بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: موسوعة شهادة المعصومين (ع) المؤلف: لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) الجزء: 1 الوفاة: معاصر المجموعة: مصادر سيرة النبي والائمة تحقيق: الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1380 ش المطبعة: اعتماد - قم الناشر: انتشارات نور السجاد ردمك: 964-7163-08-8 ملاحظات: إعداد قسم الحديث : معهد باقر العلوم (ع) للابحاث : محمود اللطيفي - السيد علي رضا الجعفري - محمود الشريفي - محمود احمديان / انتشارات نور السجاد - قم - شارع 15 خرداد - 10 مترى روح الله - رقم 36 - تلفون : 7221959 بسم الله الرحمن الرحيم
1 المجلد الأول موسوعة شهادة المعصومين (عليهم السلام) الجزء الأول: في شهادة رسول الله سيد المرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) الجزء الثاني: في شهادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) الجزء الثالث: في شهادة الوصي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الجزء الرابع: في شهادة الإمام الثاني أبي محمد الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام) اعداد قسم الحديث: معهد باقر العلوم (عليه السلام) منظمة الاعلام الاسلامي محمود لطيفى - سيد عليرضا جعفري محمود شريفى - محمود احمديان
3 موسوعة شهادة المعصومين (عليهم السلام) / تأليف محمود شريفى... [ديگران]. قم: سازمان تبليغات اسلامى، پژوهشكده باقر العلوم (عليه السلام)، انتشارات نور السجاد، 1380 ج. ISBN 964 - 7163 - 08 - 8 فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا. عربى. كتابنامه: ص 456; همچنين به صورت زير نويس. 1. چهارده معصوم، سر گذشتنامه. 2. چهارده معصوم، شهادت. 3. چهارده معصوم، أحاديث. 4. أحاديث شيعه، قرن 14. الف. شريفى، محمود، 1331. ب. سازمان تبليغات اسلامى، پژوهشكده باقر العلوم (عليه السلام). انتشارات نور السجاد. 8 م 36 پا 95 / 297 كتابخانه ملى إيران 25304 - 79 م محل نگهدارى: انتشارات نور السجاد قم: ميدان آستانه، پژوهشكده باقر العلوم (عليه السلام) وابسته به سازمان تبليغات اسلامى تلفن: 740369 - نمابر: 740355 * نام كتاب:... موسوعة شهادة المعصومين (عليهم السلام) * نويسنده:... گروه حديث پژوهشكده باقر العلوم (عليه السلام) * نوبت وتاريخ چاپ:... أول - 1380 * ناشر:... انتشارات نور السجاد * چاپ:... اعتماد * شمارگان:... 3000 نسخه * قيمت:... 20000 ريال شابك 8 - 08 - 7163 - 964 ISBN 964 - 7163 - 08 - 8
4 بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام الصادق (عليه السلام): " نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة ". (1) إننا إذا تجاوزنا ما ورد في كتب الحديث من الأخبار التي تحكي ظلامة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وتروي جانبا من الأحداث المريرة التي مرت عليهم، يمكننا أن نعد كتب " المقاتل " - التي صنفت في بيان واقعة استشهاد أحد المعصومين (عليهم السلام) وعلى الخصوص " الإمام الحسين (عليه السلام) " - أول موضوع دون في التاريخ السياسي الشيعي أو في الأقل ثانيها بعد موضوع فدك وأحداث السقيفة. إن كلمة " المقتل " في اللغة تعني المكان الذي وقع فيه القتل، كما تطلق هذه الكلمة في الاصطلاح على الكتاب الذي يروي أحداث واقعة استشهاد المعصومين خاصة واقعة كربلاء (2)، وتطلق أحيانا على مجالس العزاء أيضا. (3) هذا ويعد رواة واقعة كربلاء وفي الدرجة الأولى سبايا وقعة الطف، في طليعة أرباب المقاتل في تاريخ التشيع، كما يعد الذين تمكنوا من تدوين ما رأوه أو سمعوه عن تلك الواقعة هي أوائل كتاب " المقاتل ". وبعد أن اقترف حكام الجور من الأمويين تلك الجريمة النكراء، بذلوا قصارى
1. امالي المفيد: 338. 2. معجم دهخدا (بالفارسية)، كلمة (مقتل). 3. مجلة (هنر) الموسمية العدد 3، ص 233، (بالفارسية). 5 جهودهم في إخفاء معالمها، ففرضوا على رواة الحديث ونقلة الوقائع أن لا يفوهوا الا بمدح الظالمين ودعم سلطانهم الغاشم، وأن يحذروا بيان نقاط ضعفهم وكشف خياناتهم وفضح جرائمهم، كيما يحولوا دون تمهيد الأرضية للإنتفاضات المرتقبة وهذه هي شيمة سلاطين الجور على مر العصور وتعاقب الدهور. وعقيب سقوط الدولة الأموية أمكن تدوين وإشاعة ملحمة عاشوراء والملاحم الاخرى التي سبقت وتلت أحداث سنة 61 ه. إلا أن تمادي العباسيين في ظلمهم، من قبيل: ما تكرر من جعجعتهم بالإمام الصادق (عليه السلام) إلى قصور الطواغيت، واستشهاد الإمام موسى بن جعفر في (عليهما السلام) غياهب السجون، وتغريب الإمام الرضا (عليه السلام) في خراسان، أدى بأجمعه إلى إخفاء الحقائق وطمس معالم الجريمة من جديد، إذ خنقوا جميع الكلمات الحرة وقتلوها في مهدها، من قبيل: ما حدث لابن السكيت إذ استأصلوا له لسانه (1) وقطعوا أنامل المؤرخين كما قطعوا يد من يروم زيارة قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) (2)، حتى لم يبق بأيدينا حاليا من جميع تلك الحقائق وسيرة المعصومين (عليهم السلام) وآثارهم، على الخصوص المقاتل منها سوى أسماءها وأسماء مؤلفيها في كتب الفهارس. فقد ذكر المرحوم الحاج الآغا بزرگ الطهراني تحت عنوان " مقتل " ستة موارد باسم " المقتل "، وتسعة وخمسين موردا باسم " مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) "، وثلاثة موارد باسم " مقتل الحسين (عليه السلام) "، وأربعة وعشرين موردا باسم " مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) "، كما ذكر مقاتل اخرى أيضا باسم " مقتل الحسن بن على (عليهما السلام) "، و " مقتل على بن الحسين (عليهما السلام) "، و " مقتل العباس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام) "، و " مقتل زيد الشهيد "، و " مقتل أولاد مسلم "، و " مقتل حجر بن عدي "، وغيرها (3). وأول مقتل للإمام الحسين (عليه السلام) صنفه " أصبغ بن نباتة المجاشعي " وهو من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقائد شرطة الخميس (4) في وقعة صفين، وقد أرخ
1. أعيان الشيعة، ج 1، ص 306، وسفينة البحار، مادة سكت. 2. دائرة المعارف الاسلامية، ج 8، مادة (كربلاء). 3. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 22، ص 21 إلى 35. 4. القوات الخاصة والمجاميع التي تتقدم جيش أمير المؤمنين عليه السلام، راجع أعيان الشيعة، ج 3، ص 464، وسفينة البحار مادة (صبغ). 6 صاحب الذريعة وفاته بما بعد القرن الهجري الأول بينما ذكر بعض المصادر أن وفاته كانت في عام 64 ه. ثم تلاه جابر بن يزيد الجعفي (ت: 128 ه)، وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، وأبو مخنف لوط بن يحيى (ت: 170 ه)، فقد ألف " مقتل الحسن (عليه السلام) " و " مقتل الحسين (عليه السلام) "، و " مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) "، ونصر بن مزاحم المنقري (ت: 212 ه) صاحب كتاب " وقعة صفين "، وابن واضح اليعقوبي (ت: 294 ه) وهو صاحب كتاب " تأريخ اليعقوبي "، والشيخ الصدوق محمد بن على بن الحسين القمي (ت: 381 ه)، وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت: 460 ه)، ولكن لم يبق من جميع تلك المقاتل سوى أجزاء من مقتل أبي مخنف تم استخراجها من كتاب " تاريخ الطبري "، واعيد تنظيمها بشكل مستقل. وهناك كتب كثيرة في موضوع " المقتل " إلا أنها لم تعنون بعنوان - المقتل -، منها: كتاب " روضة الشهداء " لحسين بن على الكاشفي البيهقي (ت: 910 ه)، وقد شاعت قراءته في مجالس العزاء لما يحتويه من نثر جميل وكلام مسجع حتى اشتهر من يقرأ المصيبة ب " الروضة خوان " أي قارىء الروضة نسبة إلى هذا الكتاب، وقد ذهب الظن ببعض إلى أن السر في اشتهار هذا الكتاب يمكن لكونه أول مقتل كتب باللغة الفارسية (1) في حين أن هذا الكتاب نفسه يحتوي على كلمات وأشعار فارسية نقلت عن كتاب " مقتل الشهداء " لأبي المفاخر الرازي وهو من الشعراء المجيدين في عصر غياث الدين محمد بن ملك شاه (ت: 511 ه)، والسلطان مسعود بن محمد بن ملك شاه السلجوقي (ت: 547 ه). كما أن صاحب الذريعة ذكر كتابا آخر باللغة الفارسية أيضا تحت عنوان " مقتل الشهداء " لشخص يعرف ب (العاصي)، يعزى تأريخ استنساخه إلى سنة 887 ه. وقدمه على " الروضة " (2). ويحتمل أن يكون اشتهار قراء المصيبة ب " روضة خوان " واشتهار كتاب الملا حسين الكاشفي راجعا إلى اقتران تأليف الكتاب بمجئ الصفويين واستبدال قراءة " الشاهنامه " بقراءة المقتل في المجالس الليلية،
1. حماسه حسينى - للشهيد مرتضى المطهرى -، ج 1، ص 53 إلى 54. 2. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 11، ص 295. 7 خاصة وأن هذا الكتاب يحتوي نثرا جميلا ولحنا حماسيا. كما أن كتاب " إكسير العبادات في أسرار الشهادات " لمؤلفه الملا آغا ابن العابد الشيرواني الدربندي (ت: 1286 ه) نقل تفصيلي في المقتل، مع ما فيهما من الأمور التي لا تستند إلى مصدر معتبر. وان ترجمته الفارسية معروفة بعنوان " أسرار الشهادة دربندي " والملفت للإنتباه أن هناك ستة كتب في المقتل تحمل هذا العنوان وقد صنفت بأجمعها في أيام الدولة القاجارية. (1) ومن بين (المقاتل) التي تم الاهتمام بها في الآونة الأخيرة، كتاب " اللهوف " لعلى بن موسى بن جعفر بن طاووس (ت: 664 ه) و " نفس المهموم " للمحدث والمحقق الحاج الشيخ عباس القمي (ت: 1359 ه)، و " مقتل الحسين " للسيد عبد الرزاق الموسوي المقرم (ت: 1391 ه) وحوالي مائة كتاب آخر باللغة العربية والفارسية والتركية والاردية، يحظى كل واحد منها بمزايا خاصة والتفاتات فريدة. الجدير بالذكر في هذا المجال أن كتاب " الذريعة " برغم ذكره أربعة عشر عنوانا لمقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) إلا أن الموجود حاليا في مكتبات المراكز العلمية من المقاتل التي تخص أحد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) غير الإمام الحسين (عليه السلام) لا يتجاوز عدد أصابع اليد، وهذا يدعو المحققين والمؤلفين إلى التأمل. وهو في الوقت ذاته إن دل على شيء فانما يدل على مدى الاهتمام الذي بذله الشيعة في الحفاظ على ذكرى واقعة كربلاء و مجالس العزاء التي تقام سنويا وشهريا في جميع الأقطار الاسلامية. والذي يجب على المحققين والمفكرين هو البحث العميق والجرى المستوعب لجميع النصوص التأريخية والروائية الموجودة في المكتبات العامة والخاصة لاستخراج وتنقيح جميع الابعاد التي يمكنها أن تعكس الصورة الحقيقية لاستشهاد المعصومين (عليهم السلام) وعرضها على جميع أرجاء المعمورة بما يتناسب وسيرة هؤلاء الهداة الصادقين وحياتهم الربانية، ليشغف أسماع الأجيال على مر العصور بترانيم الصدق و الشجاعة والشهامة والمروءة.
1. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 2، ص 46 و 279. 2. المصدر المتقدم، ج 22، ص 29 - 31. 8 وأما هذا الكتاب: ففي عام 1366 ه. ش، اقترح جمع من المسؤولين في منظمة الإعلام الاسلامي، أن تتحمل المنظمة المذكورة أعباء إعداد مقتل معتبر للمعصومين (عليهم السلام) وذلك بسبب ما شوهد في بعض مجالس العزاء أن بعض الخطباء وقراء المراثي يذكرون امورا لا تستند إلى مصدر معتبر، ثم تتناقلها صدور العامة ما يؤدي في الغالب إلى الاستهانة بمقام العصمة وكرامة أهل البيت (عليهم السلام)، فاتفقت كلمة المفكرين وأصحاب الكلمة على الحد من هذه الظاهرة. ومن جملة الطرق المقبولة التي يمكن القيام بها في رفع هذا المحذور هو تصنيف مقتل جامع يستند إلى المصادر الموثوقة، تراعى في تنظيمه المتبينات الاعتقادية لدى الشيعة وإخضاع الاخبار - ما أمكن - إلى الموازين التي تثبت صحتها من سقمها. ولأجل أن يأخذ هذا الاقتراح طريقه إلى حيز التنفيذ اتصلنا بأحد المحققين الراغبين في تحمل هذه المسؤولية ليبدأ المشروع بتقديم نموذج عن عمله إلى المنظمة لتضع في يده الإمكانات اللازمة بعد النظر فيه والمصادقة عليه، ولكن للأسف الشديد مضت سنوات وتعرض المحقق المذكور لحادثة مؤلمة فلم يبصر المشروع النور، حتى طرح الموضوع من جديد قبل أربع سنوات فشدد سماحة حجة الاسلام والمسلمين المحمدي العراقي رئيس منظمة الإعلام الإسلامي على تحويل الأمر لقسم الحديث في معهد باقر العلوم 7 للأبحاث ليقوم بأعباء هذه المسؤولية. فاعدت مقدمات المشروع وتم تبادل الآراء مع المحققين وأصحاب النظر، وبدأت عملية استخراج المطالب المتعلقة بالمقتل من المصادر الأصيلة والمستندات التأريخية والحديثية، وبعد تبويب المطالب المستخرجة، تقرر تنظيمها في عدة فصول بشأن كل واحد من المعصومين (عليهم السلام) على الترتيب الآتي: الفصل الأول: (في نبذة من شخصيته) يشار فيه إلى شخصية المعصوم (عليه السلام) وتأريخ ولادته واستشهاده، ومدة عمره و إمامته، على ما يؤيدها الكتاب، وألقابه وكنيته واسم أبيه وامه وأولاده بمقدار الحاجة ومراعاة الاختصار.
9 الفصل الثاني: (في مأساته) يتحدث عن الإيذاء والتعذيب الذي تعرض له المعصومون (عليهم السلام) في حياتهم. الفصل الثالث: (في الاخبار عن شهادته) يتعرض إلى الإخبار الواردة عن الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بشأن استشهاد كل واحد من المعصومين (عليهم السلام). الفصل الرابع: (في وصاياه) الفصل الخامس: (في احتضاره) يتعرض إلى الأحداث التي وقعت في مدة مرضه الذي استشهد فيه. الفصل السادس: (في كيفية إستشهاده) الفصل السابع: (في تجهيزه) يتعرض إلى تجهيز المعصوم من غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. الفصل الثامن: (فيما وقع بعد شهادته) الفصل التاسع: (في المراثي) يتعرض إلى الأشعار والكلمات التي قيلت في رثاء المعصوم (عليه السلام) سواء المنقولة عن المعصوم (عليه السلام) أم أصحابه والمقربين إليهم والقريبين من عصرهم (عليهم السلام). وفي الختام نشكر اخواننا الشيخ شمس الله الصفر لكي والسيد حسين السجادى تبار لمعاونتهما لنا في استخراج قسم من الأحاديث وتنظيمها. نرجو من جميع المحققين وأصحاب الكلمة والقراء الكرام أن يتفضلوا علينا بآرائهم لإكمال هذا المشروع في طبعاته القادمة. إنه ولى الحق قسم الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام) للأبحاث
10 الجزء الأول: في شهادة رسول الله سيد المرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)
11 الفصل الأول: في نبذة من شخصيته الكريمة قال الله تعالى في كتابه الكريم: 1 - وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. (1) 2 - محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم. (2) 3 - لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. (3) 4 - إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. (4) 5 - وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى. (5) 6 - النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم. (6) 7 - وإنك لعلى خلق عظيم. (7) [1] - 1 - قال السيد محسن الأمين: قال ابن سعد في الطبقات: كان [رسول الله (صلى الله عليه وآله)] قبل النبوة أفضل قومه مروءة
1. الأنبياء: 107. 2. الفتح: 29. 3. التوبه: 128. 4. الفتح: 8. 5. النجم: 2 تا 5. 6. الأحزاب: 6. 7. القلم: 4. 12 وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم حوارا وأعظمهم حلما وأمانة وأصدقهم حديثا وأبعدهم من الفحش والأذى ومارؤي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سماه قومه الأمين، لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه وما انتقم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنفسه الا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله ولا سئل شيئا قط فمنعه إلا أن يسأل مأثما. وما أتى في غير حد إلا عفا. ولم يكن خلق أبغض إليه من الكذب. وفي الطبقات أيضا: سأل الحسن بن علي أباه (عليهما السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: كان يقول: أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة وكان يخزن لسانه إلا مما يعني الناس ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره يعطى كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، إذا قام معه أحد أو جالسه في حاجة لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه يصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ولا يقطع على أحد حديثه. (1) [2] - 2 - وقال أيضا: ومما جاء في صفته (صلى الله عليه وآله) أنه كان يسأل عن أصحابه، فإن كان أحدهم غائبا دعا له أو شاهدا زاره أو مريضا عاده، ما ضرب امرأة ولا خادما ولا تزيده كثرة الجهل عليه إلا حلما، يحب الفأل ويغير الاسم القبيح بالحسن، يخالط أصحابه ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره، يجيب دعوة الحر والعبد، لم ير قط مادا
1. المجالس السنية 5: 11، الطبقات الكبرى 1: 273 وبعده متفرقا. 13 رجليه بين أصحابه ولا مقدما ركبتيه بين يدي جليس له قط. يدعو أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم، يأكل على الأرض ويأكل كما يأكل العبد ويجلس كما يجلس العبد ويقول إنما أنا عبد وما رؤى يأكل متكئا قط يحب التيامن في شأنه كله أي يبدأ باليمين وإذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير وكان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوى عن أحد وجهه ولا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه. (1) [3] - 3 - قال اليعقوبي: وكان رسول الله فخما مفخما، ظاهر الوضاءة، مبتلج الوجه، حسن الخلق، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة، وسيما، قسيما، لم يماشه أحد من الناس إلا طاله، وإن كان المماشي له طويلا، عظيم الهامة، رجل الشعر إن تفرقت عقيقته انفرقت فرقا، لا يجاوز شعره شحمة أذنه، أزهر اللون، مشربا حمرة، في عينه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي لحيته كثافة، وكان أكثر شيبه في لحيته حول الذقن وفي رأسه في فودي رأسه، سهل الخدين، ضليع الفم، حلو المنطق لا نزر ولا هدر، دقيق المسربة، معتدل الخلق، عريض الصدر والكتف، بعيد ما بين المنكبين، واسع الظهر، غير ما تحت الإزار من الفخذ والساق، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري ما سوى ذلك من الشعر، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحتين، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، ذريع المشية، إذا مشى كإنما ينحط من صبب أو يتقلع من صخر; وإذا التفت التفت معا خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يبدأ من لقى بالسلام وكان جل جلوسه القرفصى وكان يأكل على الأرض، وكان إذا دعاه رجل فقال: يا رسول الله قال: لبيك; وإذا قال: يا أبا القاسم قال: يا أبا القاسم; وإذا قال: يا محمد قال: يا محمد; وإذا أخذ الرجل بيده لم ينزعها
1. المجالس السنية 5: 13، الطبقات الكبرى 1: 273 وبعده متفرقا. 14 منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها; وإذا نازعه رداءه لا يجاذبه حتى يخليه; وإذا سأله سائل حاجة لم يرده إلا بحاجته أو بميسور من القول. (1) أسمائه: محمد، أحمد، المصطفى، طه، يس و.... (2) قال الله عزوجل: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما. (3) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين. (4) ألقابه (عليهم السلام): [4] - 4 - قال ابن شهر آشوب: ألقابه: حبيب الله، صفي الله، نعمة الله، عبد الله، خيرة الله، خلق الله، سيد المرسلين، إمام المتقين، خاتم النبيين، رحمة للعالمين، قائد الغر المحجلين، خير البرية، نبي الرحمة. (5) قال الله العزيز: 1 - إنه لقول رسول كريم. (6) 2 - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. (7)
1. تاريخ اليعقوبي 1: 446. 2. وله أسماء كثيرة فمن أراد الاطلاع فليراجع المناقب لابن شهر آشوب 1: 150 والبحار 16: 101. 3. الأحزاب: 40. 4. الصف: 61. 5. المناقب لابن شهر آشوب 1: 152، عنه البحار 16: 104. 6. الحاقه: 40. 7. الأحزاب: 21. 15 كناه (عليهم السلام): [5] - 5 - قال ابن شهر آشوب: كنيته: أبو القاسم، أبو الطاهر، أبوالطيب، أبو المساكين، أبو الدرتين، أبو الريحانتين، أبو السبطين. (1) أمه: [6] - 6 - قال ابن سعد: أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف. (2) [7] - 7 - قال ابن هشام: كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي أرضعته. (3) نقش خاتمه: [8] - 8 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن (رضى الله عنه) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن أبي عبد الله الرازي، عن علي بن سليمان، عن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي، عن إبراهيم بن أبي البلاد [عن أبيه]، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتمان أحدهما عليه مكتوب " لا إله إلا الله، محمد رسول الله " والآخر " صدق الله ". (4) أولاده (صلى الله عليه وآله): [9] - 9 - قال الطبرسي: وإنما ولد له منها [خديجة (عليها السلام)] ابنان: عبد الله بن محمد - وهو الطيب والطاهر -
1. المناقب لابن شهر آشوب 1: 154، عنه البحار 16: 107. 2. الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 49، السيرة النبوية لابن هشام 1: 165. 3. السيرة النبوية 1: 171. 4. الخصال 1: 61 ح 85. 16 والقاسم وبه يكنى - وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة فأما زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتزوجها أبو العاص أبن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهلية، فولدت لأبي العاص جارية اسمها أمامة تزوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد وفاة فاطمة (عليها السلام)، وقتل علي وعنده أمامة، فخلف عليها بعده المغيرة نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وتوفيت عنده. وأم أبي العاص هالة بنت خويلد، فخديجة خالته. وماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة. وأما رقية بنت رسول (صلى الله عليه وآله) فتزوجها عتبة بن أبي لهب، فطلقها قبل أن يدخل بها، ولحقها منه أذى، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " اللهم سلط على عتبة كلبا من كلابك " فتناوله الأسد من بين أصحابه. وتزوجها بعده بالمدينة عثمان بن عفان، فولدت له عبد الله ومات صغيرا، نقره ديك على عينيه فمرض ومات. وتوفيت بالمدينة زمن بدر، فتخلف عثمان على دفنها، ومنعه ذلك أن يشهد بدرا، وقد كان عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه رقية. وأما أم كلثوم فتزوجها أيضا عثمان بعد أختها رقية وتوفيت عنده. وأما فاطمة (عليها السلام) فسنفرد لها بابا فيما بعد إن شاء الله. ولم يكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولد من غير خديجة إلا إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مارية القبطية، ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وستة أشهر وبعض أيام. وقبره بالبقيع. (1) [10] - 10 - قال ابن أبي الثلج البغدادي: قال الفريابي حدثني أخي عبد الله بن محمد وكان عالما بأمر أهل البيت (عليهم السلام)، حدثني أبي، حدثني ابن سنان، عن أبي نصر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة القاسم وعبد الله والطاهر (2) وزينب ورقية وأم كلثوم
1. إعلام الورى 1: 275، مجموعة نفيسة (تاج المواليه): 84 وفيه القاسم وعبد الله وهو الطاهر والطيب. 2. والصحيح أنه هو عبد الله يعنى الطاهر وهو وصفه. 17 وفاطمة (عليها السلام) ومن مارية القبطية إبراهيم.... (1) نقول: تعد نسبة زينب ورقية وأم كلثوم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كبنات له من المسائل التي أخذت جانبا من الأخذ والرد، وبين القبول والرفض. فعلى الرغم من ذهاب البعض إلى كونهن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة بفاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإن هناك آراء جدية تجزم بأنهن ربائبه ولسن بناته. (2) مولده (صلى الله عليه وآله) [11] - 11 - قال الشهيد: ولد بمكة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل. (3) [12] - 12 - قال الطوسي: ولد بمكة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل. (4) [13] - 13 - قال المسعودي: وكانت ولادة آمنة بنت وهب بنعبد مناف أما السيد [(صلى الله عليه وآله)] في شهر ربيع الأول من عام الفيل وكان ملك ذلك الزمان كسرى انو شيروان صاحب المدائن. (5) [14] - 14 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل. (6)
1. مجموعة نفيسة (تاريخ الائمة): 15. 2. من أراد كثرة الاطلاع في هذا الموضوع فليراجع إلى كتاب بنات النبي أم ربائبه للعلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي. 3. الدروس الشرعية 2: 5، البحار 15: 151 متفرقا. 4. التهذيب 6: 2، اقبال الاعمال لسيد بن طاووس: 603، البحار 15: 250. 5. اثبات الوصية: 122. 6. السيرة النبوية 1: 167، عنه الكامل في التاريخ 1: 294. 18 [15] - 15 - قال الكليني: ولد النبي (صلى الله عليه وآله) لاثنتي عشر ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال، وروى أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة. (1) [16] - 16 - وقال الطبرسي: ولد (صلى الله عليه وآله) [بمكة شرفها الله تعالى] يوم الجمعة عند طلوع الشمس السابع عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل وفي رواية العامة ولد (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين ثم اختلفوا فمن قائل يقول لليلتين من شهر ربيع الأول ومن قائل يقول لعشر ليال خلون منه. (2) [17] - 17 - وقال الإربلي: وقيل لاثنتي عشرة ليلة وروى لثماني عشرة ليلة منه وقيل لعشر خلون منه وقيل لثمان بقين منه وقيل لثمان خلون من ربيع الأول. (3) والمختار والمشهور عند الإمامية أنه (صلى الله عليه وآله) ولد بمكة يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام الفيل بأربعين سنة قبل البعثة. تاريخ شهادته (صلى الله عليه وآله) [18] - 18 - قال المفيد: وكان ذلك [وفاته (صلى الله عليه وآله)] يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من هجرته (صلى الله عليه وآله). (4) [19] - 19 - قال الطوسي: وقبض [(صلى الله عليه وآله)] بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من
1. الكافي 1: 439 عنه البحار 15: 251 ح 5. 2. اعلام الورى 1: 42، عنه كشف الغمة 1: 14، الطبقات الكبرى 1: 80 وفيه رواية العامة فقط، البحار 15: 279 ح 25، التهذيب 6: 2، مجموعة نفيسة (مسار الشيعة) 29 وفي الأخيرين صدر الرواية فقط. 3. كشف الغمة 1: 14. 4. الارشاد: 101، مصباح المتهجد: 790، إعلام الورى 1: 53، كشف الغمة 1: 16، مجموعة نفيسة (تاج المواليد) 83، المصباح للكفعمي: 690، التتمة في تواريخ الأئمة: 33. 19 الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة. (1) [20] - 20 - وقال أيضا: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي، قال: عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي، قال: حدثنا أبي، عن أبن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر ربيع الأول في إثنتى عشرة مضت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء. (2) [21] - 21 - قال المسعودي: وروى أنه قبض في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة فكانت ثلاثا وستين سنة. (3) [22] - 22 - قال الكليني: ثم قبض [(صلى الله عليه وآله)] لاثنتي عشر ليلة مضت من ربيع الأول يوم الاثنين وهو ابن ثلاث وستين سنة. (4) [23] - 23 - قال ابن عبد البر: ثم بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بيت ميمونة ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة... وقبض (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين ضحى في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ودفن يوم الثلثاء حين زاغت الشمس وقيل بل دفن ليلة الأربعاء (صلى الله عليه وآله). (5)
1. التهذيب 6: 2، روضة الواعظين 71، كشف الغمة 1: 16. 2. الأمالي: 266 ح 29، مروج الذهب 2: 287 مع اختلاف في الالفاظ. 3. اثبات الوصية: 123، الدروس الشرعية 2: 6 فيه يوم الاثنين. 4. الكافي 1: 439، الاستيعاب 1: 34، أسد الغابة 1: 41، تاريخ الطبري 2: 232 نقلا عن الواقدي، الكامل في التاريخ 2: 9 وفيه: قيل يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع الأول، البحار 22: 506 ح 7. 5. الاستيعاب (في حاشية الإصابة) 1: 34، أسد الغابة 1: 41، مسند أحمد 6: 110 متفرقا ومختصرا. 20 والمختار والمشهور عند الإمامية أنه (صلى الله عليه وآله) قبض يوم الاثنين (1) لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة. مدة عمره ورسالته (صلى الله عليه وآله) [24] - 24 - قال الطوسي: وصدع بالرسالة في يوم السابع والعشرين من رجب وله (صلى الله عليه وآله) أربعون سنة. (2) [25] - 25 - قال الكليني: وبقى بمكة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة، ثم هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين، ثم قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة وتوفى أبوه عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين، وماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب لؤي بن غالب وهو (صلى الله عليه وآله) ابن أربع سنين ومات عبد المطلب وللنبي (صلى الله عليه وآله) نحو ثمان سنين وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة، فولد له منها قبل مبعثه (صلى الله عليه وآله): القاسم، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث: الطيب والطاهر وفاطمة (عليها السلام) وروى أيضا أنه لم يولد بعد المبعث إلا فاطمة (عليها السلام) وأن الطيب والطاهر ولدا قبل مبعثه وماتت خديجة (عليها السلام) حين خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الشعب وكان ذلك قبل الهجرة بسنة ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة فلما فقدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) شنأ المقام بمكة ودخله حزن شديد وشكى ذلك إلى جبرئيل (عليه السلام) فأوحى الله تعالى إليه: اخرج من القرية الظالم أهلها فليس لك بمكة ناصر بعد أبي طالب وأمره بالهجرة. (3) ثم قال: فكان عمره (صلى الله عليه وآله) يوم قبض ثلاث وستين سنة. (4)
1. كما قال حسان بن ثابت في شعره بابى وامى من شهدت وفاته في يوم الاثنين النبي المهتدي، السيرة النبوية 4: 320. 2. التهذيب 6: 2، اثبات الوصية: 123، أمالي الطوسي: 45، إعلام الورى 1: 46. 3. الكافي 1: 439، إعلام الورى 1: 52، كشف الغمة 1: 16 مع اختلاف يسير. 4. الكافي 1: 439، مروج الذهب 2: 289، إعلام الورى 1: 46، كشف الغمة 1: 16، البحار 15: 281. 21 الفصل الثاني: في مأساته (صلى الله عليه وآله) رميه (صلى الله عليه وآله) بالسحر والجنون [26] - 1 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن اسلم معه منهم، فأغروا برسول الله (صلى الله عليه وآله): سفهاء هم، فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مظهر لأمر الله لا يستخفى به، مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم. (1) [27] - 2 - وقال أيضا: حدثني بعض أهل العلم: إن أشد ما لقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قريش أنه خرج يوما فلم يلقه أحد من الناس إلا كذبه وآذاه، لا حر ولا عبد، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله، فتدثر من شدة ما أصابه، فأنزل الله تعالى عليه: (يا ايها المدثر قم فأنذر (2)). (3) خبر الصحيفة وحصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) [28] - 3 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نزلوا بلدا أصابوا
1. السيرة النبوية 1: 308. 2. المدثر: 1. 3. السيرة النبوية 1: 310. 22 به أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل، اجتمعوا وائتمروا [بينهم] أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم، وبنى المطلب، على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم، وكان كاتب الصحيفة منصور ابن عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي - قال ابن هشام: ويقال: النضر بن الحارث - فدعا عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشل بعض أصابعه. (1) [29] - 4 - قال ابن إسحاق: فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب، عبد العزى بن عبد المطلب، إلى قريش فظاهرهم. (2) أذى قريش وسبهم للنبي (صلى الله عليه وآله) [30] - 5 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: وكانت قريش إنما تسمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مذمما، ثم يسبونه، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش، يسبون ويهجون مذمما، وأنا محمد. وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح كان إذا رأى رسول الله همزه ولمزه، فأنزل الله تعالى فيه (ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة). (3)
1 و 2. السيرة النبوية 1: 375. 3. السيرة النبوية 1: 382. 23 جرح الرسول في يوم الاحد [31] - 6 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدث بالحجارة حتى وقع لشقه (1)، فأصيبت رباعيته، وشج في وجهه، وكلمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص. [32] - 7 - وقال أيضا: فحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كسرت رباعية النبي (صلى الله عليه وآله) يوم أحد، وشج في وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عزوجل في ذلك: (ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (2)). (3) [33] - 8 - قال ابن أثير: وقاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم احد قتالا شديدا، فرمى بالنبل حتى فنى نبله وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره، ولما جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس (4) ويغسله، فلم ينقطع الدم، فأتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي، و احترقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم. (5) تحمل الشدائد [34] - 9 - روى الحر العاملي: عن الحسين بن حمدان الحصيني: إن رجلا من أصحابه سم له ذراعا وأهداه إليه،
1. الشق: الجانب 2. آل عمران: 128. 3. السيرة النبوية 3: 84. 4. المهراس ماء باحد. وقيل حجر ينقر ويجعل إلى جانب البئر ويصب فيه الماء لينتفع به الناس. 5. الكامل في التاريخ 1: 554، البحار 20: 144. 24 فنطق الذراع وقال: لا تأكلن فإني مسموم، وأهدى له رجلان منهم فرخين مشويين مسمومين فأحياهما الله له وأنطقهما وأخبراه بما فيهما من السم وبمن فعل ذلك. (1) [35] - 10 - قال الطبرسي: وجدت قريش في أذى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أشد الناس عليه عمه أبو لهب، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالسا في الحجر فبعثوا إلى سلى (2) الشاة فألقوه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاغتم رسول الله من ذلك فجاء إلى أبي طالب، فقال: يا عم كيف حسبي فيكم؟ قال: وما ذاك يا ابن أخ؟ قال إن قريشا ألقوا على سلى. فقال لحمزة: خذ السيف، وكانت قريش جالسة في المسجد فجاء أبو طالب (عليه السلام) و معه السيف وحمزة ومعه السيف، فقال: أمر السلى على سبالهم فمن أبي فاضرب عنقه، فما تحرك أحد حتى أمر السلى على سبالهم، ثم التفت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بن أخ هذا حسبك فينا. (3) [36] - 11 - قال الطبرسي: وفي كتاب دلائل النبوة: عن أبي داود، عن شعبة، عن أبي إسحاق: سمعت عمرو بن ميمون يحدث، عن عبد الله قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساجد وحوله ناس من قريش، وثم سلى بعير فقالوا: من يأخذ سلى هذا الجزور أو البعير فيقذفه على ظهره؟ فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهر النبي (صلى الله عليه وآله)، وجاءت فاطمة (عليها السلام) فأخذته من ظهره!؟ ودعت على من صنع ذلك. قال عبد الله: فما رأيت رسول الله دعا عليهم إلا يومئذ فقال: " اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن
1. اثبات الهداة 2: 171 ح 634. 2. السلى: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه وقيل: هو في الماشية السلى، وفي الناس المشيمة. 3. قصص الأنبياء: 320 ح 399، اعلام الورى 1: 120 واللفظ منه، عنه البحار 18: 209 ح 38. 25 أبي معيط، وأمية بن خلف - أو أبي بن خلف - " شك شعبة. قال عبد الله: ولقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب - أو قال: في بئر - غير أن أمية بن خلف - أو أبى بن خلف - كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر. (1) [37] - 12 - قال الطبرسي: وروى علي بن إبراهيم بن هاشم بإسناده قال: كان أبو جهل تعرض لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وآذاه بالكلام، واجتمعت بنو هاشم فأقبل حمزة وكان في الصيد فنظر إلى اجتماع فقال: ما هذا؟ فقالت له امرأة من بعض السطوح: يا أبا يعلى إن عمرو بن هشام تعرض لمحمد وآذاه. فغضب حمزة ومر نحو أبي جهل وأخذ قوسه فضرب بها رأسه ثم احتمله فجلد به الأرض واجتمع الناس وكاد يقع فيهم شر، فقالوا له: يا أبا يعلى صبوت إلى دين ابن أخيك؟ قال: نعم، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، على جهة الغضب والحمية فلما رجع إلى منزله ندم فغدا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا ابن أخ أحقا ما تقول؟ فقرأ عليه (صلى الله عليه وآله) سورة من القرآن، فاستبصر حمزة، وثبت على دين الإسلام، وفرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسر بإسلامه أبو طالب، فقال في ذلك: صبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا وحط من أتى بالدين من عند ربه * بصدق وحق لا تكن حمز كافرا فقد سرني إذا قلت إنك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا (2)
1. قصص الأنبياء: 321 ح 400، وروى ما يقاربه في المناقب لابن شهر آشوب 1: 62، اعلام الورى 1: 120، البحار 18: 209 ذيل ح 38. 2. قصص الأنبياء: 321 ح 401، اعلام الورى 1: 122، البحار 18، 210. 26 الفصل الثالث: في الإخبار بشهادته (صلى الله عليه وآله) عرض القرآن في سنة مرتان [38] - 1 - قال ابن شهر آشوب: ولما مرض النبي (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي توفي فيه وذلك يوم السبت أو يوم الأحد من صفر أخذ بيد علي (عليه السلام) وتبعه جماعة من أصحابه وتوجه إلى البقيع ثم قال: السلام عليكم أهل القبور وليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، إن جبرئيل كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا بحضور أجلي. (1) [39] - 2 - قال المفيد: ثم إنه [(صلى الله عليه وآله)] عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه (صلى الله عليه وآله) على إخراج جماعة من مقدمى المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له الإمرة على ما ذكرناه وجد (صلى الله عليه وآله) في إخراجهم وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلؤم والإبطاء عنه. فبينما هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض
1. المناقب 1: 234. 27 الذي عراه أخذ بيد علي (عليه السلام) واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع فقال لمن اتبعه: إني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: السلام عليكم يا أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، ثم استغفر لأهل البقيع طويلا وأقبل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: إن جبرائيل (عليه السلام) كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي. (1) [40] - 3 - وأضاف المفيد ثم قال: يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة; فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا مت فاغسلني واستر عورتي; فإنه لا يراها أحد إلا أكمه، ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا; ثم خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين (عليه السلام) بيمني يديه وعلى الفضل بن العباس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه; ثم قال: معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم; فمن كان له عندي عدة فليأتنى أعطه إياها، ومن كان له علي دين فليخبرنى به. معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا إلا العمل. أيها الناس لا يدعى مدع، ولا يتمنى متمن; والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجنى إلا عمل مع رحمة ولو عصيت لهويت، اللهم هل بلغت؟ ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ودخل بيته، وكان إذ ذاك في بيت أم سلمة رضي الله عنها فأقام به يوما أو يومين. فجائت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله! وسألت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأذن لها فانتقل (صلى الله عليه وآله) إلى البيت الذي أسكنه عايشة، واستمر به المرض فيه أياما وثقل. (2)
1. الارشاد: 96، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10: 183 مع اختلاف في الالفاظ واختصار. 2. الارشاد: 97، اعلام الورى: 82 مع اختلاف في الالفاظ، البحار 22: 465 ح 19 نقلا عنهما. 28 [41] - 4 - قال الطبراني: حدثنا أسلم بن سهل الواسطي، حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثنا الحكم بن فضيل، عن يعلى بن عطاء، عن عبيد بن حنين، عن أبي مويهبة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصلي على أهل البقيع، فصلى عليهم في ليلته ثلاث مرات، فلما كانت الثالثة قال: " يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي " فأسرجت فركب فسار إلى أهل البقيع ثم نزل فأمسكت دابته فوقف عليهم فقال: ليهنئكم ما أنتم فيه مما في الناس أتت فتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا، الاخرى أشد من الاولى فليهنئكم ما أنتم فيه ثم جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا أبا مويهبة إني أعطيت - أو قال خيرت - مفاتيح ما يفتح الله على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي " قلت: بأبي وأمي يا رسول الله اخترنا قال: " اخترت لقاء ربي " فما مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا سبع أو ثمان حتى قبض (صلى الله عليه وآله). (1) نزول سورة النصر [42] - 5 - روى ابن شهر آشوب: عن أبن عباس والسدي: لما نزل قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون). (2) قال رسول الله [(صلى الله عليه وآله)]: ليتني أعلم متى يكون ذلك؟ فنزلت سورة النصر فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزولها فيقول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقيل له في ذلك فقال: أما إن نفسي نعيت إلي ثم بكى بكاء شديدا فقيل يا رسول الله: أو تبكى من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: فأين هول المطلع وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد وأين القيامة والأهوال؟ فعاش بعد نزول هذه السورة عاما. (3)
1. المعجم الكبير 22: 348 ح 872، تاريخ الإسلام للذهبي 1: 545، تاريخ الطبري 2: 226 مع تفاوت في الالفاظ فيهما. 2. الزمر: 30. 3. المناقب 1: 234. 29 إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بشهادته عند الأصحاب [43] - 6 - قال أبن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن ابن مسعود أنه قال: نعى لنا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة وتشدد لنا فقال " مرحبا بكم حياكم الله بالسلام، رحمكم الله، حفظكم الله، جبركم الله، رزقكم الله، رفعكم الله، نفعكم الله، أداكم [هداكم] الله، وقاكم الله! أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم استخلفه عليكم وأحذركم الله أني لكم منه نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي (وتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) (1). وقال: (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين؟) (2) قلنا: يا رسول الله متى أجلك؟ قال: " دنا الفراق والمنقلب إلى الله وإلى جنة المأوى وإلى سدرة المنتهى وإلى الرفيق الأعلى والكأس الأوفى والحظ والعيش المهنى! " قلنا: يا رسول الله من يغسلك؟ فقال: " رجال من أهلي الأدنى فالأدنى ". قلنا: يا رسول الله ففيم نكفنك؟ فقال: " في ثيابي هذه إن شئتم أو ثياب مصر أو في حلة يمانية " قال: قلنا يا رسول الله من يصلي عليك؟ وبكينا وبكى فقال: " مهلا رحمكم الله وجزاكم عن نبيكم خيرا! إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا على شفة قبري في بيتي هذا، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي على حبيبي وخليلي جبرئيل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت معه جنوده من الملائكة بأجمعهم، ثم ادخلوا فوجا فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية ولا برنة، وليبتدىء بالصلاة علي رجال أهلي ثم نساؤهم ثم أنتم بعد واقرأوا السلام على من غاب من أصحابي واقرأوا السلام على من تبعني على
1. القصص: 83. 2. الزمر: 60. 30 ديني من قومي هذا إلى يوم القيامة! " قلنا: يا رسول الله فمن يدخلك قبرك؟ قال " أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم ". (1)
1. الطبقات الكبرى 2: 197، تاريخ الطبري 2: 228، أمالي الطوسي: 206 ح 354 عنه البحار 22: 455 إلى قوله: " رجال من أهلي الأدنى فالأدنى ". 31 الفصل الرابع: في وصاياه (صلى الله عليه وآله) تأليف القرآن [44] - 1 - روى الطبري الإمامي: عن الباقر (عليه السلام) إنه قال: وأوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجى به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه. (1) [45] - 2 - قال الحسكاني: حدثنا الحسين الجمحي بمكة، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: جمع الله هذه الخصال كلها في على (الا الذين آمنوا) كان والله أول المؤمنين ايمانا (و عملوا الصالحات) وكان أول من صلى وعبد الله من أهل الأرض مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) (و تواصوا بالحق) يعني بالقرآن، وتعلم القرآن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان من أبناء سبع وعشرين سنة (و تواصوا بالصبر) يعنى وأوصى محمد عليا بالصبر عن الدنيا وأوصاه بحفظ فاطمة وبجمع القرآن بعد موته وبقضاء دينه وبغسله بعد موته وأن يبنى حول قبره حائطا لئلا تؤذيه النساء بجلوسهن على قبره وأوصاه بحفظ الحسن والحسين فذلك قوله: (و تواصوا بالصبر). (2)
1. دلائل الإمامة: 236، الأمان: 69 عنه البحار 46: 308 ضمن ح 1، مدينة المعاجز 5: 70. 2. شواهد التنزيل 2: 483 ح 1158. 32 النهي عن الظلم [46] - 3 - روى الطوسي: عن حسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن علي الأزرق قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) عند موته فقال: يا علي لا يظلم الفلاحون بحضرتك ولا تزاد على أرض وضعت عليها ولا سخرة على مسلم. (1) النص على الأئمة (عليهم السلام) [47] - 4 - قال الخزاز القمي: حدثنا محمد بن عبد الله بن المطلب وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله ابن الحسن بن عباس الجوهري، جميعا قالا: حدثنا لاحق اليماني، عن إدريس بن زياد لوى، قال: حدثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أوصيكم في عترتي خيرا، وإياكم والبدع فان كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار. معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. قال: فلما نزل عن المنبر (صلى الله عليه وآله) تبعته حتى دخل بيت عائشة، فدخلت إليه وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله سمعتك تقول: " إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر، وإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة " فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة؟ فقال: [أنا الشمس وعلي القمر والحسن والحسين الفرقدان، فإذا افتقدتمونى فتمسكوا بعلي بعدي وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين]، وأما النجوم
1. التهذيب 7: 154 ح 680، اثبات الهداة 3: 323 ح 85. 33 الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين، تاسعهم مهديهم. ثم قال [(صلى الله عليه وآله)] إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمة ابرار، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى. قلت: فسمهم لي يا رسول الله؟ قال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي، وبعدهما علي زين العابدين، وبعده محمد بن علي الباقر علم النبيين والصادق جعفر بن محمد وابنه كاظم سمي موسى بن عمران والذي يقتل بأرض الغربة ابنه على ثم ابنه محمد والصادقان على والحسن والحجة القائم المنتظر في غيبته، فإنهم عترتي من دمي ولحمي، علمهم علمي وحكمهم حكمي، من آذاني فيهم فلا أناله الله شفاعتي. (1) [48] - 5 - قال الطوسي: أخبرنا جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي ابن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر ابن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلى (عليه السلام): يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنى عشر إماما، ومن بعدهم اثنى عشر مهديا فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه عليا المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون والمهدي، فلا تصلح هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيى على أهل بيتي حيهم وميتهم وعلى نسائي، فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا منها برئ ولم ترني ولم أرها في عرصة القيامة وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين
1. كفاية الأثر: 40. 34 ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد فذلك اثنا عشر إماما. الحديث (1) وصيته (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وأهله [49] - 6 - روى الحر العاملي: عن القاضي محمد بن علي المغازلي، عن زيد بن حارثة، عن عمر بن الخطاب قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد اشتد وجعه فأحببت الخلوة به وكان عنده علي ابن أبي طالب والفضل بن العباس، فجلست حتى نهض الفضل وبقيت أنا وعلي فتبين لرسول الله ما أردت فقال: يا عمر جئت لتسألني إلى من يصير هذا الأمر بعدي؟ فقلت: صدقت يا رسول الله! فقال: هذا خازن سري ووصيي وخليفتي من بعدي فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن تقدم عليه فقد كذب بنبوتي، ثم أدناه وقبل ما بين عينيه ثم قال: الله وليك، الله ناصرك; والى الله من والاك، أنت وصيي وخليفتي من بعدي إلى أن قال: قال حارثة: قلت: ويحك! كيف تقدمتموه وقد سمعت ذلك؟ قال: بأمر كان، قلت: من الله أو من رسوله أو من علي؟ قال: الملك عقيم والحق لابن أبي طالب. (2) [50] - 7 - روى الطوسي: بإسناده عن ابن عباس إنه قال: فلما مضى من الزمان ما مضى، وحضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة حضرته، فقلت له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، قد دنا أجلك فما تأمرني؟
1. كتاب الغيبة: 150 ح 111، مختصر بصائر الدرجات: 539، غاية المرام: 228 ح 59، اثبات الهداة 2: 464 ح 376، الايقاظ من الهجعة: 393، البحار 36: 26 ح 81. 2. اثبات الهداة 3: 367 ح 186. 35 فقال: يا بن عباس، خالف من خالف عليا، ولا تكونن لهم ظهيرا، ولا وليا. قلت: يا رسول الله، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته؟ قال: فبكى (صلى الله عليه وآله) حتى اغمي عليه، ثم قال: يا بن عباس، قد سبق فيهم علم ربي، والذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا وأنكر حقه حتى يغير الله ما به من نعمة. يا بن عباس، إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راض، فاسلك طريقة علي بن أبي طالب، ومل معه حيث مال، وارض به إماما، وعاد من عاداه، ووال من والاه. يا بن عباس، احذر أن يدخلك شك فيه، فإن الشك في علي كفر بالله (تعالى). (1) [51] - 8 - قال الديلمي: ثم أمر (صلى الله عليه وآله) خادمه لأم سلمة فقال: اجمعي لي هؤلاء يعنى نسائه فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهن: إسمعن ما أقول لكن وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال لهن: هذا أخي ووصيي ووارثي والقائم فيكن وفي الأمة من بعدي فاطعنه فيما يأمركن به ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته. ثم قال: يا علي أوصيك بهن فأمسكن ما أطعن الله وأطعنك وأنفق عليهن من مالك وأمرهن بأمرك وانههن عما يريبك وخل سبيلهن إن عصينك، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله إنهن نساء وفيهن الوهن وضعف الرأي، فقال: ارفق بهن ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها. قال: كل نساء النبي قد صمتن فما يقلن شيئا فتكلمت عائشة فقالت: يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه، فقال لها: بلى قد خالفت أمري أشد خلاف وأيم الله لتخالفين قولي هذا ولتعصينه بعدي ولتخرجين من البيت الذي خلفك فيه متبرجة فيه قد حف بك فئات من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك ولتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا أن ذلك كائن، ثم قال: قمن فانصرفن إلى منازلكن، فقمن فانصرفن. (2)
1. الأمالي: 106، عنه كشف الغمة 1: 381، غاية المرام: 303 ح 17. 2. ارشاد القلوب: 337، عنه البحار 28: 107. 36 وصيته التي نزلت من عند الله [52] - 9 - روى الكليني: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحارث ابن جعفر، عن علي بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال: حدثني موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: قلت لأبى عبد الله أليس كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كاتب الوصية ورسول الله (صلى الله عليه وآله) المملى عليه وجبرئيل والملائكة المقربون (عليه السلام) شهود؟ قال: فأطرق طويلا ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنا لها - يعنى عليا (عليه السلام) - فامر النبي (صلى الله عليه وآله) بإخراج من كان في البيت ما خلا عليا (عليه السلام); وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدا، قال: فارتعدت مفاصل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عزوجل وبر، هات الكتاب، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: اقرأه، فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي! هذا عهد ربي تبارك وتعالى الى وشرطه علي وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي (عليه السلام) وأنا أشهد لك [بأبي أنت وأمي] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها؟ فقال علي (عليه السلام): نعم بأبي أنت وأمي علي ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال علي (عليه السلام): نعم أشهد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الان وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال: نعم
37 ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأمي - أشهدهم، فأشهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل (عليه السلام) فيما أمر الله عزوجل أن قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والي الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك [و] على كظم الغيظ وعلى ذهاب حقي وغصب خمسك وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل سقطت على وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقلت لأبي الحسن (عليه السلام) بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله وسنن رسوله، فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فقال: نعم والله شيئا شيئا وحرفا حرفا، أما سمعت قول الله عزوجل: (إنا نحن نحى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (1) والله لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام): أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا. (2) [53] - 10 - قال السيد الرضى: حدثني هارون بن موسى قال حدثني أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي قال حدثني عيسى الضرير، عن أبي الحسن، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين
1. يس: 12. 2. الكافي 1: 281 ح 4، اثبات الوصية 121 مع اختلاف واختصار، الطرف لابن طاووس: 22 رواه مختصرا، البحار 22: 479 ح 28. 38 دفع الوصية إلى علي (عليه السلام) يا علي أعد لهذا جوابا غدا بين يدي ذي العرش فإني محاجك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه ومتشابهه ما أنزل الله وعلى تبليغه من إمرتك بتبليغه وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى أحكامه كلها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحاض عليه وإحيائه مع إقامة حدود الله كلها وطاعته في الأمور بأسرها وإقام الصلوة لأوقاتها وإيتاء الزكاة أهلها والحج إلى بيت الله والجهاد في سبيله فما أنت صانع يا علي، قال فقلت بأبي أنت وأمي إني أرجو بكرامة الله تعالى ومنزلتك عنده ونعمته عليك أن يعينني ربي عز وجل ويثبني فلا ألقاك بين يدي الله مقصرا ولا متوانيا ولا مفرطا ولا اصفر وجهك وقاه وجهي ووجوه آبائي وامهاتي بل تجدني بأبي أنت وأمي مشهرا لوصيتك إن شاء الله تعالى وعلى طريقك ما دمت حيا حتى أقدم عليك ثم الأول فالأول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين، ثم اغمي عليه (صلى الله عليه وآله) فانكببت على صدره ووجهه وأنا أقول وا وحشتاه بأبي أنت وأمي ووحشة ابنتك وابنيك وأطول غماه بعدك يا حبيبي انقطعت أخبار السماء وفقدت بعدك جبرائيل فلا أحس به، ثم أفاق (صلى الله عليه وآله). [54] - 11 - ثم قال: حدثني هارون بن موسى قال حدثني أحمد بن محمد بن عمار قال حدثني أبو موسى الضرير البجلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألت أبي فقلت له ما كان بعد إفاقته (صلى الله عليه وآله)، قال دخل عليه نساء يبكين وارتفعت الأصوات وضج الناس بالباب المهاجرون والأنصار قال علي (عليه السلام) فبينا أنا كذلك إذ نودي أين علي فأقبلت حتى دخلت إليه فانكببت عليه فقال لي يا أخي فهمك الله وسددك ووفقك وأرشدك وأعانك وغفر ذنبك ورفع ذكرك، ثم قال يا أخي إن القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا وهم علي واردون فلا يشغلك عني ما شغلهم فإنما مثلك في الامة مثل الكعبة نصبها الله تعالى علما وإنما تؤتى من كل فج عميق وناد سحيق وإنما أنت العلم علم الهدى ونور الدين وهو نور الله يا أخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد ولقد أخبرت رجلا رجلا بما افترض الله عليهم من حقك وألزمهم من
39 طاعتك فكل أجاب إليك وسلم الأمر لك وإني لأعرف خلاف قولهم فإذا قبضت وفرغت من جميع ما وصيتك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه والفرائض والأحكام على تنزيله ثم امض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم على. (1) [55] - 12 - وأضاف المجلسي: وبالإسناد المتقدم عن عيسى الضرير، عن الكاظم (عليه السلام) قال: قلت لأبى: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: فقال: ثم دعا عليا; وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لام سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت، ثم قال: يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلا، وأخذ بيد علي بيده الأخرى فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديدا وعلي والحسن والحسين: لبكاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ونبيه، من لولدي بعدك؟ ولذل ينزل بي بعدك، من لعلي أخيك، وناصر الدين؟ من لوحي الله أمره؟ ثم بكت واكبت على وجهه فقبلته، وأكب عليه علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فرفع رأسه (صلى الله عليه وآله) إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعله يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني ما سألته يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل (عليه السلام) وأعلم يا علي إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي وملائكته يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها وويل لمن هتك حرمتها وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني برآء،
1. خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 55، الطرف لابن طاووس: 24، البحار 22: 482 ح 30. 40 ثم سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضم فاطمة إليه وعليا والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم بأنهم يدخلون النار، ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى ترضى، ثم لا والله لا أرضى حتى ترضى ثم لا والله لا أرضى حتى ترضى... (1) وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في تجهيزه [56] - 13 - قال الصفار القمي: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن فضيل سكرة قال: قلت لأبى عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك هل للماء حد محدود قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): إذا أنا مت فاستق لي ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي فخذ بمجامع كفني وأجلسني ثم إسئلني عما شئت فوالله لا تسئلني من شيء إلا أجبتك. (2) [57] - 14 - روى الراوندي: عن الصفار، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، قال أبو جعفر (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلى (عليه السلام): إذا أنا مت فاستق سبع قرب من بئر غرس، ثم غسلني وكفني، وخذ بمجامعي وأجلسني واسألني عما شئت، واحفظ عني واكتب فإنك لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به. قال علي (عليه السلام) فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة. (3)
1. البحار 22: 484 ح 31، الطرف: 29 مع اختلاف في بعض الالفاظ. 2. بصائر الدرجات 284 ح 9، الكافي 1: 296 ح 7، التهذيب 1: 435 ح 1397 و ح 1398، الخرائج والجرائح 2: 803 ح 11 المناقب لابن شهر آشوب 2: 37 مع اختلاف في بعض الالفاظ، اثبات الهداة 1: 418 ح 19، البحار 22: 514 ح 15 و 40: 152، مستدرك الوسائل 2: 189 ح 1. 3. الخرائج والجرائح 2: 827 ح 41. 41 [58] - 15 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن حمدان الصيدلاني، قال: حدثنا محمد بن مسلم الواسطي، قال: حدثنا محمد بن هارون، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن زيد الجرمي، عن ابن عباس قال: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك علي بن أبي طالب لأنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا اعانته الملائكة على ذلك فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله فمن يصلي عليك منا إذا كان ذلك منك؟ قال: مه رحمك الله ثم قال لعلى (عليه السلام): يا بن أبي طالب إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني وانق غسلي وكفني في طمري هذين أو في بياض مصر وبرد يمان ولا تغال في كفني، واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله (1) من فوق عرشه. ثم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصى عددهم إلا الله جل وعز، ثم الحافون بالعرش ثم سكان أهل سماء فسماء، ثم جل أهل بيتي ونسائي الأقربون فالأقربون يؤمون ايماء ويسلمون تسليما لا تؤذوني (لا يؤذوني) بصوت نادية ولا رنة... (2) [59] - 16 - قال الصفار القمي: روى محمد بن علي بن محبوب، عن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الهاشمي، عن أيوب بن نوح، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال أوصاني النبي (صلى الله عليه وآله): إذا أنا مت فغسلني بست قرب من بئر غرس فإذا فرغت من غسلي فادرجني في
1. روى الفتال النيسابوري عن ابن الفارسي: يعنى يوجد الله الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من فوق عرشه كما قال تعالى: ان الله وملائكته يصلون على النبي لا أنه تعالى من فوق عرشه، لان الفوق والتحت من أسماء المضاف. 2. الأمالي: 505 ح 6، روضة الواعظين 72، اثبات الهداة 1: 541 ح 173 مختصرا، البحار 22: 507 ح 9. 42 أكفاني ثم ضع فاك على فمي قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة. (1) [60] - 17 - روى النعمان المغربي: عن علي (عليه السلام) إنه قال: لما أوصى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أغسله، ولا يغسله معي أحد غيري، قلت: يا رسول الله إنك رجل ثقيل البدن لا أستطيع أن أقلبك وحدي، فقال لي: إن جبرئيل معك يتولى غسلي، قلت: فمن يناولني الماء؟ قال: يناولك الفضل، وقل له فليغط عينيه فإنه لا ينظر إلى عورتي أحد غيرك إلا ذهب بصره. وقال أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام): وكان الفضل بن عباس يناوله الماء وقد غصب عينيه وعلي وجبرئيل يغسلانه صلوات الله عليه.... (2) [61] - 18 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزه، عن ابن أبي سعيد، عن أبان بن ثعلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموت دخل عليه علي (عليه السلام) فأدخل رأسه ثم قال: يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم أقعدني وسلني واكتب. (3) وفي هذا المعنى روايات مختلفه بأسناد عديدة تركناها احترازا عن الإطناب فمن أراد الإطلاع عليها فليراجع إلى الكتب المذكورة في الهامش. [62] - 19 - روى السيد بن طاووس: عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): كان في الوصية أن يدفع إلى الحنوط فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بقليل فقال: يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنة دفعه الى جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: أقسماه وأعزلا منه لي ولكما، قالت [فاطمة] لك ثلثه وليكن الناظر في الباقي على ابن أبي
1. بصائر الدرجات 284 ح 10، الاستبصار 1: 196 ح 687 و 688 والمناقب لابن شهر آشوب 1: 238 مختصرا، الخرائج والجرائح 2: 804 ح 12، البحار 40: 213 ح 1. 2. دعائم الإسلام 1: 228، البحار 81: 306 ح 27، مستدرك الوسائل 2: 166 ح 1705. 3. الكافي 1: 297 ح 8، بصائر الدرجات 282: 1، اثبات الوصية: 122 والخرائج والجرائح 2: 828 ح 42 و اثبات الهداة 1: 600 ح 268 مع اختلاف في بعض الالفاظ. 43 طالب (عليه السلام) فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضمها إليه وقال: موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، قال: نصف ما بقي لها ونصف لمن ترى يا رسول الله قال: هو لك فاقبضه. (1) [63] - 20 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن سيف، عن أبي المغرا، عن عقبة بن بشير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي ادفني في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورش عليه من الماء. (2) آخر ما أوصى إليه النبي (صلى الله عليه وآله) [64] - 21 - قال أبن أثير: وروى موسى بن أكتل بن عمير النميري، عن عمه عامر بن عمير وكان شهد حجة الوداع مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: آخر ما تكلم به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه: الصلاة، الصلاة. (3) [65] - 22 - روى الحميري: عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن بكر بن محمد الأزدي قال: سأله [أبا عبد الله (عليه السلام)] أبو بصير - وأنا جالس عنده - عن الحور العين، فقال له: جعلت فداك، أخلق من خلق الدنيا، أو خلق من خلق الجنة؟ فقال له: ما أنت وذاك! عليك بالصلاة، فإن آخر ما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحث عليه الصلاة. إياكم أن يستخف أحدكم بصلاته، فلا هو إذا كان شابا أتمها ولا هو إذا كان شيخا قوى عليها. وما أشد من سرقة الصلاة فإذا أقام أحدكم فليعتدل، وإذا ركع فليتمكن، وإذا رفع رأسه فليعتدل، وإذا سجد فلينفرج وليتمكن، فإذا رفع رأسه فليعتدل، وإذا سجد فلينفرج، فإذا رفع رأسه فليلبث حتى يسكن. (4)
1. الطرف: 41، البحار 22: 492 ح 37، وسائل الشيعة 2: 731 ح 10. 2. الكافي 1: 450 ح 36، اثبات الهداة 3: 306 ح 52. 3. أسد الغابة 3: 135. 4. قرب الاسناد: 36 ح 118، البحار 84: 236 ح 15. 44 [66] - 23 - قال البرقي: وفي رواية ابن محبوب، رفع الحديث إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفي فيه وأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: لا ينال شفاعتي من أخر الصلاة بعد وقتها. (1) [67] - 24 - قال أبن سعد: أخبرنا أسباط بن محمد القرشي، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يغرغر بها في صدره وما كاد يفيض بها لسانه. أخبرنا وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن سليمان التيمي، عن من سمع أنس بن مالك يقول: كانت عامة وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يغرغر بنفسه الصلاة وما ملكت أيمانكم. أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا: أخبرنا همام بن يحيى، عن قتادة عن أبي الخليل، عن سفينة، عن ام سلمة أن النبي، وهو في الموت جعل يقول: " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم! " قال يزيد: فجعل يقولها وما يفيض بها لسانه، وقال عفان: فجعل يتكلم بها وما يفيض لسانه. أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي امامة، عن كعب بن مالك قال: اغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساعة ثم أفاق فقال: " الله الله فيما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول ". (2) [68] - 25 - وقال أيضا: أخبرنا حفص بن عمر الحوضي، أخبرنا عمر بن الفضل العبدي، عن نعيم بن يزيد، أخبرنا علي بن أبي طالب: أن رسول الله، لما ثقل قال: " يا علي ائتني بطبق اكتب فيه
1. المحاسن 1: 159 ح 224، عنه البحار 83: 20 ح 35. 2. الطبقات الكبرى 2: 195. 45 ما لا تضل أمتي بعدي "، قال: فخشيت أن تسبقني نفسه فقلت إني أحفظ ذراعا من الصحيفة، قال: فكان رأسه بين ذراعي وعضدي فجعل يوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم، قال: كذلك حتى فاظت نفسه وأمر بشهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فاظت نفسه، من شهد بهما حرم على النار. (1) [69] - 26 - قال سيد بن طاووس: ومن الصلوات بين العشائين ما رواه أبو الحسن علي بن الحسين بن أحمد ابن علي بن إبراهيم بن محمد العلوي الجواني في كتابه إلينا قال: حدثني أبي، عن جده علي بن إبراهيم الجواني، قال: حدثنا سلمة بن سليمان السراوي، قال: حدثنا عتيق بن أحمد ابن رياح، قال: حدثنا عمر بن سعد الجرجاني، قال: حدثنا عثمان بن محمد الصباح، قال: حدثنا داود بن سليمان الجرجاني، قال: حدثنا عمر بن سعيد الزهري، عن الصادق، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: قلنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاته: يا رسول الله أوصنا فقال: اوصيكم بركعتين بين المغرب والعشاء الآخرة تقرء في الأولى الحمد وإذا زلزلت الأرض زلزالها ثلاث عشرة مرة، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة فانه من فعل ذلك في كل شهر كان من المتقين، فإن فعل ذلك في كل سنة كتب من المحسنين، فإن فعل ذلك في كل جمعة مرة كتب من المصلين، فإن فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة، ولم يحص ثوابه إلا الله رب العالمين جل وتعالى. (2)
1. الطبقات الكبرى 2: 187. 2. مصباح المتهجد: 107، فلاح السائل: 246 واللفظ المتن منه، عنه البحار 87: 98 ح 16. 46 الفصل الخامس: في احتضاره (صلى الله عليه وآله) أخذ علي (عليه السلام) تراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقضاء دينه [70] - 1 - روى الكليني: عن محمد بن الحسين وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضى دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، (1) قال: فأطرق (صلى الله عليه وآله) هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضى دينه؟ فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح. قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضى دينه وتقبض تراثه؟ فقال: نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي، قال: فنظرت إليه نزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي، قال: فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في إصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم. ثم صاح يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب (2) والبرد والأبرقة والقضيب، قال: فو الله ما رأيتها غير ساعتي تلك - يعني الأبرقة -
1. اى تسابقه. 2. السحاب: اسم عمامته (صلى الله عليه وآله). 47 فجييء بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنة فقال: يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال: يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستدفر (1) بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعا أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف والقميصين: القميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم احد، والقلانس الثلاث: قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه. ثم قال: يا بلال علي بالبغلتين: الشهباء والدلدل والناقتين: العضباء والقصوى والفرسين: الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحيزوم وهو الذي كان يقول: أقدم حيزوم، والحمار: عفير فقال: اقبضها في حياتي. فذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) إن أول شئ من الدواب توفى: عفير، ساعة قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. (2) [71] - 2 - قال الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر الرزاز أبي العباس القرشي، قال: حدثنا أيوب بن نوح بن دراج، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن زائدة، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن محمد بن علي وعن زيد بن علي، كلاهما عن أبيهما علي ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: لما ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه كان رأسه في حجري والبيت مملوء من أصحابه من المهاجرين والأنصار، والعباس بين يديه، يذب عنه بطرف ردائه، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغمي عليه ساعة ويفيق ساعة، ثم وجد خفة، فأقبل على العباس، فقال: يا عباس، يا عم النبي، أقبل وصيتي في أهلي وفي أزواجي، واقض ديني،
1. اى شد الوسط بالمنطقة ونحوها. 2. الكافي 1: 236 ح 9، علل الشرايع: 166، الطرف لسيد بن طاوس: 14، البحار 22: 456 ح 3. 48 وانجز عداتي وابرئ ذمتي. فقال العباس: يا نبي الله، أنا شيخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، وأنت أجود من السحاب الهاطل والريح المرسلة، فلو صرفت ذلك عني إلى من هو أطوق له منى. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إني ساعطيها من يأخذها بحقها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقبل وصيتي وانجز مواعيدي وأد ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلغ عني من بعدي. قال علي (عليه السلام): فلما نعى إلى نفسه، رجف فؤادي والقى على لقوله البكاء فلم أقدر أن أجيبه بشيء، ثم عاد لقوله فقال: يا علي، أو تقبل وصيتي؟ قال: فقلت، وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أبين: نعم يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): يا بلال ائتني بسوادي (1)، ائتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وائتني بالعنزة (2) والممشوق (3); فأتى بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة. ثم قال: ائتني بالمرتجز والعضباء، ائتني باليعفور والدلدل; فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثم قال: ائتني بالاتحمية (4) والسحاب; فأتاه بهما فلم يزل يدعو بشيء شيء، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتى بها، والبيت غاص يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار. ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا; ومد إصبعه، وقال: في حياة مني، وشهادة من في البيت، لكيلا ينازعك أحد من بعدي; فقمت وما أكاد أمشى على قدم حتى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال: يا علي أجلسني; فأجلسته وأسندته إلى صدري. قال علي (عليه السلام): فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن رأسه ليثقل ضعفا، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم: أن أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي علي
1. السواد: الأمتعة. 2. العنزة: أطول من العصاء واقصر من الرمح. 3. طويل دقيق. 4. نوع من البرد. 49 ابن أبي طالب يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم يا بني عبد المطلب، لا تبغضوا عليا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا، أضجعني يا علي; فأضجعته فقال: يا بلال ائتني بولدي الحسن والحسين; فانطلق فجاء بهما فأسندهما إلى صدره، فجعل (صلى الله عليه وآله) يشمهما. قال علي (عليه السلام): فظننت أنهما قد غماه - قال أبو الجارود: يعنى أكرباه - فذهبت لآخذهما عنه، فقال: دعهما يا علي يشماني وأشمهما، ويتزودا مني وأتزود منهما، فسيلقيان من بعدي أمرا عضالا، فلعن الله من يخيفهما، اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين. (1) [72] - 3 - روى الفتال النيسابوري: عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في ذلك المرض: ادعوا لي حبيبي فجعل يدعى له رجل بعد رجل فيعرض عنه فقيل لفاطمة امضى إلى علي (عليه السلام) ما نرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد غير علي فبعثت فاطمة إلى علي (عليه السلام) فلما دخل فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينيه وتهلل وجهه; ثم قال: إلى يا علي فما زال علي (عليه السلام) يدنيه حتى أخذ بيده وأجلسه عند رأسه، ثم أغمى عليه (صلى الله عليه وآله)، فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) يصيحان يضجان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله، فأراد على أن ينحيهما عنه فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال يا علي دعني أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما فلعنة الله على من يظلمهما، يقول ذلك ثلاثا ثم مد يده إلى علي (عليه السلام) فجذبه إليه حتى أدخلها تحت ثوبه الذي كان عليه; ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة (صلى الله عليه وآله) فانسل علي (عليه السلام) من تحت ثيابه وقال: عظم الله أجوركم في نبيكم فقد قبضه الله، فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء فقيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما الذي ناجاك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أدخلت تحت ثيابه، فقال: علمني ألف باب كل باب يفتح ألف باب. (2)
1. الأمالي: 600 ح 1244، كشف الغمة 1: 409، غاية المرام: 307 ح 25 مع اختلاف في الالفاظ فيها، اثبات الهداة 3: 453 ح 366 مختصرا، البحار 22: 500 ح 47 نقلا عن الأمالي. 2. روضة الواعظين: 75، المناقب لابن شهر آشوب 1: 236 مع اختلاف في الالفاظ، البحار 22: 521 ح 29 مختصرا. 50 اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بحقوق الناس ودعائه [73] - 4 - قال أبن سعد: أخبرنا كثير بن هشام قال: أخبرنا جعفر بن برقان قال: حدثني رجل من أهل مكة قال: دخل الفضل بن عباس على النبي (صلى الله عليه وآله)، في مرضه فقال: " يا فضل شد هذه العصابة على رأسي " فشدها ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): " أرنا يدك! " قال: فأخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله)، فانتهض حتى دخل المسجد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إنه قد دنا مني حقوق من بين ظهركم وإنما أنا بشر فأيما رجل كنت أصبت من عرضه شيئا فهذا عرضي فليقتص! وأيما رجل كنت أصبت من بشره شيئا فهذا بشرى فليقتص! وأيما رجل كنت أصبت من ماله شيئا فهذا مالي فليأخذ! واعلموا أن أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء فأخذه أو حللني فلقيت ربي وأنا محلل لي، ولا يقولن رجل إني أخاف العداوة والشحناء من رسول الله فإنهما ليستا من طبيعتي ولا من خلقي! ومن غلبته نفسه على شيء فليستعن بي حتى أدعو له "; فقام رجل فقال: أتاك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم. قال: " صدق، أعطها إياه يا فضل! " قال: ثم قام رجل فقال: يا رسول الله إني لبخيل وإني لجبان وإني لنؤوم فأدع الله أن يذهب عني البخل والجبن والنوم! فدعا له، ثم قامت امرأة فقالت: إني لكذا وإني لكذا فادع الله أن يذهب عني ذلك! قال: " إذهبي إلى منزل عائشة ". فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل عائشة وضع عصاه على رأسها ثم دعا لها، قالت عائشة: فمكثت تكثر السجود فقال: " أطيلي السجود فإن أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا! " فقالت عائشة: فوالله ما فارقتني حتى عرفت دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيها. (1) [74] - 5 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب منبه، عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس في قول الله عزوجل (إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره
1. الطبقات الكبرى 2: 196، تاريخ الطبري 2: 227 مع اختلاف في الالفاظ والسند. 51 إنه كان توابا). قال: لما نزلت، قال محمد (صلى الله عليه وآله): " يا جبريل نفسي قد نعيت ". قال جبريل (عليه السلام): الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم صعد المنبر فحمد الله عزوجل وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون ثم قال: " أيها الناس أي نبي كنت لكم؟ " فقالوا: جزاك الله من نبي خيرا، فلقد كنت بنا كالأب الرحيم وكالأخ الناصح المشفق أديت رسالات الله عزوجل وأبلغتنا وحيه ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته، فقال لهم: " معاشر المسلمين أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني " فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة " معاشر المسلمين أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة " فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول الله، فقال: فداك أبي وأمي لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي يقدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة فلما فتح الله عزوجل علينا ونصر نبيه، وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدرى أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أعيذك بجلال الله أن يتعمدك رسول الله بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق " فخرج بلال من المسجد ويده على أم رأسه وهو ينادي: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال يا بنت رسول الله ناوليني القضيب الممشوق، فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟ فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من
52 نفسه، فقالت فاطمة (عليها السلام): يا بلال ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ يا بلال إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل، فيقتص منهما ولا يدعانه يقتص من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) القضيب إلى عكاشة... فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا تطيب نفسي أن يضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مئة ولا تقتص من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " يا علي اقعد فقد عرف الله عزوجل مقامك ونيتك " وقام الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: يا عكاشة أليس تعلم أنا سبطا رسول الله؟ فالقصاص منا كالقصاص من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لهما (صلى الله عليه وآله) " اقعدا يا قرة عيني لا نسي الله لكما هذا المقام " ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله): " يا عكاشة اضرب إن كنت ضاربا " فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه (صلى الله عليه وآله)، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى عكاشة ضارب رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأنه القباطي، لم يملك أن كب عليه وقبل بطنه وهو يقول: فداء لك أبي وأمي ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " إما أن تضرب وإما أن تعفو " فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في القيامة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ ". فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون طوباك طوباك نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فمرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يومه، فكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس، وكان (صلى الله عليه وآله) ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين. (1)
1. المعجم الكبير 3: 58، حلية الأولياء 4: 73، مجمع الزوائد 9: 27، أمالي الصدوق: 505، روضة الواعظين: 73، المناقب لابن شهرآشوب 1: 235، البحار 22: 507 ح 9 عن الأمالي مختصرا وفيها: فقام إليه رجل من أقصى القوم يقال له: سوادة بن قيس، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 95 ح 71. 53 تعليمه (صلى الله عليه وآله) عليا ألف باب علم [75] - 6 - قال الصفار: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف، عن أبي بكر، عن عمار الدهني عن مولى الرافعي، عن أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفى فيه: ادعوا لي خليلي فأرسلت عايشة إلى أبيها فلما جاء غطى رسول الله وجهه وقال: ادعوا لي خليلي فرجع متحيرا وأرسلت حفصة إلى أبيها فلما جائه غطى وجهه وقال: ادعوا لي خليلي فرجع متحيرا فأرسلت فاطمة (عليها السلام)، إلى علي (عليه السلام) فلما أن جاء قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم جلل عليا (عليه السلام) بثوبه فقال علي (عليه السلام): حدثني ألف حديث كل حديث يفتح ألف باب عرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسال عرقه علي وسال عرقي عليه. (1) رزية يوم الخميس [76] - 7 - قال ابن سعد: أخبرنا يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان، يعنى الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: اشتكى النبي (صلى الله عليه وآله)، يوم الخميس فجعل - يعنى ابن عباس - يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس! اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال: " ائتوني بداوة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " قال: فقال بعض من كان عنده إن نبي الله ليهجر! قال فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: " أو بعد ماذا؟ " قال: فلم يدع به. (2) [77] - 8 - وقال أيضا: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم خال ابن أبي نجيح سمع سعيد
1. بصائر الدرجات: 314 ح 2، الخصال: 642 ح 21 و 646 ح 32 و 651 ح 52، البحار 22: 461 ح 9 و 462 ح 12، مع اختلاف في الالفاظ والاسناد فيها وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة مع اسناد والفاظ مختلفة. 2. الطبقات الكبرى 2: 187، المناقب لابن شهرآشوب 1: 235، عنه البحار 22: 472 ح 21 و 30: 533. 54 بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعه في ذلك اليوم فقال: " ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه، أهجر؟ استفهموه! فذهبوا يعيدون عليه فقال: " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه وأوصي بثلاث "، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم "، وسكت عن الثالثة فلا أدرى قالها فنسيتها أو سكت عنها عمدا. (1) [78] - 9 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني قرة بن خالد، أخبرنا أبو الزبير أخبرنا جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما كان في مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون، قال: فكان في البيت لغط و كلام وتكلم عمر بن الخطاب قال فرفضه النبي (صلى الله عليه وآله). (2) [79] - 10 - وقال أيضا: أخبرنا حجاج بن نصير، أخبرنا مالك بن مغول قال سمعت طلحة بن مصرف يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: وكاني أنظر إلى دموع ابن عباس على خده كأنها نظام اللؤلؤ! قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " قال: فقالوا: إنما يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). [80] - 11 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر الخطاب قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله)، وبيننا وبين النساء حجاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
1. الطبقات الكبرى 2: 187، الايضاح لابن شاذان: 359 وفيه: أنفذوا جيش اسامة بن زيد، تاريخ الطبري 2: 228، البحار 30: 530. 2. الطبقات الكبرى 2: 187. 3. الطبقات الكبرى 2: 188، تاريخ الطبري 2: 229، البحار 30: 534. 55 " اغسلوني بسبع قرب واتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا! " فقال النسوة: ائتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بحاجته قال عمر: فقلت اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " هن خير منكم! ". وأخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن يزيد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دعا النبي (صلى الله عليه وآله)، عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لأمته لا يضلوا ولا يضلوا فلغطوا عنده رفضها النبي (صلى الله عليه وآله). وأخبرنا محمد بن عمر، حدثني أسامة بن زيد الليثي ومعمر بن راشد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده! " فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله! فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: " قوموا عني! " فقال عبيد الله بن عبد الله فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وأخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود ابن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال في مرضه الذي مات فيه: " ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا! " فقال عمر بن الخطاب: من لفلانة وفلانة مدائن الروم؟ إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليس بميت حتى نفتتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى! فقالت زينب زوج النبي (صلى الله عليه وآله) ألا تسمعون النبي (صلى الله عليه وآله) يعهد إليكم؟ فلغطوا فقال: " قوموا " فلما قاموا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) مكانه. (1)
1. الطبقات الكبرى 2: 188 وفي هذا المعنى روايات كثيرة باسناد والفاظ مختلفة فراجع: مسند أحمد 1: 336، جامع الأصول 11: 387، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 51، أمالي المفيد: 36، المناقب لابن شهر آشوب 1: 235، البحار 22: 477 و 472 ح 21 و 497 ح 44، و 30: 530. 56 فرحة فاطمة (عليها السلام) وحزنها [81] - 12 - قال الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا محمد بن فيروز بن غياث الجلاب بباب الأبواب، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن المختار الباني، ويعرف بفضلان صاحب الجار، قال: حدثني أبي المفضل بن مختار، عن الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي، عن ثابت ابن صفية أبي حمزة، قال: حدثني أبو عامر القاسم بن عوف، عن أبي الطفيل عامر ابن واثلة قال: حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عما يجد، وقمت لأخرج، فقال لي: اجلس يا سلمان فسيشهدك الله عزوجل أمرا إنه لمن خير الأمور; فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمة (عليها السلام) ابنته فيمن دخل، فلما رأت ما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها، فأبصر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما يبكيك يا بنية، أقر الله عينك، ولا أبكاها؟ قالت: وكيف لا أبكي، وأنا أرى ما بك من الضعف. قال لها: يا فاطمة، توكلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، وأمهاتك من أزواجهم، ألا ابشرك يا فاطمة؟ قالت: بلى يا نبي الله - أو قالت: يا أبه -. قال: أما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبيا، وبعثه إلى كافة الخلق رسولا، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيرا ووصيا. يا فاطمة، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما، وأحلمهم حلما، وأثبتهم في الميزان قدرا; فاستبشرت فاطمة (عليها السلام)، فأقبل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هل سررتك يا فاطمة؟ قالت: نعم يا أبه. قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت: بلى يا نبي الله. قال: إن عليا أول من آمن بالله عزوجل ورسوله من هذه الأمة، هو وخديجة أمك، أول من وازرني على ما جئت. يا فاطمة، إن عليا أخي وصفيي وأبو ولدي، إن عليا أعطى خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني
57 عزاك واعلمي أن أباك لاحق بالله عزوجل. قالت: يا أبتاه فرحتني واحزنتني. قال: كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟ قالت: بلى يا رسول الله. قال: إن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعليا في خيرهما قسما، وذلك قوله عزوجل (و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين (1)) ثم جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله عزوجل (و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (2)) ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله سبحانه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا (3))، ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي، واختار عليا والحسن والحسين واختارك، فأنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، وأنت سيدة النساء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدى، يملأ الله (عزوجل) به الأرض عدلا كما ملئت من قبله جورا. (4) تسلية النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) [82] - 13 - قال الخزاز القمي: حدثنا القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا البغدادي، قال حدثني محمد بن همام ابن سهيل الكاتب، قال حدثني محمد بن معافا السلماسي، عن محمد بن عامر، قال حدثنا عبد الله بن زاهر، عن عبد العدوس، عن الأعمش، عن حبش بن المعتمر قال: قال أبو ذر الغفاري رحمة الله عليه: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفي فيه، فقال: يا أبا ذر ايتني بابنتي فاطمة.
1. الواقعة: 27. 2. الحجرات: 13. 3. الأحزاب: 33. 4. الأمالي: 606 ح 1245، تفسير الفرات: 464 ح 607، البحار 22: 496 ح 43 و 502 ح 48 عن الأمالي مع اختلاف في الالفاظ. 58 قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباك. قال: فلبث منحلها [فلبست منجلها] وأبرزت وخرجت حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رأت رسول الله (صلى الله عليه وآله) انكبت عليه وبكت وبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبكائها وضمها إليه، ثم قال: يا فاطمة لا تبكين فداك أبوك، فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف يظهر بعدي حسيكة النفاق وسمل حلباب الدين، وأنت أول من يرد علي الحوض. قالت: يا أبه أين ألقاك؟ قال: تلقيني عند الحوض وأنا أسقى شيعتك ومحبيك وأطرد أعداءك ومبغضيك. قالت: يا رسول الله فإن لم ألقك عند الحوض؟ قال: تلقيني عند الميزان. قالت: يا أبه وإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا أقول: سلم سلم شيعة على. قال أبو ذر: فسكن قلبها، ثم التفت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أبا ذر إنها بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ألا إنها سيدة نساء العالمين، وبعلها سيد الوصيين، وابنيها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما إمامان إن قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون قوامون بالقسط، ومنا مهدى هذه الأمة. قال: قلت: يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بنى إسرائيل. (1) [83] - 14 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبى عياش، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي رضى الله عنه يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه التي قبض فيها فدخلت فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا
1. كفاية الأثر: 36، عنه البحار 36: 288 ح 110. 59 رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالبكاء، ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت أختار الله عزوجل لنا الآخرة على الدنيا وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فأختارني من خلقه فجعلني نبيا ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى الي أن أزوجك اياه وأتخذه وليا ووزيرا وأن أجعله خليفتي في أمتي فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء وأنت أول من يلحق بي من أهلي، ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختارك وولديك; فأنت سيدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون، وأول الاوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم، أما تعلمين يا بنية إن من كرامة الله اياك أن زوجك خير أمتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما، فاستبشرت فاطمة (عليها السلام) وفرحت بما قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: يا بنية إن لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله عزوجل وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير علي (عليه السلام) وأن الله جل وعز علمني علما لا يعلمه غيري وعلم ملائكته ورسله علما فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره، وأنك يا بنية زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فإن الله عز وجل آتاه الحكمة وفصل الخطاب، يا بنية إنا أهل بيت أعطانا الله عزو جل ست خصال لم يعطها أحدا من الأولين كان قبلكم، ولم يعطها أحدا من الآخرين غيرنا، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين، وهو أبوك، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك; قالت: يا رسول الله هو سيد الشهداء الذين قتلوا معه؟ قال: لا بل سيد شهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء
60 والاوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة وابناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الامة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، قالت: وأى هؤلاء الذين سميتهم أفضل؟ قال: علي بعدي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي حسن وحسين، وبعد الاوصياء من ولد ابني هذا - وأشار إلى الحسين - منهم المهدي، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليها، وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان اشهد الله أني سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، أما إنهم معي في الجنة. ثم أقبل على علي (عليه السلام) فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك وإن لم تجد أعوانا فاصبر، وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة إذا استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. يا علي إن الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الامة، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى لا يختلف اثنان من هذه الامة ولا ينازع في شيء من أمره ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله، ولو شاء لعجل النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى، فقال علي (عليه السلام) الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه. (1) [84] - 15 - قال الخزاز: حدثني علي بن الحسن بن محمد، قال: حدثنا هارون بن موسى، قال: حدثني
1. كمال الدين: 262 ح 10، كتاب سليم بن قيس: 69، أسد الغابة 4: 127 ذكر اول الحديث، كشف الغمة 1: 153 و 2: 468، البحار 28: 52 ح 21 و 51: 78 ح 37 و 91 مع اختلاف واختصار. 61 محمد بن علي بن معمر، قال: حدثني عبد الله بن معبد، قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الممتع، قال: حدثني عبد الكريم بن هلال، عن أسلم، عن أبي الطفيل، عن عمار، قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا بعلى (عليه السلام) فساره طويلا ثم قال: يا علي أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصب على حقد. فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين، فقال لفاطمة: يا سيدة النسوان مم بكاؤك؟ قالت: يا أبه أخشى الضيعة بعدك. قال: أبشرى يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، ولا تبكي ولا تحزني، فإنك سيدة نساء أهل الجنة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك خير الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون، ومنا مهدى هذه الأمة. ثم التفت إلى علي (عليه السلام) فقال: يا علي لا يلي غسلي وتكفيني غيرك. فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله من يناولني الماء فإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك. فقال: إن جبرئيل معك والفضل يناولك الماء وليغطى [ليغط] عينيه، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا انفقأت عينيه [عيناه]. (1) [85] - 16 - وقال أيضا: أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله شيباني رحمه الله، قال: حدثنا عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي با يارح (؟)، قال: أبو عبد الله الغني الحسن بن معالى، قال: عبد الوهاب بن همام الحميري، قال: حدثنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك الدين ابن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشكاة التي قبض فيها، فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت: أخشى الضيعة من بعدك يا رسول الله. قال: يا حبيبتي لا تبكين، فنحن أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها قبلنا ولا يعطيها أحدا بعدنا: لنا خاتم النبيين
1. كفاية الأثر: 124، عنه البحار 22: 536 ح 38 و 36: 328 ح 184. 62 وأحب الخلق إلى الله عزوجل وهو أنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله عزوجل وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو عمك، ومنا من له جناحان في الجنة يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، [وسوف يخرج الله من صلب الحسين تسعة من الأئمة أمناء معصومين] ومنا مهدي هذه الامة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عزوجل عند ذلك مهدينا التاسع من صلب الحسين (عليها السلام) يفتح حصون الضلالة [وقلوبا غفلا] يقوم بالدرة (1) في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي، فإن الله أرحم بك وأرأف عليك مني، وذلك لمكانك مني وموضعك في قلبي، وزوجك الله زوجا أشرف أهل بيتك حسبا، وأكرمهم نسبا، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأنصرهم (2) بالقضية، وقد سألت ربي عزوجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي، إلا أنك بضعة مني من آذاك فقد آذاني. قال جابر: فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) [فاعتلت فاطمة] دخل إليها رجلان من الصحابة فقالا لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت: أصدقائي هل سمعتما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم قد سمعنا ذلك منه، فرفعت يديها إلى السماء وقالت: اللهم إني أشهدك أنهما قد آذياني وغصبا حقي. ثم أعرضت عنهما فلم تكلمهما بعد ذلك، وعاشت بعد أبيها خمسة وتسعين يوما حتى ألحقها الله به. (3) [86] - 17 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن رزيق بن جامع المصري، حدثنا الهيثم بن حبيب حدثنا سفيان
1. بالدين (خ ل). 2. أبصرهم (خ ل). 3. كفاية الأثر: 62، عنه البحار 36: 307 ح 146. 63 ابن عيينة عن علي بن علي المكي الهلالي، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شكاته التي قبض فيها، فإذا فاطمة رضى الله عنها عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إليها، فقال: " حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ " فقالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: " يا حبيبتي أما علمت أن الله عزوجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعث برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه، يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحد قبلنا ولا يعطى أحد بعدنا، أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله عزو جل وأنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء، وأحبهم إلى الله، وهو عمك حمزة بن عبد المطلب وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الامة، وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدى هذه الامة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا، وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيرا، ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عزوجل عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي، فإن الله عزوجل أرحم بك وأرأف عليك منى، وذلك لمكانك مني وموضعك من قلبي، وزوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتك حسبا وأكرمهم منصبا وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية، وقد سألت ربي عزوجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي " قال علي رضى الله عنه: فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) لم تبق فاطمة (عليها السلام) بعده إلا خمسة وسبعين يوما حتى ألحقها الله به (صلى الله عليه وآله). (1)
1. المعجم الكبير 3: 57 ح 2675، مجمع الزوائد 9: 165. 64 [87] - 18 - قال المفيد: فلما كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في موضعه وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يفارقه إلا لضرورة; فقام في بعض شؤونه، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إفاقة فافتقد عليا (عليه السلام) فقال وأزواجه حوله: ادعوا لي أخي وصاحبي وعاوده الضعف فأصمت، فقالت عايشة ادعوا له أبا بكر! فدعى فدخل عليه وقعد عند رأسه فلما فتح عينه نظر إليه فأعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر فقال لو كان له إلي حاجة لأفضى بها ألى; فلما خرج أعاد رسول الله القول ثانية وقال: ادعوا لي أخي وصاحبي فقالت حفصة ادعوا له عمر فدعى فلما حضر ورآه رسول الله أعرض عنه فانصرف، ثم قال: ادعوا لي أخي وصاحبي فقالت أم سلمة رضى الله عنها: ادعوا له عليا (عليه السلام) فإنه لا يريد غيره فدعى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما دنى منه أومأ إليه فأكب عليه فناجاه رسول الله طويلا، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما أغفى خرج فقال له الناس: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟ فقال: علمني ألف باب من العلم، فتح لي كل باب ألف باب، وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله تعالى. ثم ثقل وحضره الموت وأمير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده. فلما قرب خروج نفسه قال له: ضع يا على رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل على أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى، فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه، فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه، ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له.
65 ثم قبض عليه الصلاة والسلام ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره. فجاءت الرواية: إنه قيل لفاطمة (عليها السلام): ما الذي أسر إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟ قالت: إنه أخبرني أنني أول أهل بيته لحوقا به وأنه لن تطول المدة بي بعده حتى أدركه; فسرى ذلك عني. (1) تسلية فاطمة (عليها السلام) وعلي (عليه السلام) في احتضاره (صلى الله عليه وآله) [88] - 19 - قال فرات الكوفي: حدثني عبيد بن كثير معنعنا، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضى الله عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام): بأبى أنت وأمي أرسلي إلى بعلك فادعيه لي. فقالت فاطمة للحسن (عليه السلام): انطلق إلى أبيك فقل يدعوك جدي قال: فانطلق إليه الحسن فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: وا كرباه لكربك يا أبتاه. فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة إن النبي لا يشق عليه الجيب ولا يخمش عليه الوجه ولا يدعي عليه بالويل ولكن قولي: كما قال أبوك على [أبنه] إبراهيم تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبيا. ثم قال يا علي أدن مني فدنا منه، فقال: أدخل اذنك في في ففعل وقال: يا أخي ألم تسمع قول الله عزوجل في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال بلى يا رسول الله. قال: هو أنت وشيعتك غر محجلون، شباع مرويين أو لم تسمع قول الله عزو جل في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) قال بلى يا رسول الله قال هم عدوك [أعداؤك] و
1. الارشاد: 99، اعلام الورى: 82 مع اختلاف في الالفاظ، البحار 22: 465 ح 19 نقلا عنهما. 66 شيعتهم يجيئون يوم القيامة [مسودة وجوههم] ظمآء مظمئين أشقياء معذبين كفار منافقين ذلك لك ولشيعتك وهذا لعدوك ولشيعتهم. (1) توصيته (صلى الله عليه وآله) بالثقلين [89] - 20 - روى المجلسي: عن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: " لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار ونصرتم فأحسنتم النصرة وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل، العمل معها مقرون إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعا لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحدا للأولى ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا " قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا نمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤفا رحيما شفيقا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم: " كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طريء شاهد ومحكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم غدا فيحاج أقواما فيزل الله به أقدامهم عن الصراط، وأحفظونى معاشر الأنصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة، لا يقوم السقف إلا بها، فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدودا لا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة: دعامة الإسلام، وذلك قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
1. تفسير الفرات الكوفي: 585 ح 755، تفسير البرهان 4: 490 ح 3، البحار 24: 263 ح 22 و 22: 458 ح 4، البحار 68: 54 ح 97، حلية الأبرار 1: 464. 67 فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبله، أيها الناس! أفهمتم؟ الله الله في أهل بيتي، مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة، منهم وصيى وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، ألا هل بلغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، إلا أن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله "، قال عيسى: فبكى أبو الحسن (عليه السلام) طويلا، وقطع بقية كلامه، وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا امه صلوات الله عليها. ثم قال (عليه السلام): أخبرني أبي، عن جدي محمد بن علي، قال: قد جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهاجرين فقال لهم: " أيها الناس إني قد دعيت، واني مجيب دعوة الداعي، قد اشتقت إلى لقاء ربي واللحوق بإخواني من الأنبياء وإني أعلمكم أني قد أوصيت إلى وصيي، ولم أهملكم اهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئا " فقام إليه عمر ابن الخطاب فقال: يا رسول الله أوصيت بما أوصي به الأنبياء من قبلك؟ قال: نعم، فقال له: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟ قال له: " اجلس يا عمر، أوصيت بأمر الله، وأمره طاعته، وأوصيت بأمري وأمري طاعة الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى وصيي فقد عصاني، ومن أطاع وصيي فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله لا ما تريد أنت وصاحبك " ثم التفت إلى الناس وهو مغضب فقال: " أيها الناس اسمعوا وصيتي، من آمن بي وصدقني بالنبوة وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له، فإن ولايته ولايتي، وولاية ربي، قد أبلغتكم فليبلغ الشاهد الغائب إن علي بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضل، ومن تقدمه تقدم إلى النار، ومن تأخر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى وما توفيقي إلا بالله، فهل سمعتم؟ قالوا: نعم. (1)
1. البحار 22: 476 ح 27 نقلا عن الطرف لابن طاووس: 18. 68 [90] - 21 - قال المفيد: أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: أخبرنا يونس بن محمد، قال: حدثنا عبد الرحمن الغسيل، قال: أخبرني عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل ابن العباس دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذى قبض فيه، فقالوا: يا رسول الله هذه الأنصار في المسجد تبكى رجالها ونساؤها عليك، فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت، فقال: أعطوني أيديكم فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، أيها الناس! فما تنكرون من موت نبيكم؟ ألم أنع إليكم وتنع إليكم أنفسكم؟ لو خلد أحد قبلي ثم بعث إليه (1) لخلدت فيكم. ألا إني لاحق بربي، و قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى بين أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا اوصيكم بهم، ثم أوصيكم بهذا الحي من الأنصار، فقد عرفتم بلاهم عند الله عزوجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولى منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار، وليتجاوز عن مسيئهم وكان آخر مجلس جلسه حتى لقى الله عزو جل. (2) [91] - 22 - قال الصفار القمي: حدثنا محمد بن أحمد عمن رواه، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا (عليه السلام) في المرض الذي توفى فيه، فقال: يا علي أدن مني حتى أسر إليك ما أسر الله إلي وائتمنك على ما ائتمني الله عليه، ففعل
1. يعنى: ثم بعث إليه ملك الموت 2. الأمالي: 45 ح 6، عنه البحار 22: 474 ح 23. 69 ذلك رسول الله بعلي وفعله علي بالحسن وفعله الحسن بالحسين وفعله الحسين بعلي وفعله أبي بي صلوات الله عليهم أجمعين. (1) [92] - 23 - قال الديلمي: قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع أولئك النفر [رؤساء القوم] ومن والاهم على علي بن أبي طالب وطابقهم على عداوته، ومن كان من الطلقاء المنافقين وكان زهاء أربعة آلاف رجل فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه وأمره عليهم وأمره بالخروج إلى ناحية من الشام، فقالوا: يا رسول الله إنا قد قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك و نحن نسألك أن تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا ما يصلحنا في سفرنا قال: فأمرهم أن يكونوا في المدينة ريث إصلاح ما يحتاجون إليه، وأمر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله منتظرا للقوم أن يرافقوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم، وإنما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم ولا يبقى بها أحد من المنافقين. قال: فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله (صلى الله عليه وآله) دائب يحثهم ويأمرهم بالخروج و التعجيل إلى الوجه الذي ندبهم إليه إذ مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي توفي فيه، فلما رأوا ذلك تباطؤا عما أمرهم رسول الله من الخروج، فأمر قيس بن سعد بن عبادة وكان سياف [سباق] رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار أن يرحلوا بهم إلى عسكرهم فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بمعسكرهم وقالا لأسامة: إن رسول الله لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ذلك فارتحل بهم أسامة وأنصرف قيس بن سعد والحباب بن المنذر إلى رسول الله فأعلماه برحلة القوم، فقال [لهما] لهم: إن القوم غير سائرين من مكانهم. قال: فخلا أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا: إلى أين ننطلق ونخلى المدينة ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها، فقال لهم: وما
1. بصائر الدرجات: 377 ح 1، عنه اثبات الهداة 2: 500 ح 450. 70 ذلك، قالوا: إن رسول الله قد نزل به الموت، ووالله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم المصير [المسير] بين أيدينا. قال: فرجع القوم إلى المعسكر الأول فأقاموا به فبعثوا رسولا يتعرف لهم بالخبر من أمر رسول الله، فأتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سرا فقالت: امض إلى أبي بكر وعمر ومن معهما، فقل لهما: إن رسول الله قد ثقل ولا يبرحن أحد منكم وأنا اعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت. واشتدت علة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدفعت عائشة صهيبا فقالت: امض إلى أبي بكر و أعلمه أن محمدا في حال لا ترجى [لا يرجى]، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة و من رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة بالليل سرا، قال فأتيتم [فأتاهم] بالخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة بن زيد فأخبروه الخبر، وقالوا له: كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله واستأذنوه للدخول، فاذن لهم بالدخول وأمرهم أن لا يعلم أحد بدخولهم وقال إن عوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجعتم إلى عسكركم وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس. فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ثقل، قال: فأفاق بعض الإفاقة فقال: لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم، فقيل له: وما هو يا رسول الله، قال: فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون أمري إلا أني إلى الله منهم برئ. ويحكم نفذوا جيش أسامة فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة. قال: وكان بلال مؤذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل، وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي ابن أبي طالب فصلى بالناس، وكان علي (عليه السلام) والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلما أصبح رسول الله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجد [ه] قد ثقل فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضى إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله قد ثقل [في مرضه] و
71 ليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس فأخرج أنت إلى المسجد وصل بالناس، فإنها حالة تهيئك [تهنئك] وحجة لك بعد اليوم. قال: ولم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو عليا (عليه السلام) يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال إن رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلي بالناس، فقال له رجل من أصحاب رسول الله: وأنى لك ذلك، وأنت في جيش أسامة لا والله ما أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة. ثم نادى الناس بلالا فقال: على رسلكم رحمكم الله لاستاذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ما هذا الدق العنيف؟ فانظروا ما هو؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا ببلال فقال: ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر دخل المسجد و [قد] تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك فقال: أو ليس أبو بكر مع أسامة في الجيش هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة، لقد أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك. ودخل الفضل وأدخل بلالا معه فقال: ما وراءك يا بلال؟ وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخبر فقال: أقيموني أخرجوني إلى المسجد والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظمية من الفتن. ثم خرج (صلى الله عليه وآله) معصوب الرأس يتهادى بين علي (عليه السلام) والفضل بن العباس ورجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال، فلما رأى الناس رسول الله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك. وتقدم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه [ورائه] فنحاه عن المحراب وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت
72 فلم ير أبا بكر فقال: أيها الناس [أ] لا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإن الله قد أركسهم فيها، أعرجوا بي إلى المنبر. فقام وهو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد جائني من أمر ربي ما الناس صائرون إليه وإني قد تركتكم على الحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بنى إسرائيل أيها الناس إني لا احل لكم إلا ما أحله القرآن ولا احرم عليكم إلا ما حرمه القرآن وإني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا [ولن تزلوا] كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان فيكم وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأسألكم بماذا خلفتموني فيهما وليذادون [وليذادن] يومئذ رجال من حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان فأقول: أما الأسماء فقد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله). (1) [93] - 24 - قال الرضى: حدثني هارون بن موسى، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عمار قال: حدثني أبو موسى [عيسى] الضرير البجلي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: فسألته وقلت جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في أن النبي أمر أبا بكر بالصلاة ثم أمر عمر فأطرق عني طويلا ثم قال ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الأمور لا ترضى إلا بكشفها فقلت بأبى أنت وأمي من أسئل عما انتفع به في ديني ويهتدى به في نفسي مخافة أن أضل غيرك وهل أجد أحدا يكشف لي المشكلات مثلك،
1. ارشاد القلوب: 337، الارشاد 96، اعلام الورى: 82، البحار 28: 107 و 22: 465 ح 19 مع اختلاف و اختصار. 73 فقال إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما ثقل في مرضه دعا عليا (عليه السلام) فوضع رأسه في حجره واغمي عليه وحضرت الصلاة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت: يا عمر اخرج فصل بالناس فقال لها: أبوك أولى بها مني فقالت: صدقت ولكنه رجل لين وأكره أن يواثبه القوم، فصل أنت. فقال لها: يصلي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرك متحرك مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مغمى عليه ولا أراه يفيق منها والرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه يعنى عليا (عليه السلام) فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا (عليه السلام) بالصلاة وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة يقول لعلى (عليه السلام): الصلاة الصلاة. قال: فخرج أبو بكر يصلي بالناس فظنوا أنه بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يكبر حتى أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: ادعوا لي عمى العباس، فدعى له فحمله وعلي (عليه السلام) حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد ثم حمل فوضع على المنبر ولم يجلس عليه بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدورها فبين باك وصائح ومسترجع وواجم والنبي (صلى الله عليه وآله) يخطب ساعة ويسكت ساعة، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضر في يومي هذا وساعتي هذه من الإنس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي وخلفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو حبل الله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (1))، أيها الناس هذا علي (عليه السلام) من أحبه وتولاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى لا حجة له عند الله، أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين تسيل دمائهم، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة ألا وإن هذا الأمر له
1. آل عمران: 103. 74 أصحاب قد سماهم الله عزوجل لي وعرفنيهم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم ولكني أراكم قوما تجهلون لا ترجعوا بعدي كفارا مرتدين تأولون على غير معرفة و تبتدعون السنة بالأهواء وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل، القرآن إمام هاد وله قائد يهدي به ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وهو علي بن أبي طالب وهو ولي الأمر من بعدي ووارث علمي وحكمي وسري وعلانيتي وما ورثه النبيون قبلي وأنا وارث ومورث فلا تكذبنكم أنفسكم. أيها الناس! الله الله في أهل بيتي فإنهم أركان الدين ومصابيح الظلام ومعادن العلم، علي (عليه السلام) أخي ووزيري وأميني القائم من بعدي بأمر الله والموفي بذمتي ومحيي سنتي وهو أول الناس ايمانا بي وآخرهم عهدا عند الموت وأولهم لقاء إلى يوم القيامة فليبلغ شاهدكم غائبكم، أيها الناس من كانت له تبعة فها أنا ذا ومن كانت له عدة أو دين فليأت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه ضامن له كله حتى لا يبقى لأحد قبلي تبعة. (1) [94] - 25 - قال الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا محمد بن جعفر الرزاز القرشي، قال: حدثنا جدي لأمي محمد بن عيسى القيسي، قال: حدثنا إسحاق بن يزيد الطائي، قال: حدثنا هاشم بن البريد، عن أبي سعيد التيمي، قال: سمعت أبا ثابت مولى أبي ذر يقول: سمعت أم سلمة تقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه يقول: وقد امتلأت الحجرة من أصحابه، أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا وإني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، خليفتان بصيران [نصيران] لا يفترقان حتى يردا علي الحوض، فاسألهما ماذا خلفت فيهما. (2)
1. خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 56، البحار 22: 482 ح 30 وضمن حديث 31. 2. الأمالي: 478 ح 1045 / 14، الصواعق المحرقة: 194، غاية المرام 1: 305 ح 21 نقلا عن الأمالي، كشف الغمة 1: 408، عنه البحار 22: 476 ح 26 و 92: 80 ح 5 نقلا عن الأمالي. 75 [95] - 26 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن وأبو الحسين محمد ابن محمد بن الفراء قالوا: أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص، أنبأنا أحمد بن سليمان أنبأنا الزبير، حدثني إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) بإبنيها [الحسن والحسين (عليهما السلام)] إلى رسول الله (عليها السلام) في شكواه الذي توفى فيها فقالت: يا رسول الله هذان ابناك تورثهما شيئا؟ قال أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي. (1) [96] - 27 - روى السيد بن طاووس بإسناده إلى عيسى الضرير: عن موسى بن جعفر (عليهم السلام)، عن أبيه (عليه السلام) قال: لما كانت الليلة التي قبض النبي (صلى الله عليه وآله) في صبيحتها دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه الباب وعليهم وقال: لفاطمة، وأدناها منه، فناجى من الليل طويلا فلما طال ذلك خرج علي ومعه الحسن والحسين (عليهم السلام) وأقاموا بالباب والناس خلف ذلك، ونساء النبي (صلى الله عليه وآله) ينظرن إلى علي (عليه السلام) ومعه ابناه، فقالت عائشة: لأمر ما أخرجك عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة؟ فقال لها علي (عليه السلام): قد عرفت الذي خلا بها وأرادها له، وهو بعض ما كنت فيه وأبوك وصاحباه قد أسماه [سماه] فوجمت أن ترد عليه كلمة، قال علي (عليه السلام): فما لبثت أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: ما يبكيك يا علي؟ ليس هذا أوان البكاء، فقد حان الفراق بيني وبينك، فاستودعك الله يا أخي، فقد اختار لي ربى ما عنده، وإنما بكائي وغمى وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد استودعكم الله، وقبلكم مني وديعة يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فانفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة، فعلا
1. تاريخ ابن عساكر " ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) " 34 ح 56 ومثله ح 57 و 57، كشف الغمة 1: 516. 76 صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقبل رأسها وقال: أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال علي (عليه السلام): فوالله لقد حسست بضعة مني فذهبت لبكائه حتى هملت عيناه كمثل المطر، حتى بلت دموعه لحيته وملأة كانت عليه، وهو ملتزم فاطمة (عليها السلام) مانعا دفنها (1) ورأسه على صدري، وأنا مسنده، والحسن والحسين (عليهم السلام) يقبلان قدميه وهما يبكيان بأعلا أصواتهما، قال علي (عليه السلام): فلو قلت: إن جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي (صلى الله عليه وآله)، لقد رأيت من بكائها ما أحسست أن السماوات والأرضين قد بكت لها، ثم قال لها: يا بنية، خليفتي عليكم الله وهو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما فيها، يا فاطمة والذي بعثني بالحق نبيا لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها، وإنك لأول خلق الله كاسية حالية ناعمة يا فاطمة فهنيئا لك، والذي بعثني بالحق أن الحور العين ليفخرن بك وتقربك منهن ويتزين لزينتك، والذي بعثني بالحق إنك لسيدة من يدخلها من النساء، والذي بعثني بالحق إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا صعق، فينادي بها إليك أن يا جهنم! يقول لك الجبار: اسكتى واستقرى بعزتي حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الجنان، ولا يشغلهم قتر ولا ذلة، والذي بعثني بالحق ليدخل حسن عن يمينك، وحسين عن يسارك، و [حور العين] يتشرفن من أعلى الجنان فينظرن إليك بين يدي الله في المقام الشريف ولواء الحمد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمامى يكسى إذا كسيت ويحلى إذا حليت والذي بعثني بالحق لأقومن بالخصومة أعدائك وليندمن قوم ابتزوا حقك وقطعوا مودتك وكذبوا علي وليختلجن (2) دوني فأقول: أمتي!؟ فيقال: إنهم بدلوا بعدك، و صاروا إلى السعير. (3)
1. في البحار: وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها. 2. اى يجتذبون ويقتطعون. 3. الطرف: 38، عنه البحار 22: 490 ح 36، الصراط المستقيم 2: 92 ح 12 مختصرا. 77 نجواه (صلى الله عليه وآله) مع الزهراء (عليها السلام) [97] - 28 - قال الطوسي: أخبرنا حمويه، قال: حدثنا أبو الحسين، قال: حدثنا أبو خليفة، قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي، قال: حدثنا عثمان بن عمر، عن إسرائيل، عن ميسرة ابن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قالت: ما رأيت من الناس أحدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة (عليها السلام). كانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقبل يديها، وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به، وقبلت يديه، ودخلت عليه في مرضه فسارها فبكت، ثم سارها فضحكت، فقلت: كنت أرى لهذه فضلا على النساء، فإذا هي امرأة من النساء، فبينما هي تبكى إذ ضحكت! فسألتها فقالت: إنى [إذن] لبذرة (1); فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سألتها فقالت: إنه أخبرني إنه يموت فبكيت، ثم أخبرني إني أول أهله لحوقا به فضحكت. (2) [98] - 29 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا محمد ابن عبد الجبار، قال: حدثنا ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن عبد الله بن العباس، قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي " يا أبتاه، يا أبتاه " فلا يعينها أحد من أمتي. فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبكين يا بنية. فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك، يا رسول الله. فقال لها:
1. التي تفشى السر. 2. الأمالي: 400 ح 892 / 40. 78 أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهلي بيتي. (1) [99] - 30 - قال ابن سعد: أخبرنا سليمان بن داود الهاشمي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دعا فاطمة ابنته في وجعه الذي توفى فيه فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها فضحكت، قال: فسألتها عن ذلك فقالت: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يقبض في وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني إني أول أهله لحاقا به فضحكت. (2) [100] - 31 - وقال أيضا: أخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم، أخبرنا زكرياء بن أبي زائدة، عن فراس بن يحيى عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كنت جالسة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاءت فاطمة تمشى كأن مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: " مرحبا بابنتي! " فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها شيئا فبكت ثم أسر إليها فضحكت. قالت: قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، أستخصك رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحديثه ثم تبكين؟ قلت: أي شيء أسر إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالت: ما كنت لأفشي سره! فلما قبض سألتها، فقالت: قال: " إن جبرائيل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة وإنه أتاني العام فعارضني مرتين، ولا أظن إلا أجلى قد حضر ونعم السلف أنا لك! " قالت: وقال: " أنت أول أهل بيتي لحاقا بي " قالت: فبكيت لذلك، ثم قال: " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين؟ " قالت: فضحكت. (3) [101] - 32 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن يعقوب، عن هاشم بن هاشم، عن عبد الله
1. الأمالي: 188 ح 316 / 18، اثبات الهداة 1: 572 ح 217، البحار 28: 41 ح 4 و 43: 156 ح 2. 2. الطبقات الكبرى 2: 190. 3. الطبقات الكبرى 2: 190، مسند أحمد 6: 282 مع اختلاف في بعض الالفاظ، تاريخ الإسلام للذهبي 1: 546، الفصول المهمة لابن الصباغ: 138، نظم درر السمطين: 179، البحار 43: 51 ح 48 مع اختلاف، العوالم 6: 45 ح 3. 79 بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، قالت: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، دعا فاطمة فناجاها فبكت، ثم ناجاها فضحكت، فلم أسألها حتى توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسألت فاطمة عن بكائها وضحكها، فقالت: أخبرني (صلى الله عليه وآله) أنه يموت، ثم أخبرني إني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فلذلك ضحكت. (1) كلامه (صلى الله عليه وآله) مع نساء أهل بيته [102] - 33 - قال الطوسي: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثنا عبد الكريم بن محمد، قال: حدثنا محمد بن علي، قال حدثنا محمد بن منقر، عن زياد ابن المنذر، قال: حدثنا شرحبيل، عن أم الفضل بنت العباس، قالت: لما ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفى فيه أفاق إفاقة ونحن نبكي، فقال: ما الذي يبكيكم؟ قلنا: يا رسول الله، نبكي لغير خصلة، نبكي لفراقك إيانا، ولانقطاع خبر السماء عنا ونبكي الامة من بعدك. فقال (عليه السلام): أما إنكم المقهورون والمستضعفون من بعدي. (2) كلامه (صلى الله عليه وآله) مع النساء [103] - 34 - قال الطبراني: حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن عون الواسطي، حدثنا خالد بن عبد الله، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن أم الفضل قالت: بينا أنا قاعدة عند رأس رسول الله " صلى الله عليه [وآله] وسلم " وهو مريض، فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: أخشى عليك فلا ندري ما نلقى بعدك من الناس، قال: أنتم المستضعفون بعدي. (3)
1. الطبقات الكبرى 2: 191، مسند أحمد 6: 282 مع اختلاف في بعض الالفاظ. 2. الأمالي: 122 ح 190. 3. المعجم الكبير 25: 23 ح 32، مسند أحمد 6: 339، مجمع الزوائد 9: 34. 80 [104] - 35 - قال القاضي النعمان المغربي: [روى] عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: لما احتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) غشى عليه، فبكت فاطمة (عليها السلام) فأفاق وهي تقول: من لنا بعدك يا رسول الله؟ فقال: أنتم المستضعفون بعدي والله. (1) [105] - 36 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني سليمان بن بلال وعاصم بن عمر، عن يحيى بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في مرضه الذي توفى فيه: " أيها الناس! والله لا تمسكون علي بشيء، إني لا احل إلا ما أحل الله ولا احرم إلا ما حرم الله! يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، اعملا لما عند الله، إني لا اغني عنكما من الله شيئا ". [106] - 37 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا بني عبد مناف لا اغني عنكم من الله شيئا! يا عباس ابن عبد المطلب لا اغني عنك من الله شيئا! يا فاطمة بنت محمد لا اغني عنك من الله شيئا! سلوني ما شئتم ". (2) [107] - 38 - قال الصدوق: ... ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) [بعد خطبته في المسجد في القصاص] فدخل بيت أم سلمة، وهو يقول: رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. فقالت أم سلمة: يا رسول الله مالي أراك مغموما متغير اللون؟ فقال: نعيت إلى نفسي هذه الساعة فسلام لك في الدنيا فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمد أبدا فقالت أم سلمة: واحزناه حزنا لا تدركه الندامة عليك يا محمداه، ثم قال (صلى الله عليه وآله): ادع لي حبيبة قلبي وقرة عيني فاطمة ثم تجىء، فجاءت فاطمة وهي تقول نفسي لنفسك الفداء و
1. دعائم الإسلام 1: 225. 2. الطبقات الكبرى 2: 196. 81 وجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه ألا تكلمني كلمة، فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا، وأرى عساكر الموت تغشاك شديدا. فقال لها: يا بنية إني مفارقك فسلام عليك مني، قالت: يا أبتاه فأين الملتقى يوم القيامة؟ قال: عند الحساب. قالت: فإن لم ألقك عند الحساب؟ قال: عند الشفاعة لامتى. قالت: فإن لم ألقك عند الشفاعة لأمتك؟ قال: عند الصراط جبرائيل عن يميني وميكائيل عن يساري والملائكة من خلفي و قدامي. ينادون رب سلم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب. فقالت فاطمة (عليها السلام) فأين والدتي خديجة؟ قال: في قصر، له أربعة (أربعة آلاف) أبواب إلى الجنة ثم اغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى بالناس وخفف الصلاة ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب و اسامة بن زيد، فجاء فوضع (صلى الله عليه وآله) يده على عاتق علي (عليه السلام) والأخرى على اسامة. ثم قال انطلقا بي إلى فاطمة فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن و الحسين (عليهما السلام) يبكيان ويصطرخان وهما يقولان أنفسنا لنفسك الفداء ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن و الحسين فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن (عليه السلام) يبكى أشد بكاء، فقال له: كف يا حسن فقد شققت على رسول الله، فنزل ملك الموت، [(عليه السلام)] فقال: السلام عليك يا رسول الله، قال: عليك السلام يا ملك الموت، لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك يا نبي الله؟ قال: حاجتي أن لا تقبض روحي حتى يجيئني جبرئيل [(عليه السلام)] فيسلم علي وأسلم عليه، فخرج ملك [الموت] وهو يقول: يا محمداه فاستقبله جبرائيل في الهواء. فقال: يا ملك الموت قبضت روح محمد؟ قال: لا يا جبرائيل سألني أن لا أقبضه حتى يلقاك فتسلم عليه ويسلم عليك، قال جبرائيل: يا ملك الموت أما ترى أبواب السماء مفتحة لروح محمد؟ أما ترى حور العين قد تزين لمحمد؟ ثم نزل جبرائيل [(عليه السلام)] فقال: السلام عليك يا أبا القاسم. فقال: وعليك السلام يا جبرائيل ادن مني حبيبي جبرائيل فدنا منه.... (1)
1. الأمالي: 507، روضة الواعظين: 74، البحار 22: 509 ضمن ح 9. 82 [108] - 39 - قال الطبرسي: قال الصادق (عليه السلام): قال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولى إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها. قال: وصاحت فاطمة وصاح المسلمون وصاروا يضعون التراب على رؤوسهم. (1) دخول ملك الموت على النبي (صلى الله عليه وآله) [109] - 40 - قال ابن سعد: أخبرنا أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي قال: حدثونا، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: لما بقي من أجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث، نزل عليه جبرائيل فقال: يا أحمد أن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا. فلما كان يوم الثاني هبط إليه جبرئيل فقال: " يا أحمد! إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك؟ فقال: أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا! فلما كان اليوم الثالث نزل عليه جبريل وهبط معه ملك الموت ونزل معه ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء، ولم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض منذ يوم كانت الأرض على سبعين ألف ملك ليس منهم ملك إلا على سبعين ألف ملك فسبقهم جبريل فقال: " يا أحمد! إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك ويقول لك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا " ثم استأذن ملك الموت فقال جبريل: " يا أحمد! هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك، قال: ائذن له "، فدخل ملك الموت فوقف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: " يا رسول الله! يا
1. اعلام الورى 1: 269، المناقب لابن شهر آشوب 1: 237، البحار 22: 529 ح 35. 83 أحمد! أن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وأن أمرتني إن أتركها تركتها! قال: وتفعل يا ملك الموت؟ قال: بذلك امرت أن أطيعك في كل ما أمرتني! فقال جبريل: يا أحمد! إن الله قد اشتاق إليك! قال: فامض يا ملك الموت لما أمرت به! قال جبريل: السلام عليك يا رسول الله! هذا آخر مواطئي الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا " فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجاءت التعزية يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص: " السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته! (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة...) (1) إن في الله عزاء عن كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، إنما المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته " (2) وأضاف الصدوق في آخر الحديث: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): هل تدرون من هذا؟ هذا هو الخضر [(عليه السلام)]. (3) [110] - 41 - روى الطبراني: عن ابن عباس في حديث أنه: لما كان في يوم الأحد ثقل في مرضه، فأذن بلال بالأذان، ثم وقف بالباب، فنادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الصلاة رحمك الله، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صوت بلال، فقالت فاطمة (صلى الله عليه وآله): يا بلال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليوم مشغول بنفسه، فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح قال: والله لا اقيمها أو استأذن سيدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع فقام بالباب ونادى: السلام عليك يا
1. آل عمران: 185. 2. الطبقات الكبرى 2: 198، الأمالي للصدوق 226 ح 11، المعجم الكبير للطبراني 3: 128 ح 2890، الإصابة 1: 442 مع اختلاف، روضة الواعظين: 71 مع اختلاف في الالفاظ، مسكن الفؤاد: 108 من قوله: السلام عليكم الخ، البحار 22: 504 ح 4 نقلا عن أمالي الصدوق، و 515 ح 18 و 19 و 20 مختصرا، و 82: 96 ح 47 نقلا عن المسكن، دعائم الإسلام 1: 222 مختصرا. 3. ونقل ابن سعد أيضا عن علي (عليه السلام) أنه كان هو الخضر: الطبقات الكبرى 2: 199 ح 185. 84 رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله... فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب وابن عباس (عليهما السلام) فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم فقال: " يا معشر المسلمين استودعكم الله أنتم في رجاء الله وأمانه، والله خليفتي عليكم، معاشر المسلمين عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا " فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، و أوحى الله عزوجل إلى ملك الموت (عليه السلام) أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد (صلى الله عليه وآله) في أحسن صورة وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت (عليه السلام)، فوقف بالباب شبه أعرابي، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة أأدخل؟ فقالت عائشة لفاطمة: أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغول بنفسه، فدعا الثانية، فقالت عائشة: يا فاطمة أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه، ثم دعا الثالثة: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة و مختلف الملائكة أأدخل؟ فلا بد من الدخول، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صوت ملك الموت (عليه السلام) فقال: " يا فاطمة من بالباب؟ " فقالت: يا رسول الله إن رجلا بالباب يستأذن في الدخول، فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتا اقشعر منه جلدي وارتعدت فرائصي فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) " يا فاطمة أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات ومفرق الجماعات هذا مرمل الأزواج وموتم الأولاد، هذا مخرب الدور وعامر القبور، هذا ملك الموت (صلى الله عليه وآله)، ادخل رحمك الله يا ملك الموت " فدخل ملك الموت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا ملك الموت جئتني زائرا أم قابضا؟ " قال: جئتك زائرا وقابضا، وأمرني الله عزوجل أن لا أدخل عليك إلا بإذنك، ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت وإلا رجعت إلى ربي عزوجل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا ملك الموت اين خلفت حبيبي جبريل؟ " قال: خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل (عليه السلام)، فقعد عند رأسه
85 فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا جبريل هذا الرحيل من الدنيا فبشرني ما لي عند الله؟ " قال: ابشرك يا حبيب الله إني قد تركت أبواب السماء قد فتحت والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحية والريحان يحيون روحك يا محمد فقال: " لوجه ربي الحمد، وبشرني يا جبريل " قال: ابشرك أن أبواب الجنان قد فتحت، وأنهارها قد أطردت، وأشجارها قد تذللت، وحورها قد تزينت لقدوم روحك يا محمد، قال: " لوجه ربي الحمد، فبشرني يا جبريل " قال: أنت أول شافع وأول مشفع في القيامة، قال: " لوجه ربي الحمد " قال: جبريل: يا حبيبي عم تسألني؟ قال: " أسألك عن غمي وهمي، من لقراء القرآن من بعدي؟ من لصوم شهر رمضان من بعدي؟ من لحجاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصفاة من بعدي؟ " قال: ابشر يا حبيب الله، فإن الله عزوجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت و أمتك يا محمد، قال: " الآن طابت نفسي اذن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت " فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ وفيم نكفنك؟ ومن يصلي عليك؟ ومن يدخل القبر؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " يا علي أما الغسل فاغسلني أنت والفضل بن عباس يصب عليك الماء، وجبريل (عليه السلام) ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد، وجبريل (عليه السلام) يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أول من يصلي على الرب عزوجل من فوق عرشه، ثم جبرئيل (عليه السلام)، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل (عليهما السلام)، ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا لا يتقدم على أحد " فقالت فاطمة (عليها السلام): اليوم الفراق فمتى ألقاك؟ فقال لها: " يا بنية تلقيني يوم القيامة عند الحوض، وأنا أسقى من يرد علي الحوض من أمتي " قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: " تلقيني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي " قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: " تلقيني عند الصراط وأنا أنادي ربي سلم أمتي من النار " فدنا ملك الموت (عليه السلام) يعالج قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما بلغ الروح الركبتين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أوه " فلما بلغ الروح السرة نادى النبي (صلى الله عليه وآله): " واكرباه " فقالت فاطمة (عليها السلام): كربى يا أبتاه، فلما بلغ
86 الروح إلى الثندؤة نادى النبي (صلى الله عليه وآله): " يا جبريل ما أشد مرارة الموت " فولى جبريل (عليه السلام) وجهه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا جبريل كرهت النظر إلي؟ " فقال جبريل (عليه السلام): يا حبيبي ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت، فقبض رسول الله. (1) [111] - 42 - روى ابن شهر آشوب: عن سهل بن أبي صالح، عن ابن عباس: أنه اغمي على النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه فدق بابه، فقالت فاطمة: من ذا؟ قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله أتأذنون لي في الدخول عليه؟ فأجابت: امض رحمك الله لحاجتك فرسول الله عنك مشغول، فمضى، ثم رجع فدق الباب وقال: غريب يستأذن على رسول الله أتأذنون للغرباء؟ فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غشيته، فقال: يا فاطمة أتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول الله قال: هذا مفرق الجماعات؟ ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي ولا يستأذن لأحد من بعدي، استأذن علي لكرامتي على الله; ائذني له، فقالت: ادخل رحمك الله; فدخل كريح هفافة (2) وقال: السلام على أهل بيت رسول الله فأوصى النبي إلى علي بالصبر عن الدنيا، وبحفظ فاطمة، وبجمع القرآن، وبقضاء دينه; وبغسله; وأن يعمل حول قبره حائطا، ويحفظ الحسن والحسين. (3) [112] - 43 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي، حدثنا علي بن ثابت الجزري، عن المختار بن نافع، عن عبد الأعلى التيمي، عن إبراهيم التيمي، عن ابن عباس قال: جاء ملك الموت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فاستأذن ورأسه في حجر علي فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال
1. المعجم الكبير 3: 61 ضمن ح 2676، حلية الأولياء 4: 75، مجمع الزوائد 9: 28. 2. الريح الهفافة: سريعة المرور في هبوبها. 3. المناقب 3: 336، البحار 22: 527 ح 34. 87 علي (عليه السلام): أرجع فإنا مشاغيل عنك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " أتدري من هذا يا أبا حسن؟ هذا ملك الموت ادخل راشدا " فلما دخل قال: إن ربك عزوجل يقرؤك السلام، قال: " أين جبريل؟ " قال: ليس هو قريب مني الآن يأتي، فخرج ملك الموت حتى نزل عليه جبريل، فقال له جبريل (عليه السلام) وهو قائم الباب: ما أخرجك يا ملك الموت؟ قال: التمسك محمد (صلى الله عليه وآله)، فلما أن جلسا قال جبريل: سلام عليك يا أبا القاسم هذا وداع مني ومنك، فبلغني أنه لم يسلم ملك الموت على أهل بيت قبله ولا يسلم بعده. (1)
1. المعجم الكبير 12: 110 ح 12708، مجمع الزوائد 9: 35. 88 الفصل السادس: في كيفية شهادته (صلى الله عليه وآله) [113] - 1 - قال الطوسي: وقبض [(صلى الله عليه وآله)] بالمدينة مسموما. (1) [114] - 2 - قال الفتال النيسابوري: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا لها: يا عبدة قد علمت أن محمدا قد هدم ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية وقد غال الملأ من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذا الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة، فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا محمد قد علمت ما توجب لي; وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبو دجانة; وأبو أيوب; وسهل ابن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة شدت اليهود آنافها بالصوف وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): اقعدوا فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به. وكذبت اليهود لعنهم الله، إنما فعلت ذلك مخافة شواء السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها، فقالت: مه يا أحمد لا تأكلني فإنني مسمومة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدة، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبيا لم
1. التهذيب 6: 2، الطبقات الكبرى 2: 155، وفيه مات شهيدا. 89 يضره، وإن كان ساحرا كذابا أرحت قومي منه; فهبط جبرئيل فقال: الله يقرءك السلام ويقول: قل بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن وبنوره أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد من شر السم والسحر واللمم; بأسم العلى الملك الفرد الذي لا اله إلا هو; (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا (1)). فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال: كلوا ثم أمرهم أن يحتجموا. (2) [115] - 3 - روى الراوندي: عن الرضا، عن أبيه (عليهما السلام) في ضمن حديث: إن امرأة عبد الله بن مشكم أتته بشاة مسمومة ومع النبي [(صلى الله عليه وآله)] بشر بن [البراء بن] عازب فتناول النبي الذراع، وتناول بشر الكراع فأما النبي (صلى الله عليه وآله) فلاكها ولفظها وقال: إنها لتخبرني إنها مسمومة وأما بشر فلاكها وابتلعها فمات فأرسل إليها فأقرت، قال: ما حملك على ما فعلت قالت: قتلت زوجي وأشراف قومي، فقلت إن كان ملكا قتلته وإن كان نبيا فسيطلعه الله على ذلك. (3) [116] - 4 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتى باليهودية التي سمت الشاة للنبى (صلى الله عليه وآله) فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت قلت: إن كان نبيا لم يضره وإن كان ملكا أرحت الناس منه قال: فعفى رسول الله عنها. (4) [117] - 5 - قال الصفار: حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
1. الاسراء: 82. 2. روضة الواعظين: 61، المناقب لابن شهر آشوب 1: 91 مع اختلاف في بعض الالفاظ. 3. الخرائج والجرائح 2: 509 ضمن ح 22، عنه البحار 17: 408 ح 37، كنز الفوائد: 75 مع اختلاف يسير. 4. الكافي 2: 108 ح 9، روضة المتقين 12: 65، البحار 71: 402 ح 9. 90 سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله! إني مسموم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موته: اليوم قطعت مطاياى الأكلة التي أكلت بخيبر، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد. (1) [118] - 6 - وقال أيضا: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح عن عبد الله (عليه السلام) قال: سمت اليهودية النبي (صلى الله عليه وآله) في ذراع [إلى ان قال]: فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني مسموم فتركه وما زال ينتقض به سمه حتى مات (صلى الله عليه وآله). (2) [119] - 7 - قال الطبراني: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما مات من اللحم الذي كانت اليهودية سمته، فأنقطع أبهره من السم على رأس السنة، فكان يقول: ما زلت أجد منه حسا. (3) [120] - 8 - قال ابن شهر آشوب: وروى: أنها [أي المرأة التي سمت النبي (صلى الله عليه وآله)] كانت زينب بنت الحرث [الحارث] زوجة سلام بن مسلم، والآكل كان بشر بن البراء بن معرور، وأنه دخلت أمه على النبي (عليه السلام) عند وفاته فقال: يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهرى، ولذلك يقال: ان النبي (صلى الله عليه وآله) مات شهيدا، وعن عروة بن الزبير: أن النبي (صلى الله عليه وآله) بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه وفي رواية: أربع سنين وهو الصحيح. (4)
1. بصائر الدرجات: 503 ح 5، اثبات الهداة 1: 604 ح 277، البحار 17، 405 ح 25 و 22: 516 ح 21. 2. بصائر الدرجات: 503 ح 6، المحاسن للبرقي 2: 262 ح 1831، الكافي 6: 315 ح 3، البحار 17: 405 ح 26 و 22: 516 ح 22 و 66: 71 ح 61، اثبات الهداة 1: 604 ح 278 في بعضها مختصرا. 3. المعجم الكبير 11: 163 ح 11503، مجمع الزوائد 9: 35. 4. المناقب 1: 92. 91 [121] - 9 - روى ابن أثير: عن عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر وهذا أوان وجدت انقطاع ابهري من ذلك السم. (1) [122] - 10 - قال ابن سعد: أخبرنا عمر بن حفص، عن مالك بن دينار، عن الحسن: أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، شاة فأخذ منها بعضة فلاكها في فيه ثم طرحها فقال لأصحابه: " أمسكوا فإن فخذها تعلمني أنها مسمومة " ثم أرسل إلى اليهودية فقال: " ما حملك على ما صنعت؟ " قالت: أردت أن أعلم إن كنت صادقا فإن الله سيطلعك على ذلك، وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك. (2) [123] - 11 - وقال أيضا: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية، فأهدت إليه يهودية شاة مقلية، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها هو وأصحابه فقالت: إني مسمومة! فقال لأصحابه: " ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة "، فرفعوا أيديهم فمات بشر بن البراء، فأرسل إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: " ما حملك على ما صنعت؟ " قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا لم يضررك، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك! فأمر بها فقتلت. (3) [124] - 12 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين عن أبي سفيان، عن أبي هريرة، وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله، وحدثني أبو بكر
1. جامع الأصول 11: 381 ح 8493. 2. الطبقات الكبرى 2: 154، تاريخ الذهبي 2: 436 مع اختلاف يسير. 3. الطبقات الكبرى 2: 154، سنن أبي داوود 4: 174 ح 4512 مع اختلاف وفي هذا المعنى روايات كثيرة فراجع تاريخ الذهبي 2: 435 والمصادر الأخرى. 92 ابن عبد الله بن أبي سبرة، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب، وحدثني عمر ابن عقبة، عن شعبة، عن ابن عباس، زاد بعضهم على بعض، قالوا: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر واطمأن جعلت زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مشكم، تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون: الذراع! فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وصلتها ثم عمدت إلى سم لا يطني، وقد شاورت يهود في سموم، فاجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف، فلما غابت الشمس وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب بالناس أنصرف وهي جالسة عند رجليه، فسأل عنها فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك، فأمر بها النبي (صلى الله عليه وآله) فاخذت منها فوضعت بين يديه وأصحابه حضور أو من حضر منهم، وفيهم بشر بن البراء بن معرور، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ادنوا فتعشوا! وتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذراع فانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظما آخر فانتهش منه فلما ازدرد رسول (صلى الله عليه وآله) لقمته ازدرد بشر ابن البراء ما في فيه واكل القوم منها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إرفعوا أيديكم فإن هذه الذراع - وقال بعضهم: فإن كتف الشاة - تخبرني أنها مسمومة! " فقال بشر: و الذي أكرمك لقد وجدت ذلك من اكلتي التي أكلت حين التقمتها فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن ابغض إليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون ازدردتها وفيها بغى! فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول ثم مات. وقال بعضهم: فلم يرم بشر من مكانه حتى توفى، قال: وطرح منها لكلب فأكل فلم يتبع يده حتى مات، فدعا رسول الله زينب بنت الحارث، فقال: " ما حملك على ما صنعت؟ " فقالت: نلت من قومي ما نلت! قتلت أبي وعمى وزوجي فقلت إن كان نبيا فستخبره الذراع، وقال بعضهم وان كان ملكا استرحنا منه ورجعت اليهودية كما كانت، قال: فدفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها، وهو الثبت، واحتجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كاهله من أجل الذي أكل، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم وعاش رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك
93 ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه: " ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهرى ": وهو عرق في الظهر، وتوفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهيدا، صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه. (1) [125] - 13 - روى الطبرسي: أنه أوتى بشاة مسمومة أهدتها له امرأة من اليهود بخيبر وكانت سئلت أي شيء أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الشاة فقيل لها الذراع فسمت الذراع فدعا أصحابه إليه فوضع يده ثم قال: ارفعوا فإنها تخبرني بأنها مسمومة. ثم قال في توضيحه: ولو كان ذلك لعلة الارتياب باليهودية لما قبلها بداء ولا جمع عليه أصحابه وقد كان (صلى الله عليه وآله) تناول منها أقل شيء قبل أن كلمته وكان يعاوده كل سنة جعل الله ذلك سبب الشهادة وكان ذلك بابا من التمحيص ليعلم أنه مخلوق وعبد. (2)
1. الطبقات الكبرى 2: 155. 2. اعلام الورى 1: 80، الخرائج والجرائح 1: 27 ح 13، البحار 17: 406 ح 28. 94 الفصل السابع: في تجهيزه (صلى الله عليه وآله) [126] - 1 - قال الصفار: حدثنا أحمد بن محمد وأحمد بن إسحاق، عن القاسم بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) هبط جبرئيل ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) بصره فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض، يغسلون النبي معه، ويصلون معه عليه، ويحفرون له، والله ما حفر له غيرهم حتى إذا وضع في قبره، نزلوا مع من نزل، فوضعوه فتكلم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه فسمعه يوصيهم به فبكى، وسمعهم يقولون: لا نالوه جهدا، وإنما هو صاحبنا بعدك إلا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه، حتى إذا مات أمير المؤمنين (عليه السلام) رأى الحسن والحسين مثل ذلك الذي رأى، ورأيا النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا يعين الملائكة مثل الذي صنعوه بالنبى حتى إذا مات الحسن رأى منه الحسين مثل ذلك، ورأى النبي وعليا يعينان الملائكة، حتى إذا مات الحسين رأى علي بن الحسين منه مثل ذلك، ورأى النبي وعليا والحسن يعينون الملائكة، حتى إذا مات علي بن الحسين رأى محمد بن علي مثل ذلك، ورأى النبي وعليا والحسن والحسين يعينون الملائكة، حتى إذا مات محمد بن علي رأى جعفر مثل ذلك، ورأى النبي وعليا والحسن والحسين وعلي بن الحسين يعينون الملائكة حتى إذا مات
95 جعفر رأى موسى منه مثل ذلك، هكذا يجرى إلى آخرنا. (1) تغسيله (صلى الله عليه وآله) [127] - 2 - روى الطوسي: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الحرث بن يعلي بن مرة عن أبيه، عن جده قال قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فستر بثوب ورسول الله خلف الثوب وعلي (عليه السلام) عند طرف ثوبه وقد وضع خديه على راحته والريح تضرب طرف الثوب على وجه علي قال: والناس على الباب وفي المسجد ينتحبون ويبكون وإذا سمعنا صوتا في البيت إن نبيكم طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه. قال فرأيت عليا (عليه السلام) حين رفع رأسه فزعا فقال: إخسأ عدو الله فإنه أمرني بغسله وكفنه ودفنه وذاك سنة قال: ثم نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن أبي طالب استر عورة نبيك ولا تنزع القميص. (2) [128] - 3 - قال ابن سعد: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي قال: أخبرنا ابن جريح، عن أبي جعفر محمد ابن علي قال: غسل النبي (صلى الله عليه وآله)، ثلاث غسلات بماء وسدر وغسل في قميص، وغسل من بئر ويقال لها الغرس لسعد بن خيثمة بقباء، وكان يشرب منها، وولى علي غسلته والعباس يصب الماء والفضل محتضنه يقول: أرحني أرحني قطعت وتيني! إني أجد شيئا يتنزل علي، مرتين. (3) [129] - 4 - وقال أيضا: أخبرنا عبد الصمد بن النعمان البزاز قال: أخبرنا كيسان أبو عمر القصار، عن
1. بصائر الدرجات: 225، الخرائج والجرائح 2: 778 ح 102، البحار 22: 513 ح 13 و 27: 289 ح 3 نقلا عن بصائر الدرجات. 2. التهذيب 1: 468 ح 1535، عنه البحار 22: 541 ح 53. 3. الطبقات الكبرى 2: 214 وفي هذا المعنى روايات كثيرة مع اسناد والفاظ مختلفة. 96 مولاه يزيد بن بلال قال: قال علي: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله)، ألا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه، قال علي: فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، قال علي: فما تناولت عضوا إلا كإنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله. (1) [130] - 5 - قال القاضي النعمان المغربي: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن على صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصاه بأن يتولى غسله، فكان هو الذي وليه قال: فلما أخذت في غسله سمعت قائلا من جانب البيت وهو يقول: لا تنزع القميص عنه، فغسلته (صلى الله عليه وآله) في قميصه، وانى لأغسله وأحس يدا مع يدي تتردد عليه، وإذا قلبته أعنت على تقليبه، وقد أردت أن أكبه لوجهه فأغسل ظهره فنوديت لا تكبه، فقلبته لجنبه وغسلت ظهره. (2) [131] - 6 - روى الراوندي: عن سعد بن عبد الله: عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الاصفهاني، حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدثنا الحسين بن زيد بن علي، حدثنا إسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا توفي أن أستقي سبع قرب من بئر غرس فأغسله بها، فإذا غسلته وفرغت من غسله أخرجت من في البيت، فإذا أخرجتهم قال: فضع فاك على في ثم سلني أخبرك عما هو كائن إلى يوم الساعة من أمر الفتن. قال علي (عليه السلام): ففعلت ذلك، فأنبأني بما يكون إلى أن تقوم الساعة، وما من فتنة تكون إلا وأنا أعرف أهل ضلالتها من أهل حقها. (3)
1. الطبقات الكبرى 2: 213، تاريخ الذهبي 1: 576، مجمع الزوائد 9: 36، المناقب لابن شهر آشوب 1: 239 إلى قوله: عيناه. 2. دعائم الإسلام 1: 227. 3. الخرائج والجرائح 2: 800 ح 9، عنه البحار 22: 517 ح 25. 97 [132] - 7 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن الفرج الاصبهاني قال وجدت في كتابي، عن إسماعيل بن عمرو البجلي عن الصباح بن يحيى المديني، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس قال بينما نحن نغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء رجل فدق الباب فقال: أذكر كرم الله إلا أعطيتموني اليوم نصيبا من رسول الله فقال علي أدخلوه واجعلوه من وراء الستر يناولنا الماء، فأدخلناه فكان يناولنا الماء وقال علي: والله ما كنت أقلبه إلا كان معي آخر يقلبه، قال: وسمعت في البيت: لا تنزعوا عنه القميص. (1) تكفينه (صلى الله عليه وآله) [133] - 8 - قال الطوسي: أخبرني الشيخ أيده الله تعالى، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن علي ابن النعمان، عن أبي مريم الأنصاري قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين، قلت له وكيف صلى عليه؟ قال سجى بثوب وجعل وسط البيت فإذا دخل عليه قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل آخرون، ثم دخل علي (عليه السلام) القبر فوضعه على يديه وأدخل معه الفضل بن عباس فقال رجل من الأنصار من بني الخيلاء يقال له أوس ابن خولى أنشدكم الله أن تقطعوا حقنا فقال له علي (عليه السلام) ادخل فدخل معهما، فسألته: أين وضع السرير؟ فقال: عند رجل القبر وسل سلا. (2) [134] - 9 - وروى أيضا: عن الحسين بن سعيد، عن زرعة، عن سماعة قال سألته [أبا عبد الله (عليه السلام)] عما يكفن
1. المعجم الكبير 12: 79 ح 12596، مجمع الزوائد 9: 36 مع اختلاف. 2. التهذيب 1: 296 ح 869، أسد الغابة 1: 170 مع اختلاف كثير، روضة المتقين 1: 400 إلى قوله: صحاريين، البحار 22: 541 ح 51 عن التهذيب. 98 به الميت؟ قال ثلاثة أثواب وإنما كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة - والصحارية تكون باليمامة - وكفن أبو جعفر (عليه السلام) في ثلاثة أثواب. (1) [135] - 10 - قال ابن سعد: أخبرنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: ان النبي (صلى الله عليه وآله)، كفن في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين وثوب حبرة، وأوصاني والدي بذلك وقال: لا تزيدن على ذلك شيئا. (2) الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله) [136] - 11 - روى الكليني: عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى العباس أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بقيع المصلى وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الناس فقال: يا أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إمام حيا وميتا وقال: إني أدفن في البقعة التي أقبض فيها، ثم قام على الباب فصلى عليه، ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون. (3) [137] - 12 - وروى أيضا: عن محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن سيف، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا، قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في
1. التهذيب 1: 291 ح 850 و 292 ح 853 وفيه ثوب يمنة عبرى أو أظفار، السيرة النبوية لابن هشام 4: 313، مروج الذهب 2: 291، تاريخ الطبري 2: 239 وأضاف فيها: ادرج فيها ادراجا. 2. الطبقات الكبرى 2: 218، في هذا المعنى روايات كثيرة باسناد والفاظ مختلفه راجع تاريخ الذهبي 1: 578. 3. الكافي 1: 451 ح 37، الارشاد: 100 ودعائم الإسلام 1: 234 وكفاية الأثر: 125 والمناقب لابن شهر آشوب 1: 239 مع اختلاف في الالفاظ، البحار 22: 536 ح 38 عن كفاية الأثر. 99 صحته وسلامته: إنما أنزلت هذه الآية على في الصلاة على بعد قبض الله لي (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (1)). (2) [138] - 13 - قال ابن شهر آشوب: وقال أبو جعفر (عليه السلام): قال الناس: كيف الصلاة عليه [(صلى الله عليه وآله)]؟ فقال على: إن رسول الله إمام حيا وميتا فدخل عليه عشرة عشرة فصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلثاء حتى صلى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان على أنفذ إليهم بريدة وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه. (3) [139] - 14 - قال الإمام علي (عليه السلام): لقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان رأسه لعلى صدري، لقد سالت نفسه في كفى فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا. (4) [140] - 15 - قال الطبراني: وكفن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على سرير، ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأول من صلى عليه الرب تعالى من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرا زمرا، قال علي (عليه السلام): لقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف ويقول: ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم (صلى الله عليه وآله)، فدخلنا وقمنا صفوفا صفوفا كما أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكبرنا بتكبير جبريل (عليه السلام). (5)
1. أحزاب: 56. 2. الكافي 1: 451 ح 38، المناقب لابن شهر آشوب 1: 239 مع اختلاف في الالفاظ. 3. المناقب 1: 239، عنه البحار 22: 524. 4. نهج البلاغة، صبحي الصالح: 311 خ 197، ربيع الأبرار 4: 197، كشف الغمة 1: 379، البحار 22: 540 ح 49 نقلا عن النهج وفيه قال: الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم. 5. المعجم الكبير 3: 64 ضمن حديث 2676، حلية الأولياء 4: 78. 100 [141] - 16 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه عن جده، عن علي قال: لما وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على السرير قال علي: ألا يقوم عليه أحد لعله يؤم؟ هو إمامكم حيا وميتا! فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلون عليه صفا صفا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته! اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما انزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته! اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه! فيقول الناس: آمين آمين! حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. (1) [142] - 17 - روى الكليني عن: محمد بن الحسين، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن علي بن النعمان، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: كيف كانت الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. (2) دفنه (صلى الله عليه وآله) ومدفنه وتاريخ دفنه [143] - 18 - قال الطوسي: واختلفوا أين يدفن؟ فقال بعضهم في البقيع وقال آخرون في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر بقاع الأرض، فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيه، فاتفقت الجماعة على قوله ودفن في حجرته ونزل
1. الطبقات الكبرى 2: 222. 2. الكافي 1: 450 ح 35، المناقب لابن شهر آشوب 1: 239، تسلية المجالس 1: 240. 101 في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن أمير المؤمنين (عليه السلام) والفضل بن العباس وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنين: أنا الأول وأنا الآخر. (1) وقبره بالمدينة في حجرته التي توفى فيها وكان قد أسكنها في حياته عائشة بنت أبى بكر بن أبي قحافة، فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يدفن فيه، فقال بعضهم: يدفن بالبقيع وقال آخرون: يدفن في صحن المسجد، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر البقاع فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها، فاتفقت الجماعة على قوله (عليه السلام) ودفن في حجرته على ما ذكرناه. (2) [144] - 19 - قال المفيد: ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح يحفر لأهل مكة ويضرح (3) وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ إلى زيد ابن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك; فوجد أبو طلحة زيد بن سهل وقيل له، احفر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت، يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يذهب أدخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ليدخل أوس بن خولى وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر، فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله عليهما الصلاة والسلام على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له: اخرج، فخرج، ونزل على (عليه السلام) القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.
1. المعجم الكبير 3: 64 ضمن حديث 2676، حلية الأولياء 4: 78. 2. التهذيب 6: 2، روضة الواعظين: 71، المناقب لابن شهر آشوب 1: 240 مع اختلاف في الالفاظ. 3. اى يعمل الضريح وهو الشق في وسط القبر. 102 وكان ذلك في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من هجرته صلوات الله وسلامه عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة. (1) [145] - 20 - قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة، فكان يلحد، فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: إذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح، وللآخر إذهب إلى أبي طلحة. اللهم خر لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة، فجاء به فلحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) .... ثم دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وسط الليل ليلة الأربعاء. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن امرأته فاطمة بنت عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن ابن أسعد بن زرارة، عن عائشة، قالت: ما علمنا بدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء. قال محمد بن إسحاق: وقد حدثتني فاطمة هذا الحديث. قال محمد بن إسحاق: وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، وقثم ابن عباس، وشقران مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [146] - 21 - روى الشيخ: عن يعقوب بن يزيد، عن الغفاري، عن إبراهيم بن علي، عن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) أن قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع شبرا من الأرض، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر برش القبور. (3) [147] - 22 - قال السيد محسن الأمين: وروى أنه توفى يوم الاثنين حين زاغت الشمس فلم يدفن حتى كانت العتمة
1. الارشاد: 100، عنه البحار 22: 518 ح 27. 2. السيرة النبوية 4: 313. 3. تهذيب الاحكام 1: 469 ح 1538، عنه البحار 22: 541 ح 52. 103 ولم يله أقاربه وفي رواية أنه دفن ليلة الأربعاء في السحر وفي رواية: توفى يوم الاثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس ولعله موافق لما رواه أيضا أنه ترك بعد وفاته يوما وليلة ويحمل عليه ما رواه ابن هشام أنه (صلى الله عليه وآله) توفى يوم الاثنين ودفن يوم الثلثاء وروى أيضا أنه توفى يوم الاثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الأربعاء وهذا لا ينافي دفنه ليلة الأربعاء لأن اليوم يطلق على الليلة وبالعكس. (1) والذي يقوى عندنا ما ذكره السيد محسن الأمين والله أعلم.
1. أعيان الشيعة 1: 295، البحار 22: 543 ح 56. 104 الفصل الثامن: في ما وقع بعد شهادته (صلى الله عليه وآله) [148] - 1 - قال المفيد: ولم يحضر دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة! وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك! وأصبحت فاطمة تنادى: واسوء صباحاه، فسمعها أبو بكر فقال لها: إن صباحك لصباح سوء واغتنم القوم الفرصة لشغل علي بن أبي طالب (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول الله (صلى الله عليه وآله)! فتبادروا إلى ولاية الأمر واتفق لأبي بكر ما اتفق! لاختلاف الأنصار فيما بينهم وكراهية الطلقاء المؤلفة قلوبهم من تأخر الأمر! حتى فرغ بنو هاشم فيستقر الأمر مقره، فبايعوا أبا بكر لحضوره المكان! وكانت أسباب معروفة تيسر للقوم منها ما راموه ليس هذا الكتاب موضع ذكرها فنشرح القول فيها على التفصيل. وقد جاءت الرواية: أنه لما تم لأبى بكر ما تم وبايعه من بايع! جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يسوى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمسحاة في يده فقال له: إن القوم قد بايعوا أبا بكر ووقعت الخذلة للأنصار لاختلافهم وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من إدراككم الأمر، فوضع طرف المسحاة على الأرض ويده عليها ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم * ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين * أم حسب الذين يعملون السيئات أن
105 يسبقونا ساء ما يحكمون (1)). (2) تسلية أهل البيت (عليهم السلام) [149] - 2 - روى الكليني: عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن منصور بن العباس، عن علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بات آل محمد (عليهم السلام) بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتر الأقربين والأبعدين في الله، فبيناهم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (3)) إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل بيت نبيه و استودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه وعصا عزه وضرب لكم مثلا من نوره وعصمكم من الزلل وآمنكم من الفتن، فتعزوا بعزاء الله فان الله لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل الله عزوجل الذين بهم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياؤه، فمن تولاكم فاز ومن ظلم حقكم زهق، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين، ثم الله على نصركم إذا يشاء قدير فاصبروا لعواقب الأمور، فإنها إلى الله تصير قد قبلكم الله من نبيه وديعة واستودعكم أولياء المؤمنين في الأرض فمن أدى أمانته أتاه الله صدقه، فأنتم الأمانة المستودعة ولكم المودة الواجبة والطاعة المفروضة وقد قبض رسول الله وقد أكمل لكم الدين وبين لكم سبيل المخرج، فلم يترك لجاهل حجة، فمن جهل أو
1. العنكبوت: 1 - 4. 2. الارشاد: 101، عنه البحار 22: 519 ضمن ح 27. 3. آل عمران: 185. 106 تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه والله من وراء حوائجكم; واستودعكم الله والسلام عليكم. فسألت أبا جعفر (عليه السلام): ممن أتاهم التعزية؟ فقال: من الله تبارك وتعالى. (1) [150] - 3 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حماد ابن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (صلى الله عليه وآله) يقول: تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أنى نظرت في مصحف فاطمة (عليها السلام)، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزوجل فأرسل الله إليها ملكا يسلى غمها ويحدثها، فشكت ذلك (2) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا قال: ثم قال: أما أنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون. (3) [151] - 4 - قال الصفار القمي: حدثنا أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله (عليه السلام) بعض أصحابنا، عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملو علما فقال: ما الجامعة؟ فقال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كلما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش. قال له: فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلا ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب
1. الكافي 1: 445 ح 19. 2. لعدم حفظها وقيل: لرعبها (عليهما السلام) من الملك حال وحدتها به وانفرادها بصحبته، الكافي عن الفيض. 3. الكافي 1: 240 ح 2، بصائر الدرجات: 157 ح 18، البحار 43: 80 ح 68. 107 نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة. (1) [152] - 5 - روى عن الطوسي: أنه قال أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا الحسن بن على بن زكريا العاصمي، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله العدلي، قال: حدثنا الربيع بن يسار، قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى أبي ذر (رضى الله عنه): إن عليا (عليه السلام) و عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، أمرهم عمر ابن الخطاب أن يدخلوا بيتا ويغلقوا عليهم بابه، ويتشاوروا في أمرهم، وأجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد وأبي رجل منهم، قتل ذلك الرجل، وإن توافق أربعة وأبي اثنان ابن قتل الاثنان، فلما توافقوا جمعيا على رأى واحد، قال لهم علي بن أبي طالب (عليه السلام): إني أحب تسمعوا مني ما أقول، فإن يكن حقا فاقبلوه، و إن يكن باطلا فأنكروه. قالوا: قل. قال: أنشدكم بالله - أو قال: أسألكم بالله - الذي يعلم سرائركم، ويعلم صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم احد آمن بالله ورسوله وصلى القبلتين قبلي؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم من يقول الله عزوجل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم) (2) سواي؟ قالوا: اللهم لا... قال: فهل فيكم أحد غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع الملائكة المقربين بالروح والريحان، تقلبه لي الملائكة، وأنا أسمع قولهم، وهم يقولون: " استروا عورة نبيكم ستركم الله " غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضعه في حفرته غيري؟ قالوا: لا.
1. بصائر الدرجات 153 ح 6، الكافي 1: 241 ح 5، الخرائج والجرائح 2: 526 ح 1 من قوله: ان فاطمة مكثت...، عنه البحار 43: 156 ح 4 و 22: 545 ح 63. 2. سورة النساء: 59. 108 قال: فهل فيكم أحد بعث الله عزوجل إليه بالتعزية حيث قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) و فاطمة (عليها السلام) تبكيه، إذ سمعنا حسا على الباب، وقائلا يقول، نسمع صوته ولا نرى شخصه: " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، ربكم (عزوجل) يقرئكم السلام، ويقول لكم: إن في الله خلفا من كل مصيبة، وعزاء من كل هالك، ودركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء الله، واعلموا أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " وأنا في البيت وفاطمة والحسن و الحسين أربعة لا خامس لنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجى بيننا، غيرنا؟ قالوا: لا... (1) تسلية الناس بعضهم بعضا [153] - 6 - قال ابن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي، أخبرنا موسى بن يعقوب الزمعي قال: أخبرنا أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " سيعزي الناس بعضهم بعضا من بعدي التعزية بي "، فكان الناس يقولون ما هذا؟ فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لقى الناس بعضهم بعضا يعزى بعضهم بعضا برسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [154] - 7 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا فطر بن خليفة، عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، " إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب! " (3)
1. الأمالي للطوسي: 545 ح 1168 عنه البحار 22: 543 ح 57. 2. الطبقات الكبرى 2: 210. 3. الطبقات الكبرى 2: 210، قرب الاسناد: 94 ح 319 مع اختلاف في الالفاظ، المناقب لابن شهر آشوب 1: 238 وفيه يا على من أصيب...، مسكن الفؤاد: 110 مع اختلاف في الاسناد فيهما، روضة الواعظين: 423 مع اختلاف في الالفاظ، البحار 82: 73 ح 3 نقلا عن قرب الاسناد ومسكن الفؤاد. 109 أثر الشهادة على الموجودات [155] - 8 - قال ابن شهر آشوب: خطب النبي (صلى الله عليه وآله) يوم عرفة وحث على الصدقة، فقال رجل: يا رسول الله إن إبلي هذه للفقراء، فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) إليها فقال: اشتروها لي فاشتريت، فاتت ليلة إلى حجرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسلمت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) بارك الله فيك، قالت: كنت حاميا فاستعرت من صاحبي، فشردت منهم وكنت ارعى فكان النبات يدعوني والسباع تصيح على أنه لمحمد (صلى الله عليه وآله)، فسئلها النبي (صلى الله عليه وآله) عن اسم مولاها؟ فقالت: عضبا فسماها عضباء، قال عمر بن الخطاب: فلما حضر النبي (صلى الله عليه وآله) الوفاة قالت: لمن توصي بي بعدك؟ قال: يا عضباء بارك الله فيك أنت لابنتي فاطمة تركبك في الدنيا والآخرة، فلما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) أتت إلى فاطمة ليلا، فقالت: السلام عليك يا بنت رسول الله قد حان فراقي الدنيا، والله ما تهنات بعلف ولا شراب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وماتت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيام. (1) [156] - 9 - روى عن أبي محمد الحسن العسكري (عليهم السلام): واما حنين العود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله إن الناس قد كثروا وإنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت، فلو أذنت [في] أن نعمل لك منبرا له مراق ترقاها فيراك الناس إذا خطبت فأذن في ذلك. فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع، فتجاوزه إلى المنبر فصعده فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى، وأن أنين الحبلى، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم، وأرتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا. فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك نزل عن المنبر، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال: اسكن فما تجاوزك رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهاونا بك، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله فهدأ
1. المناقب 1: 98، عنه البحار 17: 417 ضمن حديث 45. 110 حنينه وأنينه، وعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منبره، ثم قال: معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين، ويحزن لبعده عنه و في عباد الله - الظالمين أنفسهم - من لا يبالي قرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد. [و] لو لا أني ما احتضنت هذا الجذع، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه [و أنينه] إلى يوم القيامة. وإن من عباد الله وإمائه لمن يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين [الطاهرين] منطويا، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله؟ كيف هدأ لما احتضنه رسول الله ومسح يده عليه؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق نبيا، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يتولى محمدا وعليا وآلهما الطيبين ويبرأ من أعدائهم لأشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله. وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم، ما يرد عليهم من صلاة أحدكم - معاشر شيعتنا - على محمد وآله الطيبين، أو صلاته لله نافلة، أو صوم أو صدقة. وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل [بهم] من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين، ومعونتهم لهم على دهرهم، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض: لا تستعجلوا صاحبكم، فما يبطىء عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان بإسداء المعروف إلى اخوانه المؤمنين. وأعظم من ذلك - مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا - ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم فحينئذ يقول خزان الجنان وحورها: لنصبرن على شوقنا إليهم [وحنيننا] كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لا يقدرون على دفع مضرته. فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل: " يا سكان جناني ويا خزان رحمتي ما لبخل
111 أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي بمواساتهم إخوانهم المؤمنين، والأخذ بأيدي الملهوفين، والتنفيس عن المكروبين، وبالصبر على التقية من الفاسقين والكافرين، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي نقلتهم إليكم على أسر الأحوال وأغبطها فأبشروا. (1) [157] - 10 - قال ابن شهر آشوب: وفي رواية: فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل يخد الأرض والتزمه وقال: عد إلى مكانك فمر كأحد الخيل وفي مسند أحمد: قال أبى بن كعب: قال النبي (صلى الله عليه وآله): اسكن اسكن أن تشأ غرستك في الجنة فيأكل منك الصالحون وان تشأ أعيدك كما كنت رطبا فاختار الآخرة على الدنيا، وفي سنن ابن ماجة: لما هدم المسجد أخذ أبى بن كعب الجذع الحنانة وكان عنده في بيته حتى بلى فأكلته الأرضة وعاد رفاتا. (2) [158] - 11 - قال المجلسي: روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها، وهي تقول: اللهم رب الكعبة الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظام و رب محمد خير الأنام، صلي الله عليه وآله البررة الكرام [أسألك] ان تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغر المحجلين الميامين. ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين ان موالى خيرة الأخيار، وصفوة الأبرار، والذين علا قدرهم على الاقدار، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار المرتدين بالفخار. (3)
1. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 188 ح 88، الخرائج والجرائح 1: 26 ح 10 مختصرا، البحار 17: 326 ضمن ح 15 و 68: 33 ح 70 نقلا عن التفسير و 365 ح 6 نقلا عن الخرائج مختصرا و 8: 163 ح 106 أشار إلى القضية. 2. المناقب 1: 90، عنه البحار 17: 380 ح 49 وفيه: وفي مسند الأنصار عن احمد. 3. اى لابسين رداء الفخر. 112 قال ورقة بن عبد الله: فقلت: يا جارية إني لأظنك من موالى أهل البيت (عليهم السلام) فقالت: أجل، قلت لها: ومن أنت من مواليهم؟ قالت: أنا فضة أمة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها. فقلت لها: مرحبا بك وأهلا وسهلا، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك فأريد منك الساعة أن تجيبينى من مسألة أسألك، فإذا أنت فرغت من الطواف قفى لي عند سوق الطعام حتى آتيك وأنت مثابة مأجورة، فافترقنا. فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس، فأقبلت عليها واعتزلت بها و أهديت إليها هدية ولم اعتقد انها صدقة، ثم قلت لها: يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد (صلى الله عليه وآله). قال ورقة: فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت: يا ورقة بن عبد الله هيجت علي حزنا ساكنا، وأشجانا في فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدت منها (عليهما السلام). اعلم أنه لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء، و قل العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء و الأنساب، ولم تلق إلا كل باك وباكية، ونادب ونادبة. ولم يكن في أهل الأرض و الأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد. فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنطق; فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضج الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كل مكان، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء وخيل إلى النسوان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم،
113 وهي (عليها السلام) تنادي وتندب أباه: وا أبتاه، وا صفياه، وا محمداه! وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، من للقبلة والمصلى، ومن لابنتك الوالهة الثكلى. ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلى أن أغمى عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول: رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوى، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، و تكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي، ولا رادا لدمعتي ولا معينا لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك. ثم نادت: يا أبتاه وا لباه، ثم قالت: إن حزني عليك حزن جديد * وفؤادي والله صب عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني * واكتيابي عليك ليس يبيد جل خطبى فبان عني عزائي * فبكائي كل وقت جديد ان قلبا عليك يألف صبرا * أو عزاء فانه لجليد ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسود نهارها، فصار يحكى حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه من للأرامل و المساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم
114 يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيف لم تتزلزل. رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول. بكتك يا أبتاه الأملاك ووقفت الأفلاك فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك. يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك و اثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك و من ربيته صغيرا، وواخيته كبيرا، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا. ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها ان تخرج ثم قالت: قل صبري وبان عني عزائي * بعد فقدي لخاتم الأنبياء عين يا عين اسكبي الدمع سحا * ويك لا تبخلي بفيض الدماء يا رسول الإ له يا خيرة الله * وكهف الأيتام والضعفاء قد بكتك الجبال والوحش جمعا * والطير والأرض بعد بكي السماء وبكاك الحجون والركن والمشعر * يا سيدي مع البطحاء وبكاك المحراب والدرس * للقرآن في الصبح معلنا والمساء وبكاك الإسلام إذ صار في النا * س غريبا من سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت تعلو * ه علاه الظلام بعد الضياء يا الهى عجل وفاتي سريعا * فلقد تنغصت الحياة يا مولائى قالت: ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها. ولاتهدأ زفرتها. واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة (عليها السلام) تبكى الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا
115 بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها أما أن تبكى ليلا أو نهارا، فقال (عليه السلام): حبا وكرامة. فأقبل أمير المؤمنين حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن شيوخ المدينة يسألوني ان أسألك إما أن تبكين أباك ليلا وإما نهارا. فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا أو ألحق بأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها علي (عليه السلام): افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك. ثم أنه بني لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين (عليهما السلام) أمامها، وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها وساقها بين يديه إلى منزلها ولم تزل على ذلك إلى ان مضى لها بعد موت أبيها سبعة وعشرون يوما واعتلت العلة التي توفيت فيها... (1)
1. البحار 43: 174 ح 15. 116 الفصل التاسع: في مراثيه (صلى الله عليه وآله) رثاء علي (عليه السلام) [159] - 1 - قال المفيد: أخبرني أبو نصر محمد بن الحسين المقرى البصير، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى القطان، قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد القرشي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن مخارق، عن عبد الصمد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس قال: لما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تولى غسله [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب (عليه السلام) والعباس معه والفضل بن العباس، فلما فرغ على (عليه السلام) من غسله كشف الإزار عن وجهه ثم قال: بابي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والإنباء، خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء، ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لانفدنا عليك ماء الشؤون (1) [ولكن ما لا يرفع كمد وغصص محالفان، وهما داء الاجل وقلا لك (2)] بأبى أنت وأمي اذكرنا عند ربك، واجعلنا من همك ثم أكب عليه فقبل
1. اى لأفنينا على فراقك ماء عيوننا الجاري من شؤونه وهي منابع الدمع من الرأس. 2. الكمد: الحزن الشديد، والمحالف: المعاهد والملازم. وفي بعض النسخ: " مخالقان " والمخالق: المعاشر بالحسن. و " قلا " فعل ماض متصل بعلامة التثنية أي الكمد والغصص قليلان في جنب مصيبتك. وما أوردناه في المعقوفين هو في النسخ والبحار، والظاهر ان فيه تصحيف كما نبه عليه العلامة المجلسي (ره) و أورده في النهج قسم الخطب تحت رقم 235 وفيه بعد كلمة الشؤون: " ولكان الداء مماطلا والكمد محالفا و قلا لك ولكنه ما لا يملك رده ولا يستطاع دفعه ". ومماطلا أي يماطل في الذهاب ولا يذهب. والضمير في " لكنه " للموت أو الحزن. 117 وجهه ومد الإزار عليه. (1) [160] - 2 - قال الزمخشري: روى أنه قيل لعلى [(عليه السلام)]: لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين فقال: الخضاب زينة، ونحن قوم في مصيبة، يريد برسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [161] - 3 - وقال أيضا: وقف علي (عليه السلام) على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبى أنت وأمي يا رسول الله والله إن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن الصبر لجميل إلا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإن ما بعدك وما قبلك جلل، ثم قال: ما غاص دمعي عند نازلة * إلا جعلت للبكا سببا فإذا ذكرتك سامحتك به * مني الجفون ففاض وانسكبا أني اجل ثرى حللت به * من أن أرى سواه مكتئبا (3) [162] - 4 - قال ابن شهر آشوب: وأنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام): الموت لا والدا يبقى ولا ولدا * هذا السبيل إلى ان لا ترى أحدا هذا النبي ولم يخلد لامته * لو خلد الله خلقا قبله خلدا للموت فينا سهام غير خاطئة * من فاته اليوم سهم لم يفته غدا (4) [163] - 5 - وقال أيضا: وأنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام):
1. الأمالي: 102 ح 4، نهج البلاغة صبحي الصالح: 355 خ 235 مع اختلاف في بعض الالفاظ، البحار 22: 527 ح 33 عن الأمالي و 542 ح 55 مع اختلاف في الالفاظ. 2. ربيع الأبرار 3: 741. 3. ربيع الأبرار 4: 192، ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): 89، المناقب لابن شهر آشوب 1: 241 فيها الاشعار فقط، البحار 22: 547 ح 66. 4. المناقب 1: 238. 118 نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة وانما * اخشى مخافة ان تطول حياتي (1) [164] - 6 - وقال أيضا: وله (عليه السلام): أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على هالك ثوى رزئنا رسول الله فينا فلن نرى * بذاك عديلا ما حيينا من الورى وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل حرز حريز من العدى وكنا به شم الأنوف بنحوه * على موضع لا يستطاع ولا يرى فيا خير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه الترب والثرى كأن أمور الناس بعدك ضمنت * وسفينة موج البحر والبحر قد طمى وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه * لفقد رسول الله إذ فيه قد قضى فيا حزنا أنا رأينا نبينا * على حين تم الدين واشتدت القوى وكان الالى شبهته سفر ليلة * أضل الهدى لا نجم فيها ولا ضوى (2) [165] - 7 - وقال أيضا: وله (عليه السلام): إلى الله اشكو لا إلى الناس اشتكى * أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب أخلاى لو غير الحمام أصابكم * عتبت ولكن ما على الموت معتب (3) [166] - 8 - وقال أيضا: وله (عليه السلام): الاطرق الناعي بليل فراعني * وأرقنى لما استقل مناديا فقلت له لما سمعت الذي نعى * أغير رسول الله ان كنت ناعيا
1. المناقب 1: 240، ديوان أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) 123، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 241، البحار 22: 547. 2. المناقب 1: 240، تذكرة الخواص: 152، البحار 22: 548، ديوان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): 40. 3. المناقب 1: 241. 119 فخفق ما أشفقت منه فلم أجد * وكان خليلي عزتي وجماليا فوالله ما أنساك أحمد ما مست * بي العيش في ارض وجاوزت واديا وكنت متى اهبط من الأرض تلعة * أجد أثرا منه جديدا وباليا شجاعا تشط الخيل عنه كأنما * يرين به ليثا عليهن عاديا (1) [167] - 9 - وقال أيضا: وله (عليه السلام): الايا رسول الله كنت رجائيا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا كأن على قلبي لذكر محمد * وما جاء من بعد النبي المكاويا أفاطم صلى الله رب محمد * على حدث أمسى بيثرب ثاويا فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمى وزوجي ثم نفسي وخاليا فلو ان رب العرش أبقاك بيننا * سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية * وأدخلت جنات من العدن راضيا (2) بكاء فاطمة (عليها السلام) ومراثيها [168] - 10 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثني العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلي بن الحسين (عليهم السلام). فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) (3) وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى
1. المناقب 1: 241، ديوان أمير المؤمنين على بن أبى طالب (ع): 491. 2. المناقب 1: 242. 3. سورة يوسف: 85. 120 تأذى به أهل السجن فقالوا له: أما أن تبكى الليل وتسكت بالنهار، وأما أن تبكى النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما، أما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكى حتى تقضى حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) (1) إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. (2) [169] - 11 - قال ابن شهر آشوب: ورأس البكائين ثمانية: آدم ونوح ويعقوب ويوسف وشعيب وداوود و فاطمة وزين العابدين (عليهم السلام). قال الصادق (عليه السلام): أما فاطمة فبكت على رسول الله حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكى بالليل وإما أن تبكى بالنهار. وكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكى. (3) [170] - 12 - وقال أيضا: وروى عن عمرو بن دينار عن الباقر (عليه السلام) قال: ما رؤيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قبضت. (4) [171] - 13 - قال الخوارزمي: أخبرني الإمام شهاب الإسلام أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني فيما كتب إلي من همدان، أخبرني الحافظ سليمان بن إبراهيم فيما كتب الى من إصبهان سنة ثمان
1. سورة يوسف: 86. 2. الخصال 1: 272 ح 15، أمالي الصدوق: 121 ح 5، كامل الزيارات: 213 ح 306 بسند آخر وفيه من قوله: فبكى على بن الحسين، كشف الغمة 1: 498، ارشاد القلوب: 95 مع اختلاف يسير، روضة الواعظين 2: 450، حلية الأبرار 2: 72. 3. المناقب 3: 322. 4. المناقب لابن شهر آشوب 3: 341، أسد الغابة 7: 225 مع اختلاف في الالفاظ. 121 وثمانين وأربعمأة، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه فيما أذن لي قال: حدثت عن جعفر بن محمد بن مروان، أخبرنا أبي، أخبرنا سعيد بن محمد الجرمي، أخبرنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن حبة، عن علي (عليه السلام) قال: غسلت النبي [(صلى الله عليه وآله)] في قميصه فكانت فاطمة [(عليها السلام)] تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها فلما رأيت ذلك غيبته. (1) [172] - 14 - قال الخزاز القمي: حدثنا على بن الحسين [الحسن]، قال: حدثنا محمد بن الحسين الكوفي، قال: حدثنا محمد بن علي بن زكريا، عن عبد الله بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن عبد الرحمان، عن عاصم ابن عمر، عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت فاطمة (عليها السلام) تأتى قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة - رضى الله عنه - فوجدتها - صلوات الله عليها - تبكى هناك فأمهلتها حتى سكتت فأتيتها وسلمت عليها وقلت لها: يا سيدة النسوان والله قد قطعت أنياط قلبي من بكائك، فقالت: يا أبا عمر يحق لي البكاء فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) واشوقاه إلى رسول الله ثم أنشأت (عليها السلام) تقول: إذا مات يوما ميت قل ذكره * وذكر أبي [مذ] مات والله أكثر قلت: يا سيدتى انى سائلك عن مسألة تلجلج في صدري. قالت: سل، قلت: هل نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته على علي بالإمامة؟ قالت: وا عجباه أنسيتم يوم غدير خم؟ قلت: قد كان ذلك ولكن أخبريني بما أسر إليك. قالت: أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم، وهو الإمام والخليفة بعدي وسبطي [سبطاي] وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة، قلت: يا سيدتى فما باله قعد عن حقه؟ قالت: يا أبا عمر لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل الإمام مثل الكعبة إذ تؤتى ولا يأتي - أو قالت: مثل علي - ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله
1. مقتل الحسين 1: 77، عنه البحار 43: 157 ح 96، احقاق الحق 10: 436. 122 وأتبعوا عترة نبيه لما اختلف في الله تعالى اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف عن خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين، ولكن قدموا من أخره [الله] و أخروا من قدمه الله حتى إذا ألحد المبعوث وأوذعوه الحدث المحدوث واختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم تبا لهم أولم يسمعوا الله [تعالى] يقول: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (1))؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال الله: (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (2)) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم ونسوا آجالهم، (فتعسا لهم وأضل أعمالهم) (3)، أعوذ بك يا رب من الجور بعد الكور. (4) [173] - 15 - قال الصدوق: روى أنه لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان وقال لا اؤذن لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي (عليه السلام) بالأذان فبلغ ذلك بلالا فأخذ في الأذان، فلما قال: " الله أكبر، الله أكبر " ذكرت أباها (عليه السلام) وأيامه فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلى قوله: " أشهد أن محمدا رسول الله " شهقت فاطمة (عليها السلام) شهقة وسقطت لوجهها وغشى عليها، فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدنيا وظنوا أنها قد ماتت فقطع أذانه ولم يتمه، فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألته أن يتم الأذان فلم يفعل وقال لها: يا سيدة النسوان إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان فاعفته عن ذلك ". (5) [174] - 16 - قال ابن سعد: أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: لما مات رسول الله [(صلى الله عليه وآله)] قالت فاطمة [(عليها السلام)]: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه،
1. القصص: 68. 2. الحج: 46. 3. محمد: 8. 4. كفاية الأثر: 197، غاية المرام 1: 401، البحار 36: 352 والعوالم 6: 227 ح 3 نقلا عن كفاية الأثر. 5. من لا يحضره الفقيه 1: 297 ح 907 عنه البحار 43: 157 ح 7 والعوالم 6: 234 ح 2. 123 يا أبتاه! إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه! قال: فلما دفن، قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) التراب؟ (1) [175] - 17 - وقال الطبراني: ... ودفن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعلى (عليه السلام): يا أبا الحسن دفنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، قالت فاطمة (عليها السلام): كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ أما كان في صدوركم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الرحمة؟ أما كان معلم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة ولكن أمر الله الذي لا مرد له، فجعلت تبكى وتندب وهي تقول: يا أبتاه الآن انقطع جبريل (عليه السلام)، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء. (2) [176] - 18 - روى الكليني: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن المفضل قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى سارية (3) في المسجد وهي تقول وتخاطب النبي (صلى الله عليه وآله): قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (4) [177] - 19 - وقال الطبري: ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله) متمثلة بأبيات صفية بنت عبد المطلب (رحمها الله تعالى):
1. الطبقات الكبرى 2: 237، البداية والنهاية 5: 294، جامع الأصول 11: 388 ح 8498، مسند أحمد 3: 141، المناقب لابن شهر آشوب 1: 237، اعلام الورى 1: 268 باختلاف يسير، أسد الغابة 7: 226، تذكرة الخواص: 285، تاريخ الإسلام للذهبي 3: 23 مع اختلاف واختصار، البحار 22: 528 ح 35. 2. المعجم الكبير 3: 64 ضمن ح 2676. 3. اى أسطوانة. 4. الكافي 8: 375 ح 564، الشافي في الإمامة 4: 75 وتذكرة الخواص: 285 ذكر الاشعار فقط، البحار 43: 195 ح 25. 124 قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الأرض وابلها * واجتث أهلك مذ غيبت واغتصبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الكثب تهضمتنا رجال واستخف بنا * دهر فقد أدركوا فينا الذي طلبوا قد كنت للخلق نورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يؤنسنا * فغاب عنا فكل الخير محتجب (1) [178] - 20 - قال المفيد: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: أخبرنا أبو عبد الله [جعفر بن] محمد بن جعفر الحسني قال: حدثنا عيسى بن مهران، عن يونس، عن عبد الله بن محمد ابن سليمان الهاشمي، عن أبيه، عن جده، عن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) قالت: لما اجتمع رأى أبي بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك والعوالي وآيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فألقت نفسها عليه وشكت إليه ما فعله القوم بها و بكت حتى بلت تربته (صلى الله عليه وآله) بدموعها وندبته، ثم قالت في آخر ندبتها: قد كان بعدك أنباء وهنبثتة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقد ناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا * فغبت عنا فكل الخير محتجب فكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب تجهمتنا رجال واستخف بنا * بعد النبي وكل الخير مغتصب سيعلم المتولى ظلم حامتنا * يوم القيامة أني سوف ينقلب فقد لقينا الذي لم يلقه أحد * من البرية لا عجم ولا عرب فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * لنا العيون بتهمال له سكب (2)
1. دلائل الإمامة: 118. 2. الأمالي: 40، الاحتجاج: 92. 125 [179] - 21 - قال ابن الصباغ: وعن علي (عليه السلام) قال إن فاطمة بنت رسول الله (عليهما السلام) جاءت إلى قبر أبيها بعد موته (صلى الله عليه وآله) فوقفت عليه وبكت ثم أخذت قبضة من تراب القبر فجعلتها على عينها ووجهها و أنشأت تقول: ماذا علي من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا (1) [180] - 22 - وقال أيضا: ولفاطمة (عليها السلام) ترثى النبي (صلى الله عليه وآله): أغبر آفاق السماء فكورت * شمس النهار وأظلم العصران والأرض من بعد النبي كئيبة * أسفا عليه كثيرة الأحزان فليبكه شرق العباد وغربها * وليبكه مضر وكل يمان وليبكه الطود الأشم وجوه * والبيت والاستار والأركان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه * صلى عليك منزل القرآن (2) [181] - 23 - قال ابن شهر آشوب: وأنشدت الزهراء بعد وفاة أبيها: وقد رزينا به محضا خليقته * صافي الضرائب والأعراق والنسب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل روح القدس زائرنا * فغاب عنا وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الحجب إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن * من البرية لا عجم ولا عرب ضاقت على بلاد بعد ما رحبت * وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب فأنت والله خير الخلق كلهم * وأصدق الناس حيث الصدق والكذب
1. الفصول المهمة: 140، روضة الواعظين: 75 فيه الاشعار فقط مع اختلاف في بعض ألفاظها. 2. الفصول المهمة: 140. 126 فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منا العيون بتهمال لها سكب (1) [182] - 24 - وقال أيضا: وقالت الزهراء (عليها السلام): قل للمغيب تحت أطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا قد كنت ذات حمى بظل محمد * لا أخش من ضيم وكان جماليا فاليوم أخشع للذليل وأتقى * ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا فإذا بكت قمرية في ليلها * شجنا على غصن بكيت صباحيا فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي * ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا ماذا على من شم تربة احمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا (2) [183] - 25 - وقال أيضا: ولها (عليها السلام): كنت السواد لمقلتى * تبكى عليك الناظر من شاء بعدك فليمت * فعليك كنت أحاذر (3) [184] - 26 - وقال أيضا: ولها (عليها السلام) وقد ضمنت أبياتا وتمثلت بها: قد كنت لي جبلا ألوذ بظله * فاليوم تسملنى لاجرد ضاحي قد كنت جار حميتي ما عشت لي * واليوم بعدك من يريش جناحي وأغض من طرفي وأعلم أنه * قد مات خير فوارسي وسلاحي حضرت منيته فأسلمنى العزا * وتمكنت ريب المنون جواحى نشر الغراب علي ريش جناحه * فظللت بين سيوفه ورماح
1. المناقب 3: 361، البحار 43: 196 ح 27، العوالم 6: 235 ح 2 نقلا عن المناقب. 2. المناقب 1: 242، مضى بيت الثاني والآخر من الفصول المهمة وروضة الواعظين. 3. المناقب 1: 242، ديوان أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) 213 عن على (عليه السلام). 127 إنى لأعجب من يروح ويغتدى * والموت بين بكوره ورواح فاليوم أخضع للذليل واتقى * ذلي وأدفع ظالمي بالراح وإذا بكت قمرية شجنا بها * ليلا على غصن بكيت صباحي فالله صبرني على ما حل بي * مات النبي قد انطفى مصباحي (1) [185] - 27 - وقال أيضا: [قالت] الزهراء (عليها السلام): إذا مات قرم قل والله ذكره * وذكر أبي مذ مات والله أزيد تذكرت لما فرق الموت بيننا * فعزيت نفسي بالنبي محمد فقلت لها إن الممات سبيلنا * ومن لم يمت في يومه مات في غد (2) رثاء صفية عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) [186] - 28 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثني أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة قال، قالت صفية بنت عبد المطلب ترثى رسول الله (صلى الله عليه وآله): لهف نفسي وبت كالمسلوب * أرقت الليل فعلة المحروب من هموم وحسرة أردفتني * ليت أني سقيتها بشعوب حين قالوا إن الرسول قد أمسى * وافقته منية المكتوب حين جئنا لبيت آل محمد * فأشاب القذال مني مشيبي حين رأينا بيوته موحشات * ليس فيهن بعد عيش غريب فعلاني لذاك حزن طويل * خلط القلب فهو كالمرغوب [187] - 29 - وقال أيضا: وقالت أيضا:
1. المناقب 1: 242. 2. المناقب 1: 238 البحار 22: 523 وفيه إذا مات يوما ميت.... 128 ألا يا رسول الله كنت رجاءنا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا وكان بنا برا رحيما نبينا * ليبك عليك اليوم من كان باكيا [لعمري ما أبكى النبي لموته * ولكن لهرج كان بعدك آتيا] كأن على قلبي لفقد محمد * ومن حبه من بعد ذاك المكاويا أفاطم صلى الله رب محمد * على جدث أمس بيثرب ثاويا أرى حسنا أيتمته وتركته * يبكى ويدعو جده اليوم نائيا فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمى ونفسي قصره وعياليا صبرت وبلغت الرسالة صادقا * ومت صليب الدين أبلج صافيا فلو أن رب العرش أبقاك بيننا * سعدنا ولكن أمره كان ماضيا عليك من الله السلام تحية * وأدخلت جنات من العدن راضيا (1) [188] - 30 - روى ابن شهر آشوب: عن صفية بنت عبد المطلب: يا عين جودي بدمع منك منحدر * ولا تملى وبكى سيد البشر بكى الرسول فقد هدت مصيبته * جميع قومي وأهل البدو والحضر ولا تملى بكاك الدهر معولة * عليه ما غرد القمرى في السحر (2) رثاء أم سلمة [189] - 31 - وروى أيضا: عن أم سلمة رضى الله عنها: فجعنا بالنبي وكان فينا * إمام كرامة نعم الإمام وكان قوامنا والرأس منا * فنحن اليوم ليس لنا قوام ننوح ونشتكي ما قد لقينا * ويشكو فقدك البلد الحرام فلا تبعد فكل فتى كريم * سيدركه وإن كره الحمام (3)
1. المعجم الكبير 24: 320 ح 806، مجمع الزوائد 9: 38. 2. المناقب 1: 243. 3. نفس المصدر. 129 رثاء الأصحاب وغيرهم [190] - 32 - وروى أيضا: عن كعب بن مالك: ألا انعى النبي إلى العالمينا * جميعا ولا سيما المسلمينا ألا انعى النبي لأصحابه * وأصحاب أصحابه التابعينا ألا انعى النبي إلى من هدى * من الجن ليلة إذ تسمعونا لفقد النبي امام الهدى * وفقد الملائكة المنزلينا [191] - 33 - وروى أيضا: عن إبراهيم بن المهدي: اصبر لكل مصيبة وتجلد * واعلم بان المرء غير مخلد أو ما ترى ان الحوادث جمة * وترى المنية للرجال بمرصد فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد (1) [192] - 34 - وقال أيضا: [قال] ديك الجن: تأمل إذ الأحزان فيك تكاثرت * أعاش رسول الله أم ضمه القبر (2) [193] - 35 - وقال أيضا: ولغيره: فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها * لكان رسول الله فيها مخلدا (3) [194] - 36 - وروى أيضا: عن سالم بن زهير المحاربى: أفاطم بكى ولا تسأمى * فقد فاتك الما جد الطيب
1. المناقب 1: 238. 2. نفس المصدر. 3. نفس المصدر. 130 جوى حل بين الحشا والشغاف * فخيم فيه فلا يذهب فيا عين ويحك لا تهجعي * وما بال دمعك لا يسكب فمن ذلك، الويل بعد الرسول * يبكى من الناس أو يندب (1) [195] - 37 - وروى أيضا: روى عن حسان بن ثابت: إن الرزية لا رزية مثلها * ميت بطيبة مثله لم يفقد ميت بطيبة أشرقت لحياته * ظلم البلاد لمتهم أو منجد والكوكب الدري أصبح آفلا * بالنور بعد تبلج وتصعد لله ما ضمنت حفيرة قبره * منه وما فقدت سوادي المسجد أشعار حسان بن ثابت في مرثية الرسول (صلى الله عليه وآله) [196] - 38 - وقال حسان بن ثابت: يبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيما حدثنا ابن هشام، عن أبي زيد الأنصاري: بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد (2) ولا تمتحي الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذى كان يصعد (3) وواضح آثار وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد (4) بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد (5) معارف لم تطمس على العهد آيها * اتاه البلى فالآى منها تجدد (6) عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد (7)
1. المناقب 1: 243. 2. طيبة: اسم مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) والرسم: ما بقي من آثار الدار. وتعفو: تدرس وتتغير وتهمد: تبلى. 3. تمتحي: تزول. والآيات: العلامات. 4. المعالم: جمع معلم، وهو ما يعرف به الشئ. 5. الحجرات: جمع حجرة، يعنى مساكنه (صلى الله عليه وآله). 6. لم تطمس: لم تغير. 7. الملحد: الذي يضع الميت في لحده. 131 ظللت بها ابكى الرسول فاسعدت * عيون ومثلاها من الجفن تسعد (1) يذكرن آلاء الرسول وما أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد (2) مفجعة قد شفها فقد احمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد (3) وما بلغت من كل امر عشيرة * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد (4) أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه احمد (5) فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد (6) تهيل عليه الترب أيد واعين * عليه وقد غارت بذلك أسعد (7) لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور واعضد يبكون من تبكى السموات يومه * ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد (8) وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد؟ تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد (9) يدل على الرحمن من يقتدى به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد امام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق ان يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم * وان يحسنوا فالله بالخير أجود وان ناب امر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد
1. تسعد: تعين. 2. الآلاء: النعم، جمع إلى وإلى (بفتح الهمزة وكسرها وتحريك اللام). 3. شفها: أضعفها 4. العشير: العشر. وتوجد، من الوجد وهو الحزن. 5. تذرف العين: تسيل بالدمع. والطلل: ما شخص من الآثار. 6. الصفيح: الحجارة العريضة. والمنضد: الذي جعل بعضه على بعض. 7. تهيل: تصب. 8. أكمد: أحزن. 9. يغور: يبلغ الغور، وهو المنخفض من الأرض. وينجد: يبلغ النجد، وهو المرتفع من الأرض. 132 فبيناهم في نعمة الله بينهم * دليل به نهج الطريقة يقصد (1) عزيز عليه ان يجوروا عن الهدى * حريص على ان يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثنى جناحه * إلى كنف يحنو عليهم ويمهد (2) فبيناهم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد (3) فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه حق المرسلات ويحمد (4) وامست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد (5) قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكيه بلاط وغرقد (6) ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد (7) فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التى * على الناس منها سابغ يتغمد (8) فجودى عليه بالدموع واعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد (9) وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد اعف وأوفى ذمة بعد ذمة * وأقرب منه نائلا لا ينكد (10) وابذل منه للطريف وتالد * إذا ضن معطاء بما كان يتلد (11)
1. النهج: الطريق البين. 2. الكنف: الجانب والناحية. 3. مقصد: مصيب، يقال: اقصد الهم، إذا أصاب. 4. المرسلات (هنا): الملائكة. ويروى: " جن المرسلات " يريد الملائكة المستورين عن أعين الآدمين. 5. بلاد الحرم (بضم الحاء وكسرها): يعنى مكة وما اتصل بها من الحرم. 6. ضافها: نزل بها. وبلاط: مستو من الأرض. والغرقد: شجر. 7. عرصات: ساحات، سكنت الراء ضرورة. 8. سابغ: كثير تام. ويغمد: يستر. 9. اعولى: ارفعي صوتك بالبكاء. 10. لا ينكد: لا يكدر بالمن الذي يفسد النائل. 11. الطريف: المال المستحدث. والتالد: المال القديم الموروث. وضن: بخل ويتلد: يكتسب قديما. 133 وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * واكرم جدا أبطحيا يسود (1) وامنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد (2) وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود اغيد (3) رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس و لا الرأي يفند (4) * أقول ولا يلقى لقولي عائب من الناس إلا عازب العقل مبعد (5) * وليس هواي نازعا عن ثنائه لعلى به في جنة الخلد أخلد * مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى واجهد * [197] - 39 - وقال حسان بن ثابت أيضا: يبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بال عينك لا تنام كأنما * كحلت مآقيها بكحل الأرمد (6) جزعا على المهدى أصبح ثاويا * يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفى ليتني * غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبى وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدى فظللت بعد وفاته متبلدا * متلددا يا ليتني لم أولد (7) أأقيم بعدك بالمدينة بينهم * يا ليتني صبحت سم الأسود (8) أو حل امر الله فينا عاجلا * في روحة من يومنا أو من غد
1. الصيت: الذكر الحسن. والأبطحى: المنسوب إلى أبطح مكة، وهو موضع سهل متسع. 2. الذروات: الأعالي. وشاهقات: مرتفعات. 3. المزن: السحاب. اغيد: تاعم متثن. 4. يفند: يعاب. 5. عازب العقل: بعيد العقل. 6. المآقى: مجارى الدموع من العين، الواحد: مأقى. والأرمد: الذي يشتكى وجع العينين. 7. متلدد: متحير. 8. صبحت: سقيت صباحا. والأسود: ضرب من الحيات. 134 فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا * محضا ضرائبه كريم المحتد (1) يا بكر آمنة المبارك بكرها * ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البرية كلها * من يهد للنور المبارك يهتدى يا رب فاجمعنا معا ونبينا * في جنة تثنى عيون الحسد (2) في جنة الفردوس فاكتبها لنا * يا ذا الجلال وذا العلا والسودد والله اسمع ما بقيت بهالك * الا بكيت على النبي محمد (3) يا ويح أنصار النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد (4) ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا * سودا وجوههم كلون الإثمد (5) ولقد ولدناه وفينا قبره * وفضول نعمته بنا لم نجحد (6) والله أكرمنا به وهدى به * أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الاله ومن يحف بعرشه * والطيبون على المبارك احمد [198] - 40 - وقال أيضا: قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت يبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله): نب المساكين ان الخير فارقهم * مع النبي تولى عنهم سحرا (7) من ذا الذي عنده رحلي وراحلتى * ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا (8) أم من نعاتب لا نخشى جنادعه * إذا اللسان عتا في القول أو عثرا (9) كان الضياء وكان النور نتبعه * بعد الاله وكان السمع والبصرا
1. الضرائب: الطبائع. والمحتد: الاضل. 2. تثنى: تصرف وتدفع. 3. والله اسمع: اى والله لا اسمع. 4. سواء الملحد: وسط القبر. 5. الإثمد: كحل اسود يكتحل به. 6. ولدناه: يشير إلى ان بني النجار أخوال النبي (عليه السلام) من قبل آبائه. 7. نب: نبىء واعلم، سهله، ثم عامله معاملة المعتل. 8. لم يؤنسوا المطر: لم يحسوه. 9. الجنادع: أوائل الشر: وعتا: زاد وطغى. 135 فليتنا يوم واروه بملحده * وغيبوه والقوا فوقه المدرا لم يترك الله منا بعده أحدا * ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلت رقاب بني النجار كلهم * وكان امرا من امر الله قد قدرا واقتسم الفىء دون الناس كلهم * وبددوه جهارا بينهم هدرا (1) [199] - 41 - وقال أيضا: قال حسان بن ثابت يبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا: آليت ما في جميع الناس مجتهدا * منى ألية بر غير افناد (2) تا الله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل الرسول نبي الأمة الهادي ولا برأ الله خلقا من بريته * أوفى بذمة جار أو بميعاد من الذي كان فينا يستضاء به * مبارك الامر ذا عدل وارشاد امسى نساؤك عطلن البيوت فما * يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرواهب يلبسن المباذل قد * أيقن بالبؤس بعد النعمة البادى (3) يا أفضل الناس انى كنت في نهر * أصبحت منه كمثل المفرد الصادي (4) قال ابن هشام: عجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق: (5) [200] - 42 - قال ابن عبد البر: وقال ابن إسحاق: قال أبو ذؤيب الشاعر: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مريض، فاستشعرت حزنا، وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها (6)، ولا يطلع نورها، فظللت أقاسى طولها، حتى إذا كان قريب السحر أغفيت فهتف بي هاتف يقول: خطب اجل أناخ بالاسلام * بين النخيل ومعقد الآطام
1. هدرا: باطلا. 2. الألية: اليمين والحلف. والافناد: العيب. 3. المباذل: جمع مبذل (بكسر الميم) وهو الثوب الذي يتبذل فيه. 4. الصادي: العاطش 5. السيرة النبوية 4: 317. 6. الديجور: الظلام. 136 قبض النبي محمد فعيوننا * تذرى الدموع عليه بالتسجام قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومى فزعا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح (1)، فتفاءلت ذبحا يقع في العرب فعلمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قبض وهو ميت من علته، فركبت ناقتي وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر (2) به، فعن لي شيهم - يعنى القنفذ - وقد قبض على صل - وهي الحية - فهي تلتوي عليه، والشيهم يعضها حتى أكلها، فزجرت ذلك فقلت: الشيهم شيء مهم، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أولت أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر. فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زجرت (3) الطائر، فأخبرني بوفاته. ونعب غراب سانح (4) فنطق بمثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي. و قدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجئت المسجد فوجدته خاليا، وأتيت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأصبت بابه مرتجا، وقيل: هو مسجى، وقد خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقالوا: في سقيفة بني ساعدة... ثم قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله)، وشهدت دفنه. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكى النبي (صلى الله عليه وآله): لما رأيت الناس في عسلانهم * ما بين ملحود له (5) ومضرح متبادرين لشرجع بأكفهم * نص الرقاب، لفقد ابيض اروح فهناك صرت إلى الهموم، ومن يبت * جار الهموم يبيت غير مروح كسفت لمصرعه النجوم وبدرها * وتضعضعت آطام بطن الأبطح وتزعزعت أجبال يثرب كلها * ونخيلها لحلول خطب مفدح
1. سعد الذابح: منزل من منازل القمر، أحد السعود، وهما كوكبان نيران بينهما مقدار ذراع، وفي نحر أحدهما نجم صغير، لقربه منه كأنه يذبحه، فسمى لذلك ذابحا. 2. الزجر: نوع من الكهانة. 3. الزجر للطير: هو التيمن والتشاؤم بها فكانوا يتيمنون بسنوحها. 4. السانح: ما اتاك عن يمينك من طبي أو طائر ويتشاءمون ببروجها، والبارح: ما اتاك عن يسارك. 5. ملحود له: مدفون والمضرح: الذي وضع في الضريح وهو القبر. 137 ولقد زجرت الطير قبل وفاته * بمصابه وزجرت سعد الاذبح وزجرت ان نعب المشحج (1) سانحا * منفائلا فيه بفأل أقبح (2)
1. الشحيج: صوت الغراب والبغل والحمار. 2. الاستيعاب (في حاشية الإصابة) 4: 65، أسد الغابة 6: 102 واللفظ منه. 138 الجزء الثاني: في شهادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)
139 الفصل الأول: في نبذة من شخصيتها الكريمة هي سيدة نساء العالمين وأم الأئمة المعصومين، ثمرة النبوة ورضيعة در الكرم والابوة، الكريمة المظلومة الشهيدة، الإنسية الحوراء والبتول العذراء فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين وإمام المتقين رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلوات الله وسلامه عليه وعليها. أسمائها (عليها السلام): [201] - 1 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثني علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدثني الحسن بن عبد الله بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عزوجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمرضية والمحدثة والزهراء، ثم قال: تدرى لأي شيء سميت فاطمة (عليها السلام) قلت: أخبرني يا سيدي، قال: فطمت من الشر، قال ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة آدم فمن دونه. (1)
1. الأمالي: 474 ح 18، الخصال 414 ح 3، علل الشرايع: 178 ح 3، دلائل الإمامة: 79 ح 190، المناقب لابن شهر آشوب 3: 357، اعلام الورى 1: 290، كشف الغمة 1: 463، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 547، البحار 43: 10 ح 1 و 16 ح 15 عن الخصال وفي الكافي 1: 461 ح 10، تهذيب الاحكام 7: 470 ح 1882، الأمالي للطوسي: 43، كشف الغمة 1: 472 من قوله: لولا ان أمير المؤمنين.... 140 [202] - 2 - وقال أيضا: حدثنا محمد بن الحسن رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن علوية الإصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن جندل بن والق، قال: حدثنا محمد بن عمر البصري، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة أتدرين لم سميت فاطمة؟ فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله لم سميت؟ قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار. (1) [203] - 3 - وقال أيضا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضى الله عنه، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة لم سميت الزهراء؟ فقال لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهو نور الكواكب لأهل الأرض. (2) [204] - 4 - وقال أيضا: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، عن محمد ابن زكريا الجوهري، قال: حدثنا شعيب بن واقد، قال: حدثني إسحاق بن جعفر بن محمد ابن عيسى بن زيد بن علي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنما سميت فاطمة (عليها السلام) محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادى مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتى لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم
1. علل الشرايع: 179 ح 5، وفي: 178 ح 1، رواه بتعبير آخر عن أبي هريرة، وفي معاني الاخبار: 64 ح 14، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 51، المناقب لابن شهر آشوب 3: 329، كشف الغمة 1: 463، البحار 43: 14 ح 10، عن العلل والمعاني: 15 ح 14 عن المناقب. 2. علل الشرايع: 181 ح 3، معاني الاخبار: 64 ح 15، عنهما البحار 43: 12 ح 6. 141 كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عزوجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين. (1) كناها (عليها السلام): [205] - 5 - قال ابن شهر آشوب: كناها: أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن وأم الأئمة وأم أبيها (2) وهي المشهور (3). صفاتها (عليها السلام): [206] - 6 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان عن زيد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام):... وكان علي (عليه السلام) يستقي ويحتطب وكانت فاطمه (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز وترقع وكانت من أحسن الناس وجها كأن وجنتيها وردتان صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين. (4) [207] - 7 - روى ابن شهر آشوب: عن أنس بن مالك قال: سئلت أمي عن صفة فاطمة (عليها السلام)؟ فقالت: كانت كأنها القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت غماما أو خرجت من السحاب وكانت بيضاء بضة (5). خجلا من نور بهجتها * تتوارى الشمس بالشفق وحياء من شمائلها * يتغطى الغصن بالورق. (6) [208] - 8 - وروى أيضا: عن جابر بن عبد الله: ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تميل على
1. علل الشرايع: 182، ح 1، دلائل الإمامة: 80 ح 20 و 152 ح 66، البحار 43: 78 ح 65 عن العلل. 2. المناقب 3: 357، عنه البحار 43: 16 ح 15. 3. راجع: مقاتل الطالبيين: 46، الاستيعاب 4: 380، أسد الغابة 7: 220، البحار 43: 19 ح 19 عن أبي الفرج. 4. الكاغى 8: 165 ح 176. 5. المناقب 3: 356، دلائل الإمامة: 150 ح 63 روى مضمونه مسندا، البحار 43: 6 ح 7 عن المناقب. 6. كشف الغمة 1: 464، رواه عن بعض الوعاظ انه عندما ذكر فاطمة عليها السلام... استخفه الطرب فأنشد: 142 جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة. (1) [209] - 9 - قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحسن بن علي وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين. (2) [210] - 10 - وروى ابن عبد ربه: عن الرياشي، عن عثمان بن عمر، عن إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمر، عن عايشة بنت طلحة، عن عايشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه حديثا وكلاما برسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة. وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده فقبلها... الحديث. (3) [211] - 11 - قال الإربلي: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعظم شأنها ويرفع مكانها، كان يكنيها بأم أبيها ويحلها من محبته محلا لا يقاربها فيه أحد. (4) [212] - 12 - قال ابن شهر آشوب: ما كان في هذه الامة أعبد من فاطمة (عليها السلام) كانت تقوم حتى تتورم قدماها. (5) أمها (عليها السلام): [213] - 13 - قال أبو الفرج: وأمها خديجة تكنى ام هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي. (6)
1. المناقب 3: 357، كشف الغمة 1: 463، البحار 43: 6 ح 7 عن المناقب. 2. مسند أحمد 3: 164. 3. عقد الفريد 3: 193، أمالي الطوسي: 400 ح 892 مع اختلاف، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 54، وفي ذخائر العقبى: 40 قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا.... احقاق الحق 25: 115. 4. كشف الغمة 1: 462. 5. المناقب 3: 119، عنه البحار 43: 84 ضمن ح 7. 6. مقاتل الطالبيين: 46، الطبقات 8: 11. 143 [214] - 14 - قال الإربلي: كانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا (1) وكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء من الله ووازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه أو تكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس، (2) وكانت وزيرة صدق على الإسلام، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسكن إليها (3) وتوفيت في شهر رمضان سنة عشر من النبوة وهي ابنة خمس وستين. (4) زواجها وأولادها (عليها السلام): زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة من علي بأمر من الله تبارك وتعالى (5) في أول يوم من ذي الحجة... وروى أنه كان يوم السادس. (6) [215] - 15 - وروى الإربلي: عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): تزوج علي فاطمة في شهر رمضان وبني بها في ذي الحجة من السنة الثانية. (7) [216] - 16 - قال الطبرسي: ولدت فاطمة (عليها السلام) الحسن (عليه السلام) ولها إحدى عشرة سنة والحسين (عليه السلام) بعد الحسن بعشرة أشهر وثمانية عشرة يوما. (8)
(2) (3) (4) (5). كشف الغمة 1: 509 - 510 - 511 - 513، عنه البحار 16: 7 ح 12. 5. [مجموعة نفيسه] تاج المواليد: 8، تاريخ ابن عساكر 1: 253، كشف الغمة 1: 356، ذخائر العقبى: 31. 6. مصباح المتهجد: 671. 7. كشف الغمة 1: 364، الطبقات الكبرى 8: 18، تاريخ الطبري 2: 486، تاريخ اليعقوبي 2: 34، مروج الذهب 2: 295، روضة الواعظين: 143، صفة الصفوة 2: 9، المناقب لابن شهر آشوب 3: 357، وفاء الوفاء 1: 279، التتمة في تاريخ الأئمة: 42، مستدرك العوالم 1: 361 - 365. 8. [مجموعة نفيسه] تاج المواليد: 22، وروى في المناقب لابن شهر آشوب 3: 359 عن أبي عبد الله (عليه السلام): ولدت فاطمة الحسن والحسين وبينهما ستة اشهر. 144 ولد لها خمسة أولاد وهم: الحسن والحسين (عليهما السلام) وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم (عليهما السلام) وولد ذكر قد أسقطته فاطمة (عليها السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سماه وهو حمل محسنا. (1) [217] - 17 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم، عن جده، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام):... وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسنا قبل أن يولد. (2) مولدها (عليها السلام) [218] - 18 - قال أبو الفرج: كان مولد فاطمة (عليها السلام) قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة. (3) [219] - 19 - روى الهيثمي: عن محمد بن إسحاق قال:... وكان مولدها وقريش تبني الكعبة قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بسبع سنين وستة أشهر. (4) [220] - 20 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر قال: دخل العباس على علي بن أبي طالب وفاطمة. فقال العباس: اما أنت يا فاطمة فولدت وقريش تبني الكعبة والنبي (صلى الله عليه وآله)، ابن خمس وثلاثين سنة، وأما أنت يا علي فولدت قبل ذلك بسنوات. (5)
1. الذرية الطاهرة: 92 و 157، دلائل الإمامة: 104، المناقب لابن شهر آشوب 3: 358، كفاية الطالب: 267 و يأتي بعض ما يرتبط بالمحسن في سبب الشهادة. 2. الكافي 6: 18 ح 2. 3. مقاتل الطالبيين: 48، عنه البحار 43: 9 ضمن ح 12. 4. مجمع الزوائد 9: 211، احقاق الحق 10: 12. 5. الطبقات الكبرى 8: 22، الذرية الطاهرة: 152 وفيه: ولدت يا على قبل بناء قريش بسبع سنوات، ولعل الهيثمي في المصدر السابق اعتمد على هذه الرواية، كشف الغمة 1: 503، ذخائر العقبى: 53 وغيرها من المصادر، راجع احقاق الحق 25: 9. 145 [221] - 21 - روى الخوارزمي: عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يذكر، عن أبيه عن جده، قال: ولدت فاطمة سنة أحدى وأربعين من مولد النبي (صلى الله عليه وآله) (1) وبه قال الطبرسي من الإمامية. (2) والمشهور عند الإمامية انها ولدت بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين (3) وبعد الإسراء بثلاث سنين (4) بمكة في العشرين من جمادي الآخرة (5) في الساعات الأولى من فجر يوم الجمعة. (6) [222] - 22 - روى الكليني: عن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد بن المسيب، قال:... قال علي بن الحسين (عليه السلام): ولم يولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة على فطرة الإسلام إلا فاطمة... (7) [223] - 23 - وروى أيضا: عن عبد الله بن جعفر وسعد بن عبد الله، جميعا عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ولدت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما. (8)
1. مقتل الحسين 1: 51، ذخائر العقبى: 26، الاستيعاب 4: 374، الإصابة 4: 377، البحار 43: 8 ضمن ح 12، احقاق الحق 10: 11 و 25: 9. 2. اعلام الورى 1: 290. 3. الكافي 1: 458، روضة الواعظين: 143، اعلام الورى 1: 290، المناقب لابن شهر آشوب 3: 357، [مجموعة نفيسة] تاج المواليد: 21. 4. روضة الواعظين: 143، [مجموعة نفيسة] تاج المواليد: 21. 5. اعلام الورى 1: 290، المناقب لابن شهر آشوب 3: 357 [مجموعة نفيسة] تاج المواليد: 21. 6. مستدرك العوالم 1: 51. 7. الكافي 8: 338 ح 536، اعلام الورى 1: 290 قال: ان جميع أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولدوا قبل الإسلام إلا فاطمة وإبراهيم فإنهما ولدا في الإسلام. 8. الكافي 1: 457 ح 10. 146 [224] - 24 - قال الطبري الإمامي: حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل (رضى الله عنه)، قال: روى أحمد ابن محمد بن البرقي، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادي الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلى الله عليه وآله). (1) وتردد شيخ الطائفة وقال: كان مولد فاطمة (عليها السلام) يوم العشرين من جمادي الآخرة سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات وفي رواية أخرى سنة خمس من المبعث (2) وتبعه السيد بن طاووس في القول الأول (3) والكفعمي فيهما. (4) مدة عمرها (عليها السلام): وفيها أقوال: أولها: ما رواه القرطبي وابن أثير عن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي (عليهم السلام) كان عمرها ثلاثين سنة أو خمسا وثلاثين سنة. (5) الثاني: ما ذكره ابن سعد والطبري وغيرهما أنها توفيت وهي ابنة تسع وعشرون سنة أو نحوها. (6)
1. دلائل الإمامة: 134 ح 43 و 79 ضمن ح 18، عنه البحار 43: 9 ح 16. 2. مصباح المتهجد: 793، عنه البحار 43: 9 ح 15. 3. اقبال الاعمال 3: 163، عنه البحار 43: 8 ح 12. 4. مصباح الكفعمي: 678، عنه البحار 43: 9 ح 14، وفي كشف الغمة 1: 449 ودخائر العقبى: 52 عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: ولدت فاطمة بعد ما اظهر الله نبوة نبيه وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت... وهذا غريب ويحتمل ان يكون الجملة الأخيرة مدخولة من غلط النساخ فإنه لم يرد في التأريخ بناء أو تعمير البيت في سنة خمس من البعثة. 5. الاستيعاب 4: 380، أسد الغابة 7: 226، احقاق الحق 19: 176. 6. الطبقات الكبرى 8: 23، تاريخ الطبري 2: 253، الذرية الطاهرة: 152، أسد الغابة 7: 226، كشف الغمة 1: 503 بلفظ قيل، ذخائر العقبى: 52. 147 الثالث: ما صححه ابن الجوزي بأنها توفيت وهي بنت ثمان وعشرون سنة ونصف (1) وروى الذهبي عن جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) أنها توفيت [(عليهم السلام)] بنت ثماني وعشرين سنة كان مولدها وقريش تبني الكعبة. (2) الرابع: ما رواه الطبراني عن أبي بكر بن أبي شيبة أنها توفيت وهي بنت سبع وعشرين سنة. (3) الخامس: ما صححه الذهبي أن عمرها كان أربع وعشرون سنة (4) وقريب منه قول ابن أثير حينما يشير إلى سنها عند الزواج. (5) والقول السادس: وهو الثبت، ما اتفق عليه الإمامية أنها (عليها السلام) عاشت ثماني عشرة سنة مع التسامح في الأيام والأشهر. (6) [225] - 25 - روى الإربلي: عن الذارع أن عمرها ثماني عشرة سنة وشهر وعشرة أيام. (7) وعن صدقة: أن عمرها ثماني عشرة سنة وشهر وخمسة عشر يوما. (8) [226] - 26 - قال ابن عبد الوهاب: أنها توفيت ولها ثماني عشرة سنة وشهران. (9)
1. صفة الصفوة 2: 14، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 22: 399 ح 998، تذكرة الخواص: 288، احقاق الحق 19: 176. 2. تاريخ الإسلام 3: 48، والظاهر ان منشأ هذا القول والقول السابق هو ما نقل عن ابن عباس وغيره من انها ولدت وقريش تبني الكعبة... فيحمل على القولين قول من اقتصر في ذكر عمرها بما روى. 3. المعجم الكبير 22: 399 ح 997، تاريخ الإسلام 3: 47 وفيه: أو نحوها، ولعله تصحيف ما ذكره ابن سعد، احقاق الحق 19: 176. 4. تاريخ الإسلام 3: 48. 5. أسد الغابة 7: 220، ويرد هذه الأقوال ما رواه أحمد في الفضائل عن بريدة ان أبا بكر وعمر خطبا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) فقال (صلى الله عليه وآله): انها صغيرة (- خصائص النسائي: 31، تذكرة الخواص: 276 واللفظ من التذكرة -) لانه لا يقال لجارية كانت في أربعة عشر سنة من عمرها - على الأقل - انها صغيرة. 6. راجع المصادر الآتية. 7. كشف الغمة 1: 449. 8. المصدر السابق. 9. عيون المعجزات: 55. 148 [227] - 27 - قال الفتال: أنها أقامت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ثماني سنين ثم هاجرت مع رسول الله إلى المدينة فزوجها من علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد مقدمهم المدينة... وقبض النبي (صلى الله عليه وآله) ولفاطمة (عليها السلام) يومئذ ثماني عشرة سنة وعاشت بعد أبيها اثنين وسبعين. (1) [228] - 28 - وتقدم عن الكليني في حديث: أنها توفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما. (2) [229] - 29 - قال الطبري: عقيب روايته: عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنها أقامت بمكة ثماني سنين وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه (3)... وروى أنها قبضت لعشر بقين من جمادي الآخرة وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة وخمسة وثمانين يوما بعد وفاة أبيها. (4) [230] - 30 - قال الطبرسي: قبض النبي (صلى الله عليه وآله) ولها (عليها السلام) يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر وروى عن جابر ابن يزيد قال: سئل الباقر (عليه السلام) كم عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أربعة أشهر. (5) [231] - 31 - وهناك قول آخر عن أحمد بن علي الطبرسي: أنه قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولها (عليها السلام) يومئذ ثماني عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر وبقيت بعده خمسة وسبعين يوما. (6)
1. روضة الواعظين: 143، عنه البحار 43: 7. 2. الكافي 1: 457 تقدم في ذكر مولدها (عليها السلام). 3. دلائل الإمامة: 134 ح 43، عنه البحار 43: 9، ح 16 و 170 ح 11. 4. المصدر: 136، كشف الغمة 1: 449، ذخائر العقبى: 52، البحار 43: 171. 5. اعلام الورى 1: 290، المناقب لابن شهر آشوب 3: 357 وفيه: وعاشت بعده اثنان وسبعون يوما ويقال خمسة وسبعون وقيل أربعة اشهر، عنه البحار 43: 6 ضمن ح 7. 6. [مجموعة نفيسة] تاج المواليد: 22. 149 تأريخ شهادتها (عليها السلام): [232] - 32 - روى الطبري الإمامي: عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنها قبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة (1) وهو المختار. وبه قال الطوسي (2) والطبرسيين (3) والسيد بن طاووس (4) والكفعمي (5) ويؤيده ما ورد أنها بقيت بعد أبيها خمسا وتسعين يوما (6) وقريب منه ما روى أنها قبضت بعد ثلاثة أشهر من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) (7) أو مأة يوم (8) على التسامح في زيادة خمسة أيام أو نقصها. وكذلك يؤيد القول ما ورد من بقائها بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) خمسا وسبعين يوما (9) في ما رواه الكليني عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (10) بملاحظة ما قاله الكليني وغيره أن وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت في اثنتي عشر من ربيع الأول. (11) [233] - 33 - وروى أحمد ومسلم وابن سعد وابن شبه و...: عن عايشة أنها عاشت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر. (12)
1. دلائل الإمامة: 134 ضمن ح 43، مضى اول الحديث في باب مولدها (عليها السلام). 2. مصباح المتهجد: 793. (3) (4) (5). اعلام الورى 1: 300، [مجموعة نفيسة] تاج المواليد: 22، اقبال الاعمال 3: 161، المصباح: 677 - 690 وفيه: يوم الاثنين. 6. الذرية الطاهرة: 152 ح 199، اعلام الورى 1: 300، كشف الغمة 1: 502 عن الدولابي، وقال الشيخ عباس القمي في بيت الأحزان: 189: " والذي اختاره مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وتسعين يوما وقبضت في ثالث جمادي الآخرة " مسندا قوله إلى رواية الطبري الامامي. 7. الطبقات الكبرى 8: 23 عن أبي جعفر (عليه السلام) والزهري، الذرية الطاهرة: 151 ح 195، مقاتل الطالبيين: 49، عن أبي جعفر (عليه السلام). 8. كشف الغمة 1: 503. 9. [مجموعة نفيسة] تاريخ الأئمة: 6. 10. الكافي 1: 457 وقد مضى في تأريخ ولادتها (عليها السلام) ويأتي مسندا في فصل المأساة. 11. الكافي 1: 439. 12. مسند أحمد 1: 6، صحيح مسلم 2: 144، الطبقات الكبرى 8: 23، تأريخ المدينة 1: 196. 150 [234] - 34 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن عروة أن فاطمة توفيت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بستة أشهر. قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا: وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها. (1)
1. الطبقات الكبرى 8: 23، تأريخ الطبري 2: 252، الذرية الطاهرة: 151، تأريخ الإسلام 3: 47 مع تفاوت يسير. 151 الفصل الثاني: في مأساتها (عليها السلام) تقدمة في حب النبي (صلى الله عليه وآله) اياها أن فاطمة الزهراء كانت رابعة بنات النبي (صلى الله عليه وآله) وأصغرهن وأحب أولاده وأحظاهن بل أحب الناس إليه مطلقا. (1) [235] - 1 - قال القرطبى: أخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا على بن محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا الحسن بن يزيد الطحان، حدثنا عبد السلام بن حرب عن أبي الجحاف، عن جميع بن عمير رضى الله عنه، قال: دخلت على عايشة، فسألت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت: فاطمة. قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها ان كان ما علمته صواما قواما. [236] - 2 - وقال أيضا: أخبرني إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: أخبرنا شاذان عن جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطا، عن أبي بريدة، عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة ومن الرجال علي بن أبي طالب (عليه السلام). (2)
1. أسد الغابة 7: 220. 2. الاستيعاب 4: 378، ورواه الترمذي في الصحيح 5: 701 ح 3874، جامع الأصول 10: 81 ح 6659 و 82 ح 6660 عن الترمذي، أسد الغابة 7: 223 الرواية الأولى، احقاق الحق 19: 97 و 25: 124. 152 [237] - 3 - قال ابن أثير الجزري: أخبرنا أبو محمد بن سويدة، أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا أبو صالح المؤذن، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان المقرئ، حدثنا محمد بن عبد الله القتاب، حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا أبو صالح حدثنا سفيان ابن عيينة، عن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع علي بن أبي طالب يقول: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: أينا أحب إليك أنا أو فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها. (1) [238] - 4 - واستفاض منه (صلى الله عليه وآله) أيضا: أنها بضعة منه يؤذيه ما أذاها ويريبه ما رابها (2) وأنها شجنة منه (3) وقوله (صلى الله عليه وآله) لها: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك. (4) [239] - 5 - قال ابن أبي الحديد: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مال إليها وأحبها أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حد حب الأباء للأولاد. (5) [240] - 6 - روى الإربلي: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال فيها: هي قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. (6) [241] - 7 - وروى أيضا: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:... ودخلت فاطمة عليه (صلى الله عليه وآله) وهو في سكرات الموت فانكبت عليه تبكي ففتح عينه وأفاق ثم قال يا بنية أنت المظلومة بعدي
1. أسد الغابة 7: 224، احقاق الحق 10: 174 و 19: 99. 2. صحيح مسلم 4: 1902 ح 93، حلية الأولياء 2: 40، جمع اسنادها العلامة الأميني في الغدير 7: 231 بعبارات مختلفة من تسعة وخمسين مصادر للعامة، احقاق الحق 10: 190. 3. المعجم الكبير للطبراني 22: 405 ح 1014، كشف الغمة 1: 467، احقاق الحق 10: 200 و 25: 150. 4. الأمالي للصدوق: 313، أسد الغابة 7: 224، احقاق الحق 10: 116. 5. شرح نهج البلاغة 9: 193. 6. كشف الغمة 1: 466، الفصول المهمة: 139 عنه احقاق الحق 10: 212. 153 وأنت المستضعفة بعدي فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني ومن سرك فقد سرني ومن برك فقد برني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني ومن أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك مني وأنا منك وأنت بضعة مني وروحي التي بين جنبي ثم قال: إلى الله أشكو ظالميك من أمتي. (1) [242] - 8 - وروى مسلم: أنه لما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم... (2)) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم إن هؤلاء أهلي. (3) وكان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر (4) أو سبعة (5) أو ثمانية (6) أو تسعة أشهر (7) إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل بيت محمد (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). كل ذلك مما أوجب أن يكون فراق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثقيل على فاطمة (عليها السلام) مع ما أحست من ارتداد الناس وعود الجاهلية ومعالمها ونسيانهم مأثر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومأسيه وشدائده، ومن انحراف الأمة عن سياستها الإلهية التي رسمها النبي (صلى الله عليه وآله) وبلغها عن الله تعالى إلى سياسة رجعية قومية عربية، بما أنها أول من أحس الانحراف وقامت تعارضها وتدافع عن الحق. أضف إلى كل هذه ما أصابها من أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر والحسد وما تحمل منهم من الظلم والاعتداء وأخذ حقها ونحلة أبيها ونقض حريمها.
1. كشف الغمة 1: 497. 2. آل عمران: 61. 3. صحيح مسلم 2: 448، أسد الغابة 7: 222. (4) (5) (6) (7). تاريخ ابن عساكر 1: 272، 273، 274، أحاديث: 320، 321، 322، أسد الغابة 7: 223، وليراجع ذيل التاريخ: 272، وفي تفسير البرهان 3: 50 ذيل آية: 20 - طه: فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شاهد المدينة حتى فارق الدنيا، شواهد التنزيل 2: 45 ح 666، 667، أمالي الطوسي: 248 ح 438، المناقب للخوارزمي: 60 ح 28 و 29. 154 فلنورد المأسي التي رابها وأحزنها وأبكاها وآذا بها في فصول ثلاثة على ترتيب ما ذكرناه. [243] - 9 - قال المفيد: ملخصا لما قرب خروج نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلى (عليه السلام): ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله... فأخذ على (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه. فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب، لا تقوليه ولكن قولي: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم... (1)، فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له. ثم قبض عليه الصلاة والسلام ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها... - إلى أن قال: ونزل على (عليه السلام) القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب... وأصبحت فاطمة تنادى: واسوء صباحاه. فسمعها أبو بكر فقال لها: إن صباحك لصباح سوء. (2) [244] - 10 - قال ابن سعد: أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: لما ثقل النبي (صلى الله عليه وآله) جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة: واكرب أبتاه! فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله) " ليس على أبيك كرب بعد اليوم! " فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة: يا أبتاه! أجاب ربا دعاه، يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه! من ربه ما أدناه! قال: فلما دفن،
1. آل عمران: 144. 2. الارشاد: 100. 155 قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) التراب؟ (1) [245] - 11 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال: ما رأيت فاطمة (عليها السلام)، ضاحكة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلا أنه قد تمودي بطرف فيها. (2) [246] - 12 - قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو ابن دينار، عن أبي جعفر قال: مكثت فاطمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثة أشهر، وما رؤيت ضاحكة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أنهم قد امتروا في طرف نابها. (3) [247] - 13 - قال الخوارزمي: أخبرني... سعد بن عبد الله الهمداني فيما كتب الي من همدان، أخبرني الحافظ سليمان ابن إبراهيم فيما كتب إلي من إصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه فيما أذن لي قال: حدثت عن جعفر بن محمد بن مروان، أخبرنا أبي أخبرنا سعيد بن محمد الجرمي، أخبرنا عمر بن ثابت، عن أبيه، عن حبة، عن علي (عليه السلام) قال: غسلت النبي (صلى الله عليه وآله) في قميصه فكانت فاطمة تقول أرني القميص فإذا شمته غشى عليها فلما رأيت ذلك غيبته. (4) [248] - 14 - قال الفتال: وروى أن فاطمة (عليها السلام) لا زالت بعد النبي معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن، من المصيبة بموت النبي (صلى الله عليه وآله) وهي مهمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة با كية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة وحين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها وتنظر مرة إلى الحسن ومرة إلى
1. الطبقات الكبرى 2: 237، صحيح البخاري 5: 144 مع تفاوت يسير، تذكرة الخواص: 285 نقل بعض الرواية. 2. الطبقات الكبرى 2: 191. 3. المعجم الكبير 22: 399 ح 995، عنه مجمع الزوائد 9: 211، وفي كشف الغمة 1: 498 بعض الرواية. 4. مقتل الحسين 1: 77، عنه البحار 43: 157 ح 6، واحقاق الحق 10: 436. 156 الحسين وهما بين يديها (عليها السلام) فتقول اين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة أين أبوكما كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ فإنا لله وأنا إليه راجعون فقد والله جدكما وحبيب قلبي ولا أراه يفتح هذا الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها. (1) [249] - 15 - روى الكليني: عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة. تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس فتقول: هيهنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هيهنا كان المشركون. (2) [250] - 16 - قال الصدوق: روى أنه لما قبض النبي امتنع بلال من الأذان وقال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي (عليه السلام) بالأذان فبلغ ذلك بلالا فأخذ في الأذان، فلما قال: " الله أكبر، الله أكبر " ذكرت أباها (عليه السلام) وأيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله: " أشهد أن محمدا رسول الله " شهقت فاطمة (عليها السلام) شهقة وسقطت لوجهها وغشى عليها. (3) [251] - 17 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله (عليه السلام) بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علما، قال له: فالجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض
1. روضة الواعظين: 150، المناقب لابن شهر آشوب 3: 362 مع تفاوت وتلخيص، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 567. 2. الكافي 3: 228 و 4: 561. 3. من لا يحضره الفقيه 1: 297 ح 907، عنه البحار 43: 157 ح 7 والعوالم 6: 234 ح 2 مضى تمام الحديث في مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله). 157 الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها، حتى أرش الخدش. قال: فمصحف فاطمة (عليها السلام)؟ قال; فسكت طويلا ثم قال: إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام). (1) [252] - 18 - روى القاضي نعمان المصري: عن الصادق (عليه السلام) أنها لزمت الفراش - بعد ما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) - ونحل جسمها وذاب لحمها حتى صارت كالخيال وصارت عظما ليس عليه إلا جلدة. (2) [253] - 19 - روى الذهبي: عن يزيد بن أبي زياد قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر وهي تذوب. (3) [254] - 20 - قال السيد تاج الدين الحسيني: وكانت في تلك المدة لا ترقأ لها عبرة ولا تهدء لها حسرة حتى تأذى أهل المدينة من كثرة بكائها فاتخذت بيتا للأحزان فكانت فيه إلى أن ماتت (عليها السلام). (4) [255] - 21 - قال ابن أبي الحديد: وقد روى كثير من الناس ندبة فاطمة (عليها السلام) أباها يوم موته وبعد ذلك اليوم، وهي ألفاظ معدودة مشهورة، منها: يا أبتاه! جنة الخلد مثواه، يا أبتاه! عند ذي العرش مأواه! يا أبتاه! كان جبرائيل يغشاه! يا أبتاه لست بعد اليوم أراه! ". ومن الناس من يذكر إنها كانت تشوب هذه الندبة بنوع من التظلم والتألم لأمر
1. الكافي 1: 241، بصائر الدرجات: 153 ح 6، عنه البحار 26: 41 ح 72. 2. دعائم الإسلام 1: 232 نقلا بالمعنى، ويأتي تمام الحديث في فصل الاحتضار. 3. تاريخ الإسلام 3: 47. 4. التتمة في تاريخ الأئمة: 43، البحار 43: 174 ح 5 مع اختلاف مر في مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله). 158 يغلبها. والله أعلم بصحة ذلك. والشيعة تروى أن قوما من الصحابة أنكروا بكاءها الطويل ونهوها عنه، وأمروها بالتنحي عن مجاورة المسجد إلى طرف من أطراف المدينة. (1) [256] - 22 - وقال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه، قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار قال: حدثني العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى ابن الحسين (عليهم السلام). فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: (تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين (2)) وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكى الليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكى النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما، أما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكى حتى تقضى حاجتها ثم تنصرف، وأما علي ابن الحسين (عليهما السلام) فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون (3)) إني ما أذكر مصرع بنى فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. (4)
1. شرح نهج البلاغة 13: 43. 2. يوسف: 85 3. يوسف: 86 4. الخصال 272: 15، الأمالي: 121 ح 5، كامل الزيارات: 213 ح 306 بسند آخر، المناقب لابن شهرآشوب 3: 323 وفيه ثمانية، روضة الواعظين 1: 171 و 2: 450، كشف الغمة 1: 498، مكارم الاخلاق: 332، البحار 46: 108 ح 201، حلية الأبرار 2: 72. 159 [257] - 23 - قال محمد بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، أنه حين بويع لأبى بكر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله ما من أحد أحب الينا من أبيك، وما من أحد أحب الينا بعد أبيك منك وأيم الله ما ذاك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك; إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا الى.... (1) [258] - 24 - وروى البلاذري: عن المدائني، عن سلمة بن محارب، عن سليمان التيمي وعن ابن عون أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت فاطمة: يا بن الخطاب أتراك محرقا علي بابى؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك.... (2) [259] - 25 - قال اليعقوبي: بلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياما ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع
1. المصنف 7: 433 ح 37034، الاستيعاب 2: 255 عبر عن كلام عمر: لا فعلن ولأفعلن. 2. انساب الاشراف 2: 586 ح 1184، عنه الشافي 3: 241 وفيه: فجاء عمرو ومعه قيس... وذلك أقوى مما جاء... عنه البحار 28: 389 و 411 الى قوله فبايع وفي نسخته: ومعه قبس، بالباء الموحدة وعليه فالنسخة الموجودة من الشافي مصحفة. 160 ولم يبايع علي إلا بعد ستة أشهر وقيل أربعين يوما. (1) [260] - 26 - وقال أيضا: ودخل عبد الرحمن بن عوف على أبي بكر في مرضه الذي توفى فيه، فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول الله؟ فقال: أصبحت موليا، وقد زدتموني على ما بي أن رأيتموني استعملت رجلا منكم فكلكم قد أصبح وارم أنفه، وكل يطلبها لنفسه. فقال عبد الرحمن: والله ما أعلم صاحبك إلا صالحا مصلحا، فلا تأس على الدنيا! قال: ما آسى إلا على ثلاث خصال صنعتها ليتني لم أكن صنعتها وثلاث لم أصنعها ليتني كنت صنعتها، وثلاث ليتني كنت سألت رسول الله عنها. فأما الثلاث التي صنعتها، فليت أني لم أكن تقلدت هذا الأمر. وقدمت عمر بين يدي، فكنت وزيرا خيرا مني أميرا; وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال، ولو كان أغلق على حرب.... (2) [261] - 27 - قال ابن قتيبة: أن أبا بكر، تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة؟ فقال وإن، فخرجوا فبايعوا إلا عليا فوقفت فاطمة (عليها السلام) على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا، قال فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله.
1. تاريخ اليعقوبي 2: 126، البحار 28: 392 وفيه ما بايع على (عليه السلام) إلا بعد ستة اشهر. 2. تاريخ اليعقوبي 2: 137، الايضاح لفضل بن شاذان: 191، تاريخ الطبري 2: 353: عقد الفريد 4: 254، مروج الذهب 2: 308، الإمامة والسياسة: 18، وفيها فليتني تركت بيت على وان كان اعلن علي الحرب، شرح ابن أبي الحديد 2: 46 و 6: 51. 161 فرجع فأبلغ الرسالة قال: فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفد، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا ثم قام عمر، فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقى عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله الا هو نضرب عنقك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك، فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصيح ويبكي، وينادي: ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.... (1) [262] - 28 - روى العياشي: عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده: ما أتى على يوم قط أعظم من يومين أتيا علي، فأما اليوم الأول فيوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأما اليوم الثاني فوالله إني لجالس في سقيفة بنى ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه، إذ قال له عمر: يا هذا ليس في يديك شئ مهما لم يبايعك علي، فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك فإنما هؤلاء رعاع فبعث إليه قنفذ فقال له: اذهب فقل لعلى: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبى بكر: قال لك: ما خلف رسول الله أحدا غيري، قال: أرجع إليه فقل: أجب فإن الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين
1. الإمامة والسياسة: 12، الأمالي للمفيد: 49 مسندا قول فاطمة (عليها السلام): من كتاب الإمامة والسياسة " لا عهد لي بقوم... إلى قولها: لنا حقا "، مع تفاوت يسير، البحار 28: 356 ضمن ح 69. 162 لك ما لهم وعليك ما عليهم، فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع فقال: قال لك: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وأوصاني أن إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتي حتى اؤلف كتاب الله، فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل، قال عمر: قوموا بنا إليه، فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقنفذ وقمت معهم، فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا عليا (عليه السلام) ملببا فخرجت فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي فأخذت بيد الحسن والحسين (عليهما السلام)، وخرجت تريد قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال علي (عليه السلام) لسلمان: أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان، والله إن نشرت شعرها وشقت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [وبمن فيها]. فأدركها سلمان رضى الله عنه. فقال: يا بنت محمد إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان يريدون قتل على ما على على صبر فدعني حتى آتى قبر أبي فأنشر شعري وأشق جيبي وأصيح إلى ربي. فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، وعلي بعثني إليك ويأمرك ان ترجعي إلى بيتك وتنصرفي، فقالت، إذا أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع.... (1) [263] - 29 - وروى أيضا: عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام):... فلما قبض نبي الله (صلى الله عليه وآله) كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد، فلما رأى ذلك علي (عليه السلام) ورأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ بجمعه في مصحف فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع، فقال علي: لا أخرج
1. تفسير العياشي 2: 66 ح 76، الاختصاص: 185، البرهان 2: 93 ح 4، البحار 28: 227 عن العياشي ح 14. 163 حتى أجمع القرآن، فأرسل إليه مرة أخرى، فقال: لا أخرج حتى أفرغ فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله (عليهما السلام) عليها تحول بينه وبين علي (عليه السلام) فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علي (عليه السلام) فخشي أن يجمع علي الناس فامر بحطب فجعل حوالي بيته ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على علي بيته وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فلما رأى علي ذلك خرج فبايع كارها غير طائع. (1) [264] - 30 - روى الكليني: عن الحسين بن محمد الأشعري عن المعلى، عن الحسن، عن أبان، عن أبي هاشم قال: لما أخرج بعلي (عليه السلام) خرجت فاطمة (عليها السلام) واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسها آخذة بيدي إبنيها فقالت: مالي ومالك يا أبا بكر تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي والله لو لا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي، فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا ثم أخذت بيده فانطلقت به (2). [265] - 31 - وروى أيضا: عن أبان، عن علي بن عبد العزيز، عن عبد الحميد الطائي، عن أبي جعفر؟ قال: والله لو نشرت شعرها ماتوا طرا. (3) [266] - 32 - روى ابن شهر آشوب: عن أبي جعفر الطوسي في اختيار [معرفة] الرجال عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن سلمان الفارسي إنه لما استخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا بالحق لأن لم تخلوا لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ولأصرخن إلى الله تعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل ان ينفذ من تحتها نفذ; فدنوت منها
1. تفسير العياشي 2: 307 ح 134، البرهان 2: 434 ح 1، البحار 28: 231 ضمن ح 16 عن العياشي. 2. الكافي 8: 338 ح 321. 3. الكافي 8: 337 ح 320. 164 وقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا. (1) [267] - 33 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: إن فاطمة (عليها السلام) لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة. (2) [268] - 34 - قال ابن عبدربه: الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عباده، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة (عليها السلام) وقال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة... (3) [269] - 35 - قال المسعودي: ... فأقام أمير المؤمنين ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرها وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت (محسنا) وأخذوه بالبيعة فامتنع... (4) [270] - 36 - روى الطبرسي: عن عبد الله بن عبد الرحمان قال: ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة
1. المناقب 3: 339، الاحتجاج 1: 86، عنه البحار 28: 206 ح 5 و 43: 47 ضمن ح 46 عن المناقب، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 530. 2. الكافي 1: 460 ح 5، عنه البحار 28: 250 ح 30. 3. عقد الفريد 4: 247، عنه الطرائف: 239 ح 345، عنه اثبات الهداة 4: 281 ح 52، البحار 28: 339. 4. اثبات الوصية: 143. 165 وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال الناس يبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي (عليه السلام) فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له: ان فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله. فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟ إنما أردت التهويل، فراسلهم على أن ليس إلى خروجي حيلة لأنى في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن. قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة. (1) [271] - 37 - روى الطبرسي: ... فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة (عليها السلام): أحرج (2) عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما (عليهما السلام)، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا (عليه السلام): والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله أو لأضرمن عليك بيتك نارا، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج على بسيفه لما قد عرف
1. الاحتجاج 1: 80، عنه البحار 28: 204 ح 3. 2. التحرج: التضييق وعدم الاذن والالجاء. 166 من بأسه وشدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم نارا. فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر على إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود، وحالت فاطمة (عليه السلام) بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقى أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة بيتها، فدفعها فكسر ظلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها. (1) [272] - 38 - وروى أيضا: عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن حبيب المصري أنهم قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم أجمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول، من يوم أجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو ابن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبه ابن أبي معيط والمغيرة بن شعبة وقد تواطئوا على أمر واحد... فبعثوا إلى الحسن (عليه السلام)... فلما أتى معاوية رحب به وحياه وصافحه - حتى قال - ثم تكلم المغيرة وكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي (عليه السلام)... فتكلم أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال:... واما أنت يا مغيرة فانك لله عدو ولكتابه نابذ... وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استدلالا منك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومخالفة منك لأمره وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة ". (2) [273] - 39 - قال السيد بن طاووس: وذكر ابن جيرانة في غرره قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر
1. الاحتجاج 1: 83 ويأتي تمام الرواية في مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، البحار 28: 261 عن كتاب سليم بن قيس مع تفاوت. 2. الاحتجاج 1: 278، عنه البحار 43: 197 ح 28 مختصرا. 167 إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه، قال: وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي، فقالت فاطمة: أفتحرق على ولدى؟ فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن. (1) [274] - 40 - قال نصير الدين الطوسي: في سرد زلات الأول:... وبعث إلى بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) - لما امتنع من البيعة - فأضرم فيه النار وفيه فاطمة وجماعة من بني هاشم و... ندم على كشف بيت فاطمة (عليها السلام). (2) وزاد العلامة الحلي في شرحه لهذا الكلام: وضربت فاطمة (عليها السلام) وألقت جنينا أسمه محسن. (3) [275] - 41 - قال الفيض: ثم أن عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السلام) فوافوا بابه مغلق فصاحوا به: اخرج يا علي فإن خليفة رسول الله يدعوك. فلم يفتح لهم الباب. فأتوا بحطب فضعوه على الباب وجاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر وقال: والله لئن لم تفتحوا لنضرمنه بالنار. فلما عرفت فاطمة (عليها السلام) أنهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم، فاختبت فاطمة (عليها السلام) وراء الباب والحائط، ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحبا من داره ملبيا بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها وقالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عمى ظلما، ويلكم ما أسرع ما ختم الله ورسوله فينا أهل البيت
1. الطرائف: 239، نهج الحق وكشف الصدق: 271. 2. تجريد الاعتقاد: 250. 3. كشف المراد: 297. 168 وقد أوصاكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال الله - تعالى -: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى (1)) - قال: - فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذ بن عمران يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها واثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها - وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) سماه محسنا - وجعلوا يقودون أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة (عليها السلام) المسجد لتخلصه، فلم يتمكن من ذلك، فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة وإنما * ابكى مخافة ان تطول حياتي - ثم قالت: - وا أسفاه عليك يا أبتاه واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين ومن ربيته صغيرا وواخيته كبيرا وأجل أحبائك لديك وأحب أصحابك عليك أولهم سبقا إلى الإسلام ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير. ثم إنها أنت أنة وقالت: وا محمداه وا حبيباه وا أباه وا أبوالقاسماه وا أحمداه وا قلة ناصراه وا غوثاه وا طول كربتاه وا حزناه وا مصيبتاه وا سوء صباحاه - وخرت مغشية عليها. فضج الناس بالبكاء والنحيب وصار المسجد مأتما. (2) [276] - 42 - روى سليم بن قيس: أنه كتب أبو المختار بن أبي الصعق إلى عمر أبياتا ذكر فيها مظالم ولاته وما غصبوه من أموال الناس، فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر أبي المختار، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا - وقد كان من عماله - ورد عليه ما أخذ منه - وهو عشرون الف درهم - ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره،
1. شورى: 23. 2. علم اليقين في أصول الدين 2: 686. 169 وكان من عماله الذين أغرموا أبو هريرة على البحرين فاحصي ماله فبلغ أربعة وعشرين ألفا، فأغرمه أثنى عشر ألفا. قال سليم: فلقيت عليا صلوات الله عليه وآله فسألته عما صنع عمر؟ فقال: هل تدرى لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئا؟! قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة (عليها السلام) بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم فماتت صلوات الله عليها، وإن أثر السوط لفى عضدها مثل الدملج. (1) [277] - 43 - روى المجلسي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أخرجها (عليها السلام) ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام) في الليل وصلوا عليها، ولم يعلم بها أحدا، ولا حضروا وفاتها ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، لأنها (عليها السلام) أوصت بذلك، وقالت: لا تصل على أمة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وظلموني حقي وأخذوا إرثي، وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، وكذبوا شهودي وهم - والله - جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأم أيمن وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين (عليه السلام) يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا إلى منازلهم أذكرهم بالله وبرسوله ألا تظلمونا ولا تغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذا ومعه عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمى عليا إلى سقيفة بنى ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بما أوصاه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأزواجه وبتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات ودينا، فجمعوا الحطب الجزل على بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ - مولى أبي بكر - فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فرده على وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني،
1. كتاب سليم بن قيس: 132، عنه البحار 30: 302 ضمن ح 152. 170 وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم، فهذه أمة تصلى علي؟! وقد تبرأ الله ورسوله منهم، وتبرأت منهم. فعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصيتها ولم يعلم أحدا بها فأصنع في البقيع ليلة دفنت فاطمة (عليها السلام) أربعون قبرا جددا. (1) [278] - 44 - قال ابن أبي الحديد: ... فأما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة وقول من قال إنهم أخذوا عليا يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به، على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وأما الذي يقوله الجمهور المحدثين وأعيانهم فإنه (عليه السلام) امتنع من البيعة ستة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتى ماتت فاطمة. (2) ثم روى عن الجوهري: عن سلمة بن عبد الرحمن قال: لما جلس أبو بكر على المنبر، كان علي (عليه السلام) والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم، فقال: ونفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... وفي رواية أخرى أن سعد ابن أبي وقاص، كان معهم في بيت فاطمة (عليها السلام) والمقداد بن الأسود أيضا وإنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (عليه السلام) فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف، وخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكى وتصيح فنهنهت من الناس،... (3) وروى عن الشعبي - إلى قوله: - ثم قال [عمر] لعلى: قم فبايع لأبى بكر فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: قم، فأبي أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله. (4) ثم عاد ابن أبي الحديد إلى كلامه وقال: فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي
1. البحار 30: 347 ضمن ح 164. 2. شرح نهج البلاغة 2: 22. 3. شرح نهج البلاغة 2: 56، عنه البحار 28: 315. 4. شرح نهج البلاغة 6: 48. 171 تذكرها الشيعة من ارسال قنفذ إلى بيت فاطمة (عليها السلام) وأنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج وبقى أثره إلى أن ماتت وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار، فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وألقت جنينا ميتا وجعل في عنق علي (عليه السلام) حبل يقاد به وهو يعتل، وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور و... فكله لا أصل له عند أصحابنا ولا يثبته أحد منهم، ولا رواه أهل الحديث ولا يعرفونه وإنما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله. (1) ثم قام بتوجيه كلامه والتحاشي عن بعض ما رده فقال: وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام)... والظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى (2) والشيعة ولكن لأكل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك. (3) فمن بعض ذلك ما نقلنا عنه و: [279] - 45 - وروى أيضا: عن ليث بن سعد قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا يمضى به ركضا، وهو يقول: معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلف الخلاف وإنما تخلف لحاجة! فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق فبايع. (4) [280] - 46 - وروى أيضا: عن أبي الأسود... فجاء عمر في عصابة... فاقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله فأخذوا سيفيهما، فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا. (5) [281] - 47 - وروى أيضا: عن عمر بن شبه، عن رجاله، قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من
1. شرح نهج البلاغة 2: 60، عنه البحار 28: 317. 2. إشارة إلى ما أجاب به السيد المرتضى في الشافي على القاضي المعتزلي. 3. المصدر 17: 168. 4. المصدر 6: 45. 5. المصدر 6: 47. 172 الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم - إلى أن قال - ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا. (1) [282] - 48 - وروى أيضا: عن الشعبي ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون...، كما أشرنا إليه آنفا. (2) والعلة التي انفردت الشيعة ببعض ما لم يصرح به العامة، هي ما نقله ابن أبي الحديد عن استاده النقيب أبي جعفر انه قال: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباح دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها، فقلت: أروى عنك ما يقوله قوم إن فاطمة روعت فألقت المحسن؟ فقال: لا تروه عني ولا ترو عني بطلانه، فإني متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عندي فيه. (3) وأيضا كيف يمكن الرواة والمحدثون أنفسهم انتساب ضرب فاطمة (عليها السلام) وتهريبها وترويعها وإحراق دارها و... إلى رجالهم مع ما اشتهر من دأبهم في شأن النساء ما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) لعسكره قبل لقاء صفين: ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمرائكم... إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات، وان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده. (4) [283] - 49 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد ابن يحيى العطار جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، قال حدثنا أبو عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن سيف بن عميرة عن محمد
1. المصدر 6: 48، عنه البحار 28: 321 ح 52. 2. المصدر 6: 49، عنه البحار 28: 322 ضمن ح 52. 3. المصدر 14: 193، عنه البحار 28: 323 ح 53. 4. تاريخ الطبري 2: 58، نهج البلاغة، باب الكتب، كتاب 14 ص 373 173 ابن عتبة عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ التفت إلينا فبكي، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله، فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي. فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن ولطم فاطمة خدها وطعنة الحسن في الفخذ والسم الذي يسقى وقتل الحسين، قال: فبكى أهل البيت جميعا، فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء، قال: أبشر يا علي فإن الله عزوجل قد عهد الي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. (1) [284] - 50 - روى الهيثمي: عن عائشة أنها كانت تقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه قال لفاطمة إن جبريل (عليه السلام) كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين وأخبرني أنه أخبره أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين فأبكاني ذلك فقال يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى من امرأة صبرا. (2) ونذكر هنالك ما جرى بعد السقيفة من امر فدك على ما لاح لنا من الترتيب فيه مع العلم بأن التأريخ والمورخين ما سلما من الدس والتخليط أو الخوف والترهيب والوعيد بما أن بعض المورخين جاؤوا بما فيه مصلحتهم ومصلحة أوليائهم وتركوا ما لا يهواه هواهم ولا يستحسنه ولاتهم. الف: في كون فدك نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) [285] - 51 - روى الراوندي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله خرج في غزاة فلما انصرف دخل على
1. الأمالي: 115، المناقب لابن شهر آشوب 2: 209 بعض الرواية، البحار 28: 51 ح 20 عن الأمالي. 2. مجمع الزوائد 9: 23، عنه الاحقاق 10: 308، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 22: 417 ح 1030 مسندا مع تفاوت وتفصيل. 174 فاطمة (عليها السلام) يا بنية ان الله قد أفاء على أبيك بفدك واختصه بها فهي لي خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء، وأنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر، وأن أباك جعلها لك بذلك، ونحلتكها تكون لك ولولدك بعدك. قال: فدعا بأديم عكاظي ودعا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: اكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله). وشهد على ذلك علي بن أبي طالب، ومولى لرسول الله، وأم أيمن. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة. وجاء أهل فدك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة. (1) [286] - 52 - قال علي بن إبراهيم: في قوله (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) (2) فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها فجاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله، فقال لها: هاتي على ذلك شهودا. فجاءت بأم أيمن. فقالت: لا أشهد حتى احتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: أنشدك الله، ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال إن أم أيمن من أهل الجنة؟ قال: بلى، قالت: فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) " فآت ذا القربى حقه " فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتابا بفدك ودفعه إليها. فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال هذا فىء المسلمين (وقال
1. الخرائج والجرائح 1: 112، عنه البحار 17: 378 ح 46، اثبات الهداة 2: 116 مختصرا. 2. الاسراء: 26. 175 أوس ابن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه قال: أنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فإن عليا زوجها يجر إلى نفسه وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه (1)) فخرجت فاطمة (عليها السلام) من عندهما باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر! لم منعت فاطمة ميراثها من (2) رسول الله؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3)، فقال أبو بكر: هذا فىء المسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل البينة (على ما تدعيه على المسلمين، قال فإذا كان في يدي شيء وادعى فيه المسلمون فتسألني البينة على ما في يدي (4))! وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا علي شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم! فسكت أبو بكر ثم قال عمر: يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حججك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فىء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: فأخبرني، عن قول الله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فيمن نزلت أفينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم. قال: فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين. قال: كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها فدك
1. ما في القوسين لم يرد في الاحتجاج، واضراب هذا دليل على وقوع الخلط في نقل ما حدث في امر فدك كما وقع الخلط بين حادث فدك وحادثة السقيفة. 2. جاء في العلل مكان كلمة: ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كلمة: ما جعله رسول الله لها. 3. وفي العلل: ووكيلها فيه منذ سنين. 4. ما في القوسين لم يرد في الاحتجاج. 176 وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بايل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فىء المسلمين وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه، قال: فدمدم الناس، وبكى بعضهم فقالوا: صدق والله علي ورجع علي (عليه السلام) إلى منزله... الحديث. (1) [287] - 53 - روى المفيد: عن أبي محمد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (عليها السلام) فأخرجه من فدك فأتته فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر ادعيت أنك خليفة أبي وجلست مجلسه وأنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك وقد تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدق بها علي وأن لي بذلك شهودا، (فقال لها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يورث فرجعت إلى علي فأخبرته، فقال: ارجعي إليه وقولي له: زعمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يورث وورث سليمان داود وورث يحيى زكريا وكيف لا أرث أنا أبي؟ فقال عمر: أنت معلمة، قالت: وإن كنت معلمة فإنما علمني ابن عمى بعلى، فقال أبو بكر: فإن عائشة تشهد وعمر أنهما سمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول إن النبي لا يورث، فقالت: هذا أول شهادة زور شهدا بها في الإسلام (2)،) ثم قالت: فان فدك إنما هي صدق بها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولى بذلك بينة فقال لها: هلمي ببينتك قال: فجاءت بأم أيمن وعلي (عليه السلام)، فقال أبو بكر: يا ام أيمن إنك سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في فاطمة؟ فقالا: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، ثم قالت ام أيمن: فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدعى ما ليس لها؟ وأنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد إلا بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال عمر: دعينا يا ام أيمن من هذه القصص، بأي شيء تشهدان؟ فقالت: كنت جالسة في بيت فاطمة (عليها السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس حتى نزل عليه جبرئيل فقال: يا
1. تفسير القمي 2: 155، عنه البحار 29: 134 ح 28، علل الشرايع: 190 من مجيىء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد، الاحتجاج: 90، عنه البحار 29: 127 ح 27. 2. ما وقع بين القوسين أيضا مما يظن به الخلط فانها (عليها السلام) يصرح بالنحلة والصدقة وأبو بكر ينكر الميراث، و يأتي كلامنا فيه. 177 محمد قم فإن الله تبارك وتعالى أمرني أن أخط لك فدكا بجناحي، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع جبرئيل (عليه السلام) فما لبثت أن رجع فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبه أين ذهبت؟ فقال: خط جبرئيل لي فدكا بجناحه وحد لي حدودها، فقالت يا أبه إني أخاف العيلة والحاجة من بعدك فصدق بها علي، فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها قالت: نعم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم أيمن اشهدي ويا علي اشهد، فقال عمر: أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأما علي فيجر إلى نفسه، قال: فقامت مغضبة وقالت: اللهم إنهما ظلما ابنة محمد نبيك حقها فاشدد وطأتك عليهما، (ثم خرجت وحملها علي على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحا في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين (عليهما السلام) معها وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار انصروا الله فإني ابنة نبيكم وقد بايعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه إن تمنعوه وذريته مما تمنعون أنفسكم وذراريكم ففوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتكم، قال: فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها، قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت: يا معاذ بن جبل إني قد جئتك مستنصرة وقد بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصره وذريته وتمنعه مما تمنع منه نفسك وذريتك وأن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها قال: فمعى غيري؟ قالت: لا ما أجابني أحد، قال: فأين أبلغ أنا من نصرتك؟ قال: فخرجت من عنده ودخل ابنه فقال: ما جاء بابنة محمد إليك؟ قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذ منها فدكا، قال: فما أجبتها به؟ قال: قلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي؟ قال: فأبيت أن تنصرها؟ قال: نعم، قال: فأي شيء قالت لك؟ قال: قالت لي: والله لأنازعنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فقال: أنا والله لأنازعنك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ لم تجب ابنة محمد (صلى الله عليه وآله) قال: وخرجت فاطمة (عليها السلام) من عنده وهي تقول: والله لا أكلمك كلمة حتى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم انصرفت، (1)) فقال علي (عليه السلام) لها: ائت أبا بكر وحده فإنه أرق من الآخر وقولي له: ادعيت مجلس أبي وإنك خليفته وجلست
(1) (2). ما وقع بين القوسين أيضا مما يظن به الخلط من امر السقيفة وفدك. 178 مجلسه ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردها علي فلما أتته وقالت له ذلك، قال: صدقت، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها برد فدك، فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟ فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك فقال: هلميه إلي، فأبت أن تدفعه إليه، (فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت (1)) ثم أخذ الكتاب فخرقه فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر.... (2) [288] - 54 - قال السيد المرتضى: روى إبراهيم بن السعيد الثقفي، عن إبراهيم بن ميمون قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده عن جد أبيه علي (عليه السلام)، قال: جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر وقالت: إن أبي أعطاني فدك، وعلي يشهد لي وأم أيمن، فقال: ما كنت لتقولي إلا الحق نعم قد أعطيتكها، ودعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها; فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة؟ قالت: جئت من عند أبي ابكر، أخبرته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني فدك، وأن عليا وأم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها، وكتبها لي; فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر، فقال: أعطيت فاطمة فدك، وكتبت بها لها؟ قال: نعم، قال عمر: علي يجر إلى نفسه، وأم أيمن امرأة; وبصق في الصحيفة ومحاها. (3) [289] - 55 - روى ابن أبي الحديد: عن أبي بكر الجوهري أنه قال: روى هشام بن محمد، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبى بكر: ان أم أيمن تشهد لي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول الله، والله ما خلق الله خلقا أحب إلى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبيك، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، والله لأن تفتقر عائشة أحب إلى من أن
2. الاختصاص: 183، عنه البحار 29: 189 ح 39. 3. الشافي 4: 97، عنه شرح نهج البلاغة 16: 274. 179 تفتقري، أتراني أعطى الأحمر والأبيض حقه وأظلمك حقك، وأنت بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)! إن هذا المال لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله) وإنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال، وينفقه في سبيل الله، فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليته كما كان يليه. قالت: والله لا كلمتك أبدا! قال: والله لا هجرتك أبدا; قالت: والله لأدعون الله عليك; قال: والله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت إلا يصلي عليها فدفنت ليلا. (1) ب: في ادعاء فاطمة (عليها السلام) أن فدك إرث من أبيها قال ابن طاووس: ومن طريف ما تجدد لفاطمة (عليها السلام) منهم إنها لما رأت تكذيبهم لها وشكهم فيها وفي شهودها بأن أباها وهبها ذلك في حياته، أرسلت إلى أبي بكر - ورووا أنها حضرت بنفسها - تطلب فدكا بطريق ميراث أبيها لان المسلمين لا يختلفون في أن فدكا كانت لأبيها. (2) [290] - 56 - قال ابن سعد: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير ان عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: " لا نورث، ما تركنا صدقة ". فغضبت فاطمة وعاشت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ستة أشهر. (3) [291] - 57 - قال محمد بن إسماعيل البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن
1. شرح نهج البلاغة 16: 214، عنه البحار 29: 328 ح 11. 2. الطرائف: 257، وجاء في شرح ابن أبي الحديد 16: 210 كون فدك خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي تفاسير الشيعة انها كانت له فأعطاها فاطمة (عليها السلام)، راجع تفسير العياشي 2: 287 و.... 3. الطبقات الكبرى 8: 23، وفي مسند أحمد بن حنبل 1: 6، فغضبت فاطمة (عليها السلام) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، البحار 29: 329 قسم من حديث 11. 180 عائشة أن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا نورث، ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها... (1) [292] - 58 - روى ابن أبي الحديد: عن أبي بكر الجوهري قال: حدثنا أبو زيد، عن هارون بن عمير، عن الوليد ابن مسلم، عن إسماعيل بن عباس، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن مولى أم هانىء، قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف، فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها فقالت له: لئن مت اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدى وأهلي، قالت: فلم ورثت أنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون ولده وأهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)! قالت: بلى، إنك عمدت إلى فدك، وكانت صافية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء، فرفعته عنا، فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم أفعل; حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى يطعم النبي (صلى الله عليه وآله) الطعمة ما كان حيا، فإذا قبضه الله إليه رفعت، فقالت: أنت ورسول الله أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي. ثم انصرفت. (2) [293] - 59 - وروى أيضا: عن الجوهري قال: أخبرنا أبو زيد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن الفضل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى
1. صحيح البخاري 5: 82، صحيح مسلم 2: 144 وفيه: وصلى عليها علي...، تاريخ المدينة 1: 196 و بمضمونها رواية أخرى عن أم هاني في: 198، العمدة لابن بطريق: 390 ح 776، عن الصحيحين، عنه البحار 29: 111 ح 5. 2. شرح نهج البلاغة 16: 232. 181 أبي بكر: أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله؟ قال: بل أهله; قالت: فما بال سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " إن الله أطعم نبيه طعمة "، ثم قبضه، وجعله للذي يقوم بعده، فوليت أنا بعده، على أن أرده على المسلمين قالت: أنت وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعلم. [294] - 60 - ثم قال ابن أبي الحديد: في هذا الحديث عجب، لأنها قالت له: أنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أهله؟ قال: بل أهله; وهذا تصريح بأنه (صلى الله عليه وآله) موروث يرثه أهله، وهو خلاف قوله: " لا نورث ". (1) ج: في ادعاء فاطمة (عليها السلام) أن فدكا من سهم ذوى القربى [295] - 61 - قال ابن أبي الحديد: واعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين: في الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث، ومنعها أبو بكر إياه أيضا، وهو سهم ذوى القربى. [296] - 62 - قال ابن أبي الحديد: قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: أخبرني أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثني هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثني صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس ابن مالك، أن فاطمة (عليها السلام) أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات، وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى! ثم قرأت عليه قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى...) الآية، فقال لها أبو بكر: بأبي أنت وأمي ووالد ولدك! السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا; قالت: أفلك
1. شرح نهج البلاغة 16: 218. 182 هو ولأقربائك؟ قال: لا، بل أنفق عليكم منه، وأصرف الباقي في مصالح المسلمين قالت: ليس هذا حكم الله تعالى; قال: هذا حكم الله، فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهدا أو أوجبه لكم حقا صدقتك وسلمته كله إليك وإلى أهلك; قالت: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعهد الى في ذلك بشئ، إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية: " أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى "; قال أبو بكر: لم يبلغ علمي من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، وهذا عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح فاسأليهم عن ذلك، وانظرى هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم! فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبى بكر، فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر، فعجبت فاطمة (عليها السلام) من ذلك، وتظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. (1) [297] - 63 - وروى أيضا: عن أبي بكر الجوهري، قال: وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا هارون بن عمير، قال: حدثنا الوليد، عن ابن أبي لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك وسهم ذوي القربى، فأبى عليها، وجعلهما في مال الله تعالى. (2) [298] - 64 - وروى أيضا: عن أبي بكر الجوهري، قال: وأخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا أحمد بن معاوية، عن هيثم، عن جويبر، عن أبي الضحاك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أن أبا بكر منع فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع. (3)
1 - 2 - 3. شرح نهج البلاغة 16: 230، ومما استنتجه الشارح المعتزلي والسيد بن طاووس قبله، ينحل ما غمض في الأحاديث من الخلط والابهام في موضوع ادعائها (عليها السلام) فإنه قد يتراءى في سطر من بعضها يصرح بادعائها النحلة وفي بعضها تدعى الميراث وآخر تقول بالخمس وسهم ذوى القربى. 183 [299] - 65 - قال الطبرسي (1): روى عبد الله بن الحسن، بإسناده عن آبائه، أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكا وبلغها ذلك لاثت خمارها (2) على رأسها، واشتملت بجلبابها (3)، وأقبلت في لمة (4) من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها (5)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد (7) من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة (8)، فجلست ثم أنت أنة أجهش (9) القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام): الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام
1. نقلنا خطبتها (عليها السلام) منه (ره) لكون روايته جامعة وسنشير في آخر الخطبة إلى بعض الاسناد والمدارك السابقة على الطبرسي واللاحقة عليه. 2. اللوث: الطي والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولاثت خمارها لفته والخمار - بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لان الرأس يخمر بها اى يغطى. 3. الاشتمال بالشيء: جعله شاملا ومحيطا لنفسه - والجلباب: الرداء والإزار. 4. في لمة: اى جماعة والحفدة - بالتحريك: الأعوان والخدم. 5. اى ان أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي، وفي بعض النسخ " تجر ادراعها " و المعنى واحد. 6. الخرم - بضم الخاء وسكون الراء: الترك، والنقص، والعدول. 7. الحشد: الجماعة. 8. نيطت: علقت وناط الشيء: علقه، والملامة: الإزار. 9. أجهش القوم: تهيئوا. 184 كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته، وحياشته (1) لهم إلى جنته. وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور. ابتعثه الله اتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير رحمته، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بابى محمدا (صلى الله عليه وآله) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها (2)، وجلى عن الأبصار غممها (3) وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وايثار، فمحمد (صلى الله عليه وآله) من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاءه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع،
1. حاش الإبل: جمعها وساقها. 2. بهمها: اى مبهماتها: وهي المشكلات من الأمور. 3. الغمم: جمع غمة وهي: المبهم والملتبس. 185 والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة. فجعل الله الإيمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة: تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للإخلاص، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: أمانا للفرقة، والجهاد: عزا للإسلام، والصبر: معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف: مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الأرحام: منسأة في العمر (1) ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهى عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: ايجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء. ثم قالت: أيها الناس اعلموا: أني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عودا وبدوا ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا (2)، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم (3) حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوه (4) وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمى دون رجالكم ولنعم المعزى إليه (صلى الله عليه وآله)، فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة (5) مائلا عن مدرجة المشركين (6) ضاربا
1. منسأة للعمر: مؤخرة. 2. الشطط - بالتحريك - وهو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء. 3. عنتم: أنكرتم وجحدتم. 4. تعزوه: تنسبوه. 5. صادعا: الصدع هو الاظهار، والنذارة - بالكسر - الانذار وهو الاعلام على وجه التخويف. 6. المدرجة: هي المذهب والمسلك. 186 ثبجهم (1) آخذا بأكظامهم (2) داعيا سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام (3) وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (4) وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين (5) وطاح وشيظ النفاق (6) وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص (7) في نفر من البيض الخماص (8) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب (9) ونهزة الطامع (10) وقبسة العجلان، وموطىء الاقدام (11) تشربون الطرق (12) وتقتاتون القد (13) أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم (14) الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان (15) أو فغرت فاغرة من المشركين (16) قذف أخاه في لهواتها (17) فلا ينكفىء حتى يطأ جناحها بأخمصه (18) ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله،
1. ثبجهم: الثبج - بالتحريك - وسط الشيء ومعظمه. 2. أكظامهم، الكظم - بالتحريك: مخرج النفس من الحلق. 3. يجف الأصنام وفي بعض النسخ " يكسر الأصنام " وفي بعضها " يجذ " اى يكسر. 4. تفرى الليل عن صبحه: اى انشق حتى ظهر وجه الصباح. 5. شقاشق الشياطين، الشقاشق - جمع شقشقة بالكسر - وهي: شيء كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج. 6. طاح: هلك، والوشيظ: السفلة والرذل من الناس. 7. كلمة الاخلاص: كلمة التوحيد. 8. البيض الخماص: المراد بهم أهل البيت (عليهم السلام). 9. مذقة الشارب: شربته. 10. نهزة الطامع - بالضم: الفرصة اى محل نهزته. 11. قبسة العجلان: مثل في الاستعجال، وموطىء الاقدار: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة. 12. الطرق: بالفتح ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر. 13. القد - بكسر القاف وتشديد الدال -: سير يقد من جلد غير مدبوغ. 14. بهم الرجال: شجعانهم. 15. نجم: ظهر، وقرن الشيطان: أمته وتابعوه. 16. فغر فاه: اى فتحه، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم. 17. قذف رمى، واللهوات - بالتحريك، جمع لهات -: وهي اللحمة في أقصى شفة الفم. 18. ينكفىء: يرجع، والأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم. 187 مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون (1) فاكهون (2) آمنون، تتربصون بنا الدوائر (3) وتتوكفون الاخبار (4) وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال. فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق (5)، وسمل جلباب الدين (6) ونطق كاظم الغاوين (7) ونبغ خامل الأقلين (8) وهدر فنيق المبطلين (9) فخطر في عرصاتكم (10) واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم (11) فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، واحمشكم فألفاكم غضابا (12) فوسمتم غير إبلكم (13) ووردتم غير مشربكم (14). هذا والعهد قريب والكلم رحيب (15) والجرح لما يندمل (16) والرسول لما يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأني تؤفكون! وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة
1. وادعون: ساكنون. 2. فاكهون: ناعمون. 3. الدوائر: صروف الزمان، اى كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا. 4. تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا. 5. في بعض النسخ " حسيكة " وحسكة النفاق عداوته. 6. وسمل جلباب الدين، سمل: صار خلقا، والجلباب: الإزار. 7. الكظوم: السكوت. 8. الخامل: من خفى ذكره وكان ساقطا لا نباهة له. 9. الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان. 10. خطر البعير بذنبه: إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه 11. مغرزه: اى ما يختفى فيه تشبيها له بالقنفذ فانه يطلع رأسه بعد زوال الخوف. 12. اى: حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه. 13. الوسم: اثر الكي. 14. الورود: حضور الماء للشرب. 15. الكلم - بالضم -: الجرح، والرحب - بالضم -: السعة. 16. اى: لم يصلح بعد. 188 وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها (1) ويسلس قيادها (2) ثم أخذتم تورون وقدتها (3) وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلى وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء (4) وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء (5) ويصير (6) منكم على مثل حز المدى (7) ووخز السنان في الحشا، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته!!. أيها المسلمون أغلب على إرثي (8)؟ يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبى؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وورث سليمان داوود (9))، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب (10)) وقال (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (11)) وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل
1. نفرت، الدابة: جزعت وتباعدت. 2. يسلس: يسهل. 3. اى: لهبها. 4. الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا: والارتغاء: هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر شيئا ويريد غيره. 5. الخمر - بالفتح -: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجر الملتف بالوادي. 6. وفي بعض النسخ " يصبر ". 7. الحز: القطع، والمدى: السكين. 8. في بعض النسخ " ارثه ". 9. النمل: 16. 10. مريم: 6. 11. الأنفال: 75. 189 حظ الانثيين (1)) وقال: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (2)) وزعمتم: أن لا حظوة (3) لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة (4) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم. ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معشر النقيبة (5) وأعضاد الملة وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة (6) في حقي والسنة (7) عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول " المرء يحفظ في ولده "؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة (8) ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول. أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهز فتقه (9) وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته وأكدت (10) الآمال، وخشعت الجبال وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة (11) عاجلة،
1. النساء: 11. 2. البقرة: 180. 3. الحظوة: المكانة. 4. مخطومة: من الخطام - بالكسر -: وهو كل ما يدخل في انف البعير ليقاد به والرحل - بالفتح -: هو للناقة كالسرج. 5. النقيبة: الفتية. 6. الغميزة: - بفتح الغين المعجمة والزاي - ضعفة في العمل. 7. السنة - بالكسر -: النوم الخفيف. 8. إهالة - بكسر الهمزة -: الدسم. وسرعان ذا اهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. 9. الوهن: الخرق، واستنهز: اتسع. 10. أكدت: قل خيرها. 11. بائقه: داهية. 190 أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في أفنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافا وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (1) أيها بنى قيلة (2) ءأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرءى مني ومسمع، ومنتدى (3) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذووا العدد والعدة، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة (4) توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم وكافحتم (5) البهم، لا نبرح أو تبرحون (6) نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق (7) نظام الدين. فأنى حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدءوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض (8) وأبعدتم من هو أحق بالبسط
1. آل عمران: 144. 2. بنو قيلة، قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج. 3. المنتدى: المجلس. 4. الجنة - بالضم -: ما استترت به من السلاح. 5. وفي بعض النسخ " كالحتم ". 6. لا نبرح: لا نزال. 7. استوسق: اجتمع. 8. أخلدتم: ملتم. الخفض: السعة والخصب واللين. 191 والقبض، وخلوتم بالدعة (1) ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم (2) فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فان الله لغنى حميد. ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم (3) والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس ونفثة الغيظ، وخور القناة (4) وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة (5) الظهر نقبة الخف (6) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون. فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان. وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقابا عظيما، ان عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا إلفك دون الاخلاء (7) آثره على كل حميم، وساعده في كل امر جسيم، لا يحبكم إلا سعيد، ولا يبغضكم إلا شقى بعيد، فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وإني أشهد الله وكفى به شهيدا، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا
1. الدعة: الراحة والسكون. 2. الدسع: القيء، وتسوغ الشراب: شربه بسهولة. 3. الجذلة: ترك النصر، خامرتكم: خالطتكم. 4. الخور: الضعب، والقناة: الرمح والمراد من ضعف القناة هنا: ضعف النفس عن الصبر على الشدة. 5. فاحتقبوها: اى احملوها على ظهوركم، ودبر البعير: اصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل. 6. نقب خف البعير: رق وتثقب. 7. الإلف: هو الأليف بمعنى المألوف، والمراد هنا، الزوج لانه إلف الزوجة وفي بعض النسخ " ابن عمك ". 192 أن يحكم فيه بحكمه " وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك باجماع من المسلمين، لم أنفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأي عندي، وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك ولا ندخر دونك، وإنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا ندفع ما لك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداى، فهل ترين أن أخالف في ذاك أباك (صلى الله عليه وآله). فقالت (عليها السلام): سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفا (1) ولا لأحكامه مخالفا! بل كان يتبع اثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل (2) في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب (3)) ويقول: (وورث سليمان داوود (4)) وبين عزوجل فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظنى والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم أنفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من
1. صادفا: معرضا. 2. الغوائل: المهالك. 3. سورة مريم: 6. 4. سورة النمل: 16. 193 أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم! لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، وبان بإورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون. ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقالت: قد كان بعدك انباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب أنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب وكل أهل له قربى ومنزلة * عند الاله على الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يونسنا * فقد فقدت وكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب (1) (2) ثم انكفأت (عليها السلام)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا ابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل (3) فخانك ريش الأعزل (4) هذا ابن أبي قحافة يبتزنى نحلة أبي وبلغة (5) ابنى! لقد أجهد (6) في خصامي، وألفيته ألد (7) في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها،
1. الكثب - بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل. 2. روى هذه الأبيات في أكثر الكتب منها: الكافي 8: 376 فيه بيتين، مروج الذهب 2: 311 قال أنشدها صفية عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونقل منها بيتا واحدا، تفسير القمي 2: 157 وفيه اثنى عشر بيتا، وقال المفيد في الأمالي: 40 انها عدلت إلى قبر أبيها وشكت إليه وبكت حتى بلت تربته بدموعها ثم قالت:...، وفي الأبيات أيضا اختلاف. 3. قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة - والاجدل: الصقر. 4. الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران. 5. يبتزنى: يسلبنى، والبلغة: ما يتبلغ به من العيش. 6. في بعض النسخ " اجهر ". 194 والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت (8) خدك يوم أضعت حدك، افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا (9) ولا خيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي. عذيري الله منه عاديا (10) ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاى في كل غارب! مات العمد، ووهن (11) العضد شكواي إلى أبي! وعدواى (12) إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا ويل لك بل الويل لشانئك (13) ثم نهنهى عن وجدك (14) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت (15) عن ديني، ولا أخطأت مقدوري (16)، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعدلك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وأمسكت. (17)
7. الألد: شديد الخصومة. 8. ضرع: خضع وذل. 9. اى ما فعلت شيئا نافعا، وفي بعض النسخ " ولا أغنيت باطلا ": اى كففته. 10. العذير: النصير. وعاديا: متجاوزا. 11. الوهن: الضعف في العمل أو الامر أو البدن. 12. العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك. 13. الشانىء: المبغض. 14. اى: كفى عن حزنك وخففى من غضبك. 15. ما كللت ولا ضعفت ولا عييت. 16. ما تركت ما دخل تحت قدرتي. 17. الاحتجاج: 97، ورواه في بلاغات النساء: 23، الشافي 4: 69 بسنده عن أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني قال: (حدثني محمد بن أحمد الكاتب) حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثنا الزيادي قال حدثنا الشرقي بن القطامي عن محمد بن إسحاق قال حدثنا صالح بن كيسان قال: حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم السيامى قال: حدثنا ابن عايشة قال: الخبر...، دلائل الإمامة: 109 ح 36 بأسانيد مختلفة، شرح نهج البلاغة 16: 212 نقلا عن كتاب السقيفة وفدك لأبى بكر الجوهري رواها عن محمد بن زكريا قال: حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال: حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال: حدثني رجلان من بنى هاشم عن زينب بنت على بن أبي طالب (عليه السلام). قال: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه. قال أبو بكر: وحدثني عثمان بن عمران الجعفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام). قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة... الخ. بحار الأنوار 29: 215 ح 1 باسناد مختلفة، مناقب أهل البيت (للشرواني): 417 بالاسناد وشرح المفردات، مستدرك العوالم 2: 652 وأشار إلى اسنادها أيضا. وروى ما قالها لأمير المؤمنين (عليهما السلام) بعد رجوعها إلى البيت، الطوسي في الأمالي: 683، المناقب لابن شهر آشوب 2: 208، كشف الغمة 1: 0 48 وشرح اللغات التي جاءت في الهوامش من الاحتجاج. 195 [300] - 66 - روى ابن أبي الحديد: عن الجوهري قال: حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالاسناد الأول قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال: أيها الناس، ما هذه الرعة إلى كل قالة! أين كانت هذه الاماني في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مرب لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغى. ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ولو قلت لبحت، انى ساكت ما تركت. ثم التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحق من لزم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنتم. فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا. ثم نزل، فانصرفت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها. قال ابن أبي الحديد: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له: بمن يعرض؟ فقال: بل يصرح. قلت: لو صرح لم أسألك. فضحك وقال: بعلى بن أبي طالب (عليه السلام)، قلت: هذا الكلام كله لعلى يقوله؟! قال: نعم، انه الملك يا بنى، قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الامر عليهم، فنهاهم. (1)
1. شرح نهج البلاغة 16: 214، دلائل الإمامة: 123، البحار 29: 325 ح 10 عن ابن أبي الحديد. 196 [301] - 67 - قال الطبري الإمامي: [بعد نقل مقالة أبي بكر] فاطلعت ام سلمة رأسها من بابها وقالت: ألمثل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال هذا؟! وهي حوراء بين الإنس، والانس للنفس. ربيت في حجور الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في حجور الطاهرات ونشأت خير منشأ وربيت خير مربى أتزعمون ان رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟! وقد قال الله له: " وأنذر عشيرتك الأقربين " أفانذرها وجائت تطلبه وهي خيرة النسوان وأم سادة الشبان وعديلة مريم بنت عمران وحليلة ليث الاقران تمت بابيها رسالات ربه فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويلحفها بشماله، رويدا فرسول الله بمرأى لغيكم وعلى الله تردون فواها لكم وسوف تعلمون... ثم قال الطبري: فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها. (1) [302] - 68 - وقال أيضا: حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري، قال: حدثنا علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد (عليهما السلام)، عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال: لما رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكت وكان وفاتها في هذه المرضة، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات، فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت: " أصبحت والله عائفة " (2) لدنياكم، قالية (3) لرجالكم، شنأتهم (4) بعد إذ عرفتهم ولفظتهم (5) بعد إذ سبرتهم (6) ورميتهم بعد أن عجمتهم (7) فقبحا لفلول
1. دلائل الإمامة: 124 ضمن ح 36. 2. اى: كارهة. 3. اى: مبغضة. 4. اى: أبغضتهم. 5. اللفظ: طرح الشيء من الفم كراهة له. 6. اى: امتحنتهم. 7. عجمه: ابتلاه واختبره " الصحاح - عجم - ". 197 الحد (1) وخطل (2) الرأى وعثور الجد، وخوف الفتن (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) (3)، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها (4) وشننت (5) عليهم عارها فجدعا (6) وعقرا وبعدا للقوم الظالمين. ويحهم أني زحزحوها (7) عن رواسي (8) الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين بالوحي المبين، الطبين (9) بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين! ما الذي نقموا من أبي حسن؟ نقموا - والله - منه شدة وطأته ونكال وقعته، ونكير سيفه، وتبحره في كتاب الله، وتنمره (10) في ذات الله. وأيم الله لو تكافوا (11) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه (12) ثم لسار بهم سيرا سجحا (13) لا يكلم (14) خشاشه (15) ولا يتعتع (16) راكبه، ولأوردهم منهلا (17) رويا صافيا فضفاضا (18) تطفح ضفتاه ثم لأصدرهم بطانا (19) قد تخير لهم الري
1. فلول السيف: كسور في حده " الصحاح - فلل - ". 2. الخطل: الاضطراب. 3. المائدة: 80. 4. الربقة ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط. 5. اى: صببت. 6. يقال: جدعا له; هو دعاء معناه ألزمه الله الجدع اى قطع عنه الخير وجعله ناقصا معيبا. 7. اى: نحوها. 8. الرواسي: الأصول الثابتة، وكذلك القواعد. 9. اى: العالمين. 10. اى تغضبه، يقال: تنمر الرجل إذا غضب وتشبه بالنمر. 11. تكافوا: اى كفوا أيديهم عنه. 12. اى: لاخذه بيده. 13. السجح: السير السهل. 14. اى: لا يجرح ولا يدمى. 15. الخشاش: ما يكون في انف البعير من الخشب 16. اى: لا يكره ولا يقلق. 17. المنهل: مورد الماء 18. اى: كثيرا. 19. البطان: جمع بطين، وهو الريان. 198 غير متحل منه بطائل (1) بغمر (2) الماء وردعه سورة الساغب (3)، ولانفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا فاسمعن، ومن عاش أراه الدهر العجب وإن تعجبن فانظرن إلى أي نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأي عروة تمسكوا؟ ولمن اختاروا؟ ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير. استبدلوا والله الذنابى (4) بالقوادم (5) والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس (6) قوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)؟ (7) أما لعمر الله لقد لقحت، فانظروها تنتج (8) ثم احتلبوا طلاع القعب (9) دما عبيطا (10) وذعافا (11) ممقرا (12) هنالك خسر المبطلون، وعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا بعد ذلك نفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا (13)، وأبشروا بسيف صارم، وهرج (14) شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا خسرى لكم، وكيف بكم وقد عميت عليكم؟ (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (15))؟ (16)
1. غير متحل منه بطائل: اى كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا. 2. الغمر: القدح الصغير. 3. اى: كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع. 4. الذنابى: ما يلي الذنب من الجناح. 5. القوادم: ما تقدم منه. 6. المعاطس: الأنوف. 7. يونس: 35. 8. اى: تلد. 9. القعب: القدح الكبير من الخشب. 10. الدم العبيط: الطري. 11. الذعاف: السم. 12. الممقر: المر. 13. اى مروعة للقلب من شدة الفزع. 14. الهرج: الفتنة، وشدة القتل. 15. هود: 28. 16. دلائل الإمامة: 125 ح 37، وفي معاني الاخبار: 354، ودلائل الإمامة: 128 ح 38، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 233، كشف الغمة 1: 492 باسناد اخر عن فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) مع اختلاف ورواه الطوسي في الأمالي: 374 ح 805 عن ابن عباس مع تفاوت أيضا، عنه البحار 43: 161 ح 10. 199 [303] - 69 - قال الطبرسي: وقال سويد بن غفلة: لما مرضت فاطمة (عليها السلام)، المرضة التي توفيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها: كيف أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله؟ فحمدت الله، وصلت على أبيها، ثم قالت: أصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم - وروى كلامها (عليهما السلام) إلى آخره ثم قال - فأعادت النساء قولها (عليها السلام) على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيدة النساء، لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره، فقالت (عليها السلام): إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم. (1) [304] - 70 - قال الطوسي: هذا حديث وجدته بخط بعض المشايخ (رحمهم الله) ذكر أنه وجده في كتاب لأبى غانم المعلم الأعرج، وكان مسكنه بباب الشعير، وجد بخطه على ظهر كتاب له حين مات: وهو أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة (عليها السلام) فرأتها باكية، فقالت لها: بأبى أنت وأمي، ما الذي يبكيك؟ فقالت لها (عليها السلام): أسائلتى عن هنة حلق بها الطائر، وحفي بها السائر، ورفع إلى السماء أثرا، ورزئت في الأرض خبرا، ان قحيف تيم وأحيوك عدي جاريا أبا الحسن في السباق، حتى إذا تقربا بالخناق، أسرا له الشنآن، وطوياه الإعلان، فلما خبا نور الدين، وقبض النبي الأمين، نطقا بفورهما، ونفثا بسورهما، وأدلا بفدك، فيا لها لمن ملك، تلك إنها عطية الرب الأعلى للنجى الأوفى، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وانها ليعلم الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا مني البلغة، ومنعانى اللمظة، واحتسبتها يوم الحشر زلفة، وليجدنها
1. الاحتجاج: 108، عنه البحار 43: 159 ح 9. 200 آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم. (1) [305] - 71 - قال ابن شهر آشوب: دخلت أم سلمة على فاطمة (عليها السلام) فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالت: أصبحت بين كمد وكرب. فقد النبي وظلم الوصي، هتك والله حجبه، من أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنها النبي (صلى الله عليه وآله) في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية وتراث (2) أحدية كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة فلما استهدف الامر أرسلت علينا شأبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الايمان من قسى صدروها، ولبئس على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار، ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشهادات. (3) [306] - 72 - روى ابن قتيبة: إن عمر قال لأبى بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستئذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه (4)، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر، فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب الى من قرابتي، وأنك لأحب إلى من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك إني مت، ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك أعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ألا إني سمعت أباك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، فقالت أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله
1. الأمالي: 204 ح 350. 2. وترترة فلانا: اصابه بظلم أو مكروه. 3. المناقب 2: 205، عنه البحار 43: 156 ح 5 وصححنا بعض الأغلاط من نسخة البحار مع العناية لما قاله المجلسي: كان الخبر في المأخوذ منه مصحفا محرفا، ولم أجده في موضع آخر أصححه به فاوردته على ما وجدته. 4. الإمامة والسياسة: 13 عنه البحار 28: 354 ح 69. 201 ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاى، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني; قال: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله); قالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه، فقال أبو بكر أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة; ثم انتحب أبو بكر يبكى، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها. [307] - 73 - روى سليم: أنه كان علي (عليه السلام) يصلي في المسجد الصلوات الخمس، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله... إلى أن ثقلت فسألا عنها وقالا: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت، فإن رأيت ان تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا، قال: ذلك إليكما. فقاما فجلسا بالباب ودخل علي (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال لها: أيتها الحرة! فلان وفلان بالباب، يريدان أن يسلما عليك فما ترين؟ قالت: البيت بيتك، والحرة زوجتك، إفعل ما تشاء فقال: سدى قناعك فسدت قناعها، وحولت وجهها إلى الحائط، فدخلا وسلما، وقالا أرضى عنا رضى الله عنك، فقالت ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة، ورجونا أن تعفى عنا [وتخرجي سخيمتك] فقالت: إن كنتما صادقين فأخبراني عما أسئلكما عنه فإنى لا أسئلكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما، قالا: سلى عما بدا لك قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم، فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك، لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور، وجزع جزعا شديدا، فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟ (1)
1. كتاب سليم بن قيس: 253، عنه البحار 28: 303 و 43: 199. 202 [308] - 74 - عن أسماء بنت عميس قالت: طلب إلى أبو بكر أن أستأذن له على فاطمة يترضاها، فسألتها ذلك، فأذنت له، فلما دخل ولت وجهها الكريم إلى الحائط فدخل وسلم عليها، فلم ترد. ثم أقبل يعتذر إليها ويقول: أرضى عني يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقالت: يا عتيق! أتيتنا من ماتت (1) أو حملت الناس على رقابنا اخرج فو الله ما كلمتك أبدا حتى ألقى الله ورسوله فأشكوك إليهما. (2) [309] - 75 - قال الصدوق: حدثنا علي بن أحمد، قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن يحيى، عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله، قالا: أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال فتغير لون أبي عبد الله (عليه السلام) من ذلك واستوى جالسا ثم قال: انه جاء شقى من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقا ما تقول؟ فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك ان الله تعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهادا وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر واخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكى عليه، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله
1. الماتة: الحرمة والوسيلة. وكان المراد: هل راعيت لنا حرمتنا أو حملت الناس على رقابنا؟ 2. البحار 29: 158 ح 33. 203 أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب و تتنفس الصعداء فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله) أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها قومي يا بنية فقامت فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحملت فاطمة الحسين واخذت بيد ام كلثوم فانتهى إلى علي (عليه السلام) وهو نائم فوضع النبي (صلى الله عليه وآله) رجله على رجل علي فغمزه وقال قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني من آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى، قال: فقال علي بلى يا رسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شيء ولأحدثت بها نفسي، فقال النبي: صدقت وصدقت ففرحت فاطمة (عليها السلام) بذلك وتبسمت حتى رئى ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة. قال: ثم أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل الحسين علي وحملت فاطمة أم كلثوم وأدخلهم النبي بيتهم ووضع عليهم قطيفة واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل فلما مرضت فاطمة مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستاذنا عليها فأبت ان تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها فبات ليلة في البقيع ما يظله شئ ثم إن عمر أتى عليا (عليه السلام) فقال له إن أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مرارا نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم فدخل علي على فاطمة (عليها السلام) فقال يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردد مرارا كثيرة و رددتهما ولم تأذنى لهما وقد سألانى أن أستأذن لهما عليك؟ فقالت: والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه
204 مني. فقال علي (عليه السلام): فإنى ضمنت لهما ذلك. قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشئ فأذن لمن أحببت، فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلما عليها فلم ترد عليهما و حولت وجهها عنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مرارا وقالت يا علي جاف الثوب وقالت لنسوة حولها: حولن وجهي فلما حولن وجهها حولا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفرى لنا وتصفحي عما كان منا إليك، قالت: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبدا حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني، قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا، فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شئ سمعاه من رسول الله فإن صدقانى رأيت رأيي قالا: اللهم ذلك لها وأنا لا نقول إلا حقا ولا نشهد الا صدقا، فقالت: أنشدكما الله أتذكران أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل لشئ كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت أنشد كما بالله هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى فكان كمن آذاها في حياتي و من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى؟ قالا: اللهم نعم، قالت: الحمد لله ثم، قالت: اللهم إني أشهدك فأشهدوا يا من حضرني إنهما قد آذياني في حياتي وعند موتى والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي و أرتكبتما مني فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة؟! وقاما وخرجا. قال: فلما نعى إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها فقالت لها يا أم أيمن إن نفسي نعيت إلى فادعى لي عليا فدعته لها فلما دخل عليها قالت له: يا بن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها على، فقال لها:
205 قولي ما أحببت، قالت له: تزوج فلانة تكون لولدي مربية من بعدي مثلي واعمل نعشا رأيت الملائكة قد صورته لي، فقال لها على: أريني كيف صورته؟ فأرته ذلك كما أمرت به ثم قالت: فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار ولا يحضرن من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة على أحد، قال علي (عليه السلام) أفعل، فلما قضت نحبها صلى الله عليها وهم في ذلك في جوف الليل أخذ علي في جهازها من ساعته كما أوصته فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا فلما أصبح أبو بكر وعمر عائدين لفاطمة فلقيا رجلا من قريش فقالا له من أين أقبلت قال عزيت عليا بفاطمة، قالا: وقد ماتت؟ قال: نعم ودفنت في جوف الليل، فجزعا جزعا شديدا ثم أقبلا إلى علي (عليه السلام) فلقياه وقالا له والله ما تركت شيئا من غوائلنا ومساءتنا وما هذا إلا من شيء في صدرك علينا هل هذا إلا كما غسلت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دوننا ولم تدخلنا معك وكما علمت ابنك ان يصيح بابى بكر أن أنزل عن منبر أبي. فقال لهما علي (عليه السلام): أتصدقانى إن حلفت لكما؟ قالا: نعم، فحلف فأدخلهما على المسجد فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أوصاني وتقدم الى أنه لا يطلع على عورته أحد إلا ابن عمه فكنت أغسله والملائكة تقلبه والفضل العباس يناولني الماء وهو مربوط العينين بالخرقة ولقد أردت أنزع القميص فصاح بي صائح من البيت سمعت الصوت ولم أر الصورة لا تنزع قميص رسول الله ولقد سمعت الصوت يكرره علي فأدخلت يدي من بين القميص فغسلته ثم قدم إلى الكفن فكفنته ثم نزعت القميص بعد ما كفنته وأما الحسن ابني فقد تعلمان ويعلم أهل المدينة انه يتخطى الصفوف حتى يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ساجد فيركب ظهره فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله) ويده على ظهر الحسن والأخرى على ركبته حتى يتم الصلاة؟ قالا: نعم قد علمنا ذلك ثم قال: تعلمان ويعلم أهل المدينة أن الحسن كان يسعى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ويركب على رقبته ويدلى الحسن رجليه على صدر النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد والنبي (صلى الله عليه وآله) يخطب ولا يزال على رقبته حتى يفرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من خطبته و
206 الحسن على رقبته فلما رأى الصبى على منبر أبيه غيره شق عليه ذلك والله ما أمرته بذلك ولا فعله عن أمري، وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها وما كنت الذي خالف أمرها ووصيتها إلى فيكما، وقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة أنا أمضى إلى المقابر فأنبشها حتى أصلى عليها: فقال له علي (عليه السلام) والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئا وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك فإنى كنت لا أعاملك إلا بالسيف قبل أن تصل إلى شئ من ذلك، فوقع بين على وعمر كلام حتى تلاحيا واستبا، واجتمع المهاجرون والأنصار فقالوا والله ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخيه ووصيه وكادت ان تقع فتنة فتفرقا. (1) خاتمة [310] - 76 - روى ابن أبي الحديد: عن الجوهري أنه قال: حدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، عن داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن و نحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل، وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال: سئل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة فقال: كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل، فماتت وهي غضبي على إنسان، فنحن غضاب لغضبها، وإذا رضيت رضينا. (2) [311] - 77 - روى السيد بن طاووس: عن علي بن أسباط رفعه إلى الرضا (عليه السلام) أن رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلى
1. علل الشرائع 1: 185، وفي صدر الحديث ما يكشف منه اختلاق الناصب لعلى (عليه السلام) مسور بن مخرمة وأضرابه فيما رووه واختلقوه عند نقلهم حديث: فاطمة بضعة مني الخ، عنه البحار 43: 201 ح 31. 2. شرح نهج البلاغة 16: 232. 207 بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال له: ما تقول في أبي بكر؟ قال له: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فألح السائل عليه في كشف الجواب، فقال (عليه السلام): كانت لنا أم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما. (1) قال ابن أبي الحديد: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر و عمر. وانها أوصت ألا يصليا عليها; وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما، وكان الأولى بهما إكرامها.... (2) هذا ما حكم به ابن أبي الحديد وعليك: [312] - 78 - ما رواه الجزري: عن إبراهيم وغيره بإسنادهم، عن أبي عيسى، حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي، حدثنا علي بن قادم، حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن السدى، عن صبيح مولى أم سلمه، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلى وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم. (3) [313] - 79 - قال السيد بن طاووس: لما كان اليوم الذي ثقل فيه وجع النبي (صلى الله عليه وآله) وخيف عليه الموت دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال لمن في بيته اخرجوا عني فقال لأم سلمة: تكونين ممن على الباب فلا يقربه أحد ففعلت أم سلمة فقال يا علي، فدنا منه فأخذ بيد فاطمة (عليها السلام) فوضع على صدره طويلا وأخذ علي بيده الأخرى فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام فبكت فاطمة بكاء شديدا وعلي والحسن والحسين لبكاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله قد قطعت قلبي وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه و نبيه من لولدي بعدك ولذل أهل بيتك بعدك من لعلى أخيك وناصر الدين من لوحى
1. الطرائف: 252. 2. شرح النهج البلاغة 6: 50. 3. أسد الغابة 7: 225، البحار 37: 79 ح 48. 208 الله؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته وأكب عليه علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فرفع رأسه إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد (صلى الله عليه وآله) عندك فاحفظ الله وأحفظنى فيها وإنك لفاعل، هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين هذه والله مريم الكبرى أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم فأعطاني ما سألته يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمرني بها جبرئيل (عليه السلام) وأعلم يا علي أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي والملائكة يا علي ويل لمن ظلمها وويل لمن ابتزها حقها وويل لمن انتهك حرمتها وويل لمن أحرق بابها وويل لمن آذى حليلها وويل لمن شاقها وبارزها اللهم إني منهم برئ وهم مني برآء ثم سماهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضم فاطمة إليه وعليا والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال الله إنى لهم ولمن شايعهم سلم وزعيم يدخلون الجنة وحرب وعدو لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم وزعيم لهم يدخلون النار ثم والله يا فاطمة لا أرضى حتى ترضى ثم لا أرضى حتى ترضى... الحديث. (1)
1. الطرف: 29 طرفة: 19، الصراط المستقيم 2: 92 ح 12 مختصرا، البحار 22: 484 ح 3. 209 الفصل الثالث: في الإخبار عن شهادتها (عليها السلام) إخبار الله تعالى عن شهادتها: [314] - 1 - قال محمد بن قولويه: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أسرى بالنبي (صلى الله عليه وآله) إلى السماء، قيل له: إن الله تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك قال: أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك فماهن؟ قيل له: أولهن: الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يارب ورضيت وسلمت ومنك التوفيق والصبر، وأما الثانية: فالتكذيب والخوف الشديد وبذلك مهجتك في محاربة أهل الكفر بمالك ونفسك والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى أو من أهل النفاق والألم في الحرب والجراح، قال: قبلت يارب ورضيت وسلمت و منك التوفيق والصبر، وأما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل، أما أخوك على فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم وأخر ذلك القتل، فقال: يارب قبلت ورضيت ومنك التوفيق والصبر، وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قبلت
210 يا رب وسلمت ومنك التوفيق والصبر.... (1) إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) عن شهادتها: [315] - 2 - قال الصدوق: حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق، قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالسا ذات يوم إذ اقبل الحسن (عليه السلام)، فلما رآه بكى ثم قال إلى أين يا بنى؟ فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام) فلما رآها بكى ثم قال إلى إلى يا بنية فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال إلى يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تسر برؤيته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إلى منهم، أما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة وصاحب حوضي وشفاعتي وهو مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن وقائد كل تقي وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي وبولايته صارت أمتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وأما ابنتي فاطمة فأنها سيدة نساء العالمين من الأولين
1. كامل الزيارات: 457 ح 840، عنه البحار 28: 61 ح 24. 211 والآخرين وهي بضعة مني ونور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزوجل لملائكته " يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائى قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار، وأني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها (وكسرت جنبتها) و أسقطت جنينها وهي تنادى يا محمداه فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة: (إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، يا فاطمة (اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)، ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله عزوجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها، فتقول عند ذلك يارب إني قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي، فيلحقها الله عزوجل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلل من أذلها وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين... الحديث. (1) [316] - 3 - وقال أيضا: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن حماد بن عيسى، قال: حدثنا الصادق جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)، قال: قال: جابر بن عبد الله سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي
1. الأمالي: 99 ح 2، فرائد السمطين 2: 34 ح 371، البحار 43: 172 ح 13 نقل عن الأمالي بعض الرواية. 212 طالب (عليه السلام) قبل موته بثلاث: سلام الله عليك يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام) هذا أحد ركني قال لي رسول الله، فلما ماتت فاطمة (عليها السلام) قال علي (عليه السلام): هذا الركن الثاني الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). (1) [317] - 4 - روى الطوسي: في حديث... قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تبكي يا بنية. فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك، يا رسول الله. فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي. (2) [318] - 5 - روى الأربلي: عن ابن عباس أنه قال: قالت فاطمة (عليها السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) وهو في سكرات الموت: يا أبه أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا فأين الميعاد غدا؟ قال: أما أنك أول أهلي لحوقا بي، والميعاد على جسر جهنم، قالت: يا أبه أليس قد حرم الله عز وجل جسمك ولحمك على النار؟ قال: بلى ولكني قائم حتى تجوز أمتي، قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم، استوهب الظالم من المظلوم، قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمتي، قالت: لم أرك هناك؟ قال: تريني عند الميزان، وأنا أسئل الله لأمتي الخلاص من النار; قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني عند الحوض حوضي عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء، على حوضي ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم، وكالبيض المكنون من تناول منه شربة فشربها لم يظمأ بعدها أبدا، فلم يزل يقول لها حتى خرجت
1. الأمالي: 116 ح 14، حلية الأولياء 3: 201، روضة الواعظين: 152، تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام): 120 ح 160، المناقب لابن شهر آشوب 3: 361، تذكرة الخواص: 287، كشف الغمة 1: 659، فرائد السمطين 1: 382، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 566، احقاق الحق 4: 366 عن الفرائد، البحار 43: 262 ح 4 عن الأمالي. 2. الأمالي: 188 ح 316، عنه اثبات الهداة 1: 572 ح 217، وايضا عنه البحار 28: 41 ح 4 و 43: 156 ح 2 و مضى تمام الحديث في شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) / الاختصار. 213 الروح من جسده (صلى الله عليه وآله). (1) [319] - 6 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذنية، عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت سلمان الفارسي رضى الله عنه يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك، فاغرورقت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالبكاء ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عزوجل لنا الآخرة على الدنيا وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيا ثم أطلع إلى الأرض اطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلى أن أزوجك إياه واتخذه وليا ووزيرا وأن أجعله خليفتي في أمتي فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء وأنت أول من يلحق بي من أهلي، ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة فاختارك وولديك; فأنت سيدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة... الحديث. (2) [320] - 7 - قال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع ابن يزيد، حدثني عمارة بن غزية، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان إن أمه فاطمة بنت حسين حدثته إن عائشة كانت تقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه قال لفاطمة: " يا بنية احنى علي " فأحنت عليه فناجاها ساعة ثم انكشفت
1. كشف الغمة 1: 497، عنه البحار 22: 535 ح 37 ومضى في هذا المعنى أحاديث في شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله). 2. اكمال الدين واتمام النعمة: 262 ح 10، وروى مضمونه الطبراني في المعجم الكبير 3: 57، وفي فرائد السمطين 2: 84 عن علي بن علي المكى الهلالي عن أبيه ملخصا، احقاق الحق 9: 262 عن المعجم، البحار 28: 52 ح 21 عن الاكمال ومضى الحديث بتمامه في مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله). 214 وهي تبكى وعائشة حاضرة، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بساعة: " احني علي يا بنية " فأحنت عليه، فناجاها ساعة، ثم انكشفت عنه فضحكت، قالت عائشة: فقلت: أي بنية أخبريني ماذا ناجاك أبوك؟ فقالت فاطمة: ناجاني على حال سر ظننت أني أخبر بسره وهو حي؟ فشق ذلك على عائشة أن يكون سرا دونها، فلما قبضه الله قالت عائشة لفاطمة: يا بنية ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن فنعم، ناجاني في المرة الأولى فأخبرني " ان جبريل (صلى الله عليه وآله) كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضه بالقرآن العام مرتين " وأخبرني: " إنه أخبره أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي قبله " وأنه أخبرني: " أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين " فأبكاني ذلك، وقال: " يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك، فلا تكوني أدنى من امرأة صبرا " وناجاني في المرة الآخرة أخبرني: " إنى أول أهله لحوقا به " وقال: " إنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران " فضحكت بذلك. (1) [321] - 8 - وقال أيضا: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عباد بن العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فقال: " إنه قد نعيت إلى نفسي " فبكت، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا تبكي فإنك أول أهلي لحوقا [لاحقا] بي " فضحكت فرآها بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها: رأيتك بكيت وضحكت، قالت: إنه قال لي: " نعيت إلى نفسي " فبكيت، فقال: " لا تبكين فإنك أول أهلي لاحق بي " فضحكت. (2)
1. المعجم الكبير 22: 416 ح 1031، وبهذا المضمون في: 418 ح 1032، الطبقات الكبرى 2: 190، مسند أحمد 6: 77 و 240 و 282، صحيح مسلم 2: 468 ح 99، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 34، المناقب للمغازلي: 342 المناقب لابن شهر آشوب 3: 361، الفصول المهمة: 138 عن مسند احمد، الصواعق المحرقة: 289 عن الصحيحين، البحار 43: 51 ضمن ح 48 عن مسند احمد. 2. المعجم الكبير 11: 261 ح 11907 و 22: 415 ح 1027، وبهذا المضمون ح 1034 و 1035 و 1036 و 1037 و 1038 و 1039 مع تفاوت في العبارات، مجمع الزوائد 9: 23، تاريخ الذهبي 1: 547. 215 [322] - 9 - روى ابن أثير الجزري: عن عائشة قالت: " لما كان يوم الاثنين الذي توفى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): أصبح رسول الله كأنه وجد خفة، فافترق الناس عنه، واجتمع نساؤه عنده، لم يغادر منهن امرأة، ثم أقبلت فاطمة. فلا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما رآها استبشر وتهلل وجهه، فسارها فبكت ثم سارها فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من بكاء ثم سألتها عما سارها به؟ فقالت: ما كنت لأفشى سر رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما مات رسول الله سألتها، وقلت لها: بما لي عليك من الحق، إلا ما أخبرتني. فقالت: أسر إلى: أي بنية، إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني به الآن مرتين. وما أراني قد اقترب أجلى فلا تكوني دون امرأة صبرا، فبكيت. فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، وإنك أول أهلي لحوقا بي؟ فضحكت " أخرجه البخاري ومسلم. [323] - 10 - وقال أيضا: وفي رواية التزمذي قالت " ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله (صلى الله عليه وآله) - في قيامها وقعودها - من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). قالت: وكانت إذا دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) قام إليها، فقبلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليها قامت من مجلسها، فقبلته وأجلسته في مجلسها. فلما مرض النبي (صلى الله عليه وآله)، دخلت فاطمة فأكبت عليه، فقبلته. ثم رفعت رأسها، فبكت ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت. فقلت: إن كنت لأظن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء. فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت لها: أرأيت حين أكببت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه، فرفعت رأسك فضحكت: ما حملك على ذلك؟ قالت انى اذا لبذرة، أخبرني: أنه ميت من وجعه هذا فبكيت. ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت. (1)
1. جامع الأصول 10: 85 ضمن ح 6665 وبهذا المضمون أحاديث في كتب العامة والخاصة، الأمالي الطوسي: 400 ح 892، روضة الواعظين: 150. 216 [324] - 11 - قال ابن حنبل: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا محمد يعنى ابن راشد قال: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية قال: دخلت فاطمة على أبي بكر فقالت: أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني أول أهله لحوقا به. (1) [325] - 12 - روى المجلسي: عن الصدوق، عن السناني، عن الأسدي، عن البرمكي، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله بن يحيى، عن الأعمش، عن عباية، عن ابن عباس قال: دخلت فاطمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفى فيه قال: نعيت إلى نفسي، فبكت فاطمة، فقال لها: لا تبكين [لا تبكى] فإنك لا تمكثين من بعدي إلا اثنين وسبعين يوما ونصف يوم حتى تلحقي بي، ولا تلحقي به حتى تتحفي بثمار الجنة فضحكت فاطمة (عليها السلام). (2) إخبارها (عليها السلام) عن شهادتها [326] - 13 - قال الطبري الإمامي: روى أبو بكر بن محمد الخشاب الكرخي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الكوفي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن الحسن عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترك إلا الثقلين: كتاب الله وعترته أهل بيته وكان قد أسر إلى فاطمة (عليها السلام) أنها لاحقة به، وأنها أول أهل بيته لحوقا. قالت (عليها السلام): بينا أنا بين النائمة واليقظى بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كأن أبي قد أشرف علي، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه، انقطع عنا خبر السماء; فبينا أنا كذلك إذا أتتني الملائكة صفوفا، يقدمها ملكان، حتى أخذانى فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد، وقصر بعد قصر،
1. مسند أحمد 6: 283. 2. البحار 43: 156 ح 3 عن قصص الأنبياء. 217 وبستان بعد بستان، وإذا قد اطلع علي من تلك القصور جواري كأنهن اللعب وهن يتباشرن ويضحكن إلى، ويقلن: مرحبا بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها. فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلونى إلى دار فيها قصور، في كل قصر من البيوت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرة الكثير، وعليها ألحاف من ألوان الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن، وأطيب رائحة من المسك الأذفر، فقلت: لمن هذه الدار؟ وما هذا النهر؟. فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله. قلت: فما هذا النهر؟ قالوا: هذا الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه. قلت: فأين أبي؟ قالوا: الساعة يدخل عليك. فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا من تلك القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة وإذا أبي (صلى الله عليه وآله) جالس على تلك الفرش، ومعه جماعة فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني، وقال: مرحبا بابنتي، وأخذني وأقعدنى في حجره، ثم قال لي: يا حبيبتي، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه! فأراني قصورا مشرفات، فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل، وقال: هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما، فطيبي نفسا فإنك قادمة علي إلى أيام. قالت: فطار قلبي واشتد شوقي، وانتبهت من رقدتي مرعوبة. قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما انتبهت من مرقدها صاحت بي، فأتيتها وقلت لها: ما تشكين؟ فخبرتني بخبر الرؤيا.
218 ثم أخذت علي عهدا لله ورسوله إنها إذا توفيت لا أعلم أحدا إلا أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأم أيمن، وفضة; ومن الرجال ابنيها، وعبد الله بن عباس، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، والمقداد، وأبا ذر، وحذيفة. وقالت: إني قد أحللتك من أن تراني بعد موتي فكن مع النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلا ليلا، ولا تعلم أحدا قبري... الحديث. (1)
1. دلائل الإمامة: 131 ح 42، عنه البحار 43: 207 ح 36. 219 الفصل الرابع: في وصاياها (عليها السلام) [327] - 1 - مضى في حديث رواه الصدوق: أنها (عليها السلام) قالت لعلى (عليه السلام): يا بن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي فقال لها: قولي ما أحببت، قالت له: تزوج فلانة تكون لولدي مربية من بعدي مثلي واعمل نعشا رأيت الملائكة قد صورته لي. فقال لها علي (عليه السلام): أريني كيف صورته؟ فأرته ذلك كما وصفت له وكما أمرت به، ثم قالت: فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار ولا يحضرن من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة علي أحد، قال علي (عليه السلام): أفعل. (1) [328] - 2 - وفي حديث آخر: قال علي (عليه السلام): لما حضرت فاطمة الوفاة دعتني فقالت: أمنفذ أنت وصيتي وعهدي؟ قال: قلت بلى، أنفذها فأوصت إلى وقالت: إذا أنا مت فادفني ليلا ولا تؤذنن رجلين ذكرتهما. (2) [329] - 3 - روى المفيد: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن
1. علل الشرائع: 187 وقد مضى تمام الحديث في آخر الفصل الثالث من المأساة. ومضى في حديث الطبري الامامي ما يدل على ذلك، دلائل الإمامة: 133. 2. معاني الاخبار: 355 ومضى تمامه في أواخر فصل المأساة، كشف الغمة 1: 494 وفيه: امنفذ أنت وصيتي و عهدي أو والله لأعهدن إلى غيرك،... ولا تؤذنن بي أبا بكر وعمر. 220 إدريس قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن القاسم بن محمد الرازي، عن علي بن محمد الهرمزاني، عن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه الحسين (عليه السلام) قال: إنه لما مرضت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وصت إلى علي (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحدا بمرضها ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس - رحمها الله - على استسرار بذلك كما وصت به فلما حضرتها الوفاة وصت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولى أمرها ويدفنها ليلا ويعفى قبرها... الحديث. (1) [330] - 4 - وروى في حديث آخر: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه لما حضرتها الوفاة دعت عليا (عليه السلام) فقالت: إما تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير؟ فقال: علي (عليه السلام) أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد، قالت: سئلتك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أنا مت ألا يشهدانى ولا يصليا علي، قال: فلك ذلك، الحديث. (2) [331] - 5 - قال السيد المرتضى: إنه قد وردت الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، وصرحت بذلك وعهدت فيه عهدا، بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت ان تأذن لهما فلما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وألح عليها فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام) أليس قد صنعت ما أردت؟ قال: نعم. قالت: فهل أنت صانع ما آمرك قال: نعم. قالت: فإنى أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي ولا يقوما على قبري. (3)
1. الأمالي للمفيد: 281 يأتي تمام الرواية في فصل: بعد الشهادة، أمالي الطوسي: 19 ح 166، مقتل الحسين للخوارزمي 1: 82 بسنده عن أسماء بنت عميس وذكر بعض الحديث. 2. الاختصاص: 183، ومضى صدر الحديث في باب المأساة، الفصل الثالث منه. 3. الشافي 4: 115. 221 [332] - 6 - روى الفتال النيشابوري: أنها (عليها السلام) لما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي وأحضرته فقالت: يا بن عم إنه قد نعيت إلى نفسي وإنني لأرى ما بي لا أشك إلا أنني لاحقة بأبى ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها علي (عليه السلام): أوصينى بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت. ثم قالت: يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتنى فقال (عليه السلام) معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله أن أوبخك غدا بمخالفتي فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك إلا أنه أمر لابد منه والله جدد علي مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وألمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره. ثم قال: أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضى كل ما أمرتني به واختار أمرك على أمري ثم قالت جزاك الله عني خير الجزاء، يا بن عم أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرجال لابد لهم من النساء قال فمن أجل ذلك; قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أربعة ليس إلى فراقهن سبيل: بنت أمامة أوصتني بها فاطمة. ثم قالت: أوصيك يا بن عم أن تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه الى فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد، ثم قالت أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتى من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان لا يصلي علي أحد منهم، ولا من أتباعهم، وأدفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار. (1) [333] - 7 - نقل ابن شهر آشوب: عن ابن حماد بيتين في وصيتها (عليها السلام):
1. روضة الواعظين: 151، المناقب لابن شهر آشوب 3: 362 باختصار. 222 وقد أوصت أبا حسن عليا * بحقي أن على الأرجاس تغشى فغسلها الوصي أبو حسين * وواراها وجنح الليل مغش (1) [334] - 8 - قال الخوارزمي: - في رواية -: ثم كشف علي (عليه السلام) عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها فنظر فيها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق و ان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوجنى الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة فأنت أولى بي من غيرك فحنطني وكفني وغسلني بالليل وصل علي وادفنى بالليل ولا تعلم أحدا و استودعك الله واقرء على ولدى السلام إلى يوم القيام. (2) [335] - 9 - روى المجلسي: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستين يوما ثم مرضت فاشتدت عليها فكان من دعائها في شكواها: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فأغثني اللهم زحزحني عن النار وأدخلني الجنة وألحقني بابى محمد (صلى الله عليه وآله)، فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها: يعافيك الله ويبقيك، فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله، وأوصت بصدقتها ومتاع وأوصته أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص، وقالت: بنت أختي وتحنن على ولدى. (3) [336] - 10 - وروى أيضا: أنه (عليه السلام) قال: قالت فاطمة لعلى (عليه السلام) إني أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إلى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أنا مت فغسلني بيدك وحنطني وكفني وادفني ليلا ولا
1. المناقب 3: 364. 2. مقتل الحسين (عليه السلام): 85، عنه الاحقاق 10: 453. 3. البحار: 43: 217 ح 49 عن مصباح الأنوار. 223 يشهدني فلان وفلان واستودعك الله تعالى حتى ألقاك جمع الله بيني وبينك في داره وقرب جواره. (1) [337] - 11 - وروى أيضا: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: إن فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت أوصت عليا (عليه السلام) ثم فقالت: إذا أنا مت فتول أنت غسلي وجهزني وصل علي وأنزلني قبري، و ألحدني وسو التراب علي واجلس عند رأسي قبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن و الدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء وأنا استودعك الله تعالى و أوصيك في ولدى خيرا ثم ضمت إليها أم كلثوم فقالت له: إذا بلغت فلها ما في المنزل ثم الله لها فلما توفيت فعل ذلك أمير المؤمنين. (2) [338] - 12 - روى الكليني: عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إلا أقرئك وصية فاطمة (عليها السلام)؟ قال: قلت: بلى قال: فأخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصت بحوائطها السبعة (3): العواف، والدلال، و البرقة، والميثب، والحسنى، والصافية، وما لام إبراهيم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)
1. البحار 81: 390، ح 56 و 103: 186 ح 14 عن مصباح الأنوار. 2. البحار 82: 27 ح 13 عن مصباح الأنوار. 3. هذه الحوائط السبعة من أموال مخيريق اليهودي الذي أوصى بأمواله إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما في رواية عبد العزيز بن عمران، أو هي من أموال بنى النضير مما أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) وقيل فيها غير ذلك، ومواضعها كما يلي: برقة والدلال والميثب والصافية: متجاورات بأعلى الصورين في شرق المدينة بجزع زهرة ويسقيها مهزور، والعواف ويقال لها الاعواف: جزع معروف بالعالية بقرب المربوع يسقيها مهزور أيضا، وحسنى: موضع بالقف بقرب الدلال يسقيها مهزور أيضا، ومشربة أم إبراهيم: موضع بالعالية معروف بالقف وإنما سمى بمشربة ام إبراهيم لان مارية القبطية ولدت إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه وآله) هناك - والمشربة بالفتح والضم الغرفة والمشارب العلالى - قال ابن النجار: وهذا الموضع بالعوالي من المدينة بين النخيل وهو أكمة قد حوط عليها بلبن ولزيادة الايضاح يراجع وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 35 وص 152 وص 162 - نقلنا هذا التوضيح عن السيد حسن الخرسان في ذيل تهذيب الاحكام للشيخ الطوسي 9: 145. 224 فإن مضى علي فإلى الحسن فإن مضى الحسن فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدى شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام و كتب علي بن أبي طالب (عليه السلام). وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عاصم بن حميد مثله ولم يذكر حقا و لا سفطا وقال: إلى الأكبر من ولدى دون ولدك. (1) [339] - 13 - قال الطبري الإمامي: حدثني أبو إسحاق الباقر حي، قال: حدثتني خديجة قالت: حدثنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا محمد بن بغدان، قال: حدثنا أبو علي محمد بن الصلت التوزى، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الأموي، أبو صفوان، عن ابن جريج، عن جعفر ابن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): أن فاطمة (عليها السلام) أوصت لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية، ولنساء بنى هاشم مثل ذلك، وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشئ. (2) [340] - 14 - قال المجلسي: قال محمد بن إسحاق: وحدثني أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتبت هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد في مالها إن حدث بها حادث تصدقت بثمانين أوقية تنفق عنها من ثمارها التي لها كل عام في كل رجب بعد نفقة السقى ونفقة المغل وأنها أنفقت أثمارها العام وأثمار القمح عاما قابلا في أوان غلتها، وإنما أمرت لنساء محمد أبيها خمس وأربعين أوقية، وأمرت لفقراء بنى هاشم وبنى عبد المطلب بخمسين أوقية. وكتبت في أصل مالها في المدينة أن عليا (عليه السلام) سألها أن توليه مالها فيجمع مالها إلى مال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا تفرق وتليه ما دام حيا، فإذا حدث به حادث دفعه إلى ابني الحسن والحسين فيليانه.
1. الكافي 7: 48، التهذيب 9: 145، دلائل الإمامة: 129 ح 39، كشف الغمة 1: 499. 2. دلائل الإمامة: 130 ح 40، عنه البحار 43: 218 ح 50. 225 وأني دفعت إلى علي بن أبي طالب على أني أحلله فيه فيدفع مالي ومال محمد (صلى الله عليه وآله) لا يفرق منه شيئا، يقضى عني من أثمار المال ما أمرت به وما تصدقت به، فإذا قضى الله صدقتها وما أمرت به فالأمر بيد الله تعالى وبيد علي يتصدق وينفق حيث شاء لا حرج عليه، فإذا حدث به حدث دفعه إلى ابنى الحسن والحسين المال جميعا مالي ومال محمد (صلى الله عليه وآله) فينفقان ويتصدقان حيث شاءا ولا حرج عليهما، وإن لابنة جندب - يعنى بنت أبي ذر الغفاري - التابوت الأصغر وتغطها في المال ما كان ونعلى الآدميين والنمط والجب والسرير والزريبة والقطيفتين. وإن حدث بأحد ممن أوصيت له قبل أن يدفع إليه فإنه ينفق في الفقراء و المساكين، وأن الاستار لا يستتر بها امرأة إلا إحدى ابنتى غير أن عليا يستتر بهن إن شاء ما لم ينكح، وأن هذا ما كتبت فاطمة في مالها وقضت فيه والله شهيد والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب كتبتها وليس على علي حرج فيما فعل من معروف. قال جعفر بن محمد: قال أبي: هذا وجدناه وهكذا وجدنا وصيتها (عليهما السلام). (1)
1. بحار الأنوار 103: 184 ح 13. 226 الفصل الخامس: في احتضارها (عليها السلام) [341] - 1 - قال الطوسي: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني محمد بن أحمد بن عبيد الله المنصوري، قال: حدثنا سليمان بن سهل، قال: حدثنا عيسى بن إسحاق القرشي، قال: حدثنا حمدان ابن علي الخفاف، قال: حدثنا عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام) عن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه عمار رضى الله عنه، قال: لما مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضها الذي توفيت فيه وثقلت، جاءها العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه عائدا، فقيل له: إنها ثقيلة، وليس يدخل عليها أحد; فانصرف إلى داره، فأرسل إلى علي (عليه السلام) فقال لرسوله: قل له: يا بن أخ، عمك يقرئك السلام، ويقول لك: قد فجأنى من الغم بشكاة حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرة عينه وعيني فاطمة ما هدنى، وإني لأظنها أولنا لحوقا برسول الله (صلى الله عليه وآله) والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه، فإن كان من أمرها ما لابد منه، فاجمع - أنا لك الفداء - المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها، وفي ذلك جمال للدين. فقال علي (عليه السلام) لرسوله وأنا حاضر عنده: أبلغ عمى السلام، وقل: لا عدمت إشفاقك وتحننك، وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضله، إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا رعى فيها حقه، ولاحق الله عز وجل، وكفى
227 بالله حاكما ومن الظالمين منتقما، وإني أسألك يا عم أن تسمح لي بترك ما أشرت به، فإنها وصتني بستر أمرها. قال: فلما أتى العباس رسوله بما قاله علي (عليه السلام) قال: يغفر الله لابن أخي، فإنه لمغفور له، إن رأى ابن أخي لا يطعن فيه، إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركة من علي إلا النبي (صلى الله عليه وآله) إن عليا لم يزل أسبقهم إلى كل مكرمة، وأعلمهم بكل قضية، وأشجعهم في الكريهة، وأشدهم جهادا للأعداء في نصرة الحنيفية، وأول من آمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله). (1) [342] - 2 - قال ابن شبة: حدثنا أبو عاصم النبيل قال: حدثنا كهمس بن الحسن قال: حدثني يزيد قال: كمدت فاطمة رضى الله عنها بعد وفاة أبيها سبعين بين يوم وليلة، فقالت: إني لاستحى من جلالة (2) جسمي إذا أخرجت على الرجال غدا - وكانوا يحملون الرجال كما يحملون النساء - فقالت أسماء بنت عميس - أو أم سلمة - إني رأيت شيئا يصنع بالحبشة، فصنعت النعش فاتخذ بعد ذلك سنة. (3) [343] - 3 - قال القاضي نعمان المصري: روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسر إلى فاطمة (عليها السلام) أنها أول من يلحق به من أهل بيته، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونالها من القوم ما نالها لزمت الفراش، ونحل جسمها (4) حتى كان كالخيال وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حالها تلك سبعين يوما، فلما احتضرت قالت لأسماء بنت عميس: كيف أحمل على أعناق الرجال مكشوفة، وقد صرت عظما ليس عليه إلا جلدة وكيف ينظر الرجال إلى جثتى على السرير إذا حملت؟ قالت لها أسماء: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن قضى الله عليك بأمر فسوف أصنع لك شيئا رأيته في بلد الحبشة، قالت: وما هو؟ قالت: النعش يجعلونه من فوق السرير على الميت يستره فلا يرى
1. الأمالي: 155. 2. الجلالة: الجل والجلل من الاضداد بمعنى العظيم والحقير. والحقارة هنا مناسبة مع مفاد الحديث الآتي. 3. تاريخ المدينة المنورة 1: 108، كشف الغمة 1: 503، وفاء الوفاء 2: 903. 4. وفي نسخة: وذاب لحمها حتى صارت كالخيال. 228 منه شيء، قالت لها: افعلى، فلما قبضت (عليها السلام) صنعته لها أسماء، فكان اول نعش حمل في الإسلام. (1) [344] - 4 - قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله ابن محمد بن عقيل إن فاطمة لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها، فأتيت بثياب غلاظ خشن ولبستها ومست من الحنوط وأمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها، فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك؟ قال: نعم كثير بن عباس. (2) [345] - 5 - روى الطبري الإمامي: عن علي (عليه السلام) في حديث، فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه، أقبلت تقول: وعليكم السلام. وهي تقول لي: يا بن عم، قد أتاني جبرئيل مسلما، وقال لي: السلام يقرئك السلام، يا حبيبة حبيب الله، وثمرة فؤاده، اليوم تلحقين به في الرفيع الأعلى وجنة المأوى ثم انصرف عني. ثم سمعناها ثانيا تقول: وعليكم السلام، فقالت: يا بن عم، هذا والله ميكائيل يقول لي كقول صاحبه. ثم أخذت ثالثا تقول: وعليكم السلام. ورأيناها قد فتحت عينيها فتحا شديدا ثم قالت: يا بن عم هذا والله الحق وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب وقد وصفه لي أبي، وهذه صفته. فسمعناها تقول: وعليك السلام يا قابض الأرواح، عجل بي ولا تعذبني، ثم سمعناها تقول: إليك ربي لا إلى النار، ثم غمضت عينيها ومدت يديها ورجليها كأنها لم تكن حية قط. ويروى غير ذلك وهو خبر صعب شديد. (3)
1. دعائم الإسلام 1: 232. وتأتى توضيحات في باب التجهيز. 2. المعجم الكبير 22: 399 ح 996، حلية الأولياء 2: 43. 3. دلائل الإمامة: 133، كشف الغمة 1: 501 مع اختلاف يسير، ومضى صدر الحديث في باب الاخبار عن شهادتها (عليها السلام). 229 [346] - 6 - قال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن علي ابن فلان بن أبي رافع، عن أبيه عن سلمى قالت: مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندنا، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج علي، قالت لي: يا امه اسكبي لي غسلا. فسكبت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل. ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد، فأتيتها بها فلبستها ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت. فجعلته فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة ثم قالت لي: يا أمه إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن أحد لي كتفا قالت: فماتت، فجاء علي فأخبرته فقال: لا والله لا يكشف لها أحد كتفا فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك. (1) [347] - 7 - قال الطوسي: أخبرنا حمويه، قال: حدثنا أبو الحسين، قال: حدثنا أبو خليفة، قال: حدثنا العباس، قال: حدثنا محمد بن أبي رجاء أبو سليمان، عن إبراهيم بن سعد، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن سلمى امرأة أبي رافع، قالت: مرضت فاطمة (عليها السلام) فلما كان في اليوم الذي ماتت فيه قالت هيئي لي ماء; فصببت لها، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد; فلبستها ثم أتت البيت الذي كانت فيه فقالت: افرشي لي في وسطه; ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدها، وقالت: إني مقبوضة الآن فلا أكشفن فإني قد اغتسلت، قالت: وماتت فلما جاء علي (عليه السلام) أخبرته فقال: لا تكشف، فحملها بغسلها (عليها السلام). (2)
1. الطبقات الكبرى 8: 22، تاريخ المدينة المنورة 1: 180، المناقب لابن شهر آشوب 3: 364 رواه ملخصا بتفاوت، كشف الغمة 1: 501 بتفاوت يسير، تذكرة الخواص: 286. 2. الأمالي: 400، تسلية المجالس وزينة المجالس 1: 569، البحار 43: 172 ح 12، وفي نسخته: فحملها يغسلها - بياء المضارع عوضا عن الباء - وقال المجلسي في بيان الحديث: " لعلها (عليها السلام) إنما نهت عن كشف العورة والجسد للتنظيف ولم تنه عن الغسل " والقرائن يحكم بعدم صحة هذه الروايات لمعارضتها مع الاحكام الضرورية الفقهية والأحاديث المعارضة لها - تأتى في باب التجهيز - ولعل سبب اختلاقه ما قاله في ذيل البحار 81: 335 أو لتوجيه ما راه أبو حنيفة أو لتقوية ما يوسوس في صدور بنى أمية لعنهم الله من الهون والذل لعلى (عليه السلام) ولترسيخ شبهة عدم حلية رؤيتها لعلى (عليه السلام) بعد وفاتها (عليها السلام) كما يوهم ذلك وهذا، كلام ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 287. 230 [348] - 8 - روى الخوارزمي: عن ابن عباس أنه قال: ولما جاء فاطمة الأجل لم تحم ولم تصدع ولكن أخذت بيدي الحسن والحسين فذهبت بهما إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فاجلستهما عنده ثم وقفت فصلت بين المنبر والقبر ركعتين ثم ضمتهما إلى صدرها والتزمتهما وقالت: يا ولدي أجلسا عند أبيكما ساعة وعلي (عليه السلام) يصلي في المسجد ثم رجعت نحو المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي (صلى الله عليه وآله) فاغتسلت به ولبست فضل كفنه ثم نادت: يا أسماء وهي امرأة جعفر الطيار فقالت لها: لبيك يا بنت رسول الله. فقالت: تعاهديني فإني أدخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة فإذا مضت ساعة ولم أخرج فناديتني ثلاثا فإن أجبتك وإلا فاعلمي إني لحقت برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قامت مقام رسول الله في بيتها فصلت ركعتين ثم جللت وجهها بطرف ردائها وقضت نحبها وقيل: بل ماتت في سجدتها فلما مضت ساعة أقبلت أسماء فنادت: يا فاطمة الزهراء، يا أم الحسن والحسين، يا بنت رسول الله، يا سيدة نساء العالمين، فلم تجب، فدخلت فإذا هي ميتة، فقال الأعرابي: كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس، قال: أعلمها أبوها، ثم شقت أسماء جيبها وقالت كيف اجترىء فاخبر ابني رسول الله بوفاتك; ثم خرجت فتلقاها الحسن والحسين فقالا: أين أمنا؟ فسكتت. فدخلا البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة فقال يا أخاه آجرك الله في أمنا; وخرجا يناديان يا محمداه اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا ثم أخبرا عليا وهو في المسجد فغشى عليه حتى رش عليه الماء ثم أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة الزهراء فرأها وعند رأسها أسماء تبكى وتقول وايتامى محمداه كنا نتعزى بفاطمة (عليها السلام) بعد موت جدكما فبمن نتعزى بعدها ثم كشف علي (عليه السلام) عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها... الحديث. (1)
1. مقتل الحسين 1: 84 عنه البحار 43: 214 ذكر بعض الرواية ضمن ح 44، العوالم 6: 283 ح 6. 231 [349] - 9 - قال الأربلي: وقيل: قالت فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس حين توضت وضوئها للصلوة: هاتي طيبى الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلى فيها، فتوضأت ثم وضعت رأسها، فقالت لها: إجلسى عند رأسي فإذا جاء وقت الصلوة فأقيميني، فإن قمت وإلا فأرسلي إلى علي، فلما جاء وقت الصلوة قالت: الصلوة يا بنت رسول الله، فإذا هي قد قبضت، فجاء علي فقالت له: قد قبضت ابنة رسول الله قال: متى؟ قالت: حين أرسلت إليك، قال: فأمر أسماء فغسلتها وأمر الحسن والحسين (عليهما السلام) يدخلان الماء ودفنها ليلا، وسوى قبرها فعوتب على ذلك فقال: بذلك أمرتني. [350] - 10 - وروى أيضا: أنها بقيت بعد أبيها أربعين صباحا، ولما حضرتها الوفاة قالت لأسماء: إن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثا ثلث لنفسه وثلث لعلي، وثلث لي، وكان أربعين درهما فقالت: يا أسماء ايتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، فضعيه عند رأسي فوضعته، ثم تسجت بثوبها وقالت: انتظريني هنيهة ثم ادعينى، فإن أجبتك وإلا فاعلمى أني قد قدمت على أبي، فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها، فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء يا بنت خير من وطئ الحصا، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، قال: فلم تجبها فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام. فبينا هي كذلك دخل الحسن والحسين فقالا: يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة؟ قالت: يا بنى رسول الله ليست أمكما نائمة قد فارقت الدنيا، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلمينى قبل أن تفارق روحي بدني قال: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: يا اماه أنا ابنك الحسين كلمينى قبل أن ينصدع قلبي فأموت، قالت لهما أسماء: يا بني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت
232 أمكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدرهم جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا بنى رسول الله لا أبكى الله أعينكما؟ لعلكما نظرتما إلى موقف جد كما (صلى الله عليه وآله) فبكيتما شوقا إليه؟ فقالا: لا أوليس قد ماتت أمنا فاطمة صلوات الله عليها، قال: فوقع علي على وجهه يقول: بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك؟ ثم قال:... (1) [351] - 11 - روى المجلسي: عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: لما حضرت فاطمة الوفاة بكت فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام) يا سيدتى ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقى بعدي فقال لها لا تبكي فوالله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله. (2) [352] - 12 - وروى أيضا: عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده (عليهم السلام) أن فاطمة بنت رسول الله لما احتضرت نظرت نظرا حادا ثم قالت: السلام على جبرائيل. السلام على رسول الله. اللهم مع رسولك. اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام. ثم قالت: أترون ما أرى؟ فقيل لها: ما ترى؟ قالت: هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله. ويقول: يا بنية أقدمى فما أمامك خير لك. [353] - 13 - وروى أيضا: عن زيد بن علي (عليه السلام) أن فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت سلمت على جبرئيل وعلى النبي (صلى الله عليه وآله) وسلمت على ملك الموت وسمعوا حس الملائكة ووجدوا رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب. (3)
1. كشف الغمة 1: 500 عنه البحار 43: 185 ضمن ح 18، العوالم 6: 278، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 113 ح 81. 2. البحار 43: 218 ضمن ح 49. 3. البحار 43: 200 ح 30. 233 الفصل السادس: في كيفية شهادتها (عليها السلام) [354] - 1 - قال ابن قولويه في حديث المعراج: وأما ابنتك فتظلم - إلى أن قال - وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب. (1) [355] - 2 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إن فاطمة (عليها السلام) صديقة شهيدة وإن بنات الأنبياء لا يطمثن. (2) [356] - 3 - روى الطبري الإمامى: عن عمار بن ياسر بعد حديث الزواج أنها (عليها السلام) حملت بالحسن، فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين، ورزقت زينب وام كلثوم، وحملت بمحسن، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمها أمير المؤمنين (عليه السلام) وما لحقها من الرجل أسقطت به ولدا تماما، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها. (3)
1. كامل الزيارات: 547 ح 840، عنه البحار 28: 61 ح 24 مضى الحديث في الاخبار عن الشهادة. 2. الكافي 1: 458. 3. دلائل الإمامة: 104، المناقب لابن شهر آشوب 3: 358، البحار 43: 232 ح 10. 234 [357] - 4 - ثم قال في خبر وفاتها: وكان سبب وفاتها ان قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها... الحديث. (1) [358] - 5 - روى الفتال النيسابوري: أنها لا زالت معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال: - ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت. (2) [359] - 6 - روى الطبرسي: عن سليم بن قيس: أنه أرسل أبو بكر إلى قنفذ: اضربها. فألجأها إلى عضادة بيتها فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة (عليها السلام). (3) [360] - 7 - روى المجلسي: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مكثت فاطمة (عليها السلام) في مرضها خمسة عشر يوما وتوفيت. (4)
1. دلائل الإمامة: 134 ضمن ح 43 عنه البحار 43: 17 ح 11. 2. روضة الواعظين: 150 مضى شطر منها في المأساة، عنه البحار 43: 191. 3. الاحتجاج: 83. عنه البحار 28: 261. وقد مضى الحديث في المأساة. 4. البحار 43: 200. 235 الفصل السابع: في تجهيزها (عليها السلام) [361] - 1 - قال الفتال: ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بنى هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي (عليه السلام) وهو جالس، والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يبكيان فبكى لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها، متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله، الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا، واجتمع الناس فجلسوا، وهم يرجون وينظرون أن تخرج الجنازة; فيصلون عليها وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا، فلما أن هدأت العيون; ومضى من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، وعمار والمقداد; وعقيل والزبير، وأبو ذر وسلمان وبريدة; ونفر من بنى هاشم وخواصه صلوا عليها، ودفنوها في جوف الليل. (1)
1. روضة الواعظين 1: 151، البحار 29: 113 رواية تشبهها وفيها: انها لما قبضت اتى أبو بكر وعمر عليا (عليه السلام) و قالا: لم لا تخرجها حتى نصلى عليها؟ فقال: ما ارأنا إلا نستصبح، وكذلك في 43: 199 مضى بعضها في آخر المأساة. 236 [362] - 2 - قال الطبري الإمامى: روى أنها قبضت لعشر بقين من جمادي الآخرة وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة وخمسة وثمانين يوما بعد وفاة أبيها فغسلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس، وأخرجها إلى البقيع في الليل ومعه الحسن والحسين وصلى عليها ولم يعلم بها، ولا حضر وفاتها، ولا صلي عليها أحد من سائر الناس غيرهم. ودفنها في الروضة وعفى موضع قبرها. وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا. (1) تغسيلها (عليها السلام) روينا أحاديث من العامة والخاصة أنها (عليها السلام) اغتسلت قبيل ما قبضت وأوصت بعدم كشف جسدها وتغسيلها والصحيح أنه غسلها علي (عليه السلام) وأعانته أسماء على ذلك. [363] - 3 - قال ابن شبة: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدثني محمد ابن موسى، عن عون بن محمد، وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر بنت محمد بن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس رضى الله عنها قالت: غسلت أنا وعلي بن أبي طالب رضى الله عنه بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [364] - 4 - وقال أيضا: حدثنا القعنبي قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن موسى: أن عليا (عليه السلام) غسل فاطمة (عليها السلام). (3) [365] - 5 - روى القاضي نعمان المصري: عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: غسل علي فاطمة (عليها السلام) وكانت قد أوصت
1. دلائل الإمامة: 136 ضمن ح 43، البحار 43: 170 ح 11 ويأتي تمام الحديث في " بعد الشهادة ". 1 و 2. تاريخ المدينة المنورة 1: 109، وفي أسد الغابة 7: 226: والصحيح ان عليا وأسماء غسلاها. 237 بذلك. وعن علي (عليه السلام) قال: أوصت إلى فاطمة أن لا يغسلها غيري، وسكبت علي الماء أسماء بنت عميس. (1) [366] - 6 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الرحمن بن سالم، عن المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت لأبى عبد الله (عليه السلام): من غسل فاطمة؟ قال: ذاك أمير المؤمنين - وكأني استعظمت ذلك من قوله - فقال: كأنك ضقت بما أخبرتك به؟ قال: فقلت: قد كان ذاك جعلت فداك، قال: فقال: لا تضيقن فإنها صديقة ولم يكن يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى؟ (2) وروى المجلسي، عن مصباح الأنوار، عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام): " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل فاطمة (عليها السلام) ثلاثا وخمسا، وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة شيئا من الكافور، وأشعرها مئزرا سابغا دون الكفن، وكان هو الذي يلي ذلك منها وهو يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك وصفيك وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها وأعظم برهانها واعل درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) " (3). الصلاة عليها (عليها السلام) [367] - 7 - قال السيد المرتضى: إنه لم يختلف أهل النقل في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي صلى على فاطمة إلا رواية شاذة نادرة (4) وردت بأن العباس صلى عليها. (5)
1. دعائم الإسلام 1: 228، وروى مضمونه في تاريخ الطبري 2: 253، عيون المعجزات: 55، اعلام الورى: 1: 300، أسد الغابة 7: 226. 2. الكافي 1: 459، علل الشرايع: 184 باب 148، من لا يحضره الفقيه 1: 142 مرسلا، الاستبصار 1: 199، المناقب لابن شهر آشوب 3: 364. 3. البحار 81: 309 ح 29. 4. راجع الطبقات الكبرى 8: 24، تاريخ الطبري 2: 253، شرح نهج البلاغة 16: 214. 5. الشافي 4: 113. 238 [368] - 8 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن عمير البغدادي الحافظ قال: حدثني أحمد بن الحسن بن عبد الكريم أبو عبد الله قال: حدثني عتاب يعنى ابن صهيب قال: حدثنا عيسى بن عبد الله العمري قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهما السلام) قال: خلقت الأرض لسبعة يرزقون وبهم يمطرون وبهم ينصرون: أبو ذر وسلمان والمقداد وعمار وحذيفة وعبد الله بن مسعود، قال علي (عليه السلام): وأنا إمامهم وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة (عليها السلام). (1) [369] - 9 - قال الطبرسي: وصلى عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار ومقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بنى هاشم في جوف الليل. (2) وزاد ابن شهرآشوب: وفي رواية: والعباس وابنه الفضل وفي رواية: وحذيفة ومسعود. (3) [370] - 10 - قال الصدوق: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب، قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال: حدثنا محمد الزيات الحسين بن يزيد بن الكوفي، قال: حدثنا سليمان بن حفص المروزي، قال: حدثنا سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة، قال سئل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلا، فقال (عليه السلام) إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها. (4)
1. الخصال: 360 ح 50. ورواه في: تفسير الفرات: 570 ح 733 ذيل الآية: واما بنعمة ربك فحدث...، اختيار معرفة الرجال 1: 32 وفيه: ضاقت الأرض بسبعة... وليس فيه اسم ابن مسعود، شواهد التنزيل 2: 449 عن تفسير فرات وليس فيه ذيل الحديث. 2. اعلام الورى 1: 300 ومضى عن روضة الواعظين: 152 في صدر الباب. 3. المناقب 3: 363. 4. الأمالي: 523، روضة الواعظين: 153 مرسلا، المناقب لابن شهر آشوب 3: 363، كشف الغمة 1: 502. 239 [371] - 11 - روى المجلسي: عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه سئل كم كبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام)؟ فقال: كان يكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) تكبيرة فيكبر جبرئيل تكبيرة، والملائكة المقربون إلى أن كبر أمير المؤمنين (عليه السلام) خمسا فقيل له: وأين كان يصلي عليها؟ قال: في دارها ثم أخرجها. (1) [372] - 12 - وروى أيضا: عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) صلى على فاطمة فكبر عليها خمسا وعشرين تكبيرة. (2) [373] - 13 - وروى أيضا: عن أبي جعفر (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على فاطمة (عليها السلام) وكبر خمس تكبيرات. ثم قال في بيان الحديث: لعل التكبيرات الواجبة كانت خمسا، والباقية مستحبة من خصائصها (عليها السلام). (3) [374] - 14 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي ابن حسين عن ابن عباس قال: فاطمة أول من جعل لها النعش، عملته لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة. (4) [375] - 15 - روى الطوسي: عن سلمة بن الخطاب، عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن أبيه، عن حميد بن المثنى، عن أبي عبد الرحمن الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أول نعش أحدث في
1. البحار 81: 39. 2. البحار 81: 39. 3. البحار 81: 39. 4. الطبقات الكبرى 8: 23. 240 الإسلام نعش فاطمة (عليها السلام) أنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء إني نحلت وذهب لحمي ألا تجعلى لي شيئا يسترني؟ قالت أسماء: إني كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك صنعت لك قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدته على قوائمه ثم جللته ثوبا فقالت هكذا رأيتهم يصنعون فقالت: اصنعي لي مثله استرينى سترك الله من النار. (1) [376] - 16 - روى الإربلي: عن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت لأسماء: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، قال: فدعت بجريدة رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة (عليها السلام): ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل، قال: قالت فاطمة: فإذا مت فغسلينى أنت ولا يدخلن علي أحد، فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) جاءت عائشة لتدخل عليها، فقالت أسماء: لا تدخلى فكلمت عائشة أبا بكر، فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حالك على أن منعت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت أسماء لأبى بكر: هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع لها ذلك، فقال أبو بكر: اصنعي ما أمرتك فانصرف وغسلها علي وأسماء. (2) [377] - 17 - قال السيد المرتضى: روى الطبري عن الحرث بن أبي أسامة عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة (عليها السلام) عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت إليه، وقالت: سترتمونى ستركم الله. قال
1. تهذيب الاحكام 1: 469 ح 1540، وبهذا المعنى ح 1539 أيضا وذكر مضمون الحديث مرسلا في من لا يحضره الفقيه 1: 194، البحار 43: 212 ح 43. 2. كشف الغمة 1: 504، ورواه في حلية الأولياء 2: 43 مع تفاوت، الاستيعاب 4: 349 بهامش الإصابة، أسد الغابة 7: 226 مع تفاوت، تاريخ الإسلام 3: 48، البحار 43: 189 ضمن ح 19. 241 أبو جعفر محمد بن جرير: والثابت في ذلك أنها زينب لا فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي (عليه السلام) والمقداد والزبير. (1) [378] - 18 - قال ابن أثير الجزري: هي أول من غطى نعشها في الإسلام، ثم بعدها زينب بنت جحش. (2) دفنها (عليها السلام) [379] - 19 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي ابن حسين قال: سئلت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هدأة قال: فمن صلى عليها؟ قال: علي (عليه السلام). (3) [380] - 20 - قال ابن شبة: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد: أن عليا (عليه السلام) دفن فاطمة (عليها السلام) ليلا. [381] - 21 - وقال أيضا: حدثنا أبو عتاب الدلال قال: حدثنا ابن أبي الأخضر عن الزهري، عن عروة عن عائشة: أن عليا (عليه السلام) دفن فاطمة (عليها السلام) ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر. (4) [382] - 22 - قال الصدوق: حدثنا علي بن أحمد بن محمد رضى الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن الحسن
1. الشافي 4: 114. 2. أسد الغابة 7: 226. 3. الطبقات الكبرى 8: 24 وهنالك أحاديث آخر بمضمونه، ومضى في صدر الباب عن روضة الواعظين: 152. 4. تاريخ المدينة المنورة 1: 110 ومضى مضمونه عن الصحيحين في " المأساة ". 242 بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام): لأي علة دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار؟ قال: لأنها أوصت أن لا يصلي عليها رجال (الرجلان). (1) [383] - 23 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: نزل في حفرة فاطمة العباس وعلي والفضل. (2) [384] - 24 - قال ابن شهر آشوب: وروى أنه لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد فتناولها وانصرف. (3) مدفنها (عليها السلام) [385] - 25 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: سألت عبد الرحمن بن أبي الموالى قال: قلت: إن الناس يقولون إن قبر فاطمة عند المسجد الذي يصلون على جنائزهم بالبقيع، فقال: والله ما ذاك إلا مسجد رقية، يعنى امرأة عمرته، وما دفنت فاطمة إلا في زاوية دار عقيل مما يلي دار الجحشيين مستقبل خرجة بنى نبيه من بنى عبد الدار بالبقيع وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع. [386] - 26 - وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثني عبد الله بن حسن قال: وجدت المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حر شديد فقلت: ما يوقفك يا أبا هاشم هاهنا؟ قال: انتظرتك، بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في دار عقيل مما يلي دار الجحشيين فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ، أدفن فيها. فقال عبد الله: والله لأفعلن. فجهد بالعقيليين فأبوا. قال عبد الله
1. علل الشرايع: 185 (باب 149) عنه البحار 43: 206 ح 34 مع تفاوت في النسخة، ومضى عن أمالي الصدوق: 523 مضمون الحديث. 2. الطبقات الكبرى 8: 23، تاريخ الطبري 2: 253 وجاء مضمونه في كشف الغمة 1: 503. 3. المناقب 3: 365، عنه البحار 43: 184 ح 16. 243 بن جعفر: وما رأيت أحدا يشك أن قبرها في ذلك الموضع. (1) ويأتي في حديث رواه الكليني أنه عفى موضع قبرها. (2) [387] - 27 - قال الخوارزمي: فلما جن الليل غسلها علي ووضعها على السرير وقال للحسن ادع لي أبا ذر فدعاه فحملاه إلى المصلى فصلى عليها ثم صلى ركعتين ورفع يديه إلى السماء ونادى: هذه بنت نبيك فاطمة اخرجها من الظلمات إلى النور; فأضاءت الأرض ميلا في ميل فلما أراد أن يدفنها نودي من بقعة من البقيع: إلى إلى فقد رفع تربتها فنظر فإذا بقبر محفور فحمل السرير إليه فدفنها، فلما رجع علي والحسن والحسين جلس علي وقال: يا أرض استودعك وديعتي هذه بنت رسول الله فنودي منها: يا علي أنا أرفق بها منك فارجع ولاتهم، فرجع وانسد القبر واستوى في الأرض فلم يعلم أين كان إلى يوم القيامة. (3) [388] - 28 - روى المرتضى: أن أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) دفنوها ليلا وغيبوا قبرها. (4) [389] - 29 - قال ابن شبة: حدثنا أبو غسان، عن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله أن جعفر بن محمد كان يقول: قبرت فاطمة (عليها السلام) في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد. فهذا ما حدثني به أبو غسان في قبر فاطمة، ووجدت كتابا كتب عنه يذكر فيه أن عبد العزيز بن عمران كان يقول: أنها دفنت في بيتها، وصنع بها ما صنع برسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنها دفنت في موضع فراشها، ويحتج بأنها دفنت ليلا، ولا يعلم بها كثير من الناس. (5)
1. الطبقات الكبرى 8: 25. 2. الكافي 1: 458. ويأتي الحديث في " بعد الشهادة ". 3. مقتل الحسين (عليه السلام) 1: 86، عنه البحار 43: 214. 4. الشافي 4: 114. 5. تاريخ المدينة المنورة 1: 108. 244 [390] - 30 - روى الحميري: عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:... وسألته عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أى مكان دفنت؟ فقال: " سأل رجل جعفرا (عليه السلام) عن هذه المسألة - وعيسى بن موسى حاضر - فقال له عيسى: دفنت في البقيع. فقال الرجل: ما تقول؟ فقال: " قد قال لك ". فقلت له: أصلحك الله، ما أنا وعيسى بن موسى، أخبرني عن آبائك. فقال: " دفنت في بيتها ". (1) [391] - 31 - روى الكليني: عن علي بن محمد وغيره عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سئلت الرضا (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها السلام) فقال: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد. (2) [392] - 32 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة لأن قبر فاطمة (عليها السلام) بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة. (3) ثم قال: روي هذا الحديث هكذا وأوردته لما فيه من ذكر المعنى، والصحيح عندي في موضع قبر فاطمة (عليها السلام) ما حدثنا به أبي - رحمه الله - قال: حدثني محمد
1. قرب الاسناد: 367 ح 1314، عنه البحار 100: 192 ح 2. 2. الكافي 1: 461، المناقب لابن شهر آشوب 3: 365، عنه البحار 100: 191. 3. معاني الاخبار: 267، عنه البحار 100: 192. 245 بن يحيى العطار، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي... وساق الحديث كما رواه الكليني. [393] - 33 - قال الطوسي: ذكر الشيخ - المفيد - رحمه الله في الرسالة أنك تأتى الروضة فتزور فاطمة (عليها السلام) لأنها مقبورة هناك، وقد أختلف أصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: أنها دفنت بالبقيع وقال بعضهم: إنها دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو أمية لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعا فإنه لا يضره ذلك ويحوز به أجرا عظيما وأما من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب. (1)
1. تهذيب الاحكام 6: 9، مصباح المتهجد: 711 قال بفضيلة الزيارة في المواضع الثلاث، اعلام الورى 1: 301 عن الطوسي، وذكر الترديد في المناقب لابن شهر آشوب 3: 357 ونقل كلام الطوسي في 3: 365، البحار 100: 192. ولعل وجه حل التعارض ما رواه دلائل الإمامة ان عليا (عليه السلام) اخرج نعشها الكريمة إلى البقيع وصلى عليها فيه ثم ردها إلى الروضة أو بيتها القريبة من الروضة فدفنها فيها وصور في البقيع قبورا ليشتبه على الناس ولذلك تخيلوا انها دفنت في البقيع. 246 الفصل الثامن: في ما وقع بعد شهادتها (عليها السلام) [394] - 1 - روى الكليني: عن أحمد بن مهران رحمه الله رفعه وأحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار الشيباني قال: حدثني القاسم بن محمد الرازي قال: حدثنا علي بن محمد الهرمزاني، عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: (1) لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين سرا وعفا على موضع قبرها، ثم قام (2) فحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك (3) والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري و عفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري، (4) بلى و في كتاب الله [لي] أنعم القبول إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وأخلست الزهراء (5) فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، اما حزني
1. وفي الأمالي: عن على بن الحسين بن علي عن أبيه الحسين (عليهم السلام). 2. وفي الأمالي: فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى.... 3. وفي الأمالي: وحبيبتك وقرة عينك، وفي نهج البلاغة: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك. 4. في الأمالي: بعد ان فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي وتوليت امرك بنفسي. 5. في الأمالي ودلائل الإمامة: واختلست الزهراء. 247 فسرمد وأما ليلى فمسهد وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين. سلام مودع لا قال ولا سئم فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر و إلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك و عليها السلام والرضوان. (1) [395] - 2 - روى المجلسي: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لما وضع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القبر قال: " بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني ورضيت لك بما رضى الله تعالى لك، ثم قرء: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (2)) فلما سوى عليها التراب أمر بقبرها فرش عليه الماء ثم جلس عند قبرها باكيا حزينا فاخذ العباس بيده فانصرف به. (3) [396] - 3 - قال الطبري الإمامى: إن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبرا، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم
1. الكافي 1: 458 ح 3، الأمالي للمفيد: 281، نهج البلاغة: 319، تصحيح صبحي الصالح، الأمالي للطوسي: 109 عن المفيد، دلائل الإمامة: 137 روضة الواعظين: 152، المناقب لابن شهر آشوب 3: 364، البحار 43: 193 عن الكليني مع تفاوت في الالفاظ - أشرنا إلى بعضها - وتقطيع في نهج البلاغة والروضة والمناقب. 2. طه: 55. 3. البحار 82: 27 عن مصباح الأنوار. 248 يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها! بل ولم تعرفوا قبرها! فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها. فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج مغضبا قد احمرت عيناه، ودرت أوداجه، و عليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد البقيع، فسار إلى الناس من أنذرهم، وقال: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين. فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقال له: مالك يا أبا الحسن، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها. فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض، وقال له: يا بن السوداء، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم، وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فأعرض يا عمر. فتلقاه أبو بكر فقال: يا أبا الحسن، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه، فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه. قال: فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك. (1) [397] - 4 - قال الطبري أيضا: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى، قال: حدثنا أبي رضى الله عنه قال: أخبرني أبو جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدثني زكريا بن آدم، قال: انى لعند الرضا (عليه السلام)
1. دلائل الإمامة: 136 ضمن ح 43، وروى مضمونه في علل الشرائع 185، ومضى تمام الحديث في " المأساة " وبعضه في " تجهيزها "، البحار 43: 171 ضمن ح 11 عن دلائل الإمامة. 249 إذ جئ بأبى جعفر (عليه السلام) وسنه أقل من أربع سنين، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام): بنفسي أنت، لم طال فكرك؟ فقال (عليه السلام): فيما صنع بأمي فاطمة (عليها السلام)، أما والله لاخرجنهما ثم لاحرقنهما، ثم لاذرينهما، ثم لأنسفنهما في اليم نسفا. فاستدناه وقبل ما بين عينيه ثم قال: بأبى أنت وأمي، أنت لها - يعنى الإمامة -. (1)
1. دلائل الإمامة: 400 ح 358، اثبات الوصية: 211 مع اختلاف. 250 الفصل التاسع: في مراثيها (عليها السلام) [398] - 1 - قال الأنصاري: يروى أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما رأى فاطمة (عليها السلام) مسجاة بثوبها بكى حتى رثى له ثم قال:... وذكر بيتين من رثائه. (1) [399] - 2 - قال الصدوق: حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله وعبد الله ابن الصلت الجحدري، قالا: حدثنا ابن عائشة عن عبد الله بن عبد الرحمن الهمداني عن أبيه، قال: لما دفن علي بن أبي طالب فاطمة (عليهما السلام) قام على شفير القبر وذلك في جوف الليل لانه كان دفنها ليلا ثم أنشأ يقول:... وذكر ثلاثة ابيات من رثائه. (2) [400] - 3 - روى ابن شهر آشوب: عن عبد الرحمن الهمداني، وحميد الطويل أنه (عليه السلام) أنشأ على شفير قبرها: ذكرت أبا ودى فبت كأنني * برد الهموم الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي فاطم بعد أحمد * دليل على أن لا يدوم خليل
1. الجوهرة: 19. 2. الأمالي: 397، وفيه: وان افتقادي واحد بعد واحد، روضة الواعظين: 153. 251 فأجاب هاتف: يريد الفتى ان لا يدوم خليله * وليس له إلا الممات سبيل فلا بد من موت ولا بد من بلى * وإن بقائي بعدكم لقليل إذ انقطعت يوما من العيش مدتي * وإن بكاء الباكيات قليل ستعرض عن ذكرى وتنسى مودتي * ويحدث بعدي للخليل بديل (1) [401] - 4 - قال ابن صباغ المالكي: روي أن عليا لما ماتت فاطمة وفرغ من جهازها ودفنها، رجع إلى البيت فاستوحش فيه، وجزع عليها جزعا شديدا ثم أنشأ يقول:... وذكر ثلاثة ابيات من رثائه. (2) [402] - 5 - وفي الديوان المنسوب إليه (عليه السلام): قال في فراق فاطمة (عليها السلام): الأهل إلى طول الحياة سبيل * وأنى وهذا الموت ليس يحول وإني وإن أصبحت بالموت موقنا * فلي أمل من دون ذاك طويل وللدهر ألوان تروح وتغتدى * وان نفوسا بينهن تسيل ومنزل حق لا معرج دونه * لكل أمري منها إليه سبيل قطعت بأيام التعزز ذكره * وكل عزيز ما هناك ذليل أرى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل وانى لمشتاق إلى من احبه * فهل لي إلى من قد هويت سبيل وانى وان شطت بي الدار نازحا * وقد مات قبلي بالفراق جميل فقد قال في الأمثال في البين قائل * اضربه يوم الفراق رحيل لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل وان افتقادي فاطما بعد احمد * دليل على ان لا يدوم خليل وكيف هناك العيش من بعد فقدهم * لعمرك شيء ما إليه سبيل
1. المناقب 3: 364. 2. الفصول المهمة: 140. 252 سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي * ويظهر بعدي للخليل عديل وليس خليلي بالملول ولا الذى * إذا غبت يرضاه سواي بديل ولكن خليلي من يدوم وصاله * ويحفظ سرى قلبه ودخيل إذا انقطعت يوما من العيش مدتي * فان بكاء الباكيات قليل يريد الفتى أن لا يموت حبيبه * وليس إلى ما يبتغيه سبيل وليس جليلا رزء مال وفقده * ولكن رزء الأكرمين جليل لذلك جنبي لا يؤاتيه مضجع * وفي القلب من حر الفراق غليل (1) [403] - 6 - قال الجوينى: أخبرني العلامة تاج الدين أبو المفاخر محمد بن أبي القاسم محمود السديدي الزوزنى رحمه الله - فيما كتب الى من وأشير كرمان في رجب سنة أربع وستين و ست مأة - قال: أخبرني الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسين إجازة في شعبان سنة ثلاث وثمانين وخمس مأة، أنبأنا الإمام العدل الثقة الرضى محمد بن الفضل الفراوي إجازة بروايته، عن شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمان الصابوني قدس الله روحهما إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أنبأنا أبو الحسن ابن أبي إسحاق المزكى، حدثني أحمد بن محمود بن حامد الفارسي، حدثني أبو بكر السرخسي، حدثنا علي بن إسماعيل الإصبهاني حدثنا علي بن السيدي قال: سمعت [الإمام] موسى بن جعفر يحكى عن أبيه قال: لما دفن علي فاطمة بنت رسول الله (عليهما السلام) [كان] يزور قبرها كل يوم فيبكيها فأقبل ذات يوم حتى انكب على قبرها وأنشأ [يقول]: مالي مررت على القبور مسلما * قبر الحبيب فلم يرد جوابي أحبيب مالك لا تجيب مناديا * أمللت بعدي خلة الأحباب فاجابه هاتف يقول: قال الحبيب: وكيف لي بجوابكم * وأنا رهين جنادل وتراب
1. الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): 414، عنه البحار 43: 216 ح 48. 253 اكل التراب محاسني فنسيتكم * وحجبت عن أهلي وعن أترابي فعليكم مني السلام تقطعت * عنى وعنكم خلة الأحبابي (1) [404] - 7 - قال الخوارزمي: وذكر الحاكم، أن فاطمة (عليها السلام) لما ماتت أنشأ علي (عليه السلام) يقول: نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة وانما * ابكى مخافة أن تطول حياتي (2) [405] - 8 - قال الإربلي: أنشدني بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر بن أبي قريعة رحمه الله تعالى: يا من يسائل دائبا * عن كل معضلة سخيفة لا تكشفن مغطاه * فلر بما كشفت جيفة ولرب مستور بدا * كالطبل من تحت القطيفة ان الجواب لحاضر * لكنني اخفيه خيفة لولا اعتداد رعية * الغى سياستها الخليفة وسيوف أعداء بها * ها ما تنا أبدا نقيفة لنشرت من اسرار * آل محمد جملا طريفة تغنينكم عما رواه * مالك وأبو حنيفة وأريكم أن الحسين * أصيب في يوم السقيفة ولأي حال لحدت * بالليل فاطمة الشريفة ولما حمت شيخيكم * عن وطى حجرتها المنيفة آوه لبنت محمد * ماتت بغصتها أسيفة (3)
1. فرائد السمطين 2: 88، وروى الأبيات في فصول المهمة: 140، عنه اثبات الهداة 5: 36 وفي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): 102، البحار 43: 217. 2. مقتل الحسين (عليه السلام): 84، عنه البحار 43: 213. 3. كشف الغمة 1: 505. 254 [406] - 9 - قال علي بن يونس العاملي: قال الحميري: ضربت واهتضمت من حقها * واذيقت بعده طعم السلع قطع الله يدي ضاربها * ويد الراضي بذاك المتبع لا عفى الله له عنه ولا * كف عنه هول يوم المطلع [407] - 10 - وقال البرقي: وكللا النار من بيت ومن حطب * والمضرمان لمن فيه يسبان وليس في البيت إلا كل طاهرة * من النساء وصديق وسبطان فلم أقل غدرا بل قلت قد كفرا * والكفر أيسر من تحريق ولدان وكل ما كان من جور ومن فتن * ففي رقبهما في النار طوقان (1) زيارتها (عليها السلام) [408] - 11 - قال الطوسي: وإذا وقف عليها للزيارة فليقل: يا ممتحنة امتحنك الله الذى خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة و زعمنا أنالك أوليآء و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه وآله و أتى به وصيه فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك. ويستحب أيضا أن تقول: السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفى الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله و رسله و ملائكته، السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نسآء العالمين من الاولين و الآخرين، السلام عليك يا زوجة ولى الله و خير الخلق بعد رسول الله، السلام عليك يا ام الحسن و الحسين سيدي شباب اهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة
1. الصراط المستقيم 3: 13. 255 الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله و رحمة الله و بركاته صلى الله عليك و على روحك و بدنك أشهد أنك مضيت على بينة من ربك و أن من سرك فقد سر رسول الله، و من جفاك فقد جفا رسول الله و من قطعك فقد قطع رسول الله لانك بضعة منه و روحه الذى بين جنبيه أشهد الله و رسله و ملائكته أنى راض عمن رضيت عنه ساخط على من سخطت عليه، متبرىء ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت محب لمن أحببت و كفى بالله شهيدا و حسيبا و جازيا و مثيبا. (1)
1. مصباح المتهجد: 711 - 712. 256 الجزء الثالث: في شهادة الوصي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
257 الفصل الأول: في نبذة من شخصيته الكريمة هو " أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم وخاتم الوصيين. (1) وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة. (2) و وزيره وأمينه والقائم بعده بأمر الله والموفى بذمته ومحيى سنته وأول الناس ايمانا به وآخرهم به عهدا عند الموت وأولهم لقاء له يوم القيامة. (3) وأشرف أهل بيته حسبا وأكرمهم منصبا وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالبرية وأبصرهم بالقضية. (4) وأعظمهم حلما وأكثرهم علما. (5) وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند الله مزية. (6) وأمير البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، (7) يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، (8) لا يحبه إلا مؤمن و
1. حلية الأولياء 1: 63، المناقب لابن المغازلي: 65 ح 93 و 104، تاريخ ابن عساكر 2: 259، أسد الغابة 1: 84، ش 92 و 3: 174 ش 2811. 2. المناقب لابن المغازلي: 37، نقلا بالمعنى. 3. خصائص أمير المؤمنين للسيد الرضى: 75 نقلا بالمعنى، الطرف: 33، البحار 22: 487. 4. تاريخ ابن عساكر 1: 262 نقلا بالمعنى. 5. المصنف 6: 376، تاريخ ابن عساكر 1: 263 و 269، انساب الاشراف 2: 104 ح 39، كشف اليقين: 138 ح 131. 6. حلية الأولياء 1: 66، كفاية الطالب: 139. 7. كفاية الطالب: 44 و 98، المناقب لابن المغازلي: 80. 8. المصنف 6: 370، صحيح البخاري 4: 207، انساب الاشراف 2: 93. 258 لا يبغضه إلا منافق، (1) يدور معه الحق كيفما دار، (2) مثله كمثل الكعبة المستورة - أو المشهورة - النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة، (3) يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - على تنزيله. (4) صلوات الله عليه وعلى أولاده المعصومين. أسمائه وألقابه (عليه السلام): [409] - 1 - قال محمد بن طلحة: أما اسمه فيسمى حيدرة فسماه النبي (صلى الله عليه وآله) عليا. (5) [410] - 2 - قال الخوارزمي: اسمه الذي اشتهر به - علي - وجاء فيه يوم بدر حين أحسن البلاء: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي وجاء في أساميه: أسد وحيدرة. (6) [411] - 3 - قال أبو الفرج: كانت فاطمة بنت أسد - أمه رحمة الله عليها - لما ولدته سمته حيدرة فغير أبو طالب اسمه وسماه عليا. (7) [412] - 4 - قال ابن عساكر: ذكروا أن علي بن أبي طالب ولد وأبو طالب غائب، وسمته أمه فاطمة بنت أسد - وهي أم علي (عليه السلام) - أسدا باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته به أمه، وسماه عليا، فلما رجز على يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته به أمه. و
1. مسند أحمد 1: 84 و 95، المصنف 6: 368، كفاية الطالب: 20 نقلا بالمعنى. 2. الأصيلي: 55. 3. كفاية الطالب: 66، المناقب لابن المغازلي: 54. 4. المصنف 6: 370، المناقب لابن المغازلي: 54. 5. مطالب السئول: 12، وروى المجلسي في البحار 35: 99 عن الفضائل حديثا طويلا في هذا الباب، فراجع. 6. المناقب: 37. 7. مقاتل الطالبيين: 24. 259 حيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها كأنه قال: أنا الأسد. (1) [413] - 5 - قال محمد بن طلحة: وأما لقبه فالمرتضى وأمير المؤمنين والوصي. (2) [414] - 6 - نقل الإربلي: عن كتاب مواليد الأئمة لابن الخشاب: لقبه سيد الوصيين وقائد الغر المحجلين و أمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم وقسيم النار والجنة والوصي وحيدرة وأبو تراب. (3) [415] - 7 - قال ابن شهر آشوب: وفي خبر، ان النبي (صلى الله عليه وآله) سماه المرتضى لأن جبرئيل هبط إليه وقال: يا محمد ان الله تعالى قد ارتضى عليا لفاطمة وارتضى فاطمة لعلى. وقال ابن عباس: كان علي يتبع في جميع أمره مرضاة الله تعالى ورسوله فلذلك سمى المرتضى. (4) [416] - 8 - قال الطبرسي: ومن ألقابه الذي انفرد به من بين الخلائق بتلقيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إياه بذلك: أمير المؤمنين، وقد أمر صلوات الله عليه أصحابه بأن يسلموا عليه بأمير المؤمنين و أخبر أنه لم يكن قبله ولن يكون بعده أمير غيره. ومما لقب به أيضا: المرتضى و الولي والوصي والوزير.... (5) [417] - 9 - قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن علي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا على بن عياش، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا أنس أسكب لي وضوءا " ثم
1. تاريخ ابن عساكر 1: 30 روى مثله في كشف الغمة 1: 91. 2. مطالب السئول: 12. 3. كشف الغمة 1: 65. 4. المناقب 3: 110، عنه البحار 35: 59. 5. مجموعة نفيسة (تاج المواليد): 87، روى نحوه عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 2: 73 ح 312، اعلام الورى 1: 307. 260 قام فصلى ركعتين. ثم قال: " يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين " قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار وكتمته. اذ جاء علي فقال: " من هذا يا أنس؟ " فقلت علي، فقام مستبشرا فاعتنقه... الحديث. (1) [418] - 10 - قال المفيد: حدثنا أبو الحسن محمد بن مظفر الوراق، حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الثلج، قال: أخبرني الحسين بن أيوب من كتابه، عن محمد بن غالب، عن علي بن الحسن، عن عبد الله بن جبلة، عن ذريح المحاربي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن أبيه، عن جده قال: إن الله جل جلاله بعث جبرئيل (عليه السلام) إلى محمد (صلى الله عليه وآله) أن يشهد لعلى بن أبي طالب (عليه السلام) بالولاية في حياته ويسميه بإمرة المؤمنين قبل وفاته، فدعا نبي الله (صلى الله عليه وآله) تسعة رهط، فقال: إنما دعوتكم لتكونوا شهداء الله في الأرض أقمتم أم كتمتم. ثم قال: يا أبا بكر قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقال: أعن أمر الله و رسوله؟ قال: نعم، فقام فسلم عليه بإمرة المؤمنين. ثم قال: قم يا عمر فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقال: أعن أمر الله ورسوله نسميه أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فقام فسلم عليه. ثم قال للمقداد بن الأسود الكندي: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقام فسلم ولم يقل مثل ما قال الرجلان من قبله. ثم قال لأبى ذر الغفاري: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقام فسلم عليه. ثم قال لحذيفة اليماني: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم عليه. ثم قال لعمار بن ياسر: قم فسلم على أمير المؤمنين، فقام فسلم عليه. ثم قال لعبد الله بن مسعود: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام فسلم عليه. ثم قال لبريدة: قم فسلم على أمير المؤمنين - وكان بريدة أصغر القوم سنا - فقام فسلم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما
1. حلية الأولياء 1: 63، تاريخ ابن عساكر 2: 259، وفيها أحاديث اخر في هذا المعنى. 261 دعوتكم لهذا الامر لتكونوا شهداء الله أقمتم أم تركتم. (1) [419] - 11 - قال الطبري الامامي: أخبرني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البزاز، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البزاز، قال: حدثنا أبو سهل أحمد بن عبد الله بن زياد، قال: حدثني أبوالعباس عيسى بن إسحاق، قال: سألت إبراهيم بن هراسة، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) لو علم الناس متى سمى علي أمير المؤمنين ما أنكروا ولايته. قلت: رحمك الله، متى سمى علي أمير المؤمنين؟ قال: كان ربك (عزوجل) حيث أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين. (2) كناه (عليه السلام): [420] - 12 - قال محمد بن طلحة: وأما كنيته فأبو الحسن وأبو تراب. كناه بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان علي يحب كنيته بأبى تراب ويفرح إذا دعى بها. (3) [421] - 13 - قال الخوارزمي: وكناه أبو تراب وأبو الحسن وأبو الحسين وأبو محمد. (4) [422] - 14 - قال البلاذري: وكناه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبا تراب، وكان يقول: هي أحب كنيتي الى. وقد اختلفوا في سبب تكنيته بأبى تراب. فقال بعضهم: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزاة وكان هو وعمار بن ياسر نائمان على الأرض، فجاء ليوقظهما فوجد عليا قد تمرغ في البوغاء فقال له:
1. الأمالي: 18 ح 7 ورواه مختصرا في الارشاد: 28. 2. دلائل الإمامة: 53 ح 1، البحار 37: 306 ح 35. 3. مطالب السئول: 12، كشف الغمة 1: 65. 4. المناقب: 38. 262 اجلس يا أبا تراب. (1) [423] - 15 - قال أبو الفرج: روي عنه (عليه السلام) أنه قال: كان الحسن في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعوني أبا الحسين وكان الحسين يدعوني أبا الحسن ويدعوان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباهما، فلما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعوانى بأبيهما. (2) أبوه (عليه السلام) [424] - 16 - قال العسقلاني: أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى القرشى الهاشمي، عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشقيق أبيه... اشتهر بكنيته واسمه عبد مناف على المشهور وقيل عمران. وقال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته... ولما مات عبد المطلب أوصى بمحمد (صلى الله عليه وآله) إلى أبي طالب فكفله وأحسن تربيته وسافر به صحبته إلى الشام وهو شاب ولما بعث قام في نصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح. (3) [425] - 17 - روى الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين. (4) [426] - 18 - وروى أيضا: عن الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد الأزدي، عن إسحاق بن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) قال: قيل له: إنهم يزعمون أن أبا
1. انساب الاشراف 1: 90. 2. مقاتل الطالبيين: 24، المناقب للخوارزمي: 39، مع تفاوت، المناقب لابن شهر آشوب 3: 113، فرائد السمطين 2: 81، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 11، كشف الغمة 1: 65. 3. الإصابة 4: 115. 4. الكافي 1: 448 ح 28. 263 طالب كان كافرا؟ فقال: كذبوا كيف يكون كافرا وهو يقول: ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وفي حديث آخر كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول: لقد علموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل (1) [427] - 19 - وروى أيضا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي نصر، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن عبيد ابن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما توفى أبو طالب نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد اخرج من مكة، فليس لك فيها ناصر، وثارت قريش بالنبي (صلى الله عليه وآله) فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون فصار إليه. (2) [428] - 20 - قال ابن أثير: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب. (3) [429] - 21 - روى ابن هشام: عن ابن إسحاق: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد فتتابعت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام، يشكو إليها، وبهلك عمه أبي طالب، وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه وذلك قبل مهاجرته إلى المدينة بثلاث سنين فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الذي ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب. (4) [430] - 22 - قال ابن أبي الحديد: ... لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فإنى أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة. وأعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة.
1. الكافي 1: 448 ح 29. 2. الكافي 1: 449 ح 31. 3. الكامل في التاريخ 1: 507. 4. سيرة ابن هشام 2: 57. 264 ولولا أبو طالب وابنه لما مثل الدين. ولو لا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما وما ضر مجد أبي طالب جهول * لغا أو بصير تعامى (1) أمه (عليه السلام) [431] - 23 - قال المفيد: وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضى الله عنها; وكانت كالأم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ربي في حجرها وكان شاكرا لبرها وآمنت به في الأولين وهاجرت معه في جملة المهاجرين ولما قبضها الله تعالى إليه كفنها النبي (صلى الله عليه وآله) بقميصه ليدرء به عنها هوام الأرض وتوسد في قبرها لتأمن بذلك من ضغطة القبر ولقنها الإقرار بولاية ابنها أمير المؤمنين (عليه السلام) لتجيب به عند المسألة بعد الدفن فخصها بهذا الفضل العظيم لمنزلتها من الله عزوجل. (2) [432] - 24 - روى الكليني: عن علي بن محمد بن عبد الله، عن السياري، عن محمد بن جمهور، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مكة إلى المدينة على قدميها وكانت من أبر الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)... الحديث. (3) [433] - 25 - قال أبو الفرج: وفاطمة بنت أسد بن هاشم، أول هاشمية تزوجت هاشميا وولدت له، وأدركت النبي (صلى الله عليه وآله)، فأسلمت وحسن إسلامها، وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها،
1. شرح نهج البلاغة 14: 83. 2. الارشاد: 90، مجموعة نفيسة (تاج المواليد): 88، ذخائر العقبى: 56 باختلاف يسير، اعلام الورى 1: 306. 3. الكافي 1: 453 ح 2، والحديث طويل يذكر وفاتها وتجهيزها كما لخصه أبو الفرج. 265 وصلى عليها ونزل في لحدها واضطجع معها فيه، وأحسن الثناء عليها. (1) [434] - 26 - وقال أيضا: حدثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا الحسن بن بشر، قال: حدثنا سعدان بن الوليد بياع السابري، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قميصه واضطجع معها في قبرها، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة. فقال: " إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبربي منها. إني إنما ألبستها قميصى لتكسي من حلل الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها ". (2) صفاته (عليه السلام) [435] - 27 - قال محمد بن أبي بكر البري: كان رضى الله عنه عظيم العينين، أدعجهما، عظيم (البطن)، عريض المنكبين، حسن الوجه، أغيد، كان عنقه إبريق فضة آدم شديد الأدمة، أصلع، ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، لا يتبين عضده من ساعديه، قد أدمجت إدماجا، شديد الساعد واليد. إذا أمسك بذراعه رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس. إذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويا، شجاعا، منصورا على من لاقاه، أبيض الرأس واللحية، لا يغير شيبه. ورأته امرأة بالكوفة فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟ (3) [436] - 28 - قال ابن أثير: وقيل: كان كأنما كسر ثم جبر. لا يغير شيبه، خفيف المشي، ضحوك السن. (4)
1. مقاتل الطالبيين: 8. 2. مقاتل الطالبيين: 8، الفصول المهمة: 30. 3. الجوهرة: 123، كشف الغمة 1: 77 مع تفاوت وفيه بعد حسن الوجه: كانه القمر ليلة البدر حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين... وراجع: الطبقات الكبرى 3: 19 وانساب الاشراف 2: 124 - 125 - 126، وروى مثله في محجة البيضاء 4: 206. 4. أسد الغابة 4: 123. 266 [437] - 29 - قال ابن عبد البر: سئل الحسن البصري عن علي بن أبي طالب فقال: كان والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه ورباني هذه الأمة وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن بالنؤومة عن أمر الله ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع. (1) نقش خاتمه (عليه السلام) [438] - 30 - قال ابن سعد: أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب وعمرو بن خالد المصري قالا: أخبرنا زهير، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي (عليهما السلام) قال: كان نقش خاتم علي (عليه السلام): الله الملك. [439] - 31 - وقال أيضا: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا معتمر، عن أبيه، عن أبي إسحاق الشيباني قال: قرأت نقش خاتم علي بن أبي طالب في صلح أهل الشام: محمد رسول الله. (2) أزواجه وأولاده (عليه السلام): [440] - 32 - قال ابن سعد: وكان له من الولد الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى، وأمهم فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومحمد بن علي الأكبر وهو ابن الحنفية وأمه خولة بنت جعفر بن قيس ابن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل، وعبيد الله بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار، وأبو بكر بن علي قتل مع الحسين ولا عقب لهما، وأمهما ليلى بنت مسعود
1. الاستيعاب - بهامش الإصابة - 3: 47. 2. الطبقات الكبرى 3: 22، انساب الاشراف 2: 186 ح 225. 267 بن خالد بن ثابت بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، والعباس الأكبر بن علي وعثمان وجعفر الأكبر وعبد الله قتلوا مع الحسين بن علي ولا بقية لهم، وأمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة بن الوحيد بن عامر بن كعب بن كلاب، ومحمد الأصغر بن علي قتل مع الحسين، وامه ام ولد، ويحيى وعون ابنا علي وأمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وعمر الأكبر بن علي ورقية بنت علي وأمهما الصهباء، وهي أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر ابن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد حين أغار على بني تغلب بناحية عين التمر، ومحمد الأوسط بن علي وأمه إمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأم الحسن بنت علي ورملة الكبرى، وأمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، وأم هانىء بنت علي، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، وجمانة، ونفيسة، بنات على وهن أولاد لأمهات شتى، وابنة لعلى لم تسم لنا، هلكت وهي جارية لم تبرز، وأمها محياة بنت إمرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب، وكانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها: من أخوالك؟ فتقول: وه وه تعنى كلبا. فجميع ولد علي بن أبي طالب لصلبه أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة امرأة، وكان النسل من ولده لخمسة: الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية والعباس ابن الكلابية وعمر ابن التغلبية. قال محمد بن سعد: لم يصح لنا من ولد علي (عليه السلام) غير هؤلاء. (1) [441] - 33 - قال المفيد: أولاد أمير المؤمنين سبعة وعشرون ولدا ذكرا وأنثى: 1 - الحسن 2 - الحسين 3
1. الطبقات الكبرى 3: 14، وذكر أولاده ابن الطقطقي في كتابه: الأصيلي انساب الطالبيين: 56. 268 - زينب الكبرى 4 - زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم. أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد النبي (صلى الله عليه وآله) 5 - محمد المكنى بأبى القاسم أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية 6 - عمر 7 - رقية كانا توأمين. أمهما أم حبيب بنت ربيعة 8 - العباس 9 - جعفر 10 - عثمان 11 - عبد الله. الشهداء مع أخيهم الحسين (عليه السلام) بطف كربلاء. أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم 12 - محمد الأصغر المكنى بأبى بكر 13 - عبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين (عليه السلام) بالطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية 14 - يحيى أمه أسماء بنت عميس الخثعمية رضى الله عنها 15 - أم الحسن 16 - رملة أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي 17 - نفيسة 18 - زينب الصغرى 19 - رقية الصغرى 20 - أم هاني 21 - أم الكرام 22 - جمانة المكناة ام جعفر 23 - أمامة 24 - أم سلمة 25 - ميمونة 26 - خديجة 27 - فاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى، وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ذكرا كان سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو حمل محسنا فعلى قول هذه الطايفة أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانية وعشرون ولد; والله أعلم وأحكم. (1) [442] - 34 - قال البلاذري: ولد علي بن أبي طالب: الحسن والحسين، ومحسن درج صغيرا وزينب الكبرى... وأم كلثوم الكبرى... وأمهم جميعا فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) ثم عد أولاده (عليه السلام) إلى أربعة أو خمسة وثلاثين. [443] - 35 - قال ابن الطقطقي: أعقب (عليه السلام) من خمسة أولاد: الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية والعباس و عمر الأطرف... والذين لم يعقبوا هم خمسة عشر ولدا - ثم سماهم وسمى أمهاتهم فقال: - بنات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عدتهن ثماني وعشرون بنتا.... (3)
1. الارشاد: 186، عنه البحار 42: 89 ح 18. 2. انساب الاشراف: 2: 189، مروج الذهب 3: 73 مثله إلا انه عد إلى ستة وعشرين. 3. الأصيلي: 56. 269 مولده (عليه السلام) [444] - 36 - قال الكليني: ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد عام الفيل بثلاثين سنة. (1) [445] - 37 - وزاد الطوسي: أنه ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب. (2) [446] - 38 - وقال أيضا: كان مولد أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكعبة قبل النبوة باثنتي عشرة سنة. (3) [447] - 39 - روى المسعودي: أن فاطمة بنت أسد لما حملت بأمير المؤمنين كانت تطوف بالبيت فجاءها المخاض وهي في الطواف فلما اشتد بها دخلت الكعبة فولدته في جوف البيت... ما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره. (4) [448] - 40 - روى الفتال: عن محمد بن الفضيل الدروقي، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن فاطمة بنت أسد رضى الله عنها ضربها الطلق، وهي في الطواف فدخلت الكعبة فولدت أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها. قال عمر بن عثمان: ذكرت هذا الحديث لسلمة بن الفضل فقال: حدثني محمد بن إسحاق عن عمه وموسى بن بشار أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولد في الكعبة. (5)
1. الكافي 1: 452، عنه البحار 35: 6 ح 4. 2. التهذيب 6: 19، الارشاد: 9، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 6، روضة الواعظين 1: 76، اعلام الورى 1: 306، المناقب لابن شهر آشوب 2: 307، كفاية الطالب: 261، كشف الغمة 1: 59، المصباح للكفعمي: 690، البحار 35: 5 ح 2 نقلا عن التهذيب. 3. مصباح المتهجد: 805، اقبال الاعمال: 655، الفصول المهمة: 29 مع تفاوت، البحار 35: 6 ح 7 عن المصباح و 7 ح 10 عن الفصول المهمة. 4. اثبات الوصية: 129، وروى المسعودي عن وهب بن منبه عن الصادق (عليه السلام) انه كانت فاطمة حملت بعلى في عشر ذي الحجة وولدته في النصف من شهر رمضان، اثبات الوصية: 134، وهو غريب لم يذكره غيره ولادته في شهر رمضان. 5. روضة الواعظين 1: 81. 270 [449] - 41 - روى الإربلي: من بشائر المصطفى مرفوع إلى يزيد بن قعنب قال: كنت جالسا مع العباس بن المطلب رضى الله عنه وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملا به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق فقالت يا رب إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدى إبراهيم الخليل (عليه السلام) وإنه بني البيت العتيق فبحق الذي بني هذا البيت والمولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي، قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب! فلم ينفتح فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى، ثم خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قالت: إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله سرا في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطرارا وأن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله العلى الأعلى يقول: اشتققت اسمه من اسمى وأدبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني، فطوبي لمن أحبه وأطاعه وويل لمن أبغضه وعصاه. (1) [450] - 42 - وقال السيد تاج الدين العاملي: مولده (عليه السلام) بمكة داخل الكعبة على الرخامة الحمراء ولم ينقل ولادة أحد قبله ولا بعده في الكعبة. (2)
1. كشف الغمة 1: 60. 2. التتمة في تاريخ الأئمة: 47. 271 تاريخ شهادته (عليه السلام) [451] - 43 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين قال: حدثنا عبد الله، حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: ضرب علي (عليه السلام) في رمضان سنة أربعين في تسع عشرة ليلة مضت منه ومات في إحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان. (1) [452] - 44 - قال الكليني: قتل (عليه السلام) في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة. (2) [453] - 45 - قال المفيد: كانت وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل الفجر ليلة الجمعة - ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف. (3) هذا هو المشهور بين الإمامية والمعول عليه اليوم [454] - 46 - قال البلاذري: قالوا: ومكث علي (عليه السلام) - بعد ما ضربه ابن ملجم - يوم الجمعة ويوم السبت و توفى ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين. (4) [455] - 47 - قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج، عن الأسود و الكندي والأجلخ قالا: توفى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو أبن أربع وستين سنة. سنة أربعين في ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان. (5)
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 59 ح 40. 2. الكافي 1: 452، التهذيب 6: 19. 3. الارشاد: 12، وراجع: اعلام الورى 1: 309، روضة الواعظين: 132، العمدة لابن بطريق: 29، البحار 98: 196 عن الارشاد. 4. انساب الاشراف 2: 496 ح 533. 5. مقاتل الطالبيين: 41. 272 [456] - 48 - ولكنه عند ذكر قصة شهادته (عليه السلام) قال: وفي حديث أبي عبد الرحمن السلمى أنها - ليلة مواعدة ابن ملجم لضربه (عليه السلام) - كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان وهو أصح. (1) [457] - 49 - قال الطبري: حدثني الحارث قال: حدثني ابن سعد، عن محمد بن عمر قال: قتل علي (عليه السلام) وهو ابن ثلاث وستين سنة صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين... قال: ضرب (عليه السلام) ليلة الجمعة فمكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان. (2) [458] - 50 - قال ابن شهر آشوب: قبض (عليه السلام) قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسعة عشر مضين من شهر رمضان. (3) [459] - 51 - قال محمد بن طلحة: قد صح النقل أنه (عليه السلام) ضربه ابن ملجم عبد الرحمن صبح ليلة الجمعة لكن قيل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل ليلة الثالث والعشرين من رمضان ومات ليلة الأحد ثالث ليلة ضربه من سنة أربعين للهجرة. (4) [460] - 52 - قال ابن بطريق: بعد ما ضرب الملعون على رأسه ليلة تسعة عشرة - فمكث يوم تسعة عشر و ليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الأخير من الليل، ثم قضى نحبه (صلى الله عليه وآله) شهيدا ولقى ربه - سبحانه وتعالى - مظلوما، وقد كان يعلم بذلك قبل
1. نفس المصدر: 33. 2. تاريخ الطبري 3: 160. 3. المناقب 3: 307. 4. مطالب السئول: 63، عنه كشف الغمة 1: 436 وفيه: قيل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل لتسعة عشر ليلة وقد نقله جماعة، وقيل ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان وقيل ليلة الثالث...، عنه البحار 42: 244 ح 46 وفي تاريخ شهادته (عليه السلام) أقوال اخر لم نتعرض لها مخافة التطويل. 273 أوانه، ويخبر به الناس قبل زمانه. (1) مدة عمره وإمامته (عليه السلام) [461] - 53 - قال المسعودي: كان عمره خمسا وستين سنة وروى ثلاثا وستين سنة منها مع النبي (صلى الله عليه وآله) خمس وثلاثون سنة وبعده ثلاثون سنة. (2) [462] - 54 - قال الطبرسي: وكان سنه يوم استشهد ثلاثا وستين سنة وكان مقامه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثا و ثلثين سنة، عشر منها قبل البعثة وأسلم وهو ابن عشر سنين... وبعد البعثة بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وعاش بعد ما قبض النبي ثلاثين سنة إلا خمسة أشهر وأياما. (3) [463] - 55 - قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، قال أخبرنا علي بن عمر وأبو بكر بن أبي سبرة عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون: هذه لي خمس وستون سنة وقد جاوزت سن أبي، قلت و كم كانت سنه يوم قتل يرحمه الله؟ قال: ثلاثا وستين سنة. قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا. (4) [464] - 56 - قال محمد بن طلحة: ... مات ليلة الأحد ثالث ليلة ضربه من سنة أربعين للهجرة. فيكون عمره خمسا وستين سنة وقيل بل كان ثلاثا وستين سنة وقيل بل كان ثماني وخمسين سنة و قيل بل كان سبعا وخمسين سنة وأصح هذه الأقوال هو القول الأول. فانه عضده ما
1. العمدة: 29. 2. اثبات الوصية: 152. 3. اعلام الورى 1: 311. 4. الطبقات الكبرى 3: 27. 274 نقل عن معروف إنه قال: سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) يقول: قتل علي (عليه السلام) وله خمسة وستون سنة. (1) [465] - 57 - قال ابن شهر آشوب: ... وله يومئذ - يوم استشهد (عليه السلام) - خمس وستون سنة في قول الصادق (عليه السلام) وقالت العامة ثلاث وستون سنة. (2) [466] - 58 - قال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين ولها قتل الحسين بن علي ومات لها علي بن الحسين ومات لها محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام). (3) [467] - 59 - قال الطبري: وقال هشام: ولى علي (عليه السلام) وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر... وقتل سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة. (4) [468] - 60 - قال محمد بن طلحة: كان مولده بعد أن تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخديجة بثلاث سنين وكان عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم ولادته ثمانيا وعشرين سنة. (5) [469] - 61 - قال ابن حجر العسقلاني: ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح. فربى في حجر النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يفارقه. (6) [470] - 62 - وروى البلاذري: قالوا: وكان أبو طالب قد أقل وأقتر فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا ليخفف عنه مؤنته
1. مطالب السئول: 63، كشف الغمة 1: 436. 2. المناقب 3: 307. 3. المعجم الكبير 3: 98. 4. تاريخ الطبري 3: 160. 5. مطالب السئول: 11. 6. الإصابة 2: 507. 275 فنشأ عنده. (1) [471] - 63 - روى السيد الرضى عنه (عليه السلام) في خطبته القاصعة: أنا وضعت بكلا كل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله); بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وأنا وليد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه; وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة. ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان، قد ايس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وأنك لعلى خير. (2) [472] - 64 - قال الإربلي: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها و فجاجها. (3) [473] - 65 - روى ابن أبي الحديد: عن فضل بن عباس قال: سئلت أبي عن ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذكور، أيهم كان
1. انساب الاشراف 2: 90، وجاء تفصيل الخبر في سيرة ابن هشام 1: 262، مطالب السئول: 11، كشف الغمة 1: 79، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 198. 2. نهج البلاغة باب الخطب: 192 (خطبة قاصعة). 3. كشف الغمة 1: 61. 276 رسول الله (صلى الله عليه وآله) له أشد حبا؟ فقال: علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقلت له: سئلتك عن بنيه. فقال: أنه كان أحب إليه من بنيه جمعيا وأرأف. ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا، إلا أن يكون في سفر لخديجة وما رأينا أبا أبر بابن منه لعلى ولا ابنا أطوع لأب من على له. (1) [474] - 66 - وروى أيضا: عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: سمعت زيدا أبي يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمضغ اللحمة والتمرة حين تلين، ويجعلهما في فم علي (عليه السلام) وهو صغير في حجره. (2) [475] - 67 - قال البلاذري: وصلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن إحدى عشرة سنة. وذلك هو الثبت. ويقال: ابن عشرة ويقال: ابن تسع ويقال: ابن سبع. (3) [476] - 68 - روى ابن عساكر: بإسناده عن عبد الله بن عباس: أنام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا على فراشه ليلة انطلق إلى الغار... (4) وعن أبي رافع أن عليا كان يجهز النبي (صلى الله عليه وآله) حين كان بالغار ويأتيه بالطعام و استأجر له ثلاث رواحل للنبي (صلى الله عليه وآله) ولأبى بكر ودليلهم ابن أريقط... وأمره النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤدى عنه أمانته ووصايا من كان يوصى إليه.... (5) [477] - 69 - روى ابن سعد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) حين آخى بين أصحابه وضع يده على منكب علي ثم قال: أنت
1. شرح نهج البلاغة 13: 200. 2. نفس المصدر. 3. انساب الاشراف 2: 90. 4. تاريخ ابن عساكر 1: 154 ح 188. 5. المصدر: ح 189 277 أخي..... (1) [478] - 70 - وروى أيضا: وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رجب بعد مقدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر.... (2) [479] - 71 - وروى أيضا: وكان صاحب لواء رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر وفي كل مشهد. (3) [480] - 72 - وروى أيضا: وكان علي (عليه السلام) ممن ثبت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد حين انهزم الناس وبايعه على الموت... وكان معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة... ولم يتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك. (4) [481] - 73 - وروى أيضا: وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلى بن أبي طالب أنه لابد من أن أقيم أو تقيم فخلفه. فلما فصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) غازيا قال ناس: ما خلف عليا إلا لشئ كرهه منه فبلغ ذلك عليا فاتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتضاحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا علي أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فإنه كذلك. (5) [482] - 74 - قال البلاذري: حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي ابن ثابت عن البراء بن عازب قال: لما أقبلنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حجته فكنا بغدير خم نودي أن الصلاة جامعة وكسح للنبي (صلى الله عليه وآله) تحت شجرتين فأخذ بيد علي بن أبي
1. المصدر وفي معناه: الطبقات الكبرى 3: 15، انساب الاشراف 2: 91 ح 7. 2. الطبقات الكبرى 3: 16. 3. المصدر: 18. 4. المصدر: 16، وفي معناه، انساب الاشراف 2: 91 ح 8. 5. المصدر: 17، انساب الاشراف 2: 95 ح 18. 278 طالب وقال: أيها الناس أو لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: أو ليس أزواجي أمهاتهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال هذا ولى من أنا مولاه; اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. (1) [483] - 75 - قال ابن شهر آشوب: كانت مدة إمامته - بعد ما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) - ثلاثون سنة، منها أيام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر وأيام عمر تسع سنين وأشهر وأيام وعن [الفرياني] أقربانى عشر سنين وثمانية أشهر وأيام عثمان اثنتا عشرة سنة، ثم أتاه الله الحق خمس سنين و أشهر. (2) [484] - 76 - قال المسعودي: كانت خلافته إلى أن استشهد أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وقيل أربع سنين وتسعة أشهر إلا يوما... وقيل إن خلافته كانت خمس سنين وثلاثة أشهر و سبع ليال واستشهد وهو ابن ثلاث وستين سنة. (3) [485] - 77 - قال ابن المغازلي: أخبرنا أحمد بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن جعفر قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: بويع لعلى (عليه السلام) سنة خمس وثلاثين وكانت وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ثم كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ثم قتل علي (عليه السلام) في شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة من رمضان سنة أربعين. (4) [486] - 78 - روى السيد الرضى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلى منها محل القطب من الرحا; ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلى الطير. فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها
1. انساب الاشراف 2: 108 ح 46. 2. المناقب 3: 308. 3. مروج الذهب 2: 358. 4. مناقب أمير المؤمنين: 10 ح 8. 279 كشحا... أرى تراثي نهبا حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده... فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشد ما تشطرا ضرعيها! - فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها،... فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فى مع الأول منهم صرت اقرن إلى هذه النظائر! لكني اسفت إذ اسفوا وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن إلى ان قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته. فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي مجتمعين حولى كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون: كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين (1)). (2) [487] - 79 - وروى أيضا عنه (عليه السلام): ... فأما الناكثون فقد قاتلت; وأما القاسطون فقد جاهدت، وأما المارقة فقد دوخت، وأما شيطان الردهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورجة صدره، و بقيت بقية من أهل البغى ولئن اذن الله في الكرة عليهم لاديلن منهم إلا ما يتشذر في أطراف البلاد تشذرا. (3) [488] - 80 - قال ابن أبي الحديد: قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال له (عليه السلام): ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين و
1. القصص: 28. 2. نهج البلاغة باب الخطب: 3 (خطبة الشقشقية) 3. نهج البلاغة، باب الخطب: 192 (خطبة القاصعة). 280 المارقين. (1) [489] - 81 - قال البلاذري: إن أبا نعيم قال لنا: الناكثون: أهل الجمل والقاسطون: أصحاب صفين و المارقون: أصحاب النهر. (2) [490] - 82 - روى السيد الرضى: عن نوف البكالي قال: خطبنا... أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالكوفة وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي وعليه مدرعة من صوف وحمائل سيفه ليف وفي رجليه نعلان من ليف وكان جبينه ثفنة بعير. فقال: الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق.... ما ضر اخواننا الذين سفكت دماؤهم - وهم بصفين - الا يكونوا اليوم أحياء؟ يسيغون الغصص ويشربون الرنق! قد - والله - لقوا الله فوفاهم أجورهم، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم. أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وابرد برؤوسهم إلى الفجرة؟ قال: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء، ثم قال (عليه السلام): اوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه. ثم نادى بأعلى صوته: الجهاد الجهاد عباد الله! الا وإني معسكر في يومى هذا; فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج! قال نوف: وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد - رحمه الله - في
1. شرح نهج البلاغة 13: 183، مطالب السئول: 24، مجمع الزوائد 7: 238 بأسانيد مختلفه، تاريخ ابن عساكر 3: 200. 2. انساب الاشراف 2: 137 ح 129. 281 عشرة آلاف، ولأبى أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله، فتراجعت العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها، تختطفها الذئاب من كل مكان! (1)
1. نهج البلاغة، باب الخطب: 182. 282 الفصل الثاني: في مأساته (عليه السلام) مأسى العالم بأسرها جذوة لهب من مأساة أول المظلومين وأسوة المضطهدين المقهورين علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فالمآسي الكبار حلقات متصلة من سلسلة واحدة صاغها كفر العتاة بحقه وجحود الطغاة لقيم الحياة التي تجسد في مثاله، قال المعري: وعلى الدهر من دماء الشهيدين * على ونجله، شاهدان فهما في أواخر الليل فجران * وفي أولياته شفقان ثبتا في قميصه ليجىء الحشر * مستعديا إلى الرحمان فأية مأساة هي مأساة أبي الشهداء [وابنه] تلك التي وضعت فصولها في زمن قديم ثم راحت تعمق عمقا في قلوب الناس وتمتداء متدادا مدى العصور والأزمان ففي امتداد المأساة العلوية مأسى أنصار الحق الذين أوذوا وجلدوا واضطهدوا وشردوا في المفاوز والفلوات ليموتوا جوعا وبردا ودفنوا أحياء وصلبوا وأحرقوا مع أبنائهم وإخوانهم، انفة منهم لان يخونوا ضمائرهم فيتبرأوا من علي (عليه السلام) أسوة بالعبيد وينكروا شرف الخلق الانساني الالهي الذي استشهد امامهم في سبيله. أجل لقد أصبح اسم علي (عليه السلام) في التاريخ مبعث أمل لكل مغضوب وصيحة تتردد على لسان كل مظلوم وحصنا يفزع إليه كل من ضيقت عليه الحياة وموئلا يلوذ به كل مضطهد ومحروم. وآخر القول: كما إن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو العظيم الذي ليس له نسخة
283 بديلة في التاريخ فكذلك مأسيه المؤلمة المفجعة جليلة لم ير لها نظير ولن يرى حتى يحشر الظالم والمظلوم ليروا أعمالهم ونحن التقطنا بعض الزوايا من هذا الخطب الجليل. وتركنا استقصاءه ليوم الفصل الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة. (1) ثم لما كان مأسيه (عليه السلام) مفصلا ضخما متناوبا على أزمان ومتواليا على مر الأيام والأحيان، رأينا نقله في فصول أربعة تشمل: أيام حضوره (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) و مأساة السقيفة، وباقي أيام الخلفاء قبله، وأيام خلافته وقتاله مع الناكثة والقاسطة والمارقة، وقدمنا على الفصول حديثا جامعا عنه (عليه السلام) يبث فيه الشكوى ويسرد بلسانه الشريف ما أهمه من البلوى، من أول يومه إلى أوان شهوده التجلي العليا صلوات الله عليه وعلى أخيه وزوجه وأبنائه المعصومين المصطفين النجباء. ابتلاء الأوصياء [491] - 1 - قال الصدوق: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن الحسين ابن سعيد قال: حدثني جعفر بن محمد النوفلي، عن يعقوب بن يزيد قال: قال أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عبيد، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن محمد بن الحنفية رضى الله عنه، وعمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند منصرفه عن وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصى نبي قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود؟ قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عزوجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده وأن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذى عليه ويعمل به في أمته من بعده وأن
1. نقلناه وبعض السابقة واللاحقة عليه من: الإمام على (عليه السلام) - لجرج جرداق - 5: 223. 284 الله عزوجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء؟ وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضى محنتهم؟ فقال له علي (عليه السلام): والله الذي لا إله غيره، الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى (عليه السلام) لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟ قال: نعم. قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى (عليه السلام) لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم. فقال له علي (عليه السلام): إن الله عزوجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلى طاعتهم، فإذا رضى طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء (عليه السلام) في سبعة مواطن ليبلو صبرهم فإذا رضى محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء وقد أكمل لهم السعادة. قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمرك؟ فأخذ علي (عليه السلام) بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم! قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم، فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك، فوالله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصى نبي سواك وإنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) نبيا سواه وأن طاعتك لفى أعناقنا موصولة بطاعة نبينا، فجلس علي (عليه السلام) وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني في حياة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - بنعمة الله له مطيعا قال: وفيم وفيم يا أمير المؤمنين؟ قال: أما أولهن فإن الله عزوجل أوحى إلى نبينا (صلى الله عليه وآله) وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته وأسعى في قضاء بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى
285 شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه وهجروه، ونابذوه واعتزلوه واجتنبوه وسائر الناس مقصين له ومخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم وتدركه عقولهم فأجبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد رحمها الله وقد فعل ثم أقبل (عليه السلام) على أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام): وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي (صلى الله عليه وآله) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار - دار الندوة - وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضى دمه هدرا، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اقتل دونه، فمضى (صلى الله عليه وآله) لوجهه واضطجعت في مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي (صلى الله عليه وآله) فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس ثم أقبل (عليه السلام) على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع صاحبي - رضى الله عنهما - وقد فعل وأنا أحدث أصحابي سنا وأقلهم للحرب تجربة، فقتل الله
286 عزوجل بيدي وليدا وشيبة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم، وسوى من أسرت، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي واستشهد ابن عمى في ذلك رحمة الله عليه، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علي (عليه السلام): وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استحاشوا من يليهم من قبايل العرب وقريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فأنبأه بذلك، فذهب النبي (صلى الله عليه وآله) وعسكر بأصحابه في سد احد، وأقبل المشركون إلينا فحملوا إلينا حملة رجل واحد، واستشهد من المسلمين من استشهد، وكان ممن بقي من الهزيمة، وبقيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضى المهاجرون والأنصار إلى منازلهم من المدينة كل يقول: قتل النبي (صلى الله عليه وآله) وقتل أصحابه ثم ضرب الله عزوجل وجوه المشركين وقد جرحت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) نيفا وسبعين جرحة منها هذه وهذه - ثم ألقى (عليه السلام) رداءه وأمر يده على جراحاته - وكان مني في ذلك ما على الله عزوجل ثوابه إن شاء الله، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا والعرب تجمعت وعقدت بينها عقدا وميثاقا لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة، واثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فأنبأه بذلك فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف ترعد وتبرق ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعوها إلى الله عزوجل ويناشدها بالقرابة والرحم فتأبى ولا يزيدها ذلك إلا عتوا، وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود، يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلى البراز ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة لا يقدم عليه مقدم ولا يطمع فيه طامع، ولا حمية تهيجه ولا بصيرة تشجعه، فأنهضني إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعممني بيده وأعطاني سيفه هذا، وضرب بيده
287 إلى ذي الفقار، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبدود، فقتله الله عزوجل بيدي، والعرب لا تعدلها فارسا غيره، وضربني هذه الضربة - وأومأ بيده إلى هامته - فهزم الله قريشا والعرب بذلك وبما كان مني فيهم من النكاية، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): وأما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار وأكثر عدد، كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا إحمرت الحدق، ودعيت إلى النزال وأهمت كل أمرىء نفسه والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى دارهم فلم يبرز الى منهم أحد إلا قتلته ولا يثبت لي فارس إلا طحنته ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبى من أجد من نسائها حتى أفتتحها وحدى، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عزوجل آخرا كما دعاهم اولا فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه وينذرهم عذاب الله ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضى به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل منىء إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ويبدي لي
288 البغضاء، ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم، ثم ألتفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام): يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيه ربي عزوجل مع نبيه (صلى الله عليه وآله) فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، ليس لاحد فيها مثل الذي لي ولو شئت لوصفت ذلك ولكن الله عزوجل نهى عن التزكية. فقالوا: يا أمير المؤمنين: صدقت والله لقد أعطاك الله عزوجل الفضيلة بالقرابة من نبينا (صلى الله عليه وآله)، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا (صلى الله عليه وآله) ومن شهدك بعده فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عزوجل به بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) فاحتملته وصبرت، فلو شئنا ان نصف ذلك لوصفناه علما منا به وظهورا منا عليه، إلا انا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه. فقال (عليه السلام): يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه (صلى الله عليه وآله) في سبعة مواطن فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - بمنه ونعمته صبورا. وأما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو اعتمد عليه أو أستنيم إليه أو أتقرب به غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو ربانى صغيرا وبوأنى كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب، وعال لي النفس والولد والأهل هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالى الحق عند الله عزوجل فنزل بي من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره، واذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والإسماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر وبين
289 مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة ولا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عزوجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا، ثم التفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام): وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني في حياته على جميع أمته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمرى، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمر في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ولا بعد وفاته، ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحدا من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ولا احدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضى جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن انهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الايعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي (صلى الله عليه وآله) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره،
290 وأقبلوا يتبادرون عل الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عزوجل لي ولرسوله (صلى الله عليه وآله) في أعناقهم فحلوها وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأى أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدىء به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كان يلقاني معتذرا في كل أيامه ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي ويسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضى أيامه، ثم يرجع إلى حقي الذي جعله الله لي عفوا هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة لعل فلانا يقول فيها: نعم وفلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عودا وبدءا وعلانية وسرا فيدعوني إلى أخذ حقي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا الى بذلك بيعتي في أعناقهم فأقول: رويدا وصبرا قليلا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة ولا إراقة الدماء فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل فقال كل قوم: منا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر، فلما دنت وفاة القائم وانقضت أيامه صير الأمر بعده لصاحبه، فكانت هذه أخت أختها، ومحلها مني مثل محلها وأخذا مني ما جعله الله لي، فاجتمع إلى من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) ممن مضى وممن بقي ممن أخره الله من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبرا واحتسابا ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باللين مرة
291 وبالشدة أخرى، وبالنذر مرة وبالسيف أخرى حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري، واللباس والوطاء والدثار ونحن أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد وما أشبهها ولا وطاء لنا ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوى الليالي والأيام عامتنا، وربما أتانا الشيء مما أفاءه الله علينا وصيره لنا خاصة دون غيرنا ونحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرباب النعم والأموال تألفا منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحملها على الخطة التي لاخلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لأنى لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني وفي أمري على أحدى منزلتين اما متبع مقاتل وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وإما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم الله أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحل به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضى بما أحب أزيد لي في حظى وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم (وكان أمر الله قدرا مقدورا) ولو لم أتق هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عددا وأغر عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها وقد قبض محمد (صلى الله عليه وآله) وأن ولاية الأمة في يده وفي بيته لا في يد الأولى تناولوها ولا في بيوتهم ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثم التفت (عليه السلام) إلى أصحابه. فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (عليه السلام): وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمرى ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا ولا
292 يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلما [ان] اتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها والعاقبة التي كنت ألتمسها وأن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت، وكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم، ولم يستونى بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول ولا قرابة ولا صهر ولا نسب ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي ولا أثر من آثاري وصيرها شورى بيننا وصير ابنه فيها حاكما علينا وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم ينفذوا أمره، وكفى بالصبر على هذا - يا أخا اليهود - صبرا فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامى وأيامهم وآثاري وآثارهم، و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقى لها دونهم وذكرتهم عهد الله (صلى الله عليه وآله) إليهم وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، دعاهم حب الإمارة وبسط الأيدي و الألسن في الأمر والنهى والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه و صائر إليه، التمس مني شرطا أن اصيرها له بعدي فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله عزوجل ووصية الرسول وإعطاء كل أمرىء منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستوبه وبواحد ممن حضره حال قط فضلا ممن دونهم، لاببدر التي هي سنام فخرهم ولاغيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله و من اختصه معه من أهل بيته (عليهم السلام) ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم ونكصوا على أعقابهم وأحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامة يستقيلهم من بيعته ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من أختها وأفظع
293 وأحرى ان لا يصبر عليها، فنالنى منها الذي يبلغ وصفه ولا يحد وقته ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها، ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عزوجل علي حقي، فوالله - يا أخا اليهود - ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبى من فنائها، وعلمت أني أن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى، ولقد كنت عاهدت الله عزوجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) أنا وعمى حمزة وأخي جعفر، وابن عمى عبيدة على أمر وفينا به لله عزوجل ولرسوله، فتقدمنى أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عزوجل فأنزل الله فينا (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) حمزة وجعفر وعبيدة وأنا والله المنتظر - يا أخا اليهود - وما بدلت تبديلا، وما سكتنى عن ابن عفان وحثنى على الإمساك عنه إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعى الأباعد إلى قتله وخلعه فضلا عن الأقارب وأنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من " لا " ولا " نعم " ثم أتاني القوم وأنا - علم الله - كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقال الأموال والمرح في الأرض وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي وشديد عادة منتزعة فلما لم يجدوا عني تعللوا الأعاليل، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام): وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي وأنا ولى أمرها، والوصى عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية
294 بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عازبة آراؤهم، وهم جيران بدو ووراد بحر، فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عزوجل فى، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة، وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الإغضاء والإمساك ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء وقتل الرعية وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أولا وآخرا وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت وأخرت، وتأنيت وراجعت، وأرسلت وسافرت وأعذرت وأنذرت وأعطيت القوم كل شيء يلتمسوه بعد ان عرضت عليهم كل شئ لم يلتمسوه فلما أبوا إلا تلك، أقدمت عليها، فبلغ الله بي وبهم ما أراد وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا، ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): واما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم [الحكمين] ومحاربة ابن آكلة الأكباد وهو طليق معاند لله عزوجل ولرسوله والمؤمنين منذ بعث الله محمدا إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثنى على النهوض في
295 أخذ حقي من الماضين قبلي، ويجدد لي بيعته كلما أتاني، وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد الى حقي وأقر في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيىء دون قسمه درهما، وحرام على الراعى ايصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناواه، ثم توجه إلى ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والاخبار ترد علي بذلك فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها وفي الذي أشار به الرأى في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عزوجل في توليته لي مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت الرأى في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عزوجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ولي وللمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته ويحذرني أن ادخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة وأخا الأشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما أرضاه، فلما لم أره [ان] يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) البدريين والذين ارتضى الله عزوجل أمرهم ورضى عنهم بعد بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته ومنعه مما نالت يده، وإني نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كل موضع كتبي وأوجه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الأمانى ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عزوجل ورسوله ولا المسلمون، ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أبرارا، فيهم عمار بن ياسر، وأين مثل عمار؟ والله لقد رايتنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) وما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم ولا أربعة إلا كان خامسهم أشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان ولعمرو الله ما ألب على عثمان ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة
296 الملعونة في القرآن، فلما لم أجب إلى ما أشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا فأتبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عزوجل ببعد الأعذار والأنذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودناه من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيدينا لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضى الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته، لا يدرى كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام والدعاء إلى ما فيها وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وتقيا وقد دعوك إلى كتاب الله اولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره، فرفع المصاحب يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب ومن بقي من أصحابي بعد فناء أخيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائر هم وظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمرى، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته. فجهدت - علم الله جهدي - ولم أدع غلة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلونى ورأيي فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومأ بيده إلى الأشتر - وعصبة من أهل بيتي، فوالله ما منعني أن أمضى على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان - وأومأ بيده إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) - فينقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا - وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضى الله عنهما - فإنى أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع
297 ما سبق فيه من علم الله عزوجل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور وتخيروا الأحكام والآراء وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن، وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لاشك فيه ولا امتراء، فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله وأثق بنصيحته ومودته ودينه. وأقبلت لا اسمى أحدا إلا امتنع منه ابن هند ولا أدعوه إلى شئ من الحق إلا أدبر عنه، وأقبل هند يسومنا عسفا، وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتى على التحكم تبرأت إلى الله عزوجل منهم وفوضت ذلك إليهم فقلدوه أمرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها، وأظهر المخدوع عليها ندما. ثم أقبل (عليه السلام) على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): واما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان عهد إلى أن اقاتل في آخر الزمان من أيامى قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياى من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعنى بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللأئمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يبايع من أخطأ وأن يقضى بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ، وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه، فتجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم: لأحكم إلا لله، ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة وأخرى بحروراء وأخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته، فمن تابعها استحيته، ومن خالفها قتلته، فخرجت إلى الاوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل فقتل الله هذه وهذه وكانوا - يا أخا اليهود - لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا،
298 فأبى الله إلا ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجهت رسلي تترى وكانوا من جله أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا فأبت إلا اتباع أختيها والاحتذاء على مثالهما وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين وتتابعت إلى الاخبار بفعلهم، فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة، اوجه السفراء والنصحاء وأطلب العتبى بجهدي بهذا مرة وبهذا مرة - وأومأ بيده إلى الأشتر، والأحنف بن قيس، وسعيد بن قيس الأرحبى والأشعث بن قيس الكندي - فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله - يا أخا اليهود - عن آخرهم، وهم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة ثم ألتفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام): قد وفيت سبعا وسبعا يا أخا اليهود، وبقيت الأخرى وأوشك بها فكان قد. فبكى أصحاب علي (عليه السلام) وبكى رأس اليهود وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال: الأخرى أن تخضب هذه - وأومأ بيده إلى لحيته - من هذه - وأومأ بيده إلى هامته، قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي (عليه السلام) من ساعته ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) واخذ ابن ملجم - لعنه الله - فاقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن (عليه السلام) والناس حوله وابن ملجم - لعنه الله - بين يديه فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإنى رأيت في الكتب التى انزلت على موسى (عليه السلام) أن هذا أعظم عند الله عزوجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه ومن القدار عاقر ناقة ثمود. (1) [492] - 2 - قال ابن أبي الحديد: - عند ذكر ما جرى في ليلة المبيت - سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسنى... إذا كانت قريش قد محصت رأيها... أن يضربوه - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - بأسياف
1. الخصال: 364 ح 58، الاختصاص: 169، ارشاد القلوب: 348. حلية الأبرار 1: 437، البحار 38: 183 عن الخصال. 299 من أيدي جماعة من بطون مختلفة... فلما ذا انتظروا به إلى الصبح؟ فإن الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار فعاينوا فيها شخصا مسجى بالبرد الحضرمى الأخضر فلم يشكوا أنه هو فرصدوه إلى أن أصبحوا فوجدوه عليا... فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى؟... فقال: لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة وكان إجماعهم على ذلك وعزمهم في حقنه من بني عبد مناف، لأن الذين محصوا هذا الرأي واتفقوا عليه: النضربن الحارث من بني عبد الدار، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، وزمعة بن الأسود بن المطلب; هؤلاء الثلاثة من بنى أسد بن عبد العزى، وأبو جهل بن هشام، وأخوه الحارث، وخالد بن الوليد بن المغيرة، هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعمرو بن العاص; هؤلاء الثلاثة من بني سهم، وأمية بن خلف وأخوه أبى بن خلف، هذان من بني جمح، فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فلقى منهم قوما فنهاهم عنه، وقال: إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه، ولكن صفدوه في الحديد وأحبسوه في دار من دوركم، وتربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء، وكان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس ورئيسهم، وهم من بني عبد مناف، وبنو عم الرجل ورهطه، فاحجم أبو جهل وأصحابه تلك الليلة عن قتله أحجاما، ثم تسوروا عليه، وهم يظنونه في الدار، فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمى لم يشكوا أنه هو; وائتمروا في قتله فكان أبو جهل يذمرهم عليه فيهمون ثم يحجمون. ثم قال بعضهم لبعض: ارموه بالحجارة، فرموه، فجعل علي يتضور منها ويتقلب ويتأوه تأوها خفيفا، فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه وإحجام عنه، لما يريده الله تعالى من سلامته ونجاته، حتى أصبح وهو وقيذ من رمى الحجارة. (1) [493] - 3 - قال الحاكم الحسكانى: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي دارم الحافظ،
1. شرح نهج البلاغة 13: 304. 300 حدثنا علي بن أحمد العجلى حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا أرطاط بن حبيب [حدثني عبيد بن ذكوان] قال: حدثني أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره قال حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال حدثني رسول الله وهو آخذ بشعره وقال: من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله. (1) [494] - 4 - قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل بن يسار، عن عبد الله بن نيار الأسلمى، عن عمرو بن شاس الأسلمي قال: وكان من أصحاب الحديبية، قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت في نفسي عليه فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس من أصحابه فلما رآني أبدنى عينيه يقول حدد إلى النظر حتى إذا جلست، قال: يا عمرو والله لقد آذيتني قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني. (2) [495] - 5 - وروى ابن شهر آشوب: عن الواقدي - الواحدي - في أسباب النزول ومقاتل بن سليمان وأبو القاسم القشيري في تفسير لهما أنه نزل قوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات...) (3) في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه
1. شواهد التنزيل 2: 147 ح 776 ورواه: عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 1: 226 ح 3 وفيه: لعنه الله ملؤ السماوات و الأرض، الأمالي للطوسي: 451 وفيه: لعنه ملأ السماوات وملأ الأرض وتلا " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا اليما ". مجمع البيان (7 - 8): 579 ذيل آية 58 من سورة الأحزاب عن الحسكاني. 2. مسند أحمد 3: 483، المصنف 6: 374 ح 32099، تاريخ ابن عساكر 1: 420 (وراجع ذيله للاطلاع على منابع أخرى للحديث)، المناقب لابن شهر آشوب 3: 311، مجمع الزوائد 9: 129، تفسير البرهان 3: 338. 3. الأحزاب: 58. 301 ويكذبون عليه. (1) [496] - 6 - وروى البحرانى: عن ابن مردويه بالإسناد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري وجابر الأنصاري " و في الفضائل بالإسناد، عن محمد بن عبد الله، عن جابر الأنصاري " و " في الخصائص عن النطنزي بإسناده، عن جابر " كلهم عن عمر بن الخطاب قال: كنت أجفوا عليا فلقيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إنك آذيتني يا عمر. فقلت: أعوذ بالله ممن آذى رسول الله قال: إنك قد آذيت عليا ومن آذى عليا فقد آذاني. (2) [497] - 7 - روى الطبرسي: عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام): لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) لما فخم من أمره وعظم من شأنه. من ذلك أنه لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد كان خلفه عليها وقال له: جبرئيل أتاني وقال لي: يا محمد، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد! إما أن تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم أنت ويخرج علي، لابد من ذلك، فإن عليا قد ندبته لاحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري. فلما خلفه، أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا: مله وسئمه وكره صحبته، فتبعه علي (عليه السلام) حتى لحقه وقد وجد غما شديدا عما قالوا فيه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أشخصك يا علي من مركزك؟ فقال: بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له (صلى الله عليه وآله): أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه أن يقتلوه وتقدموا في ان يحفروا له
1. المناقب 3: 311، عنه تفسير البرهان 3: 337. 2. تفسير البرهان 3: 338، انساب الاشراف 146 ح 147، وروى طبرسيي حديثا فيه غضب النبي (صلى الله عليه وآله) وتألمه على تقدم أبو بكر وعمرو على علي (عليه السلام) عند ورود هم الباب لم نذكره خوفا من الإطالة فراجع: الاحتجاج 1: 467. 302 في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص، وكان ذلك على طريق على الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه. فلما بلغ علي (عليه السلام) قرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغت جحفلته أذنيه، وقال: يا أمير المؤمنين، قد حفر لك هاهنا ودبر عليك الحتف وأنت أعلم، لا تمر فيه، فقال له علي (عليه السلام): جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدبيري، وأن الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل. وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان. فقال علي (عليه السلام): سر بإذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا أمرك، فتبادرت الدابة، فإن الله عزوجل قد متن الأرض وصلبها كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض، فلما جاوزها علي (عليه السلام) لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على أذنه ثم قال: ما أكرمك على رب العالمين، أجازك على هذا المكان الخاوي فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتنى بها. (1) [498] - 8 - قال المسعودي: إن العباس رضى الله عنه صار إلى أمير المؤمنين وقد قبض رسول الله فقال: أمدد يديك أبايعك، فقال: ومن يطلب هذا الأمر ومن يصلح له غيرنا وصار إليه ناس من المسلمين فيهم الزبير وأبو سفيان صخر بن حرب فأبى واختلف المهاجرون والأنصار، فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال قوم من المهاجرين: سمعنا رسول الله يقول الخلافة في قريش فسلمت الأنصار لقريش بعد أن ديس سعد بن عبادة ووطئوا بطنه وبايع عمر بن الخطاب أبا بكر وصفق على يديه ثم بايعه قوم ممن قدم المدينة ذلك الوقت من الأعراب والمؤلفة قلوبهم وتابعهم على ذلك غيرهم واتصل الخبر بأمير المؤمنين بعد فراغه من غسل رسول الله وتحنيطه وتكفينه
1. الاحتجاج 1: 51. 303 وتجهيزه ودفنه بعد الصلاة عليه مع من حضر من بني هاشم وقوم من صحابته مثل سلمان وأبي ذر المقداد وعمار وحذيفة وأبى بن كعب وجماعة نحو أربعين رجلا فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ان كانت الإمامة في قريش فأنا أحق من قريش بها وإن لا تكن في قريش فالأنصار على دعواهم) ثم اعتزلهم ودخل بيته وأقام فيه ومن اتبعه من المسلمين وقال: (إن لي في خمسة من النبيين أسوة، نوح إذ قال: أني مغلوب فانتصر، وإبراهيم إذ قال: و اعتزلكم و ما تدعون من دون الله، ولوط إذ قال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، وموسى إذ قال: ففررت منكم لما خفتكم، و هارون إذ قال: إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) ثم ألف عليه السلام القرآن وخرج إلى الناس وقد حمله في إزار معه وهو ينط من تحته فقال لهم: (هذا كتاب الله قد ألفته كما أمرني وأوصاني رسول الله كما أنزل) فقال له بعضهم: أتركه وامض، فقال لهم: إن رسول الله قال لكم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فإن قبلتموه فاقبلوني معه أحكم بينكم بما فيه من أحكام الله فقالوا: لا حاجة لنا فيه ولا فيك فانصرف به معك لا تفارقه ولا يفارقك، فانصرف عنهم. فأقام أمير المؤمنين ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت (محسنا) وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل، فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإنى عبد الله وأخو رسول الله وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها فمسحوا عليها وهي مضمومة. (1) [499] - 9 - قال البلاذري: حدثني بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الكلبى عن أبي صالح عن ابن عباس: بعث أبو بكر، عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته وقال: ائتني به بأعنف العنف. (2)
1. اثبات الوصية: 142، عنه البحار 28: 308 ح 50. 2. انساب الاشراف 1: 587 ح 1188، عنه الشافي 3: 240. 304 [500] - 10 - روى العياشي: عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده قال:... وأخرجوا عليا ملببا قال: وأقبل الزبير مخترطا سيفه وهو يقول: يا معشر بني عبد المطلب أيفعل هذا بعلى وأنتم أحياء وشد على عمر ليضربه بالسيف فرماه خالد بن الوليد بصخرة فأصابت قفاه وسقط السيف من يده فأخذه عمرو ضربه على صخرة فانكسر ومر علي (عليه السلام) على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) واتي بعلى (عليه السلام) إلى السقيفة إلى مجلس أبي بكر، فقال له عمر: بايع، قال: فإن لم أفعل فمه؟ قال: اذا والله نضرب عنقك، قال علي (عليه السلام): اذا والله أكون عبد الله وأخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) المقتول، فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم وأما أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا - حتى قالها ثلاثا - وأقبل العباس فقال: يا أبا بكر ارفقوا بابن أخي فلك علي أن يبايعك فأخذ العباس بيد علي (عليه السلام) فمسحها على يدي أبي بكر وخلوا عليا مغضبا فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: اللهم إنك تعلم أن النبي الأمي (صلى الله عليه وآله) قال لي: إن تموا عشرين فجاهدهم وهو قولك في كتابك: (فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) اللهم إنهم لم يتموا - حتى قالها ثلاثا - ثم انصرف. (1) [501] - 11 - قال السيد الرضى: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة (وذلك بعد ان تمت البيعة لأبى بكر في السقيفة، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه) [502] - 12 - [قال أمير المؤمنين (عليه السلام)]: أيها الناس، شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو أستسلم فأراح. هذا ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها. ومجتنى الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه.
1. تفسير العياشي 2: 66، الاختصاص: 185، البحار 28: 227 عن العياشي ونقلنا صدر الحديث في مأساة فاطمة الزهراء (عليها السلام). 305 فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت! هيهات بعد اللتيا والتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة. (1) [503] - 13 - روى السيد المرتضى: عن إبراهيم بن سعيد الثقفي، قال: حدثنا أحمد بن عمرو البجلي، قال: حدثنا أحمد بن حبيب العامري، عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: (والله ما بايع علي (عليه السلام) حتى رأى الدخان قد دخل عليه بيته). (2) [504] - 14 - وروى أيضا: عنه عن محمد بن أبي عمير عن أبيه عن صالح بن أبي الأسود عن عقبة بن سنان عن الزهري قال: ما بايع علي (عليه السلام) إلا بعد ستة أشهر، وما اجترى عليه إلا بعد موت فاطمة (عليها السلام). (3) [505] - 15 - وروى أيضا: عن المدائني، عن عبد الله بن جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي (عليه السلام) فقال: يا ابن عم إنه لا يخرج أحد إلى قتال هؤلاء وأنت لم تبايع، ولم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر فسر المسلمون بذلك، وجد الناس في قتالهم. (4) [506] - 16 - وروى أيضا: عن الثقفي، عن يحيى بن الحسن بن الفرات عن ميسر بن حماد عن موسى بن عبد الله بن الحسن قال: أبت أسلم أن تبايع وقالوا: ما كنا نبايع حتى يبايع بريدة لقول النبي (صلى الله عليه وآله) لبريدة: (علي وليكم من بعدي) فقال علي (عليه السلام): (يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي وأبايعهم أو إرتدت الناس حتى بلغت الردة أحدا فاخترت أن
1. نهج البلاغة باب الخطب، الخطبة: 5. 2. الشافي 3: 241. 3. الشافي 3: 242. 4. الشافي 3: 241. 306 أظلم حقي وإن فعلوا ما فعلوا). (1) [507] - 17 - وروى أيضا: عنه عن يحيى بن الحسن، عن عاصم بن عامر، عن نوح بن دراج، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه عن عدي بن حاتم قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليا حين أتى به ملببا فقيل له: بايع، قال: (فإن لم أفعل؟) قالوا: إذا نقتلك، قال: (إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله) ثم بايع كذا وضم يده اليمنى. (2) [508] - 18 - وروى أيضا: عن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد البجلي عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن عدى بن حاتم قال إني لجالس عند أبي بكر إذ جئ بعلي (عليه السلام) فقال له أبو بكر: بايع فقال له علي (عليه السلام): (فإن لم أفعل؟) فقال: أضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: (اللهم أشهد) ثم مد يده. (3) [509] - 19 - روى ابن أبي الحديد: عن الجوهري قال: وكثر الناس على أبي بكر، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم، واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب ومعهم الزبير، وكان يعد نفسه رجلا من بنى هاشم; كان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت; حتى نشأ بنوه، فصرفوه عنا. واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمن; فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة، فقال: مالي أراكم ملتاثين؟ قوموا فبايعوا أبا بكر; فقد بايع له الناس، وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما، فبايعوا أبا بكر. وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم أسيد بن حضير وسلمة بن
1. الشافي 3: 242. 2. الشافي 3: 242. 3. الشافي 3: 242. 307 أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه; وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعها بنو هشام، وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله); حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار. فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، وأعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع. فقال علي: احلب يا عمر حلبا لك شطره! اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، أنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالا لها واضطلاعا به، فسلم له هذا الأمر وارض به، فإنك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق; في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك. فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله! لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم. أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية! والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى، فتزدادوا من الحق بعدا. فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبى بكر، ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا.
308 وانصرف علي إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع. (1) [510] - 20 - وروى عنه أيضا: قال أبو بكر: وأخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا اليهما - يعنى عليا والزبير - فأتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا، قال: وكان في البيت ناس كثير; منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير، فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد، دونك هذا، فأمسكه خالد - وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءا لهما - ثم دخل عمر فقال لعلى: قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر، فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن; فخرجت إلى باب حجرتها، ونادت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله! والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله. (2) [511] - 21 - وقال أيضا: قال أبو بكر: وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الحكم، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن ليث بن سعد، قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر، فأخرج ملببا يمضى به ركضا; وهو يقول: معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين، لم يتخلف خلاف، وإنما تخلف لحاجة! فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق فبايع. (3)
1. شرح نهج البلاغة 6: 11. 2. شرح نهج البلاغة 6: 48 و 2: 57 مع تفاوت يسير. 3. شرح نهج البلاغة 6: 43. 309 [512] - 22 - وقال ابن قتيبة: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر، ما عدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم. (1) [513] - 23 - وروى سليم بن القيس: عن سلمان الفارسي... فلما كان الليل حمل على فاطمة (عليها السلام) على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته، فقال عمر لأبى بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع فإنه لم يبق أحد إلا قد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال: عمر نرسل إليه قنفذا وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب فأرسله وأرسل معه أعوانا وأنطلق فاستأذن على علي (عليه السلام) فأبي أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمرو هما جالسان في المسجد و الناس حولهما فقالوا لم يؤذن لنا، فقال عمر اذهبوا فإن أذن لكم وإلا فأدخلوا بغير إذن. فانطلقوا فاستأذنوا. فقالت فاطمة (عليها السلام) أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ الملعون فقالوا إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن بغضب عمر وقال مالنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب
1. الإمامة والسياسة: 12، الاحتجاج 1: 75، شرح نهج البلاغة 6: 13، البحار 28: 352 عن الاحتجاج. 310 فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وأبناها ثم نادى عمر - حتى أسمع عليا (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) -: والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار فقالت فاطمة (عليها السلام): يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقى الله تدخل على بيتي فأبي أن ينصرف، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت: يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، فوثب علي (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به، فقال: والذي كرم محمدا بالنبوة يا ابن صهاك لو لا كتاب من الله سبق وعهد عهده الى رسول الله لعلمت إنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي (عليه السلام) بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فإن خرج و إلا فاقتحم عليه بيته فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وثار علي (عليه السلام) إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة (عليها السلام) عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله ثم انطلق بعلى (عليه السلام) يعتل عتلا حتى انتهى به إلى أبي بكر وعمر قائم بالسيف على رأسه وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح، قال: قلت: لسلمان أدخلوا على فاطمة (عليها السلام) بغير إذن قال: إي والله وما عليها خمار. فنادت: يا أبتاه يا رسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر وعيناك لم تتفقا في قبرك، تنادى بأعلى صوتها، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم إلا باك
311 غير عمر وخالد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ، قال: فانتهوا بعلى (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو يقول، أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبدا، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من أربعين رجلا لفرقت جماعتكم ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني، ولما أن بصر به أبو بكر صاح خلوا سبيله، فقال علي (عليه السلام) يا أبا بكر ما أسرع ما توثبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). (1) [514] - 24 - روى ابن أبي الحديد: عنه (عليه السلام) أنه قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك; وإلا فالصق كلكلك بالأرض; فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلى، وأغضيت على القذى جفني، وألصقت بالأرض كلكلى. (2) [515] - 25 - قال المفيد: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثني المسعودي قال: حدثنا الحسن بن حماد، عن أبيه قال: حدثني رزين بياع الأنماط قال: سمعت زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: حدثني أبي، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يخطب الناس فقال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلى بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك، واستخلف عمر، وقد علم والله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي. ثم إن عمر هلك، وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الأقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي وألصقت كلكلى
1. كتاب سليم بن قيس الكوفي: 82، عنه الاحتجاج 1: 81 والبحار 28: 313 مع اختلاف في الالفاظ. 2. شرح نهج البلاغة 20: 326 ح 736، عنه علم اليقين 2: 627. 312 بالأرض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله. (1) [516] - 26 - قال السيد الرضى: من كلام له (عليه السلام) في التظلم والتشكي من قريش. اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم; فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفؤوا انائي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموما، أو مت متأسفا. فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب ولا مساعد، إلا أهل بيتي; فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقى على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار. (2) [517] - 27 - قال ابن أبي الحديد: قال الزبير: وحدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة، قال: حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قال: لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضا، و ذكروا علي بن أبي طالب، وهتفوا باسمه; وأنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام. وكان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم; وهم سهيل بن عمرو; أحد بني عامر ابن لؤي، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل المخزوميان; وهؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم دخلوا في الإسلام، وكلهم موتور قد وتره الأنصار، أما سهيل بن عمرو فأسره مالك بن الدخشم يوم بدر، وأما الحارث بن هشام، فضربه عروة بن عمرو، فجرحه يوم بدر; وهو فار عن أخيه. وأما عكرمة بن أبي جهل، فقتل أباه ابنا عفراء، وسلبه درعه يوم بدر زياد بن لبيد، وفي أنفسهم ذلك.
1. الأمالي: 151. 2. نهج البلاغة - تصحيح صبحي الصالح - خطبة: 217. 313 [518] - 28 - وقال أيضا: قال أبو بكر: وحدثنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن حاتم، قال: حدثنا الحرامي، قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: مر عمر بعلى وعنده ابن عباس بفناء داره، فسلم فسألاه: أين تريد؟ فقال: مالي بينبع، قال علي: أفلا نصل جناحك ونقوم معك؟ فقال: بلى، فقال لابن عباس: قم معه، قال: فشبك أصابعه في أصابعي، ومضى حتى إذا خلفنا البقيع، قال: يا بن عباس، أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا أنا خفناه على اثنتين. قال ابن عباس: فجاء بمنطق لم أجد بدا معه من مسألته عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ماهما؟ قال: خشيناه على حداثة سنه وحبه بني عبد المطلب. (1) [519] - 29 - وقال أيضا: قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد، قال: حدثنا هارون بن عمر، بأسناد رفعه إلى ابن عباس رحمه الله تعالى، قال: تفرق الناس ليلة الجابية عن عمر، فسار كل واحد مع إلفه، ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا، فحادثته، فشكا الى تخلف علي عنه. فقلت: ألم يعتذر إليك؟ قال: بلى، فقلت: هو ما اعتذر به، قال: يا بن عباس إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر; إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة، قلت: لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ ألم ننلهم خيرا؟ قال: بلى، ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا جحفا. (2) [520] - 30 - روى ابن أبي الحديد: عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب السقيفة قال: لما طعن عمر جعل الأمر شورى بين ستة نفر: علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن مالك وكان
1. شرح نهج البلاغة 6: 23. ونظن ان أبا بكر بعد ما أحس بهذه المقالات وما سمع من خطبة الزهراء (عليها السلام) شق عليه الامر وصعد المنبر وقال ما أوردناه في الفصل الثالث من مأساة فاطمة الزهراء (عليها السلام) نقلا عن ابن أبي الحديد 16: 214، فليراجع. 2. المصدر 2: 57. 314 طلحة يومئذ بالشام، وقال عمر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض وهو عن هؤلاء راض; فهم أحق بهذا الأمر من غيرهم، وأوصى صهيب بن سنان، مولى عبد الله بن جدعان - و يقال: إن أصله من حي من ربيعة بن نزار، يقال لهم عنزة - فأمره أن يصلي بالناس حتى يرضى هؤلاء القوم رجلا منهم، وكان عمر لا يشك أن هذا الأمر صائر إلى أحد الرجلين: علي وعثمان، وقال: إن قدم طلحة فهو معهم، وإلا فلتختر الخمسة واحدا منها... ثم قال: ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لما تخالجتنى فيه الشكوك، فإن أجتمع ثلاثة على واحد، فكونوا مع الثلاثة، وإن اختلفوا فكونوا مع الجانب الذي فيه عبد الرحمن. وقال لأبى طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة; فو الله لطالما أعز الله بكم الدين، و نصر بكم الإسلام; اختر من المسلمين خمسين رجلا، فائت بهم هؤلاء القوم في كل يوم مرة، فاستحثوهم حتى يختاروا لأنفسهم وللأمة رجلا منهم. (1) [521] - 31 - وقال أيضا: قال الشعبي: فحدثني من لا أتهمه من الأنصار وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري: هو سهل بن سعد الأنصاري - قال: مشيت وراء علي بن أبي طالب حيث انصرف من عند عمر، والعباس بن عبد المطلب يمشي في جانبه، فسمعته يقول العباس: ذهبت منا والله! فقال: كيف علمت؟ قال: ألا تسمعه يقول: كونوا في الجانب الذي فيه عبد الرحمن، لأنه ابن عمه، وعبد الرحمن نظير عثمان وهو صهره، فاذا اجتمع هؤلاء! فلو أن الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عني شيئا، مع أني لست أرجو إلا أحدهما، ومع ذلك فقد أحب عمر أن يعلمنا أن لعبد الرحمن عنده فضلا علينا. لعمر الله ما جعل الله ذلك لهم علينا، كما لم يجعله لأولادهم على أولادنا. أما والله لئن عمر لم يمت لأذكرته ما أتى إلينا قديما، ولا علمته سوء رأيه فينا، وما أتى إلينا حديثا; ولئن مات - وليموتن - ليجتمعن هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنا; ولئن فعلوها - وليفعلن - ليروننى حيث يكرهون; والله ما بي
1. شرح نهج البلاغة 9: 50. 315 رغبة في السلطان، ولا حب الدنيا; ولكن لإظهار العدل، والقيام بالكتاب والسنة. قال: ثم التفت فرآني وراءه، فعرفت أنه قد ساءه ذلك، فقلت: لا ترع أبا حسن! لا والله لا يستمع أحد الذي سمعت منك في الدنيا ما اصطحبنا فيها; فوالله ما سمعه مني مخلوق حتى قبض الله عليا إلى رحمته. (1) [522] - 32 - وقال أيضا: قال عوانة: فحدثنا إسماعيل، قال: حدثني الشعبي، قال: فلما مات عمر، وأدرج في أكفانه، ثم وضع ليصلي عليه، تقدم علي بن أبي طالب، فقام عند رأسه، وتقدم عثمان فقام عند رجليه، فقال علي (عليه السلام) هكذا ينبغي ان تكون الصلاة، فقال عثمان: بل هكذا، فقال عبد الرحمن: ما أسرع ما اختلفتم! يا صهيب، صل على عمر كما رضى أن تصلى بهم المكتوبة، فتقدم صهيب فصلى على عمر. قال الشعبي: وأدخل أهل الشورى دارا، فأقبلوا يتجادلون عليها، وكلهم بها ضنين، وعليها حريص; إما لدنيا وإما لآخرة، فلما طال ذلك قال عبد الرحمن: من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر ويختار لهذه الأمة رجلا منكم، فإنى طيبة نفسي أن أخرج منها، وأختار لكم؟ قالوا: قد رضينا; إلا علي بن أبي طالب فإنه اتهمه وقال: أنظروا أرى. فأقبل أبو طلحة عليه، وقال: يا أبا الحسن، ارض برأي عبد الرحمن، كان الأمر لك أو لغيرك، فقال علي: أعطني يا عبد الرحمن موثقا من الله لتؤثرن الحق، ولا تتبع الهوى، ولا تمل إلى صهر ولا ذي قرابة، ولا تعمل إلا لله، ولا تألو هذه الأمة أن تختار لها خيرها. قال: فحلف له عبد الرحمن بالله الذي لا اله إلا هو لأجتهدن لنفسي ولكم و للأمة، ولا أميل إلى هوى ولا إلى صهر ولا ذي قرابة. قال: فخرج عبد الرحمن، فمكث ثلاثة أيام يشاور الناس، ثم رجع واجتمع الناس، وكثروا على الباب لا يشكون أنه يبايع علي بن أبي طالب، وكان هوى قريش كافة ما عدا بنى هاشم في عثمان، وهوى طائفة من الأنصار مع علي وهوى
1. المصدر 9: 51. 316 طائفة أخرى مع عثمان; وهي أقل الطائفتين، وطائفة لا يبالون: أيهما بويع. قال: فأقبل المقداد بن عمرو; والناس مجتمعون، فقال: أيها الناس; اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو; إنكم إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا; فقام عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، فنادى: أيها الناس، إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا، وإن بايعتم عليا سمعنا وعصينا. قال له المقداد: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو كتابه، ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون ! فقال له عبد الله: يا بن الحليف العسيف، ومتى كان مثلك يجترئ على الدخول في أمر قريش. فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح: أيها الملأ إن أردتم ألا تختلف قريش فيما بينها، فبايعوا عثمان; فقال عمار بن ياسر: إن أردتم ألا يختلف المسلمون فيما بينهم فبايعوا عليا; ثم أقبل على عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال: يا فاسق يا بن الفاسق، أأنت ممن يستنصحه المسلمون، أو يستشيرونه في أمورهم وارتفعت الأصوات، ونادى مناد لا يدرى من هو! - فقريش تزعم أنه رجل من بني مخزوم، و الأنصار تزعم أنه رجل طوال آدم مشرف على الناس - لا يعرفه أحد منهم: يا عبد الرحمن، أفرغ من أمرك، وامض على ما في نفسك فإنه الصواب. (1) ثم قال ابن أبي الحديد: قال الشعبي: فأقبل عبد الرحمن على علي بن أبي طالب، فقال: عليك عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذ الله على النبيين من عهد وميثاق: إن بايعتك لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة أبي بكر وعمر! فقال علي (عليه السلام): طاقتي ومبلغ علمي وجهد رأيي; والناس يسمعون. فأقبل على عثمان، فقال له مثل ذلك، فقال: نعم لا أزول عنه ولا أدع شيئا منه. ثم أقبل على علي فقال له ذلك ثلاث مرات، ولعثمان ثلاث مرات، في كل ذلك يجيب علي مثل ما كان أجاب به، ويجيب عثمان بمثل ما كان أجاب به. فقال: ابسط يدك يا عثمان، فبسط يده فبايعه، وقام القوم فخرجوا; وقد بايعوا
1. المصدر 9: 51. 317 إلا علي ابن أبي طالب، فإنه لم يبايع. قال: فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل، وخرج علي وهو كاسف البال مظلم; وهو يقول: يا بن عوف; ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا، من دفعنا عن حقنا والاستئثار علينا! وإنها لسنة علينا، وطريقة تركتموها. ثم قال الشعبي: فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار، ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب أعندكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا. قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب و لا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة. (1) [523] - 33 - وقال أيضا: قال أحمد بن عبد العزيز: وحدثني المغيرة بن محمد المهلبي، قال: ذاكرت إسماعيل بن إسحاق القاضي بهذا الحديث، وأن أبا سفيان قال لعثمان: بأبي أنت! أنفق ولا تكن كأبي حجر، وتداولوها يا بني أمية تداول الولدان الكرة، فوالله ما من جنة ولا نار - وكان الزبير حاضر، فقال عثمان لأبى سفيان، اعزب، فقال: يا بني أهاهنا أحد! قال الزبير: نعم والله لا كتمتها عليك - قال: فقال إسماعيل: هذا باطل. قلت: وكيف ذلك قال: ما أنكر هذا من أبي سفيان ولكن أنكر أن يكون سمعه عثمان، ولم يضرب عنقه. (2) [524] - 34 - وقال أيضا: قال عوانة: فحدثني يزيد بن جرير، عن الشعبي، عن شقيق بن مسلمة، إن علي بن أبي طالب، لما انصرف إلى رحله قال لبني أبيه: يا بني عبد المطلب، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته، وإن يطع قومكم لا تؤمروا أبدا; و والله لا ينيب هؤلاء إلى الحق إلا بالسيف. قال: وعبد الله بن عمر بن الخطاب، داخل إليهم، قد سمع الكلام كله فدخل،
1. المصدر 9: 53. 2. المصدر 2: 45. 318 وقال: يا أبا الحسن، أتريد أن تضرب بعضهم ببعض! فقال: اسكت ويحك! فوالله لو لا أبوك وما ركب مني قديما وحديثا، ما نازعني ابن عفان ولا ابن عوف. فقام عبد الله فخرج. قال الشعبي: وخرج المقداد من الغد، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فأخذ بيده، وقال: إن كنت أردت بما صنعت وجه الله، فأثابك الله ثواب الدنيا والآخرة، وإن كنت إنما أردت الدنيا فأكثر الله مالك. فقال عبد الرحمن: اسمع، رحمك الله، اسمع! قال: لا أسمع والله; وجذب يده من يده، ومضى حتى دخل على علي (عليه السلام)، فقال: قم فقاتل حتى نقاتل معك، قال علي: فبمن أقاتل رحمك الله! وأقبل عمار بن ياسر ينادي: يا ناعي الإسلام قم فانعه * قد مات عرف وبدا نكر أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم، والله لئن قاتلهم واحد لأكونن له ثانيا. فقال علي: يا أبا اليقظان; والله لا أجد عليهم أعوانا، ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون. وبقى (عليه السلام) في داره، وعنده نفر من أهل بيته; وليس يدخل إليه أحد مخافة عثمان. قال الشعبي: واجتمع أهل الشورى على أن تكون كلمتهم واحدة على من لم يبايع فقاموا إلى علي، فقالوا: قم فبايع عثمان، قال: فإن لم أفعل، قالوا: نجاهدك قال: فمشى إلى عثمان حتى بايعه; وهو يقول: صدق الله ورسوله. فلما بايع أتاه عبد الرحمن بن عوف، فاعتذر إليه; وقال: إن عثمان أعطانا يده ويمينه ولم تفعل أنت، فأحببت أن أتوثق للمسلمين، فجعلتها فيه، فقال: إيها عنك! إنما آثرته بها لتنالها بعده، دق الله بينكما عطر منشم. (1) [525] - 35 - وقال أيضا: قال الشعبي: فأما ما يذكره الناس من المناشدة، وقول علي (عليه السلام) لأهل الشورى: أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا; فإنه لم يكن يوم البيعة، وإنما كان بعد ذلك بقليل; دخل علي (عليه السلام) على عثمان وعنده جماعة من الناس، منهم أهل الشورى، و
1. المصدر 9: 54. 319 قد كان بلغه عنهم هنات وقوارص، فقال لهم: أفيكم أفيكم! كل ذلك يقولون: لا، قال: لكني أخبركم عن أنفسكم; أما أنت يا عثمان ففررت يوم حنين، وتوليت يوم التقى الجمعان، وأما أنت يا طلحة فقلت: إن مات محمد لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا، وأما أنت يا عبد الرحمن، فصاحب قراريط، وأما أنت يا سعد فتدق عن أن تذكر. قال: ثم خرج، فقال عثمان: أما كان فيكم أحد يرد عليه! قالوا: وما منعك من ذلك وأنت أمير المؤمنين! وتفرقوا. (1) [526] - 36 - وقال أيضا: روى أبو سعد الآبي في كتابه عن ابن عباس، قال: وقع بين عثمان وعلي (عليه السلام) كلام، فقال عثمان: ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأن وجوههم شنوف الذهب، تصرع أنفهم قبل شفاههم. (2) [527] - 37 - وروى أيضا: عن الإمام علي (عليه السلام) قال: كنت في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) كجزء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ينظر إلى الناس كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء ثم غض الدهر منى، فقرن بي فلان وفلان، ثم قرنت بخمسة أمثلهم، عثمان، فقلت: وإذ فرآه! ثم لم يرض الدهر لي بذلك; حتى أرذلنى، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال حتى القرعى. وقال (عليه السلام): أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي إلى إن الأمة ستغدر بك من بعدي. (3) [528] - 38 - وقال أيضا: ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ في الكتاب الذي أورد فيه المعاذير عن أحداث
1. المصدر 9: 56. 2. المصدر 9: 22. 3. المصدر 20: 326 ح 733 و 734. 320 عثمان، إن عليا اشتكى، فعاده عثمان من شكايته; فقال علي (عليه السلام): وعائدة تعود لغير ود * تود لو ان ذا دنف يموت فقال عثمان: والله ما أدرى أحياتك أحب إلى أم موتك! إن مت هاضنى فقدك، وإن حييت فتنتنى حياتك، لا أعدم ما بقيت طاعنا يتخذك رديئة يلجأ إليها. فقال علي (عليه السلام): ما الذي جعلني دريئة (1) للطاعنين العائبين! إنما سوء ظنك بي أحلني من قلبك هذا المحل، فإن كنت تخاف جانبي فلك علي عهد الله وميثاقه أن لا بأس عليك مني، ما بل بحر صوفة، وإني لك لراع، وإني عنك لمحام; ولكن لا ينفعني ذلك عندك. وأما قولك: " إن فقدي يهيضك "، فكلا إن تهاض لعقدي، ما بقي لك الوليد ومروان. فقام عثمان فخرج. (2) [529] - 39 - وقال أيضا: روى لزبير بن بكار أيضا في كتابه، عن رجال أسند بعضهم عن بعض، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: أرسل إلى عثمان في الهاجرة، فتقنعت بثوبي، وأتيته، فدخلت عليه وهو على سريره، وفي يده قضيب، وبين يديه مال دثر: صبرتان من ورق وذهب، فقال: دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني، فقلت: وصلتك رحم! ان كان هذا المال ورثته، أو إعطاكه معط، أو اكتسبته من تجارة; كنت أحد رجلين: إما آخذ وأشكر، أو أوفر وأجهد، وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل، فوالله مالك أن تعطينيه ولا لي أن آخذه. فقال: أبيت والله إلا ما أبيت. ثم قام إلى بالقضيب فضربني، والله ما أرد يده، حتى قضى حاجته، فتقنعت بثوبي، ورجعت إلى منزلي، وقلت: الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر! (3)
1. يحتمل ان يكون رديئة وكلاهما صحيح. 2. المصدر 8: 252. 3. المصدر 9: 16. 321 [530] - 40 - وقال أيضا: روى محمد بن عمر الواقدي رحمه الله تعالى، قال: لما أجلب الناس على عثمان، وكثرت القالة فيه، خرج ناس من مصر;... وعليهم جميعا أبو حرب الغافقي، وكانوا في ألفين. وخرج ناس من الكوفة،... في ألفين. وخرج ناس من أهل البصرة،... وعليهم حرقوص بن زهير السعدي; وذلك في شوال من سنة خمس وثلاثين، وأظهروا أنهم يريدون الحج. فلما كانوا من المدينة، على ثلاث تقدم أهل البصرة، فنزلوا ذا خشب - وكان هواهم في طلحة - وتقدم أهل الكوفة، فنزلوا الأعوص - وكان هو أهم في الزبير - وجاء أهل مصر فنزلوا المروة - وكان هواهم في علي (عليه السلام) - ودخل ناس منهم إلى المدينة يخبرون ما في قلوب الناس لعثمان، فلقوا جماعة من المهاجرين والأنصار، ولقوا أزواج للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقالوا: إنما نريد الحج، ونستعفي من عمالنا... وخرج عثمان يوم الجمعة، فصلى بالناس، وقام على المنبر... وثار القوم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه; فأدخل داره; واستقتل نفر من أهل المدينة مع عثمان; منهم سعد بن أبي وقاص، والحسن بن علي (عليهما السلام)، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة; فأرسل إليهم عثمان: عزمت عليكم أن تنصرفوا; فانصرفوا. وأقبل علي وطلحة والزبير، فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته، ويشكون إليه ما يجدون لأجله; وعند عثمان نفر من بني أمية، منهم مروان بن الحكم، فقالوا لعلى (عليه السلام): أهلكتنا وصنعت هذا الذي صنعت! والله إن بلغت هذا الأمر الذي تريده لنمرن عليك الدنيا; فقام مغضبا، وخرج الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم. (1) [531] - 41 - قال الرضى: ومن كلام [للأمام علي (عليه السلام)] قاله لعبد الله بن عباس: وقد جاءه برسالة من عثمان، وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقل هتف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل.
1. المصدر 2: 140. 322 فقال (عليه السلام): يا بن عباس، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب، اقبل وادبر! بعث إلى أن اخرج، ثم بعث إلى أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلى أن أخرج! والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما. (1) [532] - 42 - قال ابن أبي الحديد: وروى أبو جعفر أيضا أن عليا (عليه السلام) كان في ماله بخيبر لما حصر عثمان، فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة، وكان لطلحة في حصار عثمان أثر، فلما قدم علي (عليه السلام) أتاه عثمان، وقال له: أما بعد; فإن لي حق الإسلام وحق الإخاء والقرابة و الصهر، ولو لم يكن من ذلك شئ وكنا في جاهلية، لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتز بنو تيم أمرهم - يعنى طلحة - فقال له علي: أنا أكفيك، فاذهب أنت. ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة بن زيد، فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة وهي مملوءة من الناس، فقال له: يا طلحة، ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان؟ فقال: يا أبا حسن، أبعد أن مس الحزام الطبيين! فانصرف علي (عليه السلام) حتى أتى بيت المال، فقال: افتحوه، فلم يجدوا المفاتيح، فكسر الباب، وفرق ما فيه على الناس; فانصرف الناس من عند طلحة حتى بقي وحده، وسر عثمان بذلك; وجاء طلحة فدخل على عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين; إني أردت أمرا فحال الله بيني وبينه، وقد جئتك تائبا، فقال: والله ما جئت تائبا ولكن جئت مغلوبا; والله حسيبك يا طلحة. (2) [533] - 43 - وقال أيضا: قال أبو جعفر: ثم إن محاصري عثمان أشفقوا من وصول أجناد من الشام والبصرة تمنعه فحالوا بين عثمان وبين الناس، ومنعوه كل شئ حتى الماء، فأرسل عثمان سرا إلى علي (عليه السلام)، وإلى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) إنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا. فجاء علي (عليه السلام) في الغلس وأم حبيبة بنت أبي سفيان، فوقف علي (عليه السلام) على الناس
1. نهج البلاغة - تصحيح ابن أبي الحديد - الخطبة: 239. 2. شرح نهج البلاغة 2: 147. 323 فوعظهم، وقال: أيها الناس; إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين; إن فارس والروم لتأسر فتطعم وتسقى، فالله الله! لا تقطعوا الماء عن الرجل; فأغلظوا له وقالوا: لا نعم ولا نعمة عين. فلما رأى منهم الجد نزع عمامته عن رأسه، ورمى بها إلى دار عثمان، يعلمه أنه قد نهض وعاد. وأما أم حبيبة - وكانت مشتملة على إداوة - فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إن وصايا أيتام بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال اليتامى، فشتموها، وقالوا: أنت كاذبة، وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فحملوها إلى منزلها. (1) [534] - 44 - وقال أيضا: قال أبو جعفر: فلما طال الأمر وعلم المصريون أنهم قد أجرموا إليه جرما كجرم القتل، وأنه لافرق بين قتله وبين ما أتوا إليه، وخافوا على نفوسهم من تركه حيا، راموا الدخول عليه من باب داره، فأغلقوا الباب، ومانعهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة، ومروان، وسعيد بن العاص; وجماعة معهم من أبناء الأنصار، فزجرهم، عثمان، وقال: أنتم في حل من نصرتي...! ثم قال للحسن: إن أباك الآن لفى أمر عظيم من أجلك، فأخرج إليه، أقسمت عليك لما خرجت إليه! فلم يفعل، ووقف محاميا عنه. (2) [535] - 45 - قال المسعودي: اجتمع المهاجرون والأنصار على محاصرة عثمان والهجوم عليه حتى قتلوه و ذلك في أربع وعشرين سنة من إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم صار الناس إلى أمير المؤمنين ليبايعوه فامتنع عليهم فألحوا عليه حتى أكرهوه وتداكوا عليه تداك الإبل على الماء، فبايعهم على كتاب الله وسنة نبيه طائعين راغبين فلما بايعوه قام
1. المصدر 2: 153. 2. المصدر 2: 155. 324 خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ثم قال أيها الناس..... (1) [536] - 46 - قال السيد الرضى: ومن كلام له (عليه السلام) [لما بويع في المدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام] ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم. إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات، حجزته التقوى عن تقحم الشبهات ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه (صلى الله عليه وآله). والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة، ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوط القدر، حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، و ليسبقن سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا. والله ما كتمت وشمة، ولا كذبت كذبة، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها، وخلعت لجمها، فتقحمت بهم في النار. ألا وإن التقوى مطايا ذلل، حمل عليها أهلها، وأعطوا أزمتها، فأوردتهم الجنة. حق وباطل، ولكل أهل، فلئن امر الباطل لقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل، ولقلما أدبر شئ فأقبل! شغل من الجنة والنار أمامه! ساع سريع نجا، وطالب بطىء رجا، ومقصر في النار هوى. اليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة، عليها باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السنة، وإليها مصير العاقبة. هلك من ادعى، وخاب من افترى. من أبدى صفحته للحق هلك. وكفى بالمرء جهلا ألا يعرف قدره. لا يهلك على التقوى سنخ أصل، ولا يظمأ عليها زرع قوم. فاستتروا في بيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم، والتوبة من ورائكم، ولا يحمد حامد إلا ربه، ولا يلم لائم إلا نفسه. (2) [537] - 47 - روى ابن أبي الحديد: عن الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح، عن ابن عباس رضى الله عنهما: أن عليا (عليه السلام) خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال: فإن الحق القديم لا
1. اثبات الوصية: 145 والخطبة بعينها هي الخطبة التي نقلناها عن السيد الرضى مع تفاوت. 2. نهج البلاغة باب الخطب. 325 يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته إلى حاله; فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق. (1) [538] - 48 - قال الديلمي: وامتحن - علي (عليه السلام) - بحرب الناكثين والقاسطين والمارقين، كما أخبره النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك. وبيان هذه الحروب على سبيل الاختصار أنه بعد أن آل الأمر إليه (عليه السلام) وبايعه المسلمون، نهض طلحة والزبير ونكثا بيعته وانحازا إلى عائشة واجتمعوا على قتاله وتوجهوا إلى البصرة وانضم إليهم منها خلق كثير وخرجوا ليحاربوه، وخرج علي (عليه السلام) وردعهم فلم يرتدعوا ووعظهم فلم يتعظوا وأصروا على قتاله فقاتلهم حينئذ حتى قتل منهم ستة عشر ألفا وسبعمائة وتسعين وكانوا ثلاثين ألفا، وقتل من أصحابه ألف وسبعون رجلا وكانوا عشرين ألفا، وهذه الوقعة تسمى وقعة الجمل وهي حربه للناكثين، وبعد ذلك اشتغل بوقعة صفين وحربه مع معاوية وهي جهاده القاسطين. وهذه الحروب من الوقائع العظام التي يكاد أن يضطرب لها فؤاد الجنين ويشيب منها رأس الوليد، وبقى (عليه السلام) يكابد هذه الوقعة ثمانية عشر شهرا، وقتل فيها من الفريقين على أقل الروايات مائة ألف، خمسة وسبعون ألفا من الشام وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق، وفي ليلة الهرير من هذه الوقعة، وهي أشد أوقاتها، قتل من الفريقين ستة وثلاثون ألفا، وقتل (عليه السلام) بمفرده في هذه الليلة خمسمائة و ثلاثة وعشرين فارسا، لأنه كان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته في تلك الليلة فكانت خمسمائة وثلاثا وعشرين تكبيرة بخمسمائة وثلاثة و عشرين فارسا قتيلا، وعرفوا قتلاه نهارا بضرباته التي كانت على وتيرة واحدة: إن ضرب طولا قد، وإن ضرب عرضا قط، وكانت كأنها مكواة. وفي صبيحة هذه الليلة انتظم أمر أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ولاحت لهم أمارات الظفر ولاحت علامات النصر، وزحف مالك الأشتر حتى ألجأهم إلى معسكرهم ولم
1. شرح نهج البلاغة 1: 269. 326 يبق إلا أخذهم وقبض معاوية: فلما رأى عمرو بن العاص الحال على هذا قال لمعاوية: نرفع المصاحف وندعوهم إلى كتاب الله تعالى، فقال أصبت، فرفعوها فرجع القراء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن القتال وأقبلوا إليه وهم أربعة آلاف فارس كأنهم السد من الحديد وقالوا ابعث الأشتر عن قتال هؤلاء، فقال لهم إنها خديعة ابن العاص وشيطنته، هؤلاء ليسوا من رجال القرآن، فلم يقبلوا وقالوا لابد ان ترد الأشتر وإلا قتلناك أو سلمناك إليهم، فأنفذ علي (عليه السلام) يطلب الأشتر، فقال قد أشرفت على الفتح وليس هذا وقت طلبي، فعرفه اختلال أصحابه فرجع وعنف القراء وسبهم وسبوه وضرب وجوه دوابهم فلم يرجعوا ووضعت الحرب أوزارها. عند ذلك بعث إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: لماذا رفعتم المصاحف؟ قالوا للدعاء إلى العمل بمضمونها وأن نقيم حكما وتقيموا حكما ينظران في هذا الأمر ويقران الحق مقره، فتبسم أمير المؤمنين [(عليه السلام)] تعجبا وقال: يا ابن أبي سفيان، أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله وأنا كتابه الناطق، إن هذا لهو العجب العجيب والأمر الغريب! ثم قال لأولئك القراء: إنها حيلة وخديعة فعلها ابن العاص لمعاوية، فلم يسمعوا وألزموه بالتحكيم، فعين معاوية عمرو بن العاص وعين أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن العباس فلم يوافقوا، قال: فالأشتر، فأبوا وأختاروا أبا موسى الأشعري، فقال علي (عليه السلام): إن أبا موسى الأشعري ضعيف العقل وهواه مع غيرنا، فقالوا: لابد منه، وحكموه، فخدع عمرو أبا موسى وحمله على خلع أمير المؤمنين وأنه يخلع معاوية، وأمره بالتقدم حيث هو أكبر سنا فصعد أبو موسى المنبر وخطب ونزع أمير المؤمنين [(عليه السلام)] من الخلافة: ثم قال: قم يا عمرو فافعل كذلك، فقام وصعد المنبر وخطب وأقر الخلافة في معاوية، فشتمه أبو موسى وتلاعنا. فقال علي (عليه السلام) لأصحابه القراء العباد الذين غلبوا على رأيه بالتحكيم: ألم أقل لكم إنها حيلة فلا تنخدعوا بها فلم تقبلوا؟ قالوا: لعنهم الله، ما كان ينبغي لك أن تقبل منا
327 فأنت قد عصيت الله ورسوله بقبولك منا ولا طاعة لمن عصى الله. وخرجوا من الكوفة مصرين على قتاله (عليه السلام) وأمروا عليهم عبد الله بن وهب وذا الثدية وقالوا: ما نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة، فقرا (عليه السلام): هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ثم التحم القتال، وحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة واحدة، فلم تمض إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم سوى تسعة أنفس فإنهم هربوا، وقتل من أصحاب علي (عليه السلام) تسعة، عدد من سلم من الخوارج، وكان (عليه السلام) قد أخبر من قبل القتال بانا نقتلهم ولا يقتل منا عشرة ولا يسلم منهم عشرة. فهذه وقعة النهروان وهو قتاله (عليه السلام) للخوارج المارقين الذين قال النبي (صلى الله عليه وآله) في حقهم: إنهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأعظمهم يوم القيامة عند الله وسيلة. (1) [539] - 49 - قال السيد الرضى: [من كلام له (عليه السلام) وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا. فيها يذكر فضل الجهاد، ويستنهض الناس ويذكر علمه بالحرب ويلقى عليهم التبعة لعدم طاعته]. أما بعد... ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان. وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار. وقد قتل حسان بن حسان البكري. وأزال خيلكم عن مسالحها ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة. فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام. ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق لهم دم; فلو أن امرأ مسلما
1. ارشاد القلوب: 248. 328 مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا; فيا عجبا عجبا - والله - يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم! فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر; فإذا كنتم من الحر والقر تفرون; فأنتم والله من السيف أفر! يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال. لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان; حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسا، وأقدم فيها مقاما منى! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأى لمن لا يطاع! (1) [540] - 50 - وقال أيضا: [ومن كلام له (عليه السلام) بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاج بعد قصة الحكمين وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف] أيها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدى حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، و سألتموني التطويل، دفاع ذي الدين المطول. لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى
1. نهج البلاغة - تصحيح صبحي الصالح - الخطبة: 27. 329 بأفوق ناصل. أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم. أقولا بغير علم! و غفلة من غير ورع! وطمعا في غير حق!؟ (1) [541] - 51 - وقال أيضا: [ومن كلام له (عليه السلام) في استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج، و فيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد]. أف لكم! لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا؟ وبالذل من العز خلفا؟ إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، يرتج عليكم حواري فتعمهون، وكان قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم. ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر، لبئس - لعمر الله - سعر نار الحرب أنتم! تكادون ولا تكيدون، و تنتقص أطرافكم فلا تمتعضون; لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله المتخاذلون! وأيم الله إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحر الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس. والله إن أمرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفرى جلده، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك ان شئت; فأما أنا فوالله دون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام. وتطيح السواعد والاقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.... (2) [542] - 52 - وقال أيضا: [وقد تواترت عليه (عليه السلام) الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن، وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة، فقام (عليه السلام) على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له
1. المصدر، الخطبة: 29، الارشاد: 146 مع تفاوت. 2. المصدر، الخطبة: 34. 330 في الرأى،] فقال (عليه السلام): ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها، إن لم تكوني إلا أنت، تهب أعاصيرك فقبحك الله! [وتمثل بقول الشاعر:] لعمر أبيك الخير يا عمرو إنني * على وضر - من ذا الاناء - قليل ثم قال (عليه السلام): انبئت بسرا قد اطلع اليمن، وأني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم. فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم إني قد مللتهم وملونى، وسئمتهم وسئمونى، فأبدلنى بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا منى، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء، أما والله لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم. هناك، لو دعوت، أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم. ثم نزل (عليه السلام) من المنبر. (1) [543] - 53 - وقال أيضا: [من كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف:] ألا وإن لكل مأموم إماما، يقتدى به ويستضىء بنور علمه، ألا وإن أمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهى في عيني أوهى وأهون من عفصة مقرة بلى! كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب
1. المصدر، الخطبة: 25. 331 المتراكم; وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز. ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة - ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطانا وحولى بطون غرثى وأكباد حرى أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد! أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها، وتلهو عما يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو اعتسف طريق المتاهة! وكأني بقائلكم يقول: " إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران، ومنازلة الشجعان " ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، والرواتع الخضرة أرق جلودا، والنابتات العذية أقوى وقودا، وأبطأ خمودا. وأنا من رسول الله كالضوء من الضوء، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت والفرص من رقابها لسارعت إليها وسأجهد في أن اطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس، والجسم المركوس، حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد. (1) [544] - 54 - روى ابن أبي شيبة: عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد عن عبيدة قال: قال علي (عليه السلام) ما يحبس أشقاها أن يجبيني فيقتلني، اللهم إنني قد سئمتهم وسئموني فأرحني منهم وأرحهم مني. (2)
1. المصدر، الكتب: 45. 2. المصنف 7: 444 ح 37089، انساب الاشراف 2: 501 ح 549. 332 الفصل الثالث: في الإخبار عن شهادته (عليه السلام) إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) [545] - 1 - قال السيد الرضى: [ومن كلام له (عليه السلام) خاطب به أهل البصرة... وقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها؟] فقال (عليه السلام): إنه لما أنزل سبحانه، قوله: (آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها؟ فقال: " يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي "، فقلت: يا رسول الله، أو ليس قد قلت لي يوم احد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي، فقلت لي: " أبشر، فإن الشهادة من ورائك؟ " فقال لي: " إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟ " فقلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر وقال: " يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم ويتمنون رحمته، و يأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة، والأهواء الساهية، فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع " قلت: يا رسول الله فبأي المنازل انزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردة، أم بمنزلة فتنة؟ فقال: بمنزلة فتنة. (1)
1. نهج البلاغة - تصحيح صبحي الصالح: 218 الخطبة: 156. 333 [546] - 2 - قال الطوسي: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن الحسن البغدادي، قال: حدثنا الحسين بن عمر المقري، عن علي بن الأزهر، عن علي بن صالح المكي، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده (عليه السلام) قال: لما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) (إذا جاء نصر الله و الفتح) فقال لي: يا علي، لقد جاء نصر الله والفتح، فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا. يا علي، إن الله (تعالى) قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي، كما كتب عليهم جهاد المشركين معي. فقلت: يا رسول الله، وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني. فقلت: فعلى م نقاتلهم يا رسول الله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ فقال: على إحداثهم في دينهم، وفراقهم لأمري، واستحلالهم دماء عترتي. قال: فقلت: يا رسول الله، إنك كنت وعدتني الشهادة فسل الله تعجيلها لي. فقال: أجل قد كنت وعدتك الشهادة، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا؟ وأومىء إلى رأسي ولحيتي. فقلت: يا رسول الله أما إذا بينت لي بينت فليس هذا بمواطن صبر، لكنه موطن بشرى وشكر. فقال: أجل فأعد للخصومة فإنك تخاصم أمتي. قلت: يا رسول الله، أرشدني الفلج. قال: إذا رأيت قومك قد عدلوا عن الهدى إلى الضلال فخاصمهم، فإن الهدى من الله والضلال من الشيطان; يا علي، إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات فاستحلوا الخمر والنبيذ والبخس بالزكاة والسحت بالهدية. فقلت: فما هم إذا فعلوا ذلك أهم أهل فتنة أو أهل ردة؟ فقال: هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل.
334 فقلت: يا رسول الله، العدل منا أم من غيرنا؟ فقال بل منا، بنا فتح الله وبنا يختم، و بنا ألف الله بين القلوب بعد الشرك وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة. فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله. (1) [547] - 3 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبنا ذات يوم، فقال أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة... قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر، فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل، ثم بكى فقلت: يا رسول الله ما يبكيك، فقال: يا علي أبكى لما يستحل منك في هذا الشهر كأنى بك وأنت تصلى لربك، وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك، ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك و اصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي يا علي أنت وصيى وأبو ولدى وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي و بعد موتي أمرك أمري ونهيك نهيي أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده. (2)
1. الأمالي: 65 ح 96، احقاق الحق 7: 338 ملخصا مع اختلاف في الالفاظ و 6: 37 مع اختلاف أيضا، نهج البلاغة الخطبة 156 مع اختلاف أيضا. 2. الأمالي: 84، عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 1: 265 ح 53، روضة الواعظين: 346، روضة المتقين 3: 279، اثبات الهداة 1: 494 مختصرا، البحار 42: 190 عن الأمالي، احقاق الحق 5: 50 و 22: 323. 335 [548] - 4 - قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن إسحق حدثني يزيد بن محمد بن خثيم المحاربى عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خثيم أبي يزيد عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي (عليه السلام) رفيقين في غزوة ذات العشيرة فلما نزلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل فقال لي علي: يا أبا اليقظان هل لك أن نأتى هؤلاء فننظر كيف يعملون فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا فوالله ما أهبنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلى " يا أبا تراب " لما يرى عليه من التراب، قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله: قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه يعنى قرنه حتى تبل منه هذه يعنى لحيته. (1) [549] - 5 - قال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ومطلب بن شعيب الأزدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم أن أبا سنان الدؤلي حدثه أنه عاد عليا (عليه السلام) في شكوة اشتكاها فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أبا الحسن في شكواك هذا؟ فقال: ولكني والله ما تخوفت على نفسي منه، لأنى سمعت الصادق المصدوق (صلى الله عليه وآله) يقول: " إنك ستضرب ضربة ههنا و ضربة ههنا " وأشار إلى صدغيه " فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود ". (2)
1. مسند أحمد 4: 263، مناقب ابن المغازلي: 8، تاريخ ابن عساكر 3: 348 بطرق وأسانيد مختلفة، احقاق الحق 17: 351، وفيه: الدولأبى قال: أخبرني أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي، قال: حدثنا حاتم بن وردان أبو يزيد، قال: حدثنا أيوب، قال: أخبرني داود سليمان بن سيف الحراني، قال حدثنا سعيد بن زريع قال: حدثنا ابن إسحاق.... 2. المعجم الكبير 1: 106 ح 173، شواهد التنزيل 2: 438 ح 1099، تاريخ ابن عساكر 3: 336، أسد الغابة 4: 116، كشف الغمة 1: 427، الفصول المهمة: 124، البحار 42: 193 ح 10 عن كشف الغمة. 336 [550] - 6 - قال الثقفي: رأيت كتابا عن الحسن بن الحسين بن طحال المقدادي قال: وروى الخلف عن السلف عن ابن عباس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلى (عليه السلام) يا علي إن الله عرض مودتنا أهل البيت على السماوات والأرض فأول من أجاب منها السماء السابعة فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم سماء الدنيا فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام، ثم أرض الشام فشرفها ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي فقال: أقبر بكوفان العراق؟ فقال له: نعم; تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض، يقتلك أشقى هذه الأمة عبد الرحمن بن ملجم أدنى أهل النيران لعنه الله فوالذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من العراق مائة ألف سيف. (1) [551] - 7 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الوفاء عمر بن الفضل [بن أحمد بن عبد الله] المميز أنبأنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله بن خرشيد قوله، أنبأنا عمر بن الحسن، أنبأنا أبو يعلى المسمعي، أنبأنا عبد العزيز بن الخطاب، أنبأنا ناصح بن عبد الله المحلمي: عن عطا [ء] بن السائب، عن أنس بن مالك، قال: مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النبي (صلى الله عليه وآله) فتحولت عن مجلسي فجلس النبي (صلى الله عليه وآله) حيث كنت جالسا وذكر كلاما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظا، ولن يموت إلا مقتولا. (2) [552] - 8 - وقال أيضا: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي أنبأنا أبو القاسم ابن مسعدة الجرجاني أنبأنا
1. الغارات 2: 844، فرحة الغري: 27 عنها، البحار 42: 197 ح 16. 2. تاريخ ابن عساكر 3: 324 ح 1364. 337 أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني أنبأنا أحمد بن الحسين الصوفي أنبأنا عباد بن يعقوب، أنبأنا علي بن هاشم، عن ناصح - يعنى ابن عبد الله المحلمي -: عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلى: إنك مستخلف ومقتول، وإن هذه مخضوب من هذه [يعنى] لحيته من رأسه. (1) [553] - 9 - قال الصدوق: حدثنا أبي رضى الله عنه: قال حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين الثقفي، عن صالح بن عقبة، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما هلك أبو بكر واستخلف عمر، رجع عمر إلى المسجد، فقعد فدخل عليه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إني رجل من اليهود وأنا علامتهم وقد أردت أن أسألك عن مسائل إن أجبتني فيها أسلمت، قال: ما هي؟ قال: ثلاث و ثلاث وواحدة، فإن شئت سألتك، وإن كان في قومك أحد أعلم منك فأرشدني إليه. قال: عليك بذلك الشاب - يعنى علي بن أبي طالب (عليه السلام) - فسأله، ثم قال: السابعة: فأسألك كم يعيش وصيه بعده؟ قال: ثلاثين سنة، قال: ثم ماذا؟ يموت أو يقتل؟ قال: يقتل ويضرب على قرنه فتخضب لحيته. قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى. (2) [554] - 10 - وفي رواية الديلمي: قال الفتى صدقت فوالله الذي لا إله إلا هو إنه لمكتوب عندي بإملاء وخط هارون بيده ثم قال: فأخبرني كم يعيش وصى محمد بعده وهل يموت موتا أو يقتل قتلا؟ قال علي (عليه السلام): ويحك أنا وصى محمد أعيش بعده ثلاثين سنة لا أزيد يوما ولا أنقص يوما ثم يبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة صالح فيضربني ضربة في فرقى
1. المصدر 3: 325 ح 1366. 2. عيون اخبار الرضا (عليه السلام) 1: 56 ح 19، عنه البحار 42: 191 ح 2، وروى الحديث مفصلا في الاحتجاج 1: 537. 338 فتخضب منه لحيتي ثم بكى (عليه السلام) بكاء شديدا. قال: فصرخ الفتى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. (1) [555] - 11 - قال ابن أبي الحديد: لما خرج علي (عليه السلام) لطلب الزبير خرج حاسرا، وخرج إليه الزبير دارعا مدججا، فقال لزبير: يا أبا عبد الله، قد لعمري أعددت سلاحا، وحبذا فهل أعددت عند الله عذرا؟ فقال الزبير: إن مردنا إلى الله، قال علي (عليه السلام) (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين)، ثم أذكره الخبر، فلما كر الزبير راجعا إلى أصحابه نادما واجما، رجع علي (عليه السلام) إلى أصحابه جذلا مسرورا، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تبرز إلى الزبير حاسرا، وهو شاك في السلاح، وأنت تعرف شجاعته! قال: إنه ليس بقاتلي، إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلة في غير مأقط حرب، ولا معركة رجال، ويلمه أشقى البشر! ليودن أن أمه هبلت به! أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن. (2) [556] - 12 - قال ابن عساكر: أخبرناه أبو علي الحسن بن المظفر، أنبأنا أبو محمد حيلولة وأخبرنا أبو القاسم بن الحصين أنبأنا أبو علي، قالا: أنبأنا أحمد بن جعفر، أنبأنا عبد الله، حدثني أبي أنبأنا وكيع أنبأنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، قال: سمعت عليا يقول: " لتخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى " (3) [557] - 13 - قال البلاذري: حدثني أبو بكر الأعين، ومحمد بن سعد، قالا: حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم، حدثنا سليمان بن القاسم الثقفي، قال: حدثتني أمي، عن أم جعفر سرية علي [(عليه السلام)]، قالت: إني لأصب على يديه الماء إذ رفع رأسه فأخذ بلحيته فرفعها إلى أنفه ثم قال:
1. ارشاد القلوب: 320، اثبات الهداة 4: 454 ح 33 مع تفاوت، البحار 36: 221. 2. شرح نهج البلاغة 1: 234، المناقب للشيرواني: 214. 3. تاريخ ابن عساكر 3: 329 ح 1371 وبهذا المضمون أحاديث كثيرة فراجع: مقتل ابن أبي الدنيا: 40 ح 24، أسد الغابة 4: 116. 339 واها لك لتخضبن بدم قالت: فأصيب يوم الجمعة. (1) [558] - 14 - روى ابن بطريق: بإسناده عن فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال أخبرنا علي بن الحكيم، قال: أخبرنا شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: قدم على علي (عليه السلام) قوم من أهل البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتق الله يا علي فإنك ميت فقال علي (عليه السلام): بل مقتول قتيلا، ضربة على هذا تخضب هذه - يعنى لحيته ورأسه - عهد معهود و قضاء مقضى وقد خاب من افترى وعاتبه في لباسه فقال: ما يمنعك أن تلبس [لباسا خيرا من هذا] فقال: مالك وللباسي؟! هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدى بي المسلم. (2) [559] - 15 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله حدثنا المنذر بن عمار بن حبيب بن جسار أبي الأشرس الكاهلي قال أخبرني ابن أبي الحثحاث العجلى عن أبيه أبي الحثحاث قال: أخبرت عليا بقدوم ابن ملجم فتغير وجهه ثم أتيته به فلما رآه علي قال: أريد حباءه ويريد قتلى * عذيرى من خليلي من مرادي فقال [ابن ملجم]: سبحان الله لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هو ذاك ثم قال له علي: إني سائلك عن ثلاث: هل مر بك رجل وأنت تلعب مع الصبيان فقصدك ثم قال [لك: يا] شقيق عاقر الناقة؟ قال: سبحان الله لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بقيت خصلتان: هل كنت تدعى وأنت صغير - ابن راعية الكلاب؟ قال: سبحان الله ما رابك إلى هذا؟ قال: بقيت خصلة: هل أخبرتك أمك أنها تلقفت بك وهي حائض؟! فغضب [ابن ملجم] فقام فدعا له علي بثوبين وأعطاه ثلاثين درهما فقيل له: لو
1. انساب الاشراف 2: 501 ح 547. 2. العمدة: 447 ح 935. 340 قتلته؟ فقال: يا عجبا تأمروني أن أقتل قاتلي. (1) [560] - 16 - قال الصفار: حدثنا أبو محمد عن عمران بن موسى عن إبراهيم بن مهزيار عن محمد بن عبد الوهاب عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن بعض أصحاب أمير المؤمنين قال: دخل عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين (عليه السلام) في وفد مصر الذي أوفدهم محمد بن أبي بكر ومعه كتاب الوفد قال: فلما مر باسم عبد الرحمن بن ملجم قال: أنت عبد الرحمن لعن الله عبد الرحمن قال: نعم. يا أمير المؤمنين أما والله يا أمير المؤمنين إني لأحبك قال: كذبت والله ما تحبني ثلثا قال: يا أمير المؤمنين أحلف ثلاثة أيمان إني أحبك وأنت تحلف ثلاثة أيمان إني لا أحبك قال: ويلك أو ويحك إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فأسكنها الهواء فما تعارف منها هنا لك أيتلف في الدنيا وما تناكر منها اختلف في الدنيا وأن روحي لا تعرف روحك قال: فلما ولى قال: إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا قال بعض القوم: أو لا تقتله؟ فقال: من أعجب من هذا تأمروني أن أقتل قاتلي لع. (2) [561] - 17 - قال المفيد: روى علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشهر الذي قتل فيه فقال: أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة وفيه تدور رحى السلطان ألا وإنكم حاج العام صفا واحدا وآية ذلك أني لست فيكم. قال: فهو ينعى نفسه (عليه السلام) ونحن لا ندري. (3) [562] - 18 - روى الإربلي: إخباره (عليه السلام) بقصة قتله، وذلك أنه لما فرغ من قتال الخوارج عاد إلى الكوفة في شهر رمضان، فأم المسجد فصلى ركعتين، ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء ثم
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 88 ح 81. 2. بصائر الدرجات: 88 ح 7، عنه البحار 42: 196 ح 14. 3. الارشاد: 14، اعلام الورى 1: 310، البحار 42: 193 ح 9 وعن الارشاد و 42: 198 مع تفاوت، الخرائج و الجرائح 1: 201 ضمن ح 41 مختصرا، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 48. 341 التفت إلى ابنه الحسن (عليه السلام) فقال: يا ابا محمد كم مضى من شهرنا هذا؟ فقال ثلاثة عشريا أمير المؤمنين، ثم سأل الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابا عبد الله كم بقي من شهرنا - يعنى رمضان - هذا؟ فقال: سبع عشرة يا أمير المؤمنين، فضرب يده إلى لحيته وهي يومئذ بيضاء، فقال: ليخضبنها بدمها إذ أنبعث أشقاها ثم قال: أريد حباءه ويريد قتلى * خليلي من عذيرى من مراد وعبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله يسمع، فوقع في قلبه من ذلك شئ حتى وقف بين يدي علي (عليه السلام)، وقال: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين هذه يميني وشمالي بين يديك فاقطعهما، أو فاقتلنى، قال علي (عليه السلام) وكيف أقتلك ولا ذنب لك؟ ولو أعلم أنك قاتلي لم أقتلك; ولكن هل كانت لك حاضنة يهودية فقالت لك يوما من الأيام: يا شقيق عاقر ناقة ثمود؟ قال: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين فسكت علي (عليه السلام) فلما كانت ليلة ثلاث وعشرين (1) من الشهر قام ليخرج من داره إلى المسجد لصلاة الصبح وقال: إن قلبي يشهد بأني مقتول في هذا الشهر ففتح الباب فتعلق الباب بمئزره فجعل ينشد: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا * ولا تجزع من الموت ذا حل بناديكا (2) [563] - 19 - روى المفيد: عن الفضل بن دكين، عن حيان بن العباس، عن عثمان بن المغيرة قال لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن العباس وكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب (عليه السلام) في آخر الليل. (3)
1. هذا يخالف ما هو المشهور بين الشيعة من ان هذه الواقعة كانت في ليلة التاسعة عشر. 2. كشف الغمة 1: 276 الفتوح 3 - 4: 276 مع تفاوت ويأتي بعض كلامه في باب سبب الشهادة: ح 3. 3. الارشاد: 14، ربيع الأبرار 2: 672، اعلام الورى 1: 309، تاريخ ابن عساكر 3: 357 ح 1413 الخرائج 1: 201 ح 14 مع تفاوت، الكامل في التاريخ 2: 434. 342 [564] - 20 - وروى أيضا: عن علي بن المنذر الطريفي، عن أبي الفضل العبدي، عن فطر، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة رضى الله عنه قال: جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله فرده مرتين أو ثلاثا ثم بايعه فقال عند بيعته له: ما يحبس أشقاها؟ فو الذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا ووضع يده على لحيته ورأسه فلما أدبر ابن ملجم منصرفا عنه قال (عليه السلام) متمثلا: اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لاقيك ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديك كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيك وروى الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين فبايعه (عليه السلام) فيمن بايع ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين (عليه السلام) الثانية فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث ففعل ثم أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث فقال ابن ملجم لعنه الله: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أريد حياته ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد امض يا بن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت. (1) [565] - 21 - وروى أيضا: عن إسماعيل بن زياد قال حدثتني أم موسى خادمة علي (عليه السلام) وهي حاضنة ابنته فاطمة (عليهما السلام) قالت: سمعت عليا (عليه السلام) يقول لابنته أم كلثوم يا بنية إني أراني قل ما وأصبحكم [أصحبكم]. قالت: وكيف ذلك يا أبتاه؟ قال: إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
1. الارشاد: 13، المناقب لابن شهر آشوب 3: 310، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 114، اثبات الهداة 4: 579 ح 257 مختصرا، البحار 42: 192 ح 6 و 7. 343 منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك. قالت: فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة فصاحت أم كلثوم. فقال: يا بنية لا تفعلي. فإنى أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشير إلى بكفه ويقول: يا علي هلم إلينا فإن ما عندنا هو خير لك. (1) [566] - 22 - وقال أيضا: وفي حديث آخر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد سهر تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي وعدت بها ثم يعاود مضجعه فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول: اشدد حيازيمك... فلما خرج إلى صحن داره استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردونهن فقال: دعوهن فإنهن نوائح. ثم خرج فأصيب (عليه السلام). (2)
1. الارشاد: 14، روضة الواعظين: 135، الخرائج 1: 233 ح 78، اثبات الهداة 4: 547 ح 196، البحار 42: 225 ح 35 عن الارشاد. 2. الارشاد: 14، اعلام الورى 1: 311، الخرائج والجرائح 1: 201 ح 41، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 48، البحار 42: 226 ح 38 عن الارشاد، اثبات الهداة 4: 547 عن الخرائج. 344 الفصل الرابع: في وصاياه (عليه السلام) [567] - 1 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: حدثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا: حدثنا شهر بن حوشب: إن عليا (عليه السلام) حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية، فلما رجع الحسن (عليه السلام) دفعتها إليه. (1) [568] - 2 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو السعود أحمد بن محمد [بن] علي بن محمد بن المحلى، أنبأنا محمد بن أحمد العكبري، أنبأنا أبوالطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان، حيلولة: قال: وأنبأنا القاضي أبو محمد عبد الله بن علي بن أيوب، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح، قالا: أنبأنا أبو بكر بن دريد، عن إبراهيم بن بسطام الأزدي الوراق، أخبرني عقبة بن أبي الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم عليا دخل عليه الحسن وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بنى؟ قال: وما لي لا أبكى وأنت في أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا. فقال: يا بني احفظ أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن. قال: وما هن يا أبة؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب الكرم [و] حسن الخلق.
1. الكافي 1: 298 ح 3. 345 قال [الحسن]: قلت: يا أبة هذه الأربع، فأعطني الأربع الأخر. قال: إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب إليك البعيد ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما يكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر; فإنه يبيعك بالتافه. (1) [569] - 3 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي رحمه الله، عن هشام بن محمد، عن أبي جناب الكلبى، عن أبي عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمى، قال: أوصى علي بن أبي طالب ابنه الحسن بن علي حين حضره الموت [و] قال: يا بني أوصيك بتقوى الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة عند محلها وحسن الوضوء والصبر عليه فإنه لا صلاة إلا بطهور ولا تقبل الصلاة ممن يمنع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عند الجهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصى الله فيه. (2) [570] - 4 - قال الطوسي: وحدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في شهر رمضان سنة تسع وأربعمائة، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي، المعروف بابن الزيات، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا أحمد ابن سلامة الغنوي، قال: حدثنا محمد بن الحسين العامري، قال: حدثنا أبو معمر عن أبي بكر ابن عياش، عن الفجيع العقيلي، قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصى، فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن عمه وصاحبه أول وصيتي إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسوله وخيرته
1. تاريخ ابن عساكر 3: 368 ح 1426، الفصول المهمة: 151 مع تفاوت. 2. مقتل ابن أبي الدنيا: 48 ح 32. 346 اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور. ثم إني أوصيك - يا حسن - وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا كان ذلك يا بني ألزم بيتك، وابك على خطيئتك ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بنى بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محالها، والصمت عند الشبهة و الاقتصاد والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة وقصر الأمل واذكر الموت، وازهد في الدنيا، فإنك رهين موت، وغرض بلا، وصريع سقم. وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول و الفعل، وإذا عرض شئ من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه. وكن لله يا بنى عاملا، وعن الخناز جورا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، وواخ الاخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وابغضه بقلبك، وزايله بأعمالك كي لا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم. واقتصد يا بنى في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، وألزم الصمت تسلم، وقدح لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتى تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإنى لم آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وبينك. وأوصيك بأخيك محمد خيرا، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبى له، فأما
347 أخوك الحسين فهو ابن أمك ولا أزيد الوصاة بذلك، والله الخليفة عليكم، وإياه أسال أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتى ينزل الله الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. (1) [571] - 5 - روى الكليني: عن الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) حف به العواد وقيل له: يا أمير المؤمنين أوص فقال: أثنو إلى وسادة ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرء لاق في فراره مأمنه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته كم اطردت الايام أبحثها عن مكنون هذا الامر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا ومحمدا (صلى الله عليه وآله) فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العودين [العمودين] وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل أمري مجهوده، وخفف عن الجهلة رب رحيم، وإمام عليم ودين قويم. أنا بالأمس صاحبكم و [انا] اليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم، إن تثبت الوطاة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم، فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض مخطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني إياما وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون أيامى، ويكشف الله عزوجل عن سرائري; وتعرفونى بعد خلو مكاني، وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي [وإن أعف] فالعفو لي قربة، ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا،
1. الأمالي: 7 ح 8، الأمالي للمفيد: 220 ح 1، كشف الغمة 1: 535 مع تفاوت، الفصول المهمة: 128، البحار 42: 202 ح 7 عن الأمالي. 348 ألا تحبون أن يغفر الله لكم، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه، ثم أقبل على الحسن (عليه السلام) فقال يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم. (1) [572] - 6 - قال الحر العاملي: روى مولانا محمد طاهر القمي من علمائنا المعاصرين في شرح كتاب تهذيب الحديث نقلا من كتاب شرف النبي (صلى الله عليه وآله) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال للمسلمين حين ثقل من الضربة في كلام له: وفيكم من تخلف عن نبيكم من إن تمسكتم به لن تضلوا، هم الدعاة وهم النجاة، وهم أركان الأرض إلى أن قال: فأخلفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم بأحسن الخلافة; فقد أخبركم أنهما الثقلان وأنهما لن يفترقا هم والقرآن حتى يردا علي الحوض، فالزموهم تهتدوا وترشدوا، ولا تفرقوا عنهم ولا تتركوهم فتفرقوا وتمزقوا. (2) [573] - 7 - روى الطوسي: عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وإبراهيم بن عمر عن أبان رفعه إلى سليم بن قيس الهلالي رضى الله عنه قال سليم: شهدت وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد علي وصيته الحسين (عليه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع الكتاب إليه والسلاح ثم قال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفع الى كتبه وسلاحه وأمرني أن أمرك إذا حضرك الموت أن تدفع ذلك إلى أخيك الحسين، قال: ثم أقبل
1. الكافي 1: 299 ح 6، مقتل ابن أبي الدنيا: 56 ح 39، قال حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني أبو على أحمد ابن الحسن الضرير حدثنا الحسين بن هارون عن ابن زبار الكلبي عن حكيم بن نافع عن العلاء بن عبد الرحمن وروى بعض الحديث وفيه العمودين، مروج الذهب 2: 436، اثبات الوصية: 153، عيون المعجزات: 51 مع تفاوت في النقل والعبارة، البحار 42: 206 ح 11 عن الكافي. 2. اثبات الهداة 3: 189 ح 124. 349 على ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعه إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو صبي فضمه إليه ثم قال: لعلي بن الحسين يا بني وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعه إلى ابنك محمد بن علي فاقرأه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومني السلام، ثم أقبل على ابنه الحسن فقال: يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وأن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم. ثم قال: اكتب " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله على محمد وآله وسلم، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدى وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم (و لا فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (1) فإنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ولا قوة إلا بالله، انظروا ذوى أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب، والله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار، والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في بيت الله فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن يترك لم تناظروا وإن أدنى ما يرجع به من أمة أن يغفر له ما قد سلف والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفى غضب ربكم، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار، والله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معيشتكم، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه، والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم
1. آل عمران: 102 - 103 " في رواية نهج البلاغة بدل هاتين الآيتين: ونظم امركم " 350 والله الله في أصحاب نبيكم (صلى الله عليه وآله) الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤى للمحدث والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم لا تخافن في الله لومة لائم فيكفيكم الله من أرادكم وبغى عليكم فقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم، عليكم يا بنى بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والنفاق والتدابر والتقاطع والتفرق (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (1) حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم، استودعكم الله واقرأ عليكم السلام، ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله حتى قبض (عليه السلام) في أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين ليلة جمعة سنة أربعين من الهجرة وزاد فيه إبراهيم بن عمر قال: قال أبان: قرأتها على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال علي بن الحسين: صدق سليم. (2) [574] - 8 - قال ابن أعثم: وجعل الطبيب يختلف إلى علي واشتدت العلة به جدا فأحس من نفسه بالموت، وعلم أنه لا ينتعش من مصرعه، فدعا بابنيه الحسن والحسين وأقعدهما بين يديه، ودعا أيضا بمن حضر من ولده وأهل بيته وأقبل عليهم بوجهه. فقال: يا بنى؟ إني موصيكم بتقوى الله وطاعته، وأن لا تبغوا هذه الدنيا وإن بغتكم على شئ زوى عنكم، وقولوا الحق ولو على أنفسكم، وارحموا اليتيم وأطعموا المسكين، وأشبعوا الجائع، واكنفوا الضائع، وكونوا للظالم خصما وللمظلوم أعوانا، ولا تأخذكم في الله لومة لائم. ثم التفت إلى ابنه محمد ابن الحنفية فقال: يا بنى! فهمت ما أوصيت به أخوتك وغيرهما؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! فقال علي (عليه السلام): فإنى موصيك بمثل ذلك
1. المائدة: 2. 2. التهذيب 9: 176 ح 714، مقتل ابن أبي الدنيا: 45 ح 30، الكافي 7: 51 ح 7، المعجم الكبير للطبراني 1: 101 ح 168، تاريخ الطبري 3: 158، نهج البلاغة الكتاب: 47، كشف الغمة 1: 431، شرح نهج البلاغة 6: 120، البحار 42: 248 ح 51 مع تفاوت كثير في العبارت. 351 وأوصيك أيضا بتوقير إخوتك الحسن والحسين وأن لا تقطع أمرا دونهما. ثم أقبل عليهما فقال: يا حسن ويا حسين! إني قد أوصيت أخاكما بكما وأوصيكما به، وقد علمتما بأن أباكما كان يحبه، فأحباه بحب أبيكما له; وعليكم بتقوى الله عزوجل (و لا تموتن إلا وأنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فإنى سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن صلاح ذات البين أفضل من الصلاة والصيام، ألا! وانظروا ذوى أرحامكم فصلوهم يهون عليكم الحساب، واتقوا الله في الأيتام والأرامل وأحسنوا إليهم بما استطعتم فإنها وصية النبي (صلى الله عليه وآله) والله الله في القرآن ! لا يسبقنكم... الحديث. (1) [575] - 9 - قال الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم الموسوي العلوي في منزله بمكة، قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك، قال: حدثنا عبد الله بن جبلة، عن حميد بن شعيب الهمداني، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: لما احتضر أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع بنيه حسنا وحسينا وابن الحنفية والأصاغر من ولده، فوصاهم وكان في آخر وصيته: يا بنى عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم. با بني، إن القلوب جنود مجندة، تتلاحظ بالمودة، وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه. (2) [576] - 10 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني محمد بن عباد بن موسى حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عبيد الله: عن أبي جعفر [(عليه السلام)] إن عليا لما احتضر جمع بنيه
1. الفتوح 3 - 4: 281، مقتل ابن أبي الدنيا: 48 ح 32، تاريخ الطبري 3: 157، كشف الغمة 1: 431 مع تفاوت في العبارات. 2. الأمالي: 595 ح 1232، تنبيه الخواطر 2: 75، البحار 42: 247 ح 50 عن الأمالي. 352 فقال: يا بني يؤلف بعضكم بعضا يرأف كبيركم صغيركم ولا تكونوا كبيض وضاح في داوية. ويح الفراخ فراخ آل محمد من عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف. أما والله لقد شهدت الدعوات وسمعت الرسالات وليتم الله نعمته عليكم أهل البيت. (1) [577] - 11 - وقال المسعودي: لما ضرب ابن ملجم عليا (عليه السلام) دخل عليه - أم كلثوم - [و] بكت فقال لها يا بنية ما يبكيك لو ترين ما أرى ما بكيت، إن ملائكة السبع سماوات مواكب بعضهم خلف بعض والنبيون خلفهم كل نبي كان قبل محمد وها هو ذا رسول الله عندي آخذ بيدي يقول لي انطلق يا علي فإن أمامك خيرا لك مما أنت فيه ثم قال خلوني وأهل بيتي أعهد إليهم فقام الناس إلا اليسير، فجمع أهل بيته وهم اثنا عشر ذكرا وبقى قوم من شيعته فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل في سنة نبيه يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرا فقال: إني أوصى إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره، وأنى أوصى إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما و أطيعوا أمرهما فقام إليه عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين أ دون محمد يعنى ابن الحنفية فقال: أجرأة في حياتي كأنى بك وقد وجدت مذبوحا في خيمتك وأوصى إلى الحسن وسلم إليه الاسم الأعظم والنور والحكمة ومواريث الأنبياء وقال له: إذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني وأدخلني قبري فإذا أشرجت على اللبن فأرفع أول لبنة فاطلبني فإنك لن تراني. (2) [578] - 12 - وفي رواية الحسين بن عبد الوهاب قال: قال: إني أوصى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما، فقد كان
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 49 ح 34. 2. اثبات الوصية: 152، عيون المعجزات: 50، أسد الغابة 4: 121 روى أول الحديث، ينابيع المودة: 191، احقاق الحق 8: 796 و 18: 200 مع تفاوت في الالفاظ والاسناد. 353 النبي (صلى الله عليه وآله) نص عليهما بالإمامة من بعدي، ثم أوصى إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) وسلم الاسم الأعظم ونور الحكمة ومواريث الأنبياء سلاحهم إليهما، وقال لهما (عليهما السلام) إذا قضيت نحبى فخذا من الدهليز حنوطي وكفني والماء الذي تغسلني به، فإن جبرئيل (عليه السلام) يجئ بذلك من الجنة فغسلاني وحنطاني وكفناني واحملاني على جملي في تابوت وجنازة تجدانها في الدهليز. (1) [579] - 13 - روى االثقفي: عن أبي عبد الله الجدلي قال: استنفر علي (عليه السلام) لقتال معاوية - لعنه الله - وقال: يا بني إني ميت من ليلتي هذه; فإذا مت فغسلني وكفني وحنطني بحنوط جدك (صلى الله عليه وآله) وضعني على سريري ولا يقربن أحد مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم صل علي فكبر سبعا فإنها لا تحل لأحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج آخر الزمان يقيم إعوجاج الحق; فإذا صليت فخط حول سريري ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا، ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوح (عليه السلام) فضعني في الساجة ثم ضع على سبع لبنات ثم أرقب هنيئة ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي. (2) [580] - 14 - روى الطوسي: عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: أخبرني محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرني علي بن الحسين بن يعقوب من بني خزيمة قراءة عليه قال: حدثني جعفر بن محمد بن يوسف الأزدي قال: حدثنا علي بن بزرج الخياط قال: حدثنا عمرو قال: جاءني سعد الإسكاف قال: يا بنى تحمل الحديث؟ فقلت: نعم. فقال: حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: إنه أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن والحسين - صلوات الله عليهما - غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري واحملا مؤخره تكفيان مقدمه، فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع فألحداني
1. عيون المعجزات: 51. 2. الغارات 2: 846. 354 وأشرجا اللبن علي وأرفعا لبنة مما يلي رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شئ وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتى لو أن نبيا مات في المشرق ومات وصيه في المغرب لألحق الله الوصي بالنبي. (1) [581] - 15 - قال ابن شهر آشوب: أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال: أوصى علي (عليه السلام) عند موته للحسن والحسين وقال لهما: إن أنا مت فإنكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة وثلاثة أكفان من إستبرق الجنة فغسلوني وحنطوني بالحنوط وكفنوني، قال الحسن (عليه السلام): فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات من كافور الجنة وسدرا من سدر الجنة فلما فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه، وكان قال: فسيأتي البعير إلى قبري فيقف عنده فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر فوالله ما علم أحد من حفره فألحد فيه بعد ما صلي عليه و أظلت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض فلما دفن ذهبت الغمامة والطيور. (2) [582] - 16 - قال الخوارزمي: وأخبرنا عن الأئمة أبو الحسن على بن أحمد الكرباسي الخوارزمي أخبرنا عماد الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الوبري الخوارزمي حدثنا الشيخ أبو القاسم ميمون بن علي بن ميمون الميموني، حدثنا الشيخ صالح أبو شعيب صالح بن محمد بن صالح بن شعيب، أخبرنا أبو حاتم حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا عثمان البغدادي، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا عمر بن هشام، حدثنا إسماعيل ابن أبي خالد، عن عامر قال: لما ضرب على تلك الضربة قال فما فعل ضاربي، أطعموه من طعامي
1. التهذيب 6: 106، الغارات 2: 845، المناقب لابن شهر آشوب 2: 348 عن التهذيب، فرحة الغري: 30، اثبات الهداة 5: 213 ح 14، البحار 42: 213 ح 14 عن فرحة الغري، روضة المتقين 5: 361. 2. المناقب 2: 348، عنه البحار 42: 234 ح 44. 355 واسقوه من شرابي فإن عشت فأنا أولى بحقي، وإن مت فاضربوه ولا تزيدوه ثم أوصى إلى الحسن فقال: لا تغال في كفني فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تغالوا في الكفن وامشوا بين المشيتين فإن كان خيرا عجلتموه وإن كان شرا ألقيتموه عن أكتافكم. (1) [583] - 17 - روى الطوسي: عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن بكار النقاش القمي، قال: حدثنا الحسين بن محمد الفزاري، قال: حدثنا الحسن بن علي النحاس، قال: حدثنا جعفر بن محمد الرماني، قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا محمد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمار، عن أبي مطر، قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له الحسن (عليه السلام): أقتله قال: لا ولكن احبسه فإذا مت فاقتلوه، وإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح (عليهما السلام). (2) [584] - 18 - قال الحسين بن عبد الوهاب: وروى أنه (عليه السلام) قال لهما (عليهما السلام) إذا فرغتما من أمري تناولا مقدم الجنازة فإن مؤخرها يحمل، فإذا وقفت الجنازة وبرك الجمل احفروا في ذلك الموضع، فإنكما تجدان خشبة محفورة كان نوح (عليه السلام) حفرها لي فادفناني فيها. (3) [585] - 19 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو يوسف القاضي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده أنه كتب هذه الوصية: هذا ما أمر به وقضى به في ماله علي بن أبي طالب تصدق ب " ينبع " ابتغى بها مرضاة الله ووجهه، ينفق في كل نفقة في سبيل الله في الحرب والسلم والجنود وذى الرحم والقريب والبعيد لا يباع ولا يورث.
1. المناقب: 387 ح 403، وكذلك في: مقتل ابن أبي الدنيا: 73 ح 65. 2. التهذيب 6: 33 ح 66، فرحة الغري: 38، البحار 11: 379 ح 4 و 42: 218 ح 20 و 100: 239 ح 9 عن التهذيب. 3. عيون المعجزات: 51. 356 [و] كل مال [لي] ب " ينبع " [صدقة] غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا إن حدث بي حدث فليس عليهم سبيل وهم محررون موالى يعملون في المال خمس حجج و فيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهاليهم فذلك الذي اقضى فيما كان لي ب " ينبع " [فهو صدقة] واجبة حيا أنا أو ميتا. ومعهما ما كان لي بوادي القرى من مال أو رقيق حيا أنا أو ميتا. ومع ذلك الاذينية وأهلها حيا أنا أو ميتا ومع ذلك درعة وأهلها. وإن زريقا له مثل ما كتبت لأبى نيزر ورباح وجبير معا هو يتقبلهم وهو يرتهن فذلك [الذى] قضيت بيني وبين الله الغد [من] يوم قدمت مسكن حي أنا أو ميت. وأن مالي في وادى القرى والأذينية ودرعة ينفق في كل نفقة ابتغاء وجه الله و في سبيل الله ووجهه يوم تسود [فيه] وجوه وتبيض [فيه] وجوه لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن إلا إلى الله هو يتقبلهن وهو يرثهن فذلك قضيت بيني وبين الله [الغد من يوم قدمت مسكن حيا أنا أو ميتا]. هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في ماله واجبة بتة. [وأنه] يقوم على ذلك الحسن بن علي يليها ما دام حيا فإن هلك [فهي] إلى الحسين بن علي يليها ما دام حيا فإن هلك فهي إلى الأولى فالأولى من ذوى السن والصلاح [من ولدى] من الذي يعدل فيها ويطعم ولدى بالمعروف غير المنكر ولا الاسراف يزرع ويغرس ويصلح كإصلاحهم أموالهم. ولا يباع من أولاد نخل هذه القرى الأربع ودية واحدة حتى تشكل أرضها غراسا فإنما عملتها للمؤمنين أولهم وآخرهم فمن وليها من الناس فاذكره الله [ان] يجتهد و نصح وحفظ أمانته ووسع. هذا كتاب علي بن أبي طالب رحمه الله عليه بيده إذ قدم مسكن. وقد علمتم أن الفقيرين في سبيل الله واجبة بتة. ومال محمد النبي صلى الله عليه [وآله] ينفق في كل نفقة في سبيل الله ووجهه وذوى الرحم والفقراء والمساكين وابن السبيل يقوم على ذلك أكبر بني فاطمة
357 بالأمانة والإصلاح كإصلاحه ماله، يزرع ويغرس وينصح ويجهد. هذا ما قضى به علي بن أبي طالب رحمه الله في هذه الأموال الذي كتب في هذه الصحيفة، والله المستعان على كل حال [و] لا يحل لأحد وليها وحكم فيها أن يعمل فيها بغير عهدي. أما بعد فإن ولائدي اللاتي أطوف عليهن تسع عشرة منها أمهات أولاد معهن أولادهن ومنهن حبالى ومنهن من لا ولد لها وقضيت - إن حدث بي حدث في هذا الغزو - إن من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى [فهي] عتيقة لوجه الله ليس لأحد عليها سبيل ومن كان منهن حبلى أو لها ولد فلتمسك على ولدها وهي من حظه فإن ما ولدها وهي حية فليس لأحد عليها سبيل. هذا ما قضى به [علي] في ولائده التسع عشرة. شهد عبيد الله بن أبي رافع وهياج بن أبي هياج وكتب علي بن أبي طالب أم الكتاب بيده لعشر خلون من جمادي الأولى سنة تسع وثلاثين. (1) [586] - 20 - قال السيد الرضى: من وصية له (عليه السلام) بما يعمل في أمواله، كتبها بعد منصرفه من صفين: هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله، ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنة ويعطيه به الأمنة. منها: فإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف، وينفق منه بالمعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي، قام بالأمر بعده، وأصدره مصدره. وإن لابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله، وقربة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتكريما لحرمته، وتشريفا لوصلته. ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له، وألا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا.
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 51 ح 35. 358 ومن كان من امائى - اللاتي أطوف عليهن - لها ولد، أو هي حامل، فتمسك على ولدها وهي من حظه فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، قد أفرج عنها الرق وحررها العتق. (1)
1. نهج البلاغة الكتاب: 24. 359 الفصل الخامس: في كيفية شهادته (عليه السلام) [587] - 1 - قال اليعقوبي: وقدم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة 40، فلما بلغ عليا قدومه قال: وقد وافى؟ أما أنه ما بقي علي غيره، هذا أوانه، فنزل على الأشعث بن قيس الكندي، فأقام عنده شهرا يستحد سيفه، وكانوا ثلاثة نفر توجهوا.... (1) [588] - 2 - قال الطبري: حدثني موسى بن عثمان بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عبد الرحمن الحراني أبو عبد الرحمن، قال: أخبرنا إسماعيل بن راشد، قال: كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبرك بن عبد الله وعمر بن بكر التميمي اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر. فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا! إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم، والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم، فأرحنا منهم البلاد، وثأرنا بهم إخواننا! فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب - وكان من أهل مصر - وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان; وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
1. تاريخ اليعقوبي 2: 212 وذكر الحديث كما رويناه مفصلا عن الطبري. 360 فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فأخذوا أسيافهم، فسموها، واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه، وأقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب. فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة، فخرج فلقى أصحابه بالكوفة، و كاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره، فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب - وكان علي قتل منهم يوم النهر عشرة - فذكروا قتلاهم، ولقى من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها: قطام ابنة الشجنة - وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال - فلما رآها التبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها; ثم خطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشفى لي قال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف و عبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب، قال: هو مهر لك، فاما قتل علي فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني! قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، و يهنئك العيش معي، وان قتلت فما عند الله خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها; قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي، فلك ما سألت. قالت: إني أطلب لك من يسند ظهرك، ويساعدك على أمرك، فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له: وردان فكلمته فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما ذاك؟ قال: قتل علي بن أبي طالب; قال: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئا ادا، كيف تقدر على علي! قال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، و أدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: ويحك! لو كان غير علي لكان أهون على، قد عرفت بلاءه في الإسلام، وسابقته مع النبي (صلى الله عليه وآله) وما أجدني انشرح لقتله. قال: أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين! قال: بلى، قال: فنقتله بمن قتل من اخواننا، فأجابه - فجاؤوا قطام - وهي في المسجد الأعظم معتكفة - فقالوا لها: قد أجمع رأينا على قتل علي; قالت: فإذا أردتم ذلك فأتوني، ثم
361 عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها علي سنة أربعين - فقال: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه، فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به، وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج ضربه شبيب بالسيف. فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق، وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف، وهرب وردان حتى دخل منزله، فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره، فقال: ما هذا الحرير والسيف؟ فأخبره بما كان وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجثم عليه الحضرمى، فما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه، وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه، فتركه، ونجا شبيب في غمار الناس، فشدوا على ابن ملجم فأخذوه إلا أن رجلا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله، فصرعه، وتأخر علي، ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فصلى بالناس الغداة، ثم قال على: على بالرجل، فادخل عليه، ثم قال: أي عدو الله، ألم أحسن إليك! قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه; فقال (عليه السلام): لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلقه. (1) [589] - 3 - قال ابن عثم: فلما كان يوم ثالث وعشرين من شهر رمضان خرج علي من منزله، فلما صار في صحن الدار كان في داره شئ من الوز [الإوز]، فتصايح الوز في وجهه، فقال علي (عليه السلام): صوائح تتبعها نوائح. فقال له ابنه الحسين: يا أبة! ما هذه الطيرة؟ فقال: يا بنى! لم أتطير، ولكن قلبي يشهد أني مقتول في هذا الشهر. قال: وجاء علي (عليه السلام) إلى باب دار مفتحة ليخرج، فتعلق الباب بمئزره فحل مئزره وهو يقول:
1. تاريخ الطبري 3: 155، مقتل ابن أبي الدنيا: 30 ح 6 من قوله: وتأخر علي...، أسد الغابة 4: 120 مع اختلاف في الالفاظ، تاريخ ابن عساكر 3: 362 ح 1420 مع تفاوت، تذكرة الخواص: 161 إلى قوله " فما حملك على هذا؟ "، كفاية الطالب: 314 مع اختلاف في الالفاظ. 362 اشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت * فقد حل بواديكا فقد أعرف أقواما * وإن كانوا صعاليكا مصاريع إلى النجدة * وللغى متاريكا قال: ثم مضى يريد المسجد وهو يقول: خلوا سبيل المؤمن المجاهد * في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلى المساجد قال: ثم جاء حتى وقف في موضع الأذان، فأذن ودخل المسجد. وقد كان عبد الرحمن ابن ملجم تلك الليلة في منزل قطام بنت الأضبع، فلما سمعت أذان علي (عليه السلام) قامت إليه وهو نائم وكان تناول نبيذا، فأيقظته وقالت: يا أخا مراد! هذا أذان علي، قم فاقض حاجتنا وارجع قرير العين مسرورا، ثم ناولته سيفه; فقال ابن ملجم: بل أرجع والله سخين العين مثبورا، وقد سمعت عليا يقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن أشقى الأولين قدار بن سالف عاقر ناقة صالح، وأشقى الآخرين قاتل علي بن أبي طالب، فما أخوفني أن أكون ذلك الرجل. قال: ثم تناول سيفه وجاء حتى دخل المسجد ورمى بنفسه بين النيام، وأذن علي (عليه السلام) ودخل المسجد، فجعل ينبه من في المسجد من النيام، ثم صار إلى محرابه فوقف فيه، فافتتح الصلاة وقرأ، فلما ركع وسجد سجدة واستوى قاعدا، وأراد أن يسجد الثانية ضربه ابن ملجم ضربة على رأسه. فوقعت الضربة على الضربة التي كان ضربها عمرو بن عبدود يوم الخندق بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم بادر فخرج من المسجد هاربا، وسقط علي (عليه السلام) لما به وتسامع الناس بذلك وقالوا: قتل أمير المؤمنين ودنت الصلاة، فقام الحسن بن علي فتقدم فصلى بالناس ركعتين خفيفتين. ثم احتمل علي إلى صحن المسجد وأحدق الناس به فقالوا: من فعل هذا بك يا أمير المؤمنين! فقال لا تعجلوا، فإن الذي فعل بي هذا سيدخل عليكم الساعة من هذا
363 الباب - وأومأ بيده إلى بعض الأبواب قال: فخرج رجل من عبد القيس في ذلك الباب فإذا هو بابن ملجم، وقد سدت عليه المذاهب فليس يدرى إلى أين يهرب، فضرب العبدي بيده إليه ثم قال: ويحك لعلك ضارب أمير المؤمنين فأراد أن يقول: لا فقال: نعم فكبته وأدخله المسجد، فجعل الناس يلطمونه من كل ناحية حتى أقعدوه بين يدي علي (عليه السلام) فقال له: أخا مراد! بئس الأمير كنت لك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: ويحك! ما حملك على أن فعلت ما فعلت وأيتمت أولادي من بعدي؟ قال: فسكت المرادي ولم يقل شيئا، فقال على (عليه السلام): (وكان أمر الله قدرا مقدورا). قال: ثم أمر به علي (عليه السلام) إلى السجن وقال: احبسوه فنعم العون كان لنا على عدونا! فإذا أنا مت فاقتلوه كما قتلني. قال: فكان علي (عليه السلام) يفتقده ويقول لمن في منزله: أرسلتم إلى أسيركم طعاما؟ (1) [590] - 4 - قال ابن عساكر: [أخبرنا أبو غالب بن البناء، قال:] أنبأنا أبو الحسين بن الأبنوسي، أنبأنا أحمد ابن عبد الرحمن بن جعفر بن خشنام، أنبأنا محمد بن عبد الله بن غيلان أنبأنا أبو هشام، أنبأنا أبو أسامة، أنبأنا أبو جناب قال: وحدثني أبو عون الثقفي قال: كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن السلمى، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه، قال أبو عبد الرحمن: استعمل أمير المؤمنين على (عليه السلام) رجلا من بني تميم - يقال له: حبيب بن مرة - على السواد وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد، من المسلمين فقلت للحسن بن علي [(عليهما السلام)]: إن لي ابن عم بالسواد يحب أن يكون مكانه. فقال لي: تغدوا غدا على كتابك وقد ختم [كذا [] قال:] فغدوت من الغد، فاذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين. فقلت للغلام: أبعدني إلى القصر [كذا] فدخلت القصر فإذا الحسن بن علي [(عليهما السلام)] قاعد في مسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن الى يا با عبد الرحمن. فجلست إلى جنبه فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بنى إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان
1. الفتوح 3 - 4: 276. 364 فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الاود واللدد - الأود: العوج. واللدد: الخصومات - فقال لي: ادع عليهم. قال: قلت: اللهم أبدل لي بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره رجلان فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. (1) [591] - 5 - قال البلاذرى: روى عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: أتيت أبي سحرا فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أرقا; ثم ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت له: يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم وأبدلهم بي شرا لهم مني. ودخل ابن النباح عليه فقال: الصلاة. فأخذت بيده فقام ومشى ابن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع في كل يوم، ويخرج [كذا] ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: الحكم يا علي لله لا لك. ثم رأيت سيفا ثانيا، فأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف ابن بجرة فوقع في الطاق وقال علي: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليهما من كل جانب، فاما شبيب بن بجرة فأفلت، وأما ابن ملجم فأخذ وأدخل على علي (عليه السلام)، فقال أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولى دمى فإما عفوت وإما اقتصصت، وإن أمت فألحقوه بي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. (2)
1. تاريخ ابن عساكر 3: 360، ح 1417، الكامل في التاريخ 2: 434 من قوله خرجت البارحة باختلاف يسير، الفصول المهمة: 132، نهج البلاغة: 99 خ 70. 2. انساب الاشراف 2: 494 ح 529، تاريخ الطبري 3: 156 عن محمد بن الحنفية مع تفاوت، تاريخ ابن عساكر 3: 362 ح 1420 وفي آخره الحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين، أسد الغابة 4: 119 و 120، تذكرة الخواص: 159 مع اختلاف، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 112 إلى قوله " شرا لهم مني "، تاريخ الإسلام للذهبي: 649 مع اختلاف في الالفاظ، الصواعق المحرقة: 205. 365 [592] - 6 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم المروزي، أنبأنا عفيف بن سالم الموصلي: أنبأنا الحسن بن كثير، عن أبيه - قال: وكان قد أدرك عليا - قال: خرج علي إلى الفجر فاقبل الإوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه، فقال: ذروهن فإنهن نوائح. فضربه ابن ملجم فقيل: يا أمير المؤمنين خل بيننا وبين مراد فلا يقوم لهم راعية أبدا. قال: لا; ولكن احبسوا الرجل فإن أمت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص. (1) [593] - 7 - وقال الإربلي: فخرج [علي (عليه السلام)] في تلك الليلة وفي داره اوز، فلما صار في صحن الدار تصايح في وجهه. فقال (عليه السلام): صوائح تتبعها نوائح - وقيل: صوارخ - فقال ابنه الحسن (عليه السلام): ما هذه الطيرة؟ فقال: يا بنى لم أتطير ولكن قلبي يشهد أني مقتول. (2) [594] - 8 - قال ابن بطريق: قتله اللعين ابن ملجم المرادي في مسجد الكوفة وقد خرج (عليه السلام) يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك. فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره بإظهار النوم في جملة النيام ثار إليه فضرب على أم رأسه بالسيف وكان مسموما. (3) [595] - 9 - قال المفيد: وقد خرج (عليه السلام) يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشر من شهر رمضان وقد ارتصده من أول الليل لذلك فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره مماكر بإظهار النوم في جملة النيام صار إليه فضربه على أم رأسه بالسيف وكان مسموما
1. تاريخ ابن عساكر 3: 358 ح 1414، مقتل ابن أبي الدنيا: 26 ح 1 إلى قوله " نوائح ". 2. كشف الغمة 1: 436. 3. العمدة: 29. 366 فمكث يوم تسعة عشر وليلة عشرين ويومها وليلة احدى وعشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل ثم قضى نحبه (عليه السلام) شهيدا ولقى ربه تعال مظلوما وقد كان (عليه السلام) يعلم ذلك قبل أوانه ويخبر به الناس قبل زمانه. (1) [596] - 10 - وقال ابن أبي الدنيا: - حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، قال: حدثنا المنذر بن عمار الكاهلي، قال: حدثني ابن أبي الحثحاث العجلى، عن أبيه قال: خرج علي بالسحر يوقظ الناس للصلاة فاستقبله ابن ملجم ومعه سيف صغير فقال: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رئوف بالعباد) (2) فظن علي أنه يستفتحه فقال: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة...) (3) فضربه [ابن ملجم] بالسيف على قرنه. (4) [597] - 11 - قال الإربلي: إنه ضربه وقد استفتح وقرء وسجد سجدة فضربه على رأسه فوقعت الضربة على ضربة عمرو بن عبدود يوم الخندق بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله). (5) [598] - 12 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي رحمه الله، عن هشام بن محمد، قال: حدثني رجل من النخع، عن صالح بن ميثم، عن عمران بن ميثم، عن أبيه، قال: إن عليا خرج [إلى صلاة الصبح] فكبر في الصلاة ثم قرأ من سورة الأنبياء إحدى عشرة آية ثم ضربه ابن ملجم من الصف على قرنه فشد عليه الناس وأخذوه وانتزعوا السيف من يده وهم قيام في الصلاة وركع علي ثم سجد فنظرت إليه ينقل رأسه من الدم إذا سجد من مكان إلى مكان ثم قام في الثانية فقلب [كذا] فخفف
1. الارشاد: 12، عنه البحار 42: 227 ح 39. 2. البقرة: 207. 3. البقرة: 208. 4. مقتل ابن أبي الدنيا: 39 ح 19. 5. كشف الغمة 1: 436. 367 القراءة ثم جلس فتشهد ثم سلم وأسند ظهره إلى حائط المسجد. (1) [599] - 13 - وروى الحميري: عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه، فوقع على ركبتيه، وأخذه فالتزمه حتى أخذه الناس. وحمل علي حتى أفاق ثم قال للحسن والحسين (عليهما السلام)... الحديث. (2) [600] - 14 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، قال: حدثني هارون بن أبي يحيى، عن شيخ من قريش [قال]: إن عليا (عليه السلام) قال - لما ضربه ابن ملجم -: فزت ورب الكعبة. (3) [601] - 15 - روى البلاذري: عن المدائني عن يعقوب بن داود الثقفي، عن الحسن بن بزيع: أن عليا خرج [في] الليلة التي ضرب في صبيحتها في السحر وهو يقول: اشدد حيازيمك... فلما ضربه ابن ملجم قال: فزت ورب الكعبة. وكان آخر ما تكلم به: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره). (4)
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 30 ح 5. 2. قرب الاسناد: 143 ح 515، عنه البحار 42: 206 ح 10. 3. مقتل ابن أبي الدنيا: 39 ح 20، أسد الغابة 4: 121، تاريخ ابن عساكر " ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ": 3: 367 ح 1424. 4. انساب الاشراف 2: 499 ح 543. 368 الفصل السادس: في احتضاره (عليه السلام) [602] - 1 - قال الطبري: وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما حدث من أمر علي (عليه السلام)، فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه، إذ نادته أم كلثوم بنت على وهي تبكى: أي عدو الله، لا بأس على أبي، والله مخزيك! قال: فعلى من تبكين؟ والله لقد اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر ما بقي منهم أحد. (1) [603] - 2 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا عبد الله بن سعيد عن زياد بن عبد الله قال: قال محمد بن إسحاق: أقبل ابن ملجم المرادي من الشام حتى ضرب عليا فقالت أم كلثوم بنت علي لابن ملجم: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين. قال: لم أقتل إلا أباك. قالت: والله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس. قال: أفعلى تبكين إذا؟ ثم قال لها: والله لقد سممته شهرا فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه. (2) [604] - 3 - روى البلاذري: قالوا: وبكت أم كلثوم بنت علي وقالت لابن ملجم - وهو أسير -: يا عدو الله
1. تاريخ الطبري 3: 157، كفاية الطالب: 318 مع تفاوت في الالفاظ، تذكرة الخواص: 162. 2. مقتل ابن أبي الدنيا: 38 ح 17. 369 قتلت أمير المؤمنين؟! قال: لم اقتل أمير المؤمنين ولكني قتلت أباك!!! فقالت: والله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس. قال فلم تبكين اذا أعلي تبكين؟ والله لقد أرهقت السيف ونفيت الخوف وخنثت الأجل وقطعت الأمل وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ - ويقال: بربيعة ومضر - لأتت عليهم، والله لقد سممته شهرا فإن أخلفني فأبعده الله سيفا وأسحقه. (1) ويقال: إن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وليلى بنت مسعود النهشلية، و أم كلثوم بكين عليه; وقلن: يا عدو الله لا بأس على أمير المؤمنين. فقال: فعلى من تبكين اذا أعلى تبكين؟!! (2) [605] - 4 - قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن عيسى قال: حدثني الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف قال: حدثني عطية بن الحرث، عن عمر بن تميم وعمرو ابن أبي بكار أن عليا لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير ابن عمرو بن هانئ السكوني، وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم وأن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين - (عليه السلام) - دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقا منها، فأدخله في الجرح ثم أستخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. فدعا علي عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته. (3) [606] - 5 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله حدثنا سعيد بن يحيى القرشى حدثنا عبد الله بن سعيد عن زياد بن عبد الله قال:
1. انساب الاشراف: 2: 495 ح 530، تاريخ ابن عساكر 3: 362 ح 1420 - 1422 آخر الحديث. 2. انساب الاشراف 2: 495 ح 531، مقتل ابن أبي الدنيا: 38 ح 18 قريبا منه. 3. مقاتل الطالبيين: 38، عنه شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 6: 119. 370 قال مجالد: دعى لعلى الكندي وكان طبيبا فدعا برية فأخذ منها قديدة لطيفة فيها عرقها ثم نفخها ودسها في جرحه ثم أخرجها فإذا عليها من دماغه فقال: اعهد يا أمير المؤمنين [عهدك فانه] لا يعالج مثلك. فقال علي عند ذلك: إن أمت [من ضربته هذه] فاقتلوه فإنها النفس بالنفس وإن عشت فسأرى رأيي. (1) [607] - 6 - قال الطوسي: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي، قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا عوانة موسى بن يوسف القطان الكوفي، قال: حدثنا محمد بن سليمان المقرئ الكندي، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة السعدي، قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) غدونا عليه نفر من أصحابنا، أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي (عليهما السلام) فقال: يقول لكم أمير المؤمنين: انصرفوا إلى منازلكم; فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله، فبكيت وخرج الحسن (عليه السلام) وقال: ألم أقل لكم انصرفوا. فقلت: لا والله يا بن رسول الله ما تتابعني نفسي، ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وبكيت فدخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل; فدخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه ما أدرى وجهه أصفر أم العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنة. فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله إنك تصير إلى الجنة وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإني أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا. قال: نعم يا أصبغ، دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما فقال لي: يا علي، انطلق حتى تأتي
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 43 ح 29، الاستيعاب - بحاشية الإصابة - 3: 62 بسند وتعبير آخر. 371 مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله (تعالى)، وتثنى عليه، وتصلي على صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيرا أجره. فأتيت مسجده (صلى الله عليه وآله) وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوى فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس، إني رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله و لعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيرا أجره. قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلام غير مفسر. فقلت: أبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته الخبر، فقال ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله واثن عليه، وصل على، ثم قل: يا أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ألا و إني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم. (1) [608] - 7 - روى الزمخشري: عن أسماء بنت عميس: أنا لعند علي بن أبي طالب بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحبا، مرحبا، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة فقيل له: ما ترى؟ قال: هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمى حمزة، وأبواب السماء مفتحة والملائكة ينزلون يسلمون على ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة، لمثل هذا فليعمل العاملون. (2)
1. الأمالي: 122 ح 191، عنه البحار 42: 204 ح 8، احقاق الحق 5: 94 مع اختلاف في الالفاظ. 2. ربيع الأبرار 4: 208، عنه احقاق الحق 8: 797. 372 الفصل السابع: في تجهيزه (عليه السلام) [609] - 1 - قال البلاذري: قالوا: ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت، وتوفى ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وابن الحنفية، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، ونزل في قبره هؤلاء جميعا، ودفنه معهم عبيد الله بن العباس، وحضره جماعة من أهل بيته والناس بعد، وصلى عليه الحسن ابنه وكبر عليه أربعا. (1) [610] - 2 - روى السيد بن طاووس: عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران، عن علي ابن أبي حمزة، عن عبد الرحيم القصير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) مدفون في قبر نوح قال: قلت: ومن نوح؟ قال: نوح النبي (عليه السلام)، قلت: كيف صار هكذا؟ فقال: إن أمير المؤمنين صديق هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق يا عبد الرحيم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرنا بموته وبالموضع الذي دفن فيه وأنزل الله عزوجل له حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
1. انساب الاشراف 2: 496 ح 533، مقتل ابن أبي الدنيا: 74 مختصرا، الكامل في التاريخ 2: 436، من قوله " وغسله " وإضافة قوله " سبع تكبيرات " مع اختلاف في الالفاظ، الفصول المهمة: 129 وفيه: ومحمد بن الحنفية يصب الماء... وكبر عليه سبع تكبيرات ودفن في جوف الليل الخ...، البحار 42: 295. 373 وأخبره أن الملائكة تنزله قبره فلما قبض (عليه السلام) كان في ما أوصى به ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) إذ قال لهما إذا مت فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليل سرا واحملا يا بني بمؤخر السرير وأتبعاه فإذا وضع فضعا وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل وسوياه. (1) [611] - 3 - وروى الثقفي: عن أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) (بعد ذكر وصيته (عليه السلام) للحسن (عليه السلام)) (2): فأخذ الحسن (عليه السلام) المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسريانية " هذا قبر قبره نوح النبي (عليه السلام) لعلي (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله عليه وآله) قبل الطوفان بسبع مائة عام " قالت: فانشق القبر فلا أدرى اندس أبي في القبر أم اسري به إلى السماء و سمعت ناطقا يقول: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه. (3) [612] - 4 - قال الإربلي: قال ابن طلحة: فلما مات غسله الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد يصب الماء، ثم كفن وحنط وحمل ودفن في جوف الليل بالغري. (4) [613] - 5 - روى ابن شهر آشوب: عن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جده زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي (عليهم السلام) في خبر طويل يذكر فيه وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار... ثم قال: وروى أنه قال الحسين وقت الغسل: أما ترى إلى خفة أمير المؤمنين: فقال الحسن: يا أبا عبد الله إن معنا قوما يعينوننا، فلما قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير ولم يزل نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجة وجلبة فوضعنا السرير وصلينا على أمير المؤمنين
1. فرحة الغري: 49، عنها البحار 42: 219 ح 23. 2. مضى صدر الحديث بنقل آخر في باب الوصايا. 3. الغارات 2: 846، فرحة الغري: 32، عنها البحار 42: 215 ح 16 و 17. 4. كشف الغمة 1: 436. 374 كما وصف لنا ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده ونضدنا عليه اللبن. (1) [614] - 6 - قال المفيد: روى محمد بن عمارة قال: حدثني أبي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): اين دفن أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر ودخل قبره الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بنو علي وعبد الله بن جعفر رضى الله عنه. (2) [615] - 7 - روى الكليني: عن علي بن محمد رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما غسل أمير المؤمنين (عليه السلام) نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه. (3) [616] - 8 - قال السيد بن طاووس: أخبرني والدي قدس الله روحه، عن الفقيه محمد بن نما، عن الفقيه محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر، عن إلياس بن هشام الحائري، عن أبي علي، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود، قال: أخبرنا محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن خالد، عن الحسن بن علي، عن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن الناس قد اختلفوا فيه، قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن مع أبيه نوح في قبره. قلت: جعلت فداك من تولى دفنه؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع الكرام الكاتبين بالروح والريحان. (4) [617] - 9 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني أبو علي أحمد بن الحسن الضرير حدثنا هشام بن محمد عن الوليد بن وهب الحارثي، عن بريد بن عمرو التميمي
1. المناقب 2: 348، عنه البحار 42: 234 ضمن ح 44. 2. الارشاد: 19، فرحة الغري: 51، عنهما البحار 42: 220 ح 26. 3. الكافي 1: 457 ح 9، خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام): 48، روضة المتقين 5: 404. 4. فرحة الغري: 48، عنه البحار 42: 218 ح 22. 375 قال: لما توفى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قام رجل من بني تميم - كان على حرسه في مسجد الكوفة - بعد ما صلوا عليه فقال: رحمك الله يا أمير المؤمنين فلئن كان حياتك مفتاح خير ومغلاق شر - وكنت للناس علما منيرا يعرف به الهدى من الضلالة والخير من الشر - [ف] إن وفاتك لمفتاح شر ومغلاق خير وإن فقدانك لحسرة وندامة ولو أن الناس قبلوك بقبولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكنهم اختاروا الدنيا على الآخرة فأصبحوا بعدك حيارى في سبل المطالب قد غلب عليهم الشقاء والداء العياء فهم ينتقضونها كما ينتقض الحبل من برمه فتبا لهم خلفا تقبلوا سخفا وباعوا كثيرا بقليل وجزيلا بيسير فكرم الله مآبك وضعف ثوابك وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. (1) [618] - 10 - روى المفيد: عن عباد بن يعقوب الرواجني، قال: حدثنا حيان بن علي العنزي، قال: حدثني مولى لعلي ابن أبي طالب قال لما حضرت أمير المؤمنين (عليه السلام) الوفاة قال للحسن والحسين (عليهما السلام): إذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان مقدمه ثم ائتيا بي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرا فيها فإنكما تجدان فيها ساجة فادفناني فيها. قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفي مقدمه وجعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح [(عليه السلام)] لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله عزوجل لأمير المؤمنين. فقالوا: نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم. فقلنا: لهم إن الموضع قد عفى أثره بوصية منه فمضوا وعادوا إلينا فقالوا إنهم احتفروا فلم يجدوا شيئا. (2)
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 109 ح 103، ربيع الأبرار 4: 208 روى بعضه مع اختلاف. 2. الارشاد: 19، فرحة الغري: 51، البحار 42: 220 ح 26 عن الارشاد وفرحة الغري، ارشاد القلوب: 435 مع تفاوت. 376 موضع قبره (عليه السلام) [619] - 11 - قال ابن الجوزي: واختلفوا في موضع قبره على أقوال: أحدهما: في قصر الإمارة بالكوفة وغيبوا موضعه، قاله الواقدي. والثاني: إنهم جعلوه في صندوق وحملوه على بعير إلى المدينة فضل البعير الذي كان عليه فأخذته طى فظنوه مالا فلما رأوه دفنوه عندهم، قال عكرمة. والثالث: إن التابوت مضى إلى المدينة ودفن إلى جانب فاطمة (عليها السلام); قاله أبو نعيم الفضل بن دكين. والرابع: إنه في قبلة جامع الكوفة، ذكره هشام بن محمد الكلبى عن أبيه قال و أخبرت أن حائط القبلة انشق في أيام الحجاج فحفر الأساس فوجدوا شيخا أبيض الرأس واللحية وعلى ثيابه أثر الدم فردوا عليه التراب، وقد حكاه ابن شبرمة و حكاه البلاذري أيضا وقال: إن الحجاج لما رآه قد ظهر قال: أبو تراب والله وأراد به سوءا فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص: ناشدتك الله أن لا تفعل، فسكت. والخامس: إنه في الكوفة عند مسجد الجماعة مما يلي أبواب كندة، حكاه ابن سعد في (الطبقات) عن الشعبي. والسادس: إنه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم وهو الظاهر وقد استفاض ذلك. (1) [620] - 12 - روى السيد بن طاووس: عن محمد بن معد الموسوي رأيت في بعض الكتب الحديثية حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر الدهان قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عيسى بن أخي الحسن بن يحيى قال: حدثني محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي حدثتني أمي عن أمها أن جعفر بن محمد (عليهما السلام) حدثها أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
1. تذكرة الخواص: 163. 377 أمر ابنه الحسن ان يحفر له أربعة قبور في أربعة مواضع في المسجد وفي الغري و في دار جعدة بن هبيرة وفي الرحبة وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره. (1) [621] - 13 - روى الطوسي: عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن همام قال: أخبرنا محمد بن محمد، عن علي بن محمد قال: حدثني أحمد بن ميثم الطلحي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أين دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: دفن في قبر أبيه نوح (عليه السلام) قلت: وأين قبر نوح؟ الناس يقولون إنه في المسجد قال: لا، ذاك في ظهر الكوفة. (2) [622] - 14 - وروى أيضا: عنه عن محمد بن بكران، عن علي بن يعقوب، عن علي بن الحسن عن أخيه، عن أحمد بن محمد بن عمر الجرجاني، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن جده أبي طالب قال: سألت الحسن بن علي (عليهما السلام) أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: على شفير الجرف، ومررنا به ليلا على مسجد الأشعث وقال: ادفنوني في قبر أخي هود (عليه السلام). (3) [623] - 15 - قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا يعقوب بن زيد، قال: حدثني ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الخلال، عن جده، قال: قلت للحسن بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على مسجد الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري. (4)
1. فرحة الغري: 72، الغارات 2: 846، البحار 42: 214 ح 15 و 100: 250 ح 44 عن فرحة الغري. 2. التهذيب 6: 34 ح 568، جامع الاخبار: 73 ح 93، فرحة الغري: 64، روضة المتقين 5: 404. 3. التهذيب 6: 34 ح 67، جامع الاخبار: 72 ح 92، فرحة الغري: 38. 4. مقاتل الطالبيين: 42، كامل الزيارات: 82 ح 78، تعليقة الغارات 2: 882 عن مقاتل الطالبيين، الارشاد: 19 عن الحسين بن علي عليهما السلام، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 122 عن مقاتل الطالبيين، البحار 42: 338 و 100: 240 ح 14 مع اختلاف، فرحة الغري: 37، كفاية الطالب: 323. 378 [624] - 16 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي رحمه الله عن هشام بن محمد قال: قال لي أبو بكر بن عياش: سألت أبا حصين وعاصم بن بهدلة والأعمش و غيرهم فقلت: أخبركم أحد أنه صلى على علي أو شهد دفنه؟ قالوا: لا. فسألت أباك محمد بن السائب فقال: أخرج به ليلا خرج به الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وعدة من أهل بيتهم فدفن في ظهر الكوفة. قال [أبو بكر]: فقلت لأبيك: لم فعل به ذلك؟ قال: مخافة أن تنبشه الخوارج أو غيرهم. (1) [625] - 17 - قال المفيد: تولى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأمره وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة فدفناه هناك وعفيا موضع قبره بوصية كانت منه إليهما في ذلك لما كان يعلمه (عليه السلام) من دولة بني أمية من بعده واعتقادهم في عداوته وما ينتهون إليه بسوء النيات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكنوا من ذلك فلم يزل قبره (عليه السلام) مخفيا حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في الدولة العباسية وزاره عند وروده إلى أبي جعفر - المنصور - وهو بالحيرة فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته (عليه السلام) و على ذريته الطاهرين. (2) [626] - 18 - قال الديلمي: وروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا برجل قد أقبل من البرية راكبا على ناقة وقدمه جنازة فحين رأى عليا (عليه السلام) قصده حتى وصل إليه وسلم عليه، فرد علي (عليه السلام) وقال له: من أين؟ قال: من اليمن، قال: وما هذه الجنازة التي معك، قال: جنازة أبي أتيت لأدفنها في هذه الأرض، فقال له علي (عليه السلام): لم لا دفنته في أرضكم،
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 79 ح 68، فرحة الغري: 123 بسند آخر، عنه البحار 42: 222 ح 30. 2. الارشاد: 12، عنه البحار 42: 227 ح 39. 379 قال: أوصى الى بذلك، وقال: إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر، فقال له علي: أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا، فقال (عليه السلام): أنا والله ذلك الرجل، أنا والله ذلك الرجل، قم فادفن أباك، فقام فدفن أباه ومن خواص ذلك الحرم الشريف أن جميع المؤمنين يحشرون فيه. (1) [627] - 19 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال قال: كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فقال له: عامر: جعلت فداك إن الناس يزعمون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن بالرحبة؟ قال: لا. قال: فأين دفن؟ قال: إنه لما مات احتمله الحسن (عليه السلام) فاتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة، فدفنه بين زكوات بيض، قال: فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع، فتوهمت موضعا منه، ثم أتيته فأخبرته فقال لي: أصبت رحمك الله - ثلاث مرات -. (2) [628] - 20 - قال السيد بن طاووس: قال ابن أبي قرة في مزاره ما صورته، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا إسحق بن محمد بن مروان الكوفي الغزال، قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا علي بن سيف بن عميرة عن أبيه عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: كان أبي على بن الحسين (عليهما السلام) قد اتخذ منزله من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي (عليهما السلام) بيتا من شعر وأقام بالبادية فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطة الناس و ملاقاتهم وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجده (عليهما السلام) ولا يشعر بذلك من فعله، قال محمد بن علي فخرج سلام الله عليه متوجها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين وأنا معه وليس معنا ذو روح إلا الناقتين فلما انتهى إلى النجف
1. ارشاد القلوب: 440، اثبات الهداة 4: 565 ح 226 مع اختلاف يسير، البحار 82: 68 ح 5 عن الارشاد. 2. الكافي 1: 456 ح 5، كامل الزيارات: 81 ح 77، فرحة الغري: 62، روضة المتقين 5: 403، البحار 100: 240 ح 12. 380 من بلاد الكوفة وصار إلى مكان منه فبكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.... (1) [629] - 21 - روى السيد عبد الكريم بن طاووس: عن الفقيه صفى الدين بن معد رحمه الله أن في مزار فقيهنا أبي الحسن محمد بن علي بن الفضل بن تمام بن مسكين بن بندار بن داود بن مهر بن فرخ زاد بن اذرماه بن شهريار الأصغر ولقب جده بسكين إعظاما له وكان هذا محمد ثقة عينا صحيح الاعتقاد مشكور التصنيف، قال رحمه الله: أخذت هذه الزيارة من كتب عمومتي رحمهم الله نسختها، حدثني الحسين بن محمد بن مصعب الزراع وأخبرني أبو الحسين زيد بن علي بن محمد بن يعقوب بن زكريا بن حرب الشيباني الخلال قراءة عليه في رحا أبي أيوب بالكوفة، قال: أخبرني الحسين بن محمد عن مصعب إجازة عنه، قال الحسين بن مصعب الزراع، حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال حدثني صفوان بن علي البزاز قال حدثني صفوان الجمال إنه قال خرجت مع الصادق (عليه السلام) من المدينة أريد الكوفة فلما جزنا باب الحيرة قال: يا صفوان، قلت: لبيك يا بن رسول الله، قال: تخرج المطايا إلى القائم وجد الطريق إلى الغري، قال صفوان: فلما صرنا إلى قائم الغري أخرج رشاء معه دقيقا قد عمل من الكنبار ثم تبعد من القائم مغربا خطى كثيرة ثم مد ذلك الرشاء حتى انتهى إلى آخره فوقف ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفا من تراب فشمه مليا ثم أقبل يمشى حتى وقف على موضع القبر الآن ثم ضرب بيده المباركة إلى التربة فقبض منها قبضة، ثم شهق شهقة حتى ظننت أنه فارق الدنيا، فلما أفاق قال: هاهنا والله مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم خط تخطيطا فقلت: يا بن رسول الله ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده قال حذرا من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه. (2)
1. فرحة الغري: 43، عنه البحار 100: 266 ح 9. 2. فرحة الغري: 92، عنه البحار 100: 235 ح 1. 381 [630] - 22 - روى الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن زكريا، عن يزيد بن عمر بن طلحة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) وهو بالحيرة: أما تريد ما وعدتك؟ قلت: بلى - يعنى الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه - قال: فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما فصلى وصلى إسماعيل وصليت فقال لإسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك أليس الحسين بكربلا؟ فقال: نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين (عليه السلام). (1) [631] - 23 - روى الطوسي: عن محمد بن أحمد بن داود، قال: حدثنا محمد بن همام، عن محمد بن محمد بن رباح، قال: حدثنا عمي أبو القاسم علي بن محمد، قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن خالد التميمي، قال: حدثني الحسن بن علي الخزاز عن خاله يعقوب بن إلياس عن مبارك الخباز، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أسرجوا البغل والحمار في وقت ما قدم وهو في الحيرة قال: فركب وركبت حتى دخل الجرف، ثم نزل فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين، ثم تقدم قليلا آخر فصلى ركعتين ثم ركب ورجع فقلت له: جلت فداك ما الأولتين والثانيتين والثالثتين؟ قال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، والركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام) والركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عليه السلام). (2) [632] - 24 - قال محمد بن قولويه: حدثني محمد بن أحمد بن علي بن يعقوب، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الحسن بن الجهم بن بكير، قال: ذكرت لأبي الحسن (عليه السلام) يحيى بن موسى وتعرضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنه كان ينزل موضعا كان يقال
1. الكافي 4: 571 ح 1، التهذيب 6: 35 ح 72 مقطعا. 2. التهذيب 6: 34 ح 71. 382 به الثوية يتنزه إليه، إلا وقبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فوق ذلك قليلا، وهو الموضع الذي روى صفوان الجمال أن أبا عبد الله وصفه له: قال له فيما ذكر: إذا انتهيت إلى الغري ظهر الكوفة، فاجعله خلف ظهرك وتوجه إلى نحو النجف، وتيامن قليلا، فإذا انتهيت إلى الذكوات البيض والثنية أمامه فذلك قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنا أتيته كثيرا، ومن أصحابنا من لا يرى ذلك ويقول: هو في المسجد، وبعضهم يقول: هو في القصر، فأرد عليهم بأن الله لم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) في القصر في منازل الظالمين ولم يكن يدفنه في المسجد وهم يريدون ستره، فأينا أصوب، قال: أنت أصوب منهم، أخذت بقول جعفر بن محمد (عليهما السلام). قال: ثم قال لي: يا أبا محمد ما أرى أحدا من أصحابنا يقول بقولك ولا يذهب مذهبك، فقلت له: جعلت فداك أما ذلك شيء من الله، قال: أجل إن الله يوفق من يشاء ويؤمن عليه، فقل ذلك بتوفيق الله واحمده عليه. (1) [633] - 25 - قال المفيد: وروى محمد بن زكريا قال: حدثنا عبد الله بن محمد عن ابن عائشة قال: حدثني عبد الله ابن حازم قال: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين والثوية فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقفت عليها فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب فتعجب الرشيد من ذلك ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فهبطت الصقور والكلاب فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الصقور والكلاب ففعلت ذلك ثلاثا فقال الرشيد هارون: اركضوا فمن لقيتموه فأتوني به فأتيناه بشيخ من بني أسد فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأكمة قال: إن جعلت لي الأمان أخبرتك قال: لك عهد الله و ميثاقه ألا أهيجك ولا أوذيك فقال حدثني أبي عن آبائه إنهم كانوا يقولون إن في هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) جعله الله حرما لا يأوي إليه شئ إلا أمن.
1. كامل الزيارات: 85 ح 84، عنه البحار 100: 242 ح 24. 383 فنزل هارون فدعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليها وجعل يبكى ثم انصرفنا. (1) [634] - 26 - قال الراوندي: - عند ذكر معجزات أمير المؤمنين (عليه السلام) - إنه (عليه السلام) قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) [في منامي] وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول: يا على لا عليك، لا عليك قد قضيت ما عليك، فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب. وقال: رأيت رسول الله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد وبكيت، فقال: لا تبك. والتفت فإذا رجلان مصفدان، وإذا جلاميد ترضح بها رؤوسهما. ثم قال للحسن والحسين (عليهما السلام): إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة و احملا آخر سريري، فالملائكة يحملون أوله. وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره، لما يعلمه من دولة بني أمية بعده. وقال: ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا. فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوبا عليها: مما ادخرها نوح لعلى بن أبي طالب (عليه السلام). [ففعلا ما أمرهما به]، فدفناه فيه وعفيا أثره. ولم يزل قبره مخفيا حتى دل عليه جعفر بن محمد (عليهما السلام) في أيام الدولة العباسية و قد خرج هارون الرشيد يوما يتصيد، وأرسلوا الصقور والكلاب على الظباء... الحديث. (2)
1. الارشاد: 19، فرحة الغري: 119. 2. الخرائج والجرائح 1: 233، عنه البحار 42: 223 وذكر الحديث كما في الارشاد. 384 الفصل الثامن: في ما وقع بعد شهادته (عليه السلام) [635] - 1 - روى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، عن أحمد بن زيد النيسابوري قال: حدثني عمر بن إبراهيم الهاشمي، عن عبد الملك بن عمر عن اسيد بن صفوان صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبى (صلى الله عليه وآله) وجاء رجل باكيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم اسلاما وأخلصهم ايمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه وبرزت حين استكانوا ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ هم أصحابه، [و] كنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين وصغر الفاسقين. فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا
385 فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور. كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الأول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا وشمرت إذ [ا] اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر. كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: أمن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ولا لأحد فيك مطمع] ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم. ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوى بك الإسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الإسلام والمؤمنون وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا. كنت للمؤمنين كهفا وحصنا، وقنة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه
386 وبكى وبكى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم طلبوه فلم يصادفوه. (1) [636] - 2 - وروى أيضا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) قام الحسن ابن علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، إنه كان لصاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل، لا ينثني حتى يفتح الله له والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشترى بها خادما لأهله والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصى موسى يوشع بن نون والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن. (2) [637] - 3 - روى المجلسي: عن قصص الأنبياء باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لما كانت الليلة التي قتل فيها علي (عليه السلام) لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون. الخبر. (3) [638] - 4 - روى ابن شهر آشوب: عن أحاديث علي بن الجعد، عن شعبة عن قتادة، ومجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن السماء والأرض لتبكى على المؤمن إذا مات أربعين صباحا وإنها لتبكى على العالم إذا مات أربعين شهرا وإن السماء والأرض ليبكيان على
1. الكافي 1: 454 ح 4، أمالي الصدوق: 200، اثبات الهداة 3: 308 ح 56 مختصرا، البحار 42: 303 ح 4 و 100: 354 ح 1 عن الكافي. 2. الكافي 1: 457 ح 8، مقتل ابن أبي الدنيا 92: 86 إلى قوله (خادما لأهله) مع اختلاف في السند، انساب الاشراف 2: 499 ح 542، مسائل على بن جعفر: 328 ح 818، نظم درر السمطين: 147 مع تفاوت في الالفاظ، مجمع الزوائد 9: 146 مع تفاوت قليل، كشف اليقين: 145 ح 141 مختصرا، المناقب لابن شهر آشوب 2: 93 مختصرا، البحار 43: 361 ح 3 و 4 مع اختلاف في السند والالفاظ. 3. البحار 13: 368 ح 12 و 46: 315 ح 3. 387 الرسول أربعين سنة وإن السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا قتلت أربعين سنة، قال ابن عباس: لقد قتل أمير المؤمنين على الأرض بالكوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيام دما. [639] - 5 - وروى أيضا: عن أبي حمزة، عن الصادق (عليه السلام) وقد روى أيضا، عن سعيد بن المسيب إنه لما قبض أمير المؤمنين لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط. (1) [640] - 6 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري، قال: أنبأنا أبو الحسن بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله بن جعفر أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثني سعيد بن عفير، أنبأنا حفص بن عمران بن الوشاح، عن السري بن يحيى: عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق النائم والناس تحته سماطان فسلمت عليه وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم. قال: هلم. فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة، وحول وجهه فأحنى على وقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم!!! قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك فلا يسمعن منك. قال: فما تحدثت به حتى توفى [عبد الملك]. (2) [641] - 7 - قال ابن قولويه: حدثني أبي رحمه الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن رجل، عن يحيى بن بشير، قال: سمعت
1. المناقب 2: 346، عنه البحار 42: 308 ح 9. 2. تاريخ ابن عساكر 3: 382 ح 1446، مقتل ابن أبي الدنيا: 113 ح 107، كشف الغمة 1: 433، الفصول المهمة: 133 مع الاختلاف والتلخيص في السند واللفظ. 388 أبا بصير يقول: قال أبو عبد الله (عليه السلام): بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي، فأشخصه إلى الشام، فلما دخل عليه قال له: يا أبا جعفر أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري، ولا أعلم في الأرض خلقا ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلا واحدا، فقال أبي: ليسألني أمير المؤمنين عما أحب، فإن علمت أجبت ذلك وإن لم أعلم قلت: لا أدري وكان الصدق أولى بي. فقال هشام: أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) بما استدل به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله وما العلامة فيه للناس، فإن علمت ذلك وأجبت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي (عليه السلام) في قتله فقال له أبي: يا أمير المؤمنين إنه لما كان تلك الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى (عليهما السلام)، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون، وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم إلى السماء وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها شمعون بن حمون الصفا، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي (عليهما السلام). قال: فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه وهم أن يبطش بأبى، فقال له أبي: يا أمير المؤمنين الواجب على العباد الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصيحة، وأن الذي دعاني إلى أن أجبت أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي إياه بما يجب له علي من الطاعة فليحسن أمير المؤمنين علي الظن، فقال له هشام: انصرف إلى أهلك إذا شئت، قال: فخرج. فقال له هشام عند خروجه: أعطني عهد الله وميثاقه أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتى أموت، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه. (1) [642] - 8 - قال المسعودي: وروى إن ابن عباس قال في صبيحة اليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إني
1. كامل الزيارات: 158 ح 197. 389 رأيت البارحة في منامي كأن جبل أبي قبيس قد انهد وتقطع وسقط حوالي الكعبة وأظلمت الكعبة ومكة وما حولهما من غبار الجبل حتى لم ير الناس بعضهم بعضا، قال: فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ما أخوفني أن يكون ذلك لشئ قد نال أمير المؤمنين، قال: فورد الخبر بقتله في تلك الليلة التى رأيت فيها هذه الرؤيا. (1) [643] - 9 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن عن محمد بن أيوب التميمي عن موسى بن المغيرة: عن الضحاك بن مزاحم قال: ذكر علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند ابن عباس رحمه الله بعد وفاته فقال: وا أسفا على أبي الحسن ملك والله فما بدل ولا غير ولا قصر ولا جمع ولا منع ولا آثر ولقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله، ليث في الوغا، بحر في المجالس، حكيم الحكماء، هيهات قد مضى في الدرجات العلى. (2) [644] - 10 - قال أبو الفرج: حدثنا عاصم بن عامر، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: لما أن جاء عائشة قتل علي (عليه السلام) سجدت. (3) [645] - 11 - قال القرطبى: قالت عائشة لما بلغها قتل علي (عليه السلام): لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها. (4) [646] - 12 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين حدثنا عبد الله قال: حدثني محمد بن أبي يحيى أن شيخا من ضبة يكنى أبا الوليد حدثهم قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي أن
1. اثبات الوصية: 153. 2. مقتل ابن أبي الدنيا: 99 ح 92. 3. مقاتل الطالبين: 43. 4. الاستيعاب - بحاشية الإصابة - 3: 57. 390 معاوية قال لرجل من كنانة: صف لي عليا. قال: اعفني قال: لا أعفيك. قال أما إذ لابد فإنه كان - والله - بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه [كان] يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب. كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدؤنا إذا آتيناه ويلبينا إذا دعوناه. ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه لعظمته فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم. [كان] يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سرباله وقد غارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت؟ أم بي تشوقت؟ هيهات هيهات غرى غيري. لا حان حينك قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك يسير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق!!! قال: فبكى معاوية وبكى القوم ثم قال: رحم الله أبا حسن كان والله كذلك وكيف حزنك عليه؟ قال: حزن والدة ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها. (1) [647] - 13 - قال ابن أبي الحديد: روى خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم، قال: لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 99 ح 93، وروى الحديث في: حلية الأولياء 1: 84، زهر الآداب (للقيرواني) 1: 78، الاستيعاب - بحاشية الإصابة - 3: 43، كشف الغمة 1: 77. 391 يلعنون عليا (عليه السلام)، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ألا ترون إلى هذا الرجل الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنة! روى سليمان بن داود، عن شعبة، عن الحر بن الصباح، قال: سمعت عبد الرحمن بن الأخنس، يقول: شهدت المغيرة بن شعبة خطب فذكر عليا (عليه السلام)، فنال منه. روى محمد بن سعيد الإصفهاني، عن شريك، عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن علي ابن الحسين، عن أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم. قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك. روى مالك بن إسماعيل أبو غسان الهندي، عن ابن أبي السيف، قال: خطب مروان والحسن (عليه السلام) جالس، فنال من علي (عليه السلام)، فقال الحسن: ويلك يا مروان أهذا الذي تشتم شر الناس! قال: لا، ولكنه خير الناس. وروى أبو غسان أيضا، قال: قال عمر بن عبد العزيز: كان أبي يخطب فلا يزال مستمرا في خطبته; حتى إذا صار إلى ذكر علي وسبه تقطع لسانه، واصفر وجهه، و تغيرت حاله، فقلت له في ذلك، فقال: أوقد فطنت لذلك؟ إن هؤلاء لو يعلمون من علي ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل. وروى أبو عثمان، قال: حدثنا أبو اليقظان، قال: قام رجل من ولد عثمان إلى هشام بن عبد الملك يوم عرفة، فقال: إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب. وروى عمرو بن الفناد، عن محمد بن فضيل، عن أشعث بن سوار، قال: سب عدي بن اوطاة عليا (عليه السلام) على المنبر، فبكى الحسن البصري وقال: لقد سب هذا اليوم رجل إنه لأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة. وروى عدي بن ثابت عن إسماعيل بن إبراهيم، قال: كنت أنا وإبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة مما يلي أبواب كندة فخرج المغيرة فخطب، فحمد الله، ثم ذكر ما شاء أن يذكر، ثم وقع في علي (عليه السلام)، فضرب إبراهيم على فخذي أو ركبتى، ثم قال:
392 أقبل علي، فحدثني فإنا لسنا في جمعة، ألا تسمع ما يقول هذا! وروى عبد الله بن عثمان الثقفي، قال: حدثنا ابن أبي سيف، قال: قال ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير لولده: لا تذكر يا بني عليا إلا بخير; فإن بني أمية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، إن الدنيا لم تبن شيئا قط إلا رجعت على ما بنت فهدمته، وإن الدين لم يبن شيئا قط وهدمه. وروى عثمان بن سعيد، قال: حدثنا مطلب بن زياد، عن أبي بكر بن عبد الله الإصبهاني، قال: كان دعي لبني أمية قال له خالد بن عبد الله; لا يزال يشتم عليا (عليه السلام)، فلما كان يوم جمعة، وهو يخطب الناس، قال: والله إن كان رسول الله ليستعمله، وأنه ليعلم ما هو! ولكنه كان ختنه، وقد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه، ثم قال: ويحكم! ما قال هذا الخبيث! رأيت القبر انصدع ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كذبت يا عدو الله! وروى القناد، قال حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن السدي، قال: بينما أنا بالمدينة عند أحجار الزيت، إذ أقبل راكب على بعير فوقف فسب عليا (عليه السلام)، فخف به الناس ينظرون إليه، فبينما هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقاص، فقال: اللهم ان كان سب عبدا لك صالحا، فأر المسلمين خزيه، فما لبث أن نفر به بعيره فسقط، فاندقت عنقه. وروى عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الله بن موسى، عن فطر بن خليفة عن أبي عبد الجدلي، قال: دخلت على أم سلمة رحمها الله فقالت لي: أيسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم وأنتم أحياء! قلت: وأني يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي (عليه السلام) ومن يحبه! وروى العباس بن بكار الضبي، قال: حدثني أبو بكر الهذلي، عن الزهري، قال: قال ابن عباس لمعاوية، ألا تكف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لأفعل حتى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلما ولي عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه، فقال الناس: ترك السنة. قال: وقد روى عن ابن المسعود إما موقوفا عليه أو مرفوعا; كيف أنتم إذا
393 شملتكم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجرى عليها الناس فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: غيرت السنة. (1) [648] - 14 - روى المجلسي: عن كتاب المعراج قال: فأخبرني الأعمش، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: فلما ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء فالملائكة ينظرون إليه غدوة وعشية، ويلعنون قاتله ابن ملجم، فلما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) هبطت الملائكة وحملته حتى أوقفته مع صورة علي في السماء الخامسة فكلما هبطت الملائكة من السماوات من علا وصعدت ملائكة السماء الدنيا فمن فوقها إلى السماء الخامسة لزيارة صورة علي والنظر إليه وإلى الحسين بن علي مشحطا بدمه لعنوا يزيد وابن زياد ومن قاتلوا الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى يوم القيامة. قال الأعمش: قال لي جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) هذا من مكنون العلم و مخزونه لا تخرجه إلا إلى أهله. (2) [649] - 15 - روى الكليني: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار; ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: رأيت قميص علي (عليه السلام) الذي قتل فيه عند أبي جعفر (عليه السلام) فإذا أسفله اثنا عشر شبرا وبدنه ثلاثة أشبار ورأيت فيه نضح دم. (3) [650] - 16 - وروى أيضا: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن الحسن الصيقل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): تريد أريك قميص علي (عليه السلام)
1. شرح نهج البلاغة 13: 220. 2. البحار 18: 304 ح 10. 3. الكافي 6: 457 ح 9، عنه البحار 41: 160 ح 55. 394 الذي ضرب فيه وأريك دمه؟ قال: قلت: نعم فدعا به وهو في سفط فأخرجه و نشره فإذا هو قميص كرابيس يشبه السنبلاني فإذا موضع الجيب إلى الأرض وإذا الدم أبيض شبه اللبن شبه شطب السيف قال: هذا قميص علي (عليه السلام) الذي ضرب فيه و هذا أثر دمه فشبرت بدنه فإذا هو ثلاثة أشبار وشبرت أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا. (1)
1. الكافي 6: 457 ح 8، عنه البحار 41: 159 ح 54. 395 الفصل التاسع: في مراثيه (عليه السلام) [651] - 1 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن ربيعة قال: حدثني أبو طلق القرشى قال: حدثتني جدتي قالت: كنت أنوح أنا وأم كلثوم بنت علي على علي (عليه السلام). (1) [652] - 2 - روى ابن شهر آشوب: عن الحسن بن علي (عليهما السلام): أين من كان لعلم * المصطفى في الناس بابا أين من كان إذا * ما قحط الناس سحابا أين من كان إذا نو * دى في الحرب اجابا أين من كان دعا * ه مستجابا ومجابا وله (عليه السلام): خل العيون وما أردن * من البكاء على على لا تقبلن من الخلي * فليس قلبك بالخلى لله أنت إذا الرجال * تضعضعت وسط الندى فرجت غمته ولم تر * كن إلى فشل وعى
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 111 ح 106. 396 وله (عليه السلام): خذل الله خاذليه ولا * أغمد عن قاتليه سيف الفناء (1) [653] - 3 - وروى أيضا عن زيد بن علي، قال الحسين (عليه السلام): لما قتل أمير المؤمنين سمعت جنية ترثيه بهذه: لقد هد ركنى أبو شبر * فما ذاقت العين طيب الوسن ولا ذاقت العين طيب الكرى * وألقيت دهري رهين الحزن وأقلقني طول تذكاره * حرارة ثكل الرقوب الشثن (2) [654] - 4 - قال أبو الفرج: أخبرني عمي الحسن بن محمد، قال: أنشدني محمد بن سعد الكناني لبعض بني عبد المطلب يرثي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يعرف اسمه: يا قبر سيدنا المجن له * صلى الإله عليك يا قبر ما ضر قبرا أنت ساكنه * أن لا يحل بأرضه القطر فليندين سماح كفك في الثرى * وليورقن بجنبك الصخر والله لو بك لم أجد أحدا * إلا قتلت، لقاتنى الوتر (3) [655] - 5 - قال الفتال النيسابوري: قال أبو الأسود الدؤلي في مقتله (عليه السلام) وقيل لا روى بنت أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا قتلتم خير من ركب المطايا * وأكرمهم ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا [المئينا]
1. المناقب 3: 313، عنه البحار 42: 241 ضمن ح 44. 2. المناقب 3: 313، البحار 42: 241. 3. مقاتل الطالبين: 44، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 126. 397 إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راع الناظرينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرهم حسبا ودينا (1) [656] - 6 - روى أيضا: عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): لما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) قال صعصعة بن صوحان: ألا من لي بنشرك يا أخيا * ومن لي أن أبثك ما أريا طوتك خطوب دهر قد تولى * كذاك خطوبه نشرا وطيا وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أو حظ منك حيا (2) [657] - 7 - وأضاف ابن شهر آشوب: فلو نشرت قواك إلى المنايا * شكوت إليك ما صنعت اليا بكيتك يا على لدر عني * فلم يغن البكا عليك شيئا كفى حزنا بدفنك ثم أنى * نفضت تراب قبرك من يديا فيا أسفا عليك وطول شوقى * إلى لو أن ذلك رد شيا [شيئا] (3) [658] - 8 - وروى ابن شهر آشوب عنه أيضا: هل خبر القبر سائليه * أم قر عينا بزائريه أم هل تراه الحاط علما * بالجسد المستكن فيه لو علم القبر من يوارى * تاه على كل من يليه يا موت ماذا أردت مني * حققت ما كنت أتقيه يا موت لو تقبل افتداء * لكنت بالروح أفتديه دهر زماني بفقد إلفى * أذم دهري وأشتكيه (4)
1. روضة الواعظين: 137. 2. روضة الواعظين: 137. 3. المناقب لابن شهر آشوب 3: 314، البحار 42: 242 وفي هامشه: هكذا في النسخ والمصدر والظاهر إليك 4. المناقب 3: 314، عنه البحار 42: 242 ضمن ح 44. 398 [659] - 9 - روى أبو الفرج: عن أبي مخنف: وقالت أم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا تبكى أمير المؤمنينا رزئنا خير من ركب المطايا * وخيسها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا يقيم الدين لا يرتاب فيه * ويقضى بالفرائض مستبينا ويدعو للجماعة من عصاه * وينهك قطع أيدي السارقينا وليس بكاتم علما لديه * ولم يخلق من المتجبرينا لعمر أبي لقد أصحاب مصر * على طول الصحابة أوجعونا وغرونا بأنهم عكوف * وليس كذاك فعل العاكفينا أفي شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا (1) [660] - 10 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله قال: حدثني عبد الرحمن بن صالح، حدثنا بن هراسة عن محمد بن سلمة النصيبي قال: قالت أم العريان حين قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام): ألا عيني فاحتفلا سنينا * وبكينا أمير المؤمنينا ألا يا خير من ركب المطايا * وذللها ومن ركب السفينا يقيم الحد لا يرتاب فيه * ويقضى بالفرائض مستبينا كأن الناس مذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا فلا تشمت معاوية بن حرب * فإن بقية الخلفاء فينا
1. مقاتل الطالبين: 45، الجوهرة: 123 وفيها أربعة عشر بيتا جاء بعضها فيما نقلناها عن ابن أبي الدنيا. 399 وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا (1) [661] - 11 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، أنبأنا رشاء بن نظيف، أنبأنا الحسن بن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن مروان، وأنبأنا إسحاق بن الحسن الحربي، عن علي، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي: عن عمرو بن شمر، قال: كانت سودة بنت عمارة تبكى عليا وتقول: صلى الإله على جسم تضمنه * قبر فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحق لا يبغى به بدلا * فصار بالحق والايمان مقرونا (2) [662] - 12 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسين، حدثنا عبد الله قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ قال: أنشدني محمد بن الحكم لأبى زبيد الطائي يرثى عليا (عليه السلام): حمت ليدخل جنات أبو حسن * وأوقدت بعده للقاتل النار ماذا أراد بخير الناس كلهم * دينا وأهداهم للحق إن حاروا يقول ما قال عن قول النبى * فما يخالف الجهر منه فيه أسرار تزوره ام كلثوم ونسوتها * لاكالمزور ولا كالزور زوار يبكين أروع ميمونا نقيبته * يحمى الذمار إذا ما معشر جاروا (3)
1. مقتل ابن أبي الدنيا: 110 ح 104، وفي البحار 42: 299 عن بعض الكتب القديمة أنه: لما اقبل الحسن و الحسين إلى المنزل - بعد دفن أبيهم وقتل ابن الملجم - فالتفت بهم ام كلثوم وانشدت تقول هذه الأبيات لما سمعت بقتله. وقيل انها لام الهيثم بنت العربان الخثعمية وقيل للأسود الدؤلي شعرا يقول:... ثم ذكر ثلاثين بيتا جاء في ضمنه ما ذكر في المتن. 2. تاريخ ابن عساكر 3: 416 ح 1525، شواهد التنزيل 1: 394 رواه عن الزرقاء الكوفية، كشف الغمة 1: 174، احقاق الحق 8: 809 و 14: 180، معادن الحكمة 1: 419 ح 11 في المصدر الأول بدل كلمه " العدل " الجود وفي بقيه المصادر العدل وهو المشهور. 3. مقتل ابن أبي الدنيا: 111 ح 105. 400 الجزء الرابع: في شهادة الإمام الثاني أبي محمد الحسن بن علي المجتبى (عليهما السلام)
401 الفصل الأول: في نبذة من شخصيته الكريمة [663] - 1 - قال الصدوق: حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى [إلى أن قال]: أما الحسن فإنه ابني وولدي وبضعة مني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي وهو سيد شباب أهل الجنة وحجة الله على الأمة، أمره أمري وقوله قولي، من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني. (1) [664] - 2 - قال المفيد: روى إبراهيم بن علي الرافعي، عن أبيه، عن جدته زينب بنت أبي رافع وشبيب بن أبي الرافع الرافعي عمن حدثه قالت: أتت فاطمة (عليها السلام) بابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شكواه التي توفى فيها، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا. فقال: أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإن له جودي وشجاعتي.
1. الأمالي: 100، عنه البحار 44: 148 ح 16. 402 وكان الحسن بن علي (عليهما السلام) وصي أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) على أهله وولده وأصحابه ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهدا مشهورا ووصيته ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب. وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفهماء. (1) [665] - 3 - قال ابن شهر آشوب: وسماه الله تعالى الحسن وسماه في التوراة شبرا. وكنيته أبو محمد وأبو القاسم. وألقابه: السيد والسبط والأمير والحجة والبر والتقي والأثير والزكي والمجتبى والسبط الأول والزاهد. وأمه فاطمه (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [666] - 4 - روى الإربلي: عن كتاب معالم العترة الطاهرة للجنابذي وقال أحمد بن محمد بن أيوب المغيري: كان الحسن بن علي [(عليهما السلام)] أبيض مشربا حمرة، أدعج العينين (3)، سهل الخدين، دقيق المسربة (4)، كث اللحية ذا وفرة (5) وكان عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس (6)، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحا من أحسن الناس وجها، وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر، حسن البدن (7). [667] - 5 - قال المفيد: وكان الحسن (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خلقا وهديا وسؤددا روى ذلك جماعة، منهم معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال لم يكن أحد أشبه
1. الارشاد: 187. 2. المناقب 4: 29، تسلية المجالس وزينة المجالس: 309 وفيه: الأمين بدل الأمير ولم يذكر الأثير، البحار 44: 134 ضمن ح 3. 3. شديد السواد مع سعة العين. 4. الشعر المستدق من الصدر إلى السرة. 5. الشعر إلى شحمة الاذن. 6. كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس. 7. كشف الغمة 1: 548. 403 برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الحسن بن علي (عليهما السلام). (1) [668] - 6 - قال المفيد: أولاد الحسن بن علي (عليهما السلام) خمسة عشر ولدا، ذكرا وأنثى: 1 - زيد بن الحسن وأختاه: 2 - أم الحسن 3 - أم الحسين، أمهم: أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية 4 - والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية 5 - وعمرو بن الحسن وأخواه: 6 - القاسم 7 - وعبد الله ابنا الحسن، أمهم أم ولد 8 - وعبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد 9 - والحسن بن الحسن الملقب بالأثرم وأخوه: 10 - طلحة بن الحسن وأختهما 11 - فاطمة بنت الحسن، أمهم: أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي 12 - وأم عبد الله 13 - وفاطمة 14 - وأم سلمة 15 - ورقية بنات الحسن (عليه السلام) لأمهات شتى (2). [669] - 7 - قال ابن الصباغ: قال ابن الخشاب: ولد له أحد عشر ولدا وبنتا واحدة. أسماء بنيه: عبد الله والقاسم والحسن وزيد وعمر وعبد الله وعبد الرحمن وأحمد وإسماعيل والحسين وعقيل. والبنت اسمها: أم الحسن فاطمة وهي أم محمد بن علي الباقر (عليهما السلام). (3) مولده (عليه السلام): [670] - 8 - قال الكليني: ولد الحسن بن علي (عليهما السلام) في شهر رمضان في سنة اثنتين بعد الهجرة وروى أنه ولد في سنة ثلاث. (4)
1. الارشاد: 187. 2. الارشاد: 194، عنه الفصول المهمة لابن الصباغ: 157 وفيه بدل: " عمرو بن الحسن ". عمر واخواه القاسم وعبد الله، أمهم ام ولد، استشهدوا ثلاثتهم بين يدي عمهم الحسين (عليه السلام) بطف كربلاء " رضى الله عنهم و أرضاهم وأحسن عن الدين والإسلام وأهله جزاهم "، تسلية المجالس وزينة المجالس: 309 مع تفاوت في بعض الالفاظ. 3. الفصول المهمة: 157، دلائل الإمامة: 162. 4. الكافي 1: 461، تهذيب الاحكام 6: 39 وفيه إلى قوله: بعد الهجرة، الدروس 2: 7 وفيه: ولد يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان وانتسب القول الثاني إلى المفيد، البحار 44: 134 ح 1 نقلا عن الكافي و ح 2 نقلا عن التهذيب والدروس. 404 [671] - 9 - قال المفيد: ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. (1) [672] - 10 - قال ابن شهر آشوب: ولد الحسن (عليه السلام) بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام احد، سنة ثلاث من الهجرة وقيل اثنين. (2) والصحيح عندنا أن ولادته (عليه السلام) كانت في ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. تاريخ شهادته (عليه السلام): [673] - 11 - قال الكليني: ومضى (عليه السلام) في شهر صفر في آخره من سنة تسع وأربعين. (3) [674] - 12 - قال اليعقوبي: توفى الحسن بن علي [(عليهما السلام)] في شهر ربيع الأول سنة 49. (4) [675] - 13 - قال المفيد: ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة. (5)
1. الارشاد: 187، مقاتل الطالبيين: 49، تاريخ بغداد 1: 140 وفيه: ولد في النصف، دلائل الإمامة: 159 وفيه: يوم النصف، روضة الواعظين: 153، اعلام الورى: 122، تذكرة الخواص: 176، كفاية الطالب: 267، كشف الغمة 1: 514 ونقل عن ابن طلحة انه أصح الأقوال، الفصول المهمة لابن الصباغ: 143. 2. المناقب 4: 28، تاريخ الطبري 2: 76 و 51 متفرقا، كشف الغمة 1: 515، تسلية المجالس وزينة المجالس، 308، البحار 44: 134 ح 3 نقلا عن المناقب. 3. الكافي 1: 461، تهذيب الاحكام 6: 39. 4. تاريخ اليعقوبي 2: 225، تاريخ بغداد 1: 140، تذكرة الخواص: 191 وفيه: لخمس ليال بقين من ربيع الأول، شذرات الذهب 1: 55 وفيه: والأكثر على انه توفى سنة خمسين بالمدينة عن سبع وأربعين سنة. 5. الارشاد: 192، اثبات الوصية: 160. 405 [676] - 14 - قال ابن شهر آشوب: ومضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وقيل سنة تسع وأربعين. (1) [677] - 15 - وروى الكليني: عن سعد بن عبد الله وعبد الله وعبد الله بن جعفر، عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي [بن مهزيار]، عن الحسن بن سعيد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قبض الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين، عاش بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعين سنة. (2) [678] - 16 - قال ابن عبد البر: واختلف في وقت وفاته، فقيل: مات سنة تسع وأربعين وقيل: بل مات في ربيع الأول سنة خمسين بعد ما مضى من خلافة معاوية عشر سنين، وقيل: بل مات سنة إحدى وخمسين. (3) والصحيح المشهور أن شهادته (عليه السلام) كانت في ليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة. مدة عمره وإمامته وطواغيت عصره (عليه السلام) [679] - 17 - قال المسعودي: وقبض (عليه السلام) بعد خمسين سنة من الهجرة وسنه سبع وأربعون سنة، فأقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبع سنين وستة اشهر، ومع أمير المؤمنين ثلاثين سنة ومنفردا بالوصية
1. المناقب 4: 29، اعلام الورى: 122 إلى قوله: من الهجرة، كشف الغمة 1: 516، تسلية المجالس وزينة المجالس: 309. 2. الكافي 1: 461 ح 2. 3. الاستيعاب (بهامش الإصابة) 1: 374، اسد الغابة 2: 15، الإصابة 1: 331 وفيه نقل القول الأول عن الواقدي والثاني عن المدائني وأضاف: وقال الهيثم بن عدى سنة اربع وأربعين وقال ابن منده مات سنة تسع وأربعين وقيل خمسين وقيل سنة ثمان وخمسين، ولكثرة الاطلاع حول اختلاف الأقوال راجع احقاق الحق 11: 165. 406 والإمامة عشر سنين (1). [680] - 18 - قال الكليني: ومضى وهو ابن سبع وأربعين سنة وأشهر (2). [681] - 19 - قال المفيد: ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمانية وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين (3). وقيل: كان عمره عند وفاته تسع وأربعون سنة وشهرا (4). وقيل: خمسين سنة (5). وقيل: خمس وخمسين سنة (6). وقيل: خمس وأربعين سنة (7). والصحيح عندنا ما قاله الكليني كما تدل عليه الرواية السابقة أيضا.
1. اثبات الوصية: 160، المناقب 4: 29. 2. الكافي 1: 461، اعلام الورى: 122، عنه كشف الغمة 1: 516. 3. الإرشاد: 192، مقاتل الطالبيين: 76 و 77 وفيه نقلا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) انه توفى وهو ثماني وأربعين سنة وفي رواية أخرى مع سند آخر: توفى وهو ابن ست وأربعين. 4. عيون المعجزات: 67. 5. البحار 44: 150 ذيل حديث 18. 6. مروج الذهب 3: 4. 7. كشف الغمة 1: 583، عنه البحار 44: 137 ح 5. 407 الفصل الثاني: في مأساته (عليه السلام): [682] - 1 - قال المفيد: وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه [الحسن (عليه السلام)] فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين فسار حتى أتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد (عليه السلام) أن يمتحن أصحابه ويستبرىء أحوالهم في الطاعة له ليتميز بذلك أوليائه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام فأمر بهم أن ينادي بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال: الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحي. أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمدالله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له بسوء ولا غائلة ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا علي رأيي غفر الله لي ولكم وأرشدني
408 وإياكم لما فيه المحبة والرضا. قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه. فقالوا: كفر والله الرجل، ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقى جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا بفرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده، فقال: ادعوا إلى ربيعة وهمدان. فدعوا فأطافوا به ودفعوا الناس عنه (عليه السلام) وسار ومعه شوب من غيرهم فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له: الجراح بن سنان، فأخذ بلجام بغلته وبيده مغول وقال: الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ثم اعتنقه الحسن (عليه السلام) وخرا جميعا إلى الأرض فوثب إليه رجل من شيعة الحسن (عليه السلام) يقال له! عبد الله بن خطل الطائي فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكب عليه آخر يقال له: ظبيان بن عمارة فقطع أنفه فهلك من ذلك وأخذ آخر كان معه فقتل وحمل الحسن (عليه السلام) على سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) بها فأقره الحسن (عليه السلام) على ذلك واشتغل الحسن (عليه السلام) بنفسه يعالج جرحه. وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر واستحثوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به وبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضى الله عنه وكان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ويرده عن العراق وجعله أميرا على الجماعة وقال: إن أصبت فالأمير قيس بن سعد، فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبوبية بإزاء مسكن وإن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن عباس يرغبه في المسير إليه وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الأخر عند دخوله إلى الكوفة فانسل
409 عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم فصلى بهم قيس بن سعد رضى الله عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن عوائله إلا خاصته من شيعة أبيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام. فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن (عليه السلام) وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة. فتوثق (عليه السلام) لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والإعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام) والعدول عن القنوت عليه في الصلاة وأن يؤمن شيعته رضى الله عنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة وكان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم وقال في خطبته: إنى والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإني كنت منيت الحسن أشياء وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له. ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ونال منه ونال من الحسن (عليه السلام) ما نال وكان
410 الحسن والحسين (عليهما السلام) حاضرين فقام الحسين (عليه السلام) ليرد عليه فأخذ بيده الحسن (عليه السلام) و أجلسه ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا أنا الحسن وأبي علي وأنت معاوية وأبوك صخر وأمي فاطمة وأمك هند وجدي رسول الله وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك فتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا وشرنا قدما وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين. (1) [683] - 2 - قال الطبراني: حدثنا محمود بن محمد الواسطى حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد، عن حصين عن أبي جميلة: أن الحسن بن علي رضى الله عنه حين قتل علي رضى الله عنه استخلف فبينما هو يصلي بالناس إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهرا، ثم قام على المنبر يخطب فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا امراؤكم وضيفانك [كم] ونحن أهل البيت الذي قال الله عزوجل: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فما زال يومئذ يتكلم حتى ما يرى في المسجد إلا باكيا. (2) [684] - 3 - روى الطبرسي: عن زيد بن وهب الجهنى قال: لما طعن الحسن بن علي (عليهما السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجع، فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما، والله لئن اسالمه وأنا عزيز خير من أن
1. الارشاد: 189، انساب الاشراف 3: 32، الفتوح: 2894، تاريخ الطبري 3: 164 مع اختلاف، مقاتل الطالبيين: 50 - 73 متفرقا، المناقب لابن شهر آشوب 4: 32 مختصرا، البحار 44: 46. 2. المعجم الكبير 3: 93، المناقب لابن المغازلي: 382 ح 431، سير أعلام النبلاء 3: 269 مع تفاوت في بعض الالفاظ، مجمع الزوائد 9: 172، الصواعق المحرقة: 214 مختصرا، احقاق الحق 11: 158 نقلا عن المصادر السابقة. 411 يقتلني وأنا أسير، أو يمن علي فيكون سنة على بن هاشم آخر الدهر ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت. قال: قلت: تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لها راع؟ قال: وما أصنع يا أخا جهينة اني والله أعلم بأمر قد أدى به الى ثقاته: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لي - ذات يوم وقد رآني فرحا -: يا حسن أتفرح! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟! كيف بك إذا ولى هذا الأمر بنو أمية، وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الاعفجاج (1)، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثم يستولى على غربها وشرقها، يدين له العباد ويطول ملكه، يستن بسنن أهل البدع والضلال، ويميت الحق وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقسم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويذل في ملكه المؤمن، ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا، ويتخذ عباد الله خولا يدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه على الحق، ويدين من والاه على الباطل، فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته ويعصم أنصاره وينصره بآياته، ويظهره على أهل الأرض حتى يدينوا طوعا وكرها، يملأ الأرض قسطا وعدلا ونورا وبرهانا، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقى كافر إلا آمن به ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما، فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه. (2)
1. اى واسع الكرش والأمعاء. 2. الاحتجاج 2: 290، عنه البحار 44: 20 ح 4 والعوالم 16: 175 ح 5. 412 الفصل الثالث: في الإخبار عن شهادته (عليه السلام): الف - إخبار الله والملائكة: [685] - 1 - قال المجلسي: وروى في مؤلفات بعض الأصحاب عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين (عليهما السلام) وجلسا إلى جانبيه فأخذ الحسن على ركبته اليمنى، والحسين على ركبته اليسرى وجعل يقبل هذا تارة وهذا أخرى وإذا جبرئيل قد نزل وقال: يا رسول الله إنك تحب الحسن والحسين؟ فقال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرتا عيني، فقال جبرئيل: يا نبي الله إن الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له، فقال: وما هو يا أخي؟ فقال: قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحا وإن لكل نبي دعوة مستجابة، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين فادع الله أن يسلمهما من السم والقتل وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جبرئيل أنا راض بحكم ربي لما أريد وإلا ما يريده، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي ويقضى الله في ولدي ما يشاء. (1) [686] - 2 - قال الخوارزمي: روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما دخل الجنة ليلة المعراج رأى فيها قصرين من ياقوتين
1. البحار 44: 241 ح 35، العوالم 17: 119 ح 1. 413 إحداهما خضراء والأخرى حمراء فسأل جبرئيل عنهما، فقال: اسأل رضوان عنهما، فسأل رضوان. فقال: الخضراء للحسن والحمراء للحسين فقال: يا رضوان لم خلق الله الخضراء للحسن والحمراء للحسين؟ فقال رضوان: إن الحسن تقتله أمتك بالسم فيصير أخضر والحسين تقتله أمتك بالسيف فيتلطخ بدمه فيصير أحمر فأعلم الله قصريهما بهاتين العلامتين فبكى رسول الله، فقال الله: يا محمد لم تبكي وإن دموعك لا قيمة لها عندي ولكن إن رضيت أن تحفظهما ولا شفاعة لك يوم القيامة فعلنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل الشفاعة أحب الى يا رب وإن قتلت قرة عيني معهما فاطمة. (1) ب - إخبار الرسول (صلى الله عليه وآله): [687] - 3 - قال الصدوق: حدثنا على بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام)، فلما رآه بكى... إلى أن قال: إني لما نظرت إليه تذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا فعند ذلك تبكي الملائكة السبع الشداد لموته ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام... (2) [688] - 4 - وقال أيضا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن حمدان الصيدلاني،
1. مقتل الحسين (عليه السلام): 169، احقاق الحق 27: 280، البحار 44: 145 ح 13، العوالم 16: 284 ح 12 و 17: 121 ح 2. 2. الأمالي: 99 ح 2، عنه غاية المرام 1: 197 والبحار 44: 148 ح 16 مختصرا. 414 قال: حدثنا محمد بن مسلم الواسطي، قال: حدثنا محمد بن هارون، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن زيد الجرمي، عن ابن عباس قال: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله من يغسلك منا إذا كان ذلك منك، قال ذاك علي بن أبي طالب (عليه السلام) [إلى أن قال]: فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأراد علي (عليه السلام) أن ينحيهما عنه، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا علي دعني أشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، أما أنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما فلعنة الله على من يظلمهما، يقول ذلك ثلاثا [الحديث] (1) [689] - 5 - روى سليم بن قيس عن عبد الله بن جعفر - في حديث طويل - عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ويقتل ابني الحسن بالسم ويقتل ابني الحسين بالسيف... (2) ج - إخباره (عليه السلام) عن شهادة نفسه (عليه السلام): [690] - 6 - قال الراوندي: روى عن الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) أن الحسن (عليه السلام) قال لأهل بيته: إني أموت بالسم، كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: ومن يفعل ذلك؟ قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس، فإن معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك. قالوا: أخرجها من منزلك، وباعدها من نفسك. قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئا، ولو أخرجتها ما قتلني غيرها، وكان لها عذر عند الناس. فما ذهبت الأيام حتى بعث إليها معاوية مالا جسيما، وجعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا ويزوجها من يزيد، وحمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن
1. الأمالي: 505 ح 6، عنه اثبات الهداة 1: 541 مختصرا. 2. كتاب سليم بن قيس: 233، البحار 33: 267 ضمن ح 534، العوالم 16: 269 ح 1. 415 فانصرف إلى منزله وهو صائم فأخرجت [له] وقت الإفطار - وكان يوما حارا - شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السم فشربها وقال: يا عدوة الله قتلتني قتلك الله والله لا تصيبن مني خلفا ولقد غرك وسخر منك والله يخزيك ويخزيه. فمكث (عليه السلام) يومين ثم مضى فغدر معاوية بها ولم يف لها بما عاهد عليه. (1) [691] - 7 - قال الصدوق: حدثنا أحمد بن هارون الفلمي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدثنا أبي عن أحمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه عن جده (عليهم السلام) أن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) دخل يوما إلى الحسن (عليه السلام) فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك، فقال له الحسن (عليه السلام): إن الذي يؤتى الى سم يدس الى فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد (صلى الله عليه وآله) وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رمادا ودما ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار. (2)
1. الخرائج والجرائح 1: 241 ح 7، المناقب لابن شهر آشوب 4: 8، تسلية المجالس وزينة المجالس: 299، اثبات الهداة 5: 150 ح 12، البحار 43: 327 و 44: 153 ح 23، العوالم 16: 90 ح 5 و 271 ح 1 إلى قوله عند الناس و 282 ح 8 مع تفاوت في بعض الالفاظ في المصادر. 2. الأمالي: 101 ح 3، المناقب 4: 86، مثير الأحزان: 23، احقاق الحق 11: 164، البحار 45: 218 ح 44، العوالم 16: 271 ح 2 و 272 ح 1 و 17: 154 ح 1 في الالفاظ مع اختلاف. 416 الفصل الرابع: في وصاياه (عليه السلام) [692] - 1 - قال الخزاز القمي: حدثني محمد بن وهبان البصري، قال: حدثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحوي، قال: حدثني جدي إسحاق بن البهلول ابن حسان، قال: حدثني طلحة بن زيد الرقي، عن الزبير عطا، عن عمير بن هاني العيسى، عن جنادة بن أبي أميد قال: دخلت على الحسن بن علي (عليهما السلام) في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الأذي سقاه معاوية لعنه الله، فقلت: يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم التفت الى وقال: والله انه لعهد عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن هذا الامر يملكه اثنا [إحدى] عشر إماما من ولد علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) ما منا إلا مسموم أو مقتول. ثم رفعت الطشت واتكى صلوات الله عليه فقلت: عظني يا بن رسول الله. قال: نعم، استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنه تطلب الدنيا والموت يطلبك، [ولاكمل يومك الذي له باب على لومك] الذي أنت فيه. واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم أن في حلالها حسابا [في] وحرامها عقابا وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كان حراما لم تكن قد أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العقاب يسير. واعمل لدنياك كأنك
417 تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فأخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل، وإذا نازعتك إلى حصبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة فاتك، وان قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت بك أحد الملمات أسألك، من لا يأتيك منه البوائق ولا يختلف عليك منه الطوالق ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منفسا آثرك. قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشت [خشيت] عليه، ودخل الحسين صلوات الله عليه والأسود بن أبي الأسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه، ثم قعد عنده وتسارا جميعا، فقال أبو الأسود: إنا لله إن الحسن قد نعيت إليه نفسه وقد أوصى إلى الحسين (عليه السلام). (1) [693] - 2 - قال الطوسي: حدثنا محمد بن محمد [المفيد]، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا مزاحم بن عبد الوارث بن عباد البصري بمصر، قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، قال: حدثنا العباس بن بكار، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن عباس. قال الغلابي: وحدثنا أحمد بن محمد الواسطي، قال: حدثنا محمد بن صالح النطاح ومحمد بن الصلت الواسطي، قالا: حدثنا عمر بن يونس اليمامي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: وحدثنا أبو عيسى عبيد الله بن فضل الطائي، قال: حدثنا الحسين بن علي الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: حدثني محمد بن سلام الكوفي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الواسطي، قال: حدثنا محمد بن صالح، ومحمد الصلت، قالا: حدثنا عمر بن يونس اليمامي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: دخل الحسين بن علي (عليهما السلام) على أخيه الحسن بن علي (عليهما السلام) في مرضه الذي توفى فيه [... إلى أن قال:
1. كفاية الأثر: 226، عنه البحار 44: 138 ح 6 والعوالم 16: 280 ح 5. 418 قال الحسن للحسين (عليهما السلام)] اكتب: " هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه يعبده حق عبادته، لا شريك له في الملك، ولا ولى له من الذل، وأنه خلق كل شئ فقدره تقديرا، وأنه أولى من عبد وأحق من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى. فإنى اوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفا ووالدا، وأن تدفنني مع جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنى أحق به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله تعالى فيما أنزله على نبيه (صلى الله عليه وآله) في كتابه: (يا ايها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا أن يؤذن لكم) (1) فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون [مأذونون] لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك بالقرابة التي قرب الله (عزوجل) منك، والرحم الماسة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا تهريق فى محجمة من دم حتى نلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ". ثم قبض (عليه السلام). (2) [694] - 3 - قال ابن شبة: حدثنا أبو غسان عن محمد بن إسماعيل عن فائد مولى عبادل: أن عبيد الله بن علي أخبره عمن مضى من أهل بيته: أن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمي فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة. (3) [695] - 4 - قال الدينوري: ثم إن الحسن (رضي الله عنه) اشتكى بالمدينة، فثقل، وكان أخوه محمد بن الحنفية في ضيعة له، فأرسل إليه، فوافى، فدخل عليه، فجلس عن يساره، والحسين عن يمينه، ففتح
1. الأحزاب: 53 2. الأمالي: 158 ح 267 / 19، عنه البحار 44: 151 ح 22 والعوالم 16: 286 ح 2. 3. تاريخ المدينة المنورة 1: 106. 419 الحسن عينه، فرآهما، فقال للحسين: يا أخي، أوصيك بمحمد أخيك خيرا، فإنه جلدة ما بين العينين ثم قال: " يا محمد، وأنا أوصيك بالحسين، كانفه ووازره ". ثم قال: " ادفنوني مع جدي (صلى الله عليه وآله) فإن منعتم فالبقيع " ثم توفى، فمنع مروان أن يدفن مع النبي (صلى الله عليه وآله) فدفن في البقيع. وبلغ أهل الكوفة وفاة الحسن، فاجتمع عظماؤهم فكتبوا إلى الحسين (رضي الله عنه) يعزونه. (1) [696] - 5 - قال الطبري: ولما حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين: إذا مت فغسلني وحنطني وكفني وصل علي واحملني إلى قبر جدي حتى تلحدني إلى جانبه فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله وأبيك أمير المؤمنين وأمك فاطمة وبحقي عليك إن خاصمك أحد ردني إلى البقيع فادفني فيه ولا تهرق في محجمة دم. (2) [697] - 6 - قال ابن عبد الوهاب: ودخل عليه أخوه الحسين (عليه السلام) فقال: كيف تجد نفسك؟ قال: أنا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، على كره مني لفراقك وفراق إخوتي، ثم قال: استغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة (عليهم السلام)، ثم أوصى إليه وسلم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، التي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) سلمها إليه; ثم قال: يا أخي إذا مت فغسلني وحنطني وكفني واحملني إلى جدي حتى تلحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيك أمير المؤمنين وأمك فاطمة الزهراء (عليهما السلام) أن لا تخاصم أحدا، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتى تدفنني مع أمي (عليهما السلام). (3) [698] - 7 - روى الكليني: عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل، عن محمد بن سليمان، عن
1. الاخبار الطوال: 221. 2. دلائل الإمامة: 160، روضة الواعظين 1: 167; ربيع الأبرار 4: 209; الفصول المهمة: 156 مع اختلاف في بعض الالفاظ. 3. عيون المعجزات: 66، عنه البحار 44: 140 ح 7. 420 هارون الجهم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لما احتضر الحسن بن علي (عليهما السلام) قال للحسين (عليه السلام): يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (عليها السلام) ثم ردني فادفني بالبقيع، وأعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وعداوتها لنا أهل البيت. (1) [699] - 8 - قال الراوندي: [روى] أن الصادق (عليه السلام) قال: لما أن حضرت الحسن بن علي (عليهما السلام) الوفاة بكى بكاء شديدا وقال: إني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط. ثم أوصى أن يدفنوه بالبقيع. فقال: يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاجدد به عهدي ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك، فستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله، فيجلبون في منعكم ذلك، وبالله أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم. (2) [700] - 9 - قال المفيد: وروى عبد الله بن إبراهيم، عن زيد المخارقي قال: لما حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة استدعى الحسين (عليه السلام) وقال: يا أخي مفارقك ولاحق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت وإني العارف بمن سقاني السم ومن أين دهيت وأن أخاصمه إلى الله عزوجل فبحقي عليك أنا تكلمت في ذلك بشيء وانتظر ما يحدث الله عزوجل فى فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله لأجدد به عهدا ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد رضى الله عنها فادفني هناك وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)
1. الكافي 1: 302 ح 3، عنه الوسائل 2: 834 ح 6 فيه بدل قوله: الحميراء، عايشة و 835 ح 8، العوالم 16: 289 ح 5. 2. الخرائج والجرائح 1: 242 ح 8، عنه البحار 44: 154 ح 24، العوالم 16: 291 ح 6. 421 فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه وبالله أقسم عليك أن [لا] تهريق في أمري محجمة دم. ثم وصي (عليه السلام) إليه بأهليه وولده وتركاته وما كان وصي به إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حين استخلفه وأهله بمقامه ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علما من بعده. (1) وجه الجمع الروايات في الباب على وجهين: بعضها ناطقة بأنه (عليه السلام) أوصى أن يدفن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي بعضها عزم (عليه السلام) بنقل جثته الشريفة إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يجدد العهد معه (صلى الله عليه وآله) ثم يدفن في البقيع. ويمكن أن يقال في وجه الجمع: إنه (عليه السلام) كان يحب أن يدفن عند جده (صلى الله عليه وآله) وقد أوصى بذلك ولكنه كان يعلم أيضا أن هذه البغية لا يمكن أن يتحقق والنظام الأموي مسيطرة ولذلك اكتفي (عليه السلام) بتجديد العهد والدفن في البقيع.
1. الارشاد: 192، عنه اثبات الهداة 5: 154 ح 19، الوسائل 2: 835 ح 10 والبحار 44: 155 ح 25 و 82: 70 ح 9 نقل بعضه. 422 الفصل الخامس: في احتضاره (عليه السلام): [701] - 1 - قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضري، حدثنا عثمان بن أبي شيبه، حدثنا أبو أسامة عن سفيان بن عيينة عن رقبة بن مصقلة قال: لما حضر الحسن بن علي [الموت] قال: أخرجوني إلى الصحراء لعلى أنظر في ملكوت السماوات - يعنى الآيات - فلما أخرج به قال: اللهم إني احتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي وكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه. (1) [702] - 2 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو الحسن علي بن الحسن، قالا: أنبأنا أبو الحسين بن أبي نصر، أنبأنا أبو بكر يوسف بن القاسم، أنبأنا أبو سعيد: أحمد بن محمد بن الأعرابى بمكة في ذي الحجة سنة تسع وثلاثمائة. حيلولة: وأخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، أنبأنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك، أنبأنا على بن محمد بن علي، وعبد الرحمن بن محمد بن أحمد، قالا: أنبأنا أبوالعباس الأصم، قالا: سمعنا العباس بن محمد، يقول: سمعت يحيى بن معين،
1. المعجم الكبير 3: 70 ح 2692، كشف الغمة 1: 568 وفيه: السماء; عنه البحار 44: 138 ح 5 وفي بيانه قال: قوله (عليه السلام): اللهم انى احتسب نفسي عندك اى ارضى بذهاب نفسي وشهادتي ولا أطلب القود طالبا لرضاك أو اطلب منك ان تجعلها عندك في محال القدس. 423 يقول: لما ثقل الحسن بن علي دخل عليه الحسين، فقال: يا أخي لأي شيء تجزع؟ تقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي بن أبي طالب وهما أبواك، وعلى خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وهما أماك، وعلى حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب وهما عماك. قال: يا أخي أقدم على أمر لم أقدم على مثله. (1) [703] - 3 - روى الكليني: عن محمد بن يحيى عن الحسين بن إسحاق عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عمن سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لما حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة بكى، فقيل له: يا بن رسول الله تبكى ومكانك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أنت به؟ وقد قال فيك ما قال وقد حججت عشرين حجة ماشيا وقد قاسمت مالك ثلاث مرات حتى النعل بالنعل؟ فقال: إنما أبكى لخصلتين لهول المطلع وفراق الأحبة. (2) [704] - 4 - قال المسعودي: [ثم كان خبره في السم الذي دسه إليه ابن آكلة الأكباد ما رواه الناس فاعتل] فدخل إليه أخوه أبو عبد الله فقال له: كيف تجد نفسك يا سيدي؟ قال: أجدني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك وفراق إخوتي والأحبة، ثم قال: استغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله وأمير المؤمنين وأمي فاطمة وحمزة وجعفر ثم أوصى وسلم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والوصية التي كان أمير المؤمنين سلمها إليه... (3)
1. تاريخ ابن عساكر " ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) ": 215 ح 347 و 214 ح 346 و 215 ح 348 مع ألفاظ مختلفة، كشف الغمة 1: 552، البداية والنهاية 8: 47، احقاق الحق 11: 174. 2. الكافي 1: 461 ح 1، روضة الواعظين 2: 451، كشف اليقين: 351 ح 410 مع تفاوت في بعض الالفاظ، حلية الأبرار 1: 521، الوسائل 8: 93 ح 31، البحار 6: 159 ح 22 و 82: 175 ح 11. 3. اثبات الوصية: 159، عيون المعجزات: 66 مع اختلاف في بعض الالفاظ، الأمالي للطوسي: 159، البحار 44: 140 ح 7 نقلا عن عيون المعجزات و 151 ح 22 نقلا عن الأمالي. 424 [705] - 5 - روى الإربلي: أنه لما حضرت الحسن الوفاة جعل يسترجع فأكب عليه ابنه عبد الله فقال: يا أبه هل رأيت شيئا؟ فقد غممتنا، فقال (عليه السلام): أي بنى هي والله نفسي التي لم أصب بمثلها. (1) [706] - 6 - قال الحر العاملي: روى صاحب كتاب مقصد الراغب عن الحسن (عليه السلام): انه لما حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين (عليه السلام): إن جعدة تعلم أن أباها خالف أباك أمير المؤمنين إلى أن قال: وأن ابنه محمد الأشعث يخرج إليك في قواد عبيد الله بن زياد من الكوفة إلى نهر كربلاء بشاطىء الفرات، فيشهد بذلك قتلك، ويشرك في دمك، وأن جعدة ابنته قاتلتني بالسم، وعهد جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما كان سمها يضرني شيئا لولا بلوغ الكتاب أجله، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وصل على، واحملني إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فألحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك وستمنع فلا تخاصم، ولا تحارب وردني إلى البقيع، فدفني فيه، ثم ذكر منع مروان بن الحكم وعايشة من دفنه عند جده. (2) [707] - 7 - قال ابن شهر آشوب: وحكى أن الحسن (عليه السلام) لما أشرف على الموت قال له الحسين (عليه السلام): أريد أن أعلم حالك يا أخي، فقال [له] الحسن: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) لا يفارق العقل منا أهل البيت ما دام الروح فينا فضع يدك في يدي حتى عاينت ملك الموت أغمز يدك فوضع يده في يده فلما كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا فقرب الحسين أذنه إلى فمه فقال: قال لي ملك الموت أبشر فإن الله عنك راض وجدك شافع. (3)
1. كشف الغمة 1: 552. 2. اثبات الهداة 5: 166 ح 49. 3. المناقب 4: 43، عنه البحار 44: 160 ح 29، العوالم 16: 284 ح 13. 425 الفصل السادس: في شهادته (عليه السلام): [708] - 1 - قال الكليني: سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد أو غيره عن سليمان كاتب علي بن يقطين عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام) وابنته جعدة سمت الحسن (عليه السلام) ومحمد ابنه شرك في دم الحسين (عليه السلام). (1) [709] - 2 - وروى أيضا: عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمى قال: إن جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سمت الحسن بن علي وسمت مولاة له، فقاءت السم وأما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط به فمات. (2) [710] - 3 - وقال أيضا: وذكر أن امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دس إليها: أنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك بمائة ألف درهم، وزوجتك [من] يزيد، فكان ذلك الذي بعثها على سمه، فلما مات وفى لها معاوية
1. الكافي 8: 167، عنه البحار 44: 142 ح 8. 2. الكافي 1: 462 ح 3، عنه البحار 44: 144 ح 12، العوالم 16: 282 ح 7. 426 بالمال، وأرسل إليها: إنا نحب حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه. (1) [711] - 4 - قال المسعودي: كانت وفاة الحسن (عليه السلام)... بالسم. (2) [712] - 5 - وقال أيضا: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهم، قال: دخل الحسين على عمى الحسن [بن علي] لما سقى السم، فقام لحاجة الانسان ثم رجع، فقال: لقد سقيت السم عدة مرار فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين: يا أخي، من سقاك؟ قال: وما تريد بذلك؟ فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي برئ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى توفى، رضى الله عنه. (3) [713] - 6 - روى المفيد: عن عيسى بن مهران قال: حدثنا عبيد الله بن الصباح قال: حدثنا جرير عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: إني مزوجك ابني يزيد على أن تسمى الحسن وبعث إليها مائة ألف درهم ففعلت وسمت الحسن (عليه السلام) فسوغها المال
1. مروج الذهب 3: 5، هامش الفتوح 4: 322 مع اختلاف في الالفاظ، الارشاد: 192 وفيه: فبقى أربعين يوما مريضا، دلائل الإمامة: 160 وفيه: وكان سبب وفاته ان معاوية سمه سبعين مرة فلم يعمل فيه السم فأرسل إلى امرأته جعدة إلى آخر، روضة الواعظين 1: 167، كشف الغمة 1: 584، الصواعق المحرقة: 216 مع تفاوت في بعض الالفاظ، اثبات الهداة 5: 162 ح 42 نقلا عن مروج الذهب. 2. مروج الذهب 3: 4، اثبات الوصية 159، الاستيعاب (بهامش الإصابة) 1: 375، تاريخ الإسلام للذهبي 4: 40 نقلا عن الاستيعاب، البحار 44: 149 ذيل ح 18 نقلا عن الاستيعاب مع اختلاف الالفاظ في المصادر. 3. مروج الذهب 3: 5، مقاتل الطالبيين: 74، الارشاد: 192، دلائل الإمامة: 160، اعلام الورى: 125، روضة الواعظين: 167، تاريخ ابن عساكر ترجمه الإمام الحسن (عليه السلام): 207 ح 334، المناقب لابن شهر آشوب 4: 42، أسد الغابة 2: 15 وفيه: فكان توضع تحته طست وترفع أخرى نحو أربعين يوما، تاريخ الإسلام للذهبي 4: 38، سير اعلام النبلاء 3: 274، الفصول المهمة: 156، البحار 44: 148 ح 15 و 158 ح 28، احقاق الحق 11: 169 و 19: 335، العوالم 16: 283 ح 9، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 216 ح 174، مع اختلاف في المصادر. 427 ولم يزوجها من يزيد فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها وكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا يا بني مسمة الأزواج. (1) [714] - 7 - روى الذهبي: عن أبي عوانة عن مغيرة عن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى فكان توضع تحته طشت وترفع اخرى نحوا من أربعين يوما. (2) [715] - 8 - قال ابن عبد الوهاب: وكان سبب مفارقة أبي محمد الحسن (عليه السلام) دار الدنيا وانتقاله إلى دار الكرامة على ما وردت به الأخبار، أن معاوية بذل لجعدة بنت الأشعث زوجة أبي محمد (عليه السلام) عشرة آلاف دينار وقطاعات [اقطاع] كثيرة من شعب سور وسوار الكوفة، وحمل إليها سما فجعلته في طعام فلما وضعته بين يديه، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين، وأبي سيد الوصيين، وأمي سيدة نساء العالمين، وعمي جعفر الطيار في الجنة، وحمزة سيد الشهدا (عليهم السلام) (3) [716] - 9 - قال الطبرسي: وعن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: حدثني رجل منا قال: أتيت الحسن بن علي (عليهما السلام) فقلت: يا ابن رسول الله أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا ما بقي معك رجل. قال: ومم ذاك؟ قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية.
1. الارشاد: 192، اعلام الورى: 122 مع اختصار، ربيع الأبرار 4: 208، المناقب لابن شهر آشوب 4: 42، الفصول المهمة: 156 نقلا عن اعلام الورى، البحار 44: 155 ح 25 نقلا عن الارشاد، نور الأبصار: 123 نقلا عن اعلام الورى، مع اختلاف في المصادر. 2. سير اعلام النبلاء 3: 274، عنه احقاق الحق 19: 335، البحار 34: 328 ضمن ح 1119. 3. عيون المعجزات: 66 - 65، المناقب لابن شهر آشوب 4: 29 مع اختلاف; البحار 44: 134 ح 3 نقلا عن المناقب، 140 نقلا عن عيون المعجزات. 428 قال: والله ما سلمت الأمر إليه إلا إني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلى ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولافعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا، قال: وهو يكلمني إذ تنخع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه ملىء مما خرج من جوفه من الدم. فقلت له: ما هذا يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني لأراك وجعا؟ قال: أجل دس الى الطاغية من سقاني سما فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعا كما ترى. قلت: أفلا تتداوى؟ قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء، ولقد رقى الى: إنه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة، فكتب إليه ملك الروم: لا يصلح لنا في ديننا أن نعن على قتال من لا يقاتلنا. فكتب إليه أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة، وقد خرج يطلب ملك أبيه، وأنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه، ووجه إليه بهدايا وألطاف فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس فيها فسقيتها واشترط عليه في ذلك شروطا. (1) [717] - 10 - وقال أيضا: وروى أن معاوية دفع السم إلى امرأة الحسن بن علي (عليهما السلام) جعدة بنت الأشعث فقال لها: " اسقيه فإذا مات هو، زوجتك ابني يزيد " فلما سقته السم ومات (عليه السلام) جاءت الملعونة إلى معاوية الملعون فقالت: " زوجنى يزيد " فقال: " اذهبي فإن امرأة لم تصلح للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد ". (2)
1. الاحتجاج: 291، عنه البحار 44: 147 ح 14 والعوالم 16: 281 ح 6. 2. الاحتجاج: 292، عنه البحار 44: 147 ح 14. 429 [718] - 11 - وروى: إذا كان يوم القيامة تجىء فاطمة وبيدها اليمنى الحسن وبيدها اليسرى الحسين وعلى كتفه الأيمن قميص الحسن ملطخ بالسم وعلى الأيسر قميص الحسين ملطخ بالدم فتنادى وتقول: رب احكم بيني وبين قاتلي ولدى فيأمر الله الزبانية فيقول لهم: خذوه فغلوه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وما أحسن من قال: لابد ان ترد القيامة فاطم * وقميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه * والصور في حر الخلائق ينفع (1)
1. احقاق الحق 27: 431، المنتخب للطريحي: 181 مع تفاوت في بعض الالفاظ. 430 الفصل السابع: في تجهيزه (عليه السلام): الف - غسله (عليه السلام) [719] - 1 - قال المفيد: وتولى أخوه ووصيه الحسين (عليه السلام) غسله. (1) [720] - 2 - روى الأربلي: أنه ولى غسله الحسين (عليه السلام) ومحمد والعباس إخوته. (2) ب - الصلاة عليه (عليه السلام): [721] - 3 - قال ابن الصباغ: وصلى عليه الحسين (عليه السلام). (3) [722] - 4 - قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبرى حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن سالم يعنى حفصة عن أبي حازم قال: شهدت حسينا (رضي الله عنه) حين مات الحسن (رضي الله عنه) وهو يدفع في قفا سعيد العاص وهو يقول: تقدم فلولا أنها السنة، يقول الشيبة (4) ما قدمتك،
1. الارشاد: 192، تسلية المجالس وزينة المجالس: 309، عنه كشف الغمة 1: 585. 2. كشف الغمة 1: 548 و 583، عنه البحار 44: 137 ح 5. 3. الفصول المهمة: 157. 4. لعل المراد: لولا الشيبة [ما قدمتك]. 431 وسعيد أمير على المدينة يومئذ. (1) [723] - 5 - قال ابن عساكر: وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه [أحد] أبدا إلا حسين. قال: فاعتزل سعيد بن العاص فوالله ما نازعنا في الصلاة وقال: أنتم أحق بميتكم فإن قدمتمونى تقدمت. فقال حسين بن علي (عليهما السلام) تقدم فلولا أن الأئمة تقدم ما قدمناك. (2) [724] - 6 - قال أبو الفرج الإصفهاني: حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عبد الله بن الوضاح، قال: حدثني يمان، عن الثوري، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي حازم: أن الحسين بن علي قدم سعيد العاص للصلاة على الحسن بن علي وقال: تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك. (3) ولا يخفى أن ما في هذه الأخبار الأخيرة من تقديم الإمام الحسين (عليه السلام)، سعيد العاص للصلاة على أخيه (عليه السلام) لا ينافي النقل الأول فإن الأخبار الأخيرة تحكى عن تقية الإمام (عليه السلام). ج - دفنه (عليه السلام): [725] - 7 - روى الكليني: عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل، عن محمد بن سليمان، عن هارون الجهم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فلما قبض الحسن (عليه السلام) [و] وضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى على الحسن (عليه السلام) فلما أن صلى عليه حمل
1. المعجم الكبير 3: 136 ح 2912. 2. تاريخ ابن عساكر " ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) ": 223. 3. مقاتل الطالبيين: 76، الاستيعاب بهامش الإصابة 1: 374، تاريخ ابن عساكر " ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) " 227 ح 364، كنز العمال 15: 714 ح 42846، البحار 44: 149، ح 18، العوالم 16: 275 فيهما صلى عليه سعيد .. قدمه اخوه الحسين (عليه السلام). 432 فادخل المسجد، فلما اوقف على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلغ عائشة الخبر وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فوقفت وقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن فيه شئ ولا يهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما: قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة، إن أخي أمرني أن اقربه من أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليحدث به عهدا واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره، لأن الله تبارك وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) (1) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرجال بغير أذنه وقد قال الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (2) ولعمرى لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند اذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعاول، وقال الله عزوجل: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) (3) ولعمرى لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك. قال: ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة يوما على بغل، ويوما على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبنى هاشم، فأقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين (عليه السلام): وأني تبعدين محمدا من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران
1. الأحزاب: 53. 2. الحجرات: 2. 3. الحجرات: 3. 433 بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر، قال: فقالت عائشة للحسين (عليه السلام): نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون. قال: فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع. (1) [726] - 8 - قال المسعودي: وكان الحسين (عليه السلام) قد عزم على دفنه مع رسول الله فمنعت عائشة من ذلك وركبت بغلة لها وخرجت تؤلب الناس عليه وتحرضهم فلما رأى الحسين ذلك دفنه بالبقيع مع أمه ولقيتها بعض بني هاشم. (وروى) أن ابن عباس لقيها منصرفة إلى منزلها فقال لها: أما كفاك ان يقال يوم الجمل حتى يقال: يوم البغل، يوما على جمل ويوما على بغل بارزة عن حجاب رسول الله تريدين إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره المشركون، إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالت له: إليك عني أف لك. وروى أن الحسين عند ما فعلت عائشة وجه إليها بطلاقها وكان رسول الله جعل طلاق أزواجه بعده إلى أمير المؤمنين وجعله أمير المؤمنين بعده إلى الحسن وجعله الحسن إلى الحسين وقال النبي إن في نسائي من لا تراني يوم القيامة وتلك من يطلقها الأوصياء بعدي. (2) [727] - 9 - قال الصدوق: حدثنا محمد بن الحسن رضى الله عنه قال: حدثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحسين بن علي (عليهما السلام) أراد أن يدفن الحسن بن علي (عليهما السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجمع جمعا فقال رجل سمع الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: قولوا للحسين
1. الكافي 1: 302 ح 3، عنه حلية الأبرار 1: 595 و 598 واثبات الهداة 5: 143 ح 1 و 168 ح 1 مختصرا، البحار 17: 31 ح 13 و 44: 142 ح 9 و 174 ح 1 و 100: 125 ح 1 ونور الثقلين 4: 295 ح 198 والعوالم 16: 289 ح 5 و 17: 77 ح 1. 2. اثبات الوصية: 160. 434 ألا يهرق فى دما، لولا ذلك ما انتهى الحسين (عليه السلام) حتى يدفنه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقال أبو عبد الله (عليه السلام) أول امرأة ركبت البغل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائشة جاءت إلى المسجد فمنعت أن يدفن الحسن بن علي (عليهما السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). (1) [728] - 10 - قال المفيد: فلما مضى لسبيله غسله الحسين (عليه السلام) وكفنه وحمله على سريره ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتجمعوا له ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسين (عليه السلام) إلى قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب. وجعل مروان يقول: (يا رب هيجا هي خير من دعة) أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف وكادت الفتنة تقع بين بنى هاشم وبين بنى أمية فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنا نريد أن نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك ولو كان أوصى بدفنه مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت انك أقصر باعا من ردنا عن ذلك لكنه (عليه السلام) كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير إذنه ثم أقبل على عائشة وقال لها واسوءتاه يوما على بغل ويوما على جمل تريدين أن تطفئ نور الله وتقاتلي أولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين، وقال الحسين (عليه السلام): والله لولا عهد الحسن (عليه السلام) إلى بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا ومضوا بالحسن (عليه السلام) فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم عبد مناف رضى الله عنها. (2)
1. علل الشرائع 1: 225 ح 1، عنه البحار 44: 150 ح 20، العوالم 16: 293 ح 7. 2. الارشاد: 193، عنه البحار 44: 155 ضمن ح 25، العوالم 16: 285. 435 [729] - 11 - قال ابن كثير: قال الواقدي: حدثنا إبراهيم بن الفضل عن أبي عتيق قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: شهدنا حسن بن علي يوم مات وكادت الفتنة تقع بين الحسين بن علي ومروان بن الحكم وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله فإن خاف أن يكون في ذلك قتال أو شر فليدفن بالبقيع فأبى مروان أن يدعه - ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضى معاوية - ولم يزل مروان عدوا لبنى هاشم حتى مات... (1) [730] - 12 - قال الطوسي: في حديث... قال ابن عباس: فدعاني الحسين (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر وعلي بن عبد الله بن العباس فقال: اغسلوا ابن عمكم، فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفانه، ثم خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد، وأن الحسين (عليه السلام) أمر أن يفتح البيت، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان، وقالوا: أيدفن أمير المؤمنين عثمان الشهيد القتيل ظلما بالبقيع بشر مكان ويدفن الحسن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح وينفد النبل. فقال الحسين (عليه السلام): أما والله الذي حرم مكة للحسن بن علي [وا] بن فاطمة أحق برسول الله وبيته ممن أدخل بيته بغير إذنه، وهو والله أحق به من حمال الخطايا، مسير أبي ذر (رحمه الله)، الفاعل بعمار ما فعل، وبعبد الله ما صنع، الحامي الحمى، المؤوى لطريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنكم صرتم بعده الامراء، وبايعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء. قال: فحملناه، فأتينا به قبر أمه فاطمة (عليها السلام) فدفناه إلى جنبها (رضى الله عنه وأرضاه). قال ابن عباس: وكنت أول من انصرف فسمعت اللغط وخفت أن يعجل الحسين (عليه السلام) على من قد أقبل، ورأيت شخصا علمت الشر فيه، فأقبلت مبادرا فإذا أنا
1. البداية والنهاية 8: 48، احقاق الحق 11: 175 نقلا عنه وعن غيره مختصرا. 436 بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلما رأتني قالت: إلى إلى يا بن عباس، لقد اجترأتم علي في الدنيا تؤذونني مرة بعد اخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب. فقلت: وا سوأتاه! يوم على بغل، ويوم على جمل، تريدين أن تطفئ فيه نور الله، وتقاتلي أولياء الله، وتحولي بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين حبيبه أن يدفن معه، ارجعي فقد كفى الله (تعالى) المؤنة، ودفن الحسن إلى جنب أمه، فلم يزدد من الله (تعالى) إلا قربا، وما ازددتم منه والله إلا بعدا، يا سوأتاه! انصرفي فقد رأيت ما سرك. قال: فقطبت في وجهي، ونادت بأعلى صوتها: أما نسيتم الجمل يا بن عباس، إنكم لذووا أحقاد. فقلت: أما والله ما نسيه أهل السماء، فكيف ينساه أهل الأرض؟! فانصرفت وهي تقول: فألقت عصاها فاستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (1) [731] - 13 - روى الراوندي: فلما غسله وكفنه الحسين (عليه السلام) حمله على سريره، وتوجه به إلى قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجدد به عهدا، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية فقال: أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي؟ لا يكون ذلك أبدا. ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم [يا بني هاشم]؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب. فقال ابن عباس لمروان: انصرفوا، لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله، فإنه كان أعلم [وأعرف] بحرمة قبر [جده] رسول الله من أن يطرق عليه هدما، كما يطرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصى. ثم قال لعائشة: وا سوأتاه يوما على بغل، ويوما على جمل. وفي رواية يوما تجملت، ويوما تبغلت، وإن عشت تفيلت. فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال:
1. الأمالي: 150 ح 267 / 19، عنه البحار 44: 152 ضمن ح 22، العوالم 16: 288 ضمن ح 2. 437 يا بنت أبى بكر لا كان، ولا كنت * لك التسع من الثمن وبالكل تملكت تجملت تبغلت وان عشت تفيلت. بيان: قوله لك التسع من الثمن إنما كان ذلك في مناظرة فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة. فقال له الفضال قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) منسوخ؟ قال: هذه الآية غير منسوخة. قال: ما تقول في خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو بكر وعمر؟ أم علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال: أما علمت أنهما ضجيعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره، فأي حجة تريد أوضح في فضلهما من هذه؟ فقال له الفضال: لقد ظلما [إذ أوصيا] بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما، ونكثا عهدهما وقد أقررت أن قوله تعالى (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) غير منسوخة فأطرق أبو حنيفة ثم قال: لم يكن له ولا لهما خاصة، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة، فاستحقا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما. فقال له فضال: أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع حشايا، وكان لهن الثمن لمكان ولده فاطمة فنظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر، والحجرة كذا وكذا طولا وعرضا، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟ وبعد فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله وفاطمة بنته منعت الميراث؟ فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة. فقال أبو حنيفة: نحوه يا قوم عني، فإنه - والله - رافضي خبيث. (1) [732] - 14 - قال الطبري: فلما فرغ الحسين (عليه السلام) من أمره وصلى عليه وسار بنعشه ويريد قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلحده معه (عليه السلام) ذلك مروان بن الحكم طريد رسول الله، فوافى مسرعا
1. الخرائج والجرائح 1: 242 ح 8، البحار 44: 154 ح 24 نقلا عنه. 438 على بغلة، حتى دخل على عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند قبر جده، ووالله لئن دفنه معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة. فقالت له: فما أصنع يا مروان؟ قال: تلحقي به وتمنعي من الدخول إليه. قالت: فكيف ألحقه؟ قال: هذا بغلى فاركبيه والحقي القوم قبل الدخول. فنزل لها عن بغله، وركبته، وأسرعت إلى القوم، وكانت أول امرأة ركبت السرج هي، فلحقتهم وقد صاروا إلى حرم قبر جدهما رسول الله، فرمت بنفسها بين القبر والقوم، قالت: والله، لا يدفن الحسن ها هنا أو تحلق هذه وأخرجت ناصيتها بيدها. وكان مروان لما ركبت بغله جمع من كان من بني أمية وحثهم، فأقبل هو وأصحابه وهو يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة. أيدفن عثمان في أقصى البقيع ويدفن الحسن مع رسول الله؟! والله، لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف. وكادت الفتنة تقع، وعائشة تقول: والله، لا يدخل دارى من أكره. فقال لها الحسين: هذه دار رسول الله، وأنت حشية من تسع حشيات خلفهن رسول الله، وإنما نصيبك من الدار موضع قدميك. فأراد بنو هاشم الكلام وحملوا السلاح، فقال الحسين: الله الله، لا تفعلوا فتضيعوا وصية أخي. وقال لعائشة: لولا أنه أوصى الى ألا اهريق فيه محجمة دم لدفنته ها هنا ولو رغم لذلك أنفك. وعدل به إلى البقيع فدفنه فيه مع الغرباء. وقال عبد الله بن عباس: يا حميراء، كم لنا منك؟! فيوم على جمل، ويوم على بغل! فقالت: ان شاء أن يكون يوم على جمل، ويوم على بغل، والله ما يدخل الحسن دارى. (1)
1. دلائل الإمامة: 160، عيون المعجزات: 66، روضة الواعظين: 168، البحار 44: 141 ذيل حديث 7، العوالم 16: 294 ح 8 مع تفاوت في المصادر. 439 [733] - 15 - قال ابن عساكر: قال [فائد]: وأنبأنا الزبير قال: وحدثني محمد بن الضحاك الحزامي قال: [لما] بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة فذكر ذلك له فقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء ولست حائلا بينهم وبين ذلك. قال: فخلني وإياهم فقال: أنت وذاك. فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم وبلغ ذلك حسينا فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسنا في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: يا رب هيجا هو خير من دعة. أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي (صلى الله عليه وآله)؟! والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف!! فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع فقال له حسين ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي أن لا تكلمني كلمة واحدة فصار به إلى البقيع فدفنه هناك رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه. وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع، إن يك ظني بمروان صادقا لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويها مروان أنت لها. (1) د - محل دفنه (عليه السلام): [734] - 16 - قال المفيد: وتولى أخوه ووصيه الحسين (عليه السلام) غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (رضى الله عنها) بالبقيع. (2)
1. تاريخ ابن عساكر " ترجمه الإمام الحسن (عليه السلام) " 220 ضمن ح 355. 2. الارشاد: 192، عنه كشف الغمة 1: 585. 440 [735] - 17 - قال ابن شبة: حدثنا أبو غسان، عن محمد بن إسماعيل، عن فائد مولى عبادل، أن عبيد الله بن علي أخبره عمن مضى من أهل بيته: أن الحسن بن علي رضى الله عنهما قال: ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمي، فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة مواجه الخوخة التي في دار بنيه بن وهب طريق الناس بين قبرها وبين خوخة بنيه، أظن الطريق سبعة أذرع بالسقاية. (1) [736] - 18 - قال المسعودي: ودفن بالبقيع مع أمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). (2) [737] - 19 - قال العسقلاني: قال الواقدي: حدثنا داود بن سنان حدثنا ثعلبة بن أبي مالك: شهدت الحسن، يوم مات ودفن بالبقيع فرأيت البقيع ولو طرحت فيه إبرة ما وقعت إلا على رأس إنسان. (3)
1. تاريخ المدينة المنورة 1: 106، وفاء الوفاء 3: 902. 2. مروج الذهب 3: 4، اثبات الوصية: 160 فيه: دفنه (عليه السلام)، عيون المعجزات: 67، وفاء الوفاء 3: 908، البحار 44: 141 ذيل ح 7 نقلا عن عيون المعجزات. 3. الإصابة 1: 331. 441 الفصل الثامن: في ما وقع بعد شهادته (عليه السلام): [738] - 1 - قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم أنبأنا رشاء بن نظيف، أنبأنا الحسن بن إسماعيل، أنبأنا أحمد بن مروان، أنبأنا محمد بن موسى بن حماد: أنبأنا محمد بن مصعب، عن ابن السماك قال: قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد إن كنت لناصر الحق مظانه [كذا] وتؤثر الله عند مداحض الباطل، في مواطن البقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عنها يدا طاهرة، وتردع ماردة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة. و [قد صرت] إلى روح وريحان وجنة نعيم. أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسا عليه. (1) [739] - 2 - وقال أيضا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر، أنبأنا محمد بن علي بن الفتح، أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن إسماعيل بن سمعون إملاءا، أنبأنا أبو بكر محمد بن يونس المقرئ، أنبأنا عبد الله ابن أبي الدنيا، حدثني عبد الله بن يونس بن بكير، أنبأنا أبي عن ابن إسحاق: حدثني مساور مولى بني سعد بن بكر قال: رأيت أبا
1. تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام): 233 ح 369، عنها احقاق الحق 19: 422 مع اختلاف. 442 هريرة قائما على [باب] مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يو م مات الحسن بن علي وهو يبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس مات اليوم حبيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبكوا. (1) [740] - 3 - قال ابن كثير: وقد اجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدا من الزحام وقد بكاه الرجال والنساء سبعا واستمر نساء بني هاشم ينحن عليه شهرا وحدت نساء بني هاشم عليه سنة. (2) [741] - 4 - قال المسعودي: وحدث محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي، عن علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن الفضل بن عباس بن ربيعة، قال: وفد عبد الله بن العباس على معاوية، قال: فوالله إني لفى المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء فكبر أهل الخضراء، ثم كبر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها، فقالت: سرك الله يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ قال: موت الحسن بن علي. فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيد المسلمين، وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال معاوية: نعما [نعم] والله ما فعلت، إنه كان كذلك أهلا أن تبكي عليه، ثم بلغ الخبر ابن عباس رضى الله عنه، فراح فدخل على معاوية، قال: علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي، قال: ألذلك كبرت؟ قال: نعم، قال: [أما] والله ما موته بالذي يؤخر أجلك، ولا حفرته بسادة حفرتك، ولئن أصبنا به [قبله] بسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين، ثم بعده بسيد الأوصياء، فجبر الله تلك المصيبة، ورفع تلك العثرة، فقال: ويحك يا بن عباس! ما كلمتك [قط] إلا وجدتك معدا. (3)
1. تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام): 229 ح 367، عنها احقاق الحق 19: 345. 2. البداية والنهاية 8: 48، عنها احقاق الحق 11: 180. 3. مروج الذهب 3: 7، المناقب لابن شهر آشوب 4: 43 وفيه نقل القضية الأخيرة، كشف الغمة 1: 422 نقل كلام ابن عباس مع تفاوت في بعض الالفاظ، البحار 44: 158 ح 28 نقلا عن المناقب. 443 [742] - 5 - قال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، قال: وفد المقدام بن معدى كرب وعمرو ابن الأسود إلى قنسرين فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فاسترجع المقدام فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجره فقال هذا مني وحسين من علي. (1)
1. المعجم الكبير 3: 43 ح 2628، كفاية الطالب: 267. 444 الفصل التاسع: في مراثيه (عليه السلام): [743] - 1 - قال ابن شهر آشوب: وقال الحسين (عليه السلام) لما وضع الحسن في لحده: أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي (1) * ورأسك معفور وأنت سليب أو أستمتع الدنيا لشئ أحبه * ألا كل ما أدنى إليك حبيب فلا زلت أبكى ما تغنت حمامة * عليك وما هبت صبا جنوب وما هملت عيني من الدمع قطرة * وما اخضر في دوح الحجاز قضيب (2) بكائي طويل والدموع غزيرة * وأنت بعيد والمزار قريب غريب وأطراف البيوت تحوطه * ألا كل من تحت التراب غريب ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى * وكل فتى للموت فيه نصيب فليس حريبا من أصيب بماله * ولكن من وارى أخاه حريب (3) نسيبك من امسى يناجيك طرفه * وليس لمن تحت التراب نسيب وله أيضا (عليه السلام): إن لم أمت أسفا عليك فقد * أصبحت مشتاقا إلى الموت [744] - 2 - وقال أيضا: قال سليمان بن قبة: ما كذب الله من نعى حسنا * ليس لتكذيب نعيه حسن كنت خليلي وكنت خالصتي * لكل حي من أهله سكن
1. وفي بعض النسخ " أم أطيب محاسني " وهو اظهر. 2. هملت عينه: فاضت دموعا. 3. الحريب: من سلب ماله. 445 أجول في الدار لا أراك وفي * الدار اناس جوارهم غبن بدلتهم منك ليت أنهم * أضحوا وبيني وبينهم عدن (1) [745] - 3 - قال المسعودي: ولما دفن الحسن (عليه السلام) وقف محمد ابن الحنفية أخوه على قبره، فقال: لئن عزت حياتك، لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى، وخلف أهل التقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك بالتقوى أكف الحق، وأرضعتك ثدي الايمان، وربيت في حجر الإسلام، فطبت حيا وميتا، وإن كانت أنفسنا غير سخية بفراقك، رحمك الله أبا محمد!. ووجدت في وجه آخر من الروايات في أخبار أهل البيت أن محمدا وقف على قبره فقال: أبا محمد، لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وأنت خامس أهل الكساء، وابن محمد المصطفى، وابن علي المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طوبى؟ ثم أنشأ يقول (رضي الله عنه): أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي * وخدك معفور وأنت سليب؟ [أأشرب ماء المزن من غير مائه * وقد ضمن الأحشاء منك لهيب]؟ سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة * وما اخضر في دوح الحجاز قضيب غريب وأكناف الحجاز تحوطه * ألا كل من تحت التراب غريب (2) [746] - 4 - نقل الفتال النيسابوري: عن دعبل بن علي الخزاعي: تعز فكم لك من أسوة * تسكن عليك غليل الحزن بموت النبي وقتل الوصي * وذبح الحسين وسم الحسن وأنشد: محن الزمان سحايب متراكمة * هي بالفوادح فالفواجع ساهمة فإذا الهموم تراكبتك فسلها * بمصاب أولاد البتولة فاطمة (3)
1. المناقب 4: 45، عنه البحار 44: 160 ح 29 و 30. 2. مروج الذهب 3: 6، تذكرة الخواص: 193 مع اختلاف يسير، احقاق الحق 11: 178 و 27: 195 إلى قوله رحمك الله أبا محمد مع تفاوت في بعض الالفاظ وفيه ان هذه العبارات للامام الحسين (عليه السلام). 3. روضة الواعظين 1: 169. 446 المنابع 1 - إثبات الهداة، محمد بن الحسن الحر العاملي، م 1104 ه، دارالكتب الإسلامية - تهران، 1399 ه. 2 - إثبات الوصية، أبو الحسين على بن الحسين بن على المسعودي، م 346 ه، مكتبة بصيرتي، قم. 3 - الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن على بن أبي طالب الطبرسي، قرن 6 ه، نشر المرتضى - مشهد 1403 ه. 4 - إحقاق الحق، السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري، م 1019 ه، مكتبة آية الله النجفي - قم. 5 - الاختصاص، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، م 413 ه، جماعة المدرسين - قم. 6 - أخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينورى، م 282 ه، إحياء الكتب العربي - القاهرة، 1960 م. 7 - الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، م 413 ه، مكتبة بصيرتي - قم. 8 - إرشاد القلوب، أبو محمد الحسن بن محمد الديلمي، قرن 8 ه، منشورات الشريف الرضى - قم. 9 - الاستبصار، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، م 460 ه، دارالكتب الإسلامية - تهران. 10 - أسد الغابة: عز الدين ابن الأثير الجزري، م 630، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1390 ه. 11 - إعلام الورى، أمين الاسلام الشيخ أبى على الفضل بن الحسن الطبرسي، قرن 6 ه مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، قم، 1417 ه. 12 - أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف - بيروت. 13 - إقبال الأعمال، السيد رضى الدين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن طاووس، م 664 / 668 ه، دارالكتب الإسلامية - تهران. 14 - اكمال الدين واتمام النعمة، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه، م 381 ه، دارالكتب الاسلامية، تهران، 1359 ه. 15 - الاستيعاب، ابن عبد البر اسمري القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1328 ه. 16 - الأمالي، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي، م 381 ه، مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1400 ه. 17 - الأمالي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، م 460 ه، دار الثقافة - قم. 18 - الأمالي، محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، م 413 ه، جماعة المدرسين - قم، 1403 ه. 19 - الإمامة والسياسة، أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينورى، 213 - 276 ه، منشورات الشريف الرضى - قم 1388 ه.
451 20 - أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى، قرن 3 ه، دار التعارف - بيروت، 1397 ه. 21 - الإيضاح، فضل بن شاذان النيسابوري، م 260 ه، منشورات جامعة طهران 1351 ش. 22 - البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، م 774 ه، دار إحياء التراث - بيروت، 1408 ه. 23 - بصائر الدرجات، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي، م 290 ه، مكتبة آية الله النجفي - قم، 1404 ه. 24 - بيت الأحزان، شيخ عباس قمي، 25 - تاج المواليد، العلامة الطبرسي، م 548 ه، مكتبة بصيرتي، قم. 26 - تاريخ ابن عساكر، أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ابن عساكر)، 499 - 571 ه، مؤسسة المحمودي - بيروت، 1389 ه. 27 - تاريخ الإسلام: شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبي، م 748، دارالكتاب العربي، بيروت. 28 - تاريخ الطبرى، أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، 224 - 310 ه، دارالكتب الإسلامية - بيروت، 1406 ه. 29 - تاريخ المدينة المنورة، أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري، 173 - 262 ه، دارالتراث، بيروت، 1410. 30 - تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (يعقوبي)، نشر فرهنگ أهل بيت - قم. 31 - تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دارالكتب العلمية، بيروت. 32 - التتمة في تاريخ الائمة، السيد تاج الدين بن على بن احمد الحسيني العاملي، قرن 11 ه، مؤسسة البعثة، قم. 33 - تجريد الاعتقاد، الشيخ أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي، 597 - 672 ه، مكتب الاعلام الاسلامي، الطبعة الأولى، 1407 ه. 34 - تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ت 654 ه، مؤسسة أهل البيت - بيروت، 1401 ه. 35 - تسلية المجالس وزينة المجالس، محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي، قرن 10، مؤسسة المعارف الاسلامية، قم، 1418 ه. 36 - تفسير البرهان، السيد هاشم الحسينى البحرانى، م 1107 / 1109 ه، مؤسسة مطبوعاتى إسماعيليان - قم. 37 - تفسير العياشى، أبو نصر محمد بن مسعود بن عياش السلمى السمرقندى (العياشى)، مكتبة العلمية الإسلامية. 38 - تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، قرن 3 - 4 ه، مؤسسة دارالكتاب. 39 - تفسير الإمام العسكري، أبو محمد الحسن بن على العسكري (عليهم السلام)، مؤسسة مطبوعاتى اسماعيليان، قم. 40 - تفسير فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، مؤسسة الطبع والنشر - تهران، 1410 ه. 41 - تهذيب الاحكام، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، م 460 ه، دار صعب - بيروت. 42 - جامع الأخبار، محمد بن محمد السبزواري، قرن 7 ه، مؤسسة آل البيت - قم، 1414 ه. 43 - جامع الأصول، أبو السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجزري، 544 - 606 ه، احياء التراث العربي - بيروت، 1404 ه. 44 - الجوهرة، محمد بن أبي بكر الأنصارى التلمساني المعروف بالبري، مكتبة النوري - دمشق.
452 45 - حلية الأبرار، السيد هاشم الحسيني البحراني، م 1107 ه، دارالكتب العلمية، قم. 46 - حلية الأولياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهانى، م 430 ه، دارالكتب العربي - بيروت. 47 - حماسه حسيني، الشهيد مرتضى المطهري. 48 - الخرائج والجرائح، أبو الحسين سعيد بن هبة الله (قطب الدين الراوندى)، م 573 ه، مؤسسة الإمام المهدى - قم، 1409 ه. 49 - خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام)، السيد الرضى، م 406 ه، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 50 - الخصال، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، م 381 ه، جماعة المدرسين - قم، 1362 ه. 51 - دائرة المعارف الاسلامية، دارالمعرفة، بيروت. 52 - الدروس الشرعية في الفقه الإمامية، الشهيد الأول، المؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين في قم المقدسة. 53 - دعائم الإسلام، أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، م 363 ه، دارالأضواء، بيروت، 1411 ه. 54 - دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبرى، قرن 4 ه، مؤسسة البعثة، قم 1413 ه. 55 - الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، پيام اسلام، قم، 1369 ش. 56 - ذخائر العقبى، محب الدين احمد بن عبد الله الطبري، م 694 ه، مكتبة القدسي، القاهرة. 57 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرگ تهراني، الطبعة الثالثة، دار الأضواء بيروت، 1403 ه. 58 - الذرية الطاهرة، أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازى الدولابى، م 224 - 310 ه، جماعة المدرسين - قم، 1407 ه. 59 - ربيع الأبرار، محمود بن عمر الزمخشري، الشريف الرضى، قم، 1410 ه. 60 - روضة المتقين، محمد تقى المجلسي، 1003 - 1070 ه، بنياد فرهنگ اسلامى، قم، 1406 ه. 61 - روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيسابوري، م 508 ه، منشورات الشريف الرضى - قم، 1368 ش. 62 - سفينة البحار، الشيخ عباس القمى، دار الأسوة، قم 1414 ه. 63 - سنن أبى داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، م 275 ه، دارالكتب العلمية، بيروت. 64 - سنن الترمذي، الترمذي، دارالفكر، بيروت. 65 - سير اعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان الذهبى، م 748 ه، مؤسسة الرسالة، 1410 ه. 66 - السيرة النبوية، لابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام النحوي، م 213 ه، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 67 - الشافي، الشريف مرتضى على بن الحسين الموسوي، م 436 ه، مؤسسة الصادق، تهران. 68 - شرح المفردات. 69 - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 586 - 656 ه، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 70 - شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني عبيد الله بن عبد الله بن احمد، قرن 5 ه، مؤسسة الطبع والنشر، تهران، 1411.
453 71 - صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، دارالكتب العلمية، بيروت. 72 - صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، 206 - 261 ه، دارالفكر، بيروت. 73 - الصراط المستقيم، زين الدين أبى محمد على بن يونس العاملى النباطي البياضي، م 877، مكتبة المرتضوية. 74 - صفة الصفوة، جمال الدين أبى الفرج ابن الجوزي، دارالمعرفة، بيروت، 1417 ه. 75 - الصواعق المحرقة، أحمد بن حجر الهيثمي المكي، م 974 ه، دارالكتب العلمية، بيروت. 76 - الطبقات الكبرى، ابن سعد، م 168 ه، دارالكتب العلمية، بيروت. 77 - الطرائف، السيد رضى الدين أبو القاسم على بن موسى ابن طاووس الحسنى الحسيني، م 664 ه، مطبعة الخيام، قم. 78 - الطرف، السيد رضى الدين أبو القاسم على بن موسى ابن طاووس الحسنى الحسيني، م 664 ه مطبعة الحيدرية، النجف، 1399 ه. 79 - عقد الفريد، يوسف بن يحيى بن على بن عبد العزيز المقدسى الشافعى السلمى، قرن 7 ه، مكتبة عالم الفكر - القاهرة، 1399 ه. 80 - علل الشرايع، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي، م 381 ه، مطبعة الحيدرية - النجف، 1385 ه. 81 - علم اليقين في أصول الدين، مولى محسن الكاشاني، م 1091 ه، دار البلاغة، بيروت. 82 - العمدة، يحيى بن الحسن الأسدي الحلى (ابن البطريق)، 533 - 600 ه، مؤسسة النشر الاسلامي لجماعة المدرسين، قم، 1407 ه. 83 - عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي، م 381 ه، مؤسسة الأعلمى - بيروت. 84 - عيون المعجزات، الشيخ حسين بن عبد الوهاب، قرن 5 ه، منشورات الشريف الرضى - قم، 1414 ه. 85 - الغارات، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ثقفى، م 283 ه، انتشارات انجمن آثار ملى، تهران. 86 - الغدير، الشيخ عبد الحسين أحمد الأمينى النجفى، دارالكتب الإسلامية - تهران، 1366 ش. 87 - الغيبة، ابن أبي زينب محمد بن إبراهيم النعمانى، قرن 4 ه، مكتبة الصدوق - تهران. 88 - الغيبة، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى، م 460 ه، مكتبة نينوى - تهران. 89 - الفتوح، أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفى، م 314 ه، دارالكتب الإسلامية - بيروت، 1406 ه. 90 - فرائد السمطين، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن عبد الله بن على بن محمد الجوينى، م 730 ه، مؤسسة المحمودي، بيروت 1400 ه. 91 - فرحة الغري، غياث الدين السيد عبد الكريم بن طاووس، م 693 ه، منشورات الرضى، قم. 92 - فصول المهمة، على بن محمد بن أحمد المالكى المكى (ابن الصباغ)، م 855 ه، دارالأضواء - بيروت، 1401 ه. 93 - قرب الأسناد، أبوالعباس عبد الله بن جعفر الحميرى، قرن 3 ه، مؤسسة آل البيت - قم، 1413 ه.
454 94 - قصص الأنبياء، قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندى، مؤسسة المفيد، بيروت، 1409 ه. 95 - الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازى، م 328 / 329 ه، دار النشر الإسلامى - تهران. 96 - كامل الزيارات، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، م 367 ه، مكتبة المرتضوية - النجف، 1356 ه. 97 - الكامل في التاريخ، عز الدين أبو الحسن على بن أبي الكرم الشيبانى (ابن الأثير)، م 637 ه، إحياء التراث - بيروت، 1404 ه. 98 - كتاب سليم بن قيس، سليم بن قيس الكوفى، م 90 ه، دار الفنون - بيروت. 99 - كشف المراد، العلامة الحلى. 100 - كشف اليقين، العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف الحلى، 648 - 726 ه، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم 1413 ه. 101 - كفاية الأثر، أبو القاسم على بن محمد بن على الخزاز القمى الرازى، قرن 4 ه، انتشارات بيدار - قم، 1401 ه. 102 - كفاية الطالب، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشى الكنجى الشافعى، م 658 ه، مطبعة الغري - النجف، 1356 ه. 103 - كنز الفوائد، أبو الفتح محمد بن على الكراجكى، م 449 ه، مكتبة المصطفوى - قم، 1369 ش. 104 - مثير الأحزان، نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلى، 567 - 645 ه، مؤسسة الإمام المهدى - قم، 1406 ه. 105 - مجلة هنر، العدد 3. 106 - مجمع الزوائد، نور الدين على بن أبي بكر الهيثمى، م 807 ه، دارالكتب العلمية - بيروت، 1408 ه. 107 - المحاسن، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقى، م 274 / 280 ه، مجمع العالمى لأهل البيت - قم، 1413 ه. 108 - مدينة المعاجز، السيد هاشم البحرانى، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم، 1414 ه. 109 - مروج الذهب، المسعودى أبو الحسن على بن الحسين بن على، م 346 ه، دارالفكر - بيروت 1409 ه. 110 - مسائل على بن جعفر، على بن جعفر (عليه السلام)، م 230 ه، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (ع) - مشهد، 1409 ه. 111 - مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النورى الطبرسى، م 1320 ه، مؤسسة آل البيت - قم، 1407 ه. 112 - مسكن الفؤاد، الشهيد الثاني زين الدين على بن احمد الجبعي العاملي، 911 - 965 ه، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم، 1407 ه. 113 - مسند أحمد، أحمد بن حنبل، م 241 ه، دار صادر - بيروت. 114 - مصباح الأنوار. 115 - مصباح المتهجد، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى، م 460 ه، فقه الشيعة - بيروت، 1411 ه. 116 - المصباح، تقى الدين إبراهيم بن على بن الحسن بن محمد العاملي الكفعمي، م 900 ه، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 117 - المصنف، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبى شيبة الكوفي العبسي، م 235 ه، دارالكتب العلمية، بيروت.
455 118 - مطالب السئول، محمد بن طلحة البيهقي، م 654 ه، طبع حجر. 119 - معادن الحكمة، محمد بن المحسن علم الهدى بن المرتضى الكاشانى، 1039 - 1115 ه، جماعة المدرسين - قم، 1407 ه. 120 - معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى، م 381 ه، دارالكتب الإسلامية - تهران، 1361 ش. 121 - المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانى، 260 - 360 ه، دارإحياء التراث - بيروت، 1404 ه. 122 - معجم دهخدا، الفارسية. 123 - مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الإصفهانى، 284 - 356 ه، دارالمعرفة - بيروت. 124 - مقتل الحسين، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكى أخطب خوارزم، م 568 ه، مكتبة المفيد - قم. 125 - مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ابن أبي الدنيا، م 281، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامى - تهران. 126 - مكارم الأخلاق، رضى الدين أبو نصير الحسن بن فضل الطبرسى، قرن 6 ه، دار البلاغة - بيروت، 1411 ه. 127 - مناقب آل أبى طالب، أبو جعفر رشيد الدين محمد بن على بن شهر آشوب السروي المازندراني، م 588 ه، انتشارات العلامة، قم. 128 - المناقب، ابن المغازلي، مكتبة الاسلامية، تهران، 1403 ه. 129 - المناقب، أبو المؤيد الموفق بن احمد المكي اخطب خوارزم، م 568 ه، جماعة المدرسين، قم. 130 - المناقب، حيدر على بن محمد الشروانى، قرن 12 ه، منشورات الاسلامية، قم، 1414 ه. 131 - المنتخب، فخر الدين الطريحى النجفى، م 1085 ه، منشورات الشريف الرضى - قم، 1413 ه. 132 - من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى، م 381 ه، مؤسسة الأعلمى - بيروت 133 - نظم درر السمطين، جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي، م 750 ه، مكتبة نينوى الحديثة، تهران. 134 - نهج البلاغة، صبحي الصالح. 135 - نهج الحق وكشف الصدق، حسن بن يوسف المطهر الحلى (العلامة الحلى)، دارالكتاب اللبناني، بيروت، 1982 م. 136 - وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، م 1104 ه، دار إحياء التراث، بيروت، 1403 ه. 137 - وفاء الوفاء، نور الدين على بن احمد السمهودي، م 911 ه، احياء التراث العربي، بيروت. 138 - ينابيع المودة، سليمان بن إبراهيم القندوزى، مكتبة الحيدرية - نجف، 1411 ه.