موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 14) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة المصطفى و العترة (ع) (جزء 14) - نسخه متنی

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة المصطفى والعترة (ع)
المؤلف: الحاج حسين الشاكري
الجزء: 14
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1419
المطبعة: ستارة
الناشر: نشر الهادي - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات: ج 14 : موسوعة المصطفى والعترة ، الإمام علي الهادي (ع)
موسوعة
المصطفى والعترة
(14)
الهادي علي (عليه السلام)
كتاب، علمي، أدبي، تاريخي
يبحث في حياة النبي (ص) والعترة الطاهرة
تأليف
حسين الشاكري

1
حقوق الطبع محفوظة
إلا بإجازة المؤلف
الترجمة إلى لغات أخرى مجازة مجانا
بعد عرضها على المؤلف
الكتاب:... الهادي علي (عليه السلام)
تأليف:... حسين الشاكري
الناشر:... المؤلف
الطبعة:... الأولى - 1419 ه‍. ق.
المطبعة:... ستاره
العدد:... 1500 نسخة
صف الحروف:... محمد الخازن
الفلم والزنك:... ليتوغرافي تيزهوش
عنوان المؤلف
الجمهورية الإسلامية في إيران / قم المقدسة
زنبيل آباد - 30 متري آستانة - بلاك 76 - كد 37166
هاتف: 926990 - تلفاكس 927871 - كد 0098251

2
بسم الله الرحمن الرحيم

3
الإهداء
سيدي أبا الحسن الرضا (ع)
أرفع لمقامك السامي، صحائف ولائي
وجهدي الخالص في بيان بعض مآثر حفيدك
الإمام أبي الحسن الهادي (ع) مظهرا بذلك
بعض مناقبه السامية ومواهبه الفذة وعلومه
الواسعة ومظلوميته الصارخة، راجيا
التفضل بالقبول كما أنت أهله لتكون
شافعا لي يوم الحسرة والندامة فهو حسبي
دار الهجرة، قم المشرفة
17 ربيع الأول سنة 1419 ه‍
خادمكم الذي يلثم أعتابكم
حسين الشاكري

5
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام على أشرف
خلقه، وسيد بريته محمد وآله الطاهرين.
اللهم صل على ولي أمرك، وحجتك على خلقك، الإمام النقي علم الهدى
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والعاشر من الأئمة النجباء، الإمام أبي الحسن محمد بن
علي الهادي، صلواتك عليهم أجمعين.
وبعد، فأقول: إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) سفن النجاة، الذين اصطفاهم الله
لدينه، وجعلهم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، بهم بدأ، وبهم يختم،
وبولايتهم تقبل الطاعة المفترضة والمودة الواجبة.
بين يدي دراسة مفصلة، وبحث مستفيض، عن حياة إمام من أئمة الهدى،
وهو الكوكب العاشر في سماء شمس النبوة، وسليل الرسالة، الإمام أبو الحسن علي
ابن محمد الهادي، الذي ملأ الدنيا علما وفقها ودراية، فهو قبس من الشعلة
الوهاجة لنور الرسالة، وسيرته امتداد لسيرة آبائه الطاهرين، في تبليغ أحكام
الدين، ورسالة سيد المرسلين، التي جاء بها من رب العالمين.
لقد عانى إمامنا المفدى ما عانى آباؤه الطاهرون من ظلم، وجور، وتعسف

7
وسجن، وتحمل الصعاب، كما عانى جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) من
ظلم طاغية زمانه هارون الرشيد.
والإمام الهادي (عليه السلام) تعرض لصنوف العنت والعذاب من قبل طاغية زمانه
المتوكل العباسي، من الإرهاب السياسي، والإرعاب الفكري، ولم تأخذه في الله
لومة لائم، في أداء رسالة جده، وهداية أمته، ولم تلن له قناة، وبقي يتحمل الأهوال
صامدا صابرا، كالطود الشامخ في مقارعة الحكم الفاسد المنحرف عن خط الإسلام
الأصيل، وطواغيت عصره.
هذا ما كان من موقفه السياسي، المفروض عليه من حكام زمانه، في
سامراء، وفي عهد طاغية عصره الجبار - المتوكل العباسي -.
وأما سيرته الذاتية (عليه السلام) فهي واضحة كالشمس في رابعة النهار، ينتهل من
علومه كل صادي، ويهرع إلى ركنه كل ضال، وعندما سنحت له الفرصة في نشر
معارفه، ما ادخر وسعا في تعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وتكريم العالم، وتشجيع
العامل لتعظيم الشعائر، ونشر المعارف على كل الأصعدة، وفي كل البقاع، وهذا
غيض من فيض مكارم أخلاقه، التي اخترقت حجب السجون وظلم المطامير،
حتى استشهد مسموما صابرا، والتحق بالرفيق الأعلى صلوات الله عليه.
ولا غرو، فإن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مفتاح كل خير، ومنهل كل علم، ومربع
كل خلق كريم، ومأوى كل ضال، سيرتهم منبع الفضائل، وروائع أفعالهم قلائد في
أعناق الخلائق، فما من عالم سمى بعلمه إلا وهو عيال عليهم، وهم أساتذته أيا كان
وفي أي فرع نبغ، منهم أخذ، وبهم اقتدى.
حتى إن كل عالم فذ، وعبقري لوذعي، برز في علمه وفنه في أي بقعة كان من
بقاع العالم، يفتخر بالانتساب إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) العالية، وجامعته

8
الرشيدة، سواء تتلمذ عليهم مباشرة أو غير ذلك، ويفتخر بالانتساب إلى أحد
أفذاذ الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام).
ومن أجل ذلك خافهم حكام زمانهم في كل عصر ومصر، سواء حكام
الأمويين منهم أو العباسيين، فكادوا لهم الغوائل، وتفننوا في أذاهم من تعذيب
نفسي وجسدي، مزعزعين بهم في إشخاصهم قهرا إلى عواصم حكمهم، في بغداد،
أو خراسان، أو سامراء، وزجهم في السجون المظلمة والطوامير الرهيبة حينا، أو
التظاهر بالمودة والحب والتقرب إليهم حينا، ولم يمتنع الأئمة الطاهرون رغم كل ذلك
عن تبليغ رسالة الإسلام، في إرشاد الضال، وتوعية الأمة، وتعرية الحكام، وتبليغ
الرسالة، في أسلوب علمي رصين ودراسة عميقة، تحكي في سلوكها ما جاء به
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في رسالته، رغم شدة الظروف الحرجة التي مارسها حكام
الظلم والجور ضد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حتى قضوا عليهم مشردين في بقاع الأرض.
مشردون نفوا عن عقر دارهم * كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر
لعلك تجد - عزيزي القارئ - قلة الرواية عنه (عليه السلام) بالنسبة إلى ما رواه آباؤه
الطاهرون، وقلة الرواة عنه مباشرة، حيث كان أصحابه يروون عنه بالمكاتبة،
والسبب يعود إلى ما ذكرنا آنفا، بالإضافة إلى قصر عمره الشريف، كما أن أصحابه
ورواة الحديث عنه يعبرون عنه بكنى عديدة، وألقاب شتى، خوفا وتقية، منها: أبو
الحسن الهادي، وأبو الحسن الثالث، وأبو الحسن الأخير، وأبو الحسن العسكري،
والرجل، والطيب، والأخير، والعالم، والدليل، والناصح، والنقي، والفقيه، والفقيه
العسكري، وغيرها، كل تلك الكنى والألقاب، المقصود منها الإمام أبو الحسن علي
ابن محمد الهادي (عليه السلام).
وختاما، إني ما أدعي الاستقصاء والتوصل إلى سبر غور الإمام في ترجمته،

9
أو التوصل إلى مكارم أخلاقه وصفاته الحميدة، وهل يعطي الشيء فاقده؟
وهل يمكن للإنسان أن يتبحر في عين الشمس في رابعة النهار إلا ويرجع
خاسئا حسيرا، أمام الشعاع الباهر، والنجم الزاهر والبحر العجاج المتلاطم
الأمواج، الذي لا يسبر غوره ولا يدرك ضفافه، لذلك وقفت عاجزا أمام عظمة
الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وما يحيط من سيرته وسلوكه،
ولا يترك الميسور بالمعسور، وإني أترك المجال لمواصلة البحث والتحقيق للكتاب
والمحققين الذين يأتون بعدي عسى أن يستطيعوا الغوص في بحار علمه واستخراج
اللآلي من مكنونه.
وهذا النزر اليسير جهدي المتواضع، بقدر إدراكي ومعرفتي، لا بقدره
وعظمته.
ولعلك تجد - عزيزي القارئ - هفوة تعبير، أو زلة قلم، فإني أستميحك
عذرا، راجيا إعلامي مواضع الخطأ، والإشارة إليه لتلافيه في الطبعات التالية إن
شاء الله.
وسيلي بعد هذا، المجلد الخامس عشر من سيرة حياة الكوكب الحادي عشر
الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهم أجمعين.
ومنه أستمد العون والتسديد والتوفيق، فإنه أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
وأفضل بريته، محمد وآله الطاهرين.
العبد المنيب الراجي عفو ربه
حسين الشاكري
دار الهجرة - قم المقدسة
الفاتح من شهر رجب الفرد سنة 1419 ه‍

10
الفصل الأول
ملامح شخصية الإمام (عليه السلام)
ولادته (عليه السلام):
ولد الإمام العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) علي بن محمد بن علي بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) بصريا (1) من
المدينة للنصف من ذي الحجة سنة 212 ه‍ (2).
وقيل: سنة 214 ه‍ في ملك المأمون (3).
وقيل أيضا: أنه ولد في الثاني من رجب (4)، وقيل: في الثالث منه (5)، وقيل:
في الخامس منه (6).



(1) صريا: قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة. مناقب ابن
شهرآشوب 4: 382.
(2) الإرشاد 2: 297، الكافي 1: 416، إعلام الورى: 355، كشف الغمة 3: 166.
(3) تذكرة الخواص: 362، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 135، تأريخ بغداد 12: 57.
(4) مصباح الكفعمي: 523.
(5) دلائل الإمامة: 409.
(6) إعلام الورى: 355.
11
وعن الشيخ الطوسي في المصباح، قال: روي أنه ولد (عليه السلام) يوم 27 من
ذي الحجة (1).
كنيته (عليه السلام):
يكنى أبو الحسن، ويقال له: أبو الحسن الثالث (2).
واعلم أن المشهور بين المحدثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة،
وهم: موسى الكاظم، وعلي الرضا، وعلي الهادي (عليهم السلام)، وإن شاركهم بعض باقي
الأئمة (عليهم السلام) في هذه الكنية، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق فهو موسى
الكاظم (عليه السلام) (3)، وإذا قيد بالثاني فهو علي الرضا (عليه السلام)، وإذا قيد بالثالث فهو علي
الهادي (عليه السلام) (4).
أمه (عليه السلام):
أمه أم ولد يقال لها: سمانة (5). ويقال لها أيضا: سمانة المغربية (6).
وعن ابن الخشاب: يقال أن اسمها متفرشة المغربية (7). وعن الطبري: يقال



(1) في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 173.
(2) إعلام الورى: 355.
(3) ويكنى أبا الحسن الماضي أيضا.
(4) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 136.
(5) الإرشاد 2: 297، إعلام الورى: 355، المناقب 4: 401، نور الأبصار: 181.
(6) كشف الغمة 3: 164، الفصول المهمة: 273.
(7) كشف الغمة 3: 174.
12
لها: السيدة (1).
روى أبو جعفر الطبري الإمامي وغيره عن أبي المفضل محمد بن عبد الله،
قال: حدثني أبو النجم بدر بن عمار الطبرستاني، قال: حدثني أبو جعفر محمد بن
علي، قال: روى محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر، قال: دعاني
أبو جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) فأعلمني أن قافلة قد قدمت، وفيها نخاس،
معه جوار، ودفع إلي سبعين دينارا، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي.
فمضيت وعملت بما أمرني به، فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن (عليه السلام).
وروي أن اسمها سمانة، وأنها كانت مولدة (2).
وروي أيضا عن محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار، عن السيد (عليه السلام) (3) أنه
قال: أمي عارفة بحقي، وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد
جبار عنيد، وهي مكلوءة (4) بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين
والصالحين (5).
ويستفاد من هاتين الروايتين أن السيدة سمانة كانت على درجة كبيرة من
الفضائل والصفات الحميدة والأخلاق العالية ومعرفة حق الإمام (عليه السلام) وغيرها من
المزايا التي لا تقل درجاتها عن درجات أمهات الصديقين والصالحين.



(1) دلائل الإمامة: 411.
(2) دلائل الإمامة: 410، إثبات الوصية: 193.
(3) يريد به الإمام الهادي (عليه السلام).
(4) أي محفوظة ومصانة.
(5) دلائل الإمامة: 410، إثبات الوصية: 193.
13
ألقابه (عليه السلام):
ألقابه (عليه السلام) كثيرة، منها: المرتضى، والهادي، والعسكري، والعالم، والدليل،
والموضح، والرشيد، والشهيد، والوفي، والنجيب، والمتقي، والمتوكل، والخالص،
والناصح، والفتاح، والنقي، والفقيه، والأمين، والطيب (1).
وأشهرها: الهادي، والنقي.
وقيل: بل أشهرها المتوكل، لكنه (عليه السلام) كان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن
يعرضوا عن هذا اللقب، لكونه يومئذ لقبا لجعفر المتوكل ابن المعتصم العباسي (2).
ولقب (عليه السلام) بالعسكري نسبة إلى ناحية العسكر التي كان يسكنها (عليه السلام) في
سامراء، قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إن المحلة
التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي (عليهما السلام) بسر من رأى كانت
تسمى العسكر، فلذلك قيل لكل واحد منهما: العسكري (3).
وقال الفيروزآبادي: وعسكر اسم سر من رأى، وإليه نسب العسكريان
أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، وولده الحسن، وماتا
بها (4).



(1) الهداية الكبرى: 313، المناقب 4: 401، الفصول المهمة: 273، دلائل الإمامة: 411،
إعلام الورى: 355.
(2) الفصول المهمة: 274، كشف الغمة 3: 164.
(3) بحار الأنوار 50: 113 / 1، عن علل الشرائع 1: 230، ومعاني الأخبار: 65.
(4) القاموس المحيط - عسكر - 2: 92.
14
بوابه (عليه السلام):
عثمان بن سعيد العمري (1).
وعن ابن شهرآشوب: أن بوابه محمد بن عثمان العمري (2).
نقش خاتمه (عليه السلام):
قال الطبري: وكان له خاتم نقش فصه ثلاثة أسطر:
ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، أستغفر الله (3).
وروي أن نقش خاتمه: هو الله ربي وهو عصمني من خلقه (4).
وفي مصباح الكفعمي: أن نقش خاتمه: حفظ العهود من أخلاق المعبود (5).
وقال السيد تاج الدين الحسيني: ومعناه أن حفظ الأمور التي عهد الله بها
إلينا من فعل أو ترك من الأخلاق التي يحبها الله (6).
ملامحه (عليه السلام):
أما ملامحه (عليه السلام) فكانت كملامح جده الإمام الرضا (عليه السلام) وأبيه الإمام



(1) تأريخ الأئمة: 33، الفصول المهمة: 274، نور الأبصار: 334.
(2) المناقب 4: 403.
(3) دلائل الإمامة: 411.
(4) الفصول المهمة: 274، نور الأبصار: 334.
(5) المصباح: 523.
(6) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 136.
15
الجواد (عليهما السلام).
فقد كان شديد السمرة، ووصفه الرواة بأنه كان أدعج (1) العينين، شثن (2)
الكفين، عريض الصدر، أقنى الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، طيب الريح،
وكان جسيم البدن - شبيها بجده الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) - ولم يكن بالقصير
المتردد (3)، ولا بالطويل الممغط (4)، بعيد المنكبين، ضخم الكراديس، معتدل
القامة (5).
ومن وكلائه (عليه السلام):
جعفر بن سهيل الصيقل (6).
شعراؤه (عليه السلام):
العوفي، والديلمي (7)، ومحمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري (8).



(1) الدعج في العين: شدة سوادها مع سعتها.
(2) الشثن: الغليظ الخشن.
(3) القصير المتردد: المتناهي في القصر.
(4) الطويل الممغط: المتناهي في الطول.
(5) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 21، عن مآثر الكبراء في تأريخ سامراء 3: 20، وجوهرة الكلام
في مدح السادة الأعلام: 151.
(6) المناقب 4: 402.
(7) الفصول المهمة: 274.
(8) في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 174.
16
نساؤه (عليه السلام):
نقل في بعض التواريخ: أنه كانت له سرية لا غير (1).
أولاده (عليه السلام):
خلف من الولد أربعة، وهم: محمد أكبر ولده توفي في حياته (2)، وأبو محمد
الحسن العسكري (عليه السلام)، وهو الإمام من بعده، والحسين، وجعفر المعروف بالكذاب،
وهو الذي ادعى الإمامة جرأة على الله تعالى، وأضل خلقا كثيرا، وقد أخبر به
الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في زمان حياته.
فقد روى الشيخ الصدوق والشيخ الطبرسي بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي،
عن أبي خالد الكابلي، قال: سألت علي بن الحسين صلوات الله عليه: من الحجة
والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقرا، وهو الحجة
والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له:
يا سيدي، كيف صار اسمه الصادق، وكلكم صادقون؟
فقال: حدثني أبي، عن أبيه (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا ولد ابني جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسموه الصادق، فإن الخامس
من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه، فهو عند الله
جعفر الكذاب المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد



(1) مصباح الكفعمي: 523، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 138.
(2) المعروف ب‍: (سبع الدجيل)، له مقام كبير يقصده أصحاب الحوائج، ذو كرامات باهرة
وفيرة في منطقة الدجيل بين بغداد وسامراء.
17
لأخيه، ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله.
ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديدا، ثم قال: كأني بجعفر الكذاب وقد
حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والتوكيل بحرم
أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتى
يأخذه بغير حقه... الحديث (1).
وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن صالح بن محمد بن عبد الله، عن أمه
فاطمة بنت محمد بن الهيثم، قالت: كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد
العسكري (عليه السلام) في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سروا به،
فصرت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فلم أره مسرورا بذلك.
فقلت له: يا سيدي، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال (عليه السلام): هون
عليك أمره، إنه سيضل خلقا كثيرا (2).
وله (عليه السلام) ابنة واحدة مختلف في اسمها، فقيل: حكيمة (3)، وقيل: علية (4)،
وقيل: عائشة (5).
وقال الطبري: إن له ابنتين هما: عائشة ودلالة (6).
وروى عن أبي علي محمد بن همام: أنه كان له أبو محمد الحسن الإمام (عليه السلام)،



(1) علل الشرائع: 234 / 1، الاحتجاج: 318، بحار الأنوار 50: 227 / 2.
(2) راجع كمال الدين 1: 321 / 2، كشف الغمة 3: 175، بحار الأنوار 50: 231 / 5.
(3) التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 138.
(4) إعلام الورى: 366، المناقب 4: 402.
(5) الفصول المهمة: 279، الإرشاد 2: 312.
(6) دلائل الإمامة: 412.
18
وجعفر، وإبراهيم، فحسب (1).
محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام):
وكان أبو جعفر محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام) من سادات أهل البيت (عليهم السلام)،
جليل القدر، عظيم المنزلة، مات في حياة أبيه (عليه السلام)، ودفن في الموضع الذي فيه
مشهده الآن قرب بلد، من توابع سامراء، وله كرامات مشهورة، ويقصده الشيعة
ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) للتبرك والزيارة، وهو أكبر ولده.
قال السيد محسن الأمين العاملي: محمد بن علي الهادي، أبو جعفر، جليل
القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه (عليه السلام)، فلما توفي [في
حياته] نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي (عليه السلام) [من بعده]، وكان أبوه
خلفه طفلا لما [استدعي و] أتي به إلى العراق، ثم قدم عليه إلى سامراء، ثم أراد
الرجوع إلى الحجاز، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء
[من منطقة دجيل بطريق بغداد] مرض وتوفي، ودفن قريبا منها (2)، ومشهده هناك
[شاخص و] معروف مزور، ولما توفي شق أخوه أبو محمد (عليه السلام) ثوبه، وقال في
جواب من لامه على ذلك: قد شق موسى على أخيه هارون، وسعى المحدث العلامة
الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره، وكان له فيه اعتقاد عظيم (3) (4).



(1) دلائل الإمامة: 412.
(2) يروى أنه سقي السم قبل خروجه من سامراء - والله العالم.
(3) أعيان الشيعة 10: 5.
(4) أقول: وقد تصدى لتوسعة المشهد والصحن وتجديده صديقنا المرحوم الفاضل السيد محمد
ابن آية الله العظمى السيد حسين القمي في كربلاء وذلك بين 1370 - 1375 هجري، وقد
شاهدت التجديد - المؤلف.
19
وتوفي (رحمه الله) نحو سنة 252 ه‍، وقد ظهرت له كرامات كثيرة من مرقده
الشريف، وألف المرحوم البحاثة الجليل العلامة الميرزا محمد الطهراني رسالة في
كرامات السيد محمد، وألف أيضا العلامة المرحوم الشيخ محمد علي الأردوبادي
كتابا سماه (سبع الدجيل) ذكر فيه كرامات عديدة للسيد محمد بن الإمام
الهادي (عليه السلام).
وأعقب السيد محمد أولادا، سكن بعضهم في بخارى، وبعضهم في تركيا،
وبعض سلالته منتشرون في العراق، ومنهم السادة آل بعاج المعروفون (1).
الحسين بن الإمام الهادي (عليه السلام):
نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء: أن الحسين كان
زاهدا عابدا معترفا بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان صوت
الإمام المهدي (عليه السلام) يشبه صوت عمه الحسين.
وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين،
تشبيها لهما بالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام).
وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة
لار من بلاد فارس في إيران، فقتلوا بعد وصولهم إليها (2).
عمره (عليه السلام):
اثنتان وأربعون سنة، ثمان سنين منها مع أبيه (عليه السلام)، وأربع وثلاثون سنة منها
بعده (عليه السلام)، وهي مدة إمامته، وقيل: بل عمره أربعون سنة، وقيل: إحدى وأربعون



(1) الإمام الهادي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد: 137.
(2) الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: 139.
20
سنة وأشهر (1).
وهذا الخلاف مبني على الاختلاف المتقدم في سنة ولادته (عليه السلام).
ملوك زمانه (عليه السلام):
وكان في مدة إمامته بقية ملك المعتصم بن هارون، ومات المعتصم في ربيع
الأول سنة 227 ه‍، ثم تولى بعده الواثق أبو جعفر بن محمد المعتصم بن الرشيد خمس
سنين وخمسة أشهر وأياما، ومات في ذي الحجة من سنة 232 ه‍، وهي السنة التي
ولد فيها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان عمر الواثق 34 سنة.
ثم تولى بعده المتوكل جعفر بن المعتصم، وكان شديد العداوة والبغض
لآل محمد (عليهم السلام)، وبقي في الحكم 14 سنة وتسعة أشهر وأياما، ثم هلك سنة 247 ه‍.
ثم تولى بعد المتوكل العباسي ابنه المنتصر ستة أشهر، وهو الذي أحدث
الانقلاب على أبيه المتوكل بالاشتراك مع قواد جيشه فقطعوه إربا إربا مع وزرائه
وندمائه وحاشيته وهم على مائدة الشراب والغناء، وذلك سنة 248 ه‍.
ثم ملك بعده المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ثلاث سنين وستة أشهر،
ومات سنة 251 ه‍.
ثم ملك بعده المعتز أربع سنين، فكان ثلاث منها في إمامة الهادي (عليه السلام)،
واستشهد ولي الله علي بن محمد (عليه السلام) في آخر ملكه، ودفن في داره بسر من رأى (2).



(1) راجع جميع الأقوال في الإرشاد 2: 297، إعلام الورى: 355، المناقب 4: 401، تاج
المواليد: 131، الفصول المهمة: 274 و 279، كشف الغمة 3: 174 و 195، إعلام الورى:
366، دلائل الإمامة: 409.
(2) إعلام الورى: 355، تأريخ اليعقوبي 3: 216 - 231.
21
شهادته (عليه السلام):
قبض (عليه السلام) مسموما بسر من رأى في يوم الاثنين المصادف الثالث من رجب
سنة 254 ه‍، ودفن في داره بسر من رأى، وخرج الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام)
في جنازته وقميصه مشقوق وصلى عليه ودفنه (1).
وقال المسعودي: سمع في جنازته جارية تقول: ماذا لقينا في يوم الاثنين
قديما وحديثا (2).
وقيل: يوم الاثنين الخامس والعشرون من جمادى الآخرة سنة 254 ه‍ (3).
والتأريخ الأول أشهر، حيث نص عليه أغلب أعلام الطائفة ومحدثيهم
ومؤرخيهم (4).
وممن نص على أنه (عليه السلام) مات مسموما أو نقل القول في ذلك: الشبلنجي
وابن الصباغ المالكي والشيخ أبو جعفر الطبري، والشيخ إبراهيم الكفعمي في
المصباح وغيرهم، ونص الأخير على أن الذي سمه هو المعتز (5).



(1) الأنوار البهية: 247.
(2) مروج الذهب 4: 84، والمراد بيوم الاثنين يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وما تبعها من مؤامرة
السقيفة وجملة قضاياها.
(3) الفصول المهمة: 279، كشف الغمة 3: 165 و 174.
(4) راجع الكافي 1: 416، دلائل الإمامة: 409، تاج المواليد: 132، المناقب 4: 401.
(5) نور الأبصار: 83، الفصول المهمة: 279، دلائل الإمامة: 409، بحار الأنوار 50: 117
عن مصباح الكفعمي.
22
وجاء عن ابن بابويه أنه (عليه السلام) مات مسموما (1)، وسمه المعتمد العباسي، وإذا
صح ذلك فإنه لا بد أن يكون قد سمه المعتز بالله، لأنه مات في عهده سنة 254 ه‍،
والمعتمد العباسي بويع بالخلافة سنة 256 ه‍ في النصف من رجب بعد قتل المهتدي
محمد بن هارون المعتز.
أو أن المعتز قد أوعز إلى المعتمد بدس السم إلى الإمام (عليه السلام)، فيكون ذلك
جمعا بين قول الشيخ الصدوق والشيخ الكفعمي، والله أعلم بحقيقة الحال.
إخوته (عليه السلام):
له (عليه السلام) أخ واحد هو موسى المبرقع بن الإمام الجواد (عليه السلام)، وله من
الأخوات: فاطمة، وأمامة، وحكيمة، وخديجة، وأم كلثوم (2). وقيل: زينب
وأم محمد وميمونة، كما سيأتي لاحقا.
أما موسى المبرقع فقد ولد بالمدينة، وأقام مع أبيه بها إلى أن استشهد
أبوه (عليه السلام) ببغداد، ثم انتقل إلى الكوفة، وسكن بها مدة، وفي سنة ست وخمسين
ومئتين هاجر من الكوفة، وورد قم وتوطن بها، كما سبق ذكره.
قال أبو علي الحسين بن محمد بن نصر بن سالم: إن أول من ورد قما من
السادات الرضوية هو موسى بن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) (3)، جاء إليها من الكوفة،
ثم أخرجه أهلها لأمور صدرت منه، فذهب إلى كاشان، فأكرمه أحمد بن عبد العزيز
ابن أبي دلف العجلي، وخلع عليه، وقرر له في كل سنة ألف دينار، فلما ورد



(1) نقل ذلك عنه ابن شهرآشوب في المناقب 4: 401.
(2) راجع مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 83.
(3) المعروف ب‍: المبرقع.
23
الحسين بن علي بن آدم وشخص آخر من الكوفة إلى قم، وبخا أهلها على إخراجه،
فأرسلوا وراءه، وأرجعوه إلى قم مكرما، ثم قصد عبد العزيز بن أبي دلف، فأكرمه،
وعين له وظيفة سنوية، ثم طلب أخواته زينب وأم محمد وميمونة بنات الإمام محمد
ابن علي الجواد من الكوفة إلى قم، فأقمن عنده حتى توفين في قم، ودفن بقرب قبر
السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليها السلام)، وأقام موسى المبرقع في قم حتى توفي بها،
فصلى عليه أميرها عباس بن عمرو الغنوي (1).
وكان موسى يلقي على وجهه برقعا، ولذلك قيل له المبرقع لجمال وجهه
الباهر، ولعل ذلك هو السبب في إخراجه من قم، لأن أهلها لم يعرفوه وكانوا في شك
وريبة من أمره أولا، لكن عندما عرفوه بعدما ألقى البرقع عن وجهه أكرموه
وأجزلوا له العطاء والاحترام.
وقبره اليوم معروف يزوره الكثيرون، ويقع في محلة (چهل اختران) من
محال قم المقدسة.
ولموسى المبرقع ولدان محمد وأحمد، وعن كتاب زبر الأنساب أنه اختلف
النسابون في بقاء عقب لمحمد، فاختار الدينوري أن بني الخشاب من أولاد محمد،
وأكثر النسابين على خلافه، أي إنه لا عقب له، وأما بقية ذرية الإمام محمد الجواد
فهم جميعا بإجماع النسابين من أحمد بن موسى المبرقع (2)، وينتهي إليه نسب السادة
الرضوية، وهم من البيوتات العلوية الجليلة، ويقطنون في سائر بلدان الإسلام سيما
الهند وإيران وتركستان والشام والعراق وغيرها.



(1) أعيان الشيعة 10: 194.
(2) أعيان الشيعة 10: 195.
24
الفصل الثاني
النص على إمامته (عليه السلام)، ونصه على من بعده
النص على إمامته (عليه السلام):
كان الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ابنه أبا الحسن علي
ابن محمد الهادي (عليه السلام)، لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فضله، وأنه
لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالإمامة، والإشارة إليه من أبيه
بالخلافة.
وفيما يلي بعض الروايات الناصة عليه بالإمامة:
1 - عن إسماعيل بن مهران، قال: لما أخرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى
بغداد في الدفعة الأولى من خرجته، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إني أخاف
عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟
قال: فكر بوجهه إلي ضاحكا، وقال: ليس حيث ظننت في هذه
السنة.
فلما استدعي به إلى المعتصم في المرة الثانية صرت إليه، فقلت له: جعلت
فداك، أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم

25
التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي (1).
2 - وعن الخيراني، عن أبيه، أنه قال: كنت ألزم باب أبي جعفر (عليه السلام)
للخدمة التي وكلت بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر من
آخر كل ليلة ليتعرف خبر علة أبي جعفر (عليه السلام)، وكان الرسول الذي يختلف بين
أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد الأشعري وخلا به.
قال الخيراني: فخرج ذات ليلة، وقام أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن
المجلس، وخلا بي الرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال
الرسول: إن مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إني ماض، والأمر صائر إلى
ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.
ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك؟ قلت:
خيرا، قال: قد سمعت ما قال، وأعاد علي ما سمع، فقلت له: قد حرم الله عليك
ما فعلت، لأن الله تعالى يقول: (ولا تجسسوا) (2)، فإذا سمعت فاحفظ الشهادة
لعلنا نحتاج إليها يوما ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.
قال: وأصبحت وكتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها إلى
عشرة من وجوه أصحابنا، وقلت: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها
فافتحوها واعملوا بما فيها.



(1) الإرشاد 2: 298، الكافي 1: 260 / 1، إعلام الورى: 356، مناقب ابن شهرآشوب 4:
408، بحار الأنوار 50: 118 / 2، الفصول المهمة: 277.
(2) الحجرات: 12.
26
فلما مضى أبو جعفر (عليه السلام) لم أخرج من منزلي حتى عرفت أن رؤساء
العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج (1)، يتفاوضون في الأمر، وكتب إلي محمد بن
الفرج يعلمني باجتماعهم عنده ويقول: لولا مخافة الشهرة لصرت معهم إليك، فأحب
أن تركب إلي. فركبت وصرت إليه، فوجدت القوم مجتمعين عنده، فتجارينا في
الباب (2)، فوجدت أكثرهم قد شكوا، فقلت لمن عنده الرقاع - وهم حضور -
أخرجوا تلك الرقاع؛ فأخرجوها، فقلت لهم: هذا ما أمرت به.
فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد القول.
فقلت لهم: قد أتاكم الله بما تحبون، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع
هذه الرسالة فاسألوه، فسأله القوم، فتوقف عن الشهادة، فدعوته إلى المباهلة،
فخاف منها، وقال: قد سمعت ذلك، وهي مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من
العرب، فأما مع المباهلة فلا طريق إلى كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتى اعترفوا
بإمامة أبي الحسن وزال عنهم الريب في ذلك (3).
3 - وعن الصقر بن دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)
يقول: إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي،
والإمامة بعده في ابنه الحسن (4).



(1) هو محمد بن الفرج الرخجي، من أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام).
(2) يطلق الباب على صاحب السر الذي يتوصل إلى الإمام به.
(3) الإرشاد 2: 298، الكافي 1: 260 / 2، إعلام الورى: 356، بحار الأنوار 50: 119 /
3.
(4) بحار الأنوار 50: 118.
27
4 - وروى الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه: أن
أبا جعفر (عليه السلام) لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها، أجلس
أبا الحسن (عليه السلام) في حجره بعد النص عليه، وقال له: ما الذي تحب أن أهدي إليك
من طرائف العراق؟ فقال (عليه السلام): سيفا كأنه شعلة نار، ثم التفت إلى موسى ابنه
وقال له: ما تحب أنت؟ فقال: فرسا. فقال (عليه السلام): أشبهني أبو الحسن، وأشبه هذا
أمه (1).
5 - وعن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي القيسي، قال: قلت لأبي جعفر
الثاني (عليه السلام): من الخلف من بعدك؟ قال: ابني علي (2).
6 - وعنه، قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه حضر أمية بن علي
وهو يسأل أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن ذلك فأجاب بمثل ذلك الجواب (3).
والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا إن عملنا على إثباتها جميعا طال بها
الكتاب، وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن (عليه السلام)، وعدم من يدعيها سواه في
وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل.



(1) بحار الأنوار 50: 123.
(2) كفاية الأثر: 280.
(3) كفاية الأثر: 280.
28
قال ابن شهرآشوب: رواة النص على إمامة أبي الحسن علي بن محمد
النقي (عليه السلام) جماعة، منهم: إسماعيل بن مهران، وأبو جعفر الأشعري، والخيراني،
والدليل على إمامته إجماع الإمامية على ذلك وطريق النصوص والعصمة،
والطريقان المختلفان من العامة والخاصة من نص النبي (صلى الله عليه وآله) على إمامة الاثني عشر،
وطريق الشيعة النصوص على إمامته (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) (1).
النص على الإمام من بعده (عليه السلام):
كان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ابنه أبا محمد الحسن بن
علي العسكري (عليه السلام) لاجتماع خلال الفضل فيه، وتقدمه على كافة أهل عصره فيما
يوجب له الإمامة، ويقتضي له الرئاسة من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة
والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله، ثم لنص أبيه (عليه السلام) عليه، وإشارته
بالخلافة إليه، وفيما يلي طرف من الأخبار الواردة بالنص عليه من أبيه (عليه السلام)
والإشارة إليه بالإمامة من بعده:
1 - عن يحيى بن يسار القنبري، قال: أوصى أبو الحسن علي بن محمد
[الهادي] إلى ابنه الحسن (عليه السلام) قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده،
وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (2).



(1) المناقب 4: 402.
(2) الإرشاد 2: 314، الكافي 1: 261 / 1، غيبة الطوسي: 200 / 166، إعلام الورى:
370.
29
2 - عن علي بن عمرو النوفلي، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن
داره، فمر بنا محمد ابنه الخلف، فقلت: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا،
صاحبكم بعدي الحسن (1).
3 - عن عبد الله بن محمد الأصبهاني، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): صاحبكم
بعدي الذي يصلي علي، قال: ولم نكن نعرف أبا محمد قبل ذلك، قال: فخرج
أبو محمد بعد وفاته (عليه السلام) فصلى عليه (2).
4 - وعن موسى بن جعفر بن وهب، عن علي بن جعفر، قال: كنت حاضرا
أبا الحسن (عليه السلام) لما توفي ابنه محمد فقال للحسن: يا بني، أحدث لله شكرا، فقد
أحدث فيك أمرا (3).
5 - وعن أحمد بن محمد بن عبد الله بن مروان الأنباري، قال: كنت حاضرا



(1) الإرشاد 2: 315، الكافي 1: 262 / 2، إعلام الورى: 368، غيبة الطوسي: 198 /
163، بحار الأنوار 50: 243 / 13.
(2) الإرشاد 2: 315، الكافي 1: 262 / 3، إعلام الورى: 368، المناقب 4: 422، بحار
الأنوار 50: 243 / 12.
(3) الإرشاد 2: 315، الكافي 1: 262 / 4، إعلام الورى: 368، بحار الأنوار 50: 244 /
15.
30
عند مضي أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، فجاء أبو الحسن (عليه السلام) فوضع له كرسي
فجلس عليه، وحوله أهل بيته، وأبو محمد ابنه قائم في ناحية، فلما فرغ من أمر
أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (عليه السلام)، فقال: يا بني، أحدث لله شكرا، فقد أحدث
فيك أمرا (1).
6 - وعن علي بن مهزيار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن كان كون
- وأعوذ بالله - فإلى من؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي، يعني الحسن (عليه السلام) (2).
7 - عن علي بن عمرو العطار، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وابنه
أبو جعفر يحيا (3)، وأنا أظن أنه هو الخلف من بعده، فقلت له: جعلت فداك، من
أخص من ولدك؟ فقال: لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري.
قال: فكتبت إليه بعد: في من يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إلي: في الأكبر
من ولدي. قال: وكان أبو محمد (عليه السلام) أكبر من جعفر (4).



(1) الإرشاد 2: 316، بصائر الدرجات: 492 / 13، الكافي 1: 262 / 5، إعلام الورى:
368، بحار الأنوار 50: 240 / 6 و 243 / 12 عن ابن أبي الصهبان.
(2) الإرشاد 2: 316، الكافي 1: 262 / 6، إعلام الورى: 368، بحار الأنوار 50: 244 /
16.
(3) في البحار: وابنه أبو جعفر في الأحياء.
(4) الإرشاد 2: 316، الكافي 1: 262 / 7، إعلام الورى: 368، بحار الأنوار 50: 244 /
17.
31
8 - وعن سعد بن عبد الله، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين
الأفطس (1)، أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد (عليه السلام) دار أبي الحسن (عليه السلام)
وقد بسط له في صحن داره، والناس جلوس حوله، فقالوا: قدرنا أن يكون حوله
من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر
الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي (عليه السلام) وقد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه،
ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) بعد ساعة من قيامه، ثم قال له: يا بني،
أحدث لله شكرا، فقد أحدث فيك أمرا. فبكى الحسن (عليه السلام) واسترجع، فقال: الحمد
لله رب العالمين، وإياه أسأل تمام نعمه علينا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
فسألناه عنه، فقيل لنا: هذا الحسن ابنه، فقدرنا له في ذلك الوقت عشرين
سنة ونحوها، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة، وأقامه مقامه (2).
9 - وعن محمد بن يحيى، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) بعد مضي
أبي جعفر ابنه، فعزيته عنه، وأبو محمد جالس، فبكى أبو محمد، فأقبل عليه
أبو الحسن (عليه السلام)، فقال: إن الله تعالى قد جعل فيك خلفا منه، فأحمد الله عز
وجل (3).



(1) في الكافي وإعلام الورى: الحسن بن الحسن الأفطس.
(2) الإرشاد 2: 318، الكافي 1: 262 / 8، إعلام الورى: 369، بحار الأنوار 50: 245 /
18.
(3) الإرشاد 2: 318، الكافي 1: 263 / 9، بحار الأنوار 50: 246 / 20.
32
10 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) بعدما مضى
ابنه أبو جعفر، وإني لأفكر في نفسي، أريد أن أقول: كأنهما - أعني أبا جعفر
وأبا محمد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد (عليه السلام)،
وإن قصتهما كقصتهما، فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق، فقال: نعم يا أبا هاشم،
بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي
إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمد
ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة (1).
11 - وعن شاهويه بن عبد الله، قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه السلام) في كتاب:
أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تقلق فإن الله لا يضل
قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، صاحبك أبو محمد ابني، وعنده
ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء ويؤخر ما يشاء (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
بخير منها أو مثلها) (2).
12 - وعن داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:
الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله



(1) الإرشاد 2: 319، الكافي 1: 263 / 10، بحار الأنوار 50: 241 / 7.
(2) الإرشاد 2: 320، الكافي 1: 263 / 12، غيبة الطوسي: 200 / 168، إعلام الورى:
369، بحار الأنوار 50: 243 / 5، والآية من سورة البقرة: 106.
33
فداك؟ فقال: إنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف
نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (عليه السلام وعليهم) (1).
13 - وعن السيد عبد العظيم الحسني قال: دخلت على سيدي علي بن
محمد (عليه السلام)، فلما بصرني قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن
كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل. فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج من
الحدين: حد الإبطال، وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض
ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر،
ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وأن محمدا عبده ورسوله، خاتم النبيين
لا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأن شريعته خاتمة الشرائع، ولا شريعة بعدها إلى يوم
القيامة.
وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،
ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم
موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي.
فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟



(1) الإرشاد 2: 320، الكافي 1: 264 / 13، كمال الدين: 381 / 5 و 648 / 4، علل
الشرائع: 245 / 5، إثبات الوصية: 224، كفاية الأثر: 288، غيبة الطوسي: 202 /
169، إعلام الورى: 351، بحار الأنوار 50: 240 / 5.
34
قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟
قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض
قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما. قال: فقلت: أقررت (1)... الحديث.
14 - وعن شاهويه، عن عبد الله بن سليمان الخلال، قال: كنت رويت
عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في أبي جعفر (عليه السلام) روايات تدل عليه، فلما مضى
أبو جعفر (عليه السلام) قلقت لذلك وبقيت متحيرا لا أتقدم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه
في ذلك، ولا أدري ما يكون.
وكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرج الله عنا في أسباب من قبل السلطان، كنا
نغتم بها من غلماننا، فرجع الجواب بالدعاء ورد علينا الغلمان، وكتب في آخر
الكتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر (عليه السلام)، فقلقت لذلك،
(وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) (2). صاحبك بعدي
أبو محمد ابني، عنده ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء ويؤخر (ما ننسخ من آية أو
ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (3)، قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان (4).



(1) كفاية الأثر: 282، بحار الأنوار 36: 412 / 2، كمال الدين: 379 / 1، التوحيد: 81 /
37.
(2) التوبة: 115.
(3) البقرة: 106.
(4) الغيبة للطوسي: 201 / 168، الثاقب في المناقب: 548، إثبات الوصية: 208، بحار
الأنوار 50: 242 / 11.
35
15 - وعن محمد بن يحيى، عن أبي بكر الفهفكي، قال: كتب إلي
أبو الحسن (عليه السلام): أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الأكبر
من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها، وما كنت سائلي عنه
فسله عنه، فعنده ما تحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة (1).
16 - وعن الصقر بن دلف، قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)
يقول: الإمام بعدي الحسن، وبعد الحسن ابنه القائم، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا
كما ملئت جورا وظلما (2).
17 - وعن أحمد بن عيسى العلوي من ولد علي بن جعفر، قال: دخلت على
أبي الحسن (عليه السلام) بصريا، فسلمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا،
فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه، فقال أبو الحسن (عليه السلام): ليس هذا صاحبكم، عليكم
بصاحبكم، وأشار إلى أبي محمد (عليه السلام) (3).
18 - وعن علي بن محمد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري،
قال: أوصى أبو الحسن (عليه السلام) إلى ابنه الحسن (عليه السلام) قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشار
إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (4).



(1) إعلام الورى: 369.
(2) بحار الأنوار 50: 239 / 4.
(3) بحار الأنوار 50: 242 / 10.
(4) بحار الأنوار 50: 246 / 21.
36
الفصل الثالث
فضائله (عليه السلام) ومكارم أخلاقه
إن لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكانة لا يرقى إليها أي مخلوق
عند شيعتهم ومواليهم، لأنهم الامتداد الطبيعي المباشر لجدهم الكريم الرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله)، والأمناء على تبليغ رسالة السماء إلى البشرية والإنسانية كافة، وهم
المتميزون على غيرهم علما ودراية وفقها وتقى وأخلاقا وحكمة، وهم الرواد لكل
فضيلة، والرائد لا يكذب أهله، وقد ورثوا العلم والمكارم والصفات الحميدة كابرا
عن كابر.
والإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) فرع من تلك الشجرة الطاهرة والدوحة
العظيمة، ولا تمييز بين أحد منهم، ولقد أتي الإمام (عليه السلام) كما أوتي آباؤه الطاهرون من
المكارم ما لم يؤت أحدا من العالمين بعد الأنبياء والمرسلين، وأنى لي وصف هذه
المشكاة العظيمة والنور الباهر الذي يتحلون به.
وهذه شذرات مما دبجته يراعات الأعاظم من العلماء في فضائله ومكارم
أخلاقه.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): كان الإمام بعد أبي جعفر (عليه السلام) ابنه أبا الحسن علي
ابن محمد (عليه السلام)، لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فضله، وثبوت النص

37
عليه بالإمامة (1).
وقال القطب الراوندي: وأما علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، فقد اجتمعت فيه
خصال الإمامة، وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيرة، وكانت أخلاقه كلها خارقة
للعادة كأخلاق آبائه (عليهم السلام) (2).
وقال ابن حجر الهيتمي: كان - علي العسكري - وارث أبيه علما وسخاء (3).
وقال ابن شهرآشوب: كان الإمام - أبو الحسن الهادي (عليه السلام) - أطيب الناس
بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة
الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية
والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة
مجتباة (4).
وفيما يلي نورد نبذة من فضائله وخصائصه التي ورثها عن آبائه
المعصومين (عليهم السلام)، فتميز بها عن أهل زمانه.
نبوغه المبكر:
تميز الإمام الهادي (عليه السلام) ومنذ طفولته المبكرة بنبوغ مذهل وذكاء حاد، وهو
في ذلك لا يختلف عن باقي أسلافه الكرام الأئمة المعصومين من آل البيت (عليهم السلام)،



(1) الإرشاد 2: 297.
(2) الأنوار البهية: 246.
(3) الصواعق المحرقة: 207.
(4) المناقب 4: 401.
38
ولكنه تميز بذلك لأنه أسند إليه منصب الإمامة بعد شهادة أبيه (عليهم السلام) وهو في سن
الثامنة من عمره الشريف، وهذا من أوضح الكرامات والمعجزات التي اختص بها
الأئمة من عترة المصطفى (عليهم السلام)، ولا تفسير لهذه الظاهرة إلا القول بما تذهب إليه
الشيعة من أن الله تعالى قد أمد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بالعلم والحكمة وآتاهم من
الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين من غير فرق بين الصغير والكبير منهم.
وقد ذكر الرواة بوادر كثيرة من ذكائه، كان منها أن المعتصم بعدما اغتال
الإمام الجواد (عليه السلام) عهد إلى عمر بن الفرج أن يشخص إلى يثرب ليختار معلما
لأبي الحسن الهادي البالغ من العمر آنذاك نحو ثمان سنين على أكثر تقدير وقيل:
ست سنين وأشهرا، وقد عهد إليه أن يكون المعلم معروفا بالنصب والانحراف عن
أهل البيت (عليهم السلام)، ليغذيه ببغضهم.
روى المسعودي بإسناده عن الحميري، عن محمد بن سعيد مولى لولد جعفر
ابن محمد، قال: قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجا بعد مضي أبي جعفر
الجواد (عليه السلام)، فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لهم: أبغوا لي رجلا من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي
أهل هذا البيت، لأضمه إلى هذا الغلام وأوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه
الرافضة الذين يقصدونه.
فأسموا له رجلا من أهل الأدب يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالجنيدي، وكان
متقدما عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة.
فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه
بما أراد، وعرفه أن السلطان أمره باختيار مثله وتوكيله بهذا الغلام.
قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن (عليه السلام) في القصر بصريا، فإذا كان الليل

39
أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه، فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه
وعن الاستماع منه والقراءة عليه، ثم إني لقيته في يوم جمعة، فسلمت عليه، وقلت
له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟
فقال منكرا علي: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي! أنشدك الله هل
تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا.
قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي
علي بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه.
قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه.
ثم لقيته بعد ذلك، فسلمت عليه، وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال
الفتى الهاشمي؟
فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق
الله تعالى، وإنه لربما هم بالدخول فأقول له: تنظر حتى تقرأ عشرك. فيقول لي: أي
السور تحب أن أقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذها بقراءة
لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته
يضرب المثل.
قال: ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق، وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه
الجواري السود، فمن أين علم هذا؟
قال: ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته
وعرف الحق وقال به، وفي سبع سنين من إمامته (عليه السلام) مات المعتصم في سنة 227 ه‍
ولأبي الحسن (عليه السلام) أربع عشرة سنة (1).



(1) إثبات الوصية: 222.
40
وهذا الحديث وغيره يدل على العلم الحضوري والنور الجلي والسر الخفي
الذي حباه رب العالمين للأئمة الهداة من عترة المصطفى (عليه السلام).
روى الصفار بالإسناد عن علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبا الحسن
العسكري (عليه السلام) يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا، وإنما كان عند
آصف حرف واحد، فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول
عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان، ثم انبسطت له الأرض في أقل من طرفة عين؛
وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا، وحرف واحد عند الله تعالى مستأثر به في علم
الغيب (1).
علمه (عليه السلام):
لقد ذكر المؤرخون وأرباب السير الإمام الهادي (عليه السلام) بوصفه علما بارزا من
أعلام عصره في العلم والمعرفة والتقوى والعبادة والوجاهة والقيادة والريادة.
ولقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرق في المسائل المعقدة
والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية ومسائل العقائد المختلفة، حتى إن المتوكل
العباسي وهو ألد أعدائه كان يرجع إلى رأي الإمام (عليه السلام) في المسائل التي اختلف
فيها علماء عصره، مقدما رأيه (عليه السلام) على آرائهم، ولذلك شواهد كثيرة سنذكر منها
الكثير في بحوثه العقائدية وفي مناظراته وأجوبته، وهي جميعا تدل على أنه (عليه السلام)
كان أعلم أهل عصره.
وكان له (عليه السلام) دور كبير وتأثير معروف في إغناء المدرسة الإسلامية التي قاد



(1) بحار الأنوار 27: 26 / 3.
41
أهل البيت (عليهم السلام) حركتها، وغذوها بروح الشريعة الغراء، وسنة المصطفى السمحاء،
فقد عد الشيخ الطوسي في كتابه (الرجال) نحو 185 تلميذا وراويا أخذوا عنه العلم
ورووا الحديث أو كاتبوه فأجابهم عن مسائلهم، وكان (عليه السلام) مرجع أهل العلم
والفقه وأحكام الشريعة وقضايا الدين في عصره، وحفلت كتب الرواية والحديث
والفقه والعقيدة والمناظرة والتفسير وأمثالها عند الإمامية بما أثر عنه واستفيد من
علومه ومعارفه، وكتاب مسند الإمام الهادي (عليه السلام) الذي جمعه الشيخ عزيز الله
العطاردي بصفحاته الأربعمئة خير شاهد على ما نقول.
وكان بين أصحابه (عليه السلام) مؤلفون أغنوا المدرسة الإسلامية، منهم: أحمد بن
إسحاق بن عبد الله بن سعد بن الأحوص الأشعري، والحسين بن سعيد بن حماد
الأهوازي، وداود بن أبي زيد النيشابوري، وعلي بن مهزيار الأهوازي، والفضل
ابن شاذان وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم في أصحابه (عليه السلام).
وفيما يلي نورد بعض الروايات الدالة على غزارة علمه الذي لا يحد وفقهه
الذي لا يجارى:
1 - كان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته، فلما
عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير، فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى، فسأل
أبا الحسن (عليه السلام) عن ذلك، فقال (عليه السلام): يتصدق بثمانين درهما.
فسئل عن علة ذلك، فقال: إن الله قال لنبيه (صلى الله عليه وآله): (لقد نصركم الله في مواطن
كثيرة) (1)، فعددنا مواطن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبلغت ثمانين موطنا، وسماها الله كثيرة،



(1) التوبة: 25.
42
فسر المتوكل بذلك وتصدق بثمانين درهما (1).
2 - وفي شرح شافية أبي فراس، قال:
ومما نقل أن قيصر ملك الروم كتب إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتابا
يذكر فيه: إنا وجدنا في الإنجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله
تعالى جسده على النار (2)، وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء،
فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل
تجدونها في كتبكم؟
فجمع العلماء وسألهم في ذلك، فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا النقي علي
ابن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقال: إنها سورة الحمد، فإنها خالية من هذه السبعة
أحرف.
فقيل: الحكمة في ذلك أن الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم، والخاء من
الخيبة، والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة، والظاء من الظلمة، والفاء من
الفرقة، أو من الآفة.
فلما وصل إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحا شديدا، وأسلم لوقته، ومات
على الإسلام، والحمد لله رب العالمين (3).



(1) تحف العقول: 481، التهذيب 8: 309 / 1147، بحار الأنوار 50: 162 / 41.
(2) قراءة السورة لا توجب دخول الجنة مع التأكيد على فضلها، بل إن ذلك معهود إلى الالتزام
بشرطها وشروطها، وأول شروطها ولاية أهل البيت (عليهم السلام).
(3) شرح شافية أبي فراس الحمداني: 563، وستأتي نماذج من سعة علمه (عليه السلام) في المعاجز.
43
مؤلفاته (عليه السلام):
1 - رسالته (عليه السلام) في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة
بين المنزلتين، أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحراني في تحف العقول، سوف
نأتي على ذكرها في بحوثه العقائدية والكلامية.
2 - أجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، وهذه أيضا أوردها ابن شعبة في
تحف العقول، وسنذكرها في مناظراته (عليه السلام).
3 - قطعة من أحكام الدين، ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب عن الخيبري
- أو الحميري - في كتاب مكاتبات الرجال عن العسكريين.
4 - وروي عنه (عليه السلام) في أجوبة المسائل في الفقه وغيره من أنواع العلوم
الشيء الكثير، وقد تكفلت بنقلها كتب الحديث والأخبار، وقد جمعها الشيخ
عزيز الله العطاردي في مسند الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
وفيما يعود إلى التشريع كان الرواة والعلماء أكثر ما يراجعونه (عليه السلام) فيما يشتبه
عليهم عن طريق الكتابة، ولعل مرد ذلك إلى أن محدثي الشيعة الذين كانوا
يتدارسون فقه الأئمة (عليهم السلام) ومروياتهم قد انتشروا في طول البلاد وعرضها، وكان
لمدينة قم النصيب الأكبر من أولئك الرواة، هذا بالإضافة إلى أن السلطات الحاكمة
كانت تضيق على الأئمة (عليهم السلام) وتراقب جميع تصرفاتهم وتحركاتهم، وقد فرضت
عليهم الإقامة الجبرية في عواصم الحكام للحد من تجمع أصحابهم حولهم، بل ومن
الاتصال بهم، لذا فإن الرواة والعلماء كانوا يتصلون في الغالب بالأئمة الثلاثة: الجواد



(1) يقع هذا الكتاب في 400 صفحة، وقد نشر من قبل المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام).
44
والهادي والعسكري (عليهم السلام) بالمراسلة، ويجد المتتبع لكل واحد منهم (عليهم السلام) عشرات
بل مئات المرويات بهذا الطريق في مختلف الأبواب الفقهية والمسائل التشريعية،
وللاطلاع على بعض الأمثلة من تلك المكاتبات يمكن إلقاء نظرة ولو سريعة على
كتاب (مكاتيب الأئمة (عليهم السلام)) (1) لملاحظة حجم المراسلات للأئمة المتأخرين (عليهم السلام).
عبادته (عليه السلام):
لم ير الناس في زمان إمامنا الهادي (عليه السلام) مثله في عبادته وتقواه، سائرا في
ذلك على نهج آبائه المعصومين (عليهم السلام)، فعندما أمر المتوكل بتفتيش داره (عليه السلام) في
سامراء، اقتحم سعيد الحاجب دار الإمام، قال سعيد: فنزلت فوجدت عليه جبة
صوف وقلنسوة منها، وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة.
وفي مرة أخرى هوجمت دار الإمام (عليه السلام) من قبل جند المتوكل الأتراك،
فوصف أصحاب السير حال الإمام (عليه السلام) حين هوجم ليلا وفتشت داره حيث
قالوا: وجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على
الرمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيا من القرآن الكريم، وسنأتي على
تفصيل هذين الخبرين في مواقف الحكام من الإمام (عليه السلام).
ولم يترك الإمام (عليه السلام) نافلة من النوافل المستحبة وصلوات التطوع إلا أتى بها
حتى في أحلك الظروف القاسية التي مرت به (عليه السلام)، فكان (عليه السلام) يقرأ في الركعة الثالثة



(1) من تأليف العلامة المحقق الفيض الكاشاني، مطبوع في جزءين - طبع مكتبة الصدوق،
ومكاتيب الإمام الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) تقع ضمن الجزء الثاني، الصفحات 195 -
275.
45
من نافلة المغرب سورة الحمد وأول سورة الحديد إلى قوله تعالى: (إنه عليم بذات
الصدور) (1)، ويقرأ في الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحشر (2). ونسبت
إليه صلاة نافلة كان (عليه السلام) يصلي فيها ركعتين، يقرأ في الأولى الفاتحة وياسين، وفي
الثانية سورة الفاتحة وسورة الرحمن (3).
كرمه وعطاؤه (عليه السلام):
ومن المظاهر البارزة في سيرته (عليه السلام) الكرم والسخاء والعطاء، فقد كان (عليه السلام)
من أندى الناس كفا وأسمحهم يدا، وروى المؤرخون بوادر كثيرة تدل على بره
وإحسانه إلى البائسين والمحرومين، قلما تجد لها نظيرا إلا عند عترة المصطفى الميامين
(سلام الله عليهم)، وفيما يلي نورد بعضا منها:
1 - قال ابن شهرآشوب: دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد، وأحمد بن إسحاق
الأشعري، وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري، فشكا إليه أحمد
ابن إسحاق دينا عليه، فقال: يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف
دينار، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار؛ فهذه
معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء (4).



(1) سورة الحديد: 1 - 6.
(2) وسائل الشيعة 6: 64 / 7357.
(3) وسائل الشيعة 8: 185 / 10374.
(4) مناقب ابن شهرآشوب: 409، بحار الأنوار 50: 173.
46
2 - وروى علي بن عيسى الإربلي عن كمال الدين بن طلحة الشافعي، قال:
إن أبا الحسن (عليه السلام) كان يوما قد خرج من سر من رأى إلى قرية لمهم عرض له،
فجاء رجل من الأعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب إلى الموضع الفلاني، فقصده،
فلما وصل إليه قال له: ما حاجتك؟ فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة
المتمسكين بولاء جدك علي بن أبي طالب، وقد ركبني دين فادح أثقلني حمله،
ولم أر من أقصده لقضائه سواك.
فقال له أبو الحسن (عليه السلام): طب نفسا وقر عينا، ثم أنزله، فلما أصبح ذلك
اليوم قال له أبو الحسن (عليه السلام): أريد منك حاجة، الله الله أن تخالفني فيها.
فقال الأعرابي: لا أخالفك، فكتب أبو الحسن (عليه السلام) ورقة بخطه معترفا فيها
أن عليه للأعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه، وقال: خذ هذا الخط، فإذا
وصلت إلى سر من رأى احضر إلي وعندي جماعة فطالبني به، وأغلظ القول علي في
ترك إيفائك إياه، الله الله في مخالفتي! فقال: أفعل، وأخذ الخط.
فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى وحضر عنده جماعة كثيرون من
أصحاب الخليفة وغيرهم، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه، وقال كما
أوصاه، فألان أبو الحسن (عليه السلام) له القول ورققه، وجعل يعتذر إليه، ووعده بوفائه
وطيب نفسه؛ فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل، فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن ثلاثون
ألف درهم، فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل، فقال: خذ هذا المال فاقض
منه دينك، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك، واعذرنا.
فقال له الأعرابي: يا بن رسول الله، والله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا،
ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وأخذ المال وانصرف، وهذه منقبة من سمعها

47
حكم له بمكارم الأخلاق، وقضى له بالمنقبة المحكوم بشرفها بالاتفاق (1).
3 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني
ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) فأذن لي، فلما جلست
قال: يا أبا هاشم، أي نعم الله عز وجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟
قال أبو هاشم: فوجمت، فلم أدر ما أقول له، فابتدأ (عليه السلام) فقال: رزقك
الإيمان، فحرم به بدنك على النار، ورزقك العافية، فأعانك على الطاعة، ورزقك
القنوع، فصانك عن التبذل.
يا أبا هاشم، إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك
هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها (2).
4 - وروى الطبري عن أبي عبد الله القمي، قال: حدثني ابن عياش، قال:
حدثني أبو طالب عبيد الله بن أحمد، قال: حدثني مقبل الديلمي، قال: كنت جالسا
على بابنا بسر من رأى، ومولانا أبو الحسن (عليه السلام) راكب لدار المتوكل الخليفة، فجاء
فتح القلانسي، وكانت له خدمة لأبي الحسن (عليه السلام)، فجلس إلى جانبي، وقال: إن لي
على مولانا أربعمائة درهم، فلو أعطانيها لانتفعت بها.
قال: قلت له: ما كنت صانعا بها؟
قال: كنت أشتري منها بمائتي درهم خرقا تكون في يدي، أعمل منها



(1) كشف الغمة 3: 166، الإتحاف بحب الأشراف: 67 - 68.
(2) بحار الأنوار 50: 129 / 7، الأنوار البهية: 228.
48
قلانس، وأشتري بمائتي درهم تمرا فأنبذه نبيذا.
قال: فلما قال لي ذلك أعرضت عنه بوجهي، فلم أكلمه لما ذكر، وأمسكت،
وأقبل أبو الحسن (عليه السلام) على أثر هذا الكلام، ولم يسمع هذا الكلام أحد ولا حضره،
فلما أبصرت به قمت إجلالا له، فأقبل حتى نزل بدابته في دار الدواب، وهو مقطب
الوجه، أعرف الغضب في وجهه، فحين نزل عن دابته دعاني، فقال: يا مقبل،
ادخل فأخرج أربعمائة درهم، وادفعها إلى فتح هذا الملعون، وقل له: هذا حقك
فخذه واشتر منه خرقا بمائتي درهم، واتق الله فيما أردت أن تفعله بالمائتي درهم
الباقية.
فأخرجت الأربعمائة درهم فدفعتها إليه وحدثته القصة فبكى، وقال: والله،
لا شربت نبيذا ولا مسكرا أبدا، وصاحبك يعلم ما نعمل (1).
5 - ومن مظاهر كرمه وصلته ذوي القربى ما رواه إسحاق الجلاب، قال:
اشتريت لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) غنما كثيرة يوم التروية، فقسمها (عليه السلام) في
أقاربه (2).
الهداية والإرشاد:
اهتم الإمام الهادي (عليه السلام) بإرشاد الضالين والمنحرفين عن جادة الحق وسعى
سعيا حثيثا إلى هدايتهم إلى سواء السبيل، وكان من بين من أرشدهم الإمام



(1) دلائل الإمامة: 418، نوادر المعجزات: 186 / 5.
(2) بحار الأنوار 50: 132 / 14.
49
وهداهم جعفر بن القاسم الهاشمي البصري، الذي كان يقول بالوقف، فالتقى به
الإمام الهادي (عليه السلام) في بعض الطرق فقال له: إلى كم هذه النومة؟ أما آن لك أن تنتبه
منها؟ (1) فأثرت هذه الكلمة في نفسه فرجع إلى الحق.
ومن مظاهر إرشاده الضالين والمنحرفين إلى طريق الله وصراطه المستقيم
ما رواه المسعودي بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني لما ضمه مع الإمام (عليه السلام)
الطريق حين قدموا به من المدينة - في حديث - قال: تلطفت في الوصول إليه
فسلمت عليه، فرد السلام، فقلت: يا بن رسول الله، تأذن لي في كلمة اختلجت في
صدري ليلتي الماضية؟ فقال (عليه السلام): سل واصغ إلى جوابها سمعك، فإن العالم والمتعلم
شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة، فأما الذي اختلج في صدرك، فإن يشاء
العالم أنبأك أن الله (لم يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (2)،
وكل ما عند الرسول فهو عند العالم، وكل ما أطلع الرسول عليه فقد أطلع أوصياءه
عليه.
يا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أوردت
عليك، وأشكك في بعض ما أنبأتك حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه
المستقيم، فقلت: متى أيقنت أنهم هكذا، فهم أرباب؛ معاذ الله إنهم مخلوقون
مربوبون مطيعون، داخرون راغمون، فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به، فاقمعه
بمثل ما نباتك به.
قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك، فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون



(1) مدينة المعاجز 7: 456 / 2459.
(2) الجن: 26 و 27.
50
علي، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب! قال: فسجد (عليه السلام) فسمعته يقول في
سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك،
وما ضر عيسى أن هلك من هلك، إذا شئت رحمك الله.
قال: فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس، فلما كان في
المنزل الآخر دخلت عليه، وهو متكئ، وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان
أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا.
فقال: اجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون
في الأسواق، وكل جسم متغذي إلا خالق الأجسام الواحد الأحد منشئ الأشياء
ومجسم الأجسام، وهو السميع العليم، تبارك الله عما يقول الظالمون وعلا علوا
كبيرا، ثم قال: إذا شئت رحمك الله (1).
وكان (عليه السلام) دقيقا في تتبع أصحابه حريصا على إرشادهم إلى الصواب، قال
الحسن بن مسعود: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) الهادي وقد نكبت (2)
إصبعي، وتلقاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي
فقلت: كفاني الله شرك من يوم، فما أشأمك.
فقال (عليه السلام) لي: يا حسن، هذا وأنت تغشانا! ترمي بذنبك من لا ذنب له.
قال الحسن: فأثاب إلي عقلي، وتبينت خطأي، فقلت: يا مولاي، أستغفر
الله.
فقال: يا حسن، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جوزيتم



(1) إثبات الوصية: 199.
(2) أي مالت لعلة أصابتها، أو خدشت.
51
بأعمالكم فيها.
قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا، وهي توبتي يا بن رسول الله.
قال (عليه السلام): والله ما ينفعكم، ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه،
أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا؟
قلت: بلى يا مولاي.
قال (عليه السلام): لا تعد، ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله. قال الحسن: بلى
يا مولاي (1).
لقد كان الإمام (عليه السلام) يدعو إلى الإصلاح والإرشاد بمكارم أخلاقه وحسن
سيرته وتواضعه وإحسانه، وقد استطاع ببركة وعظه وإرشاده أن ينقذ جماعة ممن
أغرتهم الدنيا فضاعوا في متاهتها، فتركوا ما هم فيه وساروا إلى ساحل الأمان (2).
ولقد أسمع الموعظة والإرشاد حتى لألد أعدائه وهو المتوكل العباسي، حين
استنشده الشعر، فأنشده (عليه السلام):
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل
القصيدة (3)، فجعل المتوكل يبكي ويبكي الحاضرين من ندمائه وهو في
نشوة السكر والتكبر والزهو.



(1) تحف العقول: 482.
(2) راجع بعض الأمثلة على ذلك في معاجزه (عليه السلام)، وتصديه لأهل البدع والغلاة والواقفة، وقد
اهتدى بهديه وقال بإمامته زرافة حاجب المتوكل من دار الخلافة، وسيأتي ذلك في موقف
الحكام من الإمام (عليه السلام).
(3) ستأتي في مواقف الحكام من الإمام (عليه السلام).
52
حلمه (عليه السلام):
كان الإمام الهادي (عليه السلام) يسير على هدى آبائه (عليهم السلام) في العفو والصفح عن
المسيئين لانتزاع روح الشر والأنانية من نفوسهم، والصبر على كيد الأعداء
والظالمين، ومقابلة الإساءة بالإحسان، ويكفي مثالا على سعة حلمه، موقفه من
بريحة عامل المتوكل على المدينة الذي كان يقصد الإمام (عليه السلام) بالإساءة والوشاية
والافتراء والتهديد، ومع ذلك فإنه (عليه السلام) قابل ذلك بالعفو وكظم الغيظ (1).
زهده (عليه السلام):
لقد واظب الإمام (عليه السلام) على العبادة والورع والزهد، ولم يحفل كشأن آبائه
المعصومين (عليهم السلام) بمظاهر الحياة الفانية ونعيمها الزائل ومتعها الزائفة، بل اتجه إلى الله
تعالى ورغب فيما أعده له في دار الخلود من النعيم والكرامة، وآثر طاعة الله تعالى
على كل شيء عاملا كل ما يقربه إليه زلفى.
فلقد داهمت قوات السلطة العباسية في زمان المتوكل داره (عليه السلام) في يثرب،
ففتشوها بدقة، فلم يجدوا شيئا من متاع الدنيا وزخرفها، قال يحيى بن هرثمة،
وهو الموكل بإشخاص الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى سامراء بأمر المتوكل: كان ملازما
للمسجد، ولم يكن عنده ميل إلى الدنيا، وقد فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف
وأدعية وكتب العلم (2).



(1) سيأتي ذلك مفصلا في موقف الحكام من الإمام (عليه السلام).
(2) تذكرة الخواص: 360.
53
ومرة أخرى في سامراء اقتحم داره ليلا جماعة من الأتراك من جند المتوكل،
فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو
جالس على الرمل والحصى ليس تحته فراش، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيا
من القرآن (1).
قال سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل، ومعي سلم،
فصعدت منه إلى السطح، ونزلت فوجدت عليه جبة صوف وقلنسوة منها،
وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة (2).
ونقل ابن أبي الحديد عن المفاخرة بين بني هاشم وبني أمية للجاحظ، قال:
وأين أنتم عن علي بن محمد الرضا، لابس الصوف طول عمره مع سعة أمواله وكثرة
ضياعه وغلاته (3).
هيبته (عليه السلام) في قلوب الناس:
لقد ورث الإمام الهادي (عليه السلام) من آبائه الكرام (عليهم السلام) العلم ومكارم الأخلاق
والهيبة في قلوب الناس، ولقد كانت هيبته تملأ القلوب إكبارا وتعظيما، وذلك ناشئ
من طاعته لله تعالى وزهده في الدنيا وتحرجه في الدين، وقد بلغ من عظيم هيبته
أن جميع السادة العلويين والطالبيين وغيرهم المعاصرين له، قد أجمعوا على تعظيمه
والاعتراف له بالزعامة والفضل مع كونهم من المشايخ الكبار والسادة المقدمين



(1) تذكرة الخواص: 361.
(2) الإرشاد 2: 303.
(3) شرح ابن أبي الحديد 15: 273.
54
أمثال عم أبيه زيد بن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
روى ابن جمهور عن سعيد بن عيسى، قال: رفع زيد بن موسى إلى عمر
ابن الفرج مرارا يسأله أن يقدمه على ابن أخيه، ويقول: إنه حدث وأنا عم أبيه،
فقال عمر ذلك لأبي الحسن (عليه السلام) فقال: إفعل واحدة، أقعدني غدا قبله، ثم انظر،
فلما كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن (عليه السلام) فجلس في صدر المجلس، ثم أذن
لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن (عليه السلام)، فلما كان يوم الخميس
أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس، ثم أذن لأبي الحسن (عليه السلام) فدخل،
فلما رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه (1).
وعن محمد بن الحسن الأشتر العلوي الحسيني، قال: كنت مع أبي على باب
المتوكل، وأنا صبي، في جمع من الناس في ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري
إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمد (عليه السلام) فترجل الناس كلهم، حتى دخل
فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا
ولا بأعلمنا! فقالوا: والله لا ترجلنا له.
فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجلن له [على] صغره إذا رأيتموه، فما هو
إلا أن طلع وبصروا به حتى ترجل له الناس كلهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم
زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا (2).
وعندما أرسل المتوكل يحيى بن هرثمة إلى المدينة لإشخاص الإمام
الهادي (عليه السلام) إلى سامراء، فدخل المدينة، ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس



(1) إعلام الورى: 365.
(2) الثاقب في المناقب: 542، الخرائج والجرائح 2: 675 / 7، المناقب 4: 407.
55
بمثله خوفا على الإمام (عليه السلام)، قال يحيى: وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا
إليهم ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا (1).
وعندما وصل موكب الإمام (عليه السلام) إلى الياسرية نزل هناك، فرأى يحيى بن
هرثمة تشوق الناس إلى الإمام (عليه السلام) وهيبته في قلوبهم واجتماعهم لرؤيته، فأنفذه ليلا
إلى بغداد، وأقام بعض تلك الليلة، ثم سار فيها إلى سامراء (2).
وبلغ من عظيم هيبة الناس له أنه كان إذا دخل على المتوكل لا يبقى أحد
في القصر إلا قام بخدماته، وكانوا يتسابقون إلى رفع الستائر وفتح الأبواب
ولا يكلفونه بشيء من ذلك (3).
ومن مظاهر تعظيم الإمام (عليه السلام) أنه لما أقيمت الصلاة عليه بعد استشهاده
(عليه السلام) كثر الناس واجتمعوا وكثر بكاؤهم وضجتهم، فرد النعش إلى داره، فدفن
فيها (4).



(1) تذكرة الخواص: 359.
(2) تأريخ اليعقوبي 3: 217.
(3) راجع بحار الأنوار 50: 128 / 6.
(4) تأريخ اليعقوبي 3: 234.
56
الفصل الرابع
سيرته وسننه (عليه السلام)
سنن الإمام الهادي (عليه السلام) وسيرته هي نماذج من سيرة عترة المصطفى صلوات
الله عليهم، وهي بمجموعها مصاديق ناطقة عن سيرة جدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله) التي تجسد
مبادئ الإسلام وشريعة السماء تجسيدا حيا، وقد قدمنا ملامح من شخصية الإمام
الهادي (عليه السلام) وجوانب عديدة من مكارم أخلاقه وفضائله ومزاياه، سيما فيما يتعلق
بعبادته وزهده وحلمه وسخائه.
وسنذكر في هذا الفصل قبسات مختلفة من سنن الإمام (عليه السلام) آملين أن نكون
قد أوفينا بعض مظاهر العظمة التي يتحلى بها إمامنا المفدى العظيم.
سجدة الشكر:
1 - روى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بإسناده عن يحيى بن عبد الرحمن
ابن خاقان، قال: رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) سجد سجدة الشكر، فافترش
ذراعيه، فألصق جؤجؤه وبطنه بالأرض، فسألته عن ذلك، فقال: كذا نحب (1).



(1) الكافي 3: 324، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب 2: 85، وفيه: كذا يجب.
57
2 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن حفص الجوهري، قال: صلى بنا
أبو الحسن علي بن محمد (عليه السلام) صلاة المغرب، فسجد سجدة الشكر بعد السابعة (1)،
فقلت له (عليه السلام): كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة؟ (2)
فقال (عليه السلام): ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة (3).
تسبيحه (عليه السلام):
3 - روى العلامة المجلسي عن دعوات الراوندي بالإسناد، قال: تسبيح
علي بن محمد (عليه السلام): " سبحان من هو دائم لا يسهو، سبحان من هو قائم لا يلهو،
سبحان من هو غني لا يفتقر، سبحان الله وبحمده " (4).
قنوته (عليه السلام):
4 - كان (عليه السلام) يقنت في صلاته بالدعاء التالي:
مناهل كراماتك بجزيل عطياتك مترعة، وأبواب مناجاتك لمن أمك
مشرعة، وعطوف لحظاتك لمن ضرع إليك غير منقطعة، وقد ألجم الحذار، واشتد
الاضطرار، وعجز عن الاصطبار أهل الانتظار، وأنت اللهم بالمرصد من المكار،



(1) أي بعد صلاتي المغرب والعشاء.
(2) أي بعد صلاة المغرب.
(3) التهذيب 2: 114، الاستبصار 1: 347.
(4) بحار الأنوار 94: 207 / 3.
58
اللهم وغير مهمل مع الإمهال.
واللائذ بك آمن، والراغب إليك غانم، والقاصد اللهم لبابك سالم، اللهم
فعاجل من قد استن في طغيانه، واستمر على جهالته لعقباه في كفرانه، وأطمعه
حلمك عنه في نيل إرادته، فهو يتسرع إلى أوليائك بمكارهه، ويواصلهم بقبائح
مراصده، ويقصدهم في مظانهم بأذيته.
اللهم اكشف العذاب عن المؤمنين، وابعثه جهرة على الظالمين، اللهم اكفف
العذاب عن المستجيرين، واصببه على المغترين، اللهم بادر عصبة الحق بالعون،
وبادر أعوان الظلم بالقصم، اللهم أسعدنا بالشكر، وامنحنا النصر، وأعذنا من سوء
البداء والعاقبة والختر (1).
5 - وروي عنه قنوت آخر كان يدعو به (عليه السلام) في صلاته:
يا من تفرد بالربوبية، وتوحد بالوحدانية، يا من أضاء باسمه النهار،
وأشرقت به الأنوار، وأظلم بأمره حندس الليل، وهطل بغيثه وابل السيل.
يا من دعاه المضطرون فأجابهم، ولجأ إليه الخائفون فأمنهم، وعبده الطائعون
فشكرهم، وحمده الشاكرون فأثابهم، ما أجل شأنك، وأعلى سلطانك، وأنفذ
أحكامك.
أنت الخالق بغير تكلف، والقاضي بغير تحيف حجتك البالغة، وكلمتك
الدامغة، بك اعتصمت وتعوذت من نفثات العندة، ورصدات الملحدة، الذين ألحدوا
في أسمائك، ورصدوا بالمكاره لأوليائك، وأعانوا على قتل أنبيائك وأصفيائك،



(1) مهج الدعوات: 60، بحار الأنوار 85: 226.
59
وقصدوا لإطفاء نورك بإذاعة سرك، وكذبوا رسلك، وصدوا عن آياتك، واتخذوا
من دونك ودون رسولك ودون المؤمنين وليجة، رغبة عنك، وعبدوا طواغيتهم
وجوابيتهم بدلا منك، فمننت على أوليائك بعظيم نعمائك، وجدت عليهم بكريم
آلائك، وأتممت لهم ما أوليتهم بحسن جزائك، حفظا لهم من معاندة الرسل،
وضلال السبل، وصدقت لهم بالعهود ألسنة الإجابة، وخشعت لك بالعقود قلوب
الإنابة.
أسألك اللهم باسمك الذي خشعت له السماوات والأرض، وأحييت به موات
الأشياء، وأمت به جميع الأحياء، وجمعت به كل متفرق، وفرقت به كل مجتمع،
وأتممت به الكلمات، وأريت به كبرى الآيات، وتبت به على التوابين، وأخسرت به
عمل المفسدين، فجعلت عملهم هباء منثورا، وتبرتهم تتبيرا أن تصلي على محمد
وآل محمد، وأن تجعل شيعتي من الذين حملوا فصدقوا، واستنطقوا فنطقوا، آمنين
مأمونين.
اللهم إني أسألك لهم توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة
أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وتقية أهل الورع، وكتمان الصديقين، حتى
يخافوك.
اللهم مخافة تعجزهم عن معاصيك، وحتى يعملوا بطاعتك لينالوا كرامتك،
وحتى يناصحوا لك وفيك خوفا منك، وحتى يخلصوا لك النصيحة في التوبة حبا
لهم، فتوجب لهم محبتك التي أوجبتها للتوابين، وحتى يتوكلوا عليك في أمورهم كلها
حسن ظن بك، وحتى يفوضوا إليك أمورهم ثقة بك.
اللهم لا تنال طاعتك إلا بتوفيقك، ولا تنال درجة من درجات الخير إلا
بك، اللهم يا مالك يوم الدين، العالم بخفايا صدور العالمين، طهر الأرض من نجس

60
أهل الشرك، وأخرس الخراصين عن تقولهم على رسولك الإفك.
اللهم اقصم الجبارين، وأبر المفترين والأفاكين الذين إذا تتلى عليهم آيات
الرحمان قالوا أساطير الأولين، وأنجز لي وعدك إنك لا تخلف الميعاد، وعجل فرج
كل طالب مرتاد، إنك لبالمرصاد للعباد.
وأعوذ بك من كل لبس ملبوس، ومن كل قلب عن معرفتك محبوس، ومن
نفس تكفر إذا أصابها بؤس، ومن واصف عدل عمله عن العدل معكوس، ومن
طالب للحق وهو عن صفات الحق منكوس، ومن مكتسب إثم بإثمه مركوس، ومن
وجه عند تتابع النعم عليه عبوس، أعوذ بك من ذلك كله، ومن نظيره وأشكاله
وأمثاله إنك عليم حكيم (1).
خطبة النساء:
6 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن عبد العظيم الحسني (رحمه الله)، قال: سمعت
أبا الحسن (عليه السلام) يخطب بهذه الخطبة:
الحمد لله العالم بما هو كائن من قبل أن يدين له من خلقه دائن، فاطر
السماوات والأرض، مؤلف الأسباب بما جرت به الأقلام، ومضت به الأحتام، من
سابق علمه ومقدر حكمه، أحمده على نعمه، وأعوذ به من نقمه، وأستهدي الله
الهدى، وأعوذ به من الضلالة والردى، من يهده الله فقد اهتدى، وسلك الطريقة
المثلى، وغنم الغنيمة العظمى، ومن يضلل الله فقد حار عن الهدى، وهوى إلى
الردى.



(1) مهج الدعوات: 61، بحار الأنوار 85: 227.
61
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله
المصطفى، ووليه المرتضى، وبعيثه بالهدى، أرسله على حين فترة من الرسل،
واختلاف من الملل، وانقطاع من السبل، ودروس من الحكمة، وطموس من أعلام
الهدى والبينات، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأدى الحق الذي عليه، وتوفي
فقيدا محمودا (صلى الله عليه وآله).
ثم إن هذه الأمور كلها بيد الله تجري إلى أسبابها ومقاديرها، فأمر الله يجري
إلى قدره، وقدره يجري إلى أجله، وأجله يجري إلى كتابه، ولكل أجل كتاب، يمحو
الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
أما بعد، فإن الله جل وعز جعل الصهر مألفة للقلوب، ونسبة المنسوب،
أوشج به الأرحام، وجعله رأفة ورحمة، إن في ذلك لآيات للعالمين، وقال في محكم
كتابه: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (1)، وقال: (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) (2).
وإن فلان بن فلان ممن قد عرفتم منصبه في الحسب، ومذهبه في الأدب، وقد
رغب في مشاركتكم، وأحب مصاهرتكم، وأتاكم خاطبا فتاتكم فلانة بنت فلان،
وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا، العاجل منه كذا، والآجل منه كذا، فشفعوا
شافعنا، وأنكحوا خاطبنا، وردوا ردا جميلا، وقولوا قولا حسنا، وأستغفر الله لي
ولكم ولجميع المسلمين (3).



(1) الفرقان: 54.
(2) النور: 32.
(3) الكافي 5: 372.
62
في التجمل:
7 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت
على أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام)، فجاء صبي من صبيانه فناوله وردة، فقبلها
ووضعها على عينيه ثم ناولنيها، وقال: يا أبا هاشم، من تناول وردة أو ريحانة
فقبلها ووضعها على عينيه، ثم صلى على محمد وآل محمد، كتب الله له الحسنات مثل
رمل عالج، ومحا عنه من السيئات مثل ذلك (1).
في الأطعمة:
8 - روى الشيخ البرقي بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال: سمعت
أبا الحسن الثالث (عليه السلام) يقول: أكل العسل حكمة (2).
9 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، قال: كان يقول: ما أكلت طعاما أبقى ولا أهيج للداء من اللحم اليابس
- يعني القديد - (3).
10 - وروى عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن (عليه السلام)، أنه كان يقول:



(1) الكافي 6: 525.
(2) المحاسن: 500.
(3) الكافي 6: 314.
63
القديد لحم سوء، لأنه يسترخي في المعدة، ويهيج كل داء، ولا ينفع من شيء
بل يضره (1).
11 - وروى عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو الحسن
الثالث (عليه السلام) لبعض قهارمته: استكثروا لنا من الباذنجان، فإنه حار في وقت
الحرارة، وبارد في وقت البرودة، معتدل في الأوقات كلها، جيد على كل
حال (2).
احتجامه (عليه السلام):
12 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بالإسناد عن يعقوب بن يزيد، عن بعض
أصحابنا، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) يوم الأربعاء
وهو يحتجم، فقلت له: إن أهل الحرمين يروون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من
احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض، فلا يلومن إلا نفسه ".
فقال (عليه السلام): كذبوا إنما يصيب ذلك من حملته أمه في طمث (3).
استجارته بالحائر:
عندما ألم المرض بالامام الهادي (عليه السلام) استجار بالحائر الحسيني، وهو مرقد



(1) الكافي 6: 314.
(2) الكافي 6: 373.
(3) الخصال: 386.
64
سيد شباب أهل الجنة وأحد سبطي الرحمة جده الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد وردت
روايات عديدة عن أبي هاشم الجعفري في هذا الخصوص، منها:
13 - روى ابن قولويه (رحمه الله) بالإسناد عن الحسن بن متيل، عن سهل بن
زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: بعث إلي أبو الحسن (عليه السلام) في مرضه، وإلى محمد
ابن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة، فأخبرني أنه ما زال يقول: ابعثوا إلى الحائر،
ابعثوا إلى الحائر، فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحائر؟ ثم دخلت عليه،
فقلت له: جعلت فداك، أنا أذهب إلى الحائر؟ فقال: انظروا في ذلك.
ثم قال: إن محمدا ليس له سر من زيد بن علي (1)، وأنا أكره أن يسمع ذلك،
قال: فذكرت ذلك لعلي بن بلال، فقال: ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر! فقدمت
العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس، حين أردت القيام.
فلما رأيته أنس بي، فذكرت قول علي بن بلال، فقال لي: ألا قلت له:



(1) قال العلامة المجلسي (رحمه الله): قوله (عليه السلام): " إبعثوا إلى الحائر "، أي ابعثوا رجلا إلى حائر
الحسين (عليه السلام) يدعو لي، ويسأل الله شفائي عنده. وقوله (عليه السلام): " انظروا في ذلك " أي تفكروا
وتدبروا فيه بأن يقع على وجه لا يطلع عليه أحد للتقية. وقوله (عليه السلام): " إن محمدا " يعني
ابن حمزة ليس له سر أي حصانة بل يفشي الأسرار، وذلك بسبب أنه من أتباع زيد ولا يعتقد
إمامتنا، فتكون (من) تعليلية، أو المعنى أنه ليس له حظ من أسرار زيد وما كان يعتقد فينا،
فإن الزيدية خالفوا زيدا في ذلك، ولعله كان الباعث لإفشائه على الوجهين الحسد على
أبي هاشم إذا كان هو المبعوث، فلذا لم يتق (عليه السلام) في القول أولا عنده مع أنه يحتمل أن يكون
المراد بمحمد أخيرا غير ابن حمزة.
ويحتمل أيضا أن يكون المراد بزيد غير إمام الزيدية، بل واحدا من أهل ذلك العصر ممن
يتقى منه، ويكون المعنى أن محمدا لا يخفي شيئا من زيد، وأنا أكره أن يسمع زيد ذلك.
65
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يطوف بالبيت، ويقبل الحجر، وحرمة النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمن
أعظم من حرمة البيت، وأمره الله أن يقف بعرفة، إنما هي مواطن يحب الله أن يذكر
فيها، فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يدعى فيها، والحائر من تلك
المواضع (1).
14 - وعن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: دخلت أنا ومحمد
ابن حمزة عليه نعوده وهو عليل، فقال لنا: وجهوا قوما إلى الحائر من مالي، فلما
خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزة: المشير يوجهنا إلى الحائر وهو بمنزلة من في
الحائر! قال: فعدت إليه فأخبرته، فقال لي: ليس هو هكذا، إن لله مواضع يحب أن
يعبد فيها، وحائر الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع (2).
15 - وعنه، قال أبو محمد الرهوردي: حدثني أبو علي محمد بن همام (رحمه الله)،
قال: حدثني الحميري، قال: حدثني أبو هاشم الجعفري، قال: دخلت على
أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وهو محموم عليل، فقال لي: يا أبا هاشم، ابعث رجلا
من موالينا إلى الحائر يدعو الله لي، فخرجت من عنده، فاستقبلني علي بن بلال،
فأعلمته ما قال لي، وسألته أن يكون الرجل الذي يخرج، فقال: السمع والطاعة،
ولكنني أقول إنه أفضل من الحائر، إذا كان بمنزلة من في الحائر، ودعاؤه لنفسه
أفضل من دعائي له بالحائر.



(1) كامل الزيارات: 273، بحار الأنوار 101: 112 / 32.
(2) كامل الزيارات: 274، بحار الأنوار 101: 113 / 33.
66
فأعلمته (عليه السلام) ما قال، فقال لي: قل له: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من البيت
والحجر، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر، وإن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها
فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها (1).
عوذته (عليه السلام):
16 - روى السيد ابن طاووس (رحمه الله) بالإسناد عن عبد الله بن الحسين بن
إبراهيم العلوي، عن أبيه، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال:
إن أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن علي
ابن محمد الهادي (عليه السلام) وهو صبي في المهد، وكان يعوذه بها، ويأمر أصحابه بها،
وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم رب الملائكة والروح والنبيين والمرسلين، وقاهر من في السماوات
والأرضين، وخالق كل شيء ومالكه، كف عنا بأس أعدائنا، ومن أراد بنا سوءا
من الجن والإنس، وأعم أبصارهم وقلوبهم، واجعل بيننا وبينهم حجابا وحرسا
ومدفعا، إنك ربنا لا حول ولا قوة لنا إلا بالله، عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه
المصير.
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا ربنا، إنك أنت العزيز الحكيم.
ربنا عافنا من كل سوء، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، ومن شر
ما يسكن في الليل والنهار، ومن شر كل ذي شر.



(1) كامل الزيارات: 274، بحار الأنوار 101: 113 / 34.
67
رب العالمين، وإله المرسلين، صل على محمد وآله أجمعين، وأوليائك، وخص
محمدا وآله أجمعين بأتم ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بسم الله وبالله، أؤمن بالله، وبالله أعوذ، وبالله أعتصم، وبالله أستجير، وبعزة
الله ومنعته أمتنع من شياطين الإنس والجن، ورجلهم وخيلهم، وركضهم وعطفهم،
ورجعتهم وكيدهم وشرهم وشر ما يأتون به تحت الليل وتحت النهار، من القرب
والبعد، ومن شر الغائب والحاضر، والشاهد والزائر، أحياء وأمواتا، أعمى
وبصيرا، ومن شر العامة والخاصة، ومن شر نفس ووسوستها، ومن شر الدناهش،
والحس واللمس واللبس، ومن عين الجن والإنس، وبالاسم الذي اهتز به عرش
بلقيس.
وأعيذ ديني ونفسي وجميع ما تحوطه عنايتي من شر كل صورة أو خيال،
أو بياض أو سواد أو تمثال، أو معاهد أو غير معاهد، ممن يسكن الهواء والسحاب،
والظلمات والنور، والظل والحرور، والبر والبحور، والسهل والوعور، والخراب
والعمران، والآكام والآجام، والغياض، والكنائس والنواويس، والفلوات
والجبانات، ومن شر الصادرين والواردين، ممن يبدو بالليل، ويستتر بالنهار،
وبالعشي والأبكار، والغدو والآصال، والمريبين والأسامرة والأفاترة والفراعنة
والأبالسة، ومن جنودهم وأزواجهم وعشائرهم وقبائلهم، ومن همزهم ولمزهم
ونفثهم، ووقاعهم وأخذهم وسحرهم وضربهم وعبثهم ولمحهم، واحتيالهم
واختلافهم.
ومن شر كل ذي شر من السحرة والغيلان وأم الصبيان، وما ولدوا
وما وردوا، ومن شر كل ذي شر داخل وخارج، وعارض ومتعرض، وساكن
ومتحرك، وضربان عرق، وصداع وشقيقة، وأم ملدم، والحمى، والمثلثة، والربع،

68
والغب، والنافضة، والصالبة (1)، والداخلة، والخارجة، ومن شر كل دابة أنت آخذ
بناصيتها، إنك على صراط مستقيم، وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين (2).
حرزه (عليه السلام):
17 - روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) بالإسناد عن الفحام، قال: حدثني
أبو الحسن المنصوري، قال: حدثني أبو السري سهل بن يعقوب بن إسحاق،
الملقب بأبي نواس المؤذن، في المسجد المعلق بسر من رأى، قال المنصوري: وكان
يلقب بأبي نؤاس لأنه كان يتخالع ويطيب مع الناس، ويظهر التشيع على الطيبة،
فيأمن على نفسه، فلما سمع الإمام (عليه السلام) لقبني بأبي نؤاس، وقال: يا أبا السري،
أنت أبو نؤاس الحق، ومن تقدمك أبو نؤاس الباطل.
قال: فقلت له ذات يوم: يا سيدي، قد وقع لي اختيار الأيام عن سيدنا
الصادق (عليه السلام) مما حدثني به الحسن بن عبد الله بن مطهر، عن محمد بن سليمان
الديلمي، عن أبيه، عن سيدنا الصادق (عليه السلام) في كل شهر فأعرضه عليك. فقال لي:
افعل. فلما عرضته عليه وصححته، قلت له: يا سيدي، في أكثر هذه الأيام قواطع
عن المقاصد، لما ذكر فيها من النحس والمخاوف، فتدلني على الاحتراز من المخاوف



(1) الغيلان: جمع غول، وهو كل شيء يذهب بالعقل، والمنية، والداهية. وأم الصبيان: ريح
تعرض لهم، وأم ملدم: كنية الحمى، والمثلثة: ما تأخذ في ثلاثة أيام يوما، والربع: ما تأخذ في
أربعة أيام يوما، والغب: ما تأخذ يوما وتدع يوما، والنافضة: الحمى الرعدة، والصالبة:
المحرقة الشديدة الحرارة ومعها رعدة.
(2) مهج الدعوات: 43، بحار الأنوار 94: 361 / 1.
69
فيها، فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟
فقال لي: يا سهل، إن لشيعتنا بولايتنا عصمة، لو سلكوا بها في لجة البحار
الغامرة وسباسب البيداء الغائرة، بين سباع وذئاب، وأعادي الجن والإنس،
لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز وجل، وأخلص في الولاء لأئمتك
الطاهرين، وتوجه حيث شئت، واقصد ما شئت. يا سهل، إذا أصبحت وقلت
ثلاثا:
" أصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا يحاول، من شر
كل طارق وغاشم، من سائر ما خلقت، ومن خلقت من خلقك الصامت والناطق،
في جنة من كل مخوف بلباس سابغة، ولاء أهل بيت نبيك، محتجزا من كل قاصد لي
إلى أذية بجدار حصين، الإخلاص في الاعتراف بحقهم، والتمسك بحبلهم جميعا،
موقنا بأن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم. أوالي من والوا، وأجانب من جانبوا، فصل
على محمد وآل محمد، فأعذني اللهم بهم من شر كل ما تقيه.
يا عظيم، حجزت الأعادي عني ببديع السماوات والأرض، إنا (جعلنا من
بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (1). وقلتها عشيا ثلاثا،
حصلت في حصن من مخاوفك، وآمن من محذورك. فإذا أردت التوجه في يوم قد
حذرت فيه، فقدم أمام توجهك الحمد لله رب العالمين، والمعوذتين، وآية الكرسي
وسورة القدر، وآخر آية من آل عمران، (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا
ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) (2)، وقل: " اللهم بك يصول الصائل، وبقدرتك



(1) يس: 9.
(2) آل عمران: 200.
70
يطول الطائل، ولا حول لكل ذي حول إلا بك، ولا قوة يمتازها ذو قوة إلا منك،
بصفوتك من خلقك، وخيرتك من بريتك، محمد نبيك، وعترته وسلالته (عليهم السلام)
صل عليهم، واكفني شر هذا اليوم وضرره، وارزقني خيره ويمنه، واقض لي في
متصرفاتي بحسن العاقبة وبلوغ المحبة، والظفر بالأمنية، وكفاية الطاغية الغوية،
وكل ذي قدرة لي على أذية، حتى أكون في جنة وعصمة من كل بلاء ونقمة، وأبدلني
من المخاوف فيه أمنا، ومن العوائق فيه يسرا، حتى لا يصدني صاد عن المراد،
ولا يحل بي طارق من أذى العباد، إنك على كل شيء قدير، والأمور إليك تسير،
يا من (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (1).
18 - وروى السيد ابن طاووس (رحمه الله) حرزا آخر له (عليه السلام) هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، يا عزيز العز في عزه، ما أعز عزيز العز في عزه،
يا عزيز أعزني بعزك، وأيدني بنصرك، وادفع عني همزات الشياطين، وادفع عني
بدفعك، وامنع عني بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد، يا فرد
يا صمد (2).
حجابه (عليه السلام):
19 - عن السيد ابن طاووس (رحمه الله): كان حجاب الإمام الهادي (عليه السلام):
(وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا *



(1) أمالي الطوسي: 277 / 529، والآية في سورة الشورى: 11.
(2) مهج الدعوات: 44، بحار الأنوار 94: 363 / 2.
71
وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) (1)، (وإذا قرأت القرآن فاستعذ
بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم
يتوكلون) (2).
عليك يا مولاي توكلي، وأنت حسبي وأملي، ومن يتوكل على الله فهو
حسبه، تبارك إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، رب الأرباب، ومالك
الملوك، وجبار الجبابرة، وملك الدنيا والآخرة.
أرسل إلي منك رحمة يا رحيم، وألبسني منك عافية، وازرع في قلبي من
نورك، واخبأني من عدوك، واحفظني في ليلي ونهاري بعينك، يا أنس كل
مستوحش وإله العالمين.
قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون،
حسبي الله كافيا ومعينا ومعافيا، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو، عليه
توكلت وهو رب العرش العظيم (3).
أدعيته (عليه السلام):
20 - كان (عليه السلام) يعقب بعد صلاة الفجر ولا ينام، وكان يدعو بهذا الدعاء:
يا كبير كل كبير، يا من لا شريك له ولا وزير، يا خالق الشمس والقمر
المنير، يا عصمة الخائف المستجير، يا مطلق المكبل الأسير، يا رازق الطفل الصغير،



(1) الإسراء: 45 - 46.
(2) النحل 16: 98 - 99.
(3) مهج الدعوات: 300.
72
يا جابر العظم الكسير، يا راحم الشيخ الكبير.
يا نور النور، يا مدبر الأمور، يا باعث من في القبور، يا شافي الصدور،
يا جاعل الظل والحرور، يا عالما بذات الصدور، يا منزل الكتاب والنور، والفرقان
العظيم والزبور.
يا من تسبح له الملائكة بالأبكار والظهور، يا دائم الثبات، يا مخرج النبات
بالغدو والآصال، يا محيي الأموات، يا منشي العظام الدارسات، يا سامع الصوت،
يا سابق الفوت، يا كاسي العظام البالية بعد الموت، يا من لا يشغله شغل عن شغل،
يا من لا يتغير من حال إلى حال، يا من لا يحتاج إلى تجشم حركة ولا انتقال، يا من
لا يمنعه شأن عن شأن.
يا من يرد بألطف الصدقة والدعاء عن أعنان السماء ما حتم وأبرم من سوء
القضاء، يا من لا يحيط به موضع ولا مكان، يا من يجعل الشقاء فيما يشاء من
الأشياء، يا من يمسك الرمق من الدنف العميد بما قل من الغذاء، يا من يزيل بأدنى
الدواء ما غلظ من الداء، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعد عفا.
يا من يملك حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير الصامتين.
يا عظيم الخطر، يا كريم الظفر، يا من له وجه لا يبلى، يا من له ملك لا يفنى،
يا من له نور لا يطفأ، يا من فوق كل شيء عرشه، يا من في البر والبحر سلطانه،
يا من في جهنم سخطه، يا من في الجنة رحمته، يا من مواعيده صادقة، يا من أياديه
فاضلة، يا من رحمته واسعة.
يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعوة المضطرين، يا من هو بالمنظر الأعلى،
وخلقه بالمنزل الأدنى.
يا رب الأرواح الفانية، يا رب الأجساد البالية، يا أبصر الناظرين، يا أسمع

73
السامعين، يا أسرع الحاسبين، يا أحكم الحاكمين، يا أرحم الراحمين، يا وهاب
العطايا، يا مطلق الأسارى، يا رب العزة، يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا من
لا يدرك أمده، يا من لا يحصى عدده، يا من لا ينقطع مدده.
أشهد - والشهادة لي رفعة وعدة، وهي مني سمع وطاعة، وبها أرجو النجاة
يوم الحسرة والندامة - إنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا
عبدك ورسولك، صلواتك عليه وآله، وأنه قد بلغ عنك، وأدى ما كان واجبا عليه
لك، وأنك تخلق دائما وترزق، وتعطي وتمنع، وترفع وتضع، وتغني وتفقر، وتخذل
وتنصر، وتعفو وترحم، وتصفح وتجاوز عما تعلم، ولا تجور ولا تظلم، وأنك
تقبض وتبسط، وتمحو وتثبت وتبدئ وتعيد، وتحيي وتميت، وأنت حي لا تموت،
فصل على محمد وآله، واهدني من عندك، وأفض علي من فضلك، وانشر علي من
رحمتك، وأنزل علي من بركاتك، فطالما عودتني الحسن الجميل، وأعطيتني الكثير
الجزيل، وسترت علي القبيح.
اللهم فصل على محمد وآله، وعجل فرجي، وأقلني عثرتي، وارحم غربتي،
وارددني إلى أفضل عادتك عندي، واستقبل بي صحة من سقمي، وسعة من عدمي،
وسلامة شاملة في بدني، وبصيرة ونظرة نافذة في ديني، ومهدني وأعني على
استغفارك واستقالتك، قبل أن يفنى الأجل، وينقطع العمل، وأعني على الموت
وكربته، وعلى القبر ووحشته، وعلى الميزان وخفته، وعلى الصراط وزلته، وعلى
يوم القيامة وروعته.
وأسألك نجاح العمل قبل انقطاع الأجل، وقوة في سمعي وبصري، واستعمالا
لصالح ما علمتني وفهمتني، إنك أنت الرب الجليل، وأنا العبد الذليل، وشتان
ما بيننا، يا حنان يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، صل على محمد وآل محمد، وصل

74
على من به فهمتنا، وهو أقرب وسائلنا إليك ربنا، محمد وآله وعترته الطاهرين (1).
21 - وروى الشيخ إبراهيم الكفعمي (رحمه الله) أنه (عليه السلام) كان يدعو عقيب صلاة
العصر بهذا الدعاء:
يا من علا فعظم، يا من تسلط فتجبر، وتجبر فتسلط، يا من عز فاستكبر في
عزه، يا من مد الظل على خلقه، يا من من بالمعروف على عباده، أسألك يا عزيز
ذي انتقام، يا منتقما بعزته من أهل الشرك، أسألك بحق وليك علي بن أبي طالب،
وأقدمه بين يدي حوائجي، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعينني به على قضاء
حوائجي ونوافلي وفرائضي وبر إخواني وكمال طاعتك يا أرحم الراحمين (2).
22 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي موسى، عن أبي الحسن علي
ابن محمد (عليهما السلام) أنه كان يدعو بهذا الدعاء:
يا نور النور، يا مدبر الأمور، يا مجري البحور، يا باعث من في القبور،
يا كهفي حين تعييني المذاهب، وكنزي حين تعجزني المكاسب، ومؤنسي حين
تجفوني الأباعد، وتملني الأقارب، ومنزهي بمجالسة أوليائه، ومرافقة أحبائه في
رياضه، وساقيي بمؤانسته من نمير حياضه، ورافعي بمجاورته من ورطة الذنوب
إلى ربوة التقريب، ومبدلي بولايته غرة العطايا من ذلة الخطايا.



(1) بحار الأنوار 86: 175 / 45 عن مصباح الشيخ الطوسي: 160 - 162، والبلد الأمين:
60 - 61.
(2) بحار الأنوار 86: 352 / 1.
75
أسألك يا مولاي بالفجر والليالي العشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر،
وبما جرى به قلم الأقلام بغير كف ولا إبهام، وبأسمائك العظام، وبحججك على جميع
الأنام عليهم منك أفضل السلام، وبما استحفظتهم من أسمائك الكرام أن تصلي
عليهم، وترحمنا في شهرنا هذا وما بعده من الشهور والأيام، وأن تبلغنا شهر الصيام
في عامنا هذا وفي كل عام، يا ذا الجلال والإكرام والمنن الجسام، وعلى محمد وآله منا
أفضل التحية والسلام (1).
دعاء الفرج:
23 - روى السيد ابن طاووس بالإسناد عن اليسع بن حمزة القمي، قال:
أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتى
تخوفته على إراقة دمي وفقر عقبي، فكتبت إلى سيدي أبي الحسن العسكري (عليه السلام)
أشكو إليه ما حل بي، فكتب إلي: لا روع إليك ولا بأس، فادع الله بهذه الكلمات،
يخلصك الله وشيكا مما وقعت فيه، ويجعل لك فرجا، فإن آل محمد يدعون بها عند
إشراف البلاء وظهور الأعداء، وعند تخوف الفقر وضيق الصدر.
قال اليسع بن حمزة: فدعوت الله بالكلمات التي كتب إلي سيدي بها في صدر
النهار، فوالله ما مضى شطره حتى جاءني رسول عمرو بن مسعدة فقال لي: أجب
الوزير، فنهضت ودخلت عليه، فلما بصر بي تبسم إلي، وأمر بالحديد ففك عني،
وبالأغلال فحلت مني، وأمرني بخلعة من فاخر ثيابه، وأتحفني بطيب، ثم أدناني
وقربني، وجعل يحدثني ويعتذر إلي، ورد علي جميع ما كان استخرجه مني، وأحسن



(1) مصباح المتهجد: 556.
76
رفدي، وردني إلى الناحية التي كنت أتقلدها، وأضاف إليها الكورة التي تليها.
قال: وكان الدعاء:
يا من تحل بأسمائه عقد المكاره، ويا من يفل بذكره حد الشدائد، ويا من
يدعى بأسمائه العظام من ضيق المخرج إلى محل الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب،
وتسببت بلطفك الأسباب، وجرى بطاعتك القضاء، ومضت على ذكرك الأشياء،
فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون وحيك منزجرة.
أنت المرجو للمهمات، وأنت المفزع للملمات، لا يندفع منها إلا ما دفعت،
ولا ينكشف منها إلا ما كشفت، وقد نزل بي من الأمر ما فدحني ثقله، وحل بي منه
ما بهضني حمله، وبقدرتك أوردت علي ذلك، وبسلطانك وجهته إلي، فلا مصدر
لما أوردت، ولا ميسر لما عسرت، ولا صارف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت،
ولا مغلق لما فتحت، ولا ناصر لمن خذلت إلا أنت.
صل على محمد وآل محمد، وافتح لي باب الفرج بطولك، واصرف عني
سلطان الهم بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وارزقني حلاوة الصنع
فيما سألتك، وهب لي من لدنك فرجا وحيا (1)، واجعل لي من عندك مخرجا هنيا،
ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فرائضك، واستعمال سنتك، فقد ضقت بما نزل بي
ذرعا، وامتلأت بحمل ما حدث علي جزعا، وأنت القادر على كشف ما بليت به،
ودفع ما وقعت فيه، فافعل ذلك بي، وإن كنت غير مستوجبه منك، يا ذا العرش
العظيم، وذا المن الكريم، فأنت قادر يا أرحم الراحمين، آمين رب العالمين (2).



(1) أي سريعا عاجلا.
(2) مهج الدعوات: 271.
77
وبهذا الدعاء المبارك نختم هذا الفصل من سيرة الإمام الهادي (عليه السلام) وسننه،
ورويت عنه (عليه السلام) أدعية في أغراض شتى ومناجاة يناجي بها ربه في غلس الليل
بنفس مطمئنة وقلب خاشع، ولو أوردناها جميعا لطال بنا المقام وخرجنا عن غرض
الكتاب، ولنا وقفة مع الزيارة الجامعة في الفصل اللاحق، وقد اخترناها من بين
كثير من الزيارات المروية عنه (عليه السلام) لما فيها من دقة التعبير وجمال الأسلوب وأهمية
المضمون.

78
الفصل الخامس
دور الإمام (عليه السلام) في التشريع
إذا كانت أحداث السقيفة إيذانا بعزل أهل البيت (عليهم السلام) عن أداء دورهم
الريادي والقيادي للأمة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبداية لإقصاء الوصي الشرعي والخليفة
الحقيقي للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن منصبه الإلهي، فإن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد ساهموا
في أداء دورهم الرسالي الهادف إلى إقامة مبادئ الكتاب الكريم والسنة المطهرة،
ومقاومة مظاهر البدع والانحراف، وتوجيه الأمة نحو الأصول الحقيقية للشريعة
المقدسة، ولذلك فقد كانوا (عليهم السلام) وحتى في الظروف القاسية أعلاما للحق ومراجع
للدين، يهرع إليهم الناس حيثما أشكلت مسألة وحيثما استجدت أخرى.
وفي هذا السياق تجد أمير المؤمنين (عليه السلام) باب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأعلم
الناس بالقضاء وفصل الخطاب، يلجأ إليه الناس لحل ما أشكل عليهم في مسائل
القضاء ومعضلات الأمور، وفي طليعتهم الحاكمون، حيث قال عمر بن الخطاب،
فيما جاء عنه من صحيح الخبر: " لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن " وقال في
أكثر من مناسبة: " لولا علي لهلك عمر ".
وقد مارس أئمة الهدى عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله) نفس هذا الدور الرسالي في زمان
الأمويين والعباسيين رغم شدة الظروف وقسوة الحكام، والأمثلة على ذلك كثيرة

79
سقناها في عرض موسوعتنا هذه فيما تقدم وسيأتي من أجزائها.
يقول السيد هاشم معروف الحسني:
لقد انصرف الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) عن السياسة والسياسيين كآبائه
إلى خدمة الإسلام في طريق الدفاع عن أصوله ونشر فروعه، فناظر المشككين
والملحدين، وأجاب عن أسئلتهم بالأسلوب الهادئ الرصين المدعوم بالحجة
والمنطق، ولم يجتمع إليه أحد من أولئك المشككين إلا وخرج مقتنعا مؤمنا يقول:
" الله أعلم حيث يجعل رسالته ".
وفيما يعود إلى التشريع كان الرواة والعلماء يراجعونه فيما يشتبه عليهم عن
طريق الكتابة، ولعل مرد ذلك إلى أن محدثي الشيعة الذين كانوا يتدارسون فقه الأئمة
ومروياتهم قد انتشروا في طول البلاد وعرضها، وكان لمدينة قم النصيب الأكبر من
أولئك الرواة ومن مؤلفات أصحاب الصادقين (عليهما السلام).
هذا بالإضافة إلى أن السلطات الحاكمة كانت تضيق على الأئمة (عليهم السلام)
وتراقب جميع حركاتهم وسكناتهم، وقد فرضت عليهم الإقامة الجبرية في عواصم
الحكام للحد من التجمعات حولهم، بل ومن الاتصال بهم، لذا فإن الرواة والعلماء
كانوا يتصلون في الغالب بالأئمة الثلاثة: الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)
بالمراسلة، ويجد المتتبع لكل واحد منهم عشرات المرويات بهذا الطريق في مختلف
الأبواب والمواضيع الفقهية...
ويقول السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة): " إن الخيبري - أو
الحميري - له كتاب مكاتبات الرجال عن العسكريين الهادي وولده الحسن بن علي
العسكري (عليهما السلام) ".
وروى عن الإمام الهادي (عليه السلام) إسحاق بن عبد الله الأشعري كتاب (علل

80
الصلاة) و (مسائل الرجال) كما جاء في فهرست أسماء المؤلفين للشيخ الطوسي (1).
والتأليف في موضوع المكاتبات والمسائل يدل على سعة تلك المكاتبات
وكثرتها، وفيما يلي نورد من روايات أصحاب الإمام الهادي عنه (عليه السلام) في مختلف
مسائل الفقه وأبوابه، وهو دليل ناصع يعكس هذه الحقيقة بشكل جلي.
وفيما يلي نبذة مختارة من أحاديث الإمام الهادي (عليه السلام) في مختلف فروع الفقه:
وهي بمجموعها تعكس وبشكل واضح الدور المشرق للإمام (عليه السلام) وأصحابه في
التشريع، ومساهمتهم في الحفاظ على خط الإسلام الأصيل ومبادئه السمحة في
أحلك الظروف وأقساها.
وقد جمعنا هذه الأحاديث من الكتب الأربعة وكتاب الوسائل ومستدركه
وغيرها، ورتبناها موضوعيا آملين أن نكون قد وفينا البحث حقه.



(1) سيرة الأئمة الاثني عشر - القسم الثاني: 456 - 459.
81
الطهارة
عدم وجوب المضمضة والاستنشاق قبل الوضوء:
1 - روى الشيخ الطوسي، بالإسناد عن الحسن بن راشد، قال: قال الفقيه
العسكري (عليه السلام): ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق (1).
الوضوء للصلاة في غسل الجمعة:
2 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن إبراهيم بن محمد، قال: إن محمد بن
عبد الرحمن الهمداني كتب إلى أبي الحسن الثالث يسأله عن الوضوء للصلاة في
غسل الجمعة.
فكتب (عليه السلام): لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره (2).



(1) التهذيب 1: 131 / 391، الاستبصار 1: 118 / 397، وسائل الشيعة 1: 431 / 7.
(2) التهذيب 1: 141 / 397.
82
الصلاة
وقت صلاة الليل:
3 - روى الشيخ الطوسي بإسناده عن سليمان بن حفص المروزي، عن
الرجل العسكري (عليه السلام)، قال: إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه
عمود من حديد تضيء له الدنيا، فيكون ساعة ويذهب ثم يظلم، فإذا بقي ثلث
الليل الأخير ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا، فيكون ساعة ثم
يذهب وهو وقت صلاة الليل، ثم تظلم قبل الفجر، ثم يطلع الفجر الصادق من قبل
المشرق.
وقال: من أراد أن يصلي في نصف الليل فيطول (1)، فذلك له (2).
ورواه الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عن
سليمان بن حفص المروزي، عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) (3).
فضل صلاة الليل:
4 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه، عن علي
ابن محمد الهادي، عن آبائه، عن الصادق (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (إن



(1) " فيطول " ليس في الكافي.
(2) التهذيب 2: 118 / 445، وسائل الشيعة 4: 248 / 5.
(3) الكافي 3: 283 / 6.
83
الحسنات يذهبن السيئات) (1).
قال: صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار (2).
لباس المصلي:
5 - روى محمد بن إدريس في آخر السرائر، نقلا من كتاب مسائل
الرجال، رواية أحمد بن محمد بن عبد الله بن عياش الجوهري، ورواية عبد الله بن
جعفر الحميري، عن محمد بن أحمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد، عن محمد بن
علي بن عيسى، قال: كتبت إلى الشيخ - يعني الهادي (عليه السلام) - أسأله عن الصلاة في
الوبر، أي أصنافه أصلح؟
فأجاب: لا أحب الصلاة في شيء منه.
قال: فرددت الجواب: إنا مع قوم في تقية، وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن
يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره، وليس يمكن للناس ما يمكن
للأئمة، فما ترى أن نعمل به في هذا الباب؟
قال: فرجع الجواب إلي: تلبس الفنك والسمور (3).
6 - قال الشيخ الصدوق: روي عن داود الصرمي أنه قال: سأل رجل



(1) هود 11: 114.
(2) أمالي الطوسي 1: 300.
(3) السرائر: 479، وسائل الشيعة 4: 351 / 3، والسمور والفنك: من الدواب التي يفترى
جلدها، أي يلبس فروا.
84
أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب؟ فكتب: يجوز
ذلك (1).
7 - وقال: سأل علي بن الريان بن الصلت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن
الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه؟
فقال: لا بأس (2).
ورواه الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن الريان، وفي آخره: فوقع (عليه السلام):
يجوز (3).
8 - وقال الشيخ الصدوق: قد رويت رخصة في التوشح بالإزار فوق
القميص عن العبد الصالح، وعن أبي الحسن الثالث، وعن أبي جعفر الثاني (عليهم السلام) (4).
9 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن خيران الخادم، قال: كتبت إلى
الرجل صلوات الله عليه أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير، أيصلى فيه
أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صل فيه، فإن الله إنما حرم
شربها، وقال بعضهم: لا تصل فيه.



(1) الفقيه 1: 262 / 809.
(2) الفقيه 1: 265 / 816.
(3) التهذيب 2: 367 / 1526.
(4) الفقيه 1: 168 / 795، وسائل الشيعة 4: 397 / 8.
85
فكتب (عليه السلام): لا تصل فيه فإنه رجس (1).
عدم بطلان الصلاة بمرور شيء قدام المصلي:
10 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن
أبي سليمان مولى أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: سأله بعض مواليه وأنا حاضر
عن الصلاة، يقطعها شيء يمر بين يدي المصلي؟
فقال: لا، ليست الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها، إنما تذهب مساويه
لوجه صاحبها (2).
موضع السجود:
11 - قال الشيخ الصدوق: سأل داود الصرمي أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام)
فقال له: إني أخرج في هذا الوجه، وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج، فكيف
أصنع؟
قال (عليه السلام): إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وإن لم يمكنك
فسوه واسجد عليه (3).
12 - وقال: سأل داود بن أبي زيد أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن القراطيس



(1) الكافي 3: 405 / 5.
(2) علل الشرائع: 349 / 1، وسائل الشيعة 5: 133 / 5.
(3) الفقيه 1: 261 / 802.
86
والكواغذ المكتوب عليها، هل يجوز عليها السجود؟
فكتب: يجوز (1).
13 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن محمد بن الحسين، قال: إن
بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال:
فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت: هو مما أنبتت الأرض، وما كان لي أن أسأل
عنه.
قال: فكتب إلي: لا تصل على الزجاج، وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت
الأرض، ولكنه من الملح والرمل، وهما ممسوخان (2).
ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يحيى (3).
ورواه علي بن عيسى الإربلي نقلا من كتاب الدلائل للحميري (4).
ورواه الشيخ الصدوق بالإسناد عن السياري (5).
ورواه المسعودي عن الحميري، وفيه: أن الذي سأله (عليه السلام) هو الحسن بن
مصعب (6).



(1) الفقيه 1: 270 / 834.
(2) الكافي 3: 332 / 14، وسائل الشيعة 5: 360 / 1.
(3) التهذيب 2: 304 / 1231.
(4) كشف الغمة 2: 384.
(5) علل الشرائع: 342 / 5، الباب 42.
(6) إثبات الوصية: 223.
87
ما يستحب أن يقرأ في نوافل المغرب:
14 - قال الشيخ الطوسي في (المصباح): روي أن أبا الحسن العسكري (عليه السلام)
كان يقرأ في الركعة الثالثة الحمد وأول الحديد إلى قوله: (إنه عليم بذات
الصدور) (1)، وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر (2).
فضل المحافظة على أوقات الصلاة:
15 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عبد العظيم الحسني، عن أبي الحسن
العسكري (عليه السلام)، قال: " لما كلم الله عز وجل موسى بن عمران (عليه السلام) قال موسى:
إلهي ما جزاء من صلى الصلاة لوقتها.
قال: أعطيه سؤله، وأبيحه جنتي (3).
كراهة النوم بين صلاة الليل والفجر:
16 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن سليمان بن حفص المروزي، قال:
قال أبو الحسن الأخير (عليه السلام): إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة
بلا نوم، فإن صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته (4).



(1) الحديد 57: 1 - 6.
(2) مصباح المتهجد: 87، وسائل الشيعة 6: 64 / 2.
(3) أمالي الصدوق: 174 / 58، بحار الأنوار 82: 204 / 5.
(4) التهذيب 2: 137 / 534، الاستبصار 1: 349 / 1319، وسائل الشيعة 6: 495 / 1.
88
القراءة في صلاة الفجر:
17 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال: قلت
لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، إنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل
ما يقرأ في الفرائض بإنا أنزلناه وقل هو الله أحد، وإن صدري ليضيق بقراءتهما في
الفجر.
فقال (عليه السلام): لا يضيقن صدرك بهما، فإن الفضل والله فيهما (1).
18 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن عمر العطار، قال: دخلت
على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الثلاثاء، فقال: لم أرك أمس؟ قلت: كرهت
الخروج في يوم الاثنين، فقال: يا علي، من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين، فليقرأ
في أول ركعة من صلاة الغداة (هل أتى على الإنسان) ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام)
(فوقاهم ربهم شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) (2).
التعقيبات:
19 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه، عن علي
ابن محمد الهادي، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أدى لله مكتوبة،
فله في أثرها دعوة مستجابة (3).



(1) الكافي 3: 315 / 19.
(2) أمالي الطوسي 1: 228، وسائل الشيعة 11: 352 / 4، والآية من سورة الإنسان: 11.
(3) أمالي الطوسي 1: 295، وسائل الشيعة 6: 431 / 10.
89
20 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: كتب محمد بن
إبراهيم إلى أبي الحسن (عليه السلام): إن رأيت أن تعلمني دعاء أدعو به في دبر صلواتي،
يجمع الله لي به خير الدنيا والآخرة؟
فكتب (عليه السلام): تقول " أعوذ بوجهك الكريم وعزتك التي لا ترام، وقدرتك
التي لا يمتنع عنها شيء من شر الدنيا والآخرة ومن شر الأوجاع كلها " (1).
21 - وروى السيد ابن طاووس، بالإسناد عن أبي محمد عبد الله بن محمد
التميمي، عن أبي الحسن علي بن محمد صاحب العسكر، عن أبيه، عن آبائه، عن
أبي عبد الله، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: كان من دعائه
عقيب صلاة الظهر: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم،
والحمد لله رب العالمين.
اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل خير،
والسلامة من كل إثم.
اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا سقما إلا شفيته،
ولا عيبا إلا سترته، ولا رزقا إلا بسطته، ولا خوفا إلا آمنته، ولا سوءا إلا
صرفته، ولا حاجة هي لك رضى ولي فيها صلاح إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين،
آمين رب العالمين (2).



(1) الكافي 3: 346 / 28.
(2) فلاح السائل: 171، مستدرك الوسائل 5: 94 / 2.
90
الصلوات المندوبة:
22 - روى علي بن موسى بن طاووس بالإسناد عن عبد الله بن محمد
القرشي، عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: قرأت في كتاب آبائي (عليهم السلام): من
صلى يوم السبت أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد)
وآية الكرسي، كتبه الله في درجة النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا (1).
عدم وجوب قضاء ما فات من الصلاة بسبب الإغماء:
23 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن محمد بن سليمان، قال: كتبت
إلى الفقيه أبي الحسن العسكري (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر، هل
يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟
فكتب: لا يقضي الصوم، ولا يقضي الصلاة (2).
ورواه الشيخ الصدوق بالإسناد عن أيوب بن نوح (3).
24 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن مهزيار، وقد سأله
عن هذه المسألة، فقال: لا يقضي الصوم ولا الصلاة وكل ما غلب الله عليه



(1) وسائل الشيعة 8: 178 / 18.
(2) التهذيب 3: 303 / 927، الاستبصار 1: 458 / 1774.
(3) الفقيه 1: 363 / 1041.
91
فالله أولى بالعذر (1).
صلاة المسافر:
25 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن سليمان بن حفص المروزي، قال:
قال الفقيه العسكري (عليه السلام): يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاثين مرة لتمام الصلاة (2).
26 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن علي بن سليمان: قال: كتبت إلى
الرجل (عليه السلام): ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟
فكتب (عليه السلام): إذا كنت مسافرا فصل (3).
27 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أحمد بن محمد السياري، عن بعض
أهل العسكر، قال: خرج عن أبي الحسن (عليه السلام): أن صاحب الصيد يقصر ما دام
على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر (4).
28 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن جزك، قال: كتبت إلى



(1) الفقيه 1: 363 / 1042.
(2) التهذيب 3: 230 / 594، وسائل الشيعة 8: 523 / 1.
(3) الكافي 3: 466 / 4.
(4) الاستبصار 1: 237 / 846، التهذيب 3: 218.
92
أبي الحسن الثالث (عليه السلام): إن لي جمالا ولي قوام عليها ولست أخرج فيها إلا في
طريق مكه لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب علي إذا
أنا خرجت معهم أن أعمل، أيجب علي التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو
التمام؟
فوقع (عليه السلام): إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك
تقصير وإفطار (1).
ورواه بإسناد آخر ينتهي إلى محمد بن جزك (2).
ورواه الشيخ الكليني بالإسناد إلى محمد بن جزك (3).
عدم جواز الائتمام بالمجسمة:
29 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن محمد ومحمد بن علي (عليهم السلام)،
قالا: من قال بالجسم فلا تعطوه شيئا من الزكاة، ولا تصلوا خلفه (4).
عدم جواز صلاة الجماعة في السفينة والوادي:
30 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت مع
أبي الحسن (عليه السلام) في السفينة في دجلة فحضرت الصلاة، فقلت: جعلت فداك، نصلي



(1) الاستبصار 1: 234 / 835، وسائل الشيعة 8: 489 / 4.
(2) التهذيب 3: 216 / 534.
(3) الكافي 3: 438 / 11.
(4) الفقيه 1: 379 / 1111.
93
في جماعة؟
قال: فقال: لا تصل في بطن واد جماعة (1).
صلاة الرجل بالبيداء:
31 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن
الأخير (عليه السلام)، قال: قلت له: تحضر الصلاة والرجل بالبيداء؟
فقال (عليه السلام): يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة ويصلي (2).
32 - وقال الشيخ الصدوق: سأل علي بن مهزيار أبا الحسن الثالث عن
الرجل يصير في البيداء فتدركه صلاة فريضة، فلا يخرج من البيداء حتى يخرج
وقتها، كيف يصنع بالصلاة، وقد نهي أن يصلى بالبيداء؟
فقال (عليه السلام): يصلي فيها، ويتجنب قارعة الطريق (3).
سجدة الشكر:
33 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن حفص الجوهري، قال: صلى بنا
أبو الحسن علي بن محمد (عليه السلام) صلاة المغرب، فسجد سجدة الشكر بعد السابعة،
فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة؟



(1) الاستبصار 1: 441 / 1698.
(2) الكافي 3: 389 / 9.
(3) الفقيه 1: 244 / 734.
94
فقال: ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة (1).
34 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان،
قال: رأيت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) سجد سجدة الشكر، فافترش ذراعيه وألصق
صدره وبطنه، فسألته عن ذلك، فقال: كذا يجب (2).
صلاة الحاجة:
35 - وفي (مصباح الشيخ الطوسي) عن يعقوب بن يزيد، عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، قال: إذا كانت لك حاجة مهمة، فصم يوم الأربعاء والخميس
والجمعة، واغتسل في يوم الجمعة في أول النهار، وتصدق على مسكين بما أمكن،
واجلس في موضع لا يكون بينك وبين السماء سقف ولا ستر من صحن دار أو
غيرها، تجلس تحت السماء وتصلي أربع ركعات، تقرأ في الأولى الحمد ويس، وفي
الثانية الحمد وحم الدخان، وفي الثالثة الحمد وإذا وقعت الواقعة، وفي الرابعة الحمد
وتبارك الذي بيده الملك، فإن لم تحسنها فاقرأ الحمد ونسبة الرب تعالى: قل هو الله
أحد، فإذا فرغت بسطت راحتيك إلى السماء وتقول:
اللهم لك الحمد حمدا يكون أحق الحمد بك، وأرضى الحمد لك، وأوجب
الحمد لك، وأحب الحمد إليك، ولك الحمد كما أنت أهله، وكما رضيت لنفسك،
وكما حمدك من رضيت حمده من جميع خلقك، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك



(1) الاستبصار 1: 347 / 1308، التهذيب 2: 114.
(2) التهذيب 2: 85 / 312.
95
ورسلك وملائكتك، وكما ينبغي لعزك وكبريائك وعظمتك، ولك الحمد حمدا تكل
الألسن عن صفته، ويقف القول عن منتهاه، ولك الحمد حمدا لا يقصر عن رضاك،
ولا يفضله شيء من محامدك.
اللهم لك الحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء والسنين
والدهور، ولك الحمد على آلائك ونعمائك علي وعندي، وعلى ما أوليتني وأبليتني
وعافيتني ورزقتني وأعطيتني وفضلتني وشرفتني وكرمتني وهديتني لدينك، حمدا
لا يبلغه وصف واصف، ولا يدركه قول قائل.
اللهم لك الحمد حمدا فيما أتيته إلي من إحسانك عندي، وإفضالك علي،
وتفضيلك إياي على غيري، ولك الحمد على ما سويت من خلقي، وأدبتني
فأحسنت أدبي، منا منك علي لا لسابقة كانت مني، فأي النعم يا رب لم تتخذ
عندي، وأي الشكر لم تستوجب مني، رضيت بلطفك لطفا، وبكفايتك من جميع
الخلق خلفا.
يا رب أنت المنعم علي المحسن المتفضل المجمل ذو الجلال والإكرام والفواضل
والنعم العظام، فلك الحمد على ذلك يا رب، لم تخذلني في شديدة، ولم تسلمني
بجريرة، ولم تفضحني بسريرة، لم تزل نعماؤك علي عامة عند كل عسر ويسر، أنت
حسن البلاء ولك عندي قديم العفو، أمتعني بسمعي وبصري وجوارحي وما أقلت
الأرض مني.
اللهم وإن أول ما أسألك من حاجتي، وأطلب إليك من رغبتي وأتوسل إليك
به بين يدي مسألتي، وأتفرج به إليك بين يدي طلبتي، الصلاة على محمد وآل محمد،
وأسألك أن تصلي عليه وعليهم كأفضل ما أمرت أن يصلى عليهم، كأفضل ما سألك
أحد من خلقك، وكما أنت مسؤول له ولهم إلى يوم القيامة.

96
اللهم فصل عليهم بعدد من صلى عليهم، وبعدد من لم يصل عليهم، وبعدد من
لا يصلي عليهم صلاة دائمة تصلها بالوسيلة والرفعة والفضيلة، وصل على جميع
أنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، وصل اللهم على محمد وآله وسلم عليهم
تسليما كثيرا.
اللهم ومن جودك وكرمك أنك لا تخيب من طلب إليك وسألك ورغب
فيما عندك، وتبغض من لم يسألك وليس أحد كذلك غيرك، وطمعي يا رب في
رحمتك ومغفرتك، وثقتي بإحسانك وفضلك، حداني على دعائك والرغبة إليك،
وإنزال حاجتي بك، وقد قدمت أمام مسألتي التوجه بنبيك الذي جاء بالحق
والصدق من عندك ونورك وصراطك المستقيم، الذي هديت به العباد، وأحييت
بنوره البلاد، وخصصته بالكرامة، وأكرمته بالشهادة، وبعثته على حين فترة من
الرسل (صلى الله عليه وآله)، اللهم إني مؤمن بسره وعلانيته، وسر أهل بيته الذين أذهبت عنهم
الرجس وطهرتهم تطهيرا وعلانيتهم.
اللهم فصل على محمد وآله، ولا تقطع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، واجعل
عملي بهم متقبلا، اللهم دللت عبادك على نفسك، فقلت تباركت وتعاليت: (وإذا
سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي
لعلهم يرشدون) (1)، وقلت: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة
الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) (2)، وقلت: (ولقد نادانا نوح فلنعم
المجيبون) (3).



(1) البقرة 2: 186.
(2) الزمر 39: 53.
(3) الصافات 37: 75.
97
أجل يا رب ونعم الرب أنت، ونعم المجيب، وقلت: (قل ادعوا الله أو ادعوا
الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) (1)، وأنا أدعوك اللهم بأسمائك التي إذا دعيت
بها أجبت، وإذا سئلت بها أعطيت، وأدعوك متضرعا إليك مسكينا، دعاء من
أسلمته الغفلة، وأجهدته الحاجة، أدعوك دعاء من استكان واعترف بذنبه،
ورجاك لعظيم مغفرتك وجزيل مثوبتك.
اللهم إن كنت خصصت أحدا برحمتك طائعا لك فيما أمرته وعجل لك فيما له
خلقته، فإنه لم يبلغ ذلك إلا بك وبتوفيقك، اللهم من أعد واستعد لوفادة مخلوق
رجاء رفده وجوائزه، فإليك يا سيدي كان استعدادي رجاء رفدك وجوائزك،
فأسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تعطيني مسألتي وحاجتي.
ثم تسأل ما شئت من حوائجك، ثم تقول:
يا أكرم المنعمين، وأفضل المحسنين، صل على محمد وآله، ومن أرادني بسوء
من خلقك فأحرج صدره، وأفحم لسانه، واسدد بصره، واقمع رأسه، واجعل له
شغلا في نفسه، واكفنيه بحولك وقوتك، ولا تجعل مجلسي هذا آخر العهد من المجالس
التي أدعوك بها متضرعا إليك، فإن جعلته فاغفر لي ذنوبي كلها مغفرة لا تغادر لي
بها ذنبا، واجعل دعائي في المستجاب، وعملي في المرفوع المتقبل عندك، وكلامي
فيما يصعد إليك من العمل الطيب، واجعلني مع نبيك وصفيك والأئمة صلواتك عليهم
أجمعين، فبهم، اللهم أتوسل وإليك بهم أرغب، فاستجب دعائي يا أرحم الراحمين،
وأقلني من العثرات ومصارع العبرات.
ثم تسأل حاجتك وتخر ساجدا وتقول:



(1) الإسراء 17: 110.
98
لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم، اللهم إني أعوذ بعفوك
من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أبلغ مدحتك
ولا الثناء عليك، وأنت كما أثنيت على نفسك، اجعل حياتي زيادة لي من كل خير،
واجعل وفاتي راحة من كل سوء، واجعل قرة عيني في طاعتك.
ثم تقول: يا ثقتي ورجائي لا تحرق وجهي بالنار بعد سجودي لك، واكفني
من غير من مني عليك، بل لك المن بذلك علي، فارحم ضعفي ورقة جلدي، واكفني
ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة، وارزقني مرافقة النبي وأهل بيته عليه وعليهم
السلام في الدرجات العلى من الجنة.
ثم تقول: يا نور النور، يا مدبر الأمور، يا جواد، يا ماجد، يا واحد،
يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا من هو هكذا
ولا يكون هكذا سواه، يا من ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى إله
سواه، يا معز كل ذليل، ومذل كل عزيز، قد وعزتك وجلالك عيل صبري، فصل
على محمد وآل محمد، وفرج عني كذا وكذا - وتسمي الحاجة وذلك الشيء بعينه -
الساعة الساعة يا أرحم الراحمين.
تقول ذلك وأنت ساجد ثلاث مرات، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض،
وتقول الدعاء الأخير ثلاث مرات، ثم ترفع رأسك وتتخضع وتقول: وا غوثاه بالله
وبرسول الله وبآله (صلى الله عليه وآله) - عشر مرات - ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول
الدعاء الأخير، وتتضرع إلى الله تعالى في مسائلك فإنه أيسر للحاجة إن شاء الله
وبه الثقة (1).



(1) مصباح المتهجد: 304، وسائل الشيعة 7: 374 / 16، بحار الأنوار 90: 48 / 12.
99
صلاة الاستخارة:
36 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن عيسى بن أحمد المنصوري، عن عم
أبيه، عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، عن آبائه، عن الصادق (عليه السلام)، قال: كانت
استخارة الإمام الباقر (عليه السلام): اللهم إن خيرتك تنل الرغائب، وتجزل المواهب،
وتطيب المكاسب، وتغنم المطالب، وتهدي إلى أحمد العواقب، وتقي من محذور
النوائب.
اللهم مالك الملوك، أستخيرك فيما عزم رأيي عليه، وقادني يا مولاي إليه،
فسهل من ذلك ما توعر (1)، ويسر منه ما تعسر، واكفني في استخارتي المهم، وادفع
عني كل ملم، واجعل عاقبة أمري غنما، ومحذوره سلما، وبعده قربا، وجدبه
خصبا.
أعطني يا رب لواء الظفر فيما استخرتك فيه، وقرر (2) الأنعام فيما دعوتك له،
ومن علي بالأفضال فيما رجوتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت
علام الغيوب (3).



(1) في المصدر: تأخر.
(2) في المصدر: وفور.
(3) أمالي الطوسي 1: 299، بحار الأنوار 91: 261 / 12، مستدرك الوسائل 6: 239.
100
الصوم
الصوم لرؤية الهلال:
37 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال: كتب إلي
أبو الحسن العسكري (عليه السلام) كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، وذلك
في سنة 232، وكان يوم الأربعاء يوم شك، وصام أهل بغداد يوم الخميس،
وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل،
قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس، وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء.
قال: فكتب إلي: زادك الله توفيقا، فقد صمت بصيامنا.
قال: ثم لقيته بعد ذلك، فسألته عما كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب
إليك؟ إنما صمت الخميس، ولا تصم إلا للرؤية (1).
عدم وجوب قضاء الصوم على المغمى عليه:
38 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن
نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر،
هل يقضي ما فاته أم لا؟
فكتب (عليه السلام): لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة (2).



(1) التهذيب 4: 167 / 475، وسائل الشيعة 10: 281 / 1.
(2) التهذيب 4: 243 / 711، وسائل الشيعة 10: 226 / 1.
101
وبإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن محمد بن سليمان، قال:
كتبت إلى الفقيه أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، وذكر مثله (1).
وبإسناده عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار، قال: سألته، وذكر
مثله (2).
39 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن محمد القاساني، قال:
كتبت إليه (عليه السلام) وأنا بالمدينة، أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر، هل يقضي
ما فاته؟
فكتب (عليه السلام): لا يقضي الصوم (3).
في الكفارات:
40 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسين بن عبيد، قال: كتبت إليه
- يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) -: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوما لله، فوقع في
ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفارة؟
فأجابه (عليه السلام): يصوم يوما بدل يوم، وتحرير رقبة (4).
41 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: كتب بندار



(1) التهذيب 3: 303 / 927.
(2) التهذيب 4: 243 / 714.
(3) التهذيب 4: 243 / 712، وسائل الشيعة 10: 226 / 2.
(4) التهذيب 4: 330 / 1029، وسائل الشيعة 10: 131 / 2.
102
مولى إدريس إليه (عليه السلام): يا سيدي، نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصم
ما يلزمني من الكفارة؟
فكتب (عليه السلام) وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر
ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق
بعدد كل يوم لسبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى (1).
اختيار الإقامة في شهر رمضان على السفر للزيارة:
42 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن الفضل البغدادي، قال:
كتبت إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام): جعلت فداك، يدخل شهر رمضان على
الرجل فيقع بقلبه زيارة الحسين وزيارة أبيك (عليهما السلام) ببغداد، فيقيم بمنزله حتى يخرج
عنه شهر رمضان ثم يزورهم، أو يخرج في شهر رمضان ويفطر؟
فكتب (عليه السلام): لشهر رمضان من الفضل والأجر ما ليس لغيره من الشهور،
فإذا دخل فهو المأثور (2).
صوم المسافر:
43 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد،
قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا
قبل الزوال؟ فقال: يصوم (3).



(1) التهذيب 8: 305، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 279 / 2.
(2) التهذيب 6: 110 / 198، وسائل الشيعة 14: 573 / 1.
(3) التهذيب 4: 255 / 755.
103
الأيام التي يستحب الصيام فيها:
44 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي إسحاق بن عبد الله العلوي
العريضي - في حديث - عن أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، قال: يا أبا إسحاق،
جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن، وهي أربعة: أولهن يوم السابع والعشرين
من رجب، يوم بعث الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى خلقه رحمة للعالمين، ويوم مولده (صلى الله عليه وآله)
وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة،
فيه دحيت الأرض من تحت الكعبة [واستوت سفينة نوح على الجودي، فمن صام
ذلك اليوم كان كفاية سبعين سنة]، ويوم الغدير، فيه أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام)
علما للناس، وإماما من بعده (1) [فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين عاما] (2).



(1) التهذيب 4: 305 / 922.
(2) مصباح المتهجد: 571.
104
الحج والعمرة والزيارة
استحباب المقام بمكة:
45 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: سألت
أبا الحسن (عليه السلام): المقام أفضل بمكة أو الخروج إلى بعض الأمصار؟
فكتب (عليه السلام): المقام عند بيت الله أفضل (1).
الحج عن الميت:
46 - روى الحصيبي في (الهداية)، بالإسناد عن علي بن عبيد الله الحسيني،
عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) - في حديث - أنه قال للمتوكل: فكان والله أمير
المؤمنين (عليه السلام) يحج عن أبيه وأمه، وعن أب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مضى، ووصى
الحسن والحسين (عليهما السلام) بمثل ذلك، وكل إمام منا يفعل ذلك إلى أن يظهر الله أمره (2).
التمتع بالعمرة إلى الحج:
47 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن سرو، قال: كتبت إلى
أبي الحسن الثالث (عليه السلام): ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة
وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه؟ إلى أي وقت



(1) التهذيب 5: 476، مسند الإمام الهادي: 245 / 4.
(2) الهداية: 65، مستدرك الوسائل 2: 115 / 12.
105
عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج، فلم يواف يوم التروية ولا ليلة
التروية، فكيف يصنع؟
فوقع (عليه السلام): ساعة يدخل مكة، إن شاء الله يطوف ويصلي ركعتين، ويسعى
ويقصر، ويخرج بحجته ويمضي إلى الموقف، ويفيض مع الإمام (1).
الأضحية:
48 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن الريان بن الصلت، عن
أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، قال: كتبت إليه أسأله عن الجاموس، عن كم يجزي في
الضحية؟
فجاء في الجواب: إن كان ذكرا فعن واحد، وإن كان أنثى فعن سبعة (2).
استحباب التبرك ببقاع الأئمة (عليهم السلام):
49 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن سليمان - زرقان -، عن
علي بن محمد العسكري (عليه السلام)، قال: قال لي: يا زرقان، إن تربتنا كانت واحدة،
فلما كان أيام الطوفان افترقت التربة، فصارت قبورنا شتى، والتربة واحدة (3).
زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام):
50 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن أورمة، عمن حدثه، عن



(1) التهذيب 5: 171 / 570، الاستبصار 2: 247 / 865، وسائل الشيعة 11: 295 / 16.
(2) التهذيب 5: 209 / 701، الاستبصار 2: 267 / 946، وسائل الشيعة 14: 112 / 1.
(3) التهذيب 6: 109 / 194، وسائل الشيعة 14: 561 / 1.
106
أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، قال: تقول عند قبر أمير المؤمنين (عليه السلام): السلام عليك
يا ولي الله، أنت أول مظلوم وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك
اليقين، وأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب، وجدد
عليه العذاب، جئتك عارفا بحقك، مستبصرا بشأنك، معاديا لأعدائك ومن
ظلمك، ألقى بذلك ربي إن شاء الله.
يا ولي الله، إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي عند ربك، فإن لك عند الله مقاما
محمودا، وإن لك عند الله جاها وشفاعة، وقد قال الله تعالى: (ولا يشفعون إلا لمن
ارتضى) (1).
زيارة الإمام الحسين (عليه السلام):
51 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إلى
أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وعن زيارة
أبي الحسن وأبي جعفر (عليهما السلام).
فكتب إلي: أبو عبد الله (عليه السلام) المقدم، وهذا أجمع وأعظم أجرا (2).
52 - وروى ابن قولويه بالإسناد عن علي بن جعفر الهمداني، عن علي
ابن محمد العسكري (عليه السلام)، قال: من خرج من بيته يريد زيارة الحسين بن علي (عليه السلام)



(1) التهذيب 6: 28 / 54، 55، ورواه الشيخ الكليني في الكافي 4: 569 / 1، والآية من
سورة الأنبياء: 28.
(2) الكافي 4: 583 / 3، كامل الزيارات: 300، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب 6: 91 /
172، وأورده الحر العاملي في الوسائل 14: 570 / 1.
107
فصار إلى الفرات فاغتسل منه كتبه الله من المفلحين، فإذا سلم على أبي عبد الله (عليه السلام)
كتب من الفائزين، فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرئك
السلام ويقول لك: أما ذنوبك فقد غفرت لك، فاستأنف العمل (1).
53 - وروى ابن قولويه بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن
الهادي (عليه السلام) - في حديث - قال: ليس هو هكذا، إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها،
وحائر الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع (2).
54 - وعنه في حديث آخر، قال (عليه السلام): إن لله تعالى بقاعا يحب أن يدعى فيها
فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها (3).
55 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن محمد بن أورمة، عن بعض
أصحابنا، عن أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام)، قال: تقول عند رأس الحسين (عليه السلام):
السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه،
السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن علي المرتضى، السلام عليك
يا بن فاطمة الزهراء، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت
بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين، فصلى الله
عليك حيا وميتا.



(1) كامل الزيارات: 185، وسائل الشيعة 14: 486 / 10.
(2) كامل الزيارات: 273، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 262 / 10.
(3) كامل الزيارات: 274، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 263 / 11.
108
ثم تضع خدك الأيمن على القبر وقل: أشهد أنك على بينة من ربك، جئت
مقرا بالذنوب، لتشفع لي عند ربك يا بن رسول الله. ثم اذكر الأئمة بأسمائهم واحدا
واحدا وقل: أشهد أنكم حجة الله.
ثم قل: اكتب لي عندك ميثاقا وعهدا، إني أجدد الميثاق، فاشهد لي عند
ربك، إنك أنت الشاهد (1).
زيارة الكاظمين (عليهما السلام):
56 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن عيسى، عمن ذكره، عن
أبي الحسن (عليه السلام)، قال: تقول ببغداد: " السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك
يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله
في شأنه، أتيتك عارفا بحقك، معاديا لأعدائك، فاشفع لي عند ربك " وادع الله وسل
حاجتك، وتسلم بهذا على أبي جعفر (عليه السلام) (2).
زيارة الإمام الرضا (عليه السلام):
57 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت
سيدي علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: من كانت له إلى الله حاجة
فليزر قبر جدي الرضا (عليه السلام) بطوس وهو على غسل، وليصل عند رأسه ركعتين،
وليسأل الله حاجته في قنوته، فإنه يستجيب له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم،
وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة لا يزورها مؤمن إلا أعتقه الله من النار وأحله



(1) الكافي 4: 577، التهذيب 6: 113، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 261 / 6.
(2) التهذيب 6: 91، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 264 / 14.
109
إلى دار القرار (1).
زيارة السيد عبد العظيم الحسني:
58 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن يحيى، عمن دخل على
أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) من أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن
العسكري (عليه السلام) فقال لي: أين كنت؟ فقلت: زرت الحسين (عليه السلام).
فقال (عليه السلام): أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين
ابن علي (عليه السلام) (2).
ورواه ابن قولويه في (كامل الزيارات) عن ابن بابويه، عن محمد بن يحيى،
عن بعض أهل الري (3).
استحباب الزيارة عن المعصومين (عليهم السلام):
59 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن داود الصرمي، قال: قلت له - يعني
أبا الحسن العسكري (عليه السلام) -: إني زرت أباك، وجعلت ذلك لك؟ (4)
فقال (عليه السلام): لك بذلك من الله ثواب وأجر عظيم، ومنا المحمدة (5).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 262، أمالي الصدوق: 350، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 265
/ 17.
(2) ثواب الأعمال: 124 / 1، وسائل الشيعة 14: 575 / 1.
(3) كامل الزيارات: 324.
(4) في المصدر: لكم، وما أثبتناه من الوسائل.
(5) التهذيب 6: 110 / 199، وسائل الشيعة 14: 593 / 1.
110
الدعاء
الدعوات المستجابة:
60 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن أحمد الهاشمي المنصوري،
عن عم أبيه عيسى بن أحمد بن عيسى، عن أبي الحسن الثالث، عن آبائه (عليهم السلام)،
قال:
قال الصادق (عليه السلام):
ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا بره، ودعوته
عليه إذا عقه، ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر له منه، ورجل مؤمن
دعا لأخ له مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار
أخيه إليه (1).
الأوقات التي يستحب فيها الدعاء:
61 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه، عن علي
ابن محمد الهادي، عن آبائه، عن الصادق (عليه السلام)، قال:
ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن الله تعالى: في أثر المكتوبة، وعند
نزول القطر، وظهور آية معجزة لله في أرضه (2).



(1) أمالي الطوسي 1: 286، وسائل الشيعة 7: 130 / 6.
(2) أمالي الطوسي 1: 287، وسائل الشيعة 7: 66 / 9.
111
لله بقاع يستجاب فيها الدعاء:
62 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي هاشم الجعفري، عن
أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، قال: إن الله عز وجل جعل من أرضه بقاعا تسمى
المرحومات أحب أن يدعى فيها فيجيب، وإن الله عز وجل جعل من أرضه بقاعا
تسمى المنتقمات، فإذا كسب رجل مالا من غير حله سلط الله عليه بقعة منها فأنفقه
فيها (1).
ورواه الشيخ الصدوق مرسلا (2).



(1) الكافي 6: 532 / 15، وسائل الشيعة 5: 316 / 3.
(2) الفقيه 4: 299 / 904.
112
الزكاة والخمس
زكاة الفطرة:
63 - وروى بالإسناد عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: اختلفت
الروايات في الفطرة، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن ذلك.
فكتب: إن الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة واليمن والطائف
وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر، وعلى
أهل أوساط الشام زبيب، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها بر أو شعير،
وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل خراسان البر، إلا أهل مرو والري فعليهم
الزبيب، وعلى أهل مصر البر، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، ومن سكن
البوادي من الأعراب فعليهم الأقط (1).
والفطرة عليك وعلى الناس كلهم ومن تعول ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو
كبيرا، حرا أو عبدا، فطيما أو رضيعا، تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة،
والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما (2).
جواز إعطاء الفطرة لمستحق واحد:
64 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن بلال، قال: كتبت إلى



(1) الأقط: اللبن المجفف.
(2) التهذيب 4: / 79 226، الاستبصار 2: 44 / 140، وسائل الشيعة 9: 342 / 4 و 343
/ 2.
113
الطيب العسكري (عليه السلام): هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل وهم عشرة،
أقل أو أكثر، رجلا محتاجا موافقا؟
فكتب (عليه السلام): نعم، افعل ذلك (1).
مقدار الفطرة:
65 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن جعفر بن معروف، قال: كتبت إلى
أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا - يعني علي
ابن محمد (عليه السلام) -.
فكتب: إن ذلك قد خرج لعلي بن مهزيار أنه يخرج من كل شيء - التمر والبر
وغيره - صاع، وليس عندنا بعد جوابه علينا في ذلك اختلاف (2).
66 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن بلال، قال: كتبت إلى
الرجل (عليه السلام) أسأله عن الفطرة وكم تدفع. قال: فكتب (عليه السلام): ستة أرطال من تمر
بالمدني، وذلك تسعة بالبغدادي (3).
67 - وروى الشيخ الكليني والشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن أحمد،
عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني، وكان معنا حاجا، قال: كتبت إلى



(1) الفقيه 2: 116 / 501، وسائل الشيعة 9: 363 / 5.
(2) التهذيب 4: 81، مسند الإمام الهادي: 242 / 12.
(3) التهذيب 4: 83، مسند الإمام الهادي: 242 / 13.
114
أبي الحسن (عليه السلام) على يدي أبي: جعلت فداك، إن أصحابنا اختلفوا في الصاع،
بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، وبعضهم يقول: بصاع العراقي؟
فكتب إلي: الصاع ستة أرطال بالمدني، وتسعة أرطال بالعراقي.
قال: وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة (1).
الزكاة على تسعة أشياء:
68 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: قرأت في
كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الزكاة على تسعة أشياء، على الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والذهب والفضة والغنم والبقر والإبل، وعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما سوى
ذلك.
فقال له قائل: عندنا شيء كثير يكون بأضعاف ذلك، فقال: ما هو؟
فقال له: الأرز. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أقول لك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع
الصدقة على تسعة أشياء وعفا عما سوى ذلك، وتقول: إن عندنا أرزا وعندنا
ذرة، قد كانت الذرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فوقع (عليه السلام): كذلك هو، والزكاة في كل ما كيل بالصاع (2).
جواز الصدقة على المجهول الحال وعدم جوازها على من عرف بالنصب:
69 - روى محمد بن إدريس في آخر (السرائر) نقلا من كتاب مسائل



(1) الكافي 4: 172 / 9، التهذيب 4: 334.
(2) الاستبصار 2: 5، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 240 / 9.
115
الرجال رواية أحمد بن محمد الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، عن محمد
ابن علي بن عيسى، قال: كتبت إليه - يعني علي بن محمد الهادي (عليه السلام) - أسأله عن
المساكين الذين يقعدون في الطرقات من الحرائم (1) والسايسين (2) وغيرهم، هل
يجوز التصدق عليهم قبل أن أعرف مذهبهم؟
فأجاب: من تصدق على ناصب فصدقته عليه لا له، لكن على من لا يعرف
مذهبه وحاله فذلك أفضل وأكبر، ومن بعد فمن ترققت عليه ورحمته ولم يمكن
استعلام ما هو عليه لم يكن بالتصدق عليه بأس إن شاء الله (3).
إعطاء المستحق من الزكاة أقل من خمسة دراهم:
70 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عبد الجبار، قال: إن
بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري (عليه السلام):
أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟
فكتب (عليه السلام): افعل إن شاء الله تعالى (4).
إعطاء الزكاة لمستحقيها من الأولاد والأقارب:
71 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن عمران بن إسماعيل بن عمران



(1) في المصدر: الجزايرة، وما أثبتناه من الوسائل.
(2) يقال: بنو ساسا، للسؤال. لسان العرب - سيس - 6: 109.
(3) مستطرفات السرائر: 68 / 15، وسائل الشيعة 9: 416 / 8.
(4) الفقيه 2: 10 / 28، وسائل الشيعة 9: 256 / 1.
116
القمي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): إن لي ولدا رجالا ونساء، أفيجوز
أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟
فكتب (عليه السلام): إن ذلك جائز لك (1).
ورواه الشيخ الطوسي مسندا عن عمران بن إسماعيل القمي (2).
72 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أحمد بن حمزة، قال: قلت
لأبي الحسن (عليه السلام): رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك، وله زكاة، أيجوز له أن
يعطيهم جميع زكاته؟ قال: نعم (3).
73 - وروى بالإسناد عن علي بن مهزيار، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته
عن الرجل يضع زكاته كلها في أهل بيته وهم يتولونك؟ فقال: نعم (4).
إخراج الزكاة من البلد:
74 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أحمد بن حمزة، قال: سألت
أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر، ويصدقها في
إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم (5).



(1) الكافي 3: 552 / 9، وسائل الشيعة 9: 243 / 3.
(2) التهذيب 4: 56 / 152، الاستبصار 2: 34 / 102.
(3) الكافي 3: 552، التهذيب 4: 54، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 239 / 3.
(4) الكافي 3: 552، التهذيب 4: 54، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 239 / 4.
(5) التهذيب 4: 46 / 122، وسائل الشيعة 9: 283 / 4.
117
الخمس:
75 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن محمد بن علي بن شجاع
النيسابوري، أنه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من
الحنطة ما يزكى، فأخذ منه العشر - عشرة أكرار - وذهب منه بسبب عمارة الضيعة
ثلاثون كرا، وبقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب
لأصحابه من ذلك عليه شيء؟
فوقع (عليه السلام): لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته (1).
76 - وفي (تفسير العياشي) عن إبراهيم بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، أسأله عما يجب في الضياع.
فكتب (عليه السلام): الخمس بعد المؤونة.
قال: فناظرت أصحابنا فقالوا: المؤونة بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤونة
الرجل. فكتبت إليه: إنك قلت: الخمس بعد المؤونة، وإن أصحابنا اختلفوا في
المؤونة؟
فكتب (عليه السلام): الخمس بعدما يأخذ السلطان، وبعد مؤونة الرجل وعياله (2).
77 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: كتبت



(1) التهذيب 4: 16 / 39، الاستبصار 2: 17 / 48، وسائل الشيعة 9: 186 / 2.
(2) تفسير العياشي 2: 63 / 61.
118
إليه (عليه السلام): يا سيدي، رجل دفع إليه مال يحج فيه، هل عليه في ذلك المال حين يصير
إليه الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحج؟
فكتب (عليه السلام): ليس عليه الخمس (1).
78 - وروى بالإسناد عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام): أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك (عليه السلام) فيما أوجبه على أصحاب
الضياع نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على
الضياع الخمس بعد المؤونة، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله؟
فكتب (عليه السلام): بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان (2).
79 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال: قلت
لأبي الحسن الثالث (عليه السلام): إنا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السلام) عندنا،
فكيف نصنع؟
فقال (عليه السلام): ما كان لأبي (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو
ميراث على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) (3).



(1) الكافي 3: 547، مسند الإمام الهادي: 239 / 1.
(2) الكافي 3: 547، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 239 / 2.
(3) الفقيه 2: 43، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 240 / 7.
119
النكاح والطلاق
80 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم
ابن عبد الله الحسني، عن علي بن محمد العسكري، عن آبائه (عليهم السلام) - في حديث -
قال:
من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى.
وقال: من تزوج في محاق الشهر فليسلم من سقط الولد (1).
81 - وروى بالإسناد عن عبد العظيم الحسني، عن علي بن محمد العسكري،
عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال:
يكره للرجل أن يجامع أهله في أول ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره،
فإنه من فعل ذلك خرج الولد مجنونا، ألا ترى المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر
وفي وسطه وفي آخره (2)، الحديث.
82 - وروى الشيخ الكليني والطوسي بالإسناد عن محمد بن أحمد بن مطهر،
قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام): إني تزوجت أربع نسوة ولم أسأل



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 288 / 35، علل الشرائع: 514 / 4، وسائل الشيعة 20:
115 / 3.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 288، علل الشرائع: 514، وسائل الشيعة 20: 129 / 6.
120
عن أسمائهن، ثم إني أردت طلاق إحداهن وتزويج امرأة أخرى.
فكتب (عليه السلام): انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول: اشهدوا أن فلانة
التي بها علامة كذا وكذا هي طالق، ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة (1).
83 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن أيوب بن نوح، قال: كتب
إليه (عليه السلام) بعض أصحابه: أنه كانت لي امرأة ولي منها ولد، وخليت سبيلها؟
فكتب (عليه السلام): المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء
المرأة (2).



(1) الكافي 5: 563 / 31، التهذيب 7: 486 / 1954، وسائل الشيعة 20: 520 / 3.
(2) الفقيه 3: 435، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 268 / 3.
121
الطب
84 - روى الحسين بن بسطام في طب الأئمة (عليهم السلام) بالإسناد عن إبراهيم
ابن محمد العلوي، عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قيل
للصادق (عليه السلام): الرجل يكتوي بالنار وربما قتل وربما تخلص.
قال: قد اكتوى رجل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قائم على رأسه (1).
85 - عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: كل الرمان بعد الحجامة رمانا
حلوا، فإنه يسكن الدم ويصفي الدم في الجوف (2).
86 - وروى الحسين وأبو عتاب ابنا بسطام بالإسناد عن أحمد بن العباس بن
المفضل، عن أخيه عبد الله، قال: لدغتني العقرب، فكادت شوكته حين ضربتني
تبلغ بطني من شدة ما ضربتني، وكان أبو الحسن العسكري (عليه السلام) جارنا، فصرت
إليه، فقلت: إن ابني عبد الله لدغته العقرب، وهو ذا يتخوف عليه؟
فقال: اسقوه من دواء الجامع، فإنه دواء الرضا (عليه السلام).
فقلت: وما هو؟ قال: دواء معروف.
قلت: مولاي فإني لا أعرفه.



(1) طب الأئمة (عليهم السلام): 54، وسائل الشيعة 25: 223 / 7.
(2) طب الأئمة (عليهم السلام): 59، مستدرك الوسائل 13: 83 / 27.
122
قال: خذ سنبل، وزعفران، وقاقلة، وعاقر قرحا، وخربق أبيض، وبنج،
وفلفل أبيض - أجزاء سواء بالسوية - وأبرفيون جزءين، يدق دقا ناعما، وينخل
بحريرة، ويعجن بعسل منزوع الرغوة، ويسقى منه للسعة الحية والعقرب حبة بماء
الحلتيت، فإنه يبرأ من ساعته.
قال: فعالجناه به وسقيناه فبرأ من ساعته، ونحن نتخذه ونعطيه للناس إلى
يومنا هذا (1).
87 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن يعقوب بن يزيد، عن بعض
أصحابنا، عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) أنه دخل عليه يوم الأربعاء وهو يحتجم،
قال: فقلت له: إن أهل الحرمين يروون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من احتجم
يوم الأربعاء فأصابه بياض، فلا يلومن إلا نفسه ".
فقال (عليه السلام): كذبوا، إنما يصيب ذلك من حملته أمه في طمث (2).
88 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن حمدان بن إسحاق، قال: كان لي
ابن وكان تصيبه الحصاة، فقيل لي: ليس له علاج إلا أن نبطه، فبططته فمات. فقالت
الشيعة: شركت في دم ابنك.
قال: فكتبت إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فوقع: يا أحمد، ليس عليك
فيما فعلت شيء، إنما التمست الدواء وكان أجله فيما فعلت (3).



(1) طب الأئمة (عليهم السلام): 88، مستدرك الوسائل 16: 462 / 18.
(2) الخصال: 386 / 70، وسائل الشيعة 17: 115 / 13.
(3) الكافي 6: 53 / 6.
123
الإجارة
89 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عيسى اليقطيني، أنه
كتب إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلمه
منه سنة بأجرة معلومة ليخيط له، ثم جاء رجل فقال: سلم ابنك مني سنة بزيادة،
هل له الخيار في ذلك؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأول أم لا؟
فكتب (عليه السلام): يجب عليه الوفاء للأول ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف (1).
90 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أحمد بن إسحاق، قال: كتبت إلى
أبي الحسن الثالث (عليه السلام): رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤاجر تلك الضيعة
التي آجرها بحضرة المستأجر، ولم ينكر المستأجر البيع، وكان حاضرا له شاهدا
عليه، فمات المشتري وله ورثة، أيرجع ذلك في الميراث أو يبقى في يد المستأجر إلى
أن تنقضي إجارته؟
فكتب (عليه السلام): إلى أن تنقضي إجارته (2).
91 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن إبراهيم الهمداني، قال: كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام)، وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي



(1) الفقيه 3: 106 / 441، وسائل الشيعة 19: 118 / 1.
(2) الكافي 5: 270 / 2.
124
الأجرة في كل سنة عند انقضائها، لا يقدم لها شيء من الأجرة ما لم يمض الوقت،
فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت،
أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة؟
فكتب (عليه السلام): إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت، فلورثتها تلك الإجارة،
فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه، فيعطى ورثتها بقدر
ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله (1).
التجارة
العقود:
92 - روى الشيخ الكليني والطوسي بالإسناد عن علي بن محمد القاساني،
قال: كتبت إليه - يعني إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) - وأنا بالمدينة سنة 231: جعلت
فداك، رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق منه أو قطع
عليه الطريق، من مال من ذهب المتاع، من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتب:
من مال الآمر (2).



(1) الكافي 5: 270، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 243 / 1.
(2) الكافي 5: 314 / 44، التهذيب 7: 225 / 985، الوسائل 18: 73 / 1.
125
الوصية والوقف
93 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الحسن بن راشد، قال: سألت
أبا الحسن العسكري (عليه السلام) عن رجل أوصى بمال في سبيل الله؟
قال (عليه السلام): سبيل الله شيعتنا (1).
ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن
عيسى (2).
ورواه الشيخ الكليني بالإسناد عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن
عيسى، وعن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد (3).
94 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: قلت له (عليه السلام):
روى بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام): أن كل وقف إلى وقت معلوم، فهو واجب
على الورثة، وكل واقف إلى غير وقت معلوم جهل مجهول باطل مردود على الورثة،
وأنت أعلم بقول آبائك؟
فكتب (عليه السلام): هو عندي كذا (4).



(1) الفقيه 4: 153 / 530، معاني الأخبار: 167 / 3، وسائل الشيعة 19: 338 / 1.
(2) التهذيب 9: 204 / 811، الاستبصار 4: 130 / 492.
(3) الكافي 7: 15 / 2.
(4) الكافي 7: 36، الفقيه 4: 237، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 286 / 1.
126
95 - وروى بإسناده قال: كتب إبراهيم بن محمد الهمداني إليه (عليه السلام): ميت
أوصى بأن يجري على رجل ما بقي من ثلثه ولم يأمر بإنفاذ ثلثه، هل للوصي أن
يوقف ثلث الميت بسبب الإجراء؟ فكتب (عليه السلام): ينفذ الثلث ولا يوقف (1).
96 - وروى بإسناده عن علي بن سليمان، قال: كتبت إليه - يعني
أبا الحسن (عليه السلام) -: جعلت فداك، ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها من أبي وبعضها
استفدتها ولا آمن الحدثان، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث، فما ترى جعلت
فداك لي أن أوقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين، أو أبيعها وأتصدق
بثمنها في حياتي عليهم، فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي، فإن أوقفتها في
حياتي، فلي أن آكل منها أيام حياتي أم لا؟
فكتب (عليه السلام): فهمت كتابك في أمر ضياعك، وليس لك أن تأكل منها من
الصدقة، فإن أنت أكلت منها لم ينفذ إن كان لك ورثة فبع وتصدق ببعض ثمنها في
حياتك، وإن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام) (2).
97 - وروى بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام)
قلت: جعلت فداك، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفيت
المال خبرت أن الأرض وقف؟



(1) الكافي 7: 36، الفقيه 4: 239، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 286 / 2.
(2) الكافي 7: 37، الفقيه 4: 238، التهذيب 9: 129، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 286 / 3.
127
فقال: لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في مالك، ادفعها إلى من أوقفت
عليه.
قلت: لا أعرف لها ربا؟ قال: تصدق بغلتها (1).
98 - وروى بالإسناد عن محمد بن الريان، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)
أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها؟ كيف يصنع
في الباقي؟
فوقع (عليه السلام): الأبواب الباقية يجعلها في البر (2).
99 - وروى عن جعفر بن عيسى، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله في
رجل أوصى ببعض ثلثه من بعد موته من غلة ضيعة له إلى وصيه يضع نصفه في
مواضع سماها له معلومة في كل سنة، والباقي من الثلث يعمل فيه بما شاء ورأى
الوصي، فأنفذ الوصي ما أوصى إليه من المسمى المعلوم، وقال في الباقي: قد صيرت
لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا في كل سنة وفي الحج كذا وكذا، وفي الصدقة كذا في
كل سنة، ثم بدا له في كل سنة، فقال: قد شئت الأول ورأيت خلاف مشيتي الأولى
ورأيي، أله أن يرجع فيها ويصير ما صير لغيرهم أو ينقصهم أو يدخل معهم غيرهم
إن أراد ذلك؟
فكتب (عليه السلام): له أن يفعل ما شاء إلا أن يكون كتب كتابا على نفسه (3).



(1) الكافي 7: 37، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 287 / 4.
(2) الكافي 8: 58، الفقيه 4: 219، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 287 / 5.
(3) الكافي 7: 59، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 287 / 7.
128
100 - وروى بالإسناد عن الحسن بن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتب
محمد بن يحيى: هل للوصي أن يشتري شيئا من مال الميت إذا بيع فيمن زاد فيزيد
ويأخذ لنفسه؟
فقال: يجوز إذا اشترى صحيحا (1).
101 - وروى بالإسناد عن الحسين بن مالك، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام):
اعلم يا سيدي أن ابن أخ لي توفي فأوصى لسيدي بضيعة وأوصى أن يدفع كل شيء
في داره حتى الأوتاد تباع ويجعل الثمن إلى سيدي، وأوصى بحج، وأوصى للفقراء
من أهل بيته، وأوصى لعمته وأخته بمال، فنظرت فإذا ما أوصى به أكثر من الثلث،
ولعله يقارب النصف مما ترك، وخلف ابنا له ثلاث سنين، وترك دينا، فرأي
سيدي؟
فوقع (عليه السلام): يقتصر من وصيته على الثلث من ماله، ويقسم ذلك بين من
أوصى له على قدر سهامهم إن شاء الله (2).
102 - وروى الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام): رجل كتب كتابا بخطه ولم يقل لورثته: هذه وصيتي، ولم يقل: إني
قد أوصيت، إلا أنه كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب على ورثته القيام



(1) الكافي 7: 59، الفقيه 4: 219، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 288 / 8.
(2) الكافي 7: 60، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 288 / 11.
129
بما في الكتاب [الذي] بخطه ولم يأمرهم بذلك؟
فكتب (عليه السلام): إن كان له ولد ينفذون كل شيء يجدون في كتاب أبيهم في وجه
البر أو غيره (1).
103 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسين بن محمد الرازي، قال:
كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): الرجل يموت ووصى بماله كله في أبواب البر بأكثر من
الثلث، هل يجوز ذلك له، وكيف يصنع الوصي؟
فكتب (عليه السلام): تجاز وصيته ما لم يتعد الثلث (2).
104 - وروى بالإسناد عن علي بن الريان، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام):
رجل دعاه والده إلى قبول وصيته، هل له أن يمتنع من قبول وصية والده؟
فوقع (عليه السلام): ليس له أن يمتنع (3).
105 - وعنه بإسناده عن الحسن بن راشد، عن العسكري (عليه السلام)، قال: إذا بلغ
الغلام ثمان سنين، فجائز أمره في ماله، وقد وجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تم
للجارية سبع سنين فكذلك (4).



(1) الفقيه 4: 198، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 289 / 12.
(2) الاستبصار 4: 120، التهذيب 9: 195، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 290 / 19.
(3) التهذيب 9: 206، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 291 / 20.
(4) التهذيب 9: 183، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 291 / 22.
130
106 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن مهزيار، عن أبي
الحسين (1)، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): إني وقفت أرضا على ولدي وفي
حج ووجوه بر ولك فيه حق بعدي ولي بعدك وقد أزلتها (2) عن ذلك المجري.
فقال: في حل وموسع لك (3).
القضاء والشهادة
107 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن جعفر بن عيسى، قال: كتبت إلى
أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، المرأة تموت، فيدعي أبوها أنه كان أعارها بعض
ما كان عندها من متاع وخدم، أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه إلا ببينة؟
فكتب (عليه السلام) إليه: يجوز بلا بينة.
قال: وكتبت إليه: إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في
متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم، أتكون في
ذلك بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب (عليه السلام): لا (4).



(1) في التهذيب: أبي الحسن.
(2) في التهذيب: أنزلتها.
(3) التهذيب 9: 143 / 598، ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 4: 179 / 621، والشيخ
الكليني في الكافي 7: 59 / 8.
(4) الكافي 7: 431، الفقيه 3: 110، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 278 / 1.
131
الأطعمة والأشربة
108 - روى العياشي عن أيوب بن نوح بن دراج، قال: سألت أبا الحسن
الثالث (عليه السلام) عن الجاموس، وأعلمته أن أهل العراق يقولون إنه مسخ، فقال: أو ما
سمعت قول الله: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين)؟ (1)
109 - وروى الشيخ محمد بن يعقوب بالإسناد عن محمد بن عيسى، عن
أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، قال: كان يقول: ما أكلت طعاما أبقى ولا أهيج للداء من
اللحم اليابس - يعني القديد - (2).
110 - وعنه بالإسناد عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أنه
كان يقول: القديد لحم سوء، لأنه يسترخي في المعدة، ويهيج كل داء، ولا ينفع من
شيء، بل يضره (3).
111 - وروى البرقي في (المحاسن) بالإسناد عن أبي علي بن راشد، قال:
سمعت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) يقول: أكل العسل حكمة (4).



(1) تفسير العياشي 1: 380 / 115، وسائل الشيعة 25: 52 / 3.
(2) الكافي 6: 314 / 3، وسائل الشيعة 25: 55 / 1.
(3) الكافي 6: 314، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 273 / 3.
(4) المحاسن: 500 / 620، وسائل الشيعة 25: 100 / 12.
132
112 - وروى ابن شعبة في (تحف العقول) عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه قال
يوما: إن أكل البطيخ يورث الجذام.
فقيل له: أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام
والبرص؟!
قال: نعم، ولكن إذا خالف ما أمر به ممن أمنه لم يأمن أن يصيبه عقوبة
الخلاف (1).
113 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه،
قال: قال أبو الحسن الثالث (عليه السلام) لبعض قهارمته (2): استكثروا لنا من الباذنجان،
فإنه حار في وقت الحرارة، بارد في وقت البرودة، معتدل في الأوقات كلها، جيد
على كل حال (3).
ورواه البرقي في (المحاسن) بالإسناد عن السياري، عن بعض البغداديين،
عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (4).



(1) تحف العقول: 483، وقد حمله الحر العاملي على الإفراط أو أكله على الريق، راجع الوسائل
25: 176 / 9.
(2) القهرمان: الخازن والوكيل والقائم بأمور الرجل.
(3) الكافي 6: 373 / 2، وسائل الشيعة 25: 210 / 2.
(4) المحاسن: 526 / 759.
133
الصيد والذباحة
114 - قال الشيخ الصدوق: كتب أحمد بن محمد بن عيسى إلى علي بن محمد
الهادي (عليه السلام): امرأة أرضعت عناقا (1) بلبنها حتى فطمتها؟
فكتب (عليه السلام): فعل مكروه، ولا بأس به (2).
115 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن
أبي الحسن (عليه السلام)، قال: كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها.
فكتب (عليه السلام): لا ينتفع من الميتة بإهاب (3) ولا عصب، وكلما كان من السخال
من الصوف إن جز والشعر والوبر والإنفحة (4) والقرن ينتفع بها، ولا يتعدى إلى
غيرها إن شاء الله (5).



(1) العناق: الأنثى من أولاد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام الحول.
(2) الفقيه 3: 334، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 277 / 1.
(3) الإهاب: الجلد.
(4) الإنفحة: جزء من معدة صغار العجول والجداء ونحوهما، تستخرج منها مادة بها خميرة
تستخدم في صناعة الجبن.
(5) التهذيب 9: 76، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 277 / 2.
134
العتق
116 - روى الشيخ الكليني والصدوق بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال:
كتبت إليه أسأله عن المملوك يحضره الموت فيعتقه المولى في تلك الساعة فيخرج من
الدنيا حرا، فهل لمولاه في ذلك أجر؟ أو يتركه فيكون له أجره إذا مات وهو مملوك؟
فكتب (عليه السلام): يترك العبد مملوكا في حال موته فهو أجر لمولاه، وهذا عتق في
هذه الساعة ليس بنافع له (1).
117 - وروى الصدوق بالإسناد عن الحسن الصيقل، وقد سأله (عليه السلام) عن
رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فأصاب ستة.
فقال (عليه السلام): إنما كانت نيته على واحد، فليختر أيهم شاء فليعتقه (2).
118 - وروى بالإسناد عن الفضل بن المبارك، أنه كتب إلى أبي الحسن علي
ابن محمد (عليه السلام) في رجل مملوك فمرض، أيعتقه في مرضه أعظم لأجره، أو يتركه
مملوكا؟
فقال: إن كان في مرض فالعتق أفضل له، لأنه يعتق الله عز وجل بكل عضو
منه عضوا من النار، وإن كان في حال حضور الموت فيتركه مملوكا أفضل له من عتقه (3).



(1) الكافي 6: 195، الفقيه 3: 153، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 275 / 1 و 4.
(2) الفقيه 3: 153، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 275 / 3.
(3) الفقيه 3: 154، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 276 / 5.
135
الديات
119 - روى الشيخ الكليني بالإسناد عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن
أبي الحسن (عليه السلام)، في رجل دخل على دار آخر للتلصص أو الفجور، فقتله صاحب
الدار، أيقتل به أم لا؟
فقال: اعلم أن من دخل دار غيره، فقد أهدر دمه، ولا يجب عليه شيء (1).
120 - وروى بالإسناد عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)،
في رجل قتل مملوكته أو مملوكه. قال: إن كان المملوك له أدب وحبس، إلا أن يكون
معروفا بقتل المماليك فيقتل به (2).
121 - وروى بالإسناد عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)،
في أربعة شهدوا على رجل أنه زنى فرجم، ثم رجعوا وقالوا: قد وهمنا؟
[قال:] يلزمون الدية. وإن قالوا: إنا تعمدنا، قتل أي الأربعة شاء ولي
المقتول، ورد الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني، ويجلد كل واحد
منهم ثمانين جلدة، وإن شاء ولي المقتول أن يقتلهم، رد ثلاث ديات على أولياء
الشهود الأربعة، ويجلدون ثمانين، كل واحد منهم، ثم يقتلهم الإمام (3).



(1) الكافي 7: 294، التهذيب 10: 209، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 284 / 1.
(2) الكافي 7: 303، التهذيب 10: 192، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 284 / 2.
(3) الكافي 7: 366، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 284 / 3.
136
الحدود والتعزيرات
122 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسين بن سعيد، قال: قرأت بخط
رجل أعرفه إلى أبي الحسن (عليه السلام)، وقرأت جواب أبي الحسن (عليه السلام) بخطه: هل على
رجل لعب بغلام بين فخذيه حد؟ فإن بعض العصابة روى أنه لا بأس بلعب الرجل
بالغلام بين فخذيه؟
فكتب (عليه السلام): لعنة الله على من فعل ذلك.
وكتب أيضا هذا الرجل ولم أر الجواب: ما حد رجلين نكح أحدهما الآخر
طوعا بين فخذيه وما توبته؟ فكتب (عليه السلام): القتل.
وكتب: ما حد رجلين وجدا نائمين في ثوب واحد؟ فكتب (عليه السلام): مائة سوط (1).
123 - وقال أبو الحسن الأخير (عليه السلام): حده - أي شارب الفقاع (2) - حد
شارب الخمر (3).
124 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن الإمام أبي الحسن الأخير (عليه السلام)
قال: لو أن الدار داري لقتلت بائعه ولجلدت شاربه (4).



(1) التهذيب 10: 56، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 282 / 2.
(2) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير.
(3) مستدرك الوسائل 18: 118 / عن الرسائل العشر: 262.
(4) الكافي 6: 423، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 274 / 1.
137
اللقطة
125 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن رجاء الخياط، قال: كتبت
إلى الطيب (عليه السلام): إني كنت في المسجد الحرام، فرأيت دينارا، فأهويت إليه لآخذه
فإذا أنا بآخر، ثم بحثت الحصى، فإذا أنا بثالث فأخذتها فعرفتها ولم يعرفها أحد،
فما ترى في ذلك؟
فكتب (عليه السلام): إني قد فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير، فإن كنت محتاجا
فتصدق بثلثها، وإن كنت غنيا فتصدق بالكل (1).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الدعوة إلى الإسلام والإيمان:
126 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عبد العظيم الحسني، عن علي بن
محمد الهادي، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)، قال:
لما كلم الله موسى بن عمران، قال موسى (عليه السلام): إلهي ما جزاء من دعا نفسا
كافرة إلى الإسلام؟
قال: يا موسى، آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد (2).



(1) الفقيه 3: 193، الكافي 4: 239، مسند الإمام الهادي: 244 / 5.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق: 173 / 8، مستدرك الوسائل 12: 240 / 7.
138
حسن جوار النعم:
127 - عن الإمام الهادي (عليه السلام): ألقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة
فيها بالشكر عليها (1).
التجمل
استحباب التجمل وكراهة التباؤس:
128 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن عبد الله بن جبلة الكناني، عن
أبي الحسن (عليه السلام) - في حديث - قال: إنكم قوم أعداؤكم كثيرة، عاداكم الخلق
يا معشر الشيعة، إنكم قد عاداكم الخلق، فتزينوا لهم بما قدرتم عليه (2).
129 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن المنصوري، عن علي بن محمد
الهادي (عليه السلام)، عن آبائه، عن الصادق (عليه السلام)، قال: إن الله يحب الجمال والتجمل،
ويكره البؤس والتباؤس، فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه
أثرها.
قيل: كيف ذلك؟
قال: ينظف ثوبه، ويطيب ريحه، ويجصص داره، ويكنس أفنيته، حتى إن



(1) بحار الأنوار 78: 370، عن أعلام الدين: 99، مستدرك الوسائل 12: 369 / 2.
(2) الكافي 6: 48، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 271 / 1.
139
السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق (1).
ما يستحب أن يعمل عند لبس الثوب الجديد:
130 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن
العسكري (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده الرضا، عن أبيه موسى (عليه السلام)، أنه كان يلبس
ثيابه مما يلي يمينه، فإذا لبس ثوبا جديدا دعا بقدح من ماء، فقرأ فيه (إنا أنزلناه
في ليلة القدر) عشر مرات، و (قل هو الله أحد) عشر مرات، و (قل يا أيها
الكافرون) عشر مرات، ثم نضحه على ذلك الثوب، ثم قال: من فعل هذا بثوبه قبل
أن يلبسه لم يزل في رغد من العيش ما بقي منه سلك (2).
استحباب التمشط بالعاج:
131 - روى الحسن بن الفضل الطبرسي في (مكارم الأخلاق)، عن
أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، قال: التسريح بمشط العاج ينبت الشعر في الرأس،
ويطرد الدود من الدماغ، ويطفئ المرار، وينقي اللثة والعمور (3).



(1) أمالي الطوسي 1: 281، وسائل الشيعة 5: 7 / 9.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 315 / 91، وسائل الشيعة: 48 / 4.
(3) مكارم الأخلاق: 72، وسائل الشيعة 2: 123 / 6، والعمور: هو ما بين الأسنان من
اللحم. راجع صحاح الجوهري - عمر - 2: 757.
140
الجنائز
132 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أيوب بن نوح، قال: كتب أحمد بن
القاسم إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن المؤمن يموت فيأتيه الغاسل يغسله
وعنده جماعة من المرجئة، هل يغسله غسل العامة ولا يعممه ولا يصير معه
جريدة؟
فكتب: يغسله غسل المؤمن، وإن كانوا حضورا، وأما الجريدة فليستخف
بها ولا يرونه، وليجهد في ذلك جهده (1).
133 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن بلال، أنه كتب إلى
أبي الحسن الثالث (عليه السلام): الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان
الجريدة شيء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائك (عليهم السلام) أنه يتجافى عنه
العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين، وأنها تنفع المؤمن والكافر؟
فأجاب (عليه السلام): يجوز من شجر آخر رطب (2).
134 - وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن الحسين بن راشد، قال: سألته عن
ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز (3) وقطن، هل يصلح أن يكفن



(1) التهذيب 1: 448 / 1451، وسائل الشيعة 3: 23 / 9.
(2) الفقيه 1: 88 / 407، وسائل الشيعة 3: 24 / 1.
(3) القز من الثياب: الذي يعمل من الإبريسم.
141
فيها الموتى؟
قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس (1).
ورواه الشيخ الصدوق مرسلا عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (2).
ورواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن راشد (3).
135 - قال الشيخ الصدوق: وقد روي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) إطلاق في
أن يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت الساج (4).
136 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن جعفر بن عيسى، أنه سمع
أبا الحسن (عليه السلام) يقول: ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل
وجهه لبنة من الطين، ولا يضعها تحت رأسه (5).



(1) الكافي 3: 149 / 12، وسائل الشيعة 3: 45 / 1.
(2) الفقيه 1: 90 / 415.
(3) التهذيب 1: 435 / 1396، الاستبصار 1: 211 / 744.
(4) الفقيه 1: 108 / 499، وسائل الشيعة 3: 189 / 3.
(5) بحار الأنوار 82: 144، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 294 / 7.
142
الفصل السادس
الزيارة الجامعة الكبيرة
هذه الزيارة من أشهر زيارات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وأعلاها شأنا وأكثرها
ذيوعا وانتشارا، فقد حظيت بأهمية خاصة بين الأدعية والزيارات المأثورة عن
أئمة الهدى (عليهم السلام)، وقد أقبل أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم على حفظها وزيارة
الأئمة (عليهم السلام) بها خصوصا في ليلة الجمعة ويومها، وذلك لأنها مروية بالإسناد عن
الإمام الهادي (عليه السلام)، وقد حاز سندها درجة القطع من حيث الصحة، ولأنها تشتمل
على كلام فريد يزخر بالمعارف الإلهية السامية، ويبين حقيقة الإمام الذي يمثل
الحجة التامة للحق على جميع العالمين، ومحور كائنات الوجود، وواسطة الفيض بين
الخالق والمخلوق، والجامع لكل الخير والمحاسن، والنموذج الكامل للإنسان، وقد جاء
كل ذلك في أرقى مراتب البلاغة والفصاحة.
وقد اهتم علماء الشيعة بهذه الزيارة واعتبروها أفضل الزيارات الجامعة
سندا ومحتوى، ونقلها الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وغيرهما (1).



(1) رواها الشيخ الصدوق بالإسناد عن الإمام الهادي (عليه السلام) في الفقيه 2: 370 / 1625، وعيون
أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 272 / 1، ورواها الشيخ الطوسي بالإسناده عنه (عليه السلام) في التهذيب 6:
95 / 177، وأورها الكفعمي في البلد الأمين: 297، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار 102:
127 / 4 وأوردها عن أصل قديم في الصفحة 146 - 160 من نفس الجزء، وأوردها المحدث
النوري في مستدرك وسائل الشيعة 10: 416 / 17 عن الكفعمي، ورواها من أهل السنة
العلامة الجويني في فرائد السمطين 2: 179، بإسناده عن الشيخ الصدوق (رحمه الله).
143
وقال العلامة المجلسي: إن هذه الزيارة من أصح الزيارات سندا، وأعمها
موردا، وأفصحها لفظا، وأبلغها معنى، وأعلاها شأنا (1).
شروحها:
وفيما يلي أهم شروح هذه الزيارة، والتي تدل على أهميتها في تراث أهل
البيت الزاخر وموقعها المتميز عند علماء الطائفة المحقة:
1 - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة، للعلامة الشيخ أحمد بن زين الدين بن
إبراهيم الإحسائي، وهو شرح كبير.
2 - شرح الزيارة الجامعة، لمحمد تقي بن مقصود المجلسي.
3 - شرح الزيارة الجامعة، فارسي، للسيد حسين بن السيد محمد تقي
الهمداني.
4 - شرح الزيارة الجامعة، للسيد عبد الله بن السيد محمد رضا شبر الحسيني،
بعنوان الأنوار اللامعة.
5 - شرح الزيارة الجامعة، للسيد علي نقي الحائري.
6 - شرح الزيارة الجامعة، للشيخ محمد علي الرشتي النجفي.



(1) بحار الأنوار 102: 144.
144
7 - شرح الزيارة الجامعة، للسيد محمد بن محمد باقر الحسيني.
8 - شرح الزيارة الجامعة، للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي
البروجردي (1).
متن الزيارة:
وفي ما يلي نورد متن الزيارة الجامعة مع سندها وفقا لرواية الشيخ الصدوق:
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران
الدقاق (رضي الله عنه)، ومحمد بن أحمد السنائي، وعلي بن عبد الله الوراق، والحسين بن
إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي،
وأبو الحسين الأسدي، قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي، قال: حدثنا
موسى بن عمران النخعي، قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): علمني يا ابن رسول الله قولا
أقوله بليغا كاملا إذا زرت واحدا منكم، فقال: إذا صرت إلى الباب، فقف واشهد
الشهادتين، وأنت على غسل، فإذا دخلت ورأيت القبر، فقف وقل: الله أكبر،
ثلاثين مرة، ثم امش قليلا وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك، ثم قف
وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة، ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة تمام مائة
تكبيرة، ثم قل:
السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة،
ومهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم،



(1) الذريعة 13: 305 - 306.
145
وقادة الأمم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد،
وأركان البلاد، وأبواب الإيمان، وأمناء الرحمن، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين،
وعترة خيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.
السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى،
وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبياء، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى،
وحجج الله على أهل الآخرة والأولى، ورحمة الله وبركاته.
السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة
سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورحمة الله
وبركاته.
السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاء على مرضاة الله، والمستقرين في أمر الله
ونهيه، والناهين في محبة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه،
وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ورحمة الله وبركاته.
السلام على أئمة الدعاة، والقادة الهداة، والسادة الولاة، والذادة الحماة،
وأهل الذكر، وأولي الأمر، وبقية الله وخيرته وحزبه، وعيبة علمه وحجته،
وصراطه ونوره وبرهانه، ورحمة الله وبركاته.
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كما شهد الله لنفسه، وشهدت له
ملائكته، وأولوا العلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدا عبده
المصطفى، ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
ولو كره المشركون.
وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، المهديون المعصومون، المكرمون المقربون،
المتقون الصادقون، المصطفون المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته،

146
الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره، واجتباكم
بقدرته، وأعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وأيدكم بروحه،
ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، وأنصارا لدينه، وحفظة لسره،
وخزنة لعلمه، ومستودعا لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركانا لتوحيده، وشهداء على
خلقه، وأعلاما لعباده، ومنارا في بلاده، وأدلاء على صراطه.
عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهركم من الدنس، وأذهب
عنكم الرجس وطهركم تطهيرا، فعظمتم جلاله، وكبرتم شأنه، ومجدتم كرمه،
وأدمتم ذكره، ووكدتم ميثاقه، وحكمتم عقد طاعته، ونصحتم له في السر والعلانية،
ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم
على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم
عن المنكر، وجاهدتم في الله حق جهاده، حتى أعلنتم دعوته، وبينتم فرائضه، وأقمتم
حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا،
وسلمتم له القضاء، وصدقتم من رسله من مضى.
فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق، والحق
معكم وفيكم، ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه، وميراث النبوة عندكم، وإياب
الخلق إليكم، وحسابه عليكم، وفصل الخطاب عندكم، وآيات الله لديكم، وعزائمه
فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم، من والاكم فقد والى الله، ومن عاداكم
فقد عادى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله.
أنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار
البقاء، والرحمة الموصلة، والآية المخزونة، والأمانة المحفوظة، والباب المبتلى به
الناس، من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك.

147
إلى الله تدعون، وعليه تدلون، وبه تؤمنون، وله تسلمون، وبأمره تعملون،
وإلى سبيله ترشدون، وبقوله تحكمون، سعد والله من والاكم، وهلك من عاداكم،
وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم، وفاز من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم،
وسلم من صدقكم، وهدي من اعتصم بكم، ومن اتبعكم فالجنة مأواه، ومن
خالفكم فالنار مثواه، ومن جحدكم كافر، ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم
فهو في أسفل درك من الجحيم.
أشهد أن هذا سابق لكم في ما مضى، وجار لكم في ما بقي، وأن أرواحكم
ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت بعضها من بعض، خلقكم أنوارا،
فجعلكم بعرشه محدقين، حتى من علينا، فجعلكم الله في بيوت أذن الله أن ترفع
ويذكر فيها اسمه، وجعل صلاتنا عليكم، وما خصنا به من ولايتكم، طيبا لخلقنا،
وطهارة لأنفسنا، وتزكية لنا، وكفارة لذنوبنا، فكنا عنده مسلمين بفضلكم،
ومعروفين بتصديقنا إياكم، فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، وأعلى منازل
المقربين، وأرفع درجات أوصياء المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه
فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتى لا يبقى ملك مقرب،
ولا نبي مرسل، ولا صديق ولا شهيد، ولا عالم ولا جاهل، ولا دني ولا فاضل،
ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح، ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد، ولا خلق في
ما بين ذلك شهيد، إلا عرفهم جلالة أمركم، وعظم خطركم، وكبر شأنكم، وتمام
نوركم، وصدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده،
وكرامتكم عليه، وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه.
بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي، أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم
وبما أتيتم به، كافر بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم، وبضلالة من خالفكم،
موال لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم، معاد لهم، وسلم لمن سالمكم، وحرب لمن

148
حاربكم، محقق لما حققتم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم، مقر بفضلكم،
محتمل لعلمكم، محتجب بذمتكم، معترف بكم، مؤمن بإيابكم، مصدق برجعتكم،
منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم، آخذ بقولكم، عامل بأمركم، مستجير بكم، زائر
لكم، عائذ بكم، لائذ بقبوركم، مستشفع إلى الله عز وجل بكم، ومتقرب بكم إليه،
ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري، مؤمن بسركم
وعلانيتكم، وشاهدكم وغائبكم، وأولكم وآخركم، ومفوض في ذلك كله إليكم،
ومسلم فيه معكم، وقلبي لكم مؤمن، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة، حتى
يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه.
فمعكم معكم لا مع عدوكم، آمنت بكم، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم،
وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم، ومن الجبت والطاغوت، والشياطين وحزبهم
الظالمين لكم، والجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم،
الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم، وكل مطاع سواكم، ومن
الأئمة الذين يدعون إلى النار.
فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم، ووفقني لطاعتكم،
ورزقني شفاعتكم، وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم إليه، وجعلني
ممن يقتص آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويكر
في رجعتكم، ويملك في دولتكم، ويشرف في عافيتكم، ويمكن في أيامكم، وتقر عينه
غدا برؤيتكم.
بأبي أنتم وأمي، ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل
عنكم، ومن قصده توجه إليكم، موالي لا أحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح
كنهكم، ومن الوصف قدركم، وأنتم نور الأخيار، وهداة الأبرار، وحجج الجبار.
بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على

149
الأرض إلا بإذنه، وبكم ينفس الهم، وبكم يكشف الضر، وعندكم ما ينزل به
رسله، وهبطت به ملائكته، وإلى جدكم بعث الروح الأمين.
وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقل: وإلى أخيك بعث الروح
الأمين.
آتاكم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين، طأطأ كل شريف لشرفكم، وبخع كل
متكبر لطاعتكم، وخضع كل جبار لفضلكم، وذل كل شيء لكم، وأشرقت الأرض
بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم، بكم يسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد
ولايتكم غضب الرحمن.
بأبي أنتم وأمي، ونفسي وأهلي ومالي، ذكركم في الذاكرين، وأسماؤكم في
الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس،
وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور، فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم
شأنكم، وأجل خطركم، وأوفى عهدكم!
كلامكم نور، وأمركم رشد، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم
الإحسان، وسجيتكم الكرم، وشأنكم الحق والصدق والرفق، وقولكم حكم وحتم،
ورأيكم علم وحلم وحزم، إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه، ومأواه
ومنتهاه.
بأبي أنتم وأمي، ونفسي وأهلي ومالي، كيف أصف حسن ثنائكم، وكيف
أحصي جميل بلائكم، وبكم أخرجنا الله من الذل، وفرج عنا غمرات الكروب،
وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار.
بأبي أنتم وأمي ونفسي، بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد
من دنيانا، وبموالاتكم تمت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة، وبموالاتكم
تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود

150
عند الله تعالى، والمكان المعلوم، والجاه العظيم، والشأن الرفيع، والشفاعة المقبولة.
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ربنا لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، سبحان ربنا إن كان وعد
ربنا لمفعولا.
يا ولي الله، إن بيني وبين الله ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحق من
ائتمنكم على سره، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لما استوهبتم
ذنوبي، وكنتم شفعائي، إني لكم مطيع، من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد
عصى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.
اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة
الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في
جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين،
وصلى الله على محمد وآله، حسبنا الله ونعم الوكيل.
الوداع:
إذا أردت الانصراف فقل:
السلام عليكم يا أهل بيت النبوة سلام مودع، لا سئم ولا قال، ورحمة الله
وبركاته، إنك حميد مجيد، سلام ولي غير راغب عنكم، ولا مستبدل بكم، ولا مؤثر
عليكم، ولا منحرف عنكم، ولا زاهد في قربكم، لا جعله الله آخر العهد من زيارة
قبوركم، وإتيان مشاهدكم.
والسلام عليكم، وحشرني الله في زمرتكم، وأوردني حوضكم، وجعلني من
حزبكم، وأرضاكم عني، ومكنني من دولتكم، وأحياني في رجعتكم، وملكني في
أيامكم، وشكر سعيي بكم، وغفر ذنبي بشفاعتكم، وأقال عثرتي بحبكم، وأعلى

151
كعبي بموالاتكم، وشرفني بطاعتكم، وأعزني بهداكم، وجعلني ممن انقلب مفلحا
منجحا غانما سالما معافى غنيا، فائزا برضوان الله وفضله وكفايته بأفضل ما ينقلب
به أحد من زواركم ومواليكم ومحبيكم وشيعتكم، ورزقني الله العود ثم العود أبدا
ما أبقاني ربي بنية صادقة، وإيمان وتقوى، وإخبات ورزق واسع حلال طيب.
اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهم، وأوجب لي
المغفرة والخير والبركة والنور والإيمان وحسن الإجابة، كما لأوليائك العارفين
بحقهم، الموجبين لطاعتهم، والراغبين في زيارتهم، المتقربين إليك وإليهم.
بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، اجعلوني في همتكم، وصيروني في
حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم، اللهم صل على محمد وآل
محمد، وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل (1).
وواضح من هذه الزيارة وكذا سائر الزيارات الكثيرة المروية عن الإمام
أبي الحسن الهادي (عليه السلام) وغيره من أئمة الهدى سلام الله عليهم، أن القصد من إيراد
الزيارة ليس الزيارة وحسب، بل تعداد فضائل عترة المصطفى، وبيان عقائدهم
التي هي عقائد الإسلام الأصيل المنبعثة من هدي الكتاب الكريم وسنة المصطفى
الكريم (صلى الله عليه وآله)، هذا إضافة إلى المعاني التربوية والأخلاقية الواردة في مجمل الأدعية
والزيارات.
إلى هنا نكتفي بهذا القدر، ومن يرد التفصيل فليراجع المصادر المعنية وكتب
الزيارات وشروحها، لا سيما كامل الزيارات لابن قولويه (قدس سره).



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 272 - 278، وراجع معاني هذه الزيارة المباركة في بيان العلامة
المجلسي في البحار 102: 134 - 142.
152
الفصل السابع
معاجزه (عليه السلام) وخوارق العادات
من الأدلة القاطعة على صحة الإمامة هي إظهار المعجزة، والنسب الرفيع،
والنص عليه من الإمام الذي قبله، والتفوق العلمي، والحكمة، والشجاعة وكرم
النفس، والحلم، والاستقامة وسلامة النشأة واستجابة الدعوة، وكل مكرمة للرسول
الأعظم (صلى الله عليه وآله) عدا الوحي والرسالة.
سئل الإمام الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟
قال: بالنص والدلائل.
قيل: فدلالة الإمام، فيما هي؟ قال (عليه السلام): في العلم واستجابة الدعوة.
قيل: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السلام): أما بلغك قول
الرسول (صلى الله عليه وآله): " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ
استبصاره وعلمه "، وقد جمع الله للأئمة منا ما فرقه في جميع المؤمنين، وقال عز وجل
في كتابه: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) (1).
فإن الأئمة (عليهم السلام) يتميزون بارتباط خاص بالله تعالى وبعالم الغيب بسبب
العصمة والعناية الربانية، ولهم معاجز وكرامات وآيات تؤيد ارتباطهم المطلق



(1) بحار الأنوار 25: 134 / 6، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 324.
153
بخالق الكون وبكونهم أئمة، وتظهر على أيديهم في الوقت المناسب نماذج من العلم
والقدرة الإلهية بحيث تؤدي إلى اطمئنان النفس وتربية الأتباع، وتعد دليلا وحجة
على أن ما يدعونه هو الحق.
وقد شوهدت من الإمام الهادي (عليه السلام) معاجز وكرامات كثيرة سجلتها كتب
الحديث والتأريخ، ولو جمعناها كلها لاحتاجت إلى كتاب مستقل، وقد اقتصرنا على
ذكر بعضها رعاية للاختصار، وقد رتبناها وفقا للموضوع:
أولا - في البلايا والمنايا:
1 - عن خيران الأسباطي، قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد
الهادي (عليه السلام) المدينة، فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك، خلفته
في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال: فقال لي:
إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فقلت: أنا أقرب الناس به عهدا. قال: قال لي:
إن الناس يقولون: إنه مات. فلما قال لي: إن الناس يقولون، علمت أنه يعني
نفسه.
ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالا في السجن. قال:
فقال: أما إنه صاحب الأمر، ما فعل ابن الزيات؟ قلت: الناس معه والأمر أمره،
فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت، وقال لي: لا بد أن تجري مقادير الله
وأحكامه. يا خيران، مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات.
قلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام (1).



(1) الإرشاد 2: 301، الكافي 1: 416 / 1، إعلام الورى: 358، مناقب ابن شهرآشوب 4:
410، الخرائج والجرائح 1: 407 / 13، الفصول المهمة: 279، بحار الأنوار 50: 158 / 48.
154
2 - وعن سعيد بن سهل البصري الملقب بالملاح، قال: حدث لبعض أولاد
الخلفاء وليمة، فدعانا مع أبي الحسن (عليه السلام)، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالا له،
وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل يلعب ويضحك، فأقبل عليه وقال:
" يا هذا، أتضحك ملء فمك وتذهل عن ذكر الله تعالى، وأنت بعد ثلاثة أيام من
أهل القبور؟! " فقلنا: هذا دليل حتى ننتظر ما يكون.
قال: فأمسك الفتى وكف عما هو فيه، وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم
اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار، ودفن في آخره (1).
3 - وعنه، قال: اجتمعنا أيضا في وليمة لبعض أهل سر من رأى،
وأبو الحسن (عليه السلام) معنا، فجعل رجل يلعب ويمزح، ولا يرى له إجلالا، فأقبل على
جعفر وقال: " إنه لا يأكل من هذا الطعام، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص
عيشه "، فقدمت المائدة، فقال: ليس بعد هذا خبر، وقد بطل قوله، فوالله لقد غسل
الرجل يده، وأهوى إلى الطعام، فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي، وقال
له: إلحق أمك، فقد وقعت من فوق البيت وهي إلى الموت أقرب.
فقال جعفر: قلت: والله لا وقفت بعد هذا، وقطعت عليه أنه الإمام (2).
4 - وعن أبي يعقوب، قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في



(1) الثاقب في المناقب: 536، المناقب 4: 414، إعلام الورى: 364.
(2) الثاقب في المناقب: 537، المناقب 4: 415، إعلام الورى: 364.
155
عشية من العشايا، وقد استقبل أبا الحسن (عليه السلام)، فنظر إليه نظرا شافيا، فاعتل محمد
ابن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائدا بعد أيام من علته، فحدثني أن أبا الحسن
(عليه السلام) قد أنفذ إليه بثوب، وأرانيه مدرجا تحت رأسه، قال: فكفن فيه والله (1).
5 - قال علي بن محمد النوفلي: وكتب علي بن الخصيب إلى محمد بن الفرج
بالخروج إلى العسكر، فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يشاوره، فكتب إليه أبو الحسن
(عليه السلام): اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله. فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات (2).
6 - وعن أبي يعقوب، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) مع أحمد بن الخصيب
يتسايران، وقد قصر أبو الحسن (عليه السلام) عنه، فقال له ابن الخصيب: سر جعلت فداك،
فقال أبو الحسن: أنت المقدم، فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق (3) على ساق
ابن الخصيب وقتل (4).
7 - وروى محمد بن عياض، عن هارون، عن رجل كان رضيع أبي جعفر



(1) الإرشاد 2: 306، الكافي 1: 419 / 6، إعلام الورى: 359، مناقب ابن شهرآشوب 4:
414، الثاقب في المناقب: 537.
(2) الإرشاد 2: 305، الكافي 1: 418، إعلام الورى: 359، بحار الأنوار 50: 141.
(3) الدهق: خشبتان تعصر بهما الساق للتعذيب.
(4) الإرشاد 2: 306، الكافي 1: 419، إعلام الورى: 359، الخرائج والجرائح 2: 681 /
11، بحار الأنوار 50: 139 / 23.
156
الثاني (عليه السلام)، قال: بينا أبو الحسن (عليه السلام) جالس مع مؤدب له - يعني أبا زكريا -
وأبو جعفر عندنا ببغداد، وأبو الحسن يقرأ في لوح على مؤدبه، إذ بكى بكاء شديدا،
فسأله المؤدب: مم بكاؤك يا سيدي؟ فلم يجبه، فقال له: إئذن لي بالدخول. فأذن
له، فدخل فارتفع الصياح من داره بالبكاء، ثم خرج إلينا فسألوه عن السبب في
بكائه، فقال: إن أبا جعفر أبي (عليه السلام) توفي الساعة.
قال: قلنا له: فما علمك؟
قال: دخلني من إجلال الله عز وجل شيء لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت
أن أبي قد مضى.
قال: فعرفنا ذلك الوقت باليوم والشهر إلى أن ورد خبره، فإذا هو قد مات
في ذلك الوقت بعينه (1).
8 - وروى محمد بن جعفر الملقب بسجادة، عن الحسن بن علي الوشاء،
قال: حدثتني أم محمد مولاة أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بالخبر، وهي مع الحسن بن
موسى، قالت: دنا أبو الحسن علي بن محمد من الباب وقد ذعر حتى جلس في حجر
أم أبيها بنت موسى، فقالت له: فديتك، ما لك؟
قال لها: مات أبي، والله، الساعة. قالت: فكتبنا ذلك اليوم، فجاءت وفاة
أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك اليوم الذي أخبر (2).
9 - وروى معاوية بن حكيم، عن أبي الفضل الشامي، عن هارون بن



(1) دلائل الإمامة: 415 / 379، بصائر الدرجات: 487 / 2، إثبات الوصية: 194.
(2) دلائل الإمامة: 413 / 374، إثبات الوصية: 194، كشف الغمة 3: 174.
157
الفضل، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) صاحب العسكر في اليوم الذي توفي فيه أبوه
أبو جعفر (عليه السلام)، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله أبو جعفر (عليه السلام).
فقلت له: كيف تعلم وهو ببغداد وأنت ها هنا بالمدينة!
فقال: لأنه تداخلني ذلة واستكانة لله عز وجل، لم أكن أعرفها (1).
10 - وروى المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن
محمد النوفلي، قال: قال علي بن محمد (عليه السلام) لما بدأ المتوكل بعمارة الجعفري (2) في
سر من رأى: يا علي، إن هذا الطاغية يبتلى ببناء مدينة لا تتم، ويكون حتفه فيها
قبل تمامها، على يد فرعون من فراعنة الأتراك.
ثم قال: يا علي، إن الله عز وجل اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة والبرهان،
واصطفانا بالمحبة والتبيان، وجعل كرامة الصفوة لمن ترى، يعني نفسه (عليه السلام) (3).
11 - وروي أن رجلا من أهل المدائن كتب إليه يسأله عما بقي من ملك
المتوكل، فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم: (قال تزرعون سبع سنين دأبا
فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث



(1) دلائل الإمامة: 415 / 378، بصائر الدرجات: 487 / 3 و 5، الكافي 1: 312 / 5،
إثبات الوصية: 194، نوادر المعجزات: 189 / 8.
(2) الجعفري: اسم قصر بناه المتوكل قرب سامراء، واستحدث عنده مدينة انتقل إليها، وفيه
قتل سنة 247 ه‍.
(3) دلائل الإمامة: 415 / 376، إثبات الوصية: 202.
158
الناس وفيه يعصرون) (1) فقتل في أول الخامس عشر (2).
12 - روى أبو القاسم البغدادي، عن زرافة حاجب المتوكل، قال: أراد
المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يوم السلام، فقال له وزيره: إن في هذا
شناعة عليك وسوء قالة، فلا تفعل، قال: لا بد من هذا.
قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم، حتى
لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى (عليه السلام) وكان الصيف، فوافى
الدهليز وقد عرق، قال: فأجلسته في الدهليز، ومسحت وجهه بمنديل، وقلت:
ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك. فقال: إيها عنك
(تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) (3).
قال زرافة: وكان عندي معلم يتشيع، وكنت كثيرا أمازحه بالرافضي،
فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال يا رافضي حتى أحدثك بشيء
سمعته اليوم من إمامكم. قال لي: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال.
قال: فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها. قال: إن كان علي بن
محمد قال بما قلت، فاحترز واخزن كل ما تملكه، فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد
ثلاثة أيام، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي فخرج.
فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان
من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك.



(1) يوسف: 47 - 49.
(2) بحار الأنوار 50: 186، عن عيون المعجزات.
(3) هود: 65.
159
قال: فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل
ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه.
فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، وسلمت أنا ومالي، وتشيعت عند ذلك،
فصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي، وتواليته حق الولاية (1).
ثانيا - معرفة الغائب وما يكون:
1 - عن علي بن محمد النوفلي، قال: قال لي محمد بن الفرج الرخجي: إن
أبا الحسن (عليه السلام) كتب إليه: يا محمد، اجمع أمرك وخذ حذرك.
قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما المراد بما كتب به إلي، حتى ورد علي
رسول حملني من مصر مصفدا بالحديد، وضرب على كل ما أملك، فمكثت في
السجن ثماني سنين، ثم ورد علي كتاب منه وأنا في السجن: يا محمد بن الفرج،
لا تنزل في ناحية الجانب الغربي، فقرأت الكتاب وقلت في نفسي: يكتب أبو الحسن
إلي بهذا وأنا في السجن! إن هذا لعجب. فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى أفرج عني
وحلت قيودي، وخلي سبيلي.
قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يرد علي ضياعي،
فكتب إلي: سوف ترد عليك، وما يضرك ألا ترد عليك.
قال علي بن محمد النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج الرخجي إلى
العسكر، كتب له برد ضياعه، فلم يصل الكتاب حتى مات (2).



(1) بحار الأنوار 50: 147 / 32.
(2) الإرشاد 2: 304، الكافي 1: 418 / 5، إعلام الورى: 358، بحار الأنوار 50: 141،
إثبات الوصية: 196، الخرائج والجرائح 2: 679 / 9، مناقب ابن شهرآشوب 4: 414.
160
2 - وعن أبي الطيب يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد
أعياني أمر ابن الرضا، وجهدت أن يشرب معي، وأن ينادمني فامتنع، وجهدت أن
أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها. فقال له بعض من حضر: إن لم تجد من
ابن الرضا ما تريده من هذه الحال، فهذا أخوه موسى قصاف عزاف، يأكل
ويشرب، ويعشق ويتخالع (1)، فأحضره وأشهره، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا
بذلك، ولا يفرق الناس بينه وبين أخيه، ومن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله.
فقال: اكتبوا بإشخاصه مكرما، فأشخص مكرما، فتقدم المتوكل أن يتلقاه
جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له
فيها، وحول إليها الخمارين والقيان (2)، وتقدم بصلته وبره، وأفرد له منزلا سريا
يصلح أن يزوره هو فيه.
فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن (عليه السلام) في قنطرة وصيف - وهو موضع يتلقى
فيه القادمون - فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك
ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، واتق الله يا أخي أن ترتكب
محظورا. فقال له موسى: إنما دعاني لهذا، فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك،
ولا تعصي ربك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضه إلا هتكك، فأبى عليه موسى،



(1) لعل هذا ادعاء على السيد موسى المبرقع من قبل أعوان السلطان، وإلا فإن سيرة السيد
المبرقع تجل عن مثل هذه المفتريات، على أن في الخبر ما يدل على مخالفته لأخيه الإمام
الهادي (عليه السلام)، والله العالم بحقيقة الأحوال.
(2) القيان: الإماء المغنيات.
161
فكرر عليه أبو الحسن (عليه السلام) القول والوعظ، وهو مقيم على خلافه، فلما رأى أنه
لا يجيب قال له: أما أن المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت
وهو أبدا.
قال: فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل، فيقال له: قد
تشاغل اليوم، فيروح، فيقال له: قد سكر، فيبكر فيقال له: قد شرب دواء، فما زال
على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه على شراب (1).
3 - وروى محمد بن علي، قال: أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن زيد،
قال: مرضت فدخل الطبيب علي ليلا، ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا
يوما، فلم يمكني تحصيله من الليل، وخرج الطبيب من الباب، وورد صاحب
أبي الحسن (عليه السلام) في الحال ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه. فقال لي: أبو الحسن
يقرئك السلام ويقول: خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما، فأخذت فشربت فبرئت (2).
4 - وعن المنتصر بن المتوكل، قال: زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه،
فلما استوى الآس كله وحسن، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط



(1) الإرشاد 2: 307، الكافي 1: 420 / 8، المناقب لابن شهرآشوب 4: 409، بحار الأنوار
50: 3 / 6، إعلام الورى: 362 - 363.
(2) الإرشاد 2: 308، الكافي 1: 420 / 9، الخرائج والجرائح 1: 406 / 12، الثاقب في
المناقب: 549، الهداية الكبرى: 314، المناقب لابن شهرآشوب 4: 408، بحار الأنوار
50: 15 / 36.
162
البستان وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إلي وقال: يا رافضي، سل ربك الأسود
عن هذا الأصل الأصفر ما له من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفر، فإنك تزعم
أنه يعلم الغيب؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه ليس يعلم الغيب.
فأصبحت [وغدوت] إلى أبي الحسن (عليه السلام) من الغد وأخبرته بالأمر، فقال:
" يا بني، امض أنت واحفر الأصل الأصفر، فإن تحته جمجمة نخرة، واصفراره
لبخارها ونتنها ".
قال: ففعلت ذلك، فوجدته كما قال (عليه السلام)، ثم قال لي: " يا بني، لا تخبرن
أحدا بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله " (1).
5 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مر بها بغا أيام الواثق
في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن (عليه السلام): " اخرجوا بنا حتى ننظر إلى لغة هذا
التركي ". فمر بنا تركي وكلمه أبو الحسن (عليه السلام) بالتركية، فنزل عن فرسه وقبل حافر
دابته.
قال: فحلفت التركي، وقلت له: ما قال الرجل لك؟ قال: هذا نبي؟ فقلت:
هذا ليس نبي.
قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، وما علمه أحد إلى
الساعة (2).



(1) الثاقب في المناقب: 538.
(2) الثاقب في المناقب: 538، الخرائج والجرائح 2: 674 / 4، مناقب ابن شهرآشوب 4:
408، إعلام الورى: 359.
163
6 - وعن عبد الله بن طاهر، قال: خرجت إلى سر من رأى لأمر من الأمور
أحضرني المتوكل، فأقمت مدة ثم ودعت وعزمت على الانحدار إلى بغداد، فكتبت
إلى أبي الحسن (عليه السلام) أستأذنه في ذلك وأودعه، فكتب لي: " فإنك بعد ثلاث يحتاج
إليك ويحدث أمران ".
فانحدرت واستحسنته، فخرجت إلى الصيد، ونسيت ما أشار إلي أبو
الحسن (عليه السلام)، فعدلت إلى المطيرة (1) وقد صرت إلى مصري وأنا جالس مع
خاصتي، إذ ثمانية فوارس يقولون: أجب أمير المؤمنين المنتصر، فقلت: ما الخبر؟
فقالوا: قتل المتوكل، وجلس المنتصر، واستوزر أحمد بن محمد بن الخصيب، فقمت
من فوري راجعا (2).
7 - وعن الطيب بن محمد بن الحسن بن شمون، قال: ركب المتوكل ذات يوم
وخلفه الناس، وركبت آل أبي طالب إلى أبي الحسن (عليه السلام) ليركبوا بركوبه، فخرج في
يوم صائف شديد الحر، والسماء صافية ما فيها غيم، وهو (عليه السلام) معقود ذنب الدابة
بسرج جلود طويل، عليه ممطر وبرنس، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة
آل أبي طالب: انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء!
قال: فساروا جميعا، فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حتى تغيمت السماء،
وأرخت عزاليها كأفواه القرب، وابتلت ثياب الناس، فدنا منه زيد بن موسى بن



(1) المطيرة: قرية من نواحي سامراء.
(2) الثاقب في المناقب: 539.
164
جعفر، وقال: يا سيدي، أنت قد علمت أن السماء قد تمطر، فهلا أعلمتنا، فقد هلكنا
وعطبنا (1).
8 - وعن موسى بن جعفر البغدادي، قال: كانت لي حاجة أحببت أن أكتب
إلى العسكري (عليه السلام)، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه
بحاجتي، فإني كتبت إليه كتابا ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيضت موضعها، فورد
الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي (2).
9 - وروى المعلى بن محمد البصري، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال:
كتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج،
قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي: إنه مما أنبتت الأرض، وأنهم قالوا: لا بأس
بالسجود على ما أنبتت الأرض.
قال: فجاء الجواب: لا تسجد، وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض،
فإنه من الرمل والملح، والملح سبخ، والرمل سبخ، والسبخ بلد ممسوخ (3).
10 - وعن أبي عبد الله القمي، قال: حدثني ابن عياش، قال: حدثني



(1) الثاقب في المناقب: 540.
(2) الثاقب في المناقب: 540 - 541.
(3) دلائل الإمامة: 414 / 375، الكافي 3: 332 / 14، إثبات الوصية: 195، علل
الشرائع: 342 / 5، كشف الغمة 3: 174.
165
أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي الكاتب بسر من رأى سنة ثمان
وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب
الحصا، فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن
بغاء فسايرني وأفضى بنا الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من
صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟
قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) - وكنا
نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم فما شأنه.
قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو.
قلت: وكيف ذلك؟
قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا، ولا غيرك من الناس، ولكن
لي الله عليك كفيل وراع أنك لا تحدث به عني أحدا، فإني رجل طبيب، ولي معيشة
أرعاها عند هذا السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه، لئلا
ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس.
قلت: لك علي ذلك، فحدثني به، وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني،
لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان.
قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب
سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له
- لا وحق المسيح، ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - وقلت في نفسي: ثياب
سود، ودابة سوداء، ورجل أسود، سواد في سواد في سواد، فلما بلغ إلي وأحد
النظر، قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد.
قال أبي (رحمه الله): قلت له: أجل فلا تحدث به أحدا، فما صنعت، وما قلت له؟

166
قال: سقط في يدي (1) فلم أجد جوابا.
قلت له: أفما أبيض قلبك لما شاهدت؟
قال: الله أعلم.
قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده، فقال: إن قلبي قد
أبيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن علي بن
محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعلم، ثم مات في مرضه ذلك، وحضرت
الصلاة عليه (رحمه الله) (2).
11 - وحدث محمد بن شرف، قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) أمشي
بالمدينة، فقال لي: ألست ابن شرف؟ قلت: بلى، فأردت أن أسأله عن مسألة،
فابتدأني من غير أن أسأله، فقال: نحن على قارعة الطريق، وليس هذا موضع
مسألة (3).
12 - وعن محمد بن الفضل البغدادي، قال: كتبت إلى أبي الحسن أن لنا
حانوتين خلفهما لنا والدنا (رضي الله عنه)، وأردنا بيعهما، وقد عسر علينا ذلك؛ فادع الله لنا
يا سيدنا أن ييسر الله لنا بيعهما بإصلاح الثمن، ويجعل لنا في ذلك الخيرة، فلم يجب



(1) أي ندمت وتحيرت.
(2) دلائل الإمامة: 418 / 382، نوادر المعجزات: 187 / 6، فرج المهموم: 233، بحار
الأنوار 50: 161 / 50.
(3) كشف الغمة 3: 175.
167
فيهما بشيء، وانصرفنا إلى بغداد والحانوتان قد احترقا (1).
13 - وعن أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن: قد تعرض لي جعفر
ابن عبد الواحد القاضي، وكان يؤذيني بالكوفة، أشكو إليه ما ينالني منه من
الأذى، فكتب إلي: تكفى أمره إلى شهرين، فعزل من الكوفة في شهرين واسترحت
منه (2).
14 - وعن علي بن محمد الحجال، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام): أنا في
خدمتك وأصابتني علة في رجلي لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب، فإن رأيت
أن تدعو الله أن يكشف علتي، ويعينني على القيام بما يجب علي، وأداء الأمانة في
ذلك، ويجعلني من تقصيري من غير تعمد مني وتضييع مال أتعمده من نسيان
يصيبني في حل، ويوسع علي، وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه (عليه السلام).
فوقع: كشف الله عنك وعن أبيك، قال: وكان بأبي علة، ولم أكتب فيها؛
فدعا له ابتداء (3).
15 - وعن كافور الخادم، قال: كان في الموضع المجاور الإمام من أهل
الصنائع صنوف من الناس، وكان الموضع كالقرية، وكان يونس النقاش يغشي



(1) كشف الغمة 3: 175.
(2) كشف الغمة 3: 175.
(3) كشف الغمة 3: 178.
168
سيدنا الإمام ويخدمه.
فجاءه يوما يرعد، فقال له: يا سيدي أوصيك بأهلي خيرا. قال:
وما الخبر؟ قال: عزمت على الرحيل. قال: ولم يا يونس؟ وهو يتبسم (عليه السلام). قال:
قال: موسى بن بغا وجه إلي بفص ليس له قيمة، أقبلت أنقشه، فكسرته باثنين،
وموعده غدا، وهو موسى بن بغا، إما ألف سوط أو القتل. قال: امض إلى منزلك
إلى غد، فما يكون إلا خيرا.
فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص،
قال: امض إليه، فما ترى إلا خيرا. قال: وما أقول له يا سيدي؟ قال: فتبسم
وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلا خيرا.
قال: فمضى وعاد يضحك. قال: قال لي يا سيدي: الجواري اختصمن،
فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك؟ فقال سيدنا الإمام (عليه السلام): اللهم لك الحمد إذ
جعلتنا ممن يحمدك حقا، فأيش قلت له؟ قال: قلت له: أمهلني حتى أتأمل أمره
كيف أعمله؟ فقال: أصبت (1).
16 - وعن علي بن مهزيار، قال: وردت العسكر وأنا شاك في الإمامة،
فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع، إلا أنه صائف، والناس
عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن (عليه السلام) لباد، وعلى فرسه تجفاف لبود، وقد
عقد ذنب الفرس، والناس يتعجبون منه، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني ما قد
فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي: لو كان هذا إماما ما فعل هذا.



(1) أمالي الشيخ الطوسي 1: 294، بحار الأنوار 50: 125 / 3.
169
فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت،
فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر، وعاد (عليه السلام) وهو سالم من جميعه، فقلت في
نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام، ثم قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في
الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الإمام.
فلما قرب مني كشف وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب،
وجنابته من حرام، فلا يجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس، فلم
يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (1).
17 - وعن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي، قال: ركب أبي وعمومتي
إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، وقد اختلفوا في الأربعة أيام التي تصام في السنة،
وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سر من رأى، فقال: جئتم تسألوني عن الأيام التي
تصام في السنة. فقالوا: ما جئنا إلا لهذا.
فقال: اليوم السابع عشر من ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واليوم السابع والعشرون من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت
فيه الأرض، واليوم الخامس عشر من ذي الحجة وهو يوم الغدير (2).
18 - وعن الحسن بن إسماعيل - شيخ من أهل النهرين - قال: خرجت أنا



(1) بحار الأنوار 50: 173، مناقب ابن شهرآشوب 4: 414.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 4: 417، بحار الأنوار 50: 157 / 47.
170
ورجل من أهل قريتي إلى أبي الحسن (عليه السلام) بشيء كان معنا، وكان بعض أهل القرية
قد حملنا رسالة، ودفع إلينا ما أوصلناه، وقال: تقرؤونه مني السلام، وتسألونه عن
بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام، هل يجوز أكله أم لا؟
فسلمنا ما كان معنا إلى جارية، وأتاه رسول السلطان، فنهض ليركب،
وخرجنا من عنده، ولم نسأله عن شيء، فلما صرنا في الشارع لحقنا (عليه السلام) وقال
لرفيقي بالنبطية: أقرئه مني السلام وقل له: بيض الطائر الفلاني لا تأكله فإنه من
المسوخ (1).
19 - وروي عن أحمد بن عيسى الكاتب، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما
يرى النائم، كأنه نائم في حجري، وكأنه دفع إلي كفا من تمر عدده خمس وعشرون
تمرة، قال: فما لبثت إلا وأنا بأبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ومعه قائد، فأنزله في
حجرتي، وكان القائد يبعث ويأخذ من العلف من عندي، فسألني يوما: كم لك
علينا؟ قلت: لست آخذ منك شيئا، فقال لي: أتحب أن تدخل إلى هذا العلوي
فتسلم عليه؟ قلت: لست أكره ذلك.
فدخلت فسلمت عليه، وقلت له: إن في هذه القرية كذا وكذا من مواليك،
فإن أمرتنا بحضورهم فعلنا، قال: لا تفعلوا. قلت: فإن عندنا تمورا جيادا، فتأذن
لي أن أحمل لك بعضها. فقال: إن حملت شيئا يصل إلي، ولكن احمله إلى القائد، فإنه
سيبعث إلي منه، فحملت إلى القائد أنواعا من التمر، وأخذت نوعا جيدا في كمي
وسكرجة (2) من زبد فحملته إليه.



(1) بحار الأنوار 50: 186 عن عيون المعجزات.
(2) السكرجة: القصعة أو الوعاء.
171
ثم جئت، فقال القائد: أتحب أن تدخل على صاحبك؟ قلت: نعم، فدخلت
فإذا قدامه من ذلك التمر الذي بعثت به إلى القائد، فأخرجت التمر الذي كان
معي والزبد، فوضعته بين يديه، فأخذ كفا من تمر فدفعه إلي، وقال: لو زادك
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزدناك، فعددته فإذا هي كما رأيت في النوم لم يزد ولم ينقص (1).
20 - وروى الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، قال: دخلت يوما على
المتوكل، وهو يشرب، فدعاني إلى الشرب، فقلت: يا سيدي ما شربته قط، قال:
أنت تشرب مع علي بن محمد. قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك
ولا يضره، ولم أعد ذلك عليه.
قال: فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل
- يعني المتوكل - خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له، فقل لي
من أي طريق يجيء حتى أجتنبه، فجئت إلى الإمام علي بن محمد، فصادفت عنده
من أحتشمه فتبسم، وقال لي: لا يكون إلا خيرا يا أبا موسى، لم لم تعد الرسالة
الأولة؟ فقلت: أجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه
فبت عندي.
فلما كان من الليل، وقام إلى ورده، قطع الركوع بالسلام، وقال لي: قد
جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إلي، فأخرج وخذ ما معه،
فخرجت فإذا معه زنفيلجة (2) فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه، فقال: قل له:



(1) بحار الأنوار 50: 153 / 39.
(2) الزنفيلجة: وعاء أدوات الراعي، فارسي معرب.
172
هات الجبة التي قالت لك القمية إنها ذخيرة جدتها، فخرجت إليه فأعطانيها،
فدخلت بها إليه، فقال لي: قل له: الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا، فخرجت إليه
فقلت له ذلك، فقال: نعم، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة، وأنا أمضي
فأجئ بها.
فقال: اخرج فقل له: إن الله تعالى يحفظ لنا وعلينا، هاتها من كتفك،
فخرجت إلى الرجل، فأخرجتها من كتفه، فغشي عليه، فخرج إليه فقال له: قد
كنت شاكا فتيقنت (1).
21 - وعن محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد، قال: قدمت علي
أحمال، فأتاني رسوله (عليه السلام) قبل أن أنظر في الكتب أن أوجهه بها إليه: سرح إلي
بدفتر كذا، ولم يكن عندي في منزلي دفتر أصلا، قال: فقمت أطلب ما لا أعرف
بالتصديق له، فلم أقع على شيء، فلما ولى الرسول قلت: مكانك، فحللت بعض
الأحمال، فتلقاني دفتر لم أكن علمت به، إلا أني علمت أنه لم يطلب إلا حقا،
فوجهت به إليه (2).
ثالثا - في معرفة اللغات:
1 - عن علي بن مهزيار، قال: أرسلت غلاما لي إلى أبي الحسن في حاجة،
وكان صقلابيا، قال: فرجع الغلام إلي متعجبا، فقلت: مالك يا بني، فقال لي: وكيف



(1) بحار الأنوار 50: 124 / 2، المناقب 4: 413.
(2) بحار الأنوار 50: 130 / 9.
173
لا أتعجب، ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا (1).
2 - وروى محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن علي بن
مهزيار، عن الطيب الهادي (عليه السلام)، قال: دخلت عليه فابتدأني وكلمني بالفارسية (2).
3 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: مر بأبي الحسن (عليه السلام) تركي، فكلمه
أبو الحسن (عليه السلام) بالتركية، فنزل عن فرسه، فقبل حافر دابته، قال: فحلفت التركي
أنه ما قال لك الرجل؟ قال: هذا تكناني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك،
ما علمه أحد إلى الساعة (3).
4 - وعنه، قال: دخلت عليه فكلمني بالهندية، فبهت فلم أحسن أن أرد
عليه (4).
5 - وعنه، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) وهو مجدر، فقلت للمتطبب:
(آب گرفت) ثم التفت إلي وتبسم، وقال: تظن أن لا يحسن الفارسية غيرك؟ فقال
له المتطبب: جعلت فداك، تحسنها؟ فقال: أما فارسية هذا فنعم. قال لك: احتمل



(1) كشف الغمة 3: 179، الاختصاص: 289، مناقب ابن شهرآشوب 4: 408.
(2) بصائر الدرجات: 333، بحار الأنوار 50: 130 / 10.
(3) مناقب ابن شهرآشوب 4: 408.
(4) مناقب ابن شهرآشوب 4: 408، بحار الأنوار 50: 139 / 17.
174
الجدري ماء (1).
6 - وعنه، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) وعلى رأسه غلام: كلم الغلام
بالفارسية، وأعرب له فيها، فقلت للغلام: (نام تو چيست؟) فسكت الغلام، فقال
له أبو الحسن (عليه السلام): يسألك ما اسمك؟ (2).
7 - وروي عن داود بن أبي القاسم، قال: دخلت على أبي الحسن صاحب
العسكر (عليه السلام)، فقال لي: كلم هذا الغلام بالفارسية، فإنه زعم أنه يحسنها، فقلت
للغلام: (زانو تو چيست؟) فلم يجب. فقال له: يسألك ويقول: ركبتك ما هي؟ (3).
رابعا - في ظهور آياته في الماء والشجر والجماد وغيرها:
1 - عن يحيى بن هرثمة، قال: صحبت أبا الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى
سر من رأى في خلافة المتوكل، فلما صرنا ببعض الطريق عشطنا عطشا شديدا،
فتكلمنا، وتكلم الناس في ذلك، فقال أبو الحسن (عليه السلام): " الآن نصير إلى ماء عذب
فنشربه ".
فما سرنا إلا قليلا حتى صرنا إلى تحت شجرة ينبع منها ماء عذب بارد، فنزلنا
عليه وارتوينا، وحملنا معنا وارتحلنا، وكنت علقت سيفي على الشجرة فنسيته.



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 139 / 18.
(2) بحار الأنوار 50: 137 / 19.
(3) بحار الأنوار 50: 157 / 46.
175
فلما صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرته، فقلت لغلامي: ارجع حتى
تأتيني بالسيف، فمر الغلام ركضا، فوجد السيف وحمله ورجع متحيرا، فسألته عن
ذلك فقال لي: إني رجعت إلى الشجرة، فوجدت السيف معلقا عليها، ولا عين
ولا ماء ولا شجر، فعرفت الخبر، فصرت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأخبرته بذلك،
فقال: " احلف أن لا تذكر ذلك لأحد " فقلت: نعم (1).
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: خرجت مع أبي الحسن (عليه السلام) إلى
سر من رأى نتلقى بعض القادمين فأبطأوا، فطرح لأبي الحسن (عليه السلام) غاشية السرج
فجلس عليها، فنزلت عن دابتي وجلست بين يديه وهو يحدثني، فشكوت إليه
قصور يدي، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا، وناولني منه كفا، وقال:
" اتسع بهذا يا أبا هاشم، واكتم ما رأيت، فجئت به معي، ورجعنا فأبصرته فإذا هو
يتقد كالنيران ذهبا أحمر.
فدعوت صائغا إلى منزلي، وقلت له: أسبك لي هذا فسبكه، وقال لي:
ما رأيت ذهبا أجود منه، وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا؟ فما رأيت أعجب
منه! قلت: هذا شيء كان عندنا قديما تدخره لنا عجائزنا على طول الأيام (2).
3 - وعنه، قال: حججت سنة حج فيها بغا (3)، فلما صرت إلى المدينة إلى



(1) الثاقب في المناقب: 531.
(2) الثاقب في المناقب: 532، الخرائج والجرائح 2: 673، المناقب 4: 409 قطعة منه، إعلام
الورى: 360، الصراط المستقيم 2: 205 / 19.
(3) بغا: قائد المتوكل، تركي.
176
باب أبي الحسن (عليه السلام) وجدته راكبا في استقبال بغا، فسلمت عليه فقال: " امض بنا
إذا شئت ". فمضيت معه حتى خرجنا من المدينة، فلما أصحرنا التفت إلى غلامه،
وقال: " إذهب فانظر في أوائل العسكر ". ثم قال: " انزل بنا يا أبا هاشم ".
قال: فنزلت وفي نفسي أن أسأله شيئا وأنا أستحيي منه، وأقدم وأؤخر.
قال: فعمل بسوطه في الأرض خاتم سليمان، فنظرت فإذا في آخر الأحرف
مكتوب: " خذ " وفي الآخر " اكتم " وفي الآخر " اعذر " ثم اقتلعه بسوطه وناولنيه،
فنظرت فإذا بنقرة (1) صافية فيها أربعمائة مثقال، فقلت: بأبي أنت وأمي، لقد كنت
شديد الحاجة إليها، وأردت كلامك وأقدم وأؤخر، والله أعلم حيث يجعل رسالاته،
ثم ركبنا (2).
4 - وروى أبو محمد البصري، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم
ابن محمد، قال: كنا أجرينا ذكر أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا محمد، لم أكن
في شيء من هذا الأمر، وكنت أعيب على أخي وعلى أهل هذا القول عيبا شديدا
بالذم والشتم، إلى أن كنت في الوفد الذي أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار
أبي الحسن (عليه السلام)، فخرجنا إلى المدينة.
فلما خرج وجدنا في بعض الطريق، وطوينا المنزل، وكان منزلا صائفا
شديد الحر، فسألناه أن ينزل، فقال: لا. فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب، فلما اشتد
الحر والجوع والعطش، فبينما ونحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا ولا ظل



(1) النقرة: القطعة المذابة، وقيل: السبيكة.
(2) الثاقب في المناقب: 532 - 533.
177
ولا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه، قال: وما لكم أحسبكم جياعا
وقد عطشتم، فقلنا: إي والله يا سيدنا قد عيينا، قال: عرسوا (1)، وكلوا واشربوا.
فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء، لا نرى فيها شيئا نستريح إليه، ولا
نرى ماء ولا ظلا، فقال: ما لكم عرسوا (2)، فابتدرت إلى القطار (3) لأنيخ، ثم التفت
وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالم من الناس، وإني لأعرف موضعهما،
إنه أرض براح قفراء، وإذا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده.
فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع
في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلا، وإذا نظرت
إليه تبسم وزوى وجهه عني.
فقلت في نفسي: والله لأعرفن هذا كيف هو؟ فأتيت وراء الشجرة، فدفنت
سيفي، ووضعت عليه حجرين، وتهيأت للصلاة، فقال أبو الحسن (عليه السلام): استرحتم؟
قلنا: نعم. قال: فارتحلوا على اسم الله، فارتحلنا.
فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر، فأتيت الموضع، فوجدت الأثر
والسيف كما وضعت والعلامة، وكأن الله لم يخلق ثم شجرة ولا ماء ولا ظلالا
ولا بللا، فتعجبت من ذلك، ورفعت يدي إلى السماء، فسألت الله الثبات على
المحبة والإيمان به، والمعرفة منه، وأخذت الأثر فلحقت بالقوم، فالتفت إلي
أبو الحسن (عليه السلام) وقال: يا أبا العباس فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد كنت شاكا،



(1) أي أقيموا.
(2) عرس في المكان: أقام به في آخر الليل للراحة.
(3) القطار: مجموعة الإبل في القافلة بعضها خلف بعض على نسق واحد.
178
وأصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس في الدنيا والآخرة.
فقال: هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل ولا ينقص (1).
5 - وروى أبو هاشم الجعفري: أنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور
الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت، فإذا كان يوم السلام جلس
في ذلك المجلس، فلا يسمع ما يقال له، ولا يسمع ما يقول، لاختلاف أصوات تلك
الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) سكتت الطيور، فلا يسمع منها
صوت واحد إلى أن يخرج، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها.
قال: وكان عنده عدة من القوابج (2) في الحيطان، فكان يجلس في مجلس له
عال، ويرسل تلك القوايج تقتتل، وهو ينظر إليها، ويضحك منها، فإذا وافى علي
ابن محمد (عليه السلام) ذلك المجلس لصقت القوابج بالحيطان، فلا تتحرك عن مواضعها حتى
ينصرف، فإذا انصرف عادت في القتال (3).
خامسا - استجابة دعائه وشفاء الأمراض:
1 - عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم
الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن (عليه السلام) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا
إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف



(1) بحار الأنوار 50: 159 / 45.
(2) القوابج: الحجل أو الكروان، نوع من الطيور.
(3) بحار الأنوار 50: 148 / 34.
179
الإصعاد (1) والإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر، وما لي مركوب سوى برذوني
هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال:
" قواك الله يا أبا هاشم، وقوى برذونك ".
قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك
الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على
ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (2).
2 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من
البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوما إلى أبي علي الفهري، فشكا إليه حاله،
فقال له: لو تعرضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام)، فتسأله أن
يدعو لك، رجوت أن يزول عنك.
فجلس له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل، فلما رآه قام
ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: " تنح عافاك الله "، ثلاث مرات، فابتعد الرجل
ولم يجسر أن يدنو منه، وانصرف، فلقى الفهري فعرفه الحال وما قال، فقال: قد دعا
لك قبل أن تسأله، فامض فإنك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلما
أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك (3).



(1) أي السير عكس تيار الماء.
(2) الثاقب في المناقب: 544، الخرائج والجرائح 2: 672 / 1، المناقب 4: 409، إعلام
الورى: 361.
(3) الثاقب في المناقب: 554، الخرائج والجرائح 1: 399 / 5، كشف الغمة 3: 183.
180
3 - وعن جماعة من أهل إصفهان، منهم العياشي محمد بن النضر، وأبو جعفر
ابن محمد بن علوية، قالوا: كان بإصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، وكان شيعيا،
قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من
أهل زمانه؟
قال: شاهدت ما أوجب ذلك علي، وذلك أني كنت رجلا فقيرا، وكان لي
لسان وجرأة، فأخرجني أهل إصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب
المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد
النقي (عليه السلام)، فقال بعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا
رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قيل: ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل.
فقلت: لا أبرح من ها هنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.
قال: فأقبل راكبا، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين، ينظرون إليه،
فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر
المتوكل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة،
وأنا دائم الدعاء له.
فلما صار إلي أقبل بوجهه علي، وقال: " قد استجاب الله دعاءك، وطول
عمرك، وكثر مالك وولدك ". فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم
يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، ولم أخبرهم بذلك.
فانصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان، ففتح الله علي وجوها من المال حتى اليوم،
أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، ورزقت عشرة من
الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفا وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم

181
ما في قلبي واستجاب الله دعاءه في (1).
4 - وعن أيوب بن نوح، قال: كتبت إلى أبي الحسن: أن لي حملا، فادع الله
أن يرزقني ابنا، فكتب إلي: إذا ولد لك فسمه محمدا. قال: فولد لي ابن فسميته
محمدا. قال: وكان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إليه: أن لي حملا، فادع الله أن
يرزقني ابنا، فكتب إليه: رب ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة (2).
5 - وروى ابن شهرآشوب، بإسناد عن أبي محمد الفحام، عن أبي الحسن
محمد بن أحمد، قال: حدثني عم أبي، قال: قصدت الإمام يوما، فقلت: إن المتوكل
قطع رزقي، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته،
فقال: تكفى إن شاء الله. فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو
رسولا، فجئت إليه فوجدته في فراشه، فقال: يا أبا موسى، تشغل شغلي عنك
وتنسينا نفسك، أي شيء لك عندي؟
فقلت: الصلة الفلانية، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح:
وافى علي بن محمد إلى ها هنا وكتب رقعة؟ قال: لا.
قال: فدخلت على الإمام (عليه السلام)، فقال لي: يا أبا موسى، هذا وجه الرضا.
قلت: يا سيدي، ولكن قالوا إنك ما مضيت إليه، ولا سألت؟



(1) الثاقب في المناقب: 549 - 550، الخرائج والجرائح 1: 392 / 1، الصراط المستقيم 2:
202 / 3، كشف الغمة 3: 179.
(2) كشف الغمة 3: 175.
182
قال: إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه، ولا نتوكل في
الملمات إلا عليه، وعودنا إذا سألناه الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل (1).
6 - وقال أحمد بن علي، دعانا عيسى بن الحسن القمي أنا وأبا علي، وكان
أعرج، فقال لنا: أدخلني ابن عمي أحمد بن إسحاق على أبي الحسن (عليه السلام)، فرأيته،
وكلمه بكلام لم أفهمه. ثم قال له: جعلني الله فداك، هذا ابن عمي عيسى بن الحسن،
وبه بياض في ذراعه وشئ قد تكتل كأمثال الجوز.
قال: فقال لي: تقدم يا عيسى. فتقدمت. فقال: أخرج ذراعك، فأخرجت
ذراعي، فمسح عليها، وتكلم بكلام خفي طول فيه، ثم قال في آخره ثلاث مرات:
بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم التفت إلى أحمد بن إسحاق، فقال له: يا أحمد بن إسحاق، كان علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) أقرب إلى الاسم الأعظم من
بياض العين إلى سوادها.
ثم قال: يا عيسى، قلت: لبيك. قال: أدخل يدك في كمك ثم أخرجها.
فأدخلتها ثم أخرجتها، وليس في ذراعي قليل ولا كثير (2).
7 - وعن إبراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج خرج
به، فأشرف منه على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي



(1) بحار الأنوار 50: 127 / 5 عن المناقب.
(2) دلائل الإمامة: 420 / 382، نوادر المعجزات: 188 / 7.
183
أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) مالا جليلا من مالها.
وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -
فسألته، فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك؟ فقال: ابعثوا إليه، فمضى
الرسول ورجع فقال: خذوا كسب الغنم (1)، فديفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج،
فإنه نافع بإذن الله.
فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة
ما قال؟ فوالله إني لأرجو الصلاح به، فأحضر الكسب، وديف بماء الورد، ووضع
على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه.
فبشرت أم المتوكل بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار
تحت ختمها، واستقل المتوكل من علته (2)... الحديث وسنذكره مفصلا في موقف
الحكام من الإمام (عليه السلام).
8 - وعن محمد بن الريان بن الصلت، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)
أستأذنه في كيد عدو، ولم يمكن كيده، فنهاني عن ذلك، وقال كلاما معناه: تكفاه،
فكفيته والله أحسن كفاية، ذل وافتقر ومات أسوأ الناس حالا في دنياه ودينه (3).



(1) الكسب: عصارة الدهن.
(2) الإرشاد 2: 302، الكافي 1: 417 / 4، إعلام الورى: 361، دعوات الراوندي: 202 /
555، الخرائج والجرائح 1: 676 / 8، بحار الأنوار 50: 198 / 10، الفصول المهمة: 277،
المناقب 4: 415.
(3) بحار الأنوار 50: 180، كشف الغمة 3: 178.
184
9 - وعن محمد بن عيسى، عن علي بن جعفر: أن أبا الحسن (عليه السلام) أتى
المسجد ليلة الجمعة، فصلى عند الأسطوانة التي حذاء بيت فاطمة (عليها السلام)، فلما جلس
أتاه رجل من أهل بيته يقال له معروف، قد عرفه علي بن جعفر وغيره، فقعد إلى
جانبه يعاتبه، وقال له: إني أتيتكم فلم تأذن لي. فقال: لعلك أتيت في وقت لم يمكن
أن يؤذن لك علي، وما علمت بمكانك، وأخبرت عنك أنك ذكرتني وشكوتني
بما لا ينبغي. فقال الرجل: لا والله، ما فعلت، وإلا فهو بري من صاحب القبر إن
كان فعل.
فقال أبو الحسن (عليه السلام): علمت أنه حلف كاذبا، فقلت: اللهم إنه قد حلف
كاذبا، فانتقم منه، فمات الرجل من غد، وصار حديثا بالمدينة (1).
10 - وعن المسعودي، قال: روي أنه دخل دار المتوكل، فقام يصلي، فأتاه
بعض المخالفين، فوقف حياله، فقال له: إلى كم هذا الرياء؟ فأسرع الصلاة وسلم، ثم
التفت إليه فقال: إن كنت كاذبا مسخك الله، فوقع الرجل ميتا، فصار حديثا في
الدار (2).
11 - وعن محمد بن مسعود، قال: قال يوسف بن السخت: كان علي بن
جعفر وكيلا لأبي الحسن صلوات الله عليه، وكان رجلا من أهل همينيا (3)، قرية من



(1) إثبات الوصية: 224.
(2) إثبات الوصية: 230.
(3) وهي قرية كبيرة في ضفة دجلة فوق النعمانية.
185
قرى سواد بغداد، فسعي به إلى المتوكل، فحبسه فطال حبسه، واحتال (1) من قبل
عبد الرحمن بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار، وكلمه عبيد الله (2)،
فعرض حاله على المتوكل، فقال: يا عبيد الله، لو شككت فيك لقلت إنك رافضي،
هذا وكيل فلان (3)، وأنا على قتله.
قال: فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر، فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي،
الله الله في، فقد والله خفت أن أرتاب، فوقع في رقعته: أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى،
فسأقصد الله فيك، وكان هذا في ليلة الجمعة.
فأصبح المتوكل محموما، فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم الاثنين، فأمر
بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر، وقال لعبيد الله:
لم لم تعرض علي أمره؟ فقال: لا أعود إلى ذكره أبدا. قال: خل سبيله الساعة،
وسله أن يجعلني في حل، فخلى سبيله، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (عليه السلام) مجاورا
بها، وبرأ المتوكل من علته (4).
سادسا - في ظهور آياته في معان شتى:
1 - عن محمد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمد (عليهما السلام): " إذا أردت
أن تسأل مسألة فاكتبها، وضع الكتاب تحت مصلاك، ودعه ساعة، ثم أخرجه



(1) أي قبل الحوالة.
(2) يعني عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل.
(3) يريد الإمام الهادي (عليه السلام).
(4) بحار الأنوار 50: 183 / 58.
186
وانظر إليه ".
قال محمد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب (1).
2 - وعن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسن (عليه السلام) غنما كثيرة،
فأدخلني في اصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم
فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمد وإلى والدته وغيرهما ممن أمرني، ثم استأذنته
في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية، فقال: " تقيم غدا
عندنا ثم تنصرف "، فأقمت.
فلما كان يوم عرفة أقمت عنده، وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان
في السحر أتاني وقال: " يا إسحاق، قم " فقمت وفتحت عيني، فإذا أنا على باب
بغداد، فدخلت على والدي، وأتاني أصحابي، فقلت لهم: عرفت بالعسكر،
وخرجت ببغداد إلى يوم العيد (2).
3 - وعن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا
نصراني، وكان من أهل كفرتوثا (3)، يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه وبين
والدي صداقة.
قال: فوافى ونزل عند والدي، فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال:



(1) الثاقب في المناقب: 548، كشف الغمة 3: 185.
(2) الثاقب في المناقب: 549، الكافي 1: 417 / 3، المناقب 4: 411.
(3) كفرتوثا: قرية كبيره من أعمال الجزيرة، ويقال: إنها من قرى فلسطين.
187
قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلا أني اشتريت نفسي من
الله تعالى بمائة دينار، قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) معي، فقال له والدي:
وفقت في هذا.
قال: وخرج إلى حضرة المتوكل، وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا
مستبشرا، فقال له أبي: حدثني بحديثك.
قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن
أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى باب المتوكل،
وقبل أن يعرف أحد قدومي.
قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب، وأنه ملازم لداره، فقلت:
كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي (1) فيكون
ذلك زيادة فيما أحاذره.
قال: فتفكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من
البلد، ولا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا.
قال: فجعلت الدراهم في كاغذ، وجعلتها في كمي، وركبت فكان الحمار
يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف
الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه
دار ابن الرضا (عليه السلام). فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة.
قال: فإذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم.
قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة



(1) أي يعلم بي.
188
أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته
قط؟!
قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته
إياها وقلت: هذه ثالثة، ثم رجع إلي وقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه
وحده، فقال: " يا يوسف، أما بان لك؟ " فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين
ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: " هيهات هيهات، أما إنك لا تسلم، ولكن سيسلم
ولدك فلان، وهو من شيعتنا. يا يوسف، إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع
أمثالك، كذبوا والله، إنها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت، فإنك سترى ما تحب ".
قال: فمضيت إلى باب المتوكل، فقلت كلما أردت وانصرفت.
قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع، فأخبرني أن
أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة
مولاي (عليه السلام) (1).
4 - وعن علي بن مهزيار، قال: إنه صار إلى سر من رأى، وكانت زينب
الكذابة ظهرت وزعمت أنها زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأحضرها
المتوكل وسألها، فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة (عليهما السلام)، فقال لجلسائه:
كيف بنا بصحة أمر هذه، وعند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى
ابن الرضا فأحضره حتى يخبرك بحقيقة أمرها.



(1) الثاقب في المناقب: 553، الخرائج والجرائح 1: 396 / 3، كشف الغمة 3: 182، بحار
الأنوار 50: 144 / 28.
189
فأحضر (عليه السلام) فرحب به المتوكل، وأجلسه معه على سريره، فقال: إن هذه
تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: " المحنة في هذا قريبة، إن الله تعالى حرم لحم جميع من
ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) على السباع، فألقوها للسباع، فإن
كانت صادقة لم تتعرض لها، وإن كانت كاذبة أكلتها.
فعرض عليها فكذبت نفسها، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي
على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنها زينب الكذابة، وليس بينها وبين
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة، ثم دخلت الشام.
فلما أن كان بعد ذلك بأيام، ذكر عند المتوكل أبو الحسن (عليه السلام)، وما قال في
زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جربت قوله على نفسه فعرفت
حقيقة قوله. فقال: أفعل. ثم تقدم إلى قوام السباع، فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة
ويحضروها القصر، فترسل في صحنه، فنزل وقعد هو في المنظر، وأغلق أبواب
الدرجة، وبعث إلى أبي الحسن (عليه السلام) فأحضر، وأمره أن يدخل من باب القصر،
فدخل، فلما صار في الصحن، أمر بغلق الباب، وخلى بينه وبين السباع في
الصحن.
قال علي بن يحيى: وأنا في الجماعة وابن حمدون، فلما حضر (عليه السلام) وعليه
سواد وشقة، فدخل وأغلق الباب، والسباع قد أصمت الآذان من زئيرها، فلما
مشى في الصحن يريد الدرجة، مشت إليه السباع وقد سكنت، ولم نسمع لها حسا
حتى تمسحت به، ودارت حوله، وهو يمسح رؤوسها بكمه، ثم ضربت بصدورها
الأرض، فما مشت ولا زأرت حتى صعد الدرجة، وقام المتوكل ودخل، فارتفع
أبو الحسن (عليه السلام) وقعد طويلا، ثم قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول،
وفعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتى خرج من الباب الذي دخل منه،

190
وركب وانصرف، وأتبعه المتوكل بمال جزيل صلة له.
وقال علي بن الجهم: فقمت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل
ابن عمك. فقال: والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه
العصابة كلهم، فوالله ما تحدثنا بذلك حتى قتل (1).
5 - وعن كافور الخادم، قال: قال لي الإمام علي بن محمد (عليه السلام): اترك لي
السطل الفلاني لأتطهر منه للصلاة، وأنفذني في حاجة وقال: إذا عدت فافعل ذلك،
ليكون معدا إذا تأهبت للصلاة، واستلقى (عليه السلام) لينام وأنسيت ما قال لي، وكانت ليلة
باردة، فحسست به وقد قام إلى الصلاة، وذكرت أنني لم أترك السطل، فبعدت عن
الموضع خوفا من لومه، وتألمت له حيث يشقى بطلب الإناء، فناداني نداء مغضب
فقلت: إنا لله، أيش عندي أن أقول نسيت مثل هذا ولم أجد بدا من إجابته.
فجئت مرعوبا، فقال: يا ويلك، أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد،
فسخنت لي ماء فتركته في السطل! فقلت: والله يا سيدي، ما تركت السطل
ولا الماء.
قال: الحمد لله، والله لا تركنا رخصة، ولا رددنا منحة، الحمد لله الذي جعلنا
من أهل طاعته، ووفقنا للعون على عبادته، إن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله يغضب على
من لا يقبل رخصته (2).



(1) الثاقب في المناقب: 545، مروج الذهب 4: 86، الخرائج والجرائح 1: 404 / 11،
المناقب 4: 416، حلية الأبرار 2: 348.
(2) بحار الأنوار 50: 126 / 4، المناقب 4: 414.
191
6 - وروى السيد ابن طاووس في كشف المحجة، بإسناده من كتاب الرسائل
للكليني، عمن سماه، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أن الرجل يحب أن يفضي إلى
إمامه بما يحب أن يفضي إلى ربه، قال: فكتب: إن كان لك حاجة، فحرك شفتيك،
فإن الجواب يأتيك (1).
7 - وعن محمد بن داود القمي ومحمد الطلحي، قالا: حملنا مالا من خمس
ونذر وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن
الهادي (عليه السلام)، فجاءنا رسوله في الطريق: أن ارجعوا، فليس هذا وقت الوصول،
فرجعنا إلى قم، وأحرزنا ما كان عندنا، فجاءنا أمره بعد أيام: أن قد أنفذنا إليكم
إبلا عيرا، فاحملوا عليها ما عندكم، وخلوا سبيلها.
قال: فحملناها وأودعناها الله، فلما كان من قابل، قدمنا عليه، فقال:
انظروا إلى ما حملتم إلينا، فنظرنا فإذا المنايح (2) كما هي (3).
هذا ما كان من بعض المعاجز التي صدرت منه (عليه السلام)، ولو أردنا الاستقصاء
لطال بنا المقام - والله العالم بالمرام.



(1) بحار الأنوار 50: 155 / 42.
(2) المنايح: الهدايا والعطايا.
(3) بحار الأنوار 50: 185 / 62.
192
الفصل الثامن
مناظراته ومحاججاته (عليه السلام)
للإمام الهادي (عليه السلام) جملة احتجاجات ومناظرات وأجوبة على مسائل شتى،
جرت له مع بعض مناوئي أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وخصوم الرسالة ممن يحاول الكيد
له، وقد أفلح (عليه السلام) بحجته البالغة وبرهانه الساطع وسرعة بديهته بعيدا عن دواعي
التبجح والمكابرة، كما ناظر وحاجج جده الإمام الصادق (عليه السلام) الزنادقة والملحدين،
وفي ما يلي نورد بعضا منها:
أجوبته (عليه السلام) ليحيى بن أكثم عن مسائله:
1 - قال موسى بن محمد بن الرضا (1): لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة،
فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمد (عليه السلام) فدار بيني وبينه من المواعظ



(1) هو أبو أحمد موسى المبرقع، شقيق أبي الحسن الهادي (عليه السلام) من طرفي الأب والأم، وهو جد
السادة الرضوية، قدم قم سنة 256 ه‍، وهو أول من انتقل من الكوفة إلى قم من السادة
الرضوية، سمي بالمبرقع لأنه كان يسدل على وجهه برقعا، مات نحو سنة 266 ه‍، ودفن في
داره بقم، وقيل: في دار محمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري، وهو المشهد المعروف اليوم.
193
ما حملني وبصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك، إن ابن أكثم كتب يسألني عن
مسائل لأفتيه فيها، فضحك (عليه السلام) ثم قال: فهل أفتيته؟ قلت: لا، لم أعرفها (1).
قال (عليه السلام): وما هي؟ قلت: كتب يسألني عن قول الله: (قال الذي عنده
علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) (2) نبي الله كان محتاجا إلى علم
آصف (3)؟
وعن قوله: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) (4) سجد يعقوب
وولده ليوسف وهم أنبياء؟
وعن قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون
الكتاب) (5)، من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) فقد شك، وإن كان
المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب؟
وعن قوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
أبحر ما نفدت كلمات الله) (6)، ما هذه الأبحر، وأين هي؟
وعن قوله: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) (7)، فاشتهت نفس



(1) في نسخة: قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لم أعرفها.
(2) النمل: 40.
(3) هو آصف بن برخيا.
(4) يوسف: 100.
(5) يونس: 94.
(6) لقمان: 27.
(7) الزخرف: 71.
194
آدم (عليه السلام) أكل البر فأكل وأطعم، وفيها ما تشتهي الأنفس، فكيف عوقب؟
وعن قوله: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) (1)، يزوج الله عباده الذكران، وقد
عاقب قوما فعلوا ذلك؟
وعن شهادة المرأة جازت وحدها، وقد قال الله: (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) (2).
وعن الخنثى وقول علي (عليه السلام): " يورث من المال "، فمن ينظر إذا بال إليه؟ مع
أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليه الرجال، أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت
إليه النساء، وهذا ما لا يحل، وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل.
وعن رجل أتى إلى قطيع غنم، فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلما أبصر
بصاحبها خلى سبيلها، فدخلت بين الغنم، كيف تذبح، وهل يجوز أكلها أم لا؟
وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار، وإنما يجهر في
صلاة الليل؟
وعن قول علي (عليه السلام) لابن جرموز: " بشر قاتل ابن صفية (3) بالنار "، فلم
يقتله وهو إمام؟
وأخبرني عن علي (عليه السلام) لم قتل أهل صفين، وأمر بذلك مقبلين ومدبرين،
وأجاز (4) على الجرحى. وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا، ولم يجز على



(1) الشورى: 50.
(2) الطلاق: 2.
(3) ابن صفية هو الزبير بن العوام، الصحابي المعروف، قتله يوم الجمل ابن جرموز، والقصة
مشهورة في كتب التأريخ.
(4) أجاز على الجريح: أجهز عليه، أي شد عليه وأتم قتله.
195
جريح، ولم يأمر بذلك، وقال: " من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو
آمن "، لم فعل ذلك، فإن كان الحكم الأول صوابا، فالثاني خطأ.
وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد، أم يدرأ عنه الحد؟
جواب الإمام الهادي (عليه السلام):
قال (عليه السلام): اكتب إليه. قلت: وما أكتب؟ قال (عليه السلام): اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وأنت - فألهمك الله الرشد - أتاني كتابك، فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى
الطعن سبيلا إن قصرنا فيها، والله يكافيك على نيتك، وقد شرحنا مسائلك، فأصغ
إليها سمعك، وذلل لها فهمك، واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة والسلام.
سألت عن قول الله جل وعز: (قال الذي عنده علم من الكتاب) فهو
آصف بن برخيا، ولم يعجز سليمان (عليه السلام) عن معرفة ما عرف آصف، لكنه صلوات
الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم
سليمان (عليه السلام) أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته
ودلالته، كما فهم سليمان (عليه السلام) في حياة داود (عليه السلام)، لتعرف نبوته وإمامته من بعده
لتؤكد الحجة على الخلق.
وأما سجود يعقوب (عليه السلام) وولده، فكان طاعة لله ومحبة ليوسف (عليه السلام)، كما أن
السجود من الملائكة لآدم (عليه السلام) لم يكن لآدم (عليه السلام) وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم
لآدم (عليه السلام)، فسجود يعقوب (عليه السلام) وولده ويوسف (عليه السلام) معهم كان شكرا لله باجتماع
شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من
تأويل الأحاديث) (1)... إلى آخر الآية.



(1) يوسف: 102.
196
وأما قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون
الكتاب)، فإن المخاطب به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن في شك مما أنزل إليه، ولكن
قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة، إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في
الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق، فأوحى الله إلى نبيه: (فاسأل
الذين يقرؤون الكتاب) بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل
الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة، وإنما قال: (فإن كنت في شك) ولم يكن
شك، ولكن للنصفة، كما قال: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1)، ولو قال: " عليكم " لم يجيبوا إلى
المباهلة، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته، وما هو من الكاذبين، فكذلك
عرف النبي أنه صادق في ما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه.
وأما قوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة
أبحر ما نفدت كلمات الله) فهو كذلك، لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر
وانفجرت الأرض عيونا، لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، وهي عين الكبريت،
وعين التمر (2)، وعين برهوت، وعين طبرية، وحمة ماسبذان (3)، وحمة إفريقية يدعى
لسنان (4)، وعين بحرون (5)، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا.



(1) آل عمران: 60.
(2) في المناقب: وعين اليمن.
(3) في المناقب: ماسيدان تدعى لسان، والحمة: العين الحارة.
(4) في المناقب: تدعى بسيلان.
(5) في المناقب: وعين باحوران.
197
وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس، وتلذ
الأعين، وأباح الله ذلك كله لآدم (عليه السلام)، والشجرة التي نهى الله عنها آدم (عليه السلام)
وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل الله على
خلائقه بعين الحسد، فنسي ونظر بعين الحسد، ولم يجد له عزما.
وأما قوله: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) أي يولد له ذكور، ويولد له إناث،
يقال لكل اثنين مقرنين زوجان، كل واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى
الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم (ومن يفعل ذلك
يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (1) إن لم يتب.
وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت، فهي القابلة، جازت شهادتها مع
الرضا، فإن لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة،
لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.
وأما قول علي (عليه السلام) في الخنثى فهي كما قال (2): ينظر قوم عدول يأخذ كل
واحد منهم مرآة، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، وينظرون في المرايا، فيرون الشبح
فيحكمون عليه.
وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة، فإن عرفها ذبحها وأحرقها،
وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين، وساهم بينهما (3)، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا
النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان، فيقرع



(1) الفرقان: 68 و 69.
(2) في المناقب: فهو كما قال، يرث من المال.
(3) أي قارع بينهما.
198
بينهما، فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت، ونجا سائر الغنم (1).
وأما صلاة الفجر، فالجهر فيها بالقراءة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها (2)
فقراءتها من الليل.
وأما قول علي (عليه السلام): بشر قاتل ابن صفية بالنار، فهو لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وكان ممن خرج يوم النهروان، فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة، لأنه علم أنه
يقتل في فتنة النهروان.
وأما قولك: إن عليا (عليه السلام) قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين، وأجاز على
جريحهم، وإنه يوم الجمل لم يتبع موليا، ولم يجز على جريح، ومن ألقى سلاحه آمنه،
ومن دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم، ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها،
وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين (3)، رضوا بالكف
عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم، والكف عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه
أعوانا، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام (4) يجمع لهم السلاح
الدروع والرماح والسيوف، ويسني لهم العطاء (5)، يهيئ لهم الأنزال، ويعود
مريضهم، ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم،
ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم، لما عرف



(1) زاد في المناقب: وسهم الإمام سهم الله لا يخيب.
(2) أي يصلي بالغلس، وهو ظلمة آخر الليل.
(3) في المناقب: غير محاربين ولا محتالين ولا متجسسين ولا مبارزين.
(4) في المناقب: وإمام منتصب.
(5) أي يبذله لهم.
199
من الحكم في قتال أهل التوحيد، لكنه شرح ذلك لهم، فمن رغب عرض على
السيف، أو يتوب من ذلك.
وأما الرجل الذي اعترف باللواط، فإنه لم تقم عليه بينة، وإنما تطوع بالإقرار
من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله، كان له أن يمن عن الله،
أما سمعت قول الله: (هذا عطاؤنا) (1) الآية.
قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلم ذلك، والحمد لله رب العالمين (2).
2 - وروى ابن شهرآشوب نحو ما تقدم مع اختلاف في أول الحديث، ونحن
نورد أول الحديث عن المناقب، لأنه يدل على أن المتوكل طلب من العالم الكبير
يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت أن يمتحن الإمام (عليه السلام) بمسائل غامضة
معقدة، لعله لا يهتدي لجوابها، فيتخذها وسيلة للتشهير به (عليه السلام) والحط من شأنه،
ولكن لم يتم له ما أراد، فقد فوت الإمام بعلمه الذي لا يحد ومعرفته التي لا تحاط،
على المتوكل الفرصة للنيل منه، فقد أملى الإمام (عليه السلام) على ابن السكيت أجوبة تلك
المسائل الدقيقة بمجرد النظر إليها، فدلل بذلك على طاقاته العلمية الهائلة التي هي
إحدى العناصر البارزة في معالم شخصية الإمام العظيمة.
وتدل رواية ابن شهرآشوب أيضا على أن يحيى بن أكثم رفع أسئلة إلى
الإمام (عليه السلام)، كان قد كتبها من قبل، وأعدها للامتحان، منددا بابن السكيت
وبإمكانيته في المناظرة، فأخذ الإمام (عليه السلام) الأسئلة، وأمر ابن السكيت أن يكتب
أجوبتها، وفي ما يلي نورد أول حديث ابن شهرآشوب، لأن آخره مشابه



(1) ص: 39.
(2) تحف العقول: 476 - 481، الاختصاص: 91، المناقب لابن شهرآشوب 4: 404.
200
لما أوردناه في الحديث الأول.
قال ابن شهرآشوب: قال المتوكل لابن السكيت: اسأل ابن الرضا مسألة
عوصاء بحضرتي، فسأله فقال: لم بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا، وبعث عيسى (عليه السلام)
بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالقرآن والسيف؟
فقال أبو الحسن (عليه السلام): بعث الله موسى (عليه السلام) بالعصا واليد البيضاء في زمان
الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة
عليهم، وبعث عيسى (عليه السلام) بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان
الغالب على أهله الطب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله
فقهرهم وبهرهم، وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله
السيف والشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم، وقهر
سيفهم، وأثبت الحجة عليهم.
فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟
قال: العقل، يعرف به الكاذب على الله فيكذب.
فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظراته، وإنما هو صاحب نحو وشعر
ولغة، ورفع قرطاسا فيه مسائل، فأملى علي بن محمد (عليه السلام) على ابن السكيت
جوابها (1)... الحديث، وأورد بعدها المسائل وجوابها بنحو ما تقدم في الحديث
الأول.
احتجاجاته وأجوبته (عليه السلام) في مسائل شتى:
3 - قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: أخبرني الأزهري، حدثنا



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 403، بحار الأنوار 50: 164.
201
أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ، حدثنا محمد بن يحيى النديم، حدثنا الحسين بن
يحيى، قال: اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقن بدنانير
كثيرة، فلما برئ جمع الفقهاء، فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمد
ابن علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) فسأله، فقال: يتصدق بثلاث وثمانين دينارا،
فعجب قوم من ذلك، وتعصب قوم عليه.
قالوا: تسأله - يا أمير المؤمنين - من أين له هذا؟ فرد الرسول إليه، فقال له:
قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالى قال: (لقد نصركم الله في
مواطن كثيرة) فروى أهلنا جميعا أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت
ثلاثة وثمانين موطنا، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين، وكلما زاد أمير المؤمنين في
فعل الخير كان أنفع له، وأجر عليه في الدنيا والآخرة (1).
4 - وروى الطبرسي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): أنه قال: اتصل
بأبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) أن رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض
النصاب، فأفهمه بحجته حتى أبان عن فضيحته، فدخل إلى علي بن محمد (عليه السلام) وفي
صدر مجلسه دست عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست، وبحضرته خلق من
العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست، وأقبل عليه،
فاشتد ذلك على أولئك الأشراف، فأما العلويون فأجلوه عن العتاب، وأما
الهاشميون فقال له شيخهم: يا بن رسول الله، هكذا تؤثر عاميا على سادات بني
هاشم من الطالبيين والعباسيين؟!
فقال (عليه السلام): إياكم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: (ألم تر إلى الذين



(1) تأريخ بغداد 12: 56، ونحوه في الاحتجاج للطبرسي: 454، والآية من سورة التوبة: 25.
202
أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم
معرضون) (1)، أترضون بكتاب الله حكما؟ قالوا: بلى.
قال: أليس الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس
فافسحوا يفسح الله لكم) إلى قوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات) (2)، فلم يرض للعالم المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم
يرض للمؤمن إلا أن يرفع على من ليس بمؤمن.
أخبروني عنه قال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات) أو قال: " يرفع الذين أوتوا شرف النسب درجات "؟ أو ليس قال الله:
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (3)، فكيف تنكرون رفعي لهذا
لما رفعه الله؟! إن كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها، لأفضل له من
كل شرف في النسب.
فقال العباسي: يا بن رسول الله، قد أشرفت علينا، هو ذا تقصير بنا عمن
ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أول الإسلام يقدم الأفضل في الشرف على من
دونه فيه.
فقال (عليه السلام): سبحان الله! أليس العباس بايع أبا بكر وهو تيمي، والعباس
هاشمي؟ أو ليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي
أبو الخلفاء، وعمر عدوي؟! وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى
ولم يدخل العباس؟ فإن كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكرا فأنكروا



(1) آل عمران: 23.
(2) المجادلة: 11.
(3) الزمر: 9.
203
على العباس بيعته لأبي بكر، وعلى عبد الله بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن
كان ذلك جائزا فهذا جائز، فكأنما ألقم الهاشمي حجرا (1).
5 - وعنه، بإسناده عن جعفر بن رزق الله، قال: قدم إلى المتوكل رجل
نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد
هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل به
كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك.
فلما قرأ الكتاب كتب (عليه السلام): يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى وأنكر فقهاء
العسكر ذلك، فقالوا: يا أمير المؤمنين، سله عن ذلك، فإنه شيء لم ينطق به كتاب،
ولم تجئ به سنة.
فكتب إليه: إن الفقهاء قد أنكروا هذا، وقالوا: لم تجئ به سنة، ولم ينطق به
كتاب، فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟
فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده
وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) (2) الآية، فأمر به
المتوكل فضرب حتى مات (3).
6 - وفي البحار، عن كتاب الاستدراك، بإسناده: أن المتوكل قيل له: إن
أبا الحسن - يعني علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) - يفسر قول الله عز وجل:



(1) الاحتجاج: 455.
(2) غافر: 84 و 85.
(3) الاحتجاج: 258.
204
(ويوم يعض الظالم على يديه) (1) الآيتين، في الأول والثاني.
قال: فكيف الوجه في أمره؟
قالوا: تجمع له الناس وتسأله بحضرتهم، فإن فسرها بهذا، كفاك الحاضرون
أمره، وإن فسرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه.
قال: فوجه إلى القضاة وبني هاشم والأولياء وسئل (عليه السلام) فقال: هذا رجلان
كنى عنهما، ومن بالستر عليهما، أفيحب أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره الله؟
فقال: لا أحب (2).
7 - وعن كتاب الاستدراك أيضا، قال: نادى المتوكل يوما كاتبا نصرانيا:
أبا نوح، فأنكروا كنى الكتابيين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن (عليه السلام)،
فوقع (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم: (تبت يدا أبي لهب) (3)، فعلم المتوكل أنه يحل
ذلك، لأن الله قد كنى الكافر (4).
8 - وروى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي بإسناده عن محمد بن يحيى
المعاذي، قال: قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته: من حلق رأس
آدم حين حج؟ فتعايى القوم عن الجواب، فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبئكم
بالخبر.



(1) الفرقان: 27.
(2) بحار الأنوار 50: 214.
(3) المسد: 1.
(4) بحار الأنوار 10: 391.
205
فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فأحضر، فقال: يا أبا الحسن، من حلق رأس
آدم؟ فقال (عليه السلام): سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني. قال: أقسمت عليك
لتقولن.
قال (عليه السلام): أما إذا أبيت، فإن أبي حدثني عن جدي، عن أبيه، عن جده،
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها، فمسح
بها رأس آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما (1).
9 - وروى ابن شهرآشوب عن أبي محمد الفحام، قال: سأل المتوكل
ابن الجهم: من أشعر الناس؟ فذكر شعراء الجاهلية والإسلام، ثم إنه سأل
أبا الحسن (عليه السلام)، فقال (عليه السلام): الحماني حيث يقول:
لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمد خدود وامتداد أصابع
فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع
فإن رسول الله أحمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع
قال: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد
أن محمدا رسول الله، جدي أم جدك؟ فضحك المتوكل، ثم قال: هو جدك لا ندفعك
عنه (2).



(1) تأريخ بغداد: 12 و 56.
(2) المناقب 4: 406.
206
الفصل التاسع
بحوثه الكلامية والعقائدية
لقد انبرى الإمام الهادي (عليه السلام) كآبائه الهداة الميامين لخدمة مبادئ الإسلام
الحقة والدفاع عن أصوله ونشر فروعه انطلاقا من مسؤوليته الرسالية في دفع
شبهات المخالفين وأهل البدع والأهواء في مجال العقائد والكلام كالتوحيد والنبوة
والإمامة وغيرها من البحوث العقائدية، دفاعا عن العقيدة الإسلامية المقدسة
ومبادئها السامية ومكافحة الكفر والإلحاد... وفي ما يلي نعرض لبعض ما أثر عن
الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) في هذا الخصوص:
الجبر والتفويض في رسالة الإمام (عليه السلام) إلى أهل الأهواز
تعرض (عليه السلام) للرد على فكرة الجبر، وهي التي تبناها الأشاعرة، والمجبرة
ينسبون أفعالهم إلى الله تعالى، ويقولون: ليس لنا صنع، أي لسنا مخيرين في أفعالنا
التي نفعلها، بل إننا مجبورون بإرادته ومشيئته تعالى.
ورد أيضا فكرة المفوضة، وهي التي تبناها المعتزلة، وهم يعتقدون بأن الله
سبحانه وتعالى لا صنع له ولا دخل في أفعال العباد، سوى أنه خلقهم وأقدرهم،

207
ثم فوض أمر أفعالهم إلى سلطانهم وإرادتهم، ولا دخل لأي إرادة أو سلطان
عليهم.
وبعد أن أبطل الإمام (عليه السلام) هاتين الفكرتين أثبت بالأدلة العلمية الواضحة
فكرة الأمر بين الأمرين، وهي الفكرة التي تبناها أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، بعد
أن قررها الإمام الصادق (عليه السلام).
وهذه المسألة وغيرها ذكرها الإمام (عليه السلام) في رسالته إلى أهل الأهواز،
وتحتوي هذه الرسالة على أخصب الدراسات العلمية في المسائل العقائدية التي
كانت مدار الجدل والكلام في ذلك الزمان.
وقد أورد الطبرسي هذه الرسالة في الاحتجاج، والحراني في تحف العقول،
واللفظ الذي أخرجناه هو من تحف العقول.
وفي ما يلي نورد متن الرسالة التي صدرها الإمام (عليه السلام) بمقدمة أورد فيها
فضائل جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأدلة إمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وبالنظر لطول الرسالة، فقد جعلنا مطالبها جملة عناوين ليسهل الاستفادة منها
وإدراك مضامينها:
[في بيان السبب الباعث لإرسالها]:
1 - من علي بن محمد: سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله
وبركاته، فإنه ورد علي كتابكم، وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم،
وخوضكم في القدر، ومقالة من يقول منكم بالجبر، ومن يقول بالتفويض،
وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم، وما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه وبيانه
لكم، وفهمت ذلك كله.

208
[القرآن حق لا ريب فيه]:
اعلموا - رحمكم الله - أنا نظرنا في الآثار، وكثرة ما جاءت به الأخبار،
فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام ممن يعقل عن الله جل وعز، لا تخلو عن
معنيين: إما حق فيتبع، وإما باطل فيجتنب.
وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند
جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون،
مهتدون، وذلك بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا تجتمع أمتي على ضلالة "، فأخبر أن جميع
ما اجتمعت عليه الأمة كلها حق، هذا إذا لم يخالف بعض بعضا.
والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فإذا شهد القرآن
بتصديق خبر وتحقيقه، وأنكر الخبر طائفة من الأمة، لزمهم الإقرار به ضرورة حين
اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب، فإن هي جحدت وأنكرت، لزمها
الخروج من الملة.
[حديث الثقلين وشواهده]:
فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه، والتماس شهادته عليه، خبر
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه، بحيث لا تخالفه أقاويلهم،
حيث قال: " إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي - أهل بيتي - لن تضلوا
ما تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا، مثل قوله جل وعز:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون

209
ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (1).
وروت العامة في ذلك أخبارا لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنه تصدق بخاتمه وهو راكع
فشكر الله ذلك له، وأنزل الآية فيه.
فوجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أتى بقوله: " من كنت مولاه، فعلي مولاه "،
وبقوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". ووجدناه يقول:
" علي يقضي ديني، وينجز موعدي، وهو خليفتي عليكم من بعدي ".
فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح، مجمع عليه،
لا اختلاف فيه عندهم، وهو أيضا موافق للكتاب؛ فلما شهد الكتاب بتصديق
الخبر وهذه الشواهد الأخر لزم على الأمة الإقرار بها ضرورة، إذ كانت هذه
الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة، ووافقت القرآن، والقرآن وافقها.
[فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)]:
ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصادقين (عليهم السلام) ونقلها قوم
ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة،
لا يتعداه إلا أهل العناد.
وذلك أن أقاويل آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متصلة بقول الله، وذلك مثل قوله في
محكم كتابه: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا
مهينا) (2).



(1) المائدة: 55 - 56.
(2) الأحزاب: 57.
210
ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من آذى عليا فقد آذاني،
ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه ".
وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله ".
ومثل قوله (صلى الله عليه وآله) في بني وليعة: " لأبعثن إليهم رجلا كنفسي، يحب الله ورسوله، ويحبه
الله ورسوله، قم يا علي، فسر إليهم ".
وقوله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر: " لأبعثن إليهم غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله
ورسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله عليه "، فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالفتح قبل التوجيه، فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما كان من
الغد دعا عليا (عليه السلام) فبعثه إليهم، فاصطفاه بهذه المنقبة، وسماه كرارا غير فرار،
فسماه الله محبا لله ولرسوله، فأخبر أن الله ورسوله يحبانه.
[بطلان الجبر والتفويض]:
وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا، وقوة لما نحن مبينوه من
أمر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين، وبالله العون والقوة، وعليه نتوكل في
جميع أمورنا.
فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق (عليه السلام): " لا جبر ولا تفويض، ولكن منزلة
بين المنزلتين، وهي صحة الخلقة، وتخلية السرب، والمهلة في الوقت والزاد مثل
الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله ".
فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق (عليه السلام) جوامع الفضل، فإذا نقص العبد منها
خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه، فأخبر الصادق (عليه السلام) بأصل ما يجب على
الناس من طلب معرفته، ونطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات

211
رسوله، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) لا يعدون شيئا من قوله، وأقاويلهم حدود
القرآن، فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل، فوجد لها
موافقا وعليها دليلا، كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد، كما ذكرنا في
أول الكتاب.
ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين، وإنكاره
الجبر والتفويض، وجدنا الكتاب قد شهد له، وصدق مقالته في هذا، وخبر عنه
أيضا موافق لهذا، أن الصادق (عليه السلام) سئل هل أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال
الصادق (عليه السلام): " هو أعدل من ذلك "، فقيل له: فهل فوض إليهم؟ فقال (عليه السلام): " هو
أعز وأقهر لهم من ذلك ".
وروي عنه أنه قال: " الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن
الأمر مفوض إليه، فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك، ورجل يزعم أن الله جل وعز
أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك،
ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن
حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ "، فأخبر (عليه السلام) أن من تقلد الجبر
والتفويض ودان بهما، فهو على خلاف الحق.
فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، وأن الذي يتقلد التفويض
يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.
ثم قال (عليه السلام):
وأضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعنى للطالب، ويسهل له
البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب، وتحقق تصديقه عند
ذوي الألباب، وبالله التوفيق والعصمة.

212
[بطلان الجبر]:
فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ، فهو قول من زعم أن الله جل وعز
أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في
حكمه وكذبه ورد عليه قوله: (ولا يظلم ربك أحدا) (1)، وقوله: (ذلك بما قدمت
يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد) (2)، وقوله: (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن
الناس أنفسهم يظلمون) (3)، مع آي كثيرة في ذكر هذا.
فمن زعم أنه مجبر على المعاصي، فقد أحال بذنبه على الله، وقد ظلمه في
عقوبته، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع
الأمة.
ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا، لا يملك نفسه، ولا يملك عرضا من
عرض الدنيا، ويعلم مولاه ذلك منه، فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة
يأتيه بها، ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته، وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا
لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد
نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور، وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن
يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه، وعلم أن المملوك
لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد إلى السوق، وجاء ليأخذ حاجته التي



(1) سورة الكهف: 49.
(2) سورة الحج: 10.
(3) سورة يونس: 44.
213
بعثه المولى لها، وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء، وليس يملك العبد ثمنها،
فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته، فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه
عليه، أليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه، وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا
من عروض الدنيا، ولم يملكه ثمن حاجته؟ فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا
لما وصف من عدله وحكمته ونصفته، وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين
أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة، تعالى عما يقولون علوا
كبيرا.
فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر، فقد ظلم الله، ونسبه إلى الجور
والعدوان، إذ أوجب على من أجبره العقوبة، ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد
أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة.
ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده
حيث يقول: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون) (1)، وقوله: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (2)، وقوله: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم
نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا
حكيما) (3).
مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله، ويلزمه في تكذيبه آية من



(1) البقرة: 81.
(2) النساء: 10.
(3) النساء: 56.
214
كتاب الله الكفر، وهو ممن قال الله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض
فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب
وما الله بغافل عما تعملون) (1).
بل نقول: إن الله جل وعز جازى العباد على أعمالهم، ويعاقبهم على أفعالهم
بالاستطاعة التي ملكهم إياها، فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه: (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) (2)، وقال
جل ذكره: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن
بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه) (3)، وقال: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت
لا ظلم اليوم) (4)، فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به، ومثلها في القرآن
كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، وبالله التوفيق.
[بطلان التفويض]:
وأما التفويض الذي أبطله الصادق (عليه السلام) وخطأ من دان به وتقلده، فهو قول
القائل: إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم، وفي هذا كلام
دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته، وإلى هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة
الرسول (صلى الله عليه وآله)، فإنهم قالوا: لو فوض إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا



(1) البقرة: 85.
(2) الأنعام: 160.
(3) آل عمران: 30.
(4) المؤمن: 17.
215
ما اختاروه، واستوجبوا منه الثواب (1)، ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان
الإهمال واقعا.
وتنصرف هذه المقالة على معنيين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه
قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن، أو يكون
جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته كرهوا أو أحبوا، ففوض أمره
ونهيه إليهم، وأجراهما على محبتهم، إذ عجز عن تعبدهم بإرادته، فجعل الاختيار
إليهم في الكفر والإيمان.
ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، ويعرف له فضل ولايته،
ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده ونهاه
ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب، وأوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف
العبد إرادة مالكه، ولم يقف عند أمره ونهيه، فأي أمر أمره، وأي نهي نهاه عنه،
لم يأته على إرادة المولى، بل كان العبد يتبع إرادة نفسه واتباع هواه، ولا يطيق
المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته، ففوض اختيار أمره
ونهيه إليه، ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك، وبعثه في
بعض حوائجه، وسمى له الحاجة، فخالف على مولاه، وقصد لإرادة نفسه واتبع
هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به، فإذا هو خلاف ما أمره به، فقال له:
لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: اتكلت على تفويضك الأمر إلي، فاتبعت
هواي وإرادتي، لأن المفوض إليه غير محظور عليه، فاستحال التفويض.
أو ليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا، يأمر عبده



(1) في نسخة: به الثواب.
216
باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد، ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به
وينهاه عنه، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما، وحذره
ورغبه بصفة ثوابه وعقابه، ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة (1) لأمره
ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وإنصافه شاملا له وحجته واضحة عليه
للإعذار والإنذار، فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه،
أو يكون عاجزا غير قادر، ففوض أمره إليه، أحسن أم أساء، أطاع أم عصى،
عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره.
وفي إثبات العجز نفي القدرة والتاء له وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب
ومخالفة الكتاب إذ يقول: (ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) (2)،
وقوله عز وجل: (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (3)، وقوله:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن
يطعمون) (4)، وقوله: (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) (5)، وقوله: (أطيعوا الله
ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) (6).
فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده، فقد أثبت عليه العجز،



(1) في نسخة: من الطاعة.
(2) الزمر: 7.
(3) آل عمران: 102.
(4) الذاريات: 56 و 57.
(5) النساء: 36.
(6) الأنفال: 20.
217
وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر، وأبطل أمر الله ونهيه ووعده
ووعيده، لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه، لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته، فإن شدة
الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا
المعنى، فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه، وهو من أهل هذه
الآية: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي
في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) (1)،
تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.
[الأمر بين الأمرين]:
لكن نقول: إن الله جل وعز خلق الخلق بقدرته، وملكهم استطاعة تعبدهم
بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره، ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن
معصيته، وذم من عصاه وعاقبه عليها، ولله الخيرة في الأمر والنهي، يختار ما يريد
ويأمر به، وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع
أمره واجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجة
بالإعذار والإنذار، وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته
واحتجاجه على عباده.
اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) وبعثه برسالاته إلى خلقه، فقال من قال من كفار قومه
حسدا واستكبارا: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (2)، يعني



(1) البقرة: 85.
(2) الزخرف: 31.
218
بذلك أمية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم، ولم يجز لهم
آراءهم حيث يقول: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة
الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير
مما يجمعون) (1).
ولذلك اختار من الأمور ما أحب، ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن
عصاه عاقبه، ولو فوض اختيار أمره إلى عباده، لأجاز لقريش اختيار أمية بن
أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي، إذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله).
فلما أدب الله المؤمنين بقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (2)، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم، ولم يقبل
منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد، ومن
عصاه ضل وغوى، ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب
نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه، وأنزل به عقابه.
[أدلة الأمر بين الأمرين]:
وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض، وبذلك أخبر أمير المؤمنين
صلوات الله عليه عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم
ويقعد ويفعل.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): " سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع



(1) الزخرف: 32.
(2) الأحزاب: 36.
219
الله " فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): " قل يا عباية ".
قال: وما أقول؟
قال (عليه السلام): " إن قلت: إنك تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت: تملكها دون الله
قتلتك ".
قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين؟
قال (عليه السلام): " تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملكها إياك
كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك، والقادر
على ما عليه أقدرك، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول
ولا قوة إلا بالله؟ ".
قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟
قال (عليه السلام): لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا
بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه.
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أتاه نجدة (1) يسأله عن معرفة الله، قال:
يا أمير المؤمنين، بماذا عرفت ربك؟
قال (عليه السلام): " بالتمييز الذي خولني، والعقل الذي دلني ".
قال: أفمجبول أنت عليه؟
قال: " لو كنت مجبولا ما كنت محمودا على إحسان، ولا مذموما على إساءة،
وكان المحسن أولى بالملامة من المسئ، فعلمت أن الله قائم باق، وما دونه حدث
حائل زائل، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل ".



(1) هو نجدة الحروري، الذي صار من الخوارج في ما بعد.
220
قال نجدة: أجدك أصبحت حكيما يا أمير المؤمنين.
قال (عليه السلام): " أصبحت مخيرا؛ فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب
عليها ".
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام،
فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر؟
قال (عليه السلام): " نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة (1)، ولا هبطتم واديا إلا بقضاء وقدر
من الله ".
فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): مه يا شيخ، فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون،
وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من
أموركم مكرهين، ولا إليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم، لو كان
ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، ولسقط الوعد والوعيد، ولما ألزمت الأشياء (2)
أهلها على الحقائق، ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان، إن الله جل وعز أمر
تخييرا، ونهى تحذيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يخلق السماوات
والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ".
فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنشأ يقول:
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه رضوانا



(1) التلعة: ما علا من الأرض.
(2) في نسخة: الأسماء.
221
فليس معذرة في فعل فاحشة * قد كنت راكبها ظلما وعصيانا (1)
فقد دل أمير المؤمنين (عليه السلام) على موافقة الكتاب، ونفي الجبر والتفويض اللذين
يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب، ونعوذ بالله من
الضلالة والكفر، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض، لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين، وهو
الامتحان والاختيار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها، على ما شهد به
الكتاب، ودان به الأئمة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.
[مثل رائع]:
ومثل الاختيار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا، وملك مالا كثيرا، أحب
أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه، فملكه من ماله بعض ما أحب، ووقفه (2)
على أمور عرفها العبد، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها، ونهاه عن أسباب لم يحبها،
وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في أي الوجهين،
فصرف المال (3) أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه
وسخطه.
وأسكنه دار اختبار، أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار، وأن له دارا
غيرها، وهو مخرجه إليها، فيها ثواب وعقاب دائمان، فإن أنفذ العبد المال الذي
ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به، جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي



(1) في نسخة: عندي لراكبها ظلما وعصيانا.
(2) في نسخة: ووافقه.
(3) في نسخة: فصرف الآن.
222
أعلمه أنه مخرجه إليها، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه، جعل له
ذلك العقاب الدائم في دار الخلود.
وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار
الأولى، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد، على أنه لم يزل مالكا للمال
والعبد في الأوقات كلها، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار
الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها، فوفى له، لأن من صفات المولى العدل والوفاء
والنصفة والحكمة، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه
المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب؟ وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية
وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة.
وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في
الوجه المنهي عنه، وخالف أمر مولاه، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره
إياها، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده،
بذلك يوصف القادر القاهر.
وأما المولى فهو الله جل وعز، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق، والمال قدرة
الله الواسعة، ومحنته (1) إظهار [ه] الحكمة والقدرة، والدار الفانية هي الدنيا، وبعض
المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، والأمور التي أمر الله
بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء، والإقرار بما أوردوه عن الله
جل وعز، واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس.
وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة، وأما الدار الفانية فهي الدنيا، وأما الدار



(1) أي اختباره وامتحانه.
223
الأخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة. والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار
والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد.
وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام) (1) أنها جمعت جوامع
الفضل، وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله.
[الأمثال الخمسة]:
تفسير صحة الخلقة: أما قول الصادق (عليه السلام) " وهي صحة الخلقة " فإن معناه
كمال الخلق للإنسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق،
وذلك قول الله: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (2) فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم
على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه
حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق، وذلك قوله: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن
تقويم) (3)، وقوله: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك
فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) (4)، وفي آيات كثيرة.
فأول نعمة الله على الإنسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال
العقل وتمييز البيان، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه



(1) أي صحة الخلقة، وتخلية السرب، والمهلة في الوقت، والزاد، والسبب المهيج.
(2) الإسراء: 70.
(3) التين: 4.
(4) الانفطار: 6 - 8.
224
بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق
المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا
ناهيا، وغيره مسخر له، كما قال الله: (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما
هداكم) (1)، وقال: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه
حلية تلبسونها) (2)، وقال: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون *
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا
بشق الأنفس) (3).
فمن أجل ذلك دعا الله الإنسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته، بتفضيله إياه
باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به
بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) (4)، وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها) (5)، وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (6)، وفي آيات كثيرة.
فإذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته، كقوله: (ليس
على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج) (7)، الآية، فقد رفع عن كل من كان بهذه



(1) النحل: 14.
(2) النحل: 14.
(3) النحل: 5 - 7.
(4) التغابن: 16.
(5) البقرة: 286.
(6) الطلاق: 7.
(7) النور: 61، الفتح: 17.
225
الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها.
وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، ولم
يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) (1)، وقوله في الظهار: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة) - إلى قوله: - (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (2)، كل ذلك
دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل
به، ونهاهم عن مثل ذلك، فهذه صحة الخلقة.
وأما قوله: " تخلية السرب " فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه
العمل بما أمره الله به، وذلك قوله في من استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة
ولا يهتدي سبيلا، كما قال الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان
لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) (3)، فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس
عليه من القول شيء إذا كان مطمئن القلب بالإيمان.
وأما المهلة في الوقت: فهو العمر الذي يمنع الإنسان من حد ما تجب عليه
المعرفة إلى أجل الوقت، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله، فمن
مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير، وذلك قوله: (ومن يخرج من
بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) (4) الآية، وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله



(1) آل عمران: 97.
(2) المجادلة: 3 و 4.
(3) النساء: 98.
(4) النساء: 100.
226
في الوقت إلى استتمام أمره، وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ
الحلم في قوله: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) (1) الآية، فلم يجعل عليهن
حرجا في إبداء الزينة للطفل، وكذلك لا تجري عليه الأحكام.
وأما قوله: " الزاد " فمعناه الجدة (2) والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره
الله به، وذلك قوله: (ما على المحسنين من سبيل) (3) الآية، ألا ترى أنه قبل عذر
من لم يجد ما ينفق؟ وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد
وأشباه ذلك، وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله:
(للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) (4) الآية، فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الإعداد
لما لا يستطيعون ولا يملكون.
وأما قوله: " والسبب المهيج " فهو النية التي هي داعية الإنسان إلى جميع
الأفعال، وحاستها القلب (5)، فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل
الله منه عملا إلا بصدق النية، ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله: (يقولون بأفواههم
ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) (6)، ثم أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) توبيخا للمؤمنين:
(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) (7) الآية، فإذا قال الرجل قولا واعتقد



(1) النور: 31.
(2) الجدة: الغنى والقدرة.
(3) التوبة: 91.
(4) البقرة: 273.
(5) في نسخة: وحاسنة العقل.
(6) آل عمران: 166.
(7) سورة الصف: 2.
227
في قوله، دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم تتبين
حقيقته.
وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها، لعلة مانع يمنع إظهار
الفعل، في قوله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (1)، وقوله: (لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم) (2)، فدل القرآن وأخبار الرسول (صلى الله عليه وآله) أن القلب مالك لجميع
الحواس يصحح أفعالها، ولا يبطل ما يصحح القلب شيء.
فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام) أنها تجمع المنزلة
بين المنزلتين، وهما الجبر والتفويض، فإذا اجتمع في الإنسان كمال هذه الخمسة
الأمثال، وجب عليه العمل كمالا لما أمر الله عز وجل به ورسوله، وإذا نقص العبد
منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك.
[شواهد قرآنية على الاختبار والبلوى]:
فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين
القولين فكثيرة، ومن ذلك قوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين
ونبلوا أخباركم) (3)، وقال: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) (4)، وقال: (ألم *
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (5).



(1) النحل: 106.
(2) البقرة: 225.
(3) محمد: 33.
(4) الأعراف: 182، القلم: 44.
(5) العنكبوت: 1 و 2.
228
وقال في الفتن التي معناها الاختبار: (ولقد فتنا سليمان) (1) الآية، وقال في
قصة موسى (عليه السلام): (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) (2)، وقول
موسى (عليه السلام): (إن هي إلا فتنتك) (3)، أي اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها
ببعض، ويشهد بعضها لبعض.
وأما آيات البلوى بمعنى الاختيار قوله: (ليبلوكم في ما آتاكم) (4)، وقوله:
(ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) (5)، وقوله: (إنما بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) (6)،
وقوله: (وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) (7)، وقوله: (وإذ ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات) (8)، وقوله: (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم
ببعض) (9).
وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها، فهي اختبار،
وأمثالها في القرآن كثيرة، فهي إثبات الاختبار والبلوى.
إن الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثا، ولا أهملهم سدى، ولا أظهر حكمته



(1) ص: 34.
(2) طه: 85.
(3) الأعراف: 155.
(4) المائدة: 48، الأنعام: 165.
(5) آل عمران: 152.
(6) القلم: 17.
(7) الملك: 2.
(8) البقرة: 123.
(9) محمد: 5.
229
لعبا، وبذلك أخبر في قوله: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) (1).
فإن قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم؟ قلنا: بلى،
قد علم ما يكون منهم قبل كونه، وذلك لقوله: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (2)،
وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل، وقد أخبر بقوله:
(ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) (3)، وقوله:
(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (4)، وقوله: (رسلا مبشرين ومنذرين) (5).
فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده، وهو القول بين الجبر
والتفويض، وبهذا نطق القرآن، وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله).
فإن قالوا: ما الحجة في قول الله: (يهدي من يشاء ويضل من يشاء) (6)،
وما أشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها على معنيين:
أما أحدهما فإخبار عن قدرته، أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال
من يشاء، وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب،
على نحو ما شرحنا في الكتاب.
والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه، كقوله: (وأما ثمود فهديناهم) أي



(1) المؤمنون: 115.
(2) الأنعام: 28.
(3) طه: 134.
(4) الإسراء: 15.
(5) النساء: 165.
(6) النحل: 93.
230
عرفناهم (فاستحبوا العمى على الهدى) (1)، فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن
يضلوا.
وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي
أمرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم) (2)
الآية، وقال: (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي أحكمه
وأشرحه (أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) (3).
وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى، وجنبنا وإياكم معاصيه
بمنه وفضله، والحمد لله كثيرا كما هو أهله، وصلى الله على محمد وآله الطيبين،
وحسبنا الله ونعم الوكيل (4).
2 - ومما يضاف إلى موضوع الجبر والتفويض المتعلق بأفعال العباد،
ما رواه الشيخ المفيد (رحمه الله) في تصحيح الاعتقاد، قال: روي عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى؟
فقال (عليه السلام): لو كان خالقا لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: (إن الله
بريء من المشركين ورسوله) (5)، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ



(1) فصلت: 17.
(2) آل عمران: 7.
(3) الزمر: 19.
(4) تحف العقول: 458 - 475.
(5) البراءة: 3.
231
من شركهم وقبائحهم (1).
3 - وما رواه الشيخ الصدوق بالإسناد عن عبد العظيم الحسني، عن الإمام
علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن
موسى (عليه السلام)، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عليه السلام) فاستقبله موسى
ابن جعفر (عليه السلام) فقال له: يا غلام ممن المعصية؟
فقال (عليه السلام): لا تخلو من ثلاثة: إما أن تكون من الله عز وجل، وليست منه،
فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه، وإما أن تكون من الله عز وجل ومن
العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من
العبد، وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده (2).
4 - وروي عن الإمام علي بن محمد العسكري (عليه السلام) أن أبا الحسن موسى بن
جعفر (عليه السلام) قال: إن الله خلق الخلق، فعلم ما هم إليه صائرون، فأمرهم ونهاهم،
فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شيء
فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه، وما جبر
الله أحدا من خلقه على معصيته، بل اختبرهم بالبلوى، كما قال تعالى: (ليبلوكم
أيكم أحسن عملا) (3).



(1) تصحيح الاعتقاد: 29.
(2) بحار الأنوار 5: 4 / 2.
(3) بحار الأنوار 5: 26 / 32، والآية من سورة هود: 7.
232
التوحيد
1 - عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، قال: سألته
عن أدنى المعرفة، فقال (عليه السلام): الإقرار بأنه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير، وأنه
قديم مثبت موجود غير فقيد، وأنه ليس كمثله شيء (1).
2 - وعن أبي منصور الطبرسي، قال: سئل أبو الحسن الهادي (عليه السلام) عن
التوحيد، فقيل له: لم يزل الله وحده لا شيء معه، ثم خلق الأشياء بديعا، واختار
لنفسه الأسماء، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟
فكتب (عليه السلام): لم يزل الله موجودا، ثم كون ما أراد، لا راد لقضائه، ولا معقب
لحكمه، تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف
الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه، أو الوقوع بالبلوغ
على علو مكانه، فهو بالموضع الذي لا يتناهى، وبالمكان الذي لم يقع عليه عيون
بإشارة ولا عبارة، هيهات هيهات! (2)
استحالة الوصف:
1 - عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: ضمني وأبا الحسن [الهادي]



(1) التوحيد: 283 / 1 - الباب 4.
(2) الاحتجاج: 449.
233
الطريق حين منصرفي من مكة إلى خراسان، وهو صائر إلى العراق، فسمعته وهو
يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع.
قال: فتلطفت في الوصول إليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، وأمرني
بالجلوس، وأول ما ابتدأني به أن قال:
يا فتح، من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق،
فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به
نفسه، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله،
والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون،
وتعالى عما ينعته الناعتون؛ نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في نأيه قريب،
وفي قربه بعيد، كيف الكيف فلا يقال كيف، وأين الأين فلا يقال أين، إذ هو منقطع
الكيفية والأينية، هو الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،
فجل جلاله.
أم كيف يوصف بكنهه محمد (صلى الله عليه وآله) وقد قرنه الجليل باسمه وشركه في عطائه،
وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، إذ يقول: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من
فضله) (1).
وقال: يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل
قطرانها: (يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) (2).
أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال:



(1) التوبة: 74.
(2) الأحزاب: 66.
234
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (1)، وقال: (ولو ردوه إلى الله وإلى
الرسول وإلى أولي الأمر منهم) (2)، وقال: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها) (3)، وقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4)؟
يا فتح، كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول،
فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء، وخليلنا أفضل
الأخلاء، ووصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، وكنيتهما أفضل الكنى
وأجلاها، لو لم يجالسنا إلا كفؤ لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا إلا كفؤ لم يزوجنا
أحد، أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما، وأنداهم كفا، وأمنعهم كنفا، ورث عنهما
أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهم الأمر وسلم إليهم، أماتك الله مماتهم، وأحياك
حياتهم، إذا شئت رحمك الله (5).
2 - وعن سهل بن زياد، عن أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) أنه قال: إلهي
تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين،
واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى
علوك، فأنت في المكان الذي لا يتناهى، ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة،



(1) النساء: 59.
(2) النساء: 83.
(3) النساء: 58.
(4) الأنبياء: 7.
(5) كشف الغمة 3: 176، الكافي 1: 137، إثبات الوصية: 227.
235
هيهات ثم هيهات، يا أولي، يا وحداني، يا فرداني، شمخت في العلو بعز الكبر،
وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية بجبروت الفخر (1).
3 - وعن ابن شعبة بإسناده قال: قال أبو الحسن الثالث (عليه السلام):
إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس
أن تدركه؟ والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به،
نأى في قربه، وقرب في نأيه، كيف الكيف بغير أن يقال: كيف، وأين الأين بلا أن
يقال: أين، هو منقطع الكيفية والأينية، الواحد، الأحد، جل جلاله وتقدست
أسماؤه (2).
استحالة الرؤية:
1 - روى الشيخ الصدوق والكليني بالإسناد عن أحمد بن إسحاق، قال:
كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس؟ فكتب:
لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن
الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي
في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان في ذلك التشبيه، لأن
الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات (3).



(1) التوحيد: 66 / 19، الباب 2.
(2) بحار الأنوار 4: 303 / 30.
(3) التوحيد: 109، 7 - الباب 8، الكافي 1: 97 / 4.
236
إبطال التجسيم والتشبيه:
1 - عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام): أن من قبلنا
من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم، ومنهم من يقول صورة،
فكتب (عليه السلام) بخطه: سبحان من لا يحد ولا يوصف، ليس كمثله شيء وهو السميع
العليم، أو قال: البصير (1).
2 - وعن حمزة بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الجسم
والصورة، فكتب: سبحان من ليس كمثله شيء، لا جسم ولا صورة (2).
3 - وعن محمد بن الفرج الرخجي، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله
عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة، فكتب: دع عنك
حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان (3).
4 - وعن الصقر بن دلف، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن
موسى الرضا (عليهم السلام) عن التوحيد، وقلت له: إني أقول بقول هشام بن الحكم،
فغضب ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله جسم، نحن منه



(1) التوحيد: 100 / 9، الكافي 1: 102 / 5.
(2) التوحيد: 102 / 16، الكافي 1: 104 / 2.
(3) أمالي الصدوق: 166، المجلس 47، الكافي 1: 105 / 5.
237
براء في الدنيا والآخرة. يا بن دلف، إن الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه (1).
5 - وعن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سمعته
يقول: وهو اللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد،
ولم يكن له كفوا أحد، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق،
ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه، إذ كان
لا يشبهه شيء، ولا يشبه هو شيئا.
قلت: أجل جعلني الله فداك، لكنك قلت: الأحد الصمد، وقلت: لا يشبهه
شيء، والله واحد، والإنسان واحد، أليس قد تشابهت الوحدانية؟
قال: يا فتح، أحلت ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي
واحدة، وهي دالة على المسمى، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة
واحدة، وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه
مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزأة ليست بسواء، دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه،
وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع
الخلق، فالإنسان واحد في الاسم، لا واحد في المعنى، والله جل جلاله هو واحد في
المعنى، لا واحد غيره، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان، فأما
الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى [ففيه اختلاف
وتفاوت وزيادة ونقصان] غير أنه بالاجتماع شيء واحد.
قلت: جعلت فداك، فرجت عني، فرج الله عنك، فقولك اللطيف الخبير



(1) أمالي الصدوق: 167.
238
فسره لي كما فسرت الواحد، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه المفصل،
غير أني أحب أن تشرح ذلك لي.
فقال: يا فتح، إنما قلنا اللطيف للخلق اللطيف، ولعلمه بالشيء اللطيف،
أو لا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف؟ ومن
الخلق اللطيف، ومن الحيوان الصغار، ومن البعوض، والجرجس، وما هو أصغر
منها، ما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره، الذكر من الأنثى،
والحدث المولود من القديم.
فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد، والهرب من الموت، والجمع
لما يصلحه، وما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار، والمفاوز، والقفار، وإفهام
بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف
ألوانها حمرة مع صفرة، وبياض مع حمرة، وإنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة
خلقها، لا تراه عيوننا، ولا تلمسه أيدينا، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، لطف
بخلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة، وأن كل صانع شيء فمن شيء صنع، والله
الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (1).
6 - وعن محمد بن عيسى، قال: كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام)،
جعلني الله فداك يا سيدي، قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش
استوى، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، وروي أنه
ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه.



(1) التوحيد: 185 / 1، باب 29، الكافي 1: 118 / 1.
239
فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع، فقد يلاقيه
الهواء، ويتكنف عليه، والهواء جسم رقيق يتكنف على كل شيء بقدره، فكيف
يتكنف عليه جل ثناؤه على هذا المثال؟
فوقع (عليه السلام): علم ذلك عنده، وهو المقدر له، بما هو أحسن تقديرا، واعلم أنه
إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش، والأشياء كلها له سواء علما وقدرة
وملكا وإحاطة (1).
7 - وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي علي
ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليهم السلام)، فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم، أنت ولينا
حقا.
قال: فقلت له: يا بن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان
مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل.
فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن
الحدين؛ حد الإبطال، وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة، ولا عرض
ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر،
رب كل شيء، ومالكه وجاعله ومحدثه... إلى أن قال: فقال علي بن محمد (عليه السلام):
يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله بالقول



(1) الكافي 1: 126 / 4.
240
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1).
وقد ذكرنا الحديث مفصلا في نصوصه (عليه السلام) على ولده أبي محمد الحسن بن
علي العسكري (عليه السلام) من بعده.
8 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الإمامين علي بن محمد ومحمد بن
علي العسكريين (عليهما السلام)، أنهما قالا: من قال بالجسم فلا تعطوه شيئا من الزكاة،
ولا تصلوا خلفه (2).
الإرادة والمشيئة:
1 - عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: إن لله إرادتين
ومشيئتين؛ إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء.
أما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة، وشاء ذلك، ولو لم يشأ
أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق، ولم
يشأ أن يذبحه، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى (3).
2 - وعن أيوب بن نوح، قال: قال لي أبو الحسن العسكري (عليه السلام) وأنا واقف
بين يديه بالمدينة ابتداء من غير مسألة: يا أيوب، إنه ما نبأ الله من نبي إلا بعد أن



(1) أمالي الصدوق: 204 / المجلس 54، التوحيد: 81 / 37، الباب 2، كمال الدين: 379.
(2) الفقيه 1: 379.
(3) الكافي 1: 151 / 4.
241
يأخذ عليه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد من دون الله، وأن
لله المشيئة، يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، أما إنه إذا جرى الاختلاف بينهم لم يزل
الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب هذا الأمر (1).
في علمه تعالى:
1 - عن أيوب بن نوح، أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الله
عز وجل، أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أو لم يعلم ذلك حتى
خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق، وما كون عندما كون؟
فوقع (عليه السلام) بخطه: لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه
بالأشياء بعدما خلق الأشياء (2).
2 - وعن معلى بن محمد، قال: سئل (عليه السلام) كيف علم الله تعالى؟
قال (عليه السلام): علم وشاء وأراد وقدر وقضى، وأبدى فأمضى ما قضى، وقضى
ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشية، وبمشيته كانت الإرادة، وبإرادته كان
التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء.
فالعلم متقدم المشية، والمشية ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على
القضاء بالإمضاء، فلله تبارك وتعالى البداء في ما علم متى شاء، وفي ما أراد لتقدير
الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء.



(1) تفسير العياشي 2: 215.
(2) التوحيد: 145 / 13، الباب 11.
242
فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشية في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل
قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما، والقضاء
بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذي لون
وريح ووزن وكيل، وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع، وغير ذلك
مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين
المفهوم المدرك فلا بداء.
والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها
وحدودها وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها
وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس
أماكنها، ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها، وأبان أمرها، وذلك تقدير العزيز
العليم (1).
خلق القرآن
من المسائل الرهيبة التي ابتلي بها المسلمون في حياتهم الدينية، وامتحنوا
كأشد ما يكون الامتحان، هي مسألة خلق القرآن، فقد ابتدعها الحكم العباسي،
وأثاروها للقضاء على خصومهم، وقد قتل خلق كثيرون من جرائها، وانتشرت
الأحقاد والأضغان بين المسلمين.
وقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني،



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 90 / 16، التوحيد: 334 / 9، الباب 54.
243
قال: كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد:
بسم الله الرحمن الرحيم
عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لا يفعل فهي
الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى
السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل،
وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين،
جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (1).
وروي هذا الحديث في الدر النظيم عنه (عليه السلام) مع أدنى تغيير (2).
وبهذا وضع (عليه السلام) النقاط على الحروف في هذه المسألة الحساسة، فالخوض في
هذه المسألة بدعة وضلال، والسائل والمجيب يشتركان معا في الإثم، وعلينا أن
نقتصر في القول على أن القرآن كلام الله تعالى.
حقيقة الإيمان
روى المسعودي بالإسناد عن أبي دعامة، قال: أتيت علي بن محمد بن
علي بن موسى (عليه السلام) عائدا في علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما
هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة، قد وجب حقك، أفلا أحدثك بحديث
تسر به؟



(1) التوحيد: 224 / 4، الباب 30.
(2) الإمام الهادي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد: 156.
244
قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله!
قال (عليه السلام): حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى بن
جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني محمد بن علي، قال: حدثني
علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن
أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اكتب، قال: قلت: وما أكتب؟ قال:
اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب، وصدقته الأعمال،
والإسلام ما جرى به اللسان، وحلت به المناكحة.
قال أبو دعامة: فقلت: يا بن رسول الله، ما أدري والله أيهما أحسن،
الحديث أم الإسناد؟
فقال (عليه السلام): إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب (عليه السلام) بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نتوارثها صاغرا عن كابر (1).
الجهل بحقيقة الموت
1 - روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)،
قال: قيل لمحمد بن علي بن موسى صلوات الله عليه: ما بال هؤلاء المسلمين
يكرهون الموت؟
فقال (عليه السلام): لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله
عز وجل لأحبوه، ولعلموا أن الآخرة خير من الدنيا.



(1) مروج الذهب 4: 85.
245
ثم قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله (1)، ما بال الصبي والمجنون يمتنعان عن الدواء المنقي
لبدنهما، والنافي للألم عنهما؟ قال: لجهلهما بنفع الدواء.
فقال (عليه السلام): والذي بعث محمدا بالحق نبيا، إن من استعد للموت حق
الاستعداد، فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو عرفوا ما يؤدي إليه
الموت من النعيم لاستدعوه وأحبوه أشد ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع
الآفات وجلب السلامة (2).
2 - وأعرب الإمام (عليه السلام) في حديث آخر عن واقع الموت وحقيقته، وأنه
ينبغي للمؤمن إذا نزل بساحته أن لا يحزن ولا يجزع، فقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله)
بالإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، قال: دخل علي بن
محمد (عليه السلام) على مريض من أصحابه، وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال (عليه السلام) له:
يا عبد الله، تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت وتقذرت وتأذيت
من كثرة القذر والوسخ عليك، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أن الغسل في
حمام يزيل ذلك كله، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك، أو تكره أن تدخله
فيبقى ذلك عليك؟
فقال: بلى يا بن رسول الله.
قال الإمام (عليه السلام): فذلك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من
تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وحاورته، فقد نجوت



(1) المراد أحد أصحابه (عليه السلام).
(2) بحار الأنوار 6: 156 / 12.
246
من كل هم وغم وأذى، ووصلت إلى كل سرور وفرح. فسكن الرجل ونشط
واستسلم، وغمض عين نفسه، ومضى لسبيله (1).
في الإمامة والولاية
حب أهل البيت وولايتهم (عليهم السلام):
1 - روى الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه (عليهم السلام) أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا
أهل بيتي لحبي (2).
2 - وروى الإمام الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المحب لأهل بيتي، والموالي لهم، والمعادي فيهم،
والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهما في ما ينوبهم من أمورهم (3).
3 - وروى الإمام الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه عن جده الإمام الباقر (عليه السلام)،
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله)، أنا من جانب، وعلي
أمير المؤمنين (عليه السلام) من جانب، إذ أقبل عمر بن الخطاب ومعه رجل قد تلبب به،



(1) بحار الأنوار 6: 156 / 13.
(2) أمالي الطوسي: 278 / 531 - تحقيق مؤسسة البعثة.
(3) بحار الأنوار 27: 85 / 28.
247
فقال (صلى الله عليه وآله): ما باله؟ قال: حكى عنك يا رسول الله أنك قلت: من قال: لا إله إلا
الله، محمد رسول الله دخل الجنة، وهذا إذا سمعه الناس فرطوا في الأعمال، أفأنت
قلت ذلك؟
قال (صلى الله عليه وآله): نعم، إذا تمسك بمحبة هذا وولايته (1)، يعني الإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام).
4 - وروى الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه (عليهم السلام)، أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): يا علي، محبك محبي، ومبغضك مبغضي (2).
5 - وروى الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه (عليهم السلام)، عن
جده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من سره أن يلقى الله
عز وجل آمنا، مطهرا، لا يحزنه الفزع الأكبر، فليتولك يا علي، وليتول ابنيك
الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ثم المهدي
وهو خاتمهم، وليكونن في آخر الزمان قوم يتولونك يا علي، يشنأهم الناس،
ولو أحبوهم كان خيرا لهم لو كانوا يعلمون، يؤثرونك وولدك على الآباء
والأمهات والإخوة والأخوات، وعلى عشائرهم والقرابات، صلوات الله عليهم
أفضل الصلوات، أولئك يحشرون تحت لواء الحمد، يتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع



(1) بحار الأنوار 39: 298 / 103.
(2) بحار الأنوار 39: 272 / 47.
248
درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون (1).
الوصية:
1 - روى الإمام الهادي (عليه السلام) بسنده عن آبائه، عن جده الإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: يا علي، خلقني الله وأنت من نوره حين
خلق آدم، فأفرغ ذلك النور في صلبه، فأفضى به إلى عبد المطلب، ثم افترق من
عبد المطلب، فصرت أنا في عبد الله، وأنت في أبي طالب، لا تصلح النبوة إلا لي،
ولا تصلح الوصية إلا لك، فمن جحد وصيتك جحد نبوتي، ومن جحد نبوتي أكبه الله
على منخريه في النار (2).
في علم الإمام:
روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بإسناده عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن
صاحب العسكر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا،
كان عند آصف حرف فتكلم به، فانخرقت له الأرض في ما بينه وبين سبأ،
فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من
طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله مستأثر به في علم
الغيب (3).



(1) بحار الأنوار 36: 258 / 27.
(2) بحار الأنوار 15: 12 / 15.
(3) الكافي 1: 230، بصائر الدرجات: 211 / 3.
249
ما روي عنه (عليه السلام) في أم القائم (عليه السلام):
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن أبي الحسين محمد بن بحر الشيباني،
عن بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن
وأبي محمد (عليهما السلام) - في حديث طويل - قال: كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد
العسكري (عليه السلام) فقهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت
بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال
والحرام.
فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى، وقد مضى هوي (1) من الليل، إذ
قرع الباب قارع فعدوت مسرعا، فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن
علي بن محمد (عليه السلام) يدعوني إليه، فلبست ثيابي، ودخلت عليه، فرأيته يحدث ابنه
أبا محمد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر، إنك من ولد
الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت،
وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها شأو (2) الشيعة في الموالاة بها، بسر أطلعك
عليه، وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا ملصقا بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه
بخاتمه، وأخرج شستقة (3) صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا، فقال: خذها
وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا.



(1) أي زمان غير قليل.
(2) الشأو: الأمد والغاية.
(3) الظاهر من السياق أنها التي تجعل فيها الدراهم؛ ولم أجدها في معاجم اللغة.
250
فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا، وبرزن الجواري منها، فستحدق
بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشراذم من فتيان العراق، فإذا
رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك، إلى
أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من
السفور، ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها
من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها
تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: علي بثلاثمائة دينار، فقد زادني
العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان، وعلى مثل سرير ملكه،
ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك. فيقول: فما الحيلة ولا بد من بيعك، فتقول
الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته وديانته؟
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معي كتابا ملصقا لبعض
الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه،
فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها
منك.
قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن
(عليه السلام) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، وقالت لعمر بن
يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة المغلظة (1) إنه متى
امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على
مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة الصفراء.



(1) أي اليمين المؤكدة التي لا يمكن للحالف معها أن يبر قسمه.
251
فاستوفاه مني وتسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى
حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب
مولاها (عليه السلام) من جيبها، وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتطبقه على جفنها،
وتمسحه على بدنها، فقلت تعجبا منها: أتلثمين كتابا، ولا تعرفين صاحبه؟!
قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرغ
لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين
تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب أن جدي قيصر أراد أن
يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل
الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة
رجل.
وجمع من أمراء الأجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة
آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر،
فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه، وأحدقت به الصلبان، وقامت
الأساقفة عكفا، ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت
بالأرض، وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا
عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها
الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب
الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا، وقال للأساقفة: أقيموا هذه
الأعمدة، وارفعوا الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده (1)،



(1) الجد: الحظ.
252
لأزوج منه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرق الناس،
وقام جدي قيصر مغتما، ودخل قصره، وأرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة
كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي، ونصبوا فيه
منبرا يباري السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه،
فدخل عليهم محمدا (صلى الله عليه وآله) مع فتية وعدة من بنيه، فيقوم المسيح فيعتنقه، فيقول:
يا روح الله، إني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ
بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، فقال له: قد أتاك
الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر،
وخطب محمد (صلى الله عليه وآله) وزوجني وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنو محمد (صلى الله عليه وآله) والحواريون،
فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل.
فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمد حتى
امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودق شخصي، ومرضت مرضا
شديدا، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي. فلما
برح به اليأس قال: يا قرة عيني، فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدي، أرى أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في
سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدقت عليهم ومننتهم
بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاء، فلما فعل ذلك جدي
تجلدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك جدي،
وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.
إلى أن قال: فقالت: فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري

253
ما رأيت وما شاهدت، وما شعر أحد بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك،
وذلك بإطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن
اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
فقلت: العجب أنك رومية ولسانك عربي؟
قالت: بلغ من ولوع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة
ترجمان له في الاختلاف إلي، فكانت تقصدني صباحا ومساء، وتفيدني العربية حتى
استمر عليها لساني واستقام.
قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سر من رأى، دخلت على مولانا أبي الحسن
العسكري (عليه السلام) فقال لها: كيف أراك الله عز الإسلام وذل النصرانية، وشرف أهل
بيت محمد (صلى الله عليه وآله)؟
قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟
قال: فإني أريد أن أكرمك، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم، أم بشرى
لك فيها شرف الأبد؟
قالت: بل البشرى. قال (عليه السلام): فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا، ويملأ
الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
إلى أن قال: فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور، ادع لي أختي حكيمة، فلما
دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هي، فاعتنقتها طويلا وسرت بها كثيرا، فقال لها
مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن، فإنها
زوجة أبي محمد، وأم القائم (عليه السلام) (1).



(1) كمال الدين: 417 / 1 - الباب 41.
254
ما روي عنه (عليه السلام) في الغيبة:
1 - روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بالإسناد عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، قال: إذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقعوا الفرج من تحت
أقدامكم (1).
2 - وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى
أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن الفرج، فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم
عن دار الظالمين، فتوقعوا الفرج (2).
3 - وعن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن
صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من
بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل
لكم ذكر اسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
4 - وعن علي بن عبد الغفار، قال: لما مات أبو جعفر الثاني (عليه السلام) كتبت
الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يسألونه عن الأمر، فكتب (عليه السلام):



(1) الكافي 1: 341 / 24.
(2) كمال الدين: 380 / 2 - الباب 37.
(3) كمال الدين: 381 / 5 - الباب 37.
255
الأمر لي ما دمت حيا، فإذا نزلت بي مقادير الله عز وجل، آتاكم الله الخلف مني،
وأنى لكم بالخلف بعد الخلف (1).
5 - وعن الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام)
يقول: إن الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا
وعدلا كما ملئت جورا وظلما (2).
فضل العلماء
أشاد الإمام الهادي (عليه السلام) بفضل العلماء في زمان الغيبة، فقد روي عنه (عليه السلام)
أنه قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه،
والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته،
ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون
أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون
عند الله عز وجل (3).



(1) كمال الدين: 382 / 8 - الباب 37.
(2) كمال الدين: 383، الخصال: 394.
(3) الاحتجاج: 455.
256
الفصل العاشر
تصديه (عليه السلام) لأهل البدع
الغلاة وأهل البدع
اتخذ الأئمة الأطهار من أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم مواقف صريحة وصلبة من
الغلو والغلاة، فقد أعلنوا عن كفرهم وإلحادهم والبراءة منهم، حفاظا على الخط
الرسالي الذي دافع عنه الأئمة (عليهم السلام) بكل ما أتيح لهم من وسائل، ولم يدخروا في هذا
السبيل وسعا وجهدا.
ولقد اندس في صفوف شيعة أهل البيت (عليهم السلام) زمرة خبيثة من أهل الدجل
والبدع والأضاليل إلى حد الإلحاد والكفر، حاملين معاول الهدم في صرح
مبادئ الإسلام وتعاليمه السامية، فأغروا بعض السذج الذين لا يملكون أي وعي
وتدبر.
فلقد انتحل الغلاة بعض الأحاديث ودسوها في أقوال الأئمة (عليهم السلام)
وذلك لكسب الأنصار والمؤيدين من جهة، وتهديم الشريعة وتشويهها من جهة
أخرى.
قال الإمام الرضا (عليه السلام): إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا، وجعلوها

257
على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح
بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول
بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم
ثلبونا بأسمائنا (1).
ومن رؤوس هؤلاء الغلاة المعاصرين للإمام الهادي (عليه السلام) علي بن حسكة،
والقاسم بن يقطين، والحسن بن محمد بن باب القمي، وفارس بن حاتم بن ماهويه
القزويني، ومحمد بن نصير الفهري النميري.
لقد اختلق هؤلاء الأحاديث على لسان الأئمة (عليهم السلام) التي تشمئز منها
النفوس، ومن بدعهم التي حاولوا فيها الكيد للإسلام وتشويه واقع الأئمة من
أهل البيت (عليهم السلام) ادعاؤهم أن الصلاة والزكاة والصيام وسائر الفرائض جميعها
رجل، فاستهتروا بسائر السنن الإلهية، وأسقطوا الفرائض عمن دان بمذهبهم، بل
وأباحوا نكاح المحارم واللواط وقالوا بالتناسخ وما إلى ذلك من المحرمات.
والأنكى من جميع ذلك أنهم ادعوا أن الإمام الهادي (عليه السلام) هو الرب الخالق
والمدبر للكون، وأنه بعث ابن حسكة ومحمد بن نصير الفهري وابن بابا وغيرهم
أنبياء يدعون الناس إليهم ويهدونهم، وكان هدفهم الأساس هو الاستحواذ على
أموال الناس والحقوق والوجوه الشرعية التي تحمل إلى الإمام (عليه السلام) كما هو ظاهر
بعض الروايات الآتية.
وعلى الرغم من الإقامة الجبرية التي فرضت على الإمام الهادي (عليه السلام) في ظل
خلفاء بني العباس، وملاحقة مواليه وشيعته ومحبيه، فإنه (عليه السلام) وأصحابه رضوان الله



(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 304.
258
عليهم لم يدخروا جهدا في سبيل التصدي لهذه الحركة المنحرفة، ضمن المسؤولية
الشرعية والعلمية المناطة به (عليه السلام) لتصحيح المسار الإسلامي بكل ما حوى من علوم
ومعارف واتجاهات، فقد لعنهم الإمام (عليه السلام) وأعلن البراءة منهم، ودعا إلى نبذ
أتباعهم، وحذر أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بهم أو الانخداع بمفترياتهم
ودسائسهم، بل وأمر بقتل زعيم الغلاة في وقته فارس بن حاتم، وضمن لقاتله
الجنة، كما سيأتي بيانه في الروايات.
أسباب الغلو:
يقول الشيخ باقر شريف القرشي: أما الأسباب التي دعت إلى الغلو، والقول
بأن الإمام الهادي (عليه السلام) هو الإله والخالق للأكوان فهي فيما نحسب ما يلي:
1 - ما ظهر للإمام من المعاجز والكرامات التي منحها الله له ولآبائه (عليهم السلام)،
فاستغلها المنحرفون عن الدين والحاقدون عليه لإظهار البدع وإماتة الإسلام
والإجهاز عليه.
2 - التحلل من القيم والآداب الإسلامية، فقد أباحوا كل ما حرمه الإسلام
ونهى عنه.
3 - الطمع بأموال الناس وأخذها بالباطل، والاستيلاء على الأموال التي
تدفعها الشيعة إلى أئمتها (عليهم السلام)... هذه بعض الأسباب التي دعت إلى القول بالغلو (1).
وفي ما يلي نورد طائفة مختارة من الأحاديث الدالة على كفر هؤلاء الملحدين
وخروجهم عن ملة الإسلام، وعلى موقف الإمام وأصحابه الحاسم منهم،



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 336؛ لباقر شريف القرشي.
259
واستخدام شتى الوسائل في سبيل تفتيت دسيستهم وتشتيت شملهم، ومن ثم تفنيد
آرائهم ونبذهم.
علي بن حسكة والقاسم اليقطيني:
1 - روى الكشي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: كتبت إليه (عليه السلام)
في قوم يتكلمون ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئز منها
القلوب، ولا يجوز لنا ردها، إذ كانوا يروون عن آبائك (عليهم السلام)، ولا قبولها لما فيها،
وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنهم من مواليك، وهو رجل يقال له علي
ابن حسكة، وآخر يقال له القاسم اليقطيني.
ومن أقاويلهم: إنهم يقولون: إن قول الله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر) (1) معناها رجل، لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك
الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي
فأولوها وصيروها على هذا الحد الذي ذكرت لك.
فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه
الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك؟
فكتب (عليه السلام): ليس هذا ديننا فاعتزله (2).
وروى الكشي عن إبراهيم بن شيبة نحو هذا الحديث (3)، مما يدل على أن



(1) العنكبوت: 45.
(2) رجال الكشي: 517 / 994.
(3) رجال الكشي: 517 / 995.
260
أكثر من واحد من أصحاب الإمام (عليه السلام) كتب إليه في هذا المضمار لما فيه من خطورة
بالغة.
2 - وروى الكشي أيضا بالإسناد عن محمد بن عيسى، قال: كتب إلي
أبو الحسن العسكري (عليه السلام) ابتداء منه: لعن الله القاسم اليقطيني، ولعن الله علي
ابن حسكة القمي، إن شيطانا يتراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول
غرورا (1).
3 - وروى بالإسناد عن سهل بن زياد الآدمي، قال: كتب بعض أصحابنا
إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام): جعلت فداك يا سيدي، إن علي بن حسكة يدعي
أنه من أوليائك وأنك أنت الأول القديم، وأنه بابك ونبيك، أمرته أن يدعو إلى
ذلك، ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في
مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة، فهو مؤمن كامل سقط عنه
الاستعباد بالصلاة والصوم والحج، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله
ما ثبت لك، ومال الناس إليه كثيرا، فإن رأيت أن تمن على مواليك بجواب في ذلك
تنجيهم من الهلكة.
قال: فكتب (عليه السلام): كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك أني لا أعرفه في
موالي، ما له لعنة الله، فوالله ما بعث الله محمدا والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة
والزكاة والصيام والحج والولاية، وما دعا محمد (صلى الله عليه وآله) إلا إلى الله وحده لا شريك له،



(1) رجال الكشي: 518 / 996.
261
وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئا، إن أطعناه رحمنا، وإن
عصيناه عذبنا، ما لنا على الله من حجة، بل الحجة لله علينا وعلى جميع خلقه،
أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك، وأنتفي إلى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم
الله، وألجؤوهم إلى ضيق الطريق، فإن وجدت أحدا منهم خلوة فاشدخ رأسه
بالصخر (1).
ابن بابا القمي والفهري:
1 - روى الكشي بالإسناد عن العبيدي، قال: كتب إلي العسكري ابتداء
منه: أبرأ إلى الله من الفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرأ منهما، فإني
محذرك وجميع موالي، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله مستأفكين يأكلان بنا الناس،
فتانين مؤذيين آذاهما الله، أركسهما في الفتنة ركسا، يزعم ابن بابا أني بعثته نبيا،
وأنه باب، عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك،
يا محمد، إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل، فإنه قد آذاني، آذاه الله في الدنيا
والآخرة (2).
2 - وبالإسناد عن سهل بن محمد [أنه كتب إليه (عليه السلام):] قد اشتبه يا سيدي
على جماعة من مواليك أمر الحسن بن محمد بن بابا، فما الذي تأمرنا يا سيدي في
أمره نتولاه، أم نتبرأ منه، أم نمسك عنه، فقد كثر القول فيه؟



(1) رجال الكشي: 518 / 997.
(2) رجال الكشي: 520 / 999.
262
فكتب بخطه وقرأته: ملعون هو وفارس، تبرأوا منهما، لعنهما الله، ضاعف
ذلك على فارس (1).
فارس بن حاتم القزويني:
1 - قال الكشي: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد، حدثني موسى بن جعفر بن
وهب، عن محمد بن إبراهيم، عن إبراهيم بن داود اليعقوبي، قال: كتبت إليه - يعني
إلى أبي الحسن (عليه السلام) - أعلمه أمر فارس بن حاتم، فكتب: لا تحفلن به، وإن أتاك
فاستخف به (2).
2 - وعنه بإسناده عن موسى، قال: كتب عروة إلى أبي الحسن (عليه السلام) في أمر
فارس بن حاتم، فكتب: كذبوه واهتكوه، أبعده الله وأخزاه، فهو كاذب في جميع
ما يدعي ويصف، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك، وتوقوا
مشاورته، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر، فكفانا الله مؤونته ومؤونة من كان
مثله (3).
3 - وبالإسناد عن إبراهيم بن محمد أنه قال: كتبت إليه: جعلت فداك، قبلنا
أشياء تحكى عن فارس، والخلاف بينه وبين علي بن جعفر، حتى صار يبرأ بعضهم



(1) رجال الكشي: 528 / 1011.
(2) رجال الكشي: 522 / 1003.
(3) رجال الكشي: 522 / 1004.
263
من بعض، فإن رأيت أن تمن علي بما عندك فيهما، وأيهما يتولى حوائجي قبلك حتى
لا أعدوه إلى غيره، فقد احتجت إلى ذلك، فعلت متفضلا إن شاء الله؟
فكتب (عليه السلام): ليس عن مثل هذا يسأل، ولا في مثله يشك، قد عظم الله قدر
علي بن جعفر - متعنا الله تعالى به - من أن يقايس إليه، فاقصد علي بن جعفر
بحوائجك، واخشوا فارسا وامتنعوا من إدخاله في شيء من أموركم، تفعل ذلك أنت
ومن أطاعك من أهل بلادك، فإنه قد بلغني ما يموه به على الناس، فلا تلتفتوا إليه
إن شاء الله (1).
4 - وعنه بالإسناد عن محمد بن عيسى بن عبيد: أن أبا الحسن
العسكري (عليه السلام) أمر بقتل فارس بن حاتم وضمن لمن قتله الجنة، فقتله جنيد، وكان
فارس فتانا يفتن الناس ويدعوهم إلى البدعة، فخرج من أبي الحسن (عليه السلام): هذا
فارس لعنه الله يعمل من قبلي فتانا داعيا إلى البدعة، ودمه هدر لكل من قتله، فمن
هذا الذي يريحني منه ويقتله، وأنا ضامن له على الله الجنة (2).
5 - وعنه، قال: قال سعد: وحدثني جماعة من أصحابنا من العراقيين
وغيرهم هذا الحديث عن جنيد، قال: سمعته أنا بعد ذلك من جنيد، أرسل إلي
أبو الحسن العسكري (عليه السلام) يأمرني بقتل فارس بن حاتم لعنه الله، فقلت لأخي:
أسمعته منه يقول لي ذلك يشافهني به؟ قال: فبعث إلي فدعاني، فصرت إليه، فقال:



(1) رجال الكشي: 523 / 1005.
(2) رجال الكشي: 524 / 1006.
264
آمرك بقتل فارس بن حاتم، فناولني دراهم من عنده وقال: اشتر بهذه سلاحا
فاعرضه علي، فاشتريت سيفا فعرضته عليه، فقال: رد هذا وخذ غيره.
قال: فرددته وأخذت مكانه ساطورا، فعرضته عليه، فقال: هذا نعم،
فجئت إلى فارس، وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء، فضربت
على رأسه فصرعته، فثنيت عليه فسقط ميتا، ووقعت الضجة، فرميت الساطور من
يدي واجتمع الناس، وأخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري، فلم يروا معي سلاحا
ولا سكينا، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئا، ولم يروا أثر الساطور بعد
ذلك (1).
6 - وعن أبي محمد الرازي، قال: ورد علينا رسول من قبل الرجل (2)،
أما القزويني فارس، فإنه فاسق منحرف، ويتكلم بكلام خبيث، فلعنه الله (3).
7 - وروى المجلسي (رحمه الله) عن غيبة الطوسي، قال: ومن المذمومين فارس بن
حاتم بن ماهويه القزويني، على ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري، قال: كتب
أبو الحسن العسكري (عليه السلام) إلى علي بن عمرو القزويني بخطه: اعتقد فيما تدين الله به
أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه، وهو فارس لعنه الله،
فإنه ليس يسعك إلا الاجتهاد في لعنه، وقصده ومعاداته، والمبالغة في ذلك بأكثر



(1) رجال الكشي: 524، المناقب 4: 417، وفيه: أبو جنيد، بدل جنيد.
(2) يريد الإمام الهادي (عليه السلام).
(3) رجال الكشي: 526 / 1009.
265
ما تجد السبيل إليه.
ما كنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح، فجد وشد في لعنه وهتكه وقطع
أسبابه، وصد أصحابنا عنه، وإبطال أمره، وأبلغهم ذلك مني، واحكه لهم عني، وإني
سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد، فويل للعاصي وللجاحد.
وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة 250، وأنا
أتوكل على الله وأحمده كثيرا (1).
قال السيد هاشم معروف الحسني: مما لا شك فيه أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا
يحرصون بكل ما يملكون من قوة وبيان على أن يجعلوا من أصحابهم وشيعتهم ومن
يتصل بهم دعاة حق وخير، يمثلون الإسلام، ويجسدون تعاليمه بأفعالهم قبل
أقوالهم، كما كانوا يحرصون على تنزيه تعاليم الإسلام من التشويه والتحريف
والافتراء، وعلى أنهم عبيد الله لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضرا، ولا أن
يجلبوا لها خيرا إلا بمشيئة الله، وقد تعرضوا في حياتهم لظلم الحكام واضطهادهم،
ولما يمكن أن يتعرض له كل إنسان من البلاء وأنواع التقلبات، وعاشوا مع الناس
كغيرهم من الناس، ولعنوا من قال فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم، ومن نسب إليهم
علم الغيب والخلق والرزق وكل ما هو من خصائص الخالق وصفاته، ومع ذلك فقد
أضاف إليهم بعض المحبين والمبغضين ما ليس بهم، وأظهر الغلو فيهم أناس عن سوء
نية، ولكنهم وقفوا للجميع بالمرصاد، فلعنوا المغالين وتبرأوا منهم، وأعلنوا للناس
ضلالهم وجحودهم، وأمروا محبيهم بالاعتدال، ومبغضيهم بالرجوع إلى وصايا
نبيهم (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته وعترته (عليهم السلام)، وخرجوا من هذه الدنيا وهم من أنصح خلق



(1) بحار الأنوار 50: 221 / 8.
266
الله لخلقه، وأحرصهم على دينه وشريعته، وأصبرهم على بلائه، وأخوفهم من
سخطه وعقابه (1).
اهتداء بعضهم:
هذا ومن جانب آخر كان الإمام (عليه السلام) يتخذ موقفا هادئا رصينا من أصحابه
الذين دخلت عليهم مثل هذه الشبهة، وذلك لأجل سوقهم إلى شاطئ الهداية
والسلام.
ومن هؤلاء الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: ضمني وأبا الحسن الطريق حين
منصرفي من مكة إلى خراسان، وهو صائر إلى العراق... إلى أن قال: فخرجت،
فلما كان من الغد تلطفت في الوصول إليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت:
يا بن رسول الله، أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟
قال: سل، وإن شرحتها فلي، وإن أمسكتها فلي، فصحح نظرك، وتثبت في
مسألتك، وأصغ إلى جوابها سمعك، ولا تسأل مسألة تعينت، واعتن بما تعتني به،
فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.
وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك، فإن شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على
غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، فكلما كان عند الرسول كان عند العالم، وكلما
اطلع عليه الرسول فقد أطلع أوصياءه عليه، لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه
علم يدل على صدق مقالته، وجواز عدالته.
يا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك،



(1) سيرة الأئمة الاثني عشر - القسم الثاني: 465.
267
وشككك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم،
فقلت: متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب، معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون
لله، داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.
فقلت له: جعلت فداك، فرجت عني، وكشفت ما لبس الملعون علي
بشرحك، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.
قال: فسجد أبو الحسن وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي، داخرا
خاضعا. قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي، ثم قال: يا فتح، كدت أن تهلك
وتهلك، وما ضر عيسى إذا هلك من هلك، فاذهب إذا شئت رحمك الله.
قال: فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس، بأنهم هم، وحمدت
الله على ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ وبين
يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن
يأكلوا ويشربوا، إذ كان ذلك آفة، والإمام غير مأوف.
فقال: اجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون
في الأسواق، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق، لأنه جسم الأجسام، وهو
لم يجسم ولم يجزأ بتناه، ولم يتزايد ولم يتناقص، مبرء من ذاته، ما ركب في ذات من
جسمه، الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، منشئ
الأشياء، مجسم الأجسام، وهو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم،
تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب، ولا الخالق من المخلوق،
ولا المنشئ من المنشأ، ولكنه فرق بينه وبين من جسمه، وشيأ الأشياء، إذ كان
لا يشبهه شيء يرى، ولا يشبه شيئا.

268
الواقفة
وهم الواقفون على الإمام الكاظم (عليه السلام) والقائلون: إنه حي يرزق، وإنه هو
القائم من آل محمد (عليهم السلام)، وإن غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه، ويلزم من
ذلك عدم انتقال الإمامة إلى ولده الإمام الرضا (عليه السلام) حسب اعتقادهم.
وقد روج لهذه الفكرة بعض الكبار من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) كعلي بن
أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، ويعتبر
هؤلاء الثلاثة أول من ابتدع هذا المذهب، وأظهر الاعتقاد به، والدعوة إليه.
ولم تكن الجذور الأساسية لهذه الدعوة ناشئة عن محض الاعتقاد والاقتناع
بواقعيتها، بل هي رغبات مادية وعوامل دنيوية أثرت في نفوسهم الضعيفة،
فانحرفت بهم إلى هذا الطريق.
ويعتذر هؤلاء لتورطهم في هذا المذهب بأخبار وضعوها أو سمعوها عن
الإمام الصادق (عليه السلام)، ولكنهم جهلوا أو تجاهلوا محتواها، وانغلق عليهم فهمها،
وأغرتهم عروض الدنيا الزائلة، فقد كان عند علي بن أبي حمزة البطائني ثلاثون ألف
دينار، وعند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان الرواسي
ثلاثون ألف دينار، لأنهم كانوا من قوام الإمام الكاظم (عليه السلام) وخزنة أمواله،
فنازعتهم نفوسهم في تسليم هذه الأموال لولده القائم بعده، فتحيلوا بإنكار موت
الإمام الكاظم (عليه السلام)، وادعاء أنه حي يرزق، وأنهم لن يسلموا الأموال حتى يرجع
فيسلموها له.
ولقد غرر هؤلاء بصفوة بريئة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، وألقوا عليهم

269
الشبهة، واستمالوا بعضهم بالأموال، فدانوا بما قالوا، ولكنهم سرعان ما رجع
بعضهم إلى الاعتراف بإمامة الرضا (عليه السلام) بعد أبيه الكاظم (عليه السلام) وحادوا عن مذهب
الوقف إلى قول الحق، وقد استغرقت هذه الفرقة ردحا طويلا من الزمن، تخللها
المنازعات والخلافات إلى أن انقرضت، ولم يبق لها أثر، ويطلق عليهم الممطورة
والموسوية (1).
ولا نريد هنا الإسهاب في موضوع الواقفة، فقد تعرضنا لمواقف الإمام
الكاظم والإمام الرضا (عليهما السلام) من هذه الفرقة، وذكرنا مجمل اعتقاداتهم والرد عليها،
وبينا بطلان ما تمسكوا به من أحاديث موضوعة أو مؤولة على غير ظاهرها،
وذكرنا أيضا جمله أحاديث وردت عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في الطعن عليهم، وأخيرا
بينا اهتداء كثير منهم على يد الإمام الرضا (عليه السلام) (2)، والذي يهمنا هنا هو بيان بعض
أحوال المعتقدين بالوقف في زمان الإمام الهادي (عليه السلام)، ومواقفه (عليه السلام) منهم، واهتداء
بعض منهم على يديه (عليه السلام)، بعد أن بهرتهم معاجزه وسعة علومه (عليه السلام)، فقالوا
بإمامته وسلموا لأمره (عليه السلام).
1 - روى الكشي عن محمد بن الحسن، قال: حدثني أبو علي الفارسي، قال:
حكى منصور عن الصادق علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) أن الزيدية والواقفة



(1) راجع معجم الفرق الإسلامية: 238، 240 و 268. والممطورة لقب أطلقه عليهم علي بن
إسماعيل، قال لهم: ما أنتم إلا كلاب ممطورة، وقيل: أطلقه عليهم يونس بن عبد الرحمن
القمي.
(2) راجع كتابنا (الكاظم موسى (عليه السلام)) و (الرضا علي (عليه السلام)) من هذه السلسلة.
270
والنصاب بمنزلة عنده سواء (1).
2 - وفي مناقب ابن شهرآشوب، عن أبي سعيد العامري، عن صالح بن
الحكم بياع السابري، قال: كنت واقفيا، فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك
أقبلت أستهزئ به، إذ خرج أبو الحسن (عليه السلام) فتبسم في وجهي من غير معرفة بيني
وبينه، وقال: يا صالح، إن الله تعالى قال في سليمان: (وسخرنا له الريح تجري بأمره
رخاء حيث أصاب) (2)، ونبيك وأوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان، قال:
وكأنما انسل من قلبي الضلالة، فتركت الوقف (3).
3 - وعن أبي الحسن سعيد بن سهل البصري المعروف بالملاح، قال: دلني
أبو الحسن (عليه السلام) وكنت واقفا، فقال لي: إلى كم هذه النومة، أما لك أن تنتبه منها؟
فقدح في قلبي شيئا، وغشي علي، وتبعت الحق (4).
4 - وروى المسعودي بإسناده عن الحميري، عن أحمد بن محمد بن مابنداذ
الكاتب الإسكافي، قال: تقلدت ديار ربيعة وديار مضر، فخرجت وأقمت
بنصيبين، وقلدت عمالي وأنفذتهم إلى نواحي أعمالي، وتقدمت أن يجعل إلي كل



(1) رجال الكشي: 229 / 410.
(2) ص: 36.
(3) المناقب 4: 407.
(4) المناقب 4: 407.
271
واحد منهم كل من يجده في عمله ممن له مذهب، فكان يرد علي في اليوم الواحد
والاثنان والجماعة منهم فأسمع منهم وأعامل كل واحد بما يستحقه.
فأنا ذات يوم جالس إذ ورد كتاب عامل بكفر توثى (1)، يذكر أنه توجه إلي
برجل يقال له إدريس بن زياد، فدعوت به فرأيته وسيما قسيما قبلته نفسي، ثم
ناجيته فرأيته ممطورا (2)، ورأيته من المعرفة بالفقه والأحاديث على ما أعجبني،
فدعوته إلى القول بإمامة الاثني عشر، فأبى وأنكر علي ذلك وخاصمني فيه،
وسألته بعد مقامه عندي أياما أن يهب لي زورة إلى سر من رأى، لينظر إلى
أبي الحسن (عليه السلام) وينصرف.
فقال لي: أنا أقضي حقك بذلك، وشخص بعد أن حمله، فأبطأ عني وتأخر
كتابه، ثم إنه قدم ودخل إلي، فأول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكيا
لم أتمالك حتى بكيت، فدنا مني وقبل يدي ورجلي، ثم قال: يا أعظم الناس منة،
نجيتني من النار وأدخلتني الجنة.
وحدثني فقال لي: خرجت من عندك وعزمي إذا لقيت سيدي أبا الحسن أن
أسأله عن مسائل، وكان فيما أعددته أن أسأله عن عرق الجنب، هل يجوز الصلاة في
القميص الذي أعرق فيه وأنا جنب، أم لا؟ فصرت إلى سر من رأى، فلم أصل
إليه، وأبطأ من الركوب لعلة كانت به، ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه يركب،
فبادرت ففاتني، ودخل دار السلطان.
فجلست في الشارع، وعزمت أن لا أبرح أو ينصرف، واشتد الحر علي،



(1) كفر توثى: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة.
(2) أي من الواقفة كما تقدم.
272
فعدلت إلى باب دار فيه، فجلست أرقبه ونعست، فحملتني عيني فلم أنتبه إلا
بمقرعة قد وضعت على كتفي، ففتحت عيني، فإذا هو مولاي أبو الحسن (عليه السلام) واقف
على دابة، فوثبت فقال لي: يا إدريس، أما آن لك؟ فقلت: بلى يا سيدي، فقال: إن
كان العرق من حلال فحلال، وإن كان من حرام فحرام، من غير أن أسأله، فقلت به
وسلمت لأمره (1).
الفطحية
وهم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام) بعد أبيه، واعتلوا في
ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبد الله (عليه السلام)، وهذه الطائفة تسمى الفطحية، وإنما لزمهم
هذا اللقب لأن عبد الله كان أفطح الرجلين، وقيل: أفطح الرأس، ويقال: لأن
داعيهم إلى ذلك رجل اسمه عبد الله بن الأفطح، وقد رجع أكثرهم بعد ذلك إلى
القول بإمامة موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لما ظهرت عندهم براهين إمامته إلا
طائفة يسيرة (2).
أما اعتقاد الفطحية بإمامة عبد الله فهو واضح البطلان والتهافت، وذلك
لأنهم ادعوا أن الإمامة تكون في الأكبر، وهذا إنما يكون مشروطا بالسلامة، فقد
ورد أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة، وكان عبد الله يعاني من عاهة



(1) إثبات الوصية: 229.
(2) راجع إعلام الورى: 292، وقد تقدم بحث ذلك مفصلا في كتابنا (الصادق جعفر (عليه السلام))
و (الكاظم موسى (عليه السلام)) من هذه السلسلة.
273
البدن والعقيدة، فقد كان أفطح الرأس أو الرجلين، وكان يقول بقول المرجئة الذين
يقعون في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، هذا فضلا عن أنه لم يرد عنه شيء من الفتيا في
الحلال والحرام، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام، وقد امتحن بمسائل صغار
فلم يجب عنها، ولا نريد هنا الإطالة في هذا الموضوع، بل نود الإشارة إلى أن بعض
الفطحية انطلت عليهم الشبهة وبقوا إلى زمان الإمام الهادي (عليه السلام)، كما هو واضح من
بعض النصوص، وقد اهتدى بعضهم كغيرهم من أصحاب الأفكار المنحرفة عن
خط الإمامة الأصيل.
روى الشيخ الكليني بإسناده عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد،
عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: كان عبد الله بن هليل يقول بعبد الله، فصار
إلى العسكر، فرجع عن ذلك، فسألته عن سبب رجوعه، فقال: إني عرضت
لأبي الحسن (عليه السلام) أن أسأله عن ذلك، فوافقني في طريق ضيق، فمال نحوي حتى إذا
حاذاني أقبل نحوي بشيء من فيه، فوقع على صدري، فأخذته فإذا هو رق فيه
مكتوب: " ما كان هنالك ولا كذلك " (1).
الصوفية
ونهى الإمام الهادي (عليه السلام) أصحابه وسائر المسلمين عن الاتصال بالصوفية
والاختلاط بهم، كما دل على زيفهم بإظهار التقشف والزهد لإغراء عامة الناس
وبسطائهم وغوايتهم، ووصفهم بأنهم حلفاء الشياطين في خداع الناس، وأن



(1) الكافي 1: 355، بحار الأنوار 50: 184 / 61.
274
زهدهم لم يكن حقيقيا وإنما لإراحة أبدانهم، وأن تهجدهم في الليل لم يكن نسكا
وإخلاصا في طاعة الله تعالى، وإنما هو وسيلة لصيد أموال الناس وإغوائهم، وأن
أورادهم ليست عبادة خالصة لله بل هي رقص وغناء، وأن الذي يتبعهم الحمقى
والسفهاء.
روى الحسين بن أبي الخطاب، قال: كنت مع أبي الحسن الهادي (عليه السلام) في
مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان بليغا وله
منزلة مرموقة عند الإمام (عليه السلام)، وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية
المسجد فجلسوا في جانب منه، وأخذوا بالتهليل، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال
لهم:
لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين، فإنهم حلفاء الشياطين، ومخربوا قواعد
الدين، يتزهدون لإراحة الأجسام، ويتهجدون لصيد الأنعام، يتجوعون عمرا
حتى يديخوا للإيكاف (1) حمرا، لا يهللون إلا لغرور الناس، ولا يقللون الغذاء إلا
لملأ العساس واختلاف قلب الدفناس (2)، يتكلمون الناس بإملائهم في الحب،
ويطرحونهم بإدلائهم في الجب، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنم
والتغنية، فلا يتبعهم إلا السفهاء، ولا يعتقد بهم إلا الحمقى، فمن ذهب إلى زيارة
أحدهم حيا أو ميتا، فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان، ومن أعان
واحدا منهم فكأنما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان.



(1) يديخوا: يذلوا ويقهروا. والإيكاف: الإيقاع في الإثم، ويقال: وضع الوكاف على الحمار،
والوكاف: البرذعة.
(2) أي الأغبياء والحمقى.
275
فقال له رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقوقكم؟
قال: فنظر إليه شبه المغضب وقال: دع ذا عنك، من اعترف بحقوقنا لم يذهب
في عقوقنا، أما تدري أنهم أخس طوائف الصوفية؟ والصوفية كلهم من مخالفينا،
وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الأمة، أولئك الذين
يجتهدون في إطفاء نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون (1).
إلى هنا نكتفي بهذا اليسير، ومن أراد التفصيل فليراجع الموسوعات المعنية
بها أو يراجع موسوعة المصطفى والعترة، في ترجمة حياة الأئمة الكاظم والرضا
والجواد (عليهم السلام).



(1) روضات الجنات 3: 134، سفينة البحار 2: 58.
276
الفصل الحادي عشر
تفسيره المأثور للقرآن
لأهل البيت (عليهم السلام) منهج خاص ومعروف في تفسير القرآن الكريم، يفهمه كل
من مارس كلماتهم وأحاديثهم في تفسير القرآن، والخطوط الرئيسية لهذا المنهج
تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن، وتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية،
وتنزيه الأنبياء عن المعاصي، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف، هذا
مضافا إلى جملة عقائدهم المعروفة في كتب الكلام والعقائد، وكل ما يخالف هذا
المنهج فالأئمة (عليهم السلام) منه براء.
وليس من شك أن حديث أهل البيت (عليهم السلام) من أهم مفاتيح معرفة كتاب الله،
ولا يمكن لأي مفسر يريد أن يفهم كتاب الله تعالى أن يستغني عما أثر عنهم (عليهم السلام)
في هذا الميدان، وإذا لم يضع نصب عينيه الخطوط الأساسية التي رسموها (عليهم السلام) لفهم
القرآن الكريم، فإن الفشل سيكون نصيبه.
وأمامنا تراث ضخم وفذ من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) جمعه السيد هاشم
البحراني المتوفى سنة 1107 ه‍ في كتابه (البرهان في تفسير القرآن)، والشيخ
عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة 1112 ه‍ في تفسيره (نور الثقلين)، فضلا
عن تفاسير المتقدمين كفرات الكوفي والعياشي وعلي بن إبراهيم (رحمهم الله) وغيرهم،

277
وفي ما يلي نقدم نماذج من تفسير الإمام الهادي (عليه السلام) مرتبة وفق ترتيب
السور:
القرآن كل زمان جديد:
1 - أبو جعفر الطوسي: قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا
أبو الحسين رجاء بن يحيى العبرتائي، قال: حدثنا يعقوب بن السكيت النحوي،
قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام): ما بال القرآن لا يزداد على
النشر والدرس إلا غضاضة؟
قال: إن الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في
كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة (1).
البقرة
2 - العياشي؛ بإسناده عن حمدويه، عن محمد بن عيسى، قال: سمعته يقول:
كتب إليه إبراهيم بن عنبسة - يعني إلى علي بن محمد (عليه السلام) -: إن رأى سيدي
ومولاي أن يخبرني عن قول الله: (يسألونك عن الخمر والميسر) (2)... الآية،
فما الميسر جعلت فداك؟ فكتب: كل ما قومر به فهو الميسر، وكل مسكر
حرام (3).



(1) أمالي الطوسي 2: 193.
(2) البقرة: 219.
(3) تفسير العياشي 1: 106.
278
آل عمران
3 - العياشي؛ بإسناده عن محمد بن سعيد الأزدي، عن موسى بن محمد بن
الرضا (عليه السلام)، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام)، أنه قال في هذه الآية: (قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين) (1) ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، لم يكونوا يجيبون
للمباهلة، وقد علم أن نبيه مؤد عنه رسالاته، وما هو من الكاذبين (2).
الأنعام
4 - العياشي؛ بإسناده عن أيوب بن نوح بن دراج، قال: سألت أبا الحسن
الثالث (عليه السلام) عن الجاموس، وأعلمته أن أهل العراق يقولون إنه مسخ.
فقال: أو ما سمعت قول الله: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) (3)؟
الأعراف
5 - العياشي؛ بإسناده عن موسى بن محمد بن علي، عن أخيه أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، قال: الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة
الحسد، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل الله عليه وعلى خلائقه بعين الحسد،



(1) آل عمران: 61.
(2) تفسير العياشي 1: 176.
(3) تفسير العياشي 1: 380. والآية من سورة الأنعام: 144.
279
ولم يجد الله له عزما (1).
الأنفال
6 - العياشي؛ في تفسيره عن إبراهيم بن محمد، قال: كتبت إلى أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، أسأله عما يجب في الضياع، فكتب: الخمس بعد المؤونة.
قال: فناظرت أصحابنا، فقالوا: المؤونة بعد ما يأخذ السلطان، وبعد مؤونة
الرجل. فكتبت إليه: إنك قلت: الخمس بعد المؤونة، وإن أصحابنا اختلفوا في
المؤونة؟ فكتب: الخمس بعدما يأخذ السلطان، وبعد مؤونة الرجل وعياله (2).
التوبة
7 - العياشي؛ بإسناده عن يوسف بن السخت، قال: اشتكى المتوكل شكاة
شديدة، فنذر لله إن شفاه الله يتصدق بمال كثير، فعوفي من علته، فسأل أصحابه
عن ذلك، فأعلموه أن أباه تصدق بثمانمئة ألف ألف درهم، وإن أراه تصدق
بخمسة ألف ألف درهم، فاستكثر ذلك.
فقال أبو يحيى بن أبي منصور المنجم: لو كتبت إلى ابن عمك - يعني
أبا الحسن (عليه السلام) - فأمر أن يكتب له فيسأله، فكتب إليه.
فكتب أبو الحسن (عليه السلام): تصدق بثمانين درهم، فقالوا: هذا غلط، سلوه من
أين؟ قال: هذا من كتاب الله، قال الله لرسوله (صلى الله عليه وآله): (لقد نصركم الله في مواطن



(1) تفسير العياشي 2: 9.
(2) تفسير العياشي 2: 63.
280
كثيرة) (1)، والمواطن التي نصر الله رسوله عليه وآله السلام فيها ثمانون موطنا،
فثمانين درهما من حله مال كثير (2).
يونس
8 - العياشي؛ بإسناده عن محمد بن سعيد الأزدي: أن موسى بن محمد بن
الرضا (عليه السلام) أخبره أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل: أخبرني عن قول
الله تبارك وتعالى: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من
قبلك) (3) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب فيها النبي (صلى الله عليه وآله) ليس قد شك في
ما أنزل الله! وإن كان المخاطب به غيره فعلى غيره إذا أنزل الكتاب؟
قال موسى: فسألت أخي عن ذلك، فقال: فأما قوله: (فإن كنت في شك مما
أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك) فإن المخاطب بذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ولم يك في شك مما أنزل الله، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيا من
الملائكة، إنه لم يفرق بينه وبين نبيه في الاستغناء في المأكل والمشرب والمشي في
الأسواق.
فأوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله): (فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك) بمحضر
الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويشرب ويمشي في
الأسواق؟ ولك بهم أسوة، وإنما قال: (فإن كنت في شك) ولم يكن، ولكن



(1) التوبة: 25.
(2) تفسير العياشي 2: 84، تفسير البرهان 2: 752.
(3) يونس: 94.
281
ليتبعهم، كما قال له (عليه السلام): (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (1).
ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، لم يكونوا يجيئون للمباهلة،
وقد عرف أن نبيكم مؤد عنه رسالته، وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبي
عليه وآله السلام أنه صادق في ما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه (2).
يوسف
9 - علي بن إبراهيم، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن يحيى بن أكثم، أنه
سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) مسائل، فعرضها على أبي الحسن (عليه السلام)
فكانت إحداها: أخبرني عن قول الله عز وجل: (ورفع أبويه على العرش وخروا له
سجدا) (3)، سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟
فأجاب أبو الحسن (عليه السلام): أما سجود يعقوب وولده ليوسف، فإنه لم يكن
ليوسف، وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف، كما كان السجود
من الملائكة لآدم، ولم يكن لآدم، إنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد
يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكرا لله، لاجتماع شملهم.
ألم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من
تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما



(1) آل عمران: 61.
(2) تفسير العياشي 2: 128.
(3) يوسف: 100.
282
وألحقني بالصالحين) (1)؟ فنزل جبرئيل فقال له: يا يوسف أخرج يدك، فأخرجها
فخرج من بين أصابعه نور.
فقال: ما هذا النور يا جبرئيل؟ فقال: هذه النبوة أخرجها الله من صلبك،
لأنك لم تقم لأبيك، فحط الله نوره ومحا النبوة من صلبه، وجعلها في ولد لاوي
أخي يوسف، وذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال: (لا تقتلوا يوسف وألقوه في
غيابة الجب) (2) فشكر الله له ذلك، ولما أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد
حبس يوسف أخاه قال: (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير
الحاكمين) (3). فشكر الله له ذلك، فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي، وكان
موسى من ولد لاوي، وهو موسى بن عمران بن يهصر بن واهث بن لاوي بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
فقال يعقوب لابنه: يا بني أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من
عندي؟ قال: يا أبت اعفني من ذلك، قال: أخبرني ببعضه؟
فقال: يا أبت إنهم لما أدنوني من الجب قالوا: انزع قميصك، فقلت لهم:
يا إخوتي، اتقوا الله ولا تجردوني، فسلوا علي السكين، وقالوا: لئن لم تنزع
لنذبحنك، فنزعت القميص، وألقوني في الجب عريانا، قال: فشهق يعقوب شهقة
وأغمي عليه، فلما أفاق قال: يا بني حدثني. فقال: يا أبت، أسألك بإله إبراهيم
وإسحاق ويعقوب إلا أعفيتني، فأعفاه.



(1) يوسف: 101.
(2) يوسف: 10.
(3) يوسف: 80.
283
قال: ولما مات العزيز، وذلك في السنين الجدبة، افتقرت امرأة العزيز
واحتاجت، حتى سألت الناس، فقالوا: ما يضرك لو قعدت للعزيز؟ وكان
يوسف (عليه السلام) يسمى العزيز، فقالت: أستحي منه، فلم يزالوا بها حتى قعدت له على
الطريق، فأقبل يوسف (عليه السلام) في موكبه، فقامت إليه، وقالت: سبحان من جعل
الملوك بالمعصية عبيدا، وجعل العبيد بالطاعة ملوكا.
فقال لها يوسف (عليه السلام): أنت هاتيك؟ فقالت: نعم، وكان اسمها زليخا، فقال
لها: هل لك في؟ قالت: دعني بعد ما كبرت أتهزأ بي؟ قال: لا. قالت: نعم. فأمر بها
فحولت إلى منزله وكانت هرمة.
فقال لها يوسف (عليه السلام): ألست فعلت بي كذا وكذا؟ فقالت: يا نبي الله
لا تلمني، فإني بليت ببلية لم يبل بها أحد، قال: وما هي؟
قالت: بليت بحبك، ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا، وبليت بحسني بأنه
لم تكن بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني، نزع عني مالي، وذهب عني جمالي.
فقال لها يوسف: فما حاجتك؟ قالت: تسأل الله أن يرد علي شبابي، فسأل
الله فرد عليها شبابها، فتزوجها وهي بكر، قالوا: إن العزيز الذي كان زوجها أولا
كان عنينا (1).
10 - العياشي، بإسناده عن محمد بن سعيد الأزدي صاحب موسى بن محمد
ابن الرضا، عن موسى، قال: قال لأخيه الهادي (عليه السلام): إن يحيى بن أكثم كتب إليه
يسأله عن مسائل، منها أنه قال: أخبرني عن قول الله: (ورفع أبويه على العرش



(1) تفسير القمي 1: 356.
284
وخروا له سجدا) (1) أسجد يعقوب وولده ليوسف؟
قال: فسألت أخي عن ذلك، فقال: أما سجود يعقوب وولده ليوسف فشكرا
لله، لاجتماع شملهم، ألا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت: (رب قد آتيتني من
الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين) (2)... الآية (3).
الفرقان
11 - روى الشيخ الطوسي بالإسناد عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله، قال:
سمعت سيدي أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) بسر من رأى يقول: الغوغاء
قتلة الأنبياء، والعامة اسم مشتق من العمى، ما رضي الله لهم أن شبههم بالأنعام
حتى قال: (بل هم أضل سبيلا) (4).
لقمان
12 - روى الطبرسي في الاحتجاج: أن يحيى بن أكثم سأل الإمام أبا الحسن
العسكري (عليه السلام) عن قوله تعالى: (سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) (5)، ما هي؟



(1) يوسف: 100.
(2) يوسف: 101.
(3) تفسير العياشي 2: 197.
(4) بحار الأنوار 1: 195 / 17. والآية من سورة الفرقان: 44.
(5) لقمان: 27.
285
فقال (عليه السلام): هي عين الكبريت، وعين اليمن، وعين البرهوت، وعين الطبرية،
وجمة ماسيدان، وجمة أفريقية، وعين باهوران، ونحن الكلمات التي لا تدرك
ولا تستقصى (1).
الزمر
13 - الصدوق، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني (رضي الله عنه)، قال:
حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني،
قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد
العسكري (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسماوات مطويات بيمينه) (2)، كما قال عز وجل: (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا
ما أنزل الله على بشر من شيء) (3)، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال:
(سبحانه وتعالى عما يشركون) (4).
غافر
14 - روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) بالإسناد عن محمد بن يحيى، عن محمد بن
أحمد بن يحيى، عن جعفر بن رزق الله، قال: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر



(1) الاحتجاج 2: 454.
(2) الزمر: 67.
(3) الأنعام: 91.
(4) معاني الأخبار: 14، التوحيد: 160.
286
بامرأة مسلمة، وأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه
شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا.
فأمر المتوكل بالكتابة إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) وسؤاله عن ذلك، فلما
قدم الكتاب كتب (عليه السلام): يضرب حتى يموت.
فأنكر يحيى بن أكثم، وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إن
فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، وقالوا: لم تجيء به سنة، ولم ينطق به كتاب؛ فبين لنا
بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت، فكتب (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم:
(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم
لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) (1)، قال: فأمر به
المتوكل، فضرب حتى مات (2).
الشورى
15 - علي بن إبراهيم، في قوله: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء)
إلى قوله: (ويجعل من يشاء عقيما) (3)، قال: حدثني أبي، عن المحمودي ومحمد بن
عيسى بن عبيد، عن محمد بن إسماعيل الرازي، عن محمد بن سعيد: أن يحيى بن أكثم
سأل موسى بن محمد عن مسائل، ومنها: أخبرنا عن قول الله: (أو يزوجهم ذكرانا
وإناثا)، فهل يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟



(1) غافر: 84.
(2) التهذيب 10: 39 / 135.
(3) الشورى: 49 و 50.
287
فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان من جواب أبي الحسن:
أما قوله: (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) فإن الله تبارك وتعالى يزوج ذكران المطيعين
أناثا من الحور العين، وأناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين، ومعاذ الله أن
يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة لارتكاب المآثم، قال:
(ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (1)،
إن لم يتب.
الأحقاف
16 - قال علي بن إبراهيم (رحمه الله) في قوله: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه
بالأحقاف) (2).
حدثني أبي، قال: أمر المعتصم أن يحفر بالبطائية بئر، فحفروا ثلاثمائة قامة،
فلم يظهر الماء، فتركه ولم يحفره، فلما ولى المتوكل أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتى
يبلغ الماء، فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة، حتى انتهوا إلى صخرة،
فضربوها بالمعول فانكسرت، فخرج منها ريح باردة، فمات من كان بقربها.
فأخبروا المتوكل بذلك، فلم يعلم بذلك ما ذاك، فقالوا: سل ابن الرضا عن
ذلك، وهو أبو الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، فكتب إليه يسأله عن ذلك؟ فقال
أبو الحسن (عليه السلام): تلك بلاد الأحقاف، وهم قوم عاد الذين أهلكهم الله بالريح
الصرصر (3).



(1) الفرقان: 68 و 69.
(2) الأحقاف: 21.
(3) تفسير القمي 2: 298.
288
التغابن
17 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الإمام الهادي (عليه السلام)، قال: وسمع
أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، قال: أراك تتعوذ من
حالك وولدك، يقول الله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (1)، ولكن قل: اللهم
إني أعوذ بك من مضلات الفتن (2).
التحريم
18 - وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبيه، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن
محمد بن أحمد، أن أحمد بن هلال قال: سألت أبا الحسن الأخير (عليه السلام) عن التوبة
النصوح ما هي؟ فكتب (عليه السلام): أن يكون الباطن كالظاهر، وأفضل من ذلك (3).
الإنسان
19 - الصفار، قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن أحمد بن محمد السياري،
قال: حدثني غير واحد من أصحابنا، قال: خرج عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه
قال: إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته، فإذا شاء الله شيئا شاؤوه، وهو قول
الله: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) (4).



(1) التغابن: 15.
(2) أمالي الطوسي: 580 / 1201.
(3) معاني الأخبار: 174.
(4) بصائر الدرجات: 37 / 47، والآية من سورة الإنسان: 30.
289
20 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن علي بن عمر العطار، قال:
دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الثلاثاء، فقال: لم أرك أمس؟ قلت:
كرهت الحركة في يوم الاثنين.
قال: يا علي، من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين، فليقرأ في أول ركعة من
صلاة الغداة (هل أتى على الإنسان)، ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام): (فوقاهم الله شر ذلك
اليوم ولقاهم نظرة وسرورا) (1).
في معنى الرجيم:
21 - روى الشيخ الصدوق عن محمد بن أحمد الشيباني (رضي الله عنه)، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد الله
الحسني، قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليهم السلام) يقول: معنى الرجيم
أنه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلا لعنه، وإن في علم
الله السابق أنه إذا خرج القائم (عليه السلام) لا يبقى مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة،
كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن (2).



(1) أمالي الطوسي: 224 / 386، طبع مؤسسة البعثة.
(2) معاني الأخبار: 139.
290
الفصل الثاني عشر
مواقفه (عليه السلام) من حكام عصره
لقد عانى الإمام الهادي (عليه السلام) من تجاوزات السلطة العباسية وتصرفاتهم
الشائنة، والتي تقوم على أساس الحقد والحسد والظلم لأهل بيت النبوة (عليهم السلام)،
وليس ثمة سبب لتلك التجاوزات سوى القلق الذي يساور رؤوس السلطة من
وجود شخص الإمام، وما يتمتع به من سمو المكارم وشخصيته العلمية، والروحية
الفذة في مختلف أوساط الأمة، والمحبة التي تكنها له القلوب المؤمنة، وسيرته الصالحة
المدعمة بالعلم ومكارم الأخلاق، أضف إلى ذلك سلبية الإمام (عليه السلام) في التعامل مع
الحكم القائم وعدم توافقه (عليه السلام) مع مواقف الحكام المشبوهة، مما يكشف الحقيقة في
نظر الأمة والرأي العام المسلم بأن الإمام (عليه السلام) هو الخليفة الحقيقي لامتداد رسالة
السماء والبديل المتعين للخلافة القائمة على أساس الظلم والجور.
ومن أجل ذلك فقد استدعي الإمام (عليه السلام) إلى مركز السلطة العباسية في
سامراء ليكون تحت رقابة عيونها، وليتسنى لرأس السلطة وأتباعه عزل الإمام (عليه السلام)
عن شيعته وأتباعه وقاعدته في مدينة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله).
وإزاء تصرفات الحكام العباسيين اتخذ الإمام (عليه السلام) موقفا سلبيا في التعامل
مع السلطة الحاكمة وأجهزتها، وهو عين الموقف الذي اتخذه آباؤه الكرام (عليهم السلام) من

291
حكم بني العباس الذي كان مبنيا على الظلم والجور، ولذلك اعتبر الشارع المقدس
العمل معهم غير جائز شرعا.
الحكام المعاصرون له (عليه السلام)
تولى الإمام الهادي (عليه السلام) مهام الإمامة الإلهية بعد وفاة أبيه الجواد (عليه السلام)
سنة 220 ه‍ في أيام المعتصم العباسي، فكان في مدة إمامته بقية ملك المعتصم بن
هارون، ومات المعتصم في ربيع الأول سنة 227 ه‍، ونقل أن مدة حكومته كانت
ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وخرج في أيامه من الطالبيين محمد بن القاسم
ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين (عليه السلام) بالطالقان.
ثم تولى بعده ابنه هارون الواثق وذلك سنة 227 ه‍، ومات الواثق سنة
232 ه‍، وهي السنة التي ولد فيها الإمام العسكري (عليه السلام).
وتولى بعد الواثق المتوكل جعفر بن المعتصم، وذلك سنة 232 ه‍، فبقي
أربع عشرة سنة وتسعة أشهر حتى هلك قتلا على يد الأتراك.
وكان المتوكل شديد العداوة والبغض لآل محمد (عليهم السلام)، ولم يكن أحد في زمانه
من الشيعة يذكر عليا وأولاده (عليهم السلام)، أو زيارتهم علانية خوفا منه. فهو الذي
حرث قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وعفاه، ومنع من زيارته، ووضع المسالح حوله ليمنع
محبيه من الزيارة والتبرك بطيب ثراه، وهو أيضا الذي استدعى الإمام الهادي (عليه السلام)
وكتب بإشخاصه من المدينة إلى عاصمة الملك سامراء.
وقتل المتوكل سنة 247 ه‍، قتله ابنه المنتصر مع جماعة من أمراء الجيش
الأتراك، وهو ثمل على مائدة الشراب التي لا يكاد يبرحها.

292
وتولى بعده ابنه محمد المنتصر وذلك سنة 247 ه‍، وبقي في الحكم ستة أشهر،
ومات سنة 248 ه‍.
وتولى بعده أحمد المستعين بن محمد بن المعتصم ثلاث سنين وستة أشهر،
ومات سنة 251 ه‍. وفي زمانه خرج يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وتولى بعد المستعين المعتز بالله بن المتوكل، وذلك سنة 252 ه‍، وبقي أربع
سنين، فكان ثلاث منها في إمامة الهادي (عليه السلام)، حيث توفي ولي الله في ثالث رجب
سنة 254 ه‍ بسر من رأى، وكانت الصلاة عليه في شارع أبي أحمد بن المتوكل، فلما
أقيمت الصلاة كثر الناس واجتمعوا، وكثر بكاؤهم وضجتهم، فرد النعش إلى داره
فدفن فيها، وكان عمره أربعون سنة (1).
أيام المعتصم
قضى الإمام الهادي (عليه السلام) نحو سبعة سنوات من مدة إمامته (عليه السلام) في زمان
حكومة المعتصم بن هارون، وقد تولى مهام الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد (عليه السلام)
سنة 220 ه‍، ولما يزل يافعا حيث يتراوح عمره الشريف بين 6 - 8 سنوات، وهذا
من أوضح الكرامات والمعجزات التي اختص بها الأئمة من عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله).
وما أن فرغ المعتصم من اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) بعد أن عزله عن شيعته
وحبسه في دار الملك بغداد، توجه إلى ولده الإمام بعده رغم كونه صغيرا،



(1) تأريخ اليعقوبي 3: 234.
293
ولا يشكل أدنى خطر على مركز الخلافة العباسية وأجهزتها، وأول بوادر ذلك هو
أن عهد المعتصم إلى عمر بن الفرج أن يشخص إلى يثرب ليختار معلما لأبي الحسن
الهادي (عليه السلام) على أن يكون المعلم معروفا بالنصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام)
ليغذيه ببغضهم، فاختار أبا عبد الله الجنيدي وهو رجل أديب عالم ومعروف
بالبغض والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام)، وأوكل إليه مهمة تأديب الإمام (عليه السلام) على
ما زعم، فحبسه عن شيعته ومواليه، ومنعهم من زيارته واللقاء به، ووضع عليه
العيون.
وقام الجنيدي بتعليم الإمام إلا أنه قد ذهل لما رآه من حدة ذكائه وغزارة
علمه، واعترف بأنه أعلم منه، وأنه يتعلم من الإمام (عليه السلام) ضروبا من العلم،
وأنه خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى، وأنه يحفظ القرآن من أوله
إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله، وأخيرا نزع الجنيدي نفسه عن النصب والعداء
لأهل البيت (عليهم السلام) ودان بالولاء لهم واعتقد بالإمامة واهتدى إلى سواء السبيل
ببركة الإمام (عليه السلام) (1).
قال الشاعر:
حار فيه فكر الجنيدي مذ * شاهد فيه ما حير الأفكارا
جاء يملي له العلوم صغيرا * فإذا بالصغار تهدي الكبارا (2)
وهكذا انتهت هذه المحاولة بالفشل دون أن تستطيع أجهزة السلطة إلحاق



(1) راجع إثبات الوصية للمسعودي: 222، والفصل الثالث من كتابنا هذا (فضائله ومكارم
أخلاقه).
(2) الذخائر: 63.
294
أدنى تأثير على شخص الإمام (عليه السلام) ومعارفه، ذلك لأن المعتصم ظن بفكره
القاصر (1) أنه يستطيع أن يوجه الإمام (عليه السلام) وفقا لأهوائه، وأن يرسم حدود
شخصيته على ما يريد، متناسيا بأن الأئمة (عليهم السلام) يتميزون بالعلم الحضوري والنور
الجلي والسر الخفي من لدن رب العالمين.
وفي أيام المعتصم اشتدت المحنة على الأمة بصورة عامة وعلى الطالبيين
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) بصورة خاصة، حتى إنه كان الرجل منهم إذا تفوه بأدنى
معارضة أو أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فإن مصيره سيكون في بركة السباع.
1 - قال المسعودي في مروج الذهب: في سنة 248 ه‍ كانت وفاة بغا الكبير
القائد التركي، وقد نيف على التسعين سنة، وقد كان باشر من الحروب ما لم يباشره
أحد، فما أصابته جراحة قط، وكان دينا بين الأتراك، وكان من غلمان المعتصم،
يشهد الحروب العظام ويباشرها بنفسه، فيخرج منها سالما، ويقول: الأجل
جوشن (2)، ولم يكن يلبس على بدنه شيئا من الحديد، فعذل في ذلك، فقال: رأيت
في نومي النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه جماعة من أصحابه فقال لي: يا بغا، أحسنت إلى رجل من
أمتي، فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك.
قال: فقلت: يا رسول الله، ومن ذلك الرجل؟
قال: الذي خلصته من السباع.
فقلت: يا رسول الله، سل ربك أن يطيل عمري، فرفع يديه نحو السماء،



(1) ذكر المؤرخون أن المعتصم كان لا يحسن القراءة والكتابة.
(2) أي أن الأجل كالدرع الذي يقي المقاتل من ضربات العدو، فمن لم يبلغ أجله لن يناله الموت.
295
وقال: اللهم أطل عمره، وأتم أجله.
فقلت: يا رسول الله، خمس وتسعون سنة.
فقال رجل كان بين يديه: ويوقى من الآفات.
فقلت للرجل: من أنت؟
قال: أنا علي بن أبي طالب.
فاستيقظت من نومي، وأنا أقول: علي بن أبي طالب. قال: فقيل له: من كان
ذلك الرجل الذي خلصته من السباع؟ قال: كان أتي المعتصم برجل قد رمي
ببدعة، فجرت بين المعتصم في الليل مخاطبة في خلوة، فقال لي المعتصم: خذه فألقه
إلى السباع، فأتيت بالرجل إلى السباع لألقيه إليها وأنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول:
اللهم إنك تعلم ما تكلمت إلا فيك، ولم أرد بذلك غيرك، وتقربا إليك بطاعتك،
وإقامة الحق على من خالفك، أفتسلمني؟
قال: فارتعدت وداخلتني له رقة، وملئ قلبي له رعبا، فجذبته عن طرف
بركة السباع، وقد كدت أن أزج به فيها، وأتيت به حجرتي فأخفيته فيها.
وأتيت المعتصم فقال: هيه. قلت: ألقيته. قال: فما سمعته يقول؟ قلت:
أنا أعجمي، وهو يتكلم بكلام عربي، ما أدري ما يقول (1).
وفي أيام المعتصم واصل العلويون حركة المعارضة المسلحة التي لم تهدأ منذ
ثورة الشهيد السبط الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك لانتشار الظلم والفساد، وتردي
الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، واهتمام السلطة بإشباع رغباتها وتقوية مؤيديها
وأجهزتها القمعية على حساب عامة الناس.
وممن خرج في أيام المعتصم من العلويين محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن



(1) مروج الذهب 4: 160 - 161.
296
علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، ويكنى أبا جعفر، وكان من أهل العلم والفقه
والدين والزهد، خرج بالطالقان، واتبعه جماعة كثيرة، فوجه إليه عبد الله بن طاهر
بعض عماله، فكانت له معه وقائع كثيرة في الطالقان ونيسابور، وفي آخرها اعتقل
محمد بن القاسم (رضي الله عنه) ووجه به عبد الله بن طاهر إلى المعتصم، فحبسه في سرداب
شبيه بالبئر عند قصره، فكاد أن يموت فيه، ثم إنه هرب من السجن، فطلبوه فلم
يقدروا عليه، فانحدر إلى واسط، وبقي مختفيا حتى مات بها.
وقال أحمد بن الحارث الخزاز: توارى محمد بن القاسم أيام المعتصم وأيام
الواثق، ثم أخذ في أيام المتوكل، فحمل إليه فحبس حتى مات في حبسه، قال:
ويقال: إنه دس إليه سما فمات منه (1).
2 - وروى السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات) بالإسناد عن اليسع بن
حمزة القمي، قال: أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي
بالمكروه الفظيع حتى تخوفته على إراقة دمي وفقر عقبي، فكتبت إلى سيدي
أبي الحسن العسكري (عليه السلام) أشكو إليه ما حل بي، فكتب إلي: لا روع عليك ولا
بأس، ادع الله بهذه الكلمات يخلصك الله وشيكا مما وقعت فيه ويجعل لك فرجا.
إلى أن قال: فدعوت الله بالكلمات التي كتب إلي سيدي بها في صدر النهار،
فوالله ما مضى شطره حتى جاءني رسول عمرو بن مسعدة، فقال لي: أجب الوزير،
فنهضت ودخلت عليه، فلما بصرني تبسم إلي، وأمر بالحديد ففك عني،
وبالأغلال فحلت مني... الحديث (2).



(1) مقاتل الطالبيين: 382 - 392. تأريخ اليعقوبي 3: 206.
(2) مهج الدعوات: 271، وقد تقدم الحديث كاملا مع الدعاء في سيرة الإمام (عليه السلام) وسننه.
297
أيام الواثق
تولى الواثق مقاليد الحكم العباسي من سنة 227 ه‍ إلى سنة 232 ه‍،
واستمرت خلال تلك الفترة السلطة العباسية على نهجها المعهود في محاربة أهل
الحق، وازداد تحكم الأتراك في تسيير شؤون الدولة والحرب، وازداد مع ذلك الظلم
والتعسف.
وقد أخبر الإمام الهادي (عليه السلام) أحد أصحابه القادمين من العراق وهو خيران
الأسباطي عن موت الواثق، وتسنم جعفر المتوكل مقاليد السلطة العباسية، قال
خيران: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) المدينة، فقال لي: ما خبر
الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك، خلفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهدا به،
عهدي به منذ عشرة أيام. قال: فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فلما
قال لي: إن أهل المدينة يقولون، علمت أنه يعني نفسه.
ثم قال لي: ما فعل جعفر؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالا في السجن. قال:
فقال: أما إنه صاحب الأمر، فما فعل ابن الزيات؟ قلت: الناس معه، والأمر أمره.
فقال (عليه السلام): أما إنه شؤم عليه (1).



(1) قبض المتوكل على ابن الزيات، وقيده بداره، وصادر أمواله وأملاكه، وسلط عليه أنواع
العذاب، ثم جعله في تنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة وتزعج من فيه لضيقه،
فسده عليه حتى مات، وكان هذا التنور قد عمله ابن الزيات لتعذيب ابن أسباط المصري،
فقتله المتوكل في تنوره. تأريخ ابن خلدون 3: 341، تأريخ ابن الوردي 1: 308.
298
قال: ثم سكت، وقال لي: لا بد أن تجري مقادير الله وأحكامه، يا خيران
مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات.
قلت: متى جعلت فداك؟ قال (عليه السلام): بعد خروجك بستة أيام (1).
أيام المتوكل
لما مات الواثق 232 ه‍ اجتمع في دار الخلافة أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ
ووصيف وعمر بن الفرج وابن الزيات، وأرادوا البيعة لمحمد بن الواثق، وهو غلام
أمرد، فألبسوه فإذا هو قصير، فقال وصيف: أما تتقون الله، تولون الخلافة مثل
هذا! ثم تناظروا فيما يولونه، فأحضروا المتوكل فألبسه ابن أبي دؤاد وعممه، وسلم
عليه بإمارة المؤمنين، ولقبه المتوكل (2)، فكان ذلك إيذانا بعهد الظلم والتعسف.
كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظا على جماعتهم، شديد
الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن
خاقان وزيره يسيء الرأي فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم
يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله.
هدم قبر الحسين (عليه السلام) ومنع زيارته:
وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين (عليه السلام) وعفى آثاره، ووضع على سائر



(1) إعلام الورى: 358، الفصول المهمة: 279، بحار الأنوار 50: 158 / 48.
(2) تأريخ ابن خلدون 3: 340.
299
الطرق مسالح له لا يجدون أحدا زاره إلا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة.
قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني أحمد بن الجعد الوشاء، وقد شاهد ذلك،
قال: إن المتوكل بعث برجل من أصحابه يقال له الديزج، وكان يهوديا فأسلم،
أرسله إلى قبر الحسين (عليه السلام)، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله، فمضى
لذلك وخرب ما حوله، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ
إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوما من اليهود فكربوه، ووكل به مسالح بين
كل مسلحتين ميل، فلا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه (1).
وفي تأريخ الطبري وابن الأثير حوادث سنة 236 ه‍: أنه في تلك السنة هدم
قبر الحسين بن علي (عليه السلام) وسواه بالتراب، ثم أمر بحرث الأرض وزرعها لتضيع
معالمه، وقتل عددا كبيرا من زواره، وبالتالي فرض عليهم الضرائب وشتى أنواع
العقوبات ليمتنعوا عن زيارته (2).
وروي أنه لما صار الماء فوق مكان قبره (عليه السلام) وقف وافترق فرقتين، يمينا
وشمالا، ودار حتى التقى تحت المكان، وبقي الوسط خاليا من الماء، والماء مستدير
حوله، فسمي من ذلك اليوم ب‍: الحائر (3).
قال أبو الفرج الإصفهاني: وحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد
عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني
رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا



(1) مقاتل الطالبيين: 395 - 396.
(2) الكامل في التأريخ 7: 55، حوادث سنة 236، سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 453.
(3) بحار الأنوار 45: 403، التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام): 137.
300
نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين، وقد ناموا،
حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشم الأرض ونتحرى جهته حتى أتيناه (1)، وقد
قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن
وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط، كشئ
من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت
مثلها، كشئ من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع،
فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر،
فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه (2).
قال السيوطي في تأريخ الخلفاء: فتألم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد
شتمه - أي المتوكل - على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، ومما قيل في ذلك:
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتى بنو أبيه بمثله * هذا لعمري قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما (3)
حصار آل أبي طالب:
واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي، فمنع آل أبي طالب من



(1) قال الشاعر:
أرادوا ليخفوا قبره عن وليه * وطيب تراب القبر دل على القبر
(2) مقاتل الطالبيين: 396.
(3) تأريخ الخلفاء: 278، وقد نسب هذا الشعر للبسطامي، وقيل: لابن السكيت.
301
التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا
منهم بشيء وإن قل إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرما، حتى كان القميص يكون بين
جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على
مغازلهن عواري حواسر، إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن
إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه
طعنا عليه ونصرة لفعله (1).
البذخ والترف:
وإلى جانب الحصار الاقتصادي المر الذي فرضه الطاغيه المتوكل على
العلويين بشكل خاص والطالبيين بشكل عام، فقد كان ينفق ملايين الدنانير على
لياليه الحمراء، ويهب آلاف الدنانير إلى المغنين والمخنثين، فسجل بذلك صفحات
سوداء من تأريخه الملئ بالإثم والعدوان في اضطهاد ذرية النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله).
ومن جملة أعماله الآثمة منحه الأموال الطائلة للمرتزقة من الشعراء
الذين ينالون من آل البيت (عليهم السلام) أمثال مروان بن أبي الجنوب، الذي أغدق عليه
الأموال والذهب، وعقد له الولاية على البحرين واليمامة، وهو القائل معرضا
بآل البيت (عليهم السلام):
يرجو التراث بنو البنا * ت وما لهم فيها قلامه
والصهر ليس بوارث * والبنت لا ترث الإمامة (2)



(1) مقاتل الطالبيين: 396.
(2) تأريخ الطبري 9: 231 - دار المعارف.
302
روى ابن الأثير عن أبي الشمط ابن أبي الجنوب، أنه قال: أنشدت المتوكل
شعرا ذكرت فيه الرافضة، فعقد لي على البحرين واليمامة، وخلع علي أربع خلع،
وخلع علي المنتصر، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار نثرت علي، وأمر ابنه
المنتصر وسعدا الإيتاخي أن يلقطاها لي، ففعلا.
قال: ثم نثر علي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم (1).
أما نفقات المتوكل فقد قال عنها المسعودي في تأريخه: إن النفقات لم تبلغ في
وقت من الأوقات ما بلغته أيام المتوكل (2)، وكانت هذه النفقات تغدق على المغنين
واللاهين والمضحكين وجواري القصر والشعراء، ولا تصرف في مواردها
الصحيحة باعتبارها من بيت المال الذي يشترك فيه جميع المسلمين لتطوير حياتهم
وتمشية معاشهم وتنمية قدراتهم.
فقد أنفق المتوكل أموالا لا تحصى في الاحتفال الذي أقامه بمناسبة ختان
بعض أولاده حتى إن الدراهم والدنانير كانت تنقل في الغرائر (3)، وقد أمر بصبها في
وسط المجلس، فبلغت من الكثرة أن حالت من رؤية بعضهم بعضا.
وأنفق من الأموال ما يبهر العقول في الاحتفال الذي أقامه بمناسبة البيعة
لأولاده، وهم محمد المنتصر، والزبير المعتز، وإبراهيم المؤيد، وذلك سنة 236 ه‍ (4).
وأنفق ملايين الدنانير على الجواري اللاتي جلبن من مختلف أنحاء البلاد،



(1) الكامل في التأريخ 7: 95.
(2) مروج الذهب 4: 159.
(3) وهي الجوالق، وهو العدل من الصوف أو الشعر.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 306 - 308، عن الإنباء في تأريخ الخلفاء.
303
حتى إنه روى المؤرخون أن له أربعة آلاف جارية وطئهن جميعا (1).
وأنفق المتوكل على قصوره الفخمة ملايين الدنانير، حتى إنه بنى قصرا في
سفينة وصفه البحتري الشاعر بقوله:
غنينا على قصر يسير بفتية * قعود على أرجائه وقيام
تظل البزاة البيض تخطف حولنا * جآجئ طير في السماء سوام (2)
ومن أهم قصوره الجعفري، وقد أنفق على بنائه ألفي ألف دينار (3)، ومنها
البرج وقد أنفق على بنائه ألف ألف وسبعمائة ألف دينار (4)، ومنها المليح وقد أنفق
على بنائه خمسة آلاف ألف درهم (5)، ومنها الشبنداز وقد أنفق على بنائه عشرة
آلاف ألف درهم (6)، ومنها المختار وبركوار والخير والغرو، وقد أنفق على هذه
الأربعة ثلاثين ألف ألف درهم (7)، ناهيك عن ملايين الدراهم التي صرفت على برك
الماء وهبات الشعراء مما سطره المؤرخون في تأريخ الطاغية المتوكل، وفي قصر
الجعفري قتل المتوكل ووزراؤه وهم سكارى على موائد الخمر، ومن كان من أذنابه
ومرتزقته.



(1) تأريخ الخلفاء: 279.
(2) ديوان البحتري 3: 202.
(3) معجم البلدان 2: 143.
(4) تأريخ اليعقوبي 3: 222.
(5) معجم البلدان 3: 175.
(6) معجم البلدان 3: 319.
(7) معجم البلدان 2: 328، 3: 175، 4: 192.
304
قال النويري: أنفق المتوكل في بناء قصوره مائة ألف دينار، وخمسين
ألف ألف عينا، ومائتي ألف ألف، وثمانية وخمسين ألف ألف، وخمسمائة ألف
درهم... (1).
وهكذا ينعم الخلفاء العباسيون وأذنابهم بالحياة إلى حد السفه والهوس، ومن
ورائهم طبقات واسعة من عامة الناس قتر عليها الرزق، فهي تعيش في ضنك
وضيق شديدين، سيما العلويون والطالبيون بشكل عام، فقد فرض عليهم المتوكل
حصارا جائرا حتى إنه منع الناس من البر بهم والإحسان إليهم، وكان لا يبلغه أن
أحدا بر بهم إلا أنهكه عقوبة وغرامة - كما قدمنا عن أبي الفرج الأصفهاني - حتى
امتنع الناس من صلتهم وإكرامهم خوفا من عقاب الطاغية وسطوته، فعاشوا حياة
ملؤها البؤس والفقر والحرمان.
ثورات العلويين
وممن ثار في وجه الظلم والجبروت من العلويين أبو الحسين يحيى بن عمر بن
الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، داعيا إلى إقامة
حكم الله في الأرض وفقا لكتاب الله وسنة رسوله المصطفى، مطالبا بحقوق المظلومين
والمعذبين والمضطهدين، رافعا شعار الرضا من آل محمد (عليهم السلام)، وكان (رضي الله عنه) فارسا
شجاعا، وسنأتي على تفصيل أخبار ثورته لاحقا إن شاء الله في أيام المستعين، لأنه
ثار أيام المتوكل، وقاتل واستشهد في أيام المستعين سنة 250 ه‍ (رضوان الله
عليه).



(1) نهاية الإرب 1: 406.
305
ثورة محمد بن صالح:
وممن خرج في أيام المتوكل محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله
ابن الحسن المثنى بن الحسن بن علي (عليه السلام)، وكان من فتيان آل أبي طالب وشجعانهم
وظرفائهم وشعرائهم، خرج بسويقة واجتمع له الناس، وحج بالناس أبو الساج،
فقصده، وخاف عمه موسى بن عبد الله بن موسى أبا الساج على نفسه وولده
وأهله، فضمن لأبي الساج تسليمه، وتوثق له بالأيمان والأمان، وجاء عمه إليه
فأعلمه ذلك، وأقسم عليه ليلقين سلاحه ففعل، وخرج إلى أبي الساج فقيده، وحمله
إلى سر من رأى مع جماعة من أهله، فلم يزل محبوسا بها ثلاث سنين ثم أطلق،
وأقام بها إلى أن مات، وكان سبب موته أنه جدر فمات في الجدري (1).
ثورة الحسن بن زيد:
قال أبو الفرج الإصفهاني: لما ولى المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي،
فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد على طبرستان ونواحي الديلم.
وخرج بالري محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين يدعو إلى
الحسن بن زيد، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور، فلم يزل في حبسه حتى
هلك.
ثم خرج من بعده بالري أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب، يدعو إلى الحسن بن زيد، وخرج بعده الكوكبي،
وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن



(1) مقاتل الطالبيين: 397.
306
الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1)، وسنأتي على ثورة الحسن بن زيد في أيام
المستعين.
قتل القاسم بن عبد الله:
وحمل عمر بن الفرج الرخجي القاسم بن عبد الله بن الحسين بن علي بن
الحسين بن علي (عليه السلام) إلى سر من رأى، فأمر بلبس السواد فامتنع، فلم يزالوا به حتى
لبس شيئا يشبه السواد فرضي منه بذلك، وكان القاسم رجلا فاضلا.
قال أبو الفرج الإصفهاني: أخبرني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن
ذوب مولاة زينب بنت عبد الله بن الحسين، قال: اعتل مولاي القاسم بن عبد الله،
فوجه إليه بطبيب يسأله عن خبره، وجهه إليه السلطان، فجس يده، فحين وضع
الطبيب يده عليها يبست من غير علة، وجعل وجعها يزيد عليه حتى قتله، قال:
سمعت أهله يقولون: إنه دس إليه السم مع الطبيب (2).
المتوارون في أيام المتوكل:
وتوارى أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) فترة طويلة حتى
توفي سنة 247 ه‍، وكان فاضلا عالما مقدما في أهله، معروفا فضله، وقد كتب
الحديث، وعمر وكتب عنه، وروى عنه الحسين بن علوان روايات كثيرة، وروى
عنه محمد بن المنصور الراوي ونظراؤه (3).



(1) مقاتل الطالبيين: 406.
(2) مقاتل الطالبيين: 407.
(3) مقاتل الطالبيين: 408.
307
وتوارى أيضا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن
علي (عليه السلام) منذ أيام المأمون، ومات في أيام المتوكل.
قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن
الحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، قال: سمعت محمد بن سليمان الزينبي
يقول: نعي عبد الله بن موسى إلى المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات، ونعي
له أحمد بن عيسى فاغتبط بوفاتهما وسر، وكان يخافهما خوفا شديدا، ويحذر
حركتهما، لما يعلمه من فضلهما، واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتهما لهما
لو أرادوا الخروج عليه، فلما ماتا أمن واطمئن، فما لبث بعدهما إلا أسبوعا حتى
قتل (1).
إشخاص الإمام الهادي (عليه السلام):
لقد سار المتوكل على نهج من سبقوه في التعامل مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بل
زاد على ذلك باستدعائه الإمام الهادي إلى دار الخلافة في سامراء وعزله عن
أوساط الأمة، مع علمه أن دور الإمام (عليه السلام) في المدينة لا يعدو كونه مبلغا لرسالة
جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) ومحافظا على سنته ومبادئ كتاب الله تعالى، وليس همه السلطة
ولا تنزع نفسه الكريمة إلى شيء من متاع الدنيا وزخرفها.
تولى الإمام الهادي (عليه السلام) مهام وأعباء الإمامة وهو لا يزال في مطلع شبابه كما
قدمنا، وذلك سنة 220 ه‍ (2)، وبقي في المدينة حتى بلغ من العمر نحو عشرين سنة
مرجعا لرواد العلم من مختلف البلاد وشتى الديار، فأحبه الناس واجتمعوا حوله،



(1) مقاتل الطالبيين: 417.
(2) كانت ولادته (عليه السلام) سنة 212 ه‍، وقيل: 214 ه‍.
308
والتف العلماء وطلاب العلم ينهلون من نمير علمه، وكان يتصل به شيعته خاصة
يسألونه الحلول لمشاكلهم والأجوبة لمسائلهم، وخلال إقامته في المدينة كان في جميع
حالاته تحت رقابة عيون السلطة.
فبالنظر للمكانة العالية التي يتمتع بها الإمام (عليه السلام) في نفوس المسلمين، أراد
المتوكل وبدافع من حقده السافر لأهل البيت (عليهم السلام) وهاجس الخوف الذي يراوده
من انصراف الناس إلى الإمام الهادي (عليه السلام) أن يعزل الإمام (عليه السلام) عن شيعته ومواليه
ومريديه من طلبة العلم ومحصليه، فاستدعاه إلى عاصمة ملكه سامراء، وفرض
عليه إقامة جبرية استمرت أكثر من عشرين سنة.
لقد أخرج الإمام (عليه السلام) مكرها من مدينة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وقد عبر عن
هذا بحديث رواه الشيخ الطوسي وابن شهرآشوب بالإسناد عن المنصوري عن عم
أبيه، قال: قال يوما الإمام علي بن محمد (عليه السلام): يا أبا موسى، أخرجت إلى
سر من رأى كرها، ولو أخرجت عنها أخرجت كرها... الحديث (1).
قال الشاعر:
وأشخص رغما عن مدينة جده * إلى الرجس إشخاص المعادي المخاصم
ولاقى كما لاقى من القوم أهله * جفاء وغدرا وانتهاك محارم
وعاش بسامراء عشرين حجة * يجرع من أعداه سم الأراقم (2)



(1) المناقب 4: 417، بحار الأنوار 50: 129 / 8.
(2) المجالس السنية 5: 656.
309
أسباب استدعاء الإمام (عليه السلام):
من خلال الأحاديث الواردة في تأريخ الأئمة (عليهم السلام) وأقوال المؤرخين،
نلاحظ أن أسباب إشخاص الإمام (عليه السلام) إلى عاصمة بني العباس تتلخص بالنقاط
التالية:
1 - إن المتوكل كان يبغض عليا (عليه السلام) وذريته، فبلغه مقام الإمام الهادي (عليه السلام)
بالمدينة وميل الناس إليه، فخاف منه، واستقدمه من الحجاز، لئلا تنصرف وجوه
الناس إليه، فيخرج هذا الأمر عن بني العباس.
ففي حديث يزداد النصراني تلميذ بختيشوع، قال: بلغني أن الخليفة استقدمه
من الحجاز فرقا (1) منه، لئلا تنصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم،
يعني بني العباس (2).
2 - الخوف من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج عليه،
ففي حديث المخالي المشهور: روي أن المتوكل أمر العسكر وهم تسعون ألف فارس
من الأتراك الساكنين بسر من رأى أن يملأ كل واحد منهم مخلاة فرسه من الطين
الأحمر، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا.
فلما صار مثل جبل عظيم (3)، صعد فوقه، واستدعى أبا الحسن (عليه السلام)



(1) الفرق: شدة الخوف.
(2) دلائل الإمامة: 419. نوادر المعجزات: 188 / 7.
(3) قال في مراصد الاطلاع (1: 272): المخالي أو تل المخالي: تل عند سر من رأى.
310
واستصعده وقال: استحضرك للنظارة، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف (1)
ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتم عدة، وأعظم هيبة، وكان
غرضه أن يكسر كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحدا
من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.
إلى أن قال: قال له أبو الحسن (عليه السلام): " نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن
مشتغلون بأمر الآخرة، ولا عليك مما تظن " (2).
قال الشاعر:
لست أنسى غداة أخرجه الطا * غي مع الناس ذلة وصغارا
وغدا يعرض الجيوش عليه * عل يرتاع خيفة وانذعارا
فأراه من الملائك جيشا * ملأ الأفق والفضا جرارا (3)
3 - وشاية والي المدينة عبد الله بن محمد بن داود (بريحة) بالإمام (عليه السلام) عند
المتوكل، فقد كتب بريحة إلى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن
محمد منها، فإنه قد دعا الناس إلى نفسه، واتبعه خلق كثير. وتابع كتبه إلى المتوكل
بهذا المعنى (4).



(1) التجافيف: آلة للحرب كالدرع توضع على الإنسان والفرس لتقي الجراح في الحرب.
(2) الثاقب في المناقب: 557، الخرائج والجرائح 1: 414 / 19، كشف الغمة 3: 185، بحار
الأنوار 50: 155 / 44.
(3) الذخائر: 63.
(4) راجع إثبات الوصية: 197.
311
وقال اليعقوبي: وكتب المتوكل إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام) في الشخوص من
المدينة، وكان عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوما يقولون: إنه
الإمام (1). ولما بلغ أبا الحسن (عليه السلام) أن بريحة يراسل المتوكل ويصور له خطره عليه،
كتب إلى المتوكل يذكر له تحامله عليه وكذبه فيما كتب به وإيذاءه له، فأجابه المتوكل
بكتاب كله كذب ودجل وتضليل، لا ينطلي على مثل الإمام (عليه السلام).
وأول بوادر السوء في نفس المتوكل هو وصيته إلى قائده يحيى بن هرثمة ومن
كان معه بتفتيش دار الإمام تفتيشا دقيقا، وذلك لأن أجهزة الحكم في المدينة
أخبروه كذبا بأن دار الإمام مقرا للسلاح والرجال والمعارضين للسلطة العباسية،
وأنه ينوي الإطاحة بهذه السلطة، فلما دخل يحيى بن هرثمة المدينة وأبان عن
نواياه أحس الناس بالشر، وخافوا على أبي الحسن (عليه السلام) من شره، لأنهم يعرفون
ما يضمره المتوكل من الحقد والسوء لأهل البيت (عليهم السلام)، لذلك ضجوا ضجيجا
عظيما وأصابهم الخوف والقلق حتى هدأهم قائد المتوكل ابن هرثمة.
رواية الشيخ المفيد:
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وكان سبب إشخاص أبي الحسن (عليه السلام) إلى سر من رأى،
أن عبد الله بن محمد، كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول (عليه السلام)، فسعى
بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل، وكان يقصده بالأذى، وبلغ أبا الحسن سعايته به،
فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد ويكذبه في ما سعى به، فتقدم
المتوكل بإجابته عن كتابه، ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل



(1) تأريخ اليعقوبي 3: 217.
312
والقول، فخرجت نسخة الكتاب، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فإن أمير المؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر
من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزك
وعزهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربه وأداء ما افترض
عليه فيك وفيهم.
وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب
والصلاة بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه
بقدرك، وعندما قرفك (1) به ونسبك إليه من الأمر الذي علم أمير المؤمنين براءتك
منه، وصدق نيتك في برك وقولك، وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه، وقد ولى
أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك
والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك.
وأمير المؤمنين مشتاق إليك، يحب إحداث العهد بك والنظر إليك، فإن
نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك
ومواليك وحشمك، على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت، وتنزل إذا شئت، وتسير
كيف شئت.
وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند (2)



(1) قرفه: اتهمه.
(2) الظاهر من الروايات أن المتوكل أرسل وفدا لإحضار الإمام (عليه السلام)، ومنهم عتاب بن
أبي عتاب، راجع المناقب 4: 413، بحار الأنوار 50: 159 / 45، و 173 / 53.
313
يرتحلون برحيلك ويسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك إليك، وقد تقدمنا إليه
بطاعتك.
فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته
وخاصته ألطف منه منزلة، ولا أحمد له إثرة، ولا هو لهم أنظر، وعليهم أشفق، وبهم
أبر، وإليهم أسكن منه إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب إبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة 243 (1).
فالملاحظ أن المتوكل قد كتب إلى الإمام (عليه السلام) بأسلوب هادئ لين وكأنه
يتعاهده بالعطف والكرامة، في الوقت الذي كان يضمر العداوة لآل البيت (عليهم السلام)،
ولكل من يتصل بهم بسبب أو نسب، والإمام (عليه السلام) يعلم منه ذلك، كما أنه يعلم أنه
لا يتركه في المدينة، فاستجاب لطلبه مرغما، ولقد صرح (عليه السلام) يوما لأبي موسى من
أصحابه، حيث قال (عليه السلام): أخرجت إلى سر من رأى كرها، ولو أخرجت عنها
أخرجت كرها... الحديث، وقد تقدم آنفا.
ولو كان المتوكل صادقا في ما كتبه في نسخة كتابه إلى الإمام (عليه السلام) لالتزم
بالشروط التي تعهد بها في كتابه، ولو أراد إكرام الإمام (عليه السلام) لما جعله في خان
الصعاليك، ولما حجب عنه شيعته وأصحابه، ولما فرض عليه الإقامة الجبرية في
عاصمة العسكر سامراء.
وسيأتي في رواية الشيخ المفيد (رحمه الله) أن المتوكل لم يأذن للإمام بالدخول إليه في
يومه الأول الذي وصل به إلى سامراء، بل أنزله في خان الصعاليك فأقام فيه يومه،
وفي اليوم الثاني أذن له بالدخول عليه، ثم أفرد له دارا ليسكن فيها، وليس ذلك



(1) الإرشاد 2: 309، الكافي 1: 419 / 7، الفصول المهمة: 275 - 276.
314
ببعيد لأنه إنما أرسل إليه لكي يحتجزه ويفرض عليه الإقامة، ليراقب جميع تحركاته
وتصرفاته، رغم تظاهره بتعظيمه وإكرامه في كتابه إليه.
قال الشيخ المفيد وغيره: فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن (عليه السلام) تجهز
للرحيل، وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى، فلما وصل إليها
تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك وأقام
فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له، فانتقل إليها (1).
وروي بالإسناد عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على أبي الحسن
الهادي (عليه السلام) يوم وروده، فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك
والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: ها هنا أنت
يا بن سعيد! ثم أومأ بيده، فإذا بروضات أنفات (2)، وأنهار جاريات، وجنان فيها
خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر تعجبي، فقال
لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك (3).
وأقام أبو الحسن (عليه السلام) مدة مقامه بسر من رأى مكرما معظما مبجلا في ظاهر
الحال والمتوكل يبتغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله تعالى عليه (4).



(1) الإرشاد 2: 311، الفصول المهمة: 276 - 277.
(2) الروض الأنف: هو الروض الذي لم يرعه أحد.
(3) الإرشاد 2: 311، الكافي 1: 417 / 2، بحار الأنوار 50: 202، بصائر الدرجات: 426،
المناقب 4: 411، إعلام الورى: 365، عيون المعجزات: 137، الثاقب في المناقب: 542،
وللعلامة المجلسي (رحمهم الله) بيان حول حديث خان الصعاليك في البحار 50: 131.
(4) الفصول المهمة: 277.
315
قال الشاعر:
أنزلوه خان الصعاليك عمدا * قد أرادوا ذلا به واحتقارا
ما دروا أنه بدار عليها الله * أرخى دون العيون ستارا (1)
وقال الناظم مرتجزا:
أنزله في أشنع المنازل * وفخر كل منزل بالنازل
من هو عند ربه مكين * فلا عليه أينما يكون
له رياض القدس مأوى ومقر * خان الصعاليك غطاء للبصر (2)
رواية سبط ابن الجوزي:
1 - نقل ابن الجوزي عن علماء السير، قال: وإنما أشخصه المتوكل إلى
بغداد، لأن المتوكل كان يبغض عليا وذريته، فبلغه مقام علي (عليه السلام) بالمدينة وميل
الناس إليه فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة، وانظر في
حاله وأشخصه إلينا.
قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما،
ما سمع الناس بمثله خوفا على علي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا إليهم
ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
قال يحيى: فجعلت أسكنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه
لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعيه وكتب العلم،



(1) الذخائر - ديوان شعر اليعقوبي: 63.
(2) الأنوار القدسية: 101.
316
فعظم في عيني، وتوليت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته.
فلما قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان واليا على
بغداد، فقال لي: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمتوكل من
تعلم، فإن حرضته عليه قتله، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خصمك يوم القيامة. فقلت له:
والله ما وقعت منه إلا على كل أمر جميل.
ثم صرت به إلى سر من رأى، فبدأت بوصيف التركي، فأخبرته بوصوله،
فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك. قال: فعجبت كيف وافق قوله
قول إسحاق، فلما دخلت على المتوكل سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة
طريقه وورعه وزهادته، وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب
العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته، وأجزل بره،
وأنزله معه سر من رأى (1).
رواية اليعقوبي:
قال اليعقوبي: لما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق
ابن إبراهيم لتلقيه، فرأى تشوق الناس إليه، واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل،
ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نفذ إلى سر من رأى (2). وهو
يدل على أنهم كانوا يخافون الإمام (عليه السلام) حتى أثناء المسير من أن يلتقي به الناس،
لعظم محبته في قلوبهم وهيبته في نفوسهم، لهذا ساروا به في الليل تحت جنح الظلام
لتفادي اجتماع الناس به (عليه السلام).



(1) تذكرة الخواص: 359.
(2) تأريخ اليعقوبي 3: 217.
317
مسير الإمام (عليه السلام):
ليس لدينا ما يساعد على تتبع حركة الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد ومن
ثم إلى سامراء، وكل ما يستفاد من الروايات أن الإمام (عليه السلام) قد قطع هذا الطريق في
تموز وفي أشد ما يكون عليه الحر (1)، وقد رافقه في هذا الطريق كثير من القادة والجند
الذين لا يعرفون مقامه الإلهي السامي، حيث كان منهم الخارجي والحشوي
وغيرهما.
روى الشيخ القطب الراوندي وغيره بالإسناد عن يحيى بن هرثمة، قال:
دعاني المتوكل وقال: اختر ثلاثمائة ممن تريد واخرجوا إلى الكوفة، وخلفوا
أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، وأحضروا علي بن محمد
النقي إلى عندي مكرما معظما مبجلا.
قال: ففعلت وخرجنا، وكان في أصحابي قائد من الشراة (2)، وكان لي كاتب
متشيع، وأنا على مذهب الحشوية، وكان ذلك الشاري يناظر الكاتب، وكنت أسمع
إلى مناظرتهما لقطع الطريق.



(1) المروي في البحار عن الخرائج والجرائح بالإسناد عن أبي محمد البصري، عن أبي العباس
خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد، قال: كنت في الوفد الذي أوفد المتوكل إلى المدينة في
إحضار أبي الحسن (عليه السلام)، وطوينا المنزل وكان منزلا صائفا شديد الحر... فخرجنا ولم نطعم ولم
نشرب واشتد بنا الحر والجوع والعطش... ونحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا ولا ظل
ولا ماء نستريح، فجعلنا نشخص بأبصارنا... إلى آخر الخبر، وهو يدل على مدى الصعوبات
والجهد الذي نال من الإمام في هذا الطريق مع شدة الحر وعدم ملائمته للسير.
(2) الشراة: الخوارج.
318
فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم
علي بن أبي طالب " ليس في الأرض بقعة إلا وهي قبر، أو سيكون قبرا "؟ فانظر
إلى هذه البرية، أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟
قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من
يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبورا؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب
في أيدينا.
قال: وسرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن علي بن محمد بن
الرضا (عليهم السلام) فدخلت عليه، فقرأ كتاب المتوكل فقال: " انزلوا، وليس من جهتي
خلاف ".
قال: فلما حضرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا
بين يديه خياط، وهو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له ولغلمانه، ثم قال
للخياط: " اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا،
وبكر بها إلي في هذا الوقت ".
ثم نظر إلي وقال: " يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل
على الرحيل غدا في هذا الوقت ".
قال: فخرجنا من عنده وأنا أتعجب من الخفاتين، وأقول في نفسي: نحن في
تموز، وحر الحجاز، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه
الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه
إلى هذه الثياب، والعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا،
فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه:
" ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس "، ثم قال: " ارحل يا يحيى " فقلت في

319
نفسي: هذا أعجب من الأول، أيخاف ان يلحقنا الشتاء في الطريق حتى يأخذ معه
اللبابيد والبرانس!
فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور
ارتفعت سحابة، واسودت وأرعدت وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت
بردا من الصخور، وقد شد على نفسه وغلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس
وقال لغلمانه: " ارفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنسا "، وتجمعنا والبرد
يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا، وزالت، ورجع الحر كما كان.
فقال لي: " يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ
الله هذه البرية قبورا ".
قال: فرميت نفسي عن الدابة واعتذرت إليه، وقبلت ركابه ورجله، وقلت:
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت
كافرا، وإني الآن أسلمت على يديك يا مولاي.
قال: فتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى (1).
قال الشاعر:
ما رعت للنبي فيه بنو العم * ذماما ولم يحوطوا ذمارا
أشخصوه مع البريد لسامرا * فلم يلق في سواها قرارا
صدقت قوله الشراة وكانوا * جحدوا قول جده إنكارا
يوم أردتهم العواصف حتى * ملأ الله في القبور قفارا (2)



(1) الثاقب في المناقب: 551، الخرائج والجرائح 1: 393 / 2، كشف الغمة 3: 180، بحار
الأنوار 50: 142 / 27.
(2) الذخائر: 62.
320
إيذاء الإمام (عليه السلام):
لقد كان المتوكل والمحيطون به من أركان السلطة العباسية يعمدون بين الحين
والآخر إلى إيذاء الإمام (عليه السلام) بشتى الأساليب، كاستدعائه بين الحين والآخر بقصد
الإساءة إليه وكبس داره ومراقبته، والعمل على الوضع من قدره في عيون الناس،
ولكن الله سبحانه كان يصرفهم عنه (عليه السلام) فلا يتمكنون من ذلك، وفي ما يلي بعض
تصرفات المتوكل والمحيطين به مع الإمام:
1 - عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي، قال: سمعت من سعيد الصغير
الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان، قد صرت
من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات، قلت: بلى والله. فقال: وكيف
ذلك؟
قلت: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام)
فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك، فوجدته يصلي، فبقيت قائما حتى فرغ، فلما انفتل من
صلاته أقبل علي وقال:
" يا سعيد لا يكف عني جعفر - أي المتوكل الملعون - حتى يقطع إربا إربا!
اذهب واعزب " وأشار بيده الشريفة، فخرجت مرعوبا، ودخلني من هيبته
ما لا أحسن أن أصفه، فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت
عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا وقلت به (1).



(1) الثاقب في المناقب: 539.
321
2 - عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى
المتوكل يلعب لعب الحقة (1) ولم ير مثله، وكان المتوكل لعابا، فأراد أن يخجل علي بن
محمد بن الرضا (عليه السلام) فقال لذلك الرجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.
قال: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف، واجعلها على المائدة، وأقعدني إلى جنبه،
فقعدوا وأحضر علي بن محمد (عليهما السلام) للطعام، وجعل له مسورة (2) عن يساره، وكان
عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمد (عليه السلام) يده
إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء، ومد يده إلى أخرى، فطيرها ذلك الرجل،
ومد يده إلى أخرى فطيرها، فتضاحك الجميع.
فضرب علي بن محمد (عليهما السلام) يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في
المسورة وقال: " خذيه ". فابتلعت الرجل، وعادت كما كانت إلى المسورة، فتحير
الجميع، ونهض أبو الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) فقال له المتوكل: سألتك إلا جلست
ورددته. فقال: " والله لا تراه بعدها، تسلط أعداء الله على أولياء الله؟! ". وخرج
من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك (3).
3 - وفي إثبات الوصية: روي أنه (عليه السلام) دخل دار المتوكل، فقام يصلي، فأتاه



(1) الحقة: الوعاء من خشب، وكان المشعبذون يلعبون بها، كأن يجعلون فيها شيئا بعيان
الناس، ثم يفتحونها وليس فيها شيء، وذلك بالشعبذة والتمويه.
(2) المسورة: متكأ من جلد.
(3) الثاقب في المناقب: 555، كشف الغمة 3: 183، بحار الأنوار 50: 146 / 30.
322
بعض المخالفين فوقف حياله، فقال له: إلى كم هذا الرياء؟! فأسرع الصلاة وسلم،
ثم التفت إليه وقال: إن كنت كاذبا مسخك الله، فوقع الرجل ميتا فصار حديثا في
الدار (1).
4 - عن أبي يعقوب، قال: ألح عليه - أي على الإمام الهادي (عليه السلام) - أحمد بن
الخصيب في الدار التي كان قد نزلها، وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه، فبعث إليه
أبو الحسن (عليه السلام): لأقعدن لك من الله مقعدا لا يبقى لك معه باقية. فأخذه الله في تلك
الأيام (2).
5 - عن أبي الطيب يعقوب بن ياسر، قال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد
أعياني أمر ابن الرضا (3)، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني فامتنع، وجهدت
أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها (4)، الحديث.
6 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن مسلمة الكاتب، قال: كان المتوكل
يركب إلى الجامع ومعه عدد ممن يصلح للخطابة، وكان فيهم رجل من ولد العباس



(1) إثبات الوصية: 230، الأنوار البهية: 240.
(2) الكافي 1: 419، الإرشاد 2: 306، إعلام الورى: 359، الخرائج والجرائح 2: 681 /
11، بحار الأنوار 50: 139 / 23.
(3) المراد أبو الحسن الثالث (عليه السلام)، ويطلق أيضا على أبي جعفر الجواد وأبي محمد العسكري (عليهم السلام).
(4) الإرشاد 2: 307، إعلام الورى: 362، وقد ذكرنا الحديث كاملا في المعاجز.
323
ابن محمد يلقب بهريسة، وكان المتوكل يحقره، فتقدم إليه أن يخطب يوما، فخطب
فأحسن، فتقدم المتوكل يصلي، فسابقه من قبل أن ينزل من المنبر، فجاء فجذب
منطقته (1) من ورائه وقال: يا أمير المؤمنين، من خطب يصلي، فقال المتوكل: أردنا
أن نخجله فأخجلنا.
قال: وكان أحد الأشرار، فقال يوما للمتوكل: ما يعمل أحد بك أكثر مما
تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا يبقى في الدار إلا من يخدمه، ولا يتبعونه بشيل
ستر، ولا فتح باب، ولا شيء، وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو لم يعلم استحقاقه
للأمر ما فعل به هذا، دعه إذا دخل يشيل لنفسه ويمشي كما يمشي غيره، فتمسه بعض
الجفوة؛ فتقدم أن لا يخدم، ولا يشال بين يديه ستر، وكان المتوكل ما رئي أحد ممن
يهتم بالخبر مثله.
قال: فكتب صاحب الخبر إليه: إن علي بن محمد دخل الدار، فلم يخدم، ولم
يشل أحد بين يديه سترا، فهب هواء رفع الستر له، فدخل. فقال: اعرفوا خبر
خروجه. فذكر صاحب الخبر هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج،
فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر، شيلوا الستر بين يديه (2).
7 - وكان المتوكل يشهر بالإمام ويشدد في مراقبته، فقد روى الشيخ
الطوسي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه أبي موسى، قال: دخلت يوما على
المتوكل وهو يشرب، فدعاني إلى الشرب، فقلت: يا سيدي، ما شربته قط، قال:



(1) المنطقة: ما يشد به البطن كالحزام.
(2) بحار الأنوار 50: 128 / 6، ورواه في المناقب 4: 406 ملخصا.
324
أنت تشرب مع علي بن محمد. قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك
ولا يضره، قال: فلما كان يوما من الأيام قال لي الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل
- يعني المتوكل - خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أرصده لأخبره له...
الحديث (1).
8 - ومن محاولات المتوكل لإهانة الإمام (عليه السلام) لإشباع روح الحقد والحسد
والأنانية التي ملأت نفسه، هو أنه أمر بأن يترجل الإمام (عليه السلام) ويمشي بين يديه يوم
الفطر من السنة التي قتل فيها 247 ه‍، ومشى الإمام (عليه السلام) مع بني عمه حتى تفصد
وجهه عرقا وكان الجو صيفا، والإمام (عليه السلام) لا يستطيع السير إلا متكأ لمرض ألم به،
فما كان من الإمام (عليه السلام) إلا أن يرمي المتوكل بسهام السحر، أعني الدعاء، وهو
الدعاء المشهور بالدعاء على الظالم - وسيأتي بيانه - فكان قتل المتوكل بعد ثلاثة
أيام.
روى المسعودي في إثبات الوصية: إنه لما كان في يوم الفطر في السنة التي
قتل فيها المتوكل، أمر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه، وإنما أراد بذلك أن
يترجل له أبو الحسن (عليه السلام)، فترجل بنو هاشم، وترجل (عليه السلام)، فاتكأ على رجل من
مواليه، فأقبل عليه الهاشميون فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب
دعاؤه فيكفينا الله!
فقال لهم أبو الحسن (عليه السلام): ما في هذا العالم من قلامة ظفر أكرم على الله من
ناقة ثمود، لما عقرت ضج الفصيل إلى الله، فقال الله: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام



(1) المناقب 4: 413 و 417، بحار الأنوار 50: 124 / 2.
325
ذلك وعد غير مكذوب) (1)، فقتل المتوكل في اليوم الثالث (2).
9 - وروى القطب الراوندي بالإسناد عن أبي القاسم البغدادي، عن زرافة،
قال: أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يوم السلام، فقال له
وزيره: إن في هذا شناعة عليك وسوء مقالة فلا تفعل. قال: لا بد من هذا.
قال: فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والأشراف كلهم، حتى
لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره. ففعل ومشى (عليه السلام) وكان الصيف، فوافى
الدهليز وقد عرق. قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز، ومسحت وجهه بمنديل،
وقلت: إن ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك.
فقال: إيها عنك (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب).
قال زرافة: وكان عندي معلم يتشيع، وكنت كثيرا أمازحه بالرافضي،
فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء، وقلت: تعال يا رافضي حتى أحدثك بشيء
سمعته اليوم من إمامكم. قال: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال. فقال: يا حاجب، أنت
سمعت هذا من علي بن محمد (عليه السلام)؟ قلت: نعم. قال: فحقك علي واجب بحق خدمتي
لك، فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها.
قال: إن كان علي بن محمد قد قال ما قلت فاحترز، واخزن كل ما تملكه، فإن
المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام. فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي،
فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان



(1) هود: 65.
(2) إثبات الوصية: 203.
326
من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك.
قال: فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما
كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه.
فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، وسلمت أنا ومالي، فتشيعت عند ذلك
وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي وتوليته حق الولاية (1).
تفتيش دار الإمام (عليه السلام):
لقد كانت العصابة المحيطة بالمتوكل تدين بالنصب لأهل البيت (عليهم السلام) أمثال
علي بن الجهم ومحمد بن داود الهاشمي وأبي السمط والبطحاني وغيرهم ممن نذروا
أنفسهم لخدمة أغراض السلطان وباعوا أنفسهم للشيطان، هؤلاء كانوا يحاولون بين
الحين والآخر أن يوغروا صدر المتوكل الملئ بالحقد على الإمام (عليه السلام) مصورين له
خطره على عرشه، وفي كل مرة يأمر المتوكل بمهاجمة دار الإمام (عليه السلام)، فيواجههم
الفشل الذريع، لأنهم يجدونه (عليه السلام) تاليا للقرآن أو مقيما للصلاة.
1 - عن إبراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خراج (2) خرج
به، فأشرف منه على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي
أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من مالها.
وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -



(1) الخرائج والجرائح 1: 402 / 8، بحار الأنوار 50: 147 / 32.
(2) الخراج: ما يخرج في البدن من القروح.
327
فسألته، فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك؟ فقال: ابعثوا إليه. فمضى
الرسول ورجع فقال: خذوا كسب (1) الغنم، فديفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج،
فإنه نافع بإذن الله. فجعل من بحضرة المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح:
وما يضر من تجربة ما قال؟ فوالله إني لأرجو الصلاح به، فأحضر الكسب، وديف
بماء الورد، ووضع على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه. فبشرت أم المتوكل
بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها، واستقل
المتوكل من علته.
فلما كان بعد أيام سعى البطحاني بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل، وقال:
عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه، ويأخذ
ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه.
قال إبراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام)
بالليل، ومعي سلم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في
الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: يا سعيد،
مكانك حتى يأتوك بشمعة. فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة
صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة. فقال
لي: دونك البيوت، فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئا، ووجدت البدرة مختومة
بخاتم أم المتوكل وكيسا مختوما معها، فقال لي أبو الحسن (عليه السلام): دونك المصلى،
فرفعته، فوجدت سيفا في جفن ملبوس.
فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها



(1) الكسب: عصارة الدهن.
328
فخرجت إليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت: كنت
نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار، فحملتها إليه،
وهذا خاتمي على الكيس ما حركه، وفتح الكيس الآخر، فإذا فيه أربعمائة دينار،
فامر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى، وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن، واردد
عليه السيف والكيس بما فيه.
فحملت ذلك إليه واستحييت منه، فقلت له: يا سيدي، عز علي بدخول
دارك بغير إذنك ولكني مأمور، فقال لي: (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون) (1).
فعلى الرغم من أن الإمام يصف الدواء للمتوكل، لكن الطاغية أبت نفسه
المريضة إلا أن تقابل الإحسان بالإساءة، فأخذ بوشاية البطحاني وفتش دار
الإمام (عليه السلام) وهو يعلم علم اليقين بخلو بيته (عليه السلام) من أي أموال أو سلاح، بل من كل
متاع الدنيا وزخرفها، لكنه الحقد والبغض والعداء السافر لأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)
الذي اشتمل على كيانه وأحاط بجوانبه.
2 - نقل سبط ابن الجوزي عن المسعودي في كتاب (مروج الذهب) قال:
نمي إلى المتوكل بعلي بن محمد (عليه السلام) أن في منزله كتبا وسلاحا من شيعته من أهل قم،
وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلا،



(1) الإرشاد 2: 302، الكافي 1: 417 / 4، إعلام الورى: 361، دعوات الراوندي: 202 /
555، الخرائج والجرائح 1: 676 / 8، بحار الأنوار 50: 198 / 10، الفصول المهمة: 277،
مناقب ابن شهرآشوب 4: 415، الدعوات: 204 / 555، والآية من سورة الشعراء: 227.
329
فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو
جالس على الرمل والحصى، وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيا من القرآن. وعلى
هذه الحال حمل إلى المتوكل العباسي، وأدخل عليه، وكان المتوكل في مجلس شراب،
وبيده كأس الخمر، فناول الإمام الهادي (عليه السلام)، فرد الإمام (عليه السلام): والله ما خامر
لحمي ولا دمي قط فاعفني، فأعفاه. فقال له: أنشدني شعرا، فقال الإمام (عليه السلام):
أنا قليل الرواية للشعر. فقال: لا بد. فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وقد شربوا * فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
وطالما عمروا دورا لتسكنهم * ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا * ففرقوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفرا معطلة * وساكنوها إلى الإجداث قد نزلوا
فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموعه، وبكى الحاضرون (1).
فعندما لم ير المتوكل مجالا لتنفيذ رغبات السعاة والوشاة ورغبات نفسه
المريضة، أراد أن يهين الإمام (عليه السلام) بحضور ندمائه السكارى، فناوله كأسا كان



(1) تذكرة الخواص: 361، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون: 107، في رحاب أئمة أهل البيت
(عليهم السلام) 4: 179 عن تأريخ المسعودي، البداية والنهاية 11: 15، وفيات الأعيان 3: 272.
330
قد أعدها لنفسه، وهو يعلم أن الإمام (عليه السلام) يرى أن شارب الخمر كعابد وثن،
وبعد أن يئس منه حاول ثانية أن يهينه بطريقة أخرى، فطلب منه شعرا في
وصف الخمر والجواري ليتلذذ بسماعه، ولم يكن يتوقع أن الإمام (عليه السلام) يجرؤ على
أن يصفعه بتلك العظات الخالدة، والتي تصور ما سيكون من أمره وأمر غيره
من الجبابرة والطغاة عبيد الأهواء والشهوات، فكانت أشد من الصاعقة على
المتوكل.
وكم أساء المتوكل الأدب * أحضره عند الشراب والطرب
وهو من السنة والكتاب * منزلة اللب من اللباب
أهذه القبائح الشنيعة * بمحضر من صاحب الشريعة
أيطلب الشرب من الإمام * وهو ولي عصمة الأحكام
أيطلب الغناء بالأشعار * من معدن الحكمة والأنوار؟! (1)
اعتقال الإمام (عليه السلام) وإقامته الجبرية:
وأمر المتوكل بحبس الإمام (عليه السلام) وزجه في السجن، وفرض عليه الإقامة
الجبرية في داره، وبقي ملازما لها، ويدل على ذلك جملة أخبار نذكر منها:
1 - عن الحسن بن محمد بن جمهور، قال: كان لي صديق مؤدب ولد بغا أو
وصيف - الشك مني - فقال لي: قال الأمير [عند] منصرفه من دار الخلافة: حبس
أمير المؤمنين هذا الذي يقولون له ابن الرضا اليوم، ودفعه إلى علي بن كركر،



(1) الأنوار القدسية: 100.
331
فسمعته يقول: " أنا أكرم على الله من ناقة صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد
غير مكذوب) (1) ليس يفصح بالآية ولا بالكلام، أي شيء هذا؟
قال: قلت: أعزك الله تعالى توعدك، أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيام.
فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه، فلما كان اليوم الثالث وثب عليه
باغر وبغلون أوتامش وجماعة معهم، فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة (2).
2 - وقد منعه المتوكل من الخروج عن داره، وفرض عليه إقامة جبرية
استمرت طيلة حكمه وبعد حكمه، ففي حديث يوسف بن يعقوب النصراني الذي
ذكرناه كاملا في المعاجز، قال: صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في
دار، وقلت: يجب أن أوصل هذه المئة دينار إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى دار
المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي، وعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب
وأنه ملازم لداره (3)... الحديث.
قاسى الإمام من بني العباس * ما ليس في الوهم وفي القياس
كم مرة من بعد مرة حبس * وهو بما يراه منهم محتبس
حتى قضى بالغم عمرا كاملا * فسمه المعتز سما قاتلا
قضى شهيدا في ديار الغربة * في شدة ومحنة وكربه (4)



(1) هود: 65.
(2) الثاقب في المناقب: 536، إعلام الورى: 363.
(3) كشف الغمة 3: 182.
(4) الأنوار القدسية: 101.
332
محاولة قتل الإمام (عليه السلام):
ولم يتوقف المتوكل عند هذه الحدود، بل ذهب إلى أبعد من هذا حين أراد
الإقدام على قتل الإمام (عليه السلام). لكنه لم يصل إلى مرامه، وباءت محاولاته بالخيبة
والخسران، وفي ما يلي بعض الأخبار الدالة على ذلك:
1 - عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، قال: كنا مع المعتز،
وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلم المعتز ووقف
ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحب به وأمره بالقعود، ونظرت إلى
وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول
فيه ما تقول! ويردد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه
يا أمير المؤمنين، وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي
يدعي الكذب، ويطعن في دولتي.
ثم قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون. فجيء بهم، ودفع إليهم
أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه
بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهو يقول: والله لأحرقنه بعد القتل. وأنا منتصب قائم
خلفه من وراء الستر، فما علمت إلا بأبي الحسن (عليه السلام) قد دخل، وقد بادر الناس
قدامه فقالوا: جاء. والتفت ورائي وهو غير مكترث ولا جازع، فلما بصر به
المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه، فانكب عليه يقبل بين عينيه،
واحتمل يده بيده، وهو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله،
يا ابن عمي، يا مولاي، يا أبا الحسن. وأبو الحسن يقول: " أعيذك بالله يا أمير
المؤمنين من هذا ".

333
فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: " جاءني رسولك ".
فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح،
يا عبد الله ويا معتز، شيعوا سيدي وسيدكم.
فلما بصر به الخزر خروا سجدا مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر
الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: ثم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدة
هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عما أمرنا به،
وامتلأت قلوبنا رعبا من ذلك.
فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في
وجهه، وقال: الحمد لله الذي بيض وجهه، وأرانا حجته (1).
2 - وعن علي بن محمد بن متويه، عن الهمداني، عن علي بن إبراهيم،
عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقر بن أبي دلف، قال: لما حمل المتوكل
سيدنا أبا الحسن (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إلي حاجب المتوكل،
فأمر أن أدخل عليه فقال: يا صقر، ما شأنك؟ فقلت: خير أيها الأستاذ. فقال:
اقعد.
قال الصقر: فأخذني ما تقدم وما تأخر. فقلت: أخطأت في المجيء. قال:
فوحى (2) الناس عنه، ثم قال: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخبر ما. فقال: لعلك



(1) الثاقب في المناقب: 556، الخرائج والجرائح 1: 417 / 21، كشف الغمة 3: 185،
الصراط المستقيم 2: 205، حلية الأبرار 2: 465.
(2) وحى: أسرع وعجل. والمراد هنا عجلوا بالانصراف.
334
جئت تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ [مولاي] أمير المؤمنين.
فقال: اسكت مولاك هو الحق، فلا تحتشمني، فإني على مذهبك. فقلت: الحمد لله.
فقال: تحب أن تراه؟ قلت: نعم. قال: اجلس حتى يخرج صاحب البريد.
قال: فجلست فلما خرج، قال لغلامه: خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة
التي فيها العلوي المحبوس وخل بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة، وأومأ إلى
بيت، فدخلت فإذا هو (عليه السلام) جالس على صدر حصير، وبحذاه قبر محفور، قال:
فسلمت، فرد [علي السلام] ثم أمرني بالجلوس، فجلست.
ثم قال: يا صقر، ما أتى بك؟ قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك.
قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت، فنظر إلي فقال: يا صقر، لا عليك، لن
يصلوا إلينا بسوء. فقلت: الحمد لله (1).
3 - ومنها ما روى ابن أرومة، قال: خرجت إلى سر من رأى أيام المتوكل
فدخلت إلى سعيد الحاجب، ودفع المتوكل أبا الحسن (عليه السلام) إليه ليقتله، فقال لي:
أتحب أن تنظر إلى إلهك! فقلت: سبحان الله، إلهي لا تدركه الأبصار! فقال: الذي
تزعمون أنه إمامكم؟ قلت: ما أكره ذلك، قال: قد أمرت بقتله، وأنا فاعله غدا،
فإذا خرج صاحب البريد فادخل عليه، فخرج ودخلت وهو جالس وهناك قبر
يحفر، فسلمت عليه وبكيت بكاء شديدا، فقال: ما يبكيك؟ قلت: ما أرى. قال:
لا تبك إنه لا يتم لهم ذلك، وإنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه



(1) كفاية الأثر: 285، كمال الدين: 382 / 9، معاني الأخبار: 123 / 1، الخصال: 394 /
102، بحار الأنوار 36: 413 / 3.
335
ودم صاحبه؛ فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل (1).
يا بن النبي المصطفى ووصيه * وابن الهداة السادة الأمناء
كم معجز لك قد رأوه ولم يكن * يخفى على الأبصار نور ذكاء
أن يجحدوه فطالما شمس الضحى * خفيت على ذي مقلة عمياء
برا وتعظيما أروك وفي الخفا * يسعون في التحقير والإيذاء
كما حاولوا إنقاص قدرك فاعتلى * رغما لأعلى قنة العلياء
فقضيت بينهم غريبا نائيا * بأبي فديتك من غريب نائي (2)
ملاحقة شيعته (عليه السلام) وقتلهم:
ولم يكتف المتوكل بإيذاء الإمام (عليه السلام) وحسب، بل منع شيعته من الدخول
إليه، وكان ذلك هو الهدف الأول من إشخاص الإمام (عليه السلام) إلى مدينة العسكر،
وتابعت أجهزة المتوكل وعيونه بعض الملازمين للإمام (عليه السلام) والقائلين بإمامته من
شيعتهم الكرام، لتوصل كل ما يبدو منهم إلى أسماع الطاغية، فيأمر برميهم من أعالي
الجبال، أو قطع أرزاقهم، أو حبسهم لمدة طويلة وتحت ظروف قاسية، وقتل بعضهم
بأبشع أنواع القتل، وفي كل ذلك يهرعون إلى الإمام (عليه السلام) فينجو بعضهم ببركة
دعائه (عليه السلام):
1 - عن الحسن بن محمد بن علي، قال: جاء رجل إلى علي بن محمد بن علي



(1) كشف الغمة 3: 184.
(2) المجالس السنية 5: 655.
336
ابن موسى (عليهم السلام) وهو يبكي وترتعد فرائصه، فقال: يا ابن رسول الله، إن فلانا
- يعني الوالي - أخذ ابني واتهمه بموالاتك، فسلمه إلى حاجب من حجابه، وأمره أن
يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبال هناك، ثم يدفنه في أصل الجبل.
فقال (عليه السلام): " فما تشاء؟ "، فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.
قال: " إذهب فإن ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت، ويخبرك بالعجب من أمره ".
فانصرف الرجل فرحا (1). الحديث.
2 - وعن عبد الله بن سليمان الخلال، قال: وكتبت إليه (عليه السلام) أسأله الدعاء أن
يفرج الله عنا في أسباب من قبل السلطان... إلى أن قال: فرجع الجواب بالدعاء...
الحديث (2).
3 - وروى القطب الراوندي بالإسناد عن أبي القاسم بن القاسم، عن خادم
علي بن محمد (عليه السلام)، قال: كان المتوكل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن
محمد (عليه السلام)، فخرجت يوما وهو في دار المتوكل، فإذا جماعة من الشيعة جلوس
خلف الدار، فقلت: ما شأنكم جلستم ها هنا؟ قالوا: ننتظر انصراف مولانا لننظر
إليه ونسلم عليه وننصرف (3)... الحديث.
4 - وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي محمد الفحام، عن أبي الحسن



(1) الثاقب في المناقب: 543، المناقب 4: 416.
(2) الثاقب في المناقب: 548، إثبات الوصية: 208.
(3) بحار الأنوار 50: 148 / 33.
337
محمد بن أحمد المنصوري، قال: حدثني عم أبي، قال: قصدت الإمام يوما فقلت:
إن المتوكل قد أطرحني وقطع رزقي ومللني، وما اتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك،
فينبغي أن تتفضل علي بمسألته، فقال: تكفى إن شاء الله.
فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل، رسول يتلو رسولا، فجئت إليه،
فوجدته في فراشه، فقال: يا أبا موسى، نشغل عنك وتنسينا نفسك (1)... الحديث.
5 - وروى المؤرخون أنه في سنة 244 ه‍ قتل المتوكل يعقوب بن السكيت
الإمام في العربية، فإنه ندبه إلى تعليم أولاده، فنظر المتوكل يوما إلى ولديه المعتز
والمؤيد، فقال لابن السكيت: من أحب إليك: هما أو الحسن والحسين؟ فقال: قنبر
خادم علي (عليه السلام) خير منك ومن ابنيك، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات،
وقيل: أمر بسل لسانه من قفاه فمات، وأرسل إلى ابنه بديته (2).
6 - وروى الكشي عن محمد بن مسعود، قال: قال يوسف بن السخت: كان
علي بن جعفر وكيلا لأبي الحسن (عليه السلام)، وكان رجلا من أهل همينيا - قرية من قرى
سواد بغداد - فسعي به إلى المتوكل، فحبسه فطال حبسه، واحتال من قبل عبد الله
ابن خاقان، بمال ضمنه عنه بثلاثة آلاف دينار، فكلمه عبد الله فعرض جامعة على
المتوكل فقال: يا عبد الله، لو شككت فيك لقلت: إنك رافضي، هذا وكيل فلان - أي
علي بن محمد (عليه السلام) - وأنا عازم على قتله.



(1) بحار الأنوار 50: 127 / 5، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 112 / 24 عن المناقب.
(2) تأريخ الخلفاء: 279، تأريخ ابن الوردي 1: 313.
338
قال: فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر، فكتب إلى أبي الحسن (عليه السلام): يا سيدي،
الله الله في، فقد والله خفت أن أرتاب. فوقع في رقعته: أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى
فسأقصد الله فيك، وكان هذا في ليلة الجمعة، فأصبح المتوكل محموما، فازدادت
عليه حتى صرخ عليه يوم الاثنين.
فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر، فقال
لعبيد الله: لم لم تعرض على أمره؟ فقال: لا أعود إلى ذكره أبدا. قال: خل سبيله
الساعة، وسله أن يجعلني في حل، فخلى سبيله، وصار إلى مكة بأمر الحسن (عليه السلام)،
فجاور بها، وبرأ المتوكل من علته (1).
دعاء الإمام (عليه السلام) على المتوكل:
وعندما تمادى المتوكل في إيذاء الإمام (عليه السلام) والتنكيل بشيعته، وبلغ الظلم
والتعسف أقصاه، توجه الإمام أبو الحسن (عليه السلام) إلى الله تعالى، منقطعا إليه،
متضرعا، داعيا بالدعاء التالي، وهو الدعاء المعروف بدعاء المظلوم على الظالم،
ويعتبر من الكنوز المشرقة في تراث أهل بيت العصمة سلام الله عليهم، فهو يكشف
عن شدة العنت الذي يقاسيه الإمام (عليه السلام) وإحساسه العميق بما تعانيه الأمة من
الحيرة والضياع والحدود المعطلة والأحكام المهملة فضلا عن الجوع وتردي
الأحوال، فإليك الدعاء بألفظاه الجزلة ومعانيه الفائقة:
روى السيد ابن طاووس بالإسناد عن أبي الحسن محمد بن محمد بن المحسن
ابن يحيى بن الرضا، قال: حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن



(1) رجال الكشي: 505، بحار الأنوار 50: 183 / 58.
339
إبراهيم بن صدقة يوم السبت لثلاث بقين من صفر سنة اثنين وستين وثلاثمائة بمشهد
مقابر قريش، على ساكنه السلام، من حفظه، قال: أخبرنا سلامة بن محمد الأزدي،
قال: حدثني أبو جعفر بن عبد الله العقيلي، وحدثني أبو الحسن محمد بن بريك
الرهاوي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد الموصلي إجازة، قال: حدثني
أبو محمد جعفر بن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن عقيل بن
أبي طالب، قال: حدثني أبو روح النسائي، عن أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام)، أنه
دعا على المتوكل، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: " اللهم إني وفلانا عبدان من
عبيدك " إلى آخر الدعاء الذي يأتي ذكره.
قال: ووجدت هذا الدعاء مذكورا بطريق آخر هذا لفظه: ذكر بإسناده عن
زرافة حاجب المتوكل وكان شيعيا، أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان
عنده، وقربه من دون الناس جميعا، ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه
عندهم.
فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء
والقواد وسائر العساكر، ووجوه الناس، أن يزينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في
أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يركب أحد إلا هو
والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى، ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم
رجالة، وكان يوما قائظا شديد الحر، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي
ابن محمد (عليهما السلام) وشق ما لقيه من الحر والزحمة.
قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي، يعز والله علي ما تلقى من هذه
الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، وأخذت بيده فتوكأ علي، وقال: يا زرافة،
ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني - أو قال: بأعظم قدرا مني - ولم أزل أسائله

340
وأستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب، وأمر الناس بالانصراف.
فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها، وركبت
معه إلى داره، فنزل وودعته وانصرفت إلى داري.
ولولدي مؤدب يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره
عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل
والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من
أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) وما سمعته من قوله: " ما ناقة صالح عند الله بأعظم
قدرا مني ".
وكان المؤدب يأكل معي، فرفع يده وقال: بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟
فقلت له: والله إني سمعته يقوله، فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من
ثلاثة أيام ويهلك، فانظر في أمرك، واحرز ما تريد إحرازه، وتأهب لأمرك كي
لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثه تحدث أو سبب يجري.
فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة
وقوله تعالى: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) (1) ولا يجوز أن
تبطل قول الإمام.
قال زرافة: فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف
والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه والفتح بن خاقان جميعا قطعا، حتى لم يعرف
أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته، فلقيت الإمام أبا الحسن (عليه السلام) بعد
ذلك، وعرفته ما جرى مع المؤدب، وما قاله، فقال: صدق، إنه لما بلغ مني الجهد



(1) هود: 65.
341
رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا، وهي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهو
دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله.
فقلت: يا سيدي إن رأيت أن تعلمنيه؟ فعلمنيه، وهو:
" اللهم إني وفلانا عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا
ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرنا وعلانيتنا، وتطلع على نياتنا، وتحيط
بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره،
ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك
معقل يحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا مهرب يفوتك منا.
ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مغالب
بمنعة، ولا يعازك متعزز بكثرة، أنت مدركه أين ما سلك، وقادر عليه أين لجأ، فمعاذ
المظلوم منا بك، وتوكل المقهور منا عليك، ورجوعه إليك، ويستغيث بك إذا خذله
المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير، ويلوذ بك إذا نفته الأفنية، ويطرق بابك
إذا غلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم
ما حل به قبل أن يشكوه إليك، وتعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد
سميعا بصيرا لطيفا قديرا.
اللهم إنه قد كان في سابق علمك وقضائك، وماضي حكمك ونافذ مشيتك في
خلقك أجمعين، سعيدهم وشقيهم، وفاجرهم وبرهم، أن جعلت لفلان بن فلان علي
قدرة فظلمني بها، وبغى علي لمكانها، وتعزز علي بسلطانه الذي خولته إياه، وتجبر
علي بعلو حاله التي جعلتها له، وغره إملاؤك له، وأطغاه حلمك عنه.
فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، وتعمدني بشر ضعفت عن احتماله،
ولم أقدر على الانتصار لضعفي، والانتصاف منه لذلي، فوكلته إليك، وتوكلت في

342
أمره عليك، وتواعدته بعقوبتك، وحذرته سطوتك، وخوفته نقمتك، فظن أن
حلمك عنه من ضعف، وحسب أن إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أخرى،
ولا انزجر عن ثانية بأولى، ولكنه تمادى في غيه، وتتابع في ظلمه، ولج في عدوانه،
واستشرى في طغيانه، جراءة عليك يا سيدي، وتعرضا لسخطك الذي لا ترده عن
القوم الظالمين، وقلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.
فها أنا ذا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل
بعقابه، مغلوب مبغي علي مقصود وجل خائف مروع مقهور، قد قل صبري،
وضاقت حيلتي، وانغلقت علي المذاهب إلا إليك، وانسدت علي الجهات إلا جهتك،
والتبست علي أموري في رفع مكروهه عني، واشتبهت علي الآراء في إزالة ظلمه،
وخذلني من استنصرته من عبادك، وأسلمني من تعلقت به من خلقك طرا،
واستشرت نصيحي، فأشار علي بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلني إلا
عليك.
فرجعت إليك يا مولاي صاغرا راغما، مستكينا، عالما أنه لا فرج لي إلا
عندك، ولا خلاص لي إلا بك، أنتجز وعدك في نصرتي، وإجابة دعائي، فإنك قلت
وقولك الحق الذي لا يرد ولا يبدل: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه
لينصرنه الله) (1)، وقلت جل جلالك وتقدمت أسماؤك: (ادعوني أستجب
لكم) (2)، وأنا فاعل ما أمرتني، فاستجب لي كما وعدتني.
وإني لأعلم يا سيدي أن لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقن أن



(1) الحج: 60.
(2) غافر: 60.
343
لك وقتا تأخذ فيه من الغاضب للمغضوب، لأنك لا يسبقك معاند، ولا يخرج عن
قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائت، ولكن جزعي وهلعي لا يبلغان بي الصبر
على أناتك، وانتظار حلمك، فقدرتك يا مولاي فوق كل قدرة، وسلطانك غالب
كل سلطان، ومعاد كل أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كل ظالم إليك وإن أنظرته،
وقد أضرني يا رب حلمك عن فلان بن فلان، وطول أناتك له وإمهالك إياه، وكاد
القنوط يستولي علي لولا الثقة بك، واليقين بوعدك.
فإن كان في قضائك النافذ، وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع
عن ظلمي أو يكف مكروهه عني، وينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل على محمد
وآل محمد، وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة قبل إزالته نعمتك التي أنعمت بها
علي، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي.
وإن كان في علمك به غير ذلك، من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر
المظلوم المبغى عليه إجابة دعوتي، فصل على محمد وآل محمد، وخذه من مأمنه أخذ
عزيز مقتدر، وافجئه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وفل
عنه جنوده وأعوانه، ومزق ملكه كل ممزق، وفرق أنصاره كل مفرق، وأعره من
نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزه الذي لم يجازه بالإحسان،
واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يا مبير الأمم
الظالمة، واخذله يا خاذل الفئات الباغية، وابتره عمره، وابتزه ملكه، وعف أثره،
واقطع خبره، وأطفئ ناره، وأظلم نهاره، وكور شمسه، واهشم شدته، وجذ
سنامه، وأرغم أنفه، ولا تدع له جنة إلا هتكتها، ولا دعامة إلا قصمتها، ولا كلمة
مجتمعة إلا فرقتها، ولا قائمة علو إلا وضعتها، ولا ركنا إلا وهنته، ولا سببا إلا
قطعته.

344
وأره أنصاره وجنده عباديد بعد الألفة، وشتى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي
الرؤوس بعد الظهور على الأمة، واشف بزوال أمره القلوب المنقلبة الوجلة والأفئدة
اللهفة، والأمة المتحيرة، والبرية الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطلة، والأحكام
المهملة، والسنن الدائرة، والمعالم المغيرة، والآيات المحرفة، والمدارس المهجورة،
والمحاريب المجفوة، والمساجد المهدومة.
وأشبع به الخماص الساغبة، وارو به اللهوات اللاغبة، والأكباد الظامئة،
وأرح به الأقدام المتعبة، واطرقه بليلة لا أخت لها، وساعة لا شفاء منها، وبنكبة
لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغص نعمته، وأره بطشتك
الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة، وسلطانك الذي هو أعز
من سلطانه، واغلبه لي بقوتك القوية، ومحالك الشديد، وامنعني بمنعتك التي كل
خلق فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوء لا تستره، وكله إلى نفسه في ما يريد،
إنك فعال لما تريد.
وأبرئه من حولك وقوتك، وأحوجه إلى حوله وقوته، وأذل مكره بمكرك،
وادفع مشيته بمشيتك، وأسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجله، وخيب أمله،
وأدل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكه من حزنه، وصير كيده
في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وجده في سفال، وسلطانه في
اضمحلال، وعاقبة أمره إلى شر حال، وأمته بغيظه إذا أمته، وأبقه لحزنه إن أبقيته،
وقني شره وهمزه ولمزه، وسطوته وعداوته، والمحه لمحة تدمر بها عليه، فإنك أشد
بأسا وأشد تنكيلا، والحمد لله رب العالمين (1).



(1) بحار الأنوار 95: 234 / 230 - 240 عن مهج الدعوات: 330 - 337.
345
أنظر إلى عمق الدعاء وفصاحته وجزالته المعبر عما يعانيه الإمام الهادي
(عليه السلام) وشيعته ومواليه من استبداد المتوكل وطغيانه واستهتاره.
مقتل المتوكل:
لقد استجاب الله تعالى دعاء حجته على عباده ووليه على خلقه، العبد الصالح
المظلوم أبي الحسن الهادي (عليه السلام) وانتقم من المتوكل أشد انتقام، وأخذه أخذ عزيز
مقتدر، إذ لم يلبث بعد هذا الدعاء المبارك سوى ثلاثة أيام حتى أهلكه الله تعالى
وجعله أثرا بعد عين وعبرة للطغاة والمتكبرين.
فقد اتفق ابنه المنتصر مع جماعة من الأمراء الأتراك، منهم: وصيف وبغا
وباغر، فهجموا على دار الخلافة في ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة
247 ه‍، فقتلوه مع وزيره الفتح بن خاقان، وكان المتوكل سكران ثملا، والذي في
رواية ابن الأثير: أنه قتل وقد شرب في تلك الليلة أربعة عشر رطلا، وهو مستمر
في لهوه وسروره إلى الليل بين الندماء والمغنين والجواري (1).
وخرج الأتراك وكان المنتصر بانتظارهم، فبايعوه بالخلافة، وأشاعوا أن
الفتح قد قتل المتوكل، فقتلناه به، ثم أخذ البيعة من سائر بني العباس وقطعات
الجيش، وكان المتوكل يزدري المنتصر ويحتقره ويبالغ في الاستهانة به، حتى أنه
طلب من الفتح بن خاقان أن يلطمه، فلطمه مرتين قبل أن يقتل بيوم، وخلعه من
ولاية العهد، وهو أحد الأسباب التي جعلته يسرع في تنفيذ اغتيال أبيه، وبذلك
انطوت بموته صفحات سوداء من تأريخ الظلم والتعسف والعدوان.



(1) الكامل في التأريخ 7: 95.
346
فانتصر الله له بالمنتصر * وهكذا أخذ عزيز مقتدر
عاجله المنتقم القهار * بضربة تقدح منها النار
فانهار في نار الجحيم الموصدة * مخلدا في عمد ممددة (1)
أيام المنتصر
تولى المنتصر سنة 247 ه‍ بعد أن قتل أباه، وأعد كتابا قرأه أحمد بن
الخصيب، أخبر فيه أن الفتح بن خاقان قد قتل المتوكل فقتله به، فبايع الناس
المنتصر، وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف (2)، وكان عمره
25 سنة وستة أشهر، واستمرت أيامه ستة أشهر ويومان (3).
قال أبو الفرج: كان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت، ويخالف أباه في
أفعاله، فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ولا مكروه فيما بلغنا، والله أعلم (4).
وقال ابن الأثير: أمر المنتصر الناس بزيارة قبر علي والحسين (عليهما السلام) فأمن
العلويين، وكانوا خائفين أيام أبيه، وأطلق وقوفهم، وأمر برد فدك إلى ولد الحسن
والحسين ابني علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وذكر أن المنتصر لما ولي الخلافة كان أول ما أحدث أن عزل صالح بن علي
عن المدينة، واستعمل عليها علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد، قال



(1) الأنوار القدسية: 101.
(2) الكامل في التأريخ 7: 103.
(3) تأريخ ابن الوردي 1: 315.
(4) مقاتل الطالبيين: 419.
347
علي: فلما دخلت أودعه قال لي: يا علي، إني أوجهك إلى لحمي ودمي، فانظر
كيف تكون للقوم، وكيف تعاملهم - يعني آل أبي طالب - فقال: أرجو أن أمتثل أمر
أمير المؤمنين إن شاء الله، فقال: إذن تسعد عندي (1).
ولقد روي عن المنتصر أنه كان يخالف على أبيه مناصبته العداء لأمير
المؤمنين علي (عليه السلام) ولأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن ذلك ما رواه ابن الوردي في تأريخه،
قال: كان المتوكل شديد البغض لعلي ولأهل بيته، وكان يجالس من اشتهر ببغض
علي كابن الجهم الشاسي وأبي السمط، وكان نديمه عبادة المخنث يكبر بطنه بمخدة،
ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص ويقول: قد أقبل الأصلع البطين، خليفة
المسلمين! يعني عليا (عليه السلام).
فقال له المنتصر يوما: يا أمير المؤمنين، إن عليا ابن عمك، فكل أنت لحمه
إذا شئت، ولا تخل مثل هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه، فقال المتوكل للمغنين: غنوا:
غار الفتى لابن عمه * رأس الفتى في حر أمه! (2)
وقد علل أبو الفرج إحسان المنتصر إلى العلويين وتوزيعه المال عليهم بعد
سنين من الحصار الظالم، لأنه كان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه
طعنا عليه، ونصرة لفعله (3)، ومهما يكن الأمر فإن الأيام القليلة التي قضاها المنتصر
في الحكم العباسي لم تشر إلى أي بادرة جرت بين الإمام الهادي (عليه السلام) والمنتصر،
والشيء المؤكد أنه (عليه السلام) كان مسرورا من الاجراءات التي اتخذها المنتصر إزاء
العلويين.



(1) الكامل في التأريخ 7: 116.
(2) تأريخ ابن الوردي 1: 309.
(3) مقاتل الطالبيين: 419.
348
أيام المستعين
وفي سنة 248 ه‍ بويع المستعين - وهو أحمد بن محمد بن المعتصم - بالخلافة،
وبقي حتى سنة 251 ه‍، وكان المستعين مستضعفا في رأيه وعقله وتدبيره، وكانت
أيامه كثيرة الفتن، ودولته شديدة الاضطراب حتى خلع ثم قتل (1).
وكانت البيعة له بعد أن خلع المنتصر أخويه المؤيد والمعتز من ولاية العهد،
بتدبير من أحمد بن الخصيب والأتراك خوفا من أن يلي أحدهما فيقتلهم بأبيه، وكان
اختياره وتنصيبه من قبل بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش من قادة الأتراك،
فبايعوه وكان عمره 28 سنة (2).
وكانت أيامه مثالا للفوضى وغياب القانون وتردي الأحوال الاقتصادية
لعامة الناس، مع استئثار المقربين له من عائلته وقادة الجيش الأتراك بالأموال،
قال ابن الأثير: وكان المستعين أطلق يد والدته وأتامش وشاهك الخادم في بيوت
الأموال، وأباح لهم فعل ما أرادوا، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير
معظمها إلى هؤلاء الثلاثة، وما يفضل منهم يصرفه أتامش للعباس بن المستعين،
وكانت الموالي تنظر إلى الأموال تؤخذ وهم في ضيقة (3).
وثار في أيام المستعين كثير من العلويين في وجه الظلم والجبروت، مطالبين



(1) الفخري: 241.
(2) الكامل في التأريخ 7: 117.
(3) الكامل في التأريخ 7: 123.
349
بحقوق المظلومين والمضطهدين والمعذبين، داعين إلى إقامة حكم الله في أرض الله،
وسنأتي إلى ذكر بعضهم:
ثورة الشهيد يحيى بن عمر
نسبه وسبب خروجه:
قال أبو الفرج الأصفهاني: وممن خرج في أيام المتوكل وقتل في أيام المستعين
أبو الحسين يحيى بن عمر [بن يحيى] بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام). وأمه أم الحسن بنت عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب (رضي الله عنه).
خرج يحيى في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر، فأمر
المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي، فسلم إليه، فكلمه بكلام فيه بعض
الغلظة، فرد عليه يحيى وشتمه، فشكا ذلك إلى المتوكل، فأمر به فضرب دررا، ثم
حبسه في دار الفتح بن خاقان، فمكث على ذلك مدة، ثم أطلق، فمضى إلى بغداد، فلم
يزل بها حينا حتى خرج إلى الكوفة، فدعا إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأظهر
العدل وحسن السيرة بها إلى أن قتل رضوان الله عليه، وكان (رضي الله عنه) رجلا فارسا
شجاعا، شديد البدن، مجتمع القلب، بعيدا من رهق الشباب، وما يعاب به مثله (1).
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 250 ه‍:
في هذه السنة ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب، المكنى بأبي الحسن، بالكوفة.



(1) مقاتل الطالبيين: 419.
350
وكان سبب ذلك أن أبا الحسين نالته ضيقة، ولزمه دين ضاق به ذرعا، فلقي
عمر بن فرج، وهو يتولى أمر الطالبيين، عند مقدمه من خراسان، أيام المتوكل،
فكلمه في صلته، فأغلظ له عمر القول، وحبسه، فلم يزل محبوسا حتى كفله أهله،
فأطلق، فسار إلى بغداد، فأقام بها بحال سيئة، ثم رجع إلى سامراء، فلقي وصيفا في
رزق يجرى له، فأغلظ له وصيف وقال: لأي شيء يجرى على مثلك؟
فانصرف عنه إلى الكوفة، وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن
سليمان الهاشمي، عامل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع أبو الحسين جمعا كثيرا من
الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلوجة (1).
وقال ابن الطقطقا: كان يحيى بن عمر قتيل شاهي قدم من خراسان في أيام
المتوكل، وهو في ضائقة وعليه دين، فكلم بعض أكابر أصحاب المتوكل في ذلك
فأغلظ له وحبسه بسامراء، ثم كفله أهله فأطلق وانحدر إلى بغداد، فأقام بها مدة
على حال غير مرضية من الفقر، وكان (رضي الله عنه) دينا خيرا عمالا حسن السيرة، فرجع
إلى سامراء مرة ثانية، وكلم بعض أمراء المتوكل في حاله، فأغلظ له وقال: لأي
حال يعطى مثلك؟ فرجع إلى بغداد وانحدر منها إلى الكوفة، ودعا الناس إلى الرضا
من آل محمد (2).
وقال اليعقوبي: وخرج في زمان المستعين يحيى بن عمر بن الحسين بعد أن
لقيه بعض ولاة العباسيين في سامراء بما لا يحب، فخرج إلى الكوفة، واجتمع إليه
الناس (3).



(1) الكامل في التأريخ 6: 126.
(2) الفخري: 240.
(3) تأريخ اليعقوبي 3: 229.
351
ومما تقدم من أقوال المؤرخين يبدو أن يحيى خرج على حكم العباسيين
بسبب تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والقسوة والظلم والتعسف الذي
كانت تعانيه الأمة في أيام حكم المتوكل وما بعده من حكام العباسيين، لذا فقد دعا
إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وأظهر العدل وحسن السيرة حتى لقي ربه.
وبالرغم من أن الشهيد يحيى بن عمر كان في ضائقة مالية، وأن عليه دين
باهض، وأن أذناب العباسيين قد قطعوا حقه ورزقه وصلته من بيت المال، إلا أن
أهداف ثورته لم تكن من أجل الحصول على المال وحسب، بل كان يهدف إلى إقامة
العدل وإرجاع الحق إلى أهله.
قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي، قال:
حدثنا محمد بن أحمد الحر، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن السميدع، قال: قال لي
عمي: ما رأيت رجلا أورع من يحيى بن عمر، أتيته فقلت له: يا بن رسول الله، لعل
الذي حملك على هذا الأمر الضيقة، وعندي ألف دينار ما أملك سواها، فخذها فهي
لك، وآخذ لك من إخوان لي ألف دينار أخرى.
قال: فرفع رأسه ثم قال: فلانة بنت فلان - يعني زوجته - طالق ثلاثا، إن
كان خروجي إلا غضبا لله عز وجل، فقلت له: أمدد يدك، فبايعته وخرجت
معه (1).
سير المعركة:
قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني أحمد بن عبيد الله، قال: حدثني
أبو عبد الله بن أبي الحصين، قال: إن يحيى بن عمر لما أراد الخروج بدأ فزار قبر



(1) مقاتل الطالبيين: 430.
352
الحسين (عليه السلام)، وأظهر لمن حضره من الزوار ما أراده، فاجتمعت إليه جماعة من
الأعراب، ومضى فقصد شاهي، فأقام بها إلى الليل، ثم دخل الكوفة ليلا، وجعل
أصحابه ينادون، أيها الناس، أجيبوا داعي الله، حتى اجتمع إليه خلق كثير، فلما
كان من غد مضى إلى بيت المال فأخذ ما فيه (1)، ووجه إلى قوم من الصيارفة عندهم
مال من مال السلطان فأخذه منهم، [فأظهر أمره بالكوفة، وفتح السجون، وأخرج
من فيها، وأخرج العمال عنها] (2)، وصار إلى بني حمان، وقد اجتمع أهله، ثم
جلس فجعل أبو جعفر محمد بن عبيد الله الحسني وهو المعروف بالأدرع يساره،
ويعظم عليه أمر السلطان، فبينما هم كذلك إذا عبد الله بن محمود قد أقبل وعنده جند
مرتبون، كانوا معه في طساسيج الكوفة، فصاح بعض الأعراب بيحيى: أيها
الرجل، أنت مخدوع، هذه الخيل قد أقبلت، فوثب يحيى فجال في متن فرسه، وحمل
على عبد الله بن محمود فضربه ضربة بسيفه على وجهه، فولى محمود منهزما وتبعه
أصحابه منهزمين، [فأخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدواب والمال] (3)، ثم
رجع إلى أصحابه فجلس معهم ساعة.
وسار خبر يحيى بن عمر وانتهى إلى بغداد، فندب له محمد بن عبد الله بن
طاهر ابن عمه الحسين بن إسماعيل، وضم إليه جماعة من القواد، منهم خالد بن
عمران وأبو السنا الغنوي، ووجه الفلس، وهو عبد الرحمن بن الخطاب، وعبد الله



(1) في الكامل 6: 127، وكان فيما قيل ألفي دينار وسبعين ألف درهم، وزاد ابن الطقطقا في
(الفخري: 240): أنه فرق ما في بيت المال على أصحابه.
(2) من الكامل 6: 127، والفخري: 240.
(3) من الكامل 6: 127.
353
ابن نصر بن حمزة وسعد الضبابي، فنفذوا إليه على كره، [ودعا يحيى في الكوفة إلى
الرضا من آل محمد (عليهم السلام)، فاجتمع الناس إليه، وأحبوه]، وكان هوى أهل بغداد مع
يحيى، ولم يروا قط مالوا إلى طالبي خرج غيره [وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممن
لهم تدبير وبصيرة في تشيعهم] (1).
فنفذ الحسين إلى الكوفة فدخلها، وأقام بها أياما، ثم مضى قاصدا يحيى حتى
وافاه، فأقام في وجهه أياما، ثم ارتحل قاصدا القسين حتى نزل قرية يقال لها
البحرية، وكان على خراج تلك الناحية أحمد بن علي الإسكافي، وعلى حرسها أحمد
ابن الفرج الفزاري، فأخذ أحمد بن علي مال الخراج وهرب، وثبت ابن الفرج
فناوش يحيى مناوشة يسيرة، وولى عنه بعد ذلك، ومضى يحيى لوجهه يريد
الكوفة، فعارضه المعروف بوجه الفلس فقاتله قتالا شديدا، فانهزم عن يحيى فلم
يتبعه.
ومضى وجه الفلس لوجهه حتى نزل شاهي، فصادف فيها الحسين بن
إسماعيل فأقام بشاهي، وأراحا وشربا الماء العذب، وقويت عساكرهم وخيلهم.
وأشار أصحاب يحيى عليه بمعاجلة الحسين بن إسماعيل، وكان معهم
رجل يعرف بالهيضم بن العلاء العجلي، فوافى يحيى في عدة من أهله وعشيرته،
وقد تعبت خيلهم ورجالهم، فصاروا في عسكره، فحين التقوا كان أول ما انهزم
الهيضم هذا.
وذكر قوم أن الحسين بن إسماعيل كان راسله في هذا وأجمعا رأيهما عليه،
وقال قوم: بل انهزم للتعب الذي لحقه.



(1) من الكامل 6: 127.
354
فلما رأى يحيى هزيمة الهيضم، لم يزل يقاتل مكانه حتى قتل، فأخذ سعد
الضبابي رأسه، وجاء به إلى الحسين بن إسماعيل، وكانت في وجهه ضربات لم يكد
يعرف معها (1).
رواية ابن الأثير:
وأقام يحيى بالكوفة يعد العدد، ويصلح السلاح، فأشار عليه جماعة من
الزيدية، ممن لا علم لهم بالحرب، بمعاجلة الحسين بن إسماعيل، وألحوا عليه، فزحف
إليه ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب سنة 250 ه‍ (2)، ومعه الهيضم العجلي
وغيره، ورجالة من أهل الكوفة ليس لهم علم ولا شجاعة، وأسروا ليلتهم،
وصبحوا الحسين وهو مستريح، فثاروا بهم في الغلس، وحمل عليهم أصحاب
الحسين فانهزموا، ووضعوا فيهم السيف، وكان أول أسير الهيضم العجلي، وانهزم
رجالة أهل الكوفة، وأكثرهم بغير سلاح، فداستهم الخيل.
وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر، وعليه جوشن، قد تقطر به فرسه،
فوقف عليه ابن لخالد بن عمران، فقال له: خير، فلم يعرفه، وظنه رجلا من أهل
خراسان لما رأى عليه الجوشن، فأمر رجلا، فنزل إليه، فأخذ رأسه، وعرفه رجل
كان معه، وسير الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وادعى قتله غير واحد،
فسير محمد الرأس إلى المستعين، فنصب بسامراء لحظة، ثم حطه، ورده إلى بغداد
لينصب بها، فلم يقدر محمد على ذلك لكثرة من اجتمع من الناس، فخاف أن
يأخذوه فلم ينصبه، وجعله في صندوق في بيت السلاح.



(1) مقاتل الطالبيين: 420 - 422.
(2) في تأريخ اليعقوبي 3: 229، لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة 249 ه‍.
355
ووجه الحسين بن إسماعيل برؤوس من قتل، وبالأسرى، فحبسوا ببغداد (1).
قال أبو الفرج الإصفهاني: ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى، فوجه إليهم
الحسين بن إسماعيل أبا جعفر الحسني يعلمهم أنه قد قتل، فشتموه وأسمعوه ما يكره
وهموا به، وقتلوا غلاما له، فوجه إليهم أخا كان لأبي الحسن يحيى بن عمر من أمه
يعرف بعلي بن محمد الصوفي من ولد عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان رجلا
رفيقا مقبولا، فعرف الناس قتل أخيه، فضجوا بالبكاء والصراخ والعويل،
وانصرفوا، وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد ومعه رأس يحيى بن عمر، فلما
دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكارا له ويقولون: إن يحيى لم يقتل، ميلا
منهم إليه، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء والصبيان يصيحون في الطرقات: ما قتل
وما فر، ولكن دخل البر.
ولما أدخل رأس يحيى إلى بغداد، اجتمع أهلها إلى محمد بن عبد الله بن طاهر
يهنئونه بالفتح، ودخل في من دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر، أبو هاشم داود
ابن القاسم الجعفري، وكان ذا عارضة ولسان، لا يبالي ما استقبل الكبراء
وأصحاب السلطان به، فقال: أيها الأمير، قد جئتك مهنئا بما لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حيا لعزي به، فلم يجبه محمد عن هذا بشيء (2)، فخرج داود وهو يقول:
يا بني طاهر كلوه وبيئا * إن لحم النبي غير مري
إن وترا يكون طالبه الل‍ * ه لوتر نجاحه بالحري (3)



(1) الكامل في التأريخ 7: 128.
(2) مقاتل الطالبيين: 423، تأريخ اليعقوبي 3: 229.
(3) الكامل في التأريخ 7: 129.
356
وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى
خراسان، وقال: إن هذه الرؤوس من قتلى هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا
خرجت منه النعمة، وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج.
قال أحمد بن عبيد الله بن عمار: وأدخل الأسارى من أصحاب يحيى إلى
بغداد، ولم يكن فيما رؤي قبل ذلك من الأسارى أحد لحقه ما لحقهم من العسف
وسوء الحال، وكانوا يساقون وهم حفاة سوقا عنيفا، فمن تأخر ضربت عنقه، فورد
الكتاب من المستعين بتخلية سبيلهم، فخلوا سبيلهم إلا رجلا يعرف بإسحاق بن
جناح، كان صاحب شرطة يحيى بن عمر، فإن محمد بن الحسين الأشناني حدثني
أنه لم يزل محبوسا حتى مات، فخرج توقيع محمد بن عبد الله بن طاهر في أمره:
يدفن الرجس النجس إسحاق بن جناح مع اليهود، ولا يدفن مع المسلمين
ولا يصلى عليه ولا يغسل ولا يكفن!
فأخرج (رحمه الله) بثيابه ملفوفا في كساء قومسي على نعش حتى جاءوا به إلى
خربة، فطرح على الأرض وألقي عليه حائط (رحمه الله تعالى) (1).
رثاؤه:
قال أبو الفرج: وما بلغني أن أحدا ممن قتل في الدولة العباسية من
آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى، ولا قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل
فيه، واتفق في وقت مقتله عدة شعراء مجيدون للقول، أولو هوى في هذا
المذهب (2).



(1) مقاتل الطالبيين: 423.
(2) مقاتل الطالبيين: 424.
357
1 - فممن رثاه أبو الحسن علي بن العباس، المعروف بابن الرومي بقصيدة
طويلة تقع في 111 بيتا كما في الديوان (1)، تعرض فيها لمظالم أهل البيت (عليهم السلام)،
وقارن بينهم وبين بني العباس، وبين ظلم الحكام العباسيين وجورهم، وهي قصيدة
تستحق العناية والشرح.
قال أبو الفرج: وهي من مختار ما رثي به، بل إن قلت: إنها عين ذلك
والمنظور إليه، لم أكن مبعدا (2)، وفيما يلي بعض أبياتها:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج * طريقان شتى: مستقيم وأعوج
أكل أوان للنبي محمد * قتيل ذكي بالدماء مضرج
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكم عما قليل مفرج
أما فيهم راع لحق نبيه * ولا خائف من ربه يتحرج
أبعد المكنى بالحسين (3) شهيدكم * تضيء مصابيح السماء فتسرج
لنا وعلينا لا عليه ولا له * تسحسح أسراب الدموع وتنشج
وكيف نبكي فائزا عند ربه * له في جنان الخلد عيش مخرفج (4)
فإن لا يكن حيا لدينا فإنه * لدى الله حي في الجنان مزوج



(1) ديوان ابن الرومي 2: 492 - 500، تحقيق الدكتور حسين نصار - الهيئة المصرية العامة
للكتاب.
(2) مقاتل الطالبيين: 424.
(3) هو أبو الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب (عليه السلام).
(4) العيش المخرفج: الواسع.
358
وكنا نرجيه لكشف عماية * بأمثاله أمثالها تتبلج
فساهمنا ذو العرش في ابن نبيه * ففاز به، والله أعلى وأفلج
مضى ومضى الفراط من أهل بيته * يؤم بهم ورد المنية منهج
سلام وريحان وروح ورحمة * عليك وممدود من الظل سجسج
ولا برح القاع الذي أنت جاره * يرف عليك الإقحوان المفلج
ألا أيها المستبشرون بيومه * أظلت عليكم غمة لا تفرج
أكلكم أمس اطمأن مهاده * بأن رسول الله في القبر مزعج
كأني به كالليث يحمي عرينه * وأشباله لا يزدهيه المهجهج (1)
كدأب علي (2) في المواطن قبله * أبي حسن، والغصن من حيث يخرج
أجنوا بني العباس من شنآنكم * وأوكوا على ما في العياب وأشرجوا
وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم * فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا
نظار لكم أن يرجع الحق راجع * إلى أهله يوما فتشجوا كما شجوا
فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم * وبينهم إن اللواقح تنتج
لعل لهم في منطوي الغيب ثائرا (3) * سيسمو لكم والصبح في الليل مولج
فيدرك ثأر الله أنصار دينه * ولله أوس آخرون وخزرج
ويقضي إمام الحق فيكم قضاءه * تماما، وما كل الحوامل تخدج (4)



(1) هجهج السبع: صاح به وزجره.
(2) يريد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(3) يريد به الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
(4) خدجت الحامل: ألقت ولدها قبل التمام.
359
أفي الحق أن يمسوا خماصا وأنتم * يكاد أخوكم بطنة يتبعج
تمشون مختالين في حجراتكم * ثقال الخطا أكفالكم تترجرج
أبى الله إلا أن يطيبوا وتخبثوا * وأن يسبقوا بالصالحات ويفلحوا
وإن كنتم منهم وكان أبوكم * أباهم، فإن الصفو بالرنق يمزج
وإني على الإسلام منكم لخائف * بوائق شتى بابها الآن مرتج
وفي الحزم أن يستدرك الناس أمركم * وحبلهم مستحكم العقد مدمج (1)
2 - وقال ابن الأثير: وأكثر الشعراء مراثي يحيى لما كان عليه من حسن
السيرة والديانة، فمن ذلك قول بعضهم:
بكت الخيل شجوها بعد يحيى * وبكاه المهند المصقول
وبكته العراق شرقا وغربا * وبكاه الكتاب والتنزيل
والمصلى والبيت والركن والحج‍ * ر جميعا له عليه عويل
كيف لم تسقط السماء علينا * يوم قالوا: أبو الحسين قتيل
وبنات النبي يبدين شجوا * موجعات دموعهن همول
قطعت وجهه سيوف الأعادي * بأبي وجهه الوسيم، الجميل
إن يحيى أبقى بقلبي غليلا * سوف يودي بالجسم ذاك الغليل
قتله مذكر لقتل علي * وحسين، ويوم أوذي الرسول
صلوات الإله وقفا عليهم * ما بكى موجع وحنت ثكول (2)



(1) الديوان 2: 492 / الرقم 365.
(2) الكامل في التأريخ 7: 129.
360
3 - وقال علي بن محمد بن جعفر العلوي، يذكر دخولهم على محمد بن
عبد الله بن طاهر في التهنئة:
قتلت أعز من ركب المطايا * وجئتك أستلينك في الكلام
وعز علي أن ألقاك إلا * وفيما بيننا حد الحسام
ولكن الجناح إذا أهيضت * قوادمه يدف على الأكام
وقال أيضا من قصيدة يرثي بها يحيى:
تضوع مسكا جانب القبر إن ثوى * وما كان لولا شلوه يتضوع
وقال أيضا يرثيه:
فإن يك يحيى أدرك الحتف يومه * فما مات حتى مات وهو كريم
وما مات حتى قال طلاب نفسه * سقى الله يحيى إنه لصميم
فتى غرة لليوم وهو بهيم * ووجه لوجه الجمع وهو عظيم
لقد بيضت وجه الزمان بوجهه * وسرت به الإسلام وهو كظيم (1)
الحسن بن زيد العلوي:
وممن خرج في أيام المستعين من الطالبيين الحسن بن زيد العلوي، مؤسس
الدولة العلوية في طبرستان، فقد تقدم أن الحسن بن زيد من جملة من تفرق في
النواحي والديار من آل أبي طالب منذ زمان المتوكل، ونضيف هنا مختصرا عن
ترجمته وأحواله في زمان المستعين.



(1) مقاتل الطالبيين: 429 - 430.
361
وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل الحسني العلوي، مؤسس الدولة
العلوية في طبرستان، كان يسكن الري، فحدثت فتنة بين صاحب خراسان وأهل
طبرستان سنة 250 ه‍، فكتب إليه هؤلاء يبايعونه، فجاءهم وزحف بهم على آمد
(ديار بكر) فاستولى عليها وكثر جمعه، فقصد سارية (قرب جرجان) فملكها بعد
قتال عنيف، ووجه جيشا إلى الري فملكها، وذلك في أيام المستعين العباسي، ودامت
إمرته مدة عشرين عاما، كانت كلها حروبا ومعارك، أخرج من خلالها من
طبرستان وعاد إليها، وتوفي بها سنة 270 ه‍، وكان حازما مهيبا، مرهوب الجانب،
فاضل السيرة، حسن التدبير (1).
الحسين بن محمد بن حمزة:
وخرج في أيام المستعين أيضا الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن
الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويعرف بالحرون، خرج
بالكوفة بعد يحيى بن عمر، فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان في عسكر عظيم،
وحبس بضع عشرة سنة (2).
محمد بن جعفر بن الحسن:
وخرج محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى بن الحسن بن
علي (عليه السلام)، وهو خليفة الحسين الحرون، فخرج بعده بالكوفة، فكتب إليه ابن طاهر



(1) الأعلام للزركلي 2: 192، عن تأريخ الطبري 11: 90، والكامل لابن الأثير 7: 136.
(2) مقاتل الطالبيين: 431.
362
بتوليته الكوفة، وخدعه بذلك، فلما تمكن بها أخذه خليفة أبي الساج فحمله إلى
سر من رأى، فحبس بها حتى مات (1).
أيام المعتز
في سنة 251 ه‍ قتل باغر التركي، قتله وصيف وبغا الصغير، فشغب الجند على
المستعين، فانهزم إلى بغداد في زورق صغير مع وصيف وبغا (2)، فنزل دار محمد بن
عبد الله بن طاهر، فعاث الأتراك بغيا وفسادا، وأخرجوا المعتز من سجن الجوسق،
وبايعوه بالخلافة، وصارت بغداد وسائر النواحي مسرحا للاقتتال والخراب بين
جيش المعتز ومؤيدي المستعين، حتى انتهى القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة
252 ه‍، وكان نتيجة ذلك القتال أن خربت الدور والحوانيت والبساتين ونهبت
الأسواق والأموال (3)، وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له
مثيل.
ومما يعكس مدى استئثار العائلة الحاكمة بأموال الناس، ما رواه المؤرخون
من أن قبيحة أم المعتز عثر عندها بعد موته على مقدار 500 ألف دينار، وخزائن
تحت الأرض فيها أموال طائلة، ومن جملتها دار تحت الأرض وجدوا فيها ألف ألف
دينار، وثلاثمائة ألف دينار، ووجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم ير الناس مثله،



(1) مقاتل الطالبيين: 432.
(2) تأريخ ابن الوردي 1: 316.
(3) الكامل في التأريخ 7: 139 - 164.
363
وفي سفط آخر مكوك من اللؤلؤ الكبار وغيرها (1).
وفي أيام المعتز قتل الإمام الهادي (عليه السلام) مسموما، وسنأتي على ذكر ذلك
لاحقا إن شاء الله.
موقف الحكام المتأخرين من الإمام (عليه السلام)
ويبدو من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) أن السنين السبعة التي قضاها في عهد
المنتصر والمستعين بالله والمعتز لم يشهد فيها ما شهده في عهد المتوكل من التحديات
والوشايات بين الحين والآخر، وقد اكتفى الحكام الثلاثة بفرض الإقامة الجبرية
عليه في مدينة الجيش سامراء، وانتهت بمقتله مسموما (عليه السلام) في عهد المعتز.
ولعل السبب في ذلك أن سلطة الحكام العباسيين في تلك الفترة من تأريخ
خلافة بني العباس قد تلاشت تقريبا، ولم يعد للخليفة منها غير الاسم، وأصبح
الحكم للقادة الأتراك وغيرهم، فهم يتولون الأمر والنهي، وهم يعزلون الخليفة أو
يقتلونه ويولون غيره.
قال ابن الطقطقا: وكان الأتراك قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة،



(1) الكامل في التأريخ 7: 195، وذكر في الصفحة 143 من نفس الجزء أن المستعين حينما هرب
من سامراء خلف في بيت المال 15 ألف دينار، وفي بيت مال أمه ألف ألف دينار، وفي بيت مال
العباس ابنه 600 ألف دينار، ونظرة واحدة إلى هذه الأرقام تعكس لنا المأساة التي مرت بها
هذه الأمة في ذلك الزمان من عهد قادة الجور والجبروت الذين تسموا بالخلفاء وادعوا بإمارة
المؤمنين!
364
واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالأسير، إن شاءوا أبقوه، وإن شاءوا
خلعوه، وإن شاءوا قتلوه (1).
وكثير من الأحداث تؤكد ضعف الخلفاء في تلك الفترة من التأريخ، وقد
وصف بعض شعراء العصر الحالة التي انتهت إليها الخلافة العباسية بقوله:
خليفة في قفص * بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له * كما تقول الببغا (2)
وقد وصف بهذه الأبيات حال المستعين الذي لم يكن له أدنى أمر مع أمراء
الجند الأتراك وصيف وبغا وغيرهما.
شهادة الإمام الهادي (عليه السلام):
وانتهت قصة الصراع المرير بين إمامنا الهادي (عليه السلام) ورموز السلطة العباسية
بدس السم إليه من قبل المعتز (3)، وصلى عليه ابنه الإمام بعده أبو محمد الحسن
العسكري (عليه السلام) (4)، وذلك في يوم الاثنين المصادف الثالث من رجب سنة 254 ه‍،
واكتظ الناس في موكب توديع وتشييع الإمام (عليه السلام)، وخرج الإمام أبو محمد الحسن
العسكري في جنازته مشقوق القميص (5)، وكان أبو أحمد بن هارون الرشيد،



(1) الفخري: 243.
(2) تأريخ الخلفاء للسيوطي: 287.
(3) بحار الأنوار 50: 117، عن مصباح الكفعمي.
(4) الإرشاد 2: 315، الكافي 1: 262 / 3، إعلام الورى: 368، المناقب 4: 422.
(5) الأنوار البهية: 247.
365
المبعوث من قبل المعتز العباسي للصلاة على جثمان الإمام (عليه السلام) لما رأى اجتماع
الناس وضجتهم أمر برد النعش إلى دار الإمام (عليه السلام) فدفن هناك (1)، وكان المعتز قد
أرسل مبعوثه للتغطية على جريمته النكراء، كما هو ديدن أسلافه العباسيين مع الأئمة
الهداة من عترة المصطفى (عليهم السلام).
قال الشاعر:
ثم نال المعتز ما شاء منه * إذ سقاه السم النقيع جهارا
فاستشاطت له البلاد وصارت * صيحة طبقت بها الأقطارا (2)
وقيل في يوم وفاته: إنه يوم الاثنين الخامس والعشرون من جمادى الآخرة
سنة 254 ه‍ (3)، والتأريخ الأول أشهر وعليه عامة أعلام الطائفة محدثيهم
ومؤرخيهم (4).
وروي عن ابن بابويه أنه (عليه السلام) مات مسموما، وأن الذي سمه هو المعتمد
العباسي (5)، وإذا صح ذلك فإنه لا بد أن يكون قد سمه المعتز، كما نقله الشيخ
إبراهيم الكفعمي، ذلك لأنه استشهد في عهده سنة 254 ه‍، وبويع المعتمد العباسي
بالخلافة سنة 256 ه‍ في النصف من رجب بعد قتل المهتدي بن محمد بن هارون
الواثق.



(1) تأريخ اليعقوبي 3: 240.
(2) الذخائر: 64.
(3) الفصول المهمة: 279، كشف الغمة 3: 165 و 174.
(4) راجع الكافي 1: 416، دلائل الإمامة: 409، تاج المواليد: 132، المناقب 4: 401.
(5) نقل ذلك عنه ابن شهرآشوب في المناقب 4: 401.
366
أقول:
لقد صرح كثير من المحدثين والمؤرخين بأن الإمام (عليه السلام) قد مات مسموما،
منهم: الشبلنجي وابن الصباغ المالكي والشيخ أبو جعفر الطبري الإمامي والشيخ
إبراهيم الكفعمي وغيرهم (1)، وبعض هؤلاء اكتفى بنقل القول في ذلك، ومما لا شك
فيه أن الإمام (عليه السلام) قد استشهد في زمان المعتز، وهو المعروف عند المؤرخين بأنه
كان شابا نزقا سفاكا للدماء، لم يتحرج عن القتل.
ففي أول جلوسه على سرير الحكم بعث إلى أخويه المؤيد وأبي أحمد
ابني المتوكل، فأخذهما وحبسهما، وقيد المؤيد وضربه أربعين مقرعة، وخلعه من
ولاية العهد، وأخذ خطه بخلع نفسه، ثم قتله في السجن، وجعل أخاه أبا أحمد في
محبسه، وخشي أن يتحدث عنه الناس أنه قتل أخاه أو احتال عليه، فأحضر
القضاة حتى شاهدوه وليس به أثر (2).
وأبعد ابن عمه المهتدي إلى بغداد خوفا من أن ينصبه الأتراك خليفة من
بعده (3)، وهو الأمر الذي حدث فعلا.
وكتب أمانا لابن عمه المستعين بعد أن خلع الأخير نفسه عن الخلافة وبايع
للمعتز، وسكن واسط، لكنه بعث إليه سعيد بن صالح، فأدخله سعيد منزله وضربه
حتى مات، وقيل: جعل في رجله حجرا، وألقاه في دجلة. وحمل رأسه إلى المعتز



(1) راجع نور الأبصار: 83، الفصول المهمة: 279، دلائل الإمامة: 409، بحار الأنوار 50:
117.
(2) تأريخ الخلفاء للسيوطي: 287، الكامل في التأريخ 7: 172.
(3) تأريخ الخلفاء للسيوطي: 288.
367
وهو يلعب بالشطرنج، فقيل له: هذا رأس المخلوع. فقال: ضعوه حتى أفرغ من
الدست. فلما نظر إليه وأمر بدفنه، أعطى سعيد خمسين ألف درهم وولاه معونة
البصرة (1).
فهذا فعله مع إخوته وأبناء عمه، أما مع الطالبيين فإن أفعاله أشد قسوة وأكثر
مرارة، وهي تتوزع بين الإبعاد والتشريد والحبس والقتل، وفي ما يلي نقدم صورا
من ذلك.
فقد روى المؤرخون أنه حمل جماعة من الطالبيين من المدينة إلى سامراء
ظلما وعدوانا دون أن يبدو منهم شيء من المعارضة أو المخالفة، منهم أبو أحمد محمد
ابن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنى، وأبو هاشم داود بن القاسم
الجعفري (2).
وقال أبو الفرج الأصفهاني: وفي أيام المعتز قتل عبد الرحمن خليفة
أبي الساج أحمد بن عبد الله بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن
الحسن بن علي.
وتوفي في الحبس عيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت سليمان، كان أبو الساج حمله،
فحبس بالكوفة، فمات هناك.
وقتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن
الحسين، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن



(1) الكامل في التأريخ 7: 172 - 173.
(2) راجع الكامل في التأريخ 7: 175.
368
الحسين (عليه السلام) وبين عبد الله بن عزيز، عامل محمد بن طاهر بالري.
وقتل إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن
العباس بن علي، وأمه أم ولد، قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين
الكوكبي بقزوين.
وحبس أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (عليه السلام)
في دار مروان، حبسه الحارث بن أسد عامل أبي الساج في المدينة، فمات في
محبسه (1).
أخيرا إن مثل هذا الرجل لا يبعد منه أن يقتل الإمام الهادي (عليه السلام) ويقترف
مثل هذه الجريمة النكراء، سيما وهو يرى التفاف الناس على الإمام (عليه السلام) وحبهم له،
وتفوقه على جميع بني العباس في العلم ومكارم الأخلاق والصفات الحميدة،
ولا يبعد أن يكون هو الذي دس إليه السم كما صرح بذلك الشيخ الكفعمي، أو أن
يكون المعتمد العباسي هو الذي دس إليه السم بإيعاز من المعتز، وبذلك نكون قد
جمعنا بين الروايتين الواردتين في قتله (عليه السلام).
بنفسي مسجونا غريبا مشاهدا * ضريحا له شقته أيدي الغواشم
بنفسي موتورا عن الوتر مغضيا * يسالم أعداء له لم تسالم
بنفسي مسموما قضى وهو نازح * عن الأهل والأوطان جم المهاضم (2)
مقتل المعتز:
ولم تطل أيام المعتز بعد أن أقدم على الجريمة الكبرى في قتل الإمام (عليه السلام) حجة



(1) مقاتل الطالبيين: 433 - 434.
(2) المجالس السنية 5: 656.
369
الله في أرضه وخليفته على عباده، فأخذه الله بظلمه وأخزاه في الدنيا قبل الآخرة.
فقد روى المؤرخون أن قادة الأتراك طلبوا منه مالا، فاعتذر إليهم، وقال:
ليس في الخزائن شيء، فاتفقوا على خلعه وقتله، واتفق معهم الفراغنة والمغاربة،
فساروا إليه وصاحوا به، ودخلوا عليه بالسلاح، وجلسوا على بابه، فجروه برجله
إلى باب الحجرة، وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس في
الدار، فكان يرفع رجلا ويضع أخرى لشدة الحر، وكان بعضهم يلطمه وهو يتقي
بيده، وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة آخرين أشهدوهم
على خلعه، ثم سلموه من يعذبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام، فطلب حسوة
من ماء البئر فمنعوه، ثم أدخلوه سردابا وجصصوا عليه حتى مات، فلما مات
أشهدوا على موته العباسيين والقواد وأنه لا أثر فيه ودفنوه مع المنتصر (1).
وهكذا انتهت بموته صفحة سوداء من تأريخ الظلم والتعسف واللعب بمقدرات
الناس وأموالهم، وكان موته خزيا في الدنيا (ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من
واق) (2).
إلى هنا أكتفي من سرد الوقائع التي حصلت في عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
استقيناها من أهم مصادر الوقائع والتأريخ، ومن يرد التفصيل فليراجع كتب التأريخ
ومراجعه.



(1) الكامل في التأريخ 7: 195، الفخري: 243.
(2) الرعد: 34.
370
الفصل الثالث عشر
حكمه ومواعظه (عليه السلام)
إليك عزيزي القارئ مقتطفات من حكم الإمام الهادي (عليه السلام) ومواعظه،
والتي تعد من أروع التراث الفكري والثقافي في تأريخ الإسلام، حيث عالج فيها
كثيرا من الشؤون الاجتماعية والأخلاقية والتربوية لعصره وما بعده، وتعتبر من
أحسن التعاليم التربوية، ومن أفضل وسائل تزكية النفوس وتطهير القلوب
وإصلاح المجتمع، وقد جرت هذه الحكم وكما هو المعهود من أدب أهل البيت (عليهم السلام)
بأسلوب رصين مقرون بالفصاحة والبلاغة والوجازة، وهم في ذلك يستمدون من
هدي الكتاب الكريم وسنة جدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله).
كلمات قصار:
وفي ما يلي بعض كلماته القصار ومواعظه البليغة مرتبة وفق الترتيب الهجائي:
قال الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام):
1 - أبقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها (1).



(1) بحار الأنوار 78: 370، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181، سيرة الأئمة الاثني
عشر (عليهم السلام) 2: 475.
371
2 - إذا كنتم في زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن يظن أحد بأحد
سوءا حتى يعلم ذلك منه، وإذا كنتم في زمان الجور فيه أغلب من العدل، فليس
لأحد أن يظن بأحد خيرا ما لم يعلم ذلك منه (1).
3 - أذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم (2).
4 - إذكر مصرعك بين يدي أهلك، فلا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك (3).
5 - إعلموا أن النفس أقبل شيء لما أعطيت، وأمنع شيء لما منعت (4).
6 - إن الله جعل الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، وجعل بلوى الدنيا
لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا (5).



(1) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 50، الأنوار البهية: 237،
سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 475.
(2) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 45، حياة الإمام الهادي (عليه السلام):
162 / 28، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(3) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 44، الأنوار البهية: 236، في
رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(4) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 50، في رحاب أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(5) تحف العقول: 483، المجالس السنية 5: 648.
372
7 - إن الرجل ليكون قد بقي من أجله ثلاثون سنة، فيكون وصولا لقرابته
وصولا لرحمه، فيجعلها الله ثلاثة وثلاثين سنة، وإنه ليكون قد بقي من أجله ثلاث
وثلاثون سنة فيكون عاقا لقرابته قاطعا لرحمه، فيجعلها الله ثلاث سنين (1).
8 - إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه، وإن المحق السفيه يكاد أن
يطفئ نور حقه بسفهه (2).
9 - إن لله بقاعا يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها (3).
10 - إن من الغرة بالله أن يصر العبد على المعصية، ويتمنى على الله
المغفرة (4).
11 - إياكم والحسد، فإنه يبين فيكم ولا يعمل في عدوكم (5).



(1) بحار الأنوار 74: 103، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 303 / 29.
(2) تحف العقول: 483.
(3) تحف العقول: 482، والحير: هو الحائر الحسيني في كربلاء حيث مقام سيد الشهداء الحسين
ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 164 / 39.
(5) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 49، سيرة الأئمة الاثني عشر
2: 475، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
373
12 - أورع الناس من وقف عند الشبهة، وأعبد الناس من أقام الفرائض،
وأزهد الناس من ترك الحرام (1).
13 - بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهدا،
ويأكله غائبا (2).
14 - البخل أذم الأخلاق، والطمع سجية سيئة (3).
15 - الجاهل أسير لسانه (4).
16 - الجهل والبخل أذم الأخلاق (5).
17 - الحسد ماحق الحسنات، والزهو جالب المقت، والعجب صارف عن
طلب العلم، داع إلى الغمط (6).



(1) الإمامة وأهل البيت 3: 201.
(2) الإمامة وأهل البيت 3: 201.
(3) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 160 / 20.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 159 / 13.
(5) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 164 / 37.
(6) بحار الأنوار 72: 199، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 302 / 25، المجالس السنية 5: 648،
في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
374
18 - حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن (1).
19 - الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة (2).
20 - الحلم أن تملك نفسك، وتكظم غيظك مع القدرة عليه (3).
21 - خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم
حامله، وشر من الشر جالبه، وأهول من الهول راكبه (4).
22 - الدنيا سوق، ربح فيها قوم، وخسر آخرون (5).
23 - راكب الحرون (6) أسير نفسه، والجاهل أسير لسانه (7).
24 - السهر ألذ للمنام، والجوع يزيد في طيب الطعام (8).



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 164 / 38.
(2) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 47.
(3) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 157 / 5.
(4) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 48.
(5) تحف العقول: 483.
(6) حرنت الدابة: وقفت حين طلب جريها ورجعت القهقرى.
(7) بحار الأنوار 78: 368 و 369، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 303 / 32، و 304 / 36.
(8) بحار الأنوار 78: 369، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 43، المجالس السنية 5: 648،
الأنوار البهية: 236، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181، وقال السيد محسن الأمين (رحمه الله):
يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار.
375
25 - الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لأن النعم متاع،
والشكر نعم وعقبى (1).
26 - شر الرزية سوء الخلق (2).
27 - صلاح من جهل الكرامة هوانه (3).
28 - العتاب مفتاح التقالي (4)، والعتاب خير من الحقد (5).
29 - العجب صارف عن طلب العلم وتهذيب النفس، ويجعله يرتطم في
الجهل (6).
30 - العقوق يعقب القلة، ويؤدي إلى الذلة (7).



(1) تحف العقول: 483.
(2) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 158 / 9.
(3) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 157 / 4.
(4) التقالي: التباغض.
(5) بحار الأنوار 78: 369، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 39، في رحاب أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) 4: 181، حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 159 / 15.
(6) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 160 / 19.
(7) بحار الأنوار 74: 84، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 303 / 28.
376
31 - الغضب على من تملك لؤم (1).
32 - الغنى قلة تمنيك، والرضا بما يكفيك (2).
33 - الفقر شره النفس وشدة القنوط (3).
34 - الكفر للنعم أمارة البطر، وسبب للتغيير (4).
35 - لا نجع في الطبائع الفاسدة (5).
36 - اللجاجة مسلبة للسلامة، ومؤدية للندامة (6).
37 - ما استراح ذو الحرص والحكمة (7).



(1) بحار الأنوار 78: 370، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 46.
(2) بحار الأنوار 78: 368، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 303 / 32، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 161 / 22.
(5) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 162 / 30.
(6) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 161 / 23.
(7) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 162 / 29.
377
38 - مخالطة الأشرار تدل على شر من يخالطهم (1).
39 - المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحلل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن
تكون فيه المغالبة، والمغالبة أس أسباب القطيعة (2).
40 - المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان (3).
41 - المقادير تريك ما لم يخطر ببالك (4).
42 - من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع، ومن أطاع الخالق لم يبال
بسخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين (5).
43 - من أمن مكر الله أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره (6).
44 - من جمع لك وده ورأيه، فاجمع له طاعتك (7).



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 161 / 21.
(2) بحار الأنوار 78: 369، في رحاب أئمة أهل البيت (عليه السلام) 4: 181.
(3) بحار الأنوار 78: 369، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(4) بحار الأنوار 78: 368، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 303 / 34.
(5) تحف العقول: 482.
(6) تحف العقول: 483، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 474.
(7) تحف العقول: 483، المجالس السنية 5: 648.
378
45 - من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه (1).
46 - من سأل فوق قدر حقه، فهو أولى بالحرمان (2).
47 - من كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض
ونشر (3).
48 - من لم يحسن أن يمنع، لم يحسن أن يعطي (4).
49 - من هانت عليه نفسه، فلا تأمن شره (5).
50 - الناس في الدنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال (6).
51 - الهزل فكاهة السفهاء، وصناعة الجهال (7).



(1) الأنوار البهية: 236، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 474.
(2) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 163 / 3.
(3) تحف العقول: 483، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 474.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 163 / 31.
(5) تحف العقول: 483، المجالس السنية 5: 648.
(6) بحار الأنوار 78: 369، الأنوار البهية: 236.
(7) بحار الأنوار 78: 369، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 304 / 37.
379
أقوال بليغة وأجوبة حكيمة:
1 - عن سهل بن زياد، قال: كتب إليه (عليه السلام) بعض أصحابنا يسأله أن يعلمه
دعوة جامعة للدنيا والآخرة، فكتب إليه: أكثر من الاستغفار والحمد، فإنك تدرك
بذلك الخير كله (1).
2 - قال يحيى بن عبد الحميد: سمعت أبا الحسن الهادي (عليه السلام) يقول لرجل ذم
إليه ولدا له فقال: العقوق ثكل من لم يثكل (2).
3 - وعن (الدرة الباهرة)، قال أبو الحسن الثالث (عليه السلام) لرجل وقد أكثر من
إفراط الثناء عليه: أقبل على شأنك، فإن كثرة الملق يهجم علي الظنة، وإذا حللت
من أخيك في محل الثقة، فاعدل عن الملق إلى حسن النية (3).
4 - وقال (عليه السلام) للمتوكل في حوار جرى بينهما: لا تطلب الصفاء ممن كدرت
عليه عيشه، ولا الوفاء ممن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه، فإنما



(1) الأنوار البهية: 237.
(2) بحار الأنوار 78: 369، سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 475، في رحاب أئمة أهل
البيت (عليهم السلام) 4: 181.
(3) بحار الأنوار 73: 295، الأنوار البهية: 237، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181،
سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 474.
380
قلب غيرك لك كقلبك له (1).
5 - وقال (عليه السلام) لبعض مواليه: عاتب فلانا، وقل له: إن الله إذا أراد بعبد
خيرا، إذا عوتب قبل (2).
6 - وعن أبي هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى
أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) فأذن لي، فلما جلست قال: يا أبا هاشم، أي نعم الله
عز وجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟
قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له، فابتدأ (عليه السلام) فقال: رزقك الإيمان
فحرم به بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع
فصانك عن التبذل.
يا أبا هاشم، إنما ابتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو إلي من فعل
بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها (3).
7 - وسئل (عليه السلام) عن الحزم، فقال (عليه السلام): هو أن تنظر فرصتك وتعاجل ما
أمكنك (4).



(1) بحار الأنوار 74: 182 و 78: 370، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 4: 181، سيرة الأئمة
الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 475.
(2) تحف العقول: 481.
(3) أمالي الصدوق: 248، من لا يحضره الفقيه 4: 401.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 159 / 11.
381
8 - وقال (عليه السلام): إن الله يحب الجمال والتجمل، ويكره البؤس والتباؤس،
فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن يرى عليه أثرها.
فقيل له: وكيف ذلك، يا بن رسول الله؟
قال (عليه السلام): ينظف ثوبه، ويطيب ريحه، ويحسن داره، ويكنس أفنيته، حتى
إن السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر، ويزيد في الرزق (1).
9 - وعن أحمد بن هلال، قال: سألت أبا الحسن الأخير (عليه السلام) عن التوبة
النصوح ما هي؟ فكتب (عليه السلام): أن يكون الباطن كالظاهر، وأفضل من ذلك (2).
10 - وجاء في المجلد الثاني من (مروج الذهب) عن محمد بن الفرج، عن
أبي دعامة، أنه قال: أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) عائدا في علته التي
كانت وفاته منها، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة، قد وجب حقك
علي، أفلا أحدثك بحديث تسر به، فقلت: ما أحوجني إلى ذلك يا بن رسول الله!
قال: حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن
أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه
الحسين بن علي، عن علي (عليه السلام)، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال له: اكتب يا علي، قال: قلت:
وما أكتب؟ قال لي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب،
وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان، وحلت به المناكحة.



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 153، عن أمالي الشيخ المفيد (رحمه الله).
(2) معاني الأخبار: 174.
382
فقلت: يا بن رسول الله، ما أدري والله أيهما أحسن: الحديث، أم الإسناد؟
فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نتوارثها صاغرا
عن كابر (1).
11 - وروى الشيخ المفيد بالإسناد عن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبيد الله،
قال: سمعت العبد الصالح علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) بسر من رأى يذكر عن
آبائه (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): العلم وراثة كريمة،
والآداب حلل حسان، والفكرة مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، وكفى بك أدبا
لنفسك تركك ما كرهته من غيرك (2).
12 - وروى الشيخ الطوسي، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله
الهاشمي المنصوري، قال: حدثني عم أبي أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن
المنصور، قال: حدثني الإمام علي بن محمد العسكري، قال: حدثني أبي محمد بن
علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر (عليه السلام)،
قال: كنت عند سيدنا الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه أشجع السلمي يمدحه، فوجده
عليلا، فجلس وأمسك، فقال له سيدنا الصادق (عليه السلام): عد عن العلة، واذكر ما جئت
له، فقال له:
ألبسك الله منه عافية * في نومك المعتري وفي أرقك
يخرج من جسمك السقام كما * أخرج ذل السؤال من عنقك



(1) مروج الذهب 2: 546 - 547 - بيروت - 1982، سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 2: 475.
(2) أمالي الشيخ المفيد (رحمه الله): 336.
383
فقال: يا غانم، أيش معك؟ قال: أربعمائة درهم. قال: أعطها للأشجع.
قال: فأخذها وشكر وولى، فقال: ردوه. فقال: يا سيدي، سألت فأعطيت
وأغنيت، فلم رددتني؟
قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: " خير العطاء ما أبقى نعمة
باقية "، وإن الذي أعطيتك لا يبقى لك نعمة باقية، وهذا خاتمي، فإن أعطيت به
عشرة آلاف درهم، وإلا فعد إلى وقت كذا وكذا أوفك إياها.
قال: يا سيدي، قد أغنيتني، وأنا كثير الأسفار، وأحصل في المواضع
المفزعة، فتعلمني ما آمن به على نفسي.
قال: فإذا خضت أمرا فاترك يمينك على أم رأسك واقرأ برفيع صوتك:
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه
يرجعون) (1).
قال الأشجع: فحصلت في واد تعبث فيه الجن، فسمعت قائلا يقول: خذوه،
فقرأتها فقال قائل: كيف نأخذه وقد احتجز بآية طيبة (2).
إلى هنا أكتفي بما عثرت عليه من الحكم والمواعظ، ومن يرد الاستزادة
فليراجع المصادر المعنية بهذا الباب.
والله من وراء القصد.



(1) آل عمران: 83.
(2) أمالي الطوسي: 282 / 546.
384
الفصل الرابع عشر
أصحابه والرواة عنه (عليه السلام)
على الرغم من وجود الاضطهاد والظلم الذي عاشه الإمام الهادي (عليه السلام)
سيما في زمان المتوكل العباسي الذي كان شديد البغض والتحامل على أهل بيت
النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد استطاعت شريحة من عشاق المعارف الإلهية من الاتصال به (عليه السلام)،
والانتفاع بعلومه ومعارفه، فكان فيهم العلماء والفقهاء والمؤلفون والمفسرون
والشخصيات المرموقة في مختلف العلوم والفنون والمعارف، وكان لهم الفضل في نشر
تراث الأئمة الأطهار وثرواتهم الفكرية الكبرى.
وقبل البدء بتعداد أصحابه (عليه السلام) نورد قائمة الثقات التي أوردها ابن
شهرآشوب في المناقب، قال: ومن ثقاته أحمد بن حمزة بن اليسع، وصالح بن محمد
الهمداني، ومحمد بن جزك الجمال، ويعقوب بن يزيد الكاتب، وأبو الحسين بن
هلال، وإبراهيم بن إسحاق، وخيران الخادم، والنضر بن محمد الهمداني (1).
وفي ما يلي نذكر أصحابه (عليه السلام) والرواة عنه مرتبين حسب الحروف الهجائية:
1 - إبراهيم:
يكنى أبا محمد، عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام



(1) المناقب 4: 402.
385
الهادي (عليه السلام) (1)، ولعله إبراهيم بن أبي بكر الرازي الآتي.
2 - إبراهيم بن أبي بكر الرازي:
أبو محمد، عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
3 - إبراهيم بن إسحاق:
ثقة، عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
4 - إبراهيم بن إدريس القمي:
عده الشيخ البرقي والطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
وفي (الكافي): باب تسمية من رأى القائم (عليه السلام)، بالإسناد عن أحمد بن
إبراهيم بن إدريس، عن أبيه، قال: رأيته بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) حين أيفع،
وقبلت يديه ورأسه (5).
5 - إبراهيم بن إسحاق بن أزور:
عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: شيخ



(1) رجال الشيخ: 410.
(2) رجال البرقي: 58.
(3) رجال الشيخ: 409.
(4) رجال الشيخ: 410، رجال البرقي: 59.
(5) مستدركات علم الرجال 1: 117 / 95.
386
لا بأس به (1).
6 - إبراهيم بن داود بن علي:
ابن يعقوب اليعقوبي، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام
الهادي والعسكري (عليهما السلام) (2).
7 - إبراهيم بن شيبة الأصفهاني:
مولى بني أسد، أصله من قاشان، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام
الجواد والهادي (عليهما السلام) (3).
8 - إبراهيم بن عبدة النيسابوري:
ثقة جليل من أصحاب الإمام الهادي (4) والعسكري (عليهما السلام) ووكيله، له
توقيعات ثلاثة رواها الكشي، تدل على مدحه وجلالته.
وقد رأى مولانا الحجة المنتظر (عليه السلام) على الصفا، وقبض (عليه السلام) على كتاب
مناسكه، وحدثه بأشياء (5).



(1) رجال البرقي: 58.
(2) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 410، مستدركات علم الرجال 1: 145 / 217.
(3) رجال الطوسي: 411، مستدركات علم الرجال 1: 157 / 272.
(4) رجال الطوسي: 410.
(5) مستدركات علم الرجال 1: 173 / 332.
387
9 - إبراهيم بن عقبة:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
وفي كامل الزيارة بالإسناد عن علي بن عبد الله بن مروان، عن إبراهيم بن
عقبة، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام)
وعن زيارة قبر أبي الحسن (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام)، فكتب إلي: أبو عبد الله (عليه السلام)
المقدم، وهذا أجمع وأعظم أجرا.
وروى الكشي بالإسناد عن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام):
جعلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة (2)، فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال: نعم،
أقنت عليهم في الصلاة (3).
10 - إبراهيم بن محمد السابوري:
عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
11 - إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري:
من أصحاب الإمام الهادي (5) والعسكري (عليهما السلام)، تشرف بلقاء الحجة (عليه السلام)



(1) رجال الشيخ: 409، رجال البرقي: 58.
(2) أي الواقفة.
(3) مستدركات علم الرجال 1: 175 / 342.
(4) رجال البرقي: 60.
(5) رجال الطوسي: 410.
388
وشاهد الدلائل.
وفي قاموس الرجال، نقل عن غيبة الفضل بن شاذان: أن إبراهيم بن محمد
ابن فارس أراد الهرب لما هم عمرو بن عوف بقتله، فورد على مولانا
العسكري (عليه السلام)، فأخبره الحجة (عليه السلام) بأنه سيكفيه الله شره، فكان كما قال (عليه السلام)،
فأخذ عمرو وقتل وقطع عضوا عضوا (1).
12 - إبراهيم بن محمد الهمداني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
وعد من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام)، وكان وكيل الناحية
المقدسة، حج أربعين حجة، وأولاده علي ومحمد بن علي والقاسم بن محمد كلهم
وكلاء الناحية المقدسة، كما قاله النجاشي والعلامة وغيرهما ولا خلاف فيه.
وروى الكشي توقيعا فيه التصريح بوثاقة جمع منهم إبراهيم بن محمد
الهمداني. وروى أيضا بإسناده عنه، قال: كتب إلي: قد وصل الحساب، تقبل الله
منك؛ ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة، وقد بعثت إليك من الدنانير
بكذا، ومن الكسوة بكذا، فبارك الله لك فيه وفي جميع نعمة الله عليك، وقد كتبت إلى
النضر، وأمرته أن ينتهي عنك وعن التعرض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك
عندي، وكتبت إلى أيوب وأمرته بذلك أيضا، وكتبت إلى موالي بهمدان كتابا
وأمرتهم بطاعتك، والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل لي سواك.



(1) مستدركات علم الرجال 1: 200 / 471.
(2) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 409.
389
وبالجملة هو من أصحاب الأصول التي استخرج منها الصدوق (رحمه الله) أحاديث
كتاب (الفقيه)، وحكم بصحتها واعتماد الأصحاب عليها (1).
13 - إبراهيم بن مهزيار الأهوازي:
أبو إسحاق، ثقة جليل، من أصحاب الإمام الجواد والهادي (2) والعسكري
(عليهم السلام)، ومن سفراء مولانا المهدي (عليه السلام) بلا خلاف.
له كتاب البشارات ونوادر الحكمة، وهو من أصحاب الأصول التي استخرج
منها الصدوق (رحمه الله) أحاديث كتابه (الفقيه) وحكم بصحتها، وأنه عليها المعول وإليها
المرجع (3).
14 - أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل:
ابن داود بن حمدون، الكاتب، أبو عبد الله النديم، من أصحاب الإمام
الهادي والعسكري (عليهما السلام) خصيصا بهما، شيخ أهل اللغة ووجههم، أستاذ أبي العباس،
وله كتب، ولد سنة 207 ه‍ ومات سنة 309 ه‍ (4).
15 - أحمد بن أبي عبد الله البرقي:
وهو أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي، أبو جعفر



(1) رجال الكشي: 611، مستدركات علم الرجال 1: 205 / 490.
(2) رجال الطوسي: 410.
(3) مستدركات علم الرجال 1: 217 / 533.
(4) رجال ابن داود: 35، مستدركات علم الرجال 1: 240 / 607.
390
البرقي، مؤلف كتاب (المحاسن) وكتاب (النجوم) وغيرهما، ثقة معتمد، وهو من
أصحاب الجواد والهادي (عليهما السلام) (1).
لما قتل جده محمد بن علي بيد يوسف بن عمر الثقفي والي العراق بعد شهادة
زيد بن علي (عليه السلام)، وكان خالد صغير السن، هرب مع أبيه عبد الرحمن إلى برقة قم،
فأقاموا بها، فنسبوا إليها، وأصله كوفي، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن
قم، ثم أعاده إليها واعتذر إليه، ولما توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته
حافيا حاسرا ليبرئ نفسه مما قذفه به، وتوفي أحمد البرقي هذا في سنة 274 ه‍ أو في
سنة 280 ه‍ (2).
16 - أحمد بن إسحاق الرازي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال عنه
الشيخ الطوسي: ثقة (3). وأورد الكشي ما يدل على اختصاصه بالجهة المقدسة (4).
17 - أحمد بن إسحاق بن عبد الله:
ابن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو علي القمي، من أصحاب
الإمام الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)، وكان من خواص أبي محمد (عليه السلام)، ثقة،



(1) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 410.
(2) مستدركات علم الرجال 1: 433 / 1529.
(3) رجال الطوسي: 410، رجال البرقي: 59، رجال ابن داود: 36.
(4) الخلاصة: 14.
391
ورأى صاحب الزمان (1).
وكان شيخ القميين ووافدهم، قال أبو الحسن علي بن عبد الواحد الخمري
وأحمد بن الحسين (رحمهما الله): رأيت من كتبه كتاب علل الصوم كبير، مسائل الرجال
لأبي الحسن الثالث (عليه السلام)، جمعه (2).
18 - أحمد بن إسماعيل بن يقطين:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
19 - أحمد بن الحسن بن إسحاق بن سعد:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
20 - أحمد بن الحسن بن علي بن فضال:
من أصحاب الإمام الهادي (5) والعسكري (عليهما السلام)، وهو منسوب إلى جده،
والتفصيل كما في رجال النجاشي وجامع الرواة:، أحمد بن الحسن بن علي بن محمد
ابن فضال بن عمر بن أيمن، ومثله العلامة في الخلاصة، إلا أنه زاد بين محمد وفضال
عليا.



(1) رجال ابن داود: 36.
(2) رجال النجاشي 51: 225، الفهرست: 26 / 68.
(3) رجال الطوسي: 409، رجال البرقي: 58.
(4) رجال الطوسي: 409، رجال البرقي: 59.
(5) رجال الشيخ: 410.
392
وبالجملة كان أحمد فطحيا، غير أنه ثقة في الحديث، قاله النجاشي والشيخ في
الفهرست والعلامة في الخلاصة وغيرهم، ولا خلاف فيه، والمجلسي عده موثقا،
والأظهر أنه موثق كالصحيح، يعمل برواياته لما ورد الأمر من مولانا العسكري
(عليه السلام) بعد أن سئل عن كتب بني فضال، قال: خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا.
ومات أحمد بن الحسن هذا سنة 260 ه‍، وهو راوي كتاب عمار بن موسى،
رواه عنه المشايخ الثلاثة، وعمل به الأصحاب في الفقه (1).
21 - أحمد بن حمزة بن اليسع:
ابن عبد الله القمي، ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (2)، وروى أبوه عن الإمام الرضا (عليه السلام) (3).
22 - أحمد بن زكريا بن بابا القمي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
23 - أحمد بن عامر بن سليمان:
ابن صالح بن وهب بن عامر، وجده وهب هو الذي قتل مع الحسين (عليه السلام) في



(1) مستدركات علم الرجال 1: 288 / 846.
(2) رجال الشيخ: 409، رجال البرقي: 59.
(3) رجال ابن داود: 37.
(4) رجال الشيخ: 410، رجال البرقي: 60.
393
كربلاء، ويكنى أحمد بن عامر أبا الجعد، وهو من طيء.
قال ابنه عبد الله بن أحمد: ولد أبي سنة 157 ه‍، ولقي الرضا (عليه السلام) سنة 194 ه‍،
ومات الرضا بطوس سنة 202 ه‍، يوم الثلاثاء لثمان عشرة خلون من جمادى
الأولى، وشاهدت أبا الحسن وأبا محمد (عليهما السلام)، وكان أبي مؤذنهما، ومات علي بن
محمد (عليه السلام) سنة 244 ه‍، ومات الحسن (عليه السلام) سنة 260 ه‍ يوم الجمعة لثلاث عشرة
ليلة خلت من المحرم؛ وله نسخة حسنة رواها عنه ابنه عبد الله عن الرضا (عليه السلام) (1).
ويظهر من أسانيد الشيخ الصدوق في (العيون) أن عبد الله ابنه روى عن أبيه
سنة 260 ه‍، مما يدل على أن عمر أبيه أكثر من مائة سنة، لأنه ولد سنة 157 ه‍
كما تقدم (2).
24 - أحمد بن محمد السياري:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
25 - أحمد بن محمد بن عبيد الله الأشعري القمي:
شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، وابنه عبد الله بن
أحمد، روى عنه محمد بن علي بن محبوب، وله كتاب نوادر (4).



(1) رجال النجاشي: 100 / 250.
(2) مستدركات علم الرجال 1: 332 / 1061.
(3) رجال الطوسي: 411.
(4) رجال النجاشي: 79 / 190، الخلاصة: 19.
394
26 - أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي:
شيخ القميين ووجيههم وفقيههم غير مدافع، ثقة جليل بالاتفاق، وهو من
أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) (1)، كما قاله الشيخ في رجاله، وله
كتب ذكروها.
ويظهر من النجاشي والشيخ أن كتبه في الفقه منحصرة بكتاب المتعة أو
كتاب النوادر، وكان غير مبوب فبوبه داود بن كورة، وله كتاب الحج، وبالجملة
كانت كتبه عند المشايخ الثلاثة، يأخذون منها الأحاديث، ويثبتونها في الكتب
الأربعة (2).
27 - أحمد بن مطهر:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
وفي المستدركات: صاحب كتاب معتمد، صاحب أبي محمد العسكري (عليه السلام)،
والقيم على أموره، ويشهد على أنه كان قيما لأموره، ومتوليا لما يحتاج إليه، ثقة
على الأقوى، يروي عن الأجلاء، وهو من أصحاب الأصول التي اعتمد عليها
الصدوق وحكم بصحتها، واستخرج أحاديث كتابه (الفقيه) منها (4).



(1) رجال الشيخ: 409، رجال البرقي: 59.
(2) مستدركات علم الرجال 1: 465 / 1665.
(3) رجال البرقي: 60.
(4) مستدركات علم الرجال 1: 475 / 1708.
395
28 - إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
29 - أيوب بن نوح بن دراج النخعي:
مولاهم، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) (2)، ممدوح،
كوفي، كان وكيلا لأبي الحسن الهادي ولأبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، عظيما،
ورعا، ثقة.
وكان أبوه قاضيا بالكوفة، صحيح الاعتقاد، وأخوه جميل بن دراج لقي
الهادي (عليه السلام) (3).
وله كتاب وروايات ومسائل من أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (4).
30 - بشر بن بشار النيشابوري:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: وهو
عم أبي عبد الله الشاذاني (5).



(1) رجال الطوسي: 411، رجال البرقي: 60.
(2) رجال الطوسي: 410، رجال البرقي: 57.
(3) رجال ابن داود: 54، الخلاصة: 12.
(4) الفهرست: 16 / 49.
(5) رجال الشيخ: 411.
396
31 - بشر بن سليمان النخاس:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (1)، وهو الذي تولى شراء السيدة نرجس
والدة مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) (2).
32 - بوطير الخادم:
كان من خدام الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وهو الذي سماه
بهذا الاسم، روى عنه حفيده أبو الطيب أحمد بن محمد بن بوطير، وعاش بوطير بعد
شهادة الإمام الهادي (عليه السلام)، وكان يزور قبره (عليه السلام) من وراء الشباك ولا يدخل
المشهد (3).
33 - جعفر بن إبراهيم:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
34 - جعفر بن أحمد:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي: 328.
(2) الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: 196.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 328.
(4) رجال الشيخ الطوسي: 411، رجال البرقي: 59.
(5) رجال الشيخ الطوسي: 411، رجال البرقي: 59.
397
35 - جعفر بن رزق الله:
قال في (جامع الرواة): جعفر بن رزق الله، يروي عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن أحمد بن يحيى (1).
36 - جعفر بن سليمان:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
37 - جعفر بن سهيل الصيقل:
عده ابن شهرآشوب من وكلائه (عليه السلام) (3).
38 - جعفر بن عبد الله:
ابن الحسين بن جامع، قمي، حميري، عده الشيخ في رجاله من أصحاب
الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
39 - جعفر بن عيسى بن يقطين:
من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، ممدوح (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 329.
(2) رجال الشيخ الطوسي: 412.
(3) المناقب 4: 402.
(4) رجال الشيخ: 411.
(5) رجال ابن داود: 64.
398
40 - جعفر بن محمد بن إسماعيل:
ابن الخطاب، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (1).
وذكر الشيخ أنه (عليه السلام) كتب إليه رسالة (2).
41 - جعفر بن محمد بن يونس الأحول:
الصيرفي، مولى بجيلة، روى عن الإمام أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وله كتاب،
وعده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
42 - جعفر بن هشام:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
43 - جميل بن نوح بن دراج النخعي:
مولاهم، وكان أبوه قاضيا بالكوفة، ولقي هو الإمام الهادي (عليه السلام)، ذكره ابن
داود في ترجمة أخيه أيوب بن نوح (5).



(1) رجال الشيخ: 411، رجال البرقي: 58.
(2) حياة الإمام الهادي: 179.
(3) رجال الشيخ: 412، حياة الإمام الهادي: 179.
(4) رجال الشيخ: 411، رجال البرقي: 60.
(5) رجال ابن داود: 54.
399
44 - حاتم بن نوح:
عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
45 - الحسن بن جعفر:
المعروف بأبي طالب الفافاني (2)، بغدادي، عده الشيخ في رجاله من أصحاب
الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
46 - الحسن بن الحسن العلوي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
47 - الحسن بن الحسين العلوي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).
48 - الحسن بن خرزاد القمي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (6).



(1) رجال الطوسي: 413.
(2) فافان: موضع على دجلة.
(3) رجال الطوسي: 413.
(4) رجال الطوسي: 412.
(5) رجال الطوسي: 414.
(6) رجال الطوسي: 413.
400
قال النجاشي: كان كثير الحديث، له كتاب (أسماء رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وكتاب
(المتعة) (1).
49 - الحسن بن راشد:
عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى أبا علي،
بغدادي (2).
وعده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال
والحرام، الذين لا يطعن عليهم بشيء، ولا طريق لذم واحد منهم، وقد نصبه الإمام
وكيلا، وبعث إليه بعدة رسائل، وكانت له مكانة مرموقة عند الإمام الهادي (عليه السلام)،
ولما توفي الحسن بن راشد ترحم عليه الإمام (عليه السلام)، ودعا له بالمغفرة والرضوان.
ومن رسائله (عليه السلام) إلى أصحابه والتي جاء فيها مدح للحسن بن راشد ما يلي:
1 - كتب (عليه السلام) رسالة إلى أبي علي بن بلال في سنة 232 ه‍، جاء فيها:
وأحمد الله إليك، وأشكر طوله وعوده، وأصلي على محمد النبي وآله صلوات
الله ورحمته عليهم، ثم إني أقمت أبا علي مقام الحسين بن عبد ربه، وائتمنته على ذلك
بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد، وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك، فأحببت إفرادك
وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة له، والتسليم إليه جميع الحق قبلك، وأن
تحض موالي على ذلك، وتعرفهم من ذلك ما يصير سببا إلى عونه وكفايته، فذلك
موفور وتوفير علينا، ومحبوب لدينا... إلى آخر الكتاب، والذي يدل على فضل



(1) حياة الإمام الهادي: 180.
(2) رجال الطوسي: 413.
401
ابن راشد ووثاقته وأمانته، فقد أرجع إليه الشيعة وأوصاهم بطاعته والانقياد إليه،
وتسليم ما عندهم من الحقوق الشرعية له.
2 - وكتب (عليه السلام) إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن
والسواد وما يليها، وهذا نصه:
وأحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلاته
وأكمل رحمته ورأفته، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه،
ومن كان من قبله من وكلائي، وصار في منزلته عندي، ووليته ما كان تولاه غيره
في ذلك، وهو أهله وموضعه... إلى أن قال (عليه السلام): فقد أوجبت في طاعته طاعتي،
والخروج إلى عصيانه عصياني، فالزموا الطريق يأجركم الله ويزيدكم من فضله...
إلى آخر الكتاب الذي يكشف عن سمو مكانة ابن راشد عند الإمام (عليه السلام) وعظيم
منزلته عنده حتى قرن طاعته بطاعته، وعصيانه بعصيانه (1).
50 - الحسن بن سفيان الكوفي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
51 - الحسن الصيقل:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (3).



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 180.
(2) رجال الطوسي: 414.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 330.
402
52 - الحسن بن ظريف:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1)، وقال النجاشي:
كوفي، يكنى أبا محمد، ثقة، سكن بغداد وأبوه، قيل: له نوادر، والرواة عنه كثير (2).
53 - الحسن بن عبد الرحمن:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
54 - الحسن بن علي بن الحسن:
ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الناصر للحق،
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4)، وقد توفي
بطبرستان سنة 304 ه‍ وله من العمر 79 سنة بعد ان جرت له عدة حروب عظيمة مع
السامانية.
وهو والد جد السيد المرتضى (رحمه الله) من جهة أمه، قال السيد (رحمه الله) في أول كتابه
(شرح المسائل الناصريات): وأما أبو محمد الناصر الكبير، وهو الحسن بن علي
ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة، وهو الذي نشر الإسلام في



(1) رجال الطوسي: 413.
(2) حياة الإمام الهادي: 183.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 330.
(4) رجال الطوسي: 412.
403
الديلم حتى اهتدوا به من الضلالة، وعدلوا بدعائه بعد الجهالة، وسيرته الجميلة أكثر
من أن تحصى، وأظهر من أن تخفى (1).
55 - الحسن بن علي الوشاء:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وزاد البرقي:
يلقب بربيع (2).
56 - الحسن بن مالك:
عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
57 - الحسن بن محمد:
ابن أخي محمد بن رجاء الخياط، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (4).
58 - الحسن بن محمد بن حي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 183.
(2) رجال الطوسي: 413، رجال البرقي: 58.
(3) رجال البرقي: 59.
(4) رجال الطوسي: 412.
(5) رجال الطوسي: 413.
404
59 - الحسن بن مسعود:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
60 - الحسن بن مصعب:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
61 - الحسين بن أسد البصري:
من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، ثقة صحيح، إلا أن الغضائري قال: يروي
عن الضعفاء (3).
62 - الحسين بن أسد النهدي:
عده الشيخ البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
63 - الحسين بن إسماعيل:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 331.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 331.
(3) رجال ابن داود: 79، رجال الطوسي: 413.
(4) رجال البرقي: 59.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 331.
405
64 - الحسين بن إشكيب القمي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: خادم القبر (1).
65 - الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي:
ذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال:
الحسين بن سعيد، كوفي، أهوازي، مولى علي بن الحسين (عليه السلام) (2).
وفي فهرست الشيخ ورجال ابن داود: الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران
الأهوازي، أخو الحسن، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام)، ثقة،
عظيم الشأن، صاحب المصنفات، أصله كوفي، وانتقل مع أخيه الحسن إلى الأهواز،
ثم إلى قم وتوفي بها، وله ثلاثون كتابا (3).
66 - الحسين بن علي الصنعاني:
قال في جامع الرواة: الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني، من رواة الإمام
الهادي (عليه السلام)، وروى عنه عبد الله بن جعفر (4).



(1) رجال الطوسي: 413، ويريد قبر السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليها السلام)، ولها مقام
مشيد في قم يزوره الزوار للتبرك إلى اليوم، وقد فصلنا مجمل أحوالها (عليها السلام) في كتابنا (الكاظم
موسى (عليه السلام)).
(2) رجال الطوسي: 412.
(3) رجال ابن داود: 80، فهرست الشيخ الطوسي: 58 / 220.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 332.
406
67 - الحسين بن مالك القمي:
في رجال الشيخ ورجال ابن داود: من أصحاب الهادي (عليه السلام)، ثقة، وأضاف
ابن داود: واشتبه على بعض أصحابنا، فأثبته في باب الحسن، وليس كذلك (1).
68 - الحسين بن محمد بن جمهور:
قال في (جامع الرواة): من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام)، وله رواية عن
الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند) (2).
69 - الحسين بن محمد المدائني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي في رجالهما من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
70 - الحسين بن يحيى:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند) (4).
71 - حفص الجوهري:
قال في (جامع الرواة): من رواة الإمام الجواد (عليه السلام)، وله رواية عن الإمام



(1) رجال الطوسي: 413، رجال ابن داود: 81.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 334.
(3) رجال الطوسي: 413، رجال البرقي: 58.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 334.
407
الهادي (عليه السلام) في (المسند) (1).
72 - حفص المروزي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
73 - حمدان بن إسحاق الخراساني:
روى عن الإمام الجواد والهادي (عليهما السلام)، وله كتاب (علل الوضوء).
روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بالإسناد عنه، قال: كان لي ابن، وكان تصيبه
الحصاة، فقيل لي: ليس له علاج إلا أن تبطه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت
في دم ابنك، قال: فكتبت إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، فوقع: ليس عليك
فيما فعلت شيء، إنما التمست الدواء، وكان أجله فيما فعلت (3).
74 - حمدان بن إسحاق الزنجاني القزويني:
عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
75 - حمدان بن سليمان:
في رجال ابن داود: حمدان بن سليمان، أبو سعيد النيسابوري، يعرف



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 334.
(2) رجال الطوسي: 413.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 334، الكافي 6: 53.
(4) رجال البرقي: 59.
408
بابن التاجر، من أصحاب الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، ثقة، من وجوه
أصحابنا (1).
وعده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال:
حمدان بن سليمان بن عميرة النيسابوري، المعروف بالتاجر (2).
76 - حمزة بن محمد:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: مولى
علي بن سليمان بن رشيد، بغدادي (3).
77 - الخضر بن محمد البزاز:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
78 - خليل بن هشام الفارسي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال ابن داود: 85.
(2) رجال الطوسي: 414.
(3) رجال الطوسي: 413.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 335، إثبات الوصية: 200.
(5) رجال الطوسي: 414.
409
79 - خيران بن إسحاق الزاكاني (1):
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
80 - خيران الخادم القراطيسي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
وفي رجال ابن داود وخلاصة العلامة: من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)،
محمود الطريقة، ثقة (4)، وكانت له منزلة كريمة عند الإمام الجواد (عليه السلام)، وذكر الكشي
طائفة من أخباره مع الإمام الجواد (عليه السلام) (5).
81 - داود بن أبي زيد:
عده الشيخ الطوسي والبرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)،
وقال: اسمه زنكان - أي اسم أبيه -، يكنى أبا سليمان، ونزل نيسابور في النجارين،
عند سكة طرخان في دار سختويه، معروف بصدق اللهجة (6).
وفي فهرست الشيخ: من أهل نيشابور، ثقة، صادق اللهجة، من أصحاب



(1) زاكان: قبيلة عربية سكنت قزوين.
(2) رجال الطوسي: 414.
(3) رجال الطوسي: 414، رجال البرقي: 58.
(4) رجال ابن داود: 89، الخلاصة: 66.
(5) حياة الإمام الهادي: 188.
(6) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 415.
410
علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، وله كتب ذكرها الكشي وابن النديم في كتابيهما (1).
وفي رجال ابن داود: داود بن أبي يزيد، اسمه زنكان، أبو سليمان
النيسابوري، واشتبه اسم أبي يزيد على بعض أصحابنا فأثبته زنكار، وهو غلط (2).
82 - داود الصرمي:
عده الشيخ البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
وقال النجاشي: روى عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وبقي إلى أيام أبي الحسن
صاحب العسكر (عليه السلام)، وله مسائل إليه (4).
83 - داود الصيرفي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى
أبا سليمان (5).
84 - داود بن فرقد الفارسي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (6).



(1) الفهرست: 68 / 273، الخلاصة: 68.
(2) رجال ابن داود: 89.
(3) رجال البرقي: 59.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 189.
(5) رجال الطوسي: 415.
(6) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 337.
411
85 - داود بن القاسم الجعفري:
أبو هاشم، داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب،
من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)، ثقة، روى أبوه عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، وتوفي سنة 261 ه‍، وكان أفقه الهاشميين في وقته (1).
وفي فهرست الشيخ:
من أهل بغداد، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام)، وقد شاهد الإمام
الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر (عليهم السلام)، وكان مقدما عند
السلطان، وله كتاب (2).
86 - رجاء بن يحيى العبرتائي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى
أبا الحسين، روى عنه أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، أخبرنا عنه
جماعة من أصحابنا (3).
وهو رجاء بن يحيى بن سامان الكاتب، له رسالة تسمى (المقنعة في أبواب
الشريعة)، رواها عنه أبو المفضل الشيباني (4).



(1) رجال الطوسي: 414، رجال البرقي: 57، رجال ابن داود: 91 و 221.
(2) الفهرست: 67 / 266.
(3) رجال الطوسي: 415، رجال ابن داود: 94.
(4) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 189.
412
87 - الريان بن الصلت البغدادي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1)، وأضاف
الشيخ الطوسي: أنه ثقة (2).
88 - زنكان أبو سليم:
عده ابن شهرآشوب في المناقب من وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
89 - زيد بن علي بن الحسين:
يظهر من الرواية أنه كان مقيما بسر من رأى، وله في (المسند) عن الإمام
الهادي (عليه السلام) روايتان (4).
90 - السري بن سلامة الأصفهاني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5)،
وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: له كتاب (6).



(1) رجال البرقي: 59.
(2) رجال الطوسي: 415.
(3) المناقب 4: 402.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 339.
(5) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 416.
(6) الفهرست: 81.
413
91 - سعد بن الأحوص الأشعري:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند)، باب الوصية (1).
92 - سعيد بن سهل البصري:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند) باب الإمامة، وأخرى في باب
الأصحاب (2).
93 - سعيد بن عيسى:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند) (3).
94 - سعيد الملاح:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند)، باب الإمامة (4).
95 - سليمان بن جعفر المروزي:
عده ابن شهرآشوب في (المناقب) من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 339.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 340.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 340.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 339.
(5) المناقب 4: 402.
414
96 - سليمان بن حفصويه:
عده الشيخ الطوسي والبرقي في رجالهما من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
97 - سليمان بن داود المروزي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
98 - السندي بن محمد:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال:
أخو علي (3).
99 - سهل بن زياد الآدمي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي في رجالهما من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)،
وأضاف الشيخ الطوسي: ثقة، رازي (4).
100 - سهل بن محمد:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) في (المسند) (5).



(1) رجال الطوسي: 415، رجال البرقي: 59.
(2) رجال الطوسي: 415.
(3) رجال الطوسي: 416.
(4) رجال الطوسي: 416، رجال البرقي: 58.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 342.
415
101 - سهل ين يعقوب:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى
أبا السري، الملقب بأبي نواس (1)، وكان يخدم الإمام الهادي (عليه السلام) بسر من رأى،
ويسعى في حوائجه.
وكان يقول له: أنت أبو نؤاس الحق، ومن تقدمك أبو نؤاس الغي
والباطل (2).
وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي الحسن المنصوري، قال: حدثني
أبو السري سهل بن يعقوب بن إسحاق، الملقب بأبي نؤاس المؤذن، في المسجد
المعلق في صف شنيف بسر من رأى، قال المنصوري: وكان يلقب بأبي نؤاس، لأنه
كان يتخالع ويطيب مع الناس، ويظهر التشيع على الطيبة فيأمن على نفسه، قال:
فلما سمع الإمام (عليه السلام) لقبني بأبي نؤاس، قال: يا أبا السري، أنت أبو نؤاس الحق،
ومن تقدمك أبو نؤاس الباطل.
قال: فقلت له (عليه السلام) ذات يوم: يا سيدي، قد وقع لي اختيار الأيام عن سيدنا
الصادق (عليه السلام) مما حدثني به الحسن بن عبد الله بن مطهر، عن محمد بن سليمان
الديلمي، عن أبيه، عن سيدنا الصادق (عليه السلام) في كل شهر، فأعرضه عليك؟ فقال لي:
افعل، فلما عرضته عليه وصححته. قلت له... الحديث (3).



(1) رجال الطوسي: 415.
(2) الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: 278.
(3) أمالي الطوسي: 277 / 529.
416
102 - شاهويه بن عبد الله:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
103 - صالح بن الحكم:
الظاهر من الرواية أنه كان واقفيا، ولما رأى دلالة عن الإمام الهادي (عليه السلام)
رجع عن الوقف (2).
104 - صالح بن سعيد:
لقي الإمام الهادي (عليه السلام) بسر من رأى في خان الصعاليك، وله عنه (عليه السلام)
رواية (3).
105 - صالح بن عيسى:
ابن عمر بن بزيع، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
106 - صالح بن محمد الهمداني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال الشيخ



(1) رجال الطوسي: 416.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 342.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 343.
(4) رجال الطوسي: 416.
417
الطوسي: ثقة (1).
107 - صالح بن مسلمة الرازي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى
أبا الخير (2).
108 - الصقر الجبلي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في المسند (3).
109 - الصقر بن أبي دلف:
هو أخو عبد العزيز بن أبي دلف رئيس كاشان في القرن الثالث، نزل عنده
موسى بن محمد الجواد (عليه السلام) المعروف بموسى المبرقع، والصقر هذا له عدة روايات
عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (4).
110 - الطيب بن محمد:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (5).



(1) رجال الطوسي: 416، رجال البرقي: 58، الخلاصة: 88، رجال ابن داود: 110.
(2) رجال الطوسي: 416.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 343.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 343.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 343.
418
111 - العباس بن موسى الوراق:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (1).
112 - العباسي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (2).
113 - عبد الرحمن الإصبهاني:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (3).
114 - عبد الرحمن بن محمد بن طيفور المتطبب:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
115 - عبد الرحمن بن محمد بن معروف القمي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 344.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 344.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 344.
(4) رجال الطوسي: 418، رجال البرقي: 60.
(5) رجال الطوسي: 419.
419
116 - عبد الصمد بن محمد القمي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
117 - عبد العظيم بن عبد الله الحسني:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
وهو عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، كان (رضي الله عنه) ثقة عدلا، وعالما فاضلا.
قال أبو حماد الرازي: دخلت على الإمام علي بن محمد (عليه السلام) بسر من رأى،
فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني عنها، فلما ودعته قال لي: يا حماد،
إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك، فسل عنه عبد العظيم الحسني، واقرأه
مني السلام.
وهاجر عبد العظيم إلى الري هربا من شرور العباسيين وظلمهم، فأقام في
الري مجهدا نفسه على العبادة، يصوم نهاره ويقوم ليله متضرعا عابدا، وكانت
الشيعة تتعهده بالزيارة على تستر خوفا من أذناب السلطة التي نصبت العداء
لأهل البيت (عليهم السلام).
وتوفي (رضي الله عنه) بعد معاناة الغربة والمرض، وهرع أهالي الري لتشييعه
ومواراته، وشيدوا له مرقدا عظيما تزوره في كل يوم المئات من الزائرين متبركين



(1) رجال الطوسي: 419.
(2) رجال الطوسي: 417.
420
به، ولا يزال إلى اليوم يقصده الشيعة ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) للتبرك والزيارة (1).
118 - عبد الله بن جبلة الكناني:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (2).
119 - عبد الله بن جعفر:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
120 - عبد الله بن محمد بن عبيد الله:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (4).
121 - عتاب بن أبي عتاب:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (5).
122 - عثمان بن سعيد العمري:
يكنى أبا عمرو السمان، ويقال له: الزيات، من أصحاب الإمام الهادي



(1) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 194.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 345.
(3) رجال البرقي: 59.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 347.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 347.
421
والعسكري (عليهما السلام) (1)، جليل القدر، ثقة، خدم الإمام الهادي (عليه السلام) وله إحدى عشرة
سنة، وله إليه عهد معروف، وتوكل للإمام العسكري (عليه السلام)، وكانت توقيعات
صاحب الأمر (عليه السلام) تخرج على يديه (2).
123 - عروة بن يحيى:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
124 - علي بن إبراهيم:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
125 - علي بن إبراهيم الهمداني:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).
126 - علي بن بلال:
بغدادي، يكنى أبا الحسن، روى عن الإمام الهادي (عليه السلام)، وله كتاب (6).



(1) رجال الطوسي: 420.
(2) رجال ابن داود: 133.
(3) رجال البرقي: 60.
(4) رجال الطوسي: 420.
(5) رجال الطوسي: 418.
(6) رجال البرقي: 57 و 59، رجال الطوسي: 417، رجال النجاشي: 278 / 730.
422
127 - علي بن جعفر الهماني:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (1).
128 - علي بن جعفر الهمداني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي، وزاد الشيخ
الطوسي: وكيله، ثقة (2).
وفي رجال ابن داود: كان في حبس المتوكل، وخاف القتل والشك في دينه،
فوعده أن يقصد الله فيه، فحم المتوكل، فأمر بتخلية من في السجن مطلقا، وتخليته
بالتخصيص (3).
129 - علي بن الحسن:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
130 - علي بن الحسن بن الحسين القنوي:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 349.
(2) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 418.
(3) رجال ابن داود: 135.
(4) رجال البرقي: 59.
(5) رجال البرقي: 60.
423
131 - علي بن الحسن بن فضال:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
132 - علي بن الحسين:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
133 - علي بن الحسين بن عبد ربه:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
134 - علي بن الحسين الهمداني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال الشيخ:
ثقة (4).
135 - علي بن رميس البغدادي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 419.
(2) رجال الطوسي: 418.
(3) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 417.
(4) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 418، رجال ابن داود: 137.
(5) رجال الطوسي: 420.
424
136 - علي بن الريان بن الصلت الأشعري القمي:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وكان
وكيله، وله عنه نسخة، وله كتاب منثور الأحاديث (1).
137 - علي بن زياد الصيمري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
138 - علي بن سليمان بن رشيد البغدادي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
139 - علي بن شيرة:
ثقة، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
140 - علي بن عبد الغفار:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 419، رجال النجاشي: 278 / 731، الخلاصة:
99، رجال ابن داود: 138.
(2) رجال الطوسي: 418.
(3) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 417.
(4) رجال الطوسي: 417، رجال ابن داود: 139.
(5) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 418.
425
141 - علي بن عبد الله:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
142 - علي بن عبد الله الزبيري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
143 - علي بن عبد الله بن جعفر الحميري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
144 - علي بن عبد الله بن مروان:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (4).
145 - علي بن عبيد الله:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 417 و 419.
(2) رجال الطوسي: 420.
(3) رجال الطوسي: 419.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 350.
(5) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 418.
426
146 - علي بن عمرو العطار القزويني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
147 - علي بن قرة:
يكنى أبا الحسن، عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام).
وفي رجال الشيخ الطوسي: علي بن أبي قرة (2).
148 - علي بن محمد الحذاء:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (3).
149 - علي بن محمد بن زياد الصيمري:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
150 - علي بن محمد القاساني:
الإصفهاني، من ولد زياد مولى عبيد الله بن عباس من آل خالد بن الأزهر،



(1) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 418.
(2) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 418.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 351.
(4) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 419.
427
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
151 - علي بن محمد المنقري:
ثقة، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
152 - علي بن محمد النوفلي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
153 - علي بن معبد:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وزاد الشيخ:
بغدادي، له كتاب (4).
وفي المناقب لابن شهرآشوب: علي بن معد بن محمد البغدادي (5). ولعله
غيره.
154 - علي بن مهزيار الأهوازي:
يكنى أبا الحسن، دورقي الأصل، مولى، كان أبوه نصرانيا فأسلم، وقيل: إن



(1) رجال البرقي: 58.
(2) رجال الطوسي: 419، رجال ابن داود: 141.
(3) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 418.
(4) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 417.
(5) المناقب 4: 402.
428
عليا أيضا أسلم وعرف وتفقه، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام)،
اختص بأبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وتوكل له، وعظم محله عنده، وكذلك أبو الحسن
الثالث (عليه السلام)، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير، وكان ثقة لا مطعن
عليه، صحيح الاعتقاد، وكان إذا طلعت الشمس لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف
من إخوانه، وكان جليل القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتابا (1).
155 - عمران بن إسماعيل القمي:
عده الأردبيلي في (جامع الرواة) من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) وقال:
روى عنه أحمد بن محمد (2).
156 - عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
وفي رجال ابن داود: كنيته أبو موسى السر من رائي (4).
157 - الفتح بن خاقان:
وزير المتوكل، له روايات وأخبار مع الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 418، رجال النجاشي: 253 / 664، رجال
ابن داود: 142.
(2) جامع الرواة 1: 641.
(3) رجال الطوسي: 417.
(4) رجال ابن داود: 148.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 354.
429
158 - فتح بن يزيد الجرجاني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
159 - الفضل بن شاذان النيسابوري:
أبو محمد، من أصحاب الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، متكلم فقيه، جليل
القدر، كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وقيل: عن
الرضا (عليه السلام) أيضا، وقيل: صنف 180 كتابا، وتوفي سنة 260 ه‍.
وكان الفضل أحد أصحابنا الفقهاء العظام والمتكلمين، حاله أعظم من أن
يشار إليها، قيل: إنه دخل على أبي محمد العسكري (عليه السلام)، فلما أراد أن يخرج سقط
منه كتاب من تصنيفه، فتناوله أبو محمد (عليه السلام) ونظر فيه، وترحم عليه، وذكر أنه
قال:
" أغبط أهل خراسان لمكان الفضل، وكونه بين أظهرهم ". وكفاه بذلك
فخرا (2).
160 - الفضل بن كثير:
بغدادي، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).



(1) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 420.
(2) رجال الطوسي: 420، رجال ابن داود: 151.
(3) رجال الطوسي: 421.
430
161 - الفضل بن المبارك:
روى عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، وروى عنه محمد بن عيسى
العبيدي (1).
162 - القاسم الصيقل:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
163 - القاسم بن محمد الزيات:
روى عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، وروى عنه سهل بن زياد (3).
164 - كافور الخادم:
ثقة، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
165 - كلثم الكرخية:
عدها البرقي ممن روى عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، وقال: روى عنها



(1) جامع الرواة 2: 8.
(2) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 421.
(3) جامع الرواة 2: 21.
(4) رجال الطوسي: 421.
431
أبو عبد الرحمن الشعيري وأبو أحمد بن داود (1).
وفي (رجال الشيخ): روى عنها عبد الرحمن الشعيري، وهو أبو عبد الرحمن
أحمد بن داود البغدادي (2).
166 - محمد بن إبراهيم:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (3).
167 - محمد بن أبي الصهبان:
وهو محمد بن عبد الجبار، من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، قمي، ثقة (4).
168 - محمد بن أبي طيفور المتطبب:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).
169 - محمد بن أحمد بن إبراهيم:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (6).



(1) رجال البرقي: 62.
(2) رجال الطوسي: 427.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 357.
(4) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 423، رجال ابن داود: 159، الخلاصة: 142.
(5) رجال الطوسي: 423.
(6) رجال الطوسي: 422.
432
170 - محمد بن أحمد بن حماد المحمدي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: يكنى
أبا علي (1).
171 - محمد بن أحمد بن عبيد الله بن المنصور:
أبو الحسن، أسند عنه، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (2).
172 - محمد بن أحمد بن علي بن إبراهيم:
عده الشيخ البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
173 - محمد بن أحمد بن مطهر:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
174 - محمد بن أحمد المنصوري:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (5).



(1) رجال الطوسي: 424.
(2) رجال الطوسي: 422.
(3) رجال البرقي: 60.
(4) رجال الطوسي: 422.
(5) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 358.
433
175 - محمد بن أحمد بن مهران:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
176 - محمد بن إسماعيل البلخي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
177 - محمد بن إسماعيل الصيمري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
178 - محمد بن أورمة:
له روايتان عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (4).
قال النجاشي: محمد بن أورمة، أبو جعفر القمي، ذكره القميون وغمزوا
عليه، ورموه بالغلو، حتى دس عليه من يفتك به، فوجدوه يصلي من أول الليل إلى
آخره، فتوقفوا عنه.
وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد، أنه قال: محمد بن أورمة



(1) رجال البرقي: 59.
(2) رجال الطوسي: 424.
(3) رجال الطوسي: 424.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 359.
434
طعن عليه بالغلو، وكل ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره
فقل به، وما تفرد به فلا تعتمده.
وقال بعض أصحابنا: إنه رأى توقيعا من أبي الحسن الثالث (عليه السلام) إلى أهل قم
في معنى محمد بن أورمة وبراءته مما قذف به، وكتبه صحاح إلا كتابا ينسب إليه،
ترجمته تفسير الباطن، فإنه مخلط.
ومن كتبه: كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام،
كتاب تفسير القرآن، كتاب الرد على الغلاة، كتاب الدعاء، كتاب الزهد، كتاب
ما نزل من القرآن في علي (1).
179 - محمد بن بحر:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
180 - محمد بن جزك الجمال:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
181 - محمد بن جعفر الهمداني:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (4).



(1) رجال النجاشي: 329 / 891.
(2) رجال البرقي: 58.
(3) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 422، رجال ابن داود: 167، الخلاصة: 141.
(4) مسند الإمام الهادي: 360.
435
182 - محمد بن حسان الرازي الزينبي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
183 - محمد بن الحسن الأشتر العلوي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (2).
184 - محمد بن الحسن الحضيني:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (3).
185 - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب:
أبو جعفر الزيات، ثقة، واسم أبي الخطاب زيد الهمداني، من أصحاب الإمام
الجواد والهادي (عليهما السلام) (4).
186 - محمد بن الحصين الأهوازي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 425.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 360.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 360.
(4) رجال الطوسي: 423، رجال ابن داود: 168.
(5) رجال الطوسي: 423.
436
187 - محمد بن حمزة القمي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
188 - محمد بن خالد الرازي:
يكنى أبا العباس، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
189 - محمد بن داود القمي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (3).
190 - محمد بن رجاء الحناط:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وفي (رجال الطوسي):
الخياط (4).
191 - محمد بن الريان بن الصلت الأشعري القمي:
ثقة، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وله عنه (عليه السلام)
مسائل (5).



(1) رجال الطوسي: 424.
(2) رجال الطوسي: 424.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 361.
(4) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 422.
(5) رجال الطوسي: 423، الخلاصة: 142، رجال ابن داود: 72.
437
192 - محمد بن سرد (سرو):
روى عن الإمام الهادي (عليه السلام)، وروى عنه عبد الله بن جعفر (1).
193 - محمد بن سعيد بن كلثوم:
المروزي، وكان متكلما بنيسابور، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (2).
194 - محمد بن سليمان الجلاب:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
195 - محمد بن صيفي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
196 - محمد بن عبد الجبار القمي:
تقدم بعنوان محمد بن أبي الصهبان.



(1) جامع الرواة 2: 117.
(2) رجال الطوسي: 421، رجال ابن داود: 173.
(3) رجال الطوسي: 424.
(4) رجال الطوسي: 424.
438
197 - محمد بن عبد الرحمن الهمداني النوفلي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
198 - محمد بن عبد الله الطاهري:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: من أهل طاهر (2).
199 - محمد بن عبيد الله:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: من أهل
طاهي (3)، فلعله متحد مع الأول.
200 - محمد بن عثمان العمري:
قال ابن شهرآشوب: كان بوابه (عليه السلام) (4).
201 - محمد بن علي بن حمزة:
ابن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو عبد الله،



(1) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 422.
(2) رجال البرقي: 58.
(3) رجال الطوسي: 422.
(4) المناقب 4: 402.
439
من أصحاب الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، له اتصال مكاتبة، وفي داره حصلت
أم صاحب الأمر بعد وفاة الحسن (عليه السلام) (1).
202 - محمد بن علي بن شجاع النيسابوري:
روى عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، ويروي عنه علي بن مهزيار (2).
203 - محمد بن علي بن عيسى:
الأشعري، القمي، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (3).
وقال النجاشي: كان محمد بن علي وجها بقم، وأميرا عليها من
قبل السلطان، وكذلك كان أبوه، يعرف بالطلحي، له مسائل لأبي محمد
العسكري (عليه السلام) (4).
204 - محمد بن علي بن مهزيار:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال ابن داود: 179.
(2) جامع الرواة 2: 154.
(3) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 422.
(4) رجال النجاشي: 371 / 1010.
(5) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 422، الخلاصة: 141، رجال ابن داود: 79.
440
205 - محمد بن عمر الحضيني:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
206 - محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
207 - محمد بن الفرج:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
208 - محمد بن الفضل:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
209 - محمد بن القاسم بن حمزة:
ابن موسى العلوي، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 423.
(2) رجال البرقي: 58.
(3) رجال البرقي: 422.
(4) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 423.
(5) رجال الطوسي: 424.
441
210 - محمد بن مروان الجلاب:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
211 - محمد بن مروان الخطاب:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
212 - محمد بن موسى الربعي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
213 - محمد بن موسى بن فرات:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
214 - محمد بن نوح:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 423، الخلاصة: 142، رجال ابن داود: 183.
(2) رجال الطوسي: 424.
(3) رجال الطوسي: 424.
(4) رجال الطوسي: 425.
(5) رجال البرقي: 58.
442
215 - محمد بن يحيى:
يكنى أبا يحيى البصري، عده الشيخ الطوي من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (1).
216 - محمد بن يحيى بن درياب:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
217 - مسافر:
مولاه (عليه السلام)، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
218 - مصقلة بن إسحاق الأشعري القمي:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
219 - معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 422.
(2) رجال الطوسي: 424.
(3) رجال الطوسي: 421.
(4) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 423.
(5) رجال الطوسي: 424.
443
220 - معلى بن محمد:
له رواية عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (1).
221 - منصور بن العباس:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
222 - موسى بن داود اليعقوبي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
223 - موسى بن عبد الله النخعي:
روى عن الإمام الهادي (عليه السلام) الزيارة الجامعة الكبيرة (4).
224 - موسى بن عمر بن بزيع:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 365.
(2) رجال الطوسي: 423.
(3) رجال الطوسي: 424.
(4) جامع الرواة 2: 278.
(5) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 423.
444
225 - موسى بن محمد الجواد (عليه السلام):
وهو أخو الإمام الهادي (عليه السلام)، ويعرف بموسى المبرقع، وهو جد السادة
الرضوية، ومرقده في قم، وله روايات عن أخيه الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
226 - موسى بن محمد الحضيني:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
227 - موسى بن مرشد الوزان النيسابوري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
228 - نضر بن حازم القمي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
229 - النضر بن محمد الهمداني:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 367.
(2) رجال البرقي: 58، رجال الطوسي: 424.
(3) رجال الطوسي: 425.
(4) رجال الطوسي: 425.
(5) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 425، الخلاصة: 174، رجال ابن داود: 196.
445
230 - هارون بن الفضل:
روى عن الإمام الهادي (عليه السلام) وروى عنه أبو الحسن الميشائي (1).
231 - هارون بن مسلم:
ابن سعدان الكاتب السر من رائي، كان نزلها وأصله الأنبار، ويكنى
أبا القاسم، ثقة وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، من أصحاب الإمام
الهادي والعسكري (عليهما السلام).
له كتاب التوحيد، وكتاب الفضائل، وكتاب الخطب، وكتاب المغازي،
وكتاب الدعاء، وله مسائل لأبي الحسن الثالث (عليه السلام) (2).
232 - هاشم بن هانئ الهمداني المرادي:
من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وكان أبو إسحاق يروي عنه (3).
233 - هبة الله بن أبي منصور:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام)، كما في (المسند) (4).



(1) جامع الرواة 2: 307.
(2) رجال النجاشي: 438 / 1180، رجال ابن داود: 283.
(3) رجال ابن داود: 199.
(4) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 368.
446
234 - يحيى بن أبي بكر الرازي الضرير:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
235 - يحيى بن عبد الرحمن:
ذكره في جامع الرواة من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: روى عنه
إبراهيم بن هاشم (2).
236 - يحيى بن محمد:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
237 - يعقوب بن إسحاق بن السكيت:
قال النجاشي: يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف، كان مقدما عند
أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان يختصانه، وله عن أبي جعفر (عليه السلام) رواية
ومسائل، وقتله المتوكل لأجل التشيع وأمره مشهور.
كان وجيها في علم العربية واللغة، ثقة، مصدقا، لا يطعن عليه، وله كتب
منها: كتاب إصلاح المنطق، كتاب الألفاظ، كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه،



(1) رجال الطوسي: 426.
(2) جامع الرواة 2: 331.
(3) رجال الطوسي: 425.
447
كتاب الأضداد، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المقصور والممدود، كتاب الطير،
كتاب النبات، كتاب الوحش وغيرها (1).
وقال ياقوت الحموي: صيره عبد الله بن يحيى بن خاقان إلى المتوكل، فضم
إليه ولده يؤدبهم، وأسنى له الرزق، فبينما هو مع المتوكل يوما إذ جاء المعتز والمؤيد،
فقال له المتوكل: يا يعقوب، أيما أحب إليك، ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فذكر
الحسن والحسين (عليهما السلام) بما هما أهله، وسكت عن ابنيه، وقال له: إن قنبرا خادم علي
أحب إلي من ابنيك.
فأمر المتوكل الأتراك، فسلوا لسانه، وداسوا بطنه، وحمل إلى بيته، فعاش
يوما وبعض آخر، ومات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة 243 ه‍، وقيل:
سنة 244 ه‍، وقيل: سنة 246 ه‍ (2).
وقال ابن خلكان: إن المتوكل كان كثير التحامل على علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكان ابن السكيت من المغالين في محبتهم والتولي لهم،
فلما قال له المتوكل تلك المقالة، قال ابن السكيت: والله إن قنبرا خادم علي (عليه السلام)
خير منك ومن ابنيك.
فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا ذلك به فمات، وذلك في ليلة
الاثنين لخمس خلون من رجب سنة 244 ه‍، وقيل: سنة 246 ه‍، وقيل: سنة
243 ه‍.
قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل إصلاح



(1) رجال النجاشي: 449، رجال ابن داود: 26.
(2) معجم الأدباء 20: 50.
448
المنطق، ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة، ولا نعرف في
حجمه مثله في بابه (1).
238 - يعقوب البجلي:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
239 - يعقوب بن منقوش:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
240 - يعقوب بن يزيد الكاتب:
ثقة، عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
الكنى
241 - ابن أبي طيفور:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) وفيات الأعيان 6: 400.
(2) رجال الطوسي: 426.
(3) رجال الطوسي: 426.
(4) رجال البرقي: 60، رجال الطوسي: 425.
(5) رجال البرقي: 60.
449
242 - أبو بكر الرازي:
ذكره في (جامع الرواة) من أصحاب الإمام علي الهادي (عليه السلام) (1).
243 - أبو بكر الفهفكي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
244 - أبو الحسن بن رجاء العبرتائي:
عده ابن شهرآشوب من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
245 - أبو الحسين بن الحصين:
في (رجال ابن داود): من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: نزل
الأهواز، ثقة (4).
246 - أبو الحسين بن هلال:
في (الخلاصة) و (رجال ابن داود): من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)،
ثقة (5).



(1) جامع الرواة 2: 369.
(2) رجال الطوسي: 426.
(3) رجال الطوسي: 402.
(4) رجال ابن داود: 216.
(5) رجال الطوسي: 426، الخلاصة: 188، رجال ابن داود: 219.
450
247 - أبو الحصين بن الحصين الحصيني:
في (الخلاصة) و (رجال ابن داود): من أصحاب أبي جعفر الجواد (عليه السلام)،
ثقة، نزل الأهواز، وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (1).
248 - أبو دعامة:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام)، كما في (المسند) (2).
249 - أبو طاهر بن حمزة:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) وقال الشيخ:
أبو طاهر بن حمزة بن اليسع الأشعري، قمي ثقة (3).
وفي (رجال النجاشي): روى عن الرضا (عليه السلام)، وروى عن أبي الحسن
الثالث (عليه السلام) نسخة (4).
250 - أبو طاهر بن محمد:
وأبو الحسن، وأبو المتطبب، بنو علي بن بلال بن راشته المتطبب، عدهم
الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 426، الخلاصة: 187، رجال ابن داود: 216.
(2) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 313.
(3) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 426، الخلاصة: 187، رجال ابن داود: 219.
(4) رجال النجاشي: 460 / 1256.
(5) رجال الطوسي: 427.
451
251 - أبو طاهر البرقي:
عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال:
أخو أحمد بن محمد (1).
252 - أبو الطيب المديني:
قال في (جامع الرواة): أبو الطيب بن علي بن بلال، من أصحاب الإمام
الهادي (عليه السلام) (2).
253 - أبو عبد الله بن أبي الحسين:
عده الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (3).
254 - أبو عبد الله المعاذي:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).
255 - أبو عبد الله المكاري:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (5).



(1) رجال الطوسي: 436.
(2) جامع الرواة 2: 396.
(3) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 426.
(4) رجال البرقي: 59.
(5) رجال الطوسي: 426.
452
256 - أبو علي بن راشد:
عده البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (1).
257 - أبو عمرو الحذاء:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وفي (رجال البرقي):
أبو عمر الحذاء (2).
258 - أبو الغوث المنبجي:
من شعراء آل محمد (عليهم السلام)، وكان يمدح الإمام أبا الحسن الهادي (عليه السلام)، واسمه
أسلم، من أهل منبج، وهو موضع في نواحي حلب، وكان معاصرا للبحتري الوليد
ابن عبيد بن يحيى الطائي، والبحتري يمدح الخلفاء، والمنبجي يمدح أهل البيت (عليهم السلام).
قال من قصيدته الدالية:
إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا * فحسبك من هاد يشير إلى هاد (3)
إلى آخر القصيدة وستأتي في آخر هذا الكتاب.
259 - أبو محمد بن إبراهيم:
عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (4).



(1) رجال البرقي: 57.
(2) رجال البرقي: 59، رجال الطوسي: 426.
(3) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 316.
(4) رجال الطوسي: 426.
453
260 - أبو مقاتل الديلمي:
له رواية عن الإمام الهادي (عليه السلام) كما في (المسند) (1).
261 - أبو يحيى الجرجاني:
وهو أحمد بن داود بن سعيد الفزاري، من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
262 - أبو يعقوب البجلي:
عده البرقي في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وهو إسحاق بن
جرير (3).
263 - أبو يعقوب البغدادي:
ذكره في (جامع الرواة) ممن روى عن الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) (4).
إلى هذا الحد أختم أسماء وتراجم أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) ورواة حديثه.



(1) مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 317.
(2) رجال الطوسي: 426، رجال ابن داود: 222.
(3) رجال البرقي: 58.
(4) جامع الرواة 2: 426.
454
الفصل الخامس عشر
أقوال الأعلام فيه (عليه السلام)
لقد انتزع الإمام الهادي (عليه السلام) إعجاب كبار العلماء والمؤرخين من مسلمين
وغيرهم على اختلاف نزعاتهم ونحلهم وميولهم من عبارات التقدير والإكبار
لشخصه الكريم وشخصيته الفذة، والتي تمثل بعض صفاته الرفيعة وسجاياه الحميدة،
وتفوقه على سائر المعاصرين له، فلم ير مثله في عبادته وتهجده وطاعته لربه
بالإضافة إلى زهده وتقواه، وحسن سيرته، وسلوكه القويم، ورسوخ اليقين في
نفسه، وعلمه الجم وحكمته، وفصاحته وبلاغته.
وإليك بعض صفاته وسجاياه على سبيل المثال لا الحصر.
ويكفي فخرا إنشاؤه زيارة الجامعة الكبيرة وبعض الأدعية المأثورة عنه.
وفي ما يلي نذكر شذرات مما قالوا فيه:
1 - قال الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام):
إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي (1).



(1) بحار الأنوار 50: 118.
455
2 - وقال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، المتوفى سنة 413 ه‍:
كان الإمام بعد أبي جعفر (عليه السلام) ابنه أبا الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام)،
لاجتماع خصال الإمامة فيه، وتكامل فضله، وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت
النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة (1).
3 - وقال القطب الراوندي، المتوفى سنة 573 ه‍:
وأما علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، فقد اجتمعت فيه خصال الإمامة،
وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيرة، وكانت أخلاقه كلها خارقة للعادة كأخلاق
آبائه (عليهم السلام)، وكان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة، وعليه جبة صوف
وسجادته على حصير، ولو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب (2).
4 - وقال ابن شهرآشوب، المتوفى سنة 588 ه‍:
كان (عليه السلام) أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب،
وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلم عليه سيماء البهاء، وهو
من بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاة
مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة (3).



(1) الإرشاد 2: 297.
(2) الأنوار البهية: 246.
(3) المناقب 4: 401، بحار الأنوار 50: 114.
456
5 - وقال كمال الدين بن طلحة، المتوفى سنة 652 ه‍:
وأما مناقبه فمنها ما حل في الآذان محل حلاها بأشنافها، واكتنفه شغفا به
اكتناف اللآلي الثمينة بأصدافها، وأشهد لأبي الحسن أن نفسه موصوفة بنفائس
أوصافها، وأنها نازلة من الدوحة النبوية ذرى أشرافها، وشرفات أعرافها (1).
6 - وقال الشيخ علي بن عيسى الإربلي، المتوفى سنة 692 ه‍:
شرف مولانا الهادي (عليه السلام) قد ضرب على المجرة قبابه، ومد على النجوم
أطنابه، ووصل بأسباب السماء أسبابه، فما تعد منقبة إلا وله نخيلتها، ولا تذكر كريمة
إلا وله فضيلتها، ولا تورد حسنة إلا وله تفصيلها وجملتها، ولا تستعظم حالة سنية
إلا وتظهر عليه أدلتها، استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرد بخصائصه، ومجد
حكم فيه على طبعه الكريم، فحفظه من الشوب حفظ الراعي لقلائصه (2).
فكانت نفسه مهذبة، وأخلاقه مستعذبة، وسيرته عادلة، وخلاله فاضلة،
ومباره إلى العفاة واصلة، ورباع المعروف بوجوده وجوده آهلة، جرى من الوقار
والسكينة والسكون والطمأنينة، والعفة والنزاهة والنباهة، والشفقة والرأفة،
والحزم والحصافة، والحنو على الأقارب والأباعد، والحدب على الولي والحاسد،
على وتيرة نبوية، وشنشنة (3) علوية، ونفس قدسية، لا يقاربها أحد من الأنام
ولا يدانيها، وطريقة لا يشاركها فيها خلق ولا يطمع فيها.



(1) كشف الغمة 3: 164.
(2) القلائص: جمع قلوص.
(3) الشنشنة: العادة الغالبة.
457
إن السري إذا سرى فبنفسه * وابن السري إذا سرى أسراهما
إذا قال بذ (1) الفصحاء، وحير البلغاء، وأسكت العلماء، إن جاد بخل الغيث،
وإن صال جبن الليث، وإن فخر أذعن كل مساجل، وسلم إليه كل مناضل وأقر
لشرفه كل شريف، وإن طاول الأفلاك ونافر الأملاك واعترف أنه ليس هناك، وإن
ذكرت العلوم فهو (عليه السلام) موضح إشكالها، وفارس جلادها وجدالها، وابن نجدتها،
وصاحب أقوالها، واطلاع نجادها، وناصب أعلام عقالها.
هذه صفاته التي تتعلق بذاته، وعلاماته الدالة على معجز آياته، فإن أتى
الناس بآبائهم أتى بقوم أخبر بشرفهم هل أتى، ودلت على مناصبهم آية المباهلة،
وإن عنا عن قبولها من عنا، ونطق القرآن الكريم بفضلهم، ونبه الرسول (صلى الله عليه وآله) على
نبلهم، ولم يسأل على التبليغ أجرا إلا ودهم، وبالغ في العهد بهم: أن أحسنوا
خلافتي في أهلي، فما حفظوا عهده ولا عهدهم.
فهم (عليهم السلام) أمناء الله وخيرته، وخلفاؤه على بريته وصفوته، المشار إليهم
بآداب القرآن المجيد، المخاطبون ب‍ (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع
وهو شهيد) (2) الذين هم على أولياء الله أرق من الماء، وعلى أعدائه أقسى من الحديد.
وأجواد والسحاب باخل، أيقاظ في اللقاء والليث ذاهل، قلوبهم حاضرة،
ووجوههم ناضرة، وألسنتهم ذاكرة، وإذا كان لغيرهم دنيا فلهم دنيا وآخرة، صلى
الله عليهم صلاة يقتضيها كرم الله، واستحقاقهم الكامل، وهذان سببان يوجبان
الحصول لوجود الفاعل والقابل (3).



(1) بذه: فاقه وسبقه.
(2) ق: 37.
(3) كشف الغمة 3: 189.
458
7 - وقال الذهبي، المتوفى سنة 748 ه‍:
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن زين العابدين، السيد
الشريف، أبو الحسن العلوي الحسيني الفقيه، أحد [الأئمة] الاثني عشر، وتلقبه
الإمامية الهادي (1).
8 - وقال ابن عنبة، المتوفى سنة 828 ه‍:
أما علي الهادي، فيلقب بالعسكري، لمقامه بسر من رأى، وكانت تسمى
العسكر، وأمه أم ولد، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل (2).
9 - وقال ابن حجر الهيتمي، المتوفى سنة 979 ه‍:
علي العسكري، سمي بذلك لأنه لما وجه المتوكل لإشخاصه من المدينة
المنورة إلى سر من رأى، أسكنه بها، وكانت تسمى العسكر، فعرف بالعسكري،
وكان وارث أبيه علما وسخاء... (3).
10 - ويقول ابن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 ه‍:
أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفر



(1) تأريخ الإسلام، وفيات سنة 251 - 260: 218.
(2) عمدة الطالب: 199.
(3) الصواعق المحرقة: 207.
459
الصادق العلوي الحسيني المعروف بالهادي، كان فقيها إماما متعبدا، وهو أحد الأئمة
الاثني عشر (1).
11 - وقال اليافعي:
أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن
جعفر الصادق العلوي الحسيني، عاش أربعين سنة، وكان متعبدا فقيها إماما (2).
12 - وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراني، المتوفى سنة 1389 ه‍:
كان الإمام الهادي أجل إخوته، وارث علم آبائه وسخائهم، وإنما انتقلت
وانحصرت الإمامة فيه خاصة دون إخوته المذكورين، لتوفر شروط الإمامة فيه،
وهي العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء مما لا يؤثر في الرأي
والعمل، والنسب القرشي العربي (3).
13 - وقال خير الدين الزركلي، المتوفى سنة 1396 ه‍:
أبو الحسن العسكري، علي الملقب بالهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن
موسى بن جعفر الحسيني الطالبي، عاشر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وأحد
الأتقياء الصلحاء (4).



(1) شذرات الذهب 2: 128.
(2) مرآة الجنان 2: 119.
(3) حياة الإمام الهادي (عليه السلام): 32، عن شجرة السبطين.
(4) الأعلام 5: 140.
460
الفصل السادس عشر
بقعته وزيارته (عليه السلام)
سامراء:
سامراء هي البلدة التي تحتوي على مرقد الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)،
وهي منطقة عذبة الماء، طيبة الهواء، قليلة الداء.
قال الإمام الهادي (عليه السلام) يوما لأبي موسى من أصحابه: أخرجت إلى سر من
رأى كرها، ولو أخرجت عنها أخرجت كرها. قال: قلت: ولم يا سيدي؟
فقال (عليه السلام): لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلة دائها (1).
وهذه البقعة الطاهرة هي مزار المسلمين عموما والشيعة خصوصا لتشرفها
بضم جسدين طاهرين من أئمة أهل البيت الأطهار، وأصبحت إحدى العتبات
المقدسة التي يؤمها الشيعة لزيارة الإمامين الهادي وابنه الحسن العسكري (عليهما السلام).
المعنى اللغوي:
لفظة سامراء معناها طريق سام، وكان سام بن نوح على ما يزعمون إن أتى



(1) المناقب 4: 417.
461
جوفي في فصل الشتاء مر عليها، أو أن لفظ (سا) أتاوة الملك، ولفظ (مرا) عدد،
وكان كسرى يأخذ الخراج في ذلك الموضع، وصحفت على كلا القولين بالهمز
والتشديد في حرفين (1).
وقيل: إن هذه اللفظة مركبة تركيب جملة، وأصلها:
سر من رأى، وقد صارت بالنحت وكثرة الاستعمال سامراء.
قال الطريحي: سامراء: المدينة التي بناها المعتصم، ودفن فيها علي
الهادي (عليه السلام) والحسن العسكري (عليه السلام)، وفيها لغات: سر من رأى، وسر من رأى
- بضم السين وفتحها - وساء من رأى، وسامرا (2).
نبذة تأريخية:
كانت بغداد دار الملك وبها سرير الملك بعد المنصور، إلا أن هارون الرشيد
أحب الرقة بالشام فأقام بها، ومع ذلك فكانت الرقة له كالمتنزه، وقصوره وخزائنه
في بغداد بقصر الخلد، ومن ولي بعده من خلفاء بني العباس كان سرير ملكهم
ببغداد.
فلما كانت أيام المعتصم خاف من بها من العسكر، ولم يثق بهم، فقال:
اطلبوا لي موضعا أخرج إليه، وأبني فيه مدينة وأعسكر به، فإنه رابني من عساكر
بغداد حوادث، وكنت قادرا على أن آتيهم في البر وفي الماء، فوقع اختياره على
سامراء فبناها وخرج إليها.



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 139.
(2) مجمع البحرين 2: 661، تحقيق مؤسسة البعثة.
462
وقيل: إن المعتصم استكثر من المماليك، فضاقت بهم بغداد، وتأذى بهم
الناس، وزاحموهم في دورهم، وتعرضوا بالنساء، فكان في كل يوم ربما قتل منهم
جماعة، فركب وصلى بالناس العيد وسار إلى موضع سامراء فارتادها للأجناد
واختارها (1).
ثم بنى ما شاء من دساكر، فسر من رأى من العساكر، فسميت سر، وسر من
رأى، وسامرا، وسر من رأى، وسرى، وسميت عسكر، ومعناه مجتمع الجنود،
وسميت ساء من رأى بعدما انهدم البناء بها، عمرت سنة 221 ه‍، وهدمت سنة
279 ه‍. فكان عمر ازدهارها لا يتجاوز الستين عاما.
ولما صفا الهواء للمتوكل، واستوى على عرش الملك في سامراء، أصغى إلى
وشاية الأعادي، واستقدم الإمام علي الهادي (عليه السلام)، فجاء هو وابنه الحسن، وظل
يعفى تارة، ويسجن أخرى، حتى سمه المعتز سنة 254 ه‍، وكان المهدي بن
الحسن (عليه السلام) ولد في تلك السنة، ثم قضى الإمام الحسن (عليه السلام) سنة 260 ه‍ سمه
المعتمد (2).
وبعد وفاة الإمامين العسكريين اتخذ شيعتهما مرقديهما مزارين، فبنوا حولهما
العمارات، وأنشأوا الدور والمنازل العامة، فحافظت المدينة على عمرانها ووضعها
إلى ما بعد انقراض دولة بني العباس.
ثم شيد ناصر الدولة الحمداني الدار والجدث، وكلل الضريح بالستور،
وحاط سر من رأى بسور سنة 333 ه‍.



(1) الفخري: 231.
(2) موسوعة العتبات المقدسة 12: 139.
463
ثم شاده معز الدولة البويهي، فأسس الدعائم، وعمر القبة والسرداب،
ورتب القوام والحجاب، ورفع الضريح بالأخشاب، وملأ الحوض بالتراب، إذ صار
كالبئر، لأن الناس كانوا يأخذون التراب منه للبركة، وذلك لأن العسكري (عليه السلام)
كان يتوضأ به أحيانا، وجدد الصحن وسوره، وطرز البناء، وأكمل عمارته
الحمداني سنة 337 ه‍.
ثم سيج عضد الدولة البويهي الروضة بالساج، وستر الضريح بالديباج،
وعمر الأروقة، ووسع الصحن، وشيد السور، وذلك في سنة 368 ه‍.
ثم ترك الأمير أرسلان بغداد، وحل تكريت، وعمر القبة، والضريح وعمل
الصندوق من الساج، وجعل الرمان فيه من ذهب، وذلك في سنة 445 ه‍.
ثم جدد بركيا روت السلجوقي الأبواب، وسيج الروضة، ورمم القبة
والرواق والصحن والدار، على يد الوزير مجد الدولة في سنة 495 ه‍.
ثم عمر الناصر العباسي القبة والمآذن، وزين الروضة، وعقد السرداب،
ومنع أن يأخذ أحد ترابا من الحوض، وكتب أسماء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) على
نطاق العقد، على يد الشريف معد بن محمد بن معد سنة 606 ه‍ (1).
وفي سنة 640 ه‍ وقع حريق في المشهد المقدس، فأتى على ضريحي علي
الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام)، فتقدم الخليفة المستنصر بالله بعمارة المشهد
المقدس والضريحين الشريفين، وإعادتهما إلى أجمل حالاتهما، وكان الضريحان مما
أمر بعملهما أرسلان البساسيري (2).



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 141 - 142.
(2) موسوعة العتبات المقدسة 12: 133.
464
ثم أبدل المستنصر الصندوق بعد الحريق، وجعله من الساج، وعمر الروضة
والسياج على يد السيد جمال الدين أحمد بن طاووس (رحمه الله) سنة 640 ه‍.
ثم زين أبو أويس حسن الجلائري الضريح، وشيد القبة، وعمل البهو، وشاد
الدار، ونقل المقابر التي في الصحن إلى الصحراء، وذلك في سنة 750 ه‍.
ثم زين الشاه حسين الصفوي الروضة بالساج، ودعم البناء، وعمل الشباك
من الفولاذ، ورخم الأرض والدور، سنة 1106 ه‍.
ثم عمر أحمد الدنبلي البرمكي الروضة والسرداب، وبدل بابه وأخشابه
بالحجر الصوان والرخام، وكان وكيله الميرزا السلماسي، وتوفي الدنبلي ولما يكمل
البناء، وبقي السلماسي ينفق عليه، وذلك سنة 1200 ه‍.
ثم واصل البناء ابنه حسين الدنبلي، وأكمل البهو والأبواب، وزين جامع
السرداب، وكتب الآيات على الأركان، وزين القبة بالكاشي، وحفر قبرا له مع أبيه
في الرواق، وذلك على يد الميرزا السلماسي أيضا، سنة 1225 ه‍.
ثم جدد ناصر الدين شاه القاجاري الشباك، وذهب القبة، وعمر الضريح
والرواق والقبة والصحن والمآذن والدار، ورخم الروضة والرواق والبهو والصحن،
وشرع الأبواب ورمم السور - الذي بناه الدنبلي من قبل - وذلك على يد شيخ
العراقين الشيخ عبد الحسين الرازي سنة 1285 ه‍.
ووسعت في زمان الملك فيصل الأول الطرق بين الدور، وذلك سنة 1341 ه‍.
وهكذا في زمان الملك غازي الأول سنة 1352 ه‍، وفيصل الثاني سنة
1359 ه‍.
ونورت الروضة بالكهرباء سنة 1349 ه‍، وعملت إسالة الماء سنة 1343 ه‍ (1).



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 142.
465
إلى هنا نكتفي بسرد الوقائع التأريخية لتعمير وتجديد الروضة المطهرة
للإمامين العسكريين (عليهما السلام).
وإليك أهم الحوادث التأريخية التي جرت للمشهد المقدس بصورة موجزة،
مع ذكر بعض المشاهير المدفونين في روضة الإمامين المقدسة.
أهم الحوادث:
سنة 260 ه‍ سجن سراري الإمام الحسن (عليه السلام).
سنة 279 ه‍، عاد المعتضد إلى بغداد بعد الفتنة.
سنة 640 ه‍، احتراق المشهد بسبب الشمع.
سنة 1106 ه‍، احتراق المشهد أيضا.
سنة 1356 ه‍، سرقة لوحتين من الذهب، وقطع من الفضة.
وفيات المشاهير ومقابرهم بسامراء:
1 - السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد، عمة الإمام العسكري (عليه السلام)، سنة
274 ه‍.
2 - السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، أم المهدي سنة
260 ه‍.
3 - أبو هاشم، داود، من ذرية عبد الله بن جعفر، سنة 261 ه‍.
4 - أحمد الدنبلي الخوئي، سلطان خوي، سنة 1200 ه‍.
5 - ابنه الحسين بن أحمد الدنبلي الخوئي، سنة 1207 ه‍.
6 - محمود الطهراني، سنة 1304 ه‍.

466
7 - مهدي الشيرازي، سنة 1308 ه‍.
8 - أسد الله الطبيب الشيرازي أخو الميرزا محمد حسن الشيرازي، سنة
1311 ه‍.
9 - إبراهيم النوري، سنة 1320 ه‍.
10 - محسن الزنجاني، سنة 1321 ه‍.
11 - رضا بن هادي الهمداني، سنة 1320 ه‍ (1).
فضل زيارته (عليه السلام):
1 - قيل للإمام الصادق (عليه السلام): ما لمن زار أحدا منكم؟
قال (عليه السلام): كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
2 - وروى الشيخ الطوسي في الأمالي بالإسناد عن المنصوري، عن عم أبيه
- في حديث طويل - قال: قلت للإمام الهادي (عليه السلام): يا سيدي، فتعلمني دعاء
أختص به من الأدعية.
فقال (عليه السلام): هذا الدعاء كثيرا ما أدعو الله به، وقد سألت الله أن لا يخيب من
دعا به في مشهدي بعدي، وهو:
" يا عدتي عند العدد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسند، ويا واحد
يا أحد، يا قل هو الله أحد، أسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 143.
(2) المناقب 4: 401.
467
خلقك مثلهم أحدا، أن تصلي عليهم، وتفعل بي كيت وكيت " (1).
3 - وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) في زيارة الإمامين العسكريين (عليهما السلام):
اعلم أن زيارتهما (صلوات الله عليهما) في الأوقات والأيام الشريفة
والأزمان المختصة بهما أفضل وأنسب، كيوم ولادة الإمام الهادي (عليه السلام) وهو في
النصف من ذي الحجة، وبرواية ابن عياش ثاني رجب، أو خامسه، وبرواية
إبراهيم بن هاشم ثالث عشر رجب، والأول أشهر، ولكن كونه في رجب قد ورد به
الخبر، ويوم وفاته وهو ثالث رجب برواية إبراهيم بن هاشم وغيره، أو ثانيه
وخامسه على بعض الأقوال، أو لأربع بقين من جمادى الآخرة برواية الشيخ
الكليني، ويوم إمامته وهو آخر ذي القعدة أو الحادي عشر منه.
ويوم ولادة الإمام العسكري (عليه السلام) وهو عاشر ربيع الثاني على قول المفيد
والشيخ، أو ثامنه على قول الطبرسي، أو رابعه على قول الشهيد، ويوم وفاته وهو
ثامن ربيع الأول على قول الشيخ الكليني والشيخ الطوسي في التهذيب والطبرسي
والشهيد (رحمهم الله)، أو أوله على قول الشيخ الطوسي في المصباح، ويوم انتقال الخلافة
إليه، وهو يوم وفاة والده صلوات الله عليهما (2).
4 - وقال الصدوق (رحمه الله):
إذا أردت زيارة قبريهما (عليهما السلام) فاغتسل وتنظف، والبس ثوبيك الطاهرين،



(1) بحار الأنوار 50: 127.
(2) بحار الأنوار 102: 78.
468
فإن وصلت إلى قبريهما، وإلا أومأت من عند الباب الذي على الشارع وتقول:
" السلام عليكما يا وليي الله، السلام عليكما يا حجتي الله، السلام عليكما
يا نوري الله في ظلمات الأرض، أتيتكما عارفا بحقكما، معاديا لأعدائكما،
مواليا لأوليائكما، مؤمنا بما آمنتما به، كافرا بما كفرتما به، محققا لما حققتما، مبطلا
لما أبطلتما.
أسأل الله ربي وربكما أن يجعل حظي من زيارتي إياكما الصلاة على محمد
وآله، وأن يرزقني مرافقتكما في الجنان مع آبائكما الصالحين، وأسأله أن يعتق رقبتي
من النار، وأن يرزقني شفاعتكما ومصاحبتكما، ويعرف بيني وبينكما، ولا يسلبني
حبكما وحب آبائكما الصالحين، وأن لا يجعله آخر العهد من زيارتكما، وأن يجعل
محشري معكما في الجنة برحمته.
اللهم ارزقني حبهما، وتوفني على ملتهما، اللهم العن ظالمي آل محمد حقهم،
وانتقم منهم، اللهم العن الأولين منهم والآخرين، وضاعف عليهم العذاب الأليم،
وبلغ بهم وبأشياعهم ومحبيهم وشيعتهم أسفل درك من الجحيم، إنك على كل شيء
قدير، اللهم عجل فرج وليك وابن وليك، واجعل فرجنا مع فرجه يا أرحم
الراحمين ".
قال:
وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك، وصل عندهما لكل زيارة ركعتين
ركعتين، وإن لم تصل إليهما دخلت بعض المساجد وصليت لكل إمام لزيارته ركعتين
ركعتين، وادع الله بما أحببت، إن الله قريب مجيب (1).



(1) الفقيه 2: 607، كامل الزيارات: 314.
469
هذا وقد وردت عن أعلام الإمامية الثقات زيارات كثيرة للإمام
الهادي (عليه السلام)، اقتصرنا على رواية الشيخ الصدوق وابن قولويه المتقدمة آنفا، ولو
أوردناها جميعا لطال بنا المقام، لذا نكتفي بالإشارة إلى مظانها (1).



(1) التهذيب 6: 94 - 95، بحار الأنوار 102: 63 - 78، الوسائل 14: 571، مستدرك
الوسائل 10: 362، مسند الإمام الهادي (عليه السلام): 64 - 76.
470
الفصل السابع عشر
في رحاب المدح والرثاء
لقد تصدى كثير من الشعراء الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) من المتقدمين
والمتأخرين وعلى مر العصور، لمدح الإمام الهمام أبي الحسن علي بن محمد
الهادي (عليه السلام) ورثائه وتعداد مناقبه ومكارم أخلاقه وكراماته الظاهرة في حياته
وبعد شهادته، وصوروا ما يخالج نفوسهم وخواطرهم من ولاء وود لعترة المصطفى
الطاهرين (صلى الله عليه وآله).
وفيما يلي نماذج مختارة مما قيل في حقه (عليه السلام) من قصائد ومقاطع شعرية تصور
جوانب من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) وتبين فضائله ومناقبه وتأريخه ومظلوميته
وشهادته (عليه السلام)، وقد رتبناها وفقا للتسلسل الحرفي لأسماء الشعراء مع ذكر ترجمة
مختصرة لبعض منهم:
1 - أبو بديل التميمي:
قال ابن شهرآشوب: وأنشد فيه أبو بديل التميمي:
أنت من هاشم بن مناف ب‍ * ن قصي في سرها المختار
في الباب والأرفع الأر * فع منهم وفي النضار النضار (1)



(1) مناقب ابن شهرآشوب 4: 418، والنضار: الذهب، والخالص من كل شيء.
471
2 - أبو هاشم الجعفري (1):
روى عبد الله بن عياش، بإسناده عن أبي هاشم الجعفري فيه وقد اعتل (عليه السلام):
مادت الأرض بي وأدت فؤادي * واعترتني موارد العرواء (2)
حين قيل: الإمام نضو (3) عليل * قلت: نفسي فدته كل الفداء
مرض الدين لاعتلالك واعتل * وغارت له نجوم السماء
عجبا إن منيت بالداء والسق‍ * م وأنت الإمام حسم الداء
أنت آسي الأدواء في الدين والدن‍ * يا ومحيي الأموات والأحياء (4)
3 - السيد أحمد الموسوي:
قال مؤرخا تجديد ضريحي العسكريين (عليهما السلام) بسامراء:
إلى مهرجان أقام الهدى * له حفلات باسمي معرس



(1) كان أبو هاشم الجعفري من أحفاد جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)، جليل القدر، عظيم المنزلة عند
الإمام الجواد والهادي (عليهما السلام)، واسمه داود بن القاسم الجعفري، ذكره الشيخ في الرجال من
أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، وقال: داود بن القاسم الجعفري، أبو هاشم، ثقة، وقال في
الفهرست: داود بن القاسم الجعفري، يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر، عظيم
المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام)، شاهد الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر (عليهم السلام)، وكان
مقدما عند السلطان، وله كتاب، روى عنه أحمد بن أبي عبد الله. مسند الإمام الهادي (عليه السلام):
337 / 83.
(2) العرواء: برد الحمى أول مسها.
(3) النضو: المهزول.
(4) إعلام الورى: 366.
472
رأت (سر من را) ومن أمها * ضريحا على خير مثوى يؤسس
نعم هو مثوى هداة الأنام * كأن النبي بمغناه يرمس
به شيد الحق تأريخه * (وجدد نصب ضريح مقدس) (1)
4 - الشيخ أحمد النحوي:
قال مصدرا، والأعجاز لولده الشيخ محمد رضا، وقد نظماها في طريق
سامراء من قصيدة:
رحها فقد لاحت لديك المعاهد * وعما قليل للديار تشاهد
وتلك القباب الشامخات ترفعت * ولاحت على بعد لديك المشاهد
وقد لاحت الأعلام أعلام من لهم * حديث المعالي قد رواه (مجاهد)
حثثنا إليها العيس قد شفها النوى * وقد أخذت منها السرى والفدافد (2)
نؤم بها دار العلى (سر من رأى) * ديار لآل الله فيها مراقد
ديار بها الهادي إلى الرشد وابنه * ونجل ابنه والكل في الفضل واحد
وله من قصيدة عند زيارته الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء:
فيا ابن النبي المصطفى وسميه * ومن بيديه الحل في الكون والعقد
إليك حثثناها خفافا عيابها * على ثقة أن سوف يوقرها الرفد
فألوت على دار أناخ بها الندى * وألقى عليها فضل كلكله المجد
فعوجا فهذا السر من (سر من رأى) * يلوح فقد تم الرجا وانتهى القصد
وهاتيك ما بين السراب قبابهم * فآونة تخفى وآونة تبدو (3)



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 113.
(2) الفدفد: الأرض المستوية الواسعة لا شيء فيها.
(3) موسوعة العتبات المقدسة 12: 114.
473
5 - أبو الغوث أسلم بن مهوز المنبجي (1):
روى أحمد بن محمد بن عياش، عن عبد المنعم بن سعيد العبادي، قال:
أنشدني الحسن بن مسلم أن أبا الغوث المنبجي شاعر آل محمد (صلى الله عليه وآله) أنشده بعسكر
سر من رأى:
ولهت إلى رؤايكم وله الصادي * يذاد عن الورد الروي بذواد
محلى عن الورد (2) اللذيذ مساغه * إذا طاف وراد به بعد وراد
فأعليت فيكم كل هوجاء جسرة * ذمول (3) السرى تقتاد في كل مقتاد
أجوب بها بيد الفلا وتجوب بي * إليك وما لي غير ذكرك من زاد
فلما تراءت سر من را تجشمت * إليك تعوم الماء في مفعم الوادي
إذا ما بلغت الصادقين بني الرضا * فحسبك من هاد يشير إلى هادي
مقاويل إن قالوا بهاليل (4) إن دعوا * وفاة بميعاد كفاة لمرتاد
إذا وعدوا أعفوا وإن وعدوا وفوا * فهم أهل فضل عند وعد وإيعاد
كرام إذا ما أنفقوا المال أنفدوا * وليس لعلم أنفقوه من إنفاد



(1) هو أبو الغوث المنبجي، شاعر آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان معاصرا للبحتري، فالبحتري يمدح
الملوك، وهو يمدح آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان البحتري ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث. المجالس
السنية 5: 657.
(2) أي ممنوع من الماء.
(3) الجسرة: الناقة الضخمة، والذمول: السريعة في السير.
(4) البهلول: السيد الجامع لصفات الخير والكمال.
474
ينابيع علم الله أطواد دينه * فهل من نفاد إن علمت لأطواد
نجوم متى نجم خبا مثله بدا * فصلى على الخابي المهيمن والبادي
عباد لمولاهم موالي عباده * شهود عليهم يوم حشر وإشهاد
هم حجج الله اثنتا عشرة متى * عدوت فثاني عشرهم خلف الهادي
بميلاده الأنباء جاءت شهيرة * فأعظم بمولود وأكرم بميلاد (1)
6 - الشيخ بهاء الدين العاملي (2):
قال في مدح الإمامين العسكريين (عليهما السلام):
أسرع السير أيها الحادي * إن قلبي إلى الحمى صادي
وإذا ما رأيت من كثب * مشهد العسكري والهادي
فالثم الأرض خاضعا فلقد * نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم * يا سقاه الإله من نادي



(1) المجالس السنية 5: 658، بحار الأنوار 50: 217، مقتضب الأثر: 49.
(2) هو الشيخ بهاء الدين أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الصمد، الحارثي الهمذاني
العاملي، ولد في بعلبك نحو سنة 953 ه‍، وفي أيام الدولة الصفوية هاجر أبوه إلى إيران، فحظي
الشيخ البهائي بمنزلة رفيعة لدى الشاه عباس الأول، وارتقى منصب شيخ الإسلام، وسافر إلى
عدة بلدان كالبيت الحرام ومدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) والعراق ومصر والشام والقدس وهرات
وغيرها، ثم عاد إلى إصفهان، وله مؤلفات عديدة في الحديث والدراية والتفسير والرجال
والدعاء والفقه وأصوله والنحو والشعر والبلاغة والصرف وعلم الهيئة والحكمة والتأريخ
والأدب وغيرها، وله كرامات معروفة، وتوفي في إصفهان سنة 1031 ه‍، ونقل جثمانه إلى
مشهد المقدسة. مقدمة كتاب الأربعين للبهائي: 5 - 48.
475
فأغضض الطرف خاضعا ولها * واخلع النعل إنه الوادي (1)
7 - الشيخ جابر الكاظمي (2):
قال من قصيدة بمناسبة تعمير مشهد العسكريين (عليهما السلام) في سامراء الذي تم
سنة 1285 ه‍:
شمس قدس أبى سناها الغيابا * قد أنارت من العراق الرحابا
سامرت (سامراء) منها ذكاء (3) * نورها أذهب الظلام ذهابا
تأخذ الشمس أهبة من ضياها * ثم تهدي إلى النهار إهابا (4)
8 - الشيخ حسين الدرازي (5):
قال في رثاء الإمام الهادي (عليه السلام):



(1) بهاء الدين العاملي - للدكتور محمد التونجي: 102.
(2) هو الشيخ جابر بن عبد الحسين بن عبد الحميد الكاظمي، شاعر وأديب، ولد بالكاظمية
سنة 1222 ه‍، وتوفي سنة 1313 ه‍، ومن آثاره: ديوان شعر اسمه (سلوة الغريب وأهبة
الأديب)، والدرر واللآلئ في تخميس القصيدة الأزرية. نقباء البشر 1: 274، معجم المؤلفين
3: 106.
(3) ذكاء: اسم للشمس.
(4) موسوعة العتبات المقدسة 12: 118.
(5) هو الشيخ حسين بن محمد بن أحمد الدرازي البحراني، المعروف بالشيخ حسين عصفور،
كان يضرب به المثل في قوة الحافظة، له نحو 35 مؤلفا في فنون شتى، وله شعر ومنظومات
عدة، توفي سنة 1216 ه‍، وقيل غير ذلك. أعيان الشيعة 6: 140، مستدرك أعيان الشيعة
2: 93.
476
فيا قلبي المضنا أدم في صبابة * إلى أن تقوم الناس في الحشر والنشر
فإن عليا خير من وطأ الثرى * وصي رسول الله في العلم والسر
قضى وهو مسموما فوا لهفتي له * ويا طول حزني ما بقيت من الدهر
لقد أصبح الدين الحنيفي ثاويا * على الأرض ملحودا وقد ضم في القبر
على الدار من بعد الوصي عليها * سلام مدى الأيام في منتهى العمر
أيقتل مسموما على غير جرمه * وتهتك أسرار الشرائع والأمر (1)
9 - السيد حيدر الحلي (2):
قال في مدح الإمامين العسكريين (عليهما السلام):
زان سامرا وكانت عاطلا * تتشكى من محليها الجفاءا
وغدت أفناؤها آنسة * وهي كانت أوحش الأرض فناءا
حيي فيها المرقد الأسنى وقل: * زادك الله بهاء وسناءا
إنما أنت فراش للأولى * جعل الله السماء فيهم بناءا
ما حوت أبراجها من شهبها * كوجوه فيك فاقتها بهاءا
قد توارت فيك أقمار هدى * ودت الشمس لها تغدو فداءا



(1) مجموعة وفيات الأئمة (عليهم السلام): 387.
(2) هو حيدر بن سليمان بن داود بن حيدر الحلي، أديب وناثر وشاعر، ولد في الحلة، وتوفي بها
سنة 1304 ه‍، ودفن في النجف الأشرف، من آثاره: ديوان شعر كبير، دمية القصر في شعراء
العصر، العقد المفصل، الأشجان في مراثي خير إنسان. معجم المؤلفين 4: 90، هدية العارفين
1: 342، شعراء الحلة 2: 331، إيضاح المكنون 1: 499.
477
أبدا تزداد في العليا سنى * وظهورا، كلما زيدت خفاءا
ثم ناد القبة العليا وقل * طاولي يا قبة الهادي السماءا
بمعالي العسكريين اشمخي * وعلى أفلاكها زيدي علاءا
واغلبي زهر الدراري في السنا * فبك العالم لا فيها أضاءا
خطك الله تعالى دارة * لذكائي شرف فاقا ذكاءا (1)
وقال في فضل بقعتهما (عليهما السلام):
أدم ذكرها يا لسان الزمان * وفي نشرها فمك العاطر
وهن بها (سر من را) ومن * به ربعها آهل عامر
وقل يا تقدست من بقعة * بها يغفر الزلة الغافر (2)
10 - السيد صالح النجفي (3):
قال من قصيدة في رثائه (عليه السلام):
لقد مني الهادي على ظلم جعفر * بمعتمد في ظلمه والجرائم
أناخت له غدرا يدا المتوكل * ومعتمد في الجور غاش وغاشم



(1) ديوان السيد حيدر الحلي 1: 29 - 30.
(2) موسوعة العتبات المقدسة 12: 124.
(3) هو السيد صالح بن مهدي بن رضي الحسيني النجفي الشهير بالقزويني، أديب وشاعر، ولد
في النجف سنة 1208 ه‍، وتوفي سنة 1306 ه‍ في بغداد، ودفن بالنجف، وترك من الآثار:
الدرر الغروية في رثاء العترة المصطفوية، وديوان شعر كبير. معجم المؤلفين 5: 14.
478
وأشخص رغما عن مدينة جده * إلى الرجس إشخاص المعادي المخاصم
ولاقى كما لاقى من القوم أهله * جفاء وغدرا وانتهاك محارم
وعاش بسامراء عشرين حجة * يجرع من أعداه سم الأراقم
بنفسي مسجونا غريبا مشاهدا * ضريحا له شقته أيدي الغواشم
بنفسي موتورا عن الوتر مغضيا * يسالم أعداء له لم تسالم
بنفسي مسموما قضى وهو نازح * عن الأهل والأوطان جم المهاضم
بنفسي من تخفى على القرب والنوى * مواليه من ذكر اسمه في المواسم
فهل علم الهادي إلى الدين والهدى * بما لقي الهادي ابنه من مظالم
وهل علم المولى علي قضى ابنه * علي بسم بعد هتك المحارم
وهل علمت بنت النبي محمد * رمتها الأعادي في ابنها بالقواصم
سقى أرض سامراء منهمر الحيا * وحيا مغانيها هبوب النسائم

479
معالم قد ضمن أعلام حكمة * بنور هداها يهتدي كل عالم
لئن أظلمت حزنا لكم فلقربما * تضيء هنا منكم بأكرم قائم
ومنتدب لله لم يثنه الردى * وفي الله لم تأخذه لومة لائم
ويملأ رحب الأرض بالعدل بعد ما * قد امتلأت أقطارها بالمظالم
إمام هدى تجلو كواكب عدله * من الجور داجي غيه المتراكم
به ندرك الأوتار من كل واتر * وينتصف المظلوم من كل ظالم (1)
11 - الشيخ عبد الحسين الحويزي (2):
قال مادحا الإمام علي الهادي (عليه السلام):
بك أرض سامراء أشرق نورها * فمحت دجاها بالسنا المتوقد
وعلت بهيكلك الشريعة مسندا * والسمك يعلو بارتفاع الأعمد



(1) المجالس السنية 5: 656.
(2) هو الشيخ عبد الحسين بن عمران الحويزي، شاعر احترف التجارة بعد الخياطة، ولد في
عام 1287 ه‍، وقيل 1289 في النجف، توفي سنة 1957 م في كربلاء ونقل جثمانه إلى النجف
حيث دفن هناك. أعيان الشيعة 7: 449، شعراء من كربلاء 1: 253.
480
ونزلت كالبيت العتيق مكانة * زينتها في نائل متجدد (1)
12 - علي بن عيسى الإربلي (2):
قال علي بن عيسى الإربلي: وقد مدحت مولانا أبا الحسن (عليه السلام) بما أرجو
ثوابه في العاجل والآجل، وأنا معترف بالتقصير، والله عند لسان كل قائل، وهو:
يا أيهذا الرائح الغادي * عرج على سيدنا الهادي
واخلع إذا شارفت ذاك الثرى * فعل كليم الله في الوادي
وقبل الأرض وسف تربة * فيها العلى والشرف العادي
وقل: سلام الله وقف على * مستخرج من صلب أجواد
مؤيد الأفعال ذو نائل * في المحل يروي غلة الصادي
يفوق في المعروف صوب الحيا * الساري بإبراق وإرعاد
في البأس يردي شأفة المعتدي * بصولة كالأسد العادي
وفي الندى يجري إلى غاية * بنفس مولى العرف معتاد
يعفو عن الجاني ويعطي المنى * في حالتي وعد وإيعاد
كأن ما يحويه من ماله * دراهم في كف نقاد
مبارك الطلعة ميمونها * وماجد من نسل أمجاد
من معشر شادوا بناه العلى * كبيرهم والناشي الشادي



(1) موسوعة العتبات المقدسة 12: 126.
(2) هو الشيخ علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، بهاء الدين، أبو الحسن، أديب وناثر وشاعر
ومؤرخ، من تصانيفه: كشف الغمة في معرفة الأئمة (عليهم السلام)، المقامات الأربع، رسائل الطيف في
الإنشاء، نزهة الأخيار، وله شعر، وتوفي سنة 692 ه‍. معجم المؤلفين 7: 163، الوافي
بالوفيات 12: 135، كشف الظنون: 1492، الأنوار الساطعة: 107.
481
كأنما جودهم واقف * لمبتغي الجود بمرصاد
عمت عطاياهم وإحسانهم * طلاع أغوار وأنجاد
في السلم أقمار وإن حاربوا * كانت لهم نجدة آساد
ولاؤهم من خير ما نلته * وخير ما قدمت من زاد
إليهم سعيي وفي حبهم * ومدحهم نصي وإسنادي
يا آل طه أنتم عدتي * ووصفكم بين الورى عادي
وشكركم دأبي وذكري لكم * همي وتسبيحي وأورادي
ويعجب الشيعة ما قلته * فيكم ويستحلون إيرادي
بدأتم بالفضل وارتحتم * إلى العلى والفضل للبادي
ولي أمان فيكم جمة * تقضي بإقبالي وإسعادي
وواجب في شرع إحسانكم * أنالني الخير وإمدادي
لا زال قلبي لكم مسكنا * في حالتي قربي وإبعادي (1)
13 - السيد محسن الأمين العاملي (2):
قال (رحمه الله) يرثي الإمام (عليه السلام)، وقد أنشأها في سنة 1327 ه‍:



(1) كشف الغمة 3: 90 - 191.
(2) هو السيد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي، من أشهر علماء عصره، ولد في
شقراء من قرى لبنان سنة 1284 ه‍، وانتخب عضوا في المجمع العلمي بدمشق، وتوفي في
بيروت سنة 1371 ه‍، وترك من الآثار: أعيان الشيعة، الرحيق المختوم (شعر)، الحصون
المنيعة، تحفة الأحباب في آداب الطعام والشراب، وغيرها كثير. شعراء الغري 7: 255
الأعلام للزركلي 5: 287.
482
يا راكب الشدنية الوجناء * عرج على قبر بسامراء
قبر تضمن بضعة من أحمد * وحشاشة للبضعة الزهراء
قبر تضمن من سلالة حيدر * بدرا يشق حنادس الظلماء
قبر سما شرفا على هام السها * وعلا بساكنه على الجوزاء
بعلي الهادي إلى نهج الهدى * والدين عاد مؤرج الأرجاء
يا بن النبي المصطفى ووصيه * وابن الهداة السادة الأمناء
أناؤوك بغيا عن مرابع طيبة * وقلوبهم ملأى من الشحناء
كم معجز لك قد رأوه ولم يكن * يخفى على الأبصار نور ذكاء
أن يجحدوه فطالما شمس الضحى * خفيت على ذي مقلة عمياء
برا وتعظيما أروك وفي الخفا * يسعون في التحقير والإيذاء
كم حاولوا إنقاص قدرك فاعتلى * رغما لأعلى قنة (1) العلياء
فقضيت بينهم غريبا نائيا * بأبي فديتك من غريب نائي
قاسيت ما قاسيت فيهم صابرا * لعظيم داهية وطول بلاء
فلأبكينك ما تطاول بي المدى * ولأمزجن مدامعي بدمائي (2)
14 - محمد بن إسماعيل الصيمري:
قال ابن عياش: ولمحمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري قصيدة يرثي بها
مولانا أبا الحسن الثالث، ويعزي ابنه أبا محمد (عليه السلام)، أولها:



(1) القنة: القمة.
(2) المجالس السنية 5: 655.
483
الأرض حزنت زلزلت زلزالها * وأخرجت من جزع أثقالها
إلى أن قال:
عشر نجوم أفلت في فلكها * ويطلع الله لنا أمثالها
بالحسن الهادي أبي محمد * تدرك أشياع الهدى آمالها
وبعده من يرتجى طلوعه * يظل جواب الفلا جزالها
ذو الغيبتين الطول الحق التي * لا يقبل الله من استطالها
يا حجج الرحمن إحدى عشرة * آلت بثاني عشرها آمالها (1)
15 - الشيخ محمد حسين الإصفهاني (2):
قال في أرجوزته في الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي صلوات الله
عليهما:
لقد تجلى مبدأ الإيجاد * في غاية الوجود باسم الهادي
أحسن خلق كل شيء فهدى * وباسمه الهادي اهتدى من اهتدى
ميز بين الماء والسراب * بالعلم الهادي إلى الصواب
فبان وجه الحق ذاتا وصفة * بنير العلم ونور المعرفة



(1) مقتضب الأثر: 52، مجموعة وفيات الأئمة (عليهم السلام): 377.
(2) هو الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الإصفهاني النجفي، الشهير بالكمباني، من أعاظم
العلماء، وأجلاء الفلاسفة، توفي في سنة 1361 ه‍، ودفن في النجف، وترك آثارا، منها: نهاية
الدراية، أصول الفقه، حاشية المكاسب، ديوان شعر فارسي، الأنوار القدسية (أرجوزة في
تأريخ المصطفى والعترة (عليهم السلام)). نقباء البشر 2: 560.
484
وانفجرت لكل قلب صادي * عين الحياة من محيا الهادي
منه حياة الروح بالهداية * بل مطلق الحياة بالعناية
بل هو في العقول والأرواح * كالروح في الأجساد والأشباح
كيف ومن مشرقه صبح الأزل * فلا يزال مشرقا ولم يزل
به حياة عالم الإمكان * فإنه كالنفس الرحماني
معنى الحقيقة المحمدية * وصورة المشية الفعلية
الجوارح
ووجهه في مصحف الإمكان * فاتحة الكتاب في القرآن
بل وجهه عنوان حسن الذات * ديباجة الأسماء والصفات
طلعته مطلع نور النور * ومشرق الشموس والبدور
غرته في أفق الإمامة * بارقة العزة والكرامة
نور الهدى والرشد في جبينه * بحر الندى والجود في يمينه
بل هي بيضاء سماء المعرفة * بها أضاء كل اسم وصفة
بل يده في البسط فوق كل يد * وكيف لا وهي يد الله الأحد
كلتا يديه مبدأ الأيادي * وفيهما آية المراد
ففي اليمين قلم العناية * وفي الشمال علم الهداية
واليمن والأمان في يمناه * واليسر واليسار في يسراه
وعينه باصرة البصائر * ونورها النافذ في الضمائر
بل عينه في النور والشعاع * إنسان عين عالم الإبداع
بل هي في الضياء والبهاء * قرة عين عالم الأسماء

485
الجوانح
أنفاسه جواهر الناسوت * وصدره خزانة اللاهوت
وقلبه في قالب الإمكان * كالروح في الأعيان والأكوان
وكيف وهو أعظم المظاهر * للمتجلي بالجمال الباهر
همته فوق سماوات الهمم * بل هي كالعنقاء في قاف القدم
وعزمه يكاد يسبق القضا * كيف وفي رضاه لله رضا
وهو له ولاية الهداية * في منتهى مراتب الولاية
وهو يمثل النبي الهادي * في بث روح العلم والإرشاد
فإنه لكل قوم هاد * كجده المنذر للعباد
بل سره الخفي في هدايته * موصل كل ممكن لغايته
فهو له في مسند التمكين * هداية التشريع والتكوين
لم يزل نقيا
هو النقي لم يزل نقيا * وكان عند ربه مرضيا
بل هو من شوائب الإمكان * مقدس بمحكم البرهان
وكيف وهو برزخ البرازخ * ودونه كل مقام شامخ
وسره بكل معناه نقي * فإنه سر الوجود المطلق
فهو مجرد عن القيود * فكيف بالرسوم والحدود
فهو نقي السر والسريرة * وسر جده بحكم السيرة
وهو كتاب ليس فيه ريب * وشاهد فيه تجلى الغيب

486
وكيف لا وهو ابن من تدلى * في قربه من العلي الأعلى
ما كذب الفؤاد ما رآه * مذ بلغ الشهود منتهاه
مرآته نقية من الكدر * فما طغى قط وما زاغ البصر
الجلال والجمال
حاز من الجلال والجمال * ما جاوز الحد من الكمال
كما له ليس له نهاية * فإنه غاية كل غاية
وفي محيط كل اسم وصفة * هو المدار عند أهل المعرفة
ومحور الأفلاك بل مديرها * بل منه أدنى أثر أثيرها
والعرش والسبع العلى ببابه * مثنية العطف إلى أعتابه
له من النعوت والشؤون * ما جل أن يخطر في الظنون
بابه والكعبة
وبابه باب رواق العظمة * ومستجار الكعبة المعظمة
وهو مطاف الملأ الأعلى كما * تطوف بالضراح أملاك السما
وبابه كعبة أهل المعرفة * لهم بها مناسك موظفة
وهو منى وفيه غاية المنى * وكيف لا وهو مقام من دنا
فأين منه الحجر والمقام * وأين منه المشعر الحرام
والحرم الآمن حريم بابه * والبيت منسوب إلى جنابه
ملجأ كل ملة ونحلة * وهو لأرباب القلوب قبلة
ملاذ كل حاضر وباد * وكيف لا والباب باب الهادي

487
بل هو باب الله من أتاه * فقد أتى الله فما أعلاه
ولست أحصي مكرمات الهادي * فإنها في العد كالأعداد
وجوده الفرد
وجوده الفرد مقوم العدد * فهو مثال واحدية الأحد
مقامه المنيع جمع الجمع * بمحكم العقل وحكم السمع
وليس يدنو من مقامه العلي * لا ملك ولا نبي أو ولي
وليس في وسع نبي أو ملك * نيل مقام دونه أعلى الفلك
له معارج إلى الصعود * في مبتداها منتهى الشهود
إذ هو سر من رقي أرقاها * ونال أقصى العز من أدناها
لا يرتقيها أحد سواه * غاية سير الغير مبتداه
هي المقامات فما أرقاها * إذ منتهى السدرة مبتداها
ويل لشانئيه
ويل لمن مشاه في ركابه * أساءه منه إلى حبابه
وهو ابن من أسرى به الجليل * وكان في ركابه جبريل
أبوه فارس الوجود كله * ورامح السماء تحت ظله
أفي ركاب العبد يمشي سيده * لا والذي ينصره يؤيده
فانتصر الله له بالمنتصر * وهكذا أخذ عزيز مقتدر
وكم أساء المتوكل الأدب * أحضره عند الشراب والطرب
وهو من السنة والكتاب * منزلة اللب من اللباب

488
أهذه القبائح الشنيعة * بمحضر من صاحب الشريعة
أيطلب الشرب من الإمام * وهو ولي عصمة الأحكام
أيطلب الغناء بالأشعار * من معدن الحكمة والأنوار
خان الصعاليك
أنزله في أشنع المنازل * وفخر كل منزل بالنازل
من هو عند ربه مكين * فلا عليه أينما يكون
له رياض القدس مأوى ومقر * خان الصعاليك غطاء للبصر
شاهد منه في بني الرسول * ما كاد أن يذهب بالعقول
وكم أساء القول في أبيه * على القدر وفي بنيه
حتى انتهى الأمر إلى الصديقة * فأظهر الكفر على الحقيقة
عاجله المنتقم القهار * بضربة تقدح منها النار
فانهار في نار الجحيم الموصدة * مخلدا في عمد ممددة
المصائب
قاسى الإمام من بني العباس * ما ليس في الوهم وفي القياس
كم مرة من بعد مرة حبس * وهو بما يراه منهم محتبس
حتى قضى بالغم عمرا كاملا * فسمه المعتز سما قاتلا
قضى شهيدا في ديار الغربة * في شدة ومحنة وكربة
من بكى عليه
بكته عين الرشد والهداية * حيث هوى منها أجل رأيه

489
بكته عين العلم والآداب * ومحكم السنة والكتاب
بكته عين الفلك الدوار * حزنا على المدير والمدار
بكاه آدم الصفي مذ مضى * صفاء وجه الدهر واسود الفضا
وناح نوح لعظيم شأنه * حيث رأى أعظم من طوفانه
ورزؤه الجليل في الخليل * رماه للبكاء والعويل
لقد بكى الكليم حتى صعقا * كأن روحه تحاول اللقا
من رنة المسيح في السماء * أرجاؤها ترتج بالبكاء
بكاه جده النبي المجتبى * كأنه ضياء عينه خبا
بكته أعين البدور النيرة * آباؤه الغر الكرام البررة
بكاه كل ما سوى الله على * مصابه حتى الوحوش في الفلا (1)
16 - السيد محمد علي آل خير الدين:
قال في مدح الإمامين العسكريين (عليهما السلام):
عج للمحصب من مشارق دجلة * حيث الفضا والماء والخضراء
فهناك مربع جيرتي وهناك مف‍ * زع حيرتي وهناك سامراء
فاحبس بحيث العز يسحب ذيله * تيها وينشر للفخار لواء
واخضع بحيث المجد ألقى رحله * واخشع بحيث أظلت العلياء
واجنح إلى الحرم المنيع فلو دنا * ملك زوته هيبة وبهاء
تبصر تجلي نور ربك في ثرى * رقدت به ساداتنا النجباء (2)



(1) الأنوار القدسية: 96 - 102.
(2) موسوعة العتبات المقدسة 12: 128.
490
17 - محمد علي اليعقوبي (1):
قال في مدح الإمام الهادي (عليه السلام):
عج على سر من رأى تلق فيها * علما تهتدي به ومنارا
قبة فوقها تجلى سنا القدس * ونور الهادي عليها أنارا
قد شأت (2) قبة السماء وردت * طائر الوهم واقعا حيث طارا
لاح فيها من الإمامة نور * تحسب الليل من سناه نهارا
قد حوت عاشر الألى عن مزا * ياهم ترد العشر العقول حيارى
ملكت بالندى رقاب البرايا * واسترقت بمنها الأحرارا
كلما ضنت الليالي وجارت * جاد بالنبل مسعفا وأجارا
ما رعت للنبي فيه بنو العم * ذماما ولم يحوطوا ذمارا
أشخصوه مع البريد لسامرا * فلم يلق في سواها قرارا
صدقت قوله الشراة (3) وكانوا * جحدوا قول جده إنكارا



(1) هو الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر النجفي، الملقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه، خطيب
شهير، وأديب معروف، ولد سنة 1313 ه‍ في النجف الأشرف، وانتخب عميدا للرابطة
الأدبية، وبقي حتى وفاته في سنة 1385 ه‍، وترك آثارا منها: المقصورة العلوية، عنوان
المصائب، البابليات، الذخائر، ديوان شعر، وقائع الأيام، وغيرها. مستدرك الأعيان 1:
190، شعراء الغري 9: 505.
(2) شأي الشيء: سبقه.
(3) الشراة: الخوارج، ويشير الشاعر إلى مناظرة أحدهم في بادية الحجاز مع كاتب يحيى بن
هرثمة، الذي حمل الإمام الهادي (عليه السلام) من المدينة إلى سامراء بأمر المتوكل، والقصة طويلة،
أوردها الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 393، وما بعدها، وذكرناها في موقف الحكام من
الإمام الهادي (عليه السلام).
491
يوم أردتهم العواصف حتى * ملأ الله في القبور القفارا
حار فيه فكر الجنيدي مذ * شاهد فيه ما حير الأفكارا
جاء يملي له العلوم صغيرا * فإذا بالصغار تهدي الكبارا
أنزلوه خان الصعاليك عمدا * مذ أرادوا ذلا به واحتقارا
ما دروا أنه بدار عليها الله * أرخى دون العيون ستارا
لست أنسى غداة أخرجه الطا * غي مع الناس ذلة وصغارا
وغدا يعرض الجيوش عليه * عل يرتاع خيفة وانذعارا
فأراه من الملائك جيشا * ملأ الأفق والفضا جرارا
ثم نال المعتز ما شاء منه * إذ سقاه السم النقيع جهارا
فاستشاطت له البلاد وصارت * صيحة طبقت بها الأقطارا
أتراها درت عشية أودى * أن فيها نور الهدى قد توارى
يا أبا العسكري حقق رجائي * وأقلني يا بن الجواد العثارا
كن شفيعي عند الإله إذا ما * جئت في الحشر أحمل الأوزارا
لذت فيكم إذ ليس يخش من الأه‍ * وال من لاذ فيكم واستجارا (1)



(1) الذخائر - ديوان شعر اليعقوبي: 62 - 64.
492
خاتمة المطاف
بحمد الله وتسديده تم المجلد الرابع عشر من " موسوعة المصطفى والعترة "
والذي بحثت فيه بعض مآثر إمامنا المفدى العاشر من الحجج الميامين الطاهرين،
الإمام أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي صلوات الله عليهم أجمعين، بما تيسر
لي من المصادر التي ذكرتها في بحثي.
وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أشكر الأفاضل الذين آزروني في مراجعة
مصادر الكتاب وتبويبه وصف حروفه، وطبعه وتجليده، وإخراجه بهذه الحلة
القشيبة.
سائلا المولى القدير أن يتقبل منا هذا اليسير ويعفو عنا الكثير فإنه سميع
بصير.
ويليه إن شاء الله المجلد الخامس عشر من هذه الموسوعة والذي يبحث عن
حياة الإمام الحادي عشر، أبي محمد الحسن بن علي العسكري، صلوات الله عليهم
أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين.
دار الهجرة - قم المشرفة
السابع عشر من ربيع الأول سنة 1419
العبد المنيب
حسين الشاكري

493
فهرس المصادر
1 - القرآن الكريم.
2 - الأئمة الاثنا عشر - لابن طولون - قم - منشورات الرضي.
3 - الاتحاف بحب الأشراف - للشيخ عبد الله الشبراوي - مصر.
4 - إثبات الوصية - للمسعودي - النجف الأشرف - 1374 ه‍.
5 - الاحتجاج - للطبرسي - النجف - 1386 ه‍.
6 - الاختصاص - للشيخ المفيد - قم - جماعة المدرسين.
7 - أربعين البهائي - قم - جماعة المدرسين.
8 - الإرشاد - للشيخ المفيد - قم - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
9 - الاستبصار - للشيخ الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
10 - الأعلام - لخير الدين الزركلي - بيروت - دار العلم للملايين.
11 - إعلام الورى - للعلامة الطبرسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
12 - أعيان الشيعة - للسيد محسن الأمين العاملي - بيروت - دار التعارف.
13 - الأمالي - للشيخ الصدوق - قم - 1373 ه‍.
14 - الأمالي - للشيخ الطوسي - مؤسسة البعثة - قم.
15 - الأمالي - للشيخ المفيد - طهران - 1403 ه‍.
16 - الإمام الهادي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد - للسيد كاظم القزويني - قم - مركز
نشر آثار الشيعة.
17 - الإمامة وأهل البيت - للدكتور محمد بيومي مهران - مركز الغدير - قم.
18 - الأنوار البهية - للشيخ عباس القمي - قم - الشريف الرضي.
19 - الأنوار الساطعة في المائة السابعة - للشيخ آقا بزرك - بيروت - دار الكتاب
العربي.
20 - الأنوار القدسية - للشيخ محمد حسين الاصفهاني - بيروت - مؤسسة الوفاء.
21 - إيضاح المكنون - للبغدادي - بغداد - مكتبة المثنى.
22 - بحار الأنوار - للعلامة المجلسي - طهران - دار الكتب الإسلامية.

494
23 - البداية والنهاية - لابن كثير - الرياض - 1966 م.
24 - البرهان في تفسير القرآن - للسيد البحراني - إسماعيليان - قم.
25 - بهاء الدين العاملي - للدكتور محمد التونجي - المستشارية الثقافية - سوريا.
26 - تاج المواليد - للطبرسي - قم - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله).
27 - تأريخ الإسلام - للذهبي - وفيات سنة 251 - 260 ه‍ - بيروت - مؤسسة
الرسالة.
28 - تأريخ الأئمة - لابن أبي الثلج - قم - مكتبة السيد المرعشي (رحمه الله).
29 - تأريخ ابن الوردي - المطبعة الحيدرية - النجف.
30 - تأريخ بغداد - للخطيب البغدادي - مصر - مطبعة السعادة - 1349 ه‍.
31 - تأريخ الخلفاء - للسيوطي - بيروت - دار الكتب العلمية - 1408 ه‍.
32 - تأريخ اليعقوبي - المكتبة الحيدرية - النجف - 1384 ه‍.
33 - التتمة في تواريخ الأئمة (عليهم السلام) - للسيد تاج الدين العاملي - مؤسسة البعثة -
قم.
34 - تحف العقول - لابن شعبة الحراني - جماعة المدرسين - قم.
35 - تذكرة الخواص - لسبط ابن الجوزي - مكتبة نينوى الحديثة - طهران.
36 - تصحيح الاعتقاد - للشيخ المفيد - الشريف الرضي - قم.
37 - تفسير العياشي - المكتبة العلمية - طهران.
38 - تفسير القمي - مؤسسة دار الكتاب - قم.
39 - تهذيب الأحكام - للشيخ الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
40 - التوحيد - للشيخ الصدوق - مكتبة الصدوق - 1387 ه‍.
41 - الثاقب في المناقب - لعماد الدين الطوسي - بيروت - دار الزهراء.
42 - ثواب الأعمال - للشيخ الصدوق - قم - 1364 ه‍.
43 - جامع الرواة - للأردبيلي - مكتبة السيد المرعشي - قم.
44 - حلية الأبرار - للسيد البحراني - دار الكتب العلمية - قم.
45 - حياة الإمام الهادي (عليه السلام) - لباقر شريف القرشي - دار الأضواء - بيروت.
46 - الخرائج والجرائح - للراوندي - مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - 1409 ه‍.
47 - الخصال - للشيخ الصدوق - مكتبة الصدوق - قم - 1389 ه‍.

495
48 - الخلاصة - للعلامة الحلي - المكتبة الحيدرية - النجف.
49 - الدعوات - للراوندي - مؤسسة الإمام المهدي - قم.
50 - دلائل الإمامة - لأبي جعفر الطبرسي - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
51 - ديوان ابن الرومي - تحقيق د. حسين نصار - الهيئة المصرية العامة للكتاب.
52 - ديوان البحتري - دار المعارف - 1963 م.
53 - الذخائر - مجموعة شعرية لمحمد علي اليعقوبي - المطبعة الحيدرية - النجف
- 1374 ه‍.
54 - الذريعة - للشيخ آقا بزرك الطهراني - دار الأضواء - بيروت - 1403 ه‍.
55 - رجال ابن داود - منشورات الرضي - قم.
56 - رجال البرقي - تحقيق السيد كاظم الموسوي.
57 - رجال الطوسي - المكتبة الحيدرية - النجف - 1381 ه‍.
58 - رجال النجاشي - جماعة المدرسين - قم.
59 - رجال الكشي - (اختيار معرفة الرجال) - للشيخ الطوسي - مشهد.
60 - روضات الجنات - للميرزا الخوانساري - إسماعيليان - قم - 1390 ه‍.
61 - السرائر - للشيخ محمد بن أحمد بن إدريس الحلي - جماعة المدرسين - قم
- 1410 ه‍.
62 - سفينة البحار - للشيخ عباس القمي - نشر مؤسسة فراهاني.
63 - سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) - لهاشم معروف الحسني - دار التعارف -
بيروت.
64 - شذرات الذهب - لابن عماد الحنبلي - دار إحياء التراث - بيروت.
65 - شرح شافية أبي فراس الحمداني - لابن أمير الحاج - مؤسسة الطباعة
والنشر - وزارة الثقافة والإرشاد - إيران.
66 - شعراء الحلة - للشيخ محمد علي اليعقوبي - دار البيان - قم.
67 - شعراء من كربلاء - لسلمان هادي طعمة - مطبعة الآداب - النجف.
68 - الصراط المستقيم - للبياضي - المكتبة المرتضوية - 1384 ه‍.
69 - الصواعق المحرقة - لابن حجر الهيتمي - مكتبة القاهرة - مصر.
70 - طب الأئمة (عليهم السلام) - لابني بسطام النيسابوريين - النجف الأشرف - 1385 ه‍.

496
71 - علل الشرائع - للشيخ الصدوق - المكتبة الحيدرية - النجف.
72 - عمدة الطالب - لابن عنبة - المكتبة الحيدرية - النجف.
73 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - للشيخ الصدوق - نشر رضا مشهدي.
74 - الغيبة - للشيخ الطوسي - مؤسسة المعارف الإسلامية - قم.
75 - الفخري في الآداب السلطانية - لابن الطقطقا - الشريف الرضي - قم.
76 - فرج المهموم - لابن طاووس - مطبعة أمير - قم.
77 - الفصول المهمة - لابن الصباغ المالكي - مطبعة العدل - النجف.
78 - الفقيه - للشيخ الصدوق - مكتبة الصدوق - قم - 1392 ه‍.
79 - فلاح السائل - لابن طاووس - دفتر تبليغات - قم.
80 - الفهرست - للشيخ الطوسي - المكتبة الرضوية - النجف.
81 - القاموس المحيط - للفيروزآبادي - دار الجيل - بيروت.
82 - الكافي - للشيخ الكليني - دار الكتب الإسلامية - طهران - 1381 ه‍.
83 - كامل الزيارات - لابن قولويه - المطبعة المرتضوية - النجف - 1356 ه‍.
84 - الكامل في التأريخ - لابن الأثير - دار صادر - بيروت.
85 - كشف الظنون - لحاجي خليفة - مكتبة المثنى - بغداد.
86 - كشف الغمة - للإربلي - دار الأضواء - بيروت.
87 - كفاية الأثر - للخزاز - قم - 1401.
88 - كمال الدين - للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
89 - المجالس السنية - للسيد محسن الأمين العاملي - بيروت - دار التعارف.
90 - مجمع البحرين - للشيخ الطريحي - مؤسسة البعثة - قم.
91 - المحاسن - للبرقي - دار الكتب الإسلامية - قم.
92 - مدينة المعاجز - للسيد البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية - قم -
1415 ه‍.
93 - مرآة الجنان - لليافعي - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
94 - مروج الذهب - للمسعودي - دار الهجرة - قم.
95 - مستدركات علم الرجال - للشيخ علي النمازي - قم - الطبعة الأولى -
1412 ه‍.

497
96 - مستدرك أعيان الشيعة - للسيد حسن الأمين - دار التعارف - بيروت.
97 - مستدرك وسائل الشيعة - للميرزا النوري - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم.
98 - مستطرفات السرائر - للشيخ محمد بن أحمد بن إدريس الحلي - مؤسسة
الإمام المهدي (عليه السلام) - قم - 1408 ه‍.
99 - مسند الإمام الهادي (عليه السلام) - للشيخ عزيز الله العطاردي - مشهد.
100 - المصباح - للكفعمي - الكتب العلمية - النجف.
101 - مصباح المتهجد - للشيخ الطوسي - طهران - 1385 ه‍.
102 - معاني الأخبار - للشيخ الصدوق - جماعة المدرسين - قم.
103 - معجم الأدباء - لياقوت الحموي - دار الفكر - بيروت.
104 - معجم البلدان - لياقوت الحموي - دار صادر - بيروت.
105 - معجم المؤلفين - لكحالة - دار إحياء التراث - بيروت.
106 - معجم الفرق الإسلامية - لشريف يحيى الأمين - دار الأضواء - بيروت.
107 - مقاتل الطالبيين - لأبي الفرج الأصفهاني - المكتبة الحيدرية - النجف.
108 - مكاتيب الأئمة (عليهم السلام) - للفيض الكاشاني - مكتبة الصدوق - قم.
109 - مكارم الأخلاق - للطبرسي - الشريف الرضي - قم - 1408 ه‍.
110 - المناقب - لابن شهرآشوب - المطبعة العلمية - قم.
111 - مهج الدعوات - للسيد ابن طاووس - طهران - 1323 ه‍.
112 - موسوعة العتبات المقدسة - لجعفر الخليلي - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
113 - نقباء البشر - للشيخ آقا بزرك الطهراني - دار المرتضى - مشهد.
114 - نهاية الإرب - للنويري - دار الكتب.
115 - نوادر المعجزات - لأبي جعفر الطبري - مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.
116 - الهداية الكبرى - للخصيبي - مؤسسة البلاغ - بيروت.
117 - هدية العارفين - للبغدادي - مكتبة المثنى - بغداد - 1951 م.
118 - الوافي بالوفيات - للصفدي - دار النشر فرانز - 1381 ه‍.
119 - وسائل الشيعة - للحر العاملي - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم.
120 - وفيات الأعيان - لابن خلكان - بيروت - 197 م.

498
/ 1