذه واحدة.
والآية الثانية: في الاصطفاء قول الله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2)، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنه فضل
بين.
والآية الثالثة: حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال،
فقال: (قل) يا محمد (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (3)، فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله) عليا والحسن
والحسين وفاطمة (عليهم السلام) فقرن أنفسهم بنفسه، فهل تدرون ما معنى قوله: (وأنفسنا
وأنفسكم)؟
قالت العلماء: عنى به نفسه.
قال أبو الحسن (عليه السلام): غلطتم، إنما عنى به عليا (عليه السلام)، ومما يدل على ذلك قول



(1) الشعراء: 214.
(2) الأحزاب: 33.
(3) آل عمران: 61.
145
النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال: " لينتهن بنو وكيعة (1) أو لأبعثن إليه رجلا كنفسي "، يعني
عليا (عليه السلام)، فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد، وفضل لا يختلف فيه بشر، وشرف
لا يسبقه إليه خلق، إذ جعل نفس علي (عليه السلام) كنفسه، فهذه الثالثة.
وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلم الناس
في ذلك وتكلم العباس، فقال: يا رسول الله، تركت عليا وأخرجتنا! فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكن الله تركه وأخرجكم ". وفي هذا
بيان قوله لعلي (عليه السلام): " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
قالت العلماء: فأين هذا من القرآن؟
قال أبو الحسن (عليه السلام): أوجدكم في ذلك قرآنا أقرؤه عليكم.
قالوا: هات.
قال (عليه السلام): قول الله عز وجل: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما
بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة) (2)، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى،
وفيها أيضا منزلة علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع هذا دليل ظاهر في قول
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قال: " إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد
وآل محمد ".
فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال أبو الحسن (عليه السلام): ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " أنا مدينة



(1) بنو وكيعة: حي من كندة.
(2) يونس: 87.
146
العلم وعلي بابها، فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها "، ففيما أوضحنا وشرحنا من
الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند، ولله عز وجل
الحمد على ذلك، فهذه الرابعة.
وأما الخامسة: فقول الله عز وجل: (وآت ذا القربى حقه) (1) خصوصية
خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم على الأمة، فلما نزلت هذه الآية على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " ادعوا لي فاطمة " فدعوها له فقال: يا فاطمة. قالت:
لبيك، يا رسول الله. فقال: إن فدك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي لي
خاصة دون المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك،
فهذه الخامسة.
وأما السادسة: فقول الله عز وجل: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) (2) فهذه خصوصية للنبي (صلى الله عليه وآله) دون الأنبياء، وخصوصية للآل دون
غيرهم، وذلك أن الله حكى عن الأنبياء في ذكر نوح (عليه السلام): (يا قوم لا أسألكم عليه
مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما
تجهلون) (3)، وحكى عن هود (عليه السلام) قال: (لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على
الذي فطرني أفلا تعقلون) (4).



(1) الإسراء: 26.
(2) الشورى: 23.
(3) هود: 29.
(4) هود: 51.
147
وقال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1)، ولم
يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا، ولا يرجعون إلى
ضلالة أبدا، وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل، فيكون بعض أهل بيته عدوا له،
فلا يسلم له قلب الرجل، فأحب الله أن لا يكون في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
على المؤمنين شيء، إذ فرض عليهم مودة ذي القربى، فمن أخذ بها وأحب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحب أهل بيته (عليهم السلام)، لم يستطع رسول الله أن يبغضه، ومن تركها
ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيت نبيه، فعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبغضه، لأنه قد ترك
فريضة من فرائض الله، وأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا؟
ولما أنزل الله هذه الآية على رسوله (صلى الله عليه وآله): (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى) قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه وقال:
" أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم فرضا، فهل أنتم مؤدوه؟ " فلم يجبه أحد،
فقام فيهم يوما ثانيا، فقال مثل ذلك، فلم يجبه أحد، فقام فيهم يوم الثالث، فقال:
" أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم فرضا، فهل أنتم مؤدوه؟ " فلم يجبه أحد،
فقال: " أيها الناس، إنه ليس ذهبا ولا فضة، ولا مأكولا ولا مشروبا ". قالوا:
فهات إذن. فتلا عليهم هذه الآية. فقالوا: أما هذه فنعم، فما وفى به أكثرهم.
ثم قال أبو الحسن (عليه السلام): حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه، عن الحسين بن
علي (عليهم السلام)، قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إن لك
يا رسول الله مؤونة في نفقتك، وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا،
فاحكم فيها بارا مأجورا، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج، فأنزل الله



(1) الشورى: 23.
148
عز وجل الروح الأمين فقال: يا محمد، (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) لا تؤذوا قرابتي من بعدي، فخرجوا.
فقال أناس منهم: ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على
قرابته من بعده، إن هو إلا شيء افتراه في مجلسه، وكان ذلك من قولهم عظيما،
فأنزل الله هذه الآية: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو
أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم) (1).
فبعث إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: " هل من حدث؟ " فقالوا: إي والله يا رسول
الله، لقد تكلم بعضنا كلاما عظيما فكرهناه، فتلا عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكوا،
واشتد بكاؤهم، فأنزل الله تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن
السيئات ويعلم ما تفعلون) (2)، فهذه السادسة.
وأما السابعة: فيقول الله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (3) وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه
الآية قيل: يا رسول الله، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال:
" تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم،
إنك حميد مجيد "، وهل بينكم - معاشر الناس - في هذا اختلاف؟ قالوا: لا.
فقال المأمون: هذا ما لا اختلاف فيه أصلا، وعليه الإجماع، فهل عندك في
الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟



(1) الأحقاف: 8.
(2) الشورى: 25.
(3) الأحزاب: 56.
149
قال أبو الحسن (عليه السلام): أخبروني عن قول الله: (يس * والقرآن الحكيم * إنك
لمن المرسلين * على صراط مستقيم) (1) فمن عنى بقوله: (يس)؟
قال العلماء: يس محمد (صلى الله عليه وآله) ليس فيه شك.
قال أبو الحسن (عليه السلام): أعطى الله محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لم يبلغ أحد
كنه وصفه لمن عقله، وذلك أن الله لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله
عليهم، فقال تبارك وتعالى: (سلام على نوح في العالمين) (2)، وقال: (سلام على
إبراهيم) (3)، وقال: (سلام على موسى وهارون) (4)، ولم يقل سلام على آل نوح،
ولم يقل: سلام على آل إبراهيم، ولا قال: سلام على آل موسى وهارون، وقال
عز وجل: (سلام على آل يس) (5) يعني آل محمد (عليهم السلام).
فقال المأمون: لقد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه، فهذه السابعة.
وأما الثامنة: فقول الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى) (6)، فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله (صلى الله عليه وآله)،
فهذا فصل بين الآل والأمة، لأن الله جعلهم في حيز، وجعل الناس كلهم في حيز
دون ذلك، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم فيه، وابتدأ بنفسه، ثم ثنى



(1) يس: 1 - 4.
(2) الصافات: 79.
(3) الصافات: 109.
(4) الصافات: 120.
(5) الصافات: 130.
(6) الأنفال: 41.
150
برسوله، ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه
عز وجل لنفسه ورضيه لهم، فقال وقوله الحق: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله
خمسه وللرسول ولذي القربى) فهذا توكيد مؤكد، وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في
كتاب الله الناطق (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد) (1).
وأما قوله: (واليتامى والمساكين) (2)، فإن اليتيم إذا انقطع يتمه، خرج من
المغانم، ولم يكن له نصيب، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته، لم يكن له نصيب
في المغنم، ولا يحل له أخذه، وسهم ذوي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني
والفقير، لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله (صلى الله عليه وآله)، فجعل لنفسه منها سهما،
ولرسوله (صلى الله عليه وآله) سهما، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم.
وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيه (صلى الله عليه وآله) رضيه لذي القربى، كما جاز لهم في
الغنيمة، فبدأ بنفسه، ثم برسوله (صلى الله عليه وآله)، ثم بهم، وقرن سهمهم بسهم الله وسهم
رسوله (صلى الله عليه وآله).
وكذلك في الطاعة، قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) (3) فبدأ بنفسه ثم برسوله (صلى الله عليه وآله) ثم بأهل بيته، وكذلك آية
الولاية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (4) فجعل ولايتهم مع طاعة



(1) فصلت: 42.
(2) الأنفال: 41.
(3) النساء: 59.
(4) المائدة: 55.
151
الرسول (صلى الله عليه وآله) مقرونة بطاعته، كما جعل سهمه مع سهم الرسول (صلى الله عليه وآله) مقرونا
بأسهمهم في الغنيمة والفيء، فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت!
فلما جاءت الصدقة نزه نفسه عز ذكره ونزه رسوله (صلى الله عليه وآله) ونزه أهل بيته
عنها، فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) (1) فهل تجد في شيء من
ذلك أنه جعل لنفسه سهما، أو لرسوله (صلى الله عليه وآله) أو لذي القربى، لأنه لما نزههم عن
الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله (صلى الله عليه وآله) ونزه أهل بيته، لا بل حرم عليهم، لأن الصدقة
محرمة على محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وهي أوساخ الناس لا تحل لهم، لأنهم
طهروا من كل دنس ووسخ، فلما طهرهم واصطفاهم، رضي لهم ما رضي لنفسه،
وكره لهم ما كره لنفسه.
وأما التاسعة: فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه: (فاسألوا أهل
الذكر إن كنتم لا تعلمون) (2).
فقال العلماء: إنما عنى بذلك اليهود والنصارى.
قال أبو الحسن (عليه السلام): وهل يجوز ذلك؟ إذن يدعونا إلى دينهم، ويقولون: إنه
أفضل من دين الإسلام!
فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن؟
قال (عليه السلام): نعم، الذكر: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أهل بيته، وذلك بين في كتاب
الله بقوله في سورة الطلاق: (فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم



(1) التوبة: 60.
(2) النحل: 43، والأنبياء: 7.
152
ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات) (1) فالذكر رسول الله ونحن أهله، فهذه
التاسعة.
أما العاشرة: فقول الله عز وجل في آية التحريم: (حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم) (2) إلى آخرها، أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو
ما تناسل من صلبي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا: لا.
قال (عليه السلام): فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان
حيا؟ قالوا: نعم.
قال: فقال (عليه السلام): ففي هذا بيان أنا من آله ولستم من آله، ولو كنتم من آله
لحرمت عليه بناتكم، كما حرمت عليه بناتي، لأني من آله وأنتم من أمته، وهذا فرق
بين الآل والأمة، لأن الآل منه، والأمة إذا لم تكن من الآل فليست منه، فهذه
العاشرة.
وأما الحادية عشرة: فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل:
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد
جاءكم بالبينات من ربكم) (3) الآية، وكان ابن خال فرعون، فنسبه إلى فرعون
بنسبه، ولم يضفه إليه بدينه، وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بولادتنا منه، وعممنا الناس بدينه، فهذا فرق ما بين الآل والأمة، فهذه الحادية
عشرة.



(1) الطلاق: 10 و 11.
(2) النساء: 23.
(3) المؤمن: 28.
153
وأما الثانية عشرة: فقوله: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (1) فخصنا
بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصنا دون الأمة، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يجيء إلى باب علي وفاطمة (عليهما السلام) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند
حضور كل صلاة خمس مرات فيقول: " الصلاة يرحمكم الله " وما أكرم أحدا من
ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصنا من جميع أهل بيته، فهذا
فرق ما بين الآل والأمة.
فقال المأمون والعلماء: جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن الأمة خيرا، فما نجد
الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلا عندكم (2).
أقول: وهل اعتبر المعتبرون؟
8 - وعن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما، وعنده علي
ابن موسى الرضا (عليه السلام)، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله
بعضهم، فقال له: يا بن رسول الله، بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟
قال (عليه السلام): بالنص والدليل.
قال له: فدلالة الإمام، فيما هي؟
قال (عليه السلام): في العلم واستجابة الدعوة.
قال: فما وجه إخباركم بما يكون.



(1) طه: 132.
(2) تحف العقول: 425 - 436، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 228 - 240، بحار الأنوار 25:
220 / 20.
154
قال (عليه السلام): ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟
قال (عليه السلام) له: أما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله): " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر
بنور الله "؟
قال: بلى.
قال (عليه السلام): وما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه، ومبلغ
استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين. وقال عز وجل
في محكم كتابه: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) (1)، فأول المتوسمين
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده، ثم الحسن والحسين والأئمة من ولد
الحسين إلى يوم القيامة.
قال: فنظر إليه المأمون، فقال له: يا أبا الحسن، زدنا مما جعل الله لكم أهل
البيت.
قال الرضا (عليه السلام): إن الله عز وجل قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة، ليست
بملك، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي مع الأئمة منا تسددهم
وتوفقهم، وهي عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل.
قال له المأمون: يا أبا الحسن، بلغني أن قوما يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم
الحد؟
فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن
أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي



(1) الحجر: 75.
155
ابن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله
تبارك وتعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، قال الله تبارك وتعالى: (ما كان
لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله
ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا
الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (1).
قال علي (عليه السلام): " يهلك في اثنان ولا ذنب لي: محب مفرط، ومبغض مفرط "،
وأنا أبرأ إلى الله تعالى ممن يغلو فينا، ويرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن
مريم (عليهما السلام) من النصارى، قال الله تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت
للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي
بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب
* ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم
فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) (2).
وقال عز وجل: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة
المقربون) (3).
وقال عز وجل: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) (4)، ومعناه أنهما كانا يتغوطان، فمن ادعى للأنبياء



(1) آل عمران: 79 - 80.
(2) المائدة: 116 - 117.
(3) النساء: 172.
(4) المائدة: 75.
156
ربوبية وادعى للأئمة ربوبية أو نبوة، أو لغير الأئمة إمامة، فنحن منه براء في الدنيا
والآخرة.
فقال المأمون: يا أبا الحسن، فما تقول في الرجعة؟
فقال الرضا (عليه السلام): إنها لحق، قد كانت في الأمم السالفة ونطق به القرآن، وقد
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يكون في هذه الأمة ما كان في الأمم السالفة، حذو النعل
بالنعل، والقذة بالقذة ". قال (عليه السلام): " إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن
مريم (عليه السلام) فصلى خلفه ".
وقال (عليه السلام): " إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء ". قيل:
يا رسول الله، ثم يكون ماذا؟ قال: " ثم يرجع الحق إلى أهله ".
فقال المأمون: يا أبا الحسن، فما تقول في القائلين بالتناسخ؟
فقال الرضا (عليه السلام): من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم، مكذب بالجنة
والنار.
قال المأمون: ما تقول في المنسوخ؟
قال الرضا (عليه السلام): أولئك قوم غضب الله عليهم فمسخهم فعاشوا ثلاثة أيام ثم
ماتوا، ولم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع
عليهم اسم المسوخية فهو مثل ما لا يحل أكلها والانتفاع بها.
قال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فوالله ما يوجد العلم الصحيح
إلا عند أهل هذا البيت، وإليك انتهت علوم آبائك، فجزاك الله عن الإسلام وأهله
خيرا.
قال الحسن بن الجهم: فلما قام الرضا (عليه السلام) تبعته، فانصرف إلى منزله،
فدخلت عليه وقلت له: يا بن رسول الله، الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي

157
أمير المؤمنين ما حمله على ما رأى من إكرامه لك وقبوله لقولك.
فقال (عليه السلام): يا بن الجهم، لا يغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني،
فإنه سيقتلني بالسم وهو ظالم إلي، إني أعرف ذلك بعهد معهود إلي من آبائي عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حيا.
قال الحسن بن الجهم: فما حدثت أحدا بهذا الحديث إلى أن مضى (عليه السلام)
بطوس مقتولا بالسم، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها قبر
هارون الرشيد إلى جانبه (1).
9 - وعن محمد بن يحيى الصولي، قال: كان المأمون في باطنه يحب سقطات
الرضا (عليه السلام)، وأن يعلوه المحتج، وإن أظهر غير ذلك، فاجتمع عنده الفقهاء
والمتكلمون، فدسوا إليهم أن ناظروه في الإمامة.
فقال لهم الرضا (عليه السلام): اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه، فرضوا
برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي، ولم يكن بخراسان مثله.
فقال له الرضا (عليه السلام): يا يحيى، سل عما شئت.
فقال: نتكلم في الإمامة، كيف ادعيت لمن لم يؤم وتركت من أم ووقع الرضا
به؟
فقال (عليه السلام) له: يا يحيى أخبرني عمن صدق كاذبا على نفسه، أو كذب صادقا
على نفسه، أيكون محقا مصيبا، أو مبطلا مخطئا؟ فسكت يحيى، فقال له المأمون:
أجبه. فقال: يعفيني أمير المؤمنين من جوابه.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 200 / 1.
158
فقال المأمون: يا أبا الحسن، عرفنا الغرض من هذه المسألة.
فقال (عليه السلام): لا بد ليحيى من أن يخبر عن أئمته أنهم كذبوا على أنفسهم أو
صدقوا؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذاب، وإن زعم أنهم صدقوا فقد قال
أولهم: " وليتكم وليس بخيركم "، وقال تاليه: " كانت بيعته فلتة، فمن عاد لمثلها
فاقتلوه "، فوالله ما رضي لمن فعل مثل فعلهم إلا بالقتل، فمن لم يكن بخير الناس،
والخيرية لا تقع إلا بنعوت، منها: العلم، ومنها الجهاد، ومنها سائر الفضائل،
وليست فيه، ومن كانت بيعته فلتة يجب القتل على من فعل مثلها، كيف يقبل عهده
إلى غيره وهذه صورته؟! ثم يقول على المنبر: " إن لي شيطانا يعتريني، فإذا مال
بي فقوموني، وإذا أخطأت فأرشدوني " فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا،
فما عند يحيى في هذا جواب؟ فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا الحسن، ما في
الأرض من يحسن هذا سواك (1)!
أجوبته (عليه السلام) في العقائد:
1 - عن إبراهيم بن محمود، قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله،
ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " إن الله
تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا "؟
فقال (عليه السلام): لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كذلك، إنما قال (صلى الله عليه وآله): " إن الله تعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث
الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 231 / 1، مناقب ابن شهرآشوب 4: 351.
159
تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر
أقصر، فلا يزال ينادي بذلك حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من
ملكوت السماء "، حدثني بذلك أبي، عن جدي، عن آبائه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
2 - وعن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته
فقلت: الله فوض الأمر إلى عباده؟ قال: الله أعز من ذلك.
قلت: فأجبرهم على المعاصي؟ قال: الله أعدل وأحكم من ذلك.
ثم قال: قال الله عز وجل: يا بن آدم، أنا أولى بحسناتك منك، وأنت أولى
بسيئاتك مني، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك (2).
3 - وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة
شيئا، ولا تقبلوا له شهادة، فإن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها،
ولا يحملها فوق طاقتها، ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر
أخرى (3).
4 - وقال (عليه السلام)، وقد ذكر عنده الجبر والتفويض، فقال: ألا أعطيكم في هذه
أصلا لا تختلفون فيه، ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه؟ قلنا: إن رأيت ذلك.



(1) كشف الغمة 3: 75.
(2) كشف الغمة 3: 79.
(3) كشف الغمة 3: 79.
160
فقال (عليه السلام): إن الله عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في
ملكه، وهو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد
بالطاعة لم يكن الله عنها صادا، ولا منها مانعا، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول
بينهم وبين ذلك فعل، فإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيها.
ثم قال (عليه السلام): من يضبط حدود هذا الكلام، فقد خصم من خالفه (1).
5 - وعن يزيد بن عمير الشامي، أنه قال: دخلت على علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) بمرو، فقلت له: يا بن رسول الله، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد،
أنه قال: " لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين "، ما معنى ذلك؟
فقال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، ومن زعم
أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر
كافر، والقائل بالتفويض مشرك.
فقلت: يا ابن رسول الله، فما أمر بين الأمرين؟
فقال: وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه.
فقلت: وهل لله مشيئة وإرادة في ذلك؟
فقال: أما الطاعات فإرادة الله ومشيئته فيها الأمر بها والعون عليها،
وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها.
قلت: فلله عز وجل فيها القضاء؟
قال: نعم، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قضاء.



(1) كشف الغمة 3: 79.
161
قلت: ما معنى هذا القضاء؟ قال: الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب
والعقاب في الدنيا والآخرة (1).
6 - وعن كتاب (نثر الدر): سأل الفضل بن سهل علي بن موسى
الرضا (عليهما السلام) في مجلس المأمون، فقال: يا أبا الحسن، الناس مجبرون؟ فقال: الله
أعدل من أن يجبر ثم يعذب. قال: فمطلقون؟ قال: الله أحكم من أن يهمل عبده
ويكله إلى نفسه (2).
7 - وفي (تهذيب التهذيب): قال المبرد عن أبي عثمان المازني: سئل علي بن
موسى الرضا (عليه السلام): يكلف الله العباد ما لا يطيقون؟ قال: هو أعدل من ذلك. قال:
يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال: هم أعجز من ذلك (3).
8 - وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال:
قلت له: يا ابن رسول الله، إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي
من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة (عليهم السلام).
فقال له: يا بن خالد، أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي في الجبر



(1) الاحتجاج 2: 397 / 304، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 124 / 17 عن يزيد بن عمير بن
معاوية الشامي.
(2) بحار الأنوار 49: 172 / 9.
(3) تهذيب التهذيب 7: 387 / 627.
162
والتشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك.
فقلت: بل ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك أكثر.
قال: فليقولوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول بالتشبيه والجبر إذن.
قلت له: إنهم يقولون إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقل شيئا من ذلك، وإنما روي
عليه.
قال (عليه السلام): فليقولوا في آبائي الأئمة: إنهم لم يقولوا شيئا من ذلك، وإنما روي
عليهم.
ثم قال: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر ومشرك، ونحن براء منه في الدنيا
والآخرة. يا بن خالد، إنما وضع الأخبار عنا في الجبر والتشبيه الغلاة الذين صغروا
عظمة الله، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، ومن والاهم فقد
عادانا، ومن عاداهم فقد والانا، ومن وصلهم فقد قطعنا، ومن جفاهم فقد برنا،
ومن أهانهم فقد أكرمنا، ومن قبلهم فقد ردنا، ومن ردهم فقد قبلنا، ومن أحسن
إليهم فقد أساء إلينا، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا، ومن صدقهم فقد كذبنا، ومن
كذبهم فقد صدقنا، ومن أعطاهم فقد حرمنا، ومن حرمهم فقد أعطانا.
يا بن خالد، من كان من شيعتنا، فلا يتخذ منهم وليا ولا نصيرا (1).
9 - وعن الحسين بن خالد أيضا، أنه قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، إن
الناس يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إن الله خلق آدم على صورته "؟
فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا أول الحديث، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر برجلين



(1) بحار الأنوار 5: 52 / 88.
163
يتسابان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك. فقال
له: يا عبد الله، لا تقل هذا لأخيك، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته (1).
في أجوبة شتى:
1 - سأله رجل وهو في الطواف، أخبرني عن الجواد؟ فقال: إن لكلامك
وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي يؤدي ما افترض الله
عليه، وإن تكن تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، إن أعطى
عبدا أعطاه ما ليس له، وإن منع منع ما ليس له (2).
2 - وفي (المناقب): سئل الرضا (عليه السلام) عن طعم الخبز والماء.
فقال (عليه السلام): طعم الماء طعم الحياة، وطعم الخبز طعم العيش (3).
3 - وفيه، عن أبي إسحاق الموصلي، قال: إن قوما من ما وراء النهر سألوا
الرضا (عليه السلام) عن الحور العين، مم خلقن؟ وعن أهل الجنة إذا دخلوها أول
ما يأكلون؟ وعن معتمد رب العالمين، أين كان؟ وكيف كان إذ لا أرض ولا سماء
ولا شيء؟
فقال (عليه السلام): أما الحور العين فإنهن خلقن من الزعفران والتراب لا يفنين.



(1) بحار الأنوار 4: 11 / 1.
(2) كشف الغمة 3: 79.
(3) المناقب 4: 353، بحار الأنوار 49: 99 / 15.
164
وأما أول ما يأكل أهل الجنة، فإنهم يأكلون أول ما يدخلونها من كبد الحوت التي
عليها الأرض، وأما معتمد الرب عز وجل، فإنه أين الأين، وكيف الكيف، وإن
ربي بلا أين ولا كيف، وكان معتمده على قدرته سبحانه وتعالى (1).
4 - وفيه عن الأشعث بن حاتم، قال: سئل الرضا (عليه السلام) بمرو على مائدة عليها
المأمون والفضل: النهار خلق قبل أم الليل؟
قال (عليه السلام): أمن القرآن، أم من الحساب؟ فقال الفضل: من كليهما.
فقال (عليه السلام): قد علمت أن طالع الدنيا السرطان، والكواكب في موضع شرفها،
فزحل في الميزان، والمشتري في السرطان، والشمس في الحمل، والقمر في الثور،
فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشرة في وسط السماء، ويوجب ذلك
أن النهار خلق قبل الليل.
وأما دليل ذلك من القرآن فقوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر
ولا الليل سابق النهار) (2).
وروى ابن شعبة في (تحف العقول) نحوه (3).
5 - وعن أحمد بن محمد بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثني أبي قال: حلف
رجل بخراسان بالطلاق أن معاوية ليس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام كان



(1) المناقب 4: 355، بحار الأنوار 8: 122 / 14، و 10: 349 / 8.
(2) المناقب 4: 353، بحار الأنوار 78: 340 / 40، والآية من سورة يس: 40.
(3) تحف العقول: 447.
165
الرضا (عليه السلام) بها، فأفتى الفقهاء بطلاقها. فسئل الرضا (عليه السلام)، فأفتى أنها لا تطلق.
فكتب الفقهاء رقعة وأنفذوها إليه، وقالوا له: من أين قلت يا بن رسول الله أنها
لا تطلق؟
فوقع (عليه السلام) في رقعتهم: قلت هذا من روايتكم عن أبي سعيد الخدري أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لمسلمة يوم الفتح وقد كثروا عليه: " أنتم خير، وأصحابي
خير، ولا هجرة بعد الفتح ". فأمطل الهجرة، ولم يجعل هؤلاء أصحابا له، قال:
فرجعوا إلى قوله (1).
هذا ملخص ما نقلنا من مناظرات الإمام (عليه السلام) واحتجاجاته، حينما وصل
خراسان.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 87 / 34.
166
الفصل السادس
معاجزه وكراماته (عليه السلام)
ذكر أصحاب السير والتأريخ من العامة والخاصة في كتبهم وموسوعاتهم
التأريخية الكثير من معاجز الإمام الرضا (عليه السلام) وبراهينه وآياته الساطعة في شتى
الموضوعات سواء كانت في حياته (عليه السلام) أو بعد شهادته على مدى الدهور والعصور.
ونحن إذ نذكر شذرات منها على سبيل المثال لا الحصر للدلالة على ما يتمتع
به (عليه السلام) من القداسة، والقرب، والكرامة عند الله سبحانه وتعالى.
1 - في ظهور آياته في الاستسقاء:
عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن
الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي النقي (عليهم السلام)،
قال: إن الرضا (عليه السلام) لما جعله المأمون ولي عهده، جعل بعض حاشية المأمون
والمتعصبين على الرضا (عليه السلام) يقولون: انظروا إلى الذي جاءنا من علي بن موسى
الرضا ولي عهدنا، فحبس الله عز وجل علينا المطر.
واتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه، فقال للرضا (عليه السلام): لو دعوت الله
عز وجل أن يمطر للناس. فقال: نعم. قال: ومتى تفعل ذلك؟ وكان ذلك يوم

167
الجمعة، فقال: يوم الاثنين، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه
أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا بني، انتظر يوم الاثنين، وابرز إلى الصحراء واستسق،
فإن الله عز وجل يسقيهم، وأخبرهم بما يريك الله مما لا يعلمون كي يزداد علمهم
بفضلك ومكانك من ربك عز وجل.
فلما كان يوم الاثنين عمد إلى الصحراء، وخرج الخلائق ينظرون، فصعد
المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم يا رب، إنك عظمت حقنا أهل البيت،
وتوسلوا بنا كما أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا إحسانك ونعمتك،
فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث (1) ولا ضائر. وليكن ابتداء مطرهم بعد
انصرافهم من مشهدهم هذا إلى مستقرهم ومنازلهم.
قال: فوالذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق نبيا، لقد هبت الرياح والغيوم،
وأرعدت وأبرقت، وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر.
فقال الرضا (عليه السلام): على رسلكم أيها الناس، فليس هذا الغيم لكم، إنما هي
لبلد كذا، فمضت السحابة وعبرت.
فجاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق، فتحرك الناس، فقال: على
رسلكم، فما هذه لكم إنما هي لبلد كذا. فمضت، فما زال كذلك حتى جاءت عشر
سحائب وعبرت، وهو يقول: إنما هي لكذا.
ثم أقبلت سحابة جارية، فقال: أيها الناس، هذه بعثها الله لكم، فاشكروا الله
على فضله عليكم، وقوموا إلى منازلكم ومقاركم، فإنها مسامتة لرؤوسكم، ممسكة
عنكم إلى أن تدخلوا مقاركم، ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله وجلاله.



(1) أي: غير بطيء.
168
ونزل عن المنبر وانصرف الناس، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من
منازلهم، ثم جاءت بوابل مطر، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات،
وجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كنز آيات الله (1).
2 - في استجابة دعواته (عليه السلام):
1 - روى محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن محمد بن الفضيل، قال:
لما كان في السنة التي بطش فيها هارون بآل برمك، بدأ بجعفر بن يحيى، وحبس
يحيى بن خالد، ونزل بالبرامكة ما نزل، كان الرضا (عليه السلام) واقفا بعرفة يدعو، ثم
طأطأ رأسه حتى كادت جبهته تصيب قادمة الرحل، ثم رفع رأسه، فسئل عن ذلك
فقال: إني كنت أدعو على هؤلاء القوم - يعني البرامكة - منذ فعلوا بأبي ما فعلوا،
فاستجاب الله لي اليوم فيهم. فلما انصرفنا لم نلبث إلا أياما حتى بطش بجعفر،
وحبس يحيى، وتغيرت أحوالهم (2).
2 - وعن موسى بن عمر بن بزيع، قال: كان عندي جاريتان حاملتان،
فكتبت إلى الرضا (عليه السلام) أعلمه ذلك، وأسأله أن يدعو الله أن يجعل ما في بطونهما
ذكرين، وأن يهب لي ذلك. قال: فوقع (عليه السلام): أفعل إن شاء الله.



(1) الثاقب في المناقب: 467 / 394، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 167 / 1، المناقب 4:
370، دلائل الإمامة: 192، بحار الأنوار 5: 155 / 7، و 49: 180 / 16.
(2) دلائل الإمامة: 190، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 225 / 1، البحار 49: 85 / 4، العوالم
22: 161 / 2.
169
ثم ابتدأني (عليه السلام) بكتاب مفرد نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياك بأحسن عافية في الدنيا
والآخرة برحمته، الأمور بيد الله تعالى، يمضي فيها مقاديره على ما يحب، يولد
لك غلام وجارية إن شاء الله، فسم الغلام محمدا، والجارية فاطمة على بركة الله
تعالى.
قال: فولد لي غلام وجارية على ما قال (عليه السلام) (1).
3 - وعن محمد بن إسحاق الكوفي، عن عمه أحمد بن عبد الله بن حارثة
الكرخي، قال: كان لا يعيش لي ولد، وتوفي لي بضعة عشر من الولد، فحججت
ودخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فخرج إلي وهو متزر بإزار مورد، فسلمت
عليه، وقبلت يده، وسألته عن مسائل، ثم شكوت إليه بعد ذلك ما ألقى من قلة بقاء
الولد، فأطرق طويلا ودعا مليا، ثم قال لي: إني لأرجو أن تنصرف ولك حمل، وأن
يولد لك ولد بعد ولد، وتمتع بهم أيام حياتك، فإن الله تعالى إذا أراد أن يستجيب
الدعاء فعل، وهو على كل شيء قدير.
قال: فانصرفت من الحج إلى منزلي، فأصبت أهلي - ابنة خالي - حاملا،
فولدت لي غلاما سميته إبراهيم، ثم حملت بعد ذلك، فولدت غلاما سميته محمدا،
وكنيته بأبي الحسن، فعاش إبراهيم نيفا وثلاثين سنة، وعاش أبو الحسن أربعا
وعشرين سنة، ثم إنهما اعتلا جميعا، وخرجت حاجا، وانصرفت وهما عليلان،
فمكثا بعد قدومي شهرين، ثم توفي إبراهيم في أول الشهر، وتوفي محمد في



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 218 / 3، البحار 49: 38 / 23، العوالم 22: 89 / 37.
170
آخر الشهر، ثم مات بعدهما بسنة ونصف، ولم يكن يعيش له قبل ذلك ولد إلا
أشهرا (1).
4 - وعن أحمد بن محمد بن إسحاق الخراساني، قال: سمعت علي بن حمد
النوفلي يقول: استحلف الزبير بن بكار رجل من الطالبيين على شيء بين القبر
والمنبر، فحلف فبرص، وأنا رأيته وبساقيه وقدميه برص كثير، وكان أبوه بكار قد
ظلم الرضا (عليه السلام) في شيء، فدعا عليه، فسقط في وقت دعائه عليه حجر من قصر،
فاندقت عنقه (2).
5 - وعن داود بن محمد النهدي، عن بعض أصحابنا، قال: دخل ابن
أبي سعيد المكاري على الرضا (عليه السلام) فقال له: أبلغ الله من قدرك أن تدعي ما ادعى
أبوك؟!
فقال له (عليه السلام): ما لك أطفأ الله نورك، وأدخل الفقر بيتك، أما علمت أن الله
تعالى أوحى إلى عمران (عليه السلام): أني واهب لك ذكرا، فوهب له مريم، ووهب لمريم
عيسى (عليه السلام)، فعيسى من مريم، ومريم من عيسى، وعيسى ومريم (عليهما السلام) شيء
واحد، وأنا من أبي وأبي مني، وأنا وأبي شيء واحد.
فقال له ابن أبي سعيد: فأسألك عن مسألة؟
فقال: لا أخالك تقبل مني، ولست من غنمي، ولكن هلمها.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 222 / 42، البحار 49: 43 / 34، العوالم 22: 95 / 48.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 224 / 1، البحار 49: 84 / 3.
171
فقال: قال رجل عند موته: كل مملوك لي قديم، فهو حر لوجه الله تعالى.
فقال: نعم، إن الله تعالى يقول في كتابه: (حتى عاد كالعرجون القديم) (1)
فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر.
قال: فخرج الرجل، فافتقر حتى مات، ولم يكن عنده مبيت ليلة (2).
3 - في علمه (عليه السلام) بالمنايا والبلايا:
1 - من ذلك ما أورده الحاكم ورواه بإسناده، عن سعد بن سعد، عن
الرضا (عليه السلام)، أنه نظر إلى رجل، فقال له: يا عبد الله، أوص بما تريد، واستعد
لما لا بد منه، فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيام (3).
2 - وعن يحيى بن محمد بن جعفر، قال: مرض أبي مرضا شديدا، فأتاه
الرضا (عليه السلام) يعوده، وعمي إسحاق جالس يبكي، فالتفت إلي وقال: ما يبكي
عمك؟ قلت: يخاف عليه ما ترى. قال: فقال لي: لا تغتمن، فإن إسحاق سيموت
قبله. قال: فبرئ أبي محمد، ومات إسحاق (4).



(1) يس: 39.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 308 / 71، البحار 49: 81 / 1، و 49: 270 / 14.
(3) إعلام الورى: 322، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 223 / 43، البحار 49: 43 / 35،
العوالم 22: 95 / 49.
(4) إعلام الورى: 322، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 206 / 6، البحار 49: 32 / 7، العوالم
22: 79 / 22.
172
3 - وعن الحسين بن بشار، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): إن عبد الله يقتل
محمدا، فقلت: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون!
فقال لي: نعم، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد،
فقتله (1).
4 - وبإسناده عن موسى بن مهران، قال: رأيت الرضا (عليه السلام) وقد نظر إلى
هرثمة بالمدينة، فقال: كأني به وقد حمل إلى مرو، فضرب عنقه، فكان كما قال (2).
5 - وعن جعفر بن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) وهو بقنطرة أربق،
فسلمت عليه، ثم جلست وقلت: جعلت فداك، إن أناسا يزعمون أن أباك حي،
فقال: كذبوا لعنهم الله، لو كان حيا ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه والله
ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فقلت له: فما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فإني
ذاهب في وجه لا أرجع منه، بورك قبر بطوس، وقبران ببغداد. قلت: جعلت
فداك، وقد عرفنا واحدا، فما الثاني؟ قال: ستعرفونه.



(1) إعلام الورى: 323، دلائل الإمامة: 186، المناقب 4: 335، البحار 49: 34 / 12،
العوالم 22: 82 / 26، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 12.
(2) إعلام الورى: 323، دلائل الإمامة: 190، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 14،
البحار 49: 34 / 14.
173
ثم قال: قبري وقبر هارون هكذا، وضم بإصبعيه (1).
6 - وعن حمزة بن جعفر الأرجاني، قال: خرج هارون من المسجد الحرام
مرتين، وخرج الرضا (عليه السلام) مرتين، ويقول: ما أبعد الدار، وأقرب اللقاء يا طوس
يا طوس يا طوس! ستجمعني وإياه (2).
7 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): إني حيث أرادوا
الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، وأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت
فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: إني لا أرجع إلى عيالي أبدا (3).
8 - وعن الحسن الوشاء أيضا، عن مسافر، قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) بمنى،
فمر به يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فغطى وجهه من الغبار، فقال
الرضا (عليه السلام): مساكين هؤلاء، لا يدرون ما يحل في هذه السنة! ثم قال: وأعجب من
هذا هارون وأنا كهاتين - وضم بين إصبعيه -.
قال مسافر: فما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه (4).



(1) إعلام الورى: 324، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 23، بحار الأنوار 49: 285 / 6.
(2) إعلام الورى: 324، بحار الأنوار 49: 115 / 6، العوالم 22: 223 / 1.
(3) إعلام الورى: 325، كشف الغمة 3: 95، الخرائج والجرائح 1: 363 / 19، البحار 49:
52 / 58.
(4) إعلام الورى: 325، الكافي 1: 410 / 9، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 225 / 2، و 226
/ 1 و 2، المناقب 4: 340، البحار 49: 44 / 36، العوالم 22: 96 / 50، و 112 / 83.
174
9 - وعن علي بن إبراهيم، عن ياسر، قال: لما عزم المأمون على الخروج من
خراسان إلى بغداد، خرج وخرج معه الفضل بن سهل ذو الرئاستين، وخرجنا مع
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن بن سهل
ونحن في بعض المنازل: إني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنك تذوق في شهر
كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار، وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين
والرضا الحمام في هذا اليوم، وتحتجم فيه، وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه.
فكتب ذو الرئاستين إلى المأمون بذلك، فسأله أن يسأل أبا الحسن (عليه السلام) ذلك،
فكتب المأمون إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله فيه، فأجابه أبو الحسن: لست بداخل
الحمام غدا، فأعاد عليه الرقعة مرتين، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): لست داخلا
الحمام غدا، فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه الليلة، فقال لي: يا علي، لا تدخل
الحمام غدا، فلا أرى لك - يا أمير المؤمنين - ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا.
فكتب إليه المأمون: صدقت - يا أبا الحسن - وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لست
بداخل الحمام غدا، والفضل أعلم.
قال: فقال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس، قال لنا الرضا (عليه السلام):
قولوا: نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة. فلم نزل نقول ذلك، فلما صلى
الرضا (عليه السلام) الصبح قال لي: إصعد السطح، استمع هل تجد شيئا؟ فلما صعدت
سمعت الضجة، وكثرت وزادت، فلم نشعر بشيء فإذا نحن بالمأمون قد دخل
من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) وهو يقول: يا سيدي،
يا أبا الحسن، آجرك الله في الفضل، فإنه دخل الحمام ودخل عليه قوم بالسيوف
فقتلوه، وأخذ ممن دخل عليه ثلاثة نفر، أحدهم ابن خاله الفضل بن ذي القلمين.

175
قال: واجتمع الجند والقواد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون،
فقالوا: هو اغتاله، وشغبوا عليه وطلبوا بدمه، وجاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب،
فقال المأمون لأبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي، نرى أن تخرج إليهم وترفق بهم حتى
يتفرقوا. قال: نعم، وركب أبو الحسن (عليه السلام) وقال لي: يا ياسر اركب، فركبت،
فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس، وقد ازدحموا عليه، فقال لهم بيده:
تفرقوا.
قال ياسر: فأقبل الناس والله يقع بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد إلا
ركض ومضى لوجهه (1).
10 - وعن معلى بن محمد، عن مسافر، قال: لما أراد هارون بن المسيب أن
يواقع محمد بن جعفر، قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إذهب إليه وقل له: لا تخرج
غدا، فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك، فإن قال لك: من أين علمت
هذا؟ فقل: رأيت في النوم.
قال: فأتيته فقلت له: جعلت فداك، لا تخرج غدا، فإنك إن خرجت هزمت
وقتل أصحابك. فقال لي: من أين علمت؟ قلت: في النوم. قال: نام العبد
ولم يغسل استه. ثم خرج فانهزم وقتل أصحابه (2).



(1) الإرشاد 2: 266، الكافي 1: 409 / 8، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159 / 24، البحار
49: 170 / 6.
(2) الإرشاد 2: 267، الكافي 1: 410 / 9، المناقب 4: 339، البحار 49: 57 / 71، العوالم
22: 99 / 56.
176
11 - وعن محمد بن الوليد، عن أبي محمد الكوفي، قال: دخلت على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: فأقبل يحدثني ويسألني، إذ قال: يا أبا محمد، ما ابتلى
الله عبدا مؤمنا ببلية فصبر عليها إلا كان له مثل أجر ألف شهيد. قال: ولم يكن ذلك
في ذكر شيء من العلل، فأنكرت ذلك من قوله، أن حدثني بالوجع في غير موضعه.
قال: فسلمت عليه وودعته، ثم خرجت من عنده، فلحقت أصحابي، وقد
رحلوا، فاشتكيت رجلي من ليلتي. قال: فقلت: هذا لما تعبت، فلما كان من الغد
تورمت. قال: ثم أصبحت وقد اشتد الورم، وضرب علي في الليل، فذكرت قوله،
فلما وصلت إلى المدينة جرى منه القيح، وصار جرحا عظيما، لا أنام ولا أقيم،
فعلمت أنه حدثني لهذا المعنى؛ فبقي بضعة عشر شهرا صاحب فراش، ثم أفاق، ثم
نكس منها فمات (1).
12 - وعن محمد بن محمد بن مسعود الربعي السمرقندي، قال: حدثني
عبد الله بن الحسن، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: وجه إلي أبو الحسن علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) ونحن بخراسان ذات يوم بعد صلاة العصر، فلما دخلت إليه قال
لي: يا حسن، توفي علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم، وأدخل قبره في هذه
الساعة، فأتاه ملكا القبر، فقالا له: من ربك؟ فقال: الله ربي. قالا: فمن نبيك؟
قال: محمد. قالا: فما دينك؟ قال: الإسلام. قالا: فما كتابك؟ قال: القرآن.
قالا: فمن وليك؟ قال: علي. قالا: ثم من؟ قال: ثم الحسن. قالا: ثم من؟



(1) دلائل الإمامة: 184.
177
قال: ثم الحسين. قالا: ثم من؟ قال: ثم علي بن الحسين. قالا: ثم من؟ قال:
ثم محمد بن علي. قالا: ثم من؟ قال: ثم جعفر بن محمد. قالا: ثم من؟ قال:
ثم موسى بن جعفر. قالا: ثم من؟ فتلجلج لسانه، فأعادا عليه، فسكت. قالا له:
أفموسى بن جعفر أمرك بهذا؟ ثم ضرباه بمرزبة (1)، فألقياه على قبره، فهو يلهب
إلى يوم القيامة.
قال الحسن بن علي: فلما خرجت كتبت اليوم ومنزلته في الشهر، فما مضت
الأيام حتى وردت علينا كتب الكوفيين بأن علي بن أبي حمزة توفي في ذلك اليوم،
وأدخل قبره في الساعة التي قال أبو الحسن (عليه السلام) (2).
13 - وعن داود الرقي، قال: قلت لأبي الحسن في السنة التي مات فيها
هارون، أنه قد دخل في الأربع والعشرين، وأخاف أن يطول عمره. فقال: كلا
والله، إن أيادي الله عندي وعند آبائي قديمة، لن يبلغ الأربع والعشرين سنة (3).
14 - وعن مسافر مولى أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أمر أبو إبراهيم (عليه السلام) حين
أخرج به أبا الحسن الرضا (عليه السلام) أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا إلى أن
يأتيه خبره.
قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) في الدهليز، ثم يأتي بعد



(1) المرزبة: عصا من حديد، والمطرقة الكبيرة تكسر بها الحجارة.
(2) دلائل الإمامة: 185، المناقب 4: 337، البحار 49: 58، العوالم 22: 111 / 80.
(3) دلائل الإمامة: 189، العوالم 22: 123 / 11.
178
العشاء فينام، فإذا أصبح انصرف إلى منزله، قال: فمكث على هذه الحال أربع
سنين.
فلما كان في ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له، فلم يأت كما كان يأتي،
فاستوحش العيال وذعروا، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه، فلما كان من الغد أتى
الدار ودخل إلى العيال، وقصد إلى أم أحمد، فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي،
فصرخت ولطمت وجهها، وشقت جيبها، وقالت: مات والله سيدي، فكفها وقال
لها: لا تكلمي بشيء ولا تظهريه حتى يجيء الخبر إلى الوالي.
فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار، أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع
إليه دون غيره، وقالت: إنه قال لي فيما بيني وبينه، وكانت أثيرة (1) عنده: " احتفظي
بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحدا حتى أموت، فإذا مضيت فمن أتاك من
ولدي فطلبها منك، فادفعيها إليه، واعلمي أني قد مت "، وقد جاءتني والله علامة
سيدي.
فقبض (عليه السلام) ذلك منها، وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر، وانصرف
فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل، فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جاءت
الخريطة (2) بنعيه، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت، فإذا هو قد مات في الوقت الذي
فعل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ما فعل من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض (3).



(1) أي: مفضلة وراجحة على غيرها.
(2) الخريطة: كيس تصان فيه الكتب.
(3) دلائل الإمامة: 189، الكافي 1: 381 / 6، بحار الأنوار 48: 246 / 53، و 49: 71 /
94.
179
15 - وروي عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن محمد بن الفضيل، أنه
قال:
نزلت ببطن مر (1) فأصابني العرق المديني في جنبي وفي رجلي، فدخلت على
الرضا (عليه السلام) بالمدينة. فقال: ما لي أراك متوجعا؟ فقلت: إني لما أتيت بطن مر
أصابني العرق المديني في جنبي وفي رجلي.
فأشار (عليه السلام) إلى الذي في جنبي تحت الإبط، وتكلم بكلام وتفل عليه. ثم
قال (عليه السلام): ليس عليك بأس من هذا، ونظر إلى الذي في رجلي، فقال: قال
أبو جعفر (عليه السلام): من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر، كتب الله عز وجل له مثل أجر ألف
شهيد.
فقلت في نفسي: لا أبرأ والله من رجلي أبدا. قال الهيثم: فما زال يعرج منها
حتى مات (2).
16 - وعن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: كتب إليه (عليه السلام) علي بن الحسين بن
عبد الله يسأله الدعاء في زيادة عمره، حتى يرى ما يحب، فكتب إليه في جوابه:
تصير إلى رحمة الله خير لك، فتوفي الرجل بالخزيمية (3).



(1) بطن مر: من نواحي مكة.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 39، البحار 49: 42 / 31، العوالم 22: 93 / 45.
(3) رجال الكشي: 510 / 985، البحار 49: / 66 85، والخزيمية: منزلة من منازل الحاج،
بين الأجفر والثعلبية.
180
17 - وعن محمد بن عيسى، عن موسى بن مهران، أنه كتب إلى الرضا (عليه السلام)
يسأله أن يدعو الله لابن له، فكتب (عليه السلام) إليه: وهب الله لك ذكرا صالحا، فمات ابنه
ذلك، وولد له ابن (1).
18 - وعن موسى بن مهران، قال: رأيت علي بن موسى (عليه السلام) في مسجد
المدينة وهارون يخطب، فقال: تروني وإياه ندفن في بيت واحد (2).
19 - وعن النضر بن سويد، قال: كان أبي مريضا، فدخلت المدينة على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام). فقلت له: جعلت فداك، إني خلفت أبي بالكوفة مريضا،
فقال لي: آجرك الله، فلما قدمت الكوفة، وجدت أبي قد مات قبل مسألتي إياه
عن الدعاء له بالعافية (3).
4 - في علمه بالمغيبات وما يكون:
1 - عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، قال: خرج الرضا (عليه السلام) من
المدينة في السنة التي خرج فيها هارون، وهو يريد الحج، وانتهى إلى جبل عن يسار
الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، يقال له (فارع) فنظر إليه وقال: باني فارع وهادمه



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 38، البحار 49: 42 / 30، العوالم 22: 92 / 44.
(2) البحار 49: 63، إثبات الوصية: 202، العوالم 22: 114 / 88.
(3) الهداية الكبرى: 290، العوالم 22: 122 / 8.
181
يقطع إربا إربا، فلم أدر ما معنى ذلك.
فلما وافى هارون نزل بذلك الموضع من الجبل، وصعد جعفر بن يحيى ذلك
الموضع من الجبل، وأمر أن يبنى له فيه مجلس، فلما رجع من مكة صعد إليه وأمر
بهدمه، فلما انصرف إلى العراق قطع إربا إربا (1).
2 - وعن علي بن أحمد الوشاء الكوفي، قال: خرجت من الكوفة
إلى خراسان، فقالت لي ابنتي: يا أبه، خذ هذه الحلة فبعها، واشتر لي بثمنها
فيروزجا.
قال: فأخذتها وشددتها في بعض متاعي، وقدمت مرو، فنزلت في بعض
الفنادق، فإذا غلمان علي بن موسى - المعروف بالرضا (عليه السلام) - قد جاؤوني، وقالوا:
نريد حلة نكفن بها بعض علمائنا. فقلت: ما هي عندي.
فمضوا ثم عادوا، وقالوا: مولانا يقرأ عليك السلام، ويقول لك: معك حلة في
السفط الفلاني، دفعتها إليك ابنتك، وقالت: اشتر لي بثمنها فيروزجا، وهذا ثمنها،
فدفعتها إليهم، وقلت: والله لأسألنه عن مسائل، فإن أجابني عنها فهو هو، فكتبتها
وعدوت إلى بابه، فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس، فبينما أنا جالس إذ خرج إلي
خادم، فقال: يا علي بن أحمد، هذه جوابات مسائلك التي جئت فيها، فأخذتها
منه، فإذا هي جوابات مسائلي بعينها (2).



(1) الثاقب في المناقب: 498 / 430، الكافي 1: 407 / 5، المناقب 4: 340، الإرشاد 2:
257، البحار 49: 56 / 70.
(2) إعلام الورى: 321، دلائل الإمامة: 190.
182
3 - وعن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسين بن موسى بن جعفر، قال:
كنا حول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ونحن شبان من بني هاشم، إذ مر علينا جعفر بن
عمر العلوي، وهو رث الهيئة، فنظر بعضنا إلى بعض، وضحكنا من هيئته، فقال
الرضا (عليه السلام): سترونه من قريب كثير المال كثير التبع، فما مضى إلا شهر أو نحوه حتى
ولي المدينة، وحسنت حاله، فكان يمر بنا ومعه الخصيان والحشم (1).
4 - وعن عبد الرحمن بن أبي نجران، وصفوان بن يحيى، قالا: جاءنا الحسين
ابن قياما الواسطي - وكان من رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له الرضا (عليه السلام)
ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟ قال: نعم. قال: إني أشهد الله أنك
لست بإمام.
قال: فنكت طويلا في الأرض منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه فقال له:
ما علمك أني لست بإمام؟ قال: لأنا روينا عن أبي عبد الله أن الإمام لا يكون
عقيما، وأنت قد بلغت هذه السن وليس لك ولد.
قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، وقال: إني أشهد
والله أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني.
قال عبد الرحمن: فعددنا الشهر من الوقت الذي قال، فوهب الله له أبا جعفر
في أقل من سنة (2).



(1) إعلام الورى: 323، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 208 / 11، البحار 49: 33 / 11،
العوالم 22: 81 / 15.
(2) إعلام الورى: 323، دلائل الإمامة: 186، ونحوه في الكافي 1: 320 / 4.
183
5 - وبإسناده، عن الحسن بن موسى، قال: خرجنا مع أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) إلى بعض أملاكه في يوم لا سحاب فيه، فلما برزنا، قال: هل حملتم
معكم المماطر؟ قلنا: لا، وما حاجتنا إلى الممطر وليس سحاب، ولا نتخوف المطر.
قال: قد حملته وستنظرون، قال: فما مضينا إلا يسيرا حتى ارتفعت سحابة
ومطرنا، فما بقي منا أحد إلا ابتل (1).
6 - وعن أبي الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال أخبرنا أبو جعفر محمد
ابن الوليد، عن أبي محمد، قال: قدم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فكتبت إليه أساله الإذن
لي في الخروج إلى مصر، وكنت أتجر إليها، فكتب إلي: أقم ما شاء الله، فأقمت
سنتين، ثم قدمت الثالثة، فكتبت إليه أستأذنه، فكتب إلي: اخرج مباركا لك صنع
الله لك، ووقع الهرج ببغداد، فسلمت من تلك الفتنة (2).
7 - وروي عن عبد الله بن محمد الهاشمي، أنه قال: دخلت على المأمون يوما
فأجلسني، وأخرج من كان عنده، ثم دعا بالطعام فطعمنا، ثم تطيبنا، ثم أمر بستارة
فضربت، ثم أقبل على بعض من كان في الستارة، فقال: بالله لما رثيت لنا من



(1) إعلام الورى: 326، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 37، البحار 49: 41 / 29،
العوالم 22: 92 / 43.
(2) دلائل الإمامة: 184، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 222 / 41، البحار 49: 43 / 33،
العوالم 22: 94 / 47.
184
بطوس، فأخذت تقول:
سقيا لطوس ومن أضحى بها قطنا (1) * من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا
قال: ثم بكى، وقال لي: يا عبد الله، أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن نصبت
أبا الحسن الرضا (عليه السلام) علما؟ فوالله لأحدثنك بحديث تتعجب منه: جئته يوما
فقلت له: جعلت فداك، إن آباءك موسى وجعفرا ومحمدا وعلي بن الحسين (عليهم السلام)
كان عندهم علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنت وصي القوم ووارثهم،
وعندك علمهم، وقد بدت لي إليك حاجة.
قال: هاتها، فقلت: هذه الزاهرية حظيتي، ولا أقدم عليها أحدا من
جواري، وقد حملت غير مرة وأسقطت، وهي الآن حامل فدلني على ما تتعالج به
فتسلم.
فقال: لا تخف من إسقاطها، فإنها تسلم، وتلد غلاما أشبه الناس بأمه،
وتكون له خنصر زائدة في يده اليمنى ليست بالمدلاة، وفي رجله اليسرى خنصر
زائدة ليست بالمدلاة، فقلت في نفسي: أشهد أن الله على كل شيء قدير.
فولدت الزاهرية غلاما أشبه الناس بأمه، في يده اليمنى خنصر زائدة ليست
بالمدلاة، وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة على ما كان وصفه لي
الرضا (عليه السلام)، فمن يلومني على نصبي إياه علما؟
قال الشيخ الصدوق: إنما علم الرضا (عليه السلام) ذلك مما وصل إليه عن آبائه عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن جبرائيل (عليه السلام) قد كان نزل عليه بأخبار الخلفاء
وأولادهم من بني أمية وولد العباس، وبالحوادث التي تكون في أيامهم، وما يجري



(1) أي: مقيما.
185
على أيديهم، ولا قوة إلا بالله (1).
8 - وعن إبراهيم بن موسى القزاز - وكان يؤم في مسجد الرضا (عليه السلام)
بخراسان - قال: ألححت على الرضا (عليه السلام) في شيء طلبته منه، فخرج يستقبل بعض
الطالبيين، وجاء وقت الصلاة، فمال إلى قصر هناك، فنزل تحت شجرة بقرب القصر
وأنا معه، وليس معنا ثالث.
فقال: أذن، فقلت: ننتظر يلحق بنا أصحابنا؟ فقال: غفر الله لك، لا تؤخرن
صلاة عن أول وقتها إلى آخر وقتها من غير علة عليك، ابدأ بأول الوقت، فأذنت
وصلينا.
فقلت: يا ابن رسول الله، قد طالت المدة في العدة التي وعدتنيها وأنا محتاج،
وأنت كثير الشغل، ولا أظفر بمسألتك كل وقت.
قال: فحك بسوطه الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده إلى موضع الحك
فأخرج سبيكة ذهب، فقال: خذها إليك بارك الله لك فيها، وانتفع بها، واكتم
ما رأيت.
قال: فبورك لي فيها حتى اشتريت بخراسان ما كان قيمته سبعين ألف دينار،
فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك (2).
9 - وعن أحمد بن عمر الحلال، قال: سمعت الأخرس بمكة يذكر الرضا (عليه السلام)،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 223 / 44، البحار 49: 29 / 2، العوالم 22: 76 / 17.
(2) الخرائج والجرائح 1: 337 / 2، البحار 49: 49 / 49، العوالم 22: 129 / 2.
186
فنال منه، قال: فدخلت مكة فاشتريت سكينا فرأيته، فقلت: والله لأقتلنه إذا
خرج من المسجد، فأقمت على ذلك، فما شعرت إلا برقعة أبي الحسن (عليه السلام): " بسم الله
الرحمن الرحيم، بحقي عليك لما كففت عن الأخرس، فإن الله ثقتي وهو حسبي " (1).
10 - وعن إسحاق بن موسى، قال: لما خرج عمي محمد بن جعفر بمكة،
ودعا لنفسه، ودعي بأمير المؤمنين، وبويع له بالخلافة، ودخل عليه أبو الحسن
الرضا (عليه السلام)، فقال: يا عم، لا تكذب أباك وأخاك، فإن هذا الأمر لا يتم. قال:
فخرج وخرجت معه إلى المدينة، فلم يلبث إلا قليلا حتى قدم الجلودي، فلقيه
فهزمه، واستأمن إليه محمد بن جعفر، فلبس السواد، وصعد المنبر فخلع نفسه،
وأكذب مقالته، وقال: إن هذا الأمر للمأمون، وليس لي فيه حق، ثم خرج إلى
خراسان، فمات بجرجان (2).
11 - وعن الوشاء، قال: أتيت خراسان وأنا واقف، فحملت معي متاعا،
وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم ولم أشعر به، ولم أعرف مكانه، فلما قدمت
مرو ونزلت في بعض منازلها، لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها، فقال لي:
إن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول لك: ابعث إلي الثوب الوشي الذي عندك. قال:



(1) بصائر الدرجات: 272، الباب 12، الحديث 6، البحار 49: 47 / 44، العوالم 22: 69 /
6.
(2) كشف الغمة 3: 90، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 207 / 8، البحار 49: 32 / 8، وفي
كشف الغمة: فمات بمرو.
187
فقلت: ومن أخبر أبا الحسن بقدومي، وأنا قدمت آنفا، وما عندي ثوب وشي؟
فرجع إليه وعاد إلي، فقال: يقول لك: بلى، هو في موضع كذا وكذا، ورزمة كذا
وكذا، فطلبته حيث قال، فوجدته في أسفل الرزمة، فبعثت به إليه (1).
12 - وعن يحيى بن بشار، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) بعد مضي
أبيه (عليه السلام)، فجعلت أستفهمه بعض ما كلمني به. فقال لي: نعم يا سماع، فقلت: جعلت
فداك، كنت والله ألقب بهذا في صباي، وأنا في الكتاب. قال: فتبسم في وجهي (2).
13 - وعن أبي علي الحسن بن راشد، قال: قدمت علي أحمال، فأتاني رسول
الرضا (عليه السلام) قبل أن أنظر في الكتب، أو أوجه بها إليه، فقال لي: يقول الرضا (عليه السلام):
سرح إلي بدفتر، ولم يكن لي في منزلي دفتر أصلا.
قال: فقلت: وأطلب ما لا أعرف بالتصديق له؛ فلم أجد شيئا، ولم أقع على
شيء، فلما ولى الرسول، قلت: مكانك. فحللت بعض الأحمال، فتلقاني دفتر
لم أكن علمت به، إلا أني علمت أنه لم يطلب إلا الحق، فوجهت به إليه (3).
14 - وعن علي بن الحسين بن يحيى، قال: كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء،
يقال له عبد الله، وكان يطعن علينا، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أشكوه إليه،



(1) الكافي 1: 354 / 12، البحار 49: 68 / 90، العوالم 22: 75 / 15.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 21، البحار 49: 37 / 19، العوالم 22: 87 / 33.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 221 / 40، البحار 49: 42 / 32، العوالم 22: 94 / 46.
188
وأسأله الدعاء، فكتب (عليه السلام) إلي، سيرجع حاله إلى ما تحب، وإنه لن يموت إلا على
دين الله، وسيولد من أم ولد له غلام.
قال علي بن الحسين بن يحيى: فما مكثنا إلا أقل من سنة حتى رجع إلى
الحق، فهو اليوم خير أهل بيتي، وولد له بعد [كتاب] أبي الحسن من أم ولده
تلك غلام (1).
15 - وعن الوشاء، قال: لدغتني عقرب، فأقبلت أقول: يا رسول الله،
يا رسول الله، فأنكر السامع، وتعجب من ذلك، فقال له الرضا (عليه السلام): مه، فوالله لقد
رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: وقد كنت رأيت في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا والله ما كنت أخبرت به
أحدا (2).
16 - روي أنه لما أنشد دعبل الخزاعي قصيدته في الرضا (عليه السلام) بعث إليه
بدراهم رضوية فردها.
فقال: خذها فإنك تحتاج إليها.
قال: فانصرفت إلى البيت وقد سرق جميع مالي. فكان الناس يأخذون
درهما منها ويعطوني دنانير، فغنيت بها (3).



(1) الخرائج والجرائح 1: 358 / 12، البحار 49: 51 / 53.
(2) الخرائج والجرائح 1: 364 / 20، البحار 49: 52 / 59.
(3) الخرائج والجرائح 1: 769 / 89، بحار الأنوار 49: 56 / 69.
189
5 - في علمه بحديث النفس:
1 - عن الحسن بن علي بن فضال، قال:
قال عبد الله بن المغيرة: كنت واقفيا، فحججت على تلك الحالة، فلما
صرت بمكة اختلج في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم، ثم قلت: اللهم قد علمت
طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن آتي الرضا (عليه السلام)،
فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، وقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق
بالباب.
فسمعت النداء: ادخل يا عبد الله بن المغيرة. فدخلت، فلما نظر إلي قال
لي: قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه. فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمينه على
خلقه (1).
2 - وعن أبان، عن معمر بن خلاد، قال: قال لي الريان بن الصلت: أردت
أن تستأذن لي على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأسلم عليه، وأحب أن يكسوني من
ثيابه، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه.
فدخلت على الرضا (عليه السلام) فقال مبتدئا: إن الريان بن الصلت يريد الدخول
علينا، والكسوة من ثيابنا، والعطية من دراهمنا، فأذن له، فدخل وسلم، فأعطاه



(1) الثاقب في المناقب: 475 / 398، الكافي 1: 355 / 13، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 219
/ 31، رجال الكشي: 594 / 1110، الاختصاص: 74، كشف الغمة 3: 92، بحار الأنوار
49: 39 / 24.
190
ثوبين وثلاثين من الدراهم التي ضربت باسمه (1).
3 - وعن علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني الريان بن الصلت، قال:
لما أردت الخروج إلى العراق، عزمت على توديع الرضا (عليه السلام) وقلت في نفسي: إذا
ودعته سألته قميصا من ثياب جسده الشريف، لأكفن فيه، ودراهم من ماله الحلال
الطيب، لأصوغ لبناتي منه خواتيم.
فلما ودعته شغلني البكاء والأسى على مفارقته عن مسألته، فلما خرجت
من بين يديه صاح بي: يا ريان، ارجع. فرجعت، فقال لي: أما تحب أن أدفع إليك
قميصا من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك، أو ما تحب أن أدفع إليك دراهم
تصوغ منها لبناتك خواتيم؟
فقلت: يا سيدي، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك، فمنعني الغم لفراقك.
فرفع (عليه السلام) الوسادة، وأخرج قميصا، فدفعه إلي، ورفع جانب المصلى فأخرج
دراهم، فدفعها إلي، وكانت ثلاثين درهما (2).
4 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: كنت شاكا في أبي الحسن
الرضا (عليه السلام)، وكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه، وقد أضمرت في نفسي أن



(1) الثاقب في المناقب: 476 / 399، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 208 / 10، رجال الكشي:
547 / 1036، المناقب 4: 340، إعلام الورى: 322، البحار 49: 33 / 9 و 10.
(2) الثاقب في المناقب: 476 / 400، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 211 / 17، دلائل الإمامة:
188، البحار 49: 35 / 16، العوالم 22: 238 / 7.
191
أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها.
قال: فأتاني جواب ما كتبت به إليه: عافانا الله وإياك، أما ما طلبت من
الإذن علي فإن الدخول علي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الوقت، فلست
تقدر عليه الآن، وسيكون إن شاء الله. وكتب (عليه السلام) بجواب ما أردت أن أسأله من
الآيات الثلاث في الكتاب، ولا والله ما ذكرت له منهن شيئا، ولقد بقيت متعجبا
بما ذكر هو في الكتاب، ولم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك، فوقفت على معنى ما كتب
به (1).
5 - وعن ابن أبي كثير، قال: لما توفي أبو الحسن موسى (عليه السلام) وقفت
فحججت تلك السنة، فإذا أنا بعلي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فأضمرت في نفسي أمرا
فقلت: (أبشرا منا واحدا نتبعه) (2) فمر كالبرق الخاطف علي فقال: أنا البشر الذي
يجب عليك أن تتبعني. فقلت: يا مولاي معذرة إلى الله تعالى وإليك. فقال: مغفور
لك إن شاء الله تعالى (3).
6 - وروى مالك بن نوبخت، عن جده أبي محمد الغفاري، قال: لزمني دين



(1) الثاقب في المناقب: 477 / 401، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 18، غيبة الطوسي:
47.
(2) سورة القمر: 24.
(3) الثاقب في المناقب: 477 / 402، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 217 / 27، البحار 49: 38
/ 21، العوالم 22: 88 / 35.
192
ثقيل، فقلت: ما لقضاء ديني غير سيدي ومولاي أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
فلما أصبحت أتيت منزله، واستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فقال لي
ابتداء: يا أبا محمد، قد عرفنا حاجتك، وعلينا قضاء دينك.
فلما أمسينا أتى بطعام الإفطار، فأكلنا. فقال: يا أبا محمد، تبيت أو
تنصرف؟ فقلت: يا سيدي، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي.
قال: فتناول (عليه السلام) من تحت البساط قبضة ودفعها إلي، فخرجت ودنوت من
السراج، فإذا هي دنانير حمر وصفر، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان
عليه: يا أبا محمد، الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك، وأربعة
وعشرون لنفقة بيتك.
فلما أصبحت فتشت الدنانير، فلم أجد ذلك الدينار، وإذا هي لم تنقص
شيئا (1).
7 - عن محمد بن عيسى اليقطيني، قال:
سمعت هشاما العباسي يقول: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يوما،
أريد أن أسأله يعوذني من صداع أصابني، وأن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم
فيهما.
فلما دخلت سألته عن مسائل فأجابني، ونسيت حوائجي، فلما قمت
لأخرج، وأردت أن أودعه، قال لي: إجلس. فجلست بين يديه، فوضع يده على



(1) الثاقب في المناقب: 477 / 403، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 218 / 29، البحار 49: 38
/ 22، العوالم 22: 88 / 36، الخرائج والجرائح 1: 339 / 3.
193
رأسي وعوذني، ثم دعا بثوبين سعيديين (1) على عمل الوشي الذي كنت أطلبه،
فدفعهما إلي (2).
8 - عن أبي حبيب النباجي، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام وقد وافى
النباج، ونزل في المسجد الذي ينزل فيه الحجاج في كل سنة، وكأني مضيت إليه
وسلمت عليه، ووقفت بين يديه، فوجدت عنده طبقا من خوص نخل المدينة فيه تمر
صيحاني، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر، فناولني، فعددته فكان ثماني عشرة،
فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة.
فلما كان بعد عشرين يوما، كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة، إذا
جاءني من أخبر بقدوم أبي الحسن الرضا (عليه السلام) من المدينة، ونزوله ذلك المسجد،
ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه، فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت
رأيت فيه النبي (صلى الله عليه وآله)، وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق من خوص
فيه تمر صيحاني، فسلمت عليه، فرد علي السلام، واستدعاني، فناولني قبضة من
ذلك التمر، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت له:
زدني منه يا بن رسول الله، فقال: لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزدناك (3).



(1) السعيدية: من برود اليمن.
(2) الثاقب في المناقب: 478 / 404، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 36، البحار 49: 40
/ 28، العوالم 22: 91 / 42.
(3) إعلام الورى: 321، دلائل الإمامة: 186، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 210 / 15،
البحار 49: 35 / 15، العوالم 22: 84 / 29.
194
9 - وعن أحمد بن عبيد الله، عن الغفاري، قال: كان لرجل من آل أبي رافع
- مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) - يقال له: فلان، علي حق فتقاضاني، وألح علي، فلما
رأيت ذلك، صليت الصبح في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم توجهت نحو الرضا (عليه السلام)
- وهو يومئذ بالعريض (1) - فلما قربت من بابه، إذا هو قد طلع على حمار، وعليه
قميص ورداء، فلما نظرت إليه استحييت منه، فلما لحقني وقف ونظر إلي، فسلمت
عليه - وكان شهر رمضان - فقلت: جعلت فداك، إن لمولاك فلان علي حقا، وقد
والله شهرني، وأنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني، ووالله ما قلت له كم له علي،
ولا سميت له شيئا، فأمرني بالجلوس إلى رجوعه.
فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم، فضاق صدري، وأردت أن
أنصرف، فإذا هو قد طلع علي وحوله الناس، وقد قعد له السؤال، وهو يتصدق
عليهم، فمضى فدخل بينه ثم خرج، ودعاني فقمت إليه، ودخلت معه، فجلس
وجلست معه، فجعلت أحدثه عن ابن المسيب (2) - وكان كثيرا ما أحدثه عنه -
فلما فرغت قال: ما أظنك أفطرت بعد؟ قلت: لا، فدعا لي بطعام فوضع بين
يدي، وأمر الغلام أن يأكل معي، فأصبت والغلام من الطعام، فلما فرغنا قال:
ارفع الوسادة وخذ ما تحتها، فرفعتها فإذا دنانير، فأخذتها ووضعتها في كمي.
وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوا بي منزلي، فقلت: جعلت
فداك، إن طائف (3) ابن المسيب يقعد، وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك، فقال لي:



(1) العريض: من قرى المدينة على بعد فرسخ منها.
(2) وهو هارون بن المسيب، وكان واليا على المدينة.
(3) الطائف: العاس بالليل.
195
أصبت، أصاب الله بك الرشاد. وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم.
فلما قربت من منزلي وأنست رددتهم، وصرت إلى منزلي، ودعوت
السراج، ونظرت إلى الدنانير، فإذا هي ثمانية وأربعون دينارا، وكان حق الرجل
علي ثمانية وعشرين دينارا، وكان فيها دينار يلوح، فأعجبني حسنه، فأخذته
وقربته من السراج، فإذا عليه نقش واضح: حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا،
وما بقي فهو لك، لا والله ما كنت عرفت ما له علي في التحديد (1).
10 - وعن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، قال: أخبرني
أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن عبد الله، قال: كنت عند
الرضا (عليه السلام) فأصابني عطش شديد، فكرهت أن أستسقي في مجلسه، فدعا بماء فأتاه،
فقال: يا محمد، اشرب، فإنه بارد، فشربت (2).
11 - وروى أبو حامد السندي بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) أسأله دعاء، فدعا لي، وقال: لا تؤخر صلاة العصر، ولا تحبس
الزكاة.
قال أبو حامد: وما كتبت إليه بشيء من هذا، ولم يطلع عليه أحد إلا الله.
قال أبو حامد: وكنت أصلي العصر في آخر وقتها، وكنت أدفع الزكاة بتأخير



(1) الإرشاد 2: 255، الكافي 1: 407 / 4، البحار 49: 97 / 12.
(2) دلائل الإمامة: 187، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 204 / 3، بصائر الدرجات: 239 /
16.
196
الدراهم من أقل وأكثر بعدما تحل، فابتدأني بهذا (1).
12 - وروى الهيثم النهدي، عن محمد بن الفضيل، قال: دخلت على
أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألته عن أشياء، وأردت أن أسأله عن السلاح وأغفلته،
فخرجت من عنده، ودخلت إلى منزل الحسن بن بشير، فإذا غلامه ورقعته:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي ووارثه، وعندي ما كان عنده (2).
13 - وعن أبي جعفر بن الوليد، عن علي بن حديد، عن مرازم، قال:
أرسلني أبو الحسن الأول، وأمرني بأشياء، فأتيت المكان الذي بعثني، فإذا
أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: فقال لي: فيم قدمت؟ قال: فكبر علي أن لا أخبره
حين سألني، لمعرفتي بحاله عند أبيه، ثم قلت: ما أمرني أن أخبره، وأنا مردد ذلك في
نفسي. فقال: قدمت يا مرازم في كذا وكذا. قال: فقص ما قدمت له (3).
14 - وعن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): اشتر لي
جارية من صفتها كذا وكذا، فأصبت له جارية عند رجل من أهل المدينة كما
وصف، فاشتريتها، ودفعت الثمن إلى مولاها، وجئت بها إليه، فأعجبته، ووقعت



(1) دلائل الإمامة: 187.
(2) دلائل الإمامة: 187، بصائر الدرجات: 272 / 5، الخرائج والجرائح 3: 663 / 6،
البحار 49: 47 / 43.
(3) دلائل الإمامة: 188، إثبات الهداة 6: 150 / 183.
197
منه، فمكثت أياما، ثم لقيني مولاها وهو يبكي، فقال: الله الله في، لست أتهنأ
العيش، وليس لي قرار ولا نوم، فكلم أبا الحسن يرد علي الجارية ويأخذ الثمن،
فقلت: أمجنون أنت، أنا اجترئ أن أقول له يردها عليك؟
فدخلت على أبي الحسن، فقال لي مبتدئا: يا سليمان، صاحب الجارية يريد
أن أردها عليه؟ قلت: إي والله، قد سألني أن أسألك! قال: فردها عليه وخذ
الثمن؛ ففعلت، ومكثت أياما، ثم لقيني مولاها، فقال: جعلت فداك، سل أبا الحسن
يقبل الجارية، فإني لا أنتفع بها، ولا أقدر أدنو منها، قلت: إني لا أقدر أن أبتدئه
بهذا.
قال: فدخلت على أبي الحسن، فقال: يا سليمان، صاحب الجارية يريد أن
أقبضها منه، وأرد عليه الثمن؟ قلت: قد سألني ذلك. قال: فرد علي الجارية، وخذ
الثمن (1).
15 - وعن الوشاء، قال: سألني العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث أن
أسأله (عليه السلام) أن يخرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يدي غيره.
قال الوشاء: فابتدأني (عليه السلام) بكتاب قبل أن أسأله أن يخرق كتبه: أعلم
صاحبك أني إذا قرأت كتبه خرقتها (2).
16 - وعن زروان المدائني، أنه دخل على أبي الحسن الثاني (عليه السلام) يريد أن



(1) كشف الغمة 3: 89، البحار 49: 62 / 80، العوالم 22: 118 / 93.
(2) كشف الغمة 3: 92، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 219 / 33، البحار 49: 40 / 25.
198
يسأله عن عبد الله بن جعفر، فأخذ بيدي فوضعها على صدره قبل أن أذكر له شيئا
مما أردت، ثم قال: يا محمد بن آدم، إن عبد الله لم يكن إماما، فأخبرني بما أردت
قبل أن أساله (1).
17 - وقال هشام العباسي: طلبت بمكة ثوبين سعديين أهديهما لأبي، فلم
أصب بمكة منهما شيئا على ما أردت، فمررت بالمدينة منصرفي، فدخلت على
أبي الحسن (عليه السلام)، فلما ودعته وأردت الخروج دعا بثوبين سعديين على عمل
الوشي الذي كنت طلبت: فدفعهما إلي، وقال: اقطعهما لأبيك (2).
18 - وروى عن الحسن بن علي بن يحيى، قال: زودتني جارية لي ثوبين
ملحمين (3)، وسألتني أن أحرم فيهما، فأمرت الغلام بوضعهما في العيبة، فلما انتهيت
إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه، دعوت بالثوبين لألبسهما، ثم اختلج في
صدري، فقلت: ما ينبغي لي أن ألبس ملحما وأنا محرم، فتركتهما ولبست غيرهما.
فلما صرت بمكة كتبت كتابا إلى أبي الحسن، وبعثت إليه بأشياء كانت معي،
ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم أم لا، فلم ألبث أن جاءني
الجواب بكل ما سألته عنه، وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم (4).



(1) كشف الغمة 3: 92، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 35، البحار 49: 40 / 27.
(2) كشف الغمة 3: 93.
(3) الملحم: جنس من الثياب، وهو ما كان سداه إبريسم ولحمته غير إبريسم.
(4) كشف الغمة 2: 94، الخرائج والجرائح 1: 357 / 11، البحار 49: 50 / 52.
199
19 - وعن البزنطي، قال: بعث الرضا (عليه السلام) إلي بحمار فركبته وأتيته وأقمت
عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد أن ينهض قال لي: لا أراك
تقدر على الرجوع إلى المدينة، قلت: أجل جعلت فداك، قال: فبت عندنا الليلة،
واغد على بركة الله عز وجل.
قلت: أفعل جعلت فداك. قال: يا جارية، افرشي له فراشي، واطرحي عليه
ملحفتي التي أنام عليها، وضعي تحت رأسه مخادي.
قال: فقلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه؟ لقد جعل الله لي
من المنزلة عنده، وأعطاني من الفخر ما لم يعطه أحدا من أصحابنا، بعث إلي بحماره
فركبته، وفرش لي فراشه، وبت في ملحفته، ووضعت لي مخاده، ما أصاب مثل هذا
أحد من أصحابنا.
قال: وهو قاعد معي وأنا أحدث نفسي، فقال لي (عليه السلام): يا أحمد، إن أمير
المؤمنين (عليه السلام) أتى صعصعة بن صوحان في مرضه يعوده، فافتخر على الناس بذلك،
فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، وتذلل لله عز وجل، واعتمد على يده فقام (عليه السلام) (1).
20 - عن البزنطي، قال: هويت في نفسي إذا دخلت على أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) أن أسأله: كم أتى عليك من السن؟ فلما دخلت عليه وجلست بين
يديه، جعل ينظر إلي ويتفرس في وجهي، ثم قال: كم أتى لك؟ فقلت: جعلت
فداك، كذا وكذا، قال: فأنا أكبر منك، قد أتى علي اثنتان وأربعون سنة.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 212 / 19، البحار 49: 36 / 18، العوالم 22: 86 / 32.
200
فقلت: جعلت فداك، قد والله أردت أن أسألك عن هذا! فقال: قد
أخبرتك (1).
21 - عن إسماعيل بن مهران، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) يوما أنا وأحمد البزنطي
بالصرياء، وكنا تشاجرنا في سنه، فقال أحمد: إذا دخلنا عليه فأذكرني حتى أسأله
عن سنه، فإني قد أردت ذلك غير مرة فأنسى. فلما دخلنا عليه وسلمنا وجلسنا،
أقبل على أحمد، فكان أول ما [تكلم به أن] قال: يا أحمد، كم أتى عليك من
السنين؟ قال: تسع وثلاثون. فقال (عليه السلام): ولكن أنا قد أتت علي ثلاث وأربعون
سنة (2).
22 - وعن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والبيت
مملوء من الناس، يسألونه وهو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء!
فترك الناس، ثم التفت إلي فقال: يا سليمان، إن الأئمة كلهم علماء، يحسبهم الجاهل
أنبياء، وليسوا أنبياء (3).
6 - في ظهور آياته في الحيوان والجماد:
1 - عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 220 / 34، البحار 49: 40 / 26، العوالم 22: 90 / 40.
(2) الخرائج والجرائح 1: 365 / 22، البحار 49: 53 / 61.
(3) الخرائج والجرائح 1: 447، البحار 49: 57 / 73.
201
الحسن العسكري، عن أبيه، عن محمد بن علي التقي (عليهم السلام)، قال: لما اتسق الأمر
للرضا (عليه السلام) وطفق الناس يتذاكرون ذلك، قال للمأمون بعض المبغضين: يا أمير
المؤمنين، أعيذك بالله أن يكون تأريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم
والفضل العظيم من بيت ولد العباس إلى بيت ولد علي، لقد أعنت على نفسك
وأهلك، وجئت بهذا الساحر ابن الساحر، وقد كان خاملا فأظهرته، ووضيعا
فرفعته، ومنسيا فذكرت به، ومستخفا فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة وتزويقا بهذا
المطر الوارد بدعائه، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العباس إلى ولد علي،
ما أخوفنا من أن يتوصل بالسحر إلى إزالة نعمتك والوثوب سراعا إلى مملكتك!
هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل ما جنيت؟
قال المأمون: جئنا بهذا الرجل وأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاءه
إلينا، ويعترف بالخلافة والملك لنا، وليعتقد المقرون به أنه ليس مما ادعى في قليل
ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا من دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن
ينفتق علينا منه ما لا نسده، ويأتي علينا ما لا نطيقه، فالآن إذ قد فعلناه، وأخطأنا
في أمره بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز
التهاون في أمره، لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا، حتى نصوره عند الرعايا بصورة من
لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، خولني مجادلته، فإني أفحمه وأصحابه،
وأضع من قدره، ولولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته؛ وبينت للناس قصوره
عما رشحته له.
فقال المأمون: ما شيء أحب إلي من هذا.
قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القواد والقضاة وجملة

202
الفقهاء، لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه، على علم
منهم بصواب فعلك.
قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه،
وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فانتدب هذا الحاجب المتضمن
للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال: إن الناس قد أخبروا عنك الحكايات، وأسرفوا في
وصفك، بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه.
فأول ذلك أنك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه، فجعلوا ذلك معجزة،
أوجبوا لك بها آية، وأنه لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى
مملكته - لا يوازن بأحد إلا رجح عليه، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، وليس
من حقه عليك أن تسوغ الكذابين لك وعليه ما يكذبونه.
فقال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي، وأما ذكرك
صاحبك الذي أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف
الصديق (عليه السلام)، فكان حالهما ما قد عرفت.
فغضب الحاجب عند ذلك وقال: يا علي بن موسى، لقد عدوت طورك،
وتجاوزت قدرك، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته، لا يتقدم ولا يتأخر؛ جعلته آية
تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما أخذ
رؤوس الطير بيده، ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال، فأتينه سعيا، ونزلن
على الرؤوس، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فيما تزعم فأحيي
هذين السبعين، وسلطهما علي، فإن ذلك حينئذ يكون آية معجزة، فأما المطر
المعتاد، فلست أنت أحق بأن يكون قد جاء بدعائك دون دعاء غيرك الذي دعا كما
دعوت.

203
وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان
يستند إليه، وكانا متقابلين على المسند، فغضب الرضا (عليه السلام) وصاح بالصورتين:
دونكما الفاجر، فافترساه في المجلس، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا.
فوثبت الصورتان والقوم ينظرون متحيرين، فلما فرغا منه أقبلا على
الرضا (عليه السلام) وقالا: يا ولي الله في أرضه، ماذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران
إلى المأمون، فغشي على المأمون منهما، فقال الرضا (عليه السلام): قفا. فوقفا، ثم قال: صبوا
عليه ماء ورد وطيبوه. ففعل ذلك به، وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه
بصاحبه الذي افترسناه؟ قال: لا، فإن لله عز وجل فيه تدبيرا ممضيه. فقالا: فماذا
تأمرنا؟ فقال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند، فصارا صورتين كما كانتا،
فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شرهما وشر حميد بن مهران - يعني الرجل
المفترس -.
فقال للرضا (عليه السلام): هذا الأمر لجدكم (صلى الله عليه وآله) ثم لكم، ولو شئت لنزلت عنه
لك (1).
2 - عن علي بن أسباط، قال: ذهبت إلى الرضا (عليه السلام) في يوم عرفة، فقال لي:
أسرج لي حماري، فأسرجت له حماره، ثم خرج من المدينة إلى البقيع يزور
فاطمة (عليها السلام)، فزار وزرت معه، فقلت: سيدي على كم أسلم؟ فقال لي: سلم على
فاطمة الزهراء البتول، وعلى الحسن والحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى محمد



(1) الثاقب في المناقب: 469 / 395، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 170، المناقب 4: 370
قطعة منه.
204
ابن علي، وعلى جعفر بن محمد، وعلى موسى بن جعفر (عليهم أفضل الصلاة وأكمل
التحيات) فسلمت على ساداتي ورجعت.
فلما كان في بعض الطريق، قلت: يا سيدي إني معدم، وليس عندي ما أنفقه
في عيدي هذا. فحك الأرض بسوطه، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة ذهب، فيها
مائة دينار، فقال لي: خذها، فأخذتها فأنفقتها في أموري (1).
3 - ومثل ذلك ما رواه إبراهيم بن موسى، قال: ألححت على أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) في شيء طلبته منه لحاجتي، وكان يعدني، فخرج ذات يوم ليستقبل
والي المدينة، وكنت معه، فجاء إلى قرب قصر فلان ونزل تحت شجرة ونزلت معه،
وليس معنا ثالث، فقلت له: جعلت فداك، هذا أوان ما وعدتني مرارا، وأنا معدم
درهما فما سواه.
قال: فحك بسوطه الأرض حكا شديدا، ثم ضرب بيده، فتناول سبيكة
ذهب من موضع الحك، وقال: خذها وانتفع بها، واكتم علي ما رأيت (2).
4 - وعن أبي واسع محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، قال: سمعت
جدتي خديجة بنت حمدان، قالت: لما دخل علي بن موسى الرضا (عليه السلام) نيسابور
نزل محلة الغربي ناحية تعرف بلاش آباد، في دار جدي پسنده، لأن الرضا (عليه السلام)



(1) الثاقب في المناقب: 473 / 396.
(2) الثاقب في المناقب: 473 / 397، بصائر الدرجات: 374 / 2 نحوه، إعلام الورى: 326،
الاختصاص: 270، الخرائج والجرائح 1: 337 / 2، الإرشاد 2: 258.
205
ارتضاه من بين الناس. وپسنده كلمة فارسية معناها: مرضي.
فلما نزل (عليه السلام) دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار، فنبتت وصارت
شجرة، وأثمرت في سنة، فعلم الناس بذلك، وكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة،
فمن أصابته علة يتبرك بالتناول من ذلك اللوز مستشفيا به فعوفي.
ومن أصابه رمد جعل من ذلك اللوز على عينيه فعوفي. وكانت الحامل إذا
عسرت ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة، وتضع من ساعتها،
وكان إذا أخذ القولنج دابة من الدواب، أخذ من قضبان تلك الشجرة، فأمر على
بطنها فتعافى، ويذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا (عليه السلام).
فمضت الأيام على تلك الشجرة ويبست، فجاء جدي حمدان فقطع أغصانها
فعمي (1).
5 - وعن سهل بن زياد، عن علي بن محمد القاشاني، قال: أخبرني بعض
أصحابنا أنه حمل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مالا خطيرا، فلم أره يسر به.
قال: فاغتممت لذلك، وقلت في نفسي: قد حملت مثل هذا المال ولم يسر به!
قال: فقال: يا غلام، علي بالطست والماء. وقعد على كرسي وقال للغلام
بيده: صب على يدي الماء.
قال: فصب على يده الماء، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهبا، ثم
التفت إلي وقال لي: من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت (2).



(1) الثاقب في المناقب: 496 / 425، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 132 / 1، بحار الأنوار 49:
121 / 2.
(2) الثاقب في المناقب: 497 / 427، الكافي 1: 411 / 10.
206
6 - وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا عبد الله بن محمد، قال:
حدثنا عمارة بن زيد، قال: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع إليه وإلى
المأمون ولد العباس، ليزيلوه عن ولاية العهد، ورأيته يكلم المأمون ويقول:
يا أخي ما لي وإلى هذا من حاجة، ولست متخذ الظالمين عضدا، وإذا على كتفه
الأيمن أسد، على يساره أفعى، يحملان على كل من حوله.
فقال المأمون: أتلوموني على محبة هذا، ثم رأيته وقد أخرج رطبا
فأطعمهم (1).
7 - وقال أبو جعفر: حدثنا سفيان، قال: حدثنا وكيع، قال: رأيت علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) في آخر أيامه، فقلت: يا بن رسول الله، أريد أحدث عنك
معجزة فأرنيها، فرأيته أخرج لنا ماء من صخرة فسقانا وشربت (2).
8 - وقال أبو جعفر: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: قال عمارة بن
زيد: رأيت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فكلمته في رجل أن يصله بشيء، فأعطاني
مخلاة تبن، فاستحييت أن أراجعه، فلما وصلت باب الرجل فتحتها، فإذا كلها
دنانير، فاستغنى الرجل وعقبه، فلما كان من غد أتيته فقلت: يا بن رسول الله، إن
ذلك تحول دنانير! فقال: لهذا دفعناه إليك (3).



(1) دلائل الإمامة: 182.
(2) دلائل الإمامة: 182، إثبات الهداة 6: 148 / 176.
(3) دلائل الإمامة: 182.
207
7 - في الاستشفاء:
أحمد بن علي بن الحسين الثعالبي، قال: حدثني أبو أحمد عبد الله بن
عبد الرحمن المعروف بالصفواني، قال:
خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان، فقطع اللصوص عليهم الطريق،
وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال، وأقاموه في الثلج، وملأوا فاه منه،
فانفسد فمه ولسانه، حتى لم يقدر على الكلام، ثم انصرف إلى خراسان، وسمع
بخبر الرضا (عليه السلام) وأنه بنيسابور، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول: إن
ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ورد خراسان، فسله عن علتك ليعلمك دواء تنتفع به،
قال: فرأيت كأني قد قصدته، وشكوت إليه ما كنت وقعت فيه، وأخبرته بعلتي،
فقال: خذ من الكمون والسعتر والملح ودقه، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا،
فإنك تعافى.
فانتبه الرجل من منامه، ولم يفكر فيما كان رأى في منامه حتى ورد باب
نيسابور، فقيل له: إن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قد ارتحل من نيسابور وهو
برباط سعد، فوقع في نفسه أن يقصده، ويصف له أمره، فدخل إليه، فقال له: يا ابن
رسول الله، كان من أمري كيت وكيت، وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر
على الكلام إلا بجهد، فعلمني دواء أنتفع به، فقال: ألم أعلمك؟ فاذهب فاستعمل
ما وصفته لك.
قال: فقال الرجل: يا ابن رسول الله، إن رأيت أن تعيده علي؟ فقال لي: خذ
من الكمون والسعتر والملح فدقه، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا، فإنك تعافى. قال
الرجل: فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت.

208
قال الثعالبي: سمعت الصفواني يقول: رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه
الحكاية (1).
8 - في علمه (عليه السلام) باللغات:
1 - عن أبي إسماعيل السندي، قال: سمعت بالسند أن لله تعالى في العرب
حجة، فخرجت منها في الطلب، فدللت على الرضا (عليه السلام)، فقصدته، فدخلت عليه
وأنا لا أحسن من العربية كلمة، فسلمت عليه بالسندية، فرد علي بها، فجعلت
أكلمه بالسندية وهو يجيبني بها، فقلت له: إني سمعت بالسند أن لله في العرب حجة،
فخرجت في الطلب.
فقال: أنا هو. ثم قال: فسل عما تريد. فسألته عما أردت، فلما أردت
القيام من عنده، قلت: إني لا أحسن من العربية شيئا، فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم
بها مع أهلها، فمسح بيده على شفتي، فتكلمت بالعربية من وقتي ببركته (2).
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
فقال: يا أبا هاشم، كلم هذا الخادم بالفارسية، فإنه يزعم أنه يحسنها. فقلت
للخادم: " زانويت چيست؟ ". فلم يجبني. فقال (عليه السلام): يقول ركبتك. ثم قلت:
" نافت چيست؟ " فلم يجبني. فقال (عليه السلام): يقول سرتك (3).



(1) إعلام الورى: 323، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 211 / 16، البحار 49: 124 / 6،
العوالم 22: 238 / 7.
(2) الثاقب في المناقب: 498 / 429، الخرائج والجرائح 1: 340 / 5.
(3) بصائر الدرجات: 338 / 2، البحار 49: 88 / 7.
209
3 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت أتغدى مع أبي الحسن (عليه السلام)، فيدعو
بعض غلمانه بالصقلبية والفارسية، وربما بعثت غلامي هذا بشيء من الفارسية
فيعلمه، وربما كان ينغلق الكلام على غلامه بالفارسية، فيفتح هو على غلامه (1).
4 - وعن الهروي، قال: كان الرضا (عليه السلام) يكلم الناس بلغاتهم، وكان والله
أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة، فقلت له يوما: يا بن رسول الله، إني
لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها!
فقال: يا أبا الصلت، أنا حجة الله على خلقه، وما كان الله ليتخذ حجة على
قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أو ما بلغك قولك أمير المؤمنين (عليه السلام): " أوتينا فصل
الخطاب "، فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات؟ (2).
9 - في طي الأرض:
1 - عن محمد بن الفضل الهاشمي، قال: لما توفي الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)
أتيت المدينة، فدخلت على الرضا (عليه السلام)، فسلمت عليه بالأمر، وأوصلت إليه ما كان
معي، وقلت: إني سائر إلى البصرة، وعرفت كثرة خلاف الناس، وقد نعي إليهم
موسى (عليه السلام)، وما أشك أنهم سيسألوني عن براهين الإمام، ولو أريتني شيئا من
ذلك؟



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 2، البحار 49: 87 / 2.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 228 / 3، البحار 49: 87 / 3.
210
فقال الرضا (عليه السلام): لم يخف علي هذا، فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها، أني
قادم عليهم، ولا قوة إلا بالله، ثم أخرج إلي جميع ما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) عند الأئمة (عليهم السلام)
من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك.
فقلت: ومتى تقدم عليهم؟ قال: بعد ثلاثة أيام من وصولك ودخولك
البصرة، فلما قدمتها سألوني عن الحال، فقلت لهم: إني أتيت موسى بن جعفر (عليه السلام)
قبل وفاته بيوم واحد. فقال: إني ميت لا محالة، فإذا واريتني في لحدي، فلا تقيمن
وتوجه إلى المدينة بودائعي هذه، وأوصلها إلى ابني علي بن موسى (عليه السلام) فهو وصيي،
وصاحب الأمر بعدي. ففعلت ما أمرني به، وأوصلت الودائع إليه، وهو يوافيكم
إلى ثلاثة أيام من يومي هذا، فاسألوه عما شئتم.
فابتدر الكلام عمرو بن هذاب من القوم - وكان ناصبيا، ينحو نحو التزيد
والاعتزال - فقال: يا محمد، إن الحسن بن محمد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في
ورعه وزهده وعلمه وسنه، وليس هو كشاب مثل علي بن موسى، ولعله لو سئل
عن شيء من معضلات الأحكام لحار في ذلك.
فقال الحسن بن محمد - وكان حاضرا في المجلس -: لا تقل يا عمرو ذلك،
فإن عليا على ما وصف من الفضل، وهذا محمد بن الفضل يقول: إنه يقدم إلى ثلاثة
أيام، فكفاك به دليلا، وتفرقوا.
فلما كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة، إذا الرضا (عليه السلام) قد وافى،
فقصد منزل الحسن بن محمد، وأخلى له داره، وقام بين يديه، يتصرف بين أمره
ونهيه، فقال (عليه السلام): يا حسن بن محمد، أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمد
ابن الفضل وغيرهم من شيعتنا، وأحضر جاثليق النصارى، ورأس الجالوت، ومر
القوم أن يسألوا عما بدا لهم. فجمعهم كلهم والزيدية والمعتزلة، وهم لا يعلمون

211
لماذا يدعوهم الحسن بن محمد، فلما تكاملوا، ثني للرضا (عليه السلام) وسادة، فجلس
عليها، ثم قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام؟
قالوا: لا. قال: لتطمئن أنفسكم.
قالوا: من أنت يرحمك الله؟
قال (عليه السلام): أنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) وابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). صليت اليوم صلاة الفجر في مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع والي المدينة، وأقرأني - بعد أن صلينا - كتاب صاحبه إليه،
واستشارني في كثير من أموره، فأشرت عليه بما فيه الحظ له، ووعدته أن يصير إلي
بالعشي بعد العصر من هذا اليوم، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه، وأنا واف
له بما وعدته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحديث. وقد ذكرنا طرفا منه في
مناظراته (عليه السلام) (1).
2 - وفي الحديث المتقدم، قال محمد بن الفضل: فلم يزل الرضا (عليه السلام) معهم في
ذلك إلى وقت الزوال، فقال لهم حين حضر وقت الزوال: أنا أصلي وأصير إلى
المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه، وأعود إليكم بكرة
إن شاء الله.
قال: فأذن عبد الله بن سليمان وأقام، وتقدم الرضا (عليه السلام) فصلى بالناس،
وخفف القراءة، وركع تمام السنة وانصرف، فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه
ذلك (2)... الحديث.



(1) الخرائج والجرائح 1: 341 / 6، بحار الأنوار 49: 73 / 1، العوالم 22: 134 / 1.
(2) بحار الأنوار 49: 78.
212
3 - وفيه أيضا: قال محمد بن الفضل: فشهد له الجماعة بالإمامة، وبات عندنا
تلك الليلة، فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد، ومضى وتبعته أشيعه، حتى
إذا صرنا في وسط القرية، عدل عن الطريق، فصلى أربع ركعات، ثم قال: يا محمد،
انصرف في حفظ الله، غمض طرفك، فغمضته، ثم قال: افتح عينيك، ففتحتهما، فإذا
أنا على باب منزلي بالبصرة، ولم أر الرضا (عليه السلام).
قال محمد بن الفضل: كان فيما أوصاني به الرضا (عليه السلام) في وقت منصرفه من
البصرة أن قال لي: سر إلى الكوفة، فاجمع الشيعة هناك، وأعلمهم أني قادم عليهم،
وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري.
قال: فصرت إلى الكوفة، فأعلمت الشيعة أن الرضا (عليه السلام) قادم عليهم، فأنا
يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا (عليه السلام)، فعلمت أن الرضا (عليه السلام)
قد قدم، فبادرت إلى دار حفص بن عمير، فإذا هو في الدار، فسلمت عليه (1)...
الحديث.
4 - وتولى الرضا (عليه السلام) أمر أبيه، حيث حضر إلى بغداد بطي الأرض قبل
وفاة أبيه (عليه السلام)، وقد ذكرنا ذلك مع بعض الأحاديث التي تعضده في كتابنا
(الكاظم موسى (عليه السلام)) في الفصل الخاص بشهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)، منها حديث
المسيب بن زهير، قال: ثم رأيت شخصا أشبه الخلق به (عليه السلام) جالسا إلى جانبه،
وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) وهو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي



(1) بحار الأنوار 49: 79.
213
موسى (عليه السلام): أليس نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتى مضى وغابت الشمس.
قال: فوالله، لقد رأيتهم وهم يظنون بأنهم يغسلونه ولا تصل أيديهم إليه،
ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه، وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك
الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه (1)... الحديث.
10 - في ظهور آياته (عليه السلام) في معان شتى:
1 - عن محمد بن العلاء الجرجاني، قال: حججت فرأيت علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت فداك، هذا الحديث قد روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله): " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "؟
قال: فقال: نعم، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات
ميتة جاهلية ".
قال: فقلت له: جعلت فداك، ومن مات ميتة جاهلية؟ قال: مشرك.
قال: قلت: فمن إمام زماننا؟ فإني لا أعرفه. قال: أنا هو.
فقلت له: ما علامة أستدل بها؟ قال: تعال إلى البيت. وقال للغلمان:
لا تحجبوه إذا جاء. قال: فأتيته من الغد، فسلم علي وقربني، وجعل يناظرني،
وبين يديه صبي، وبيده رطب يأكله، فنطق الصبي، وقال: الحق حق مولاي،
وهو الإمام.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 100 / 6، بحار الأنوار 48: 222 / 26، دلائل الإمامة: 152
- 154.
214
قال محمد بن العلاء: فتغير لوني وغشي علي، فحلفني أشد الأيمان أن لا أخبر
به أحدا حتى يموت (1).
2 - وعن عيسى بن موسى العماني، قال: دخل الرضا (عليه السلام) على المأمون،
فوجد فيه هما، فقال: إني أرى فيك هما؟
قال المأمون: نعم، بالباب بدوي وأنه قد دفع سبع شعرات، يزعم أنها من
لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد طلب الجائزة، فإن كان صادقا ومنعت الجائزة فقد
بخست شرفي، وإن كان كاذبا وأعطيته الجائزة فقد سخر بي، وما أدري ما أعمل
به؟
فقال الرضا (عليه السلام): علي بالشعر... فلما رآه شمه وقال: هذه أربع من لحية
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والباقي ليس من لحيته.
فقال المأمون: من أين قلت هذا؟ فقال: علي بالنار. فألقى الشعر في النار
فاحترقت ثلاث شعرات، وبقيت الأربع التي أخرجها الرضا (عليه السلام) لم يكن للنار
عليها سبيل.
فقال المأمون: علي بالبدوي. فلما مثل بين يديه أمر بضرب رقبته، فقال
البدوي: ما ذنبي؟ قال: تصدق عن الشعر.
فقال: أربع من لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثلاثة من لحيتي. فتمكن الحسد في
قلب المأمون (2).



(1) الثاقب في المناقب: 495 / 424.
(2) الثاقب في المناقب: 497 / 426.
215
3 - وعن الحسن بن منصور، عن أخيه، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في
بيت داخل في جوف بيت ليلا، فرفع يده (عليه السلام) فإذا بها ضياء عشرة مصابيح،
فاستأذن عليه رجل فخلى يده، ثم أذن له (1).
4 - وفي (در الأصداف): لما جعل المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) ولي عهده،
وخليفة من بعده، كان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك، وخافوا على خروج
الخلافة من بني العباس، وعودها لبني فاطمة (عليها السلام)، فحصل عندهم من الإمام علي
الرضا (عليه السلام) نفور.
وكان من عادة الرضا (عليه السلام) إذا جاء دار المأمون، بادر من بالدهليز من
الحجاب وأهل النوبة من الخدم والحشم، بالقيام والسلام عليه، ويرفعون له الستر
حتى يدخل، فلما حصلت لهم هذه النفرة، وتفاوضوا من أمر هذه القصة، ودخل
في قلوبهم منها شيء، قالوا - فيما بينهم -: إذا جاء يدخل على الخليفة بعد اليوم
نعرض عنه، ولا نرفع له الستر، واتفقوا على ذلك فيما بينهم.
فبينما هم جلوس، إذ جاء الإمام علي الرضا (عليه السلام) على جاري عادته، فلم
يملكوا أنفسهم أن قاموا وسلموا عليه، ورفعوا له الستر على عادتهم، فلما دخل
أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، لكونهم ما فعلوا ما اتفقوا عليه، وقالوا: الكرة
الآتية، إذا جاء لا نرفعه.
فلما كان في اليوم التالي، وجاء الإمام الرضا (عليه السلام) على عادته، قاموا



(1) الثاقب في المناقب: 498 / 428، الكافي 1: 407 / 3، المناقب 4: 348.
216
وسلموا عليه، ولم يرفعوا الستر، فجاءت ريح شديدة، فرفعت الستر له، عند
دخوله، وعند خروجه، من الجهتين، فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن لهذا
الرجل عند الله منزلة، انظروا إلى الريح كيف جاءت، ودفعت له الستر عند دخوله
وعند خروجه، ارجعوا إلى ما كنتم عليه من خدمته، فهو خير لكم، فعادوا إلى
ما كانوا عليه، وزادت عقيدتهم فيه (1).
5 - وفي (كشف الغمة) عن محمد بن طلحة، قال: ومن مناقبه (عليه السلام) أنه كان
بخراسان امرأة تسمى زينب، فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة، وصارت
تصول على أهل خراسان بنسبها. فسمع بها علي الرضا (عليه السلام)، فلم يعرف نسبها،
فأحضرت إليه فرد نسبها، وقال: هذه كذابة، فسفهت عليه، وقالت: كما قدحت في
نسبي، فأنا أقدح في نسبك. فأخذته الغيرة العلوية، فقال (عليه السلام) لسلطان خراسان:
أنزل هذه إلى بركة السباع يتبين لك الأمر. وكان لذلك السلطان بخراسان موضع
واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين، يسمى ذلك الموضع ببركة السباع.
فأخذ الرضا (عليه السلام) بيد تلك المرأة، وأحضرها عند ذلك السلطان، وقال: هذه
كذابة على علي وفاطمة (عليهما السلام)، وليست من نسلهما، فإن من كان حقا بضعة من علي
وفاطمة (عليهما السلام) فإن لحمه حرام على السباع، فألقوها في بركة السباع، فإن كانت
صادقة، فإن السباع لا تقربها، وإن كانت كاذبة، فتفترسها السباع.
فلما سمعت ذلك منه، قالت: فانزل أنت إلى السباع، فإن كنت صادقا، فإنها
لا تقربك ولا تفترسك، فلم يكلمها وقام (عليه السلام)، فقال له ذلك السلطان: إلى أين؟



(1) الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام) 3: 160، نور الأبصار: 158 - 159، كشف الغمة 3: 52.
217
قال: إلى بركة السباع، والله لأنزلن إليها.
فقام السلطان والناس والحاشية، وجاءوا وفتحوا باب البركة، فنزل
الرضا (عليه السلام) والناس ينظرون من أعلى البركة، فلما حصل بين السباع، أقعت (1)
جميعا إلى الأرض على أذنابها، وصار يأتي إلى واحد واحد يمسح وجهه ورأسه
وظهره، والسبع يبصبص له (2) هكذا إلى أن أتى على الجميع، ثم طلع والناس
يبصرونه.
فقال لذلك السلطان: أنزل هذه الكذابة على علي وفاطمة (عليهما السلام) ليتبين ذلك،
فامتنعت، فألزمها ذلك السلطان، وأمر أعوانه بإلقائها، فمذ رآها السباع، وثبوا إليها
يفترسونها، فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذابة، وحديثها هناك مشهور (3).



(1) أي: جلست.
(2) بصبص الكلب: حرك ذنبه طمعا أو ملقا.
(3) كشف الغمة 3: 51، البحار 49: 61، مطالب السؤول: 85، إثبات الهداة 6: 152 /
192.
218
الفصل السابع
مواقف الإمام (عليه السلام) من الحكام
الموقف السلبي من الحكم:
اتخذ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) موقفا سلبيا تجاه الحكومات المعاصرة لهم، لبعد
تلك الحكومات عن المنهج الإسلامي الأصيل في الحكم، وانحرافها روحيا وعمليا
عن أبسط مبادئ الإسلام وعقيدته السمحاء.
والإنسان الرسالي المؤمن بمبادئ الدين الحنيف هو الذي يحاول ما أمكنه
الابتعاد عن الانضواء في أجهزة السلطة، أو تحمل أعباء الحكم، لأن ذلك يعتبر
بمثابة إقرار بشرعيته واعتراف بحقيقته، فكان موقف الأئمة (عليهم السلام) السلبي من الحكام
دعوة صريحة للأمة إلى الانفتاح على مبادئها الرسالية، وتوعيتها على الواقع الفاسد
الذي يعيشه الحكم الإسلامي، بسبب السلوك الهزيل الذي اتبعه الحاكمون في قيادة
مسيرة الأمة، في مجالس الشرب والمنادمة إلى حفلات الرقص والغناء واللهو
والمجون، وتقريب المغنين والقيان، وانتهاك الحرمات، فضلا عن أعمال القتل
والتشريد ومصادرة الأموال التي ملأت صفحات التأريخ الأموي والعباسي.
وقد اتخذ الإمام الرضا (عليه السلام) عين الموقف الذي اتخذه آباؤه (عليهم السلام) من قبل،
وهو سلبية التعامل مع السلطة، ومنع أصحابه وشيعته من الانضواء في أجهزتها أو
التعاون معها.

219
فعن سليمان الجعفري، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): ما تقول في أعمال
السلطان؟ فقال: يا سليمان، الدخول في أعمالهم، والعون لهم، والسعي في حوائجهم
عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار (1).
وقد حافظ الإمام (عليه السلام) على هذا الموقف حتى النهاية، وعندما قبل ولاية
العهد كان ملتزما بالسلبية تجاه الحكم، حيث إنه (عليه السلام) أشخص من المدينة إلى مرو
مكرها، وقبل بولاية العهد بعد تهديده بالقتل، ومع ذلك فقد شرط على المأمون أن
لا يمارس أي نوع من أنواع السلطة في حل أو عقد وفي عزل أو تعيين، وعلى أن
لا ينقض رسما ولا سنة، بل يكون مشيرا من بعيد.
وخلاصة القول إنه (عليه السلام) كان يعلم أن هذا الأمر لا يتم، وأنه دخل فيه دخول
خارج منه، ولم يزل (عليه السلام) مغموما مكروبا حتى قبض، وسنأتي على تفصيل ذلك في
ثنايا هذا الفصل إن شاء الله.
أما في حالة المشاركة في السلطة لدفع الظلم والجور عن كاهل الأبرياء من
المؤمنين، وتخفيف وطأة الجوع والحرمان عن الفقراء والمحرومين، فإن الأئمة (عليهم السلام)
كانوا يعتبرون في ذلك مصلحة دينية تقتضي دفع بعض النابهين من أصحابهم،
لتوظيف أنفسهم في جهاز الدولة، كما حدث لعلي بن يقطين الذي حاول الاستعفاء
من منصبه مرارا، لدى هارون الرشيد، ولكن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) كان يحثه
على البقاء في منصبه، لما يترتب عليه من دفع الظلم والجور عن كثير من المؤمنين،
وإصلاح ما يمكن إصلاحه من المفاسد التي يرتكبها الآخرون.
فعن الحسن بن الحسين الأنباري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: كتبت



(1) تفسير العياشي 1: 238 / 110، بحار الأنوار 79: 15 / 21.
220
إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه،
أذكر أني أخاف على خيط (1) عنقي، وأن السلطان يقول لي: إنك رافضي، ولسنا
نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض.
فكتب إلي أبو الحسن (عليه السلام): قد فهمت كتابك، وما ذكرت من الخوف على
نفسك، فإن كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم
تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك، فإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين،
حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا، وإلا فلا (2).
الحكام المعاصرون له (عليه السلام):
لقد بقي الإمام الرضا بعد أبيه عشرين عاما أو تزيد، منها عشر سنوات في
عهد هارون الرشيد، لأن شهادة أبيه كانت سنة 183 ه‍، وتوفي الرشيد سنة 193 ه‍،
ثم تولى محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما، وقيل: أربع سنين
وسبعة أشهر، ثم خلع الأمين، وحبس، وتولى مكانه عمه إبراهيم بن المهدي
المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما، ثم أخرج الأمين من الحبس، وعاد إليه
الملك، وعزل إبراهيم، وبقي بعد ذلك سنة وسبعة أشهر، ثم قوي عليه أخوه المأمون
فقتله سنة 198 ه‍، وملك الخلافة بعده عشرين سنة. وكان للرضا (عليه السلام) معه ما كان،
حتى قضى مسموما سنة 203 ه‍، وقيل سنة: 202 (3).



(1) خيط الرقبة: نخاعها.
(2) التهذيب 6: 335 / 49، الكافي 5: 111 / 4، بحار الأنوار 49: 277 / 28.
(3) إعلام الورى: 314، الإرشاد 2: 247، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 122.
221
الإمام (عليه السلام) في عصر الرشيد
لم يسلم الإمام (عليه السلام) بعد قتل أبيه من تحركات أنصار الحاكمين والدائرين في
فلكهم والمتزلفين لهم، فقد كانوا يحصون عليه أنفاسه، ويراقبونه بشدة، ويصورون
لهم خطره على ملكهم، فتجرع (عليه السلام) مرارة الأحداث القاسية التي استقبلت إمامته
بعد شهادة أبيه (عليه السلام) في غياهب السجون، وانحراف الواقفة عنه (عليه السلام)، وتعرض بيته
للسلب والإساءة من قبل جيش هارون بعد خروج محمد بن جعفر بالمدينة، وقتل
بني عمومته من الحسنيين، وسلب أموالهم، ونهب دورهم وهدمها، وما إلى ذلك من
الأحداث المريرة التي تعرض لها العلويون.
وقد كان أذناب السلطة يكتبون إلى الرشيد عن كل ما يصدر من
الإمام (عليه السلام)، فقد كتب الزبيري إليه: إن علي بن موسى قد فتح بابه، ودعا إلى
نفسه (1).
وممن حرضوا الرشيد على الإمام الرضا (عليه السلام) عيسى بن جعفر، فقد جاء في
رواية موسى بن مهران، عن جعفر بن يحيى، أنه قال: سمعت عيسى بن جعفر يقول
لهارون الرشيد حين توجه من الرقة إلى مكة: أذكر يمينك التي حلفت بها في
آل أبي طالب، فإنك حلفت إن ادعى أحد الإمامة بعد موسى ضربت عنقه صبرا،
وهذا علي ابنه يدعي هذا الأمر، ويقال فيه ما يقال في أبيه، فنظر إليه الرشيد



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 205 / 4، إعلام الورى: 325، بحار الأنوار 49: 114 / 4،
مناقب ابن شهرآشوب 4: 369.
222
مغضبا، وقال: ما ترى؟ تريد أن أقتلهم كلهم؟
قال موسى بن مهران: فلما سمعت ذلك صرت إليه فأخبرته، فقال (عليه السلام):
ما لي ولهم، والله لا يقدرون إلي على شيء (1).
وكان البرامكة من أشد الناس تحريضا على الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان لهم
اليد الطولى في قصة شهادة أبيه الكاظم (عليه السلام)، حيث استغلوا حقد ابن أخيه وحسده
له.
وقد حاول يحيى بن خالد أن يدفع الرشيد على الإمام الرضا (عليه السلام)، ليلحقه
بأبيه، فقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن صفوان بن يحيى، قال: لما مضى
أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، وتكلم الرضا (عليه السلام)، خفنا عليه من ذلك، فقلت
له: إنك قد أظهرت أمرا عظيما، وإنما نخاف عليك هذا الطاغي! فقال: ليجهد جهده
فلا سبيل له علي.
قال صفوان: فأخبرنا الثقة أن يحيى بن خالد قال للطاغي: هذا علي ابنه قد
قعد، وادعى الأمر لنفسه. فقال: ما يكفينا ما صنعنا بأبيه؟ تريد أن نقتلهم جميعا؟
ولقد كانت البرامكة مبغضين لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مظهرين العداوة لهم (2).
هذه الكلمات من الرشيد إن دلت على شيء، فإنها تدل على أنه كان يحس
بإثم ما ارتكبه مع الإمام الكاظم (عليه السلام)، وربما كان يعيش في صراع مع نفسه، التي لم
تعد قادرة على أن تستوعب إثما جديدا بقتل ولده، ولكن المحاولات الكثيرة التي
كانت تقوم بها حاشيته، استطاعت أخيرا أن تدفعه لمحاولة الانتقام منه، وكانت



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 225 / 3، بحار الأنوار 49: 113 / 1، العوالم 22: 224 / 2.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 226 / 4، بحار الأنوار 49: 113 / 2.
223
إرادة الله تحول بينه وبين ما يريد.
فقد روى المسعودي بالإسناد عن سام بن نوح بن دراج، قال: كنا عند
غسان القاضي، فدخل إليه رجل من أهل خراسان، عظيم القدر، من أصحاب
الحديث، فأعظمه ورفعه وحادثه، فقال الرجل: سمعت هارون الرشيد يقول:
لأخرجن العام إلى مكة، ولآخذن علي بن موسى، ولأردنه حياض أبيه.
فقلت: ما شيء أفضل من أن أتقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله، فأخرج إلى
هذا الرجل فأنذره، فخرجت إلى مكة، ودخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته بما قال
هارون فجزاني خيرا، ثم قال: ليس علي منه بأس، أنا وهارون كهاتين، وأومأ
بإصبعيه (1).
الإمام يعلن إمامته وبعض أصحابه يمانعون:
وقد أصبح الإمام (عليه السلام) مضطرا لإعلان إمامته، ليواجه الانحراف الذي
يترأسه أقطاب الواقفة، ولكي يحافظ على قاعدته الشعبية، ومن جهة أخرى فإن
الإمام (عليه السلام) كان واثقا من أن الرشيد على ضلاله وطغيانه لن يصل إليه بسوء، وذلك
بما تلقاه عن آبائه (عليهم السلام) من أن قاتله غير هارون الرشيد.
وقد حاول جماعة من أصحابه (عليهم السلام) إبعاده عن مواطن الخطر، فطلبوا منه
أكثر من مرة أن يتستر في دعوته، ويحتاط لنفسه ولشيعته من أولئك الطغاة الذين
لا يرقبون الله تعالى في سلوكهم وتصرفاتهم، لكن الإمام (عليه السلام) لم يعبأ بتلك
المحاولات، ولم يغير سلوكه ونهجه في إظهار الدعوة إلى الله تعالى.



(1) إثبات الوصية: 199، العوالم 22: 225 / 1.
224
فعن محمد بن سنان أنه قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) في أيام هارون:
إنك قد شهرت نفسك بهذا الأمر، وجلست مجلس أبيك، وسيف هارون الرشيد
يقطر الدم!
فقال: جرأني على ذلك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: إن أخذ أبو جهل
من رأسي شعرة واحدة، فاشهدوا بأني لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون
من رأسي شعرة، فأنا لست بإمام (1).
وعن صفوان بن يحيى: أنه قال: لما مضى أبو الحسن موسى (عليه السلام) وقام من
بعده ولده الرضا، وأظهر الدعوة لنفسه، خفنا عليه من ذلك، وقلنا له: إنك أظهرت
أمرا عظيما، وإنا نخاف عليك من هذا الطاغية، فقال (عليه السلام): ليجهد جهده فلا سبيل
له علي (2).
الواقفة يستغلون الموقف:
ولا شك أن نوايا أصحابه (عليه السلام) كانت مخلصة تهدف إلى إبعاد الإمام (عليه السلام) عن
مواطن الخطر، وفي المقابل هناك نوايا غير مخلصة من بعض الواقفة الذين كانوا
يريدون إبعاد الإمام عن الإمامة لا عن مواطن الخطر:
فقد دخل عليه جماعة من الواقفة، وبعد حوار جرى بينه وبينهم، قال له علي
ابن أبي حمزة: أما تخاف هؤلاء على نفسك، فقال: لو خفت عليها كنت عليها معينا،



(1) الكافي 8: 257 / 371، بحار الأنوار 49: 115 / 7، العوالم 22: 222 / 3.
(2) الإرشاد 2: 255، الكافي 1: 406 / 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 226 / 4، المناقب
4: 340، بحار الأنوار 49: 115 / 6، إعلام الورى: 325.
225
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه أبو لهب فتهدده، فقال له رسول الله: إن خدشت من قبلك
خدشة فأنا كذاب، فكانت أول آية نزع بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي أول آية أنزع بها
لكم، إن خدشت خدشا من قبل هارون فأنا كذاب.
فقال له الحسين بن مهران، وكان من الواقفة: قد أتانا ما نطلب إن أظهرت
هذا القول. قال الإمام (عليه السلام): أتريد مني أن أذهب إلى هارون وأقول له: أنا الإمام،
وأنت لست بشيء، ما هكذا صنع رسول الله في أول أمره، إنما قال ذلك لأهله
ومواليه ومن يثق به، فقد خصهم دون الناس (1).
ومحاولات الواقفة تهدف إلى إيقاف الإمام عن الدعوة لنفسه، وإظهار أمر
إمامته، حتى يتمكنوا من تركيز مذهبهم القائل بأن الإمام القائم هو موسى بن
جعفر (عليه السلام) وإنه حي يرزق.
بيت الإمام (عليه السلام) يتعرض للسلب:
وفي زمان الرشيد تعرض بيت الإمام الرضا (عليه السلام) للسلب والإساءة، فقد
خرج محمد بن جعفر بالمدينة، وأعلن الثورة والتمرد على الحكم الجائر، فأرسل إليه
الرشيد جيشا بقيادة الجلودي (2) أحد أعوانه، وأمره بضرب عنقه إن ظفر به، ولم
يقف عند هذا الحد، بل أوعز إليه أن يهاجم دور آل أبي طالب، ويسلب ما على
نسائهم من ثياب وحلل، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا.
وبعد أن ظفر الجلودي بمحمد بن جعفر والثائرين معه، هاجم دور الطالبيين،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 214 / 20، بحار الأنوار 49: 114 / 5، العوالم 22: 60 / 2.
(2) هو عيسى بن يزيد الجلودي، أحد قادة الرشيد الأشداء.
226
ونفذ أوامر الرشيد بها، ولما انتهى إلى دار الإمام الرضا (عليه السلام) بخيله وجنده، وقف
الإمام على باب داره، وجعل نساءه في بيت واحد، وحاول أن يمنعهم من دخوله،
فقال له الجلودي: لا بد وأن أدخل البيت، وأتولى بنفسي سلبهن، كما أمرني
الرشيد، فقال له الرضا (عليه السلام): أنا أسلبهن لك، ولا أترك عليهن شيئا إلا جئتك به،
وظل يمانعه، ويحلف له بأنه سيأخذ جميع ما عليهن من حلي وحلل وملابس حتى
سكن، ووافق على طلب الإمام (عليه السلام).
فدخل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) على نسائه، ولم يدع عليهن شيئا حتى
أقراطهن وخلاخيلهن وملابسهن إلا أخذه منهن، وأضاف إليه جميع ما في الدار من
قليل وكثير وسلمه إلى الجلودي.
وعندما ملك المأمون غضب على الجلودي وأراد قتله، وكان الإمام
الرضا (عليه السلام) حاضرا، فقال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، هب لي هذا الشيخ.
فقال المأمون: يا سيدي، هذا الذي فعل ببنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما فعل من
سلبهن!
فنظر الجلودي إلى الرضا (عليه السلام) وهو يكلم المأمون ويسأله أن يعفو عنه ويهبه
له، فظن أنه يعين عليه، لما كان الجلودي فعله. فقال: يا أمير المؤمنين، أسألك بالله
وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في.
فقال المأمون: يا أبا الحسن، قد استعفى، ونحن نبر قسمه.
ثم قال: لا والله، لا أقبل فيك قوله، ألحقوه بصاحبيه (1)، فقدم وضربت
عنقه (2).



(1) يريد علي بن أبي عمران وابن مؤنس، وهما من الناقمين على الإمام الرضا (عليه السلام).
(2) العوالم 22: 361، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159 / 24.
227
الإمام (عليه السلام) في عصر محمد الأمين
تسلم محمد الأمين السلطة العباسية في السنة التي هلك فيها الرشيد، وهي سنة
193 ه‍؛ لأنه كان ولي عهده الأول، ومن بعده تكون الخلافة لأخيه عبد الله
المأمون، وبعدهما للقاسم أخيهما، ووزع الرشيد المناطق بينهم، فجعل للأمين ولاية
العراق والشام إلى آخر المغرب، وللمأمون من همدان إلى آخر المشرق بما في ذلك
خراسان وجهاتها، ولولده القاسم بعد أن بايع له بولاية العهد بعد أخيه المأمون
الجزيرة والثغور والعواصم، وترك للمأمون الخيار في بقائه وليا للعهد أو خلعه.
وبقي محمد الأمين بعد أبيه هارون نحو خمس سنوات وأشهر، وفي المحرم من
سنة 198 ه‍، بعد أن قتل الأمين بنتيجة المعارك التي دارت رحاها بين أنصاره
وأنصار أخيه المأمون، انتقلت السلطة إلى المأمون، واجتمع عليه المسلمون في جميع
أطراف الدولة.
وكان محمد الأمين بعد أن انتقلت الخلافة إليه غدر بأخيه المأمون، وخلعه من
ولاية العهد، وجعلها لولده موسى من بعده، بإشارة الفضل بن الربيع عليه بذلك؛
لأنه كان يحقد على المأمون، وقد خاف على مركزه في الدولة أن ينتزعه منه المأمون
إن أفضت الخلافة له.
ومهما كان الحال ففي الفترة التي حكم فيها الأمين، لم نجد في كتب التأريخ
ما يشير إلى أي موقف يدل على أنه حاول الفتك بالإمام الرضا (عليه السلام) أو الإساءة
إليه، ولعل مرد ذلك إلى انصرافه للملذات والشهوات بالإضافة إلى الخلافات التي
آلت إلى انقسام خطير بين أفراد الأسرة الحاكمة، وكان من نتائجها إقصاؤه لأخيه

228
المأمون من ولاية العهد، مما زاد من حدة الصراع بين الفريقين، واضطراب
الأوضاع في جميع أنحاء الدولة.
على أن ما كان يتمتع به المأمون من محبة الجماهير وثقتهم وقوة شخصيته، قد
دفع بالأمين وأعوانه أن يقصروا جهودهم على تجنيد جميع أجهزتهم لمراقبته - أي
المأمون - وقطع الطريق عن أي تحرك ضدهم، وأصبح خطر غيرهم ممن لا يرتضي
حكمهم ودولتهم ضئيلا إذا ما قيس بنظرهم بالخطر الداخلي الجاثم على صدورهم،
ومن الجائز أن يكون لذلك كله دخل في انصراف الأمين وجهاز حكمه عن مراقبة
الإمام الرضا (عليه السلام) وملاحقته، كما كان يفعل أسلافه مع غيره من الأئمة (عليهم السلام)، مما
قيض له فترة هادئة من الزمن، انصرف فيها إلى أداء رسالته، ونشر مبادئ الإسلام
في ذلك الجو الذي كان مشحونا بالصراعات العقائدية والخلافات المذهبية.
الإمام (عليه السلام) في عصر المأمون
كان المأمون ولي العهد من بعد أخيه الأمين الذي بويع له بعد وفاة الرشيد
سنة 193 ه‍ بعهد منه، فلما كانت سنة 195 ه‍ أعلن الأمين خلع أخيه المأمون من
ولاية العهد، وعهد لابنه موسى، ولقبه الناطق بالحق، وهو لا يزال طفلا رضيعا،
فنادى المأمون بخلع الأمين في خراسان، وتسمى بأمير المؤمنين.
فجهز الأمين وزيره علي بن عيسى بن ماهان لحرب المأمون، وجهز المأمون
طاهر بن الحسين، فالتقى الجيشان، فقتل ابن ماهان، وحمل رأسه إلى المأمون،
فطيف برأسه في خراسان.
وانهزم جيش الأمين، فتتبعه طاهر بن الحسين حتى حاصر بغداد حصارا

229
طويلا، تعرضت فيه المدينة للقتل الذريع والسلب والنهب والدمار والحرائق،
وانتهى الحصار بالقبض على الأمين، وزجه في السجن، ومن ثم قتله وهو في
السجن، واحتز رأسه، فنصب على باب من أبواب بغداد يعرف بباب الحديد إلى
الظهر، ونودي: هذا رأس المخلوع محمد، ودفنت جثته في أحد بساتين بغداد.
وحملوا الرأس إلى خراسان، فأمر المأمون بنصب الرأس في صحن الدار على
خشبة، وأعطى الجند، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه، فكان الرجل يقبض
ويلعن الرأس (1). وبويع للمأمون سنة 198 ه‍ بالخلافة في أغلب أطراف الدولة
الإسلامية.
وظهرت خلال المعارك بين الأمين والمأمون وبعدها عدة حوادث وثارت
كثير من الفتن، فقد انتفضت بغداد على السلطة العباسية، وتربص الثائرون من
الطالبيين وغيرهم الفرصة للتخلص من حكم بني العباس الذي سامهم الجور
والظلم والقتل والتشريد، يساندهم بذلك الشيعة في خراسان، المحيطون بمركز
الخلافة مرو.
فظهر نصر بن سيار بن شبث العقيلي - وهو من بني عقيل - في الشام، ومحمد
ابن إبراهيم المعروف بابن طباطبا في الكوفة، وإبراهيم بن موسى بن جعفر (عليه السلام) في
الحجاز، وزيد بن موسى بن جعفر (عليه السلام) المعروف بزيد النار في البصرة وغيرهم (2)،
وسيأتي ذكر ذلك بشيء من التفصيل خلال هذا الفصل إن شاء الله.
وكان على المأمون إزاء هذه المواقف الحرجة أن يثبت سلطانه، ويقوي أركان



(1) أنظر مروج الذهب 2: 414 - 416.
(2) أنظر مروج الذهب 3: 438 - 441.
230
حكمه الذي يوشك على الاضطراب والانفصال، وكان عليه أولا بعد مقتل أخيه
واستقلاله بالحكم، أن يعهد بولاية العهد لأحد من بعده، ويختار من يراه صالحا لهذا
الأمر، جريا على العادة التي اتبعها أسلافه.
وكان عليه أن يكون دقيقا في الاختيار، انسجاما مع دقة الظروف التي
عاشها في فترة خلافه مع أخيه وما بعدها، وأن يخضع كل خطوة يخطوها إلى
حسابات دقيقة، تربط بين نتائج الماضي وتوقعات المستقبل، وتلائم بين الشعور
الشيعي العلوي الذي يسيطر على جهة خراسان وما والاها، والشعور العباسي
العنصري الذي يسيطر على جهة العراق وغيرها من الأطراف.
فاختار لهذا الأمر الإمام الرضا (عليه السلام) لأسباب تعود لصالحه (1)، وفي نفس
الوقت جعلها ورقة لمساومة العباسيين الناقمين عليه والمؤيدين لأخيه الأمين
في الحكم. فقد جاء المأمون إلى الحكم، ورأى ما رأى من كثرة الشيعة، وإقبال
الناس على الإمام الرضا (عليه السلام)، ونقمتهم على أبيه والحاكمين من أسلافه، فحاول
المداهنة واستمالة الرأي العام، فأظهر التشيع كذبا ونفاقا، وأخذ يدافع ويناظر
عن أفضلية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأحقيته بالخلافة بعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2)، وهو لا يؤمن بشيء من ذلك، وإنما هو وسيلة لتثبيت ملكه
وتوطيد سلطانه.
ولم يكن في قرارة نفسه أن يخرج الخلافة من بني العباس إلى غيرهم من
العلويين أو سواهم، ورغم تظاهره بالتشيع نظريا لا سلوكا ومنهجا في العمل، فإنه



(1) سنأتي على أسباب عهده للإمام الرضا (عليه السلام) بالتفصيل لاحقا.
(2) أنظر عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 185 - 200 / 2، بحار الأنوار 49: 189 / 2.
231
لا يألوا جهدا في المحافظة على التراث الذي تحدر إليه من آبائه إطارا ومحتوى،
فالرشيد والمأمون كانا قد بنيا على أساس واحد وهو الاحتفاظ بالسلطة وإن
اختلف شكل البناء، فلقد دس الرشيد السم للإمام الكاظم (عليه السلام)، ودس المأمون
السم للإمام الرضا (عليه السلام)، ولكن المأمون قد استفاد من أخطاء أبيه الرشيد الذي
جاهر بالعداء لأهل البيت (عليهم السلام)، فأحكم الخطط لإخفاء جرائمه وآثامه، كما سيأتي
بيانه فيما بعد.
إشخاص الإمام (عليه السلام) إلى خراسان:
1 - روى الصدوق في (العيون) بسنده عن جماعة، قالوا: لما انقضى أمر
المخلوع، واستوى أمر المأمون كتب إلى الرضا (عليه السلام) يستدعيه ويستقدمه إلى
خراسان، فاعتل عليه الرضا (عليه السلام) بعلل كثيرة، فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتى
علم الرضا (عليه السلام) أنه لا يكف عنه، فخرج وأبو جعفر له سبع سنين، فكتب إليه
المأمون: لا تأخذ على طريق الكوفة وقم (1)، فحمل على طريق البصرة والأهواز
وفارس حتى وافى مرو (2).



(1) وذلك لكثرة الشيعة فيهما، فخاف من تألبهم واجتماعهم عليه، وطلب منه أن يذهب على
طريق البصرة والأهواز وفارس، وهي شيراز وما والاها، وذلك لأن الذاهب من العراق إلى
خراسان له طريقان (أحدهما) طريق البصرة - الأهواز - فارس. (الثاني) طريق بلاد الجبل،
وهي كرمانشاه - همدان - قم.
(2) العوالم 22: 245 / 2، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 149 / 21، بحار الأنوار 49: 133
/ 9.
232
2 - وقال الطبري: في هذه السنة - أي سنة 200 للهجرة - وجه المأمون
رجاء ابن أبي الضحاك، وهو عم الفضل بن سهل، وفرناس الخادم، لإشخاص علي
ابن موسى بن جعفر بن محمد، ومحمد بن جعفر (1).
وكان محمد بن جعفر خرج بمكة، وتسمى بإمرة المؤمنين، ثم خلع نفسه على
يد الجلودي، فخرج به الجلودي إلى العراق حتى سلمه إلى الحسن بن سهل، فبعث
به الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو مع رجاء بن أبي الضحاك، ذكر ذلك الطبري
أيضا (2)، فيكون رجاء قد أخذ الرضا (عليه السلام) من المدينة، وأخذ محمد بن جعفر من
العراق.
3 - وروى الصدوق في (العيون) بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك، قال:
بعثني المأمون في إشخاص علي بن موسى الرضا من المدينة، وأمرني أن آخذ به على
طريق البصرة والأهواز وفارس، ولا آخذ به على طريق قم، وأمرني أن أحفظه
بنفسي بالليل والنهار، حتى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة إلى مرو (3).
4 - وروى الكليني: أن المأمون كتب إلى الرضا (عليه السلام): لا تأخذ على طريق
الجبل وقم، وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس (4).



(1) تأريخ الطبري 8: 544، سير أعلام النبلاء 9: 390، الكامل في التأريخ 6: 319.
(2) تأريخ الطبري 8: 540.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 180 / 5، بحار الأنوار 49: 91 / 7، العوالم 22: 168 / 1.
(4) الكافي 1: 489 / 7.
233
5 - وفي رواية الشيخ المفيد (رحمه الله) أن المتولي لإشخاص الإمام الرضا (عليه السلام) إلى
مرو، هو الجلودي، قال: وكان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب،
فحملهم إليه من المدينة، وفيهم الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، فأخذ بهم على طريق
البصرة حتى جاءوه بهم، وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي (1).
6 - وفي (ألقاب الرسول وعترته): وكان المأمون قد بعث إلى المدينة من
حمله إلى مرو في المفاوز والبراري، لا في العمران، لئلا يراه الناس فيرغبوا فيه،
فما من منزل من منازله إلا وله (عليه السلام) فيه معجزة معروفة يرويها العامة والخاصة (2).
توديع الرسول (صلى الله عليه وآله):
روى الصدوق في (العيون) بسنده عن مخول السجستاني، قال: لما ورد
البريد بإشخاص الرضا (عليه السلام) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودع
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرارا، كل ذلك يرجع إلى القبر، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب،
فتقدمت إليه وسلمت عليه، فرد السلام وهنأته، فقال: ذرني، فإني أخرج من
جوار جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأموت في غربة، وأدفن في جنب هارون.
قال: فخرجت متبعا لطريقه، حتى مات بطوس، ودفن إلى جنب هارون (3).



(1) الإرشاد 2: 259.
(2) ألقاب الرسول وعترته: 223، العوالم 22: 229 / 3.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 217 / 26، بحار الأنوار 49: 117 / 2، العوالم 22: 226 / 1.
234
توديع العيال:
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الوشاء، قال: قال لي الرضا (عليه السلام): إني
حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا علي حتى
أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي
أبدا.
وزاد الطبري في الدلائل: ثم أخذت أبا جعفر، فأدخلته المسجد، ووضعت
يده على حافة القبر، وألصقته به، واستحفظته برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت إلي
أبو جعفر فقال لي: بأبي أنت والله تذهب إلى عادية، وأمرت جميع وكلائي وحشمي
له بالسمع والطاعة، وترك مخالفته، وعرفتهم أنه القيم مقامي (1).
توديع البيت الحرام:
وروى الحميري في الدلائل، عن أمية بن علي، قال: كنت مع
أبي الحسن (عليه السلام) بمكة، في السنة التي حج فيها، ثم صار إلى خراسان، ومعه
أبو جعفر (عليه السلام) وأبو الحسن (عليه السلام) يودع البيت، فلما قضى طوافه، عدل إلى المقام،
فصلى عنده، فصار أبو جعفر (عليه السلام) على عنق موفق (2) يطوف به، فصار
أبو جعفر (عليه السلام) إلى الحجر، فجلس فيه فأطال، فقال له موفق: قم جعلت فداك.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 217 / 28، إعلام الورى: 325، بحار الأنوار 49: 117 / 3،
العوالم 22: 226 / 2، دلائل الإمامة: 173.
(2) هو من خدام الإمام (عليه السلام) وخواصه وأصحابه.
235
فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله، واستبان في وجهه الغم.
فأتى موفق أبا الحسن (عليه السلام) فقال: جعلت فداك، قد جلس أبو جعفر (عليه السلام) في
الحجر، وهو يأبى أن يقوم، فقام أبو الحسن (عليه السلام) فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال له: قم
يا حبيبي، فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا. قال: بلى يا حبيبي. ثم قال: كيف
أقوم، وقد ودعت البيت وداعا لا ترجع إليه! فقال: قم يا حبيبي، فقام معه (1).
مسير الإمام (عليه السلام):
كان ذهاب الإمام (عليه السلام) إلى خراسان في سنة 200 للهجرة، وكان عمر الإمام
الجواد (عليه السلام) - على المشهور - سبع سنين، فلما توجه إلى السفر ظهرت له معاجز
باهرة في كل منزل، وكثير من آثارها موجود إلى الآن.
وفيما يلي نتتبع مسيره (عليه السلام) وفقا لما توفر لدينا من أخباره ورواياته (عليه السلام):
القادسية:
روى الصفار بالإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: استقبلت
الرضا (عليه السلام) إلى القادسية، فسلمت عليه، فقال لي: اكتر لي حجرة لها بابان، باب
إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك، قال: وبعث إلي بزنفليجة (2) فيها
دنانير صالحة ومصحف، وكان يأتيه رسوله في حوائجه، فأشتري له (3).



(1) كشف الغمة 3: 155، بحار الأنوار 49: 120 / 6، العوالم 22: 227 / 3.
(2) الزنفليجة: وعاء للأدوات، فارسي معرب.
(3) بصائر الدرجات: 266، الجزء 5، الباب 11، الحديث 8، بحار الأنوار 49: 46 / 41.
236
وقال أيضا: لما أتي بأبي الحسن (عليه السلام) أخذ به على القادسية، ولم يدخل
الكوفة، وأخذ به على براني البصرة، قال: فبعث إلي مصحفا وأنا بالقادسية (1)،
الحديث.
البصرة:
وورد (عليه السلام) البصرة، كما يستفاد من الحديث المروي عن ابن علوان (2)، وهو
نحو الحديث المتقدم عن أبي حبيب النباجي.
الأهواز:
وورد (عليه السلام) الأهواز، روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي الحسن الصائغ،
عن عمه، قال: خرجت مع الرضا (عليه السلام) إلى خراسان، أؤامره (3) في قتل رجاء بن
أبي الضحاك الذي حمله إلى خراسان، فنهاني عن ذلك. فقال: أتريد أن تقتل نفسا
مؤمنة بنفس كافرة؟
قال: فلما سار إلى الأهواز قال لأهل الأهواز: اطلبوا لي قصب سكر،
فقال بعض أهل الأهواز ممن لا يعقل: أعرابي لا يعلم أن القصب لا يوجد في
الصيف!
فقالوا: يا سيدنا، القصب لا يكون في هذا الوقت، إنما يكون في الشتاء.



(1) بحار الأنوار 92: 54 / 22.
(2) أنظر العوالم 22: 228.
(3) أي: أشاوره.
237
فقال (عليه السلام): بلى، اطلبوه، فإنكم ستجدونه.
فقال إسحاق بن محمد: والله ما طلب سيدي إلا موجودا، فأرسلوا إلى جميع
النواحي، فجاء أكره (1) إسحاق فقالوا: عندنا شيء ادخرناه للبذرة نزرعه. فكانت
هذه إحدى براهينه (2).
ومما جرى له (عليه السلام) في الأهواز أيضا، ما رواه الراوندي بإسناده عن
أبي هاشم الجعفري، قال: لما بعث المأمون رجاء بن أبي الضحاك لحمل أبي الحسن
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) على طريق الأهواز، ولم يمر على طريق الكوفة فيفتتن به
أهلها، وكنت بالشرقي من إيذج (3) - موضع - فلما سمعت به سرت إليه بالأهواز،
انتسبت له، وكان أول لقائي له، وكان مريضا، وكان زمن القيظ فقال: ابغ لي طبيبا.
فأتيته بطبيب، فنعت له بقلة، فقال الطبيب: لا أعرف أحدا على وجه
الأرض يعرف اسمها غيرك، فمن أين عرفتها؟ إلا أنها ليست في هذا الأوان،
ولا هذا الزمان.
قال له: فابغ لي قصب السكر. فقال الطبيب: وهذه أدهى من الأولى، ما هذا
بزمان قصب السكر.
فقال الرضا (عليه السلام): هما في أرضكم هذه، وزمانكم هذا، وهذا معك، فامضيا
إلى شاذروان الماء واعبراه، فيرفع لكم جوخان - أي بيدر - فاقصداه، فستجدان
رجلا هناك أسود في جوخانة، فقولا له: أين منبت قصب السكر، وأين منابت



(1) الأكرة: الزراع.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 205 / 5، بحار الأنوار 49: 116 / 1، العوالم 22: 230 / 1.
(3) إيذج: بلدة من كور الأهواز وبلاد الخوز.
238
الحشيشة الفلانية - ذهب على أبي هاشم اسمها - فقال: يا أبا هاشم، دونك القوم.
فقمت، وإذا الجوخان والرجل الأسود، قال: فسألناه فأوما إلى ظهره، فإذا قصب
السكر، فأخذنا منه حاجتنا، ورجعنا إلى الجوخان، فلم نر صاحبه فيه، فرجعنا إلى
الرضا (عليه السلام) فحمد الله.
فقال لي الطبيب: ابن من هذا؟ قلت: ابن سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله). قال: فعنده
من أقاليد النبوة شيء؟ قلت: نعم، وقد شهدت بعضها، وليس بنبي. قال: وصي
نبي؟ قلت: أما هذا فنعم. فبلغ ذلك رجاء بن أبي الضحاك، فقال لأصحابه: لئن
أقام بعد هذا لتمدن إليه الرقاب، فارتحل به (1).
قنطرة أربق:
ورحل (عليه السلام) من الأهواز إلى قنطرة أربق (2)، روى الصدوق (رحمه الله) عن جعفر
ابن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) وهو بقنطرة أربق، فسلمت عليه، ثم
جلست وقلت: جعلت فداك، إن أناسا يزعمون أن أباك (عليه السلام) حي؟
فقال: كذبوا لعنهم الله، لو كان حيا ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه
والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فقلت له: ما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فإني
ذاهب في وجه الأرض لا أرجع، بورك قبر بطوس، وقبران ببغداد.



(1) الخرائج والجرائح 2: 661 / 4، بحار الأنوار 49: 117 / 4، العوالم 22: 231 / 2.
(2) ويقال لها: أربك، من نواحي رامهرمز بخوزستان، ذات قرى ومزارع، وعندها قنطرة
مشهورة.
239
قال: قلت: جعلت فداك، عرفنا واحدا، فما الثاني؟
قال: ستعرفونه، ثم قال (عليه السلام): قبري وقبر هارون هكذا - وضم بإصبعيه (1).
مفازة خراسان:
ورحل (عليه السلام) إلى خراسان سالكا طريق الصحراء، قال محمد بن حفص:
حدثني مولى العبد الصالح أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: كنت وجماعة مع
الرضا (عليه السلام) في مفازة، فأصابنا عطش شديد ودوابنا حتى خفنا على أنفسنا. فقال لنا
الرضا (عليه السلام): ائتوا موضعا - وصفه لنا - فإنكم تصيبون الماء فيه.
قال: فأتينا الموضع، فأصبنا الماء، وسقينا دوابنا حتى رويت، وروينا ومن
معنا من القافلة، ثم رحلنا، فأمرنا (عليه السلام) بطلب العين، فطلبناها فما أصبنا إلا بعر
الإبل، ولم نجد للعين أثرا، فذكرت ذلك لرجل من ولد قنبر، كان يزعم أن له مائة
وعشرين سنة، فأخبرني القنبري بمثل هذا الحديث سواء، قال: كنا أنا أيضا معه في
خدمته، وأخبرني القنبري أنه كان (عليه السلام) في ذلك مصعدا إلى خراسان (2).
حديث سلسلة الذهب:
في كتاب (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي، قال: حدث المولى السعيد



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 23، إعلام الورى: 324، بحار الأنوار 49: 285 / 6،
العوالم 22: 472 / 5.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 25، بحار الأنوار 49: 37 / 20، العوالم 22: 87 /
34.
240
إمام الدنيا عماد الدين محمد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوزان في محرم سنة ست
وتسعين وخمسمائة: أورد صاحب كتاب (تأريخ نيسابور) في كتابه: أن علي بن
موسى الرضا (عليهما السلام) لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة
الشهادة، كان في قبة مستورة بالسقلاط (1) على بغلة شهباء، وقد شق نيسابور،
فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية، والمثابران على السنة المحمدية: أبو
زرعة الرازي، ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم
وأهل الأحاديث وأهل الرواية والدراية، فقالا: أيها السيد الجليل، ابن السادة
الأئمة، بحق آبائك الأطهرين، وأسلافك الأكرمين، إلا ما أريتنا وجهك الميمون
المبارك، ورويت لنا حديثا عن آبائك، عن جدك محمد (صلى الله عليه وآله)، نذكرك به.
فاستوقف البغلة، وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبة، وأقر عيون تلك
الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان على عاتقه، والناس كلهم قيام
على طبقاتهم، ينظرون إليه، وهم ما بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل
لحافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة والعلماء والفقهاء: معاشر الناس، اسمعوا
وعوا، وانصتوا لسماع ما ينفعكم، ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم، وكان
المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي.
فقال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام): حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر
الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين
شهيد كربلاء، عن أبيه علي بن أبي طالب، أنه قال: حدثني حبيبي وقرة عيني
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: حدثني جبرئيل، قال: سمعت رب العزة سبحانه وتعالى



(1) السقلاط: شيء من الصوف يجعل على الهودج.
241
يقول: " كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن
عذابي "، ثم أرخى الستر على القبة وسار، فعدوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا
يكتبون، فأنافوا على عشرين ألفا.
وفي رواية: عد من المحابر أربعة وعشرون ألفا سوى الدوي (1).
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض
أمراء السامانية، فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه في قبره، فرؤي بالنوم بعد
موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي بلا إله إلا الله، وتصديق بأن
محمدا رسول الله (2).
وفي رواية: " لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي "، فلما
مرت الراحلة نادانا: بشروطها، وأنا من شروطها (3).
والحديث من الأحاديث المتفق عليها بين المحدثين بهذا الإسناد، ذكره كل من
وصف رحلة الإمام (عليه السلام) إلى خراسان (4).
الإيمان معرفة بالقلب:
عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال: كنت مع علي بن موسى



(1) الدوي: جمع دواة، المحبرة.
(2) الفصول المهمة: 250 - 251.
(3) أمالي الصدوق: 195 / 8.
(4) أمالي الطوسي 2: 201، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 134 / 1، و 135 / 4، بحار الأنوار
49: 12 / 1، و 126 / 3، و 122 / 3، و 123 / 4، التوحيد: 24 / 22.
242
الرضا (عليه السلام) ودخل نيسابور راكبا بغلة شهباء، أو بغلا أشهب - الشك من
أبي الصلت - فغدا في طلبه علماء البلد: ياسين بن النضر، وأحمد بن حرب، ويحيى
ابن يحيى، وعدة من أهل العلم، فتعلقوا بلجامه في المربع (1)، فقالوا: بحق آبائك
الطاهرين، حدثنا بحديث سمعته من أبيك.
فقال (عليه السلام): حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر، قال موسى: حدثني
أبي الصادق جعفر بن محمد، حدثني أبي أبو جعفر باقر العلم - علم الأنبياء - قال
أبو جعفر: حدثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين، حدثني أبي سيد أهل الجنة
الحسين، حدثني أبي سيد العرب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: سألت
رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما الإيمان؟ قال: " معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل
بالأركان ".
قال أبو علي: قال لي أحمد بن حنبل: إن قرأت هذا الإسناد على مجنون برئ
من جنونه (2).
القرية الحمراء:
ومر (عليه السلام) بالقرية الحمراء (3) بعد أن رحل من نيسابور، فعن عبد السلام بن
صالح الهروي، قال: لما خرج الرضا علي بن موسى (عليه السلام) من نيسابور إلى المأمون،
فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له: يا بن رسول الله، قد زالت الشمس، أفلا تصلي؟



(1) لعله اسم محلة في نيسابور.
(2) العوالم 22: 240 / 1، عن أخبار أصبهان 1: 138، وانظر إحقاق الحق 12: 392.
(3) موضع بين نيسابور ومشهد.
243
فنزل (عليه السلام) فقال: ائتوني بماء. فقيل: ما معنا ماء. فبحث (عليه السلام) بيده الأرض، فنبع
من الماء ما توضأ به هو ومن معه، وأثره باق إلى اليوم (1).
سناباد:
قال عبد السلام بن صالح الهروي، لما دخل الرضا (عليه السلام) سناباد استند إلى
الجبل الذي تنحت منه القدور، فقال: اللهم انفع به، وبارك فيما يجعل فيه، وفيما ينحت
منه، ثم أمر (عليه السلام) فنحت له قدور من الجبل، وقال: لا يطبخ ما آكله إلا فيها.
وكان (عليه السلام) خفيف الأكل قليل الطعم، فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم، وظهرت
بركة دعائه (عليه السلام) فيه.
ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي، ودخل القبة التي فيها قبر هارون
الرشيد، ثم خط بيده إلى جانبه. ثم قال: هذه تربتي، وفيها أدفن، وسيجعل الله هذا
المكان مختلف شيعتي وأهل محبتي، والله ما يزورني منهم زائر، ولا يسلم علي منهم
مسلم إلا وجب له غفران الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت.
ثم استقبل القبلة، فصلى ركعات، ودعا بدعوات، فلما فرغ سجد سجدة
طال مكثه فيها، فأحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة، ثم انصرف (2).
وعن ياسر خادم المأمون، أنه قال: لما نزل أبو الحسن علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) قصر حميد بن قحطبة، نزع ثيابه، وناولها حميدا فاحتملها، وناولها
جارية له لتغسلها، فما لبثت أن جاءت ومعها رقعة، فناولتها حميدا، وقالت:



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 136 / 1، بحار الأنوار 49: 125 / 1، العوالم 22: 241 / 1.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 136 / 1، بحار الأنوار 49: 125 / 1، العوالم 22: 241 / 1.
244
وجدتها في جيب أبي الحسن (عليه السلام).
فقلت: جعلت فداك، إن الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فها هي.
قال: يا حميد، هذه عوذة لا نفارقها.
فقلت: لو شرفتني بها، فقال: هذه عوذة من أمسكها في جيبه كان البلاء
مدفوعا عنه، وكانت له حرزا من الشيطان الرجيم، ثم أملى على حميد العوذة،
وهي:
" بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أو
غير تقي، أخذت بالله السميع البصير على سمعك وبصرك، لا سلطان لك علي،
ولا على سمعي، ولا على بصري، ولا على شعري، ولا على بشري، ولا على لحمي،
ولا على دمي، ولا على مخي، ولا على عصبي، ولا على عظامي، ولا على مالي،
ولا على ما رزقني ربي، سترت بيني وبينك بستر النبوة الذي استتر أنبياء الله به من
سطوات الجبابرة والفراعنة، جبرئيل عن يميني، وميكائيل عن يساري، وإسرافيل
عن ورائي، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أمامي، والله مطلع علي، يمنعك مني، ويمنع الشيطان مني.
اللهم لا يغلب جهله أناتك أن يستفزني ويستخفني، اللهم إليك التجأت،
اللهم إليك التجأت، اللهم إليك التجأت " (1).
طوس:
وروى ابن شهرآشوب، عن موسى بن سيار، قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) وقد
أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية فاتبعتها، فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت



(1) بحار الأنوار 94: 192 / 1، و 343 / 1.
245
بها، رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه، ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثم أقبل
يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمها، ثم أقبل علي وقال: يا موسى بن سيار، من شيع
جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، حتى إذا وضع
الرجل على شفير قبره، رأيت سيدي قد أقبل فأخرج الناس عن الجنازة حتى بدا له
الميت، فوضع يده على صدره، ثم قال: يا فلان بن فلان، أبشر بالجنة، فلا خوف
عليك بعد هذه الساعة. الحديث (1).
سرخس:
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن
عبيد الضبي، عن أبيه، قال: سمعت جدي يقول: سمعت أبي يقول: لما قدم علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) نيسابور أيام المأمون قمت في حوائجه والتصرف في أمره ما دام
بها، فلما خرج إلى مرو شيعته إلى سرخس، فلما خرج من سرخس أردت أن
أشيعه إلى مرو، فلما سار مرحلة، أخرج رأسه من العمارية، وقال لي: يا عبد الله،
انصرف راشدا، فقد قمت بالواجب، وليس للتشييع غاية، قال: قلت: بحق المصطفى
والمرتضى والزهراء، لما حدثتني بحديث تشفيني به حتى أرجع، فقال: تسألني
الحديث، وقد أخرجت من جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا أدري إلى ما يصير أمري؟
قال: قلت: بحق المصطفى والمرتضى والزهراء، لما حدثتني بحديث تشفيني به
حتى أرجع. فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، أنه سمع أباه يذكر أنه سمع أباه
يقول: سمعت أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يذكر أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: قال الله
عز وجل: " لا إله إلا الله اسمي، من قاله مخلصا من قلبه دخل حصني، ومن دخل



(1) بحار الأنوار 49: 98 / 13، العوالم 22: 213 / 1.
246
حصني أمن من عذابي " (1).
مرو:
وكانت مرو مركز الخلافة ودار الإمارة بعد أن اتخذها المأمون قاعدة
لحكومته بدلا من بغداد، وذلك بعد أن رجح له ذلك قادته وحاشيته وفاء للبلد
الذي نصره وانتصر له في أحلك الظروف، وكانت مرو المحطة الأخيرة من مسير
الإمام (عليه السلام).
المأمون يقترح الخلافة، والإمام (عليه السلام) يرفض:
لما قدم الرضا (عليه السلام) إلى مرو أكرمه المأمون ورحب به وبالجماعة من
آل أبي طالب، قال الشيخ المفيد: فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا، وأنزل الرضا
علي بن موسى (عليهما السلام) دارا، وأكرمه وعظم أمره، ثم أنفذ إليه: إني أريد أن أخلع
نفسي من الخلافة، وأقلدك إياها، فما رأيك في ذلك؟ فأنكر الرضا (عليه السلام) هذا الأمر،
وقال له: أعيذك بالله - يا أمير المؤمنين - من هذا الكلام، وأن يسمع به أحد.
فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي،
فأبى عليه الرضا إباء شديدا، فاستدعاه إليه وخلا به، ومعه الفضل بن سهل
ذو الرئاستين، ليس في المجلس غيرهم، وقال له: إني قد رأيت أن أقلدك أمر
المسلمين، وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك.
فقال له الرضا (عليه السلام): الله الله - يا أمير المؤمنين - إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة
لي عليه.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 137 / 2، بحار الأنوار 49: 126 / 2، العوالم 22: 242 / 2.
247
قال له: فإني موليك العهد من بعدي، فقال له: أعفني من ذلك يا أمير
المؤمنين، فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد له على الامتناع عليه، وقال له في
كلامه: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب، وشرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه، ولا بد من قبولك
ما أريده منك، فإنني لا أجد محيصا عنه، وفي رواية: وإنما جلبناك من المدينة ليس
بأمرك، ولا رغبتك. فقال له الرضا (عليه السلام): فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد،
على أنني لا آمر ولا أنهى، ولا أفتي ولا أقضي، ولا أولي ولا أعزل، ولا أغير شيئا
مما هو قائم، فأجابه المأمون إلى ذلك كله.
وقال: أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدثنا جدي، قال:
حدثني موسى بن سلمة، قال: كنت بخراسان مع محمد بن جعفر، فسمعت أن
ذا الرئاستين خرج ذات يوم وهو يقول: وا عجباه، وقد رأيت عجبا، سلوني
ما رأيت؟ فقالوا: وما رأيت أصلحك الله؟
قال: رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى الرضا: قد رأيت أن
أقلدك أمور المسلمين، وأفسخ ما في رقبتي، وأجعله في رقبتك. ورأيت علي بن
موسى يقول: يا أمير المؤمنين، لا طاقة لي بذلك ولا قوة. فما رأيت خلافة قط كانت
أضيع منها، إن أمير المؤمنين يتفصى (1) منها ويعرضها على علي بن موسى، وعلي بن
موسى يرفضها ويأبى (2).



(1) أي: يتنصل.
(2) الإرشاد 2: 259 - 260، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 141 / 6، إعلام الورى: 333 -
334، بحار الأنوار 49: 136 / 11.
248
المأمون يقترح ولاية العهد، والإمام (عليه السلام) يقبل بشروط:
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي الصلت الهروي، قال: إن المأمون
قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك
وعبادتك، وأراك أحق بالخلافة مني.
فقال الرضا (عليه السلام): بالعبودية لله عز وجل أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو
النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا
أرجو الرفعة عند الله عز وجل.
فقال له المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك
وأبايعك.
فقال له الإمام الرضا (عليه السلام): إن كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك،
فلا يجوز أن تخلع لباسا ألبسكه الله، وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك
فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك.
فقال له المأمون: يا بن رسول الله، لا بد لك من قبول هذا الأمر.
فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا. فما زال يجهد به أياما حتى يئس من
قبوله، فقال له: فإن لم تقبل الخلافة، ولم تحب مبايعتي لك، فكن ولي عهدي، لتكون
لك الخلافة بعدي.
فقال الرضا (عليه السلام): والله لقد حدثني أبي، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير
المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم
مظلوما، تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأدفن في أرض غربة إلى
جنب هارون الرشيد.

249
فبكى المأمون، ثم قال له: يا بن رسول الله، ومن الذي يقتلك، أو يقدر على
الإساءة إليك وأنا حي؟
فقال الرضا (عليه السلام): أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت.
فقال المأمون: يا بن رسول الله، إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك،
ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا.
فقال الرضا (عليه السلام): والله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل، وما زهدت في
الدنيا للدنيا، وإني لأعلم ما تريد.
فقال المأمون: وما أريد.
قال: تريد بذلك أن يقول الناس: إن علي بن موسى (عليهما السلام) لم يزهد في الدنيا
بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟
فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني أبدا بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبالله
أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك. فإن فعلت وإلا ضربت عنقك.
فقال الرضا (عليه السلام): قد نهاني الله تعالى أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان
الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك على أني لا أولي أحدا، ولا أعزل
أحدا، ولا أنقض رسما، ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيرا (1). فرضي منه
بذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه (عليه السلام) لذلك.
2 - وروى الصدوق في (العيون) بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 139 / 3، علل الشرائع 2: 237 / 1، أمالي الصدوق: 65 /
3، بحار الأنوار 49: 128 / 3.
250
- في حديث - قال: إن الرضا (عليه السلام) لما ورد مرو، عرض عليه المأمون أن يتقلد
الإمرة والخلافة، فأبى الرضا (عليه السلام) ذلك، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة، وبقوا في
ذلك نحوا من شهرين، كل ذلك يأبى عليه أبو الحسن علي بن موسى (عليه السلام) أن يقبل
ما يعرض عليه.
فلما أكثر الكلام والخطاب في هذا، قال المأمون: فولاية العهد؟
فأجابه إلى ذلك، وقال له: على شروط أسألكها. فقال المأمون: سل
ما شئت.
قالوا: فكتب الرضا (عليه السلام): إني داخل في ولاية العهد على أن لا آمر
ولا أنهى، ولا أقضي، ولا أغير شيئا مما هو قائم، وتعفيني من ذلك كله.
فأجابه المأمون إلى ذلك، وقبلها على كل هذه الشروط، ودعا المأمون الولاة
والقضاة والقواد والشاكرية وولد العباس إلى ذلك، فاضطربوا عليه، فأخرج أموالا
كثيرة، وأعطى القواد وأرضاهم (1).
الإمام (عليه السلام) يذكر بالشروط:
كان المأمون يحاول في العديد من المناسبات إقحام الإمام (عليه السلام) في بعض
المواقف، لكي يجعل الإمام (عليه السلام) مشاركا له في الحكم، لكن الإمام (عليه السلام) بقي ملتزما
بموقفه، واقفا عند حدود ما شرط على نفسه وعلى المأمون، مذكرا المأمون بهذه
الشروط، ومن هذه المواقف:



(1) العوالم 22: 245 / 2، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 149 / 21، بحار الأنوار 49: 133 /
9.
251
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عرفة وصالح بن سعيد،
قالا: لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد
ويخطب، لتطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضله، وتقر قلوبهم على هذه الدولة
المباركة، فبعث إليه الرضا (عليه السلام) وقال: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في
دخولي هذا الأمر.
فقال المأمون: إنما أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامة والجند والشاكرية هذا
الأمر، فتطمئن قلوبهم، ويقروا بما فضلك الله تعالى به، فلم يزل يراده الكلام في
ذلك، فلما ألح عليه، قال: يا أمير المؤمنين، إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي،
وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكما خرج أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب (عليه السلام).
فقال المأمون: اخرج كما تحب. الحديث. وسيأتي مفصلا في هذا الفصل (1).
2 - وفي رواية أخرى عن (عيون الأخبار) عن معمر بن خلاد: أن المأمون
قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن، انظر بعض من تثق به توليه هذه البلدان
التي قد فسدت علينا.
فقال له الإمام الرضا (عليه السلام) كما جاء في الرواية: تفي لي وأفي لك، إنما دخلت
فيما دخلت على أن لا آمر ولا أنهى، ولا أعزل ولا أولي، ولا أسير حتى يقدمني الله
قبلك، فوالله إن الخلافة شيء ما حدثت به نفسي، ولقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 149 / 21، بحار الأنوار 49: 133 / 9.
252
على دابتي، وإن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم، فيصيرون لي
كالأعمام، وإن كتبي نافذة في الأمصار، وما زدتني في نعمة هي علي من ربي.
فقال: أفي لك (1).
3 - وفي (الكافي) بالإسناد عن معمر بن خلاد، قال: قال لي أبو الحسن
الرضا (عليه السلام): قال لي المأمون: يا أبا الحسن، لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه
النواحي التي قد فسدت علينا.
قال: قلت له: يا أمير المؤمنين، إن وفيت لي وفيت لك، إنما دخلت في هذا
الأمر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى، ولا أولي ولا أعزل، وما زادني هذا
الأمر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا، ولقد كنت بالمدينة، وكتابي ينفذ في
المشرق والمغرب، ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني،
وما كان بها أحد منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له.
قال: فقال لي: أفي لك (2).
الإمام (عليه السلام) يوافق مكرها:
1 - روي عن عتاب بن أسيد، قال: ثم ملك المأمون عشرين سنة وثلاثة
وعشرين يوما، فأخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) بعهد المسلمين من



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 164 / 29، بحار الأنوار 49: 144 / 20، العوالم 22: 287 /
2.
(2) الكافي 8: 151 / 134، بحار الأنوار 49: 155 / 27، العوالم 22: 287 / 1.
253
غير رضاه، وذلك بعد أن تهدده بالقتل، وألح عليه مرة بعد أخرى، في كلها يأبى
عليه، حتى أشرف من يأسه على الهلاك.
وقال (عليه السلام): اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة، وقد أشرفت
من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده، وقد أكرهت
واضطررت، كما اضطر يوسف ودانيال (عليهما السلام) إذ قبل كل واحد منهما الولاية
لطاغية زمانه، اللهم لا عهد لي إلا عهدك، ولا ولاية لي إلا من قبلك، فوفقني
لإقامة دينك، وإحياء سنة نبيك، فإنك أنت المولى والنصير، نعم المولى أنت،
ونعم النصير.
ثم قبل ولاية العهد من المأمون وهو مكروب حزين، على أن لا يولي أحدا
ولا يعزل أحدا، ولا يغير سنة ولا رسما، وأن يكون في الأمر مشيرا من بعيد، فأخذ
له المأمون البيعة على الخاص والعام.
وكان إذا ظهر للمأمون من الرضا (عليه السلام) فضل وعلم وحسن تدبير، حسده
على ذلك، وحقده عليه، حتى ضاق صدره منه، فغدر به، فقتله بالسم، ومضى إلى
رضوان الله وكرامته (1).
2 - وعن ياسر الخادم، قال: لما ولي الرضا (عليه السلام) العهد، سمعته وقد رفع يديه
إلى السماء، وقال: اللهم إنك تعلم أني مكره مضطر، فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ
عبدك ونبيك يوسف حين دفع إلى ولاية مصر (2).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 18 / 1، بحار الأنوار 49: 9 / 15، العوالم 22: 283 / 4.
(2) أمالي الصدوق: 525 / 13، بحار الأنوار 49: 130 / 5.
254
3 - وعن الهروي، قال: والله ما دخل الرضا (عليه السلام) في هذا الأمر طائعا، وقد
حمل إلى الكوفة مكرها، ثم أشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو (1).
تساؤلات:
وإجابات الإمام (عليه السلام) على تساؤلات أصحابه وغيرهم، توحي جميعا بعدم
اقتناع الإمام (عليه السلام) بجدية موقف المأمون، وعدم الموافقة المبدئية من قبله (عليه السلام)،
وتعبر عن الواقع السياسي الذي فرض عليه ولاية العهد، وفيما يلي بعض هذه
الإجابات:
1 - وعن الريان قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت له: يا بن
رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا.
فقال (عليه السلام): قد علم الله كراهتي لذلك، فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل،
اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أن يوسف (عليه السلام) كان نبيا رسولا، فلما
دفعته الضرورة إلى تولي [خزائن العزيز] قال له: (اجعلني على خزائن الأرض إني
حفيظ عليم) (2)، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف
على الهلاك، على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه، فإلى الله
المشتكى، وهو المستعان (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 141 / 5، بحار الأنوار 49: 140 / 15.
(2) يوسف: 55.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 139 / 2، أمالي الصدوق: 68 / 3، بحار الأنوار 49: 130 / 4.
255
2 - وعن الحسن بن موسى، قال: روى أصحابنا عن الرضا (عليه السلام) أنه قال له
رجل: أصلحك الله، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟ فكأنه أنكر عليه،
فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): يا هذا، أيهما أفضل، النبي أو الوصي؟
فقال: لا، بل النبي.
قال: فأيهما أفضل، مسلم أو مشرك؟ قال: لا، بل مسلم.
قال: فإن العزيز - عزيز مصر - كان مشركا، وكان يوسف (عليه السلام) نبيا، وإن
المأمون مسلم وأنا وصي، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال: (اجعلني على
خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (1) وأنا أجبرت على ذلك (2).
3 - وعن محمد بن عرفة، قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما حملك
على الدخول في ولاية العهد؟
فقال (عليه السلام): ما حمل جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى (3).
4 - وعن محمد بن زيد الرزامي، قال: كنت في خدمة الرضا (عليه السلام) لما جعله
المأمون ولي عهده، فأتاه رجل من الخوارج... فقال: أخبرني عن دخولك لهذا



(1) يوسف: 55.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 138 / 1، تفسير العياشي 2: 180 / 38، بحار الأنوار 49:
136 / 10، علل الشرائع 1: 238 / 2.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 140 / 4، بحار الأنوار 49: 140 / 14.
256
الطاغية فيما دخلت له، وهم عندك كفار، وأنت ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما حملك على
هذا؟!
فقال أبو الحسن (عليه السلام): أرأيتك هؤلاء أكفر عندك، أم عزيز مصر وأهل
مملكته؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنهم موحدون، وأولئك لم يوحدوا الله،
ولم يعرفوه؟! ويوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، قال للعزيز وهو كافر: (اجعلني
على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (1)، وكان يجالس الفراعنة، وأنا رجل من ولد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجبرني على هذا الأمر، وأكرهني عليه، فما الذي أنكرت ونقمت
علي؟
فقال: لا عتب عليك، إني أشهد أنك ابن نبي الله، وأنك صادق (2).
لماذا السلبية؟
يواجه الباحث في ظروف وملابسات تلك الفترة العصيبة من حياة
الإمام (عليه السلام) عدة تساؤلات، أهمها: لماذا هذه السلبية من الإمام (عليه السلام)؟ ولماذا يكره
الإمام (عليه السلام) على قبول ولاية العهد، ولا يكره على قبول الخلافة؟ ولماذا قبل الإمام
ولاية العهد بشرط عدم التدخل في شؤون الدولة؟
وباختصار يمكن القول: إن الإمام (عليه السلام) قد رفض التعاون مع المأمون في إنفاذ
مهام الدولة وقيادة جهازها، أي رفض الخلافة دون أي قيد أو شرط، وقبل ولاية
العهد بالإكراه وبشروط وضعها، كما بيناه آنفا، وذلك لأن نظرته (عليه السلام) للحكم ليست



(1) يوسف: 55.
(2) الخرائج والجرائح 1: 766 / 86، بحار الأنوار 49: 55 / 67، العوالم 22: 108 / 73.
257
إيجابية، ولأنه كان يعتبره حكما غير شرعي ولا منصوص عليه من قبل صاحب
الرسالة (صلى الله عليه وآله).
ولهذا السبب سمعنا الإنكار عليه من أصحابه وغيرهم في قبول ولاية العهد
الذي يعتبر اعترافا ضمنيا بشرعية الخلافة القائمة، وكان تبرير الإمام (عليه السلام) أنه
مكره، وأن دخوله في هذا الأمر لن يغير من موقفه إزاء الحكم شيئا، وإنما دخل
دخول خارج منه كما دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشورى.
ولو أراد الإمام (عليه السلام) أن يشارك المأمون في إنفاذ مهام الدولة، والقيام في
تحمل أعباء مسؤولية الحكم، لكان ذلك بمثابة اعتراف بشرعية تركيبة الحكم،
وإقرار بالتصرفات الصادرة عن أجهزته، ولكنه آثر دور المشير من البعيد، ليحفظ
المصلحة الإسلامية التي يجب عليه رعايتها في التوجيه والإرشاد، فبالقدر الذي
كان المأمون ذكيا وبارعا في فرض ولاية العهد على الإمام (عليه السلام) لتحقيق مصالح
وأهداف سياسية تعود بالنفع لسلطته وللخلافة العباسية، كان الإمام (عليه السلام) واعيا
لموقفه، وبصيرا بالعواقب التي تترتب على مشاركته العملية في الحكم، لهذا ابتعد
وبشدة عن مواطن المسؤولية.
ولم يكره المأمون الإمام (عليه السلام) على قبول الخلافة كما أكرهه على قبول ولاية
العهد، لأنه لم يكن جديا في عرضه الخلافة، بل كان يهدف إلى انتزاع صبغة
الشرعية من وجود الإمام المقدس، فبمجرد عرضه الخلافة على الإمام (عليه السلام) فإنه
سيحرز انتصارا للخلافة العباسية سواء رفض الإمام أو لم يرفض - وذلك وفقا
لاعتقاد المأمون - فإن قبل الإمام (عليه السلام) الخلافة، فسيكون المأمون وليا للعهد،
وبذلك يضمن شرعية خلافته بعد مضي الإمام (عليه السلام) عند جميع الأطراف المتنازعة،
وحينما يصبح وليا للعهد يسهل عليه في حينه القضاء على الإمام ليستلم من بعده

258
مركز الخلافة دون أن يشعر به أحد، ويكون بذلك قد أرضى طموح العلويين وشيعة
أهل البيت (عليهم السلام) في خراسان وما والاها وأقنعهم بشرعية خلافته.
وفي حال عدم موافقة الإمام (عليه السلام) فإن ذلك سيعرض الإمام (عليه السلام) للنقد
الواسع من قبل عامة شيعته وأتباعه - كما يتصور المأمون - باعتبار أن الخلافة حق
شرعي له (عليه السلام) وعليه أن يقبل ذلك، وهذا ما لم يتحقق، لأن قاعدة الإمام (عليه السلام)
وأصحابه كانوا على دراية بموقف السلطة ونواياها، وكانوا يدركون حراجة موقف
الإمام (عليه السلام) وإكراهه للدخول في هذا الأمر.
ولو رفض الإمام أيضا فإن المأمون سيكون معذورا عند كافة الفرقاء، لأنه
سلم الأمر لأهله فردوه عليه، وبذلك يكون قد قطع ألسنة المعارضين من الجهة
الشيعية المعارضة.
وهذه فذلكة سياسية صدرت من داهية بني العباس (المأمون)، للسيطرة
على العرش العباسي بيده الحديدية وإحراز بقائه عليها، والهيمنة على جميع
الأطراف المتنازعة حينذاك بما فيهم العباسيين والثوار العلويين.
وسنأتي على بيان الأسباب في ولاية العهد والدوافع السياسية في ثنايا هذا
البحث بإذن الله تعالى.
مقدمات ولاية العهد ومراسمه:
1 - عن إبراهيم بن العباس، قال: كانت البيعة للرضا (عليه السلام) لخمس خلون من
شهر رمضان سنة إحدى ومائتين (1)، وقيل في التأريخ غير ذلك على ما سيأتي.



(1) إعلام الورى: 343.
259
2 - وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): وذكر جماعة من أصحاب الأخبار ورواة السير
والآثار وأيام الخلفاء: أن المأمون لما أراد العقد للرضا علي بن موسى (عليه السلام) وحدث
نفسه بذلك، أحضر الفضل بن سهل، فأعلمه ما قد عزم عليه من ذلك، وأمره
بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته، فجعل
الحسن يعظم ذلك عليه، ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه، فقال له المأمون:
إني عاهدت الله أنني إن ظفرت بالمخلوع (1) أخرجت الخلافة إلى أفضل
آل أبي طالب، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.
فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك، أمسكا عن معارضته فيه،
فأرسلهما إلى الرضا (عليه السلام) فعرضا ذلك عليه، فامتنع منه، فلم يزالا به حتى أجاب،
ورجعا إلى المأمون، فعرفاه إجابته، فسر بذلك، وجلس للخاصة في يوم خميس،
وخرج الفضل بن سهل، فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى، وأنه قد
ولاه عهده وسماه الرضا (2)، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس
الآخر، على أن يأخذوا رزق سنة (3).



(1) المراد أخوه محمد بن هارون الأمين.
(2) تقدم في ملامح من شخصيته (عليه السلام) أن الذي سماه الرضا (عليه السلام) وكناه بأبي الحسن هو الإمام
الكاظم (عليه السلام).
(3) ذكر أبو الفرج في المقاتل: 375 نحو هذا الحديث، إلا أنه قال: فأرسلهما إلى علي بن موسى
الرضا، فعرضا ذلك عليه، فلم يزالا به، وهو يأبى ذلك ويمتنع منه، إلى أن قال له أحدهما: إن
فعلت وإلا فعلنا بك وصنعنا، وتهدداه. ثم قال له أحدهما: والله أمرني بضرب عنقك إذا
خالفت ما يريد.
260
فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة
وغيرهم في الخضرة، وجلس المأمون، ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق
بمجلسه وفرشه، وأجلس الرضا (عليه السلام) عليهما في الخضرة، وعليه عمامة وسيف، ثم
أمر ابنه العباس بن المأمون يبايع له أول الناس، فرفع الرضا (عليه السلام) يده فتلقى بها
وجه نفسه وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة.
فقال الرضا (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هكذا كان يبايع، فبايعه الناس ويده
فوق أيديهم، ووضعت البدر (1) وقامت الخطباء والشعراء، فجعلوا يذكرون فضل
الرضا (عليه السلام)، وما كان من المأمون في أمره.
ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون، فوثب فدنا من أبيه فقبل يده، وأمره
بالجلوس، ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد، وقال له الفضل بن سهل: قم، فقام
فمشى حتى قرب من المأمون، فوقف ولم يقبل يده، فقيل له: امض فخذ جائزتك،
وناداه المأمون: ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك، فرجع.
ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهما، حتى نفدت
الأموال.
ثم قال المأمون للرضا (عليه السلام): اخطب الناس وتكلم بهم، فحمد الله وأثنى
عليه، وقال: إن لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكم علينا حقا به، فإذا أديتم
إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم، ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس (2).



(1) البدر: جمع بدرة، وهي عشرة آلاف درهم.
(2) الإرشاد 2: 260 - 262، مقاتل الطالبيين: 562 - 565، الفصول المهمة: 252 - 253،
بحار الأنوار 49: 145 / 13، إعلام الورى: 334 - 335.
261
3 - وروى الصدوق في (العيون) و (الأمالي) عن الحسين بن أحمد البيهقي،
عن محمد بن يحيى الصولي، عن الحسن بن الجهم، عن أبيه، قال:
صعد المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فقال: أيها الناس
جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب، والله لو قرئت هذه الأسماء على الصم والبكم لبرئوا بإذن الله
عز وجل (1).
4 - قال الطبري: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ولي عهد المسلمين، والخليفة من بعده، وسماه الرضا
من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى
الآفاق، وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 201 (2).
5 - وروى الصدوق في (العيون) عن البيهقي، عن أبي بكر الصولي، عن
أبي ذكوان، عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال: كانت البيعة للرضا (عليه السلام) لخمس
خلون من شهر رمضان سنة 201 (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 147 / 18، أمالي الصدوق: 525 / 15، بحار الأنوار 49:
130 / 6.
(2) تأريخ الطبري 8: 554.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 2، بحار الأنوار 49: 221 / 9، العوالم 22: 368 / 1.
262
6 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الريان بن شبيب، قال: إن المأمون
لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين، وللرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وللفضل
ابن سهل بالوزارة، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم، فلما قعدوا عليها، أذن للناس
فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى
أعلى الخنصر ويخرجون، حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار، فصفق بيمينه
من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، فتبسم أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، ثم قال: كل من
بايعنا بايع بفسخ البيعة، غير هذا الفتى، فإنه بايعنا بعقدها.
فقال المأمون: وما فسخ البيعة من عقدها؟
قال أبو الحسن (عليه السلام): عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام،
وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر.
قال: فماج الناس في ذلك، وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على
ما وصفه أبو الحسن (عليه السلام)، وقال الناس: كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد
البيعة! إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم.
قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمه (1).
7 - وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): وأمر المأمون فضربت له الدراهم، وطبع
عليها اسم الرضا (عليه السلام)، وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق



(1) علل الشرائع: 239 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 138، بحار الأنوار 49: 144 /
21، حلية الأبرار 2: 457، العوالم 22: 249 / 4.
263
ابن جعفر بن محمد، وأمره بحج بالناس، وخطب للرضا (عليه السلام) في كل بلد بولاية
العهد.
فروى أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، قال:
حدثني من سمع عبد الجبار بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالمدينة، فقال في الدعاء له: ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ستة آباء هم ما هم * أفضل من يشرب صوب الغمام (1)
8 - وذكر المدائني، عن رجاله، قال: لما جلس الرضا علي بن موسى (عليه السلام)
في الخلع بولاية العهد، قام بين يديه الخطباء والشعراء، وخفقت الألوية على رأسه،
فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا (عليه السلام)، أنه قال: كنت بين
يديه (عليه السلام) في ذلك اليوم، فنظر إلي وأنا مستبشر بما جرى، فأومأ إلي أن ادن مني،
فدنوت منه، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري: لا تشغل قلبك بهذا الأمر،
ولا تستبشر به، فإنه شيء لا يتم (2).
وهذا الحديث يدل على علم الإمام المسبق بنوايا المأمون الحقيقية بوعيه
النافذ للظروف التي دعت المأمون إلى تقليده ولاية العهد، وأنه كان مطمئنا بعدم
تمامية هذا الأمر بعلم مسبق عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).



(1) الإرشاد 2: 263، مقاتل الطالبيين: 376، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 145 / 14،
المناقب 4: 364، الفصول المهمة: 253، بحار الأنوار 49: 146.
(2) الإرشاد 2: 263، الفصول المهمة: 253، إعلام الورى: 335، بحار الأنوار 49: 147.
264
تهنئة الشعراء:
1 - وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلما دخل
عليه قال: إني قد قلت قصيدة، وجعلت على نفسي ألا أنشدها أحدا قبلك، فأمره
بالجلوس حتى خف مجلسه، ثم قال له: هاتها.
قال: فأنشده قصيدته التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
حتى أتى على آخرها (1).
فلما فرغ من إنشاده قام الرضا (عليه السلام) فدخل إلى حجرته، وبعث إليه خادما
بخرقة خز فيها ستمائة دينار، وقال لخادمه: قل له: استعن بهذه على سفرك واعذرنا.
فقال له دعبل: لا والله ما هذا أردت، ولا له خرجت، ولكن قل له: اكسني
ثوبا من أثوابك، وردها عليه، فردها عليه الرضا (عليه السلام) وقال له: خذها، وبعث إليه
بجبة من ثيابه.
فخرج دعبل حتى ورد قم، فلما رأوا الجبة معه أعطوه بها ألف دينار، فأبى
عليهم، وقال: لا والله ولا خرقة منها بألف دينار، ثم خرج من قم، فاتبعوه وقطعوا
عليه، وأخذوا الجبة، فرجع إلى قم، وكلمهم فيها، فقالوا: ليس إليها سبيل، ولكن
إن شئت فهذه ألف دينار، قال لهم: وخرقة منها، فأعطوه ألف دينار وخرقة من
الجبة (2).



(1) سنذكرها في فصل مستقل فيما بعد مع بعض تفسيرها.
(2) الإرشاد 2: 264، رجال الكشي: 504 / 970، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263.
265
2 - وكان مع دعبل إبراهيم بن العباس، فأنشده:
أزالت عزاء القلب بعد التجلد * مصارع أولاد النبي محمد (1)
3 - وأنشده أبو نؤاس:
مطهرون نقيات ثيابهم * تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا (2)
خروج الإمام (عليه السلام) لصلاة العيد:
روى علي بن إبراهيم، عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا، قالا:
لما حضر العيد، وكان قد عقد للرضا (عليه السلام) الأمر بولاية العهد، بعث إليه المأمون
في الركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم، فبعث إليه الرضا (عليه السلام):
قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني من الصلاة
بالناس.
فقال له المأمون: إنما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك.
ولم تزل الرسل تردد بينهما في ذلك، فلما ألح عليه المأمون أرسل إليه: إن
أعفيتني فهو أحب إلي، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).



(1) العوالم 22: 258.
(2) العوالم: 258، كشف الغمة 3: 107، إعلام الورى: 328، وستأتي القصيدة كاملة في
مدائحه ومراثيه (عليه السلام).
266
فقال له المأمون: أخرج كيف شئت. وأمر القواد والناس أن يبكروا إلى باب
الرضا (عليه السلام).
قال: فقعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات والسطوح، واجتمع النساء
والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القواد والجند إلى بابه، فوقفوا على دوابهم
حتى طلعت الشمس.
فاغتسل أبو الحسن (عليه السلام) ولبس ثيابه، وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى
طرفا منها على صدره، وطرفا بين كتفيه، ومس شيئا من الطيب، وأخذ بيده
عكازة، وقال لمواليه: افعلوا مثل ما فعلت، فخرجوا بين يديه وهو حاف، قد شمر
سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة، فمشى قليلا، ورفع رأسه إلى
السماء، وكبر وكبر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القواد
والجند على تلك الحال، سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض، وكان أحسنهم حالا
من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها وتحفى.
وكبر الرضا (عليه السلام) على الباب، وكبر الناس معه، فخيل إلينا أن السماء
والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج، لما رأوا أبا الحسن (عليه السلام)
وسمعوا تكبيره.
وبلغ المأمون ذلك، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين،
إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل، افتتن به الناس، وخفنا كلنا على دمائنا، فأنفذ
إليه أن يرجع.
فبعث إليه المأمون: قد كلفناك شططا وأتعبناك، ولسنا نحب أن تلحقك مشقة
فارجع، وليصل بالناس من كان يصلي بهم على رسمه.
فدعا أبو الحسن (عليه السلام) بخفه فلبسه، وركب ورجع، واختلف أمر الناس في

267
ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم (1).
صورة العهد الذي كتبه المأمون بولاية العهد للرضا (عليه السلام):
كتب المأمون بخطه، ومن إنشائه عهدا للرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وأشهد
عليه، وكتب عليه الرضا (عليه السلام) بخطه الشريف، وذكره عامة المؤرخين.
قال علي بن عيسى الإربلي في (كشف الغمة): في سنة 670 وصل من مشهده
الشريف أحد قوامه، ومعه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده، وبين سطوره وفي
ظهره بخط الإمام (عليه السلام) ما هو مسطور، فقبلت مواقع أقلامه، وسرحت طرفي في
رياض كلامه، وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه، ونقلته حرفا حرفا، وهو
بخط المأمون:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن
جعفر ولي عهده.
أما بعد، فإن الله عز وجل اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له من عباده رسلا
دالين عليه وهادين إليه، يبشر أولهم آخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت
نبوة الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من
الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا



(1) الكافي 1: 488 / 7، الإرشاد 2: 264 - 265، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 149 / 21،
الفصول المهمة: 257 - 258، المناقب 4: 371، بحار الأنوار 49: 134 / 9، العوالم 22:
246 / 2، كشف الغمة 3: 68، إعلام الورى: 336 - 337.
268
عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد، بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، وأمر به ونهى
عنه، لتكون له الحجة البالغة على خلقه (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة وإن الله لسميع عليم) (1).
فبلغ عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة،
والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله إليه، واختار له
ما عنده (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلما انقضت النبوة، وختم الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي والرسالة، جعل قوام
الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة،
التي بها تقام فرائض الله وحدوده، وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى
المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبيل،
وحقن الدماء، وصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل
المسلمين، واختلالهم واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق
الكلمة، وخسران الدنيا والآخرة.
فحق على من استخلفه الله في أرضه، وائتمنه على خلقه، أن يجهد لله نفسه،
ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته، ويعتد لما الله مواقفه عليه ومسائله عنه، ويحكم
بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود (عليه السلام):
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك



(1) الأنفال: 42.
269
عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (1)،
وقال الله عز وجل: (فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون) (2).
وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت
أن يسألني الله عنها، وأيم الله إن المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله
فيما بينه وبين الله، ليعرض على أمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن
رعاية الأمة؟ وبالله الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد،
والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله بالرضوان والرحمة.
وأنظر الأمة لنفسه، وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائفه في أرضه، من
عمل بطاعة الله وكتابه، وسنة نبيه (عليه السلام) في مدة أيامه وبعدها، وأجهد رأيه ونظره
فيمن يوليه عهده، ويختاره لإمامة المسلمين، ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم،
ومفزعا في جمع ألفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم،
وفساد ذات بينهم واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم، فإن الله عز وجل
جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله، وألهم
خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم، ما عظمت به النعمة، وشملت فيه
العافية، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة، والسعي في الفرقة، والتربص
للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل
محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على من تقلدها، من ارتباط طاعة الله، ومراقبته



(1) ص: 26.
(2) الحجر: 92 و 93.
270
فيما حمله منها، فأنصب بدنه، وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع
المشركين، وصلاح الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من
الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبة أن يلقى الله مناصحا له
في دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده، ورعاية الأمة من بعده، أفضل ما يقدر عليه
في ورعه ودينه وعلمه، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه، مناجيا له تعالى
بالاستخارة في ذلك، ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته، في آناء ليله ونهاره،
معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب
فكره ونظره، مقتصرا مما علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغا في المسألة
عمن خفي عليه أمره وجهده وطاقته، حتى استقصى أمورهم معرفة، وابتلى
أخبارهم مشاهدة، واستبرى أحوالهم معاينة، وكشف ما عندهم مسألة، فكانت
خيرته بعد استخارته الله، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين
جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه
عن الدنيا، وتسلمه من الناس.
وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة، والألسن عليه متفقة،
والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشيا، وحدثا ومكتهلا،
فعقد له بالعهد والخلافة من بعده، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله أنه فعله إيثارا
له وللدين، ونظرا للإسلام والمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحق، والنجاة في
اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.
ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه، فبايعوا
مسرعين مسرورين، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده

271
وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما، وأقرب قرابة، وسماه الرضا، إذ كان رضا عند
أمير المؤمنين.
فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من قواده
وجنده، وعامة المسلمين لأمير المؤمنين، وللرضا من بعده علي بن موسى، على اسم
الله وبركته، وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم، منشرحة لها
صدوركم، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه ولكم
فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه
على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم
شعثكم، وسد ثغوركم، وقوة دينكم، واستقامة أموركم، وسارعوا إلى طاعة الله
وطاعة أمير المؤمنين، فإنه الأمر الذي إن سارعتم إليه وحمدتم الله عليه، عرفتم
الحظ فيه إن شاء الله.
وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى
ومائتين (1).
صورة ما كان على ظهر العهد بخط الإمام (عليه السلام):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الفعال لما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور، وصلاته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين
الطاهرين.



(1) كشف الغمة 3: 123 - 127، الفصول المهمة: 253 - 255، بحار الأنوار 49: 148 / 25.
272
أقول وأنا علي الرضا بن موسى بن جعفر: إن أمير المؤمنين عضده الله
بالسداد، ووفقه للرشاد، عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت،
وآمن نفوسا فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها إذ افتقرت، مبتغيا رضى رب
العالمين، لا يريد جزاء من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع أجر المحسنين.
وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى، إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله
بشدها، وفصم عروة أحب الله إيثاقها، فقد أباح حريمه، وأحل محرمه، إذا كان
بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام، بذلك جرى السالف، فصبر منه
على الفلتات، ولم يعترض بعدها على العزمات، خوفا من شتات الدين، واضطراب
حبل المسلمين، ولقرب أمر الجاهلية، ورصد فرصة تنتهز، وبائقة تبتدر.
وقد جعلت الله على نفسي إذ استرعاني أمر المسلمين، وقلدني خلافته،
العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، بطاعته وطاعة
رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح فرجا ولا مالا، إلا ما سفكته
حدود الله، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي، وجعلت بذلك على
نفسي عهدا مؤكدا، يسألني الله عنه، فإنه عز وجل يقول: (وأوفوا بالعهد إن العهد
كان مسؤولا) (1).
وإن أحدثت، أو غيرت، أو بدلت، كنت للغير مستحقا، وللنكال متعرضا،
وأعوذ بالله من سخطه، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته، والحؤول بيني وبين
معصيته، في عافية لي وللمسلمين، والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك، وما أدري
ما يفعل بي ولا بكم، إن الحكم إلا لله، يقضي بالحق، وهو خير الفاصلين. لكني
امتثلت أمر أمير المؤمنين، وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على



(1) الإسراء: 34.
273
نفسي بذلك، وكفى بالله شهيدا.
وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، والفضل بن سهل، وسهل
ابن الفضل، ويحيى بن أكثم، وعبد الله بن طاهر، وثمامة بن أشرس، وبشر بن
المعتمر، وحماد بن النعمان، في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
الشهود على الجانب الأيمن:
شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه، وهو يسأل الله أن
يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق، وكتب بخطه في التأريخ
المبين فيه: عبد الله بن طاهر بن الحسين، أثبت شهادته فيه بتأريخه، شهد حماد بن
النعمان بمضمونه ظهره وبطنه، وكتب بيده في تأريخه، بشر بن المعمر، يشهد بمثل
ذلك.
الشهود على الجانب الأيسر:
رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة
الميثاق، نرجو أن يجوز بها الصراط ظهرها وبطنها، بحرم سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين
الروضة والمنبر، على رؤوس الأشهاد، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم، وسائر
الأولياء والأجناد، بعد استيفاء شروط البيعة عليهم، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة
على جميع المسلمين، ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين، وما كان
الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه، وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين
بالتأريخ [المعين] فيه (1).
هذا ما ذكره صاحب (كشف الغمة)، وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة
الخواص): ثم قرئ العهد في جميع الآفاق، وعند الكعبة، وبين قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)



(1) كشف الغمة 3: 127 - 128، الفصول المهمة: 255 - 257، بحار الأنوار 49: 152.
274
ومنبره، وشهد فيه خواص المأمون وأعيان العلماء، فمن ذلك شهادة الفضل بن سهل
كتب بخطه: شهدت على أمير المؤمنين عبد الله المأمون، وعلى أبي الحسن علي بن
موسى بن جعفر، بما أوجبا به الحجة عليهما للمسلمين، وأبطلا به شبهة الجاهلين،
وكتب فضل بن سهل في التأريخ المذكور.
وشهد عبد الله بن طاهر بمثل ذلك، وشهد بمثله يحيى بن أكثم القاضي، وحماد
ابن أبي حنيفة، وأبو بكر الصولي، والوزير المغربي، وبشر بن المعتمر، في خلق
كثير (1).
صورة الدرهم الذي ضرب في عهد الرضا (عليه السلام):
كما أورده صاحب كتاب (مطلع الشمس)، واستشهد على ذلك جماعة من
العلماء والمجتهدين، ووضعوا خطوطهم وخواتيمهم، وأصل الصورة بالخط الكوفي،
ونقشت أيضا بالخط النسخ، وهذه صورة الخط النسخ.
كتب على أحد الجانبين في الوسط في سبعة سطور هكذا:
الله
محمد رسول الله
المأمون خليفة الله
مما أمر به الأمير الرضا
ولي عهد المسلمين علي بن موسى
ابن علي بن أبي طالب
ذو الرياستين



(1) تذكرة الخواص: 354.
275
وكتب عن الجانب الآخر في الوسط في أربعة سطور هكذا:
لا إله إلا
الله وحده
لا شريك له
المشرق (1)
وكتب على أحد جانبي الدرهم بشكل دائرة هكذا:
محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون.
وعلى الجانب الآخر بشكل دائرتين داخلة وخارجة، فعلى الداخلة
هكذا:
بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة أصبهان سنة أربع ومائتين.
وعلى الخارجة هكذا:
في بعض سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون.
ومما ينبغي التنبه له أن كتابة هذا الدرهم إذا صحت تؤيد أن وفاة
الرضا (عليه السلام) بعد سنة 204، وتوهن ما قيل: إن وفاته سنة 203 أو أقل، إلا أن
يكون هذا الدرهم طبع بعد وفاته (عليه السلام) تبركا، وليس مما طبع بأمر المأمون، والله
أعلم (2).



(1) كذا، وفي صورة الدرهم المطبوع في موسوعة العتبات المقدسة 11: 155، في السطر الأخير
بالملك، وفي أخرى: المودة، والله أعلم.
(2) أعيان الشيعة 2: 21.
276
صورة الدرهم
المسكوكات التي سكت باسم الرضا بالخط الكوفي منقولة إلى جانبها بالخط الحالي للتوضيح نقلا من مجلة (نامه آستان قدس)
تزويجه (عليه السلام):
1 - روى الصدوق في (العيون) أن المأمون بعد ما جعل الرضا (عليه السلام) ولي
عهده، زوجه ابنته أم حبيب، أو أم حبيبة، في أول سنة 202.
وزاد في (الفصول المهمة): والمأمون متوجه إلى العراق (1).
وفي رواية: أنه زوجه ابنته أم حبيبة، وسمى للجواد ابنته أم الفضل، وتزوج
هو ببوران بنت الحسن بن سهل، كل هذا في يوم واحد (2).
2 - وقال الطبري في (الدلائل): ثم زوجه ابنته، وسأله أن يخطب، فقال:
الحمد لله الذي بيده مقادير الأقدار، وبمشيئته يتم الأمور، وأشهد أن لا إله إلا الله
شهادة يواطئ القلب اللسان، والسر الإعلان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،



(1) الفصول المهمة: 257.
(2) العوالم 22: 244، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 147 / 19، إعلام الورى: 343، بحار
الأنوار 49: 132 / 8.
277
انتخبه رسولا، فنطق البرهان بتحقيق نبوته، بعد أمر لم يأذن الله فيه، وقرب أمر
أومأت مشيئة الله إليه، ونحن نتعرض بالدعاء لحيرة القضاء، والذي يذكر أم حبيب
بنت أمير المؤمنين، صلة الرحم، وأمشاج للشبيكة، وقد بذلت لها خمسمائة درهم،
فزوجتني يا أمير المؤمنين؟
قال: نعم، قال: قد قبلت ورضيت (1).
3 - وقال علي بن الحسين المسعودي في كتاب (إثبات الوصية): زوجه
المأمون ابنته، وقيل: أخته المكناة أم أبيها. قال: والرواية الصحيحة أخته أم حبيبة،
وسأله أن يخطب لنفسه، فلما اجتمع الناس للإملاك خطب خطبة قال في آخرها:
والتي تذكر أم حبيبة أخت أمير المؤمنين عبد الله المأمون صلة للرحم وأمشاج
الشبيكة، وقد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم، تزوجني يا أمير المؤمنين؟ فقال
المأمون: نعم، قد زوجتك. فقال: قد قبلت ورضيت (2).
أسباب ولاية العهد:
ذكر المؤرخون أسبابا مختلفة وكثيرة في دوافع المأمون من ولاية العهد للإمام
الرضا (عليه السلام)، وسنعرض فيما يلي بعض هذه الأسباب كما ذكرها المحدثون
والمؤرخون، ونبين فيما بعد تحليلا لهذه الأسباب، والدوافع السياسية الحقيقية
الكامنة وراء هذا الأمر.



(1) دلائل الإمامة: 174..
(2) إثبات الوصية: 179.
278
السبب الأول:
1 - قيل: إن السبب في ذلك أن الرشيد كان قد بايع لابنه محمد الأمين بن
زبيدة، وبعده لأخيه المأمون، وبعدهما لأخيهما القاسم المؤتمن، وجعل أمر عزله
وإبقائه بيد المأمون، وكتب بذلك صحيفة وأودعها في جوف الكعبة، وقسم البلاد
بين الأمين والمأمون، فجعل شرقيها للمأمون، وأمره بسكنى مرو، وغربيها للأمين،
وأمره بسكنى بغداد.
فكان المأمون في حياة أبيه في مرو، ثم إن الأمين بعد موت أبيه في خراسان
خلع أخاه المأمون من ولاية العهد، وبايع لولد له صغير، فوقعت الحرب بينهما، فنذر
المأمون حين ضاق به الأمر إن أظفره الله بالأمين أن يجعل الخلافة في أفضل
آل أبي طالب (1). فلما قتل أخاه الأمين، واستقل بالسلطنة، وجرى حكمه في
شرق الأرض وغربها، كتب إلى الرضا (عليه السلام) يستقدمه إلى خراسان ليفي بنذره.
وهذا الوجه اختاره الصدوق في (عيون الأخبار) فروى بسنده عن الريان
ابن الصلت: أن الناس أكثروا في بيعة الرضا من القواد والعامة، ومن لا يحب ذلك،
وقالوا: هذا من تدبير الفضل بن سهل، فأرسل إلي المأمون فقال: بلغني أن الناس
يقولون: إن بيعة الرضا كانت من تدبير الفضل بن سهل؟ قلت: نعم.
قال: ويحك يا ريان، أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية،
فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك! أيجوز هذا في العقل؟ قلت: لا والله.
قال: سأخبرك بسبب ذلك، إنه لما كتب إلي محمد أخي، يأمرني بالقدوم
عليه، فأبيت عليه، عقد لعلي بن عيسى بن ماهان، وأمره أن يقيدني بقيد، ويجعل



(1) هذا ما ادعاه المأمون لتبرير موقفه.
279
الجامعة في عنقي، وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان، فانهزم، وخرج
صاحب السرير، وغلب على كور خراسان من ناحيته.
فورد علي هذا كله في أسبوع، ولم يكن لي قوة بذلك، ولا مال أتقوى به،
ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن، فأردت أن ألحق بملك كابل، فقلت في
نفسي: رجل كافر، ويبذل محمد له الأموال، فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجها أفضل
من أن أتوب إلى الله من ذنوبي، وأستعين به على هذه الأمور، وأستجير بالله
عز وجل.
فأمرت ببيت فكنس، وصببت علي الماء، ولبست ثوبين أبيضين، وصليت
أربع ركعات، ودعوت الله، واستجرت به، وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن
أفضى الله بهذا الأمر إلي، وكفاني عاديته، أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه
الله عز وجل فيه، فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان، وأفضى الله
إلي بهذا الأمر، فأحببت أن أفي بما عاهدته، فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من
أبي الحسن الرضا، فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت، فهذا كان سببها (1).
2 - وقد تقدم آنفا في حديث الشيخ المفيد: أن الحسن بن سهل لما جعل
يعظم على المأمون إخراج الأمر من أهله، ويعرفه ما في ذلك عليه، قال له المأمون:
إني عاهدت الله على أني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل
آل أبي طالب، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 151 / 22، بحار الأنوار 49: 137 / 12، حلية الأبرار 2:
348، العوالم 22: 274 / 1.
280
السبب الثاني:
وقيل: إن السبب في ذلك أن الفضل بن سهل هو الذي أشار على المأمون
بهذا، فاتبع المأمون رأيه.
1 - روى الصدوق في (العيون) عن البيهقي، عن الصولي، عن عبيد الله بن
عبد الله بن طاهر، قال: أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى الله
عز وجل وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) بصلة رحمه، بالبيعة لعلي بن موسى (عليه السلام) ليمحو بذلك
ما كان من أمر الرشيد فيهم، وما كان يقدر على خلافه في شيء.
إلى أن قال: وما كان يحب أن يتم العهد للرضا (عليه السلام) بعده. قال الصولي: وقد
صح عندي ما حدثني به عبيد الله من جهات: منها أن عون بن محمد حدثني عن
الفضل بن سهل النوبختي، أو عن أخ له، قال: لما عزم المأمون على العقد
للرضا (عليه السلام) بالعهد، قلت: والله لأعتبرن ما في نفس المأمون من هذا الأمر، أيحب
إتمامه، أو يتصنع به، فكتبت إليه على يد خادم كان يكاتبني بأسراره على يده: قد
عزم ذو الرياستين على عقد العهد، والطالع السرطان، وفيه المشتري والسرطان،
وإن كان شرف المشتري، فهو برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه، ومع هذا فإن المريخ
في الميزان في بيت العاقبة، وهذا يدل على نكبة المعقود له، وعرفت أمير المؤمنين
ذلك، لئلا يعتب علي إذا وقف على هذا من غيري.
فكتب إلي: إذا قرأت جوابي إليك، فاردده إلي مع الخادم ونفسك (1) أن يقف
أحد على ما عرفتنيه، وأن يرجع ذو الرياستين عن عزمه، لأنه إن فعل ذلك ألحقت
الذنب بك، وعلمت أنك سببه.



(1) أي: احذر على نفسك.
281
فضاقت علي الدنيا، وتمنيت أني ما كنت كتبت إليه، ثم بلغني أن الفضل
ابن سهل قد تنبه على الأمر، ورجع عن عزمه، وكان حسن العلم بالنجوم،
فخفت والله على نفسي، وركبت إليه، فقلت: أتعلم في السماء نجما أسعد من
المشتري؟ قال: لا. قلت: أفتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها
في شرفها؟ قال: لا.
قلت: فامض العزم على رأيك إذ كنت تعقده، وسعد الفلك في أسعد حالاته،
فأمضى الأمر على ذلك، فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من
المأمون (1).
وحاصل الخبر أن النوبختي وكان منجما، أراد اختبار ما في نفس المأمون،
فكتب إليه: أن أحكام النجوم تدل على أن عقد البيعة للرضا في هذا الوقت لا يتم،
وأنها تدل على نكبة المعقود له، فإن كان باطن المأمون كظاهره، ترك عقد البيعة في
ذلك الوقت، وأخره إلى وقت يكون أوفق منه، فأجابه المأمون وحذره من أن
يرجع ذو الرياستين عن عزمه على إيقاع عقد البيعة في ذلك الوقت، وأنه إذا رجع
علم أن ذلك من النوبختي، وأمره بإرجاع الكتاب إليه لئلا يطلع عليه أحد.
ثم بلغه أن الفضل بن سهل تنبه أن الوقت غير صالح لعقد البيعة، لأنه كان
عالما بالنجوم، فخاف النوبختي أن ينسب رجوع الفضل بن سهل عن عزمه إليه،
فيقتله المأمون، فركب إليه، وأقنعه من طريق النجوم أن الوقت صالح على خلاف
الحقيقة، لأنه كان أعرف منه بالنجوم، فلبس الأمر عليه حتى أقنعه.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 147 / 19، بحار الأنوار 49: 132 / 8، العوالم 22: 243 /
1، إعلام الورى: 335 - 336.
282
2 - وقال الصدوق في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)): قد ذكر قوم أن الفضل بن
سهل أشار على المأمون بأن يجعل علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولي عهده، منهم
أبو علي الحسين بن أحمد السلامي، ذكر ذلك في كتابه الذي صنفه في (أخبار
خراسان)، قال: فكان الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون ومدبر أموره،
وكان مجوسيا فأسلم على يدي يحيى بن خالد البرمكي وصحبه، وقيل: بل أسلم
سهل والد الفضل على يدي المهدي، وأن الفضل اختاره يحيى بن خالد البرمكي
لخدمة المأمون، وضمه إليه، فتغلب عليه، واستبد بالأمر دونه، وإنما لقب
بذي الرياستين لأنه تقلد الوزارة ورياسة الجند.
فقال الفضل حين استخلف المأمون يوما لبعض من كان يعاشره: أين يقع
علي فيما أتيته من فعل أبي مسلم فيما أتاه؟ فقال: إن أبا مسلم حولها من قبيلة إلى
قبيلة، وأنت حولتها من أخ إلى أخ وبين الحالين ما تعلمه.
قال الفضل: فإني أحولها من قبيلة إلى قبيلة. ثم أشار على المأمون بأن يجعل
علي بن موسى الرضا ولي عهده، فبايعه وأسقط بيعة المؤتمن أخيه.
فلما بلغ خبره العباسيين ببغداد، ساءهم ذلك، فأخرجوا إبراهيم بن المهدي
وبايعوه بالخلافة، فلما بلغ المأمون خبر إبراهيم، علم أن الفضل بن سهل أخطأ
عليه، وأشار بغير الصواب، فخرج من مرو منصرفا إلى العراق، واحتال على
الفضل بن سهل حتى قتله، واحتال على علي بن موسى حتى سم في علة كانت
أصابته فمات.
ثم قال الصدوق: هذا ما حكاه أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه،
والصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد وبايع له للنذر الذي قد تقدم ذكره، وأن

283
الفضل بن سهل لم يزل معاديا ومبغضا له، وكارها لأمره، لأنه كان من صنائع
آل برمك (1).
السبب الثالث:
وقيل: إنما بايعه لأنه نظر في الهاشميين فلم يجد أحدا أفضل ولا أحق بالخلافة
منه. قال اليافعي في (مرآة الجنان): إن سبب طلب المأمون الرضا (عليه السلام) إلى
خراسان، وجعله ولي عهده، أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء
وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا بين كبير
وصغير، واستدعى عليا المذكور، فأنزله أحسن منزل، وجمع خواص الأولياء،
وأخبرهم أنه نظر في ولد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، فلم يجد أحدا في وقته
أفضل ولا أحق بالخلافة من علي الرضا فبايعه (2).
وقال الطبري في (تأريخه): إنه ورد كتاب من الحسن بن سهل إلى بغداد: أن
أمير المؤمنين المأمون جعل علي بن موسى بن جعفر بن محمد ولي عهده من بعده،
وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم
منه (3).
السبب الرابع:
وقيل: إن الذي دفع المأمون على استدعاء الرضا (عليه السلام) إلى خراسان، وجعله



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 165 / 28، بحار الأنوار 49: 142 / 19، العوالم 22: 277 /
2.
(2) مرآة الجنان 2: 10.
(3) تأريخ الطبري 8: 554.
284
وليا لعهده هو تشيعه لأهل البيت، فقد قيل: إن المأمون كان متشيعا لأمير المؤمنين
علي (عليه السلام)، مجاهرا بذلك، محتجا عليه، مكرما لآل أبي طالب، متجاوزا عنهم، على
عكس أبيه الرشيد، واستدلوا على تشيعه بأمور كثيرة، نذكر هنا جملة منها:
1 - احتجاجه على العلماء في تفضيل علي (عليه السلام) بالحجج البالغة كما رواه ابن
عبد ربه في (العقد الفريد)، ورواه الصدوق في (العيون).
2 - جعله الرضا (عليه السلام) ولي عهده، وتزويجه ابنته، وإحسانه إلى العلويين.
3 - تزويجه الجواد ابنته وإكرامه وإجلاله.
4 - قوله: أتدرون من علمني التشيع، وحكايته خبر الكاظم (عليه السلام) مع
الرشيد.
وقد ذكرنا خلال حديثنا عن سيرة الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
الرواية التي جاء فيها: إن المأمون كان يقول: لقد علمني التشيع أبي هارون الرشيد،
ووصفه لدخول الإمام الكاظم (عليه السلام) على الرشيد وحفاوته البالغة به، وإكرامه له
بشكل لم يسبق من الرشيد أن أكرم أحدا بمثله.
وجاء في الرواية أنه لما انصرف الإمام وخلا المجلس، قال المأمون لأبيه:
يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه
فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست بين يديه، وأمرتنا بأخذ الركاب
له؟
قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام
الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق
بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن الخلق أجمعين.

285
فقال له المأمون: إذا كنت تعرف ذلك فتنح عن الملك، وسلمه لأصحابه.
فقال: يا بني، إن الملك عقيم، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه
عيناك (1).
5 - إفتاؤه بتحليل المتعة، وقوله: ومن أنت يا جعل حتى تحرم ما أحل الله،
في الخبر المشهور.
6 - قوله بخلق القرآن، وفقا لقول الشيعة، حتى عد ذلك من مساوئه.
7 - ما ذكره البيهقي في (المحاسن والمساوي)، قال: قال المأمون: أنصف
شاعر الشيعة حيث يقول:
إنا وإياكم نموت فلا * أفلح بعد الممات من ندما
قال: وقال المأمون:
ومن غاو يعض علي غيظا * إذا أدنيت أولاد الوصي
يحاول أن نور الله يطفى * ونور الله في حصن أبي
فقلت: أليس قد أوتيت علما * وبان لك الرشيد من الغوي
وعرفت احتجاجي بالمثاني * وبالمعقول والأثر القوي
بأية خطة وبأي معنى * تفضل ملحدين على علي
علي أعظم الثقلين حقا * وأفضلهم سوى حق النبي
8 - ما ذكره الصدوق في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام))، قال: دخل عبد الله بن
مطرف بن ماهان على المأمون يوما، وعنده علي بن موسى الرضا، فقال له المأمون:
ما تقول في أهل هذا البيت؟ فقال عبد الله: ما أقول في طينة عجنت بماء الرسالة،



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 91.
286
وغرست بماء الوحي، هل ينفح منها إلا مسك الهدى، وعنبر التقى، فدعا المأمون
بحقة فيها لؤلؤ فحشا فاه (1).
9 - ما ذكره سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص)، قال: قال أبو بكر
الصولي في كتاب (الأوراق) وغيره:
كان المأمون يحب عليا (عليه السلام)، وكتب إلى الآفاق بأن علي بن أبي طالب أفضل
الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن لا يذكر معاوية بخير، ومن ذكره بخير أبيح دمه
وماله.
قال الصولي: ومن أشعار المأمون في علي (عليه السلام):
ألام على حب الوصي أبي الحسن * وذلك عندي من عجائب ذا الزمن
خليفة خير الناس والأول الذي * أعان رسول الله في السر والعلن
ولولاه ما عدت لهاشم إمرة * وكانت على الأيام تقصى وتمتهن
ولى بني العباس ما اختص غيرهم * ومن منه أولى بالتكرم والمنن
فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى * وفاض عبيد الله جودا على اليمن
وقسم أعمال الخلافة بينهم * فلا زال مربوطا بذا الشكر مرتهن
قال: ومن أشعار المأمون في علي (عليه السلام):
لا تقبل التوبة من تائب * إلا بحب ابن أبي طالب
أخو رسول الله حلف الهدى * والأخ فوق الخل والصاحب
إن جمعا في الفضل يوما فقد * فاق أخوه رغبة الراغب
فقدم الهادي في فضله * تسلم من اللائم والعائب



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 144 / آخر الحديث 10، العوالم 22: 428.
287
إن مال ذو النصب إلى جانب * ملت مع الشيعي في جانب
أكون في آل نبي الهدى * خير نبي من بني غالب
حبهم فرض نؤدي به * كمثل حج لازم واجب
قال: وذكر الصولي في كتاب (الأوراق) قال: كان مكتوبا على سارية من
سواري جامع البصرة:
رحم الله عليا * إنه كان تقيا
وكان يجلس إلى تلك السارية أبو عمر الخطابي، واسمه حفص، وكان أعور،
فأمر به فمحي، فكتب إلى المأمون بذلك، فشق عليه، وأمر بإشخاصه إليه، فلما
دخل عليه قال: لم محوت اسم أمير المؤمنين على السارية؟ فقال: وما كان عليها؟
فقال:
رحم الله عليا * إنه كان تقيا
فقال: بلغني أنه كان نبيا.
فقال: كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك
عند العامة نفاقا لأدبتك، ثم أمر بإخراجه (1).
تحليل دوافع ولاية العهد:
فيما يلي نذكر تحليلا للدوافع التي ذكرها المؤرخون في ولاية العهد
للإمام (عليه السلام)، ونخلص بعدها إلى النتائج المتوخاة من هذا الأمر، وذلك ببيان الدوافع
الحقيقية التي تدور في ذهن رأس السلطة العباسية.



(1) أعيان الشيعة 2: 15 و 16.
288
1 - في أن الفضل هو صاحب الفكرة:
أما ما قيل من أن الفضل بن سهل هو الذي أشار على المأمون بهذا الأمر،
وأن المأمون اتبع رأيه، فهو أمر في غاية البعد والغرابة من رجل مثل المأمون الذي
يعتز برأيه، وحسمه للأمور، وتدبيره الخطط وإحكامها، فهو الذي يقول: " معاوية
ابن أبي سفيان بعمره، وعبد الملك بن مروان بحجاجه، وأنا بنفسي " (1).
ولذلك يبدو لنا من خلال عدة قرائن أن المأمون هو المدبر الأساسي لهذا
الأمر.
ففي رواية الريان بن الصلت المتقدمة آنفا في السبب الأول، قال المأمون:
" يا ريان، أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية، فيقول له: ادفع
الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟ " وبهذا يكون قد نفى أن يكون
ذلك من تدابير الفضل بن سهل أو غيره، بل هو من بنات أفكاره.
وتقدم في حديث ولاية العهد أن الفضل بن سهل وأخاه الحسن لم يكونا
مشيرين على المأمون في هذه المسألة، بل كانا محذرين له من مغبة هذا الأمر،
معظمين عليه إخراج هذا الأمر من أهله، فلما رأيا عزيمة المأمون على إمضائه
وإصراره على عقده أمسكا عن معارضته.
وقد قيل أيضا - كما تقدم في الحديث الثاني من السبب الثاني - أن الفضل بن
سهل كان من صنائع آل برمك، حيث قيل: إن الفضل وأخاه قد أسلما على يد يحيى
ابن خالد البرمكي (2)، وأن يحيى اختار الفضل لخدمة المأمون، فلهذا كان الفضل



(1) سير أعلام النبلاء 10: 274، مختصر تأريخ دمشق 14: 108، الوافي بالوفيات 17: 656.
(2) وقيل في إسلامه غير ذلك، كما تقدم.
289
يرعى البرامكة ويثني عليهم، بل وكان من أتباعهم، وقد عرف البرامكة بانحرافهم
البارز عن أهل البيت (عليهم السلام).
وقد حاول الفضل بن سهل الوقيعة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، لكن
الإمام (عليه السلام) فوت الفرصة عليه، فقد روي أنه قصد الفضل بن سهل مع هشام بن
إبراهيم الرضا (عليه السلام)، فقال له الفضل: يا بن رسول الله، جئتك في سر، فأخل لي
المجلس. فأخرج الفضل يمينا مكتوبة بالعتق والطلاق، وما لا كفارة له، وقالا له:
إنما جئناك لنقول كلمة حق وصدق، وقد علمنا أن الإمرة إمرتكم، والحق حقكم
يا بن رسول الله، والذي نقول بألسنتنا عليه ضمائرنا، وإلا نعتق ما نملك، والنساء
طوالق، وعلي ثلاثون حجة راجلا أنا، على أن نقتل المأمون، ونخلص لك الأمر
حتى يرجع الحق إليك.
فلم يسمع منهما، وشتمهما ولعنهما، وقال لهما: كفرتما النعمة، فلا تكون لكما
سلامة، ولا لي إن رضيت بما قلتما؛ فلما سمع الفضل ذلك منه مع هشام، علما أنهما
أخطئا، فقصدا المأمون بعد أن قالا للرضا (عليه السلام): أردنا بما فعلنا أن نجربك.
فقال لهما الرضا (عليه السلام): كذبتما، فإن قلوبكما على ما أخبرتماني به، إلا أنكما لم
تجداني نحو ما أردتما، فلما دخلا على المأمون قالا: يا أمير المؤمنين، إنا قصدنا
الرضا وجربناه، وأردنا أن نقف على ما يضمره لك، فقلنا وقال.
فقال المأمون: وفقتما.
فلما خرجا من عند المأمون قصده الرضا (عليه السلام)، وأخليا المجلس، وأعلمه
بما قالا، وأمره أن يحفظ نفسه منهما، فلما سمع ذلك من الرضا (عليه السلام) علم أن
الرضا (عليه السلام) هو الصادق (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 167 / 3، بحار الأنوار 49: 163 / 3.
290
فلو كان الفضل جادا في طرحه على الإمام، فإنه أراد أن يشرك الإمام (عليه السلام)
في حبك خيوط المؤامرة على المأمون واغتياله، ليجعل من ذلك ورقة تهديد يرفعها
فيما لو حاول الإمام (عليه السلام) الحد من نفوذه، وذلك عندما يتمكن الفضل من امتلاك
زمام الحكم، وفرض سيطرته على جهاز الدولة، أو إنه أراد بعد قضائه على المأمون
أن يجعل الخلافة في رجل معاد للإمام ولأهل البيت (عليهم السلام)، لأنه كان يعلم أن
الإمام (عليه السلام) راغب عنها.
ولو كان الفضل صادقا فعلا في عرضه بنقل الخلافة إلى البيت العلوي والقضاء
على المأمون، ومقتنعا بواقعية الفكرة، فلا ضرورة تدعوه لاستشارة الإمام، لأنه
بعد القضاء على المأمون ستنتقل الخلافة إلى الإمام (عليه السلام) باعتباره وليا للعهد.
وإن كان الفضل متصنعا في فكرته، كما أكد هو للمأمون، فالهدف المقصود هو
تعكير صفو العلاقات القائمة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، وليثبت إخلاصه وحرصه
على سلامة الحكم العباسي.
ولقد كان سلوك الإمام (عليه السلام) مع الفضل يؤكد أن الفضل لم يكن صاحب
الفكرة في ولاية العهد، ولم يكن صادقا في ولائه المزعوم لأهل البيت (عليهم السلام) الذي
قال به بعض المؤرخين، فقد حذر الإمام (عليه السلام) المأمون من تسليم قيادة الحكم إلى
الفضل، حيث قال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، اتق الله في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وما ولاك الله
من هذا الأمر وخصك به، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى
غيرك، يحكم فيهم بغير حكم الله تعالى... " (1).



(1) العوالم 22: 359 / 1، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159 / 24، بحار الأنوار 49: 164
/ 5.
291
كما أن الإمام (عليه السلام) نجح في إزالة الغشاوة عن عيني المأمون من ناحية الفضل
ابن سهل وأخيه الحسن، وتبصيره بما كان يحاول الفضل إخفاؤه عنه من أحوال
البلاد المضطربة، حتى إنهم بايعوا عمه إبراهيم بن المهدي المغني خليفة بدله، وبدا
المأمون وكأنه يسمع ذلك لأول مرة، حتى رد على الإمام الرضا (عليه السلام) قائلا: إنهم لم
يبايعوا له بالخلافة، وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم.
بل وأخبره الإمام الرضا (عليه السلام) عن الحرب التي تدور رحاها بين إبراهيم بن
المهدي والحسن بن سهل، وأن الناس تكره مقام الفضل وأخيه من المأمون،
وما كان أحد يجرؤ على أن يقول الحق للمأمون (1).
إذن لم يكن الفضل هو صاحب الفكرة في ولاية العهد، لأنه لم يكن من
السذاجة بحيث يورط نفسه ونفوذه القوي في أجهزة الحكم في مواجهة غير متكافئة
مع نفوذ أقوى منه، لكن الظاهر أن شهرة الفضل وإخضاعه المأمون في جميع
تصرفاته وفرض سيطرته على أجهزة الدولة، هو الذي جعل الناس يعزون هذا
الأمر إلى أقوى شخصية في الدولة، وقد عزوا الأمر بلبس الخضرة والبيعة للإمام
الرضا (عليه السلام) للفضل بن سهل، ففي حوادث سنة 201 من (تأريخ الطبري) وغيره أنه
عندما ورد كتاب الحسن بن سهل على عيسى بن محمد يعلمه فيه بأن المأمون بايع
للرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وأمره بطرح السواد ولبس الخضرة، ويأمر من قبله من
الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، وأن يأخذ أهل بغداد بذلك جميعا، قال بعضهم:
نبايع، ونلبس الخضرة؟ وقال بعضهم: لا نبايع ولا نلبس الخضرة، ولا نخرج هذا
الأمر من ولد العباس، وإنما هو دسيس من الفضل بن سهل (2).



(1) سيأتي تفصيل ذلك لاحقا.
(2) تأريخ الطبري 8: 554.
292
كما قد يكون ذلك إشاعة من عند الفضل نفسه، ليحفظ مركزه عند الرأي
العام، باعتباره صاحب الكلمة والسلطة على تصرفات المأمون، وأن الأخير
لا يستطيع خلافه في شيء، وأنه قادر على نقل السلطة من قبيلة إلى قبيلة كما فعل
أبو مسلم الخراساني حيث نقلها من الأمويين إلى العباسيين.
2 - في نذر المأمون:
الواضح من خلال الأحاديث التي تعزو السبب إلى نذر المأمون، أن المدبر
الأساس وصاحب الفكرة في تولية العهد للإمام (عليه السلام) هو المأمون وليس ثمة أحد
سواه، وذلك لأجل أهداف سياسية تعود في مصلحة حكمه بشكل خاص والسلطة
العباسية بشكل عام، ولو صح ما قيل من حديث النذر، فقد وضع المأمون حججا
واهية لتبرير هذا العمل، كان من ضمنها حكاية النذر، في أن يجعل الخلافة في أفضل
آل أبي طالب، لو أظفره الله بأخيه الأمين، فكانت ولاية عهده للإمام (عليه السلام) وفاء
لهذا النذر!
وهذا الأمر في منتهى الغرابة أيضا، لأن المأمون لم يكن ملتزما ومتحرزا
لدينه إلى حد الوفاء بالنذر، فقد روي أنه كان يشرب النبيذ، وقيل: بل كان يشرب
الخمر (1).
وقال الصولي: اقترح المأمون في الشطرنج أشياء، وكان يحب اللعب بها،
ويكره أن يقول: نلعب بها، بل يقول: نتناقل بها (2).



(1) الوافي بالوفيات 17: 661، سير أعلام النبلاء 10: 276.
(2) سير أعلام النبلاء 10: 278.
293
نعم، لم يكن متحرزا لدينه إلى حد التنازل عن الحكم العباسي لخصومهم
العلويين لنذر ألزم نفسه به، كيف ذلك وهو الذي ضحى بعشرات الألوف من
العباسيين وغيرهم من الأبرياء لأجل الحكم، ونصب رأس أخيه في صحن الدار
على خشبة، وأمر بلعنه، كما تقدم بيانه!
وعندما اطلع المأمون على مؤامرة ابن عائشة الرامية إلى إعادة إبراهيم بن
المهدي للخلافة سنة 210 ه‍، انتقم المأمون من ابن عائشة انتقاما شديدا، فقد أمر أن
يقام ثلاثة أيام في الشمس على باب دار المأمون، ثم ضربه بالسياط، ثم أمر بحبسه
في المطبق، وفعل قريبا من ذلك بمن كانوا معه... ثم أمر المأمون بعد ذلك بابن عائشة
فقتل وصلب، وهو أول مصلوب في الإسلام من بني العباس، وقتل معه ثلاثة من
رؤوس المتآمرين (1).
هذا هو تعامل المأمون مع منافسيه على الحكم، فكيف يسلم السلطة إلى
خصومه لأجل الوفاء بالنذر، ولو صح ذلك فإنما هو تبرير وذريعة قدمها المأمون
لتضليل الرأي العام، وتعمية الأمر عليهم، بسلامة قصده في إكراه الإمام (عليه السلام) على
قبول ولاية العهد.
3 - في تشيع المأمون:
أما ما قيل من أن تشيع المأمون هو السبب الذي دفعه لتولية العهد
للإمام (عليه السلام)، حتى بالغ السيوطي في ذلك فقال: في سنة إحدى ومائتين خلع المأمون
أخاه المؤتمن من العهد، وجعل ولي العهد من بعده علي الرضا، حمله على ذلك إفراطه



(1) الدولة العباسية للخضري: 185.
294
في التشيع، حتى قيل: إنه هم أن يخلع نفسه ويفوض الأمر إليه (1).
فالظاهر من الأدلة المذكورة على تشيعه أن المأمون كان يتشيع تصنعا وتكلفا
لا طبعا وفطرة.
فأما مسألة إفتائه بتحليل متعة النساء وقوله: ومن أنت يا جعل حتى تحرم
ما أحل الله، فقد رجع إلى القول بتحريمها، وأمر بالنداء بذلك في سائر أطراف
الدولة (2).
وأما مسألة طرح السواد ولبس الخضرة، فقد ذكر جميع المؤرخين أنه قد
تراجع عن هذا الأمر وألغاه، وعاد إلى شعار الآباء وهو السواد، فقد وصل المأمون
سنة 204 ه‍ إلى بغداد، فتلقاه إلى النهروان بنو العباس، وعتبوا عليه في لبس
الخضرة، فتوقف ثم أعاد السواد (3).
وفي (مختصر تأريخ ابن عساكر): قدم المأمون بغداد سنة 204 ه‍ في صفر،
وطرح الخضرة وعاد إلى السواد (4).
وهكذا كانت شعارات المأمون مرحلية ومؤقتة لم تلبث أن تزول بمجرد
اصطياد المكاسب السياسية المتوخاة.
أما أشعاره في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فليست دليلا كافيا على تشيعه،
ولو كانت كذلك لكانت الأشعار دليلا على تشيع الشافعي وابن أبي الحديد وغيرهما



(1) تأريخ الخلفاء: 246.
(2) سير أعلام النبلاء 10: 283، الوافي بالوفيات 17: 659.
(3) سير أعلام النبلاء 10: 285.
(4) مختصر تأريخ دمشق لابن منظور 14: 93.
295
ممن مدحوا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعيون الشعر العربي، وهو ما لا يقول به أحد.
أما القول بخلق القرآن، فيمكن أن يكون متأثرا بأفكار المعتزلة المحيطين به،
ففي (دائرة المعارف الإسلامية) في ترجمة أحمد بن حنبل، قال: في عهد الخلفاء
المأمون والمعتصم والواثق أقرت الدولة عقائد المعتزلة، وأنزلتها المنزلة الأولى،
وأخذت بالشدة كل الفقهاء الذين لم يقولوا بمذهب خلق القرآن (1).
وقال أبو حنيفة الدينوري: عقد المأمون المجالس في خلافته للمناظرة في
الأديان والمقالات، وكان أستاذه فيها أبا الهذيل محمد بن الهذيل العلاف (2). وكان
أبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة، وكان يقول بخلق القرآن. وبلغ من تأثر المأمون
بأبي الهذيل أن قال فيه:
أطل أبو الهذيل على الكلام * كإطلال الغمام على الأنام (3)
وكان النظام وهو أحد رؤوس المعتزلة المشهورين مقربا للمأمون أيضا، قال
محمد بن علي العبدي الخراساني الأخباري في وصف المأمون للخليفة العباسي
القاهر بالله: جالس المتكلمين، وقرب إليه كثيرا من الجدليين المبرزين والمناظرين،
كأبي الهذيل، وأبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام وغيرهم (4).
وقال الخضري: أدت المناقشات الكثيرة التي بين يدي المأمون إلى أنه كان
يرى بعض آراء المعتزلة لا كلها (5).



(1) دائرة المعارف الإسلامية 1: 492.
(2) الأخبار الطوال: 401.
(3) الأعلام للزركلي 7: 131.
(4) مروج الذهب 4: 227.
(5) الدولة العباسية: 200.
296
فالقول بخلق القرآن كان من تأثير المعتزلة المقربين إلى المأمون، وليس بسبب
تشيعه لأهل البيت (عليهم السلام)، كما استدل به بعض المؤرخين.
وعندما حقق المأمون بعض أهدافه السياسية البعيدة المدى، عاد إلى مذهب
الآباء معتبرا الروافض والمعتزلة والخوارج من أعلام جهنم، فقد روي في (تأريخ
بغداد) وأغلب الكتب التي ترجمت للمأمون بالإسناد عن أبي سعيد علي بن الحسن
القصري، قال: قال المأمون لحاجبه يوما: انظر من بالباب من أصحاب الكلام؟
فخرج وعاد إليه، فقال: بالباب أبو الهذيل العلاف، وهو معتزلي، وعبد الله بن
أباض الأباضي، وهشام بن الكلبي الرافضي.
فقال المأمون: ما بقي من أعلام جهنم أحد إلا وقد حضر (1). وهو ما يدل على
أنه كان يتدين بمذهب أسلافه غير متأثر بأحد.
ولو فرضنا حجة ما ينقل من أدلة تشيعه، فإنه لا يصلح أن يكون سببا
لمحاولاته الرامية إلى تنازله عن الخلافة للإمام (عليه السلام)، أو جعله وليا للعهد، إذ لم يبلغ
تشيعه المزعوم حدا من الزهد في الدنيا ليتنازل عن ملك مترامي الأطراف
لأصحابها الشرعيين، وينقلها من البيت العباسي إلى البيت العلوي، وهو الذي ظل
طيلة حياته يردد كلمة أبيه: " الملك عقيم، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه
عيناك "، وانطلق على هذا الأساس لقتل أخيه لأجل الملك.
وقد عرف محمد الأمين شخصية أخيه جيدا حينما سأل أحمد بن سلام - عندما
ألقي القبض عليه - أيقتلني المأمون؟ فقال أحمد: إنه لا يقتلك، وإن الرحم ستعطفه
عليك. فقال الأمين: هيهات، الملك عقيم، لا رحم له (2).



(1) تأريخ بغداد 3: 369.
(2) مروج الذهب 3: 413.
297
في الكشف عن واقع الأئمة (عليهم السلام):
أما ما قيل من أن المأمون أراد من ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام) أن يكشف
عن واقع الأئمة (عليهم السلام) للناس الذين كانوا يجلونهم ويقدسونهم، لزهدهم في الدنيا،
ولتنديدهم بالحكام، فأراد أن يدخله في الحكم ليكشف للناس أنه لم يزهد في الدنيا،
وأنه قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ورغبة في الدنيا (1).
وهذا الأمر بعيد عن المأمون، لأنه كان عارفا بواقع الأئمة (عليهم السلام) وحقيقتهم،
وأن ذلك لم ولن يؤثر على مكانتهم في نفوس الناس، ذلك لأن تولي السلطة
لا يتنافى مع الزهد في الدنيا، سيما إذا كان الهدف من الحكم إقامة العدل، وإحقاق
الحق، وإنصاف المظلوم، وبناء مجتمع سليم عادل وفقا لما جاءت به الرسالة المحمدية
السمحاء.
ولو كانت ثمة منافاة بين الزهد وتولي مهام الحكم، لكان ذلك قادحا في زهد
أمير المؤمنين (عليه السلام) والخلفاء الذين عرفوا بهذه الصفة، وقد تولى أمير المؤمنين (عليه السلام)
مهام الحكم وكانت خيرات الدنيا كلها تجبى إليه إلا الشام، ومع ذلك لم يشبع من
خبز الشعير، ولم يكن أحد أزهد منه في زمانه ولا بعده.
كما لم يكن امتناع الإمام الرضا (عليه السلام) عن قبول الخلافة زهدا فيها، وابتعادا
عن مسؤوليتها، كيف ذلك وهو الذي يرى نفسه الأحق بهذا المنصب من سواه،
وأنه الأقدر على إدارته بالحق وسياسة العدل من غيره، وأنه الأولى بسياسة



(1) أنظر عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 139 / 3، و 339 / 3، علل الشرائع 2: 237 / 1، بحار
الأنوار 49: 128 / 3 و 290 / 2، العوالم 22: 182 / 1، و 485 / 2.
298
الرعية، وفقا لتعاليم الإسلام وآدابه وتشريعاته من المأمون وغير المأمون.
بل كان الإمام (عليه السلام) كارها لها لأن المأمون لم يكن جادا في كل ما كان يتظاهر
به من الحب والولاء والعطف على العلويين، بل كان يعمل على تنفيذ لعبته البارعة
على أكتاف الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان يتزلف إلى العلويين ليحصل على مكاسب
سياسية توفر له الأمن والاستقرار، ولأسرته الديمومة في الحكم والاستمرار.
ولو كان المأمون جادا في عرضه الخلافة أو تقليده ولاية العهد، فلماذا يأمر
رسوله إلى المدينة أن يأتيه بالإمام مخفورا، ويحدد له طريق البصرة أهواز فارس
فمرو؟ وكان بإمكانه أن يخطب باسمه ويدعو له بالخلافة دون أن يجشمه مشقة السفر
وعناءه، إذا كان معتقدا بأحقيته بالخلافة.
ولو كان جادا أيضا فلماذا أرجع الإمام (عليه السلام) من صلاة العيد بعد أن دعاه
بإصرار ولم يمهله لأدائها بمعناها الروحي السامي بعيدا عن مظاهر الترف والزيف
التي التصقت بها من قبل الخلفاء الحاكمين الذين كانوا يستغلونها لعرض قوتهم التي
يتمتعون بها، ولتركيز حس الهيبة والعظمة لهم في نفوس الناس.
ولو كان جادا لترك البيعة في اليوم الذي اختاره لعقدها، بسبب قول المنجم:
إن عقد البيعة للرضا (عليه السلام) في هذا الوقت لا يتم، وإنها تدل على نكبة المعقود له، فإن
كان باطنه كظاهره لترك عقد البيعة، ولأخره إلى وقت مناسب آخر، لأنه كان
يعمل بالنجوم، فقد جاء في وصف محمد بن علي العبدي الأخباري للمأمون بمحضر
القاهر بالله العباسي: ثم أفضى الأمر إلى المأمون، فكان في بدء أمره لما غلب عليه
الفضل بن سهل وغيره يستعمل النظر في أحكام النجوم وقضاياها، وينقاد إلى
موجباتها (1). لكنه لم ينقاد إلى موجباتها في مسألة عقد البيعة بولاية العهد



(1) مروج الذهب 4: 227.
299
للإمام (عليه السلام)، فأصر المأمون على عقدها، لأنه يعتقد أن ولاية العهد ما هي إلا مجرد
إجراء موقت للحصول على بعض المكاسب السياسية التي توفر عليه وعلى أسرته
العباسية الكثير من المتاعب، ودور مرحلي عليه أن ينفذه بإتقان ليخلص إلى
النتائج المطلوبة سواء كان الوقت مناسبا أو لا.
ولو كان المأمون جادا ومحبا لأهل البيت (عليهم السلام) كما يقال، لما كتب إلى السري
عامله على مصر رسالة يخبره فيها بوفاة الرضا (عليه السلام)، ويأمره بأن تغسل المنابر التي
دعي عليها لعلي بن موسى، فغسلت (1).
ومهما كانت الدوافع على هذا الأمر، فلم يجد الإمام بدا من الاستجابة لطلبه
بعد أن هدده بالقتل كما قدمنا آنفا، ولا شك أن ثمة أسبابا في نفس المأمون كان
يدركها الإمام (عليه السلام) بحسه المرهف وتوسمه وعلمه بالخبر المسبق، وهي التي تبرز لنا
بوضوح الوجه الآخر للمأمون الذي يكشف عن الخلفية الواقعية لسياسته ذات
البعد الغامض في تركيبة ولاية العهد.
الدوافع السياسية لولاية العهد:
لقد كان المأمون يتمتع بشخصية لعلها من أقوى الشخصيات العلمية
والإدارية التي وصلت إلى الحكم من بني العباس، وكان أخوه الأمين منافسه الأول
في الحكم لا يملك شيئا من المؤهلات، ومع أن الرشيد يعرف عنهما ذلك فقد قدمه
على المأمون، لا لسبب إلا لأنه الولد المدلل لسيدة القصر المفضلة زبيدة بنت جعفر
ابن المنصور الدوانيقي. فقد روي عن الرشيد أنه قال: وقد قدمت محمدا - يعني



(1) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 250، عن الولاة والقضاة للكندي: 170.
300
الأمين - على المأمون، وإني لأعلم أنه منقاد إلى هواه، مبذر لما حوته يداه، يشارك
في رأيه الإماء، ولولا أم جعفر وميل الهاشميين إليه، لقدمت عليه عبد الله - يعني
المأمون - (1).
وبدأت بوادر الخلاف بين الأخوين والرشيد لا يزال حيا، وظلت الأجواء
تتأزم والأمور تتعقد بينهما، حتى انفجر الموقف وانتهى الصراع الدامي الذي ذهب
ضحيته عشرات الألوف بقتل الأمين، وانتقال السلطة بكاملها إلى المأمون
كما ذكرنا.
وأحس المأمون بعد ذلك بالتذمر في أوساط بغداد، وبنقمة عارمة من أكثر
العباسيين الذين ناصروا الأمين عليه.
وكان العلويون يخرجون على الحكام بين الحين والآخر، وشيعة الكوفة
يرحبون بكل ثائر، كما كان الشيعة في كل مكان ينكرون على العباسيين سوء
صنيعهم مع العلويين، ويباركون جميع الانتفاضات المعادية لهم، وبخاصة شيعة
خراسان، الذين كان لهم الفضل الأكبر في إرساء حكم المأمون وانتصاره على أخيه،
وفي السنة التي استولى فيها المأمون على السلطة كانت الأخطار تهدد دولته، من
جميع الجهات، فقد خرج السري بن منصور الشيباني المعروف بأبي السرايا في
الكوفة وجهاتها، يقود لدعوة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن
علي (عليه السلام)، وبايعه عامة الناس، ووثب بالمدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن،
وبالبصرة علي بن محمد بن جعفر بن علي بن الحسين، وزيد بن موسى بن جعفر
الملقب بزيد النار، وغلبا عليها وعلى جهاتها، واشتد أمرهما، كما ظهر في اليمن



(1) سير أعلام النبلاء 10: 279.
301
إبراهيم بن موسى، وفي المدينة الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين المعروف
بالأفطس، ودعا إلى ابن طباطبا، فلما مات ابن طباطبا دعا إلى نفسه، وسار منها
إلى مكة في الموسم، وعلى الحاج داود بن عيسى الهاشمي، فخرج من مكة هاربا من
الأفطس، فصلى الحسن بن الحسين بالناس، وحج بهم ذلك العام.
واشتعلت الثورات في أكثر أنحاء الدولة، ومع كل ثائر عشرات الألوف
يناصرونه على أولئك الجبابرة الذين أقاموا عروشهم على جماجم الأبرياء
الصلحاء، وسخروا لها جميع موارد الدولة وخيرات البلاد.
وجاء في (مقاتل الطالبيين) بعد معارك أبي السرايا داعية العلويين وغيره:
نظروا في الدواوين فوجدوا أن القتلى في تلك المعارك تزيد على مائتي ألف رجل (1).
وسواء صح هذا الرقم أم لم يصح، فلا شك في أن دولة المأمون كانت مهددة
بالأخطار من جميع الجهات، وأن حركات التمرد كلها كانت بقيادة العلويين.
لقد أدرك المأمون في تلك الفترة التي افتتح بها خلافته حراجة الموقف
وأخطاره، فلم يجد وسيله أجدى وأنفع من تظاهره للرأي العام الشيعي والعلوي
برغبته في التنازل عن الخلافة إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، وهو يعلم أن الإمام سيرفض
ذلك رفضا قاطعا، وكان الأمر كذلك، وأخيرا أكرهه على ولاية عهده والإقامة معه
في بلد واحد، وتظاهر دجلا ونفاقا بالولاء له ولآبائه، وأمر ولاته في المقاطعات
بالدعوة للرضا (عليه السلام) على المنابر وفي جميع المناسبات.
وكل ما يهمه من هذا التضليل أن يتلافى مشكلة الصدام مع العلويين الذين
كانوا يهددون الدولة العباسية بانتفاضاتهم وتمردهم هنا وهناك بين الحين والآخر،



(1) مقاتل الطالبيين: 366.
302
وأن يطمئن على موقف الشيعة من خلافته في تلك الفترة من تأريخ حكمه التي هو
فيها أحوج ما يكون إليهم، ولم يعد في الساحة سوى المؤيدين لأخيه من العباسيين
وأنصارهم، وهؤلاء لا يشكلون عليه خطرا ما دامت بقية القوى التي كانت
تستنزف القسم الأكبر من قوة الدولة إلى جانبه.
وبالفعل فلقد نجح المأمون في هذا التدبير، فلم يحدث التأريخ بأن أحدا من
العلويين خرج على المأمون أو تحرك ضده خلال السنتين اللتين عاشهما الإمام (عليه السلام)
بعد ولاية العهد مراعاة لجانب الإمام، كما وأن عامة الشيعة كانوا يعتبرون الإمام
شريكا في الحكم، وقد حقق لهم المأمون ما عجزت ثورة أبي مسلم الخراساني التي
كانت باسم العلويين وسائر الانتفاضات التي حصلت بعدها.
وقد تقدم في أول هذا الفصل بعض الأحاديث التي تدل على محاولة المأمون
في إقحام الإمام (عليه السلام) في المعترك السياسي في الكتابة إلى بعض من يطيعه (عليه السلام) في
الأطراف التي فسدت على الخلافة العباسية، وبذلك يكون المأمون قد أعلن عن
بعض أهدافه التي يضمرها في نفسه، فقد جاء في حديث الشيخ الكليني بالإسناد
عن عمر بن خلاد قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، قال لي المأمون:
يا أبا الحسن، لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي قد فسدت
علينا... وفي حديث الشيخ الصدوق بنفس الإسناد، قال: يا أبا الحسن، أنظر بعض
من تثق به توليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا (1).
وما كان من الإمام (عليه السلام) إلا أن يذكره بالشروط التي اشترطها لقبول ولاية



(1) الكافي 8: 151 / 134، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 164 / 29، بحار الأنوار 49: 124 /
20، و 155 / 27.
303
العهد، وبذلك يكون الإمام (عليه السلام) قد فوت الفرصة على المأمون في بعض أهدافه
المتوخاة من هذا الأمر.
نوايا السوء:
ومما يؤيد أن المأمون كان يضمر السوء للإمام (عليه السلام) ويحاول بمواقفه هذه أن
يجعل من الإمام واجهة يتستر بها لأهدافه ومصالحه السياسية، ما جاء في بعض
الروايات التي تنص أنه وضع عليه رقابة تحصي عليه أنفاسه، فقد روى الريان بن
الصلت: أن هشام بن إبراهيم الراشدي كان من أخص الناس عند الرضا (عليه السلام) من
قبل أن يحمل، وكان عالما أديبا لبيبا، وكانت أمور الرضا (عليه السلام) تجري من عنده وعلى
يده، وتصير الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن (عليه السلام). فلما حمل
أبو الحسن (عليه السلام) اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، فقربه ذو الرئاستين
وأدناه، فكان ينقل أخبار الرضا (عليه السلام) إلى ذي الرئاستين والمأمون، فحظي بذلك
عندهما، وكان لا يخفي عليهما من أخباره (عليه السلام) شيئا، فولاه المأمون حجابة
الرضا (عليه السلام)، وكان لا يصل إلى الرضا (عليه السلام) إلا من أحب، وضيق على الرضا (عليه السلام)،
فكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه، وكان لا يتكلم الرضا (عليه السلام) في داره بشيء
إلا أورده هشام على المأمون وذي الرئاستين (1).
وعن أبي الصلت الهروي، قال: رفع إلى المأمون أن أبا الحسن علي بن موسى



(1) العوالم 22: 276، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 151 / 22، بحار الأنوار 49: 137 / 12،
وانظر سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) (القسم الثاني): 382 - 384، والإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ
ودراسة: 115 - 125.
304
الرضا (عليه السلام) يعقد مجالس الكلام، والناس يفتتنون بعلمه، فأمر محمد بن عمرو
الطوسي حاجب المأمون، فطرد الناس من مجلسه وأحضره... الحديث (1).
وعندما أحس عمه محمد بن جعفر بما يضمره المأمون من سوء للإمام (عليه السلام)
أشار إلى بعض أصحابه بأن يمسك عن المناظرة بحضرة المأمون، فبعد مناظراته (عليه السلام)
لأصحاب الديانات وأهل المقالات في مجلس المأمون وإسلام عمران الصابئ على
يده (عليه السلام)، قال محمد بن جعفر للحسن بن محمد النوفلي: يا أبا محمد، إني أخاف عليه
أن يحسده هذا الرجل فيسمه، أو يفعل به بلية، فأشر عليه بالإمساك عن هذه
الأشياء... (2).
وفي حديث للحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام، وذكر أسئلة القوم
والمأمون له (عليه السلام) وجواباته عنها، وساق الحديث إلى أن قال: فلما قام الرضا (عليه السلام)
تبعته فانصرف إلى منزله.
فدخلت عليه وقلت له: يا ابن رسول الله، الحمد لله الذي وهب لك من جميل
رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك.
فقال (عليه السلام): يا ابن الجهم، لا يغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني،
فإنه سيقتلني بالسم وهو ظالم لي، أعرف ذلك بعهد معهود إلي من آبائي، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حيا (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 72 / 1، بحار الأنوار 49: 82 / 2، العوالم 22: 163 / 4.
(2) التوحيد: 440، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 178.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 200 / 1، بحار الأنوار 49: 284 / 4، العوالم 22: 466 / 3.
305
وهكذا فإن الإمام (عليه السلام) كان يدرك ما يضمره المأمون في نفسه من نوايا سيئة
تجاهه، ويبصر بعلم مسبق أنه لا قاتل له سوى المأمون، ففي حديث إسحاق بن
حماد، قال: كان المأمون يعقد مجالس النظر، ويجمع المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام)
ويكلمهم في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتفضيله على جميع الصحابة، تقربا إلى
أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وكان الرضا (عليه السلام) يقول لأصحابه الذين يثق
بهم: لا تغتروا بقوله، فما يقتلني والله غيره، ولكنه لا بد لي من الصبر حتى يبلغ
الكتاب أجله (1).
ولم تقف نوايا السوء في نفس المأمون عند هذه الحدود، بل امتدت إلى محاولة
قتل الإمام (عليه السلام) عدة مرات، منها ما رواه أبو الصلت الهروي، قال: كان مولاي
علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ذات يوم جالسا في منزله، إذ دخل عليه رسول المأمون.
فقال: أجب أمير المؤمنين. فقام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال لي: يا أبا الصلت،
إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلا لداهية، والله لا يمكنه أن يعمل بي شيئا أكرهه،
لكلمات وقعت إلي من جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: فخرجت معه حتى دخلنا على المأمون. فلما نظر به الرضا (عليه السلام) قرأ
دعاء (2)، فلما وقف بين يديه نظر إليه المأمون وقال: يا أبا الحسن، قد أمرنا لك
بمائة ألف درهم، واكتب حوائج أهلك، فلما ولى عنه علي بن موسى بن
جعفر (عليهم السلام) والمأمون ينظر إليه في قفاه ويقول: أردت وأراد الله، وما أراد الله
خير (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 184 / 1، بحار الأنوار 49: 189 / 1، العوالم 22: 307 / 1.
(2) وهو الحرز الذي تقدم نصه في هذا الفصل في مسير الإمام (عليه السلام) إلى سناباد.
(3) مهج الدعوات: 33 - 34.
306
وعن أحمد بن علي أنه قال: سألت أبا الصلت الهروي، فقلت: كيف طابت
نفس المأمون بقتل الرضا (عليه السلام) مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد
بعده؟
فقال: إن المأمون إنما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد
من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا، فيسقط محله من نفوسهم، فلما لم يظهر
منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم، جلب عليه
المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم، فيسقط محله عند العلماء،
وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة.
فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة
والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له، إلا قطعه وألزمه
الحجة.
وكان الناس يقولون: والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب
الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك، ويشتد حسده له.
وكان الرضا (عليه السلام) لا يحابي المأمون من حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر
أحواله، فيغيظه ذلك، ويحقده عليه، ولا يظهره له، فلما أعيته الحيلة في أمره
اغتاله، فقتله بالسم (1).
المأمون يفصح عما في نفسه:
ومما يكشف لنا عن المغزى البعيد لولاية العهد، ما جاء في جواب المأمون



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 239 / 3، بحار الأنوار 49: 290 / 2، العوالم 22: 485 / 2.
307
لبني العباس ردا على اعتراضهم في البيعة بولاية العهد للإمام (عليه السلام)، حيث قال:
وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى (عليه السلام) بعد استحقاق منه لها في نفسه،
واختيار مني له، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم
باستدامة المودة بيننا وبينهم، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب،
ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.
وإن تزعموا أني أردت أن تؤول إليهم عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم والنظر
لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم، وأنتم ساهون لاهون تائهون، في غمرة تعمهون،
لا تعلمون ما يراد بكم (1).
فالمدلول الضمني لكلامه هذا أنه لم يكن يريد أن ينقل الخلافة من بيت إلى
بيت، كما يتصور العباسيون، بل أراد أن يطوق ما كان منتظرا في ذلك الظرف من
المضاعفات التي قد تسبب له ولخلافتهم الكثير من المتاعب وتعرضها لأسوأ
الاحتمالات...
وأخيرا لقد أفصح المأمون عن بعض أهدافه السياسية في جوابه لأحد
المعترضين عليه في هذا الأمر، فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستترا عنا، يدعو
إلى نفسه، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة
لنا، وليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وأن هذا الأمر لنا
من دونه، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسده،
ويأتي علينا منه ما لا نطيقه، والآن فإذا قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره
بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في



(1) العوالم 22: 335، عن الطرائف: 275، بحار الأنوار 49: 208 / 3.
308
أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه (1) قليلا قليلا، حتى نصوره عند الرعية بصورة من
لا يستحق لهذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه (2).
وفي حديث وفاة الإمام (عليه السلام) برواية هرثمة بن أعين (3)، قال المأمون:
يا هرثمة، هل أسر إليك [أبو الحسن] شيئا غير هذا؟ قلت: نعم.
قال: ما هو؟ قلت: خبر العنب والرمان.
قال: فأقبل المأمون يتلون ألوانا، يصفر مرة، ويحمر أخرى، ويسود أخرى،
ثم تمدد مغشيا عليه، فسمعته في غشيته وهو يهجر ويقول: ويل للمأمون من الله،
ويل له من رسوله، ويل له من علي، ويل للمأمون من فاطمة، ويل للمأمون من
الحسن والحسين، ويل للمأمون من علي بن الحسين، ويل له من محمد بن علي، ويل
للمأمون من جعفر بن محمد، ويل له من موسى بن جعفر، ويل له من علي بن موسى
الرضا، هذا والله هو الخسران المبين، يقول هذا ويكرره (4).
والخلاصة أن الإمام (عليه السلام) كان متوجعا متألما من أفعال المأمون، مبديا
ما يعتمل في أعماقه من المرارة والألم الذي يعاني منه، فهو لا يستطيع أن يفعل شيئا
إزاء إصرار الحكم العنيد عليه بالقبول لولاية العهد دون أن يملك لنفسه حرية
الاختيار والحركة، فضاق صدره حتى كان يرجو من الله تعجيل وفاته، كما قال
ياسر الخادم: كان الرضا (عليه السلام) إذا رجع يوم الجمعة من الجامع وقد أصابه العرق



(1) وضع منه: أي حط من قدره ومنزلته.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 170، العوالم 22: 344.
(3) لعله غير هرثمة القائد العباسي المشهور، بل الظاهر أنه من خواص الإمام (عليه السلام) وخدامه.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 249، بحار الأنوار 49: 298.
309
والغبار، رفع يديه وقال:
" اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت، فعجل لي الساعة ". ولم يزل
مغموما مكروبا إلى أن قبض (عليه السلام) (1).
موقف العباسيين:
قبل البدء بهذا الموضوع لا بد من مقدمة نوضح فيها الموقف في العراق وبغداد
قبيل تولية المأمون الإمام الرضا (عليه السلام)، فلما تم الأمر للمأمون بالعراق على يد
طاهر بن الحسين الخزاعي الذي فتح بغداد وقتل الأمين، وهرثمة بن أعين الذي فتح
الكوفة وقضى على ثورة أبي السرايا، كان الذي يدير الأمر بمرو الفضل بن سهل،
الذي يرى لنفسه الفضل الأكبر في تأسيس دولة المأمون، فأراد أن يستفيد من هذه
الدولة، ويستأثر بنفوذ الكلمة فيها، وليس يتم له ذلك والعراق بين يدي طاهر
وهرثمة، فأصدر أمرين على لسان المأمون: أولهما بتولية الحسن بن سهل جميع
ما افتتحه طاهر من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة والحجاز
واليمن.
وكتب إلى طاهر أن يسلمه جميع ما بيده من الأعمال، وأن يشخص إلى الرقة
لمحاربة نصر بن شبث، وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، فلم يسع طاهرا
إلا أن يسمع ويطيع، فسلم ذلك كله.
والأمر الثاني كتب إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان، وبذلك يكون
العراق قد خلا من منافسين قويين للفضل بن سهل.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 15 / 34، بحار الأنوار 49: 140 / 13، العوالم 22: 34 / 1.
310
مقتل هرثمة بن أعين:
لما فرغ هرثمة بن أعين من أمر أبي السرايا، أراد أن يتوجه إلى المأمون بمرو
ليطلعه على حقيقة الحال، وما ينكره الناس عليه من استبداد الفضل بن سهل على
أمره، ولم يكن ذلك مما يروق للفضل، فأفهم المأمون أن هرثمة قد أفسد البلاد، وأنه
هو الذي دس إلى أبي السرايا حتى صنع ما صنع، ولو شاء أن لا يفعل ذلك
أبو السرايا ما فعل، لأنه كان من ضمن جنوده، وكان المأمون قد كتب لهرثمة
كتابا من الطريق ليرجع ويلي الشام والحجاز، فأبى هرثمة أن يرجع حتى يرى
المأمون ويبين له حقيقة الحال، فكان ذلك مما زاد المأمون وحشة منه، ولما
بلغ هرثمة مرو خشي أن يكتم المأمون خبر قدومه، فضرب الطبول كي يسمعها
المأمون، فلما سمعها سأل فقالوا: هرثمة جاء يبرق ويرعد، وظن هرثمة أن قوله
المقبول، فأدخل على المأمون، وقد أشرب قلبه منه ما أشرب، فلم يسمع منه كلمة،
وأمر به فوجئ عنقه، وديس بطنه، وسحب بين يديه، وقد تقدم الفضل إلى الأعوان
بالتغليظ عليه والتشديد، فمكث في حبسه أياما، ثم دسوا إليه فقتلوه، وقالوا:
إنه مات (1).
الموقف من ولاية العهد:
في سنة 201 ه‍ أمر المأمون بلبس الأخضر بدلا عن الأسود، وكان السواد
شعار العباسيين، والأخضر للعلويين، وكتب بذلك إلى عماله في جميع الأقطار،



(1) الدولة العباسية للخضري: 173.
311
فشق ذلك على العباسيين، وعدوه - بالإضافة إلى ولاية العهد - محاولة جادة
لتجريد العباسيين من جميع امتيازاتهم وشعاراتهم.
فعندما بايع المأمون الرضا بولاية العهد في هذه السنة، ورد على عيسى بن
محمد بن أبي خالد كتاب من الحسن بن سهل، يعلمه فيه بأن المأمون بايع
للرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وأمر بطرح لبس الثياب السود، ولبس ثياب الخضرة،
ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، وأن
يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد بذلك
جميعا.
فقال بعضهم: نبايع ونلبس الخضرة، وقال بعض: لا نبايع ولا نلبس
الخضرة، ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من الفضل بن
سهل.
وغضب ولد العباس من ذلك، واجتمع بعضهم إلى بعض، وقالوا: نولي
بعضنا ونخلع المأمون، فبايعوا إبراهيم بن المهدي، وخلعوا المأمون، وذلك يوم
الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة 201 ه‍ (1).
وذكر أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في (أخبار خراسان) أن المأمون
لما بايع الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وبلغ ذلك العباسيين ببغداد ساءهم، فأخرجوا
إبراهيم بن المهدي، عم المأمون، المعروف بابن شكلة، وبايعوه بالخلافة، وفيه يقول
دعبل بن علي الخزاعي:
يا معشر الأجناد لا تقنطوا * خذوا عطاياكم ولا تسخطوا



(1) تأريخ الطبري 8: 554 و 555.
312
فسوف يعطيكم حنينية (1) * يلذها الأمرد والأشمط (2)
والمعبديات (3) لقوادكم * لا تدخل الكيس ولا تربط
وهكذا يرزق أصحابه * خليفة مصحفه البربط (4)
وذلك أن إبراهيم بن المهدي كان مولعا بضرب العود، منهمكا في الشراب (5).
الإمام (عليه السلام) ينقذ الموقف:
وكتب الفضل إلى الحسن بن سهل بمحاصرة بغداد، ووقعت الحرب بين
أصحاب إبراهيم وأصحاب الحسن بن سهل، واختل الأمر في العراق، والمأمون
لا يعلم بذلك، كان الفضل يخفي عنه الأخبار، ولا يخبره أحد خوفا من الفضل،
فأخبره الرضا (عليه السلام) بذلك، وأشار عليه بالرحيل إلى بغداد (6).
قال الطبري: ذكر أن علي بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي أخبر المأمون
بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه، وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه



(1) أي نغمة حنينية، قيل: منسوبة إلى حنين المغني، وقيل: من الحنين بمعنى الشوق والطرب.
(2) الأشمط: الذي يخالط شعره الأسود بياض، وقوله: الأمرد والأشمط، كناية عن الكبير
والصغير.
(3) المعبديات: أنغام، قيل: منسوبة إلى معبد المغني.
(4) البربط: العود.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 165 / 28، بحار الأنوار 49: 142 / 19، العوالم 22: 278 /
2.
(6) أنظر كتاب الإمام الرضا (عليه السلام) للسيد محمد جواد فضل الله: 159، ففيه بيان شامل للدوافع
التي حدت بالإمام (عليه السلام) إلى إخبار المأمون بما يخفيه الفضل بن سهل مما كان سببا في تصفيته.
313
من الأخبار، وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء، وأنهم بايعوا لعمه إبراهيم
ابن المهدي بالخلافة.
فقال المأمون: إنهم لم يبايعوا له بالخلافة، وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم
على ما أخبر به الفضل، فأعلمه أن الفضل قد كذبه وغشه، وأن الحرب قائمة بين
إبراهيم والحسن بن سهل، وأن الناس ينقمون عليه مكانه ومكان أخيه ومكاني،
ومكان بيعتك لي من بعدك.
فقال: ومن يعلم هذا، فسمى له أناسا من وجوه أهل العسكر، فسألهم فأبوا
أن يخبروه حتى يكتب لهم أمانا بخطه ألا يعرض لهم الفضل، فأخبروه بما فيه الناس
من الفتن، وبينوا ذلك له، وأخبروه بغضب أهل بيته ومواليه وقواده عليه في أشياء
كثيرة، وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة، وأن هرثمة إنما جاء لينصحه، وأن الفضل
دس إليه من قتله، وأنه إن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته، وأن
طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى، وافتتح ما افتتح، وقاد الخلافة إليه
مزمومة، حتى إذا وطأ الأمر أخرج من ذلك كله، وصير في زاوية من الأرض
بالرقة، قد حظرت عليه الأموال حتى ضعف أمره، فشغب عليه جنده، وأنه لو كان
على خلافتك ببغداد لضبط الملك، ولم يجترأ عليه بمثل ما اجترئ به على الحسن بن
سهل، وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها، وأن طاهر بن الحسين قد تنوسي في هذه
السنين، منذ قتل محمد في الرقة، لا يستعان به في شيء من هذه الحروب، وقد استعين
بمن هو دونه أضعافا، وسألوه الخروج إلى بغداد.
فلما تحقق ذلك عنده، أمر بالرحيل إلى بغداد، فلما علم الفضل بن سهل
ببعض ذلك تعنتهم، حتى ضرب بعضهم بالسياط، وحبس بعضا، ونتف لحى بعض،
فعاوده علي بن موسى (عليه السلام) في أمرهم، وأعلمه ما كان من ضمانه لهم، فأعلمه أنه

314
يداري ما هو فيه (1).
وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص): قال علماء السير: فلما فعل
المأمون ذلك شغبت بنو العباس ببغداد عليه، وخلعوه من الخلافة، وولوا إبراهيم بن
المهدي، والمأمون بمرو، وتفرقت قلوب شيعة بني العباس عنه، فقال له علي بن
موسى الرضا (عليهما السلام): يا أمير المؤمنين، النصح لك واجب، والغش لا يحل لمؤمن، إن
العامة تكره ما فعلت معي، والخاصة تكره الفضل بن سهل، فالرأي أن تنحينا عنك
حتى يستقيم لك الخاصة والعامة، فيستقيم أمرك (2).
مقدمات خروج المأمون إلى بغداد:
وروى الصدوق في (العيون) بسنده عن ياسر الخادم، قال: بينما نحن عند
الرضا (عليه السلام) يوما، إذ سمعنا وقع القفل الذي كان على باب المأمون إلى دار
أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لنا أبو الحسن (عليه السلام): قوموا تفرقوا. فقمنا عنه، فجاء المأمون
ومعه كتاب طويل، فأراد الرضا (عليه السلام) أن يقوم، فأقسم عليه المأمون بحق المصطفى
أن لا يقوم إليه.
ثم جاء حتى انكب على أبي الحسن (عليه السلام)، وقبل وجهه، وقعد بين يديه على
وسادة، فقرأ ذلك الكتاب عليه، فإذا هو فتح لبعض قرى كابل، فيه: إنا فتحنا قرية
كذا وكذا، فلما فرغ قال له الرضا (عليه السلام): وسرك فتح قرية من قرى الشرك؟
فقال له المأمون: أو ليس في ذلك سرور؟



(1) تأريخ الطبري 8: 564 - 565.
(2) تذكرة الخواص: 355.
315
فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في أمة محمد، وما ولاك الله في هذا الأمر
وخصك، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك، يحكم فيها بغير
حكم الله عز وجل، وقعدت في هذه البلاد، وتركت بيت الهجرة، ومهبط الوحي،
وإن المهاجرين والأنصار يظلمون دونك، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويأتي
على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه، ويعجز عن نفقته، فلا يجد من يشكو إليه حاله،
ولا يصل إليك.
فاتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوة ومعدن
المهاجرين والأنصار. أما علمت - يا أمير المؤمنين - أن والي المسلمين مثل العمود
في وسط الفسطاط، من أراده أخذه.
قال المأمون: يا سيدي، فما ترى؟
قال: أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك،
وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فإن الله عز وجل سائلك
عما ولاك.
فقام المأمون فقال: نعم ما قلت يا سيدي، هذا هو الرأي، فخرج وأمر أن
تقدم النوائب (1).
وبلغ ذلك ذا الرئاستين، فغمه غما شديدا، وقد كان غلب على الأمر، ولم
يكن للمأمون عنده رأي، فلم يجسر أن يكاشفه، ثم قوي بالرضا (عليه السلام) جدا، فجاء



(1) قال المجلسي: يمكن أن يكون المراد بالنوائب: العساكر المعدة للنوائب، أو أسباب السفر
المعدة لها، أو العساكر الذين ينتابون في الخدمة، أو الطبول المسماة في عرف العجم بالنوبة
السلطانية. بحار الأنوار 49: 170.
316
ذو الرئاستين إلى المأمون، وقال له: يا أمير المؤمنين، ما هذا الرأي الذي أمرت به؟
فقال: أمرني سيدي أبو الحسن بذلك، وهو الصواب.
فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا بصواب، قتلت بالأمس أخاك، وأزلت
الخلافة عنه، وبنو أبيك معادون لك، وجميع أهل العراق، وأهل بيتك، ثم أحدثت
هذا الحدث الثاني أنك جعلت ولاية العهد لأبي الحسن، وأخرجتها من بني أبيك،
والعامة والفقهاء والعلماء وآل عباس لا يرضون بذلك، وقلوبهم متنافرة عنك،
والرأي أن تقيم بخراسان حتى تسكن قلوب الناس على هذا، ويتناسوا ما كان من
أمر محمد أخيك، وها هنا - يا أمير المؤمنين - مشايخ قد خدموا الرشيد، وعرفوا
الأمر، فاستشرهم في ذلك، فإن أشاروا به فأمضه.
فقال المأمون: مثل من؟
قال: مثل علي بن أبي عمران، وابن مؤنس، والجلودي. وهؤلاء هم الذين
نقموا بيعة أبي الحسن (عليه السلام)، ولم يرضوا به، فحبسهم المأمون.
فلما كان من الغد جاء أبو الحسن (عليه السلام) فدخل على المأمون، فقال: يا أمير
المؤمنين، ما صنعت؟ فحكى له ما قاله ذو الرياستين، ودعا المأمون بهؤلاء النفر،
فأخرجهم من الحبس، وأول من أدخل عليه علي بن أبي عمران، فنظر إلى
الرضا (عليه السلام) بجنب المأمون، فقال: أعيذك بالله - يا أمير المؤمنين - أن تخرج هذا
الأمر الذي جعله الله لكم وخصكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم، ومن كان آباؤك
يقتلونهم ويشردونهم في البلاد.
فقال المأمون له: يا ابن الزانية، وأنت بعد على هذا! قدمه يا حرسي
فاضرب عنقه، فضربت عنقه.
وأدخل ابن مؤنس، فلما نظر إلى الرضا (عليه السلام) بجنب المأمون، قال: يا أمير

317
المؤمنين، هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد من دون الله!
فقال له المأمون: يا ابن الزانية، وأنت بعد على هذا! يا حرسي قدمه
فاضرب عنقه، فضربت عنقه.
ثم أدخل الجلودي (1)، فلما كان في هذا اليوم وأدخل الجلودي على المأمون،
قال الرضا (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، هب لي هذا الشيخ.
فقال المأمون: يا سيدي، هذا الذي فعل ببنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما فعل من
سلبهن. فنظر الجلودي إلى الرضا (عليه السلام) وهو يكلم المأمون ويسأله أن يعفو عنه ويهبه
له، فظن أنه يعين عليه، لما كان الجلودي فعله، فقال: يا أمير المؤمنين، أسألك بالله
وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في.
فقال المأمون: يا أبا الحسن، قد استعفى، ونحن نبر قسمه.
ثم قال: لا والله لا أقبل قوله فيك، ألحقوه بصاحبيه، فقدم فضربت عنقه (2).
ورجع ذو الرياستين إلى أبيه سهل، وقد كان المأمون أمر أن تقدم النوائب،
فردها ذو الرياستين، فلما قتل المأمون هؤلاء علم ذو الرياستين أنه قد عزم على
الخروج، فقال الرضا (عليه السلام): ما صنعت يا أمير المؤمنين بتقديم النوائب؟



(1) تقدم في أول هذا الفصل أن الجلودي هو الذي سلب بيت الإمام (عليه السلام) خلال غارته على
المدينة في خلافة الرشيد، ولهذا الحديث تتمة في هذا الموضع تقدم ذكرها، فلا داعي لتكرارها
هنا.
(2) الظاهر من تأريخ الطبري بقاء عيسى بن يزيد الجلودي حيا إلى سنة 205 ه‍، حيث قال:
وفي هذه السنة - أي سنة 205 ه‍ - ولى المأمون عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزط. تأريخ
الطبري 8: 580.
318
فقال المأمون: يا سيدي، مرهم أنت بذلك.
قال: فخرج أبو الحسن (عليه السلام) فصاح بالناس: قدموا النوائب.
قال: فكأنما وقعت فيهم النيران، وأقبلت فيهم النوائب تتقدم وتخرج.
وقعد ذو الرياستين في منزله، فبعث إليه المأمون فأتاه، فقال له: ما لك قعدت
في بيتك؟
فقال: يا أمير المؤمنين، إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة، والناس
يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا (عليه السلام)، ولا آمن السعاة والحساد وأهل
البغي أن يسعوا بي، فدعني أخلفك بخراسان.
فقال له المأمون: لا نستغني عنك، وأما ما قلت: إنه يسعى بك، وتبغى لك
الغوائل، فليس أنت عندنا إلا الثقة المأمون الناصح المشفق، فاكتب لنفسك ما تثق
به من الضمان والأمان، وأكد لنفسك ما تكون به مطمئنا.
فذهب وكتب لنفسه كتابا، وجمع عليه العلماء، وأتى به المأمون فقرأه، وأعطاه
كل ما أحب، وكتب خطه فيه، وكتب له بخطه كتاب الحبوة (1): إني قد حبوتك بكذا
وكذا من الأموال والضياع والسلطان، وبسط له من الدنيا أمله.
فقال ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين، يجب أن يكون خط أبي الحسن (عليه السلام) في
هذا الأمان، يعطينا ما أعطيت، فإنه ولي عهدك.
فقال المأمون: قد علمت أن أبا الحسن قد شرط علينا أن لا يعمل من ذلك
شيئا، ولا يحدث حدثا، ولا نسأله ما يكرهه، فاسأله أنت، فإنه لا يأبى عليك في
هذا.



(1) أي: العطاء.
319
فجاء واستأذن على أبي الحسن (عليه السلام)، قال ياسر: فقال لنا الرضا (عليه السلام):
قوموا فتنحوا. فتنحينا، فدخل فوقف بين يديه ساعة، فرفع أبو الحسن (عليه السلام) رأسه،
فقال: ما حاجتك، يا فضل؟ قال: يا سيدي، هذا أمان كتبه لي أمير المؤمنين،
وأنت أولى أن تعطينا ما أعطانا أمير المؤمنين، إذ أنت ولي عهد المسلمين.
فقال له الرضا (عليه السلام): اقرأه، وكان كتابا في أكبر جلد، فلم يزل قائما حتى
قرأه، فلما فرغ قال له أبو الحسن (عليه السلام): يا فضل، لك علينا هذا ما اتقيت الله
عز وجل.
قال ياسر: فنقض عليه أمره في كلمة واحدة، فخرج من عنده، وخرج
المأمون وخرجنا مع الرضا (عليه السلام) (1).
خروج المأمون والرضا (عليه السلام) من مرو ومقتل ذي الرياستين:
وعن ياسر الخادم، قال: لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى
العراق، خرج معه الفضل، وخرجنا مع الرضا (عليه السلام)، فورد على الفضل كتاب من
أخيه الحسن ونحن في بعض المنازل: إني نظرت في تحويل السنة، فوجدت فيه أنك
تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار، وأرى أن تدخل أنت
وأمير المؤمنين والرضا (عليه السلام) في ذلك اليوم الحمام، وتحتجم فيه، وتصب على بدنك
الدم ليزول عنك نحسه.
فكتب الفضل إلى المأمون بذلك، وسأله أن يسأل الرضا (عليه السلام) ذلك. فكتب



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 159 / 24، بحار الأنوار 49: 164 / 5، العوالم 22: 359 /
1.
320
المأمون إلى الرضا (عليه السلام)، فأجابه: لست داخلا الحمام غدا. فأعاد إليه الرقعة
مرتين، فكتب الرضا (عليه السلام): لست داخلا الحمام غدا، فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في هذه الليلة، فقال لي: يا علي، لا تدخل الحمام غدا، فلا أرى لك - يا أمير
المؤمنين - ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا.
فكتب المأمون: صدقت يا أبا الحسن، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولست
بداخل الحمام غدا والفضل أعلم (1).
قال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس، قال لنا الرضا (عليه السلام): قولوا نعوذ
بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة. فلم نزل نقول ذلك، فلما صلى الصبح، قال لي:
اصعد إلى السطح فاستمع. فلما صعدت سمعت الضجة والنحيب وكثر ذلك، وإذا
المأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار الرضا (عليه السلام)، فقال:
يا سيدي، يا أبا الحسن، آجرك الله في الفضل، فإنه دخل الحمام، ودخل عليه قوم
بالسيوف فقتلوه، وأخذ منهم ثلاثة أحدهم ابن خاله، واجتمع الجند والقواد ومن
كان من رجال الفضل على باب المأمون، فقالوا: هو اغتاله وشغبوا وطلبوا بدمه،
وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب.
فقال المأمون لأبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي، ترى أن تخرج إليهم وترفق بهم
حتى يتفرقوا؟ قال: نعم. وركب أبو الحسن (عليه السلام)، وقال لي: يا ياسر اركب،
فركبت، فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس وقد ازدحموا عليه، فقال لهم
بيده (2): تفرقوا، قال ياسر: فأقبل والله بعضهم على بعض، وما أشار إلى أحد



(1) في رواية الشيخ الصدوق: والفضل فهو أعلم وما يفعله.
(2) أي: أشار لهم بيده.
321
إلا ركض ومر، ولم يقف له أحد (1).
قال الطبري: وكان الذين قتلوا الفضل من حشم المأمون، وهم أربعة نفر:
أحدهم غالب المسعودي الأسود، وقسطنطين الرومي، وفرج الديلمي، وموفق
الصقلبي، فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله، فأمر بهم فضربت أعناقهم، وبعث
برؤوسهم إلى الحسن بن سهل (2).
أقول: ترى مثل هذا السفاك الداهية يسلم حكم بني العباس للإمام (عليه السلام)
طعمة باردة.
قال الصدوق والسلامي: كان ذلك في شعبان سنة 203، وقال الطبري: كان
ذلك يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة 202، ولعل رواية الصدوق أقرب إلى
الصواب.
وحكى الصدوق في (العيون) عن أبي علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه
(تأريخ نيسابور) أنه قال: احتال المأمون على الفضل بن سهل حتى قتله غالب
خال المأمون في الحمام بسرخس مغافصة (3) في شعبان سنة 203 (4).
ومن هذا نتبين أن للمأمون أساليبه الخاصة في القضاء على خصومه، فاتبع



(1) كشف الغمة 3: 69، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 164، بحار الأنوار 49: 168، العوالم
22: 364.
(2) تأريخ الطبري 8: 565.
(3) غافصه: فاجأه وأخذه على غرة.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 165 و 166، بحار الأنوار 49: 143، العوالم 22: 279،
إعلام الورى: 337.
322
أسلوبا غامضا في القضاء على الفضل بن سهل وقتل قتلته رغم اعترافهم بأنه هو
الذي دفعهم لاغتياله.
لقد كان الدافع في قتل الفضل من قبل المأمون هو إرضاء العباسيين في بغداد،
وفي نفس الوقت أرضى أخاه الحسن بن سهل بأن قتل قاتليه وأبرد رؤوسهم إليه،
وبهذا أرضى الخراسانيين أيضا.
وعندما قرر أن ينقل مركز الخلافة من مرو إلى بغداد، فكر في قتل
الإمام (عليه السلام)، فغدر به وقتله بالسم، جاعلا ذلك ثمنا لصلحه مع العباسيين، وسيأتي
تفصيل ذلك في شهادته (عليه السلام).
وبعد مقتل الفضل بن سهل رجع المأمون من سرخس إلى طوس، وأقام عند
قبر أبيه أياما، وخلالها دس إلى الإمام (عليه السلام) السم بالعنب - وقيل: بالرمان - فقضى
عليه شهيدا مسموما، ودفن عند قبر هارون الرشيد كما أخبر.
المأمون يعود إلى بغداد:
وهكذا، مات اللذان تكرههما بغداد في نفس طريق بغداد... ولم يعد هناك ما
يعكر صفو العلاقات بينه وبين بني أبيه العباسيين وأشياعهم، وأصبح باستطاعته أن
يكتب إليهم: " إن الأشياء التي كانوا ينقمونها عليه قد زالت، وأنهم ما نقموا عليه
إلا بيعته لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وقد مات، فارجعوا إلى السمع والطاعة، وإنه
يجعل ولاية العهد في ولد العباس " (1).
لقد أسرع المأمون في تنفيذ ما كان قد أعده للإمام الرضا (عليه السلام)، وعاد إلى



(1) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 394.
323
بغداد لتلافي ما تركته الأحداث من آثار سيئة على خلافته، فلم يجد صعوبة في
دخولها، ولا مقاومة جادة لمنعه عنها، سيما وإن مخاوفهم من انتقال السلطة إلى البيت
العلوي قد تبددت بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وبعد أن عادوا إلى طاعة المأمون،
واختفى خليفتهم الخليع ابن شكلة المغني، فجلس لبني العباس وجمعهم، ودعا بحلة
سوداء فلبسها، وترك الخضرة، ولبس الناس كذلك (1).
وأخيرا، تحقق ما تنبأ به الإمام (عليه السلام) من أن أمر البيعة بولاية العهد لا يتم،
وأنه يقتل ويدفن إلى جنب هارون الرشيد، ولم يكتف المأمون بالغدر بالإمام (عليه السلام)
ودس السم إليه، بل أراد أن ينال منه ميتا بدافع من حقده الدفين، فكتب إلى
السري عامله على مصر، يخبره بوفاة الرضا (عليه السلام)، ويأمره بغسل المنابر التي دعي له
عليها، فغسلت، كما أشرنا إليه فيما تقدم.



(1) تذكرة الخواص: 356.
324
الفصل الثامن
موقف الإمام الرضا (عليه السلام) من ثورات العلويين
لقد استقبل المأمون خلافته بأخطر ثورة ضده في تلك الفترة من التأريخ،
وهي ثورة محمد بن إبراهيم، المعروف بابن طباطبا، التي قادها ومهد لها السري بن
منصور، المعروف بأبي السرايا، وقد انطلقت من الحجاز إلى الكوفة، ومنها إلى أكثر
المناطق في العراق، وتفرعت عنها انتفاضات قادها العلويون في البصرة واليمن
والبحرين والحجاز وغير ذلك من الأقطار.
فوثب في اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر، واستولى عليها، وفي مكة الحسين
ابن الحسن الأفطس، وفي البصرة زيد بن موسى بن جعفر، المعروف على لسان
بعض المؤرخين بزيد النار، لكثرة ما قتل وأتلف وأحرق في البصرة من دور
العباسيين وأنصارهم وممتلكاتهم، إلى غير ذلك من المناطق الأخرى، وقد ذكرنا
عندما تحدثنا عن الأسباب التي دفعت المأمون إلى تولية الإمام الرضا ولاية العهد،
إن الذي دفعه إلى هذه الخطوة هو تطويق هذه الانتفاضات، وتخدير الشيعة
المناصرين لهم في مختلف الجهات، وبخاصة شيعة خراسان الذين ناصروا الدولة
العباسية، وعززوا موقفه خلال المعارك الدامية بينه وبين أخيه محمد الأمين، وقد
نجح في هذا التدبير إلى حد ما، فلزم العلويون جانب الهدوء مراعاة لمركز الإمام

325
الرضا (عليه السلام)، ولم يحدث التأريخ عن أي تحرك علوي ضد المأمون خلال تلك الفترة
القصيرة التي عاشها الإمام الرضا (عليه السلام) بعد ولاية العهد.
أما موقف الإمام الرضا من انتفاضات العلويين وتحركاتهم ضد الحاكمين،
فلم يكن على ما يبدو سلبيا من حيث مبدأ الثورة المناهضة للظلم والطغيان
والاستغلال، بل كان كغيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يباركون كل ثائر على الظلم
والباطل حتى ولو لم ينجح عسكريا، إذا كانت ثورته ضمن الحدود المشروعة
ولصالح الأمة، لأن الثورة النزيهة في الغالب تكشف للشعوب زيف الحكام وواقعهم
الكريه، وتترك وراءها فئة تحس بالظلم والتجاوزات، وتحاسب عليهما، وأحيانا
تضطر الحاكم إلى تصحيح سلوكه ووسائل حكمه إلى حد ما.
والسؤال الذي يعترض القارئ في هذا المقام هو أن الأئمة إذا افترضنا أنهم
كانوا يباركون بعض تلك الانتفاضات، فلماذا لم يتولوا قيادتها؟ وأحسب بأن
القارئ سوف لا يقف طويلا إلى جانب هذا التساؤل لو قارن بين المهمات التي
انصرف إليها الأئمة (عليهم السلام) وبين تلك الانتفاضات، ذلك لأنهم كانوا يعلمون بأن
نصيب تلك الانتفاضات سيكون الفشل السريع؛ لأنها لم تقم على أسس صحيحة
ومدروسة تضمن لها النجاح، والثورة الناجحة تحتاج إلى قاعدة شعبية واضحة
مزودة بالوعي والإخلاص، وتستجيب لتخطيط القائد في كل ما يتوقف عليه
نجاحها، ولم يتوفر ذلك لتلك الانتفاضات التي كانت تحدث هنا وهناك.
وفي الوقت الذي كانت ترتفع فيه الأصوات ضد الحاكمين، كان الأئمة (عليهم السلام)
يقودون الثورة الثقافية التي فرضتها مصلحة الإسلام يوم ذاك، وكان النجاح
حليفها في مختلف الميادين، كما يبدو ذلك للمتتبع في تأريخهم.
وعندما قلنا بأنهم كانوا يباركون كل ثائر على الظلم والباطل، إذا كانت

326
ثورته للحق والمظلومين، لم نقل ذلك لأنهم كانوا يرجون لتلك الانتفاضات أن
تحقق كل أهدافها، بل لأن الثورة على الظلم حتى ولو كان نصيبها الفشل، تكشف
زيف الحاكم وواقعه، وتترك وراءها من يحس بالظلم والعدوان، ويحاسب عليهما.
وقد حققت تلك الانتفاضات هذا المقدار وأكثر منه بلا شك في ذلك، ولكن
المكاسب الكبرى التي حققتها ثورة الأئمة (عليهم السلام) لمصلحة الإسلام، لم يكن بالإمكان
تحقيق شيء منها لو أنهم اشتركوا بتلك الانتفاضات أو تولوا قيادتها.
ومهما كان الحال، فالذي أنكره الإمام الرضا والأئمة (عليهم السلام) على بعض
الثائرين من العلويين، أنهم كانوا يغترون ببعض المظاهر، وينخدعون لبعض
الأصوات التي كانت تهتف باسمهم، فيدعون ما ليس لهم، ويخرجون بدون تخطيط،
وبالتالي يكون نصيبهم القتل والتشريد، كما أنكروا على بعض الثائرين إسرافهم في
القتل والسلب وإحراق البيوت والممتلكات، وكان نصيب الأبرياء من ذلك أكثر
من نصيب الحاكمين وأعوانهم، ولذا فإن الإمام الرضا (عليه السلام) قد وقف من أخيه زيد
ابن الإمام موسى بن جعفر ذلك الموقف المتصلب، وأنبه على عدوانه وتجاوزاته التي
لا تقرها الشرائع والأديان.
وقد عرف عند المؤرخين وبعض المحدثين بزيد النار، لكثرة ما أحرق من
الدور والممتلكات التي تخص العباسيين ومن يلوذ بهم من الأتباع والأعوان، وكان
كما جاء في تأريخ ابن الأثير إذا قبض على رجل من المسودة أحرقه بالنار، واستولى
مع ذلك على الكثير من أموال التجار سوى ما أخذه من أموال العباسيين
وأنصارهم.
وقد خرج في البصرة عندما استولى أبو السرايا على الكوفة وجهاتها، بعد أن
انتقلت الخلافة إلى المأمون، والإمام الرضا (عليه السلام) لا يزال في المدينة، فأرسل إليه

327
المأمون جيشا كبيرا بقيادة علي بن سعيد، وبعد معارك ضارية بين الطرفين طلب
زيد بن موسى الأمان، فأعطاه القائد العباسي ما أراد، وأخذه أسيرا، فأرسله إلى
الحسن بن سهل، فأمر بضرب عنقه، وكان قد حضر مجلسه الحجاج بن خيثمة،
فقال له: أيها الأمير، إن رأيت أن لا تعجل عليه، فإن عندي نصيحة لك، فأمر
السياف الذي كان قد استعد ليضرب عنقه بالتوقف، وقال للحجاج: ما هي
نصيحتك؟ قال: أيها الأمير، هل أتاك بما تريد أن تفعله أمر من أمير المؤمنين؟
قال: لا.
قال: فعلام تقتل ابن عم أمير المؤمنين من غير أمره، وقبل أن تستطلع رأيه،
ثم حدثه بما كان من أمر أبي عبد الله بن الأفطس، وقد حبسه الرشيد عند جعفر بن
يحيى فقتله جعفر بن يحيى، وبعث برأسه إلى الرشيد في طبق مع هدايا النيروز، فحقد
عليه الرشيد، ولما غضب على البرامكة وأمر مسرورا بقتل جعفر بن يحيى، قال له:
إذا سألك جعفر عن ذنبه، فقل له: إنه يقتلك بابن عمه ابن الأفطس الذي قتلته من
غير أمره.
ثم قال الحجاج بن خيثمة للحسن بن سهل: أفتأمن أيها الأمير حادثة تحدث
بينك وبين أمير المؤمنين، وقد قتلت هذا الرجل فيقتلك به، ويحتج عليك بمثل
ما احتج به الرشيد على جعفر بن يحيى.
فقال الحسن للحجاج: جزاك الله خيرا، ثم أمر بترك زيد وإرجاعه إلى
الحبس، فلم يزل محبوسا في بغداد حتى كانت ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام)،
فأرسله الحسن إلى المأمون في خراسان، فلما أدخل على المأمون قال له: يا زيد،
خرجت بالبصرة، وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من بني أمية وثقيف وعدي وباهلة
وآل زياد، قصدت دور بني عمك وأحرقتها!

328
فقال له زيد كما يدعي الراوي: أخطأت يا أمير المؤمنين، من كل جهة، وإن
عدت إليها بدأت بأعدائنا. فضحك المأمون، وبعث به إلى الإمام الرضا (عليه السلام) وقال
له: لقد وهبتك جرمه، فاحكم عليه بما ترى (1).
وجاء في رواية ياسر الخادم أنه لما دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) قال له:
ويحك يا زيد، ما الذي غرك حتى أرقت الدماء وقطعت السبيل، أغرك حديث
سمعته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على
النار ".
وفي رواية ثانية: أغرك قول سفلة أهل الكوفة: " إن فاطمة أحصنت فرجها،
فحرم الله ذريتها على النار "، ويحك يا زيد، إن ذلك ليس لي ولا لك، لقد عنى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك حسنا وحسينا (عليهما السلام)، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله، فإن
كنت ترى أنك تعصي الله وتدخل الجنة، فأنت إذن أكرم على الله منهما، ومن أبيك
موسى بن جعفر. والله - يا زيد - لا ينال أحد ما عند الله إلا بطاعته.
فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك.
فقال له الرضا (عليه السلام): أنت أخي ما أطعت الله عز وجل، إن نوحا قال:
(رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)، فقال له الله
عز وجل: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) (2)، فأخرجه الله من أن
يكون من أهله بمعصيته لله (3).



(1) المعالم 22: 383 و 384، عن الشيخ الصدوق في العيون.
(2) هود: 45 و 46.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 234 / 4، بحار الأنوار 49: 217 / 2.
329
وجاء في رواية (العيون) عن محمد بن يزيد النحوي، عن أبيه، أنه قال: إن
المأمون وهب جرم زيد بن موسى إلى أخيه الرضا (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن، لئن
خرج أخوك وفعل ما فعل، فلقد خرج قبله زيد بن علي وقتل، ولولا مكانك مني
لقتلته، فليس ما أتاه بصغير.
فقال الإمام الرضا (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيدا إلى زيد بن
علي بن الحسين، فإنه من علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله)، غضب لله عز وجل، فجاهد أعداءه
حتى قتل في سبيله.
ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: " رحم
الله عمي زيدا، إنه دعا إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه،
ولقد استشارني في خروجه، فقلت له: يا عم، إن رضيت أن تكون المقتول بالكناسة
فشأنك "، فلما ولى قال جعفر بن محمد (عليه السلام): ويل لمن سمع داعيته فلم يجبه.
فقال له المأمون: يا أبا الحسن، أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها
ما جاء.
فقال الإمام الرضا (عليه السلام): إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق، وإنه كان
أتقى لله من ذلك، إنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وكان زيد والله ممن
خوطب بهذه الآية: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم) (1).



(1) سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) - القسم الثاني: 397 - 401. والآية من سورة الحج: 78،
ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع أنظر: الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)، للسيد محمد
جواد فضل الله: 175 - 182، وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته: 452.
330
الفصل التاسع
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
فيما يلي القصيدة التائية التي ألقاها دعبل بن علي الخزاعي على مسامع الإمام
الرضا (عليه السلام)، وبعض ما يتعلق بها من الأخبار، لأنها تعد استعراضا للوقائع التي
مرت على أهل البيت (عليهم السلام) من حين وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، مرورا بأحداث السقيفة،
وموقف المسلمين من الخلافة، وما جرى على أهل البيت خلال العهدين الأموي
والعباسي، والخصائص التي حباهم الله بها، وتعد القصيدة من جهة أخرى من
روائع الشعر العربي في سهولة التعبير، وواقعية التصوير والوصف، وجودة السبك،
وحسن الأداء:
قال الإربلي: دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له:
يا بن رسول الله، إني قد قلت فيكم قصيدة، وآليت على نفسي ألا أنشدها أحدا
قبلك.
فقال الرضا (عليه السلام): هاتها يا دعبل، فأنشد:
تجاوبن بالإرنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات (1)



(1) الإرنان: صوت البكاء، وعجم اللفظ: لا تفصح.
331
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس * أسارى هوى ماض وآخر آت
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت * صفوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المها * سلام شج صب على العرصات
فعهدي بها خضر المعاهد مألفا * من العطرات البيض والخفرات
ليالي يعدين الوصال على القلى * ويعدي تدانينا على الغربات (1)
وإذ هن يلحظن العيون سوافرا * ويسترن بالأيدي على الوجنات
وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة * يبيت بها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر * وقوفي يوم الجمع من عرفات (2)
ألم تر للأيام ما جر جورها * على الناس من نقص وطول شتات
ومن دول المستهزئين ومن غدا * بهم طالبا للنور في الظلمات
فيكف ومن أنى بطالب زلفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات
سوى حب أبناء النبي ورهطه * وبغض بني الزرقاء والعبلات (3)
وهند وما أدت سمية وابنها * أولو الكفر في الإسلام والفجرات (4)



(1) القلى: البغض، والغربات: جمع غربة، النوى والبعد، والغربة: النزوح عن الوطن.
(2) محسر: واد بين منى والمزدلفة.
(3) الزرقاء: أم مروان بن الحكم، وكان مروان يعير بها باعتبارها من ذوات الرايات
(الفخري: 119). والعبلة: أم قبيلة من قريش، يقال لهم العبلات، وهم أمية الصغرى.
(4) هند: أم معاوية بن أبي سفيان، وهي التي مثلت بشهداء المسلمين يوم أحد، وبقرت بطن
حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله)، ولاكت كبده. وسمية: أصلها من زندورد، وكانت بغيا في الطائف، وكانت
أمة للحارث بن كلدة، فأولدها زيادا، وقيل: وقع عليها أبو سفيان في حال السكر فجاءت
بزياد، وقيل غير ذلك.
332
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك إلا محنة كشفتهم * بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هدى * وحكم بلا شورى بغير هداة
رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة * وردت أجاجا طعم كل فرات
وما سهلت تلك المذاهب فيهم * على الناس إلا بيعة الفلتات (1)
وما نال أصحاب السقيفة جهرة * بدعوى تراث بل بأمر ترات (2)
ولو قلدوا الموصى إليه أمورها * لزمت بمأمون على العثرات (3)
أخا خاتم الرسل المصفى من القذى * ومفترس الأبطال في الغمرات
فإن جحدوا كان الغدير شهيده * وبدر وأحد شامخ الهضبات
وآي من القرآن تتلى بفضله * وإيثاره بالقوت في اللزبات (4)
وغر خلال أدركته بسبقها * مناقب كانت فيه مؤتنفات (5)



(1) يريد بيعة السقيفة هي التي مهدت لبغض أهل البيت (عليهم السلام) والعداوة لهم ومخالفتهم والجرأة
عليهم، ووطدت الأمر لمعاوية وأشباهه أن يتخذ عباد الله خولا وأموال المسلمين دولا، ويشير
الشاعر بقوله (بيعة الفلتات) إلى قول عمر بن الخطاب: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله
شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
(2) الترات: جمع ترة، وهو الثأر، وفي البيت اضطراب حسب رواية الإربلي، وقد أصلحناه
وفق الديوان.
(3) زمت: شدت، والموصى إليه هو الإمام علي (عليه السلام).
(4) اللزبات: جمع لزبة: الشدة والقحط.
(5) مؤتنفات: مستأنفات أو مبتدءات.
333
مناقب لم تدرك بخير (1) ولم تنل * بشيء سوى حد القنا الذربات (2)
نجي لجبريل الأمين وأنتم * عكوف على العزى معا ومناة
بكيت لرسم الدار من عرفات * وأجريت دمع العين بالعبرات
وبان عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار قد عفت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات (3)
ديار لعبد الله بالخيف من منى * وللسيد الداعي إلى الصلوات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه * نجي رسول الله في الخلوات (4)
وسبطي رسول الله وابني وصيه * ووارث علم الله والحسنات
منازل وحي الله ينزل بينها * على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم * وتؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل لا تيم يحل بربعها * ولا ابن صهاك فاتك الحرمات
ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات



(1) في الديوان: بكيد.
(2) الذربة: الحادة، والجمع الذربات.
(3) الخيف والتعريف والجمرات: مواضع في منى.
(4) يريد عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) والفضل أخاه.
334
وأين الألى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الأطراف مفترقات (1)
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حماة (2)
إذا لم نناج الله في صلواتنا * بأسمائهم لم يقبل الصلوات
مطاعيم في الأقطار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
وما الناس إلا غاصب ومكذب * ومضطغن ذو إحنة وترات (3)
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
فكيف يحبون النبي ورهطه * وهم تركوا أحشاءهم وغرات (4)
لقد لاينوه في المقال وأضمروا * قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم تكن إلا بقربى محمد * فهاشم أولى من هن وهنات (5)
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه * فقد حل فيه الأمن بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه * وبلغ عنا روحه التحفات
وصلى عليه الله ما ذر شارق * ولاحت نجوم الليل مستدرات (6)
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا * وقد مات عطشانا بشط فرات
إذا للطمت الخد فاطم عنده * وأجريت دمع العين في الوجنات



(1) الألى: الذين، وشط: بعد.
(2) اعتزى: انتسب.
(3) المضطغن: الحاقد. والإحنة: الحقد. والترات: جمع ترة، الثأر.
(4) الوغرة: الشديدة الحرارة.
(5) قوله: هن وهنات، كناية عما لا يمكن التصريح به من أمور.
(6) ذر: طلع، وشارق: مشرق.
335
أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي * نجوم سماوات بأرض فلاة
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي (1)
وأخرى بأرض الجوزجان محلها * وقبر بباخمرا لدى الغربات (2)
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات (3)



(1) طيبة: المدينة المنورة، وفيها قبور الأئمة من آل البيت: الحسن بن علي (عليه السلام)، والسجاد علي
ابن الحسين (عليه السلام)، والباقر أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، والصادق أبي عبد الله جعفر بن
محمد (عليه السلام). وفخ: واد بمكة، وفيها قبر الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى،
وقبور أصحابه الذين استشهدوا معه في أيام الهادي العباسي سنة 169 ه‍، وقد أشرنا إلى ثورته
بالتفصيل في كتابنا (الكاظم موسى (عليه السلام)).
(2) الجوزجان: كورة واسعة بين مرو الروذ وبلخ، وفيها قبر يحيى بن زيد بن علي بن
الحسين (عليه السلام)، الذي قتل في أيام الأمويين مع أصحابه، وصلب جسده على باب المدينة حتى
قيام ثورة بني العباس. وباخمرا: موضع بين الكوفة وواسط، وفيها قبر إبراهيم بن عبد الله بن
الحسين بن علي (عليه السلام) ذي النفس الزكية: استشهد مع أصحابه أيام المنصور سنة 145 ه‍، وقد
ذكرنا ذلك مفصلا في كتابنا (الصادق جعفر (عليه السلام)).
(3) يريد قبر الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).
وجاء في عيون الأخيار للشيخ الصدوق (2: 263) وغيره - على ما سيأتي بيانه في هذا
الفصل - أن دعبلا لما بلغ هذا البيت قال له الإمام الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع
بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى، يا بن رسول الله. فقال الإمام (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الغم والكربات
فقال دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الإمام (عليه السلام): هو قبري... الحديث.
336
علي بن موسى أرشد الله أمره * وصلى عليه أفضل الصلوات (1)
فأما الممضات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات
قبور ببطن النهر من جنب كربلا * معرسهم منها بشط فرات (2)
توفوا عطاشا بالفرات فليتني * توفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم * سقتني بكأس الذل والقصعات (3)
أخاف بأن أزدادهم فتشوقني * مصارعهم بالجزع والنخلات (4)
تقسمهم ريب المنون فما ترى * لهم عقوة مغشية الحجرات (5)
خلا أن منهم بالمدينة عصبة * مدينين أنضاء من اللزبات (6)
قليلة زوار سوى أن زورا * من الضبع والعقبان والرخمات (7)
لهم كل يوم تربة بمضاجع * ثوت في نواحي الأرض مفترقات
تنكب لأواء السنين جوارهم * ولا تصطليهم جمرة الجمرات (8)



(1) جعل الإربلي البيتين المنسوبين للإمام (عليه السلام) ضمن قصيدة دعبل، وأردفهما بهذا البيت الذي
ذكر فيه اسم الإمام (عليه السلام)، ولم يرو هذا البيت في الديوان.
(2) المعرس: المكان الذي ينزل فيه، ويريد قبر الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليه السلام) وقبور أهل
بيته وأصحابه رضوان الله عليهم، الذين استشهدوا دفاعا عن الإسلام وذودا عن مبادئه
السامية.
(3) القصع: القمع والضرب.
(4) أزدادهم: أزورهم.
(5) العقوة: الساحة أو ما حول الدار.
(6) اللزبات: جمع لزبة: الشدة والقحط.
(7) الرخمات: جمع رخمة، وهو طائر معدود من الخبائث لا يؤكل لحمه.
(8) اللأواء: الشدة.
337
وقد كان منهم بالحجاز وأرضها * مغاوير نحارون في الأزمات
حمى لم تزره المذنبات وأوجه * تضيء لدى الأستار والظلمات
إذا وردوا خيلا بسمر من القنا * مساعير حرب أقحموا الغمرات
فإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان والسورات
وعدوا عليا ذا المناقب والعلى * وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى * وجعفرها الطيار في الحجبات
أولئك لا منتوج هند وحزبها * سمية من نوكى ومن قذرات (1)
ستسأل تيم عنهم وعديها * وبيعتهم من أفجر الفجرات
هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم * وهم تركوا الأبناء رهن شتات
وهم عدلوها عن وصي محمد * فبيعتهم جاءت على الغدرات
وليهم صنو النبي محمد * أبو الحسن الفراج للغمرات
ملامك في آل النبي فإنهم * أحباي ما داموا وأهل ثقاتي
تحيزتهم رشدا لنفسي وإنهم * على كل حال خيرة الخيرات
فيا عين بكيهم وجودي بعبرة * فقد آن للتسكاب والهملات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن عند وفاتي
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
وكيف أداوى من جوى بي والجوى * أمية أهل الكفر واللعنات
وآل زياد في الحرير مصونة * وآل رسول الله منهتكات



(1) النوكى: جمع أنوك، الأحمق.
338
سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق * ونادى منادي الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها * وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعا * وآل زياد تسكن الحجرات (1)
وآل رسول الله تدمى نحورهم * وآل زياد ربة الحجلات (2)
وآل رسول الله تسبى حريمهم * وآل زياد آمنو السربات (3)
وآل زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات (4)
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع نفسي أثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فأبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
ولا تجزعي من مدة الجور إنني * أرى قوتي قد آذنت بثبات (5)
فإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر من عمري ووقت وفاتي
شفيت ولم أترك لنفسي غصة * ورويت منهم منصلي وقناتي
فإني من الرحمن أرجو بحبهم * حياة لدى الفردوس غير بتات (6)



(1) البلقع: الخالية القفراء.
(2) الحجلة: كالقبة، أو موضع يزين بالثياب، والجمع: الحجلات.
(3) أي آمنوا النفوس والأموال.
(4) أي إذا طلبوا ثأرا أو دما لهم، فإن أيديهم عزلاء لا تملك وترا ولا ناصرا.
(5) في الديوان: بشتات، وهو أنسب.
(6) أي خالدة غير مقطوعة.
339
عسى الله أن يرتاح للخلق إنه * إلى كل قوم دائم اللحظات
فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر * وغطوا على التحقيق بالشبهات
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم * كفاني ما ألقى من العبرات
أحاول نقل الصم عن مستقرها * وإسماع أحجار من الصلدات
فحسبي منهم أن أبوء بغصة * تردد في صدري وفي لهواتي
فمن عارف لم ينتفع ومعاند * تميل به الأهواء للشهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرفها * لما حملت من شدة الزفرات
ونهض الرضا (عليه السلام) وقال: لا تبرح، وأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار فردها،
وقال: ما لهذا جئت، وطلب شيئا من ثيابه، فأعطاه جبة من خز والصرة، وقال
للخادم: قل له خذها فإنك ستحتاج إليها ولا تعاودني؛ فأخذها وسار من مرو في
قافلة، فوقع عليهم اللصوص وأخذوهم، وجعلوا يقسمون ما أخذوا من أموالهم،
فتمثل رجل منهم بقوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فقال دعبل: لمن هذا البيت؟ فقال: لرجل من خزاعة يقال له دعبل، فقال:
فأنا دعبل قائل هذه القصيدة، فحلوا كتافه وكتاف جميع من في القافلة، وردوا إليهم
جميع ما أخذ منهم.
وسار دعبل حتى وصل إلى قم، فأنشدهم القصيدة، فوصلوه بمال كثير،
وسألوه أن يبيع الجبة منهم بألف دينار، فأبى وسار عن قم، فلحقه قوم من
أحداثهم، وأخذوا الجبة منه، فرجع وسألهم ردها، فقالوا: لا سبيل إلى ذلك،
فخذ ثمنها ألف دينار، فقال: على أن تدفعوا إلي شيئا منها، فأعطوه بعضها وألف
دينار.

340
وعاد إلى وطنه، فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما في منزله، فباع المائة
دينار التي وصله بها الرضا (عليه السلام) من الشيعة كل دينار بمائة درهم، وتذكر قول
الرضا (عليه السلام): إنك ستحتاج إليها.
وعن أبي الصلت الهروي، قال: سمعت دعبلا قال: لما أنشدت مولانا
الرضا (عليه السلام) القصيدة، وانتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله بالبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا (عليه السلام) بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي، وقال:
يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا
الإمام ومتى يقوم؟
قلت: لا، إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا.
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، ومن بعد محمد ابنه علي، وبعد علي
ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره،
ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج، فيملأ الأرض
عدلا كما ملئت جورا. وأما متى؟ فإخبار عن الوقت، ولقد حدثني أبي، عن أبيه،
عن آبائه، عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من
ذريتك؟ فقال: مثله مثل الساعة، لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات
والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة (1).



(1) كشف الغمة 3: 108 - 118، إعلام الورى: 330 - 331، الفصول المهمة: 245 - 247،
ديوان دعبل: 124 - 148.
341
أخبار تتعلق بالقصيدة:
1 - عن أبي الصلت الهروي، قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي على
الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله، إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على
نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك. فقال (عليه السلام): هاتها، فأنشدها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقال له: صدقت يا خزاعي.
فلما بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
جعل الرضا (عليه السلام) يقلب كفيه، ويقول: أجل والله منقبضات.
فلما بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن عند وفاتي
قال الرضا (عليه السلام): آمنك الله يوم الفزع الأكبر.
فلما انتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
قال الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما إتمام قصيدتك؟ فقال:
بلى يا ابن رسول الله، فقال الرضا (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * توقد بالأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات

342
قال دعبل: يا ابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال
الرضا (عليه السلام): قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي
وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس، كان معي في درجتي يوم القيامة
مغفورا له (1).
2 - قال دعبل: لما قلت: " مدارس آيات " قصدت بها أبا الحسن علي بن
موسى الرضا (عليهما السلام) وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة، فوصلت المدينة،
وحضرت عنده، وأنشدته إياها، فاستحسنها، وقال لي: لا تنشدها أحدا حتى
آمرك.
واتصل خبري بالخليفة المأمون، فأحضرني وساءلني عن خبري، ثم قال:
يا دعبل، أنشدني " مدارس آيات خلت من تلاوة " فقلت: ما أعرفها يا أمير
المؤمنين. فقال: يا غلام أحضر أبي الحسن علي بن موسى الرضا.
قال: فلم تكن إلا ساعة حتى حضر (عليه السلام)، فقال له: يا أبا الحسن، سألت
دعبلا عن " مدارس آيات " فذكر أنه لا يعرفها. فقال لي أبو الحسن: يا دعبل،
أنشد أمير المؤمنين، فأخذت فيها، فأنشدتها فاستحسنها، وأمر لي بخمسين ألف
درهم، وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بقريب من ذلك (2).
3 - وجاء في (العدد القوية) أن دعبل الخزاعي كتب قصيدته التي يقول فيها:



(1) إعلام الورى: 329 - 330.
(2) كشف الغمة 3: 52 - 53.
343
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
على ثوب وأحرم فيه، وأمر بأن يكون في كفنه، ولم يزل دعبل مرهوب
اللسان، ويخاف من هجائه الخلفاء.
وقال ابن المدبر: لقيت دعبلا فقلت له: أنت أجسر الناس حيث تقول في
المأمون:
إني من القوم الذين سيوفهم * قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
رفعوا محلك بعد طول خموله * واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال له: يا أبا إسحاق، إني أحمل خشبتي منذ أربعين سنة، ولا أجد من
يصلبني عليها (1).
4 - قال إسماعيل بن علي الدعبلي، حدثني أبي، قال: رأيت أخي دعبل بن
علي في المنام فسألته: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقولي في
أهل البيت (عليهم السلام):
أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عنيف لأهل الحق غير موات
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي (2)



(1) العدد القوية: 292 / 16، بحار الأنوار 49: 259 / 14.
(2) العوالم 22: 423 / 1، عن مقصد الراغب، وقد وردت الأبيات الثلاث في القصيدة التائية
على رواية أخرى غير التي ذكرناها، أنظر العوالم 22: 419.
344
الفصل العاشر
مؤلفاته (عليه السلام)
ذكر له (عليه السلام) في كتب التأريخ والسيرة والتراجم بعض المؤلفات، وتمثل
بمجموعها كتبا ورسائل ونسخا من إملائه (عليه السلام)، وهي على الإجمال ما يلي:
1 - ما كتبه إلى محمد بن سنان في جواب مسائله عن علل الأحكام
الشرعية.
2 - العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها من الرضا (عليه السلام) مرة بعد مرة
وشيئا بعد شيء، فجمعها، وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة النيسابوري روايتها عنه
عن الرضا (عليه السلام)، فإنها في الحقيقة من تأليف الرضا (عليه السلام)، فهو كالمؤلف الذي يملي على
الكاتب.
3 - ما كتبه إلى المأمون من محض الإسلام وشرائع الدين.
وهذه الثلاثة أوردها الصدوق في كتاب (عيون أخبار الرضا) بأسناده
المتصلة.

345
4 - ما كتبه إلى المأمون أيضا في جوامع الشريعة، روى الحسن بن علي بن
شعبة في (تحف العقول) أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرياستين إلى
الرضا (عليه السلام) فقال له:
إني أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن، فإنك حجة الله
على خلقه ومعدن العلم.
فدعا الرضا (عليه السلام) بدواة وقرطاس، وقال للفضل: اكتب، بسم الله الرحمن
الرحيم، وذكر الرسالة، وهي قريبة من الرسالة الثالثة (1).
5 - الرسالة المذهبة أو الرسالة الذهبية في الطب، التي بعث بها إلى المأمون
العباسي في حفظ صحة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية (2)، وسميت
بذلك لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب.
وهذه الرسالة أشار إليها الشيخ في (الفهرست) في ترجمة محمد بن الحسن بن
جمهور العمي البصري، حيث قال: له كتب، وعد منها الرسالة المذهبة عن
الرضا (عليه السلام).
ثم قال: أخبرنا برواياته جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور.
قال: ورواها محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن



(1) أعيان الشيعة 2: 26، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 2: 142.
(2) سنذكر الرسالة كاملة في فصل خاص.
346
الحسن بن متيل، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي بن علي، عن محمد بن
جمهور.
وقال ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور
العمي: له الرسالة المذهبة عن الرضا (عليه السلام) في الطب " اه‍ ".
وذكر منتجب الدين في (الفهرست) أن السيد فضل الله بن علي الراوندي
كتب عليها شرحا سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي. فظهر أنها كانت مشهورة
بين علمائنا، ولهم إليها طرق وأسانيد.
وفي (البحار): أنها من الكتب المعروفة، وأوردها المجلسي في (البحار)
بتمامها، وذكر أنه وجد لها سندين:
أحدهما: قال موسى بن علي بن جابر السلامي: أخبرني الشيخ الأجل العالم
الأوحد سديد الدين يحيى بن محمد بن علي (1) الخازن أدام الله توفيقه، أخبرني
أبو محمد بن الحسن بن محمد بن جمهور.
الثاني: قال هارون بن موسى التلعكبري (رضي الله عنه): حدثنا محمد بن هشام بن
سهل (رحمه الله)، حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام) (2).
6 - صحيفة الرضا (عليه السلام)، في مقدمات (البحار): صحيفة الرضا مع اشتهارها
في مرتبة المراسيل لا المسانيد، وإن شاهدت في بعض النسخ لها إسنادا إلى أبي علي



(1) في البحار (62: 307): بن علبان.
(2) أعيان الشيعة 2: 26، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 2: 143، والرسالة مطبوعة بتحقيق
الشيخ محمد مهدي نجف - منشورات مكتبة الإمام الحكيم العامة.
347
الطبرسي، لكنه غير معلوم عندي.
وفي (مستدركات الوسائل): صحيفة الرضا (عليه السلام) ويعبر عنه أيضا بمسند
الرضا، كما في (مجمع البيان) وبالرضويات كما في (كشف الغمة)، وهو من
الكتب المعروفة المعتمدة التي لا يدانيها في الاعتبار والاعتماد كتاب صنف قبله
أو بعده.
قال السيد الأمين (رحمه الله): من العجيب مع هذا ما سمعت من (البحار) أنها في
مرتبة المراسيل لا المسانيد، وعندي منها نسخة مخطوطة، وقد أتى الشيخ عبد
الواسع اليماني الزيدي بنسخة منها معه من اليمن، وطبعها في دمشق، وأجاز لي
روايتها عنه بالسند الموجود في أولها، وقد ذكرته في القسم الثاني من (الرحيق
المختوم)، وهي مختلفة في المتن عن النسخة التي عندي.
ثم قال في (مستدرك الوسائل): وهو أي كتاب صحيفة الرضا (عليه السلام) داخل في
فهرست كتاب الوسائل، إلا أن له نسخا متعددة وأسانيد مختلفة يزيد متن بعضها
على بعض، واقتصر صاحب الوسائل على نسخة الطبرسي وروايته.
إلى أن قال:
وقد جمع الفاضل الميرزا عبد الله الأفندي في (رياض العلماء) طرقها. قال:
فمن ذلك ما رأيته في بلدة أردبيل في نسخة من هذه الصحيفة، وكان صدر سندها
هكذا:
قال الشيخ الإمام الأجل العالم نور الملة والدين ضياء الإسلام والمسلمين
أبو أحمد أناليك العادل: قرأ علينا الشيخ القاضي الإمام الأجل الأعز الأمجد
الأزهد مفتي الشرق والغرب بقية السلف أستاذ الخلف صفي الملة والدين
ضياء الإسلام والمسلمين وارث الأنبياء والمرسلين أبو بكر محمود بن علي بن محمد

348
السرخسي في المسجد الصلاحي بشادياخ نيسابور عمرها الله غداة يوم الخميس
الرابع من ربيع الأول من شهور سنة عشر وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام
الأجل السيد الزاهد ضياء الدين حجة الله على خلقه أبو محمد الفضل بن محمد بن
إبراهيم الحسيني تغمده الله بغفرانه وأسكنه أعلى جنانه في شهور سنة سبع وأربعين
وخمسمائة قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو المحاسن أحمد بن عبد الرحمن اللبيدي، قال:
أخبرنا أبو لبيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن لبيد، قال: حدثنا الأستاذ الإمام
أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب (رضوان الله عليه) سنة خمس وأربعمائة
بنيسابور في داره، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي
بالبصرة، قال: حدثني أبي في سنة ستين ومائتين، قال: حدثنا علي بن موسى
الرضا (عليهما السلام) إمام المتقين وقدوة أسباط سيد المرسلين مما أورده في مؤلفه المعنون
بصحيفة أهل البيت (عليهم السلام)، سنة أربع وتسعين ومائة، قال: حدثني أبي موسى بن
جعفر (عليهما السلام) قال: الخ (1).
7 - كتاب فقه الرضا، وهو كتاب في أبواب الفقه (2).
وهذا الكتاب لم يكن معروفا قبل زمن المجلسي الأول، واشتهر في زمانه



(1) أعيان الشيعة 2: 27، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 2: 145 - 146، وصحيفة
الرضا (عليه السلام)، مطبوعة عدة طبعات آخرها بتحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.
(2) وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، وفيه مقدمة وافية عن آراء العلماء
والفقهاء في هذا الكتاب بقلم السيد جواد الشهرستاني، وصدر عن المؤتمر العالمي للإمام
الرضا (عليه السلام).
349
إلى اليوم، والسبب في اشتهاره أن جماعة من أهل قم أحضروا نسخته إلى مكة
المكرمة، فرآها القاضي الأمير السيد حسين الأصبهاني، فجزم بأنه تأليف
الرضا (عليه السلام)، فاستنسخه، وأحضره معه إلى إصفهان، فأراه المجلسي الأول،
فجزم بصحة نسبته، وكذلك ولده المجلسي الثاني جزم بصحة نسبته، وفرق أحاديثه
على مجلدات كتابه (البحار)، وجعله أحد مصادر كتابه المذكور، فاشتهر من
ذلك اليوم.
وقال في (مقدمات البحار): كتاب فقه الرضا (عليه السلام)، أخبرني به السيد
الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعدما ورد إصفهان، قال: قد اتفق
في بعض سني مجاورتي في جوار بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين،
وكان معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر الرضا (عليه السلام)، وسمعت الوالد (رحمه الله) أنه
قال: سمعت السيد يقول: كان عليه خطه (صلوات الله عليه)، وكان عليه إجازات
جماعة كثيرة من الفضلاء.
وقال السيد: حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام (عليه السلام)، فأخذت
الكتاب وكتبته وصححته، فأخذ والدي (قدس الله روحه) هذا الكتاب من
السيد، واستنسخه وصححه، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر
ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) من غير سند، وما يذكره والده في
رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا، ولا يعلم مستندها، مذكور
فيه.
وممن جزم بصحة نسبته السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي في (فوائده
الرجالية)، والشيخ يوسف البحراني وغيرهم، وممن جزم بذلك من المعاصرين
المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري، فأدرجه في كتابه (مستدركات الوسائل)،

350
وفرق ما فيه على أبوابه، وعده صاحب الوسائل من الكتب المجهولة المؤلف، وكذا
صاحب (الفصول في الأصول) وغيرهما.
وجماعة توقفوا فيه، وربما احتمل بعضهم أن يكون هو رسالة علي بن بابويه
والد الصدوق لولده، لأن اسمه علي بن موسى، وإن وجد في أوله: " يقول عبد الله
علي بن موسى الرضا: أما بعد "، فاحتمال أن يكون زيادة من النساخ لتبادر الذهن
إلى الفرد الأكمل.
ولكن ينافيه أن الأصل عدم السهو في لفظ الرضا.
وأن فيه: " مما نداوم به نحن معاشر أهل البيت ".
وبعد ذكر آية الخمس: " فتطول علينا بذلك امتنانا منه ورحمة ".
وعند ذكر ليلة تسع عشرة من شهر رمضان: " هي التي ضرب فيها جدنا
أمير المؤمنين ".
وفي كتاب الزكاة: " روي عن أبي العالم ".
وفي باب الربا: " أمرني أبي ففعلت ".
وفي باب الحج: " قال أبي: إن أسماء بنت عميس ".
وفيه: " ليس الموقف هو الجبل، وكان أبي يقف حيث يبيت ".
وفيه: " أبي، عن جدي، عن أبيه، قال: رأيت علي بن الحسين يمشي
ولا يرمل ".
وفيه: " قال أبي: من قبل امرأته "، وذكر أحكاما كثيرة صدرها بقوله:
" قال أبي ".
وفيه: " العالم أنا سمعته يقول عند غروب الشمس "، والعالم كان لقبا
للكاظم (عليه السلام).

351
وكيف كان فجمهور المحققين من العلماء لم يثبتوا صحته، وتوقفوا فيه،
وجعلوا ما أسند فيه إلى الرضا (عليه السلام) أو إلى العالم (عليه السلام) رواية مرسلة تصلح مؤيدا
ومرجحا، ويؤيده أنه لو كان من تأليفه (عليه السلام) لاشتهر أمره وتواتر، لأنه (عليه السلام) كان
في عصره ظاهر الأمر، معروف الفضل، مشهور الذكر، حتى إنه لما روى حديثا
لعلماء نيسابور كتبه عنه أربعة وعشرون ألفا من أهل المحابر، فضلا عن أهل
الدوي (1).



(1) أعيان الشيعة 2: 27، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام): 144 - 145، والذي ذكرناه من
مؤلفاته (عليه السلام) هو عدا الأخبار والأحاديث والآثار الواردة عنه (عليه السلام)، وقد جمعها الشيخ عزيز الله
العطاردي بجزءين، صدرت مطبوعة سنة 1406 ه‍ - منشورات المؤتمر العالمي للإمام
الرضا (عليه السلام).
352
الفصل الحادي عشر
طب الرضا (عليه السلام)
تقدم في مؤلفات الإمام الرضا (عليه السلام) أن له رسالة في الطب موسومة بالرسالة
الذهبية أو الرسالة المذهبة، لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب، ولا يقتصر طب
الرضا (عليه السلام) على هذه الرسالة وحسب، بل إن له (عليه السلام) نظرات في الطب والعلاجات،
واستخدام الأطعمة والأشربة (1)، وما إلى ذلك مما يتعلق بهذا الموضوع، لو جمعت
لكانت كتابا.
وقد ذكر لهذه الرسالة أسانيد عديدة تنتهي في بعضها إلى محمد بن جمهور، وفي
بعضها إلى الحسن بن محمد النوفلي، وقد وثقه النجاشي، فقال عنه: ثقة جليل القدر،
روى عن الرضا (عليه السلام) نسخة، ومن المحتمل أن يكون المقصود بها الرسالة الذهبية.
ولعل شهرة الرسالة بين العلماء، والتسالم على نسبتها للإمام (عليه السلام) في شتى
الأعصار، وعدم الخدشة في تلك النسبة من أحد مما يعطي الباحث اطمئنانا يقرب
من القطع بأنها من عطاء الإمام الرضا نفسه (عليه السلام) (2).



(1) أنظر كتاب الأطعمة والأشربة والتجمل من مسند الرضا (عليه السلام) 2: 322 - 377.
(2) الإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ ودراسة: 193.
353
تأليف الرسالة بطلب من المأمون:
ومن أشهر أسانيد هذه الرسالة هو السند الذي ينتهي إلى الحسن بن محمد بن
جمهور، قال: حدثني أبي، وكان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)،
ملازما لحديثه، وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان، واستشهد
بطوس.
قال: كان المأمون بنيسابور، وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا (عليه السلام)،
وجماعة من المتطببين والفلاسفة، مثل يوحنا بن ماسويه، وجبرئيل بن بختيشوع،
وصالح بن بلهمة الهندي وغيرهم، من منتحلي العلوم، وذوي البحث، فجرى ذكر
الطب، وما فيه صلاح الأجسام وقوامها، فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام،
وتغلغلوا في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى في هذا الجسد، وجمع فيه هذه الأشياء
المتضادة من الطبائع الأربع، ومضار الأغذية ومنافعها، وما يلحق الأجسام من
مضارها من العلل، وأبو الحسن (عليه السلام) ساكت لا يتكلم في شيء من ذلك.
فقال له المأمون: ما تقول يا أبا الحسن، في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا
اليوم، والذي لا بد فيه من معرفة هذه الأشياء والأغذية النافع منها والضار،
وتدبير الجسد.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): عندي من ذلك ما جربته، وعرفت صحته بالأخبار
ومرور الأيام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الإنسان جهله،
ولا يعذر في تركه، فإذا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته.
وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ، وتخلف عنه أبو الحسن (عليه السلام)، وكتب
المأمون إليه كتابا يتنجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما سمعه

354
وجربه من الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية، والفصد والحجامة، والسواك
والحمام والنورة، والتدبير في ذلك.
فكتب الرضا (عليه السلام) إليه كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم.
اعتصمت بالله، أما بعد، فإنه وصل إلي كتاب أمير المؤمنين، فيما أمرني به من
توقيفه على ما يحتاج إليه مما جربته وسمعته في الأطعمة والأشربة، وأخذ الأدوية،
والفصد والحجامة، والحمام والنورة والباه، وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر
الجسد، وقد فسرت له ما يحتاج إليه، وشرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمه
ومشربه، وأخذه الدواء، وفصده وحجامته وباهه، وغير ذلك مما يحتاج إليه من
سياسة جسمه وبالله التوفيق.
إعلم أن الله عز وجل لم يبتل الجسد بداء إلا جعل له دواء يعالج به، وذلك أن
الأجسام الإنسانية جعلت على مثال ذلك، ثم ذكر الرسالة بتمامها (1).
تقييم المأمون للرسالة:
لقد تلقى المأمون هذه الرسالة بارتياح كبير، وأعرب عن تقديره لها بأن
أمر أن تكتب بماء الذهب، وتوضع في خزانة الحكمة، ومن هنا سميت الرسالة
الذهبية.
ويقول المأمون في إطرائها: أما بعد، فإني نظرت في رسالة ابن عمي الأديب،
والفاضل الحبيب، والمنطقي الطبيب، في إصلاح الأجسام، وتدبير الحمام،
وتعديل الطعام، فرأيتها في أحسن التمام، ووجدتها في أفضل الإنعام، ودرستها



(1) أعيان الشيعة 2: 26 - 27، في رحاب أئمة أهل البيت (عليه السلام) 2: 143 - 144.
355
متدبرا، ورددت نظري فيها متفكرا، فكلما أعدت قراءتها والنظر فيها، ظهرت لي
حكمتها، ولاحت لي فائدتها، وتمكنت من قلبي منفعتها، فوعيتها حفظا، وتدبرتها
فهما، إذ رأيتها من أنفس العلائق، وأعظم الذخائر، وأنفع الفوائد، فآمر أن
تكتب بماء الذهب لنفاستها، وحسن موقعها، وعظم نفعها، وكثرة بركتها، وسميتها
الرسالة الذهبية، وخزنتها في خزانة الحكمة، وذلك بعد أن نسخها آل هاشم
فتيان الدولة...
لأن بتدبير الأغذية تصلح الأبدان، وبصحة الأبدان تدفع الأمراض، وبدفع
الأمراض تكون الحياة، وبالحياة تنال الحكمة، وبالحكمة تنال الجنة، وكانت أهلا
للصيانة والادخار، وموضعا للتأهيل والاعتبار، وحكيما يعول عليه، ومشيرا
يرجع إليه، ومن معادن العلم آمرا وناهيا ينقاد له. ولأنها خرجت من بيوت الذين
يوردون حكم النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وبلاغات الأنبياء، ودلائل الأوصياء، وآداب
العلماء، وشفاء للصدور، والمرضى من أهل الجهل والعمى، فعرضتها على خاصتي
من أهل الحكمة والطب، وأصحاب التأليف والكتب، والمعدودين في أهل الدراية،
والمذكورين بالحكمة، وكل مدحها وأعلاها، ورفع قدرها وأطراها، إنصافا
لمصنفها، وإذعانا لمؤلفها، وتصديقا له فيما حكاه فيها.
شروح الرسالة:
وقد تصدى لشرح هذه الرسالة وترجمتها عدد وفير من العلماء، نذكر منهم
على سبيل المثال لا الحصر:
1 - ترجمة العلوي للطب الرضوي، للسيد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله
ابن علي الراوندي، المتوفى بعد سنة 548 ه‍.

356
2 - ترجمة الذهبية للمولى فيض الله التستري الماهر بالطب والنجوم في عصر
فتح علي خان وحكومته بتستر.
3 - ترجمة الذهبية للمولى محمد باقر المجلسي.
4 - عافية البرية في شرح الذهبية، للميرزا محمد هادي بن محمد صالح
الشيرازي، ألفها في عصر السلطان حسين الصفوي.
5 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للمولى محمد شريف الخاتون آبادي، ألفه حوالي
سنة 1120 ه‍.
6 - ترجمة الذهبية للسيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي
المشهدي، فرغ من تأليفها سنة 1155 ه‍.
7 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للسيد عبد الله شبر، المتوفى سنة 1242 ه‍.
8 - شرح طب الرضا (عليه السلام) للحاج المولى محمد بن محمد حسن المشهدي،
المتوفى سنة 1257 ه‍.
9 - شرح طب الرضا (عليه السلام)، للمولى نوروز علي البسطامي.
10 - المحمودية للحاج ميرزا كاظم الموسوي الزنجاني، المتوفى سنة
1292 ه‍.
وغير هؤلاء ممن تصدى لشرحها، وأبان عن كوامن أسرارها، وخفايا
كنوزها.
ولعل آخر من شرحها مقارنا لنظرياتها مع أحدث ما توصل إليه العلم من
اكتشافات حديثة هو الدكتور عبد الصاحب زيني، في سلسلة ملتقى العصرين (1).



(1) الإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ ودراسة: 194 - 198.
357
متن الرسالة:
وفيما يلي متن الرسالة وفقا لرواية العلامة المجلسي في البحار 62: 309 -
327.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتى جعل
له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت، وذلك
أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك، فملك الجسد هو القلب.
والعمال العروق والأوصال والدماغ، وبيت الملك قلبه، وأرضه الجسد،
والأعوان يداه ورجلاه وشفتاه وعيناه ولسانه وأذناه، وخزانته معدته وبطنه،
وحجابه صدره.
فاليدان عونان يقربان ويبعدان، ويعملان على ما يوحي إليهما الملك،
والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء، والعينان تدلانه على ما يغيب عنه، لأن الملك
من وراء الحجاب لا يوصل إليه شيء إلا بهما، وهما سراجان أيضا.
وحصن الجسد وحرزه الأذنان، لا يدخلان على الملك إلا ما يوافقه، لأنهما
لا يقدران أن يدخلا شيئا حتى يوحي الملك إليهما، فإذا أوحى الملك إليهما، أطرق
الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما، ثم يجيب بما يريد، فيترجم عنه اللسان بأدوات
كثيرة، منها ريح الفؤاد، وبخار المعدة، ومعونة الشفتين.
وليس للشفتين قوة إلا باللسان، وليس يستغني بعضها عن بعض، والكلام
لا يحسن إلا بترجيعه في الأنف، لأن الأنف يزين الكلام كما يزين النافخ في المزمار،
وكذلك المنخران، وهما ثقبتا الأنف، يدخلان على الملك مما يحب من الرياح

358
الطيبة، فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك
الريح.
وللملك مع هذا ثواب وعقاب، فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة
القاهرة في الدنيا، وثوابه أفضل من ثوابهم، فأما عذابه فالحزن، وأما ثوابه
فالفرح، وأصل الحزن في الطحال، وأصل الفرح في الثرب (1) والكليتين، ومنهما
عرقان موصلان إلى الوجه، فمن هناك يظهر الفرح والحزن، فترى علامتهما في
الوجه.
وهذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك، ومن الملك إلى العمال،
ومصداق ذلك أنك إذا تناولت الدواء أدته العروق إلى موضع الداء بإعانتها.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة، متى تعوهدت
بالعمارة والسقي، من حيث لا يزداد في الماء فتغرق، ولا ينقص منه فتعطش، دامت
عمارتها، وكثر ريعها، وزكا زرعها، وإن تغوفل عنها فسدت، ولم ينبت فيها
العشب، فالجسد بهذه المنزلة، وبالتدبير في الأغذية والأشربة، يصلح ويصح،
وتزكو العافية فيه.
فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك، ويوافق معدتك، ويقوى عليه بدنك،
ويستمرئه من الطعام، فقدره لنفسك، واجعله غذاءك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع تحت ما يشاكلها،
فاغتذ ما يشاكل جسدك، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه، ومن أخذه بقدر
لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه، وكذلك الماء فسبيله أن تأخذ من الطعام



(1) الثرب: جسم شحمي يحيط بالمعدة والأمعاء.
359
كفايتك في إبانه (1)، وارفع يديك منه وبك إليه بعض القرم (2)، وعندك إليه ميل، فإنه
أصلح لمعدتك ولبدنك، وأزكى لعقلك، وأخف لجسمك.
يا أمير المؤمنين، كل البارد في الصيف، والحار في الشتاء، والمعتدل في
الفصلين، على قدر قوتك وشهوتك.
وابدأ في أول الطعام بأخف الأغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك
وبحسب طاقتك ونشاطك وزمانك.
والذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات
أكلة واحدة، أو ثلاث أكلات في يومين، تتغدى باكرا في أول يوم، ثم تتعشى، فإذا
كان اليوم الثاني، فعند مضي ثمان ساعات من النهار، أكلت أكلة واحدة، ولم تحتج
إلى العشاء، وكذا أمر جدي محمد (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في كل يوم وجبة، وفي غده
وجبتين. وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص.
وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه.
وليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق مما يحل شربه،
والذي أنا واصفه فيما بعد.
ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية الواقعة
فيها، في كل فصل على حدة، وما يستعمل من الأطعمة والأشربة، وما يجتنب منه،
وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء، ونعود إلى قول الأئمة (عليهم السلام) في صفة شراب
يحل شربه، ويستعمل بعد الطعام.



(1) أي: في حينه.
(2) القرم: شدة الشهوة إلى اللحم، ثم اتسع حتى استعمل في الشوق إلى كل شيء.
360
ذكر فصول السنة:
أما فصل الربيع فإنه روح الأزمان، وأوله آذار، وعدد أيامه ثلاثون يوما،
وفيه يطيب الليل والنهار، وتلين الأرض، ويذهب سلطان البلغم، ويهيج الدم،
ويستعمل فيه من الغذاء اللطيف واللحوم والبيض النيمبرشت (1)، ويشرب الشراب
بعد تعديله بالماء، ويتقى فيه أكل البصل والثوم والحامض، ويحمد فيه شرب
المسهل، ويستعمل فيه الفصد والحجامة.
نيسان: ثلاثون يوما، فيه يطول النهار، ويقوى مزاج الفصل، ويتحرك
الدم، وتهب فيه الرياح الشرقية، ويستعمل فيه من المآكل المشوية، وما يعمل
بالخل، ولحوم الصيد، ويعالج الجماع، والتمريخ بالدهن في الحمام، ولا يشرب الماء
على الريق، ويشم الرياحين والطيب.
أيار: أحد وثلاثون يوما، تصفو فيه الرياح، وهو آخر فصل الربيع، وقد
نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحم البقر واللبن، وينفع فيه
دخول الحمام أول النهار، ويكره فيه الرياضة قبل الغذاء.
حزيران: ثلاثون يوما، يذهب فيه سلطان البلغم والدم، ويقبل زمان المرة
الصفراوية، ونهي فيه عن التعب، وأكل اللحم داسما، والإكثار منه، وشم المسك
والعنبر، وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء وبقلة الحمقاء، وأكل الخضر،
كالخيار والقثاء والشيرخشت (2)، والفاكهة الرطبة، واستعمال المحمضات، ومن



(1) لفظة فارسية تعني البيض الذي لم ينضج كاملا.
(2) وهو طل يقع من السماء على شجر الخلاف بهراة، وهو حلو إلى الاعتدال، وقيل: هو أفضل
أصناف المن وأكثرها نفعا لمحروري الأمزجة.
361
اللحوم لحم المعز الثني والجذع (1)، ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدراج والألبان
والسمك الطري.
تموز: أحد وثلاثون يوما، فيه شدة الحرارة، وتغور المياه، ويستعمل فيه
شرب الماء البارد على الريق، ويؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة، ويكسر فيه مزاج
الشراب، وتؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم، كما ذكر في حزيران،
ويستعمل فيه من النور (2) والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.
آب: أحد وثلاثون يوما، فيه تشتد السموم، ويهيج الزكام بالليل، وتهب
الشمال، ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب، وينفع فيه شرب اللبن الرائب، ويجتنب
فيه الجماع والمسهل، ويقل من الرياضة، ويشم من الرياحين الباردة.
أيلول: ثلاثون يوما، فيه يطيب الهواء، ويقوى سلطان المرة السوداء،
ويصلح شرب المسهل، وينفع فيه أكل الحلاوات، وأصناف اللحوم المعتدلة
كالجداء والحولي (3) من الضأن، ويجتنب فيه لحم البقر، والإكثار من الشواء،
ودخول الحمام، ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج، ويجتنب فيه أكل البطيخ
والقثاء.
تشرين الأول: أحد وثلاثون يوما، فيه تهب الرياح المختلفة، ويتنفس فيه
ريح الصبا، ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء، ويحمد فيه الجماع، وينفع فيه أكل
اللحم السمين، والرمان المز، والفاكهة بعد الطعام، ويستعمل فيه أكل اللحوم



(1) الجذع من البهائم: صغيرها، وهو ما أتى عليه سنة ودخل في الثانية.
(2) أي الزهر.
(3) الجداء: جمع جدي، ولد المعز، والحولي: الذي أتى عليه حول.
362
بالتوابل، ويقلل فيه من شرب الماء، ويحمد فيه الرياضة.
تشرين الآخر: ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي (1)، وينهى فيه عن
شرب الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم
جرعة ماء حار، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير.
كانون الأول: أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه العواصف، ويشتد فيه البرد،
وينفع فيه كل ما ذكرناه في تشرين الآخر، ويحذر فيه من أكل الطعام البارد، ويتقى
فيه الحجامة والفصد، ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.
كانون الآخر: أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه غلبة البلغم، وينبغي أن يتجرع
فيه الماء الحار على الريق، ويحمد فيه الجماع، وينفع الأحشاء فيه مثل البقول الحارة
كالكرفس والجرجير والكراث، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار، والتمريخ
بدهن الخيري وما ناسبه، ويحذر فيه الحلو، وأكل السمك الطري واللبن.
شباط: ثمانية وعشرون يوما، تختلف فيه الرياح، وتكثر الأمطار، ويظهر
فيه العشب، ويجري فيه الماء في العود، وينفع فيه أكل الثوم ولحم الطير والصيود
والفاكهة اليابسة، ويقلل من أكل الحلاوة، ويحمد فيه كثرة الجماع، والحركة،
والرياضة.
صفة الشراب الذي يحل شربه واستعماله بعد الطعام:
وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة، وما يعتمد فيها من
حفظ الصحة، وصفته أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال، فيغسل وينقع في



(1) أي المطر النازل في أول الفصل، لأنه يسم الأرض بالنبات.
363
ماء صاف، في غمرة وزيادة عليه أربع أصابع، ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في
الشتاء، وفي الصيف يوما وليلة، ثم يجعل في قدر نظيفة، وليكن الماء ماء السماء، إن
قدر عليه، وإلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق، ماء براقا أبيض
خفيفا، وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة، وتلك دلالة على
خفة الماء.
ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج، ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد، ثم يرد إلى
القدر ثانيا، ويؤخذ مقداره بعود، ويغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه،
ويبقى ثلثه.
ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل (1) فيلقى عليه، ويؤخذ مقداره ومقدار
الماء إلى أين كان من القدر، ويغلى حتى يذهب قدر العسل، ويعود إلى حده،
ويؤخذ خرقة صفيقة (2)، فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم (3)، ومن القرنفل نصف
درهم، ومن الدراچيني نصف درهم، ومن الزعفران درهم، ومن سنبل الطيب
نصف درهم، ومن الهندباء مثله، ومن مصطكي (4) نصف درهم، بعد أن يسحق
الجميع كل واحدة على حدة. وينخل ويجعل في الخرقة، ويشد بخيط شدا جيدا،
وتلقى فيه، وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها، ولا يزال
يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل، ويرفع القدر



(1) الرطل: يساوي حوالي 314 غراما.
(2) أي كثيفة النسيج.
(3) الدرهم: 5 / 2 غراما تقريبا.
(4) المصطكي: علك الروم.
364
ويبرد، ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر، حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض، وحينئذ
يستعمل، ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح.
فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام، فاشرب من
هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله
تعالى يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس، والرياح، وغير ذلك
من أوجاع العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والمعاء
والأحشاء.
فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء، فليشرب منه مقدار النصف مما كان
يشرب قبله، فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين، وأكثر لجماعه، وأشد لضبطه وحفظه،
فإن صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما، فإن
أصلحتهما صلح البدن، وإن أفسدتهما فسد البدن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأن الأمزجة
تابعة للهواء، وتتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة، فإذا برد الهواء مرة وسخن
أخرى تغيرت بسببه أمزجة الأبدان، وأثر ذلك التغير في الصور، فإذا كان الهواء
معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان، وصلحت تصرفات الأمزجة في الحركات
الطبيعية، كالهضم والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات.
لأن الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع، وهي: المرتان والدم والبلغم،
وبالجملة حاران وباردان، قد خولف بينهما، فجعل الحارين لينا ويابسا، وكذلك
الباردين رطبا ويابسا، ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على الرأس،
والصدر، والشراسيف، وأسفل البطن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس والأذنين والعينين والمنخرين والفم والأنف

365
من الدم، وأن الصدر من البلغم والريح، والشراسيف من المرة الصفراء، وأن أسفل
البطن من المرة السوداء.
واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ، وهو قوام الجسد وقوته، فإذا
أردت النوم، فليكن اضطجاعك أولا على شقك الأيمن، ثم انقلب على الأيسر،
وكذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك.
وعود نفسك القعود من الليل ساعتين مثل ما تنام، فإذا بقي من الليل ساعتان
فادخل، وادخل الخلاء لحاجة الإنسان، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك،
ولا تطل فيه، فإن ذلك يورث داء الفيل.
واعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك، فإنه يجلو
الأسنان، ويطيب النكهة، ويشد اللثة ويسننها، وهو نافع من الحفر إذا كان
باعتدال، والإكثار منه يرق الأسنان ويزعزعها، ويضعف أصولها، فمن أراد حفظ
الأسنان، فليأخذ قرن الإيل محرقا، وكزمازجا (1) وسعدا ووردا، وسنبل الطيب،
وحب الأثل أجزاء سواء، وملحا أندرانيا ربع جزء، فيدق الجميع ناعما، ويستن
به، فإنه يمسك الأسنان، ويحفظ أصولها من الآفات العارضة.
ومن أراد أن يبيض أسنانه، فليأخذ جزءا من ملح أندراني، ومثله زبد
البحر، فيسحقهما ناعما، ويستن به.
واعلم يا أمير المؤمنين، أن أحوال الإنسان التي بناه الله تعالى عليها، وجعله
متصرفا بها، فإنها أربعة أحوال:
الحالة الأولى: لخمس عشرة سنة، وفيها شبابه وحسنه وبهاؤه، وسلطان



(1) وهو ثمر الطرفاء.
366
الدم في جسمه.
ثم الحالة الثانية: من خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة، وفيها
سلطان المرة الصفراء وقوة غلبتها على الشخص، وهي أقوى ما يكون، ولا يزال
كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة، وهي خمس وثلاثون سنة.
ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر ستين سنة، فيكون
في سلطان المرة السوداء. وهي سن الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية،
وانتظام الأمور، وصحة النظر في العواقب، وصدق الرأي، وثبات الجأش في
التصرفات.
ثم يدخل في الحالة الرابعة: وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي لا يتحول
عنها ما بقي إلا إلى الهرم، ونكد عيش، وذبول، ونقص في القوة، وفساد في كونه،
ونكتته أن كل شيء كان لا يعرفه حتى ينام عند القوة (1)، ويسهر عند النوم،
ولا يتذكر ما تقدم، وينسى ما يحدث في الأوقات، ويذبل عوده، ويتغير معهوده،
ويجف ماء رونقه وبهائه، ويقل نبت شعره وأظفاره، ولا يزال جسمه في انعكاس
وإدبار ما عاش، لأنه في سلطان المرة البلغم، وهو بارد وجامد، فبجموده وبرده
يكون فناء كل جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغمية.
وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج وأحوال
جسمه وعلاجه، وأنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية والأدوية، وما يجب أن
يفعله في أوقاته. فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى



(1) في الرسالة الذهبية: في تكونه، واستنكر كل شيء كان يعرف من نفسه حتى ينام عند
القوم.
367
خمس عشرة، فإنه أصح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلا أن تكون مضطرا
إلى ذلك، وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال، ويزيد في زيادته.
ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين، ابن عشرين سنة يحتجم في كل
عشرين يوما، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرة واحدة، وكذلك من بلغ من
العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما، وما زاد فبحسب ذلك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة
في اللحم، ومصداق ذلك ما أذكره أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند
الفصد.
وحجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس، وحجامة الأخدعين تخفف عن الرأس
والوجه والعينين، وهي نافعة لوجع الأضراس، وربما ناب الفصد عن جميع ذلك،
وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم، ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع
الفم، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء
والحرارة، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصا بينا، وينفع من
الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام، ويدر الطمث، غير أنها تنهك الجسد،
وقد يعرض منها الغشي الشديد، إلا أنها تنفع ذوي البثور والدماميل.
والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم، ثم
يدرج المص قليلا قليلا، والثواني أزيد في المص من الأوائل، وكذلك الثوالث
فصاعدا، ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه، ويلين
المشراط على جلود لينة، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن.
وكذلك الفصد يمسح الموضع الذي يفصد فيه بالدهن، فإنه يقلل الألم، وكذلك
يلين المشرط والمبضغ بالدهن عند الحجامة، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن،

368
وليقطر على العروق إذا فصد شيئا من الدهن، لئلا يحتجب فيضر ذلك بالمقصود.
وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم، لأن في
قلة اللحم من العروق قلة الألم.
وأكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع والقيفال (1)، لاتصالهما بالعضل
وصلابة الجلد، فأما الباسليق والأكحل (2) فإنهما في الفصد أقل ألما إذا لم يكن فوقهما
لحم.
والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم، وخاصة في الشتاء
فإنه يلين الجلد، ويقلل الألم، ويسهل الفصد، ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج
الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشرة ساعة.
ويحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه ولا ريح شديدة، ويخرج من الدم بقدر
ما ترى من تغيره، ولا تدخل يومك ذلك الحمام، فإنه يورث الداء، وصب على
رأسك وجسدك الماء الحار، ولا تفعل ذلك من ساعتك.
وإياك والحمام إذا احتجمت، فإن الحمى الدائمة تكون فيه، فإذا اغتسلت
من الحجامة فخذ خرقة مرغري (3) فألقها على محاجمك، أو ثوبا لينا من قز أو غيره،
وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر واشربه إن كان شتاء، وإن كان صيفا فاشرب
السكنجبين العنصلي (4)، فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق



(1) حبل الذراع: عرق في اليد. والقيفال: عرق في الكتف.
(2) الباسليق والأكحل: من الأوردة.
(3) في نسخة: من قز.
(4) العنصل: نبات معمر، له بصلة كبيرة تستعمل لأغراض طبية.
369
والجذام بإذن الله تعالى.
وامتص من الرمان المز (1)، فإنه يقوي النفس، ويحيي الدم، ولا تأكل طعاما
مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات، فإنه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب.
وإن كان شتاء فكل من الطياهيج (2) إذا احتجمت، واشرب عليه من الشراب
المذكى الذي ذكرته أولا، وادهن بدهن الخيري أو شيء من المسك وماء الورد،
وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج والهلام والمصوص (3) أيضا
والحامض، وصب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد وشئ من الكافور،
واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، وإياك وكثرة الحركة
والغضب ومجامعة النساء ليومك.
واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت
واحد، فإنهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولد عليه النقرس والقولنج (4) والبواسير
ووجع الأضراس.
واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولدا النقرس والبرص، ومداومة
أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه، وأكل الملوحة، واللحمان المملوحة، وأكل



(1) أي الحامض والحلو في آن واحد.
(2) الطياهيج: جمع طيهوج، وهو طائر شبيه بالحجل.
(3) السكباج: مرق يعمل من اللحم والخل، والمصوص: طعام من لحم يطبخ وينقع في الخل، أو
يكون من لحم الطير خاصة.
(4) القولنج: مرض معوي مؤلم، يعسر منه خروج الثقل والريح.
370
السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب، وأكل كلية الغنم
وأجواف الغنم يغير المثانة.
ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل
السمك يورث الفالج، وأكل الأترج بالليل يقلب العين ويوجب الحول، وإتيان
المرأة الحائض يورث الجذام في الولد، والجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب
الحصاة.
والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون، وكثرة
أكل البيض وإدمانه يورث الطحال ورياحا في رأس المعدة، والامتلاء من البيض
المسلوق يورث الربو والانبهار، وأكل اللحم النئ يولد الدود في البطن.
وأكل التين يقمل منه الجسد إذا أدمن عليه، وشرب الماء البارد عقيب الشيء
الحار أو الحلاوة يذهب بالأسنان، والإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر يورث
تغير العقل، وتحير الفهم، وتبلد الذهن، وكثرة النسيان.
وإذا أردت دخول الحمام، وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك، فابدأ
قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر، فإنك تسلم - إن شاء الله تعالى - من
وجع الرأس والشقيقة، وقيل: خمس مرات يصب الماء الحار عليه عند دخول
الحمام.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحمام ركب على تركيب الجسد: للحمام أربعة
بيوت مثل أربع طبائع الجسد: البيت الأول: بارد يابس، والثاني: بارد رطب،
والثالث: حار رطب، والرابع: حار يابس.
ومنفعته عظيمة، يؤدي إلى الاعتدال، وينقي الدرن، ويلين العصب والعروق،
ويقوي الأعضاء الكبار، ويذيب الفضول، ويذهب العفن.

371
فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها فابدأ عند دخول الحمام
فدهن بدنك بدهن البنفسج، وإذا أردت استعمال النورة، ولا يصيبك قروح
ولا شقاق ولا سواد، فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور.
ومن أراد دخول الحمام للنورة، فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة
ساعة، وهو تمام يوم، وليطرح في النورة شيئا من الصبر والأقاقيا والحضض (1)، أو
يجمع ذلك، ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا، ولا يلقي في النورة شيئا من
ذلك حتى تماث النورة (2) بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش (3) أو ورد
بنفسج يابس، أو جميع ذلك، أجزاء يسيرة، مجموعة أو متفرقة، بقدر ما يشرب الماء
رائحته، وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة.
ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشيء يقلع رائحتها كورق الخوج وثجير
العصفر (4) والحناء والورد والسنبل، مفردة أو مجتمعة.
ومن أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها، وليبادر إذا عملت في
غسلها، وأن يمسح البدن يشيء من دهن الورد، فإن أحرقت البدن - والعياذ بالله -



(1) الأقاقيا: شجر القرظ، تستخدم عصارته لأغراض طبية، وتستخرج بأن يدق ورقه مع
ثمره وتخرج عصارتهما. والحضض: شجرة مشوكة، لها أغصان طولها نحو من شبر، تستخدم
لأغراض طبية.
(2) أي تخلط وتذاب.
(3) وهو العنقر أو السمسق بالعربية، والمرزنجوش فارسي، وهو نبات كثير الأغصان ينبسط
على الأرض في نباته، طيب الرائحة.
(4) ثجير العصفر: وهو الذي يرمى به من بعد أخذ تمام الصبغ منه.
372
يؤخذ عدس مقشر، يسحق ناعما، ويداف في ماء ورد وخل، يطلى به الموضع
الذي أثرت فيه النورة، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى، والذي يمنع من آثار النورة في
الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب العنصل الثقيف (1) ودهن الورد دلكا جيدا.
ومن أراد أن لا يشتكي مثانته، فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته.
ومن أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ، ومن فعل
ذلك رطب بدنه، وضعفت معدته، ولم تأخذ العروق قوة الطعام، فإنه يصير في المعدة
فجا (2) إذا صب الماء على الطعام أولا فأولا.
ومن أراد أن لا يجد الحصاة وعسر البول، فلا يحبس المني عند نزول الشهوة،
ولا يطل المكث على النساء.
ومن أراد أن يأمن من وجع السفل، ولا يظهر به وجع البواسير، فليأكل كل
ليلة سبع تمرات برني (3) بسمن البقر، ويدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص.
ومن أراد أن يزيد في حفظه، فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة على الريق.
ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظا، فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل
مربى بالعسل، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم.
ومن أراد أن يزيد في عقله، يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر إبلوج (4).



(1) أي الشديد الحموضة.
(2) أي لم ينضج.
(3) البرني: نوع من التمر.
(4) الهليلج: من النباتات الطبية. والسكر الإبلوج: الذي استقصي طبخه، فجعل في أقماع
صنوبرية.
373
ومن أراد أن لا ينشق ظفره، ولا يميل إلى الصفرة، ولا يفسد حول ظفره،
فلا يقلم أظفاره إلا يوم الخميس.
ومن أراد أن لا تؤلمه أذنه، فليجعل فيها عند النوم قطنة.
ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء، فليأكل كل يوم ثلاث لقم من
الشهد.
واعلم يا أمير المؤمنين أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضره، وذلك أن
منه شيئا إذا أدركه الشم عطس، ومنه شيء يسكر، وله عند الذوق حرافة (1)
شديدة، فهذه الأنواع من العسل قاتلة.
ولا يؤخر شم النرجس، فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء، وكذلك الحبة
السوداء.
وإذا خاف الإنسان الزكام في زمان الصيف، فليأكل كل يوم خيارة، وليحذر
الجلوس في الشمس.
ومن خشي الشقيقة والشوصة (2)، فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفا
وشتاء.
ومن أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم واللحم فليقلل من عشائه بالليل،
ومن أراد أن لا يشتكي سرته، فليدهنها متى دهن رأسه.
ومن أراد أن لا تنشق شفتاه، ولا يخرج فيها باسور، فليدهن حاجبه من
دهن رأسه.



(1) الحرافة: الطعم الذي يلذع اللسان بحرارته.
(2) الشوصة: وجع في البطن، أو ريح تعتقب في الأضلاع، أو ورم في حجابها من الداخل.
374
ومن أراد أن لا تسقط أذناه ولهاته، فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخل.
ومن أراد أن لا يصيبه اليرقان، فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح بابه،
ولا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة.
ومن أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه، فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة.
ومن أراد أن لا تفسد أسنانه، فلا يأكل حلوا إلا بعد كسرة خبز.
ومن أراد أن يستمرئ طعامه، فليتكئ بعد الأكل على شقه الأيمن، ثم ينقلب
بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام.
ومن أراد أن يذهب البلغم من بدنه وينقصه، فليأكل كل يوم بكرة شيئا من
الجوارش (1) الحريف، ويكثر دخول الحمام، ومضاجعة النساء، والجلوس في
الشمس، ويجتنب كل بارد من الأغذية، فإنه يذهب البلغم ويحرقه.
ومن أراد أن يطفئ لهب الصفراء، فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا، ويروح
بدنه، ويقل الحركة، ويكثر النظر إلى من يحب.
ومن أراد أن يحرق السوداء، فعليه بكثرة القي، وفصد العروق، ومداومة
النورة.
ومن أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة، والأدهان اللينة على
الجسد، وعليه بالتكميد بالماء الحار في الأبزن (2)، ويجتنب كل بارد، ويلزم كل حار
لين.



(1) الجوارش: عبارة عن الدواء الذي لم يحكم سحقه، ولم يطرح على النار، بشرط تقطيعه
رقاقا.
(2) الأبزن: حوض يغتسل فيه.
375
ومن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الاطريفل (1)
الصغير مثقالا واحدا.
واعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز بالحر إذا سافر وهو
ممتلئ من الطعام، ولا خالي الجوف، وليكن على حد الاعتدال، وليتناول من
الأغذية الباردة، مثل القريص والهلام (2) والخل والزيت وماء الحصرم، ونحو ذلك
من الأطعمة الباردة.
واعلم يا أمير المؤمنين أن السير في الحر الشديد ضار بالأبدان المنهوكة، إذا
كانت خالية عن الطعام، وهو نافع في الأبدان الخصبة.
فأما سلاح المسافر، ودفع الأذى عنه، فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل
يرده إلا بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله، أو بشراب واحد غير مختلف يشوبه
بالمياه على الأهواء على اختلافها.
والواجب أن يتزود المسافر من تربة بلده وطينته التي ربي عليها، وكلما ورد
إلى منزل، طرح في إنائه الذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده،
ويشرب الماء والطين في الآنية بالتحريك، ويؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاء
جيدا.
وخير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة المشرقية
من الخفيف الأبيض، وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي،



(1) الاطريفل: لفظة يونانية، وتعني الاهليلجات.
(2) القريص: غذاء يطبخ من اللحوم اللطيفة كلحم السمك والفرخ مع الخل أو الحموضات.
والهلام: طعام يتخذ من لحم العجل بجلده، أو مرق السكباج المبرد المصفى من الدهن.
376
وأصحها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه، وكان مجراه في جبال الطين،
وذلك أنها تكون في الشتاء باردة، وفي الصيف ملينة للبطن، نافعة لأصحاب
الحرارات.
وأما الماء المالح والمياه الثقيلة، فإنها تيبس البطن، ومياه الثلوج والجليد
رديئة لسائر الأجساد، وكثيرة الضرر جدا، وأما مياه السحب فإنها خفيفة عذبة
صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض، وأما مياه الجب فإنها
عذبة صافية نافعة، إن دام جريها، ولم يدم حبسها في الأرض.
وأما البطائح والسباخ، فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها ودوام
طلوع الشمس عليها، وقد يتولد من دوام شربها المرة الصفراوية، وتعظم به
أطحلتهم.
وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ
به، وأنا أذكر أمر الجماع، فلا تقرب النساء من أول الليل صيفا ولا شتاء، وذلك لأن
المعدة والعروق تكون ممتلئة، وهو غير محمود، ويتولد منه القولنج والفالج واللقوة
والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقته.
فإذا أردت ذلك، فليكن في آخر الليل، فإنه أصلح للبدن، وأرجى للولد،
وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله بينهما.
ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها، وتكثر ملاعبتها، وتغمز ثدييها، فإنك إذا
فعلت ذلك غلبت شهوتها، واجتمع ماؤها، لأن ماءها يخرج من ثدييها، والشهوة
تظهر من وجهها وعينيها، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها، ولا تجامع النساء
إلا وهي طاهرة.
فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائما، ولا تجلس جالسا، ولكن تميل على يمينك. ثم

377
انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا، فإنك تأمن الحصاة بإذن الله تعالى، ثم
اغتسل واشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل، أو بعسل منزوع
الرغوة، فإنه يرد من الماء مثل الذي خرج منك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن جماعهن والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج
أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر.
ومن عمل فيما وصفت في كتابي هذا ودبر به جسده، أمن بإذن الله تعالى من
كل داء، وصح جسمه بحول الله وقوته، فإن الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء،
ويمنحها إياه، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا (1).



(1) لمزيد من الاطلاع حول شرح معاني بعض الكلمات والعبارات الغامضة في هذه الرسالة
راجع بحار الأنوار 62: 328 - آخر الجزء.
378
الفصل الثاني عشر
حكمه ومواعظه (عليه السلام)
نستعرض هنا مجموعة رائعة من مواعظ الإمام الرضا (عليه السلام) وحكمه المضيئة،
وكلماته البليغة، وأشعاره الوعظية، والتي عالج فيها جميعا مزيدا من الأبعاد
الاجتماعية والأخلاقية والتربوية، بأسلوب متين مقرون بالفصاحة والوجازة
والبلاغة، يفيض بالإيمان ويشع بالحكمة، ويزخر بالعطاء الذي يتسع ليشمل جميع
جوانب الحياة، وهي بمجموعها مما يفترض بالإنسان المسلم أن يطبقه ويتحلى به
ليكون منسجما مع مبادئ الإسلام قولا وعملا.
وقد سار الإمام الرضا (عليه السلام) على نهج آبائه المعصومين مؤديا رسالته التربوية
في توجيه المجتمع نحو قيم الإسلام المحمدي الأصيل.
وفيما يلي بعض حكمه وكلماته القصيرة مرتبة وفقا لترتيب الحروف:
1 - الأجل آفة الأمل، والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة ذي القدرة،
والبخل يمزق العرض، والحب داعي المكاره، وأجل الخلائق وأكرمها: اصطناع
المعروف، وإغاثة الملهوف، وتحقيق أمل الآمل، وتصديق مخيلة الراجي،
والاستكثار من الأصدقاء في الحياة، والباكين بعد الوفاة.

379
2 - الأخ الأكبر بمنزلة الأب.
3 - إذا كان الرجل حاضرا فكنه، وإذا كان غائبا فسمه.
4 - الاسترسال بالأنس يذهب المهابة.
5 - إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6 - إن الذي يطلب من فضل يكفي به عياله أعظم من المجاهد في سبيل
الله.
7 - إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة: أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى
ولم يزك لم تقبل صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر
الله، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل.
8 - إن الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال.
9 - إن العابد من بني إسرائيل لم يكن عابدا حتى يصمت عشر سنين، فإذا
صمت عشر سنين كان عابدا.
10 - إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، ومحكما كمحكم القرآن، فردوا

380
متشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
11 - إن للقلوب إقبالا وإدبارا، ونشاطا وفتورا، فإذا أقبلت بصرت
وفهمت، وإذا أدبرت كلت وملت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند
إدبارها وفتورها.
12 - أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم ولد فيرى الدنيا،
ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا،
وقد سلم الله على يحيى وعيسى (عليهما السلام) في هذه الثلاثة مواطن، فقال في يحيى:
(وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (1)، وفي عيسى: (والسلام علي
يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) (2).
13 - الإيمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم
لأمر الله، والتفويض إلى الله.
14 - التودد إلى الناس نصف العقل.
15 - ثلاث من سنن المرسلين: العطر، وإحفاء الشعر، وكثرة الطروقة.



(1) مريم: 15.
(2) مريم: 33.
381
16 - خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم
تعرف الوثاقة في أرومته (1)، والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه،
والمخافة لربه.
17 - السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، والبخيل لا يأكل من
طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه.
18 - صاحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرز،
والعامة بالبشر.
19 - صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.
20 - صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله.
21 - صل رحمك ولو بشربة من الماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى
عنها، ففي كتاب الله: (ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) (2).
22 - الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل



(1) الأرومة: الأصل.
(2) البقرة: 264.
382
على كل خير.
23 - طوبى لمن شغل قلبه بشكر النعمة.
24 - عليكم بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة، وصدق
الحديث، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله).
25 - عليكم بسلاح الأنبياء. قيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء.
26 - عونك للضعيف أفضل من الصدقة.
27 - كفاك ممن يريد نصحك بالنميمة، ما يجد من سوء الحساب في العاقبة.
28 - لا تمارين العلماء فيرفضوك، ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك.
29 - لا يتم عمل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه
مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من
نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في
الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه، والخمول أشهى
إليه من الشهرة.
ثم قال: العاشرة وما العاشرة! قيل له: ما هي؟ قال: لا يرى أحدا إلا قال:
هو خير مني وأتقى، إنما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى، ورجل شر منه

383
وأدنى، فإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له،
وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به،
فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه.
30 - لا يجمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص
غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة.
31 - لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه.
32 - لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في
الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.
33 - لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع
ادراع البغي.
34 - لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه،
وسنة من نبيه، وسنة من وليه، فأما السنة من ربه فكتمان السر، وأما السنة من نبيه
فمداراة الناس، وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء.
35 - لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر فيوم ويوم لا،
فإن لم يقدر ففي كل جمعة.

384
36 - لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن.
37 - لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.
38 - ليس الحمية من الشيء تركه، ولكن الإقلال منه.
39 - ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر
الله.
40 - ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب
مروءة.
41 - ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.
42 - المؤمن إذا غضب لم يخرج عن حق، وإذا رضي لم يدخل في باطل، وإذا
قدر لم يأخذ أكثر من حقه.
43 - المسكنة مفتاح البؤس.
44 - من أخلاق الأنبياء التنظف.

385
45 - من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
46 - من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن
اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل
المال ما وقي به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه.
47 - من رد متشابه القرآن إلى محكمه، هدي إلى صراط مستقيم.
48 - من رضي من الله عز وجل بالقليل من الرزق، رضي منه بالقليل من
العمل.
49 - من السنة إطعام الطعام عند التزويج.
50 - من صدق الناس كرهوه.
51 - من علامات الفقه: الحلم والعلم.
52 - من كثرت محاسنه مدح بها، واستغنى عن التمدح بذكرها.
53 - من لقي فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقي الله
عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان.

386
54 - من لم يتابع رأيك في صلاحه لا تصغ إلى رأيه، ومن طلب الأمر من
وجهه لم يزل، وإن زل لم تخذله الحيلة.
55 - الناس ضربان: بالغ لا يكتفي، وطالب لا يجد.
56 - يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء، تسعة منها في
اعتزال الناس، وواحد في الصمت (1).
أجوبة وأقوال بليغة:
1 - قال إبراهيم بن العباس: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: وقد سأله رجل:
أيكلف الله العباد ما لا يطيقونه؟ فقال الإمام الرضا (عليه السلام): هو أعدل من ذلك.
فقال: فيقدرون على كل ما يريد؟ فقال: هم أعجز من ذلك (2).
2 - سأل الفضل بن سهل الإمام عليا الرضا بن موسى (عليه السلام) في مجلس
المأمون، فقال: يا أبا الحسن، الخلق مجبرون؟
قال الإمام الرضا (عليه السلام): الله تعالى أعدل من أن يجبر، ثم يعذب.
قال الفضل: فمطلقون؟



(1) اعتمدنا في إعداد هذه الأقوال والحكم القصيرة على المصادر التالية: تحف العقول، بحار
الأنوار، الخصال، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الكافي، التهذيب، كشف الغمة.
(2) كشف الغمة 3: 78.
387
قال الإمام الرضا (عليه السلام): الله تعالى أحكم من أن يهمل عبده، ويكله إلى
نفسه (1).
3 - قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال لي:
يا علي، من أحسن الناس معاشا؟ قلت: يا سيدي، أنت أعلم به مني. فقال:
يا علي، من حسن معاش غيره في معاشه.
يا علي، من أسوأ الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم. قال: من لم يعش غيره في
معاشه.
يا علي، أحسنوا جوار النعم، فإنها وحشية، ما نأت عن قوم فعادت إليهم.
يا علي، إن شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده (2).
4 - وروي عن أحمد بن عمر والحسين بن يزيد النوفلي أنهما قالا: دخلنا
على الرضا (عليه السلام) فقلنا: إنا كنا في سعة من الرزق، وغضارة من العيش، فتغيرت
الحال بعض التغير، فادع الله أن يرد ذلك إلينا.
فقال (عليه السلام): أي شيء تريدون، تكونون ملوكا؟ أيسركم أن تكونوا مثل
طاهر وهرثمة، وإنكم على خلاف ما أنتم عليه؟ فقلت: لا والله، ما سرني أن لي
الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه.
فقال (عليه السلام): إن الله يقول: (... إعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي



(1) كشف الغمة 3: 96.
(2) تحف العقول: 448.
388
الشكور) (1) أحسن الظن بالله، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه، ومن
رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال
خفت مؤونته، ونعم أهله، وبصره الله داء الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى
دار السلام (2).
5 - عن عبد العظيم الحسني (رضي الله عنه)، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:
يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم: أن لا يجعلوا للشيطان على
أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق في الحديث، وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت،
وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة فإن ذلك قربة إلي،
ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك
وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة
من الخاسرين (3).
6 - وسئل (عليه السلام) عن السفلة، فقال: من كان له شيء يلهيه عن الله (4).
7 - وسأله أحمد بن نجم، عن العجب الذي يفسد العمل. فقال: العجب
درجات، منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن



(1) سبأ: 13.
(2) تحف العقول: 448.
(3) بحار الأنوار 74: 230 / 27.
(4) تحف العقول: 442.
389
صنعا، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمتن على الله ولله المنة عليه (1).
8 - وقيل له (عليه السلام): كيف أصبحت؟
فقال: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من
ورائنا، ولا ندري ما يفعل بنا (2).
9 - وقال (عليه السلام) للحسن بن سهل في تعزيته: التهنئة بآجل الثواب، أولى من
التعزية على عاجل المصيبة (3).
10 - وسئل (عليه السلام) عن خيار العباد، فقال: خيار العباد الذين إذا أحسنوا
استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا
غضبوا عفوا (4).
11 - وسئل عن حد التوكل، فقال: أن لا تخاف أحدا إلا الله (5).
12 - حسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، أنه دخل



(1) تحف العقول: 444.
(2) تحف العقول: 446.
(3) بحار الأنوار 78: 353.
(4) تحف العقول: 445.
(5) تحف العقول: 445.
390
عليه رجل فقال له: يا بن رسول الله، ما الدليل على حدوث العالم؟ قال: أنت
لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك، ولا كونك من هو مثلك (1).
13 - عن الهروي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: رحم الله عبدا أحيا أمرنا.
فقلت له: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها للناس، فإن الناس
لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا (2).
14 - وعن معمر بن خلاد، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أأدعو
لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق؟ قال: ادع لهما، وتصدق عنهما، وإن كانا حيين
لا يعرفان الحق فدارهما، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إن الله بعثني بالرحمة
لا بالعقوق " (3).
15 - وسئل (عليه السلام) عن صفة الزاهد، فقال: متبلغ بدون قوته، مستعد ليوم
موته، متبرم بحياته (4).
16 - وسئل (عليه السلام) عن القناعة، فقال: القناعة تجتمع إلى صيانة النفس، وعز



(1) كشف الغمة 3: 76.
(2) بحار الأنوار 2: 30 / 13.
(3) الكافي 2: 159 / 8.
(4) كشف الغمة 3: 96.
391
القدر، وطرح مؤن الاستكثار، والتعبد لأهل الدنيا.
ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان: إما متعلل يريد أجر الآخرة، أو كريم
متنزه عن لئام الناس (1).
17 - امتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام، فقال: اغسلها، فالغسلة
الأولى لنا، وأما الثانية فلك، فإن شئت فاتركها (2).
18 - أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته والرضا (عليه السلام) حاضر، فقال
المأمون: ما تقول فيه يا أبا الحسن؟ فقال: أقول: إن الله لا يزيدك بحسن العفو
إلا عزا، فعفا عنه (3).
19 - وروي عن بعض أصحابه، قال: دخلت عليه بمرو، فقلت: يا بن
رسول الله، روي لنا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " لا جبر ولا تفويض، أمر بين
أمرين "، فما معناه؟
قال: من زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال
بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك.
فقلت: يا بن رسول الله، فما أمر بين أمرين: قال: وجود السبيل إلى إتيان



(1) كشف الغمة 3: 97.
(2) كشف الغمة 3: 97.
(3) كشف الغمة 3: 97.
392
ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه (1).
20 - وسئل (عليه السلام) عن أدنى المعرفة، فقال: الإقرار بأنه لا إله غيره، ولا شبه
له، ولا نظير له، وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد، وأنه ليس كمثله شيء (2).
21 - وسئل (عليه السلام): ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ قال:
لأنهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره (3).
22 - قال الفضل: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يونس بن عبد الرحمن
يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب؟ قال (عليه السلام): لا، ما أصاب، إن الله يعطي من
يشاء، فمنهم من يجعله مستقرا فيه، ومنهم من يجعله مستودعا عنده، فأما المستقر
فالذي لا يسلب الله ذلك أبدا، وأما المستودع فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه (4).
23 - وقال صفوان بن يحيى: سألت الرضا (عليه السلام) عن المعرفة، هل للعباد فيها
صنع؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: لهم فيها أجر؟ قال (عليه السلام): نعم، تطول عليهم بالمعرفة،
وتطول عليهم بالصواب (5).



(1) كشف الغمة 3: 99.
(2) كشف الغمة 3: 76.
(3) المجالس السنية 5: 567.
(4) تحف العقول: 444.
(5) تحف العقول: 444.
393
24 - وقال (عليه السلام) لأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري: يا داود، إن لنا عليكم
حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن لكم علينا حقا، فمن عرف حقنا وجب حقه، ومن
لم يعرف حقنا فلا حق له (1).
25 - وقال (عليه السلام) لأبي هاشم الجعفري: يا أبا هاشم، العقل حباء من الله،
والأدب كلفة، فمن تكلف الأدب قدر عليه، ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك
إلا جهلا (2).
26 - وقال له ابن السكيت: ما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (عليه السلام): العقل،
يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. فقال ابن السكيت:
هذا والله هو الجواب (3).
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر هذا الإمام العظيم الذي ملأ الدنيا حكمة
وموعظة، وفاض عليها ندى وأدبا وكرما، وخير سبيل لنا هو أن نرتشف من معين
هذه الحكم البليغة، ونتزود منها قولا وعملا، ونتجمل بها ليوم لا ينفع مال
ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.



(1) تحف العقول: 446.
(2) تحف العقول: 448.
(3) تحف العقول: 450.
394
ما نسب إليه (عليه السلام) من الشعر:
1 - عن إبراهيم الحسني، أنه قال: بعث المأمون إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
جارية، فلما أدخلت عليه اشمأزت من الشيب، فلما رأى كراهيتها ردها إلى
المأمون، وكتب إليه بهذه الأبيات:
نعى نفسي إلى نفسي المشيب * وعند الشيب يتعظ اللبيب
فقد ولى الشباب إلى مداه * فلست أرى مواضعه تؤوب
سأبكيه وأندبه طويلا * وأدعوه إلي عسى يجيب
وهيهات الذي قد فات منه * وتمنيني به النفس الكذوب
وراع الغانيات بياض رأسي * ومن مد البقاء له يشيب
أرى البيض الحسان يحدن عني * وفي هجرانهن لنا نصيب
فإن يكن الشباب مضى حبيبا * فإن الشيب أيضا لي حبيب
سأصحبه بتقوى الله حتى * يفرق بيننا الأجل القريب (1)
2 - وفي (الاختصاص): كتب المأمون إلى الرضا (عليه السلام): عظني. فكتب إليه
(الأبيات الآتية).
وفي (العيون) بسنده عن المغيرة: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول:
إنك في دنيا لها مدة * يقبل فيها عمل العامل



(1) عيون الأخبار 2: 178 / 8، عنه البحار 49: 164 / 4، العوالم 22: 289 / 1، إعلام
الورى: 338 - 339.
395
أما ترى الموت محيطا بها * يصلب فيها أمل الآمل
تعجل الذنب بما تشتهي * وتأمل التوبة من قابل
والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العاقل (1)
3 - وروى الصدوق في (العيون) بسنده عن أحمد بن الحسين كاتب
أبي الفياض، قال: حضرنا مجلس علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فشكا رجل أخاه
فأنشأ الرضا (عليه السلام) يقول:
أعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغط على عيوبه
واصبر على بهت السفي‍ * - ه وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم إلى حسيبه (2)
4 - وروى الصدوق بالإسناد عن الهروي، قال: دخل دعبل بن علي
الخزاعي (رحمه الله) على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له: يا بن
رسول الله، إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك.
فقال (عليه السلام): هاتها، فأنشده:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات



(1) الاختصاص: 94، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 176 / 3، بحار الأنوار 49: 110 / 4،
و 112 / 11.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 176 / 4، بحار الأنوار 49: 110 / 5.
396
فقال له الرضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟
فقال: بلى يا بن رسول الله. فقال (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * توقد بالأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات
فقال دعبل: يا بن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟
فقال الرضا (عليه السلام): قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس
مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس، كان معي في درجتي
يوم القيامة مغفورا له (1).
5 - وله (عليه السلام) أورده ابن شهرآشوب في (المناقب):
لبست بالعفة ثوب الغنى * وصرت أمشي شامخ الرأس
لست إلى النسناس مستأنسا * لكنني آنس بالناس
إذا رأيت التيه من ذي الغنى * تهت على التائه بالياس
وما تفاخرت على معدم * ولا تضعضعت لإفلاس (2)
ما أنشده أو تمثل به من الشعر:
1 - في كتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) عن موسى بن محمد المحاربي، عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قال لي المأمون: هل رويت شيئا من الشعر؟ قلت:



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263 / 34، كمال الدين: 373 / 6، بحار الأنوار 49: 239 /
9.
(2) المناقب 4: 361، بحار الأنوار 49: 112 / 10.
397
رويت منه الكثير. قال: أنشدني أحسن ما رويته في الحلم. فأنشدته:
إذا كان دوني من بليت بجهله * أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلي من النهى * أخذت بحلمي كي أجل عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدم والفضل
قال المأمون: من قائله؟ قلت: بعض فتياننا.
قال: فأنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، وترك عتاب
الصديق. فقلت:
إني ليهجرني الصديق تجنبا * فأريه أن لهجره أسبابا
وأراه إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتليت بجاهل متحلم * يجد المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
فقال: من قائله؟ قلت: بعض فتياننا.
قال: فأنشدني أحسن ما رويته في استجلاب العدو حتى يكون صديقا.
فقال (عليه السلام):
وذي غلة سالمته فقهرته * فأوقرته مني بعفو التجمل
ومن لا يدافع سيئات عدوه * بإحسانه لم يأخذ القول من عل
ولم أر في الأشياء أسرع مهلكا * لغمر (1) قديم من وداد معجل
فقال له المأمون: ما أحسن هذا! من قاله؟ قال: بعض فتياننا.
فقال: فأنشدني أحسن ما رويته في كتمان السر. فقال (عليه السلام):



(1) الغمر: الحقد والضغن.
398
وإني لأنسى السر كيلا أذيعه * فيا من رأى سرا يصان بأن ينسى
مخافة أن يجري ببالي ذكره * فينبذه قلبي إلى ملتو حشا (1)
فيوشك من لم يفش سرا أو جال في * خواطره أن لا يطيق له حبسا
فقال له المأمون: إذا أمرت أن يترب الكتاب، كيف تقول؟ قال: ترب.
قال: فمن السحا؟ (2) قال: سح. قال: فمن الطين؟ قال: طين. قال: يا غلام، ترب
هذا الكتاب، وسحه، وطينه، وامض به إلى الفضل بن سهل، وخذ لأبي الحسن
ثلاثمائة ألف درهم (3).
2 - وفي (عيون الأخبار) بسنده عن محمد بن يحيى بن أبي عباد، عن عمه،
قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يوما ينشد شعرا، وقليلا ما كان ينشد شعرا:
كلنا نأمل مدا في الأجل * والمنايا هي آفات الأمل
لا يغرنك أباطيل المنى * والزم القصد ودع عنك العلل
إنما الدنيا كظل زائل * حل فيه راكب ثم رحل



(1) قال المجلسي (رحمه الله): قوله: " إلى ملتوى حشا " أي من يكون لوى وزحير في أحشائه. وفي
بعض النسخ " حسا " بكسر الحاء المهملة وتشديد السين المهملة، وهو وجع يأخذ النفساء بعد
الولادة، وعلى التقديرين كناية عن عدم الصبر على ضبط السر ومنازعة النفس إلى إفشائه.
بحار الأنوار 49: 109.
(2) السحا: ما أخذ من القرطاس، يقال: سحا القرطاس، إذا أخذ منه شيئا قليلا، ويسمى ذلك
المأخوذ: سحاية وسحاءة أيضا، وسحا الكتاب يسحيه ويسحوه: شده بسحاءته، أي ربطه
بالشيء الذي قص منه، وهذا معنى قوله: " فمن السحا "، قال: سح.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 174 / 1، بحار الأنوار 49: 107 / 2.
399
فقلت: لمن هذا أعز الله الأمير؟ فقال: لعراقي لكم. فقلت: أنشدنيه
أبو العتاهية لنفسه. فقال: هات اسمه، ودع عنك هذا، إن الله سبحانه وتعالى يقول:
(ولا تنابزوا بالألقاب) (1)، ولعل الرجل يكره هذا (2).
3 - وفي (العيون) بسنده عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، قال: كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) يقول:
خلقت الخلائق في قدرة * فمنهم سخي ومنهم بخيل
فأما السخي ففي راحة * وأما البخيل فشؤم طويل (3)
4 - وفي (العيون) بسنده عن الريان بن الصلت، قال: أنشدني الرضا (عليه السلام)
لعبد المطلب:
يعيب الناس كلهم زمانا * وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا



(1) الحجرات: 11.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 177 / 7، بحار الأنوار 49: 107 / 1، وأبو العتاهية هو
أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم، شاعر مشهور، أكثر شعره في الزهد وذم الدنيا، ولد قرب
المدينة المنورة، وسكن بغداد، وتوفي سنة 211 ه‍ ببغداد. والعتاهية بمعنى قلة العقل والضلال
والحمق، ولهذا فقد كره الإمام (عليه السلام) أن يكنى به، وقال (عليه السلام): " هات اسمه، ودع عنك هذا " وهو
يدل على سمو أدب الإمام وكرم أخلاقه في التعامل مع الناس، هذا مع أن الشاعر معروف بهذه
الكنية، وأنها شائعة في زمانه أكثر من اسمه.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 177 / 6، بحار الأنوار 49: 111 / 7.
400
وإن الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضا عيانا
لبسنا للخداع مسوك طيب * فويل للغريب إذا أتانا (1)
5 - وبسنده عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال: كان الرضا (عليه السلام) ينشد
كثيرا:
إذا كنت في خير فلا تغترر به * ولكن قل: اللهم سلم وتمم (2)
6 - وفي (المناقب) عن كتاب (الشعراء) أنه كان (عليه السلام) يتمثل:
تضيء كضوء السراج السلي‍ * - ط لم يجعل الله فيه نحاسا (3)
7 - وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن معمر بن خلاد وجماعة، قالوا:
دخلنا على الرضا (عليه السلام)، فقال له بعضنا: جعلني الله فداك، ما لي أراك متغير الوجه؟
فقال (عليه السلام): إني بقيت ليلتي ساهرا متفكرا في قول مروان بن أبي حفصة (4):



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 177 / 5، بحار الأنوار 49: 111 / 8.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 178 / 9، بحار الأنوار 49: 111 / 9.
(3) المناقب 4: 338.
(4) هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة، شاعر، كان جده أبو حفصة مولى لمروان بن
الحكم، أعتقه يوم الدار، واتصل مروان بالعباسيين، فمدح المهدي والرشيد، وجمع ثروة طائلة
من الجوائز والهبات، قيل: كان بنو العباس يعطونه بكل بيت يمدحهم به ألف درهم، وكان
يتقرب إليهم بهجاء العلويين، توفي في بغداد سنة 182 ه‍. الأغاني 9: 34، تأريخ بغداد 13:
142، الوافي بالوفيات 24: 158، معجم المؤلفين 12: 221، الأعلام للزركلي 7: 208.
401
أنى يكون وليس ذاك بكائن * لبني البنات وراثة الأعمام (1)
ثم نمت فإذا أنا بقائل قد أخذ بعضادتي الباب وهو يقول:
أنى يكون وليس ذاك بكائن * للمشركين دعائم الإسلام
لبني البنات نصيبهم من جدهم * والعم متروك بغير سهام
ما للطليق وللتراث وإنما * سجد الطليق مخافة الصمصام (2)
قد كان أخبرك القرآن بفضله * فمضى القضاء به من الحكام
إن ابن فاطمة (3) المنوه باسمه * حاز الوراثة عن بني الأعمام
وبقي ابن نثلة واقفا مترددا * يرثي ويسعده ذوو الأرحام (4)
8 - وكان (عليه السلام) يتمثل:
وإن الضغن بعد الضغن يفشو * عليك ويخرج الداء الدفينا (5)



(1) يريد في هذا البيت الانتصار للعباسيين في أن العباس أحق بوراثة النبي (صلى الله عليه وآله) من أولاد
الزهراء (عليها السلام).
(2) الصمصام: السيف، والمراد بالطليق: العباس حيث أسر يوم بدر.
(3) يريد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 175 - 176 / 2، بحار الأنوار 49: 109 / 3، وابن نثلة هو
العباس أيضا، ونثلة أمه.
(5) المناقب 4: 335.
402
الفصل الثالث عشر
التفسير المأثور عنه (عليه السلام)
في هذا الفصل جمعنا بعض الروايات التي تتضمن تفسيرا لبعض آي القرآن
الكريم، مما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم يكن غرضنا الاستقصاء، لأن ذلك
يتطلب مساحة أكبر من هذا الفصل، بل كان الغرض إيراد بعض الأمثلة التي تقودنا
إلى التعرف على المنهج الرائع الذي يتبعه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) في تفسير القرآن
وتأمل آياته، وهم (عليهم السلام) مصداق قوله تعالى: (ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون
في العلم) (1)، وهم (عليهم السلام) عدل القرآن بشهادة خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) حيث قال:
" تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
وقد تقدم في الفصل الخاص عن مناظرات الإمام (عليه السلام) ما يدل على إمكانيته
العظيمة في دقة الاستدلال وأمانة النقل وحسن التدبر، سيما في الاستدلال على
عصمة الأنبياء (عليهم السلام).
وفيما يلي بعض الآثار التفسيرية الواردة عنه (عليه السلام) مرتبة وفق ترتيب السور
والآيات:



(1) آل عمران: 7.
403
في البسملة:
1 - عن إسماعيل بن مهران، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
إن (بسم الله الرحمن الرحيم) أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى
بياضها (1).
سورة البقرة [2]:
2 - وعن إبراهيم بن أبي محمود، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قوله
تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (2)، فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى
لا يوصف في الترك كما يوصف خلقه، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر
والضلال منعهم المعاونة واللطف، وخلى بينهم وبين اختيارهم (3).
3 - وعن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله
تعالى: (وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) (4). قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): نحن باب
حطتكم (5).



(1) تفسير العياشي 1: 21 / 13.
(2) البقرة: 17.
(3) كشف الغمة 3: 75، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 123 / 16، البرهان 1: 149 / 347.
(4) البقرة: 58.
(5) تفسير العياشي 1: 45 / 47.
404
4 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:
إن رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من
أسباط بني إسرائيل، ثم جاء يطلب بدمه.
فقالوا لموسى (عليه السلام): إن سبط آل فلان قتلوا فلانا، فأخبرنا من قتله. قال:
ائتوني ببقرة.
(قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)، ولو أنهم عمدوا
إلى أي بقرة أجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا
ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر) يعني لا صغيرة ولا كبيرة. (عوان
بين ذلك) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر
الناظرين) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم.
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون *
قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن
جئت بالحق) (1)، فطلبوها، فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل، فقال: لا أبيعها إلا
بملء مسك (2) ذهبا، فجاؤوا إلى موسى (عليه السلام) وقالوا له ذلك، فقال: اشتروها.
فاشتروها وجاءوا بها، فأمر بذبحها، ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها، فلما فعلوا
ذلك حيي المقتول، وقال: يا رسول الله، إن ابن عمي قتلني دون من يدعى عليه



(1) البقرة: 67 - 71.
(2) المسك: الجلد.
405
قتلي، فعلموا بذلك قاتله.
فقال لرسول الله موسى (عليه السلام) بعض أصحابه: إن هذه البقرة لها نبأ. فقال:
وما هو؟
قالوا: إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه، وإنه اشترى تبيعا (1)، فجاء إلى
أبيه، والأقاليد (2) تحت رأسه، فكره أن يوقظه، فترك ذلك البيع، فاستيقظ أبوه
فأخبره، فقال له: أحسنت، خذ هذه البقرة، فهي لك عوضا لما فاتك. قال: فقال
رسول الله موسى (عليه السلام): أنظر إلى البر ما بلغ أهله (3).
5 - وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) (4).
قال (عليه السلام): يقول: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من
الغمام (5).
6 - وفي قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا



(1) التبيع: ولد البقرة في أول سنة.
(2) الأقاليد: المفاتيح.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 13 / 31، تفسير العياشي 1: 46 / 57، البرهان 1: 242 /
508.
(4) البقرة: 210.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 125 / 19.
406
فإن الله غفور رحيم) (1)، عن العباس بن هلال، عن الرضا (عليه السلام)، قال: ذكر لنا أن
أجل الإيلاء أربعة أشهر بعدما يأتيان السلطان، فإذا مضت الأربعة أشهر، فإن شاء
أمسك، وإن شاء طلق، والإمساك: المسيس (2).
7 - وعن أبي القاسم الفارسي، قال:
قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك، إن الله تعالى يقول في كتابه: (فإمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان) (3) ما يعني بذلك؟
فقال (عليه السلام): أما الإمساك بالمعروف فكف الأذى، وإحباء (4) النفقة، وأما
التسريح بإحسان فالطلاق على ما نزل به الكتاب (5).
8 - وعن علي بن أسباط: أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) سئل عن قول الله:
(قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (6) أكان في قلبه شك؟
قال (عليه السلام): لا، ولكن أراد من الله الزيادة في يقينه (7).



(1) البقرة: 226.
(2) تفسير العياشي 1: 113 / 346، البرهان 1: 471 / 1186.
(3) البقرة: 229.
(4) الإحباء: إعطاء الشيء بغير عوض.
(5) تفسير العياشي 1: 117 / 365، البرهان 1: 477 / 1217.
(6) البقرة: 260.
(7) تفسير العياشي 1: 143 / 472، البرهان 1: 538 / 1453.
407
9 - وعن أبي محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي،
قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نزلت (الذين ينفقون أموالهم بالليل
والنهار سرا وعلانية) (1) في علي (2).
10 - وعن عمر بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة، قال: سأل
الرضا (عليه السلام) رجل فقال له: جعلت فداك، إن الله تبارك وتعالى يقول: (فنظرة إلى
ميسرة) (3) فأخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله، لها حد يعرف إذا صار هذا
المعسر لا بد له من أن ينتظر، وقد أخذ مال هذا الرجل، وأنفق على عياله، وليس له
غلة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه؟
قال: ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من سهم
الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شيء له على
الإمام.
قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه، وهو لا يعلم فيم أنفقه في طاعة الله أو في
معصيته؟ قال: يسعى له في ماله فيرده وهو صاغر (4).



(1) البقرة: 274.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 62 / 255، البرهان 1: 551 / 1507.
(3) البقرة: 280.
(4) تفسير العياشي 1: 155 / 520، البرهان 1: 560 / 1549.
408
سورة آل عمران [3]:
11 - وعنه (عليه السلام)، أنه ذكر قول الله تعالى: (هم درجات عند الله) (1)،
فقال (عليه السلام): الدرجة ما بين السماء إلى الأرض (2).
12 - وعن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى: (اصبروا
وصابروا ورابطوا) (3).
قال (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الصابرون؟ فيقوم فئام (4)
من الناس، ثم ينادي: أين المتصبرون؟ فيقوم فئام من الناس.
قلت: جعلت فداك، وما الصابرون؟
قال: على أداء الفرائض، والمتصبرون على اجتناب المحارم (5).
سورة النساء [4]:
13 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت الرضا (عليه السلام): يتمتع
بالأمة بإذن أهلها؟ قال: نعم، إن الله يقول: (فانكحوهن بإذن أهلهن) (6).



(1) آل عمران: 163.
(2) تفسير العياشي 1: 205 / 168، البرهان 1: 711 / 1976.
(3) آل عمران: 200.
(4) الفئام: الجماعة الكبيرة.
(5) تفسير القمي 1: 129، البرهان 1: 731 / 2052.
(6) تفسير العياشي 1: 234 / 89، البرهان 2: 62 / 2289، والآية من سورة النساء: 25.
409
14 - وعن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه ذكر في قول الله
تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (1)، عبادة الأوثان،
وشرب الخمر، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من
الزحف، وأكل مال اليتيم (2).
15 - وعن الحسن بن محبوب، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول
الله عز وجل: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت
أيمانكم) (3)، قال (عليه السلام): إنما عنى بذلك الأئمة (عليهم السلام)، بهم عقد الله عز وجل أيمانكم (4).
16 - وعن أبان، أنه دخل على أبى الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: فسألته عن
قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (5).
فقال (عليه السلام): ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم سكت. قال: فلما طال
سكوته، قلت: ثم من؟ قال: ثم الحسن، ثم سكت. فلما طال سكوته قلت: ثم



(1) النساء: 31.
(2) تفسير العياشي 1: 238 / 107، البرهان 2: 69 / 2327.
(3) النساء: 33.
(4) تفسير العياشي 1: 240 / 120، الكافي 1: 168 / 1، البرهان 2: 72 / 2345
و 2346.
(5) النساء: 59.
410
من؟ قال: علي بن الحسين. وسكت فلم يزل يسكت عند كل واحد حتى أعيد
المسألة، فيقول، حتى سماهم إلى آخرهم صلوات الله عليهم (1).
17 - وعن عبد الله بن جندب، قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
ذكرت - رحمك الله - هؤلاء القوم الذين وصفت أنهم كانوا بالأمس لكم إخوانا،
والذي صاروا إليه من الخلاف لكم، والعداوة لكم، والبراءة منكم، والذي تأفكوا
به من حياة أبي صلوات الله عليه ورحمته.
وذكر في آخر الكتاب: أن هؤلاء القوم سنح لهم شيطان، اغترهم بالشبهة،
ولبس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم، واتفقت كلمتهم، وكذبوا على
عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف؟ فأتاهم الهلاك من
مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم (وما ربك بظلام للعبيد) (2) ولم يكن
ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم، والواجب لهم من ذلك الوقوف عند
التحير، ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه:
(ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (3)، يعني
آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجة
لله على خلقه (4).



(1) تفسير العياشي 1: 251 / 171، البرهان 2: 113 / 2495.
(2) فصلت 41: 46.
(3) النساء: 83.
(4) تفسير العياشي 1: 260 / 206، البرهان 1: 135 / 2584.
411
18 - وعن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) (1).
قال (عليه السلام): نشوز الرجل [أن] يهم بطلاق امرأته، فتقول له: أدع ما على
ظهرك، وأعطيك كذا وكذا، وأحللك من يومي وليلتي على ما اصطلحا، فهو
جائز (2).
19 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) إلى قوله
تعالى: (إنكم إذا مثلهم) (3).
قال (عليه السلام): إذا سمعت الرجل يجحد الحق، ويكذب به، ويقع في أهله، فقم من
عنده ولا تقاعده (4).
20 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: كتبت إليه
أسأله عن مسألة، فكتب إلي: إن الله يقول: (إن المنافقين يخادعون الله وهو
خادعهم) إلى قوله: (سبيلا) (5) ليسوا من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وليسوا من



(1) النساء: 128.
(2) تفسير العياشي 1: 278 / 281، البرهان 2: 181 / 2774.
(3) النساء: 140.
(4) تفسير العياشي 1: 281 / 290، البرهان 1: 190 / 2802.
(5) النساء: 142 - 143.
412
المؤمنين، وليسوا من المسلمين، يظهرون الإيمان، ويسرون الكفر والتكذيب. لعنهم
الله (1).
سورة المائدة [5]:
21 - وعن صفوان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول الله تعالى:
(فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين) (2). فقال (عليه السلام): قد سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن ذلك، فقال: سيكفيك
- أو كفتك - سورة المائدة. يعني المسح على الرأس والرجلين.
قلت: فإنه قال: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فكيف الغسل؟
قال: هكذا، أن يأخذ الماء بيده اليمنى، فيصبه في اليسرى، ثم يفيضه على المرفق، ثم
يمسح إلى الكف.
قلت له: مرة واحدة؟ فقال: كان يفعل ذلك مرتين.
قلت: يرد الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل، وإلا فلا (3).
22 - وفي قوله تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) (4)
الآية، عن علي بن أسباط، عن الرضا (عليه السلام)، قال: قلت له: إن أهل مصر يزعمون



(1) كتاب الزهد: 66 / 176، البرهان 1: 193 / 2814.
(2) المائدة: 6.
(3) تفسير العياشي 1: 300 / 54، البرهان 2: 260 / 2986.
(4) المائدة: 21.
413
أن بلادهم مقدسة؟
قال: وكيف ذلك؟ قلت: جعلت فداك، يزعمون أنه يحشر من جبلهم
سبعون ألفا، يدخلون الجنة بغير حساب.
فقال (عليه السلام): لا، لعمري، ما ذاك كذلك، وما غضب الله على بني إسرائيل إلا
أدخلهم مصرا، ولا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها، ولقد أوحى الله إلى
موسى (عليه السلام) أن يخرج عظام يوسف منها، فاستدل موسى (عليه السلام) على من يعرف موضع
القبر، فدل على امرأة عمياء زمنة (1)، فسألها موسى (عليه السلام) أن تدله عليه، فأبت إلا
على خصلتين: يدعو الله فيذهب بزمانتها، ويصيرها معه في الجنة، في الدرجة التي
هو فيها، فأعظم ذلك موسى (عليه السلام)، فأوحى الله إليه: وما يعظم عليك من هذا!
أعطها ما سألت. ففعل، فوعدته طلوع القمر، فحبس الله طلوع القمر حتى جاء
موسى (عليه السلام) لموعده، فأخرجته من النيل في سفط مرمر، فحمله موسى (عليه السلام).
قال: ثم قال (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تأكلوا في فخارها،
ولا تغسلوا رؤوسكم بطينها، فإنه يورث الذلة، ويذهب بالغيرة (2).
23 - وفي قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في
الأرض فسادا) إلى قوله تعالى: (عذاب عظيم) (3) عن أبي إسحاق المدائني، عن
أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قلت: فإن توجه إلى أرض الشرك فيدخلها؟ قال (عليه السلام):



(1) الزمنة: وصف من الزمانة، وهي مرض يطول.
(2) تفسير العياشي 1: 304 / 73، البرهان 2: 268 / 3018.
(3) المائدة: 33.
414
قوتل أهلها (1).
24 - وفي قوله تعالى: (سماعون للكذب أكالون للسحت) (2) عن الحسن
ابن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: ثمن الكلب سحت، والسحت
في النار (3).
25 - وعن هشام المشرقي، عن أبي الحسن الخراساني (عليه السلام) (4)، قال: إن الله
تعالى كما وصف نفسه، أحد صمد نور. ثم قال: (بل يداه مبسوطتان) (5)، فقلت
له: أفله يدان هكذا؟ وأشرت بيدي إلى يده (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): لو كان هكذا، كان
مخلوقا (6).
26 - وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (7). قال (عليه السلام): إن الشطرنج والنرد



(1) تفسير العياشي 1: 317 / 99، البرهان 2: 291 / 3073.
(2) المائدة: 42.
(3) تفسير العياشي 1: 321 / 111، البرهان 2: 305 / 3115.
(4) يريد به الرضا (عليه السلام)، وقد ورد ذلك في غير موضع من تفسير العياشي.
(5) المائدة: 64.
(6) تفسير العياشي 1: 330 / 145، البرهان 2: 331 / 3201.
(7) المائدة: 90.
415
وأربعة عشر (1)، وكل ما قومر عليه منها، فهو ميسر (2).
27 - وعنه (عليه السلام) قال: الميسر هو القمار (3).
28 - وعن أحمد بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وكتب في
آخره: أو لم تنهوا عن كثرة المسائل؟ فأبيتم أن تنتهوا، إياكم وذاك، فإنما هلك من
كان قبلكم بكثرة سؤالهم، فقال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا
عن أشياء) إلى قوله: (كافرين) (4).
سورة الأنعام [6]:
29 - وعن الأشعث بن حاتم، قال: قال ذو الرياستين: قلت لأبي الحسن
الرضا (عليه السلام): جعلت فداك، أخبرني عما اختلف فيه الناس من الرؤية، فقال
بعضهم: لا يرى؟
فقال (عليه السلام): يا أبا العباس، من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه، فقد عظم



(1) في مجمع البحرين، مادة " عشر " 3: 406، الأربعة عشر: صفان من النقر، يوضع فيها
شيء يلعب به، في كل صف سبع نقر محفورة.
(2) تفسير العياشي 1: 339 / 182.
(3) تفسير العياشي 1: 339 / 181.
(4) تفسير العياشي 1: 346 / 212، البرهان 2: 371 / 3343، والآية من سورة المائدة:
101 - 102.
416
الفرية على الله، قال الله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف
الخبير) (1)، هذه الأبصار ليست هي الأعين، إنما هي الأبصار التي في القلب، لا يقع
عليه الأوهام، ولا يدرك كيف هو (2).
30 - وعن حمدان بن سليمان النيسابوري، قال: سألت أبا الحسن علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره
للإسلام).
قال (عليه السلام): من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في
الآخرة، يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه، حتى
يطمئن إليه (ومن يرد أن يضله) عن جنته، ودار كرامته في الآخرة، لكفره به
وعصيانه له في الدنيا (يجعل صدره ضيقا حرجا) حتى يشك في كفره، ويضطرب
من اعتقاده قلبه حتى يصير (كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين
لا يؤمنون) (3).
31 - وفي قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) (4) عن أحمد بن
محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، يقول: في الإسراف في الحصاد والجذاذ أن



(1) الأنعام: 103.
(2) تفسير العياشي 1: 373 / 79، البرهان 2: 466 / 3612.
(3) معاني الأخبار: 145 / 2، البرهان 2: 477 / 3655، والآية من سورة الأنعام: 125.
(4) الأنعام: 141.
417
يتصدق الرجل بكفيه جميعا، وكان أبي (عليه السلام) إذا حضر شيئا من هذا، فرأى أحدا من
غلمانه تصدق بكفيه صاح به: أعط بيد واحدة، القبضة بعد القبضة، والضغث (1) بعد
الضغث من السنبل (2).
سورة الأعراف [7]:
32 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى:
(خذوا زينتكم عند كل مسجد) (3)، قال: هي الثياب (4).
33 - وعن الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يلبس
الجبة والمطرف من الخز، والقلنسوة، ويبيع المطرف ويتصدق بثمنه، ويقول: (قل
من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (5).
34 - وعن العباس بن هلال الشامي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:
قلت: جعلت فداك، ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب ويلبس الخشن
ويتخشع!



(1) الضغث: ما يجمع ويقبض عليه بالكف.
(2) تفسير العياشي 1: 379 / 106، البرهان 2: 486 / 3691.
(3) الأعراف: 31.
(4) تفسير العياشي 2: 12 / 21، البرهان 2: 531 / 3837.
(5) تفسير العياشي 2: 14 / 31، البرهان 2: 538 / 3862، والآية من سورة الأعراف:
32.
418
قال (عليه السلام): أما علمت أن يوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، كان يلبس أقبية
الديباج مزرورة بالذهب، ويجلس في مجالس آل فرعون يحكم؟ فلم يحتج الناس
إلى لباسه، وإنما احتاجوا إلى قسطه، وإنما يحتاج من الإمام أن إذا قال صدق، وإذا
وعد أنجز، وإذا حكم عدل، إن الله لم يحرم طعاما ولا شرابا من حلال، وإنما حرم
الحرام قل أو كثر، وقد قال: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من
الرزق) (1).
35 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى:
(فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) (2)، قال (عليه السلام): المؤذن أمير
المؤمنين (عليه السلام) (3).
36 - عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول:
ما أحسن الصبر وانتظار الفرج! أما سمعت قول العبد الصالح، قال: (فانتظروا إني
معكم من المنتظرين) (4).



(1) تفسير العياشي 2: 15 / 33، البرهان 2: 538 / 3864، والآية من سورة الأعراف:
32.
(2) الأعراف: 44.
(3) تفسير العياشي 2: 17 / 41، البرهان 2: 546 / 3890.
(4) تفسير العياشي 2: 20 / 52، البرهان 2: 561 / 3938، والآية من سورة الأعراف:
71.
419
37 - وعن سليمان، عن الرضا (عليه السلام)، قوله تعالى: (لئن كشفت عنا الرجز
لنؤمنن لك) (1)، قال (عليه السلام): الرجز: هو الثلج (2).
سورة الأنفال [8]:
38 - وعن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن
قول الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى) (3)، قال (عليه السلام): الخمس لله وللرسول، وهو لنا (4).
39 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سئل عن قول
الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى)،
فقيل له: فما كان لله، فلمن هو؟ فقال (عليه السلام): هو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو للإمام.
فقيل له: أرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل، ما يصنع به؟
قال: ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطي على
ما يرى؟ كذلك الإمام (5).



(1) الأعراف: 134.
(2) تفسير العياشي 2: 25 / 68، البرهان 2: 573 / 3966.
(3) الأنفال: 41.
(4) تفسير العياشي 2: 62 / 56، البرهان 2: 699 / 4321.
(5) الكافي 1: 457 / 7، البرهان 2: 690 / 4277.
420
40 - وعن علي بن أسباط، أنه سمع أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): أتي النبي (صلى الله عليه وآله) بمال، فقال للعباس: ابسط رداءك، فخذ من
هذا المال طرفا، قال: فبسط رداءه، فأخذ طرفا من ذلك المال، قال: ثم قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا مما قال الله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن
يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) (1).
سورة التوبة [9]:
41 - وعن عبد العزيز بن مسلم، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: (نسوا الله فنسيهم) (2).
فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنما ينسى ويسهو
المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: (وما كان ربك نسيا) (3)؟ وإنما يجازي
من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل: (ولا تكونوا
كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (4). وقوله عز وجل:
(فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (5) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد



(1) تفسير العياشي 2: 69 / 80، البرهان 2: 713 / 4373، والآية من سورة الأنفال: 70.
(2) التوبة: 67.
(3) مريم: 64.
(4) الأعراف: 51.
(5) الحشر: 19.
421
للقاء يومهم هذا (1).
42 - وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قوله الله
تعالى: (سخر الله منهم) (2)، وعن قوله: (الله يستهزئ بهم) (3)، وعن قوله:
(ومكروا ومكر الله) (4)، وعن قوله: (يخادعون الله وهو خادعهم) (5).
فقال (عليه السلام): إن الله تعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه
تعالى يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى
الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟ (6)
43 - وعن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: كتب إلي: إنما
شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا، فإذا خفنا خاف، وإذا أمنا أمن، قال الله تعالى:
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (7)، (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) (8)
الآية، فقد فرضت عليكم المسألة والرد إلينا، ولم يفرض علينا الجواب (9).



(1) التوحيد: 159 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 125 / 18.
(2) التوبة: 79.
(3) البقرة: 15.
(4) آل عمران: 54.
(5) النساء: 142.
(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 25 / 19.
(7) النحل: 43، الأنبياء: 7.
(8) التوبة: 122.
(9) تفسير العياشي 2: 117 / 160، البرهان 2: 870 / 4811.
422
سورة يونس [10]:
44 - وعن معمر، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن يونس لما أمره الله
بما أمره، فأعلم قومه، فأظلهم العذاب، ففرقوا بينهم وبين أولادهم، وبين البهائم
وأولادها. ثم عجوا إلى الله وضجوا، فكف الله العذاب عنهم، فذهب يونس
مغاضبا، فالتقمه الحوت، فطاف به سبعة أبحر.
فقلت له: كم بقي في بطن الحوت؟ قال: ثلاثة أيام، ثم لفظه الحوت وقد ذهب
جلده وشعره، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فأظلته، فلما قوي أخذت في
اليبس، فقال: يا رب، شجرة أظلتني يبست! فأوحى الله إليه: يا يونس، تجزع
لشجرة أظلتك، ولا تجزع لمائة ألف أو يزيدون من العذاب؟ (1)
45 - وعن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام):
لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده؟
قال (عليه السلام): لأنه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير
مقبول، وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف، قال الله تعالى: (فلما رأوا بأسنا
قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا
بأسنا) (2). وقال عز وجل: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) (3)، وهكذا فرعون: (حتى إذا أدركه الغرق



(1) تفسير العياشي 2: 137 / 47، البرهان 3: 64 / 4984.
(2) غافر: 84 - 85.
(3) الأنعام: 158.
423
قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) فقيل له:
(أالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك
آية) (1).
وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد، وقد لبسه على بدنه، فلما
غرق ألقاه الله تعالى على نجوة (2) من الأرض ببدنه، ليكون لمن بعده علامة، فيرونه
مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض، وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع،
فكان ذلك آية وعلامة.
ولعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون، وهي أنه استغاث بموسى (عليه السلام) لما
أدركه الغرق ولم يستغث بالله، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لم تغث فرعون
لأنك لم تخلقه، ولو استغاث بي لأغثته (3).
سورة هود [11]:
46 - وعن أبي الصلت الهروي، قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (4).
فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق



(1) يونس: 90 - 92.
(2) النجوة: المكان المرتفع.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 77 / 7، البرهان 3: 50 / 4962.
(4) هود: 7.
424
السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش وبالماء على الله
عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء، ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فيعلموا أنه على
كل شيء قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع.
وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان
قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام، ليظهر
للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء، فيستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى مرة
بعد أخرى، ولم يخلق الله عز وجل العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن
جميع ما خلق، ولا يوصف بالكون على العرش، لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن
صفة خلقه علوا كبيرا.
وأما قوله عز وجل: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فإنه عز وجل خلق خلقه
ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته، لا على سبيل الامتحان والتجربة، لأنه لم يزل
عليما بكل شيء.
فقال المأمون: فرجت عني - يا أبا الحسن - فرج الله عنك (1).
47 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله قال لنوح: (إنه ليس من أهلك) (2) لأنه كان مخالفا له،
وجعل من اتبعه من أهله (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 134 / 33.
(2) هود: 46.
(3) تفسير العياشي 2: 151 / 41، البرهان 3: 113 / 5124.
425
48 - وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن انتظار الفرج،
فقال (عليه السلام): أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ ثم قال: إن الله تبارك وتعالى
يقول: (وارتقبوا إني معكم رقيب) (1).
سورة يوسف [12]:
49 - وعنه (عليه السلام)، قال في قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم
معدودة) (2): البخس: النقص، وهي قيمة كلب الصيد، إذا قتل كانت ديته عشرين
درهما (3).
50 - وعن العباس بن هلال، قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: إن
يوسف النبي، قال له السجان: إني لأحبك. فقال له يوسف (عليه السلام): لا تقل هكذا، فإن
عمتي أحبتني فسرقتني، وإن أبي أحبني فحسدني إخوتي فباعوني، وإن امرأة
العزيز أحبتني فحبستني (4).
51 - وعن الحسن بن موسى، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: (حفيظ



(1) تفسير العياشي 2: 159 / 62، البرهان 3: 130 / 5164، والآية من سورة هود: 93.
(2) يوسف: 20.
(3) تفسير العياشي 2: 172 / 12، البرهان 3: 164 / 5244.
(4) تفسير العياشي 2: 175 / 21، البرهان 3: 175 / 5277.
426
عليم) (1) قال: حافظ لما في يدي، عالم بكل لسان (2).
52 - وعن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى: (إن
يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) (3).
قال (عليه السلام): كانت لإسحاق النبي (عليه السلام) منطقة (4)، يتوارثها الأنبياء، فكانت
عند عمة يوسف، وكان يوسف عندها، وكانت تحبه، فبعث إليها أبوه: أن ابعثيه إلي،
وأرده إليك، فبعثت إليه: أن دعه عندي الليلة، لأشمه، ثم أرسله إليك غدوة؟ فلما
أصبحت، أخذت المنطقة فربطتها في حقوه (5)، وألبسته قميصا، وبعثت به إليه،
وقالت: سرقت المنطقة، فوجدت عليه، وكان إذا سرق أحد في ذلك الزمان، دفع
إلى صاحب السرقة، فأخذته، فكان عندها (6).
53 - وعن الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا (عليه السلام)، مثله وزاد فيه: فلذلك
قال إخوة يوسف، حيث جعل الصاع في وعاء أخيه، فقال لهم يوسف: ما جزاء من
وجد في رحله؟ قالوا: هو جزاؤه. بإجراء السنة التي تجري فيهم، فبدأ بأوعيتهم



(1) يوسف: 55.
(2) تفسير العياشي 2: 180 / 39، البرهان 3: 178 / ذيل الحديث 5295.
(3) يوسف: 77.
(4) المنطقة: ما يشد في الوسط.
(5) الحقو: الخصر ومشد الإزار.
(6) تفسير العياشي 2: 185 / 53، البرهان 3: 184 / 5312.
427
قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فلذلك قال إخوة يوسف: (إن
يسرق فقد سرق أخ له من قبل) يعنون المنطقة (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها
لهم) (1).
54 - وعن محمد بن الفضيل، عن الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى: (وما يؤمن
أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (2)، قال (عليه السلام): شرك لا يبلغ به الكفر (3).
سورة الرعد [13]:
55 - عن إبراهيم بن العباس، قال: كنا في مجلس الرضا (عليه السلام) فتذاكرنا
الكبائر، وقول المعتزلة فيها: إنها لا تغفر، فقال الرضا (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام):
قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة، قال الله جل جلاله: (وإن ربك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم) (4).
56 - وفي قوله تعالى: (خوفا وطمعا) (5)، قال الرضا (عليه السلام): خوفا
للمسافر، وطمعا للمقيم (6).



(1) تفسير العياشي 2: 186 / 54، البرهان 3: 184 / 5313.
(2) يوسف: 106.
(3) تفسير العياشي 2: 199 / 92، البرهان 2: 212 / 5397.
(4) التوحيد: 406 / 4، والآية من سورة الرعد: 6.
(5) الرعد: 12.
(6) كشف الغمة 3: 99، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 294 / 51.
428
سورة الحجر [15]:
57 - وعن إسماعيل بن همام الكوفي، قال: قال الرضا (عليه السلام) في رجل أوصى
بجزء من ماله، فقال: جزء من سبعة، إن الله يقول في كتابه: (لها سبعة أبواب لكل
باب منهم جزء مقسوم) (1).
58 - وفي قوله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) (2)، قال (عليه السلام): عفو بغير
عتاب (3).
سورة النحل [16]:
59 - وعن الوشاء، قال: سألت الرضا (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4)؟ فقال (عليه السلام): نحن أهل الذكر، ونحن
المسؤولون.
قلت: فأنتم المسؤولون، ونحن السائلون؟ قال: نعم.
قلت: حقا علينا أن نسألكم؟ قال: نعم.
قلت: حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا، إن شئنا فعلنا، وإن شئنا



(1) تفسير العياشي 2: 244 / 21، البرهان 3: 370 / 5884، والآية من سورة الحجر: 44.
(2) الحجر: 85.
(3) كشف الغمة 3: 99، معاني الأخبار: 373 / 1.
(4) النحل: 43.
429
لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير
حساب) (1).
سورة الإسراء [17]:
60 - وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى:
(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (2)، قال (عليه السلام): إن أحسنتم أحسنتم
لأنفسكم، وإن أسأتم فلها رب يغفر لها (3).
61 - وعن إسماعيل بن همام، قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى:
(يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (4)، قال (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى:
أليس عدل من ربكم أن نولي كل قوم من تولوا؟ قالوا: بلى. قال: فيقول: تميزوا،
فيتميزون (5).
62 - وعنه (عليه السلام)، في عدة أسانيد، قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس



(1) الكافي 1: 164 / 3، البرهان 3: 423 / 6031، والآية من سورة ص: 39.
(2) الإسراء: 7.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 294 / 48 و 49، البرهان 3: 508 / 6264.
(4) الإسراء: 71.
(5) تفسير العياشي 2: 304 / 125، البرهان 3: 555 / 6466.
430
بإمامهم)، قال (عليه السلام): يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم (1).
سورة الكهف [18]:
63 - وعن علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: كان في الكنز
الذي قال الله عز وجل: (وكان تحته كنز لهما) (2) لوح من ذهب، فيه: بسم الله
الرحمن الرحيم، محمد رسول الله، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن
أيقن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها!
وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه، ولا يستبطئه في رزقه (3).
64 - وعن أبي الصلت الهروي، قال: سأل المأمون الرضا علي بن
موسى (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا
لا يستطيعون سمعا) (4).
فقال (عليه السلام): إن غطاء العين لا يمنع من الذكر، والذكر لا يرى بالعيون، ولكن
الله عز وجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالعميان، لأنهم كانوا
يستقلون قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيه، فلا يستطيعون له سمعا (5).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 33 / 61، البرهان 3: 552 / 6452.
(2) الكهف: 82.
(3) تفسير العياشي 2: 338 / 67، البرهان 3: 658 / 6743.
(4) الكهف: 101.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 136 / 33.
431
سورة الأنبياء [21]:
65 - وعن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن
النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن
بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثم قال: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما
المحسنون فما عليهم من سبيل.
قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا: يا بن رسول الله، فما معنى قول الله
عز وجل: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)؟ قال (عليه السلام): يعني من ارتضى الله دينه (1).
سورة الفرقان [25]:
66 - عن محمد بن عمر بن سعيد، عن بعض أصحابه، قال: سمعت العياشي
وهو يقول: استأذنت الرضا (عليه السلام) في النفقة على العيال، فقال: بين المكروهين.
قال: فقلت: جعلت فداك، لا والله ما أعرف المكروهين.
قال: فقال: بلى يرحمك الله، أما تعرف أن الله عز وجل كره الإسراف وكره
الإقتار، فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) (2).
سورة يس [36]:
67 - وسئل (عليه السلام) عن رجل قال عند موته: كل مملوك قديم في ملكي فهو



(1) كشف الغمة 3: 76، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 136 / 35.
(2) الخصال: 55، الباب 2، الحديث 74، والآية من سورة الفرقان: 67.
432
حر لوجه الله.
فقال (عليه السلام): نعم، إن الله عز ذكره يقول في كتابه: (والقمر قدرناه منازل حتى
عاد كالعرجون القديم) (1)، فما كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم، وهو
حر (2).
سورة ص [38]:
68 - وعن محمد بن عبيد، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل
لإبليس: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (3)، قال (عليه السلام): يعني بقدرتي
وقوتي (4).
سورة الشورى [42]:
69 - وعن محمد بن سنان، أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كتب إليه في علة تحليل
مال الولد للوالد بغير إذنه، وليس ذلك للولد.
قال (عليه السلام): لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز وجل: (يهب لمن يشاء
إناثا ويهب لمن يشاء الذكورا) (5)، مع أنه المأخوذ بمؤونته صغيرا وكبيرا، والمنسوب



(1) يس: 39.
(2) الكافي 6: 195 / 6.
(3) ص: 75.
(4) التوحيد: 153 / 2، البرهان 4: 683 / 9139.
(5) الشورى: 49.
433
إليه، والمدعو له، لقول الله عز وجل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (1)،
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): " أنت ومالك لأبيك "، وليس الوالدة كذلك، لا تأخذ من ماله إلا
بإذنه أو بإذن الأب، لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها (2).
سورة الجاثية [45]:
70 - وعن الحسين بن بشار، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)،
قال: سألته: أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟
فقال (عليه السلام): إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء، قال الله
عز وجل: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (3)، وقال لأهل النار: (ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (4)، فقد علم الله عز وجل أنه لو ردهم لعادوا
لما نهوا عنه، وقال للملائكة لما قالت: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) (5)، فلم يزل الله عز وجل
علمه سابقا للأشياء، قديما قبل أن يخلقها، فتبارك الله ربنا وتعالى علوا كبيرا، خلق
الأشياء وعلمه بها سابق لها، كما شاء، كذلك ربنا لم يزل عالما سميعا بصيرا (6).



(1) الأحزاب: 5.
(2) علل الشرائع 1: 211.
(3) الجاثية: 29.
(4) الأنعام: 28.
(5) البقرة: 30.
(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 118 / 8.
434
سورة الأحقاف [46]:
71 - وعن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قوله
تعالى: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) (1).
قال (عليه السلام): إنما سمي أولو العزم أولي العزم، لأنهم كانوا أصحاب العزائم
والشرائع، وذلك أن كل نبي كان بعد نوح (عليه السلام) كان على شريعته ومنهاجه، وتابعا
لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وكل نبي كان في أيام إبراهيم (عليه السلام) وبعده، كان
على شريعته ومنهاجه، وتابعا لكتابه إلى زمن موسى (عليه السلام)، وكل نبي كان في زمن
موسى وبعده، كان على شريعته ومنهاجه، وتابعا لكتابه إلى أيام عيسى (عليه السلام)، وكل
نبي كان في زمن عيسى (عليه السلام) وبعده، كان على منهاج عيسى وشريعته، وتابعا لكتابه
إلى زمن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، فهؤلاء الخمسة هم أفضل الأنبياء والرسل (عليه السلام)، وشريعة
محمد (صلى الله عليه وآله) لا تنسخ إلى يوم القيامة، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمن ادعى بعده
نبوة، أو أتى بعد القرآن بكتاب، فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه (2).
سورة الفتح [48]:
72 - وعن العباس بن هلال، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سمعته يقول
للحسن: أي شيء السكينة عندكم؟ وقرأ (فأنزل الله سكينته على رسوله) (3).



(1) الأحقاف: 35.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 80 / 13، علل الشرائع 1: 116.
(3) الفتح: 26.
435
فقال له الحسن: جعلت فداك لا أدري، فأي شيء هو؟
فقال له (عليه السلام): ريح تخرج من الجنة طيبة، لها صورة كصورة وجه الإنسان،
قال: فتكون مع الأنبياء.
فقال له علي بن أسباط: تنزل على الأنبياء والأوصياء؟ فقال (عليه السلام): تنزل
على الأنبياء، قال: وهي التي نزلت على إبراهيم (عليه السلام) حيث بنى الكعبة، فجعلت
تأخذ كذا وكذا، وبنى الأساس عليها.
فقال له محمد بن علي: قول الله تعالى: (فيه سكينة من ربكم) (1)؟
قال (عليه السلام): هي من هذا.
ثم أقبل على الحسن فقال (عليه السلام): أي شيء التابوت فيكم؟ فقال: السلاح،
فقال (عليه السلام): نعم، هو تابوتكم.
قال: فأي شيء في التابوت الذي كان في بني إسرائيل؟ قال (عليه السلام): كان فيه
ألواح موسى التي تكسرت، والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء (2).
سورة ق [50]:
73 - وعن ابن أبي نصر، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:
(ومن الليل فسبحه وإدبار السجود) (3)، قال: أربع ركعات بعد المغرب (4).



(1) البقرة: 248.
(2) تفسير العياشي 1: 133 / 442، البرهان 1: 510 / 1365.
(3) ق: 40.
(4) البرهان 5: 151 / 10097.
436
سورة الطور [52]:
74 - وعن ابن أبي نصر، عن الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: (وإدبار
النجوم) (1)، قال (عليه السلام): إدبار النجوم: ركعتان قبل صلاة الصبح (2).
سورة الذاريات [51]:
75 - وروى الصدوق بإسناده عن الرضا (عليه السلام)، في قول الله عز وجل:
(فالمقسمات أمرا) (3)، قال: الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس، فمن ينام بينهما ينام عن رزقه (4).
سورة الرحمن [55]:
76 - وعن محمد بن عمر الجعابي، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الله
الرازي، قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن
علي (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) (5)، قال:
السفن (6).



(1) الطور: 49.
(2) تفسير القمي: 333.
(3) الذاريات: 4.
(4) الفقيه 1: 319 / 12.
(5) الرحمن: 24.
(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 66.
437
سورة الواقعة [56]:
77 - وعن أبي محمد الحسن بن عبد الله الرازي، قال: حدثني سيدي علي بن
موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)، قال: (السابقون
السابقون) (1) في نزلت (2).
سورة الحشر [59]:
78 - وعن ياسر الخادم، قال:
قلت للرضا (عليه السلام): ما تقول في التفويض؟ فقال (عليه السلام): إن الله تعالى فوض إلى
نبيه (صلى الله عليه وآله) أمر دينه، فقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (3)،
فأما الخلق والرزق فلا.
ثم قال (عليه السلام):
إن الله تعالى يقول: (الله خالق كل شيء) (4)، ويقول تعالى: (الله الذي
خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى
عما يشركون) (5).



(1) الواقعة: 10.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 65.
(3) الحشر: 7.
(4) الرعد: 16.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 202 / 3، والآية من سورة الروم: 40.
438
سورة الطلاق [65]:
79 - وسأله رجل عن قول الله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (1).
فقال (عليه السلام): التوكل درجات: منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك،
فما فعل بك كنت راضيا، وتعلم أنه لم يألك خيرا ونظرا، وتعلم أن الحكم في ذلك له،
فتتوكل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها
فوكلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها، ووثقت به فيها وفي غيرها (2).
سورة القلم [68]:
80 - وعن الحسن بن سعيد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قوله عز وجل:
(يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) (3).
قال: حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين
فلا يستطيعون السجود (4).
سورة الحاقة [69]:
81 - وعن أبي محمد الحسن بن عبد الله الرازي التميمي، قال: حدثني



(1) الطلاق: 3.
(2) تحف العقول: 443.
(3) القلم: 42.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 120.
439
سيدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)، قال: قال
النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله عز وجل: (وتعيها أذن واعية) (1)، قال: دعوت الله أن يجعلها
أذنك يا علي (2).
سورة القيامة [75]:
82 - وروي عنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها
ناظرة) (3)، أنه قال (عليه السلام):
مشرقة تنتظر ثواب ربها (4).
سورة الإنسان [76]:
83 - وعن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قول الله تعالى:
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (5)، قال:
قلت: حب الله، أو حب الطعام؟
قال: حب الطعام (6).



(1) الحاقة: 12.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 62.
(3) القيامة: 22 و 23.
(4) بحار الأنوار 4: 28 / 3.
(5) الإنسان: 8.
(6) المحاسن: 397 / 71.
440
سورة المطففين [83]:
84 - وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (1).
فقال (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عن
عباده، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم محجوبون (2).
سورة الفجر [89]:
85 - وعن علي بن محمد بن الجهم، عن الرضا (عليه السلام)، في قوله تعالى: (وأما
إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) (3) أي ضيق وقتر (4).
86 - وعن الحسن بن علي بن فضال، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (5)، فقال (عليه السلام): إن الله عز وجل
لا يوصف بالمجيء والذهاب، تعالى الله عن الانتقال، إنما يعني بذلك: وجاء أمر
ربك والملك صفا صفا (6).



(1) المطففين: 15.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 125 / 19.
(3) الفجر: 16.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 201 / 1.
(5) الفجر: 22.
(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 125 / 19، والتوحيد: 162.
441
سورة الليل [92]:
87 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:
سمعته يقول في تفسير (والليل إذا يغشى)، قال (عليه السلام): إن رجلا من الأنصار كان
لرجل في حائطه نخلة، وكان يضر به، فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعاه،
فقال: أعطني نخلتك بنخلة في الجنة. فأبى، فسمع ذلك رجل من الأنصار يكنى
أبا الدحداح، فجاء إلى صاحب النخلة، فقال: بعني نخلتك بحائطي (1)، فباعه، فجاء
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: يا رسول الله، قد اشتريت نخلة فلان بحائطي، قال:
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلك بدلها نخلة في الجنة، فأنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله):
(وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى * فأما من أعطى) يعني النخلة (واتقى
* وصدق بالحسنى) بوعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (فسنيسره لليسرى) إلى قوله:
(تردى) (2).
فقلت له: قول الله تبارك وتعالى: (إن علينا للهدى)؟ قال: إن الله يهدي
من يشاء، ويضل من يشاء، الحديث (3).
سورة التكاثر [102]:
88 - وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال:



(1) أي: ببستاني.
(2) الليل 1 - 12.
(3) قرب الإسناد: 156، الطبعة الحجرية. البرهان 5: 678 / 11686 و 11687.
442
كنا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فقال: ليس في الدنيا نعيم حقيقي.
فقال له بعض الفقهاء ممن بحضرته: قول الله عز وجل: (ثم لتسئلن يومئذ عن
النعيم) (1) أما هذا النعيم في الدنيا، وهو الماء البارد؟
فقال له الرضا (عليه السلام) كذا فسرتموه أنتم، وجعلتموه على ضروب؛ فقالت
طائفة: هو الماء البارد، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب، وقال آخرون: هو النوم
الطيب.
ولقد حدثني أبي، عن أبيه أبي عبد الله (عليه السلام): أن أقوالكم هذه ذكرت عنده،
في قول الله تعالى: (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) فغضب (عليه السلام)، وقال: إن الله تعالى
لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به، ولا يمن بذلك عليهم، والامتنان مستقبح من
المخلوقين، فكيف يضاف إلى الخالق عز وجل ما لا يرضى المخلوق به؟! ولكن النعيم
حبنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة، لأن العبد إذا وفى
بذلك أداه إلى نعيم الجنة الذي لا يزول.
ولقد حدثني بذلك أبي، عن أبيه، عن محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين،
عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه (عليهم السلام)، أنه قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، إن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة
أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك ولي المؤمنين، بما جعله الله
وجعلته لك، فمن أقر بذلك وكان يعتقده، صار إلى النعيم الذي لا زوال له...
الحديث (2).



(1) التكاثر: 8.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 129 / 8، البرهان 5: 747 / 11871.
443
سورة الإخلاص [112]:
89 - وعن عبد العزيز بن المهتدي، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد،
قال: كل من قرأ (قل هو الله أحد) وآمن بها، فقد عرف التوحيد.
فقلت: كيف يقرأها؟ قال: كما يقرأها الناس، وزاد فيها: كذلك الله ربي،
كذلك الله ربي (1).



(1) الكافي 1: 72 / 4، كشف الغمة 3: 76، قوله (عليه السلام): " كذلك الله ربي " مرتين بعد قراءة
سورة التوحيد، إنما هو من باب السنة في قرائتها - كما في سائر الروايات - لا أنه جزء من
السورة على قراءة الإمام كما يتوهم.
444
الفصل الرابع عشر
أصحابه وثقاته (عليه السلام)
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) خلال إقامته في المدينة، وأثناء ترحاله في بعض
ديار الإسلام حين أشخصه المأمون العباسي إلى مرو، جمع غفير من كبار العلماء
والرواة، على اختلاف آرائهم وتباين نزعاتهم، فدونوا أحاديثه في كتبهم وأصولهم
ومسانيدهم في شتى العلوم التي تلقوها منه، وكان لهم دور مشرف في نشر العلوم
الإسلامية.
قال ابن شهرآشوب: لقد روى عنه جماعة من المصنفين، منهم: أبو بكر
الخطيب في تأريخه، والثعلبي في تفسيره، والسمعاني في رسالته، وابن المعتز في
كتابه، وغيرهم (1).
وسنذكر في هذا الفصل بعض الثقات والممدوحين والمصنفين من
أصحابه (عليه السلام)، وأعرضنا عن ذكر الواقفة والضعفاء والمجهولين منهم، وكذلك الرواة
الذين وقعوا في إسناد الروايات أو أثنائها، ولو أحصينا جميع ذلك لاحتاج إلى
مؤلف خاص.



(1) المناقب 4: 351.
445
وفيما يلي سنذكر الثقات والممدوحين من أصحابه (عليه السلام)، وقد اخترنا
منهم - روما للاختصار - مائة وخمسين فقط، مرتبين وفق تسلسل الحروف
الهجائية:
[1] إبراهيم بن أبي البلاد:
من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)، كوفي، ثقة. ويكنى
أبو البلاد أبا إسماعيل، واسم أبي البلاد يحيى بن سليم (1).
[2] إبراهيم بن أبي الكرام الجعفري:
كان خيرا، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب (2).
[3] إبراهيم بن أبي محمود الخراساني:
ثقة، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب (3).
[4] إبراهيم بن بشر:
له مسائل إلى الإمام الرضا (عليه السلام) (4).



(1) رجال ابن داود: 30 / 9.
(2) رجال النجاشي: 21 / 29، الخلاصة: 6 / 18، رجال ابن داود: 30 / 11.
(3) رجال النجاشي: 25 / 43، الخلاصة: 3 / 3، رجال ابن داود: 31 / 13.
(4) رجال النجاشي: 23 / 35.
446
[5] إبراهيم بن سلام:
من أصحاب الرضا (عليه السلام)، نيشابوري، وكيل، ومن أصحابنا من ذكر أنه
سلامة، والصحيح الأول. ومنهم من قال: إنه من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)،
ومنهم من أورده في رجال الإمام الجواد (عليه السلام)، والصحيح أنه من أصحاب الإمام
الرضا (عليه السلام) (1).
[6] إبراهيم بن محمد الأشعري:
قمي ثقة، روى عن الإمامين موسى والرضا (عليهما السلام)، وأخوه الفضل، وكتابهما
شركة (2).
[7] إبراهيم بن هاشم:
أبو إسحاق القمي، أصله كوفي، انتقل إلى قم، قال أبو عمر الكشي: تلميذ
يونس بن عبد الرحمن، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام). وأصحابنا يقولون: أول
من نشر حديث الكوفيين بقم هو.
له كتب، منها: النوادر، وكتاب قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).



(1) رجال ابن داود: 31 / 20.
(2) رجال النجاشي: 24 / 42، الخلاصة: 6 / 20، رجال ابن داود: 33 / 30.
(3) رجال النجاشي: 16 / 18، الخلاصة: 4 / 9، الفهرست: 4 / 6، رجال ابن داود: 34 /
43.
447
[8] أبو جرير القمي:
وجه، يروي عن الرضا (عليه السلام)، اسمه زكريا بن إدريس بن عبد الله (1). وقال
ابن داود: أبو جرير - بضم الجيم وبالمهملتين - القمي، من أصحاب الرضا (عليه السلام)،
ترحم له (عليه السلام) (2).
[9] أبو خالد السجستاني:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، كان واقفا ورجع وخالف قومه (3).
[10] أبو طاهر:
ابن حمزة بن اليسع، أخو أحمد، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قمي، وروى
عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) نسخة (4).
[11] أبو الفضل الخراساني:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ممدوح (5).



(1) الخلاصة: 191 / 38.
(2) رجال ابن داود: 215 / 15.
(3) رجال ابن داود: 217 / 32.
(4) رجال النجاشي: 460 / 1256.
(5) رجال ابن داود: 220 / 77.
448
[12] أحمد بن الحسن بن إسماعيل:
ابن شعيب بن ميثم بن عبد الله التمار، أبو عبد الله، مولى بني أسد، كوفي،
صحيح الحديث، سليم، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب النوادر (1).
[13] أحمد بن عامر أبو الجعد:
ابن سليمان بن صالح بن وهب بن عامر، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، قتل
جده عامر مع الحسين (عليه السلام) (2).
[14] أحمد بن عبد الله بن مهران:
المعروف بابن خانبة، أبو جعفر، كان من أصحابنا الثقات، ولا نعرف له إلا
كتاب التأديب، وهو كتاب يوم وليلة، حسن جيد صحيح.
وفي ترجمة ابنه محمد بن أحمد، قال النجاشي: لوالده أحمد بن عبد الله مكاتبة
إلى الرضا (عليه السلام)، وهم بيت من أصحابنا كبير (3).
[15] أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي:
ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وعن أبيه من قبل، وهو ابن عم



(1) الفهرست: 22 / 56، رجال ابن داود: 37 / 66.
(2) رجال ابن داود: 38 / 83.
(3) رجال النجاشي: 91 / 226 و 346 / 935، الخلاصة: 156 / 103.
449
عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمد الحلبيين، روى أبوهم عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
وكانوا ثقات. ولأحمد كتاب (1).
[16] أحمد بن عمر الحلال:
كان يبيع الحل - يعني الشيرج - روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله عنه
مسائل (2).
قال ابن داود: أحمد بن عمر الخلال - بالخاء المعجمة - كان يبيع الخل، وفي
نسخة: بالمهملة، كان يبيع الحل - أي الشيرج - واختارها الشيخ (رحمه الله) في الفهرست
والرجال. قال: روى عنه محمد بن عيسى اليقطيني، ذكر ذلك في باب من لم يرو عن
الأئمة (عليهم السلام)، وذكر في رجال الرضا (عليه السلام): أحمد بن عمر الخلال - بالخاء المعجمة -
وقال: إنه كوفي، رديء الأصل، ثقة. فالظاهر أنهما رجلان: فابن الخلال
- بالمعجمة - من أصحاب الرضا (عليه السلام)، والذي بالمهملة لم يرو عنهم (عليهم السلام) (3).
[17] أحمد بن محمد بن عمرو:
ابن أبي نصر، مولى السكون، أبو جعفر، المعروف بالبزنطي، كوفي، لقي
الرضا وأبا جعفر (عليهما السلام)، وكان عظيم المنزلة عندهما، وروى عن الرضا (عليه السلام) كتابا.
وله كتب، منها: الجامع، وكتاب النوادر، وكتاب نوادر آخر، ومات أحمد بن محمد



(1) رجال النجاشي: 98 / 245، الخلاصة: 20 / 5، رجال ابن داود: 41 / 105.
(2) رجال النجاشي: 99 / 248.
(3) رجال ابن داود: 41 / 106.
450
سنة إحدى وعشرين ومائتين.
قال العلامة الحلي: وهو ثقة جليل القدر، وكان له اختصاص بأبي الحسن
الرضا (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام)، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه، وأقروا له
بالفقه (1).
[18] أحمد بن محمد بن عيسى:
ابن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر
الأشعري، من بني ذخران بن عوف بن الجماهر بن الأشعر، يكنى أبا جعفر القمي،
أول من سكن قم من آبائه سعد بن مالك بن الأحوص.
وأبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي
يلقى السلطان بها، ولقي أبا الحسن الرضا، وأبا جعفر الثاني، وأبا الحسن
العسكري (عليهم السلام)، وكان ثقة، وله كتب منها: كتاب التوحيد، كتاب فضل
النبي (صلى الله عليه وآله)، كتاب المتعة، كتاب النوادر، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب الأظلة،
كتاب المسوخ، كتاب فضائل العرب، وغيرها (2).
[19] أحمد بن يوسف:
مولى بني تيم الله، كوفي، كان منزله بالبصرة، ومات ببغداد، ثقة، من



(1) رجال النجاشي: 75 / 180، الخلاصة: 13 / 1، الفهرست: 19 / 53، رجال ابن داود:
42 / 118.
(2) رجال النجاشي: 81 / 198، الخلاصة: 13 / 2، الفهرست: 25 / 65، رجال ابن داود:
44 / 131.
451
أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) (1).
[20] إدريس بن عيسى الأشعري القمي:
دخل إلى مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عنه حديثا واحدا، ثقة (2).
[21] إسحاق بن آدم:
ابن عبد الله (3) بن سعد الأشعري القمي، روى عن الرضا (عليه السلام)، وله كتاب
يرويه جماعة (4).
[22] إسحاق بن إبراهيم الحضيني:
جرت الخدمة على يده للرضا (عليه السلام)، وكان الحسن بن سعيد الذي أوصل
إسحاق بن إبراهيم إلى الإمام الرضا (عليه السلام) حتى جرت الخدمة على يده، وعلي بن
مهزيار بعد إسحاق بن إبراهيم، وكان سبب معرفتهم لهذا الأمر، فمنه سمعوا الحديث
وبه يعرفون، وكذلك فعل لعبد الله بن محمد الحضيني (5).
وفي رجال ابن داود: كان وكيل الرضا (عليه السلام) (6).



(1) الخلاصة: 14 / 3، رجال ابن داود: 46 / 146.
(2) الخلاصة: 12 / 1، رجال ابن داود: 47 / 150.
(3) في رجال ابن داود: ابن عبد ربه.
(4) رجال النجاشي: 73 / 176، رجال ابن داود: 48 / 158.
(5) الخلاصة: 11 / 2.
(6) رجال ابن داود: 48 / 160.
452
[23] إسماعيل بن سعد الأحوص:
الأشعري، القمي، ثقة، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) (1).
[24] إسماعيل بن مهران:
ابن أبي نصر السكوني، واسم أبي نصر زيد مولى كوفي، يكنى أبا يعقوب،
ثقة معتمد عليه، روى عن جماعة من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره
أبو عمرو في أصحاب الرضا (عليه السلام).
صنف كتبا منها: الملاحم، وكتاب ثواب القرآن، وكتاب الأهليلجة، وكتاب
صفة المؤمن والفاجر.
قال الكشي: حدثني محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسين عن
إسماعيل بن مهران. قال: رمي بالغلو. قال محمد بن مسعود: يكذبون عليه، كان ثقة
خيرا فاضلا (2).
[25] إسماعيل بن همام:
ابن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ميمون البصري، مولى كندة، وإسماعيل يكنى
أبا همام، روى إسماعيل عن الرضا (عليه السلام)، ثقة هو وأبوه وجده، وله كتاب (3).



(1) الخلاصة: 8 / 4، رجال ابن داود: 50 / 184.
(2) رجال النجاشي: 26 / 49، الخلاصة: 8 / 6، الفهرست: 11 / 32، رجال ابن داود:
51 / 198.
(3) رجال النجاشي: 30 / 62، الخلاصة: 10 / 19، رجال ابن داود: 52 / 200.
453
[26] إلياس الصيرفي:
خير، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) (1).
[27] أيوب بن نوح بن دراج النخعي:
مولاهم، من أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام)، ممدوح، كوفي،
كان وكيلا لهما (2)، عظيما ورعا، ثقة، وكان أبوه قاضيا بالكوفة، صحيح الاعتقاد،
وأخوه جميل بن دراج لقي الهادي (عليه السلام) (3).
[28] بائس:
مولى حمزة بن اليسع الأشعري، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (4).
[29] بكر بن محمد الأزدي:
ابن أخي سدير الصيرفي، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام)،
ممدوح (5).



(1) الخلاصة: 23 / 2.
(2) يعني للإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام).
(3) رجال ابن داود: 54 / 224.
(4) رجال ابن داود: 54 / 225.
(5) رجال ابن داود: 58 / 263.
454
[30] جعفر بن بشير:
أبو محمد، البجلي، الوشاء، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ومن زهاد
أصحابنا، وعبادهم، ونساكهم، وثقاتهم.
له مسجد بالكوفة باق في بجيلة.
قال النجاشي:
وأنا وأصحابنا إذا وردنا الكوفة نصلي فيه مع المساجد التي نرغب في الصلاة
فيها، مات بالأبواء (1) - موضع قريب من مكة - كان ملقبا بقفة العلم، روى عن
الثقات (2).
[31] جعفر بن محمد بن يونس الأحول:
من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ثقة (3).
[32] حبيب بن المعلل الخثعمي المدائني:
روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، ثقة ثقة، صحيح، وله
كتاب (4).



(1) وذلك سنة 208 كما ذكر النجاشي.
(2) رجال ابن داود: 62 / 303.
(3) الخلاصة: 31 / 3.
(4) رجال النجاشي: 141 / 368، الخلاصة: 62 / 4، رجال ابن داود: 70 / 379.
455
[33] الحسن بن بشار المدائني:
من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة، صحيح، كان واقفيا ثم
رجع (1).
[34] الحسن بن الجهم:
ابن بكير بن أعين، أبو محمد الشيباني، ثقة، روى عن أبي الحسن موسى
والرضا (عليهما السلام)، وله كتاب (2).
[35] الحسن بن سعيد:
ابن حماد بن مهران، مولى علي بن الحسين (عليه السلام)، كوفي، أهوازي، يكنى
أبا محمد، هو الذي أوصل علي بن مهزيار وإسحاق بن إبراهيم إلى الرضا (عليه السلام) حتى
جرت الخدمة على أيديهما، ثم أوصل بعد إسحاق علي بن الريان، وكان سبب معرفة
الثلاثة لهذا الأمر، ومنه سمعوا الحديث، وبه عرفوا، وكذلك فعل بعبد الله بن محمد،
وصنف الكتب الكثيرة.
ويقال: إن الحسن صنف خمسين مصنفا، وسعيد كان يعرف بدندان، وشارك
الحسن أخاه الحسين في كتبه الثلاثين، وكان الحسن ثقة، وكذلك أخوه الحسين.
وروى الحسن جميع ما صنفه أخوه الحسين بن سعيد عن جميع شيوخه، وزاد



(1) رجال ابن داود: 72 / 400.
(2) رجال النجاشي: 50 / 109، الخلاصة: 43 / 30، رجال ابن داود: 72 / 402.
456
عليه بروايته عن زرعة عن سماعة، والباقي هما متساويان فيه (1).
[36] الحسن بن علي بن زياد الوشاء:
بجلي، كوفي، قال أبو عمرو: ويكنى بأبي محمد الوشاء، وهو ابن بنت إلياس
الصيرفي، خزاز، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان من وجوه هذه الطائفة،
روى عن جده إلياس.
وله كتب، منها: ثواب الحج، والمناسك، والنوادر، ومسائل الرضا (عليه السلام) (2).
[37] الحسن بن علي بن فضال التيملي:
ابن ربيعة بن بكر، مولى بني تميم بن ثعلبة، يكنى أبا محمد، روى عن
الرضا (عليه السلام)، وكان خصيصا به، وكان جليل القدر، عظيم المنزلة، زاهدا ورعا، ثقة
في رواياته. ومات سنة 224.
وله كتب، منها: كتاب الصلاة، كتاب الديات، كتاب التفسير، كتاب الابتداء
والمبتدأ، كتاب الطب، كتاب البشارات، كتاب الرد على الغالية (3).
[38] الحسن بن علي بن يقطين:
ابن موسى، مولى بني هاشم - وقيل: مولى بني أسد - كان فقيها متكلما،



(1) الخلاصة: 39 / 3، الفهرست: 53 / 186، رجال ابن داود: 73 / 419.
(2) رجال النجاشي: 39 / 80.
(3) الخلاصة: 37 / 2، الفهرست: 47 / 153، رجال ابن داود: 76 / 442.
457
روى عن أبي الحسن والرضا (عليهما السلام)، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى (عليه السلام) (1).
وقال ابن داود: الحسن بن علي بن يقطين وأخوه الحسين، من أصحاب
الرضا (عليه السلام)، ثقتان (2).
[39] الحسن بن عمر:
ابن يزيد، وأخوه الحسين من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقتان (3).
[40] الحسن بن محبوب السراد:
ويقال: الزراد، يكنى أبا علي، مولى بجيلة، كوفي، ثقة، عين، روى عن
الرضا (عليه السلام)، وكان جليل القدر، يعد في الأركان الأربعة في عصره.
قال الكشي: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم،
وأقروا لهم بالفقه والعلم.
ومات الحسن بن محبوب (رحمه الله) في آخر سنة 224 وكان من أبناء خمس
وسبعين.
وله كتب كثيرة، منها كتاب المشيخة، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب
الفرائض، كتاب النكاح، كتاب النوادر، كتاب التفسير، كتاب العتق (4).



(1) رجال النجاشي: 45 / 91.
(2) رجال ابن داود: 76 / 445 و 446.
(3) رجال ابن داود: 77 / 449 / 450.
(4) الخلاصة: 37 / 1، الفهرست: 46 / 151، رجال ابن داود: 77 / 454.
458
[41] الحسن بن محمد بن الفضل:
ابن يعقوب بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أبو محمد، ثقة
جليل.
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) نسخة. وله كتاب كبير (1).
وقال ابن داود: شيخ من الهاشميين، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وروى أبوه
عن الصادق والكاظم (2).
[42] الحسن بن موسى الخشاب:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، من وجوه أصحابنا، كثير العلم
والحديث (3).
[43] الحسين بن بشار:
مدايني، مولى زياد، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام).
قال الكشي: إنه رجع عن القول بالوقف وقال بالحق.
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): إنه ثقة، صحيح، روى عن أبي الحسن (عليه السلام) (4).



(1) رجال النجاشي: 51 / 112، الخلاصة: 43 / 31.
(2) رجال ابن داود: 78 / 460.
(3) رجال ابن داود: 78 / 465.
(4) الخلاصة: 49 / 6.
459
[44] الحسين بن الجهم:
ابن بكير بن أعين، من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليه السلام)، ثقة (1).
[45] الحسين بن سعيد:
ابن حماد بن مهران الأهوازي، مولى علي بن الحسين (عليه السلام)، ثقة، عين،
جليل القدر، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وعن أبي جعفر وعن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، أصله كوفي، وانتقل مع أخيه الحسن إلى الأهواز، ثم تحول إلى قم
فنزل على الحسن بن أبان، وتوفي بقم (رحمه الله) (2).
وللحسين ثلاثون مصنفا شاركه فيها أخوه الحسن، كما تقدم في ترجمته.
[46] الحسين بن علي بن يقطين:
من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ثقة (3).
[47] الحسين بن عمر بن يزيد:
من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ثقة (4).



(1) رجال ابن داود: 80 / 475.
(2) الخلاصة: 49 / 4، الفهرست: 58 / 220، رجال ابن داود: 80 / 479.
(3) الخلاصة: 49 / 3.
(4) الخلاصة: 49 / 5.
460
[48] الحسين بن محمد بن الفضل:
ابن يعقوب بن سعد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أبو محمد، شيخ من
الهاشميين، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ذكره أبو العباس،
وعمومته كذلك إسحاق ويعقوب وإسماعيل، وكان ثقة، صنف مجالس الرضا (عليه السلام)
مع أهل الأديان (1).
[49] الحسين بن يزيد:
المتطبب، النوفلي، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، روى عن السكوني (2).
[50] حماد بن عثمان الباب (3):
ثقة، جليل القدر، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ومن أصحاب
الكاظم (عليه السلام)، والحسين أخوه وجعفر، أولاد عثمان بن زياد الرواسي، فاضلون
خيار، ثقات.
قال الكشي: عن حمدويه، عن أشياخه، قال: حماد ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه، والإقرار له بالفقه (4).



(1) رجال النجاشي: 56 / 131.
(2) رجال ابن داود: 82 / 500.
(3) في رجال ابن داود: الناب.
(4) الخلاصة: 56 / 3، رجال ابن داود: 84 / 521.
461
[51] حماد بن عثمان:
ابن عمرو بن خالد الفزاري، مولاهم، كوفي، كان يسكن عرزم فنسب إليها،
وأخوه عبد الله ثقتان، رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وروى حماد عن أبي الحسن
والرضا (عليهما السلام)، ومات حماد بالكوفة في سنة 190، ذكرهما أبو العباس في كتابه. وله
كتاب (1).
[52] حماد بن عيسى:
أبو محمد الجهني، مولى، وقيل: عربي، أصله الكوفة وسكن البصرة، وقيل:
إنه روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) عشرين حديثا، وأبي الحسن والرضا (عليهما السلام)، ومات
في حياة أبي جعفر الثاني (عليه السلام). وكان ثقة في حديثه صدوقا.
له كتاب الزكاة، وكتاب الصلاة، وكتاب مسائل سأل عنها الصادق (عليه السلام)
وأجابه. ومات حماد بن عيسى غريقا بوادي قناة - وهو واد يسيل من الشجرة إلى
المدينة، وهو غريق الجحفة - في سنة 209، وقيل: سنة 208، وله نيف وتسعون
سنة.
وقيل: لم يحفظ عنه رواية عن الرضا (عليه السلام) ولا عن أبي جعفر (عليه السلام).
قال ابن داود: دعا له أبو الحسن الأول (عليه السلام) بالدار والزوجة والولد والخادم
والحج خمسين سنة، فبلغ ذلك، فلما حج في الحادية والخمسين غرق بالوادي حيث
أراد الغسل للإحرام (2).



(1) رجال النجاشي: 143 / 371، الخلاصة: 56 / 4، رجال ابن داود: 84 / 522.
(2) رجال النجاشي: 142 / 370، رجال ابن داود: 84 / 523.
462
[53] حمدان بن المعافى:
أبو جعفر الصبيحي، من قصر صبيح، مولى جعفر بن محمد (عليه السلام)، روى عن
موسى والرضا (عليهما السلام)، وروى عن مسعدة بن صدقة وغيره. له كتاب شرائع الإيمان،
وكتاب الإهليلجة.
قال ابن نوح: مات حمدان سنة 265 لما دخل أصحاب العلوي البصري
قسين وأحرقوها. وقال: قال ابن معمر: إن أبا الحسن موسى والرضا (عليهما السلام)، دعوا
له (1).
[54] حمزة بن بزيع:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ممدوح، وترحم عليه الرضا (عليه السلام) (2).
[55] حمزة بن اليسع بن عبد الله القمي:
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان ابنه أحمد ثقة ثقة، له كتاب نوادر (3).
[56] حمزة بن يعلى الأشعري:
أبو يعلى القمي، روى عن الإمام الرضا وأبي جعفر الثاني (عليهما السلام)، ثقة وجه،



(1) رجال ابن داود: 85 / 526، رجال النجاشي: 138 / 356.
(2) رجال ابن داود: 85 / 529.
(3) رجال النجاشي: 90 / 224، الخلاصة: 14 / 5، كلاهما في ترجمة ابنه أحمد بن حمزة.
463
وله كتاب (1).
[57] خيران:
مولى الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب (2).
[58] دارم بن قبيصة:
ابن نهشل بن مجمع، أبو الحسن التميمي الدارمي السائح، روى عن الإمام
الرضا (عليه السلام)، وله عنه كتاب الوجوه والنظائر، وكتاب الناسخ والمنسوخ (3).
[59] داود بن سليمان بن جعفر:
أبو أحمد القزويني، ذكره ابن نوح في رجاله، له كتاب الإمام الرضا (عليه السلام) (4).
[60] داود بن علي اليعقوبي الهاشمي:
أبو علي بن داود، روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وقيل: روى عن
الرضا (عليه السلام)، ثقة، وله كتاب (5).



(1) رجال النجاشي: 141 / 366، الخلاصة: 53 / 4.
(2) رجال النجاشي: 155 / 409.
(3) رجال النجاشي: 162 / 429، رجال ابن داود: 92 / 600.
(4) رجال النجاشي: 161 / 426، رجال ابن داود: 90 / 588.
(5) رجال النجاشي: 160 / 422، رجال ابن داود: 90 / 591.
464
[61] داود بن القاسم الجعفري:
يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام)،
وقد شاهد الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر (عليهم السلام)، وكان مقدما
عند السلطان، وله كتاب (1).
وفي رجال ابن داود: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب، أبو هاشم الجعفري، من أصحاب الرضا والجواد والهادي
والعسكري (عليهم السلام)، عظيم المنزلة، شريف القدر، ثقة (2).
[62] داود بن مافنة الصرمي:
مولى بني قرة، ثم بني صرمة منهم، كوفي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)،
يكنى أبا سليمان، وبقي إلى أيام أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام)، وله مسائل إليه (3).
[63] داود بن النعمان:
مولى بني هاشم، أخو علي بن النعمان، وداود هو الأكبر، من أصحاب
الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، وقيل: روى عن الصادق (عليه السلام)، خير فاضل (4).



(1) الفهرست: 67 / 266.
(2) رجال ابن داود: 91 / 593.
(3) رجال النجاشي: 161 / 425، رجال ابن داود: 91 / 596.
(4) رجال ابن داود: 91 / 598.
465
[64] دعبل بن علي:
ابن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي،
أبو علي، الشاعر، مشهور في أصحابنا.
صنف كتاب طبقات الشعراء، وكتاب الواحدة في مثالب العرب ومناقبها (1).
وقد تقدم أنه وفد على الإمام الرضا (عليه السلام) بخراسان، وأنشده قصيدته التائية،
ذكرنا ذلك في فصل خاص بالقصيدة التي مطلعها:
تجاوبن بالأرنان والزفرات...
[65] الريان بن الصلت:
الأشعري القمي، أبو علي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، كان ثقة صدوقا،
ذكر أن له كتابا جمع فيه كلام الرضا (عليه السلام) في الفرق بين الآل والأمة (2).
[66] زكريا بن آدم:
ابن عبد الله بن سعد الأشعري القمي، ثقة، جليل، عظيم القدر، وكان له وجه
عند الرضا (عليه السلام)، له كتاب، وكتاب آخر في مسائله للرضا (عليه السلام).
روى الكشي بالإسناد عن محمد بن حمزة، عن زكريا بن آدم، قال: قلت
للرضا (عليه السلام): إني أريد الخروج عن أهل بيتي، فقد كثر السفهاء فيهم؟ فقال:



(1) رجال النجاشي: 161 / 428، رجال ابن داود: 92 / 601.
(2) رجال النجاشي: 165 / 437، الخلاصة: 70 / 1.
466
لا تفعل، فإن أهل بيتك يدفع عنهم بك كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن (عليه السلام).
وقال الرضا (عليه السلام): إنه المأمون على الدين والدنيا.
وعن محمد بن قولويه بالإسناد عن ابن المسيب الهمداني، قال: قلت
للرضا (عليه السلام): شقتي بعيدة، ولست أصل إليك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني.
قال: من زكريا بن آدم القمي، المأمون على الدين والدنيا.
وحج الرضا (عليه السلام) سنة من المدينة، وكان زكريا بن آدم زميله إلى مكة (1).
أقول: وهو مدفون بالقرب من مشهد فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، في
مقبرة (شيخان) وقبره شاخص إلى اليوم، يزوره الناس ويتبركون به.
[67] زكريا بن إدريس:
ابن عبد الله بن سعد الأشعري القمي، أبو جرير، قيل: إنه روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن والرضا (عليهم السلام)، وله كتاب.
وقال العلامة الحلي: زكريا بن إدريس، أبو جرير - بضم الجيم - القمي، كان
وجها، يروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[68] زكريا بن عبد الصمد القمي:
يكنى أبا جرير، من أصحاب أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ومن أصحاب
الرضا (عليه السلام)، ثقة (3).



(1) رجال النجاشي: 174 / 458، الخلاصة: 75 / 4، رجال ابن داود: 97 / 635.
(2) رجال النجاشي: 173 / 457، الخلاصة: 76 / 8، رجال ابن داود: 98 / 636.
(3) الخلاصة: 75 / 1، رجال ابن داود: 98 / 641.
467
[69] سعد بن سعد:
ابن الأحوص بن سعد بن مالك الأشعري القمي، ثقة. روى عن الرضا وأبي
جعفر (عليهما السلام). له كتاب المبوب، وكتاب غير المبوب، وكتاب مسائله للرضا (عليه السلام).
روى الكشي عن أصحابنا، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي: أن
أبا جعفر (عليه السلام) سأل الله أن يجزيه خيرا (1).
[70] سعد خادم أبي دلف العجلي:
له كتاب مسائله للرضا (عليه السلام) (2).
وفي رجال ابن داود: سعيد، خادم أبي دلف العجلي، من أصحاب الإمام
الرضا (عليه السلام) (3).
[71] سعد بن طريف الحنظلي:
وقيل: الدئلي، مولاهم، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) (4).
[72] سعيد بن جناح:
أصله كوفي، ونشأ ببغداد، ومات بها، مولى الأزد، ويقال: مولى جهينة،



(1) رجال النجاشي: 179 / 470، الخلاصة: 78 / 2.
(2) رجال النجاشي: 179 / 471، الفهرست: 76 / 308.
(3) رجال ابن داود: 103 / 689.
(4) رجال ابن داود: 101 / 680.
468
وأخوه أبو عامر، روى عن أبي الحسن والرضا (عليهما السلام)، وكانا ثقتين، له كتاب صفة
الجنة والنار، وكتاب قبض روح المؤمن والكافر (1).
[73] سعيد بن جناح الأزدي:
مولاهم، بغدادي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (2).
[74] سليمان بن بلال:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (3).
[75] سليمان بن جعفر بن إبراهيم:
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو محمد الطالبي الجعفري،
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وروى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكانا
ثقتين. وله كتاب فضل الدعاء.
روى الكشي عن الحسن بن علي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قال
العبد الصالح (عليه السلام) لسليمان بن جعفر: يا سليمان، ولدك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم،
قال: وولدك علي مرتين؟ قال: نعم. قال: وأنت لجعفر (رحمه الله)؟ قال: نعم. قال:
لولا الذي أنت عليه ما انتفعت (4).



(1) رجال النجاشي: 191 / 512، رجال ابن داود: 103 / 688.
(2) رجال النجاشي: 182 / 481.
(3) رجال ابن داود: 105 / 723.
(4) رجال النجاشي: 182 / 483، الخلاصة: 77 / 3.
469
وفي رجال ابن داود: من أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام)، ممدوح، ثقة (1).
[76] سهل بن اليسع:
ابن عبد الله بن سعد الأشعري، قمي، ثقة، روى عن الإمامين موسى
والرضا (عليهما السلام)، وله كتاب (2).
[77] صباح بن نصر الهندي:
له مسائل عن الإمام الرضا (عليه السلام) (3).
[78] صفوان بن يحيى:
أبو محمد البجلي، بياع السابري، كوفي، ثقة ثقة، عين.
روى أبوه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وروى هو عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وكانت
له عنده منزلة شريفة.
ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وقد توكل للرضا
وأبي جعفر (عليهما السلام)، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة،
وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالا كثيرا.
وكان شريكا لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان، وروي أنهم تعاقدوا في



(1) رجال ابن داود: 105 / 724.
(2) رجال النجاشي: 186 / 494، رجال ابن داود: 108 / 747.
(3) رجال النجاشي: 202 / 539، رجال ابن داود: 110 / 775.
470
بيت الله الحرام، أنه من مات منهم صلى من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكى عنه
زكاته، فماتا وبقي صفوان، فكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في
السنة ثلاثة أشهر، ويزكي زكاته ثلاث دفعات، وكل ما يتبرع به عن نفسه عما
عدا ما ذكرناه يتبرع عنهما بمثله.
وحكى أصحابنا أن إنسانا كلفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة، فقال:
جمالي مكرية، وأنا أستأذن الأجراء. وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه
أحد من طبقته (رحمه الله).
وصنف ثلاثين كتابا، ومات (رحمه الله) سنة 210 (1).
[79] العباس بن موسى النخاس:
كوفي، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (2).
[80] عباس بن هلال الشامي:
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله منه نسخة (3).
[81] عبد الجبار بن المبارك النهاوندي:
من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام)، عتيق الجواد (عليه السلام)، وقد كان



(1) رجال النجاشي: 197 / 524، الفهرست: 83 / 346.
(2) الخلاصة: 118 / 3.
(3) رجال النجاشي: 282 / 749.
471
سباه أهل الضلال، ممدوح (1).
[82] عبد الرحمن بن أبي نجران:
واسم أبي نجران عمرو بن مسلم، التميمي، مولى، كوفي، أبو الفضل.
روى عن الرضا (عليه السلام)، وروى أبوه أبو نجران عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وروى عن أبي نجران حنان، وكان عبد الرحمن ثقة ثقة، معتمدا على
ما يرويه.
له كتب كثيرة، منها كتاب المطعم والمشرب، وكتاب يوم وليلة، وكتاب
النوادر (2).
[83] عبد الرحمن بن الحجاج البجلي:
مولاهم، كوفي، بياع السابري، سكن بغداد، ورمي بالكيسانية، روى عن
أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وبقي بعد أبي الحسن (عليه السلام)، ورجع إلى الحق، ولقي
الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان ثقة ثقة، ثبتا، وجها. وله كتب يرويها عنه جماعات من
أصحابنا، ومات في عصر الرضا (عليه السلام) على ولايته (3).
قال ابن داود: شهد له الصادق (عليه السلام) بالجنة (4).



(1) رجال ابن داود: 127 / 936.
(2) رجال النجاشي: 235 / 622، الخلاصة: 114 / 7.
(3) رجال النجاشي: 237 / 630، الخلاصة: 113 / 5.
(4) رجال ابن داود: 128 / 949.
472
[84] عبد السلام بن صالح:
أبو الصلت الهروي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة، صحيح الحديث، له
كتاب وفاة الرضا (عليه السلام) (1).
[85] عبد العزيز بن المهتدي:
ابن محمد بن عبد العزيز الأشعري القمي، ثقة، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)،
وله كتاب. وروى النجاشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن، عن أبي عمرو
الكشي، بإسناده عن الفضل بن شاذان، قال: حدثني عبد العزيز بن المهتدي، وكان
خير قمي رأيته، وكان وكيل الرضا (عليه السلام) وخاصته.
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): خرج فيه: غفر الله لك ذنبك، ورحمنا وإياك،
ورضي عنك برضاي عنك (2).
وفي رجال ابن داود: ثقة، كان صالحا، ودعا له الجواد (عليه السلام) (3).
[86] عبد الله بن جندب البجلي:
عربي، كوفي، من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، ثقة.
روى الكشي أن أبا الحسن (عليه السلام) أقسم أنه عنه راض، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) والله



(1) رجال النجاشي: 245 / 643، الخلاصة: 117 / 2، رجال ابن داود: 129 / 957.
(2) رجال النجاشي: 245 / 642، و 447 / 138، الخلاصة: 116 / 3.
(3) رجال ابن داود: 129 / 961.
473
تعالى عنه راضيان.
وقال فيه أبو الحسن (عليه السلام): إن عبد الله بن جندب لمن المخبتين.
قال الشيخ الطوسي (رحمه الله): إنه كان وكيلا لأبي إبراهيم وأبي الحسن
الرضا (عليهما السلام)، وكان عابدا، رفيع المنزلة لديهما.
قال حمدويه بن نصير: لما مات عبد الله بن جندب قام علي بن مهزيار
مقامه (1).
[87] عبد الله بن سعيد:
ابن حيان بن أبجر الكناني، أبو عمر الطبيب، شيخ من أصحابنا، ثقة.
وبنو أبجر بيت بالكوفة أطباء، وأخوه عبد الملك بن سعيد ثقة، عمر إلى
سنة 240.
له كتاب الديات، رواه عن آبائه، وعرضه على الإمام الرضا (عليه السلام)،
والكتاب يعرف بين أصحابنا بكتاب عبد الله بن أبجر (2).
[88] عبد الله بن الصلت:
أبو طالب القمي، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة، ثقة، مسكون إلى روايته،
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ويعرف له كتاب التفسير (3).



(1) الخلاصة: 105 / 16، رجال ابن داود: 117 / 846.
(2) رجال النجاشي: 217 / 565، الخلاصة: 110 / 39، وفيها: عبد الله بن سعد.
(3) رجال النجاشي: 217 / 564، رجال ابن داود: 121 / 877.
474
[89] عبد الله بن طاووس:
من أصحاب الرضا (عليه السلام)، قال العلامة الحلي (رحمه الله): لم أظفر له على تعديل
ظاهر ولا على جرح، بل على ما يترجح به أنه من الشيعة (1).
وفي رجال ابن داود: عاش مائة سنة بإخبار الرضا (عليه السلام) (2).
[90] عبد الله بن علي بن الحسين:
ابن زيد بن علي بن الحسين، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله نسخة رواها
عنه (3).
[91] عبد الله بن محمد بن حصين:
الحصيني، وقيل: الحصيبي، الأهوازي، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ثقة،
ثقة، جرت الخدمة على يده للإمام الرضا (عليه السلام) (4).
وفي رجال ابن داود: عبد الله بن محمد بن الحصين الحصيني، الأهوازي، كذا
ضبطه الشيخ أبو جعفر (رحمه الله) بخطه في كتاب الرجال، ورأيت في الفهرست بخطه أيضا
عبد الله بن محمد الخصيبي، ولم يقل: ابن الحصين، ولا: الأهوازي، فيجوز أن يكون



(1) الخلاصة: 105 / 19.
(2) رجال ابن داود: 121 / 878.
(3) رجال النجاشي: 227 / 599.
(4) الخلاصة: 109 / 32.
475
غيره، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، ثقة، ثقة (1).
[92] عبد الله بن محمد بن علي:
ابن العباس بن هارون التميمي الرازي، له نسخة عن الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[93] عبد الله بن المغيرة:
أبو محمد البجلي، مولى جندب بن عبد الله بن سفيان العلقي، منسوب إلى
علقة بن عبقر بن أنمار بن أرأس بن عمرو بن الغوث، بطن من بجيلة، من أصحاب
الكاظم (عليه السلام)، ثقة، ثقة، لا يعدل به أحد علما ودينا وورعا. كان واقفيا، قال:
فحججت وتعلقت بالملتزم، وسألت الله هدايتي، فوقع في نفسي أن آتي الإمام
الرضا (عليه السلام)، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، فسمعت نداءه: ادخل يا عبد الله بن
المغيرة. فلما نظر إلي قال: قد أجاب الله دعوتك، وهداك لدينك، فقلت: أشهد
أنك حجة الله وأمينه على خلقه (3).
[94] علي بن أسباط بن سالم:
بياع الزطي، أبو الحسن المقرئ، كوفي، ثقة، وكان فطحيا، جرى بينه وبين



(1) رجال ابن داود: 122 / 898.
(2) رجال النجاشي: 228 / 603، والنسخة في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 58 / من الحديث
214 - 315، وفي دلائل الإمامة: 239.
(3) رجال ابن داود: 124 / 909.
476
علي بن مهزيار رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى الإمام أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، فرجع
علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه، وقد روى عن الرضا (عليه السلام) من قبل ذلك،
وكان أوثق الناس، وأصدقهم لهجة.
له كتاب الدلائل، وكتاب التفسير، وكتاب المزار، وكتاب النوادر (1).
[95] علي بن جعفر بن محمد:
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، سكن العريض من نواحي
المدينة، فنسب ولده إليها، له كتاب في الحلال والحرام يروى تارة مبوبا وتارة غير
مبوب.
قال العلامة في (الخلاصة): علي بن جعفر، أخو موسى بن جعفر
الكاظم (عليه السلام)، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، ثقة. روى الكشي عنه ما يشهد بصحة
عقيدته وتأدبه مع أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وحاله أجل من ذلك (2).
مدفون في قم، ومشهده معروف يزار.
[96] علي بن الحسين بن رباط البجلي:
أبو الحسن، كوفي، ثقة، معول عليه، قال الكشي: إنه من أصحاب الإمام
الرضا (عليه السلام)، له كتاب الصلاة (3).



(1) رجال النجاشي: 252 / 663.
(2) رجال النجاشي: 251 / 662، الخلاصة: 92 / 4.
(3) رجال النجاشي: 251 / 659، رجال ابن داود: 136 / 1030.
477
[97] علي بن سويد السائي:
منسوب إلى ساية، قرية بالمدينة، ثقة، من أصحاب الرضا (عليه السلام).
روى الكشي عن حمدويه عن الحسن بن موسى، عن إسماعيل بن مهران، عن
محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد السائي، قال: كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام)... وذكر حديثا عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ما يشهد بأنه من
آل محمد (عليهم السلام) وغير ذلك من إلهام الرشد والبصيرة في أمر دينه (1).
[98] علي بن سيف بن عميرة النخعي:
أبو الحسن، كوفي، مولى، ثقة، هو أكبر من أخيه الحسين، روى عن
الرضا (عليه السلام) (2).
[99] علي بن عبيد الله بن حسين:
ابن علي بن الحسين، أبو الحسن، كان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في
زمانه، واختص بموسى والرضا (عليهما السلام)، واختلط بأصحابنا الإمامية، وكان لما أراده
محمد بن إبراهيم طباطبا لأن يبايع له أبو السرايا بعده، أبى عليه، ورد الأمر إلى
محمد بن محمد بن زيد بن علي، له كتاب في الحج، يرويه كله عن الإمام موسى بن
جعفر (عليه السلام).



(1) الخلاصة: 92 / 5.
(2) الخلاصة: 102 / 66، رجال ابن داود: 139 / 1056.
478
وروى الكشي بالإسناد عن سليمان بن جعفر، قال:
قال لي علي بن عبيد الله ابن الحسين: أشتهي أن أدخل على أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) أسلم عليه. قلت: فما يمنعك من ذلك؟ قال: الإجلال والهيبة له، وأتقي
عليه.
قال: فاعتل أبو الحسن (عليه السلام) علة خفيفة، وقد عاده الناس، فلقيت علي بن
عبيد الله، فقلت: قد جاءك ما تريد، وقد اعتل أبو الحسن (عليه السلام) علة خفيفة، وقد
عاده الناس، فإن أردت الدخول عليه فاليوم.
قال: فجاء إلى أبي الحسن (عليه السلام) عائدا، فلقيه أبو الحسن (عليه السلام) بكل ما يحب
من المنزلة والتعظيم، ففرح بذلك علي بن عبيد الله فرحا شديدا.
ثم مرض علي بن عبيد الله، فعاده أبو الحسن (عليه السلام) وأنا معه، فجلس حتى
خرج من كان في البيت، فلما خرجنا أخبرتني مولاة لنا أن أم سلمة امرأة علي بن
عبيد الله كانت من وراء الستر تنظر إليه، فلما خرج خرجت وانكبت على الموضع
الذي كان أبو الحسن (عليه السلام) جالسا فيه تقبله وتتمسح به.
قال سليمان: ثم دخلت على ابن عبيد الله، فأخبرتني جارية لهم بما فعلت
أم سلمة، فخبرت به أبا الحسن (عليه السلام). فقال: يا سليمان، إن علي بن عبيد الله وامرأته
وولده من أهل الجنة (1).
قال ابن داود: كان الإمام الرضا (عليه السلام) يسميه الزوج الصالح، لأن زوجته
كانت بنت عبد الله بن الحسين الأصغر (2).



(1) رجال النجاشي: 256 / 671، الخلاصة: 97 / 32.
(2) رجال ابن داود: 139 / 1059.
479
[100] علي بن المسيب:
عربي، من أهل همدان، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (1).
[101] علي بن مهدي:
ابن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد الرقي الأنصاري، أبو الحسن، من
أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[102] علي بن مهزيار الأهوازي:
أبو الحسن، دورقي الأصل، مولى، كان أبوه نصرانيا فأسلم، وقد قيل: إن
عليا أيضا أسلم وهو صغير، ومن الله عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقه، وروى عن
الإمام الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، واختص بأبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وتوكل له، وعظم
محله منه، وكذلك أبو الحسن الثالث (عليه السلام)، وتوكل لهم في بعض النواحي، وخرجت
إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحا
اعتقاده، وصنف الكتب المشهورة، وهي مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة...
قال حمدويه بن نصير: لما مات عبد الله بن جندب، قام علي بن مهزيار
مقامه (3).



(1) الخلاصة: 93 / 8، رجال ابن داود: 141 / 1088.
(2) رجال ابن داود: 143 / 1092.
(3) رجال النجاشي: 253 / 664، الخلاصة: 92 / 6.
480
وفي رجال ابن داود:
كان إذا طلعت الشمس لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه، جليل
القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتابا (1).
[103] علي بن النعمان الأعلم النخعي:
أبو الحسن، مولاهم، كوفي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام).
وأخوه داود أعلا منه، وابنه الحسن بن علي وابنه أحمد، رويا الحديث.
وكان علي ثقة، وجها، ثبتا، صحيحا، واضح الطريقة. وله كتاب (2).
[104] علي بن يحيى بن الحسن:
مولى علي بن الحسين (عليه السلام)، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام).
كوفي، ثقة، ومنهم من أثبته: علي بن يحيى بن الحسين، والحق
الأول (3).
[105] عمران بن محمد:
ابن عمران بن عبد الله الأشعري، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (4).



(1) رجال ابن داود: 142 / 1091.
(2) رجال النجاشي: 274 / 719، الخلاصة: 95 / 25، رجال ابن داود: 142 / 1095.
(3) رجال ابن داود: 142 / 1098.
(4) الخلاصة: 124 / 1، رجال ابن داود: 147 / 1148.
481
[106] عمرو بن سعيد المدائني:
ثقة، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (1).
[107] فضالة بن أيوب الأزدي:
من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام)، عربي صميم، سكن الأهواز،
فقيه من فقهائنا (2).
[108] الفضل بن سنان:
نيسابوري، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، وكيل (3).
[109] الفضل بن شاذان بن الخليل:
أبو محمد الأزدي النيسابوري، كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن
الإمام أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وقيل عن الإمام الرضا (عليه السلام) أيضا، وكان ثقة، أحد
أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن
نصفه. وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتابا (4).



(1) رجال النجاشي: 287 / 767.
(2) رجال ابن داود: 151 / 1191.
(3) الخلاصة: 132 / 1، رجال ابن داود: 151 / 1198.
(4) رجال النجاشي: 306 / 840، رجال ابن داود: 151 / 1200.
482
[110] كلثوم بنت سليم:
روت عن الإمام الرضا (عليه السلام) كتابا (1).
[111] محسن بن أحمد القيسي:
من موالي قيس عيلان، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (2).
[112] محمد بن أبي عمير:
زياد بن عيسى، أبو أحمد الأزدي، من موالي المهلب بن أبي صفرة، وقيل:
مولى بني أمية، والأول أصح. بغدادي الأصل والمقام، لقي أبا الحسن موسى (عليه السلام)
وسمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الإمام الرضا (عليه السلام).
جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين.
قال الجاحظ في (البيان والتبيين): حدثني إبراهيم بن داحة، عن ابن
أبي عمير، وكان وجها من وجوه الرافضة، وكان حبس في أيام الرشيد، فقيل: ليلي
القضاء، وقيل: إنه ولي بعد ذلك، وقيل: بل ليدل على مواضع الشيعة وأصحاب
موسى بن جعفر (عليه السلام)، وروي أنه ضرب أسواطا بلغت منه، فكاد أن يقر لعظم
الألم، فسمع محمد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتق الله يا محمد بن
أبي عمير. فصبر ففرج الله عنه.



(1) رجال النجاشي: 319 / 874.
(2) رجال النجاشي: 423 / 1133، رجال ابن داود: 158 / 1261.
483
وروي أنه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد.
وقيل: إن أخته دفنت كتبه في حال استتارها، وكونه في الحبس، أربع سنين،
فهلكت الكتب.
وقيل: بل تركها في غرفة، فسال عليها المطر فهلكت، فحدث من حفظه
ومما كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، وقد
صنف كتبا كثيرة، ومات سنة 217.
وذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتابا، منها: كتاب النوادر، وكتاب
الاستطاعة والأفاعيل والرد على أهل القدر والجبر، وكتاب الإمامة، وكتاب
البداء، وكتاب المتعة، ومسائله عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وغير ذلك (1).
[113] محمد بن أحمد بن قيس:
ابن غيلان، مولى، كوفي، له كتاب، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (2).
[114] محمد بن إسحاق:
أخو يزيد - شعر - روى الكشي عن حمدويه، عن الحسن بن موسى، قال:
حدثني يزيد بن إسحاق - شعر - أن محمدا أخاه كان يقول بحياة الكاظم (عليه السلام)، فدعا
له الإمام الرضا (عليه السلام) حتى قال بالحق.



(1) رجال النجاشي: 326 / 887، الفهرست: 142 / 607، رجال ابن داود: 159 /
1272.
(2) الخلاصة: 141 / 18، رجال ابن داود: 164 / 1300.
484
وقال ابن داود: محمد بن إسحاق - شعر - ممدوح (1).
[115] محمد بن جعفر (عليه السلام):
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، عمه (عليه السلام) (2).
[116] محمد بن الحسن بن جمهور:
العمي، البصري، له كتب، منها: كتاب الملاحم، وكتاب الواحدة، وكتاب
صاحب الزمان (عليه السلام).
وله الرسالة الذهبية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب وقت خروج
القائم (عليه السلام) (3).
[117] محمد بن الحسن بن زياد الميثمي الأسدي:
مولاهم، أبو جعفر، ثقة عين، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (4).
[118] محمد بن خالد:
ابن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي، أبو عبد الله، مولى أبي موسى



(1) الخلاصة: 151 / 66، رجال ابن داود: 165 / 1311.
(2) رجال ابن داود: 168 / 1338.
(3) الفهرست: 146 / 615.
(4) رجال النجاشي: 363 / 979، الخلاصة: 159 / 129، رجال ابن داود: 169 / 1349.
485
الأشعري، من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (1).
[119] محمد بن زيد الرزامي:
خادم الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[120] محمد بن سهل بن اليسع:
ابن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمي، روى عن
الإمام الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، له كتاب يرويه جماعة.
وفي الفهرست: له مسائل عن الرضا (عليه السلام) (3).
[121] محمد بن صدقة:
العنبري، البصري، أبو جعفر، من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) (4).
[122] محمد بن عبد الله بن عمرو:
ابن سالم بن لاحق، أبو عبد الله اللاحقي الصفار، روى عن الإمام
الرضا (عليه السلام)، وله نسخة تشبه كتاب الحلبي مبوبة كبيرة (5).



(1) الخلاصة: 139 / 14، رجال ابن داود: 171 / 1369.
(2) رجال النجاشي: 368 / 1000، رجال ابن داود: 172 / 1381.
(3) رجال النجاشي: 367 / 996، الفهرست: 147 / 620.
(4) رجال ابن داود: 174 / 1412.
(5) رجال النجاشي: 366 / 990، رجال ابن داود: 176 / 1430.
486
[123] محمد بن علي بن الحسين:
ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، له نسخة يرويها عن
الإمام الرضا (عليه السلام) (1).
[124] محمد بن عمرو بن سعيد:
الزيات المدائني، ثقة، عين، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) نسخة (2).
[125] محمد بن عيسى بن عبد الله:
ابن سعد بن مالك الأشعري، أبو علي، شيخ القميين، ووجه الأشاعرة،
متقدم عند السلطان، ودخل على الإمام الرضا (عليه السلام) وسمع منه، وروى عن
أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وله كتاب الخطب (3).
[126] محمد بن الفرج الرخجي:
من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ثقة (4).



(1) رجال النجاشي: 366 / 992.
(2) رجال النجاشي: 369 / 1001، الخلاصة: 159 / 138، رجال ابن داود: 180 /
1468.
(3) رجال النجاشي: 338 / 905، الخلاصة: 154 / 83.
(4) الخلاصة: 140 / 16، رجال ابن داود: 181 / 1477.
487
[127] محمد بن الفضل الأزدي:
كوفي، من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ثقة.
وفي رجال ابن داود: من أصحاب أبي الحسن الكاظم والرضا (عليهما السلام)، ثقة (1).
[128] محمد بن فضيل بن كثير:
الصيرفي الأزدي، أبو جعفر الأزرق، روى عن الإمامين أبي الحسن موسى
والرضا (عليهما السلام)، له كتاب ومسائل (2).
[129] محمد بن القاسم بن الفضيل:
ابن يسار النهدي، ثقة هو وأبوه وعمه العلاء وجده الفضيل، روى عن
الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (3).
[130] مرزبان بن عمران:
ابن عبد الله بن سعد الأشعري القمي. روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله
كتاب. وقال له الرضا (عليه السلام): اسمك مكتوب عندنا (4).



(1) الخلاصة: 139 / 13، رجال ابن داود: 181 / 1479.
(2) رجال النجاشي: 367 / 995، رجال ابن داود: 181 / 1481.
(3) رجال النجاشي: 362 / 973، الخلاصة: 159 / 127، الفهرست: 182 / 1484.
(4) رجال النجاشي: 423 / 1134، رجال ابن داود: 187 / 1545.
488
[131] معاوية بن حكيم:
ابن معاوية بن عمار الدهني، ثقة، جليل، في أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام).
قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت شيوخنا يقولون: روى معاوية
ابن حكيم أربعة وعشرين أصلا لم يرو غيرها. وله كتب، منها: كتاب الطلاق،
وكتاب الحيض، وكتاب الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الحدود، وكتاب
الديات، وله نوادر.
وقال الكشي: إنه فطحي، وهو عدل عالم (1).
[132] معاوية بن سعيد:
له مسائل عن الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[133] معمر بن خلاد بن أبي خلاد:
أبو خلاد، بغدادي، ثقة، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب الزهد (3).
[134] معن بن خالد:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتاب، ثقة (4).



(1) رجال النجاشي: 412 / 1098، الخلاصة: 167 / 3، رجال ابن داود: 191 / 1585.
(2) رجال النجاشي: 410 / 1904، رجال ابن داود: 191 / 1586.
(3) رجال النجاشي: 421 / 1128، الخلاصة: 169 / 1، رجال ابن داود: 190 / 1581.
(4) الخلاصة: 170 / 8، رجال ابن داود: 191 / 1583.
489
[135] مقاتل بن مقاتل البلخي:
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (1).
[136] موسى بن سلمة:
كوفي، له كتاب عن الإمام الرضا (عليه السلام) (2).
[137] موسى بن القاسم بن معاوية:
ابن وهب، البجلي، أبو عبد الله، يلقب بالبجلي.
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، كوفي، ثقة ثقة، جليل، واضح الحديث،
حسن الطريقة.
له ثلاثون كتابا (3).
[138] نصر بن قابوس اللخمي القابوسي:
روى عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهم السلام)، وكان ذا منزلة
عندهم، وله كتاب (4).



(1) رجال النجاشي: 424 / 1139.
(2) رجال النجاشي: 409 / 1090، رجال ابن داود: 193 / 1616.
(3) الخلاصة: 165 / 1، رجال ابن داود: 194 / 1620.
(4) رجال النجاشي: 427 / 1146، الخلاصة: 175 / 1، رجال ابن داود: 196 / 1634.
490
[139] هارون بن عمر:
ابن عبد العزيز بن محمد، أبو موسى المجاشعي.
صحب الإمام الرضا (عليه السلام)، له كتب، منها: كتاب ما نزل في القرآن في
علي (عليه السلام) (1).
[140] هاشم بن إبراهيم العباسي:
الذي يقال له المشرقي، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وله كتاب يرويه
جماعة (2).
[141] الهيثم بن عبد الله الرماني:
كوفي، روى عن الإمامين موسى والرضا (عليهما السلام)، وله كتاب (3).
[142] وريزة بن محمد الغساني:
له كتاب عن الإمام الرضا (عليه السلام)، رواه سنة 190 (4).



(1) رجال النجاشي: 439 / 1182، رجال ابن داود: 199 / 1664.
(2) رجال النجاشي: 435 / 1168، رجال ابن داود: 199 / 1667.
(3) رجال النجاشي: 436 / 1172، رجال ابن داود: 201 / 1683.
(4) رجال النجاشي: 432 / 1163، رجال ابن داود: 197 / 1649.
491
[143] ياسر خادم الرضا (عليه السلام):
وهو مولى حمزة بن اليسع، له مسائل عن الإمام الرضا (عليه السلام) (1).
[144] يحيى بن الحسن:
ابن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، أبو الحسين، العالم الفاضل الصدوق، روى عن الإمام
الرضا (عليه السلام)، صنف كتبا، منها: كتاب نسب آل أبي طالب، وكتاب المسجد (2).
[145] يحيى بن زكريا بن شيبان:
أبو عبد الله، الكندي، العلاف، الشيخ الثقة الصدوق، من أصحاب الإمام
الرضا (عليه السلام)، روى عن أبيه، وروى أبوه عن الحسين بن أبي العلاء، ومحمد بن
حمران، وكليب بن معاوية، وصفوان بن يحيى (3).
[146] يعقوب بن نعيم:
ابن قرقارة الكاتب، أبو يوسف، كان جليلا في أصحابنا، ثقة في الحديث،



(1) رجال النجاشي: 453 / 1228، الفهرست: 183 / 797، رجال ابن داود: 201 /
1688.
(2) رجال النجاشي: 441 / 1189، الخلاصة: 182 / 7، رجال ابن داود: 202 / 1697.
(3) رجال ابن داود: 203 / 1702.
492
روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وصنف كتابا في الإمامة (1).
[147] يعقوب بن يزيد:
ابن حماد الأنباري السلمي، أبو يوسف الكاتب، من كتاب المنتصر. قال
الكشي عن ابن مسعود، عن الحسن بن علي بن فضال، أنه كان كاتبا لأبي دلف
القاسم، وكان يعقوب من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، وروى يعقوب عن
أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقا (2).
[148] يعقوب بن يقطين:
من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، ثقة (3).
[149] يونس بن عبد الرحمن:
مولى علي بن يقطين بن موسى، مولى بني أسد، أبو محمد، كان وجها في
أصحابنا، متقدما، عظيم المنزلة، ولد في أيام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن
محمد (عليه السلام) بين الصفا والمروة ولم يرو عنه، وروى عن الإمامين أبي الحسن موسى
والرضا (عليهما السلام)، وكان الرضا (عليه السلام) يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممن بذل له على
الوقف مال جزيل وامتنع من أخذه، وثبت على الحق.



(1) رجال النجاشي: 449 / 1213، الخلاصة: 186 / 4، رجال ابن داود: 206 / 1733.
(2) الخلاصة: 186 / 1.
(3) رجال ابن داود: 206 / 1736.
493
روى النجاشي عن أبي عمر والكشي بإسناده عن عبد العزيز بن المهتدي،
وكان وكيل الإمام الرضا (عليه السلام) وخاصته، فقال: إني سألته فقلت: إني لا أقدر على
لقائك في كل وقت، فعمن آخذ معالم ديني؟ فقال: خذ عن يونس بن عبد الرحمن؛
وهذه منزلة عظيمة.
وروى عن الشيخ المفيد بإسناده عن داود بن القاسم الجعفري، قال: عرضت
على أبي محمد صاحب العسكر (عليه السلام) كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من
هذا؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه الله بكل حرف نورا يوم
القيامة، وكانت له تصانيف كثيرة.
وفي حديث صحيح عن علي بن محمد القتيبي، عن الفضل بن شاذان، عن
محمد بن الحسن الواسطي وجعفر بن عيسى ومحمد بن يونس: أن الإمام الرضا (عليه السلام)
ضمن ليونس الجنة ثلاث مرات.
ومات يونس بن عبد الرحمن سنة 208 رحمه الله وقدس روحه (1).
[150] يونس بن يعقوب بن قيس:
أبو علي الجلاب البجلي الدهني، أمه منية بنت عمار بن أبي معاوية الدهني،
أخت معاوية بن عمار، اختص بالإمامين أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان
يتوكل لأبي الحسن (عليه السلام)، ومات بالمدينة في أيام الرضا (عليه السلام)، فتولى أمره، وكان
حظيا عندهم، موثقا، وكان قد قال بعبد الله ورجع، وله كتاب الحج (2).



(1) رجال النجاشي: 446 / 1208، الخلاصة: 184 / 1، رجال ابن داود: 207 / 1743.
(2) رجال النجاشي: 446 / 1207.
494
الفصل الخامس عشر
نصه على الإمام من بعده (عليه السلام)
كان الإمام بعد الرضا (عليه السلام) ابنه محمد بن علي الجواد (عليه السلام) بالنص عليه
والإشارة من أبيه إليه، وتكامل الفضل فيه.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): فممن روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه
أبي جعفر (عليهما السلام) بالإمامة: علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وصفوان بن يحيى،
ومعمر بن خلاد، والحسين بن يسار، وابن أبي نصر البزنطي، وابن قياما الواسطي،
والحسن بن الجهم، وأبو يحيى الصنعاني، والخيراني، ويحيى بن حبيب الزيات، في
جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب (1).
وفيما يلي نورد النص على الإمام الجواد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام):
1 - عن زكريا بن يحيى النعمان، قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدث
الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال في حديثه: لقد نصر الله أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) لما بغى عليه إخوته وعمومته - وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى
قوله -: فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، وقلت له: أشهد



(1) الإرشاد 2: 274.
495
أنك إمام عند الله، فبكى الرضا (عليه السلام) ثم قال: " يا عم، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد
الشريد، الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة، فيقال: مات أو هلك، أي واد سلك؟
فقلت: صدقت، جعلت فداك (1).
2 - وعن صفوان بن يحيى، قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنا نسألك قبل أن
يهب الله لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب الله لي غلاما. فقد وهبه الله لك وقر عيوننا
به، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون، فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر الجواد
وهو قائم بين يديه.
فقلت: جعلت فداك، وهذا ابن ثلاث سنين!
قال (عليه السلام): وما يضر من ذلك! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث
سنين (2).
3 - وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئا، فقال:
ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني. وقال: إنا
أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة (3).



(1) الكافي 1: 259 / 14، الإرشاد 2: 275، بحار الأنوار 50: 21 / 7.
(2) الكافي 1: 258 / 10، إثبات الوصية: 185، الإرشاد 2: 276، كفاية الأثر: 279، بحار
الأنوار 50: 21 / 8.
(3) الكافي 1: 256 / 2، الإرشاد 2: 276، بحار الأنوار 50: 21 / 9. وقوله: " القذة
بالقذة " يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان.
496
4 - وعن الحسين بن يسار، قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
كتابا يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد! فأجابه أبو الحسن (عليه السلام):
وما علمك أنه لا يكون لي ولد، والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا
يفرق بين الحق والباطل (1).
5 - وعن ابن أبي نصر البزنطي، قال: قال لي ابن النجاشي: من الإمام بعد
صاحبك؟ فأحب أن تسأله حتى أعلم. فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته، قال:
فقال لي: " الإمام ابني " وليس له ولد، ثم قال: هل يجترئ أحد أن يقول: ابني،
وليس له ولد؟! ولم يكن ولد أبو جعفر (عليه السلام)، فلم تمض الأيام حتى ولد (صلى الله
عليه) (2).
6 - وعن ابن قياما الواسطي - وكان واقفا - قال: دخلت على علي بن
موسى، فقلت له: أيكون إمامان؟ قال: لا، إلا أن يكون أحدهما صامتا. فقلت له:
هو ذا أنت، ليس لك صامت؟ فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق
وأهله، ويمحق به الباطل وأهله. ولم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو جعفر (عليه السلام)
بعد سنة (3).



(1) الكافي 1: 257 / 4، رجال الكشي: 553 / 1044، بحار الأنوار 50: 22 / 10،
الإرشاد 2: 277.
(2) الكافي 1: 257 / 5، الإرشاد 2: 277، بحار الأنوار 50: 22 / 11.
(3) الكافي 1: 257 / 7، و 288 / 11، الإرشاد 2: 278، بحار الأنوار 50: 22 / 2.
497
7 - وعن الحسن بن الجهم، قال: كنت مع أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جالسا،
فدعا بابنه وهو صغير، فأجلسه في حجري، وقال لي: جرده، انزع قميصه. فنزعته.
فقال لي: أنظر بين كتفيه. فنظرت، فإذا في إحدى كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم، ثم
قال لي: أترى هذا؟ مثله في هذا الموضع كان من أبي (عليه السلام) (1).
8 - وعن أبي يحيى الصنعاني، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام)، فجيء بابنه
أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا
بركة منه (2).
9 - وعن الخيراني، عن أبيه، قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) بخراسان. فقال قائل: يا سيدي، إن كان كون، فإلى من؟ قال: إلى
أبي جعفر ابني. فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر (عليه السلام). فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن
الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من
السن الذي فيه أبو جعفر (3).



(1) الكافي 1: 257 / 8، الإرشاد 2: 278، بحار الأنوار 50: 23 / 13.
(2) الكافي 1: 258 / 9، إثبات الوصية: 184، الإرشاد 2: 279، بحار الأنوار 50: 23 /
14.
(3) الكافي 1: 258 / 13، إثبات الوصية: 186، الإرشاد 2: 279، بحار الأنوار 50: 23 /
15.
498
10 - وعن يحيى بن حبيب الزيات، قال: أخبرني من كان عند أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) جالسا، فلما نهض القوم قال لهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام): القوا
أبا جعفر فسلموا عليه، وأجدوا به عهدا. فلما نهض القوم التفت إلي فقال: يرحم
الله المفضل، إنه كان ليقنع بدون هذا (1).
11 - وعن زكريا بن آدم، قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام)
له، وسنه أقل من أربع، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء وهو يفكر،
فقال له الرضا (عليه السلام): بنفسي أنت لم طال تفكيرك؟ فقال: فيما صنع بأمي فاطمة...
إلى أن قال: فاستدناه وقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت وأمي، أنت لها - يعني
الإمامة - (2).
12 - وعن دعبل بن علي الخزاعي، قال: أنشدت مولاي علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) قصيدتي - إلى أن قال -: فقال (عليه السلام): يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني،
وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر -
الحديث (3).



(1) الكافي 1: 256 / 1، رجال الكشي: 620 / 593، الإرشاد 2: 280، بحار الأنوار 50:
24 / 16.
(2) العوالم 23: 78 / 22، بحار الأنوار 50: 59 / 34 (ضمن الحديث)، كلاهما عن دلائل
الإمامة: 212.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 265، كفاية الأثر: 271.
499
13 - وعن معمر بن خلاد، قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول
للرضا (عليه السلام): إن ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو
له، فإنه مولاك. فقال: هو مولى أبي جعفر، فابعث به غدا إليه (1).
14 - وعن جعفر بن محمد النوفلي، قال: أتيت الرضا (عليه السلام) وهو بقنطرة
أربق (2)، فسلمت عليه، ثم جلست، وقلت: جعلت فداك، إن أناسا يزعمون أن
أباك حي! فقال: كذبوا لعنهم الله، لو كان حيا ما قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه،
ولكنه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: قلت له: ما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فإني
ذاهب في وجه لا أرجع (3).
15 - وعن محمد بن عيسى، قال: أخبرني مسافر مولى أبي الحسن (عليه السلام)،
قال: أمرني أبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، فقال: الحق بأبي جعفر فإنه صاحبك (4).
16 - وعن محمد بن أبي عباد - وكان يكتب للرضا (عليه السلام)، ضمه إليه الفضل بن
سهل - قال: ما كان (عليه السلام) يذكر محمدا ابنه (عليه السلام) إلا بكنيته، يقول: كتب إلي
أبو جعفر، وكنت أكتب إلى أبي جعفر؛ وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد



(1) بحار الأنوار 50: 36 / 13، العوالم 23: 76 / 18، وكلاهما عن الكافي 1: 321 / 11.
(2) أربق: من نواحي رامهرمز من خوزستان.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 216 / 16، بحار الأنوار 48: 260 / 12.
(4) رجال الكشي: 506 / 972، بحار الأنوار 50: 34 / 18.
500
كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة والحسن. فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي
وخليفتي في أهلي من بعدي (1).
17 - وعن إبراهيم بن أبي محمود، قال: كنت واقفا عند رأس أبي الحسن علي
ابن موسى (عليه السلام) بطوس، فقال له بعض من كان عنده: إن حدث حدث فإلى من؟
قال: إلى ابني محمد، وكأن السائل استصغر سن أبي جعفر. فقال له أبو الحسن علي
ابن موسى (عليه السلام): إن الله بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) نبيا ثابتا بإقامة شريعته في دون
السن الذي أقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته (2).
18 - وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) أنا
وصفوان بن يحيى، وأبو جعفر (عليه السلام) قائم، وقد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا
الله فداك، إن حدث حدث، فمن يكون بعدك؟ قال: ابني هذا، وأومأ إليه. قال:
فقلنا له: وهو في هذا السن؟! قال: نعم، وهو في هذا السن، إن الله تبارك وتعالى
احتج بعيسى بن مريم (عليه السلام) وهو ابن سنتين (3).
19 - وعن ابن قياما، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقد ولد له
أبو جعفر (عليه السلام)، فقال: إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود (4).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 240 / 1، بحار الأنوار 50: 18 / 2.
(2) كفاية الأثر: 273، بحار الأنوار 50: 34 / 20، حلية الأبرار 2: 432.
(3) كفاية الأثر: 275، بحار الأنوار 50: 35 / 23، حلية الأبرار 2: 434.
(4) بصائر الدرجات: 138 / 14، بحار الأنوار 50: 18 / 3.
501
20 - وعن كلثم بن عمران، قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت تحب الصبيان،
فادع الله أن يرزقك ولدا. فقال (عليه السلام): إنما أرزق ولدا واحدا وهو يرثني.
فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلما طال ذلك
علي عدة ليال، قلت: جعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا، فكل هذا
تعوذه! فقال: ويحك! ليس هذا عوذة، إنما أغره بالعلم غرا. وكان مولده ومنشأه
على صفة مواليد آبائه (عليهم السلام) (1).
21 - وعن صفوان بن يحيى، وعبد الرحمن بن أبي نجران، قالا: حدثنا
الحسين بن قياما - وكان من رؤساء الواقفة - فسألنا أن نستأذن له على الرضا (عليه السلام)
ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟ قال: نعم. قال: إني أشهد الله أنك
لست بإمام! قال: فنكت (عليه السلام) في الأرض طويلا منكس الرأس، ثم رفع رأسه إليه،
فقال له: ما علمك أني لست بإمام؟ قال له: إنا قد روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن
الإمام لا يكون عقيما، وأنت قد بلغت السن، وليس لك ولد!
قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى، ثم رفع رأسه، فقال: إني أشهد الله
أنه لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا مني.
قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب
الله له أبا جعفر (عليه السلام) في أقل من سنة... الحديث (2).
إلى هنا أوردنا هذه الأحاديث لإثبات نصه (عليه السلام) على الإمام من بعده.



(1) إثبات الوصية: 210، العوالم 23: 68 / 10.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 209 / 13، إعلام الورى: 323، بحار الأنوار 49: 34 / 13.
502
الفصل السادس عشر
شهادته (عليه السلام)
لا يمكن للمأمون أن يصل بغداد وفي صحبته الإمام الرضا (عليه السلام) أو الفضل بن
سهل، لأن ذلك سيثير رياح الفتن التي لا ينجو منها شخص المأمون، ولا يستطيع
الصمود أمامها، دليل ذلك أن العباسيين أجابوا المأمون بأغلظ جواب، وعلى تعبير
بعض المؤرخين: بأغلظ ما يكتب إلى أحد. هذا وهو يعلمهم بموت الرضا، وأنهم
إنما نقموا عليه لبيعته إياه، فطالبهم بالدخول في طاعته والتسليم لسلطته، لذهاب
أسباب النقمة والشغب على المأمون من قبل العباسيين، فكيف سيكون جوابهم
لو أخبرهم أنه قادم عليهم بصحبة الرضا (عليه السلام)؟ بلا ريب سيكون السيف والحرب
التي لا مناص منها، والتي قد يكون المأمون من ضحاياها.
إذن، لا بد للمأمون أن يتخلص من الأمام (عليه السلام) بعد أن قتل الفضل بن سهل،
وعليه أن يتبع أسلوبا يلفه الغموض والإبهام في تصفية الإمام (عليه السلام) ليبقى بعيدا عن
مدار الشكوك والشبهات، لأن قتله عيانا سيثير مشاعر المسلمين سيما الشيعة
والعلويين، وهو أشد ما يتحاشاه المأمون، فعندئذ سيعطي الشيعة والعلويين الحق في
الخروج على حكمه، وسيخسر عند ذلك كل ما كان يتصور أنه قد ربحه في صفقة
ولاية العهد.

503
والخبر الذي نقلناه في مقتل الفضل بن سهل يشير بأصابع الاتهام إلى المأمون
في تدبيره قتل الإمام (عليه السلام) والفضل في آن واحد في حمام سرخس، وذلك ضمن
مخطط أعده مسبقا ينفذه بعض أذنابه الذين قالوا له: أنت أمرتنا بقتل الفضل، ومع
ذلك ضرب أعناقهم، ولقد نجا الإمام (عليه السلام) من شباك هذا المخطط بفضل الرؤيا التي
رآها، ورغم امتناع الإمام عن دخول الحمام، فإن المأمون أصر على ذلك، وأعاد
عليه الرقعة مرتين، لكن الإمام أصدر أمرا قاطعا في الرفض، ونهى المأمون
والفضل عن دخول الحمام ذلك اليوم في جوابه لرقعة المأمون، ولعله أراد بذلك أن
يدفع المكيدة عن الفضل أيضا، إلا أن المأمون امتنع عن تحذير الفضل من ذلك
قائلا: أما الفضل فهو أعلم وما يفعله.
إذن يبقى الفصل الأخير من مخطط المأمون، وهو قتل الإمام (عليه السلام)، فجعل
المأمون يدبر المكيدة ويعمل الحيلة، ويحكم المخطط في هذا السبيل، وذلك تحاشيا من
توجه أصابع الاتهام إليه، كما حدث في اغتيال الفضل بن سهل، ورغم ذلك فإنه لم
يستطع إخفاء جريمته، فظهرت ملامحها واضحة من خلال مواقفه الشاخصة في
التأريخ ضد معارضيه الذين يتودد لهم ومن ثم يقتلهم بطريقة غامضة، ومن خلال
فلتات لسانه وطويات نفسه، وذكر كذلك فريق من المؤرخين المنصفين بأنه (عليه السلام)
مات مسموما على يد المأمون، كل ذلك يشير من بعيد أو قريب إلى عدم براءة
المأمون من دم الرضا (عليه السلام).
في سبب الوفاة:
ذكرنا أن المأمون كان يحكم الخطط لأجل التضليل على الناس وإبعاد الشبهة
عن نفسه، وكان نتيجة ذلك أن وقع بعض المؤرخين في تخبط واضح خلال سرد

504
أسباب وفاة الإمام (عليه السلام) وكيفيتها، فقال بعض المؤرخين: إنه مات مسموما بسم
دسه له المأمون أو بعض مساعديه في شراب الرمان.
وقيل: في عنب قدمه له، وكان قد أدخل فيه السم بطريقة لا يعرفها أحد.
وقيل: مات حتف أنفه، وذلك على أثر حمى أصابته، فاعتل منها ثلاثة أيام،
وكانت نهايته بسببها.
وقالوا أيضا: مات فجأة، وقالوا: أكل عنبا فأكثر منه، لكن القائلين بأنه
مضى شهيدا بالسم - كما هو ليس ببعيد - هم أكثر محدثي الشيعة وجماعة غيرهم من
محدثي أهل السنة ومؤرخيهم.
وفيما يلي سنورد بعض هذه الأقوال:
1 - قال المسعودي في (مروج الذهب): وقبض علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
بطوس لعنب أكله وأكثر منه.
وقيل: إنه كان مسموما (1).
2 - وقال ابن خلكان: توفي بمدينة طوس، وصلى عليه المأمون، ودفنه
ملاصق قبر أبيه الرشيد، وكان سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه.
وقيل: بل كان مسموما، فاعتل منه ومات (2).
3 - وقال الطبري: وفي سنة 203 شخص المأمون من سرخس حتى صار إلى



(1) مروج الذهب 3: 441.
(2) وفيات الأعيان 3: 270.
505
طوس، فلما صار بها أقام عند قبر أبيه أياما، ثم إن علي بن موسى الرضا أكل عنبا
وأكثر منه فمات فجأة، وذلك في آخر صفر، فأمر به المأمون ودفن عند الرشيد.
وكتب في شهر ربيع الأول إلى الحسن بن سهل يعلمه أن علي بن موسى بن جعفر
مات، ويعلمه ما دخل عليه من الغم والمصيبة بموته.
وكتب إلى بني العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم موت علي بن موسى،
وأنهم إنما نقموا بيعته له من بعده، ويسألهم الدخول في طاعته، فكتبوا إليه وإلى
الحسن جواب الكتاب بأغلظ ما يكتب به إلى أحد (1).
4 - وقال ابن الأثير: في سنة ثلاث ومائتين مات علي بن موسى
الرضا (عليه السلام)، وكان سبب موته أنه أكل عنبا فأكثر منه، فمات فجأة، وذلك في آخر
صفر، وكان موته بمدينة طوس، فصلى المأمون عليه، ودفنه عند قبر أبيه الرشيد،
وكان المأمون لما قدمها قد أقام عند قبر أبيه.
وقيل: إن المأمون سمه في عنب، وكان علي يحب العنب، وهذا عندي بعيد (2).
5 - وقال اليافعي: توفي علي الرضا بمدينة طوس، وصلى عليه المأمون،
ودفنه ملتصق قبر أبيه الرشيد، وكان سبب موته على ما حكوا أنه أكل عنبا فأكثر
منه، وقيل: بل مات مسموما (3).



(1) تأريخ الطبري 8: 568.
(2) الكامل في التأريخ 6: 351.
(3) مرآة الجنان 2: 10.
506
6 - وقال ابن الوردي: وفي سنة ثلاث ومائتين مات علي الرضا (عليه السلام) فجأة
بطوس، وصلى عليه المأمون، ودفنه عند الرشيد (1).
وهكذا تنطلي على المؤرخين لعبة المأمون، فأخذوا يكررون قول الطبري،
بأن الإمام (عليه السلام) أكل عنبا وأكثر منه فمات فجأة، وإلى الحد الذي يضعف بعضهم
القول الآخر الذي ذكروه وهو أنه مات (عليه السلام) مسموما، وما ندري هل في العنب
مادة لا نعرفها تقتل الإنسان إذا أكثر منه؟!
بل هل ذهب عن هؤلاء أن الإمام (عليه السلام) وآباءه يهتدون بهدي جدهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الاقتصاد بالمطعم والمشرب، بل وفي كل سننه ومكارم أخلاقه
وسيرته المباركة، وهم في هذا وغيره قدوة للعالمين، وأسوة للمسلمين، مثلهم الرائع
في مجال الطعام والشراب: " نحن أهل بيت لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع ".
وقد تقدم في سيرة الرضا (عليه السلام) ومكارم أخلاقه أنه (عليه السلام) كان على حد كبير
من الاقتصاد في المطعم والمشرب، وتقدم أيضا في ذكر مسيره (عليه السلام) إلى سناباد
الحديث المروي عن عبد السلام بن صالح الهروي، أنه قال: لما دخل الرضا (عليه السلام)
سناباد استند إلى الجبل الذي تنحت منه القدور، فقال: اللهم انفع به، وبارك
فيما يجعل فيه، وفيما ينحت منه، ثم أمر (عليه السلام) فنحت له قدور من الجبل، وقال:
لا يطبخ ما آكله إلا فيها، وكان خفيف الأكل قليل المطعم، فاهتدى الناس إليه من
ذلك اليوم، وظهرت بركة دعائه (عليه السلام) فيه (2).



(1) تأريخ ابن الوردي 1: 290.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 136 / 1، بحار الأنوار 49: 125 / 1، العوالم 22: 241 / 1.
507
وهل ذهب عن هؤلاء المؤرخين أن الرضا (عليه السلام) هو مؤلف الرسالة الذهبية في
الطب، والتي ألفها بطلب من المأمون، وفيها أمثلة رائعة في مسألة الإقلال من الطعام
والاقتصاد بالأكل والشرب، ومنها قوله (عليه السلام): " ومن أخذ الطعام زيادة لم يفده،
ومن أخذ بقدر لا زيادة عليه ولا نقص، غذاه ونفعه... وارفع يدك من الطعام
وبك إليه بعض القرم، فإنه أصح لبدنك، وأذكى لعقلك، وأخف على نفسك " (1).
وحاشا الإمام (عليه السلام) أن يأمر الناس بما لم يفعله هو، فيأكل بإفراط إلى حد الموت.
أسباب أخرى:
وذكر البعض أسبابا أخرى في وفاة الإمام (عليه السلام) قد تكون أقرب إلى الواقع،
لأنها تنسجم مع معطيات تلك المرحلة والظروف السياسية المحيطة برأس السلطة
العباسية.
1 - قال الخزرجي: مات (عليه السلام) مسموما بطوس سنة 203 ه‍ (2).
2 - وقال ابن الساعي في (مختصر أخبار الخلفاء): قضى مسموما، ثم دفن في
قرية يقال لها سناباد بأرض طوس (3).
3 - قال السمعاني: مات علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس يوم السبت آخر



(1) أنظر الرسالة الذهبية، وقد تقدمت في طبه (عليه السلام).
(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2: 257 / 5054.
(3) تأريخ الأحمدي: 348.
508
يوم من سنة 203 ه‍، وقد سم في ماء الرمان وأسقي (1).
4 - وقال ابن الطقطقي: ومات علي بن موسى من أكل عنب، فقيل: إن
المأمون لما رأى إنكار الناس ببغداد لما فعله من نقل الخلافة إلى بني علي (عليه السلام)،
وإنهم نسبوا ذلك إلى الفضل بن سهل، ورأى الفتنة قائمة، دس جماعة على الفضل بن
سهل فقتلوه في الحمام، ثم أخذهم وقدمهم ليضرب أعناقهم، قالوا له: أنت أمرتنا
بذلك ثم تقتلنا! فقال: أنا أقتلكم بإقراركم، وأما ما ادعيتموه علي من أني أمرتكم
بذلك، فدعوى ليس لها بينة، ثم ضرب أعناقهم، وحمل رؤوسهم إلى الحسن بن
سهل، وكتب يعزيه، ويوليه مكانه.
ثم دس إلى علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سما في عنب، وكان يحب العنب، فأكل
منه فمات من ساعته.
ثم كتب المأمون إلى بني العباس ببغداد يقول لهم: إن الذي أنكرتموه من أمر
علي بن موسى قد زال، وإن الرجل مات (2).
5 - وقال جرجي زيدان: وفكر في بيعته علي الرضا، فأعظم أن يرجع عنها،
وخاف إذا رجع أن يثور عليه أهل خراسان فيقتلوه، فعمد إلى سياسة الفتك، فدس
إليه من أطعمه عنبا مسموما فمات (3).



(1) الأنساب 3: 74.
(2) الفخري في الآداب السلطانية: 218.
(3) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 423، عن تأريخ التمدن الإسلامي، المجلد الثاني - الجزء
الرابع: 440.
509
6 - وقال أبو بكر الخوارزمي في رسالته: وسم علي بن موسى الرضا بيد
المأمون (1).
7 - وقال الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 ه‍ في (الثقات): ومات علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته، وذلك في
يوم السبت آخر يوم سنة 203 ه‍ (2).
8 - وقال أحمد شلبي في (التأريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية): إن ثورة
بغداد قد أرغمت المأمون على التخلص من الرضا وخلع الخضرة (3).
9 - وقال أبو الفرج الإصفهاني: وكان المأمون عقد له على العهد من بعده، ثم
دس إليه - فيما ذكر - بعد ذلك سما، فمات منه (4).
10 - وقال المسعودي في (التنبيه والاشراف): وسار المأمون عن مرو يريد



(1) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 423.
(2) الثقات 8: 456 - 457.
(3) الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 423، عن التأريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 3:
107.
(4) مقاتل الطالبيين: 375.
510
بغداد، ومعه علي بن موسى الرضا (عليه السلام)... إلى أن قال: فقتل الرضا (عليه السلام) في
طوس (1).
11 - وروى ابن حجر عن الحاكم في (تأريخ نيسابور) أنه قال: استشهد
علي بن موسى الرضا بسناآباد، ونقل عن ابن حبان أنه (عليه السلام) قد سم في ماء الرمان
وسقي (2).
12 - وقال الشيخ الصدوق: ذكر أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه
الذي صنفه في أخبار خراسان: أن المأمون لما ندم من ولاية عهد الرضا (عليه السلام)
بإشارة الفضل بن سهل، خرج من مرو منصرفا إلى العراق، واحتال على الفضل بن
سهل حتى قتله غالب خال المأمون في حمام بسرخس مغافصة في شعبان سنة
203 ه‍، واحتال على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حتى سم في علة كانت أصابته
فمات، وأمر بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبر هارون الرشيد (3).
وروى الشيخ الصدوق عن عتاب بن أسيد، قال: سمعت جماعة من أهل
المدينة يقولون... إلى أن قال: فأخذ المأمون له البيعة على الناس الخاص منهم
والعام، فكان متى ما ظهر للمأمون من الرضا (عليه السلام) فضل وعلم وحسن تدبير،



(1) التنبيه والاشراف: 303.
(2) تهذيب التهذيب 7: 388.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 165 / 28، بحار الأنوار 49: 143 / 19، العوالم 22: 279 /
2.
511
حسده على ذلك وحقد عليه، حتى ضاق صدره منه، فغدر به، فقتله بالسم، ومضى
إلى رضوان الله تعالى وكرامته (1).
13 - وقال الطبرسي: مات بالسم في العنب في زمن المأمون، بطوس (2).
14 - وقال الكفعمي: توفي الرضا (عليه السلام) في سابع عشر شهر صفر يوم الثلاثاء
سنة 203، سمه المأمون في عنب (3).
15 - وقال العلامة المجلسي: اعلم أن أصحابنا والمخالفين اختلفوا أن
الرضا (عليه السلام) هل مات حتف أنفه، أو مضى شهيدا بالسم، وعلى الأخير هل سمه
المأمون أو غيره، والأشهر بيننا أنه (عليه السلام) مضى شهيدا بسم المأمون... إلى أن قال:
فالحق ما اختاره الصدوق والمفيد وغيرهما من أجلة أصحابنا أنه (عليه السلام) مضى شهيدا
بسم المأمون اللعين (4).
16 - قال السيد محسن الأمين: قد سمه المأمون في أثناء علته، والذي يقتضيه
ظاهر الحال أن المأمون لما رأى اختلال أمر السلطنة عليه ببيعة أهل بغداد لإبراهيم



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 18 / 1، العوالم 22: 215 / 1.
(2) بحار الأنوار 49: 293 / 7.
(3) مصباح الكفعمي: 523، بحار الأنوار 49: 293 / 4.
(4) بحار الأنوار 49: 311 - 313.
512
ابن المهدي، وكان سبب ذلك بيعته للرضا بولاية العهد، كان الناس ينسبون ذلك إلى
الفضل بن سهل، وكان الفضل يخفي اضطراب المملكة عن المأمون خوفا من هذه
النسبة، ولأغراض أخر، سواء كانت النسبة صحيحة أو باطلة، فخاف المأمون
ذهاب الملك من يده، ورأى أنه لا يكف عنه سوء رأي الناقمين فيه إلا قتل الفضل
والرضا، فبعث إلى الفضل من قتله في حمام سرخس، ودس السم إلى الرضا (عليه السلام)
فقتله.
وسواء قلنا: إن بيعة المأمون للرضا كانت من أول أمرها على وجه الحيلة، كما
مر عن المجلسي، أو قلنا: إنها كانت عن حسن نية، لا يستبعد منه سم الرضا (عليه السلام)،
فإن النيات يطرأ عليها ما يغيرها من خوف ذهاب الملك الذي قتل الملوك أبناءهم
وإخوانهم لأجله.
والسبب الذي دعا المأمون إلى قتل الفضل، هو الذي دعاه إلى سم
الرضا (عليه السلام)، فقتله للفضل الذي لا شك فيه، يرفع الاستبعاد عن سمه الرضا (عليه السلام) بعد
ورود الروايات به، ونقل المؤرخين له، واشتهاره حتى ذكرته الشعراء (1).
17 - وعد محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 ه‍ في كتابه (المغتالون) علي
الرضا (عليه السلام) من المغتالين الأشراف (2).
هذا غيض من فيض أقوال المؤرخين والمحدثين التي تؤكد جميعا ما ذهبنا إليه



(1) أعيان الشيعة 2: 31.
(2) المغتالون من الأشراف في الجاهلية والإسلام: 201، مطبوع ضمن الجزء الثاني من نوادر
المخطوطات.
513
من أن يدي المأمون الآثمة كانت وراء استشهاد الرضا (عليه السلام)، ولو أردنا إيراد جميع
الأقوال في هذا المجال لاستغرق وقتا طويلا، لذا اكتفينا بهذا المختصر.
المأمون يعرب عما في نفسه:
1 - روى أبو الفرج الإصفهاني في (المقاتل) بالإسناد عن أبي الصلت
الهروي، أنه قال: دخل المأمون إلى الرضا (عليه السلام) يعوده، فوجده يجود بنفسه، فبكى
وقال: أعزز علي يا أخي بأن أعيش ليومك، فقد كان في بقائك أمل، وأغلظ علي
من ذلك وأشد أن الناس يقولون: إني سقيتك سما، وأنا إلى الله من ذلك بريء؛ ثم
خرج المأمون من عنده (1).
2 - وروى الصدوق عن (عيون الأخبار): أن المأمون قال للرضا (عليه السلام) وهو
يعالج الموت: والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي، فقدي لك وفراقي إياك، أو
تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك؟ (2)
وهكذا يصرح المأمون بفعلته النكراء، وعما يعتمل في دواخل نفسه،
والإمام (عليه السلام) لما يمت بعد.
تصريح عبد الله بن موسى:
ومن آل أبي طالب المعاصرين للإمام الرضا (عليه السلام) عبد الله بن موسى بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام)، ويبدو من ترجمته أنه كان زاهدا تقيا



(1) مقاتل الطالبيين: 380، بحار الأنوار 49: 309 / 19.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 241 - 242، بحار الأنوار 49: 299 / 9.
514
ورعا عالما، وقد صرح بأن المأمون قتل الرضا (عليه السلام) في مناسبات عديدة من خطابه
للمأمون، فعندما توارى عبد الله عن أنظار المأمون، كتب إليه المأمون يدعوه إلى
الظهور ليجعله مكانه، ويبايع له بعد وفاة الرضا (عليه السلام)، فأجابه عبد الله بن موسى
برسالة طويلة جاء فيها: فبأي شيء تغرني، ما فعلته بأبي الحسن (صلوات الله
عليه) بالعنب الذي أطعمته إياه فقتلته؟
وجاء فيها أيضا يخاطب المأمون: كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته
بالرضا (عليه السلام)، ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟! أفي الملك الذي غرتك
نضرته وحلاوته،... أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا (عليه السلام)؟ (1)
الشعراء يصرحون بقتل الإمام (عليه السلام):
1 - قال أبو فراس الحمداني في أبيات من قصيدته الشافية:
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بغضه من رشدهم وعموا
عصابة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا
لا بيعه ردعتهم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا رحم (2)
2 - وقال السوسي:
بأرض طوس نائي الأوطان * إذ غره المأمون بالأماني
حين سقاه السم في الرمان (3)



(1) مقاتل الطالبيين: 415 - 416.
(2) بحار الأنوار 49: 314.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 374.
515
3 - وقال القاضي التنوخي:
ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة * فآدت له شم الجبال الرواسب (1)
4 - وقال دعبل:
ألا أيها القبر الغريب محله * بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما أدري أمسقي شربة * فأبكيك أم ريب الردى فيهون
وأيهما ما قلت إن قلت شربة * وإن قلت موت إنه لقمين
فيا عجبا منهم يسمونك الرضا * ويلقاك منهم كلحة وغضون (2)
والبيت الثاني من القصيدة دليل على تيقن دعبل من قتل الإمام، وكذلك
مرثيته الرائية التي يقول فيها:
أرى أمية معذورين إن قتلوا * ولا أرى لبني العباس من عذر
لم يبق حي من الأحياء نعلمه * من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم * كما تشارك أيسار على جزر (3)
5 - ولعل أشجع بن عمرو السلمي يشير إلى اتهام المأمون بقتله، في قوله:
يا نازلا جدثا في غير منزله * ويا فريسة يوم غير مفروس



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 328.
(2) بحار الأنوار 49: 315 و 316، العوالم 22: 512 و 513.
(3) أمالي المفيد: 324 / 10، أمالي الطوسي 1: 98، بحار الأنوار 49: 324 / 5.
516
لبست ثوب البلى أعزز علي به * لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس (1)
التصريح ببعض القتلة:
1 - روى الشيخ الطوسي في (الغيبة) أن المأمون قال لمحمد بن عبد الله بن
الحسن الأفطس: ويلك يا محمد، أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن
علما! والله أن لو بقي لخرجت من هذا الأمر، ولأجلسته مجلسي، غير أنه عوجل،
فلعن الله عبيد الله وحمزة ابني الحسن، فإنهما قتلاه (2).
ولا شك أن هذين المذكورين إما من المنفذين للقتل، أو من مساعدي
المأمون في خططه، وإلا فكيف عرفهما المأمون، وهما من العباسيين. فعبيد الله بن
الحسن بن عبيد الله بن العباس، وحمزة أخوه.
2 - وقال اليعقوبي: توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد (عليه السلام) بقرية
يقال لها النوقان، أول سنة 203، ولم تكن علته غير ثلاثة أيام، فقيل: إن علي بن
هشام أطعمه رمانا فيه سم، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا (3).
وبلا ريب أن التظاهر بالجزع من قبل المأمون هو لدفع التهمة عن نفسه،
التهمة التي صرح بها هو قبل وفاة الإمام (عليه السلام) كما تقدم، وعلي بن هشام المذكور في
قول اليعقوبي هو أحد أعوان السلطة والمقربين من المأمون، وأحد القادة الذي



(1) العوالم 22: 525 و 526.
(2) الغيبة: 49، بحار الأنوار 49: 306 / 16.
(3) تأريخ اليعقوبي 3: 149.
517
يستعين بهم في الشدائد والملمات وملاحقة المعارضين، حيث استعان به في حروبه
مع أهل قم عندما طلبوا زيادة عطائهم وخرجوا عن طاعته، فاستولى على قم،
فولاه الجبل وقم وما والاها، وشدد عليهم في الضرائب والخراج، كما اعتمد عليه
المأمون في مواقف كثيرة عددها الطبري في تأريخه، وأخيرا قتله المأمون أبشع قتلة
بعد أن نفذ جميع أغراضه، وكان ابن هشام سيئ الخلق بشع التعامل، يستحوذ على
الأموال ويقتل الأبرياء، ويسئ إلى الرعية (1).
إخبار الأئمة (عليهم السلام) بقتل الرضا (عليه السلام):
1 - عن النعمان بن سعد، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم
موسى بن عمران... الحديث (2).
2 - وعن عبد الله بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، قال: سمعت
أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: يخرج رجل من ولد ابني موسى اسمه
اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أرض طوس - وهي بخراسان - يقتل فيها بالسم، فيدفن
فيها غريبا... الحديث (3).



(1) أنظر مجمل أحواله في تأريخ الطبري 8: 543 - 544، 566، 572، 574، 614، 622
و 626 - 627.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 258 / 17، بحار الأنوار 49: 286 / 11.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 255 / 3، بحار الأنوار 49: 286 / 10.
518
3 - وعن حمزة بن حمران، قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل أحد حفدتي بأرض خراسان، في مدينة يقال
لها: طوس...
وفي حديث آخر، قال: قال الصادق (عليه السلام): يقتل لهذا - وأومأ بيده إلى
موسى (عليه السلام) - ولد بطوس... (1).
4 - وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث - أنه
قال لرجل من أهل طوس:
سيخرج من صلبه - يعني موسى بن جعفر (عليه السلام) - رجل يكون رضى لله في
سمائه، ولعباده في أرضه، يقتل في أرضكم بالسم ظلما وعدوانا، ويدفن بها
غريبا (2).
5 - وعن سليمان بن حفص المروزي، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام) يقول: إن ابني علي مقتول بالسم ظلما، ومدفون إلى جنب هارون
بطوس (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 259 / 18، بحار الأنوار 102: 35 / 18 و 19، أمالي
الصدوق: 105 / 8.
(2) التهذيب 6: 108 / 7.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 260 / 23، بحار الأنوار 102: 38 / 32.
519
إخبار الرضا (عليه السلام) بشهادته:
1 - عن أبي الصلت الهروي - في حديث اقتراح الخلافة وولاية العهد من قبل
المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) - قال الرضا (عليه السلام): والله لقد حدثني أبي، عن آبائه، عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم
مظلوما، تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأدفن في أرض غربة إلى
جنب هارون الرشيد.
فبكى المأمون ثم قال له: يا بن رسول الله، ومن الذي يقتلك أو يقدر على
الإساءة إليك وأنا حي؟!
فقال الرضا (عليه السلام): أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت.
الحديث (1).
2 - وعن الحسن بن الجهم، قال: قلت له (عليه السلام): يا بن رسول الله، الحمد لله
الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك،
وقبوله لقولك.
فقال (عليه السلام): يا بن الجهم، لا يغرنك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني،
فإنه سيقتلني بالسم، وهو ظالم لي، أعرف ذلك بعهد معهود إلي من آبائي، عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حيا.



(1) علل الشرائع 2: 237 / 1، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 139 / 3، أمالي الصدوق: 65 /
3، بحار الأنوار 49: 128 / 3.
520
قال الحسن بن الجهم: فما حدثت أحدا بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا (عليه السلام)
بطوس مقتولا بالسم، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي، في القبة التي فيها قبر
هارون الرشيد، إلى جانبه (1).
3 - وعن أبي الصلت الهروي، عن الرضا (عليه السلام) - في حديث - قال: وما منا
إلا مقتول، وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود من
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أخبره به جبرئيل، عن رب العالمين (2).
4 - وعنه أيضا، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: والله ما منا إلا مقتول شهيد.
فقيل له: فمن يقتلك يا بن رسول الله؟ قال: شر خلق الله في زماني، يقتلني بالسم،
ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة (3).
5 - وعن ياسر الخادم، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا تشد
الرحال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا، ألا وإني مقتول بالسم ظلما، ومدفون في
موضع غربة... (4).
6 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إني



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 200 / 1، بحار الأنوار 49: 284 / 4.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 203 / 5، بحار الأنوار 49: 285 / 5.
(3) أمالي الصدوق: 61 / 8، بحار الأنوار 49: 283 / 2.
(4) الخصال 1: 143 / 167، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 254 / 1، بحار الأنوار 102.
521
سأقتل بالسم مظلوما... الحديث (1).
7 - وعن الحسن بن عباد - وكان كاتب الرضا (عليه السلام) - قال: دخلت عليه وقد
عزم المأمون بالمسير إلى بغداد، فقال: يا بن عباد، ما ندخل العراق ولا نراه. قال:
فبكيت وقلت: فآيستني أن آتي أهلي وولدي.
قال (عليه السلام): أما أنت فستدخلها، وإنما عنيت نفسي. الحديث (2).
8 - وعن علي بن محمد بن الجهم - في حديث - قال الرضا (عليه السلام): يا بن الجهم،
لا يغرنك ما سمعته منه، فإنه سيغتالني، والله ينتقم لي منه (3).
ممن أغتالهم المأمون:
ولم يكن الإمام الرضا (عليه السلام) الضحية الأولى ولا الأخيرة من ضحايا
اغتيالات المأمون وطرقه الغامضة في القضاء على مناوئيه، فممن عدهم أبو جعفر
محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 ه‍.
1 - الفضل بن سهل، وقد تقدم القول فيه.
2 - إسحاق بن موسى الهادي، وقصة إسحاق شبيهة إلى حد ما بقصة مقتل
الفضل، قال ابن حبيب: وقد كانت الحربية اشتملت عليه وأمرته، والمأمون



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 261 / 27، بحار الأنوار 102: 38 / 33.
(2) الخرائج والجرائح 1: 367 / 25، بحار الأنوار 49: 307 / 17.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 195، بحار الأنوار 49: 179 / 15.
522
بخراسان، حين خرج إبراهيم بن المهدي، فاستولى على الأمر، فدس إليه المأمون
ابنه وخادما له فقتلاه، ثم أقاد به ابنه، وقتل الخادم بالسياط، فانظر كيف قتل
القتلة.
3 - حميد بن عبد الحميد الطوسي، وهو ممن أغتالهم بأياديه وأعوانه، حيث
اغتاله بشربة سم بواسطة جبريل بن بختيشوع وعبد الله الطيفوري، جعلته يقوم
للمتوضأ مائتي مرة، ومكث مبطونا شهر رمضان كله حتى مات في ليلة الفطر سنة
210 ه‍.
4 - وممن أغتالهم أيضا عبد الله بن موسى الهادي حيث دس إليه المأمون سما
في دراج بواسطة خادم من خدمه (1).
في كيفية شهادته (عليه السلام) ودفنه:
1 - قال الشيخ المفيد وأبو الفرج الإصفهاني: كان سبب قتل المأمون
إياه (عليه السلام) أنه كان لا يحابي المأمون في حق، ويجيبه في أكثر أحواله بما يغيظ ويحقده
عليه، ولا يظهر ذلك له.
وكان الرضا (عليه السلام) يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله، ويقبح له
ما يرتكبه من خلافه، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهته واستثقاله.
ودخل الرضا (عليه السلام) يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده
الماء، فقال: لا تشرك - يا أمير المؤمنين - بعبادة ربك أحدا، فصرف المأمون
الغلام، وتولى تمام وضوئه بنفسه، وزاد ذلك في غيظه ووجده.



(1) المغتالون: 198 - 200، مطبوع ضمن الجزء الثاني من نوادر المخطوطات.
523
وكان (عليه السلام) يزري (1) على الحسن والفضل - ابني سهل - عند المأمون إذا
ذكرهما، ويصف له مساوئهما، وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما، وعرفا ذلك منه،
فجعلا يحطبان (2) عليه عند المأمون، ويذكران له عنه ما يبعده منه، ويخوفانه من
حمل الناس عليه، فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه، وعمل على قتله (عليه السلام)، فاتفق أنه
أكل هو والمأمون يوما طعاما، فاعتل منه الرضا (عليه السلام)، ولم يزل الرضا (عليه السلام) عليلا
حتى مات، وأظهر المأمون تمارضا (3).
ولا يخفى أن الأسباب الموجبة لقتل الإمام (عليه السلام) هي غير ما ذكر في هذا القول،
لأن من يتابع أحداث تلك الفترة من التأريخ، والأوضاع التي كانت تحيط بالمأمون
يدرك الأسباب الحقيقية وراء قتل الإمام (عليه السلام)، وقد ذكرنا ذلك مفصلا في فصل
موقف الإمام (عليه السلام) من السلطة.
2 - وذكر محمد بن علي بن حمزة، عن منصور بن بشير، عن أخيه عبد الله بن
بشير، قال: أمرني المأمون أن أطول أظفاري عن العادة، ولا أظهر لأحد ذلك



(1) الإزراء: التهاون.
(2) حطب عليه: جذب عليه شرا.
(3) الإرشاد 2: 269، ومقاتل الطالبيين: 566، وقال السيد محسن الأمين العاملي: كلام المفيد
يدل على أنه كان قد سمه في ذلك الطعام، فتمارض المأمون ليوهم الناس أن مرض الرضا (عليه السلام)
من الطعام الضار لا من السم، ولكن عبارة أبي الفرج تدل على أن الطعام لم يكن مسموما،
وإنما كان السم في غيره مما يؤتى، لكن المأمون أظهر أن المرض من أكل الطعام الضار، ولعل
ذلك أقرب إلى الصواب. أعيان الشيعة 2: 30.
524
ففعلت، ثم استدعاني فأخرج إلي شيئا شبه التمر الهندي، وقال لي: أعجن هذا
بيديك جميعا، ففعلت، ثم قام وتركني، فدخل على الرضا (عليه السلام) فقال له: ما خبرك؟
قال: أرجو أن أكون صالحا.
قال له: أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح. فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا
اليوم؟ قال: لا. فغضب المأمون، وصاح على غلمانه. ثم قال: خذ ماء الرمان
الساعة، فإنه مما لا يستغنى عنه، ثم دعاني فقال: ائتنا برمان، فأتيته به، فقال لي:
اعصره بيديك، ففعلت، وسقاه المأمون الرضا (عليه السلام) بيده، فكان ذلك سبب وفاته،
فلم يلبث إلا يومين حتى مات (عليه السلام).
وذكر عن أبي الصلت الهروي، أنه قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) وقد خرج
المأمون من عنده، فقال لي: يا أبا الصلت، قد فعلوها. وجعل يوحد الله ويمجده (1).
3 - وروي عن محمد بن الجهم، أنه قال: كان الرضا (عليه السلام) يعجبه العنب،
فأخذ له منه شيء، فجعل في موضع أقماعه الإبر أياما، ثم نزعت منه، وجئ به إليه
فأكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله، وذكر أن ذلك من لطيف السموم (2).
4 - وفي (تذكرة السبط) قيل: إنه (عليه السلام) دخل الحمام ثم خرج، فقدم إليه



(1) الإرشاد 2: 269 - 270، مقاتل الطالبيين: 566، بحار الأنوار 49: 308 / 18، إعلام
الورى: 339 - 340.
(2) الإرشاد 2: 270، مقاتل الطالبيين: 567، المناقب 4: 374، بحار الأنوار 49: 308،
إعلام الورى: 340.
525
طبق فيه عنب مسموم، قد أدخلت فيه الإبر المسمومة من غير أن يظهر أثرها،
فأكله فمات، وله خمس وخمسون سنة (1).
5 - وروى جماعة كثيرة من أصحابنا، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن
أبيه، عن أبي الصلت الهروي، قال: بينا أنا واقف بين يدي الرضا (عليه السلام) إذ قال لي:
يا أبا الصلت، ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون، فائتني بترابه من أربعة
جوانب. قال: فأتيته به. فقال: ناولني هذا التراب، وهو من عند الباب، فناولته
فأخذه وشمه، ثم رمى به، فقال: سيحفر لي ها هنا، فتظهر صخرة لو جمع عليها كل
معول بخراسان لم يتهيأ قلعها، ثم قال: في الذي عند الرجل مثل ذلك، وفي الذي عند
الرأس مثل ذلك، وأما هذا التراب فهو من تربتي.
ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلى
أسفل ذلك، وأن تشق لي ضريحا، فإن أبوا إلا أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللحد
ذراعين وشبرا، فإن الله عز وجل سيوسعه لي بما شاء، فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى
عند رأسي نداوة، فتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد،
فترى فيه حيتانا صغارا، ففتت لها الخبز الذي أعطيك، فإنها تلتقطه، فإذا لم يبق منه
شيء، خرجت حوتة كبيرة، فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء، ثم
تغيب، فإذا غابت فضع يدك على الماء، وتكلم بالكلام الذي أعلمك، فإنه ينضب
الماء، ولا يبقى منه شيء، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.
ثم قال: يا أبا الصلت، غدا أدخل إلى هذا الفاجر، فإن أنا خرجت، وأنا



(1) تذكرة الخواص: 355.
526
مكشوف الرأس، فتكلم أكلمك، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني. فلما
أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه ينتظر، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه
غلام المأمون فقال: أجب أمير المؤمنين؛ فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي، وأنا
أتبعه، حتى دخل على المأمون، وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة، وبيده
عنقود عنب قد أكل بعضه، فلما نظر إلى الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه، وقبل ما بين
عينيه، وأجلسه معه، وناوله العنقود، وقال: يا ابن رسول الله، ما رأيت عنبا
أحسن من هذا! فقال له الرضا (عليه السلام): ربما كان عنبا أحسن يكون من الجنة. فقال:
كل منه، فقال له الرضا (عليه السلام): تعفيني منه. فقال: لا بد من ذلك، وما يمنعك منه،
لعلك تتهمنا بشيء. فتناول العنقود، وأكل منه، ثم ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث
حبات، ثم رمى به وقام. فقال له المأمون: إلى أين؟ قال: إلى حيث وجهتني.
وخرج (عليه السلام) مغطى الرأس، فلم أكلمه حتى دخل الدار، وأمر أن يغلق الباب
فأغلق، ثم نام على فراشه، ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا، فبينا أنا
كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر (1)، أشبه الناس بالرضا (عليه السلام)،
فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت، والباب مغلق! فقال لي: الذي جاءني من
المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له: ومن أنت؟
فقال لي: أنا حجة الله عليك، يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي. ثم مضى نحو أبيه،
فدخل وأمرني بالدخول معه، فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه، وضمه
إلى صدره، وقبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحبا في فراشه، وأكب عليه، وبقي يتحدث
معه كثيرا، ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أبيض من



(1) الشعر القطط: المجعد القصير.
527
الثلج، فأقبل أبو جعفر يلحسه بلسانه، ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره، فاستخرج
منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر.
ومضى الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت، وائتني بالمغتسل والماء
من الخزانة. فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال لي: انته إلى ما أمرتك به.
فدخلت الخزانة، فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه.
ثم قال لي: يا أبا الصلت، إن معي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال لي:
ادخل الخزانة، فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه. فدخلت فإذا أنا بسفط
لم أره في تلك الخزانة قط، فحملته إليه، وكفنه وصلى عليه.
ثم قال: ائتني بالتابوت. فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتا. قال:
قم فإن في الخزانة تابوتا. فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به،
فأخذه فوضعه في التابوت بعد ما صلى عليه وصف قدميه، وصلى ركعتين لم يفرغ
منها حتى علا التابوت وانشق السقف، فخرج منه التابوت ومضى.
فقلت: يا ابن رسول الله، الساعة يجيئنا المأمون يطالبنا بالرضا، فما نصنع؟
فقال لي: اسكت، سيعود يا أبا الصلت، ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيه في
المغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما. فما استتم الحديث حتى انشق السقف
ونزل التابوت، فقام واستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت، ووضعه في فراشه، كأنه
لم يغسل ولم يكفن.
ثم قال: يا أبا الصلت، قم فافتح الباب للمأمون. ففتحت الباب فإذا المأمون
والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول:
يا سيداه، فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه، وقال: خذوا في
تجهيزه، وأمر بحفر القبر، فحفرت الموضع، فظهر كل شيء على ما وصفه الرضا (عليه السلام)
فقام بعض جلسائه، وقال: ألست تزعم أنه إمام؟ قلت: بلى. قال: لا يكون الإمام

528
إلا مقدم الناس، فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراق وأن
أشق له ضريحه.
فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد،
فلما رأى ما يظهر به من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل
الرضا (عليه السلام) يرينا العجائب في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا.
فقال وزير كان معه: أتدري ما أخبرك الرضا؟ قال: لا. قال: أخبركم أن
ملككم بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان، حتى إذا فنيت
آجالكم، وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم، سلط الله عليكم رجلا منا فأفناكم
عن آخركم، فقال له: صدقت.
ثم قال: يا أبا الصلت، علمني الكلام الذي علمك به.
قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي
فحبست سنة، فضاق علي الحبس، وسهرت ليلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت
فيه محمد وآله (صلوات الله عليهم)، وسألت الله تعالى بحقهم أن يفرج عني،
فلم أستتم الدعاء حتى دخل محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فقال لي: ضاق صدرك،
يا أبا الصلت؟ قلت: إي والله. قال: قم فأخرج، ثم مد بيده إلى القيود التي كانت
علي ففكها، وأخذ بيدي، وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمة يرونني،
فلم يستطيعوا أن يكلموني، وخرجت من باب الدار، ثم قال لي: امض في ودائع
الله، فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا. قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون
إلى هذا الوقت (1).



(1) إعلام الورى: 340 - 343، أمالي الصدوق: 526 / 7، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 242
/ 1، بحار الأنوار 49: 300 / 10، كشف الغمة 3: 120.
529
6 - وفي رواية هرثمة بن أعين، عن الرضا (عليه السلام)، في حديث طويل، أنه قال:
يا هرثمة، هذا أوان رجوعي إلى الله عز وجل، ولحوقي بجدي وآبائي، وقد بلغ
الكتاب أجله، فقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب وفي رمان مفروك، فأما
العنب فإنه يغمس المسلك في السم، ويجذبه بالخيط في العنب، وأما الرمان فإنه
يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده لتلطخ حبه في ذلك السم، وإنه
سيدعوني في اليوم المقبل، ويقرب إلي الرمان والعنب، ويسألني أكلها، ثم ينفذ
الحكم، ويحضر القضاء.
ثم ساق الحديث بطوله قريبا من حديث أبي الصلت الهروي، في معناه،
ويزيد عليه بأشياء (1).
7 - وروى أبو الفرج عن أبي الصلت، أنه لما مات الرضا (عليه السلام)، حضره
المأمون قبل أن يحفر قبره، وأمر أن يحفر إلى جانب أبيه، ثم أقبل علينا فقال:
حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر، فيظهر فيه ماء وسمك، احفروا فحفروا،
فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء، وظهر فيه سمك، ثم غاض الماء، فدفن فيه
الرضا (عليه السلام) (2).
قال الشيخ عباس القمي في تعليقه على حديث أبي الصلت الهروي: الذي



(1) إعلام الورى: 343، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 1، بحار الأنوار 49: 293 / 8،
كشف الغمة 3: 53 و 122.
(2) مقاتل الطالبيين: 380.
530
أفيض علي ببركة مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في ظهور السمك والماء في قبره
الشريف، لعل هو تنبيه المأمون بانتقام الله تعالى منه، بزوال ملكه، وحلول الغضب
عليه، وهلاكه بالسمك والماء، لاغتياله الرضا (عليه السلام).
قال الدميري في تعبير السمك: وربما دلت رؤيته على الغم والنكد، وزوال
المنصب، وحلول الغضب، لأن الله تعالى حرم على اليهود صيدها يوم السبت،
فخالفوا أمره واستوجبوا اللعن، انتهى.
أما مسألة حضور الإمام الجواد (عليه السلام) جنازة أبيه، فهو أمر منصوص عليه في
غير الأحاديث التي تفصل كيفية شهادة الرضا (عليه السلام)، وفي مواضع عدة، نذكر منها:
أولا: عن (دلائل الحميري) عن معمر بن خلاد، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
يا معمر، اركب. قلت: إلى أين؟ قال: اركب كما يقال لك. قال: فركبت فانتهيت
إلى واد أو وهدة. فقال لي: قف ها هنا. فوقفت فأتاني، فقلت له: جعلت فداك،
أين كنت. قال: دفنت أبي الساعة، وكان بخراسان (1).
ثانيا: وروى الشيخ الطبرسي في (إعلام الورى) عن أمية بن علي، أنه قال:
كنت بالمدينة، وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، وكان
أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه، فدعا يوما الجارية فقال: " قولي لهم
يتهيأون للمأتم "، فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل
مثل ذلك، فقالوا: مأتم من؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر
أبي الحسن (عليه السلام) بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (2).



(1) بحار الأنوار 49: 310 / 20، العوالم 22: 503 / 8.
(2) إعلام الورى: 334، بحار الأنوار 49: 310 / 21، العوالم 22: 503 / 9.
531
8 - وعن علي بن الحسين الكاتب، قال: إن الرضا (عليه السلام) حم، فعزم على
الفصد، فركب المأمون، وقد كان قال لغلام له: فت هذا بيدك - لشيء أخرجه من
برنية (1) - ففته في صينية، ثم قال: كن معي، ولا تغسل يدك.
وركب إلى الرضا (عليه السلام)، وجلس حتى فصد بين يديه. وقيل: بل أخر فصده.
وقال المأمون لذلك الغلام: هات من ذلك الرمان - وكان الرمان في شجرة في
بستان في دار الرضا (عليه السلام) - فقطفت منه. ثم قال: اجلس ففته، ففت منه في جام،
فأمر بغسله.
ثم قال للرضا (عليه السلام): مص منه شيئا. فقال: حتى يخرج أمير المؤمنين. فقال:
لا والله إلا بحضرتي، ولولا خوفي أن يرطب معدتي لمصصته معك، فمص منه ملاعق،
وخرج المأمون. فما صليت العصر حتى قام الرضا (عليه السلام) خمسين مجلسا.
فوجه إليه المأمون: قد علمت أن هذه إفاقة وفتار للفضل الذي في بدنك،
وزاد الأمر في الليل، فأصبح (عليه السلام) ميتا، فكان آخر ما تكلم به: (... قل لو كنتم في
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم...) (2)، (... وكان أمر الله قدرا
مقدورا) (3).
وبكر المأمون من الغد، فأمر بغسله وتكفينه، ومشى خلف جنازته حافيا
حاسرا، يقول: يا أخي، لقد ثلم الإسلام بموتك، وغلب القدر تقديري فيك (4).



(1) البرنية: وعاء من الخزف.
(2) آل عمران: 154.
(3) الأحزاب: 38.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 240 / 1، بحار الأنوار 49: 305 / 14، العوالم 22: 499 / 4.
532
9 - وروي في (بصائر الدرجات) بسند صحيح: أن الإمام الرضا (عليه السلام) قال:
أما إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة وهو يقول: يا علي، عندنا خير لك (1).
10 - روى ابن بابويه بسند حسن عن ياسر الخادم، أنه قال: لما كان بيننا
وبين طوس سبعة منازل، اعتل أبو الحسن (عليه السلام)، فدخلنا طوس وقد اشتدت به
العلة، فبقينا بطوس أياما، فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين.
فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه، كان ضعيفا في ذلك اليوم، فقال لي
بعدما صلى الظهر: يا ياسر، أكل الناس شيئا؟ قلت: يا سيدي، من يأكل ها هنا مع
ما أنت فيه؟ فانتصب (عليه السلام)، ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع من حشمه أحدا إلا
أقعده معه على المائدة، يتفقد واحدا واحدا، فلما أكلوا قال: ابعثوا إلى النساء
بالطعام.
فحمل الطعام إلى النساء، فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف،
فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات، ووقعت
الوجبة (2) بطوس، وجاء المأمون حافيا حاسرا، يضرب على رأسه، ويقبض على
لحيته، ويتأسف، ويبكي، وتسيل الدموع على خديه، فوقف على الرضا (عليه السلام) وقد
أفاق، فقال: " يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي: فقدي لك وفراقي
إياك، أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك؟ ".



(1) بصائر الدرجات: 503 / 9، بحار الأنوار 49: 306 / 15.
(2) الوجبة: السقطة مع الهدة أو صوت الساقط.
533
قال: فرفع طرفه إليه ثم قال: أحسن - يا أمير المؤمنين - معاشرة أبي جعفر،
فإن عمرك وعمره هكذا - وجمع بين سبابتيه -.
قال: فلما كان من تلك الليلة قضي عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه، فلما
أصبح اجتمع الخلق، وقالوا: هذا قتله واغتاله - يعني المأمون - وقالوا: قتل ابن
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأكثروا القول والجلبة (1).
وكان محمد بن جعفر بن محمد (عليه السلام) استأمن إلى المأمون، وجاء إلى خراسان،
وكان عم أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا أبا جعفر، اخرج إلى الناس،
وأعلمهم أن أبا الحسن لا يخرج اليوم، وكره أن يخرجه فتقع الفتنة، فخرج محمد بن
جعفر إلى الناس، فقال: " أيها الناس، تفرقوا، فإن أبا الحسن لا يخرج اليوم "،
فتفرق الناس، وغسل أبو الحسن (عليه السلام) في الليل ودفن (2).
11 - قال الشيخ المفيد (رحمه الله):
ولما توفي الرضا (عليه السلام) كتم المأمون موته يوما وليلة، ثم أنفذ إلى محمد بن
جعفر الصادق وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده، فلما حضروه نعاه
إليهم وبكى، وأظهر حزنا شديدا وتوجعا، وأراهم إياه صحيح الجسد، وقال: يعز
علي - يا أخي - أن أراك في هذه الحال، قد كنت آمل أن أقدم قبلك، فأبى الله إلا
ما أراد، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه، وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى
الموضع الذي هو مدفون فيه الآن، فدفنه.



(1) الجلبة: الصياح والاضطراب.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 241 / 1، بحار الأنوار 49: 299 / 9، العوالم 22: 498 / 3.
534
والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها: سناباد، على دعوة (1) من
نوقان (2) بأرض طوس، وفيها قبر هارون الرشيد، وقبر أبي الحسن (عليه السلام) بين يديه
في قبلته (3).
والملاحظ من الأحاديث المتقدمة وغيرها أن المأمون كان يخترع مختلف
الوسائل بالحزن والجزع والبكاء بشكل خارج عن المألوف، ففي (تأريخ اليعقوبي)
عن أبي الحسن بن أبي عباد، قال: رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضا (عليه السلام)،
حاسرا في مبطنة بيضاء، وهو بين قائمتي النعش يقول: إلى من أروح بعدك
يا أبا الحسن، وأقام عند قبره ثلاثة أيام، يؤتى في كل يوم برغيف وملح فيأكله، ثم
انصرف في اليوم الرابع (4).
وذلك لأنه كان يخشى من انتشار تهمة قتل الإمام (عليه السلام) في أوساط شيعة
خراسان، الذين لم يغفروا للمأمون قتل الفضل بن سهل حتى فرقهم الإمام (عليه السلام)،
عندما شغبوا عليه، فكيف يغفرون له قتل الإمام (عليه السلام)، المهم أنه يحاول بظهوره
بمظهر الحزين المتأثر أن يخفف من وطأة هذه التهمة، ويصرف الناس عنها.
تأريخ شهادته:
1 - الأشهر في تأريخ استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) أنه كان في سنة 203، وفي



(1) الدعوة: المسافة التي يبلغها الصوت.
(2) نوقان: إحدى قصبتي طوس، والأخرى طابران.
(3) الإرشاد 2: 271.
(4) تأريخ اليعقوبي 3: 149.
535
شهر صفر - وقيل: سنة 202 ه‍ - وكان عمره الشريف يومئذ خمسة وخمسين سنة،
ولكن وقع الاختلاف في اليوم الذي استشهد فيه.
قال ابن الأثير والطبرسي وجمع آخر: إنه كان في اليوم الأخير من الشهر.
وقيل: في الرابع عشر منه.
وقال الكفعمي: في السابع عشر.
وقال صاحب كتاب (العدد) وصاحب (مسار الشيعة): إنها كانت في اليوم
الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة، وهو اليوم الذي تستحب فيه زيارته (عليه السلام)
للقريب والبعيد، كما نقله السيد ابن طاووس في (الإقبال) (1).
2 - وفي (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)): عن إبراهيم بن العباس، قال: توفي
سنة 203 بطوس، والمأمون متوجه إلى العراق في رجب.
قال الصدوق: وروى لي غيره أن الرضا (عليه السلام) توفي وله تسع وأربعون سنة
وستة أشهر، والصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة 203
من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) (2).
3 - وفيه أيضا عن عتاب بن أسيد، قال: سمعت جماعة من أهل المدينة
يقولون: توفي (عليه السلام) بطوس في قرية يقال لها سناباد، من رستاق نوقان، ودفن في
دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي



(1) منتهى الآمال 2: 499، وجميع هذه الأقوال في العوالم 22: 477 - 483.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 245 / 2، بحار الأنوار 49: 303 / 11.
536
القبلة، وذلك في شهر رمضان لتسع بقين منه سنة 203، وقد تم عمره تسعا وأربعين
سنة وستة أشهر، منها مع أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) تسع وعشرون سنة وشهران،
وبعد أبيه أيام إمامته عشرون سنة وأربعة أشهر، وقام (عليه السلام) بالأمر وله تسع
وعشرون سنة وشهران (1).
هذا ملخص ما ذكرنا ونقلنا من فصول شهادته (عليه السلام).
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
هلاك المأمون العباسي:
وفي الفتوح لابن أكثم الكوفي ما ملخصه:
لما استقر المأمون العباسي في بغداد، خرج عليه رجل من الشراة - ممن
خرج عليه - يقال له بلال الضبابي الشاري سنة 214 ه‍ بأرض الجزيرة بناحية
سنجار - منطقة الموصل - والتحق به خلق كثير، وتوجه إليه المأمون في جيش
كثيف، وخرج إليه المأمون بنفسه واستخلف على بغداد إسحاق بن إبراهيم بن
مصعب، وبعد معارك ضارية وقتال شديد حتى استطاع أن يوقع الهزيمة على
الشاري، فقتل هو وقتل من عسكره ما ينيف على الثلاثة آلاف فارس، وانهزم
الباقون مشردين في البلاد، واحتوى جيش المأمون على دوابهم وأسلحتهم، وحمل
رأسه ورؤوس أصحابه إلى المأمون.
ثم خرج المأمون من الموصل سائرا إلى الجزيرة حتى صار إلى الرقة وجمع



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 181 / 1، بحار الأنوار 49: 304 / 12.
537
عساكره وصار يريد بلاد الروم عن طريق طرسوس، ثم دخل المأمون بلاد الروم
واحتلها حصنا بعد حصن.
وجاء الشتاء فرحل المأمون عن بلاد الروم حتى صار إلى دمشق فنزلها،
فأقام بها أيام الشتاء ثم رحل عنها إلى الرقة.
وبلغ المأمون ما فعله كلب الروم نوفيل بالمسلمين، فاشتد غضبه وجمع
عساكره وسار إلى أن نزل في موضع يقال له البندندون (أو البديدون) وهي قرية
بينها وبين طرسوس من بلاد الثغر، على عين القشيرة وهي عين يخرج منها النهر
المعروف بالبديدون، فمرض هناك، فأمر أن يكتب إلى عماله، فقال أخوه
أبو إسحاق (المعتصم بالله) إلى الكاتب: اكتب " من عبد الله المأمون أمير المؤمنين،
وأخيه أبي إسحاق الخليفة "، فقال الكاتب: إنك تعرضني لسفك دمي. فقال
المعتصم: أحب منك ذلك.
فرافقه يومه وسأل الأطباء عنه، فقالوا: إنه لميت، فلما اشتد مرض المأمون
صار يرفع طرفه إلى السماء ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من يزول ملكه!
يا من لا يموت ارحم من يموت! فلما كان في ليله استمسك لسانه، ومات من
علته، وكانت وفاته لثلاث عشر ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشر ومائتين،
وهو يومئذ ابن ثمانية وأربعين عاما، وكان مولده سنة سبعين ومائة من الهجرة في
شهر ربيع الأول، وكانت خلافته عشرين سنة وستة أشهر وسبعة عشر يوما، ودفن
في طرسوس.
وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات:
الموت أخرجني من دار مملكتي * فالقبر مضطجعي من بعد تتريف
لله عبد رأى قبري فأعبره * وخاف من بعده ريب التصاريف

538
هذا مصير بني الدنيا وإن جمعوا * فيها وغرهم طول التساويف
أستغفر الله من جرمي ومن زللي * وأسأل الله نورا يوم توقيفي
هذا ملخص ما نقلناه من كتاب الفتوح (1)، مع تغيير بعض العبارات.
وهذه رواية المسعودي في (مروج الذهب) في أخبار المأمون وغزاته أرض
الروم، ما هذا ملخصه: وانصرف في غزاته فنزل على عين البديدون المعروفة
بالقشيرة، فأقام هنالك، فوقف على العين فأعجبه برد مائها وصفاؤه وبياضه
وطيب حسن الموضع، وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال، فبسط على العين
كالجسر، وجعل فوقه كالأزج من الخشب، وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة
التي قد عقدت له، والماء تحته، وطرح في الماء درهما صحيحا، فقرأ كتابته وهو في
قرار الماء، لصفاء الماء، ولم يقدر أحد أن يدخل يده في الماء من شدة برده.
فبينا هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع، كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن
يخرجها سيفه، فبدر بعض الفراشين، فأخذها وصعد، فلما صارت على حرف
العين، أو على الخشب الذي عليه المأمون، اضطربت وأفلتت من يد الفراش،
فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره، وترقوته، فبلت
ثوبه، ثم انحدر الفراش ثانية، فأخذها ووضعها بين يدي المأمون، في منديل،
تضطرب. فقال المأمون: تقلى الساعة.
ثم أخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر أن يتحرك من مكانه، فغطي باللحف
والدواويج وهو يرتعد كالسعفة، ويصيح: البرد البرد، ثم حول إلى المغرب ودثر،



(1) الفتوح 8: 428 - 434.
539
وأوقد النيران حوله، وهو يصيح: البرد البرد، ثم أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها،
فلم يقدر على الذوق منها، وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها.
ولما اشتد به الأمر، سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه في ذلك الوقت عن
المأمون، وهو في سكرات الموت، وما الذي يدل عليه علم الطب من أمره، وهل
يمكن برؤه وشفاؤه؟ فتقدم ابن ماسويه وأخذ إحدى يديه، وبختيشوع الأخرى،
وأخذ المجسة من كلتا يديه، فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال، منذرا بالفناء
والانحلال، والتزقت أيديهما ببشرته، لعرق كان يظهر منه، من سائر جسده،
كالزيت أو كلعاب بعض الأفاعي، فأخبرا المعتصم بذلك، فسألهما عن ذلك، فأنكرا
معرفته، وإنهما لم يجداه في شيء من الكتب، وإنه دال على انحلال الجسد.
فأحضر المعتصم الأطباء حوله يؤمل خلاصه مما هو فيه، فلما ثقل قال:
أخرجوني أشرف على عسكري، وأنظر إلى رجالي، وأتبين ملكي، وذلك في الليل،
فأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته، وما قد وقد من النيران،
فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. ثم رد إلى مرقده وأجلس
المعتصم رجلا يشهده لما ثقل، فرفع الرجل صوته ليقولها، فقال له ابن ماسويه:
لا تصح، فوالله ما يفرق بين ربه وبين ماني في هذا الوقت. ففتح عينيه من ساعته،
وبهما من العظم والكبر والاحمرار ما لم ير مثله قط، وأقبل يحاول البطش بيديه
بابن ماسويه، ورام مخاطبته فعجز عن ذلك، وقضى عن ساعته وذلك لثلاث عشرة
ليلة بقيت من رجب، سنة ثماني عشرة ومئتين، وحمل إلى طرسوس، فدفن بها (1).



(1) الأنوار البهية: 199 - 201، مروج الذهب 3: 456 - 457.
540
الفصل السابع عشر
تقريظ العلماء له (عليه السلام)
في هذا الفصل نستعرض بعض أقوال علماء المسلمين وأئمتهم على اختلاف
نزعاتهم وميولهم ومذاهبهم، وقد أجمعوا على تعظيمه والإطراء على علمه وتقواه
وزهده وعبادته وسيرته وسلوكه ورسوخ يقينه، وقد تقدم طرف من ذلك في
سيرته ومكارم أخلاقه (عليه السلام)، وسنزيد هنا بعض الأقوال مرتبة وفقا للتسلسل
التأريخي لوفياتهم:
1 - قال فيه جده الإمام الصادق (عليه السلام) قبل ولادته:
غوث هذه الأمة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود
وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به
الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر،
ويأتمر له العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم، وصحته علم، يبين للناس
ما يختلفون فيه (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 9، بحار الأنوار 48: 12 / 1.
541
2 - وقال المأمون العباسي في جوابه للعباسيين:
وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)،
فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين
فضلا، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعا، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا،
ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه (1).
وقال في موضع آخر مخاطبا محمد بن جعفر الصادق (عليه السلام):
إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم (صلى الله عليه وآله):
ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس
كبارا، لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم
في باب ضلال (2).
3 - وقال الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 ه‍:
أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم، وأجلة الهاشميين ونبلائهم،
ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون، فمات من ساعته،
وذلك يوم السبت آخر يوم من سنة 203، وقبره بسناباد، خارج النوقان، مشهور
يزار، بجنب قبر الرشيد (3).



(1) العوالم 22: 333.
(2) بحار الأنوار 49: 180.
(3) الثقات 8: 456.
542
4 - وقال المفيد (رحمه الله) المتوفى سنة 413 ه‍:
وكان الإمام بعد أبي الحسن موسى بن جعفر ابنه أبا الحسن علي بن موسى
الرضا (عليهما السلام) لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه
واجتهاده، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه، وبنص أبيه على
إمامته (عليه السلام) من بعده، وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل بيته (1).
5 - وقال السمعاني المتوفى سنة 562 ه‍:
والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب (2).
6 - وقال الشيخ كمال الدين بن طلحة الشافعي، المتوفى سنة 652 ه‍:
قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي، وفي زين العابدين علي، وجاء هذا علي
الرضا ثالثهما، ومن أمعن نظره وفكره وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم أنه ثالث
العليين، نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، واتسع إمكانه، وكثر أعوانه، وظهر
برهانه، حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته، وشركه في مملكته، وفوض إليه أمر
خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه علية،
وصفاته الشريفة سنية، ومكارمه حاتمية، وشنشنته أخزمية، وأخلاقه عربية،
ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، فمهما عد من مزاياه كان (عليه السلام) أعظم



(1) الإرشاد 2: 247.
(2) الأنساب 3: 74.
543
منها، ومهما فصل من مناقبه كان أعلى رتبة منها (1).
7 - وقال ابن خلكان - المتوفى سنة 681 ه‍ -:
أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي
زين العابدين، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية.
وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيب في سنة 202 ه‍، وجعله ولي عهده،
وضرب اسمه على الدينار والدرهم، وكان السبب في ذلك أنه استحضر أولاد
العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان، وكان عددهم
ثلاثة وثلاثين ألفا، ما بين الكبار والصغار، واستدعى عليا المذكور، فأنزله أحسن
منزلة، وجمع خواص الأولياء، وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن
أبي طالب (رضي الله عنه)، فلم يجد في وقته أحدا أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا (عليه السلام)،
فبايعه (2).
8 - قال علي بن عيسى الإربلي سنة 692 ه‍:
مناقب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) رضا في المناقب، وأمداد فضله
متوالية توالي المقانب، وموالاته محمودة المبادي مباركة العواقب، وعجائب
أوصافه من غرائب العجائب، وشرفه ونبله قد حلا من الشرف في الذروة
والغارب، وصيت سؤدده قد شاع وذاع في المشارق والمغارب، فلمواليه السعد



(1) مطالب السؤول: 84، الفصول المهمة: 240، كشف الغمة 3: 49.
(2) وفيات الأعيان 3: 269 / 423.
544
الطالع، ولشانيه النحس الغارب.
أما شرف الآباء، فأشهر من الصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس
المستدير، وأما أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفة
وذاته، فناهيك من فخار، وحسبك من علو منار، وقدك (1) من سمو مقدار يجاري
الهواء كرم أخلاق، ويجاوز السماء طهارة أعراق.
لو ولج السماء شريف ولجها بشرفه، أو طال الملائكة الكرام لطالهم بنفسه
الزاكية وسلفه، وفضلهم بولده وخلفه، نور مشرق من أنوار، وسلالة طاهرة من
أطهار، وغصن فخر من سرحة فخار، وثمرة جنية من الدوحة الكريمة العليا، ونبعة
ناضرة قويمة من الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أخباره (عليه السلام) كلها عيون، وسيرته السرية كاللؤلؤ الموصون، ومقالاته
ومقاماته قيد القلوب وجلاء الأسماع ونزهة العيون، ومعارفه الإلهية واحدة في
العلم بما كان وما يكون، محدث في خاطره الشريف بالسر المكتوم والعلم المكنون،
ملهم بمعرفة الظاهر المشهور والباطن المخزون، مطلع على خفايا لا تتخيلها
الأفكار ولا تخيلها الظنون، جار من فضائله وفواضله على طريقة ورثها عن الآباء
وورثها عنه البنون، فهم جميعا في كرم الأرومة وزكاء الجرثومة كأسنان المشط
متعادلون.
فشرفا لهذا البيت العظيم الرتبة، العلي المحلة، السامي المكانة، لقد طال السماء
علاء ونبلا، وسما على الثوابت منزلة ومحلا، واستوفى صفات الكمال فيما يستثنى في
شيء منه لغيره، وإلا انتظم هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) انتظام اللآلئ، وتنابسوا في الشرف



(1) أي: حسبك.
545
فاستوى المقدم والتالي، ونالوا مرتبة مجد هلك دونها المقصر والغالي، وحين
اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل ولهم العالي، كم اجتهد الأعداء في
خفض منارهم والله يرفعه، وكم ركبوا الصعب والذلول في تشتيت شمل عزهم والله
يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه.
ومع كثرة عداتهم، وتظاهر الناس عليهم، وغلبة شناءتهم، ومدهم أيدي
القهر إليهم، لم يزدادوا على الاختبار إلا صبرا واحتسابا، وعلى القتل والتشريد
إلا إغراقا في الحمد وإطنابا، وتحصيلا للأجر واكتسابا، واعتزاء إلى أعلى
منازل الطاعة وانتسابا، حتى خلصوا خلوص الذهب من النار، وسلموا في
أعراضهم وأديانهم من ألعاب والعار، فالولي والعدو يشهدان لهم بعلو المنصب
وسمو المقدار:
قال فيه البليغ ما قال ذو ال‍ * - عي فكل بفضله منطيق
وكذلك العدو لم يعد أن * قال جميلا كما يقول الصديق
وهذا الإمام الرضا هو لله سبحانه رضى، وقد قضى من شرفه ومجده
بما قضى، ونصبه دليلا لمن يأتي وعلى من مضى، فظهر من فضائله وأخباره، واشتهر
من صفاته وآثاره ما كان أمضى من السيف المنتضى، وأبى أن يكون هذا النعت
الرضى إلا لذلك السيد المرتضى، ولم أزل مذ كنت حدثا أهش لذكره، وأطرب
لما يبلغني من خلاله وسجاياه، وسمو قدره، فرزقني الله - وله الحمد - أن أثبت شيئا
من مناقبه، وشاهدت بعين الاعتبار جملة من عجائبه، وأعجبتني نفسي حين عرفت
اختيارها في حالة الشباب، وسرني أن عددت من واصفي فضله وفضل آبائه
وأبنائه في هذا الكتاب.
والمنة لله تعالى، فهو الذي أمد بالتوفيق، وهدى إلى الطريق، ولا منة

546
عليهم (عليهم السلام)، فإن الواجب على العبد مدح سيده، ووصف فخاره وسؤدده، والذب
عنه بلسانه ويده (1).
9 - أما الجويني إبراهيم بن محمد بن المؤيد أبي بكر، شيخ خراسان الشافعي
الصوفي المتوفى سنة 573، فقد وصف الإمام الرضا في الباب التاسع والثلاثين، من
كتابه (فرائد السمطين)، فقال:
مظهر خفيات الأسرار، ومبرز خبيات الأمور الكوامن، منبع المكارم
والميامن، ومنبع الأعالي الخضارم والأيامن، منيع الجناب، رفيع القباب، وسيع
الرحاب، هتون السحاب، عزيز الألطاف، غزير الأكناف، أمير الأشراف، قرة
عين آل ياسين وآل عبد مناف، السيد، الطاهر، المعصوم، والعارف بحقائق العلوم،
والواقف على غوامض أسرار السر المكتوم، والمخبر بما هو آت وعما غبر ومضى،
المرضي عند الله سبحانه برضاه عنه في جميع الأحوال، ولذا لقب بالرضا علي بن
موسى، صلوات الله على محمد وآله، خصوصا عليه، ما سح سحاب وهمى، وطلع
نبات ونما... (2).
10 - قال الذهبي - المتوفى سنة 748 ه‍ -:
الإمام السيد أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن
محمد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المدني، كان من العلم والدين



(1) كشف الغمة 3: 129 - 131.
(2) فرائد السمطين 2: 187.
547
والسؤدد بمكان. يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك (1).
وقال:
وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلا للخلافة (2).
وقال في موضع آخر:
وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم وأنبلهم، وكان المأمون يعظمه ويخضع
له، ويتغالى فيه، حتى إنه جعله ولي عهده من بعده، وكتب بذلك إلى الآفاق (3).
11 - وقال الصفدي، المتوفى سنة 764 ه‍:
وهو أحد الأئمة الاثني عشر، كان سيد بني هاشم في زمانه، وكان المأمون
يخضع له ويتغالى فيه، حتى إنه جعله ولي عهده من بعده، وكتب إلى الآفاق بذلك (4).
12 - قال اليافعي، المتوفى سنة 768 ه‍:
فيها (أي سنة 203) توفي الإمام الجليل المعظم، سلالة السادة الأكارم،
أبو الحسن علي بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشر، أولي المناقب، الذين
انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم (5).



(1) سير أعلام النبلاء 9: 387 / 125.
(2) سير أعلام النبلاء 9: 392.
(3) تأريخ الإسلام، الرقم 281، حوادث سنة 203، الصفحة 270.
(4) الوافي بالوفيات 22: 248.
(5) مرآة الجنان 2: 10 - 11.
548
13 - قال ابن الصباغ المالكي، المتوفى سنة 855 ه‍:
قال بعض الأئمة من أهل العلم، مناقب علي بن موسى الرضا من أجل
المناقب، وأمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة
البوادي والعواقب، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب، وسؤدده ونبله قد
حل من الشرف في الذروة والمغارب، فلمواليه السعد الطالع، ولمناويه النحس
الغارب.
أما شرف آبائه فأشهر من الصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس
المستدير، وأما أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته فناهيك من
فخار، وحسبك من علو مقدار، جاز على طريقة ورثها عن الآباء، وورثها عنه
البنون، فهم جميعا في كرم الأرومة، وطيب الجرثومة، كأسنان المشط متعادلون،
فشرفا لهذا البيت العالي الرتبة، السامي المحلة (1).
14 - وقال صفي الدين الخزرجي المتوفى بعد سنة 923 ه‍:
كان سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظمه ويجله، وعهد له بالخلافة، وأخذ له
العهد (2).
15 - وقال الشيخ يوسف إسماعيل النبهاني الشافعي، المتوفى سنة 1350 ه‍:



(1) الفصول المهمة: 260.
(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2: 257 / 5054.
549
علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، أحد أكابر الأئمة، ومصابيح
الأمة، من أهل بيت النبوة، ومعادن العلم والعرفان، والكرم، والفتوة، كان عظيم
القدر، مشهور الذكر، وله كرامات كثيرة... (1).
اقتطفنا هذه الشذرات مما دبجته يراعات كبار العلماء، كنماذج من مناقب
وفضائل إمامنا المفدى عليه وعلى آبائه آلاف التحيات.



(1) جامع كرامات الأولياء 2: 256.
550
الفصل الثامن عشر
بقعته (عليه السلام) وفضل زيارته
مشهد المقدسة:
ذكرنا في فصل شهادته (عليه السلام) أنه دفن في دار حميد بن قحطبة الطوسي، في
قرية سناباذ، وهي قرية صغيرة تابعة لطوس القديمة، ودار حميد كانت في بستان
يسكنها الأمراء ورجال الدولة العباسية، وبعد دفن الإمام (عليه السلام) فيها تحولت قرية
سناباذ إلى مدينة عامرة اشتهرت باسم مشهد الرضا (عليه السلام) أو مشهد طوس.
وكانت في طوس مدينتان رئيسيتان، هما نوقان وطابران، فلما دفن الإمام
الرضا (عليه السلام) في سناباذ، قصدها الناس من الضواحي مهاجرين من نوقان وطابران،
فسكنوا عند مشهده متبركين بمجاورته، فعمروا عند قبره أسواقا ودورا لهم ولزوار
القبر، فأصبحت نوقان محلة من محال المشهد، أما طابران فقد خربت تماما بعد أن
هجرها ما بقي فيها من الأهالي، ولاذوا بقبر الإمام (عليه السلام)، وتحصنوا بقربه نتيجة
هجوم تيمورلنك المغولي عليها (1).
وهكذا أخذت مشهد الرضا (عليه السلام) تتسع يوما بعد يوم، لتأخذ مكان مدينة



(1) راجع موسوعة العتبات المقدسة 11: 204 - 205.
551
طوس القديمة، التي تبعد عنها نحو أربعين فرسخا، حتى غدت قاعدة بلاد خراسان
وحاضرتها، ومن أمهات مدن إيران، ومن أكبر المزارات وأشهر العتبات المقدسة.
ومشهد الرضا (عليه السلام) اليوم مدينة عصرية جميلة وكبيرة، يختلف إليها زوار
الإمام (عليه السلام) على مدار السنة، ولا تكاد تخلو يوما واحدا منهم، حيث يقصدها
المسلمون ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) للتبرك والزيارة من أطراف المعمورة وشاسع
الآفاق ومختلف الديار، هذا فضلا عن أن المدينة تزدحم بالمساجد والمدارس
الدينية والمعاهد والجامعات العلمية، التي يختلف إليها طلبة العلم من شتى الديار،
ينعمون ببركة جوار الإمام، وينهلون من علوم ومعارف أهل بيت النبوة (عليهم السلام).
فضل هذه البقعة:
وقد ورد في فضل هذه البقعة المباركة كثير من الأحاديث عن
أهل البيت (عليهم السلام)، اخترنا منها ما يلي:
1 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إن بين
جبلي طوس قبضة قبضت من الجنة، من دخلها كان آمنا يوم القيامة من النار (1).
2 - وعن الصادق (عليه السلام) قال: أربع بقاع ضجت إلى الله تعالى أيام الطوفان:
البيت المعمور فرفعة الله، والغري، وكربلاء، وطوس (2).
3 - ونقل العلامة المجلسي (رحمه الله) عن كتاب (فصل الخطاب) عن الرضا (عليه السلام) أنه



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 256، بحار الأنوار 102: 37 / 24.
(2) بحار الأنوار 102: 40 / 38.
552
قال: هذه البقعة روضة من رياض الجنة، ومختلف الملائكة، لا يزال فوج ينزل
وفوج يصعد إلى أن ينفخ في الصور (1).
4 - وعن الصقر بن دلف (2)، قال: سمعت سيدي علي بن محمد بن علي
الرضا (عليه السلام) يقول: من كانت له إلى الله حاجة، فليزر قبر جدي الرضا (عليه السلام)
بطوس، وهو على غسل، وليصل عند رأسه ركعتين، وليسأل الله حاجته في قنوته،
فإنه يستجيب له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم، وإن موضع قبره لبقعة من بقاع
الجنة، لا يزورها مؤمن إلا أعتقه الله من النار، وأحله إلى دار القرار (3).
بركة مشهده (عليه السلام):
وفي ما يلي نورد أقوال بعض العلماء الذين أقروا أو شاهدوا كرامات
الإمام (عليه السلام) بعد وفاته، في استجابة الدعوات، وقضاء الحاجات، وكشف الملمات،
وشفاء المرضى، مما لا يحصى كثرة:
1 - قال الإمام الحافظ ابن حبان في (الثقات): قد زرته مرارا كثيرة،
وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا
(صلوات الله على جده وعليه)، ودعوت الله إزالتها عني، إلا استجيبت لي، وزالت



(1) بحار الأنوار 102: 44 / 51.
(2) في معجم رجال الحديث 9: 144، الصقر بن أبي دلف.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 262 / 32، فرائد السمطين 2: 262 / 32، بحار الأنوار
102: 49 / 4.
553
عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى
وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) (1).
2 - ونقل ابن حجر في (تهذيب التهذيب) عن الحاكم في (تأريخ نيسابور)،
قال: سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام
أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم
إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس، قال: فرأيت
من تعظيمه لتلك البقعة، وتواضعه لها، وتضرعه عندها ما تحيرنا (2).
وزاد الجويني في (الفرائد): وذلك بمشهد من عدة من آل السلطان،
وآل شاذان بن نعيم، وآل الشنقشين، وبحضرة جماعة من العلوية من أهل نيسابور
وهرات وطوس وسرخس، فدونوا شمائل أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عند
الزيارة، وفرحوا وتصدقوا شكرا لله على ما ظهر من إمام العلماء عند ذلك الإمام
والمشهد، وقالوا بأجمعهم: لو لم يعلم هذا الإمام أنه سنة وفضيلة لما فعل هذا. قال:
ثم انصرفنا من الزيارة في ربيع الآخر سنة 309 (3).
3 - وفي (فرائد السمطين) عن الحاكم، قال: سمعت أبا الحسين بن أبي بكر
الفقيه يقول: قد أجاب الله لي في كل دعوة دعوت بها عند مشهد الرضا (عليه السلام) حتى



(1) الثقات 8: 457.
(2) تهذيب التهذيب 7: 388.
(3) فرائد السمطين 2: 198.
554
إني دعوت الله أن يرزقني ولدا، فرزقت ولدا بعد الإياس منه (1).
4 - وفيه أيضا عن الحاكم، قال: سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن سهل
الفقيه يقول: ما عرض لي مهم من أمر الدين والدنيا، فقصدت قبر الرضا (عليه السلام) لتلك
الحاجة، ودعوت عند القبر إلا قضيت لي تلك الحاجة، وفرج الله عني ذلك المهم.
ثم قال أبو الحسن (رحمه الله): وقد صارت إلي هذه العادة أن أخرج إلى ذلك المشهد
في جميع ما يعرض لي، فإنه عندي مجرب (2).
5 - وقال الطبرسي (رحمه الله): وأما ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده
المقدس وعلاماته، والعجائب التي شاهدها الخلق فيه، وأذعن العام والخاص له،
وأقر المخالف والمؤالف به إلى يومنا هذا، فكثير خارج عن حد الإحصاء والعد.
ولقد أبرأ فيه الأكمه والأبرص، واستجيبت الدعوات، وقضيت ببركته الحاجات،
وكشفت الملمات، وشاهدنا كثيرا من ذلك وتيقناه، وعلمناه علما لا يتخالج الشك
والريب في معناه، فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا
الكتاب (3).
6 - وقال الشيخ الحر العاملي (قدس سره) في (إثبات الهداة) بعد نقل هذا الكلام من



(1) فرائد السمطين 2: 220 / 498.
(2) فرائد السمطين 2: 220 / 496.
(3) إعلام الورى: 326.
555
(الأعلام): ولقد رأيت وشاهدت كثيرا من ذلك وتيقنته، كما شاهده الطبرسي
وتيقنه في مدة مجاورتي لمشهد الرضا (عليه السلام)، وذلك ست وعشرون سنة، وسمعت من
الأخبار في ذلك ما تجاوز حد التواتر، وليس في خاطري أنني دعوت في هذا المشهد
وطلبت فيه من الله تعالى حاجة إلا وقضيت لي، والحمد لله، وتفصيل ذلك يضيق
عنه المجال، ويطول فيه المقال، فلذلك اكتفيت بالإجمال، ومن ذلك أن بنتا من
جيراننا كانت خرساء، ثم زارت قبر الرضا (عليه السلام) يوما، فرأت عند القبر رجلا
حسن الهيئة، ظنت أنه الرضا (عليه السلام)، فقال لها: ما لك لا تتكلمين، تكلمي، فنطقت في
الحال، وزال عنها الخرس بالكلية، فقلت فيها هذه الأبيات:
يا كليم الرضا (عليه السلام) * وعليك السلام والإكرام
كلميني عسى أكون كليما * لكليم الرضا (عليه السلام) (1)
7 - وقال الشيخ عباس القمي (رحمه الله): ولقد رأيت وشاهدت في مدة مجاورتي
لهذا المشهد المقدس خصوصا في هذا التأريخ، وهو شوال سنة 1343 ه‍ ثلاث
وأربعين بعد ألف وثلاثمائة كثيرا من ذلك وتيقنته، وعلمت علما لا يخالج الشك
والريب في معناه، فلو ذهبت للخوض في إيراد ذلك، لخرجت عن الغرض في هذا
الكتاب، ولقد صدق شيخنا العاملي في قوله:
وما بدا من بركات مشهده * في كل يوم أمسه مثل غده
وكشفاء العمي والمرضى به * إجابة الدعاء في أعتابه (2)



(1) إثبات الهداة 6: 126.
(2) الأنوار البهية: 206.
556
بركات الروضة الرضوية:
وفيما يلي نورد بعض الأخبار التي تناقلتها مصادرنا القديمة في بركات الروضة
الرضوية على مشرفها آلاف التحية والثناء:
1 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن محمد بن عمر النوقاني، قال: بينا
أنا نائم بنوقان في علية لنا، في ليلة ظلماء، إذ انتبهت فنظرت إلى الناحية التي فيها
مشهد علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بسناباد، فرأيت نورا قد علا حتى امتلأ منه المشهد،
وصار مضيئا كأنه نهار، فكنت شاكا في أمر الرضا (عليه السلام)، ولم أكن علمت أنه حق.
فقالت لي أمي وكانت مخالفة: ما لك؟ فقلت لها: رأيت نورا ساطعا قد امتلأ
منه المشهد بسناباد، فقالت أمي: ليس ذلك بشيء، وإنما هذا من عمل الشيطان.
قال: فرأيت ليلة أخرى مظلمة أشد ظلمة من الليلة الأولى مثل ما كنت
رأيت من النور، والمشهد قد امتلأ به، فأعلمت أمي ذلك، وجئت بها إلى المكان
الذي كنت فيه حتى رأت ما رأيت من النور، وامتلأ المشهد منه، فاستعظمت ذلك،
وأخذت في الحمد لله عز وجل، إلا أنها لم تؤمن به كإيماني.
فقصدت إلى المشهد، فوجدت الباب مغلقا، فقلت: اللهم إن كان أمر
الرضا (عليه السلام) حقا، فافتح لي هذا الباب؛ ثم دفعته بيدي فانفتح، فقلت في نفسي: لعله
لم يكن مغلقا على ما وجب، فغلقته حتى علمت أنه لم يكن فتحه إلا بمفتح، ثم قلت:
اللهم إن كان أمر الرضا (عليه السلام) حقا، فافتح لي هذا الباب؛ ثم دفعته بيدي فانفتح،
فدخلت وزرت وصليت، واستبصرت في أمر الرضا (عليه السلام)، فكنت أقصده بعد ذلك
كل جمعة زائرا من نوقان، وأصلي عنده إلى وقتي هذا (1).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 278 / 1، بحار الأنوار 49: 326 / 1.
557
2 - وعنه بإسناده عن أبي طالب الحسين بن عبد الله بن بنان الطائي، قال:
سمعت أبا منصور عبد الرزاق يقول لحاكم طوس المعروف بالبيوردي: هل لك ولد؟
فقال: لا.
فقال له أبو منصور: لم لا تقصد مشهد الرضا (عليه السلام)، وتدعو الله عنده حتى
يرزقك ولدا؟ فإني سألت الله تعالى هناك في حوائج فقضيت لي.
قال الحاكم: فقصدت المشهد (على ساكنه السلام)، ودعوت الله تعالى عند
الإمام الرضا (عليه السلام) أن يرزقني ولدا، فرزقني الله عز وجل ولدا ذكرا، فجئت إلى
أبي منصور بن عبد الرزاق، وأخبرته باستجابة الله تعالى لي في المشهد، فوهب لي
وأعطاني وأكرمني على ذلك.
قال الصدوق (رحمه الله): لما استأذنت الأمير السعيد ركن الدولة في زيارة مشهد
الإمام الرضا (عليه السلام)، أذن لي في ذلك في رجب من سنة 352، فلما انقلبت عنه
ردني، فقال لي: هذا مشهد مبارك، قد زرته، وسألت الله تعالى حوائج كانت في
نفسي، فقضاها لي، فلا تقصر في الدعاء لي هناك والزيارة عني، فإن الدعاء فيه
مستجاب، فضمنت ذلك له، ووفيت به، فلما عدت من المشهد (على ساكنه التحية
والسلام) ودخلت إليه، قال لي: هل دعوت لنا، وزرت عنا؟ فقلت: نعم. فقال:
قد أحسنت، فقد صح لي أن الدعاء في ذلك المشهد مستجاب (1).
3 - وعنه بإسناده، عن أبي نصر أحمد بن الحسين الضبي - قال: وما لقيت



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279 / 2، بحار الأنوار 49: 327 / 2.
558
أنصب منه، وبلغ من نصبه أنه كان يقول: اللهم صل على محمد فردا، ويمتنع عن
الصلاة على آله - قال: سمعت أبا بكر الحمامي الفراء في سكة حرب بنيسابور - وكان
من أصحاب الحديث - يقول: أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها، ونسيت
موضعها، فلما أتى على ذلك مدة، جاءني صاحب الوديعة يطالبني بها، فلم أعرف
موضعها، وتحيرت، واتهمني صاحب الوديعة.
فخرجت من بيتي مغموما متحيرا، ورأيت جماعة من الناس يتوجهون إلى
مشهد الرضا (عليه السلام)، فخرجت معهم إلى المشهد، وزرت ودعوت الله تعالى أن يبين
لي موضع الوديعة.
فرأيت هناك فيما يرى النائم، كأن آت أتاني فقال لي: دفنت الوديعة في
موضع كذا وكذا. فرجعت إلى صاحب الوديعة، فأرشدته إلى ذلك الموضع الذي
رأيته في المنام، وأنا غير مصدق بما رأيت، فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان،
فحفره واستخرج منه الوديعة بختم صاحبها، فكان الرجل بعد ذلك يحدث الناس
بهذا الحديث، ويحثهم على زيارة هذا المشهد (على ساكنه التحية والسلام) (1).
4 - وعنه، بإسناده عن أبي الحسن علي بن الحسن القهستاني، قال: كنت
بمرو الرود، فلقيت بها رجلا من أهل مصر مجتازا اسمه حمزة، فذكر أنه خرج من
مصر زائرا إلى مشهد الرضا (عليه السلام) بطوس، وأنه لما دخل المشهد كان قرب غروب
الشمس، فزار وصلى، ولم يكن ذلك اليوم زائرا غيره، فلما صلى العتمة، أراد
خادم القبر أن يخرجه ويغلق الباب، فسأله أن يغلق عليه الباب، ويدعه في المشهد



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279 / 3، بحار الأنوار 49: 327 / 3.
559
ليصلي فيه، فإنه جاء من بلد شاسع (1) ولا يخرجه، وأنه لا حاجة له في الخروج،
فتركه وغلق عليه الباب، وأنه كان يصلي وحده إلى أن أعيا، فجلس ووضع رأسه
على ركبتيه ليستريح ساعة، فلما رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة
عليها هذان البيتان:
من سره أن يرى قبرا برؤيته * يفرج الله عمن زاره كربه
فليأت ذا القبر إن الله أسكنه * سلالة من نبي الله منتجبه
قال: فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر، ثم جلست كجلستي
الأولى، ووضعت رأسي على ركبتي، فلما رفعت رأسي، لم أر ما على الجدار شيئا،
وكأن الذي أراه مكتوبا رطبا، كأنه كتب في تلك الساعة. قال: فانفلق الصبح،
وفتح الباب، وخرجت من هناك (2).
5 - وعنه، بإسناده عن أبي الحسن محمد بن أبي عبد الله الهروي، قال: حضر
المشهد رجل من أهل بلخ ومعه مملوك له، فزار هو ومملوكه الرضا (عليه السلام)، وقام
الرجل عند رأسه يصلي، ومملوكه يصلي عند رجليه، فلما فرغا من صلاتهما،
سجدا فأطالا سجودهما، فرفع الرجل رأسه من السجود، وقال: لبيك يا مولاي،
فقال له: تريد الحرية؟ فقال: نعم. فقال: أنت حر لوجه الله تعالى، ومملوكتي فلانة
ببلخ حرة لوجه الله، وقد زوجتها منك بكذا وكذا من الصداق، وضمنت لها ذلك
عنك، وضيعتي الفلانية وقف عليكما وعلى أولادكما وأولاد أولادكما ما تناسلوا



(1) أي: بعيد.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 280 / 4، بحار الأنوار 49: 328 / 4.
560
بشهادة هذا الإمام (عليه السلام).
فبكى الغلام، وحلف بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام) أنه ما كان يسأل في سجوده
إلا هذه الحاجة بعينها، وقد تعرفت الإجابة من الله تعالى بهذه السرعة (1).
6 - وعنه، بالإسناد عن أبي النصر المؤذن النيسابوري، قال: أصابتني علة
شديدة ثقل منها لساني، فلم أقدر على الكلام، فخطر ببالي أن أزور الرضا (عليه السلام)،
وأدعو الله تعالى عنده، وأجعله شفيعي إليه حتى يعافيني من علتي ويطلق لساني.
فركبت حمارا، وقصدت المشهد، وزرت الرضا (عليه السلام)، وقمت عند رأسه،
وصليت ركعتين وسجدت، وكنت في الدعاء والتضرع مستشفعا بصاحب هذا القبر
إلى الله تعالى أن يعافيني من علتي ويحل عقدة لساني. فذهب بي النوم في سجودي،
فرأيت في المنام كأن القبر قد انفرج، وخرج منه رجل كهل آدم (2) شديد الأدمة،
فدنا مني، وقال لي: يا أبا النصر، قل لا إله إلا الله. قال: فأومأت إليه: كيف أقول
ذلك ولساني منغلق! فصاح علي صيحة، فقال: أتنكر لله قدرة؟! قل: لا إله إلا
الله. قال: فانطلق لساني، فقلت: لا إله إلا الله، ورجعت إلى منزلي راجلا، وكنت
أقول: لا إله إلا الله، وانطلق لساني، ولم ينغلق بعد ذلك (3).
7 - وروى الجويني بالإسناد عن زيد الفارسي، قال: كنت بمرو الرود



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 282 / 7، بحار الأنوار 49: 330 / 7.
(2) أي: أسمر.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 283 / 2، بحار الأنوار 49: 331 / 8.
561
منقرسا (1) مدة سنتين، لا أقدر أن أقوم قائما، ولا أن أصلي قائما، فأريت في المنام:
ألا تمر بقبر الرضا (عليه السلام) وتمسح رجليك به، وتدعو الله تعالى عند القبر حتى يذهب
ما بك؟
قال: فاكتريت دابة وجئت إلى طوس، ومسحت رجلي بالقبر، ودعوت الله
عز وجل، فذهب عني ذلك النقرس والوجع، فأنا ها هنا منذ سنتين وما نقرست (2).
8 - وعنه، قال الحاكم: وقد عرفني الله من كرامات التربة خير كرامة منها
أني كنت منقرسا لا أتحرك إلا بجهد، فخرجت وزرت، وانصرفت إلى نوقان بخفين
من كرابيس (3)، فأصبحت من الغد بنوقان، وقد ذهب ذلك الوجع، وانصرفت سالما
إلى نيسابور (4).
9 - وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي النصر المؤذن، قال: امتلأ السيل
يوما بسناباد، وكان الوادي أعلى من المشهد، فأقبل السيل حتى إذا قرب من
المشهد خفنا على المشهد منه، فارتفع بإذن الله وقدرته تعالى، ووقع في قناة أعلى
من الوادي، ولم يقع في المشهد منه شيء (5).



(1) النقرس: ورم يحدث في مفاصل القدم وفي إبهامها.
(2) فرائد السمطين 2: 219 / 494.
(3) الكرباس: قماش غليظ من القطن، وكربس الرجل: مشى مشية المقيد.
(4) فرائد السمطين 2: 220 / 497.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 283 / 9، بحار الأنوار 49: 331 / 10.
562
10 - وروى الجويني بإسناده عن محمد بن أبي علي الصائغ، يقول: سمعت
رجلا عند قبر الرضا (عليه السلام) يقول: كنت أفكر في شرف القبر وشرف من توارى فيه،
فتخالج في قلبي الإنكار على بعض من بها، فضربت بيدي إلى المصحف متفئلا،
فخرجت هذه الآية (ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق) (1)، حتى ضربت
ثلاث مرات، فخرج في كلها هذه الآية (2).
11 - وروى الصدوق بالإسناد عن الحاكم الرازي صاحب أبي جعفر العتبي،
قال: بعثني أبو جعفر العتبي رسولا إلى أبي منصور بن عبد الرزاق، فلما كان يوم
الخميس، استأذنته في زيارة الرضا (عليه السلام)، فقال: اسمع مني ما أحدثك به في أمر هذا
المشهد: كنت في أيام شبابي أتصعب على أهل هذا المذهب، وأتعرض الزوار في
الطريق، وأسلب ثيابهم ونفقاتهم ومرقعاتهم.
فخرجت متصيدا ذات يوم، وأرسلت فهدا على غزال، فما زال يتبعه حتى
ألجأه إلى حائط المشهد، فوقف الغزال، ووقف الفهد مقابله لا يدنو منه، فجهدنا كل
الجهد بالفهد أن يدنو منه، فلم ينبعث، وكان متى فارق الغزال موضعه يتبعه الفهد،
فإذا التجأ إلى الحائط رجع عنه.
فدخل الغزال حجرا في حائط المشهد، فدخلت الرباط، فقلت لأبي النصر
المقرئ: أين الغزال الذي دخل ها هنا الآن؟ فقال: لم أره. فدخلت المكان الذي



(1) يونس: 53.
(2) فرائد السمطين 2: 218 / 493.
563
دخله، فرأيت بعر الغزال وأثر البول، ولم أر الغزال وفقدته، فنذرت لله تعالى أن
لا أؤذي الزوار بعد ذلك، ولا أتعرض لهم إلا بسبيل الخير، وكنت متى دهمني أمر
فزعت إلى هذا المشهد فزرته، وسألت الله تعالى في حاجتي فيقضيها لي.
وقد سألت الله أن يرزقني ولدا ذكرا، فرزقني ابنا، حتى إذا بلغ وقتل عدت
إلى مكاني من المشهد، وسألت الله أن يرزقني ولدا ذكرا، فرزقني ابنا آخر، ولم
أسأل الله تعالى هناك حاجة إلا قضاها لي. فهذا ما ظهر لي من بركة هذا المشهد
(على ساكنه السلام) (1).
12 - وروى بالإسناد عن أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين
الحاكم، قال: سمعت أبا علي عامر بن عبد الله البيوردي الحاكم بمرو الرود، وكان من
أصحاب الحديث، يقول: حضرت مشهد الرضا (عليه السلام) بطوس، فرأيت رجلا تركيا
قد دخل القبة، ووقف عند الرأس، وجعل يبكي ويدعو بالتركية، ويقول: يا رب،
إن كان ابني حيا فاجمع بيني وبينه، وإن كان ميتا فاجعلني من خبره على علم
ومعرفة.
قال: وكنت أعرف اللغة التركية، فقلت له: أيها الرجل ما لك؟ فقال: كان
لي ابن، وكان معي في حرب (إسحاق آباد) ففقدته ولا أعرف خبره، وله أم تديم
البكاء عليه، فأنا أدعو الله تعالى ها هنا في ذلك، فإني سمعت أن الدعاء في هذا
المشهد مستجاب.
قال: فرحمته، وأخذته بيده، وأخرجته لأضيفه ذلك اليوم، فلما خرجنا من



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 285 / 11، بحار الأنوار 49: 333 / 12.
564
المسجد لقينا رجلا طويلا مختطا (1) عليه مرقعة، فلما أبصر بذلك التركي وثب إليه
فعانقه وبكى، وعرف كل واحد منهما صاحبه، فإذا هو ابنه الذي كان يدعو الله
تعالى أن يجمع بينه وبينه، أو يجعله من خبره على علم، عند قبر الرضا (عليه السلام).
قال: فسألته كيف وقعت إلى هذا الموضع؟ قال: فقال: وقعت إلى طبرستان
بعد حرب (إسحاق آباد)، ورباني ديلمي هناك، فالآن لما كبرت خرجت في
طلب أبي وأمي، فقد كان خفي علي خبرهما، وكنت مع قوم أخذوا الطريق إلى
ها هنا، فجئت معهم.
فقال ذلك التركي: لقد ظهر لي من أمر هذا المشهد ما صح لي به يقيني، وقد
آليت على نفسي أن لا أفارق هذا المشهد ما بقيت (2).
13 - وروى الصدوق بالإسناد عن محمد بن أحمد السناني النيسابوري،
قال: كنت في خدمة الأمير أبي نصر بن أبي علي الصغاني صاحب الجيش، وكان
محسنا إلي، فصحبته إلى صغانيان، وكان أصحابه يحسدونني على ميله إلي وإكرامه
لي، فسلم إلي في بعض الأوقات كيسا فيه ثلاثة آلاف درهم وختمه، وأمرني أن
أسلمه في خزانته، فخرجت من عنده، فجلست في المكان الذي يجلس فيه الحجاب،
ووضعت الكيس عندي، وجعلت أحدث الناس في شغل لي، فسرق ذلك الكيس
ولم أشعر به.
وكان للأمير أبي نصر غلام يقال له خطلخ تاش، وكان حاضرا، فلما



(1) اختط الغلام: نبت شعر وجهه.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 287 / 13، بحار الأنوار 49: 336 / 14.
565
نظرت لم أر الكيس، فأنكر جميعهم أن يعرفوا له خبرا، وقالوا لي: ما وضعت ها هنا
شيئا، فما وضعت هذا إلا افتعالا، وكنت عارفا بحسدهم لي، فكرهت تعريف الأمير
أبي نصر الصغاني لذلك، خشية أن يتهمني، وبقيت متحيرا متفكرا لا أدري من أخذ
الكيس، وكان أبي إذا وقع له أمر يحزنه فزع إلى مشهد الرضا (عليه السلام) فزاره، ودعا الله
عز وجل عنده، وكان يكفى ذلك عنده، ويفرج عنه.
فدخلت إلى الأمير أبي نصر من الغد، فقلت: أيها الأمير، تأذن لي في
الخروج إلى طوس، فلي بها شغل؟ فقال لي: وما هو؟ قلت: كان لي غلام طوسي
فهرب مني، وقد فقدت الكيس، وأنا أتهمه به.
فقال لي: انظر أن لا تفسد حالك عندنا. فقلت: أعوذ بالله من ذلك. فقال
لي: ومن يضمن لي الكيس إن تأخرت؟ فقلت له: إن لم أعد بعد أربعين يوما،
فمنزلي وملكي بين يديك، فكتب إلى أبي الحسن الخزاعي بالقبض على جميع أسبابي
بطوس، فأذن لي.
فخرجت وكنت أكتري من منزل إلى منزل، حتى وافيت المشهد (على ساكنه
السلام) فزرت ودعوت الله تعالى عند رأس القبر أن يطلعني على موضع الكيس.
فذهب بي النوم هناك، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، يقول لي: قم، فقد قضى الله
تعالى حاجتك. فقمت فجددت الوضوء، وصليت ما شاء الله ودعوت، فذهب بي
النوم، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، فقال لي: الكيس سرقه خطلخ تاش،
ودفنه تحت الكانون (1) في بيته، وهو هناك بختم أبي نصر الصغاني.
قال: فانصرفت إلى الأمير أبي نصر الصغاني، قبل الميعاد بثلاثة أيام، فلما



(1) الكانون: موضع النار، أو الموقد.
566
دخلت عليه، قلت: قد قضيت حاجتي، فقال: الحمد لله، فخرجت وغيرت ثيابي
وعدت إليه، فقال: أين الكيس؟ فقلت له: الكيس مع خطلخ تاش، فقال: من أين
علمت؟ فقلت: أخبرني به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي عند قبر الرضا (عليه السلام).
قال: فاقشعر بدنه لذلك، وأمر بإحضار خطلخ تاش، فقال له: أين الكيس
الذي أخذته من بين يديه؟ فأنكر، وكان من أعز غلمانه، فأمر أن يهدد بالضرب،
فقلت: أيها الأمير، لا تأمر بضربه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبرني بالموضع الذي
وضعه فيه. قال: وأين هو؟ قلت: هو في بيته مدفون تحت الكانون بختم الأمير.
فبعث إلى منزله بثقة له، وأمره أن يحفر موضع الكانون، فتوجه إلى منزله
وحفر، فأخرج الكيس مختوما، فوضعه بين يديه، فلما نظر الأمير إلى الكيس
وختمه عليه قال لي: يا أبا نصر، لم أكن عرفت فضلك قبل هذا الوقت، وسأزيد في
برك وإكرامك وتقديمك، ولو عرفتني أنك تريد قصد المشهد لحملتك على دابة من
دوابي.
قال أبو نصر: فخشيت أولئك الأتراك أن يحقدوا علي ما جرى، فيوقعوني في
بلية، فاستأذنت الأمير، وجئت إلى نيسابور، وجلست في الحانوت أبيع التين إلى
وقتي هذا (1).
14 - وفي روضات الجنات: أن أنوشيروان المجوسي الإصفهاني، كان بمنزلة
عند خوارزم شاه، فأرسله رسولا إلى حضرة السلطان سنجر بن ملك شاه، وكان به
برص فاحش، وكان يهاب أن يدخل على السلطان لما عرف من نفور الطبائع منه.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 284 / 10، بحار الأنوار 49: 331 / 11.
567
فلما وصل إلى حضرة الرضا (عليه السلام) بطوس، قال له بعض الناس: لو دخلت
قبته وزرته وتضرعت حول قبره، وتشفعت إلى الله سبحانه به، أجابك إليه، وأزال
ذلك عنك. فقال: إني رجل ذمي، ولعل خدم المشهد يمنعوني من الدخول في
حضرته.
فقيل له: غير زيك، وأدخلها من حيث لا يطلع على حالك أحد، ففعل
واستجار بقبره، وتضرع في الدعاء، وابتهل، وجعله وسيلة إلى الله تعالى، فلما
خرج نظر إلى يده، فلم ير فيها أثر البرص، ثم نزع ثوبه وتفقد بدنه، فلم يجد به
أثرا، فغشي عليه، وأسلم وحسن إسلامه، وقد جعل للقبر شبه صندوق من الفضة،
وأنفق عليه مالا، وهذا مشهور شائع، رآه خلق كثير من أهل خراسان (1).
ولقد شاهد الناس، وعلى مر العصور، كثيرا من كرامات الإمام الرضا (عليه السلام)
في استجابة الدعاء، وقضاء الحاجات، وشفاء العاهات، وذلك بالتوسل إلى الله
تعالى بمنزلة صاحب هذه البقعة المباركة عنده تعالى، وفي عصرنا الحاضر، شاهدنا
وسمعنا ما لا يحصى من هذه الكرامات، ولو تطرقنا إليها جميعا لخرجنا عن الغرض
في الكتاب.
فضل زيارته (عليه السلام):
1 - عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الباقر (عليه السلام)، عن آبائه (عليه السلام)، عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة مني بأرض خراسان،



(1) روضات الجنات 6: 273.
568
ما زارها مكروب إلا نفس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه (1).
2 - وعن ابن عمارة، عن أبيه، عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)،
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة مني بأرض خراسان، لا يزورها مؤمن
إلا أوجب الله تعالى له الجنة، وحرم جسده على النار (2).
3 - وروى الحسن بن علي بن فضال، عن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: قال له رجل
من أهل خراسان: يا ابن رسول الله، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، كأنه يقول
لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم
نجمي؟
فقال له الرضا (عليه السلام): أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيكم، وأنا
الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تعالى من حقي، فأنا
وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجا، ولو كان عليه مثل وزر الثقلين
الجن والإنس.
ولقد حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من
رآني في منامه، فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 257 / 14، أمالي الصدوق: 104 / 2، روضة الواعظين:
279، بحار الأنوار 102: 33 / 10.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 255 / 4، أمالي الصدوق: 60 / 6، بحار الأنوار 49: 284 /
3.
569
من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين
جزءا من النبوة (1).
4 - وعن النعمان بن سعد، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما، اسمه اسمي، واسم أبيه اسم
موسى بن عمران، ألا فمن زاره في غربته، غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر،
ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق الأشجار (2).
5 - وعن الحسين بن زيد، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد
الصادق (عليه السلام) يقول: يخرج رجل من ولد ابني موسى، اسمه اسم أمير المؤمنين (عليه السلام)
إلى أرض طوس - وهي بخراسان - يقتل فيها بالسم، فيدفن فيها غريبا، من زاره
عارفا بحقه، أعطاه الله تعالى أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل (3).
6 - وعن أبي الصلت الهروي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: والله ما منا إلا
مقتول شهيد. فقيل له: فمن يقتلك، يا ابن رسول الله؟
قال: شر خلق الله في زمانه، يقتلني بالسم، ويدفنني في دار مضيعة، وبلاد
غربة، ألا فمن زارني في غربتي، كتب الله عز وجل له أجر مائة ألف شهيد، ومائة
ألف صديق، ومائة حاج ومعتمر، ومائة ألف مجاهد، وحشر في زمرتنا، وجعل في



(1) إعلام الورى: 332 - 333، أمالي الصدوق: 61 / 10، بحار الأنوار 49: 283 / 1.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 258 / 17، بحار الأنوار 49: 286 / 1.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 255 / 3، بحار الأنوار 49: 286 / 1.
570
الدرجات العلى من الجنة رفيقنا (1).
7 - وعن أبي الصلت أيضا، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، أنه قال: إني سأقتل
بالسم مسموما ومظلوما، وأقبر إلى جنب هارون، ويجعل الله عز وجل تربتي
مختلف شيعتي وأهل بيتي، فمن زارني في غربتي، وجبت له زيارتي يوم القيامة.
والذي أكرم محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، واصطفاه على جميع الخليقة، لا يصلي أحد
منكم عند قبري ركعتين إلا استحق المغفرة من الله عز وجل يوم يلقاه، والذي
أكرمنا بعد محمد (صلى الله عليه وآله) بالإمامة، وخصنا بالوصية، إن زوار قبري لأكرم الوفود على
الله يوم القيامة، وما من مؤمن يزورني فتصيب وجهه قطرة من السماء إلا حرم الله
عز وجل جسده على النار (2).
8 - وعن حمزة بن حمران، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يقتل أحد حفدتي
بأرض خراسان في مدينة يقال لها طوس، من زاره عارفا بحقه، أخذته بيدي يوم
القيامة، فأدخلته الجنة، وإن كان من أهل الكبائر.
قال: قلت: جعلت فداك، وما عرفان حقه؟
قال: يعلم أنه إمام مفترض الطاعة شهيد، من زاره عارفا بحقه، أعطاه الله
تعالى أجر سبعين ألف شهيد ممن استشهد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقيقة (3).



(1) أمالي الصدوق: 61 / 8، بحار الأنوار 49: 283 / 2.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 256، بحار الأنوار 102: 36 / 23.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 259 / 18، بحار الأنوار 102: 35 / 17 و 18، وقال في
البحار: قوله " على حقيقة " أي كائنا على حقيقة الإيمان، أو شهادة حقيقية.
571
9 - وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث -
أنه (عليه السلام) قال لرجل من أهل طوس: سيخرج من صلبه - يعني موسى بن
جعفر (عليه السلام) - رجل يكون رضى لله في سمائه، ولعباده في أرضه، يقتل في أرضكم
بالسم ظلما وعدوانا، ويدفن بها غريبا، ألا فمن زاره في غربته، وهو يعلم أنه إمام
بعد أبيه، مفترض الطاعة من الله عز وجل، كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
10 - وعن أبي الصلت الهروي - في حديث خروجه (عليه السلام) من نيسابور -
قال: ثم دخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد، ثم خط بيده إلى جانبه، ثم قال:
هذه تربتي، وفيها أدفن، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي وأهل محبتي، والله
ما يزورني منهم زائر، ولا يسلم علي منهم مسلم، إلا وجب له غفران الله ورحمته
بشفاعتنا أهل البيت (2).
11 - وعن ياسر الخادم، قال: قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): لا تشد
الرحال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا، ألا وإني مقتول بالسم ظلما، ومدفون في
موضع غربة، فمن شد رحله إلى زيارتي استجيب دعاؤه، وغفر له ذنوبه (3).



(1) التهذيب 6: 108 / 7، أمالي الصدوق: 470 / 11.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 136 / 1، بحار الأنوار 49: 125 / 1.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 254 / 1، الخصال 1: 143 / 167، بحار الأنوار 102: 36 /
21.
572
12 - وعن الحسن بن علي الوشاء، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إني
سأقتل بالسم مظلوما، فمن زارني عارفا بحقي، غفر الله له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر (1).
13 - وعن الحسن بن علي بن فضال، عن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: إن بخراسان
لبقعة يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة، ولا يزال فوج ينزل من السماء، وفوج
يصعد إلى أن ينفخ في الصور.
فقيل له (عليه السلام): يا بن رسول الله، وأي بقعة هذه؟
قال: هي بأرض طوس، وهي والله روضة من رياض الجنة، من زارني في
تلك البقعة، كان كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكتب الله تعالى له ثواب ألف حجة
مبرورة، وألف عمرة مقبولة، وكنت أنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة (2).
14 - وعن البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام): أبلغ شيعتي
أن زيارتي تعدل عند الله عز وجل ألف حجة.
قال: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): ألف حجة؟ قال (عليه السلام): إي والله ألف ألف
حجة، لمن زاره عارفا بحقه (3).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 261 / 27، بحار الأنوار 102: 38 / 33.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 255 / 5، الفقيه 2: 585 / 3193، أمالي الصدوق: 61 / 7،
التهذيب 6: 108 / 6، بحار الأنوار 102: 31 / 2.
(3) بحار الأنوار 102: 33 / 4 و 5 و 6.
573
15 - وعن البزنطي، قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: ما زارني أحد من
أوليائي عارفا بحقي إلا تشفعت فيه يوم القيامة (1).
16 - وعن أيوب بن نوح، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، قال: من زار أبي (عليه السلام)
بطوس، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر
بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ الله من حساب عباده (2).
17 - وعن حمدان الديواني، قال: قال الرضا (عليه السلام): من زارني على بعد
داري، أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت
الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان (3).
18 - وعن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سمعت الرضا (عليه السلام)
يقول: إني مقتول ومسموم، ومدفون بأرض غربة، أعلم ذلك بعهد عهده إلي أبي،
عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي
شفعاءه يوم القيامة، ومن كنا شفعاءه نجا، ولو كان عليه مثل وزر الثقلين (4).



(1) بحار الأنوار 102: 33 / 7 و 8.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 259، بحار الأنوار 102: 34 / 12.
(3) بحار الأنوار 102: 34 / 13، و 40 / 42.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 263، بحار الأنوار 102: 34 / 15.
574
19 - وعن سليمان بن حفص، قال: سمعت موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: من
زار قبر ولدي علي، كان له عند الله عز وجل سبعون حجة مبرورة.
قلت: سبعون حجة مبرورة؟ قال: نعم، سبعون ألف حجة.
قلت: سبعون ألف حجة؟ قال: فقال: رب حجة لا تقبل، من زاره أو بات
عنده ليله كان كمن زار الله في عرشه.
قلت: كمن زار الله في عرشه؟
قال: نعم، إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله عز وجل أربعة من الأولين
وأربعة من الآخرين، فأما الأولون: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. وأما
الأربعة الآخرون: فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، ثم يمد المطمر (1) فيقعد
معنا زوار قبور الأئمة، ألا إن أعلاها درجة، وأقربهم حبوة، زوار قبر ولدي
علي (عليه السلام) (2).
20 - وعن عبد العظيم الحسني، قال: سمعت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يقول:
ما زار أبي (عليه السلام) أحد، فأصابه أذى من مطر أو برد أو حر، إلا حرم الله جسده على
النار (3).
21 - وعن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ضمنت لمن زار



(1) المطمر: خيط البناء، ولعله كناية عن السراط.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 295، بحار الأنوار 102: 35 / 16.
(3) بحار الأنوار 102: 36 / 20.
575
أبي (عليه السلام) بطوس عارفا بحقه الجنة على الله تعالى (1).
22 - وعن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): ما تقول لمن زار
أباك؟ قال: الجنة والله (2).
23 - وعن ابن أسباط، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): ما لمن زار والدك
بخراسان؟ قال: الجنة والله، الجنة والله (3).
24 - وعن سليمان بن حفص، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)
يقول: إن ابني عليا مقتول بالسم ظلما، ومدفون إلى جانب هارون بطوس، من
زاره كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
25 - وعن أبي الصلت الهروي - في خبر دعبل - قال (عليه السلام): لا تنقضي الأيام
والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس،
كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له (5)، الخبر.



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 256، بحار الأنوار 102: 37 / 25.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 257، بحار الأنوار 102: 37 / 27.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 257، بحار الأنوار 102: 37 / 28.
(4) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 260، بحار الأنوار 102: 38 / 32.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 264، بحار الأنوار 102: 39 / 36.
576
26 - وعن علي بن مهزيار، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): ما لمن أتى
قبر الرضا (عليه السلام)؟ قال: الجنة والله (1).
27 - وعن داود الصرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: من زار
قبر أبي فله الجنة (2).
28 - وعن حمدان الدستوائي، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام)،
فقلت له: ما لمن زار أباك بطوس؟ فقال (عليه السلام): من زار قبر أبي بطوس، غفر الله له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال حمدان: فلقيت بعد ذلك أيوب بن نوح بن دراج، فقلت له: يا أبا الحسين،
إني سمعت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من زار قبر أبي بطوس، غفر الله له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر. فقال أيوب: وأزيدك فيه؟ قلت: نعم. فقال: سمعته يقول
- يعني أبا جعفر (عليه السلام) -: من زار قبر أبي بطوس، غفر الله ما تقدم من ذنبه
وما تأخر، فإذا كان يوم القيامة، نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى
يفرغ الله من حساب الخلائق (3).
29 - وعن علي بن عبد الله بن قطرب، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)،



(1) بحار الأنوار 102: 39 / 37.
(2) بحار الأنوار 102: 40 / 39 و 40.
(3) بحار الأنوار 102: 40 / 41.
577
قال: مر به ابنه وهو شاب حدث، وبنوه مجتمعون عنده، فقال: إن ابني هذا يموت في
أرض غربة، فمن زاره مسلما لأمره، عارفا بحقه، كان عند الله جل وعز كشهداء
بدر (1).
30 - وعن زيد النرسي، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: من زار ابني هذا
- وأومأ بيده إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) - فله الجنة (2).
31 - قال العلامة المجلسي (رحمه الله): ورأيت في بعض مؤلفات أصحابنا، قال: ذكر
في كتاب (فصل الخطاب) عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: من شد رحله إلى زيارتي،
استجيب دعاؤه، وغفرت له ذنوبه، فمن زارني في تلك البقعة كان كمن زار
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة، وكنت
أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة (3).
هذا غيض من فيض مناقبه، وشرف بقعته، وفضل زيارته، رزقنا الله زيارته
في الدنيا، وشفاعته وشفاعة آبائه وأبنائه في الآخرة، فإنه أرحم الراحمين.



(1) بحار الأنوار 102: 41 / 43.
(2) بحار الأنوار 102: 41 / 45.
(3) بحار الأنوار 102: 44 / 51.
578
الفصل التاسع عشر
مدائحه ومراثيه (عليه السلام)
لقد أثنى على الإمام الرضا (عليه السلام) كثير من الشعراء، سواء كان ذلك في حياته
أو بعد شهادته، من المتقدمين والمتأخرين وعلى مر العصور وكر الدهور، وذلك
لانبهارهم بفضائله وكراماته الظاهرة في حياته وبعد شهادته، فراحوا يصفون
ويصورون ما يخالج نفوسهم من الولاء والحب، ويستعرضون مناقبه وتأريخه
ومواقفه المختلفة.
وفيما يلي نماذج من القصائد التي استعرض فيها الشعراء جوانب من حياة
الإمام المفدى (عليه السلام) وبينوا فضائله ومناقبه وتأريخه السياسي وما إلى ذلك من
الأبعاد المتعددة في حياة الإمام (عليه السلام)، وقد رتبناها وفقا لتسلسل أسماء الشعراء
حسب الحروف:
[1] إبراهيم بن إسماعيل:
في (نهاية الإرب): قال إبراهيم بن إسماعيل في الإمام علي بن موسى
الرضا (عليه السلام):
إن الرزية يا بن موسى لم تدع * في العين بعدك للمصائب مدمعا

579
والصبر يحمد في المواطن كلها * والصبر أن نبكي عليك ونجزعا (1)
[2] إبراهيم بن العباس الصولي (2):
1 - قال:
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا * ورهطا وأجدادا علي المعظم
أتتنا به للحلم والعلم ثامنا * إماما يؤدي حجة الله تكتم (3)
2 - وقال يخاطب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ويفضله على
المأمون:
كفى بفعال امرئ عالم * على أهله عادلا شاهدا
يرى لهم طارفا مونقا * ولا يشبه الطارف التالدا (4)
يمن عليكم بأموالكم * وتعطون من مائة واحدا
فلا يحمد الله مستنصرا * يكون لأعدائكم حامدا
فضلت قسيمك في قعدد * كما فضل الوالد الوالدا (5)



(1) إحقاق الحق 12: 411، العوالم 22: 527 / 4.
(2) هو إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول، أبو إسحاق، أصله من خراسان، وكان جده محمد
من دعاة الدولة العباسية ورجالها، وكان كاتبا للمعتصم والواثق والمتوكل، وتنقل في الأعمال
والدواوين إلى أن مات سنة 243 ه‍. قال المسعودي: لا يعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتاب
أشعر منه. الأعلام للزركلي 1: 45.
(3) المناقب 4: 332. تكتم والدة الإمام (عليه السلام).
(4) الطارف: المال الحديث أو المستحدث، ويقابله التالد.
(5) المناقب 4: 350.
580
[3] ابن حماد (1):
1 - قال في مدحه (عليه السلام):
ساقها شوقي إلى طوس * ومن تحويه طوس
مشهد فيه الرضا * العالم والحبر النفيس
ذاك بحر العلم وال‍ * - حكمة إن قاس مقيس
ذاك نور الله لا يطفى * له قط طميس (2)
2 - قال ابن شهرآشوب: وروي أنه أتته ظبية فلاذت به.
قال ابن حماد:
الذي لاذ به الظب‍ * - ية والقوم جلوس
من أبوه المرتضى * يزكو ويعلو ويروس (3)



(1) هو أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي البصري، علم من أعلام
الشيعة، وفذ من علمائها، ومن مشاهير شعرائها، ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ
الصدوق ونظرائه.
وأدركه النجاشي حيث قال في رجاله: قد رأيته، ولد في أوائل القرن الرابع، وتوفي في
أواخره، وهو من المكثرين في أهل البيت (عليهم السلام) مدحا ورثاء، وقد عده ابن شهرآشوب في
المجاهرين من شعرائهم (عليهم السلام)، وجمع العلامة السماوي شعره فيهم (عليهم السلام) مدحا ورثاء في ديوان
يربو على 2200 بيت. الغدير 4: 153.
(2) المناقب 4: 350.
(3) المناقب 4: 348.
581
[4] ابن المشيع المدني (1):
روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أحمد بن علي الأنصاري، قال: قال
ابن المشيع المدني يرثي الرضا (عليه السلام):
يا بقعة مات بها سيدي * ما مثله في الناس من سيد
مات الهدى من بعده والندى * وشمر الموت به يقتدي
لا زال غيث الله يا قبره * عليك منه رائحا مغتدي
كان لنا غيثا به نرتوي * وكان كالنجم به نهتدي
إن عليا بن موسى الرضا * قد حل والسؤدد في ملحد
يا عين فابكي بدم بعده * على انقراض المجد والسؤدد (2)
[5] أبو بكر الخوارزمي (3):
يا هارون من أمره بدعه * جاورت قبرا قربه رفعه



(1) عده ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت المتقين، وهو في المناقب والمعالم لابن شهرآشوب
(المشيع)، واستظهر السيد محسن الأمين في الأعيان سقوط لفظة (ابن) من أوله. أعيان
الشيعة 2: 272.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 25 / 1، بحار الأنوار 49: 317 / 2، المناقب 4: 359.
(3) هو محمد بن العباس الخوارزمي، ولد سنة 323 ه‍ بخوارزم، وتوفي سنة 383 ه‍ بنيسابور،
أحد الشعراء العلماء في اللغة ومعرفة الأنساب، له ديوان شعر ورسائل. الكنى والألقاب 1:
22، أعلام الزركلي 6: 183.
582
تريد أن تفلح من أجله * لن تدخل الجنة بالشفعه (1)
[6] أبو عبد الله بن الحجاج (2):
يا بن من تؤثر المكارم عنه * ومعالي الآداب تمتار عنه
من سمى الرضا علي بن موسى * رضي الله عن أبيه وعنه (3)
[7] أبو فراس الحمداني (4):
قال من قصيدته الشافية:
الدين مخترم والحق مهتضم * وفئ آل رسول الله مقتسم
يا للرجال أما لله منتصف * من الطغاة ولا للدين منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأرض تملكها النسوان والخدم
لا يطغين بني العباس ملكهم * بنو علي مواليهم وإن زعموا



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 350.
(2) هو الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب البغدادي، كان فاضلا شاعرا
أديبا، عده ابن شهرآشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت، وكان معاصرا للشريف
الرضي وأخيه الشريف المرتضى. أمل الآمل 2: 88.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 343.
(4) هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي، أبو فراس، أمير شاعر، وهو ابن عم
سيف الدولة، وكان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك - يعني امرئ القيس
وأبا فراس - وله وقائع كثيرة قاتل بها بين يدي سيف الدولة الحمداني، وتقلد إمارة حران
ومنبج، وقتل سنة 357 ه‍، وله من العمر نحو 37 سنة.
583
أتفخرون عليهم لا أبا لكم * حتى كأن رسول الله جدكم
وما توازن يوما بينكم شرف * ولا تساوت بكم في موطن قدم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
أأنتم آله فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا (1)
[8] أبو محمد اليزيدي (2):
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن يحيى الصولي، قال: أنشدني
عون بن محمد، قال: أنشدني منصور بن طلحة، قال أبو طلحة: قال أبو محمد
اليزيدي: لما مات الرضا (عليه السلام) رثيته فقلت:
ما لطوس لا قدس الله طوسا * كل يوم تحوز علقا نفيسا
بدأت بالرشيد فاقتنصته * وثنت بالرضا علي بن موسى
بإمام لا كالأئمة فضلا * فسعود الزمان عادت نحوسا (3)



(1) ديوان أبي فراس: 259 - 260، والقصيدة طويلة ورد بعض أبياتها في المناقب 4: 376.
(2) هو أبو محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، أديب ولغوي ومؤدب، ولد سنة 138 ه‍،
وتوفي بمرو سنة 202 ه‍، الكنى والألقاب 3: 295، أعلام الزركلي 8: 163.
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 251، بحار الأنوار 49: 318 / 4، العوالم 22: 516 / 1،
والبيت الثاني من القصيدة ينطوي على مدح للرشيد أيضا، كما هو ظاهر، لأن اليزيدي كان
قد اتصل ببعض بني العباس وأدب أولادهم، واتصل بهارون الرشيد فعهد إليه بتأديب المأمون.
584
[9] أبو نؤاس (الحسن بن هانئ) (1):
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي،
قال: إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ولي عهده، وإن الشعراء
قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا (عليه السلام)، وصوبوا رأي
المأمون في الأشعار دون أبي نؤاس، فإنه لم يقصده ولم يمدحه، ودخل على المأمون
فقال له: يا أبا نؤاس، قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني، وما أكرمته به،
فلماذا أخرت مدحه وأنت شاعر زمانك، وقريع دهرك، فأنشد يقول:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا * في فنون من الكلام النبيه
لك من جوهر الكلام بديع * يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى م تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه
فقال له المأمون: أحسنت، ووصله من المال بمثل الذي وصل به كافة
الشعراء، وفضله عليهم (2).



(1) هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء، أبو نؤاس، شاعر العراق
في عصره، ولد في الأهواز، ونشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد، فاتصل فيها بالخلفاء من
بني العباس، فمدح بعضهم، وخرج إلى دمشق ومصر، ومدح أمير مصر الخصيب، وعاد إلى
بغداد فأقام بها، وقد اختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة 198 ه‍، وقيل: سنة 196 ه‍، وقيل
غير ذلك، وبناء على مدحه الرضا (عليه السلام) فإنه توفي بعد سنة 202 ه‍، ولعله ورد مرو أيضا.
الأعلام للزركلي 2: 225.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 142 / 9، إعلام الورى: 329، المناقب 49: 235 / 3، بحار
الأنوار 49: 235 / 3.
585
2 - وعنه بإسناده عن أبي الحسن محمد بن يحيى الفارسي، قال: نظر
أبو نؤاس إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ذات يوم وقد خرج من عند
المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نؤاس، فسلم عليه وقال: يا بن رسول الله، قد
قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني. قال: هات. فأنشأ يقول:
مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لما برا خلقا فأتقنه * صفاكم واصطفاكم أيها البشر
فأنتم الملأ الأعلى وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور
فقال الرضا (عليه السلام): قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد، ثم قال: يا غلام،
هل معك من نفقتنا شيء؟ فقال: ثلاثمائة دينار. فقال: أعطها إياه.
ثم قال (عليه السلام): لعله استقلها، يا غلام سق إليه البغلة (1).
3 - وعنه بالإسناد عن أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، قال: سمعت
أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول: خرج أبو نؤاس ذات يوم من داره، فبصر
براكب قد حاذاه، فسئل عنه ولم ير وجهه، فقيل: إنه علي بن موسى الرضا (عليه السلام)،
فأنشأ يقول:
إذا أبصرتك العين من بعد غاية * وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن قوما أمموك لقادهم * نسيمك حتى يستدل به الركب (2)



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 143 / 10، المناقب 4: 366، بحار الأنوار 49: 236 / 5.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 144 / 11، بحار الأنوار 49: 236 / 4.
586
[10] الشيخ أحمد آل عصفور:
قصدتك يا أرضا أتاها الرضا قسرا * وذلك عن أمر الدعي له جهرا
لثمت ثراك عندما بان بيرق * يرفرف من بعد على القبة النورا
حثثت ركابي قاصدا لرحاب من * أريد به ذخرا وأرجوه للأخرى
فلسنا ننال القرب إلا بقربهم * ولسنا ننال الخلد إلا بهم طرا
ولكنني مع طول مكثي عنده * فلم أك أحضر بالدنو له نثرا
لكثرة من هم يحدقون بقبره * يطوفون حسنا واجدا لم أجد بشرا
وجدت حديثا مرسلا جاء عنكم * يقول بأن الزائرين له نذرا
فقلت له مولاي صح حديثكم * وإني لما قد جاء عنكم له أقرا
وتفسيره أن الذين أتوا لكم * لأصحاب أهل البيت هم به أدرى
فقلت لشخص جاء يبقى جواركم * وقد هجر الأوطان والأهل والوفرا (1)
[11] الشيخ أحمد القطيفي (2):
1 - قال في مدحه (عليه السلام):
للإمام الرضا مناقب شتى * قد روتها الأصحاب والأعداء
يعجز الحاسبون عن نشر بعض * ومحال لكلها الإحصاء
كم أتاح العدى له مهلكات * فيجيء الرضا منها الرخاء



(1) مجموعة الآثار 2: 376.
(2) هو الشيخ العلامة أحمد بن الشيخ صالح بن الطحان.
587
سل بها بركة السباع ففيها * معجز للولي فيه الشفاء
رام منها الرشيد فيها افتراسا * للرضا روحنا إليه الفداء
فأتته لعزه خاضعات * إذ بدى من بهائه الكبرياء
وانثنى الرجس خاطبا ذاك فضل ال‍ * - له يؤتيه من عباده من يشاء
وبطبع الحصاة أجلى دليل * أنه للهدى إمام سواء
مظهر أنه خليفة من في * كفه سبح الإله الحصاء
وبرفع الستور رفع ستور * عن مزايا لهن منه اعتناء
فعليه السلام باق متى ما * أضحك الأرض من سماء بكاء (1)
2 - وقال أيضا:
قل في ابن موسى الرضا ما شئت من * مدح فمنتهى المدح في علياه تقصير
فكلما ستر الأعداء مناقبه * فأتاهم من نكال الله تخسير
كم حاول الغادر المأمون غائلة * فآب وهو قريح القلب مثبور
قد ذاد شيعته عنه وأحضره * بمجلس هو مشهود ومشهور
فجد في زبره ثم استخف به * فقام وهو سخين الدمع مقهور
يدعو الإله بأسماء معظمة * وصوته فيه للجلمود تفجير
ففاجأته من الله العقوبة إذ * دعا عليه الرضا والحق منصور
فنال ما نال من ذل ومسخرة * وما نساه من الجبار تحذير
فدس قوما له في الليل يقدمهم * صبيح الديلمي والكل مأمور



(1) مجموعة الآثار 2: 377.
588
أن قطعوه ولا تبقوا له رمقا * واطووا البساط به والأمر مستور
فقطعوه ولفوا بالبساط كما * شاء اللعين فأخطته المقادير
يريد إطفاء نور الله جل ويأبى * الله أن يتوارى ذلك النور (1)
[12] أشجع بن عمرو السلمي (2):
قال أبو الفرج الإصفهاني:
وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثيه، هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن
علي بن حمزة، عن عمه، وذكر أنها لما شاعت غير أشجع ألفاظها، فجعلها في
الرشيد:
يا صاحب العيس يحدي في أزمتها * اسمع وأسمع غدا يا صاحب العيس
أقر السلام على قبر بطوس ولا * تقر السلام ولا النعمى على طوس
فقد أصاب قلوب المسلمين بها * روع وأفرخ فيها روع إبليس
وأخلست واحد الدنيا وسيدها * فأي مختلس منا ومخلوس
ولو بدا الموت حتى يستدير به * لاقى وجوه رجال دونه شوس
بؤسا لطوس فما كانت منازله * مما تخوفه الأيام بالبوس
معرس حيث لا تعريس ملتبس * يا طول ذلك من نأي وتعريس



(1) مجموعة الآثار 2: 377.
(2) كان شاعرا مفلقا مكثرا، معدودا في فحول الشعراء، عده ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت (عليهم السلام) المتكلفين، وفي أمالي الشيخ الطوسي: أنه قال في الإمام الصادق (عليه السلام) مدحا
فأكرمه خاتمه وأربعمائة درهم. أعيان الشيعة 3: 447.
589
إن المنايا أنالته مخالبها * ودونه عسكر جم الكراديس
أوفى عليه الردى في خيس أشبله * والموت يلقي أبا الأشبال في الخيس (1)
ما زال مقتبسا من نور والده * إلى النبي ضياء غير مقبوس
في منبت نهضت فيه فروعهم * بباسق في بطاح الملك مغروس
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة * من القواعد والدنيا بتأسيس
لا يوم أولى بتخريق الجيوب و * لطم الخدود ولا جدع المعاطيس
من يوم طوس الذي نادت بروعته * لنا النعاة وأفواه القراطيس
حقا بأن الرضا أودى الزمان به * ما يطلب الموت إلا كل منفوس
ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش * رمسا كآخر في يومين مرموس
بمطلع الشمس وافته منيته * ما كان يوم الردى عنه بمحبوس
يا نازلا جدثا في غير منزله * ويا فريسة يوم غير مفروس
لبست ثوب البلى أعزر علي به * لبسا جديدا وثوبا غير ملبوس
صلى عليك الذي قد كنت تعبده * تحت الهواجر في تلك الأماليس
لولا مناقضة الدنيا محاسنها * لما تقايسها أهل المقاييس
أحلك الله دارا غير زائلة * في منزل برسول الله مأنوس
قال أبو الفرج:
هذه القصيدة ذكر محمد بن علي بن حمزة أنها في علي بن موسى
الرضا (عليه السلام) (2).



(1) الخيس: موضع الأسد.
(2) مقاتل الطالبيين: 378، العوالم 22: 525 / 2.
590
[13] البحتري (1):
قال في مدحه (عليه السلام):
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا
حتى انتهيت إلى المصلى لابسا * نور الهدى يبدو عليك فيظهر
ومشيت مشية خاشع متواضع * لله لا يزهى ولا يتكبر
ولو أن مشتاقا تكلف غير ما * في وسعه لمشى إليك المنبر (2)
[14] الشيخ جعفر الهلالي (3):
تفضل سماحة الأديب الشاعر والخطيب المفوه الشيخ جعفر الهلالي، بتقديم
هذه القصيدة بمناسبة ميلاد الإمام الرضا (عليه السلام) بخطه مشكورا، والكتاب ماثل



(1) هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي البحتري، ولد سنة 206، ومات سنة 284 ه‍، أعيان
الشيعة 10: 274، والظاهر من تأريخ ولادته أنه لم يقل هذا الشعر في الإمام الرضا (عليه السلام)، لكنا
ذكرناه لأن ابن شهرآشوب أورده ضمن مدائح الرضا (عليه السلام) ونسبه للبحتري، ولعله رآه مناسبا
لوصف الإمام الرضا (عليه السلام) حين خرج لصلاة العيد، فأورده في مدحه (عليه السلام) مع علمه بأن الشاعر
لم يرد الإمام (عليه السلام) وأنه متأخر عن عصره وزمانه.
(2) المناقب 4: 372، العوالم 22: 428 / 3.
(3) هو الشيخ جعفر بن عبد الحميد بن إبراهيم الهلالي، ولد في مدينة البصرة سنة 1351 ه‍،
وأكمل دراسته في النجف الأشرف على يد نخبة من العلماء، وتخرج من كلية الفقه في النجف
سنة 1384 ه‍، وهو اليوم من خطباء المنبر الحسيني المشهورين، له: الملحمة العلوية، وديوان
شعر مخطوط، ومعجم شعراء الحسين (عليه السلام)، ماثل للطبع.
591
للطبع، اخترنا منها ما يفي بالمقام:
يمم خراسان واقصد ظلها الرحبا * وانشد بها من قريض الشعر ما عذبا
وحيها تربة تسمو بروعتها * فها هنا المجد صرح ينطح الشهبا
مجد له في سما العلياء مؤتلق * لا زال يخترق الأجيال والحقبا
مجد تهاوى له الأملاك ساجدة * من قبل ألف ولم تعدل به سببا
مجد (الرضا) من على هام الزمان له * تاج، فسبحان من أعطى ومن وهبا
سبط النبي وفرع من أرومته * قد شرف الله فيه العجم والعربا
منزه عن صفات النقص طاهرة * منه الثياب تسامى عزة وإبا
من معشر هم لهذا الخلق سادته * من حبهم في كتاب الله قد وجبا
آل الرسول وهل تحصى مناقبهم * عدا، وهل يبلغ المعشار من كتبا
حار الأنام فأفكار الحصيف بها * تاهت وردت على أعقابها نكبا
وهل يحيط بماء البحر من غرفت * كفاه والبحر زخار وما نضبا
ماذا يقول أخو الأشعار في بشر * جلوا عن المدح حتى أخرسوا الخطبا
سر الوجود فلولاهم لما برأ * الله الخلائق لا شمسا ولا قطبا
كانوا البدور بعرش الله محدقة * أنوارهم تكشف الظلماء والحجبا
من قبل آدم للباري تسبحه * حتى تحول فيه النور والتهبا
وحين تسجد أملاك السماء له * كانوا هم السبب المنشود مطلبا
هذا الفخار فأين المدعي كذبا * وهل يسوى برأس أبترا ذنبا
آل النبي وأبناء الوصي فقد * طابوا بذلك أما برة وأبا
* * *
(أبا الجواد) وحسبي أن أبثكها * عواطف الحب لا زورا ولا كذبا
نهلتها فزكت روحي بخالصها * درا زكيا طهورا صافيا رطبا

592
وفيك ظلت أغنيها بقافية * شأت على كل من غنى ومن طربا
في يوم ميلادك الأسمى أرددها * على المسامع تجلو الهم والتعبا
يوم طلعت على الدنيا فراح به * يزهو الوجود وأبدى ثوبه القشبا
يوم " لتكتم " حيث الفضل تكسبه * وفي سباق المعالي تحرز القصبا
و " الكاظم " الغيظ يحيي ذكره خلف * صب الإمامة يتلوه بها عقبا
أكبرته علما تهدى النفوس به * إلى الحقيقة نهجا مشرقا لحبا
* * *
يا من غدوت من الباري بقيته * على العباد يزيل الشك والريبا
ويا إماما تحدى في إمامته * أهل الضلال وقد راموا بها شغبا
ف‍ (الواقفية) أغرتها مطامعها * غداة راحت تحيك الزور مكتسبا
قد أنكرت لأبيك الطهر موتته * وصورت أنه قد غاب واحتجبا
وتلكم الطعنة النجلاء كاد بها * ركن الإمامة أن ينهد منشعبا
فرحت تبطل ما حاكوا وما برموا * بثاقب من دليل الحق قد لهبا
حتى شمخت وقد هدت مطامعهم * وزيفوا وتلاشوا بعد ذاك هبا
سبحان ربك لم يترك شريعته * نهبا فأعطاك منه النصر والغلبا
* * *
يا من به الدين قد ألفي دعائمه * مصانة حيث كنت الدرع واليلبا
شيدته بعظيم الفكر تنشره * رعبا هزمت به للكفر ما جلبا
قارعتها حججا وافى بها نفر * من كل طائفة قد أجلبت عصبا
ولا غرابة يا بن الأكرمين إذا * لاحت خلالك في دنيا الهدى شهبا
فأنت للعلم والعرفان وارثه * من أحمد فاض كالبركان وانسكبا
حتى عدوك لم تبخل عليه بما * وضعت من منهج للطب قد نسبا

593
ورحت ترشده عن نقض بيعته * في شكلها فأعاد الأمر واضطربا
قد رام خفض مقام أنت صاحبه * فكان كالوعل أدمى قرنه فنبا
يريد إطفاء نور الله في صلف * والله يأبى سوى ما خط أو كتبا
* * *
أين الصروح بني العباس هل بقيت * آثارها حين ضجت منكم صخبا
أين الجمور وقد كانت معتقة * تجلى الكؤوس بها صرفا لمن شربا
أين المزامير والقينات تصحبها * تحيى الليالي بها مجنونة طربا
أين الذي وسع الدنيا بما غنمت * يجبى الخراج له ما أمطرت سحبا
وأين من كاد يبغي في حبائله * غدر الرضا مذ له من داره جلبا
فلا الرشيد له ملك يخلده * ولا بقي لابنه المأمون ما طلبا
وقبلهم في الورى كانوا فراعنة * طواهم الدهر لا مجدا ولا حسبا
وذاك (موسى) وبرد الخلد جلله * وذا (علي) تسامى عزه قببا
فبالتقى هذه الآثار واضحة * أعلامها للهداة السادة النجبا
على الطريق مصابيح منورة * ما خاب من بهم استهدى وما نكبا
[15] الشيخ جابر الكاظمي (1):
قال (رحمه الله) عندما زار مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) في إيران:



(1) هو الشيخ جابر بن الشيخ عبد الحسين الكاظمي، ولد في مدينة الكاظمية سنة 1222 ه‍،
وله ديوان شعر، وتوفي سنة 1312 ه‍، ودفن في صحن الإمامين الجوادين (عليهما السلام)، كان فاضلا
أديبا، وشاعرا ألمعيا، حسن الخط، متين النثر، وترك عدة آثار أدبية وشعرية. معارف
الرجال 1: 147.
594
ثنينا عطف محمود الثناء * لمغنى سبط ختم الأنبياء
لربع هداية لله فيه * مواهب رحمة لذوي الولاء
لمغنى فيه للرضوان مأوى * وفيه للرضا أسمى بناء
لمغنى تلثم الشمس اعتمادا * تراه في الصباح وفي المساء
* * *
إلى شمس الشموس وما سواه * أنيس في الأسى للأصفياء
إلى شمس حبا طوسا بشمس * تفوق الشمس باهرة الضياء
علي الندب وابن الندب موسى * سليل ذوي الهدى أهل العباء
إمام من إمام من إمام * وما لله فيه من بداء
وثامن سادة سادت بمجد * سما أدناه مجد الأنبياء (1)
[16] السيد حسن الأعرجي (2):
علي بن موسى حجة الله في الورى * بعيد مدى العلياء زاكي المناسب
إمام الورى هادي الأنام بلا مرا * عظيم القرى رب التقى والمناصب
هو البحر بحر العلم والحلم والحجى * وبحر العطايا والندى والمواهب
نماه إلى العلياء سراة أماجد * مناجيب من عليا لؤي بن غالب
علومهم تهدي الورى من دجى العمى * وآراؤهم مثل النجوم الثواقب



(1) موسوعة العتبات المقدسة 11: 175، عن ديوان جابر الكاظمي: 31 - 34، بغداد 1964.
(2) هو السيد حسن بن السيد يحيى بن السيد أحمد الأعرجي الحلي، شاعر وأديب. أعيان
الشيعة 5: 392، البابليات 1: 159.
595
صناديد ورادون في كل مأقط (1) * يطير له لب الكمي المحارب
إذا استعرت نار الهياج وأرعدت * فوارسها من كل قوم موائب
وقد عقدت أيدي المذاكي عجاجه * من النقع تسمو فوق مجرى الكواكب
يروون أطراف الأسنة والظبا (2) * نجيعا عبيطا من نحور الكتائب
بضرب يقد الهام عن مقعد الطلى (3) * وطعن يرد السمر حمر الذوائب
هم آل بيت المصطفى معدن الوفا * غيوث سما الجدوى ليوث المقانب
بهم نهتدي من ظلمة الجهل والعمى * ونرجوهم عند اشتداد النوائب
فيا خير من سارت إليه بنو الرجا * فراحت بجدواه ثقال الحقائب (4)
[17] السيد حسين محمد تقي بحر العلوم (5):
قال في مدحه (عليه السلام):
كما ودع الطفل در الحنان * برغم عواطفه يفطم
كما ودعت زهرة حقلها * ففاض الشذى وارتمى البرعم
كما ودعت رعشات الضحى * بلابل باتت به تحلم



(1) أي موضع للحرب.
(2) الظبا: جمع ظبة، حد السيف والرمح.
(3) الطلى: الرقاب.
(4) مجموعة الآثار 2: 387.
(5) هو السيد حسين بن محمد تقي بن حسن بن إبراهيم الطباطبائي، الشهير ببحر العلوم، أديب
فاضل، وشاعر مطبوع، ولد سنة 1347 ه‍، شعراء الغري 3: 254.
596
كما ودع القلب دار الحبيب * فأرخت عيون وشاط الدم
مثلت أودع قبر الرضا * وقد شف لي سره المبهم
ونور الإمامة حول الضريح * غمر بفيض الهدى مرزم
فجلت كأني ببيت الإله * وكعبته الجدث الأعظم
تجول الورى حوله مثلما * يجول بأشواطه المحرم
وتضرع أنفسهم بالدعاء * إلى مصدر الخير تسترحم
سيول تدافع من مثلها * فهذي تمس وذي تهجم
وتلك تقبل في لهفة * فينبض قلب ويطري (1) فم
وفي مكة حجر واحد * يسابق باللثم إذ يزحم
ولكن هنا في ضريح الإمام * أحجاره كلها تلثم (2)
[18] السيد حسين رضا بحر العلوم (3):
كم أنحلتك على رغم يد الغدر * فلم تدع لك من رسم ولا أثر



(1) أي: يلهج بذكره.
(2) مجموعة الآثار 2: 388.
(3) هو السيد حسين بن السيد رضا بن مهدي، الشهير ببحر العلوم، شاعر كبير، وعالم جهبذ،
ولد في النجف سنة 1221 ه‍، وتوفي سنة 1306 ه‍، وقد أصيب ببصره ثمان سنين لم ينفعه علاج
الأطباء، ثم ذهب إلى إيران عام 1284 ه‍ للعلاج، فلما استيأس من علاج الأطباء، قصد
الإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان للتبرك، ونظم هذه القصيدة، فتوسل بها إليه مستغيثا مما حل
به، وبقي أياما يكتحل بتلك التربة حتى برئ ورجع إلى النجف مبصرا سنة 1287 ه‍. شعراء
الغري 3: 216.
597
أراك من عظم ما تحويه من كرب * تجوب قفر الفيافي البيد في خطر
أحشاك من لوعة الأحزان مشعلة * ودمع عينيك يحكي جدولي نهر
لا غرو أن لا يطيق الصبر ذو نصب * مضنى الفؤاد قريح الجفن من سهر
الصبر يحمد كل الحمد جارعه * لكن بشرب مراد الهم غير مري
ما زلت من ألم الأسقام في غصص * لم تخل يوما أخا البلوى من الكدر
ولم يخلف دواهي الدهر منك عدا * زفير وجه يضاهي لفحة الشرر
فلست تنفك كلا عن شدائدها * لا والمقام وركن البيت والحجر
ولا ينجيك من ضر تكابده * سوى علي بن موسى خيرة الخير
ذاك الهمام الذي إن صال يوم وغى * حكى أبا الحسن الكرار خير سري
سامي مقام أقام الدين في حجج * لم تبق غيا لغاو لا ولم تذر
إن خانك الدهر وأصمتك أسهمه * فالجأ إليه لكي تنجو من الدهر
من قاس كفيه بالبحر المحيط فقد * أطرى بأبلغ إطراء على البحر
وفقت يا طوس آفاق السما علا * مذ حل فيك سليل الطاهر الطهر
يا آية الحق بل يا معدن الدرر * يا أشرف الخلق يا بن الصيد من مضر
قد حزت فضلا عن الصيد الكرام كما * في الفضل حازت ليالي القدر عن أخر
وكم بدت لك من آي ومعجزة * يصفو لها كل ذي قدر ومقتدر
واسيت جدك في أشجان غربته * حتى قضيت بفتك الغادر الأشر
أشكو إلى الله من دهر أبادكم * بالسم طورا وطورا بالقنا السمر
يا نيرا فاق كل النيرات سنا * فمن سناه ضياء الشمس والقمر
قصدت قبرك من أقصى البلاد * ولا يخيب تالله راجي قبرك العطر
رجوت منك شفا عيني وصحتها * فامنن علي بها واكشف قذى بصري

598
حتام أشكو سليل الأكرمين أذى * أذاب جسمي وأوهى ركن مصطبري
صلى الإله عليك الدهر متصلا * ما إن يسح سحاب المزن بالمطر (1)
[19] دعبل بن علي الخزاعي (2):
وقد ذكرنا تائيته كاملة في الفصل العاشر من هذا الكتاب.
1 - روى الشيخ الصدوق عن دعبل بن علي، قال: جاءني خبر موت
الرضا (عليه السلام) وأنا بقم، فقلت قصيدتي الرائية:
أرى أمية معذورين إن قتلوا * ولا أرى لبني العباس من عذر
أولاد حرب ومروان وأسرتهم * بنو معيط ولاة الحقد والوغر (3)
قوم قتلتم على الإسلام أولهم * حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر
أربع (4) بطوس على قبر الزكي بها * إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس: خير الناس كلهم * وقبر شرهم، هذا من العبر



(1) مجموعة الآثار 2: 389.
(2) هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان الخزاعي، أبو علي، ويقال له: أبو جعفر، أصله من
الكوفة، وأقام في بغداد، أكثر شعره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) وهجاء حكام عصره.
روى عن الإمام الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام)، وله مصنفات، منها: (الواحدة)
و (طبقات الشعراء) وغيرهما، استشهد سنة 246 ه‍.
رجال النجاشي: 161 / 428، تأريخ بغداد 8: 382، معجم الأدباء 11: 99، الأغاني
18: 39، الشعر والشعراء: 582.
(3) الوغر: الغيظ والحقد.
(4) أي: تمهل وتوقف.
599
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما * على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر (1)
2 - وقال دعبل بن علي يرثيه (عليه السلام):
يا حسرة تتردد * وعبرة ليس تنفد
على علي بن موسى ب‍ * - ن جعفر بن محمد
قضى غريبا بطوس * مثل الحسام المجرد
يا طوس طوباك قد * صرت لابن أحمد مشهد
ويا جفوني استهلي * ويا فؤادي توقد (2)
3 - وقال يرثيه (عليه السلام):
يا نكبة جاءت من الشرق * لم تترك مني ولم تبق
موت علي بن موسى الرضا * من سخط الله على الخلق
وأصبح الإسلام مستعبرا * لثلمة بائنة الرتق
سقى الغريب المنتئي قبره * بأرض طوس سبل الودق
أصبح عيني مانعا للكرى * وأولع الأحشاء بالخفق (3)



(1) أمالي الصدوق: 526 / 16، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 251 / 2، مناقب ابن شهرآشوب
4: 359، بحار الأنوار 49: 318 / 3.
(2) المناقب 4: 376، موسوعة العتبات المقدسة 11: 186، ديوان دعبل: 185.
(3) موسوعة العتبات المقدسة 11: 186، المناقب 4: 376، العوالم 22: 511.
600
4 - قال أبو الفرج الإصفهاني: وأنشدني علي بن سليمان الأخفش لدعبل بن
علي الخزاعي يذكر الرضا (عليه السلام) والسم الذي سقيه، ويرثي ابنا له، وينعى على الخلفاء
من بني العباس:
على الكره ما فارقت أحمد وانطوى * عليه بناء جندل ورزين (1)
وأنزلته بيتا خسيسا متاعه * وإني على رغمي به لضنين
ولولا التأسي بالنبي وأهله * لأسبل من عيني عليه شؤون
هو النفس إلا أن آل محمد * لهم دون نفسي في الفؤاد كمين
أضر بهم إرث النبي فأصبحوا * يساهم فيه ميتة ومنون
دعتهم ذئاب من أمية وانتحت * عليهم دراكا أزمة وسنون
وعاثت بنو العباس في الدين عيثة * تحكم فيه ظالم وظنين
وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده * وما ذاك مأمون وذاك أمين
فما قبلت بالرشد منهم رعاية * ولا لولي بالأمانة دين
رشيدهم غاو، وطفلاه بعده * لهذا رزايا دون ذاك مجون
ألا أيها القبر الغريب محله * بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما أدري أمسقي شربة * فأبكيك، أم ريب الردى فيهون
وأيهما ما قلت إن قلت شربة * وإن قلت موت إنه لقمين
أيا عجبا منهم يسمونك الرضا * ويلقاك منهم كلحة وغضون
أتعجب لأجلاف أن يتخيفوا (2) * معالم دين الله وهو مبين



(1) أحمد: ولده الذي فارقه مكرها في بغداد ففجع به، والجندل: الحجارة، والرزين: الثقيل.
(2) أي: يتنقصوا.
601
لقد سبقت فيهم بفضلك آية * لدي، ولكن ما هناك يقين (1)
5 - وقال في رثائه (عليه السلام):
ألا ما لعيني بالدموع استهلت * ولو فقدت ماء الشؤون (2) لقرت
على من بكته الأرض واسترجعت له * رؤوس الجبال الشامخات وذلت
وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمها ناحت عليه وكلت
فنحن عليه اليوم أجدر بالبكا * لمرزئة عزت علينا وجلت
رزئنا رضي الله سبط نبينا * فأخلفت الدنيا له وتولت
وما خير دنيا بعد آل محمد * ألا لا نباليها إذا ما اضمحلت
تجلت مصيبات الزمان ولا أرى * مصيبتنا بالمصطفين تجلت (3)
6 - وقال في رثائه (عليه السلام):
لقد رحل ابن موسى بالمعالي * وسار بسيره العلم الشريف
وتابعه الهدى والدين كلا * كما يتتبع الإلف الأليف
فيا وفد الندى عودوا خفاف ال‍ * - حقائب لا تليد ولا طريف
وقد كنا نؤمل أن سيحيا * إمام هدى له رأي حصيف
ترى سكناته فتقول غر * وتحت سكونه رأي ثقيف



(1) ديوان دعبل: 288، مقاتل الطالبيين: 379.
(2) الشؤون: العروق التي تدر الدموع.
(3) ديوان دعبل: 149، المناقب 4: 376، بحار الأنوار 49: 315 / 1.
602
له سمحاء تغدو كل يوم * بنائله، وسارية تطوف
فأهدأ ريحه قدر المنايا * وقد كانت له ريح عصوف
أقام بطوس تلحفه المنايا * مزار دونه نأي قذوف
فقل للشامتين بنا رويدا * فما تبقي امرءا يمشي الحتوف
سررتم بافتقاد فتى بكاه * رسول الله والدين الحنيف (1)
[20] الشيخ سليمان البلادي:
قال في رثائه (عليه السلام):
لتبكه مقل الأنوار بما ملأت * أنواء كفيه للعافين غدرانا
وليبكه الدين والذكر الحكيم كما * أبان للناس آيات وبرهانا
الله أكبر إن الدين قد كسفت * ذكاه (2) لما ابن موسى حل تربانا
الله أكبر إن العلم قد نضبت * بحاره لابن موسى بعدما بانا
يا غيرة الله قلب الكون قلبه * سم يقطع للأحشاء ألوانا
وبضعة من رسول الله بضعها * بالسم من بضع القرآن طغيانا
قضى الرضا نحبه سما فحين قضى * قضى الهدى عادما للحق تبيانا
قضى غريب خراسان بغصته * نفسي الفدا لغريب في خراسانا
ليت النبي يراه قاذفا كبدا * كانت لدين الله قلبا وعنوانا
ليت النبي يراه للردى غرضا * معالجا سكرات السم لهفانا



(1) ديوان دعبل: 235، المناقب 4: 377، موسوعة العتبات المقدسة 11: 186.
(2) أي: شمسه.
603
لقد ذوى عود ريحان النبوة إذ * قضى الذي كان للأملاك ريحانا
على النبي عزيز والأئمة أن * يروا سليلهم بالسم سكرانا
وعز أن تنظر الزهراء مهجته * مضرومة بضرام السم عدوانا
أفديه ملقى كساه السم ثوب ضني * برد إذا ما اكتساه أخشب لأنا
وإن سما سرى في الجسم منه سرى * في قلب كل ولي طاب إيمانا (1)
[21] الصاحب بن عباد (2):
1 - قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): قال الصاحب الجليل إسماعيل بن عباد (رضي الله عنه) في
إهداء السلام إلى الرضا (عليه أفضل الصلوات والسلام):
يا سائرا زائرا إلى طوس * مشهد طهر وأرض تقديس
أبلغ سلامي الرضا وحط على * أكرم رمس لخير مرموس
والله والله حلفة صدرت * من مخلص في الولاء مغموس



(1) رياض المدح والرثاء: 171.
(2) هو إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني، وزير غلب عليه الأدب، عده
ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين، وله أشعار كثيرة في مدائحهم ومراثيهم (عليهم السلام)،
وهو من شعراء الغدير، وكان من نوادر الدهر علما وفضلا وتدبيرا وجودة رأي، استوزره
مؤيد الدولة ابن بويه الديلمي، ثم أخوه فخر الدولة، ولقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة
من صباه، فكان يدعوه بذلك، ولد في الطالقان من أعمال قزوين سنة 326 ه‍، وتوفي بالري
سنة 385 ه‍، ونقل إلى إصفهان فدفن فيها، وله تصانيف جليلة، منها: المحيط، الوزراء،
الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، وغيرها. الأعلام للزركلي 1: 316، أعيان الشيعة 3:
328، الغدير 4: 42.
604
إني لو كنت مالكا إربي * كان بطوس الفناء تعريس
وكنت أمضي العزيم مرتحلا * منتسفا (1) فيه قوة العيس
لمشهد بالذكاء (2) ملتحف * وبالسناء والثناء مأنوس
يا سيدي وابن سادتي ضحكت * وجوه دهري بعقب تعبيس
لما رأيت النواصب انتكست * راياتها في زمان تنكيس
صدعت بالحق في ولائكم * والحق مذ كان غير منحوس
يا بن النبي الذي به قمع * الله ظهور الجبابر الشوس (3)
وابن الوصي الذي تقدم في ال‍ * - فضل على البزل القناعيس (4)
وحائز الفخر غير منتقص * ولابس المجد غير تلبيس
إن بني النصب كاليهود وقد * يخلط تهويدهم بتمجيس
كم دفنوا في القبور من نجس * أولى به الطرح في النواويس (5)
عالمهم عندما أباحثه * في جلد ثور ومسك (6) جاموس
إذا تأملت شؤم جبهته * عرفت فيها اشتراك إبليس



(1) أي: مقتلعا، ومتحديا قوة الإبل في سيرها.
(2) الذكاء: اسم للشمس.
(3) الشوس: جمع أشوس، وهو الرافع رأسه تكبرا.
(4) البزل: جمع بازل، وهو من الإبل ما طلع نابه، وذلك في السنة الثامنة أو التاسعة.
والقناعيس: جمع قنعاس، العظيم من الإبل.
(5) النواويس: مقابر النصارى.
(6) المسك: العقل، والمسك: الجلد.
605
لم يعلموا والأذان يرفعكم * صوت أذان أم قرع ناقوس
أنتم حبال اليقين أعلقها * ما وصل العمر حبل تنفيس
كم فرقة فيكم تكفرني * ذللت هاماتها بفطيس (1)
قمعتها بالحجاج فانخذلت * تجفل عني بطير منحوس
إن ابن عباد استجار بكم * فما يخاف الليوث في الخيس
كونوا أيا سادتي وسائله * يفسح له الله في الفراديس
كم مدحة فيكم يحيزها * كأنها حلة الطواويس
وهذه كم يقول قارئها * قد نثر الدر في القراطيس
يملك رق القريض قائلها * ملك سليمان عرش بلقيس
بلغه الله ما يؤمله * حتى يزور الإمام في طوس (2)
2 - وله أيضا في إهداء السلام إلى الرضا (عليه السلام):
يا زائرا قد نهضا * مبتدرا قد ركضا
وقد مضى كأنه * البرق إذا ما أومضا
أبلغ سلامي زاكيا * بطوس مولاي الرضا
سبط النبي المصطفى * وابن الوصي المرتضى
من حاز عزا أقعسا (3) * وشاد مجدا أبيضا



(1) الفطيس: المطرقة العظيمة.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 4، العوالم 22: 522.
(3) الأقعس: ذو المنعة والعز.
606
وقل له من مخلص * يرى الولا مفترضا
في الصدر لفح حرقة * تترك قلبي حرضا (1)
من ناصبين غادروا * قلب الموالي ممرضا
صرحت عنهم معرضا * ولم أكن معرضا
نابذتهم ولم أبل * إن قيل قد ترفضا
يا حبذا رفضي لمن * نابذكم وأبغضا
ولو قدرت زرته * ولو على جمر الغضا
لكنني معتقل * بقيد خطب عرضا
جعلت مدحي بدلا * من قصده وعوضا
أمانة موردة * على الرضا ليرتضى
رام ابن عباد بها * شفاعة لن تدحضا (2)
[22] السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني (3):
يا أرض طوس تجاوزت السماء علا * إذ لابن موسى الرضا ضمنت جثمانا



(1) أي: مشرفا على الهلاك.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 6، العوالم 22: 524.
(3) هو السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني الحلي النجفي، المعروف بميرزا صالح، ولد
في الحلة سنة 1257 ه‍، وتوفي سنة 1303 ه‍ بالنجف، وكان عالما فاضلا، وأديبا شاعرا. أعيان
الشيعة 7: 378، البابليات 2: 140.
607
سقاك يا طوس وسمي الحيا وهمى * في أجرعيك وروى الرند والبانا
فكم أجرت طريدا أم ملتجئا * وكم أغثت صريخا ظل حيرانا
لتهن طوس بأن أضحت معالمها * للشمس برجا وللأملاك أوطانا
فيا غريبا قضى بالسم منفردا * أبكى الأعادي وأصمى الإنس والجانا
أقام في يثرب عصرا وأشخصه ال‍ * - مأمون قسرا إلى أقصى خراسانا
كم من أذى وعناء منه كابده * في القرب والبعد حتى حينه (1) حانا
ولاه عهدا ولم يقبل ولايته * طوعا وأعرب عن مكنون ما صانا
تضوع الكون من ذكرى مكارمه * مسكا وكان له روحا وريحانا
يا مفجع العرب في توقيع رحلته * ومودع القلب بالتوديع نيرانا



(1) الحين: الموت.
608
ودعت جدك والأهلين تخبرهم * لذاك آخر عهدي فيكم كانا
فهل درى البيت بيت الله أن هدمت * منه عتاة بني العباس أركانا
وهل درت هاشم أن ابن سيدها * قضى غريبا مروع القلب حرانا
وهل درت يثرب ألوت نضارتها * وسامها الدهر بعد العز نقصانا
وهل درى من به كوفان قد فخرت * بما انطوى من فخار في خراسانا
وهل درى الكرخ ما في طوس من نوب * جلت وقوعا وما منها الرضا عانى
وهل درى من بسامراء أن غدرت * أعداؤهم بالرضا ظلما وعدوانا
فلتبكه الأرض حزنا والسماء دما * والإنس والجن والأملاك أشجانا
تشفي معاجزك الأعمى الأصم لهم * فكيف كانوا بها صما وعميانا (1)



(1) المجالس السنية 5: 612.
609
[23] عبد الباقي العمري (1):
قال مشطرا بيتين للحاج محمد عيسى جلبي:
(قبة للرضا حوت كل فضل) * ما حواه وادي طوى والطور
وتلا الوحي سورة النور فيها * (مذ حوت من له بهاء ونور)
(قبة للأفلاك لم تبق فخرا) * تتباهى به غداة تمور
وهي تحكي بيض الأنوق (2) حفاظا * (قال لبي: لكل لب قشور) (3)
[24] الشيخ عبد الحسين الحويزي (4):
قال في رثائه (عليه السلام):
سود الحوادث أرهفت لي بيضها * من فتكها درع اليقين يقيني



(1) هو عبد الباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي، الموصلي، أديب وشاعر ومؤرخ، ولد
بالموصل، وانتقل إلى بغداد، وولي بها أعمالا حكومية، وتوفي بها سنة 1278 ه‍، وله آثار،
منها: نزهة الدهر، وأهلة الأفكار، والباقيات الصالحات، والترياق الفاروقي (شعر)،
وغيرها. معجم المؤلفين 5: 71، تأريخ آداب اللغة العربية 4: 235، إيضاح المكنون 1:
285، و 2: 639، هدية العارفين 1: 497.
(2) الظاهر أن المراد البيض من النياق، لأن الأنوق جمع ناقة.
(3) موسوعة العتبات المقدسة 11: 190.
(4) هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن يوسف بن أحمد الحويزي، شاعر شهير، وأديب واسع
الاطلاع، ولد في النجف سنة 1287 ه‍، وتوفي سنة 1376 في كربلاء، ودفن في النجف. أعيان
الشيعة 7: 449، شعراء من كربلاء 1: 253.
610
أسخطت دهرا خائنا بصروفه * عهد الرضا بخلافة المأمون
نصب الإمام ولي عهد بعده * ونفى خلافته لأهل الدين
ما تلك إلا خدعة من رأيه * وخيانة منه لخير أمين
ومن المدينة يوم أشخص شخصه * أبدى بطوس منه عهد خؤون
وغدا يفكر كيف يورده الردى * والأمر ممتنع عن التبيين
بالسيف أم بالسم يقتل غيلة * روح الوجود وعلة التكوين
وأراد أن يقضي الرضا والناس لا * تدري أصيب بأي سهم منون
فصبا إليه ولم يزل في نطقه * بالنصح يمزج قسوة في اللين
فلو استطاع نفاه عن أوطانه * وله أعد سلاسل المسجون
ما انفك يرقب يا بن موسى فرصة * بالغدر خالية عن التعيين
فرأى الرضا كيد العدو كما رأى * موسى بن جعفر من يدي هارون
لكن أبى في جسر دجلة جسمه * يلقى رهين السجن بضع سنين
هذا ابن موسى من تقرب باسمه * موسى بجنب الطور من سينين
في السجن خلده الرشيد ولم يخف * يوم القيامة من لظى سجين
لا زال حكم الجور ينقل فيهم * من كف ملعون إلى ملعون
لما محو آثار سنة أحمد * ضربوا بنيه بصارم مسنون
وأتوا بسيدهم إلى الحسن الرضا * وبملكهم تركوه كالمرهون
قتلوا به الدين الحنيف وأرغموا * أنف الهداية شامخ العرنين
صفرت من الإسلام كف بعده * إذ كان أكبر ناصر ومعين
ندب له ندب الوجود بأسره * والكون بات بحرقة وأنين
قد كان كهفا للطريد وملجأ ال‍ * - عافي وكنز البائس المسكين

611
هتفت له السبع المثاني والملا * تبكي إماما من بني ياسين
خطب أذاب من الزمان جنانه * وأشاب حزنا وأسى كل جنين (1)
[25] الشيخ عبد الحسين شكر (2):
قال في رثائه (عليه السلام):
ماذا أطل عوالم التكوين * فتجلببت آفاقها بشجون
هل قامت الأخرى فأظلم أوجها * ووهى الزمان وأهله بمنون
أم غاب عنها بدرها أو ما مضى * شمس الهداية من بني ياسين
من معشر صيد بهم رب العلا * قد قال للأشياء طرا كوني
لله رزء هد أركان الهدى * من بعده قل للرزايا هوني
لله يوم لابن موسى زلزل الس‍ * - بع الطباق فأعولت برنين
يوم به أشجى البتولة خائن * يدعى بعكس الأمر بالمأمون
يوم به أضحى الرضا متجرعا * سما بكأس عداوة وضغون
فقضى عليه المجد حزنا إذ قضى * والدين ناح ومحكم التبيين
فمن المعزي المرتضى أن الرضا * نال العدى منه قديم ديون
* * *



(1) مجموعة الآثار 2: 412.
(2) هو الشيخ عبد الحسين بن أحمد بن حسين بن شكر النجفي، المتوفى سنة 1285 ه‍، كان أديبا
شاعرا، من أفاضل الشعراء وأحاسن الأدباء، وذوي البديهة والإكثار من الشعر. شعراء
الغري 5: 133، أعيان الشيعة 7: 438.
612
وبطوس قبر ضم أي معظم * أبكى الأمين عليه أي خؤون
لله مفتقد عليه تجلبب * الدين الحنيف أسى ثياب الهون
ومجرعا سما لكم قد شاهدوا * آياته بالنص والتعيين
كم في وثوب الأسد يوم بعزمه * فتكت بعزم الحاجب الملعون
آيات حق قد أبان لجاحد * كيما يبدل نسكه بيقين
وبطيه الأرضين أية معجز * كقدوم طوس نحوه بحنين
هو آية أوصافها جلت عن * الإحصاء بل عزت عن التبيين
يا ضامن الجنات يدخل من يشا * فيها ومن قد شاء في سجين
خذني إلى مثواك في الدنيا وفي * الأخرى إلى مأواك عليين
وصحيفتي مشحونة وزرا ففضلا * نجني في فلكك المشحون
وعليك صلى ذو الجلال مسلما * ما دمت علة عالم التكوين (1)
[26] السيد عبد الله المشعشعي (2):
أتيناك نقطع شم الجبال * وما ذاك إلا لنيل الرتب
وخلفت في موطني جيرة * بقلبي عليهم لهيب العطب
وقالوا: إلى أين تبغي المسير * وتتركنا في عظيم اللغب؟ (3)



(1) شعراء الغري 5: 152 - 154، وأورد السيد محسن الأمين في المجالس السنية 5: 615،
سبعة أبيات منها.
(2) هو السيد عبد الله خان بن السيد علي خان المشعشعي، المتوفى سنة 1097 ه‍، أمير الحويزة
بعد أخيه حيدر خان. أعيان الشيعة 8: 63.
(3) اللغب: الكلام الفاسد.
613
فقلت: إلى نور عين الرسول * وأزكى قريش وخير العرب
علي بن موسى وصي الرسول * سليل المعالي رفيع الحسب
إمام الورى أشرف العالمين * حميد السجايا شريف النسب
فأنت الإمام ونجل الإمام * وأنت المرجى لدفع الكرب
أجرني من نائبات الزمان * ومثلك من يرتجى للنوب
وأرجوك يا أكرم العالمين * تخلصني من عظيم النصب
وأرجع من بعدها للديار * وأقضي الذي لي بها من إرب
ومن لي سواك بيوم النشور * وأنت الشفيع وخير السبب
وصلى الإله على من به * ورثنا السيادة دون العرب (1)
[27] عبد المجيد العطار (2):
غريب قضى سما بطوس فديته * بعيد مدى ثاو بغربة أوطان
سعى فيه قوم لا سقى صيب الحيا * حفائر ضمت منهم كل خوان
لأن أظهروا عهد الولاء وأضمروا * له بعد توكيد الولا نقض أيمان
فقد خسروها صفقة من شمائل * كما نكثوها فيه صفقة أيمان
عصابة إفك لم تصب فيه رشدها * بل انتهزوها فيه وثبة شيطان
إلى أن قضى بالسم ملتهب الحشا * بمجمع أعداء مفرقة خلان
بأهلي ناء عن ذويه ورهطه * يحن إلى أهليه حنة ولهان



(1) أعيان الشيعة 8: 63.
(2) هو الحاج عبد المجيد بن الملا محمد بن أمين العطار، المتوفى سنة 1342 ه‍. البابليات 4: 69.
614
رعى الله طوسا أي نفس تضمنت * من العترة الهادين بل أي جثمان
علي بن موسى خير من يمم العلا * بساحة فضل من حماه وإحسان
بني عمه هلا إليه دعتكم * حمية فهر أو حفيظة عدنان
وثبتم عليه قاطعين لرحمه * ولم تصلوا إلا بظلم وعدوان (1)
[28] الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (2):
1 - قال في مدحه (عليه السلام):
إليك أبا الجواد الطهر خفت * بقلبي من ولائكم سبوح
قطعت بها السهول مع الروابي * ومن عزماتها يطغى الطموح
وكيف يصدها حدب وسهل * وأنت مرادها وهي الجموح
وقصدي أن ألوذ بخير صرح * منيع حمى له تعنو الصروح
له حرم يفرج فيه غمي * يضيق به من الدنيا الفسيح
وحطة رحمة من باب قدس * أحط بها الذنوب فأستريح
شفيع المذنبين إليك وافى * محب في ولائكم صريح
فقير مذنب في الحشر يرجو * شفاعتكم ومنكم يستميح



(1) البابليات 4: 78.
(2) هو الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي، عالم وأديب شهير، وشاعر مجيد،
وفاضل محقق، توفي سنة 1404 ه‍، وترك آثارا علمية تعرب عن مقدرته وطول باعه، منها:
شرح مقدمات المكاسب، وشرح شواهد مختصر المطول، ومنظومة في علم المنطق، وغيرها.
شعراء الغري 6: 3.
615
وكيف يخيب فيما يرتجيه * وفي حاجاته لكم يبوح
وجدت لدعبل قبلي فجد لي * بجائزتي وإن قصر المديح
غريب الدار خذها من غريب * عن الأوطان شط به النزوح
تلاحينا بها في كل بيت * ترى الخنساء باكية تنوح
وقفت على الضريح فثار وجدي * وهيج لوعتي منك الضريح
وجدد لي المصيبة في إمام * له جفن الهدى حزنا قريح
قضى بالسم مظلوما شهيدا * وفي أحشائه منه قروح
به المأمون خان العهد حتى * سقاه السم وهو له نصوح
إليك وقد بلغت القصد شكوى * يبوح بها لك الدمع السحوح
وجمرا فيه تحترق الحنايا * إذا عصفت بقلبي منه ريح (1)
2 - وله أيضا:
أبا الجواد قطعت السهل والحدبا * شوقا إليك وقد أبلغتني الإربا
ماذا يؤمل مشتاق لقربكم * غير اللقاء بمن يهوى وقد قربا
أبصرت قبتك الحمراء مشرقة * تطاول القبة الزرقاء والشهبا
فرفرف القلب من فرط الولا فرحا * وراح يرقص في أحشائه طربا
يا بضعة المصطفى إني أسيركم * حبا وحسبي منكم أن لي سببا
هذا فؤادي قرآن لحبكم * سوى ولاء علي فيه ما كتبا
أنت الكفيل لمن وافاك مبتهلا * لربه زائرا في طوس محتسبا



(1) مجموعة الآثار 2: 429.
616
ولا أرى لي في حشري ومنقلبي * سوى ولائكم منجى ومنقلبا
فكن شفيعي إلى ربي ليغفر لي * ذنبي ويذهب عني الروع والرهبا
ومنقذي من لظى نار مؤججة * حمراء أعداؤكم أضحت لها حطبا
وكيف يخشى لهيب النار منتهل * من الولاية حبا سائغا عذبا (1)
[29] علي بن أبي عبد الله الخوافي (2):
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): ولعلي بن أبي عبد الله الخوافي يرثي الرضا (عليه السلام):
يا أرض طوس سقاك الله رحمته * ماذا حويت من الخيرات يا طوس
طابت بقاعك في الدنيا وطاب بها * شخص ثوى بسناباد مرموس (3)
شخص عزيز (4) على الإسلام مصرعه * في رحمة الله مغمور ومغموس
يا قبره أنت قبر قد تضمنه * حلم وعلم وتطهير وتقديس
فخرا فإنك مغبوط بجثته * وبالملائكة الأبرار محروس (5)
وزاد ابن عياش في (المقتضب):
في كل عصر لنا منكم إمام هدى * فربعه آهل منكم ومأنوس



(1) مجموعة الآثار 2: 431.
(2) في الأعيان (8: 286): علي بن عبد الله الخوافي، وخواف: ناحية من نواحي نيسابور.
وفي المناقب (4: 359): علي بن أحمد الخوافي. وما أثبتناه من العيون.
(3) مرموس: مدفون.
(4) أي: شديد عظيم.
(5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 251 / 1، بحار الأنوار 49: 317 / 2.
617
أمست نجوم سماء الدين آفلة * وظل أسد الثرى قد ضمها الخيس
غابت ثمانية منكم وأربعة * يرجى مطالعها ما حنت العيس
حتى متى يظهر الحق المنير بكم * فالحق في غيركم داج ومطموس (1)
[30] علي بن عيسى الإربلي (2):
قال في مدحه (عليه السلام):
أيها الكوكب المجد قف العيس * إذا ما حللت في أرض طوسا
لا تخف من كلالها ودع التأ * ديب دون الوقوف والتعريسا (3)
والثم الأرض إن رأيت ثرى * مشهد خير الورى علي بن موسى
وأبلغنه تحية وسلاما * كشذى المسك من علي بن عيسى
قل سلام الإله في كل وقت * يتلقى ذاك المحل النفيسا
منزل لم يزل به ذاكر الله * يتلو التسبيح والتقديسا
دار عز ما انفك قاصدها * يزجي إليها آماله والعيسا
بيت مجد ما زال وقفا عليه * الحمد والمدح والثناء حبيسا



(1) مقتضب الأثر: 47، بحار الأنوار 49: 318.
(2) هو الشيخ بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، من علماء الإمامية،
كان عالما جم الفضائل وأديبا كثير الشمائل، توفي سنة 692 ه‍، وله كتاب كشف الغمة في معرفة
الأئمة، والمقامات الأربع، ورسائل الطيف في الإنشاء، ونزهة الأخيار. معجم المؤلفين 7:
163، الوافي بالوفيات 12: 135، الأنوار الساطعة: 107.
(3) التعريس: نزهة المسافر آخر الليل.
618
ما عسى أن يقال في مدح قوم * أسس الله مجدهم تأسيسا
ما عسى أن أقول في مدح قوم * قدس الله ذكرهم تقديسا
هم هداة الورى وهم أكرم * الناس أصولا شريفة ونفوسا
إن عرت أزمة تندوا غيوثا * أو دجت شبهة تبدوا شموسا
شرفوا الخيل والمنابر لما * افترعوها والناقة العنتريسا (1)
معشر حبهم يجلي هموما * ومزاياهم تجلى طروسا (2)
كرموا مولدا وطابوا أصولا * وزكوا محتدا وطالوا غروسا
ليس يشقى بهم جليس ومن كان * ابن شورى إذا أرادوا جليسا
قمت في نصرهم بمدحي لما * فاتني أن أجر فيه خميسا (3)
ملأوا بالولاء قلبي رجاء * وبمدحي لهم ملأت الطروسا
فتراني لهم مطيعا حنينا * وعلى غيرهم أبيا شموسا (4)
يا علي الرضا أبثك ودا * غادر القلب بالغرام وطيسا
مذهبي فيك مذهبي وبقلبي * لك حب أبقى جوى ورسيسا (5)
لا أرى داءه بغيرك يشفى * لا ولا جرحه بغيرك يوسى
أتمنى لو زرت مشهدك * العالي وقبلت ربعك المأنوسا



(1) العنتريس: الناقة الغليظة الوثيقة.
(2) الطروس: القراطيس.
(3) الخميس: الجيش.
(4) الشموس: الصعب، الذي لا ينقاد.
(5) الرسيس: أول الحب، وابتداء الحمى، والشيء الثابت المقيم.
619
أنا عبد لكم مطيع إذا ما * كان غيري مطاوعا إبليسا
قد تمسكت منكم بولاء * ليس يلقي القشيب منه دريسا (1)
أترجى به النجاة إذا ما * خاف غيري في الحشر ضرا وبؤسا
فأراني والوجه مني طلق * وأرى الوجه الشناة (2) عبوسا
من عددنا من الورى كان مر * ؤوسا ومنكم من عد كان رئيسا
فقد العاملون مثل الذنابى * وغدوتم للعالمين رؤوسا (3)
[31] السيد علي الحديدي (4):
أيها السيد الذي جاء فيه * قول صدق ثقاتنا ترويه
بصحيح الإسناد قد جاء حقا * عن أخيه لأمه وأبيه
إنني قد ضمنت جنات عدن * للذي زارني بلا تمويه
وإذا لم يطق زيارة قبري * حيث لم يستطع وصولا إليه
فليزر في العراق قبر أخي * القاسم وليحسن الثناء عليه
فأنا ضامن له كما ضمنت * على نفسي لأنه أخي وشبيهي
جنة الخلد في النعيم مقيم * حسب ما يبتغي وما يشتهيه (5)



(1) القشيب: الجديد، الدريس: البالي.
(2) الشناة: جمع شانئ، المبغض.
(3) كشف الغمة 3: 131.
(4) هو السيد علي يحيى بن حديد الحسيني، من شعراء القرن الحادي عشر. البابليات 1:
162.
(5) شعراء الغري 6: 233.
620
[32] الشيخ كاظم الأزري (1):
يرومون طوسا جاد طوسا مجلجل * من السحب خفاق البوارق ممطر
فأكرم بها من بلدة قد تقدست * بصاحبها والجار بالجار يفخر
همام تزل العين عنه مهابة * ويعظم عن رجم الظنون ويكبر
فسل محكم التنزيل عنه فإنه * سيعرب ما عنك النواصب تضمر
مغان أبت إلا العلى فكأنها * تطالب وترا عند كيوان (2) يذكر
فكيف وقد جلت بلاهوت قدره * تحير أرباب النهى فتعيروا



(1) هو الشيخ كاظم بن محمد بن مراد بن مهدي بن إبراهيم الأزري التميمي البغدادي، توفي سنة
1213 ه‍، ودفن في الكاظمية، وكان فاضلا شاعرا أديبا، له قصيدة في آل الرسول (صلى الله عليه وآله)،
تسمى الأزرية، مطلعها:
لمن الشمس في قباب قباها * شف جسم الدجى بروح ضياها
معارف الرجال 2: 161.
(2) كيوان: اسم زحل بالفارسية، وهو أحد الكواكب السيارة.
621
بحيث دلالات النبوة شرع * تجلى وأنوار الإمامة تزهر
وللملأ الأعلى هبوط ومعرج * وللعائذين الهيم ورد ومصدر
وكم قد علا منها مقام ومشعر * فجل مقام ما هناك ومشعر
ولما دعا داعي الهدى قلت أرخوا * (أجبت ابن موسى صادق الحزم جعفر) (1)
والجملة الأخيرة تساوي في حساب الجمل (1209)، وهو تأريخ سفر بعض
الذوات من أصحابه إلى طوس.
[33] السيد محسن الأمين العاملي (2):
حيي طوسا لا بارح الغيث طوسا * في ثراها الهدى غدا مرموسا
أرض قدس طابت وطاب ثراها * بضريح الرضا علي بن موسى



(1) ديوان الأزري الكبير: 257 / 55.
(2) هو السيد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي، ولد في شقراء لبنان سنة 1284 ه‍،
وكان أحد الدعاة إلى الإصلاح، وانتخب عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق. وتوفي في
بيروت سنة 1371 ه‍، وترك آثارا قيمة منها: أعيان الشيعة، والرحيق المختوم (شعر)،
والحصون المنيعة، والمجالس السنية، وغيرها. شعراء الغري 7: 255، الأعلام للزركلي
5: 287.
622
وبه قد سمت على هامة النج‍ * - م سناء وقدست تقديسا
أي بدر قد غيبوا بسنا آ * باد يجلو الدجنة الحنديسا (1)
أرض طوس حويت كنزا ثمينا * من بني المصطفى وعلقا نفيسا
رزؤه شك في حشا الدين سهما * وإلى الحشر جرحه ليس يوسى
يومه في الزمان كان عظيما * في قلوب الأنام أذكى وطيسا
يومه أحزن السماوات والأر * ض جميعا وكان يوما عبوسا
أي رزء حتى القيامة أبقى * في حشا الدين لوعة ورسيسا (2)
أي رزء أبكى عيون النبيي‍ * - ن وقد سر وقعه إبليسا
يا مجدا يطوي الفلاة بحرف (3) * في سراها لا تعرف التعريسا
تسبق الريح والبروق إذا ما * غلست في مسيرها تغليسا
أقر مني السلام قبرا بطوس * وأطل لثمه إذا جئت طوسا
واخلع النعل في ثراه ففيه * مع سنا نور أحمد نار موسى
كل من زاره أصاب رضا الل‍ * - ه وفي عفوه غدا مغموسا
آل بيت النبي أنتم ولاة ال‍ * - خلق من حاد عنكم نال بؤسا
أنتم القوم قد هدمتم بنا الكف‍ * - ر وأسستم الهدى تأسيسا (4)



(1) أي: الشديدة الظلام.
(2) أي: أثرا باقيا.
(3) الحرف من الدواب: الضامرة الصلبة.
(4) المجالس السنية 5: 614.
623
[34] محمد بن حبيب الضبي (1):
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): وجدت في كتاب لمحمد بن حبيب الضبي:
قبر بطوس به أقام إمام * حتم إليه زيارة ولمام
قبر أقام به السلام وإذ غدا * تهدى إليه تحية وسلام
قبر سنا أنواره تجلو العمى * وبتربه قد تدفع الأسقام
قبر يمثل للعيون محمدا * ووصيه والمؤمنون قيام
خشع العيون لذا وذاك مهابة * في كنهها لتحير الأفهام
قبر إذا حل الوفود بربعه * رحلوا وحطت عنهم الآثام
وتزودوا أمن العقاب واومنوا * من أن يحل عليهم الإعدام
الله عنه به لهم متقبل * وبذاك عنهم جفت الأقلام
إن يغن عن سقي الغمام فإنه * لولاه لم تسق البلاد غمام
قبر علي بن موسى حله * بثراه يزهو الحل والإحرام
فرض إليه السعي كالبيت الذي * من دونه حق له الإعظام
من زاره في الله عارف حقه * فالمس منه على الجحيم حرام
ومقامه لا شك يحمد في غد * وله بجنات الخلود مقام
وله بذاك الله أوفى ضامن * قسما إليه تنتهي الأقسام



(1) هو محمد بن حبيب الضبي، فاضلا أديبا، وشاعرا كاتبا، مدح الأمراء فمن دونهم، وذكره
ابن شهرآشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المقتصدين، وتوفي نحو سنة 400 ه‍. أعيان
الشيعة 9: 138.
624
صلى الإله على النبي محمد * وعلت عليا نصرة وسلام
وكذا على الزهراء صلى سرمدا * رب بواجب حقها علام
وعليه صلى ثم بالحسن ابتدى * وعلى الحسين لوجهه الإكرام
وعلى علي ذي التقى ومحمد * صلى وكل سيد وهمام
وعلى المهذب والمطهر جعفر * أزكى الصلاة وإن أبى الأقزام
الصادق المأثور عنه علم ما * فيكم به تتمسك الأقوام
وكذا على موسى أبيك وبعده * صلى عليك وللصلاة دوام
وعلى محمد الزكي فضوعفت * وعلى علي ما استمر كلام
وعلى الرضا بن الرضا الحسن الذي * عم البلاد لفقده الإظلام
وعلى خليفته الذي لكم به * تم النظام فكان فيه تمام
فهو المؤمل أن يعود به الهدى * غضا وأن تستوثق الأحكام
لولا الأئمة واحد عن واحد * درس الهدى واستسلم الإسلام
كل يقوم مقام صاحبه إلى * أن تنتهي بالقائم الأيام
يا بن النبي وحجة الله التي * هي للصلاة وللصيام قيام
ما من إمام غاب عنكم لم يقم * خلف له تشفى به الأوغام (1)
أنتم ولاة الدين والدنيا ومن * لله فيه حرمة وذمام
ما الناس إلا من أقر بفضلكم * والجاحدون بهائم وهوام
يرعون في دنياكم وكأنهم * في جحدهم إنعامكم أنعام
يا نعمة الله التي يحبو بها * من يصطفي من خلقه المنعام



(1) الأوغام: الترات والأحقاد.
625
إن غاب منك الجسم عنا إنه * للروح منك إقامة ونظام
أرواحكم موجودة أعيانها * إن عن عيون غيبت أجسام
الفرق بينك والنبي نبوة * إذ بعد ذلك تستوي الأقدام
قبران في طوس الهدى في واحد * والغي في لحد يراه ضرام
قبران مقترنان هذا ترعة * حبوية فيها يزار إمام
وكذاك ذلك من جهنم حفرة * فيها يجدد للغوي هيام
قرب الغوي من الزكي مضاعف * لعذابه ولأنفه الإرغام
إن يدن منه فإنه لمباعد * وعليه من خلع العذاب ركام
وكذاك ليس يضرك الرجس الذي * يدنيه منك جنادل ورخام
لا بل يريك عليك أعظم حسرة * إذ أنت تكرم واللعين يسام
سوء العذاب مضاعف تجري به * الساعات والأيام والأعوام
يا ليت شعري هل بقائمكم غدا * يغدو ويكفي للقراع حسام
تطفي يداي به غليلا فيكم * بين الحشا لم ترو منه أوام (1)
ولقد تهيجني قبوركم إذا * هاجت سواي معالم وخيام
من كان يغرم بامتداح ذوي الغنى * فبمدحكم لي حبوة وغرام
وإلى أبي الحسن الرضا أهديتها * مرضية تلتذها الأفهام
خذها عن الضبي عبدكم الذي * هانت عليه فيكم الألوام
إن أقض حق الله فيك فإن لي * حق القرى للضيف إذ يعتام (2)



(1) الأوام: العطش.
(2) يعتام: يقصد.
626
فاجعله منك قبول قصدي إنه * غنم عليه حداني استغنام
من كان بالتعليم أدرك حبكم * فمحبتي إياكم إلهام (1)
[35] الشيخ محمد حسين الإصفهاني (2):
من أرجوزته في الإمام الرضا (عليه السلام)، قال:
قد استوى سلطان إقليم الرضا * باليمن والعز على عرش القضا
عرش الخلافة الإلهية في * عباده فيا له من شرف
لا بل على أريكة الهويه * ومركز المشية الفعليه
له الولاية المحمديه * في سر ذاته على البريه
ولاية التكوين والإبداع * أكرم بهذا الملك المطاع
إذ يده العليا يد الأيادي * فهو مثال مبدأ المبادي
أسماؤه على الورى سلطانه * فما أعزه تعالى شانه
الكنز الخفي
أعظم ما أحب أن يعرف به * في ذاته وفي معالي رتبه
فهو من الكنز الخفي الباهر * ذاتا ووصفا أعظم المظاهر



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 252، المناقب 4: 359، بحار الأنوار 49: 319، أعيان الشيعة
9: 138، العوالم 22: 518.
(2) هو العلامة الشيخ محمد حسين الإصفهاني، الشهير بالكمباني، توفي سنة 1361 ه‍ ودفن
بالنجف. كان من أعاظم العلماء، وأجلاء الفلاسفة، وأكابر الأدباء، ترك آثارا هامة، منها:
نهاية الدراية، تحفة الحكيم، الوسيلة، الأنوار القدسية. نقباء البشر 2: 560.
627
مقامه الرفيع في أعلى القمم * ولوح ذاته صحيفة الحكم
فاتحة الكتاب في الجلالة * إذ هو سر خاتم الرسالة
بل نقطة الباهي في عين الرضا * فإنه سر أبيه المرتضى
آيات كبريائه المعظمه * بينة في الزبر المعظمه
صحيفة الوجود من آياته * لطيفة الشهود سر ذاته
ومحكمات الكلمات الباهرة * لذاته العليا شؤون ظاهره
الذات القدسية
والحرف عالياته مرتسمة * في ذاته العلى قدرا وسمه
تحكي عن الغيب المصون ذاته * تعرب عن شؤونه صفاته
ظهوره ظهور نور النور * فلا أتم منه في الظهور
شمس سماء عالم اللاهوت * والقمر الزاهر في الناسوت
والملكوت من ظلال نوره * والملك كله فناء ظهوره
الجبروت كالمسخرات * لأمره في المحو والإثبات
والملأ الأعلى سرادقاته * العرش والسبع العلى مرقاته
الشمائل النورية
غرته نور رواق العظمة * ديباجة الكون بها منتظمه
طلعته مطلع أنوار الهدى * ولا ترى لها أفولا أبدا
ووجهه قبلة كل عارف * ومستجار كعبة المعارف
وفي محياه حياة الأوليا * وكيف وهو روح خير الأنبيا
وعينه عين الرضا بالقضا * نفسي لك الفداء يا عين الرضا
ولا تسل عن قلبه السليم * إذ لا تنال نقطة التسليم

628
وهو بما فيه من الجواهر * ممثل الكنز الخفي الباهر
جل عن الحدود والرسوم * ما فيه من جواهر العلوم
مفاتح الغيوب في لسانه * مصابح الشهود في بيانه
قوله وبيانه
وعز شأنه عن المشاكل * في حله لعقدة المشاكل
لسانه عين الحياة الدائمة * به مبادئ الحياة قائمه
لسانه ناطقة التوحيد * ومنطق التجريد والتفريد
منطقه منطقة الشوارق * في الفلك الدوار بالبوارق
ينبئ في بيانه الكريم * عن موجزات النبأ العظيم
يعرب عن جوامع العلوم * بأحسن الحدود والرسوم
يفصح عن مصادر الأمور * وكيف وهو مبدأ الصدور
رموز علمه كنوز المعرفة * حقائق الدين بها منكشفة
بنور علمه وحسن المنطق * يكشف عن سر الموجود المطلق
وفي بيانه مكارم الشيم * وفي معانيه بدايع الحكم
وفى ببذله العلوم حقها * كرامة على من استحقها
علومه الحقة في الإشراق * كالشمس في الأنفس والآفاق
الكلم الطيب
كل كلامه جوامع الكلم * عقودها وثيقة لا تنفصم
كلامه هدى لمن به اهتدى * وقوله فصل على من اعتدى
كلامه نور ونور الطور * كأنه ظهور ذاك النور
كلامه لطيفة المعارف * حياة كل سالك وعارف

629
به تجلت لأولي الأبصار * حقائق الأسرار والأنوار
به سمت معاهد العلوم * حتى علت على ذرى النجوم
بل جازت السدرة منتهاها * تكاد أن تدنو إلى أدناها
كيف وربانيها على * فلا ينال قدرها العلى
على الرضا سليل المرتضى * ومن بكفه مقاليد القضا
عقل العقول في علو المرتبة * نفس الرسول في سمو المنقبه
أصل الأصول فهو أسمى شجره * فرع البتول فهو أزكى ثمره
جل اسمه وعز شأنه
وباسمه استدارت الدوائر * وباسمه استقامت السرائر
وباسمه السامي جرى فلك الفلك * وذكره عنوان تسبيح الملك
وذكره تحيا به القلوب * وتنجلي بذكره الكروب
هو المثاني بل هو التوحيد * هو الكتاب المحكم المجيد
فمن يضاهي شرفا وجاها * روح محمد وقلب طه
بيضاء موسى هي في يمينه * ونور ياسين على جبينه
وآية النور سناء نوره * والنور كل النور في ظهوره
في لوح نفسه مقام الرضا * عن وصفه تكل أقلام القضا
الرضاء والغناء
لقد تفانى في الرضاء بالقضا * حتى تسامى وتسمى بالرضا
بل في رضا الباري رضاه فان * بل ذاته بذلك العنوان
بل جاز عن أقصى مراتب الفنا * حتى تجلى قائلا إني أنا
هو ابن من دنا إلى دناه * ما كذب الفؤاد ما رآه
وهو لذلك الفؤاد ثمره * فأين منه الطور أين الشجرة

630
يمثل النبي في أخلاقه * فإنه النابت من أعراقه
له كرامات ومكرمات * في صفحات الدهر بينات
شهود صدق لسمو ذاته * كأنه النبي في صفاته
الحرم المنيع
ترى الملوك سجدا ببابه * فالعز كل العز في أعتابه
تطوف حول قبره الأملاك * كأنه المحور والأفلاك
تبكي على محنته وكربته * وبعده عن داره وغربته
ويل بل الويلات للمأمون * ويل لذاك الغادر الخؤون
لم يحفظ النبي في سليله * وتاه في الغي وفي سبيله
خان أمين الله في أمانته * فهل ترى أعظم من خيانته
أخرجه عن مهبط التنزيل * إليه بالخداع والتسويل
ولا يحيق المكر أي مكر * إلا بأهله كما في الذكر
الخيانة المضمرة
ولاه عهده وجل جهده * في نقض عقده ونكث عهده
فيا لها ولاية مشؤومه * كانت لها نتيجة مسمومه
وبان من مآثر الإمام * بأنه أحق بالمقام
فقد بدت في مدة الولاية * خوارق ليس لها نهاية
وكان ما يبدو من الخوارق * أمضى على الخصم من البوارق
فازداد ذلك الحقود حسدا * وإنه نار تذيب الجسدا
فاغتاله بالعنب المسموم * ويل لذاك الظالم الغشوم
لولا رضاه بالقضاء الجاري * لأسود وجه الدهر بالبوار
ومادت الأرض بلابتيها * وساخت الأرض بمن عليها

631
قضى شهيدا صابرا محتسبا * وهو غريب بل غريب الغربا
تقطعت أمعاؤه بالسم * فداه نفسي وأبي وأمي
الباكون عليه
بكت عليه هاطلات القدس * فاحت عليه نفحات الأنس
فاح الأمين وهو ذو شجون * مما جنت به يد المأمون
عليه سيد الورى ينوح * حزنا فكيف لا ينوح الروح
ناحت عليه الأنبياء والرسل * بل العقول والنفوس والمثل
ناحت عليه الحور في الجنان * تأسيا بخيرة النسوان
بكى عليه ما يرى ولا يرى * والبر والبحر وأطباق الثرى
لقد بكى البيت ومستجاره * وكيف لا ومنه عز جاره
وقد بكاه المشعر الحرام * والحجر الأسود والمقام
لفقد عزها ومن حماها * بعزه عن كل ما دهاها
بل هو عز الأرض والسماء * والملأ الأعلى على سواء (1)
[36] الشيخ محمد علي اليعقوبي (2):
يا حجة الله قد ضاق الخناق بنا * فأي هول من الدنيا نقاسيه



(1) الأنوار القدسية: 82 - 88.
(2) هو الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر النجفي، الملقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه، أديب
بارع، وخطيب مفوه، من مؤسسي الرابطة الأدبية في النجف، توفي سنة 1384 ه‍، وترك آثارا
كثيرة، وله ديوان شعر مطبوع بعنوان الذخائر. مستدرك أعيان الشيعة 1: 190، شعراء
الغري 9: 505.
632
جور العدا أم هوان الناصبين لنا * أم طول غيبة مولى عن مواليه
لقد منينا بما لو مس أيسره * رضوى تدكدك وانهدت أعاليه
أكل يوم لكم يا بن الزكي دم * يطل هدرا وما من ثائر فيه
يا طاوي البيد يرجو نيل مقصده * أرح بطوس تفز فيما ترجيه
أنزل وحيي بها عني ضريح على * أهل السماوات ما زالت تحييه
فيه علي بن موسى لم يخب أبدا * لاج إليه ولا راج أياديه
أبو الجواد ومن جدوى يديه إذا * مرت على ميت الآمال تحييه
أفدي غريبا عن الأوطان قد شحطت * به النوى عن مغانيه وأهليه
الضامن الخلد في أعلى الجنان لمن * يزور في طوس مثواه ويأتيه
لم أنس إذ غاله المأمون حيث غدا * يبدي له غير ما في القلب يخفيه
ألقى مقاليد عهد الملك في يده * والغدر بابن رسول الله ينويه
ودس بالعنب السم النقيع له * فبات مضطهدا مما يعانيه
حتى إذا أزف المقدور جاء له * الجواد والدمع يجري من مآقيه
سرعان ما جاءه من طيبة فغدا * أبوه يدنيه للنجوى ويوصيه
وكيف يبعد في المسرى عليه مدى * لديه سيان قاصيه ودانيه
لكن جسم حسين في الطفوف ثوى * عار ثلاثا ووحش القفر تبكيه
ظمآن لم يرو عذب الماء غلته * والسمر تروي نجيعا من بوانيه (1)
عريان بات بلا غسل ولا كفن * وما دنا أحد منه يواريه (2)



(1) السمر: الرماح. والبواني: أضلاع الصدر.
(2) الذخائر: 57، وقد نظم هذه القصيدة سنة 1338 ه‍، كما أشار في ديوانه (الذخائر).
633
[37] السيد موسى الطالقاني (1):
وبنفسي أفدي غريبا بطوس * وقتيلا بالسم أي قتيل
خير من حل أرضها وسماها * خير داع إلى الهدى ودليل (2)
[38] هبة الله الجندي:
في (فرائد السمطين): ولقد أنشدنا الإمام الفاضل الحسن الأخلاق
والشمائل، فخر الدين هبة الله بن محمد بن محمود الأديب الجندي (رحمه الله) لنفسه بالمشهد
المقدس الرضوي (على مشرفه السلام)، في زيارتنا الأولى لها جعلها الله مبرورة،
وفي صحائف الأعمال مقبولة مسطورة:
أيا من مناه رضى ربه * شهيا وإن منكر الحسن لام
فزر مشهدا للإمام الرضا * علي بن موسى عليه السلام (3)



(1) هو السيد موسى الطالقاني النجفي، أديب وشاعر وفقيه أصولي، ولد في النجف الأشرف،
وتوفي سنة 1296 ه‍، وقيل غير ذلك، وله من الآثار: كتاب في الأصول، وكتاب في الفقه،
وديوان شعر مطبوع. معجم المؤلفين 13: 40.
(2) موسوعة العتبات المقدسة 11: 192.
(3) فرائد السمطين 2: 197 / 476، العوالم 22: 529 / 7.
634
خاتمة المطاف
إلى هنا أختتم هذا السفر الميمون المبارك من ترجمة حياة ثامن الحجج
صلوات الله عليهم، بما تيسر لي من المصادر.
حامدا لله ومصليا على رسوله وآله الطاهرين.
وبهذه المناسبة، لا يسعني إلا أن أشكر الذوات الذين آزروني في مراجعة
مصادر هذا الكتاب وتبويبه، وأخص بالذكر منهم الأستاذ علي الكعبي، وولدي
البار الحاج عارف الشاكري، والأستاذ محمد الخازن، على مساهمتهم في إخراج هذا
السفر بهذه الحلة القشيبة.
سائلا المولى القدير، أن يتقبل منا هذا اليسير ويعفو عنا الكثير، فإنه سميع
بصير، وأن يكون موضع قبول ورضا (الإمام الرضا (عليه السلام)).
ويليه المجلد الثاني عشر من هذه الموسوعة عن ترجمة حياة الكوكب التاسع
من كواكب أئمة الهدى، الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد، صلوات الله عليهم
أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين.
تم بحمد الله في دار الهجرة قم المقدسة في الفاتح من شهر ربيع الثاني عام
1418 ه‍.
العبد المنيب
حسين الشاكري

635
فهرست المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم.
2 - الاتحاف بحب الأشراف. للشيخ عبد الله الشبراوي - مصر.
3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. للحر العاملي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
4 - إثبات الوصية. للمسعودي - المكتبة المرتضوية - النجف.
5 - الاحتجاج. للطبرسي - منشورات المرتضى - مشهد.
6 - إحقاق الحق. للسيد التستري - مكتبة السيد المرعشي - قم.
7 - الأخبار الطوال. للدينوري - دار إحياء الكتب العربية - مصر.
8 - الاختصاص. للشيخ المفيد - جماعة المدرسين - قم.
9 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي). للشيخ الطوسي - مشهد.
10 - الإرشاد. للشيخ المفيد - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم.
11 - الأعلام. للزركلي - دار العلم للملايين - بيروت.
12 - إعلام الورى. للطبرسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
13 - أعيان الشيعة. للسيد محسن الأمين - دار التعارف - بيروت.
14 - الأغاني. لأبي الفرج الاصفهاني - مؤسسة عز الدين - بيروت.

636
15 - ألقاب الرسول وعترته. لبعض المحدثين - مطبوع مع (مجموعة نفيسة) - قم.
16 - الأمالي. للشيخ الصدوق - الأعلمي - بيروت.
17 - الأمالي. للشيخ الطوسي - مؤسسة البعثة - قم.
18 - الأمالي. للشيخ المفيد - المطبعة الإسلامية - قم.
19 - الإمام الرضا (عليه السلام) تأريخ ودراسة. للسيد محمد جواد فضل الله.
20 - الإمامة والتبصرة من الحيرة. لابن بابويه القمي - مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.
21 - الإمامة وأهل البيت (عليهم السلام). للدكتور محمد بيومي مهران - مركز الغدير للدراسات
الإسلامية.
22 - أمل الآمل. للحر العاملي - مطبعة الآداب - النجف.
23 - الأنساب. للسمعاني - دار الكتب العلمية - بيروت.
24 - الأنوار البهية. للشيخ عباس القمي - الشريف الرضي - قم.
25 - الأنوار الساطعة في المائة السابعة. للشيخ آقا بزرك - دار الكتاب العربي - بيروت.
26 - الأنوار القدسية. للشيخ محمد حسين الاصفهاني - مؤسسة الوفاء - بيروت.
27 - إيضاح المكنون. للبغدادي - مكتبة المثنى - بغداد.
28 - البابليات. لليعقوبي - دار البيان - قم.
29 - بحار الأنوار. للعلامة المجلسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
30 - البرهان في تفسير القرآن. للسيد البحراني - مؤسسة البعثة - قم.
31 - بصائر الدرجات. للصفار - طهران - مؤسسة الأعلمي - طهران، وطبعة مكتبة السيد
المرعشي (رحمه الله) - قم.
32 - تاج المواليد. للطبرسي - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله) - قم.
33 - تأريخ آداب اللغة العربية. لجرجي زيدان - دار مكتبة الحياة - بيروت.

637
34 - تأريخ الأئمة (عليهم السلام). لابن أبي الثلج البغدادي - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله) - قم.
35 - تأريخ ابن الوردي. المطبعة الحيدرية - النجف.
36 - تأريخ الأحمدي. لأحمد حسين بهادر خان الهندي - مؤسسة البلاغ - بيروت.
37 - تأريخ الإسلام. للذهبي - مؤسسة الرسالة - بيروت.
38 - تأريخ بغداد. للخطيب البغدادي - مطبعة السعادة - مصر.
39 - تأريخ الخلفاء. للسيوطي - دار الكتب العلمية - بيروت.
40 - تأريخ الطبري. لمحمد بن جرير الطبري - دار التراث - بيروت.
41 - التتمة في تأريخ الأئمة (عليهم السلام). للسيد تاج الدين العاملي - مؤسسة البعثة - قم.
42 - تحف العقول. لابن شعبة - جماعة المدرسين - قم.
43 - تذكرة الخواص. لسبط ابن الجوزي - مكتبة نينوى - طهران.
44 - تفسير العياشي. لأبي النضر محمد بن مسعود - المكتبة الإسلامية - طهران.
45 - التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام). مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.
46 - التنبيه والاشراف. للمسعودي - دار الصاوي - القاهرة.
47 - تهذيب الأحكام. للشيخ الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
48 - تهذيب التهذيب. لابن حجر - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
49 - التوحيد. للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
50 - الثاقب في المناقب. لعماد الدين الطوسي - دار الزهراء - بيروت.
51 - الثقات. لابن حبان - دار الفكر - بيروت.
52 - جامع كرامات الأولياء. للشيخ يوسف النبهاني - دار الكتب العلمية - بيروت.
53 - حلية الأبرار في فضائل محمد وآله الأطهار. للسيد البحراني - دار الكتب العلمية - قم.
54 - الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام). منشورات جماعة المدرسين - قم.

638
55 - الخرائج والجرائح. للراوندي - مؤسسة الإمام المهدي - قم.
56 - الخصال. للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
57 - الخلاصة. للعلامة الحلي - المكتبة الحيدرية - النجف.
58 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال. للخزرجي - مكتبة القاهرة - مصر.
59 - دائرة المعارف الإسلامية. المترجمة عن الأصل الإنجليزي والفرنسي - دار الفكر -
بيروت.
60 - دلائل الإمامة. للطبري - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
61 - الدولة العباسية. للخضري - دار الكتاب الحديث - بيروت.
62 - ديوان دعبل الخزاعي. دار الكتاب اللبناني - بيروت.
63 - الذخائر. مجموعة محمد علي اليعقوبي الشعرية - المطبعة الحيدرية - النجف.
64 - رجال ابن داود. لابن داود الحلي - الشريف الرضي - قم.
65 - رجال النجاشي. جماعة المدرسين - قم.
66 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات. للخوانساري - إسماعيليان - طهران.
67 - روضة الواعظين. لمحمد بن الفتال النيسابوري - الشريف الرضي - قم.
68 - رياض المدح والثناء. لحسين علي البلادي - منشورات الكاظمين - قم.
69 - الزهد. للحسين بن سعيد الأهوازي - المطبعة العلمية - قم.
70 - سير أعلام النبلاء. للذهبي - مؤسسة الرسالة - بيروت.
71 - سيرة الأئمة الاثني عشر. لهاشم معروف الحسني - دار التعارف - بيروت
72 - سيرة رسول الله وأهل بيته. لجنة التأليف في مؤسسة البلاغ - المجمع العالمي لأهل
البيت (عليهم السلام) - قم.
73 - الشجرة المباركة. للفخر الرازي - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله) - قم.

639
74 - شعراء الغري. لعلي الخاقاني - مكتبة المرعشي (رحمه الله) - قم.
75 - الشعر والشعراء. لابن قتيبة - دار إحياء العلوم - بيروت.
76 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف. لابن طاوس - مطبعة الخيام - قم.
77 - العدد القوية. لعلي بن يوسف الحلي - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله) - قم.
78 - علل الشرائع. للشيخ الصدوق - المكتبة الحيدرية - النجف.
79 - عمدة الطالب. لابن عنبة - المكتبة الحيدرية - النجف.
80 - عوالم الإمام الرضا (عليه السلام). للبحراني - مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.
81 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام). للشيخ الصدوق - نشر رضا المشهدي.
82 - عيون المعجزات. لحسين بن عبد الوهاب - مكتبة الداوري - قم.
83 - الغدير. للشيخ الأميني - دار الكتب الإسلامية - طهران.
84 - الغيبة. للشيخ الطوسي - مكتبة نينوى الحديثة - طهران.
85 - الفخري في الآداب السلطانية. لابن الطقطقا - الشريف الرضي - قم.
86 - فرائد السمطين. للجويني - مؤسسة المحمودي - بيروت.
87 - الفصول المختارة. للسيد المرتضى - دار الأضواء - بيروت.
88 - الفصول المهمة. لابن الصباغ المالكي - مطبعة العدل - النجف.
89 - الفهرست. للشيخ الطوسي - المكتبة الرضوية - النجف.
90 - في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام). للسيد محسن الأمين - دار التعارف - بيروت.
91 - قرب الإسناد. للحميري - مكتبة نينوى - طهران.
92 - الكافي. للشيخ الكليني - المكتبة الإسلامية. ودار الكتب الإسلامية.
93 - الكامل في التأريخ. لابن الأثير - دار صادر - بيروت.
94 - كشف الغمة. للإربلي - دار الأضواء - بيروت.

640
95 - كمال الدين وتمام النعمة. للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
96 - الكنى والألقاب. للشيخ عباس القمي - مطبعة الحيدري - طهران.
97 - المجالس السنية. للسيد محسن الأمين - دار التعارف - بيروت.
98 - مجموعة الآثار. إصدار المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) - مشهد.
99 - المحاسن. للبرقي - دار الكتب الإسلامية - قم.
100 - مرآة الجنان. لليافعي - الأعلمي - بيروت.
101 - مروج الذهب. للمسعودي - دار الهجرة - قم. والمكتبة التجارية الكبرى - مصر.
102 - مسند الإمام الرضا (عليه السلام). للشيخ العطاردي - المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) -
مشهد.
103 - مصباح الكفعمي. الكتب العلمية - النجف.
104 - مطالب السؤول. لابن طلحة الشافعي - دار الكتب التجارية - النجف.
105 - معارف الرجال. للشيخ محمد حرز الدين - مطبعة الولاية - قم.
106 - معاني الأخبار. للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
107 - معجم الأدباء. لياقوت الحموي - دار الفكر - بيروت.
108 - معجم رجال الحديث. للسيد الخوئي - بيروت.
109 - المغتالون. لمحمد بن حبيب - مطبوع ضمن نوادر المخطوطات - المجموعة الثانية -
مصر.
110 - مقتضب الأثر. لابن عياش الجوهري - المطبعة العلمية - قم.
111 - مناقب آل أبي طالب. لابن شهرآشوب - المطبعة العلمية - قم.
112 - منتهى الآمال. للشيخ عباس القمي - بيروت.
113 - من لا يحضره الفقيه. للشيخ الصدوق - دار الكتب الإسلامية - طهران.

641
114 - مهج الدعوات. لابن طاوس - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
115 - موسوعة العتبات المقدسة. لجعفر الخليلي - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
116 - نقباء البشر. للشيخ آقا بزرك - دار المرتضى - مشهد.
117 - نور الأبصار. للشبلنجي - دار الجيل - بيروت.
118 - الهداية الكبرى. للخصيبي - مؤسسة البلاغ - بيروت.
119 - هدية العارفين. للبغدادي - مكتبة المثنى - بغداد.
120 - الوافي بالوفيات. للصفدي - دار النشر فرانز.
121 - وسائل الشيعة. للحر العاملي - المكتبة الإسلامية - طهران، وطبعة مؤسسة آل البيت
(عليهم السلام) - قم.
122 - وفيات الأعيان. لابن خلكان - الشريف الرضي - قم.

642
/ 1