بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: مغنى اللبيب المؤلف: ابن هشام الأنصاري الجزء: 1 الوفاة: 761 المجموعة: علوم اللغة العربية تحقيق: تحقيق وفصل وضبط : محمد محيي الدين عبد الحميد الطبعة: سنة الطبع: 1404 المطبعة: الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - إيران ردمك: ملاحظات: المكتبة التجارية الكبرى بمصر / مطبعة المدني - القاهرة مغني اللبيب عن كتب الأعاريب تأليف الامام أبى محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف أبن أحمد بن عبد الله بن هشام، الأنصاري، المصري المتوفى في سنة 761 من الهجرة حققه وفصله، وضبط غرائبه محمد محيي الدين عبد الحميد عفا الله تعالى عنه منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم - إيران 1404 ه - ق الجزء الأول
1 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على سابغ نعمائه، والشكر له سبحانه على وافر آلائه، وصلاته وسلامه على صفوة الصفوة من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وسائر أوليائه. اللهم إني أحمدك حمد المعترف بتقصيره وقصوره، المقر بخطاياه وذنوبه، المؤمل في واسع رحمتك وعظيم فضلك، أن تشمله بعفوك، وتسبل عليه جميل سترك، فإنك - يا رب - أنعمت متفضلا، وتطولت مبتدئا، ولن يخيب راجيك، ولن يرد سائلك. وبعد، فإني منذ أكثر من عشرين عاما أنشأت شرحا على كتاب (مغني اللبيب، عن كتب الأعاريب) أوعب كتب العلامة أبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري، المصري، وكنت قد تنوقت في هذا الشرح على قدر ما يستحقه الأصل من العناية وبذل الوسع، وكنت أعود إليه بين الحين والحين فأزيد فيه ما يجد لي من البحث، حتى أوفيت على الغاية، وبلغت من ذلك ما تمنيت. ولكني لم أظفر إلى يوم الناس هذا بناشر يقوم بإظهاره لقراء العربية، إذ كان الناشرون لهذا النوع من المؤلفات إنما يقدمون على نشر ما يعتقدون أنهم رابحون من ورائه الربح الجزيل، فهم يقدرون ويقدرون ويقدرون ثم يقدمون أو يحجمون وقد كان من نصيب هذا الكتاب أن يحجم من عرفت من الناشرين عن الانفاق عليه، رغم تهافت كثرتهم على مؤلفاتي، وليس فيه من عيب عندهم إلا أنه كتاب كبير الحجم، وقراؤه في طبعات شروحه القديمة قلة لا نسد نهمهم، ولا تغنى عندهم، ومن آيات ذلك أنى عرضت على ثلاثة من الناشرين الواحد بعد الآخر التوفر على نشر هذا الكتاب، وكان أحدهم يوافق رضى النفس منشرح الصدر، حتى إذا علم أن الكتاب يقع في أربع مجلدات ضخام أوسعني عذرا.
2 يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بمصر ص. ب 578 مطبعة المدني 68 شارع العباسية - القاهرة
3 ولقد رأيت أن أحتال لظهور هذا الكتاب، فأظهر كتاب (مغني اللبيب) أول الامر مجردا عن شرحي عليه: في مظهر يدعو إلى الرغبة فيه والاقبال عليه، حتى إذا عرفه من لم يكن يعرفه، وتطلبه من ليست له به سابقة، استطعت - إن كان في الاجل بقية - أن أخرجه مرة أخرى مع الشرح. فإلى إخواني في مشارق البلاد العربية ومغاربها الذين أحسنوا الظن بي فرغبوا في أن أذيع هذا الشرح، وما فتئوا يتقاضونني أن أخرجه لهم، أقدم كتاب (مغني اللبيب) في مرأى يسر نواظرهم، ويطمئن قلوبهم، وأنا على موعدة معهم - إن شاء الله تعالى - أن أظهرهم على ما في هذا الكتاب الجليل من محاسن، وما بذله مؤلفه فيه من جهد، وما أفرغ في جمعه وتحقيقه من طاقة، والله المسؤول أن يحقق لي ولهم الآمال، وأن يجنبني وإياهم الخطأ والخطل والزيغ، إنه سبحانه أكرم مسؤول، وهو حسبي وإياهم ونعم الوكيل. كتبه المعتز بالله تعالى محمد محيي الدين عبد الحميد
4 ترجمة ابن هشام صاحب كتاب (مغني اللبيب، عن كتب الأعاريب) هو الامام الذي فاق أقرانه، وشأى من تقدمه، وأعيا من يأتي بعده، الذي لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة وجمال التعليل، الصالح الورع، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، الأنصاري، المصري. ولد بالقاهرة، في ذي القعدة من عام ثمان وسبعمائة من الهجرة (سنة 1309 من الميلاد). لزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبى حيان ديوان زهير بن أبي سلمى المزني، ولم يلازمه ولا قرأ عليه غيره، وحضر دروس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتفقه أول الامر على مذهب الشافعي، ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقي قبيل وفاته بخمس سنين. تخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، وكانت له ملكة يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مسهبا وموجزا، وكان - مع ذلك كله - متواضعا، برا، دمث الخلق، شديد الشفقة، رقيق القلب.
5 قال عنه أبن خلدون: (ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه) وقال عنه مرة أخرى: (إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جنى واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشئ عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه). ولابن هشام مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، وتطالعك من روحه علائم الاخلاص والرغبة عن الشهرة وذيوع الصيت، ونحن نذكر لك من ذلك ما اطلعنا عليه أو بلغنا علمه مرتبا على حروف المعجم، وندلك على مكان وجوده إن علمنا أنه موجود، أو نذكر لك الذي حدث به إن لم نعلم وجوده، وهاكها: (1) الاعراب عن قواعد الاعراب، طبع في الآستانة وفى مصر، وشرحه الشيخ خالد الأزهري، وقد طبع هو وشرحه مرارا أيضا. (2) الألغاز، وهو كتاب في مسائل نحوية، صنفه لخزانة السلطان الملك الكامل، طبع في مصر. (3) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، طبع مرارا، وشرحه الشيخ خالد، ولنا عليه ثلاثة شروح: أحدها وجيز وقد طبع مرارا، وثانيها بسيط لا يزال رهين القماطر، وثالثها وسيط، مطبوع في ثلاثة أجزاء. (4) التذكرة، ذكر السيوطي أنه كتاب في خمسة عشر مجلدا، ولم نطلع على شئ منه (5) التحصيل والتفصيل، لكتاب التذييل والتكميل، ذكر السيوطي أنه عدة مجلدات. (6) الجامع الصغير، ذكره السيوطي، ويوجد في مكتبة باريس.
6 (7) الجامع الكبير، ذكره السيوطي. (8) رسالة في انتصاب (لغة) و (فضلا) وإعراب (خلافا) و (أيضا) و (هلم جرا) ونحو ذلك، وهي موجودة في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وليدن، وهي برمتها في كتاب (الأشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (9) رسالة في استعمال المنادى في تسع آيات من القرآن الكريم، موجودة في مكتبة برلين. (10) رفع الخصاصة، عن قراء الخلاصة، ذكره السيوطي، وذكر أنه أربع مجلدات. (11) الروضة الأدبية، في شواهد علوم العربية، يوجد بمكتبة برلين، وهو شرح شواهد كتاب اللمع لابن جنى. (12) شذور الذهب، في معرفة كلام العرب، طبع مرارا. (13) شرح البردة، ذكره السيوطي، ولعله شرح (بانت سعاد) الآتي. (14) شرح شذور الذهب المتقدم، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا. (15) شرح الشواهد الصغرى، ذكره السيوطي، ولا ندري أهو الروضة الأدبية السابق ذكره، أم هو كتاب آخر؟ (16) شرح الشواهد الكبرى، ذكره السيوطي أيضا، ولا ندري حقيقة حاله. (17) شرح قصيدة (بانت سعاد) طبع مرارا. (18) شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية، يوجد في مكتبة ليدن. (19) شرح قطر الندى، وبل الصدى، الآتي ذكره، طبع مرارا، ولنا عليه شرح طبع مرارا أيضا.
7 (21) عمدة الطالب، في تحقيق صرف ابن الحاجب، ذكره السيوطي، وذكر أنه في مجلدين. (22) فوح الشذا، في مسألة كذا، وهو شرح لكتاب (الشذا، في مسألة كذا) تصنيف أبى حيان، يوجد في ضمن كتاب (الأشباه والنظائر النحوية) للسيوطي. (23) قطر الندى وبل الصدى، طبع مرارا، ولنا عليه شرح مطبوع. (24) القواعد الصغرى، ذكره السيوطي. (25) القواعد الكبرى، ذكره السيوطي. (26) مختصر الانتصاف من الكشاف، وهو اختصار لكتاب صنفه ابن المنير في الرد على آراء المعتزلة التي ذكرها الزمخشري في تفسير الكشاف، واسم كتاب ابن المنير (الانتصاف من الكشاف) وكتاب ابن هشام يوجد في مكتبة برلين. (27) المسائل السفرية في النحو، ذكره السيوطي. (28) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، طبع في طهران والقاهرة مرارا، وعليه شروح كثيرة، طبع منها عدد واف، من ذلك شرح للدماميني وآخر للشمني، وحاشية للأمير وأخرى للدسوقي، ولنا عليه شرح مسهب، نسأل الله أن يوفق إلى طبعه، ومغني اللبيب هذا هو الذي أقدمه اليوم في هذا الثوب القشيب. (29) موقد الأذهان وموقظ الوسنان، تعرض فيه لكثير من مشكلات النحو، يوجد في دار الكتب المصرية وفى مكتبتي برلين وباريس. وتوفى رحمه الله تعالى في ليلة الجمعة - وقيل: ليلة الخميس - الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة (سنة 1360 من الميلاد) رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ على جدثه حلل الرضوان.
8 بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدنا ومولانا الشيخ الامام العالم العلامة جمال الدين رحلة الطالبين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام، الأنصاري، قدس الله روحه، ونور ضريحه (1) أما بعد حمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، فإن أولى ما تقترحه القرائح، وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح، ما يتيسر به فهم كتاب الله المنزل، ويتضح به معنى حديث نبيه المرسل، فإنهما الوسيلة إلى السعادة الأبدية، والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، وأصل ذلك علم الاعراب، الهادي إلى صوب الصواب، وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة أنشأت بمكة زادها الله شرفا كتابا في ذلك، منورا من أرجاء قواعده كل حالك، ثم إنني أصبت به وبغيره في منصرفي إلى مصر، ولما من الله [تعالى] على في عام ستة وخمسين بمعاودة حرم الله، والمجاورة في خير بلاد الله، شمرت عن ساعد الاجتهاد ثانيا، واستأنفت العمل لا كسلا ولا متوانيا، ووضعت هذا التصنيف، على أحسن إحكام وترصيف، وتتبعت فيه مقفلات مسائل الاعراب فافتتحتها، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها. فدونك كتابا تشد الرحال فيما دونه، وتقف عنده فحول الرجال ولا يعدونه، إذ كان الوضع في هذا الغرض لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله ومما حثني على وضعه أنني لما أنشأت في معناه المقدمة الصغرى المسماة ب (الاعراب عن قواعد الاعراب) حسن وقعها عند أولى الألباب، وسار نفعها في جماعة الطلاب مع أن الذي أودعته فيها بالنسبة إلى ما ادخرته عنها كشذرة من عقد نحر، بل
(1) تختلف النسخ في هذه التقدمة، وظاهر أنها ليست من كلام المؤلف 9 كقطرة من قطرات بحر، وها أنا بائح بما أسررته، مفيد لما قررته وحررته، مقرب فوائده للأفهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام، سائل من حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على شئ طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغتفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، ورددت عليه من الشريد، وأرحته من التعب، وصيرت القاصي يناديه من كثب، وأن يحضر قلبه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الانسان محل النسيان، وأن الحسنات يذهبن السيئات: 1 - ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟! * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه وينحصر في ثمانية أبواب. الباب الأول، في تفسير المفردات وذكر أحكامها. الباب الثاني، في تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها. الباب الثالث، في ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل، وهو الظرف والجار والمجرور، وذكر أحكامهما. الباب الرابع، في ذكر أحكام يكثر دورها، ويقبح بالمعرب جهلها. الباب الخامس، في ذكر الأوجه التي يدخل على المعرب الخلل من جهتها. الباب السادس، في التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها الباب السابع، في كيفية الاعراب الباب الثامن، في ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية وأعلم أنني تأملت كتب الاعراب فإذا السبب الذي اقتضى طولها ثلاثة أمور، أحدها: كثرة التكرار، فإنها لم توضع لافادة القوانين الكلية، بل للكلام على الصور الجزئية. فتراهم يتكلمون على التركيب المعين بكلام، ثم حيث جاءت نظائره أعادوا
10 ذلك الكلام، ألا ترى أنهم حيث مر بهم مثل الموصول في قوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) ذكروا أن فيه ثلاثة أوجه، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (إنك أنت السميع العليم) ذكروا فيه ثلاثة أوجه أيضا، وحيث جاءهم مثل الضمير المنفصل في قوله تعالى: (كنت أنت الرقيب عليهم) ذكروا فيه وجهين، ويكررون ذكر الخلاف فيه إذا أعرب فصلا، أله محل باعتبار ما قبله أم باعتبار ما بعده أم لا محل له؟ والخلاف في كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ إذا وقع بعد إذا في نحو (إذا السماء انشقت) أو إن في نحو (وإن امرأة خافت) أو الظرف في نحو (أفى الله شك) أو لو في نحو (ولو أنهم صبروا) وفى كون أن وأن وصلتهما بعد حذف الجار في نحو (شهد الله أنه لا إله إلا هو) ونحو (حصرت صدورهم أن يقاتلوكم) في موضع خفض بالجار المحذوف على حد قوله: 2 - [إذا قيل أي الناس شر قبيلة؟] * أشارت كليب بالأكف الأصابع [ص 643] أو نصب بالفعل [المذكور] على حد قوله: 2 - [لدن بهز الكف يعسل متنه] * فيه كما عسل الطريق الثعلب [ص 525 و 576] وكذلك يكررون الخلاف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، وعلى الضمير المتصل المرفوع من غير وجود الفاصل، وغير ذلك مما إذا استقصى أمل القلم، وأعقب السأم، فجمعت هذه المسائل ونحوها مقررة محررة في الباب الرابع من هذا الكتاب، فعليك بمراجعته، فإنك تجد به كنزا واسعا تنفق منه، ومنهلا سائغا ترده وتصدر عنه. والامر الثاني: إيراد ما لا يتعلق بالاعراب، كالكلام في اشتقاق اسم، أهو من السمة كما يقول الكوفيون أو من السمو كما يقول البصريون؟ والاحتجاج لكل من الفريقين، وترجيح الراجح من القولين، وكالكلام على ألفه، لم حذفت
11 من البسملة خطا؟ وعلى باء الجر ولامه، لم كسرتا لفظا؟ وكالكلام على ألف ذا الاشارية، أزائدة هي كما يقول الكوفيون أم منقلبة عن ياء هي عين واللام ياء أخرى محذوفة كما يقول البصريون؟ والعجب من مكي بن أبي طالب إذ أورد مثل هذا في كتابه الموضوع لبيان مشكل الاعراب مع أن هذا ليس من الاعراب في شئ، وبعضهم إذا ذكر الكلمة ذكر تكسيرها وتصغيرها، وتأنيثها وتذكيرها، وما ورد (1) فيها من اللغات، وما روى من القراءات، وإن لم ينبن على ذلك شئ من الاعراب. والثالث: إعراب الواضحات، كالمبتدأ وخبره والفاعل ونائبه، والجار والمجرور، والعاطف والمعطوف، وأكثر الناس استقصاء لذلك الحوفي. وقد تجنبت هذين الامرين وأتيت مكانهما بما يتبصر به الناظر، ويتمرن به الخاطر، من إيراد النظائر القرآنية، والشواهد الشعرية، وبعض ما اتفق في المجالس النحوية. ولما تم هذا التصنيف على الوجه الذي قصدته، وتيسر فيه من لطائف المعارف ما أردته واعتمدته، سميته ب (مغني اللبيب، عن كتب الأعاريب) وخطابي به لمن ابتدأ في تعلم الاعراب، ولمن استمسك منه بأوثق الأسباب. ومن الله تعالى أستمد الصواب، والتوفيق إلى ما يحظيني لديه بجزيل الثواب، وإياه أسأل أن يعصم القلم من الخطأ والخطل، والفهم من الزيغ والزلل، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.
(1) في نسخة (وما ذكر فيها من اللغات) 12 الباب الأول في تفسير المفردات، وذكر أحكامها وأعنى بالمفردات الحروف وما تضمن معناها الأسماء والظروف، فإنها المحتاجة إلى ذلك، وقد رتبتها على حروف المعجم، ليسهل تناولها، وربما ذكرت أسماء غير تلك وأفعالا، لمسيس الحاجة إلى شرحها. (حرف الألف) الألف المفردة - تأتى على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا ينادى به القريب، كقوله: 4 - أفاطم مهلا بعض هذا التدلل * [وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي] ونقل ابن الخباز عن شيخه أنه للمتوسط، وأن الذي للقريب (يا) وهذا خرق لاجماعهم. والثاني: أن تكون للاستفهام، وحقيقته: طلب الفهم، نحو (أزيد قائم) وقد أجيز الوجهان في قراءة الحرميين (أمن هو قانت آناء الليل) وكون الهمزة فيه للنداء هو قول الفراء، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير (يا) ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تمتع بكفرك قليلا) فحذف شيئان: معادل الهمزة والخبر، ونظيره في حذف المعادل قول أبى ذؤيب الهذلي: 5 - دعاني إليها القلب، إني لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [ص 43 و 628] تقديره: أم غي، ونظيره في مجئ الخبر كلمة (خير) واقعة قبل أم (أفمن يلقى
13 في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة) ولك أن تقول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت، لصحة قولك: ما أدرى هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لهل بمعادل، وكذلك لا حاجة في الآية إلى تقدير معادل، لصحة تقدير الخبر بقولك: كمن ليس كذلك، وقد قالوا في قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت): إن التقدير: كمن ليس كذلك، أو لم يوحدوه، ويكون (وجعلوا لله شركاء) معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) أي كمن ينعم في الجنة، وفى قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) أي كمن هداه الله، بدليل (فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء) أو التقدير: ذهبت نفسك عليهم حسرة، بدليل قوله تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وجاء في التنزيل موضع صرح فيه بهذا الخبر وحذف المبتدأ، على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى: (كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما) أي أمن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الانهار كمن هو خالد في النار، وجاءا مصرحا بهما على الأصل في قوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله). والألف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على (أم) كقول عمر بن أبي ربيعة: 6 - بدا لي منها معصم حين جمرت * وكف خضيب زينت ببنان فوالله ما أدرى وإن كنت داريا * بسبع رميت الجمر أم بثمان؟ أراد أبسبع، أم لم تتقدمها كقول الكميت: 7 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد أو ذو الشيب يلعب؟ واختلف في قول عمر بن أبي ربيعة:
14 8 - ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا * عدد الرمل والحصى والتراب فقيل: أراد أتحبها، وقيل إنه خبر، أي أنت تحبها، ومعنى (قلت بهرا) قلت أحبها حبا بهرني بهرا، أي غلبني غلبة، وقيل: معناه عجبا، وقال المتنبي: 9 - أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا * والبين جار على ضعفي وما عدلا أحيا: فعل مضارع، والأصل أأحيا، فحذفت همزة الاستفهام، والواو للحال، والمعنى التعجب من حياته، يقول: كيف أحيا وأقل شئ قاسيته قد قتل غيري، والأخفش يقيس ذلك في الاختيار عند أمن اللبس، وحمل عليه قوله تعالى: (وتلك نعمة تمنها على) وقوله تعالى: (هذا ربى) في المواضع الثلاثة، والمحققون على أنه خبر، وأن مثل ذلك يقوله من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكي كلامه ثم يكر عليه بالابطال بالحجة، وقرأ ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) وقال عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام: (وإن زنى وإن سرق؟) فقال: (وإن زنى وإن سرق). الثاني: أنها ترد لطلب التصور، نحو (أزيد قائم أم عمرو) ولطلب التصديق، نحو (أزيد قائم؟) وهل مختصة بطلب التصديق، نحو (هل قام زيد) وبقية الأدوات مختصة بطلب التصور، نحو (من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟ وأين بيتك؟ ومتى سفرك؟). الثالث: أنها تدخل على الاثبات كما تقدم، وعلى النفي نحو (ألم نشرح لك صدرك) (أو لما أصابتكم مصيبة) وقوله: 10 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي؟ [ص 69] ذكره بعضهم، وهو منتقض بأم، فإنها تشاركها في ذلك، تقول: أقام زيد أم لم يقم؟. الرابع: تمام التصدير، بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد (أم) التي للاضراب كما يذكر غيرها، لا تقول: أقام زيد أم أقعد، وتقول: أم هل قعد،
15 والثاني: أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير، نحو (أو لم ينظروا) (أفلم يسيروا) (أثم إذا ما وقع آمنتم به) وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم؟) (فأين تذهبون) (فأنى تؤفكون) (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (فأي الفريقين) (فما لكم في المنافقين فئتين) هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالفهم جماعة أولهم الزمخشري، فزعموا أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الأصلي، وأن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقولون: التقدير في (أفلم يسيروا) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) (أفإن مات أو قتل انقلبتم) (أفما نحن بميتين): أمكثوا فلم يسيروا في الأرض، أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، أنحن مخلدون فما نحن بميتين، ويضعف قولهم ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد [في جميع المواضع] أما الأول فلدعوى حذف الجملة، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لان المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شئ في شئ، أي أصالة الهمزة في التصدير، وأما الثاني فلأنه غير ممكن في نحو (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) وقد جزم الزمخشري في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله في (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على (فأخذناهم بغتة) وقوله في (أئنا لمبعوثون أو آباؤنا) فيمن قرأ بفتح الواو: إن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون) وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجوز الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.
16 فصل قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: أحدها: التسوية، وربما توهم أن المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة (سواء) بخصوصها، وليس كذلك، بل كما تقع بعدها تقع بعد (ما أبالي) و (ما أدرى) و (ليت شعري) ونحوهن، والضابط: أنها الهمزة الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ونحو (ما أبالي أقمت أم قعدت) ألا ترى أنه يصح سواء عليهم الاستغفار وعدمه وما أبالي بقيامك وعدمه. والثاني: الانكار الابطالي، وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب، نحو (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (أفسحر هذا) (أشهدوا خلقهم) (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) (أفعيينا بالخلق الأول) ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفيا، لان نفى النفي إثبات، ومنه (أليس الله بكاف عبده) أي الله كاف عبده، ولهذا عطف (وضعنا) على (ألم نشرح لك صدرك) لما كان معناه شرحنا، ومثله (ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى) (ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل) ولهذا أيضا كان قول جرير في عبد الملك: 11 - ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا، بل قيل: إنه أمدح بيت قالته العرب، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ألبتة. والثالث: الانكار التوبيخي، فيقتضى أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم، (2 - مغني اللبيب 1)
17 نحو (أتعبدون ما تنحتون) (أغير الله تدعون) (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (أتأتون الذكران) (أتأخذونه بهتانا) وقول العجاج: 12 - أطربا وأنت قنسري * والدهر بالانسان دواري؟ [ص 681] أي أتطرب وأنت شيخ كبير؟. والرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه، ويجب أن يليها الشئ الذي تقرره به، تقول في التقرير بالفعل: أضربت زيدا؟ وبالفاعل: أأنت ضربت زيدا، وبالمفعول: أزيدا ضربت، كما يجب ذلك في المستفهم عنه، وقوله تعالى: (أأنت فعلت هذا) محتمل لإرادة الاستفهام الحقيقي، بأن يكونوا لم يعلموا أنه الفاعل، ولارادة التقرير، بأن يكونوا قد علموا، ولا يكون استفهاما عن الفعل ولا تقريرا به، لان الهمزة لم تدخل عليه، ولأنه عليه الصلاة والسلام قد أجابهم بالفاعل بقوله: (بل فعله كبيرهم هذا). فإن قلت: ما وجه حمل الزمخشري الهمزة في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) على التقرير؟. قلت: قد اعتذر عنه بأن مراده التقرير بما بعد النفي، لا التقرير بالنفي، والأولى أن تحمل الآية على الانكار التوبيخي أو الابطالي، أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ. والخامس: التهكم، نحو (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا). والسادس: الامر، نحو (أأسلمتم) أي أسلموا. والسابع: التعجب، نحو (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل). والثامن: الاستبطاء، نحو (ألم يأن للذين آمنوا). وذكر بعضهم معاني أخر لا صحة لها.
18 تنبيه - قد تقع الهمزة فعلا، وذلك أنهم يقولون (وأي) بمعنى وعد، ومضارعه يئى بحذف الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة، كما تقول: وفى يفي، وونى يني، والامر منه إه، بحذف اللام [للامر] وبالهاء للسكت في الوقف، وعلى ذلك يتخرج اللغز المشهور، وهو قوله: 13 - إن هند المليحة الحسناء * وأي من أضمرت لخل وفاء فإنه يقال: كيف رفع اسم إن وصفته الأولى؟ والجواب: أن الهمزة فعل أمر، والنون للتوكيد، والأصل إين بهمزة مكسورة، وياء ساكنة للمخاطبة، ونون مشددة للتوكيد، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع النون المدغمة كما في قوله: 14 - لتقرعن على السن من ندم * إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي وهند: منادى مثل (يوسف أعرض عن هذا) والمليحة: نعت لها على اللفظ كقوله: 15 - * يا حكم الوارث عن عبد الملك * والحسناء: إما نعت لها على الموضع كقول مادح عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: 16 - يعود الفضل منك على قريش * وتفرج عنهم الكرب الشدادا فما كعب بن مامة وابن سعدى * بأجود منك يا عمر الجوادا وإما بتقدير أمدح، وإما نعت لمفعول به محذوف، أي عدى يا هند الخلة الحسناء، وعلى الوجهين الأولين فيكون إنما أمرها بإيقاع الوعد الوفي، من غير أن يعين لها الموعود، وقوله (وأي) مصدر نوعي منصوب بفعل الامر، والأصل وأيا مثل وأي من، ومثله (فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) وقوله (أضمرت) بتاء التأنيث محمول على معنى من مثل (من كانت أمك؟).
19 (آ) بالمد - حرف لنداء البعيد، وهو مسموع، لم يذكره سيبويه، وذكره غيره. (أيا) حرف كذلك، وفى الصحاح أنه حرف لنداء القريب والبعيد، وليس كذلك، قال الشاعر: 17 - أيا جبلي نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها وقد تبدل همزتها هاء، كقوله: 18 - فأصاخ يرجو أن يكون حيا * ويقول من فرح: هيا ربا (أجل) بسكون اللام - حرف جواب مثل نعم، فيكون تصديقا للمخبر، وإعلاما للمستخبر، ووعدا للطالب، فتقع بعد نحو (قام زيد) ونحو (أقام زيد) ونحو (أضرب زيدا) وقيد المالقي الخبر بالمثبت، والطلب بغير النهى، وقيل: لا تجئ بعد الاستفهام، وعن الأخفش هي بعد الخبر أحسن من نعم ونعم بعد الاستفهام أحسن منها، وقيل: تختص بالخبر، وهو قول الزمخشري وابن مالك وجماعة، وقال ابن خروف: أكثر ما تكون بعده. (إذن) فيها مسائل: الأولى: في نوعها، قال الجمهور: هي حرف، وقيل: اسم، والأصل في (إذن أكرمك) إذا جئتني أكرمك، ثم حذفت الجملة، وعوض التنوين عنها، وأضمرت أن، وعلى القول الأول، فالصحيح أنها بسيطة، لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا أن مضمرة بعدها. المسألة الثانية: في معناها، قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشلوبين: في كل موضع، وقال أبو على الفارسي: (في الأكثر، وقد تتمحض للجواب، بدليل أنه يقال لك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقا،
20 إذ لا مجازاة هنا ضرورة) اه. والأكثر أن تكون جوابا لان أو لو مقدرتين أو ظاهرتين، فالأول كقوله: 19 - لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها * وأمكنني منها إذا لا أقيلها وقول الحماسي: 20 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا [ص 257] إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لأنا فقوله (إذا لقام بنصري) بدل من (لم تستبح) وبدل الجواب جواب، والثاني نحو أن يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله، إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض) قال الفراء: حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة، إن لم تكن ظاهرة. المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أن نونها تبدل ألفا، تشبيها لها بتنوين المنصوب، وقيل: يوقف بالنون، لأنها كنون لن وإن، روى عن المازني والمبرد، وينبني على الخلاف في الوقف عليها خلاف في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالألف، وكذا رسمت في المصاحف، والمازني والمبرد بالنون، وعن القراء إن عملت كتبت بالألف، وإلا كتبت بالنون، للفرق بينها وبين إذا، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة: في عملها، وهو نصب المضارع، بشرط تصديرها، واستقباله، واتصالهما أو انفصالهما بالقسم أو بلا النافية، يقال: آتيك، فتقول: (إذن أكرمك) ولو قلت (أنا إذن) قلت (أكرمك) بالرفع، لفوات التصدير، فأما قوله:
21 21 - لا تتركني فيهم شطيرا * إني إذا أهلك أو أطيرا فمؤول على حذف خبر إن، أي إني لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده، ولو قلت (إذا يا عبد الله) قلت: (أكرمك) بالرفع، للفصل بغير ما ذكرنا، وأجاز ابن عصفور الفصل بالنداء، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، والأرجح حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع، ولو قيل لك (أحبك) فقلت (إذن أظنك صادقا) رفعت، لأنه حال تنبيه - قال جماعة من النحويين: إذا وقعت إذن بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو (وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا) (فإذن لا يأتون الناس نقيرا) وقرئ شاذا بالنصب فيهما، والتحقيق أنه إذا قيل: (إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك) فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذن لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعين النصب، لان ما بعدها مستأنف، أو لان المعطوف على الأول أول ومثل ذلك (زيد يقوم وإذن أحسن إليه) إن عطفت على الفعلية رفعت، أو على الاسمية فالمذهبان. (إن) المكسورة الخفيفة - ترد على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون شرطية، نحو (إن ينتهوا يغفر لهم) (وإن تعودوا نعد) وقد تقترن بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية، نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) (إلا تنفروا يعذبكم) (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) وقد بلغني أن بعض من يدعى الفضل سئل في (إلا تفعلوه) فقال: ما هذا الاستثناء؟ أمتصل أم منقطع؟. الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن الكافرون
22 إلا في غرور) (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) ومن ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، فحذف المبتدأ، وبقيت صفته، ومثله (وإن منكم إلا واردها) وعلى الجملة الفعلية نحو (إن أردنا إلا الحسنى) (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) (إن يقولون إلا كذبا). وقول بعضهم: لا تأتى إن النافية إلا وبعدها إلا كهذه الآيات، أو لما المشددة التي بمعناها كقراءة بعض السبعة (إن كل نفس لما عليها حافظ) بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، مردود بقوله تعالى: (إن عندكم من سلطان بهذا) (قل إن أدرى أقريب ما توعدون) (وإن أدرى لعله فتنة لكم) وخرج جماعة على إن النافية قوله تعالى: (إن كنا فاعلين)، (قل إن كان للرحمن ولد) وعلى هذا فالوقف هنا، وقوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي في الذي ما مكناكم فيه، وقيل: زائدة، ويؤيد الأول (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) وكأنه إنما عدل عن ما لئلا يتكرر فيثقل اللفظ، قيل: ولهذا لما زادوا على ما الشرطية ما قلبوا ألف ما الأولى هاء فقالوا: مهما، وقيل: بل هي في الآية بمعنى قد، وإن من ذلك (فذكر إن نفعت الذكرى) وقيل في هذه الآية: إن التقدير وإن لم تنفع، مثل (سرابيل تقيكم الحر) أي والبرد، وقيل: إنما قيل ذلك بعد أن عمهم بالتذكير ولزمتهم الحجة، وقيل: ظاهره الشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم، كقولك: عظ الظالمين إن سمعوا منك، تريد بذلك الاستبعاد، لا الشرط. وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله تعالى: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) الأولى شرطية، والثانية نافية، جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى، وجواب الشرط محذوف وجوبا. وإذا دخلت على الجملة الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء، وأجاز الكسائي
23 والمبرد إعمالها عمل ليس، وقرأ سعيد بن جبير (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون مخففة مكسورة لالتقاء الساكنين، ونصب عبادا وأمثالكم، وسمع من أهل العالية (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) و (إن ذلك نافعك ولا ضارك) ومما يتخرج على الاهمال الذي هو لغة الأكثرين قول بعضهم: (إن قائم) وأصله إن أنا قائم، فحذفت همزة أنا اعتباطا، وأدغمت نون إن في نونها، وحذفت ألفها في الوصل، وسمع (إن قائما) على الأعمال، وقول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل ثم سكنت النون وأدغمت مردود، لان المحذوف لعلة كالثابت، ولهذا تقول (هذا قاض) بالكسر لا بالرفع، لان حذف الياء لالتقاء الساكنين، فهي مقدرة الثبوت، وحينئذ فيمتنع الادغام، لان الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: (لكنا هو الله ربى). الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين: فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، لنا قراءة الحرميين وأبى بكر (وإن كلا لما ليوفينهم) وحكاية سيبويه (إن عمرا لمنطلق) ويكثر إهمالها، نحو (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) وقراءة حفص (إن هذان لساحران) وكذا قرأ ابن كثير إلا أنه شدد نون هذان، ومن ذلك (إن كل نفس لما عليها حافظ) في قراءة من خفف لما وإن دخلت على الفعل أهملت وجوبا، والأكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، نحو (وإن كانت لكبيرة) (وإن كادوا ليفتنونك) (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ودونه أن يكون مضارعا ناسخا، نحو (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) (وإن نظنك لمن الكاذبين) ويقاس على النوعين اتفاقا، ودون هذا أن يكون ماضيا غير ناسخ، نحو قوله: 22 - شلت يمينك إن قتلت لمسلما * جلت عليك عقوبة المتعمد
24 ولا يقاس عليه خلافا للأخفش، أجاز (إن قام لأنا، وإن قعد لانت) ودون هذا أن يكون مضارعا غير ناسخ كقول بعضهم (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه) ولا يقاس عليه إجماعا، وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة كما في هذه المسألة فاحكم عليها بأن أصلها التشديد، وفى هذه اللام خلاف يأتي في باب اللام، إن شاء الله تعالى. الرابع: أن تكون زائدة، كقوله: 23 - ما إن أتيت بشئ أنت تكرهه * [إذن فلا رفعت سوطي إلى يدي] وأكثر ما زيدت بعد (ما) النافية إذا دخلت على جملة فعلية كما في البيت، أو اسمية كقوله. 24 - فما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا وفى هذه الحالة تكف عمل (ما) الحجازية كما في البيت، وأما قوله: 25 - بنى غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف في رواية من نصب ذهبا وصريفا، فخرج على أنها نافية مؤكدة لما. وقد تزاد بعد ما الموصولة الاسمية كقوله: 26 - يرجى المرء ما إن لا براه * وتعرض دون أدناه الخطوب [ص 679] وبعد ما المصدرية كقوله: 27 - ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [ص 38 و 304 و 679] وبعد ألا الاستفتاحية كقوله: 28 - ألا إن سرى ليلى فبت كئيبا * أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا وقبل مدة الانكار، سمع سيبويه رجلا يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أأنا إنيه؟ منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وزعم ابن الحاجب أنها تزاد بعد لما الايجابية، وهو سهو، وإنما تلك أن المفتوحة.
25 وزيد على هذه المعاني الأربعة معنيان آخران، فزعم قطرب أنها قد تكون بمعنى قد كما مر في (إن نفعت الذكرى) وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ، وجعلوا منه (واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقوله عليه الصلاة والسلام (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع، وقوله: 29 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم؟ [ص 35 و 36] قالوا: وليست شرطية، لان الشرط مستقبل، وهذه القصة قد مضت. وأجاب الجمهور عن قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) بأنه شرط جئ به للتهييج والالهاب، كما تقول لابنك: إن كنت ابني فلا تفعل كذا. وعن آية المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقبل، أو بأن أصل ذلك الشرط، ثم صار يذكر للتبرك، أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله أن لا يموت منكم أحد قبل الدخول، وهذا الجواب لا يدفع السؤال، أو أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين أخبرهم بالمنام، فحكى ذلك لنا، أو من كلام الملك الذي أخبره في المنام. وأما البيت فمحمول على وجهين: أحدهما: أن يكون على إقامة السبب مقام المسبب، والأصل أتغصب إن افتخر مفتخر بسبب حز أذني قتيبة، إذ الافتخار بذلك يكون سببا للغضب ومسببا عن الحز. الثاني: أن يكون على معنى التبين، أي أتغضب إن تبين في المستقبل أن أذني قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر: 30 - إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولم تجدي من أن تقري به بدا أي يتبين أنى لم تلدني لئيمة.
26 وقال الخليل والمبرد: الصواب (أن أذنا) بفتح الهمزة من أن، أي لان أذنا، ثم هي عند الخليل أن الناصبة، وعند المبرد أنها أن المخففة من الثقيلة. ويرد قول الخليل أن أن الناصبة لا يليها الاسم على إضمار الفعل، وإنما ذلك لان المكسورة، نحو (وإن أحد من المشركين استجارك). وعلى الوجهين يتخرج قول الآخر: 31 - إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [ص 134 و 503] أي إن يفتخروا بسبب قتلك، أو إن يتبين أنهم قتلوك. (أن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون - على وجهين: اسم، وحرف. والاسم على وجهين: ضمير المتكلم في قول بعضهم (أن فعلت) بسكون النون، والأكثرون على فتحها وصلا، وعلى الاتيان بالألف وقفا، وضمير المخاطب في قولك (أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن) على قول الجمهور: إن الضمير هو أن والتاء حرف خطاب. والحرف على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، وتقع في موضعين، أحدهما: في الابتداء، فتكون في موضع رفع نحو (وأن تصوموا خير لكم) (وأن تصبروا خير لكم) (وأن يستعففن خير لهن) (وأن تعفوا أقرب للتقوى) وزعم الزجاج أن منه (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) أي خير لكم، فحذف الخبر، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، وقيل في (فالله أحق أن تخشوه): إن أحق خبر عما بعده، والجملة خبر عن اسم الله سبحانه، وفى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) كذلك، والظاهر فيهما أن الأصل أحق بكذا. والثاني: بعد لفظ دال
27 على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع نحو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) (وعسى أن تكرهوا شيئا) الآية، ونحو (يعجبني أن تفعل) ونصب نحو (وما كان هذا القرآن أن يفترى) (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) (فأردت أن أعيبها) وخفض نحو (أوذينا من قبل أن تأتينا) (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) (وأمرت لان أكون) ومحتملة لهما نحو (والذي أطمع أن يغفر لي) أصله في أن يغفر لي، ومثله (أن تبروا) إذا قدر في أن تبروا أو لئلا تبروا، وهل المحل بعد حذف الجار جر أو نصب؟ فيه خلاف، وسيأتي، وقيل: التقدير مخافة أن تبروا، واختلف في المحل من نحو (عسى زيد أن يقوم) فالمشهور أنه نصب على الخبرية، وقيل: على المفعولية، وإن معنى (عسيت أن تفعل) قاربت أن تفعل، ونقل عن المبرد، وقيل: نصب بإسقاط الجار أو بتضمين الفعل معنى قارب، نقله ابن مالك عن سيبويه، وإن المعنى دنوت من أن تفعل أو قاربت أن تفعل، والتقدير الأول بعيد، إذ لم يذكر هذا الجار في وقت، وقيل: رفع على البدل سد مسد الجزأين كما سد في قراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) مسد المفعولين. وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان كما مر، أو ماضيا نحو (لولا أن من الله علينا) (ولولا أن ثبتناك) أو أمرا كحكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم). هذا هو الصحيح. وقد اختلف من ذلك في أمرين: أحدهما: كون الموصولة بالماضي والامر هي الموصولة بالمضارع، والمخالف في ذلك ابن طاهر، زعم أنها غيرها، بدليلين، أحدهما: أن الداخلة على المضارع تخلصه للاستقبال، فلا تدخل على غيره كالسين وسوف، والثاني: أنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعهما بالنصب كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية، ولا قائل به.
28 والجواب عن الأول أنه منتقض بنون التوكيد، فإنها تخلص المضارع للاستقبال وتدخل على الامر باطراد واتفاق، وبأدوات الشرط فإنها أيضا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق. وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد إن الشرطية لأنها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله، كما أنها لما أثرت التخليص إلى الاستقبال في معنى المضارع أثرت النصب في لفظه. الامر الثاني: كونها توصل بالامر، والمخالف في ذلك أبو حيان، زعم أنها لا توصل به، وأن كل شئ سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية، واستدل بدليلين، أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الامر، الثاني: أنهما لم يقعا فاعلا ولا مفعولا، لا يصح (أعجبني أن قم) ولا (كرهت أن قم) كما يصح ذلك مع الماضي ومع المضارع. والجواب عن الأول أن فوات معنى الأمرية في الموصولة بالامر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، ثم إنه يسلم مصدرية أن المخففة من المشددة مع لزوم مثل ذلك فيها في نحو (والخامسة أن غضب الله عليها) إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولا مطلقا نحو سقيا ورعيا. وعن الثاني أنه إنما امتنع ما ذكره لأنه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالانشاء، لا لما ذكر، ثم ينبغي له أن لا يسلم مصدرية كي، لأنها لا تقع فاعلا ولا مفعولا، وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل. ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه (كتبت إليه بأن قم) وأجاب عنها بأن الباء محتملة للزيادة مثلها في قوله: 32 - [هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر] لا يقرأن بالسور [ص 109 و 675]
29 وهذا وهم فاحش، لان حروف الجر - زائدة كانت أو غير زائدة - لا تدخل إلا على الاسم أو ما في تأويله. تنبيه - ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة أن بعضهم يجزم بأن، ونقله اللحياني عن بعض بنى صباح من ضبة، وأنشدوا عليه قوله: 33 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا * تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطب وقوله: 34 - أحاذر أن تعلم بها فتردها * فتتركها ثقلا على كما هيا وفى هذا نظر، لان عطف المنصوب عليه يدل على أنه مسكن للضرورة، لا مجزوم. وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن (لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وقول الشاعر: 35 - أن تقرآن على أسماء ويحكما * منى السلام وأن لا تشعرا أحدا [ص 697] وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، والصواب قول البصريين: إنها أن الناصبة أهملت حملا على (ما) أختها المصدرية، وليس من ذلك قوله: 36 - ولا تدفنني في الفلاة، فإنني * أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها كما زعم بعضهم، لان الخوف هنا يقين، فأن مخففة من الثقيلة. الوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) (علم أن سيكون) (وحسبوا أن لا تكون) فيمن رفع تكون، وقوله: 37 - زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع
30 وأن هذه ثلاثية الوضع، وهي مصدرية أيضا، وتنصب الاسم وترفع الخبر، خلافا للكوفيين، زعموا أنها لا تعمل شيئا، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وربما ثبت كقوله: 38 - فلو أنك في يوم الرخاء سألتني * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وهو مختص بالضرورة على الأصح، وشرط خبرها أن يكون جملة، ولا يجوز إفراده، إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران، وقد اجتمعا في قوله: 39 - بأنك ربيع وغيث مربع * وأنك هناك تكون الثمالا الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك) (ونودوا أن تلكم الجنة) وتحتمل المصدرية بأن يقدر قبلها حرف الجر، فتكون في الأول أن الثنائية لدخولها على الامر، وفى الثانية المخففة من الثقيلة لدخولها على الاسمية. وعن الكوفيين إنكار أن التفسيرية البتة، وهو عندي متجه، لأنه إذا قيل (كتبت إليه أن قم) لم يكن قم نفس كتبت كما كان الذهب نفس العسجد في قولك: هذا عسجد أي ذهب، ولهذا لو جئت بأي مكان (أن) في المثال لم تجده مقبولا في الطبع. ولها عند مثبتها شروط: أحدها: أن تسبق بجملة، فلذلك غلط من جعل منها (وآخر دعواهم أن الحمد لله). والثاني: أن تتأخر عنها جملة، فلا يجوز (ذكرت عسجدا أن ذهبا) بل يجب الاتيان بأي أو ترك حرف التفسير، ولا فرق بين الجملة الفعلية كما مثلنا والاسمية نحو (كتبت إليه أن ما أنت وهذا). والثالث: أن يكون في الجملة السابقة معنى القول كما مر، ومنه (وانطلق
31 الملا منهم أن امشوا) إذ ليس المراد بالانطلاق المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشي المشي المتعارف، بل الاستمرار على الشئ. وزعم الزمخشري أن التي في قوله تعالى: (أن اتخذي من الجبال بيوتا) مفسرة، ورده أبو عبد الله الرازي بأن قبله (وأوحى ربك إلى النحل) والوحي هنا إلهام باتفاق، وليس في الالهام معنى القول، قال: وإنما هي مصدرية، أي باتخاذ الجبال بيوتا. والرابع: أن لا يكون في الجملة السابقة أحرف القول، فلا يقال (قلت له أن افعل) وفى شرح الجمل الصغير لابن عصفور أنها قد تكون مفسرة بعد صريح القول، وذكر الزمخشري في قوله تعالى (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله) أنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على تأويله بالامر، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله، وهو حسن، وعلى هذا فيقال في هذا الضابط: أن لا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤول بغيره، ولا يجوز في الآية أن تكون مفسرة لأمرتني، لأنه لا يصح أن يكون (اعبدوا الله ربى وربكم) مقولا لله تعالى، فلا يصح أن يكون تفسيرا لامره، لان المفسر عين تفسيره، ولا أن تكون مصدرية وهي وصلتها عطف بيان على الهاء في به، ولا بدلا من ما، أما الأول فلان عطف البيان في الجوامد بمنزلة النعت في المشتقات، فكما أن الضمير لا ينعت كذلك لا يعطف عليه عطف بيان، ووهم الزمخشري فأجاز ذلك ذهولا عن هذه النكتة، وممن نص عليها من المتأخرين أبو محمد بن السيد وابن مالك، والقياس معهما في ذلك، وأما الثاني فلان العبادة لا يعمل فيها فعل القول، نعم إن أول القول بالامر كما فعل الزمخشري في وجه التفسيرية جاز، ولكنه قد فاته هذا الوجه هنا فأطلق المنع. فإن قيل: لعل امتناعه من إجازته لان (أمر) لا يتعدى بنفسه إلى الشئ المأمور به إلا قليلا، فكذا ما أول به.
32 قلنا: هذا لازم له على توجيهه التفسيرية، ويصح أن يقدر بدلا من الهاء في (به) ووهم الزمخشري فمنع ذلك، ظنا منه أن المبدل منه في قوة الساقط فتبقى الصلة بلا عائد، والعائد موجود حسا فلا مانع. والخامس: أن لا يدخل عليها جار، فلو قلت (كتبت إليه بأن افعل) كانت مصدرية. مسألة - إذا ولى أن الصالحة للتفسير مضارع معه لا نحو (أشرت إليه أن لا تفعل) جاز رفعه على تقدير لا نافية، وجزمه على تقديرها ناهية، وعليهما فأن مفسرة، ونصبه على تقدير لا نافية وأن مصدرية، فإن فقدت (لا) امتنع الجزم، وجاز الرفع والنصب. والوجه الرابع: أن تكون زائدة، ولها أربعة مواضع: أحدها - وهو الأكثر - أن تقع بعد لما التوقيتية نحو (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم). والثاني: أن تقع بين لو وفعل القسم، مذكورا كقوله: 40 - فأقسم أن لو التقينا وأنتم * لكان لكم يوم من الشر مظلم أو متروكا كقوله: 41 - أما والله أن لو كنت حرا * وما بالحر أنت ولا العتيق هذا قول سيبويه وغيره، وفى مقرب ابن عصفور أنها في ذلك حرف جئ به لربط الجواب بالقسم، ويبعده أن الأكثر تركها، والحروف الرابطة ليست كذلك والثالث - وهو نادر - أن تقع بين الكاف ومخفوضها كقوله: 42 - ويوما توافينا بوجه مقسم * كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم في رواية من جر الظبية.
33 والرابع: بعد إذا، كقوله: 43 - فأمهله حتى إذا أن كأنه * معاطي يد في لجة الماء غامر (1) وزعم الأخفش أنها تزاد في غير ذلك، وأنها تنصب المضارع كما تجر من والباء الزائدتان الاسم، وجعل منه (وما لنا أن لا نتوكل على الله) (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله) وقال غيره: هي في ذلك مصدرية، ثم قيل: ضمن ما لنا معنى ما منعناه، وفيه نظر، لأنه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به، ولان الأصل أن لا تكون لا زائدة، والصواب قول بعضهم: إن الأصل وما لنا في أن لا نفعل كذا، وإنما لم يجز للزائدة أن تعمل لعدم اختصاصها بالافعال، بدليل دخولها على أحرف وهو لو وكأن في البيتين (2)، وعلى الاسم وهو ظبية في البيت السابق (3) بخلاف حرف الجر الزائد، فإنه كالحرف المعدى في الاختصاص بالاسم، فلذلك عمل فيه. مسألة - ولا معنى لان الزائدة غير التوكيد كسائر الزوائد، قال أبو حيان: وزعم الزمخشري أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر، فقال في قوله تعالى (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم): دخلت أن في هذه القصة ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله تعالى (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما) تنبيها وتأكيدا على أن الإساءة كانت تعقب المجئ، فهي مؤكدة في قصة لوط للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة إبراهيم، إذ ليس الجواب فيها كالأول، وقال الشلوبين: لما كانت أن للسبب في (جئت أن أعطى) أي للاعطاء أفادت هنا أن الإساءة كانت لأجل المجئ وتعقبه، وكذلك في قولهم (أما والله أن لو فعلت لفعلت) أكدت أن ما بعد لو وهو السبب في الجواب، وهذا الذي ذكراه لا يعرفه كبراء النحويين، انتهى. والذي رأيته في كلام الزمخشري في تفسير سورة العنكبوت ما نصه: أن صلة أكدت وجود الفعلين مرتبا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما،
(1) حقيقة القافية (غارف) (2) هما الشاهدان 41 و 43 (3) هو الشاهد رقم 42 34 كأنها وجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لما أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث، انتهى. والريث: البطء، وليس في كلامه تعرض للفرق بين القصتين كما نقل عنه، ولا كلامه مخالف لكلام النحويين، لاطباقهم على أن الزائد يؤكد معنى ما جئ به لتوكيده، ولما تفيد وقوع الفعل الثاني عقب الأول وترتبه عليه، فالحرف الزائد يؤكد ذلك، ثم إن قصة الخليل التي فيها (قالوا سلاما) ليست في السورة التي فيها (سئ بهم)، بل في سورة هود، وليس فيها لما، ثم كيف يتخيل أن التحية تقع بعد المجئ ببطء؟ وإنما يحسن اعتقادنا تأخر الجواب في سورة العنكبوت إذ الجواب فيها (قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية) ثم إن التعبير بالإساءة لحن، لان الفعل ثلاثي كما نطق به التنزيل، والصواب المساءة، وهي عبارة الزمخشري، وأما ما نقله عن الشلوبين فمعترض من وجهين: أحدهما: أن المفيد للتعليل في مثاله إنما هو لام العلة المقدرة، لا أن والثاني: أن أن في المثال مصدرية، والبحث في الزائدة. تنبيه - وقد ذكر لان معان أربعة أخر: أحدها: الشرطية كإن المكسورة، وإليه ذهب الكوفيون، ويرجحه عندي أمور أحدها: توارد المفتوحة والمكسورة على المحل الواحد، والأصل التوافق، فقرئ بالوجهين قوله تعالى (أن تضل إحداهما) (ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم) (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) وقد مضى أنه روى بالوجهين قوله: * أتغضب إن أذن قتيبة حزتا * [29] الثاني: مجئ الفاء بعدها كثيرا، كقوله: 44 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [ص 59، 437، 694] الثالث: عطفها على إن المكسورة في قوله:
35 45 - إما أقمت وأما أنت مرتحلا * فالله يكلأ ما تأتى وما تذر الرواية بكسر إن الأولى وفتح الثانية، فلو كانت المفتوحة مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة، وتعسف ابن الحاجب في توجيه ذلك، فقال: لما كان معنى قولك (إن جئتني أكرمتك) وقولك (أكرمك لاتيانك إياي) واحدا صح عطف التعليل على الشرط في البيت، ولذلك تقول (إن جئتني وأحسنت إلى أكرمتك) ثم تقول (إن جئتني ولاحسانك إلى أكرمتك) فتجعل الجواب لهما، انتهى. وما أظن أن العرب فاهت بذلك يوما ما. المعنى الثاني: النفي كإن المكسورة أيضا، قاله بعضهم في قوله تعالى (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) وقيل: إن المعنى ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الكتاب إلا لمن تبع دينكم، وجملة القول اعتراض. والثالث: معنى إذ كما تقدم عن بعضهم في إن المكسورة، وهذا قاله بعضهم في (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا) وقوله: * أتغضب أن أذنا قتيبة حزتا * [29] والصواب أنها في ذلك كله مصدرية، وقبلها لام العلة مقدرة. والرابع: أن تكون بمعنى لئلا، قيل به في (يبين الله لكم أن تضلوا) وقوله: 46 - نزلتم منزل الأضياف منا * فعجلنا القرى أن تشتمونا والصواب أنها مصدرية، والأصل كراهية أن تضلوا، ومخافة أن تشتمونا، وهو قول البصريين. وقيل: هو على إضمار لام قبل أن ولا بعدها، وفيه تعسف.
36 (إن) - المكسورة المشددة، على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف توكيد، تنصب الاسم وترفع الخبر، قيل: وقد تنصبهما في لغة، كقوله: 47 - إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن * خطاك خفافا، إن حراسنا أسدا وفى الحديث (إن قعر جهنم سبعين خريفا) وقد خرج البيت على الحالية وأن الخبر محذوف، أي تلقاهم أسدا، والحديث على أن القعر مصدر (قعرت البئر) إذا بلغت قعرها، وسبعين ظرف، أي إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما. وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا كقوله عليه الصلاة السلام: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) الأصل إنه أي الشأن كما قال: 48 - إن من يدخل الكنيسة يوما * يلق فيها جاذرا وظباء [ص 589] وإنما لم تجعل (من) اسمها لأنها شرطية، بدليل جزمها الفعلين، والشرط له الصدر، فلا يعمل فيه ما قبله. وتخريج الكسائي الحديث على زيادة من في اسم إن يأباه غير الأخفش من البصريين، لان الكلام إيجاب، والمجرور معرفة على الأصح، والمعنى أيضا يأباه، لانهم ليسوا أشد عذابا من سائر الناس. وتخفف فتعمل قليلا، وتهمل كثيرا، وعن الكوفيين أنها لا تخفف، وأنه إذا قيل (إن زيد لمنطلق) فإن نافية، واللام بمعنى إلا، ويرده أن منهم من يعملها مع التخفيف، حكى سيبويه (إن عمرا لمنطلق) وقرأ الحرميان وأبو بكر (وإن كلا لما ليوفينهم). الثاني: أن تكون حرف جواب بمعنى نعم، خلافا لأبي عبيدة، استدل المثبتون بقوله:
37 49 - ويقلن: شيب قد علا * ك، وقد كبرت، فقلت: إنه [ص 649] ورد بأنا لا نسلم أن الهاء للسكت، بل هي ضمير منصوب بها، والخبر محذوف، أي إنه كذلك، والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له لعن الله ناقة حملتني إليك (إن وراكبها) أي نعم ولعن راكبها إذ لا يجوز حذف الاسم والخبر جميعا. وعن المبرد أنه حمل على ذلك. قراءة من قرأ (إن هذان لساحران) واعترض بأمرين، أحدهما: أن مجئ إن بمعنى نعم شاذ، حتى قيل: إنه لم يثبت، والثاني: أن اللام لا تدخل في خبر المبتدأ، وأجيب عن هذا بأنها لام زائدة، وليست للابتداء، أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف، أي لهما ساحران، أو بأنها دخلت بعد إن هذه لشبهها بإن المؤكدة لفظا كما قال: ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [27] فزاد (إن) بعد ما المصدرية لشبهها في اللفظ بما النافية، ويضعف الأول أن زيادة اللام في الخبر خاصة بالشعر، والثاني أن الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدأ كالجمع بين متنافيين، وقيل: اسم إن ضمير الشأن، وهذا أيضا ضعيف، لان الموضوع لتقوية الكلام لا يناسبه الحذف، والمسموع من حذفه شاذ إلا في باب أن المفتوحة إذا خففت، فاستسهلوه لوروده في كلام بنى على التخفيف، فحذف تبعا لحذف النون، ولأنه لو ذكر لوجب التشديد، إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، ألا ترى أن من يقول لد ولم يك ووالله يقول لدنك ولم يكنه وبك لأفعلن، ثم يرد إشكال دخول اللام، وقيل: هذان اسمها، ثم اختلف، فقيل: جاءت على لغة بلحرث بن كعب في إجراء المثنى بالألف دائما، كقوله: 50 - [إن أباها وأبا أباها] * قد بلغا في المجد غايتاها [ص 122، 216] واختار هذا الوجه ابن مالك، وقيل: هذان مبنى لدلالته على [معنى] الإشارة،
38 وإن قول الأكثرين (هذين) جرا ونصبا ليس إعرابا أيضا، واختاره ابن الحاجب، قلت: وعلى هذا فقراءة (هذان) أقيس، إذ الأصل في المبنى أن لا تختلف صيغه، مع أن فيها مناسبة لألف ساحران، وعكسه الياء في (إحدى ابنتي هاتين) فهي هنا أرجح لمناسبة ياء (ابنتي) وقيل: لما اجتمعت ألف هذا وألف الثانية في التقدير قدر بعضهم سقوط ألف التثنية فلم تقبل ألف هذا التغيير. تنبيه - تأتى (إن) فعلا ماضيا مسندا لجماعة المؤنث من الأين - وهو التعب تقول (النساء إن) أي تعبن، أو من آن بمعنى قرب، أو مسندا لغيرهن على أنه من الأنين وعلى أنه مبنى للمفعول على لغة من قال في رد وحب: رد وحب، بالكسر تشبيها له بقيل وبيع، والأصل مثلا (أن زيد يوم الخميس) ثم قيل (إن يوم الخميس) أو فعل أمر للواحد من الأنين، أو لجماعة الإناث من الأين أو من آن بمعنى قرب، أو للواحدة مؤكدا بالنون من وأي بمعنى وعد كقوله: * إن هند المليحة الحسناء * [13] وقد مر، ومركبة من إن النافية وأنا كقول بعضهم (إن قائم) والأصل إن أنا قائم، ففعل فيه ماضي شرحه (1) فالأقسام إذن عشرة: هذه الثمانية، والمؤكدة، والجوابية. تنبيه - في الصحاح الأين الاعياء، وقال أبو زيد: لا يبنى منه فعل، وقد خولف فيه، انتهى، فعلى قول أبى زيد يسقط بعض الأقسام. (أن) - المفتوحة المشددة النون، على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف توكيد، تنصب الاسم وترفع الخبر، والأصح أنها فرع عن إن المكسورة، ومن هنا صح للزمخشري أن يدعى أن أنما بالفتح تفيد الحصر كإنما، وقد اجتمعتا في قوله تعالى (قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد) فالأولى لقصر الصفة [على الموصوف]، والثانية بالعكس، وقول أبى حيان (هذا شئ
(1) قد بينه واضحا في ص 24 39 انفرد به، ولا يعرف القول بذلك إلا في إنما بالكسر) مردود بما ذكرت وقوله (إن دعوى الحصر هنا باطلة لاقتضائها أنه لم يوح إليه غير التوحيد) مردود أيضا بأنه حصر مقيد (1)، إذ الخطاب مع المشركين، فالمعنى ما أوحى إلى في أمر الربوبية إلا التوحيد، لا الاشراك، ويسمى ذلك قصر قلب، لقلب اعتقاد المخاطب، وإلا فما الذي يقول هو في نحو (وما محمد إلا رسول)؟ فإن ما للنفي وإلا للحصر قطعا، وليست صفته عليه الصلاة والسلام منحصرة في الرسالة، ولكن لما استعظموا موته جعلوا كأنهم أثبتوا له البقاء الدائم، فجاء الحصر باعتبار ذلك، ويسمى قصر إفراد. والأصح أيضا أنها موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر، فإن كان الخبر مشتقا فالمصدر المؤول به من لفظه، فتقدير (بلغني أنك تنطلق) أو (أنك منطلق) بلغني الانطلاق، ومنه (بلغني أنك في الدار) التقدير استقرارك في الدار، لان الخبر في الحقيقة هو المحذوف من استقر أو مستقر، وإن كان جامدا قدر بالكون نحو (بلغني أن هذا زيد) تقديره بلغني كونه زيدا، لان كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون، تقول (هذا زيد) وإن شئت (هذا كائن زيدا) إذ معناهما واحد، وزعم السهيلي أن الذي يؤول بالمصدر إنما هو أن الناصبة للفعل لأنها أبدا مع الفعل المتصرف، وأن المشددة إنما تؤول بالحديث، قال: وهو قول سيبويه، ويؤيده أن خبرها قد يكون اسما محضا نحو (علمت أن الليث الأسد) وهذا لا يشعر بالمصدر، انتهى. وقد مضى أن هذا يقدر بالكون. وتخفف أن بالاتفاق، فيبقى عملها على الوجه الذي تقدم [شرحه] في أن الخفيفة (2) الثاني: أن تكون لغة في لعل كقول بعضهم (ائت السوق أنك تشترى لنا شيئا) وقراءة من قرأ (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) وفيها بحث سيأتي في باب اللام.
(1) يريد أنه قصر إضافي. (2) انظر ص 30 السابقة 40 (أم) - على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون متصلة، وهي منحصرة في نوعين، وذلك لأنها إما أن تتقدم عليها همزة التسوية نحو (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا) وليس منه قول زهير: 51 - وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء [ص 139، 393، 398] لما سيأتي، أو تتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين نحو (أزيد في الدار أم عمرو) وإنما سميت في النوعين متصلة لان ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضا معادلة، لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابا، لان المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب لأنه خبر، وليست تلك كذلك، لان الاستفهام معها على حقيقته. والثالث والرابع: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين، وتكونان فعليتين كما تقدم، واسميتين كقوله: 52 - ولست أبالي بعد فقدي مالكا * أموتي ناء أم هو الآن وقع ومختلفتين نحو (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) وأم الأخرى تقع بين المفردين، وذلك هو الغالب فيها، نحو (أأنتم أشد خلقا أم السماء) وبين جملتين ليستا في تأويل المفردين وتكونان أيضا فعليتين كقوله: 53 - فقمت للطيف مرتاعا فأرقني * فقلت: أهي سرت أم عادني حلم [ص 378] وذلك على الأرجح في (هي) من أنها فاعل بمحذوف يفسره سرت، واسميتين كقوله:
41 54 - لعمرك ما أدرى، وإن كنت داريا، * شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر الأصل (أشعيث) بالهمز في أوله والتنوين في آخره، فحذفهما للضرورة، والمعنى: ما أدرى أي النسبين هو الصحيح، ومثله بيت زهير السابق (1). والذي غلط ابن الشجري حتى جعله من النوع الأول توهمه أن معنى الاستفهام فيه غير مقصود البتة، لمنافاته لفعل الدراية. وجوابه أن معنى قولك (علمت أزيد قائم) علمت جواب أزيد قائم، وكذلك (ما علمت). وبين المختلفتين، نحو (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) وذلك أيضا على الأرجح من كون (أنتم) فاعلا. مسألة - أم المتصلة التي تستحق الجواب إنما تجاب بالتعيين، لأنها سؤال عنه، فإذا قيل (أزيد عندك أم عمرو) قيل في الجواب: زيد، أو قيل: عمرو، ولا يقال (لا) ولا (نعم). فإن قلت: فقد قال ذو الرمة: 55 - قول عجوز مدرجي متروحا * على بابها من عند أهلي وغاديا: أذو زوجة بالمصر، أم ذو خصومة * أراك لها بالبصرة العام ثاويا؟ فقلت لها: لا، إن أهلي جيرة * لا كثبة الدهنا جميعا وماليا وما كنت مذ أبصرتني في خصومة * أراجع فيها - يا ابنة القوم - قاضيا
(1) هو الشاهد رقم 51 42 قلت: ليس قوله (لا) جوابا لسؤالها، بل رد لما توهمته من وقوع أحد الامرين: كونه ذا زوجة، وكونه ذا خصومة، ولهذا لم يكتف بقوله (لا)، إذ كان رد ما لم تلفظ به إنما يكون بالكلام التام، فلهذا قال: (إن أهلي جيرة - البيت) و (وما كنت مذ أبصرتني - البيت). مسألة - إذا عطفت بعد الهمزة بأو، فإن كانت همزة التسوية لم تجز قياسا، وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا (سواء كان كذا أو كذا) وهو نظير قولهم (يجب أقل الامرين من كذا أو كذا) والصواب العطف في الأول بأم، وفى الثاني بالواو، وفى الصحاح (تقول: سواء على قمت أو قعدت) انتهى. ولم يذكر غير ذلك، وهو سهو، وفى كامل الهذلي أن ابن محيصن قرأ من طريق الزعفراني (سواء عليهم أنذرتهم أو لم تنذرهم) وهذا من الشذوذ بمكان، وإن كانت همزة الاستفهام جاز قياسا، وكان الجواب بنعم أو بلا، وذلك أنه إذا قيل (أزيد عندك أو عمرو) فالمعنى أأحدهما عندك أم لا، فإن أجبت بالتعيين صح، لأنه جواب وزيادة، ويقال (الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟) فتعطف الأول بأو، والثاني بأم، ويجاب عندنا بقولك: أحدهما، وعند الكيسانية بابن الحنفية، ولا يجوز أن تجيب بقولك الحسن أو بقولك الحسين، لأنه لم يسأل عن الأفضل من الحسن وابن الحنفية ولا من الحسين وابن الحنفية، وإنما جعل واحدا منهما لا بعينه قرينا لابن الحنفية، فكأنه قال: (أأحدهما أفضل أم ابن الحنيفة؟). مسألة - سمع حذف أم المتصلة ومعطوفها كقول الهذلي: دعاني إليها القلب إني لامره * سميع، فما أدرى أرشد طلابها [5] تقديره أم غي، كذا قالوا، وفيه بحث كما مر (1)، وأجاز بعضهم حذف معطوفها بدونها، فقال في قوله تعالى: (أفلا تبصرون أم): إن الوقف هنا، وإن التقدير: أم تبصرون، ثم يبتدأ (أنا خير) وهذا باطل، إذ لم يسمع حذف معطوف
(1) أنظر ص 14 43 بدون عاطفه (1) وإنما المعطوف جملة (أنا خير) ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الأصل: أم تبصرون، ثم أقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب، لانهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عند بصراء، وهذا معنى كلام سيبويه. فإن قلت: فإنهم يقولون: أتفعل هذا أم لا، والأصل أم لا تفعل. قلت: إنما وقع الحذف بعد لا، ولم يقع بعد العاطف، وأحرف الجواب تحذف الجمل بعدها كثيرا، وتقوم هي في اللفظ مقام تلك الجمل، فكأن الجملة هنا مذكورة، لوجود ما يغنى عنها. وأجاز الزمخشري وحده حذف ما عطفت عليه أم، فقال في (أم كنتم شهداء): يجوز كون أم متصلة على أن الخطاب لليهود، وحذف معادلها، أي أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء؟ وجوز ذلك الواحدي أيضا، وقدر: أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب من إيصائه بنيه باليهودية أم كنتم شهداء، انتهى. الوجه الثاني: أن تكون منقطعة، وهي ثلاثة أنواع: مسبوقة بالخبر المحض، نحو (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه) ومسبوقة بهمزة لغير استفهام، نحو (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها)، إذ الهمزة في ذلك للانكار، فهي بمنزلة النفي، والمتصلة لا تقع بعده، ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو (هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور [أم جعلوا لله شركاء] ومعنى أم المنقطعة الذي لا يفارقها الاضراب، ثم تارة تكون له مجردا، وتارة تتضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا، أو استفهاما طلبيا. فمن الأول (هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء) أما الأولى فلان الاستفهام لا يدخل على الاستفهام،
(1) في نسخة (إذ لم يسمع حذف معطوفها) وهي أحسن. 44 وأما الثانية فلان المعنى على الاخبار عنهم باعتقاد الشركاء، قال الفراء: يقولون (هل لك قبلنا حق أم أنت رجل ظالم) يريدون بل أنت. ومن الثاني (أم له البنات ولكم البنون) تقديره: بل أله البنات ولكم البنون، إذ لو قدرت للاضراب المحض لزم المحال. ومن الثالث قولهم (إنها لإبل أم شاء) التقدير: بل أهي شاء. وزعم أبو عبيدة أنها قد تأتى بمعنى الاستفهام المجرد، فقال في قول الأخطل: 56 - كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا إن المعنى هل رأيت. ونقل ابن الشجري عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى بل والهمزة جميعا، وأن الكوفيين خالفوهم في ذلك، والذي يظهر لي قولهم، إذ المعنى في نحو (أم جعلوا لله شركاء) ليس على الاستفهام، ولأنه يلزم البصريين دعوى التوكيد في نحو (أم هل تستوى الظلمات) ونحو (أم ماذا كنتم تعملون) (أم من هذا الذي هو جند لكم) وقوله: 57 - أنى جزوا عامرا سوأ بفعلهم * أم كيف يجزونني السوأى من الحسن؟ أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به * رئمان أنف إذا ما ضن باللبن؟ العلوق - بفتح العين المهملة - الناقة التي علق قلبها بولدها، وذلك أنه ينحر ثم يحشى جلده تبنا ويجعل بين يديها لتشمه فتدر عليه، فهي تسكن إليه مرة، وتنفر عنه أخرى.
45 وهذا البيت ينشد لمن يعد بالجميل ولا يفعله، لانطواء قلبه على ضده، وقد أنشده الكسائي في مجلس الرشيد بحضرة الأصمعي، فرفع (رئمان) فرده عليه الأصمعي، وقال: إنه بالنصب، فقال له الكسائي: اسكت، ما أنت وهذا؟ يجوز الرفع والنصب والجر، فسكت. ووجهه أن الرفع على الابدال من (ما) والنصب بنعطى، والخفض بدل من الهاء، وصوب ابن الشجري إنكار الأصمعي، فقال: لان رئمانها للبو بأنفها هو عطيتها إياه لا عطية لها غيره، فإذا رفع لم يبق لها عطية في البيت، لان في رفعه إخلاء تعطى من مفعوله لفظا وتقديرا، والجر أقرب إلى الصواب قليلا، وإنما حق الاعراب والمعنى النصب، وعلى الرفع فيحتاج إلى تقدير ضمير راجع إلى المبدل منه، أي رئمان أنف له. والضمير في (بفعلهم) لعامر، لان المراد به القبيلة، ومن بمعنى البدل مثلها في (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) وأنكر ذلك بعضهم، وزعم أن من متعلقة بكلمة البدل محذوفة. ونظير هذه الحكاية أن ثعلبا كان يأتي الرياشي ليسمع منه الشعر، فقال له الرياشي يوما: كيف تروى (بازل) من قوله: 58 - ما تنقم الحرب العوان منى * بازل عامين حديث سنى * لمثل هذا ولدتني أمي * [ص 682] فقال ثعلب: المثلى تقول هذا؟ إنما أسير (1) إليك لهذه المقطعات والخرافات يروى البيت بالرفع على الاستئناف، وبالخفض على الاتباع، وبالنصب على الحال. ولا تدخل (أم) المنقطعة على مفرد، ولهذا قدروا المبتدأ في (إنها لإبل أم شاء) وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين، فقال: لا حاجة إلى تقدير مبتدأ، وزعم أنها تعطف المفردات كبل، وقدرها [ها] هنا ببل دون الهمزة،
(1) في نسخة (أصير إليك) بالصاد بدل السين، ولا بأس بها. 46 واستدل بقول بعضهم (إن هناك لإبلا أم شاء) بالنصب، فإن صحت روايته فالأولى أن يقدر لشاء ناصب، أي أم أرى شاء تنبيه - قد ترد أم محتملة للاتصال والانقطاع: فمن ذلك قوله تعالى (قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) قال الزمخشري: يجوز في أم أن تكون معادلة بمعنى أي الامرين كائن، على سبيل التقرير، لحصول العلم بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة، انتهى. ومن ذلك قول المتنبي: 59 - أحاد أم سداس في أحاد * لييلتنا المنوطة بالتناد؟ [ص 654] فإن قدرتها فيه متصلة فالمعنى أنه استطال الليلة فشك أواحدة هي أم ست اجتمعت في واحدة فطلب التعيين، وهذا من تجاهل العارف كقوله: 60 - أيا شجر الخابور مالك مورقا؟ * كأنك لم تجزع على ابن طريف وعلى هذا فيكون قد حذف الهمزة قبل (أحاد) ويكون تقديم الخبر وهو أحاد على المبتدأ وهو لييلتنا تقديما واجبا، لكونه المقصود بالاستفهام مع سداس، إذ شرط الهمزة المعادلة لام أن يليها أحد الامرين المطلوب تعيين أحدهما، وبلى أم المعادل الآخر، ليفهم السامع من أول الامر الشئ المطلوب تعيينه، تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ (أزيد قائم أم عمرو) وإن شئت (أزيد أم عمرو قائم) وإذا استفهمت عن تعيين الخبر (أقائم زيد أم قاعد) وإن شئت (أقائم أم قاعد زيد) وإن قدرتها منقطعة فالمعنى أنه أخبر عن ليلته بأنها ليلة واحدة، ثم نظر إلى طولها فشك فجزم بأنها ست في ليلة فأضرب! أو شك هل هي ست في ليلة أم لا فأضرب واستفهم، وعلى هذا فلا همزة مقدرة، ويكون تقديم (أحاد) ليس على الوجوب، إذ الكلام خبر، وأظهر الوجهين الاتصال، لسلامته من الاحتياج إلى تقدير مبتدأ يكون سداس خبرا عنه في وجه الانقطاع، كما لزم عند الجمهور في (إنها لإبل أم شاء)
47 ومن الاعتراض بجملة (أم هي سداس) بين الخبر وهو أحاد والمبتدأ وهو لييلتنا، ومن الاخبار عن الليلة الواحدة بأنها ليلة، فإن ذلك معلوم لا فائدة فيه، ولك أن تعارض الأول بأنه يلزم في الاتصال حذف همزة الاستفهام وهو قليل، بخلاف حذف المبتدأ. واعلم أن هذا البيت اشتمل على لحنات: استعمال أحاد وسداس بمعنى واحدة وست، وإنما هما بمعنى واحدة واحدة وست ست، واستعمال سداس وأكثرهم يأباه ويخص العدد المعدول بما دون الخمسة، وتصغير ليلة على لييلة، وإنما صغرتها العرب على لييلية بزيادة الياء على غير قياس، حتى قيل: إنها مبنية على ليلاة في نحو قول الشاعر: 61 - * في كل ما يوم وكل ليلاه * ومما قد يستشكل فيه أنه جمع بين متنافيين استطالة الليلة وتصغيرها، وبعضهم يثبت مجئ التصغير للتعظيم كقوله: 62 - [وكل أناس سوف تدخل بينهم] * دويهية تصفر منها الأنامل [ص 136، 197، 626] الثالث: أن تقع زائدة. ذكره أبو زيد، وقال في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير): إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير، والزيادة ظاهرة في قول ساعدة ابن جؤية: 63 - يا ليت شعري ولا منجى من الهرم * أم هل على العيش بعد الشيب من ندم الرابع: أن تكون للتعريف، نقلت عن طيئ، وعن حمير، وأنشدوا: 64 - ذاك خليلي وذ يواصلني * يرمى ورائي بامسهم وامسلمه وفى الحديث (ليس من امبر امصيام في امسفر) كذا رواه النمر بن تولب
48 رضي الله عنه، وقيل: إن هذه اللغة مختصة بالأسماء التي لا تدغم لام التعريف في أولها نحو غلام وكتاب، بخلاف رجل وناس ولباس، وحكى لنا بعض طلبة اليمن أنه سمع في بلادهم من يقول: خذ الرمح، واركب امفرس، ولعل ذلك لغة لبعضهم. لا لجميعهم، ألا ترى إلى البيت السابق وأنها في الحديث دخلت على النوعين (أل) - على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذي وفروعه، وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين، قيل: والصفات المشبهة، وليس بشئ، لان الصفة المشبهة للثبوت فلا تؤول بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة باتفاق، وقيل: هي في الجميع حرف تعريف، ولو صح ذلك لمنعت من إعمال اسمي الفاعل والمفعول، كما منع منه التصغير والوصف، وقيل: موصول حرفي، وليس بشئ، لأنها لا تؤول بالمصدر، وربما وصلت بظرف، أو جملة اسمية (1) أو فعلية فعلها مضارع، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف، فالأول كقوله: 65 - من لا يزال شاكرا على المعه * فهو حر بعيشة ذات سعه والثاني كقوله: 66 - من القوم الرسول الله منهم * لهم دانت رقاب بنى معد والثالث كقوله: 67 - [يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا] صوت الحمار اليجدع والجميع خاص بالشعر، خلافا للأخفش وابن مالك في الأخير. والثاني: أن تكون حرف تعريف، وهي نوعان: عهدية، وجنسية، وكل منهما ثلاثة أقسام:
(1) في نسخة (أو بجملة اسمية - إلخ). 49 فالعهدية إما أن يكون مصحوبها معهودا ذكريا، نحو (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) ونحو (فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى) ونحو (اشتريت فرسا ثم بعت الفرس) وعبرة هذه أن يسد الضمير مسدها مع مصحوبها، أو معهودا ذهنيا، نحو (إذ هما في الغار) ونحو (إذ يبايعونك تحت الشجرة)، أو معهودا حضوريا، قال ابن عصفور: ولا تقع هذه إلا بعد أسماء الإشارة، نحو (جاءني هذا الرجل) أو أي في النداء نحو (يا أيها الرجل) أو إذا الفجائية نحو (خرجت فإذا الأسد) أو في اسم الزمان الحاضر نحو (الآن) انتهى. وفيه نظر، لأنك تقول لشاتم رجل بحضرتك (لا تشتم الرجل) فهذه للحضور في غير ما ذكر، ولان التي بعد إذا ليست لتعريف شئ حاضر حالة التكلم، فلا تشبه ما الكلام فيه، ولأن الصحيح في الداخلة على الآن أنها زائدة، لأنها لازمة، ولا يعرف أن التي للتعريف وردت لازمة، بخلاف الزائدة، والمثال الجيد للمسألة قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم). والجنسية إما لاستغراق الافراد، وهي التي تخلفها كل حقيقة، نحو (وخلق الانسان ضعيفا) ونحو (إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا) أو لاستغراق خصائص الافراد، وهي التي تخلفها كل مجازا، نحو (زيد الرجل علما) أي الكامل في هذه الصفة، ومنه (ذلك الكتاب) أو لتعريف الماهية، وهي التي لا تخلفها كل لا حقيقة ولا مجازا، نحو (وجعلنا من الماء كل شئ حي) وقولك (والله لا أتزوج النساء)، أو (لا ألبس الثياب) ولهذا يقع الحنث بالواحد منهما، وبعضهم يقول في هذه: إنها لتعريف العهد، فإن الأجناس أمور معهودة في الأذهان متميز بعضها عن بعض، ويقسم المعهود إلى شخص وجنس. والفرق بين المعرف بأل هذه وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد
50 والمطلق، وذلك لان ذا الألف واللام يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة، لا باعتبار قيد. تنبيه - قال ابن عصفور: أجازوا في نحو (مررت بهذا الرجل) كون الرجل نعتا وكونه بيانا، مع اشتراطهم في البيان أن يكون أعرف من المبين، وفى النعت أن لا يكون أعرف من المنعوت، فكيف يكون الشئ أعرف وغير أعرف؟. وأجاب بأنه إذا قدر بيانا قدرت أل فيه لتعريف الحضور، فهو يفيد الجنس بذاته، والحضور بدخول أل، والإشارة إنما تدل على الحضور دون الجنس، وإذا قدر نعتا قدرت أل فيه للعهد، والمعنى مررت بهذا وهو الرجل المعهود بيننا، فلا دلالة فيه على الحضور، والإشارة تدل عليه، فكانت أعرف. قال: وهذا معنى كلام سيبويه. الوجه الثالث: أن تكون زائدة، وهي نوعان: لازمة وغير لازمة. فالأولى كالتي في الأسماء الموصولة، على القول بأن تعريفها بالصلة، وكالواقعة في الاعلام، بشرط مقارنتها لنقلها كالنضر والنعمان واللات والعزى، أو لارتجالها كالسموأل، أو لغلبتها على بعض من هي له في الأصل كالبيت للكعبة والمدينة لطيبة والنجم للثريا، وهذه في الأصل لتعريف العهد. والثانية نوعان: كثيرة واقعة في الفصيح، وغيرها. فالأولى الداخلة على علم منقول من مجرد صالح لها ملموح أصله كحارث وعباس وضحاك، فتقول فيها: الحرث، والعباس، والضحاك، ويتوقف هذا النوع على السماع، ألا ترى أنه لا يقال مثل ذلك في نحو محمد ومعروف واحمد؟. والثانية نوعان: واقعة في الشعر، وواقعة في شذوذ [من] النثر. فالأولى كالداخلة على يزيد وعمرو في قوله:
51 68 - باعد أم العمرو من أسيرها * حراس أبواب على قصورها وفى قوله: 69 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله فأما الداخلة على وليد في البيت فللمح الأصل، وقيل: أل في اليزيد والعمرو للتعريف، وإنهما نكرا ثم أدخلت عليهما أل، كما ينكر العلم إذا أضيف كقوله: 70 - علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم * [بأبيض ماضي الشفرتين يمان] واختلف في الداخلة على (بنات أوبر) في قوله 71 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * ولقد نهيتك عن بنات الأوبر [ص 220] فقيل: زائدة للضرورة، لان (ابن أوبر) علم على نوع من الكمأة، ثم جمع على (بنات أوبر) كما يقال في جمع ابن عرس (بنات عرس) ولا يقال (بنو عرس) لأنه لما لا يعقل، ورده السخاوي بأنها لو كانت زائدة لكان وجودها كالعدم، فكان يخفضه بالفتحة، لان فيه العلمية والوزن، وهذا سهو منه، لان أل تقتضي أن ينجر الاسم بالكسرة ولو كانت زائدة [فيه]، لأنه قد أمن فيه التنوين، وقيل: أل فيه للمح الأصل، لان (أوبر) صفة كحسن وحسين وأحمر، وقيل: للتعريف، وإن (ابن أوبر) نكرة كابن لبون، فأل فيه مثلها في قوله: 72 - وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لم يستطع صولة البزل القناعيس قاله المبرد، ويرده أنه لم يسمع ابن أوبر إلا ممنوع الصرف. والثانية كالواقعة في قولهم: (ادخلوا الأول فالأول) و (جاؤوا الجماء الغفير) وقراءة بعضهم (ليخرجن الأعز منها الأذل) بفتح الياء، لان الحال
52 واجبة التنكير، فإن قدرت الأذل مفعولا مطلقا على حذف مضاف، أي خروج الأذل كما قدره الزمخشري لم يحتج إلى دعوى زيادة أل. تنبيه - كتب الرشيد ليلة إلى القاضي أبى يوسف يسأله عن قول القائل: 73 - فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث، ومن يخرق أعق وأظلم فقال: ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها؟ قال أبو يوسف: فقلت: هذه مسألة نحوية فقهية، ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي، فأتيت الكسائي وهو في فراشه، فسألته، فقال: إن رفع ثلاثا طلقت واحدة، لأنه قال (أنت طلاق) ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا، لان معناه أنت طالق ثلاثا، وما بينهما جملة معترضة، فكتبت بذلك إلى الرشيد، فأرسل إلى بجوائز، فوجهت بها إلى الكسائي، انتهى ملخصا. وأقول: إن الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة، أما الرفع فلان أل في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول (زيد الرجل) أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكرى مثلها في (فعصى فرعون الرسول) أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث، ولا تكون للجنس الحقيقي، لئلا يلزم الاخبار عن العام بالخاص كما يقال (الحيوان إنسان) وذلك باطل، إذ ليس كل حيوان إنسانا، ولا كل طلاق عزيمة ولا ثلاثا، فعلى العهدية يقع الثلاث، وعلى الجنسية يقع واحدة كما قال الكسائي، وأما النصب فلأنه محتمل لان يكون على المفعول المطلق، وحينئذ يقتضى وقوع الطلاق الثلاث، إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله: والطلاق عزيمة، ولان يكون حالا من الضمير المستتر
53 في عزيمة، وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث، لان المعنى: والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، فإنما يقع ما نواه، هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شئ آخر، وأما الذي أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد: فبيني بها إن كنت غير رفيقة * وما لامرئ بعد الثلاث مقدم مسألة - أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة أل عن الضمير المضاف إليه، وخرجوا على ذلك (فإن الجنة هي المأوى) و (مررت برجل حسن الوجه) و (ضرب زيد الظهر والبطن) إذا رفع الوجه والظهر والبطن، والمانعون يقدرون هي المأوى له، والوجه منه، والظهر والبطن منه [في الأمثلة] وقيد ابن مالك الجواز بغير الصلة. وقال الزمخشري في (وعلم آدم الأسماء كلها): إن الأصل أسماء المسميات، وقال أبو شامة في قوله: 74 - * بدأت ببسم الله في النظم أولا * إن الأصل في نظمي، فجوزا نيابتها عن الظاهر وعن ضمير الحاضر، والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب. مسألة - من الغريب أن أل تأتى للاستفهام، وذلك في حكاية قطرب (أل فعلت؟) بمعنى هل فعلت، وهو من إبدال الخفيف ثقيلا كما في الآل عند سيبويه، لكن ذلك سهل، لأنه جعل وسيلة إلى الألف التي هي أخف الحروف (أما) بالفتح والتخفيف - على وجهين: أحدهما: أن تكون حرف استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم كقوله: 75 - أما والذي أبكى وأضحك، والذي * أمات وأحيا والذي أمره الامر [ص 68]
54 وقد تبدل همزتها هاء أو عينا قبل القسم، وكلاهما مع ثبوت الألف وحذفها، أو تحذف الألف مع ترك الابدال، وإذا وقعت أن بعد أما هذه كسرت كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية. والثاني: أن تكون بمعنى حقا أو أحقا، على خلاف في ذلك سيأتي، وهذه تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهي حرف عند ابن خروف، وجعلها مع أن ومعموليها كلاما تركب من حرف واسم كما قاله الفارسي في (يا زيد) وقال بعضهم: [هي] اسم بمعنى حقا، وقال آخرون: هي كلمتان، الهمزة للاستفهام و (ما) اسم بمعنى شئ، وذلك الشئ حق، فالمعنى أحقا، وهذا هو الصواب، وموضع (ما) النصب على الظرفية كما انتصب (حقا) على ذلك في نحو قوله: 76 - أحقا أن جيرتنا استقلوا * [فنيتنا ونيتهم فريق] وهو قول سيبويه، وهو الصحيح، بدليل قوله: 77 - أفى الحق أنى مغرم بك هائم * [وأنك لا خل هواك ولا خمر] فأدخل عليها في، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، وقال المبرد: حقا مصدر لحق محذوفا، وأن وصلتها فاعل. وزاد المالقي لاما معنى ثالثا، وهو أن تكون حرف عرض بمنزلة ألا، فتختص بالفعل، نحو (أما نقوم) و (أما تقعد) وقد يدعى في ذلك أن الهمزة للاستفهام التقريري مثلها في ألم وألا، وأن ما نافية، وقد تحذف هذه الهمزة كقوله: 78 - ما ترى الدهر قد أباد معدا * وأباد السراة من عدنان (أما) بالفتح والتشديد - وقد تبدل ميمها الأولى ياء، استثقالا للتضعيف، كقول عمر بن أبي ربيعة.
55 79 - رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحى، وأيما بالعشي فيخصر وهو حرف شرط وتفصيل وتوكيد. أما أنها شرط فيدل لها لزوم الفاء (1) بعدها، نحو (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيقولون) الآية، ولو كانت الفاء للعطف لم تدخل على الخبر، إذ لا يعطف الخبر على مبتدئه، ولو كانت زائدة لصح الاستغناء عنها، ولما لم يصح ذلك وقد امتنع كونها للعطف تعين أنها فاء الجزاء فإن قلت: قد استغنى عنها في قوله: 80 - فأما القتال لا قتال لديكم * [ولكن سيرا في عراض المواكب] قلت: هو ضرورة، كقول عبد الرحمن بن حسان: 81 - من يفعل الحسنات الله يشكرها * [والشر بالشر عند الله مثلان] [ص 98، 139، 165، 236، 422، 423، 517، 636، 647] فإن قلت: قد حذفت (2) في التنزيل في قوله تعالى (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم). قلت: الأصل: فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف، ورب شئ يصح تبعا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره يصلى عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح، هذا قول الجمهور. وزعم بعض المتأخرين أن فاء جواب (أما) لا تحذف في غير الضرورة أصلا، وأن الجواب في الآية (فذوقوا العذاب) والأصل: فيقال لهم ذوقوا، فحذف القول وانتقلت الفاء إلى المقول، وأن ما بينهما اعتراض، وكذا قال في آية الجاثية (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) الآية، قال:
(1) في نسخة (فبدليل لزوم الفاء بعدها) (2) في نسخة (فقد حذفت) 56 أصله فيقال لهم ألم تكن آياتي، ثم حذف القول وتأخرت الفاء عن الهمزة. وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة، ومن ذلك (أما السفينة فكانت لمساكين) (وأما الغلام) (وأما الجدار) الآيات، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك القسم، فالأول نحو (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) أي وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا، والثاني نحو (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) أي وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، ويدل على ذلك (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) أي كل من المتشابه المحكم من عند الله، والايمان بهما واجب، وكأنه قيل: وأما الراسخون في العلم فيقولون، وهذه الآية في أما المفتوحة نظير قولك في إما المكسورة (إما أن تنطق بخير وإلا فاسكت) وسيأتي ذلك، كذا ظهر لي، وعلى هذا فالوقف على (إلا الله) وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السابقة فتأملها. وقد تأتى لغير تفصيل أصلا، نحو (أما زيد فمنطلق). وأما التوكيد فقل من ذكره، ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري، فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت (أما زيد فذهب) ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شئ فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط، انتهى ويفصل بين (أما) وبين الفاء بواحد من أمور ستة، أحدها: المبتدأ كالآيات
57 السابقة، والثاني: الخبر، نحو (أما في الدار فزيد) وزعم الصفار أن الفصل به قليل، والثالث: جملة الشرط، نحو (فأما إن كان من المقربين فروح) الآيات، والرابع: اسم منصوب لفظا أو محلا بالجواب، نحو (فأما اليتيم فلا تقهر) الآيات والخامس: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء، نحو (أما زيدا فاضربه) وقراءة بعضهم (وأما ثمود فهديناهم) بالنصب، ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لان أما نائبة عن الفعل، فكأنها فعل، والفعل لا يلي الفعل وأما نحو (زيد كان يفعل) ففي كان ضمير فاصل في التقدير، وأما (ليس خلق الله مثله) ففي ليس أيضا ضمير [لكنه ضمير] الشأن والحديث، وإذا قيل بأن ليس حرف فلا إشكال، وكذا إذا قيل فعل يشبه الحرف، ولهذا أهملها بنو تميم، إذ قالوا (ليس الطيب إلا المسك) بالرفع. والسادس: ظرف معمول لاما لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه أو للفعل المحذوف، نحو (أما اليوم فإني ذاهب، وأما في الدار فإن زيدا جالس) ولا يكون العامل ما بعد الفاء، لان خبر إن لا يتقدم عليها فكذلك معموله، هذا قول سيبويه والمازني والجمهور، وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء، فجعلوا العامل نفس الخبر، وتوسع الفراء فجوز في بقية أخوات إن، فإن قلت (أما اليوم فأنا جالس) احتل كون العامل أما وكونه الخبر لعدم المانع، وإن قلت (أما زيدا فإني ضارب) لم يجز أن يكون العامل واحدا منهما، وامتنعت المسألة عند الجمهور، لان أما لا تنصب المفعول، ومعمول خبر إن لا يتقدم عليها، وأجاز ذلك المبرد ومن وافقه على تقدير إعمال الخبر. تنبيهان - الأول: أنه سمع (أما العبيد فذو عبيد) بالنصب، (وأما قريشا فأنا أفضلها) وفيه عندي دليل على أمور، أحدها: أنه لا يلزم أن يقدر مهما يكن من شئ، بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل، إذ التقدير هنا مهما ذكرت، وعلى ذلك يتخرج قولهم (أما العلم فعالم) و (أما علما فعالم) فهذا أحسن (1) مما قيل إنه مفعول مطلق
(1) في نسخة (فهو أحسن - إلخ). 58 معمول لما بعد الفاء، أو مفعول لأجله إن كان معرفا وحال إن كان منكرا، والثاني أن أما ليست العاملة، إذ لا يعمل الحرف في المفعول به، والثالث أنه يجوز (أما زيدا فإني أكرم) على تقدير العمل المحذوف. التنبيه الثاني: أنه ليس من أقسام أما التي في قوله تعالى (أماذا كنتم تعملون) ولا التي في قول الشاعر: أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع [ق 44 ص 437، 694] بل هي فيهما كلمتان، فالتي في الآية هي أم المنقطعة وما الاستفهامية، وأدغمت الميم في الميم للتماثل، والتي في البيت هي أن المصدرية وما المزيدة (1)، والأصل لان كنت، فحذف الجار وكان للاختصار، فانفصل الضمير، لعدم ما يتصل به، وجئ بما عوضا عن كان، وأدغمت النون في الميم للتقارب (إما) المكسورة المشددة - قد تفتح همزتها، وقد تبدل ميمها الأولى ياء، وهي مركبة عند سيبويه من إن وما، وقد تحذف ما كقوله: 82 - سقته الرواعد من صيف * وإن من خريف فلن يعد ما [ص 61] أي إما من صيف وإما من خريف، وقال المبرد والأصمعي: إن في هذا البيت شرطية، والفاء فاء الجواب، والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وليس بشئ، لان المراد وصف هذا الوعل بالري على كل حال، ومع الشرط لا يلزم ذلك، وقال أبو عبيدة: إن في البيت زائدة وإما عاطفة عند أكثرهم، أعنى إما الثانية في نحو قولك (جاءني إما زيد وإما عمرو) وزعم يونس والفارسي وابن كيسان أنها غير عاطفة كالأولى، ووافقهم ابن مالك، لملازمتها غالبا الواو العاطفة، ومن غير الغالب قوله: 83 - يا ليتما أمنا شالت نعامتها * أيما إلى جنة أيما إلى نار
(1) في نسخة (وما الزائدة). 59 وفيه شاهد ثان، وهو فتح الهمزة، وثالث وهو الابدال، ونقل ابن عصفور الاجماع على أن إما الثانية غير عاطفة كالأولى، قال: وإنما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه، وزعم بعضهم أن إما عطفت الاسم على الاسم، والواو عطفت إما على إما، وعطف الحرف على الحرف غريب، ولا خلاف أن إما الأولى غير عاطفة، لاعتراضها بين العامل والمعمول في نحو (قام إما زيد وإما عمرو) وبين أحد معمولي العامل ومعموله الآخر في نحو (رأيت إما زيدا وإما عمرا) وبين المبدل منه وبدله نحو قوله تعالى (حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة) فإن ما بعد الأولى بدل مما قبلها. ولاما خمسة معان: أحدها: الشك، نحو (جاءني إما زيد وإما عمرو) إذا لم تعلم الجائي منهما والثاني: الابهام، نحو (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والثالث: التخيير، نحو (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) (إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى) ووهم ابن الشجري، فجعل من ذلك (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم). والرابع: الإباحة، نحو (تعلم إما فقها وإما نحوا) و (جالس إما الحسن وإما ابن سيرين) ونازع في ثبوت هذا المعنى لاما جماعة مع إثباتهم إياه لأو. والخامس: التفصيل، نحو (إما شاكرا وإما كفورا) وانتصابهما على هذا على الحال المقدرة، وأجاز الكوفيون كون إما هذه هي إن الشرطية وما الزائدة، قال مكي: ولا يجيز البصريون أن يلي الاسم أداة الشرط حتى يكون بعده فعل يفسره، نحو (وإن امرأة خافت) ورد عليه ابن الشجري بأن المضمر هنا كان، فهو بمنزلة قوله:
60 84 - قد قيل ذلك إن حقا وإن كذبا * [فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟] وهذه المعاني لأو كما سيأتي، إلا أن إما يبنى الكلام معها من أول الامر على ما جئ بها لأجله من شك وغيره، ولذلك وجب تكرارها في غير ندور، وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره، ولهذا لم تتكرر. وقد يستغنى عن إما الثانية بذكر ما يغنى عنها نحو (إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت) وقول المثقب العبدي: 85 - فإما أن تكون أخي بصدق * فأعرف منك غثي من سميني (1) وإلا فاطرحني واتخذني * عدوا أتقيك وتتقيني وقد يستغنى عن الأولى لفظا كقوله: * سقته الرواعد من صيف * [82] البيت، وقد تقدم، وقوله: 86 - تلم بدار قد تقادم عهدها * وإما بأموات ألم حيالها أي إما بدار، والفراء يقيسه، فيجيز (زيد يقوم وإما يقعد) كما يجوز (أو يقعد). تنبيه - ليس من أقسام إما التي في قوله تعالى * (فإما ترين من البشر أحدا) * بل هذه إن الشرطية وما الزائدة. (أو) - حرف عطف، ذكر له المتأخرون معاني انتهت إلى اثنى عشر. الأول: الشك، نحو * (لبثنا يوما أو بعض يوم) *. والثاني: الابهام، نحو * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * الشاهد في الأولى، وقول الشاعر:
(1) في نسخة (فإما أن تكون أخي بحق). 61 87 - نحن أو أنتم الأولى ألفوا الحق، فبعدا للمبطلين وسحقا. والثالث: التخيير، وهي الواقعة بعد الطلب، [و] قبل ما يمتنع فيه الجمع نحو (تزوج هندا أو أختها) و (خذ من مالي دينارا أو درهما). فإن قلت: فقد مثل العلماء بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع. قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير على أن الجميع الكفارة (1) ولا بين الصيام والصدقة والنسك على أنهن الفدية، بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقي قربة مستقلة خارجة عن ذلك. والرابع: الإباحة: وهي الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع، نحو (جالس العلماء أو الزهاد) و (تعلم الفقه أو النحو) وإذا دخلت لا الناهية امتنع فعل الجميع نحو * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * إذ المعنى لا تطع أحدهما، فأيهما فعله فهو أحدهما، وتلخيصه أنها تدخل للنهي عما كان مباحا، وكذا حكم النهى الداخل على التخيير، وفاقا للسيرافي، وذكر ابن مالك أن أكثر ورود أو (للإباحة) في التشبيه نحو * (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) * والتقدير نحو (فكان قاب قوسين أو أدنى) فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب. والخامس: الجمع المطلق كالواو، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي، واحتجوا بقول توبة: 88 - وقد زعمت ليلى بأني فاجر * لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقيل: أو فيه للابهام، وقول جرير: 89 - جاء الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى ربه موسى على قدر
(1) في نسخة (قلت: لا يجوز الجمع بين الاطعام والكسوة والتحرير اللاتي كل منهن كفارة) وكذا فيما بعده، والذي أثبتناه أظهر. 62 والذي رأيته في ديوان جرير (إذ كانت) وقوله: 90 - وكان سيان أن لا يسرحوا نعما * أو يسرحوه بها، واغبرت السوح أي: وكان الشأن أن لا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان لوجود القحط، وإنما قدرنا (كان) شانية لئلا يلزم الاخبار عن النكرة بالمعرفة، وقول الراجز: 91 - إن بها أكتل أو رزاما * خوير بين ينقفان الهاما إذ لم يقل (خويربا) كما تقول (زيد أو عمرو لص) ولا تقول لصان، وأجاب الخليل عن هذا بأن (خوير بين) بتقدير (أشتم) لا نعت تابع، وقول النابغة: 92 - قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا * إلى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فالفوه كما ذكرت * ستا وستين لم تنقص ولم تزد (1) [ص 286، 308] ويقويه أنه روى (ونصفه) وقوله: 93 - قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم * ما بين ملجم مهره أو سافع ومن الغريب أن جماعة - منهم ابن مالك - ذكروا مجئ أو بمعنى الواو، ثم ذكروا أنها تجئ بمعنى (ولا) نحو * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) * وهذه هي تلك بعينها، وإنما جاءت (لا) توكيدا للنفي السابق، ومانعة من توهم تعليق النفي بالمجموع، لا بكل واحد، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللفظ وهو الاجماع، ونظيره قولك (لا يحل [لك] الزنا والسرقة) ولو تركت لا في التقدير لم يضر ذلك. وزعم ابن مالك أيضا أن (أو) التي للإباحة حالة محل الواو، وهذا أيضا
(1) في أكثر النسخ (تسعا وتسعين) ولها وجه لا بأس به. 63 مردود، لأنه لو قيل (جالس الحسن وابن سيرين) كان المأمور به مجالستهما [معا] ولم يخرج المأمور عن العهدة بمجالسة أحدهما، هذا هو المعروف من كلام النحويين، ولكن ذكر الزمخشري عند الكلام على قوله تعالى: * (تلك عشرة كاملة) * أن الواو تأتى للإباحة، نحو (جالس الحسن وابن سيرين) وأنه إنما جئ بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الإباحة في * (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) * وقلده في ذلك صاحب الايضاح البياني، ولا تعرف هذه المقالة لنحوي. والسادس: الاضراب كبل، فعن سيبويه إجازة ذلك بشرطين: تقدم نفى أو نهى، وإعادة العامل، نحو (ما قام زيد أو ما قام عمرو) و (لا يقم زيدا أو لا يقم عمرو) ونقله عنه ابن عصفور، ويؤيده أنه قال في * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى، يعنى أنه يصير إضرابا عن النهى الأول ونهيا عن الثاني فقط، وقال الكوفيون وأبو على وأبو الفتح وابن برهان: تأتى للاضراب مطلقا، احتجاجا بقول جرير: 94 - ماذا ترى في عيال قد برمت بهم * لم أحص عدتهم إلا بعداد؟ كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية * لولا رجاؤك قد قتلت أولادي [ص 27] وقراءة أبى السمال * (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) * بسكون واو (أو)، واختلف في * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * فقال الفراء: بل يزيدون، هكذا جاء في التفسير مع صحته في العربية. وقال بعض الكوفيين: بمعنى الواو، وللبصريين فيها أقوال، قيل: للابهام، وقيل: للتخيير، أي إذا رآهم الرائي تخير بين أن يقول هم مائة ألف أو يقول هم أكثر، نقله ابن الشجري عن سيبويه، وفى ثبوته عنه نظر، ولا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما، وقيل: هي للشك
64 مصروفا إلى الرائي، ذكره ابن جنى، وهذه الأقوال - غير القول بأنها بمعنى الواو - مقولة في (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) والسابع: التقسيم، نحو (الكلمة اسم أو فعل أو حرف) ذكره ابن مالك في منظومته [الصغرى] وفى شرح الكبرى، ثم عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال: تأتى للتفريق المجرد من الشك والابهام والتخيير، وأما هذه الثلاثة فإن مع كل منها تفريقا مصحوبا بغيره، ومثل بنحو (إن يكن غنيا أو فقيرا) (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) قال: وهذا أولى من التعبير بالتقسيم، لان استعمال الواو في التقسيم أجود نحو (الكلمة اسم وفعل وحرف) وقوله: 95 - [وننصر مولانا، ونعلم أنه] * كما الناس مجروم عليه وجارم [ص 313 و 358] ومن مجيئه بأو قوله: 96 - فقالوا: لنا ثنتان، لابد منهما * صدور رماح أشرعت أو سلاسل انتهى، ومجئ الواو في التقسيم أكثر لا يقتضى أن (أو) لا تأتى له، بل إثباته الأكثرية للواو يقتضى ثبوته بقلة لأو، وقد صرح بثبوته في البيت الثاني، وليس فيه دليل، لاحتمال أن يكون المعنى لابد من أحدهما، فحذف المضاف كما قيل في (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وغيره عدل عن العبارتين، فعبر بالتفصيل، ومثله بقوله تعالى (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) (وقالوا ساحر أو مجنون) إذ المعنى: وقالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، وقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: مجنون فأو فيهما التفصيل الاجمال في (قالوا) وتعسف ابن الشجري فقال في الآية الأولى: إنها حذف منها مضاف وواو وجملتان
65 فعليتان، وتقديره: وقال بعضهم - يعنى اليهود - كونوا هودا، وقال بعضهم - يعنى النصارى - كونوا نصارى، قال: فأقام (أو نصارى) مقام ذلك كله، وذلك دليل على شرف هذا الحرف، انتهى. والثامن: أن تكون بمعنى (إلا) في الاستثناء، وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولك (لأقتلنه أو يسلم) وقوله: 97 - وكنت إذا غمزت قناة قوم * كسرت كعوبها أو تستقيما وحمل عليه بعض المحققين قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فقدر (تفرضوا) منصوبا بأن مضمرة، لا مجزوما بالعطف على (تمسوهن) لئلا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن في مدة انتفاء أحد هذين الامرين، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى، فكيف يصح نفى الجناح عند انتفاء أحد الامرين؟ ولان المطلقات المفروض لهن قد ذكرن ثانيا بقوله تعالى: (وإن طلقتموهن) الآية، وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم، ولو كان (تفرضوا) مجزوما لكانت الممسوسات والمفروض لهن مستويين في الذكر، وإذا قدرت (أو) بمعنى إلا خرجت المفروض لهن عن مشاركة الممسوسات في الذكر. وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما، بل مدة لم يكن واحد منهما، وذلك بنفيهما جميعا، لأنه نكرة في سياق النفي الصريح، بخلاف الأول، فإنه لا ينفى إلا أحدهما. وأجاب بعضهم عن الثاني بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيين النصف لمن، لا لبيان أن لهن شيئا في الجملة. وقيل: أو بمعنى الواو، ويؤيده قول المفسرين: إنها نزلت في رجل أنصاري طلق امرأته قبل المسيس وقبل الفرض، وفيها قول آخر سيأتي.
66 والتاسع: أن تكون بمعنى (إلى) وهي كالتي قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة، نحو (لألزمنك أو تقضيني حقي) وقوله: 98 - لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى * فما انقادت الآمال إلا لصابر ومن قال في (أو تفرضوا) إنه منصوب جوز هذا المعنى فيه، ويكون غاية لنفى الجناح، لا لنفى المسيس، وقيل: أو بمعنى الواو. والعاشر: التقريب، نحو (ما أدرى أسلم أو ودع) قاله الحريري وغيره. الحادي عشر: الشرطية، نحو (لأضربنه عاش أو مات) أي إن عاش بعد الضرب وإن مات، ومثلة (لآتينك أعطيتني أو حرمتني) قاله ابن الشجري. الثاني عشر: التبعيض، نحو (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) نقله ابن الشجري عن بعض الكوفيين، والذي يظهر لي أنه إنما أراد معنى التفصيل السابق، فإن كل واحد مما قبل (أو) التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرد معنى التبعيض. تنبيه - التحقيق أن (أو) موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء، وهو الذي يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى بل، وإلى معنى الواو، وأما بقية المعاني فمستفادة من غيرها، ومن العجب أنهم ذكروا أن من معاني صيغة افعل التخيير والإباحة، ومثلوه بنحو (خذ من مالي درهما أو دينارا) أو (جالس الحسن أو ابن سيرين) ثم ذكروا أن أو تفيدهما، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك، ومن البين الفساد هذا المعنى العاشر، وأو فيه إنما هي للشك على زعمهم، وإنما استفيد [معنى] التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع، إذ حصول ذلك - مع تباعد ما بين الوقتين - ممتنع أو مستبعد، وينبغي لمن قال إنها تأتى للشرطية أن يقول وللعطف لأنه قدر مكانها وإن، والحق أن الفعل الذي قبلها دال على معنى حرف الشرط
67 كما قدره هذا القائل، وأن أو على بابها، ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف في معنى الشرط. (ألا) بفتح الهمزة والتخفيف - على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون للتنبيه، فتدل على تحقق ما بعدها، وتدخل على الجملتين، نحو (ألا إنهم هم السفهاء) (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم) ويقول المعربون فيها: حرف استفتاح، فيبينون مكانها، ويهملون معناها، وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق، نحو (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى؟) قال الزمخشري: ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم، نحو (ألا إن أولياء الله) وأختها (أما) من مقدمات اليمين وطلائعه كقوله: 99 - أما والذي لا يعلم الغيب غيره * ويحيى العظام البيض وهي رميم وقوله: أما والذي أبكى وأضحك، والذي * أمات وأحيا، والذي أمره الامر [75] والثاني: التوبيخ والانكار (1)، كقوله: 100 - ألا طعان ألا فرسان عادية * إلا تجشؤكم حول التنانير [ص 350] وقوله: 101 - ألا ارعواء لمن ولت شبيبته * وآذنت بمشيب بعده هرم
(1) ظاهر كلامه أن المفيد للتوبيخ والانكار هو (ألا) برمتها، والذي عليه الأئمة أن المفيد لهما هو الهمزة وحدها، وأن (لا) باقية الدلالة على النفي. 68 والثالث: التمني، كقوله: 102 - ألا عمر ولى مستطاع رجوعه * فيرأب ما أثأت يد الغفلات [ص 381] ولهذا نصب (يرأب) لأنه جواب تمن مقرون بالفاء. والرابع: الاستفهام عن النفي، كقوله: ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد * إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي؟ [10] وفى هذا البيت رد على من أنكر وجود هذا القسم، وهو الشلوبين. وهذه الأقسام الثلاثة مختصة بالدخول على الجملة الاسمية، وتعمل عمل (لا) التبرئة، ولكن تختص التي للتمني بأنها لا خبر لها لفظا وتقديرا (1)، وبأنها لا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، وأنها لا يجوز إلغاؤها ولو تكررت، أما الأول فلأنها بمعنى أتمنى، وأتمنى لا خبر له، وأما الآخران فلأنها بمنزلة ليت، وهذا كله قول سيبويه ومن وافقه، وعلى هذا فيكون قوله في البيت (مستطاع رجوعه) مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير، والجملة صفة ثانية على اللفظ، ولا يكون (مستطاع) خبرا أو نعتا على المحل و (رجوعه) مرفوع به عليهما لما بينا (2). والخامس: العرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشئ، لكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث، وتختص ألا هذه بالفعلية، نحو (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) ومنه عند الخليل قوله: 103 - ألا رجلا جزاه الله خيرا * يدل على محصلة تبيت [ص 255 و 600] والتقدير عنده (ألا ترونني رجلا هذه صفته) فحذف الفعل مدلولا عليه بالمعنى، وزعم بعضهم أنه محذوف على شريطة التفسير، أي ألا جزى الله رجلا جزاه خيرا،
(1) في نسخة (لفظا ولا تقديرا). (2) في نسخة (كما بينا). 69 وألا على هذا للتنبيه، وقال يونس: ألا للتمني، ونون اسم (لا) للضرورة، وقول الخليل أولى، لأنه لا ضرورة في إضمار الفعل، بخلاف التنوين، وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره، لأنه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة، وإنما قصده طلبه، وأما قول ابن الحاجب في تضعيف هذا القول (إن يدل صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهي أجنبية) فمردود بقوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد) ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدر مفسرة، إذ لا تكون صفة، لأنها إنشائية. (إلا) - بالكسر والتشديد - على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون للاستثناء، نحو (فشربوا منه إلا قليلا) وانتصاب ما بعدها في هذه الآية ونحوها بها على الصحيح، ونحو (ما فعلوه إلا قليل منهم) وارتفاع ما بعدها في هذه الآية ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين ويبعده أنه لا ضمير معه في نحو (ما جاءني أحد إلا زيد) كما في [نحو] (أكلت الرغيف ثلثه) وأنه مخالف للمبدل منه في النفي والايجاب، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه و (إلا) حرف عطف عند الكوفيين، وهي عندهم بمنزلة (لا) العاطفة في أن ما بعدها مخالف لما قبلها، لكن ذاك منفى بعد إيجاب، وهذا موجب بعد نفى، ورد بقولهم (ما قام إلا زيد) وليس شئ من أحرف العطف يلي العامل، وقد يجاب بأنه ليس تاليها في التقدير، إذ الأصل (ما قام أحد إلا زيد). الثاني: أن تكون بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها، جمع منكر أو شبه. فمثال الجمع المنكر (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فلا يجوز في إلا هذه أن تكون للاستثناء، من جهة المعنى، إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وذلك يقتضى بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا. وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ، لان آلهة جمع منكر في الاثبات فلا عموم له
70 فلا يصح الاستثناء منه، فلو قلت (قام رجال إلا زيدا) لم يصح اتفاقا، وزعم المبرد أن (إلا) في هذه الآية للاستثناء، وأن ما بعدها بدل، محتجا بأن (لو) تدل على الامتناع، وامتناع الشئ انتفاؤه، وزعم أن التفريغ بعدها جائز، وأن نحو (لو كان معنا إلا زيد) أجود كلام، ويرده أنهم لا يقولون (لو جاءني ديار أكرمته) ولا (لو جاءني من أحد أكرمته) ولو كانت بمنزلة الثاني لجاز ذلك كما يجوز (ما فيها ديار) و (ما جاءني من أحد) ولما لم يجز ذلك دل على أن الصواب قول سيبويه إن إلا وما بعدها صفة. قال الشلوبين وابن الصائغ: ولا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير، والتي يراد بها البدل والعوض، قالا: وهذا هو المعنى في المثال الذي ذكره سيبويه توطئة للمسألة، وهو (لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) أي: رجل مكان زيد أو عوضا من زيد، انتهى. قلت: وليس كما قالا، بل الوصف في المثال وفى الآية مختلف، فهو في المثال مخصص مثله في قولك (جاء رجل موصوف بأنه غير زيد) وفى الآية مؤكد مثله في قولك (متعدد موصوف بأنه غير الواحد) وهكذا الحكم أبدا: إن طابق ما بعد إلا موصوفها فالوصف مخصص له، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد، ولم أر من أفصح عن هذا، لكن النحويين قالوا: إذا قيل (له عندي عشرة إلا درهما) فقد أقر له بتسعة، فإن قال (إلا درهم) فقد أقر له بعشرة، وسره أن المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنها غير درهم، وكل عشرة فهي موصوفة بذلك، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للاسقاط مثلها في (نفخة واحدة) (1) وتتخرج الآية على ذلك، إذا المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة لفسدتا، أي أن الفساد يترتب على تقدير تعدد الآلهة، وهذا هو المعنى المراد
(1) في نسخة (مثلها في (نعجة واحدة)) وكلتاهما صحيح. 71 ومثال المعرف الشبيه بالمنكر قوله: 104 - أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الأصوات إلا بغامها [ص 316] فإن تعريف (الأصوات) تعريف الجنس. ومثال شبه الجمع قوله: 105 - لو كان غيري سليمى الدهر غيره * وقع الحوادث إلا الصارم الذكر فإلا الصارم: صفة لغيري. ومقتضى كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه، لتمثيله ب (- لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) وهو لا يجرى (لو) مجرى النفي، كما يقول المبرد. وتفارق إلا هذه غيرا من وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز حذف موصوفها، لا يقال (جاءني إلا زيد) ويقال (جاءني غير زيد) ونظيرها في ذلك الجمل والظروف، فإنها تقع صفات، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها. والثاني: أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء، فيجوز (عندي درهم إلا دانق) لأنه يجوز إلا دانقا، ويمتنع (إلا جيدا)، لأنه يمتنع إلا جيدا، ويجوز (درهم غير جيد) قاله جماعات، وقد يقال. إنه مخالف لقولهم في (لو كان فيهما آلهة إلا الله) الآية، ولمثال سيبويه (لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا) وشرط ابن الحاجب في وقوع إلا صفة تعذر الاستثناء، وجعل من الشاذ قوله: 106 - وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان [ص 568]
72 والوصف هنا مخصص لا مؤكد، كما بينت (1) من القاعدة. والثالث: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى، ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة، وجعلوا منه قوله تعالى: (لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) (لا يخاف لدى المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء) أي ولا الذين ظلموا، ولا من ظلم، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع. والرابع: أن تكون زائدة، قاله الأصمعي وابن جنى، وحملا عليه قوله: 107 - حراجيج ما تنفك إلا مناخة * على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا وابن مالك، [و] حمل عليه قوله: 108 - أرى الدهر إلا منجنونا بأهله * وما صاحب الحاجات إلا معذبا وإنما المحفوظ (وما الدهر) ثم إن صحت روايته فتخرج على أن (أرى) جواب لقسم مقدر، وحذفت (لا) كحذفها في (تالله تفتؤ) ودل على ذلك الاستثناء المفرغ، وأما بيت ذي الرمة فقيل: غلط منه، وقيل: من الرواة، وإن الرواية (آلا) بالتنوين، أي شخصا، وقيل: تنفك تامة بمعنى ما تنفصل عن التعب، أو ما تخلص منه، فنفيها نفى، ومناخة: حال، وقال جماعة كثيرة: هي ناقصة والخبر (على الخسف) و (مناخة) حال، وهذا فاسد، لبقاء الاشكال، إذ لا يقال (جاء زيد إلا راكبا). تنبيه - ليس من أقسام إلا التي في نحو (إلا تنصروه فقد نصره الله) وإنما هذه كلمتان إن الشرطية ولا النافية، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام إلا.
(1) في نسخة (لما بينت من القاعدة). 73 (ألا) بالفتح والتشديد - حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض، فأما قوله: 109 - ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى، فهلا نفس ليلى شفيعها [ص 269 و 307 و 583] فالتقدير: فهلا كان هو، أي الشأن، وقيل: التقدير فهلا شفعت نفس ليلى، لان الاضمار من جنس المذكور أقيس، وشفعيها على هذا خبر لمحذوف، أي هي شفعيها تنبيه - ليس من أقسام (ألا) التي في قوله تعالى: (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على) بل هذه كلمتان أن الناصبة ولا النافية، أو أن المفسرة [أو المخففة من الثقيلة (1)] ولا الناهية، ولا موضع لها على هذا، وعلى الأول فهي بدل من (كتاب) على أنه بمعنى مكتوب، وعلى أن الخبر بمعنى الطلب، بقرينة (وائتوني) ومثلها (ألا يسجدوا) في قراءة التشديد، ولكن أن فيها الناصبة ليس غير، و (لا) فيها محتملة للنفي، فتكون ألا بدلا من (أعمالهم) أو خبرا لمحذوف، أي: أعمالهم ألا يسجدوا، وللزيادة فتكون (ألا) مخفوضة بدل من (السبيل) أو مختلفا فيها: أمخفوضة هي أم منصوبة، وذلك على أن الأصل لئلا واللام متعلقة بيهتدون (إلى) - حرف جر، له ثمانية معان: أحدها: انتهاء الغاية الزمانية، نحو (ثم أتموا الصيام إلى الليل) والمكانية نحو (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وإذا دلت قرينة على دخول ما بعدها نحو (قرأت القرآن من أوله إلى آخره) أو خروجه نحو (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ونحو (فنظرة إلى ميسرة) عمل بها، وإلا فقيل: يدخل إن كان من الجنس، وقيل: يدخل مطلقا، وقيل: لا يدخل مطلقا، وهو الصحيح، لان
(1) سقط ما بين هذين المعقوفين من النسخة التي شرح عليها الدسوقي. 74 الأكثر مع القرينة عدم الدخول، فيجب الحمل عليه عند التردد. والثاني: المعية، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر، وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين في (من أنصاري إلى الله) وقولهم (الذود إلى الذود إبل) والذود: من ثلاثة إلى عشرة [والمعنى إذا جمع القليل إلى مثله صار كثيرا]، ولا يجوز (إلى زيد مال) تريد مع زيد مال. والثالث: التبيين، وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو (رب السجن أحب إلى). والرابع: مرادفة اللام نحو (والامر إليك) وقيل: لانتهاء الغاية، أي منته إليك، ويقولون (أحمد إليك الله سبحانه) أي أنهى حمده إليك. والخامس: موافقة في، ذكره جماعة في قوله: 110 - فلا تتركني بالوعيد كأنني * إلى الناس مطلي به القار أجرب قال ابن مالك: ويمكن أن يكون منه (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) وتأول بعضهم البيت على تعلق إلى بمحذوف، أي مطلي بالقار مضافا إلى الناس فحذف وقلب الكلام، وقال ابن عصفور: هو على تضمين مطلي معنى مبغض، قال: ولو صح مجئ إلى بمعنى في لجاز (زيد إلى الكوفة). والسادس: الابتداء، كقوله: 111 - تقول وقد عاليت بالكور فوقها: * أيسقى فلا يروى إلى ابن أحمرا؟ أي منى. والسابع: موافقة عند، كقوله: 112 - أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره * أشهى إلى من الرحيق السلسل؟
75 والثامن: التوكيد، وهي الزائدة، أثبت ذلك الفراء، مستدلا بقراءة بعضهم (أفئدة من الناس تهوى إليهم) بفتح الواو، وخرجت على تضمين تهوى معنى تميل، أو أن الأصل تهوى بالكسر، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كما يقال في رضى: رضا، وفى ناصية: ناصاة، قاله ابن مالك، وفيه نظر، لان شرط هذه اللغة تحرك الياء في الأصل. (أي) بالكسر والسكون - حرف جواب بمعنى نعم، فيكون لتصديق المخبر ولاعلام المستخبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد (قام زيد) و (هل قام زيد) و (اضرب زيدا) ونحوهن، كما تقع نعم بعدهن، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام نحو (ويستنبؤنك أحق هو، قل أي وربى إنه لحق) ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم، وإذا قيل (أي والله) ثم أسقطت الواو، جاز سكون الياء وفتحها وحذفها، وعلى الأول فيلتقي ساكنان على غير حدهما. (أي) بالفتح والسكون - على وجهين: حرف لنداء البعيد أو القريب أو المتوسط، على خلاف في ذلك، قال الشاعر: 113 - ألم تسمعي أي عبد في رونق الضحى * بكاء حمامات لهن هدير وفي الحديث (أي رب) وقد تمد ألفها. وحرف تفسير، تقول (عندي عسجد أي ذهب) و (غضنفر أي أسد) وما بعدها عطف بيان على ما قبلها، أو بدل، لا عطف نسق، خلافا للكوفيين وصاحبي المستوفى والمفتاح، لأنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دائما، ولا عاطفا ملازما لعطف الشئ على مرادفه، وتقع تفسيرا للجمل أيضا، كقوله: 114 - وترمينني بالطرف، أي أنت مذنب * وتقلينني، لكن إياك لا أقلى [ص 400 و 413]
76 وإذا وقعت بعد تقول وقبل فعل مسند للضمير حكى الضمير، نحو (تقول استكتمته الحديث أي سألته كتمانه) يقال ذلك بضم التاء، ولو جئت بإذا مكان أي فتحت التاء فقلت (إذا سألته) لان إذا ظرف لتقول، وقد نظم ذلك بعضهم فقال: 115 - إذا كنيت بأي فعلا تفسره * فضم تاءك فيه ضم معترف وإن تكن بإذا يوما تفسره * ففتحة التاء أمر غير مختلف (أي) بفتح الهمزة وتشديد الياء - اسم يأتي على خمسة أوجه: شرطا، نحو (أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى) (أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على). واستفهاما، نحو (أيكم زادته هذه إيمانا) (فبأي حديث بعده يؤمنون) وقد تخفف كقوله: 116 - تنظرت نصرا والسماكين أيهما * على من الغيث استهلت مواطره وموصولا، نحو (لننزعن من كل شيعة أيهم أشد) التقدير: لننزعن الذي هو أشد، قاله سيبويه، وخالفه الكوفيون وجماعة من البصريين، لانهم يرون أن أيا الموصولة معربة دائما كالشرطية والاستفهامية، قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟ وقال الجرمي: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول (لأضربن أيهم قائم) بالضم، اه. وزعم هؤلاء أنها في الآية استفهامية، وأنها مبتدأ، وأشد خبر، ثم اختلفوا في مفعول ننزع، فقال الخليل: محذوف، والتقدير: لننزعن الفريق الذي (1) يقال فيهم أيهم أشد، وقال يونس: هو الجملة، وعلقت ننزع عن العمل كما في (لنعلم أي الحزبين أحصى) وقال الكسائي
(1) في نسخة (لننزعن الذين يقال فيهم) وما أثبتناه أدق. 77 والأخفش: كل شيعة، ومن زائدة، وجملة الاستفهام مستأنفة، وذلك على قولهما في جواز زيادة من في الايجاب. ويرد أقوالهم أن التعليق مختص بأفعال القلوب، وأنه لا يجوز (لأضربن الفاسق) بالرفع بتقدير الذي يقال فيه هو الفاسق، وأنه لم يثبت زيادة من في الايجاب، وقول الشاعر: 117 - إذا ما لقيت بنى مالك * فسلم على أيهم أفضل [ص 409 و 552] يروى بضم أي، وحروف الجر لا تعلق، ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته، ولا يستأنف ما بعد الجار. وجوز الزمخشري وجماعة كونها موصولة مع أن الضمة إعراب، فقدروا متعلق النزع من كل شيعة، وكأنه قيل: لننزعن بعض كل شيعة، ثم قدر أنه سئل: من هذا البعض؟ فقيل: هو الذي هو أشد، ثم حذف المبتدآن المكتنفان للموصول، وفيه تعسف ظاهر، ولا أعلمهم استعملوا أيا الموصولة مبتدأ، وسيأتي ذلك عن ثعلب. وزعم ابن الطراوة أن أيا مقطوعة عن الإضافة، فلذلك بنيت، وأن (هم أشد) مبتدأ وخبر، وهذا باطل برسم الضمير متصلا بأي، والاجماع على أنها إذا لم تضف كانت معربة. وزعم ثعلب أن أيا لا تكون موصولة أصلا، وقال: لم يسمع (أيهم هو فاضل جاءني) بتقدير الذي هو فاضل جاءني. والرابع: أن تكون دالة على معنى الكمال، فتقع صفة للنكرة نحو (زيد رجل أي رجل) أي كامل في صفات الرجال، وحالا للمعرفة كمررت بعبد الله أي رجل. والخامس: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل، نحو (يا أيها الرجل) وزعم الأخفش أن أيا لا تكون وصلة، وأن أيا هذه هي الموصولة (1) حذف صدر صلتها وهو العائد، والمعنى يا من هو الرجل، ورد بأنه ليس لنا عائد يجب حذفه،
(1) في نسخة (وأن أيا هذه موصولة). 78 ولا موصول التزم كون صلته جملة اسمية، وله أن يجيب عنهما بأن (ما) في قولهم (لا سيما زيد) بالرفع كذلك. وزاد قسما، وهو: أن تكون نكرة موصوفة نحو (مررت بأي معجب لك) كما يقال: بمن معجب لك، وهذا غير مسموع. ولا تكون (أي) غير مذكور معها مضاف إليه البتة إلا في النداء والحكاية، يقال (جاءني رجل) فتقول: أي يا هذا، وجاءني رجلان، فتقول: أيان، وجاءني رجال، فتقول: أيون. تنبيه - قول أبى الطيب: 118 - أي يوم سررتني بوصال * لم ترعني ثلاثة بصدود (1)؟ [ص 514] ليست فيه أي موصولة، لان الموصولة لا تضاف إلا إلى المعرفة، قال أبو على في التذكرة في قوله: 119 - أرأيت أي سوالف وخدود * برزت لنا بين اللوى فزرود؟ لا تكون أي فيه موصولة، لاضافتها إلى نكرة، انتهى. ولا شرطية، لان المعنى حينئذ: إن سررتني يوما بوصالك آمنتني ثلاثة أيام من صدودك، وهذا عكس المعنى المراد، وإنما هي للاستفهام الذي يراد به النفي، كقولك لمن ادعى أنه أكرمك: أي يوم أكرمتني؟ والمعنى ما سررتني يوما بوصالك إلا روعتني (1) ثلاثة بصدودك، والجملة الأولى مستأنفة قدم ظرفها، لان له الصدر، والثانية إما في موضع جر صفة لوصال على حذف العائد: أي لم ترعني بعده، كما حذف في قوله تعالى: (واتقوا يوما لا تجزى نفس) الآية، أو نصب حالا من فاعل سررتني أو مفعوله، والمعنى: أي يوم سررتني غير رائع لي أو غير مروع منك، وهي حال مقدرة مثلها في (طبتم فادخلوها خالدين) أو لا محل لها على أن تكون معطوفة على الأولى بفاء محذوفة كما قيل في (وإذا قال
(1) في نسخة (إلا وروعتني) بزيادة واو الحال بعد إلا، والفصيح تركها. 79 موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزوا؟ قال أعوذ بالله) وكذا في بقية الآية، وفيه بعد، والمحققون في الآية على أن الجمل مستأنفة، بتقدير: فما قالوا له؟ فما قال لهم؟ ومن روى (ثلاثة) بالرفع لم يجز عنده كون الحال من فاعل سررتني، لخلو (ترعني) من ضمير ذي الحال، (إذ) على أربعة أوجه: أحدها: أن تكون اسما للزمن الماضي، ولها أربعة استعمالات. أحدها: أن تكون ظرفا، وهو الغالب، نحو (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا). والثاني: أن تكون مفعولا به، نحو (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) والغالب على المذكورة في أوائل القصص في التنزيل أن تكون مفعولا به، بتقدير (أذكر) نحو (وإذ قال ربك للملائكة) (وإذ قلنا للملائكة) (وإذ فرقنا بكم البحر) وبعض المعربين يقول في ذلك: إنه ظرف لا ذكر محذوفا، وهذا وهم فاحش، لاقتضائه حينئذ الامر بالذكر في ذلك الوقت، مع أن الامر للاستقبال، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منا، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه لا الذكر فيه. والثالث: أن تكون بدلا من المفعول، نحو (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) فإذ: بدل اشتمال من مريم على حد البدل في (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه). وقوله تعالى: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء) يحتمل كون إذ فيه ظرفا للنعمة وكونها بدلا منها. والرابع: أن يكون مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه نحو (يومئذ، وحينئذ) أو غير صالح له نحو قوله تعالى: (بعد إذ هديتنا) وزعم الجمهور أن إذ لا تقع إلا ظرفا أو مضافا إليها، وأنها في نحو (واذكروا إذ كنتم قليلا) ظرف لمفعول محذوف، أي: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم
80 قليلا، وفى نحو (إذ انتبذت) ظرف لمضاف إلى مفعول محذوف، أي: واذكر قصة مريم، ويؤيد هذا القول التصريح بالمفعول في (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء). ومن الغريب أن الزمخشري قال في قراءة بعضهم (لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا): إنه يجوز أن يكون التقدير منه إذ بعث، وأن تكون إذ في محل رفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما، أي لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه، انتهى، فمقتضى هذا الوجه أن إذ مبتدأ، ولا نعلم بذلك قائلا، ثم تنظيره بالمثال غير مناسب، لان الكلام في إذ لا في إذا، وكان حقه أن يقول إذ كان، لانهم يقدرون في هذا المثال ونحوه إذ تارة وإذا أخرى، بحسب المعنى المراد، ثم ظاهره أن المثال يتكلم [به] هكذا، والمشهور أن حذف الخبر في ذلك واجب، وكذلك المشهور أن إذا المقدرة في المثال في موضع نصب، ولكن جوز عبد القاهر كونها في موضع رفع، تمسكا بقول بعضهم: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة، بالرفع، فقاس الزمخشري إذ على إذا، والمبتدأ على الخبر. والوجه الثاني: أن تكون اسما للزمن المستقبل، نحو (يومئذ تحدث أخبارها) والجمهور لا يثبتون هذا القسم، ويجعلون الآية من باب (ونفخ في الصور) أعنى من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع، وقد يحتج لغيرهم بقوله تعالى: (فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم) فإن (يعلمون) مستقبل لفظا ومعنى، لدخول حرف التنفيس عليه، وقد أعمل في إذ، فيلزم أن يكون بمنزلة إذا. والثالث: أن تكون للتعليل، نحو (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) أي: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، لأجل
81 ظلمكم في الدنيا، وهل هذه حرف بمنزلة لام العلة أو ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ، فإنه إذا قيل: ضربته إذ أساء، وأريد [بإذ] الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب؟ قولان، وإنما يرتفع السؤال على القول الأول، فإنه لو قيل: (لن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك في العذاب) لم يكن التعليل مستفادا، لاختلاف زمني الفعلين، ويبقى إشكال في الآية، وهو أن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين، ولا تكون ظرفا لينفع، لأنه لا يعمل في ظرفين، ولا لمشتركون، لان معمول خبر الأحرف الخمسة لا يتقدم عليها ولان معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، ولان اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم. ومما حملوه على التعليل (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم) (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف) وقوله: 120 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر [ص 363 و 517 و 600] وقول الأعشى: 121 - إن محلا وإن مرتحلا * وإن في السفر إذ مضوا مهلا [ص 239 و 609 و 631] أي إن لنا حلولا في الدنيا وإن لنا ارتحالا عنها إلى الآخرة، وإن في الجماعة الذين ماتوا قبلنا إمهالا لنا، لانهم مضوا قبلنا وبقينا بعدهم، وإنما يصح ذلك كله على القول بأن إذ التعليلية حرف كما قدمنا. والجمهور لا يثبتون هذا القسم، وقال أبو الفتح: راجعت أبا على مرارا في قوله تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) الآية، مستشكلا إبدال إذ من اليوم، فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان، وأنهما في حكم الله تعالى سواء، فكأن اليوم ماض، أو كأن إذ مستقبلة انتهى.
82 وقيل: المعنى إذ ثبت ظلمكم. وقيل: التقدير بعد إذ ظلمتم، وعليهما أيضا فإذ بدل من اليوم، وليس هذا التقدير مخالفا لما قلناه في (بعد إذ هديتنا)، لان المدعى هناك أنها لا يستغنى عن معناها كما يجوز الاستغناء عن يوم في يومئذ، لأنها لا تحذف الدليل، وإذا لم تقدر إذ تعليلا فيجوز أن تكون أن وصلتها تعليلا، والفاعل مستتر راجع إلى قولهم (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) أو إلى القرين، ويشهد لهما قراءة بعضهم (إنكم) بالكسر على الاستئناف. والرابع: أن تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد بينا أو بينما كقوله: 122 - استقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير وهل هي ظرف مكان أو زمان، أو حرف بمعنى المفاجأة، أو حرف توكيد، أي زائد؟ أقوال، وعلى القول بالظرفية فقال ابن جنى: عاملها الفعل الذي بعدها، لأنها غير مضافة إليه، وعامل (بينا وبينما) محذوف يفسره الفعل المذكور، وقال الشلوبين: إذ مضافة إلى الجملة، فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما، لان المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله، وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام، وإذ بدل منهما، وقيل: العامل ما يلي بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تالي اسم الشرط فيه، وقيل: بين خبر لمحذوف، وتقدير قولك (بينما أنا قائم إذ جاء زيد) بين أوقات قيامي مجئ زيد، ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بجاء زيد، وقيل: مبتدأ، وإذ خبره، والمعنى حين أنا قائم حين جاء زيد. وذكر لاذ معنيان آخران، أحدهما: التوكيد، وذلك بأن تحمل على الزيادة، قاله أبو عبيدة، وتبعه ابن قتيبة، وحملا عليه آيات منها (وإذ قال ربك للملائكة) والثاني: التحقيق كقد، وحملت عليه الآية، وليس القولان بشئ، واختار ابن الشجري أنها تقع زائدة بعد بينا وبينما خاصة، قال: لأنك إذا قلت (بينما أنا
83 جالس إذ جاء زيد) فقدرتها غير زائدة أعملت فيها الخبر، وهي مضافة إلى جملة جاء زيد، وهذا الفعل هو الناصب لبين، فيعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف، اه. وقد مضى كلام النحويين في توجيه ذلك، وعلى القول بالتحقيق في الآية، فالجملة معترضة بين الفعل والفاعل. مسألة - تلزم إذ الإضافة إلى جملة، إما اسمية نحو (واذكروا إذ أنتم قليل) أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى نحو (وإذ قال ربك للملائكة) (وإذ ابتلى إبراهيم ربه) (وإذ غدوت من أهلك) أو فعلية فعلها ماض معنى لا لفظا نحو (وإذ يرفع إبراهيم القواعد) (وإذ يمكر بك الذين كفروا) (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) الأولى ظرف لنصره، والثانية بدل منها، والثالثة قيل بدل ثان وقيل ظرف لثاني اثنين، وفيهما وفى إبدال الثانية نظر، لان الزمن الثاني والثالث غير الأول فكيف يبدلان منه؟ ثم لا يعرف أن البدل يتكرر إلا في بدل الاضراب، وهو ضعيف لا يحمل عليه التنزيل، ومعنى (ثاني اثنين) واحد من اثنين، فكيف يعمل في الظرف وليس فيه معنى فعل؟ وقد يجاب بأن تقارب الأزمنة ينزلها منزلة المتحدة، أشار إلى ذلك أبو الفتح في المحتسب، والظرف يتعلق بوهم الفعل وأيسر روائحه. وقد يحذف أحد شطرى الجملة فيظن من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد كقوله: 123 - هل ترجعن ليال قد مضين لنا * والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا؟ والتقدير: إذ ذاك كذلك، وقال الأخطل: 124 - كانت منازل ألاف عهدتهم * إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانا
84 ألاف - بضم الهمزة - جمع آلف بالمد مثل كافر وكفار، ونحن وذاك مبتدآن حذف خبراهما، والتقدير: عهدتهم إخوانا إذ نحن متآلفون، إذ ذاك كائن، ولا تكون إذ الثانية خبرا عن نحن، لأنه زمان ونحن اسم عين، بل هي ظرف للخبر المقدر، وإذ الأولى ظرف لعهدتهم، ودون: إما ظرف له أو للخبر المقدر أو لحال من إخوانا محذوفة، أي متصافين دون الناس، ولا يمنع ذلك تنكير صاحب الحال، لتأخره، فهو كقوله: 125 - لمية موحشا طلل * [يلوح كأنه خلل [ص 436 و 659] ولا كونه اسم عين، لان دون ظرف مكان لا زمان، والمشار إليه بذلك التجاوز المفهوم من الكلام. وقالت الخنساء: 126 - كأن لم يكونوا حمى يتقى * إذ الناس إذ ذاك من عزيز إذ الأولى ظرف ليتقى، أو لحمي، أو ليكونوا إن قلنا إن لكان الناقصة مصدرا، والثانية ظرف لبز، ومن: مبتدأ موصول لا شرط، لان بز عامل في إذ الثانية، ولا يعمل ما في حيز الشرط فيما قبله عند البصريين وبز: خبر من، والجملة خبر الناس، والعائد محذوف، أي من عز منهم، كقولهم (السمن منوان بدرهم) ولا تكون إذ الأولى ظرفا لبز، لأنه جزء الجملة التي أضيفت إذ الأولى إليها، ولا يعمل شئ من المضاف إليه في المضاف، ولا إذ الثانية بدلا من الأولى، لأنها إنما تكمل بما أضيفت إليه، ولا يتبع اسم حتى يكمل، ولا [تكون] خبرا عن الناس، لأنها زمان والناس اسم عين، وذاك: مبتدأ محذوف الخبر، أي كائن، وعلى ذلك فقس. وقد تحذف الجملة كلها للعلم، ويعوض عنها التنوين، وتكسر الذال لالتقاء. الساكنين، نحو (ويومئذ يفرح المؤمنون) وزعم الأخفش أن إذ في ذلك معربة
85 لزوال افتقارها إلى الجملة، وإن الكسرة إعراب، لان اليوم مضاف إليها، رد بأن بناءها لوضعها على حرفين، وبأن الافتقار باق في المعنى كالموصول تحذف صلته لدليل، قال: 127 - نحن الأولى فاجمع جمو * عك ثم وجههم إلينا [ص 625] أي نحن الأولى عرفوا، وبأن العوض ينزل منزلة المعوض عنه، فكأن المضاف إليه مذكور، وبقوله: 128 - نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذ صحيح فأجاب عن هذا بأن الأصل حينئذ، ثم حذف المضاف وبقى الجر كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) أي ثواب الآخرة. تنبيه - أضيفت (إذ) إلى الجملة الاسمية، فاحتملت الظرفية والتعليلية في قول المتنبي: 129 - أمن ازديارك في الدجى الرقباء * إذ حيث كنت من الظلام ضياء وشرحه: أن أمن فعل ماض، فهو مفتوح الآخر، لا مكسوره على أنه حرف جر كما توهم شخص ادعى الأدب في زماننا وأصر على ذلك، والازديار أبلغ من الزيارة كما أن الاكتساب أبلغ من الكسب، لان الافتعال للتصرف، والدال بدل عن التاء، وفى: متعلقة به، لا بأمن، لان المعنى أنهم أمنوا دائما أن تزوري في الدجى، وإذ: إما تعليل أو ظرف مبدل من محل في الدجى، وضياء: مبتدأ خبره حيث، وابتدئ بالنكرة لتقدم خبرها عليها ظرفا، ولأنها موصوفة في المعنى، لان من الظلام صفة لها في الأصل، فلما قدمت عليها صارت حالا منها، ومن للبدل، وهي متعلقة بمحذوف، وكان تامة، وهي وفاعلها خفض بإضافة حيث، والمعنى: إذ الضياء حاصل في كل موضع حصلت فيه بدلا من الظلام
86 (إذ ما): أداة شرط تجزم فعلين، وهي حرف عند سيبويه بمنزلة إن الشرطية، وظرف عند المبرد وابن السراج والفارسي، وعملها الجزم قليل، لا ضرورة، خلافا لبعضهم. (إذا) على وجهين: أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجمل الاسمية، ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال، نحو (خرجت فإذا الأسد بالباب) ومنه (فإذا هي حية تسعى) (إذا لهم مكر). وهي حرف عند الأخفش، ويرجحه قولهم (خرجت فإذا إن زيدا بالباب) بكسر إن، لان إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وظرف مكان عند المبرد، وظرف زمان عند الزجاج، واختار الأول ابن مالك، والثاني ابن عصفور، والثالث الزمخشري، وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة، قال في قوله تعالى: (ثم إذا دعاكم دعوة) الآية: إن التقدير إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت، ولا يعرف هذا لغيره، وإنما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو (خرجت فإذا زيد جالس) أو المقدر في نحو (فإذا الأسد) أي حاضر، وإذا قدرت أنها الخبر فعاملها مستقر أو استقر. ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحا به نحو (فإذا هي حية تسعى) (فإذا هي شاخصة) (فإذا هم خامدون) (فإذا هي بيضاء) (فإذا هم بالساهرة). وإذا قيل (خرجت فإذا الأسد) صح كونها عند المبرد خبرا، أي فبالحضرة الأسد، ولم يصح عند الزجاج، لان الزمان لا يخبر به عن الجثة، ولا عند الأخفش لان الحرف لا يخبر به ولا عنه، فإن قلت (فإذا القتال) صحت خبريتها عند غير الأخفش. وتقول (خرجت فإذا زيد جالس) أو (جالسا) فالرفع على الخبرية، وإذا
87 نصب به، والنصب على الحالية والخبر إذا إن قيل بأنها مكان، وإلا فهو محذوف. نعم يجوز أن تقدرها خبرا عن الجثة مع قولنا إنها زمان إذا قدرت حذف مضاف كأن تقدر في نحو (خرجت فإذا الأسد) فإذا حضور الأسد. مسألة - قالت العرب (قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي) وقالوا أيضا (فإذا هو إياها) وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لما سأله الكسائي، وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة، فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما، فجعل لذلك يوما، فلما حضر سيبويه تقدم إليه الفراء وخلف، فسأله خلف عن مسألة فأجاب فيها، فقال له: أخطأت، ثم سأله ثانية وثالثة، وهو يجيبه، ويقول له: أخطأت، فقال [له سيبويه]: هذا سوء أدب، فأقبل عليه الفراء فقال له: إن في هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال (هؤلاء أبون ومررت بأبين) كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت، فأجابه، فقال: أعد النظر، فقال: لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، فحضر الكسائي فقال له [الكسائي]: تسألني أو أسألك؟ فقال له سيبويه: سل أنت، فسأله عن هذا المثال فقال سيبويه (فإذا هو هي) ولا يجوز النصب، وسأله عن أمثال ذلك نحو (خرجت فإذا عبد الله القائم، أو القائم) فقال له: كل ذلك بالرفع، فقال الكسائي: العرب ترفع كل ذلك وتنصب، فقال يحيى: قد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك، قد سمع منهم أهل البلدين، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: أنصفت، فأحضروا، فوافقوا الكسائي، فاستكان سيبويه، فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم، فخرج إلى فارس، فأقام بها حتى مات، ولم يعد إلى البصرة، فيقال: إن العرب قد أرشوا على ذلك، أو إنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد، ويقال: إنهم قالوا: القول قول الكسائي، ولم ينطقوا بالنصب، وإن سيبويه قال ليحيى: مرهم أن ينطقوا بذلك، فإن ألسنتهم
88 لا تطوع به، ولقد أحسن الامام الأديب أبو الحسن حازم بن محمد الأنصاري [القرطاجني] إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة: والعرب قد تحذف الاخبار بعد إذا * إذا عنت فجأة الامر الذي دهما وربما نصبوا للحال بعد إذا * وربما رفعوا من بعدها، ربما فإن توالى ضميران اكتسى بهما * وجه الحقيقة من إشكاله غمما لذاك أعيت على الافهام مسألة * أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما قد كانت العقرب العوجاء أحسبها * قدما أشد من الزنبور وقع حما وفى الجواب عليها هل (إذا هو هي) * أو هل (إذا هو إياها) قد اختصما وخطأ ابن زياد وابن حمزة في * ما قال فيها أبا بشر، وقد ظلما وغاظ عمرا على في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما كغيظ عمرو عليا في حكومته * يا ليته لم يكن في أمره حكما وفجع ابن زياد كل منتخب * من أهله إذ غدا منه يفيض دما
89 كفجعة ابن زياد كل منتخب * من أهله إذا غدا منه يفيض دما وأصبحت بعده الأنقاس باكية * في كل طرس كدمع سح وانسجما وليس يخلو امرؤ من حاسد أضم * لولا التنافس في الدنيا لما أضما والغبن في العلم أشجى محنة علمت * وأبرح الناس شجوا عالم هضما وقوله (وربما نصبوا - إلخ) أي وربما نصبوا على الحال بعد أن رفعوا ما بعد إذا على الابتداء، فيقولون (فإذا زيد جالسا). وقوله (ربما) في آخر البيت بالتخفيف توكيد لربما في أوله بالتشديد. وغمما في آخر البيت الثالث بفتح الغين كناية عن الاشكال والخفاء، وغمما في آخر البيت الرابع بضمها جمع غمة. وابن زياد: هو الفراء، واسمه يحيى، وابن حمزة هو الكسائي، واسمه على، وأبو بشر: سيبويه، واسمه عمرو، وألف (ظلما) للتثنية إن بنيته للفاعل، وللاطلاق إن بنيته للمفعول، وعمرو وعلى الأولان: سيبويه والكسائي، والآخران: ابن العاص وابن أبي طالب رضي الله عنهما، وحكما الأول اسم، والثاني فعل، أو بالعكس دفعا للايطاء، وزياد الأول: والد الفراء، والثاني زياد بن أبيه، وابنه المشار إليه هو ابن مرجانة المرسل في قتلة الحسين رضي الله عنه، وأضم كغضب وزنا ومعنى، وإعجام الضاد، والوصف منه أضم كفرح، وهضم: مبنى للمفعول، أي لم يوف حقه. وأما سؤال الفراء فجوابه أن أبون جمع أب، وأب فعل بفتحتين، وأصله أبو،
90 فإذا بنينا مثله من أوى أو من وأي قلنا أوى كهوى، أو قلنا وأي كهوى أيضا، ثم تجمعه بالواو والنون فتحذف الألف كما تحذف ألف مصطفى، وتبقى الفتحة دليلا عليها فتقول: أوون أو وأون رفعا، وأوين أو وأين جرا ونصبا، كما تقول في جمع عصا وقفا اسم رجل عصون وقفون وعصين وقفين، وليس هذا مما يخفى على سيبويه ولا على أصاغر الطلبة، ولكنه كما قال أبو عثمان المازني: دخلت بغداد فألقيت على مسائل فكنت أجيب فيها على مذهبي، ويخطئونني على مذاهبهم، اه وهكذا اتفق لسيبويه رحمه الله تعالى. وأما سؤال الكسائي فجوابه ما قاله سيبويه، وهو (فإذا هو هي) هذا هو وجه الكلام، مثل (فإذا هي بيضاء) (فإذا هي حية) وأما (فإذا هو إياها) إن ثبت فخارج عن القياس واستعمال الفحصاء، كالجزم بلن والنصب بلم والجر بلعل وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك، وإن تكلم بعض العرب به. وقد ذكر في توجيهه أمور: أحدها لأبي بكر بن الخياط، وهو أن (إذا) ظرف فيه معنى وجدت ورأيت، فجاز له أن ينصب المفعول [كما ينصبه وجدت ورأيت]، وهو مع ذلك ظرف مخبر به (1) عن الاسم بعده، انتهى. وهذا خطأ، لان المعاني لا تنصب المفاعيل الصحيحة، وإنما تعمل في الظروف والأحوال، ولأنها تحتاج على زعمه إلى فاعل وإلى مفعول آخر، فكان حقها أن تنصب ما يليها. والثاني: أن ضمير النصب استعير في مكان ضمير الرفع، قاله ابن مالك، ويشهد له قراءة الحسن (إياك تعبد) ببناء الفعل للمفعول، ولكنه لا يتأتى فيما أجازوه من قولك (فإذا زيد القائم) بالنصب، فينبغي أن يوجه هذا على أنه نعت مقطوع، أو حال على زيادة أل، وليس ذلك مما ينقاس، ومن جوز تعريف الحال أو زعم أن
(1) في نسخة (يخبر به). 91 إذا تعمل عمل وجدت، وأنها رفعت عبد الله بناء على أن الظرف يعمل وإن لم يعتمد، فقد أخطأ، لان وجد ينصب الاسمين، ولان مجئ الحال بلفظ المعرفة قليل، وهو قابل للتأويل. والثالث: أنه مفعول به، والأصل فإذا هو يساويها، أو فإذا هو يشابهها، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، وهذا الوجه لابن مالك أيضا، ونظيره قراءة على رضي الله عنه (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) بالنصب أي نوجد عصبة أو نرى عصبة، وأما قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم) إذا قيل: إن التقدير يقولون ما نعبدهم، فإنما حسنه أن إضمار القول مستسهل عندهم. والرابع: أنه مفعول مطلق، والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ثم حذف الفعل كما تقول (ما زيد إلا شرب الإبل) ثم حذف المضاف، نقله الشلوبين في حواشي المفصل عن الأعلم، وقال: هو أشبه ما وجه به النصب. الخامس: أنه منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف، والأصل: فإذا هو ثابت مثلها ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وانتصب في اللفظ على الحال على سبيل النيابة، كما قالوا (قضية ولا أبا حسن لها) على إضمار مثل، قاله ابن الحاجب في أماليه، وهو وجه غريب، أعنى انتصاب الضمير على الحال، وهو مبنى على إجازة الخليل (له صوت صوت الحمار) بالرفع صفة لصوت، بتقدير مثل، وأما سيبويه فقال: هذا قبيح ضعيف، وممن قال بالجواز ابن مالك، قال: إذا كان المضاف إلى معرفة كلمة (مثل) جاز أن تخلفها المعرفة في التنكير، فتقول (مررت برجل زهير) بالخفض صفة للنكرة، و (هذا زيد زهيرا) بالنصب على الحال، ومنه قولهم (تفرقوا أيادي سبا) و (أيدي سبا) وإنما سكنت الياء مع أنهما منصوبان لثقلهما بالتركيب والاعلال كما في معد يكرب وقال قلا. والثاني من وجهي إذا: أن تكون لغير مفاجأة، فالغالب أن تكون ظرفا
92 للمستقبل مضمنة معنى الشرط، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية، عكس الفجائية، وقد اجتمعا في قوله تعالى (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) وقوله تعالى: (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون) ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا، ومضارعا دون ذلك، وقد اجتمعا في قول أبى ذؤيب: 130 - والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع وإنما دخلت الشرطية على الاسم في نحو (إذا السماء انشقت) لأنه فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير، لا مبتدأ خلافا للأخفش، وأما قوله: 131 - إذا باهلي تحته حنظلية * له ولد منها فذاك المذرع فالتقدير: إذا كان باهلي، وقيل: حنظلية فاعل باستقر محذوفا، وباهلي: فاعل بمحذوف يفسره العامل في حنظلية، ويرده أن فيه حذف المفسر ومفسره جميعا، ويسهله أن الظرف يدل على المفسر، فكأنه لم يحذف. ولا تعمل إذا الجزم إلا في ضرورة كقوله: 132 - استغن ما أغناك ربك بالغنى * وإذا تصبك خصاصة فتجمل (1) [ص 96 و 698] قيل: وقد تخرج عن كل من الظرفية، والاستقبال، ومعنى الشرط، وفى كل من هذه فصل.
(1) يروى (فتجمل) بالجيم، وبالحاء المهملة، وسينشده المؤلف مرة أخرى قريبا (ص 96) 93 الفصل الأول في خروجها عن الظرفية زعم أبو الحسن في (حتى إذا جاءوها) أن إذا جر بحتى، وزعم أبو الفتح في (إذا وقعت الواقعة) الآية فيمن نصب (خافضة رافعة) أن إذا الأولى مبتدأ، والثانية خبر، والمنصوبين حالان، وكذا جملة (ليس) ومعموليها، والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رج الأرض، وقال قوم في (أخطب ما يكون الأمير قائما): إن الأصل أخطب أوقات أكوان الأمير إذا كان قائما، أي وقت قيامه، ثم حذفت الأوقات ونابت ما المصدرية عنها، ثم حذف الخبر المرفوع، وهو إذا، وتبعها كان التامة وفاعلها في الحذف، ثم نابت الحال عن الخبر، ولو كانت (إذا) على هذا التقدير في موضع نصب لاستحال المعنى كما يستحيل إذا قلت (أخطب أوقات أكوان الأمير يوم الجمعة) إذا نصبت اليوم، لان الزمان لا يكون محلا للزمان. وقالوا في قول الحماسي: 133 - وبعد غد يا لهف قلبي من غد * إذا راح أصحابي ولست برائح إن إذا في موضع جر بدلا من غد. وزعم ابن مالك أنها وقعت مفعولا في قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت على غضبى). والجمهور على أن (إذا) لا تخرج عن الظرفية، وأن حتى في نحو (حتى إذا جاءوها) حرف ابتداء دخل على الجملة بأسرها، ولا عمل له، وأما (إذا وقعت الواقعة) فإذا الثانية بدل من الأولى، والأولى ظرف، وجوابها محذوف لفهم المعنى، وحسنه طول الكلام، وتقديره بعد إذا الثانية، أي انقسمتم أقساما (1)،
(1) في نسخة (انقسمتم انقساما) وما أثبتناه أدق. 94 وكنتم أزواجا ثلاثة، وأما (إذا) في البيت فظرف للهف، وأما التي في المثال ففي موضع نصب، لأنا لا نقدر زمانا مضافا إلى ما يكون، إذ لا موجب لهذا التقدير، وأما الحديث فإذا ظرف لمحذوف، وهو معمول (1) أعلم، وتقديره شأنك ونحوه، كما تعلق إذ بالحديث في (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه). الفصل الثاني في خروجها عن الاستقبال وذلك على وجهين: أحدهما: أن تجئ للماضي كما تجئ (2) إذ للمستقبل في قول بعضهم، وذلك كقوله تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا) (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) وقوله: 134 - وندمان يزيد الكأس طيبا * سقيت إذا تغورت النجوم والثاني: أن تجئ للحال، وذلك بعد القسم، نحو (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) قيل: لأنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل القسم، لأنه إنشاء لا إخبار عن قسم يأتي، لان قسم الله سبحانه قديم، ولا لكون محذوف هو حال من والليل والنجم، لان الحال والاستقبال متنافيان، وإذا بطل هذان الوجهان تعين أنه ظرف لأحدهما على أن المراد به الحال، اه. والصحيح أنه لا يصح التعليق بأقسم الانشائي، لان القديم لا زمان له، لا حال ولا غيره، بل هو سابق على الزمان، وأنه لا يمتنع التعليق بكائنا مع بقاء إذا على الاستقبال، بدليل صحة مجئ الحال المقدرة باتفاق، ك (مررت برجل معه
(1) في النسخة (وهو مفعول أعلم) (2) في نسخة (كما جاءت). 95 صقر صائدا به غدا) أي مقدرا الصيد به غدا، كذا يقدرون، وأوضح منه أن يقال: مريدا به الصيد غدا، كما فسر قمتم في (إذا قمتم إلى الصلاة) بأردتم. مسألة - في ناصب إذا مذهبان، أحدهما: أنه شرطها، وهو قول المحققين، فتكون بمنزلة متى وحيثما وأيان، وقول أبى البقاء إنه مردود بأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف غير وارد، لان إذا عند هؤلاء غير مضافة، كما يقوله الجميع إذا جزمت كقوله: * وإذا تصبك خصاصة فتحمل (1) * [132] والثاني: أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه، وهو قول الأكثرين، ويرد عليهم أمور: أحدها: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة، لان الظرف عندهم من جملة الجواب والمعمول داخل في جملة عامله. والثاني: أنه ممتنع في قول زهير: 135 - بدا لي أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا [ص 288 و 460 و 476 و 478 و 551 و 678] لان الجواب محذوف، وتقديره إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئا وقت مجيئه، لان الشئ إنما يسبق قبل مجيئه، وهذا لازم لهم أيضا إن أجابوا بأنها غير شرطية وأنها معمولة لما قبلها وهو سابق، وأما على القول الأول فهي شرطية محذوفة الجواب وعاملها إما خبر كان أو نفس كان إن قلنا بدلالتها على الحدث والثالث: أنه يلزمهم في نحو (إذا جئتني اليوم أكرمتك غدا) أن يعمل أكرمتك في ظرفين متضادين، وذلك باطل عقلا، إذ الحدث الواحد المعين لا يقع بتمامه في زمانين، وقصدا، إذ المراد وقوع الاكرام في الغد لا في اليوم.
(1) يروى قوله (فتحمل) بالحاء المهملة، وبالجيم. 96 فإن قلت: فما ناصب اليوم على القول الأول؟ وكيف يعمل العامل الواحد في ظرفي زمان.؟ قلنا: لم يتضادا كما في الوجه السابق، وعمل العامل في ظرفي زمان يجوز إذا كان أحدهما أعم من الآخر نحو (آتيك يوم الجمعة سحر)، وليس بدلا، لجواز (سير عليه يوم الجمعة سحر) برفع الأول ونصب الثاني، ونص عليه سيبويه، وأنشد للفرزدق: 136 - متى تردن يوما سفار تجد بها * أديهم يرمى المستجيز المعورا فيوما يمتنع أن يكون بدلا من متى، لعدم اقتران بحرف الشرط، ولهذا يمتنع في اليوم في المثال أن يكون بدلا من إذا، ويمتنع أن يكون ظرفا لتجد، لئلا ينفصل ترد من معموله وهو سفار بالأجنبي، فتعين أنه ظرف ثان لترد. والرابع: أن الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائية نحو (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) وبالحرف الناسخ نحو (إذا جئتني اليوم فإني أكرمك) وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وورد أيضا والصالح فيه للعمل صفة كقوله تعالى (فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير) ولا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف، وتخريج بعضهم هذه الآية على أن إذا مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصح إلا على قول أبى الحسن ومن تابعه في جواز تصرف إذا وجواز زيادة الفاء في خبر المبتدأ، لان عسر اليوم ليس مسببا عن النقر، والجيد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بعسير، أي عسر الامر، وأما قول أبى البقاء إنه يكون مدلولا عليه بذلك فإنه إشارة إلى النقر فمردود، لأدائه إلى اتحاد السبب والمسبب، وذلك ممتنع، وأما نحو (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله (7 - مغني اللبيب 1)
97 ورسوله) فمؤول على إقامة السبب مقام المسبب، لاشتهار المسبب، أي فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين. قال أبو حيان: ورد مقرونا بما النافية نحو (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) الآية، وما النافية لها الصدر، انتهى. وليس هذا بجواب، وإلا لاقترن بالفاء، مثل (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) وإنما الجواب محذوف، أي عمدوا إلى الحجج الباطلة. وقول بعضهم إنه جواب على إضمار الفاء مثل (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) مردود بأن الفاء لا تحذف إلا ضرورة، كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] والوصية في الآية نائب عن فاعل كتب، وللوالدين: متعلق بها، لا خبر، والجواب محذوف، أي فليوص. وقول ابن الحاجب (إن إذا هذه غير شرطية فلا تحتاج إلى جواب، وإن عاملها ما بعد ما النافية كما عمل ما بعد لا في يوم من قوله تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) وإن ذلك من التوسع في الظرف) مردود بثلاثة أمور: أحدها: أن مثل هذا التوسع خاص بالشعر كقوله: 137 - * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [ص 269 و 317 و 539 و 694] والثاني: أن ما لا تقاس على لا، فإن مالها الصدر مطلقا بإجماع البصريين، واختلفوا في لا، فقيل: لها الصدر مطلقا، وقيل: ليس لها الصدر مطلقا لتوسطها بين العامل والمعمول في نحو (إن لا تقم أقم) و (جاء بلا زاد) وقوله: 138 - ألا إن قرطا على آلة * ألا إنني كيده لا أكيد وقيل: إن وقعت لا في جواب (1) القسم فلها الصدر، لحلولها محل أدوات الصدر، وإلا
(1) في نسخة (إن وقعت في صدر جواب القسم فلها الصدر). 98 فلا، وهذا هو الصحيح، وعليه اعتمد سيبويه، إذ جعل انتصاب (حب العراق) في قوله: 139 - آليت حب العراق الدهر أطعمه * [والحب يأكله في القرية السوس] [ص 245 و 590 و 600] على التوسع وإسقاط الخافض وهو على، ولم يجعله من باب (زيدا ضربته) لان التقدير لا أطعمه، ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملا. والثالث: أن (لا) في الآية حرف ناسخ مثله في نحو (لا رجل) والحرف الناسخ لا يتقدمه معمول ما بعده، ولو لم يكن نافيا، لا يجوز (زيدا إني أضرب) فكيف وهو حرف نفى؟ بل أبلغ من هذا أن العامل الذي بعده مصدر، وهم يطلقون القول بأن المصدر لا يعمل فيما قبله، وإنما العامل محذوف، أي أذكر يوم، أو يعذبون يوم. ونظير ما أورده أبو حيان على الأكثرين أن يورد عليهم قوله تعالى: (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) فيقال: لا يصح لجديد أن يعمل في إذا، لان إن ولام الابتداء يمنعان من ذلك لان لهما الصدر، وأيضا فالصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. والجواب أيضا أن الجواب محذوف مدلول عليه بجديد، أي إذا مزقتم تجدون، لان الحرف الناسخ لا يكون في أول الجواب إلا وهو مقرون بالفاء، نحو (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) وأما (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فالجملة جواب لقسم محذوف مقدر قبل الشرط، بدليل (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) الآية، ولا يسوغ أن يقال: قدرها خالية من معنى الشرط، فتستغني عن جواب وتكون معمولة لما قبلها وهو (قال) أو (ندلكم) أو (ينبئكم) لان هذه بالافعال لم تقع في ذلك الوقت.
99 الفصل الثالث في خروج إذا عن الشرطية ومثاله قوله تعالى (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وقوله تعالى (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) فإذا فيهما ظرف لخبر المبتدأ بعدها، ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جوابا لاقترنت بالفاء مثل (وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير) وقول بعضهم (إنه على إضمار الفاء) تقدم رده، وقول آخر (إن الضمير توكيد لا مبتدأ، وإن ما بعده الجواب) ظاهر التعسف، وقول آخر (إن جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها) تكلف من غير ضرورة. ومن ذلك إذا التي بعد القسم نحو (والليل إذا يغشى) (والنجم إذا هوى) إذ لو كانت شرطية كان ما قبلها جوابا في المعنى كما في قولك (آتيك إذا أتيتني) فيكون التقدير إذا يغشى الليل وإذا هوى النجم أقسمت. وهذا ممتنع، لوجهين: أحدهما: أن القسم الانشائي لا يقبل التعليق، لان الانشاء إيقاع، والمعلق يحتمل الوقوع وعدمه، فأما (إن جاءني فوالله لأكرمنه) فالجواب في المعنى فعل الاكرام، لأنه المسبب عن الشرط، وإنما دخل القسم بينهما لمجرد التوكيد، ولا يمكن ادعاء مثل ذلك هنا، لان جواب والليل ثابت دائما، وجواب والنجم ماض مستمر الانتفاء، فلا يمكن تسببهما عن أمر مستقبل وهو فعل الشرط. والثاني: أن الجواب خبري، فلا يدل عليه الانشاء، لتباين حقيقتهما. (أيمن) المختص بالقسم، اسم لا حرف، خلافا للزجاج والرماني، مفرد مشتق من اليمن [وهو البركة] وهمزته وصل، لا جمع يمين وهمزته قطع، خلافا
100 للكوفيين، ويرده جواز كسر همزته، وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو أفلس وأكلب، وقول نصيب: 140 - فقال فريق القوم لما نشدتهم: * نعم، وفريق: ليمن الله ما ندري فحذف ألفها في الدرج، ويلزمه الرفع بالابتداء، وحذف الخبر، وإضافته إلى اسم الله سبحانه وتعالى: خلافا لابن درستويه في إجازة جره بحرف القسم، ولابن مالك في جواز إضافته إلى الكعبة ولكاف الضمير، وجوز ابن عصفور كونه خبرا والمحذوف مبتدأ، أي قسمي أيمن الله. حرف الباء الباء المفردة - حرف جر لأربعة عشر معنى: أولها: الالصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه، ثم الالصاق حقيقي ك (أمسكت بزيد) إذا قبضت على شئ من جسمه أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه، ولو قلت (أمسكته) احتمل ذلك وأن تكون منعته من التصرف، ومجازي نحو (مررت بزيد) أي ألصقت مرورى بمكان يقرب من زيد، وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد، بدليل (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) وأقول: إن كلا من الالصاق والاستعلاء إنما يكون حقيقيا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور ك (أمسكت بزيد، وصعدت على السطح) فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز ك (مررت بزيد) في تأويل الجماعة، وكقوله: 141 - تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق (ص 143)
101 فإذا استوى التقدير ان في المجازية، فالأكثر استعمالا أولى بالتخريج عليه، ك (مررت بزيد، ومررت عليه) وإن كان قد جاء كما في (لتمرون عليهم) (يمرون عليها). 142 - ولقد أمر على اللئيم يسبني * [فمضيت ثمة قلت: لا يعنيني] [ص 429 و 645] إلا أن (مررت به) أكثر، فكان أولى بتقديره أصلا، ويتخرج على هذا الخلاف خلاف في المقدر في قوله: 143 - تمرون الديار ولم تعوجوا * [كلامكم على إذا حرام] [ص 473] أهو الباء أم على؟ الثاني: التعدية، وتسمى باء النقل أيضا، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر، تقول في ذهب زيد: ذهبت بزيد، وأذهبته، ومنه (ذهب الله بنورهم) وقرئ (أذهب الله نورهم) وهي بمعنى القراءة المشهورة، وقول المبرد والسهيلي (إن بين التعديتين فرقا، وإنك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب) مردود بالآية، وأما قوله تعالى: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) فيحتمل أن الفاعل ضمير البرق. ولان الهمزة والباء متعاقبتان لم يجز أقمت بزيد، وأما (تنبت بالدهن) فيمن ضم أوله وكسر ثالثه، فخرج على زيادة الباء، أو على أنها للمصاحبة، فالظرف حال من الفاعل، أي مصاحبة للدهن، أو المفعول، أي تنبت الثمر مصاحبا للدهن، أو أن أنبت يأتي بمعنى ثبت كقول زهير: 144 - رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم * قطينا لها حتى إذا أنبت البقل ومن وردوها مع المتعدى قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) وصككت الحجر بالحجر، والأصل دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر بالحجر. [ص 429 و 645]
102 الثالث: الاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل، نحو (كتبت بالقلم) و (نجرت بالقدوم) قيل: ومنه [باء] البسملة، لان الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها. الرابع: السببية، نحو (إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) (فكلا أخذنا بذنبه) ومنه: لقيت بزيد الأسد، أي بسبب لقائي إياه، وقوله: 145 - قد سقيت آبالهم بالنار * [والنار قد تسفى من الأوار] أي أنها بسبب ما وسمت به من أسماء أصحابها يخلى بينها وبين الماء. الخامس: المصاحبة، نحو (اهبط بسلام) أي معه (وقد دخلوا بالكفر) الآية. وقد اختلف في الباء من قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك) فقيل: للمصاحبة، والحمد مضاف إلى المفعول، أي فسبحه حامدا له، أي نزهه عما لا يليق به، وأثبت له ما يليق به، وقيل: للاستعانة، والحمد مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه بمحمود، ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات. واختلف في (سبحانك اللهم وبحمدك) فقيل: جملة واحدة على أن الواو زائدة، وقيل: جملتان على أنها عاطفة، ومتعلق الباء محذوف، أي وبحمدك سبحتك، وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب على حمدك سبحتك، لا بحولي وقوتي، يريد أنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، وقال ابن الشجري في (فتستجيبون بحمده): هو كقولك (أجبته بالتلبية) أي فتجيبونه بالثناء، إذ الحمد الثناء، أو الباء للمصاحبة متعلقة بحال محذوفة، أي معلنين بحمده، والوجهان في (فسبح بحمد ربك).
103 والسادس: الظرفية نحو (ولقد نصركم الله ببدر) (نجيناهم بسحر) والسابع: البدل، كقول الحماسي: 146 - فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الاغارة فرسانا وركبانا (1) وانتصاب (الاغارة) على أنه مفعول لأجله. والثامن: المقابلة، وهي الداخلة على الأعواض، نحو (اشتريته بألف) و (كافأت إحسانه بضعف) وقولهم (هذا بذاك) ومنه (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وإنما لم نقدرها باء السببية كما قالت المعتزلة وكما قال الجميع في (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) لان المعطى بعوض قد يعطى مجانا، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب، وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية، لاختلاف محملي البائين جمعا بين الأدلة. والتاسع: المجاوزة كعن، فقيل: تختص بالسؤال، نحو (فاسأل به خبيرا) بدليل (يسألون عن أنبائكم) وقيل: لا تختص به، بدليل قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) (ويوم تشقق السماء بالغمام) وجعل الزمخشري هذه الباء بمنزلتها في (شققت السنام بالشفرة) على أن الغمام جعل كالآلة التي يشق بها، قال: ونظيره (السماء منفطر به) وتأول البصريون (فاسأل به خبير) على أن الباء للسببية، وزعموا أنها لا تكون بمعنى عن أصلا، وفيه بعد، لأنه لا يقتضى قولك (سألت بسببه) أن المجرور هو المسؤول عنه. العاشر: الاستعلاء، نحو (من إن تأمنه بقنطار) الآية، بدليل (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) ونحو (وإذا مروا بهم يتغامزون) بدليل (وإنكم لتمرون عليهم) وقد مضى البحث فيه، وقوله:
(1) انظر الشاهد رقم 20 104 147 - * أرب يبول الثعلبان برأسه؟ * بدليل تمامه: * لقد هان من بالت عليه الثعالب * الحادي عشر: التبعيض، أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه (عينا يشرب بها عباد الله) وقوله: 148 - شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج [ص 111 و 335] وقوله: 149 - [فلثمت فاها آخذا بقرونها] * شرب النزيف ببرد ماء الحشرج قيل: ومنه (وامسحوا برؤسكم) والظاهر أن الباء فيهن للالصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا، فإن (مسح) يتعدى إلى المزال عنه بنفسه، وإلى المزيل بالباء، فالأصل امسحوا رؤسكم بالماء، ونظيره بيت الكتاب: 150 - كنواح ريش حمامة نجدية * ومسحت باللثتين عصف الإثمد يقول: إن لثاتك تضرب إلى سمرة، فكأنك مسحتها بمسحوق الإثمد، فقلب معمولي مسح، وقيل في شربن: إنه ضمن معنى روين، ويصح ذلك في (يشرب بها) ونحوه، وقال الزمخشري في (يشرب بها): المعنى يشرب بها الخمر كما تقول (شربت الماء بالعسل). الثاني عشر: القسم، وهو أصل أحرفه، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معه
105 نحو (أقسم بالله لتفعلن) ودخولها على الضمير نحو (بك لأفعلن) واستعمالها في القسم الاستعطافي نحو (بالله هل قام زيد) أي أسألك بالله مستحلفا. الثالث عشر: الغاية، نحو (وقد أحسن بي) أي إلى، وقيل: ضمن أحسن معنى لطف. الرابع عشر: التوكيد وهي الزائدة، وزيادتها في ستة مواضع. أحدها: الفاعل، وزيادتها فيه: واجبة، وغالبة، وضرورة. فالواجبة في نحو (أحسن بزيد) في قول الجمهور: إن الأصل أحسن زيد بمعنى ذا حسن، ثم غيرت صيغة الخبر إلى الطلب، وزيدت الباء إصلاحا للفظ، وأما إذا قيل بأنه أمر لفظا ومعنى وإن فيه ضمير المخاطب مستترا فالباء معدية مثلها في (امرر بزيد). والغالبة في فاعل كفى، نحو (كفى بالله شهيدا) وقال الزجاج: دخلت لتضمن كفى معنى اكتف، وهو من الحسن بمكان، ويصححه قولهم (اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه) أي ليتق وليفعل، بدليل جزم (يثب) ويوجبه قولهم (كفى بهند) بترك التاء، فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب، بدليل (وما تسقط من ورقة وما تخرج من ثمرة) فإن عورض بقولك (أحسن بهند) فالتاء لا تلحق صيغ الامر، وإن كان معناها الخبر، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر، وهو قول الفارسي والرماني، أجازا (مرورى بزيد حسن وهو بعمر وقبيح) وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقا، قالوا ومن مجئ فاعل كفى هذه مجردا عن الباء قول سحيم: 151 - [عميرة ودع إن تجهزت غازيا] * كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا
106 ووجه ذلك - على ما اخترناه - أنه لم يستعمل كفى [هنا] بمعنى اكتف. ولا تزاد الباء في فاعل كفى التي بمعنى أجزأ وأغنى، ولا التي بمعنى وقى، والأولى متعدية لواحد كقوله: 152 - قليل منك يكفيني، ولكن * قليلك لا يقال له قليل [ص 675] والثانية متعدية لاثنين كقوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال) (فسيكفيكهم الله) ووقع في شعر المتنبي زيادة الباء في فاعل كفى المتعدية لواحد، قال: 153 - كفى ثعلا فخرا بأنك منهم * ودهر لان أمسيت من أهله أهل ولم أر من انتقد عليه ذلك، فهذا إما لسهو عن شرط الزيادة، أو لجعلهم هذه الزيادة من قبيل الضرورة كما سيأتي، أو لتقدير الفاعل غير مجرور بالباء، وثعل: رهط الممدوح وهم بطن من طيئ، وصرفه للضرورة إذ فيه العدل والعلمية كعمر، ودهر: مرفوع عند ابن جنى بتقدير: وليفخر دهر، وأهل: صفة له بمعنى مستحق، واللام متعلقة بأهل، وجوز ابن الشجري في دهر ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي يفتخر بك، وصح الابتداء بالنكرة لأنه قد وصف بأهل، والثاني كونه معطوفا على فاعل كفى، أي أنهم فخروا بكونه منهم وفخروا بزمانه لنضارة أيامه). وهذا وجه لا حذف فيه، والثالث أن تجره بعد أن ترفع فخرا، على تقدير كونه فاعل كفى والباء متعلقة بفخر، لا زائدة، وحينئذ تجر الدهر بالعطف، وتقدر أهلا خبرا لهو محذوفا، وزعم المعرى أن الصواب نصب دهر بالعطف على ثعلا، أي وكفى دهرا هو أهل لان أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله، ولا يخفى ما فيه من التعسف وشرحه أنه عطف على المفعول المتقدم، وهو ثعلا، والفاعل المتأخر وهو (أنك منهم) منصوبا ومرفوعا وهما دهرا وأن ومعمولاها وما تعلق بخبرها، ثم حذف المرفوع
107 المعطوف اكتفاء بدلالة المعنى، وزعم الربعي أن النصب بالعطف على اسم أن وأن (أهل) عطف على خبرها، ولا معنى للبيت على تقديره. والضرورة كقوله: 154 - ألم يأتيك والأنباء تنمى * بما لاقت لبون بنى زياد [ص 387] وقوله: 155 - مهما لي الليلة مهما ليه * أودى بنعلي وسرباليه [ص 332] وقال ابن الضائع في الأول: إن الباء متعلقة بتنمى، وإن فاعل يأتي مضمر، فالمسألة من باب الأعمال. وقال ابن الحاجب في الثاني: الباء معدية كما تقول (ذهب بنعلي) ولم يتعرض لشرح الفاعل، وعلام يعود إذا قدر ضميرا في (أودى)؟ ويصح أن يكون التقدير: أودى هو، أي مود، أي ذهب ذاهب، كما جاء في الحديث (لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) أي ولا يشرب هو، أي الشارب، إذ ليس المراد ولا يشرب الزاني. والثاني مما تزاد فيه الباء: المفعول، نحو (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (وهزي إليك بجذع النخلة) (فليمدد بسبب إلى السماء) (ومن يرد فيه بإلحاد) (فطفق مسحا بالسوق) أي يمسح السوق مسحا، ويجوز أن يكون صفة: أي مسحا واقعا بالسوق، وقوله: 156 - [نحن بنو ضبة أصحاب الفلج] * نضرب بالسيف وفرجو بالفرج الشاهد في الثانية، فأما الأولى فللاستعانة، وقوله:
108 [هن الحرائر لا ربات أخمرة] * سود المحاجر لا يقرأن بالسور [32] وقيل: ضمن تلقوا معنى تفضوا، ويريد معنى يهم، ونرجو معنى نطمع، ويقرأن معنى يرقين ويتبركن، وأنه يقال (قرأت بالسورة) على هذا المعنى، ولا يقال (قرأت بكتابك) لفوات معنى التبرك فيه، قاله السهيلي، وقيل: المراد لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم، فحذف المفعول به، والباء للآلة كما في قولك (كتبت بالقلم) أو المراد بسبب أيديكم، كما يقال: لا تفسد أمرك برأيك. وكثرت زيادتها في مفعول (عرفت) ونحوه، وقلت في مفعول ما يتعدى إلى اثنين كقوله: 157 - تبلت فؤادك في المنام خريدة * تسقى الضجيع ببارد بسام وقد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد، ومنه الحديث (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع). وقوله: 158 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا (1) [ص 328 و 329] وقيل: إنها هي في البيت زائدة في الفاعل، وحب: بدل اشتمال على المحل، وقال المتنبي 159 - كفى بجسمي نحولا أنني رجل * لولا مخاطبتي إياك لم ترني [ص 667] والثالث: المبتدأ، وذلك في قولهم (بحسبك درهم) و (خرجت فإذا بزيد) و (كيف بك إذا كان كذا) ومنه عند سيبويه (بأيكم المفتون) وقال أبو الحسن
(1) الرواية برفع (غيرنا) وهو خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة من، والتقدير: الذي هو غيرنا. 109 بأيكم متعلق باستقرار محذوف مخبر به عن المفتون، ثم اختلف، فقيل: المفتون مصدر بمعنى الفتنة، وقيل: الباء ظرفية، أي في أي طائفة منكم المفتون. تنبيه - من الغريب أنها زيدت فيما أصله المبتدأ وهو اسم ليس، بشرط أن يتأخر إلى موضع الخبر كقراءة بعضهم (ليس البر بأن تولوا) بنصب البر، وقوله: 160 - أليس عجيبا بأن الفتى * يصاب ببعض الذي في يديه والرابع: الخبر، وهو ضربان: غير موجب فينقاس نحو (ليس زيد بقائم) (وما الله بغافل) وقولهم (لا خير بخير بعده النار) إذا لم تحمل على الظرفية، وموجب فيتوقف على السماع، وهو قول الأخفش ومن تابعه، وجعلوا منه قوله تعالى (جزاء سيئة بمثلها) وقول الحماسي: 161 - [فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها] * ومنعكها بشئ يستطاع والأولى تعليق (بمثلها) باستقرار محذوف هو الخبر، وبشئ بمنعكها والمعنى ومنعكها بشئ ما يستطاع، وقال ابن مالك في (بحسبك زيد) إن زيدا مبتدأ مؤخر، لأنه معرفة وحسب نكرة. والخامس: الحال المنفى عاملها، كقوله: 163 - فما رجعت بخائبة ركاب * حكيم بن المسيب منتهاها وقوله: 163 - [كائن دعيت إلى بأساء داهمة] * فما انبعثت بمزءود ولا وكل ذكر ذلك ابن مالك، وخالفه أبو حيان، وخرج البيتين على أن التقدير بحاجة خائبة، وبشخص مزءود أي مذعور، ويريد بالمزءود نفسه، على حد قولهم (رأيت
110 منه أسدا) وهذا التخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني، لان صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها، ولهذا قيل في (وما ربك بظلام للعبيد) إن فعالا ليس للمبالغة بل للنسب كقوله: 164 - [وليس بذي رمح فيطعنني به] * وليس بذي سيف وليس بنبال أي وما ربك بذي ظلم، لان الله لا يظلم الناس شيئا، ولا يقال لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلا عند قصد المبالغة في الوصف بالاقدام أو الكرم. والسادس: التوكيد بالنفس والعين، وجعل منه بعضهم قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن) وفيه نظر، إذ حق الضمير المرفوع المتصل المؤكد بالنفس أو بالعين أن يؤكد أولا بالمنفصل نحو (قمتم أنتم أنفسكم) ولان التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهن، بخلاف قولك (زارني الخليفة نفسه) وإنما ذكر الأنفس هنا لزيادة البعث على التربص، لاشعاره بما يستنكفن منه من طموح أنفسهن إلى الرجال. تنبيه - مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، كما قيل في (ولأصلبنكم في جذوع النخل): إن (في) ليست بمعنى على، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشئ، وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم شربن في قوله * شربن بماء البحر * [148] معنى روين، وأحسن في (وقد أحسن بي) معنى لطف، وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الأخير هو محمل الباب كله عند [أكثر] الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا. * (بجل) * على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم، وهي على وجهين: اسم
111 فعل بمعنى يكفي، واسم مرادف لحسب، ويقال على الأول (بجلني) وهو نادر، وعلى الثاني (بجلي) قال: 165 - [ألا إنني أشربت أسود حالكا] * ألا بجلي من ذا الشراب ألا بجل * (بل) * حرف إضراب، فإن تلاها بجملة كان معنى الاضراب إما الابطال نحو (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه، بل عباد مكرمون) أي بل هم عباد، ونحو (أم يقولون به جنة، بل جاءهم بالحق) وإما الانتقال من غرض إلى آخر، ووهم ابن مالك إذ زعم في شرح كافيته أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه، ومثاله (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى، بل تؤثرون الحياة الدنيا) ونحو (ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون، بل قلوبهم في غمرة) وهي في ذلك كله حرف ابتداء، لا عاطفة، على الصحيح ومن دخولها على الجملة قوله: 166 - بل بلد ملء الفجاج قتمه * [لا يشترى كتانه وجهرمه] إذ التقدير بل رب بلد موصوف بهذا الوصف قطعته، ووهم بعضهم فزعم أنها تستعمل جارة وإن تلاها مفرد فهي عاطفة، ثم إن تقدمها أمر أو إيجاب (كاضرب زيدا بل عمرا، وقام زيد بل عمرو) فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه، فلا يحكم عليه بشئ، وإثبات الحكم لما بعدها، وإن تقدمها نفى أو نهى فهي لتقرير ما قبلها على حالته، وجعل ضده لما بعده، نحو (ما قام زيد بل عمرو، ولا يقم زيد بل عمرو) وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهى إلى ما بعدها وعلى قولهما فيصح (ما زيد قائما بل قاعدا، وبل قاعد) ويختلف المعنى، ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفي وشبهه، قال هشام: محال (ضربت زيدا بل إياك) أهو ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته.
112 وتزاد قبلها (لا) لتوكيد الاضراب بعد الايجاب، كقوله: 167 - وجهك البدر، لا، بل الشمس لو لم * يقض للشمس كسفه أو أفول ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي، ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفي، وليس بشئ، لقوله: 168 - وما هجرتك، لا، بل زادني شغفا * هجر وبعد تراخى لا إلى أجل * (بلى) * حرف جواب أصلى الألف، وقال جماعة: الأصل بل، والألف زائدة، وبعض هؤلاء يقول: إنها للتأنيث، بدليل إمالتها. وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله. سواء كان مجردا نحو (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى) أم مقرونا بالاستفهام، حقيقيا كان نحو (أليس زيد بقائم) فتقول: بلى، أو توبيخيا نحو (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى) أو تقريريا نحو (ألم يأتكم نذير قالوا بلى) (ألست بربكم قالوا بلى) أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى، ولذلك قال ابن عباس وغيره: لو قالوا نعم لكفروا، ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال (أليس لي عليك ألف) فقال (بلى) لزمته، ولو قال (نعم) لم تلزمه، وقال آخرون: تلزمه فيهما، وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة، ونازع السهيلي وغيره في المحكى عن ابن عباس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب، ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى (أفلا تبصرون أم أنا خير) لأنها لا تقع بعد الايجاب، وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الايجاب تصديق [له]، انتهى. [8 - مغني اللبيب 1]
113 ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها [عن] الايجاب، وذلك متفق عليه، ولكن وقع في كتب الحديث ما يقتضى أنها يجاب بها الاستفهام [المجرد]، ففي صحيح البخاري في كتاب الايمان أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟) قالوا: بلى، وفى صحيح مسلم في كتاب الهبة (أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟) قال: بلى، قال (فلا إذن) وفيه أيضا أنه قال (أنت الذي لقيتني بمكة؟) فقال له المجيب: بلى، وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك، لأنه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل. واعلم أن تسمية الاستفهام في الآية تقريرا عبارة جماعة، ومرادهم أنه تقرير بما بعد النفي كما مر في صدر الكتاب، وفى الموضع بحث أوسع من هذا في باب النون. * (بيد) * ويقال: ميد، بالميم، وهو اسم ملازم للإضافة إلى أن وصلتها، وله معنيان: أحدهما: غير، إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا، بل منصوبا، ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة، ومنه الحديث (نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا) وفى مسند الشافعي رضي الله عنهم (بائد أنهم) وفى الصحاح (بيد بمعنى غير، يقال: إنه كثير المال بيد أنه بخيل) اه، وفى المحكم أن هذا المثال حكاه ابن السكيت، وأن بعضهم فسرها فيه بمعنى على، وأن تفسيرها بغير أعلى. والثاني: أن تكون بمعنى من أجل، ومنه الحديث (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أنى من قريش واسترضعت في بنى سعد بن بكر) وقال ابن مالك وغيره: إنها هنا بمعنى غير، على حد قوله: 169 - ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
114 وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى من أجل قوله: 170 عمدا فعلت ذاك بيد أنى * أخاف إن هلكت أن ترني وقوله ترني: من الرنين، وهو الصوت * (بله) * على ثلاثة أوجه: اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف، وما بعدها منصوب على الأول، ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث، وفتحها بناء على الأول والثالث، وإعراب على الثاني، وقد روى بالأوجه الثلاثة قوله يصف السيوف: 171 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها * بله الأكف كأنها لم تخلق وإنكار أبى على أن يرتفع ما بعدها مردود بحكاية أبى الحسن وقطرب له، وإذا قيل (بله الزيدين، أو المسلمين، أو أحمد، أو الهندات) احتملت المصدرية واسم الفعل. ومن الغريب أن في البخاري في تفسير ألم السجدة: يقول الله تعالى (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ذخرا من بله ما اطلعتم عليه) (1). واستعملت معربة مجرورة بمن خارجة عن المعاني الثلاثة، وفسرها بعضهم بغير، وهو ظاهر، وبهذا يتقوى من يعدها في ألفاظ الاستثناء. حرف التاء التاء المفردة - محركة في أوائل الأسماء، ومحركة في أواخرها، ومحركة في أواخر الافعال، ومسكنة في أواخرها. فالمحركة في أوائل الأسماء حرف جر معناه القسم، وتختص بالتعجب، وباسم الله تعالى، وربما قالوا (تربى) و (ترب الكعبة) و (تالرحمن) قال الزمخشري
(1) انظر صحيح البخاري (6 / 116 السلطانية) ثم انظر فتح الباري (8 / 396 بولاق) 115 في (وتالله لأكيدن أصنامكم): الباء أصل حروف القسم، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها زيادة معنى التعجب، كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه مع عتو نمروذ وقهره، ه والمحركة في أواخرها حرف خطاب نحو أنت وأنت. والمحركة في أواخر الافعال ضمير نحو قمت وقمت وقمت، ووهم ابن خروف فقال في قولهم في النسب (كنتي): إن التاء هنا علامة كالواو في (أكلوني البراغيث) ولم يثبت في كلامهم أن هذه التاء تكون علامة. ومن غريب أمر التاء الاسمية أنها جردت عن الخطاب، والتزم فيها التذكير والافراد في (أرأيتكما) و (أرأيتكم) و (أرأيتك) و (أرأيتك) و (أرأيتكن) إذ لو قالوا (أرأيتما كما) جمعوا بين خطابين، وإذا امتنعوا من اجتماعهما في (يا غلامكم) فلم يقولوه كما قالوا (يا غلامنا) و (يا غلامهم) - مع أن الغلام طار عليه الخطاب بسبب النداء، وإنه خطاب لاثنين لا لواحد، فهذا أجدر، وإنما جاز (وا غلامكيه) لان المندوب ليس بمخاطب في الحقيقة، ويأتي تمام القول في (أرأيتك) في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. والتاء الساكنة في أواخر الافعال حرف وضع علامة للتأنيث كقامت، وزعم الجلولي أنها اسم، وهو خرق لاجماعهم، وعليه فيأتي في الظاهر بعدها أن يكون بدلا، أو مبتدأ، والجملة قبله خبر، ويرده أن البدل صالح للاستغناء به عن المبدل منه، وأن عود الضمير على ما هو بدل منه نحو (اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم) قيل، وأن تقدم الخبر الواقع جملة قليل أيضا، كقوله: 172 - إلى ملك ما أمه من محارب * أبوه، ولا كانت كليب تصاهره وربما وصلت هذه التاء بثم ورب، والأكثر تحريكها معهما بالفتح.
116 حرف الثاء (ثم) ويقال فيها: فم، كقولهم في جدث: جدف - حرف عطف يقتضى ثلاثة أمور: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، وفى كل منها خلاف. فأما التشريك فزعم الأخفش والكوفيون أنه قد يتخلف، وذلك بأن تقع زائدة، فلا تكون عاطفة البتة، وحملوا على ذلك قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) وقول زهير: 173 - أراني إذا أصبحت ذا هوى * فثم إذا أمسيت أمسيت غاديا وخرجت الآية على تقدير الجواب، والبيت على زيادة الفاء. وأما الترتيب فخالف قوم في اقتضائها إياه، تمسكا بقوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة، ثم جعل منها زوجها) (وبدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه) (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون، ثم آتينا موسى الكتاب) وقول الشاعر 174 - إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده والجواب عن الآية الأولى من خمسة أوجه: أحدها: أن العطف على محذوف، أي من نفس واحدة، أنشأها، ثم جعل منها زوجها. الثاني: أن العطف على (واحدة) على تأويلها بالفعل، أي من نفس توحدت، أي انفردت، ثم جعل منها زوجها.
117 الثالث: أن الذرية أخرجت من ظهر آدم عليه السلام كالذر، ثم خلقت حواء من قصيراه. الرابع: أن خلق حواء من آدم لما لم تجر العادة بمثله جئ بثم إيذانا بترتبه وتراخيه في الاعجاب وظهور القدرة، لا لترتيب الزمان وتراخيه. الخامس: أن (ثم) لترتيب الاخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال (بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) أي ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. والأجوبة السابقة أنفع من هذا الجواب، لأنها تصحح الترتيب والمهلة، وهذا يصحح الترتيب فقط، إذ لا تراخى بين الإخبارين، ولكن الجواب الأخير أعم، لأنه يصح أن يجاب به عن الآية الأخيرة والبيت. وقد أجيب عن الآية الثانية أيضا بأن (سواه) عطف على الجملة الأولى، لا الثانية. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد أن الجد أتاه السؤدد من قبل الأب، والأب من قبل الابن، كما قال ابن الرومي: 175 - قالوا: أبو الصقر من شيبان، قلت لهم: * كلا لعمري، ولكن منه شيبان وكم أب قد علا بابن ذرى حسب * كما علت برسول الله عدنان وأما المهملة فزعم الفراء أنها [قد] تتخلف، بدليل قولك: (أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب) لان ثم في ذلك لترتيب الاخبار، ولا تراخى بين الإخبارين، وجعل منه ابن مالك (ثم آتينا موسى الكتاب) الآية، وقد مر البحث في ذلك، والظاهر أنها واقعة موقع الفاء في قوله:
118 176 - كهز الردينى تحت العجاج * جرى في الأنابيب ثم اضطرب إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه الاضطراب، ولم يتراخ عنه. مسألة - أجرى الكوفيون ثم مجرى الفاء والواو، في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط، واستدل لهم بقراءة الحسن (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) بنصب (يدرك) وأجراها ابن مالك مجراهما بعد الطلب، فأجاز في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجرى ثم يغتسل منه) ثلاثة أوجه: الرفع بتقدير ثم هو يغتسل، وبه جاءت الرواية، والجزم بالعطف على موضع فعل النهى، والنصب قال: بإعطاء ثم حكم واو الجمع، فتوهم تلميذه الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله أن المراد إعطاؤها حكمها في إفادة معنى الجمع، فقال: لا يجوز النصب، لأنه يقتضى أن المنهي عنه الجمع بينهما، دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول منهي عنه، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا، انتهى. وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب، لا في المعية أيضا، ثم ما أورده إنما جاء من قبل المفهوم، لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته، ونظيره إجازة الزجاج والزمخشري في (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) كون (تكتموا) مجزوما، وكونه منصوبا مع أن النصب معناه النهى عن الجمع. تنبيه - قال الطبري في قوله تعالى (أثم إذا ما وقع آمنتم به): معناه أهنالك، وليست ثم التي تأتى للعطف، انتهى. وهذا وهم، اشتبه عليه ثم المضمومة الثاء بالمفتوحتها. (ثم) بالفتح - اسم يشار به إلى المكان البعيد، نحو (وأزلفنا ثم الآخرين) وهو ظرف لا يتصرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولا لرأيت في قوله تعالى: (وإذا رأيت ثم رأيت) ولا يتقدمه حرف التنبيه [ولا يتأخر عنه كاف الخطاب].
119 حرف الجيم (جير) بالكسر على أصل التقاء الساكنين كأمس، وبالفتح للتخفيف كأين وكيف - حرف جواب بمعنى نعم، لا اسم بمعنى حقا فتكون مصدرا، ولا بمعنى أبدا فتكون ظرفا، وإلا لأعربت ودخلت عليها أل، ولم تؤكد أجل بجير في قوله: 177 - [وقلن على الفردوس أول مشرب] * أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره ولا قوبل بها (لا) في قوله: 178 - إذا تقول لا ابنة العجير * تصدق، لا إذا تقول جير وأما قوله: 179 - وقائلة: أسيت، فقلت: جير * أسى إنني من ذاك إنه فخرج على وجهين، أحدهما: أن الأصل جير إن، بتأكيد جير بإن التي بمعنى نعم، ثم حذفت همزة إن وخففت. الثاني: أن يكون شبه آخر النصف بآخر البيت، فنونه تنوين الترنم، وهو غير مختص بالاسم، ووصل بنية الوقف. (جلل) حرف بمعنى نعم، حكاه الزجاج في كتاب الشجرة، واسم بمعنى عظيم أو يسير أو أجل. فمن الأول قوله: 180 - قومي هم قتلوا - أميم - أخي * فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لأعفون جللا * ولئن سطوت لأوهنن عظمي ومن الثاني قول امرئ القيس وقد قتل أبوه: 181 - * ألا كل شئ سواه جلل * ومن الثالث قولهم (فعلت كذا من جلك) وقال جميل:
120 182 - رسم دار وقفت في طلله * كدت أقضى الحياة من جلله (1) [ص 136] فقيل: أراد من أجله، وقيل: أراد من عظمه في عيني. حرف الحاء المهملة (حاشا) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون فعلا متعديا متصرفا، تقول (حاشيته) بمعنى استثنيته، ومنه الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أسامة أحب الناس إلى) ما حاشى فاطمة، ما: نافية، والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام لم يستثن فاطمة، وتوهم ابن مالك أنها ما المصدرية، وحاشا الاستثنائية، بناء على أنه من كلامه عليه الصلاة والسلام، فاستدل به على أنه قد يقال (قام القوم ما حاشا زيدا) كما قال: 183 - رأيت الناس ما حاشا قريشا * فإنا نحن أفضلهم فعالا ويرده أن في معجم الطبراني (ما حاشا فاطمة ولا غيرها) ودليل تصرفه قوله: 184 - ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه * ولا أحاشى من الأقوام من أحد وتوهم المبرد أن هذا مضارع حاشا التي يستثنى بها، وإنما تلك حرف أو فعل جامد لتضمنه معنى الحرف. الثاني: أن تكون تنزيهية، نحو (حاش لله) وهي عند المبرد وابن جنى والكوفيين فعل، قالوا: لتصرفهم فيها بالحذف، ولادخالهم إياها على الحرف، وهذان الدليلان ينفيان الحرفية، ولا يثبتان الفعلية، قالوا: والمعنى في الآية جانب يوسف المعصية لأجل الله، ولا يتأتى هذا التأويل في مثل (حاش لله ما هذا بشرا)
(1) يروى * كدت أقضى الغداة من جلله * 121 والصحيح أنها اسم مرادف للبراءة [من كذا]، بدليل قراءة بعضهم (حاشا لله) بالتنوين، كما يقال (براءة لله من كذا) وعلى هذا فقراءة ابن مسعود رضي الله عنه (حاش الله) كمعاذ الله ليس جارا ومجرورا كما وهم ابن عطية، لأنها إنما تجر في الاستثناء، ولتنوينها في القراءة الأخرى، ولدخولها على اللام في قراءة السبعة، والجار لا يدخل على الجار، وإنما ترك التنوين في قراءتهم لبناء حاشا لشبهها بحاشا الحرفية، وزعم بعضهم أنها اسم فعل ماض بمعنى أتبرأ، أو برئت، وحامله على ذلك بناؤها، ويرده إعرابها في بعض اللغات. الثالث: أن تكون للاستثناء، فذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف دائما بمنزلة إلا، لكنها تجر المستثنى، وذهب الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمر والشيباني إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جارا وقليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنه معنى إلا، وسمع (اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ) وقال: 185 - حاشا أبا ثوبان، إن به * ضنا على الملحاة والشتم ويروى أيضا (حاشا أبى) بالياء، ويحتمل أن تكون رواية الألف على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها * [قد بلغا في المجد غايتاها] [51] وفاعل حاشا ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها، أو اسم فاعله، أو البعض المفهوم من الاسم العام، فإذا قيل (قام القوم حاشا زيدا) فالمعنى جانب هو - أي قيامهم، أو القائم منهم، أو بعضهم - زيدا. (حتى) حرف يأتي لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغاية، وهو الغالب، والتعليل، وبمعنى إلا في الاستثناء، وهذا أقلها، وقل من يذكره.
122 وتستعمل على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون حرفا جارا بمنزلة إلى في المعنى والعمل، ولكنها تخالفها في ثلاثة أمور: أحدها: أن لمخفوضها شرطين، أحدهما عام، وهو أن يكون ظاهرا لا مضمرا، خلافا للكوفيين والمبرد، فأما قوله: 186 - أتت حتاك تقصد كل فج * ترجى منك أنها لا تخيب فضرورة، واختلف في علة المنع، فقيل: هي أن مجرورها لا يكون إلا بعضا مما قبلها أو كبعض منه، فلم يمكن عود ضمير البعض على الكل، ويرده أنه قد يكون ضميرا حاضرا كما في البيت فلا يعود على ما تقدم، وأنه قد يكون ضميرا غائبا عائدا على ما تقدم غير الكل، كقولك (زيد ضربت القوم حتاه) وقيل: العلة خشية التباسها بالعاطفة، ويرده أنها لو دخلت عليه لقيل في العاطفة (قاموا حتى أنت، وأكرمتهم حتى إياك) بالفصل، لان الضمير لا يتصل إلا بعامله، وفى الخافضة (حتاك) بالوصل كما في البيت، وحينئذ فلا التباس، ونظيره أنهم يقولون في توكيد الضمير المنصوب (رأيتك أنت) وفى البدل منه (رأيتك إياك) فلم يحصل لبس، وقيل: لو دخلت عليه قلبت ألفها ياء كما في إلى، وهي فرع عن إلى، فلا تحتمل ذلك، والشرط الثاني خاص بالمسبوق بذي أجزاء، وهو أن يكون المجرور آخرا نحو (أكلت السمكة حتى رأسها) أو ملاقيا لآخر جزء نحو (سلام هي حتى مطلع الفجر) ولا يجوز سرت البارحة حتى ثلثها أو نصفها، كذا قال المغاربة وغيرهم، وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري، واعترض عليه بقوله: 187 - عينت ليلة، فما زلت حتى * نصفها راجيا، فعدت يؤوسا
123 وهذا ليس محل الاشتراط، إذ لم يقل فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها، وإن كان المعنى عليه، ولكنه لم يصرح به. الثاني: أنها إذا لم يكن معها قرينة تقتضي دخول ما بعدها كما في قوله: 188 - ألقى الصحيفة كي يخفف رحله * والزاد، حتى نعله ألقاها [ص 127 و 130] أو عدم دخوله كما في قوله: 189 - سقى الحيا الأرض حتى أمكن عزيت * لهم، فلا زال عنها الخير مجدودا حمل على الدخول، ويحكم في مثل ذلك لما بعد إلى بعدم الدخول، حملا على الغالب في البابين، هذا هو الصحيح في البابين، وزعم الشيخ شهاب الدين القرافي أنه لا خلاف في وجوب دخول ما بعد حتى، وليس كذلك، بل الخلاف فيها مشهور، وإنما الاتفاق في حتى العاطفة، لا الخافضة، والفرق أن العاطفة بمعنى الواو. والثالث: أن كلا منهما قد ينفرد بمحل لا يصلح للآخر. فمما انفردت به (إلى) أنه يجوز (كتبت إلى زيد وأنا إلى عمرو) أي هو غايتي، كما جاء في الحديث (أنا بك وإليك) و (سرت من البصرة إلى الكوفة) ولا يجوز: حتى زيد، وحتى عمرو، وحتى الكوفة، أما الأولان فلان حتى موضوعة لافادة تقضى الفعل قبلها شيئا فشيئا إلى الغاية، وإلى ليست كذلك وأما الثالث فلضعف حتى في الغاية، فلم يقابلوا بها ابتداء الغاية. ومما انفردت به (حتى) أنه يجوز وقوع المضارع المنصوب بعدها نحو (سرت حتى أدخلها) [وذلك] بتقدير حتى أن أدخلها، وأن المضمرة والفعل في تأويل مصدر مخفوض
124 بحتى، ولا يجوز: سرت إلى أدخلها، وإنما قلنا إن النصب بعد حتى بأن مضمرة لا بنفسها كما يقول الكوفيون لان حتى قد ثبت أنها تخفض الأسماء، وما يعمل في الأسماء لا يعمل في الافعال، وكذا العكس. ولحتى الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان: مرادفة إلى نحو (حتى يرجع إلينا موسى) ومرادفة كي التعليلية نحو (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم) (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) وقولك (أسلم حتى تدخل الجنة) ويحتملها (فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) ومرادفة إلا في الاستثناء، وهذا المعنى ظاهر من قول سيبويه في تفسير قولهم (والله لا أفعل إلا أن تفعل) المعنى حتى أن تفعل، وصرح به ابن هشام الخضراوي وابن مالك، ونقله أبو البقاء عن بعضهم في (وما يعلمان من أحد حتى يقولا) والظاهر في هذه الآية [خلافه، و] أن المراد معنى الغاية، نعم هو ظاهر فيما أنشده ابن مالك في قوله: 190 - ليس العطاء من الفضول سماحة * حتى تجود وما لديك قليل وفى قوله: 191 - والله لا يذهب شيخي باطلا * حتى أبير مالكا وكاهلا لان ما بعدهما ليس غاية لما قبلهما ولا مسببا عنه، وجعل ابن هشام من ذلك الحديث (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه) إذ زمن الميلاد لا يتطاول فتكون حتى فيه للغاية، ولا كونه يولد على الفطرة علته اليهودية والنصرانية فتكون فيه للتعليل، ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا، أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون.
125 ولا ينتصب الفعل بعد (حتى) إلا إذا كان مستقبلا، ثم إن كان استقباله بالنظر إلى زمن التكلم فالنصب واجب، نحو (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى) وإن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالوجهان، نحو (وزلزلوا حتى يقول الرسول) الآية، فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال، لا بالنظر إلى زمن قص ذلك علينا. وكذلك لا يرتفع الفعل بعد (حتى) إلا إذا كان حالا، ثم إن كانت حاليته بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب، كقولك (سرت حتى أدخلها) إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليته ليست حقيقية - بل كانت محكية - رفع، وجاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية نحو (وزلزلوا حتى يقول الرسول) قراءة نافع بالرفع بتقدير حتى حالتهم حينئذ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا. واعلم أنه لا يرتفع الفعل بعد حتى إلا بثلاثة شروط: أحدها أن يكون حالا أو مؤولا بالحال كما مثلنا، والثاني أن يكون مسببا عما قبلها. فلا يجوز (سرت حتى تطلع الشمس) ولا (ما سرت حتى أدخلها، وهل سرت حتى تدخلها) أما الأول فلان طلوع الشمس لا يتسبب عن السير، وأما الثاني فلان الدخول لا يتسبب عن عدم السير، وأما الثالث فلان السبب لم يتحقق وجوده، ويجوز (أيهم سار حتى يدخلها) و (متى سرت حتى تدخلها) لان السير محقق، وإنما الشك في عين الفاعل وفى عين الزمان، وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجابا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، لا على ما قبل حتى خاصة، ولو عرضت هذه المسألة بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها، وإنما منعه إذا كان النفي مسلطا على السبب خاصة، وكل أحد يمنع ذلك، والثالث أن يكون فضلة، فلا يصح في نحو (سيرى حتى أدخلها) لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر،
126 ولا في نحو (كان سيرى حتى أدخلها) إن قدرت كان ناقصة، فإن قدرتها تامة أو قلت (سيرى أمس حتى أدخلها) جاز الرفع، إلا إن علقت أمس بنفس السير، لا باستقرار محذوف. الثاني من أوجه حتى: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو، إلا أن بينهما فرقا من ثلاثة أوجه: أحدها: أن لمعطوف حتى ثلاثة شروط، أحدها أن يكون ظاهرا لا مضمرا كما أن ذلك شرط مجرورها، ذكره ابن هشام الخضراوي، ولم أقف عليه لغيره، والثاني أن يكون إما بعضا من جمع قبلها ك (قدم الحاج حتى المشاة) أو جزأ من كل نحو (أكلت السمكة حتى رأسها) أو كجزء نحو أعجبتني الجارية حتى حديثها ويمتنع أن تقول (حتى ولدها) والذي يضبط لك ذلك أنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء، وتمتنع حيث يمتنع، ولهذا لا يجوز (ضربت الرجلين حتى أفضلهما) وإنما جاز * حتى نعله ألقاها [188] * لان إلقاء الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله، والثالث: أن يكون غاية لما قبلها إما في زيادة أو نقص، فالأول نحو (مات الناس حتى الأنبياء) والثاني نحو (زارك الناس حتى الحجامون) وقد اجتمعا في قوله: 192 - قهرناكم حتى الكماة فأنتم * تهابوننا حتى بنينا الأصاغرا الفرق الثاني: أنها لا تعطف الجمل، وذلك لان شرط معطوفها أن يكون جزأ مما قبلها أو كجزء منه، كما قدمناه، ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات، هذا هو الصحيح، وزعم ابن السيد في قول مرئ القيس: 193 - سريت بهم حتى تكل مطيهم * [وحتى الجياد ما يقدن بأرسان] [ص 130] فيمن رفع (تكل) أن جملة (تكل مطيهم) معطوفة بحتى على سريت بهم الثالث: أنها إذا عطفت على مجرور أعيد الخافض، فرقا بينها وبين الجارة،
127 فنقول (مررت بالقوم حتى بزيد) ذكر ذلك ابن الخباز وأطلقه، وقيده ابن مالك بأن لا يتعين كونها للعطف نحو (عجبت من القوم حتى بنيهم) وقوله: 194 - جود يمناك فاض في الخلق حتى * بائس دان بالإساءة دينا وهو حسن، ورده أبو حيان، وقال في المثال: هي جارة، إذ لا يشترط في تالي الجارة أن يكون بعضا أو كبعض، بخلاف العاطفة، ولهذا منعوا (أعجبتني الجارية حتى ولدها) قال: وهي في البيت محتملة، انتهى. وأقول: إن شرط الجارة التالية ما يفهم الجمع أن يكون مجرورها بعضا أو كبعض، وقد ذكر ذلك ابن مالك في باب حروف الجر، وأقره أبو حيان عليه، ولا يلزم من امتناع (أعجبتني الجارية حتى ابنها) امتناع (عجبت من القوم حتى بنيهم) لان اسم القوم يشمل أبناءهم، واسم الجارية لا يشمل ابنها، ويظهر لي أن الذي لحظه ابن مالك أن الموضع الذي يصح أن تحل فيه إلى محل حتى العاطفة فهي فيه محتملة للجارة، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجار عند قصد العطف نحو (اعتكفت في الشهر حتى في آخره) بخلاف المثال والبيت السابقين، وزعم ابن عصفور أن إعادة الجار مع حتى أحسن، ولم يجعلها واجبة. تنبيه - العطف بحتى قليل، وأهل الكوفة ينكرونه البتة، ويجملون نحو (جاء القوم حتى أبوك، ورأيتهم حتى أباك، ومررت بهم حتى أبيك) على أن حتى فيه ابتدائية، وأن ما بعدها على إضمار عامل. الثالث من أوجه حتى: أن تكون حرف ابتداء، أي حرفا تبتدأ بعده الجمل، أي تستأنف، فيدخل على الجملة الاسمية، كقول جرير: 195 - فما زالت القتلى تمج دماءها * بدجلة حتى ماء دجلة أشكل [ص 386]
128 وقال الفروزق: 196 - فواعجبا حتى كليب تسبني * كأن أباها نهشل أو مجاشع ولا بد من تقدير محذوف قبل حتى في هذا البيت يكون ما بعد حتى غاية له، أي فواعجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني، وعلى الفعلية التي فعلها مضارع كقراءة نافع رحمه الله (حتى يقول الرسول) برفع يقول، وكقول حسان: 197 - يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل [ص 691] وعلى الفعلية التي فعلها ماض نحو (حتى عفوا وقالوا) وزعم ابن مالك أن حتى هذه جارة، وأن بعدها أن مضمرة، ولا أعرف له في ذلك سلفا، وفيه تكلف إضمار من غير ضرورة، وكذا قال في حتى الداخلة على إذا في نحو (حتى إذا فشلتم وتنازعتم) إنها الجارة، وإن إذا في موضع جربها، وهذه المقالة سبقه إليها الأخفش وغيره، والجمهور على خلافها وأنها حرف ابتداء، و [أن] إذا في موضع نصب بشرطها أو جوابها، والجواب في الآية محذوف، أي امتحنتم، أو انقسمتم قسمين، بدليل (منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة) ونظيره حذف جواب لما في قوله تعالى (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، وأما قول ابن مالك إن (فمنهم مقتصد) هو الجواب فمبني على صحة مجئ جواب لما مقرونا بالفاء، ولم يثبت، وزعم بعضهم أن الجواب في الآية الأولى مذكور وهو (عصيتم) أو (صرفكم) وهذا مبنى على زيادة الواو وثم، ولم يثبت ذلك. وقد دخلت (حتى) الابتدائية على الجملتين الاسمية والفعلية في قوله: (9 - مغني اللبيب 1)
129 سريت بهم حتى تكل مطيهم * وحتى الجياد ما يقدن بأرسان [193] فيمن رواه برفع تكل، والمعنى حتى كلت، ولكنه جاء [بلفظ المضارع] على حكاية الحال الماضية كقولك (رأيت زيدا أمس وهو راكب) وأما من نصب فهي حتى الجارة كما قدمنا، ولابد على النصب من تقدير زمن مضاف إلى تكل، أي إلى زمان كلال مطيهم وقد يكون الموضع صالحا لأقسام (حتى) الثلاثة، كقولك (أكلت السمكة حتى رأسها) فلك أن تخفض على معنى إلى، وأن تنصب على معنى الواو، وأن ترفع على الابتداء، وقد روى بالأوجه الثلاثة قوله: 198 - عممتهم بالندى حتى غواتهم * فكنت مالك ذي غي وذي رشد [ص 611] وقوله: [ألقى الصحيفة كي يخفف رحله * والزاد] حتى نعله ألقاها [188] إلا أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن الرفع في البيت الأول شاذ، لكون الخبر غير مذكور، ففي الرفع تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، وهذا قول البصريين، وأوجبوا إذا قلت (حتى رأسها) بالرفع أن تقول (مأكول) والثاني: أن النصب في البيت الثاني من وجهين، أحدهما: العطف، والثاني إضمار العامل على شريطة التفسير، وفى البيت الأول من وجه واحد. وإذا قلت (قام القوم حتى زيد قام) جاز الرفع والخفض دون النصب (1)، وكان لك في الرفع أوجه، أحدها: الابتداء، والثاني العطف، والثالث إضمار الفعل،
(1) لم يجز النصب لان الناصب بعد حتى هو أن مضمرة، وأن المصدرية لا تدخل على الأسماء 130 والجملة التي بعدها خبر على الأول، ومؤكدة على الثاني، كما أنها كذلك مع الخفض، وأما على الثالث فتكون الجملة مفسرة، وزعم بعض المغاربة أنه لا يجوز (ضربت القوم حتى زيد ضربته) بالخفض، ولا بالعطف، بل بالرفع أو بالنصب بإضمار فعل، لأنه يمتنع جعل (ضربته) توكيدا لضربت القوم، قال: وإنما جاز الخفض في * حتى نعله * [188] لان ضمير (ألقاها) للصحيفة، ولا يجوز على هذا الوجه أن يقدر أنه للنعل. ولا محل للجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية، خلافا للزجاج وابن درستويه، زعما أنها في محل جر بحتى، ويرده أن حروف الجر لا تعلق عن العمل، وإنما تدخل على المفردات أو ما في تأويل المفردات، وأنهم إذا أوقعوا بعدها إن كسروها فقالوا (مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه) والقاعدة أن حرف الجر إذا دخل، على أن فتحت همزتها نحو (ذلك بأن الله هو الحق) (حيث) وطيئ تقول: حوث، وفى الثاء فيهما: الضم تشبيها بالغايات، لان الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، لان أثرها - وهو الجر - لا يظهر، والكسر على أصل التقاء الساكنين، والفتح للتخفيف. ومن العرب من يعرب حيث، وقراءة من قرأ (من حيث لا يعلمون) بالكسر تحتملها وتحتمل لغة البناء على الكسر. وهي للمكان اتفاقا، قال الأخفش: وقد ترد للزمان، والغالب كونها في محل نصب على الظرفية أو خفض بمن، وقد تخفض بغيرها كقوله: 199 - [فشد ولم ينظر بيوتا كثيرة] * لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم (1) وقد تقع [حيث] مفعولا به وفاقا للفارسي، وحمل عليه (الله أعلم حيث يجعل رسالته) إذ المعنى أنه تعالى يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة فيه، لا شيئا في المكان
(1) ويروى * فشد ولم تفزع بيوت كثيرة * 131 وناصبها يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم، لا بأعلم نفسه، لان أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به، فإن أولته بعالم جاز أن ينصبه في رأى بعضهم، ولم تقع اسما لان، خلافا لابن مالك، ولا دليل له في قوله: 200 - إن حيث استقر من أنت راعيه * - حمى فيه عزة وأمان لجواز تقدير حيث خبرا، وحمى اسما، فإن قيل: يؤدى إلى جعل المكان حالا في المكان، قلنا: هو نظير قولك (إن في مكة دار زيد) ونظيره في الزمان (إن في يوم الجمعة ساعة الإجابة). وتلزم حيث الإضافة إلى جملة، اسمية كانت أو فعلية، وإضافتها إلى الفعلية أكثر، ومن ثم رجح النصب في نحو (جلست حيث زيد أراه) وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله: 201 - [ونطعنهم تحت الكلى بعد ضربهم * ببيض المواضي] حيث لي العمائم [أنشده ابن مالك] والكسائي يقيسه، ويمكن أن يخرج عليه قول الفقهاء (من حيث أن كذا). وأندر من ذلك أضافتها إلى جملة محذوفة كقوله: 202 - إذا ريدة من حيث ما نفحت له * أتاه برياها خليل يواصله (1) أي إذا ريدة نفحت له من حيث هبت، وذلك لان ريدة فاعل بمحذوف يفسره نفحت، فلو كان نفحت مضافا إليه حيث لزم بطلان التفسير، إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، قال أبو الفتح في كتاب التمام: ومن أضاف حيث إلى المفرد أعربها، انتهى، ورأيت بخط الضابطين:
(1) ريدة: أي ريح لينة الهبوب، و (ما) زائدة، ونفحت: فاحت 132 203 - أما ترى حيث سهيل طالعا * [نجما يضئ كالشهاب لامعا] بفتح الثاء من حيث وخفض سهيل، وحيث بالضم وسهيل بالرفع، أي موجود، فحذف الخبر. وإذا اتصلت بها (ما) الكافة ضمنت معنى الشرط وجزمت الفعلين كقوله: 204 - حيثما تستقم يقدر لك الله * نجاحا في غابر الأزمان وهذا البيت دليل عندي على مجيئها للزمان. حرف الخاء المعجمة (خلا) على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا جار للمستثنى، ثم قيل: موضعها نصب عن تمام الكلام، وقيل: تتعلق بما قبلها من فعل أو شبهه على قاعدة أحرف الجر، والصواب عندي الأول، لأنها لا تعدى الافعال إلى الأسماء، أي لا توصل معناها إليها، بل تزيل معناها عنها، فأشبهت في عدم التعدية الحروف الزائدة، ولأنها بمنزلة إلا وهي غير متعلقة. والثاني: أن تكون فعلا متعديا ناصبا له، وفاعلها على الحد المذكور في فاعل حاشا (1)، والجملة مستأنفة أو حالية، على خلاف في ذلك، وتقول (قاموا خلا زيدا) وإن شئت خفضت إلا في نحو قول لبيد: 205 - ألا كل شئ ما خلا الله باطل * [وكل نعيم - لا محالة - زائل [ص 96] وذلك لان (ما) [في] هذه مصدرية، فدخولها يعين الفعلية، وموضع ما خلا نصب
(1) انظر كلام المؤلف في ذلك (صفحة 122). 133 فقال السيرافي: على الحال كما يقع المصدر الصريح في نحو (أرسلها العراك) وقيل: على الظرف لنيابتها وصلتها عن الوقت (1)، فمعنى (قاموا ما خلا زيدا) على الأول: قاموا خالين عن زيد، وعلى الثاني: قاموا وقت خلوهم عن زيد، وهذا الخلاف المذكور في محلها خافضة وناصبة ثابت في حاشا وعدا، وقال ابن خروف: على الاستثناء كانتصاب غير في (قاموا غير زيد) وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جنى أنه قد يجوز الجر على تقدير ما زائدة، فإن قالوا ذلك بالقياس ففاسد، لان ما لا تزاد قبل الجار والمجرور، بل بعده، نحو (عما قليل) (فبما رحمة) وإن قالوه بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه. حرف الراء (رب) حرف جر، خلافا للكوفيين في دعوى أسميته، وقولهم إنه أخبر عنه في قوله: إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن * عارا عليك، ورب قتل عار [31] ممنوع، بل (عار) خبر لمحذوف، والجملة صفة للمجرور، أو خبر للمجرور، إذ هو في موضع مبتدأ كما سيأتي. وليس معناها التقليل دائما، خلافا للأكثرين، ولا التكثير دائما، خلافا لابن درستويه وجماعة، بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا. فمن الأول (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) وفى الحديث (يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) وسمع أعرابي يقول بعد انقضاء رمضان (يا رب صائمه لن يصومه، ويا رب قائمه لن يقومه) وهو مما تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي، وقال الشاعر:
(1) في نسخة (قيل: على الظرف، على نيابتها وصلتها عن الوقت). 134 206 - فيارب يوم قد لهوت وليلة * بآنسة كأنها خط تمثال [ص 587] وقال آخر: 207 - ربما أوفيت في علم * ترفعن ثوبي شمالات [ص 137 و 309] ووجه الدليل أن الآية والحديث والمثال مسوقة للتخويف، والبيتين مسوقان للافتخار، ولا يناسب واحدا منهما التقليل. ومن الثاني قول أبى طالب [في النبي صلى الله عليه وسلم]: 208 - وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة لأرامل [ص 136] وقول الآخر: 209 - ألا رب مولود وليس له أب * وذي ولد لم يلده أبوان وذي شامة غراء في حر وجهه * مجللة لا تنقضي لأوان ويكمل في تسع وخمس شبابه * ويهرم في سبع معا وثمان أراد عيسى وآدم عليهما السلام والقمر، ونظير رب في إفادة التكثير (كم) الخبرية، وفى إفادته تارة وإفادة التقليل أخرى (قد)، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في حرف القاف، وصيغ التصغير، تقول: حجير ورجيل، فتكون للتقليل، وقال: 210 - فويق جبيل شامخ لن تناله * بقنته حتى تكل وتعملا
135 وقال لبيد: [وكل أناس سوف تدخل بينهم] * دويهية تصفر منها الأنامل [62] إلا أن الغالب في قد والتصغير إفادتهما التقليل، ورب بالعكس. وتنفرد رب بوجوب تصديرها، ووجوب تنكير مجرورها، ونعته إن كان ظاهرا، وإفراده، وتذكيره، وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميرا، وغلبة حذف معداها، ومضيه، وإعمالها محذوفة بعد الفاء كثيرا، وبعد الواو أكثر، وبعد بل قليلا، وبدونهن أقل، كقوله: 211 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * [فألهيتها عن ذي تمائم محول] [ص 161] وقوله: * وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * [208] وقوله: 212 - * بل بلد ذي ضعد وآكام * وقوله: * رسم دار وقفت في طلله * [182] وبأنها زائدة في الاعراب دون المعنى، فمحل مجرورها في نحو (رب رجل صالح عندي) رفع على الابتدائية، وفى نحو (رب رجل صالح لقيت) نصب على المفعولية، وفى نحو (رب رجل صالح لقيته) رفع أو نصب، كما في قولك (هذا لقيته) ويجوز مراعاة محله كثيرا وإن لم يجز نحو (مررت بزيد وعمرا) إلا قليلا، قال 213 - وسن كسنيق سناء وسنما * ذعرت بمدلاح الهجير نهوض (1)
(1) ذعرت: أخفت، ومدلاح الهجير: أراد به فرسا كثير العرق في وقت الهاجرة. 136 فعطف (سنما) على محل سن، والمعنى ذعرت بهذا الفرس ثورا وبقرة عظيمة، وسنيق: اسم جبل بعينه، وسناء: ارتفاعا. وزعم الزجاج وموافقوه أن مجرورها لا يكون إلا في محل نصب، والصواب ما قدمناه. وإذا زيدت (ما) بعدها فالغالب أن تكفها عن العمل، وأن تهيئها للدخول على الجمل الفعلية، وأن يكون الفعل ماضيا لفظا ومعنى، كقوله: ربما أوفيت في علم * ترفعن ثوبي شمالات [207] ومن إعمالها قوله: 214 - ربما ضربة بسيف صقيل * بين بصرى وطعنة نجلاء [ص 312] ومن دخولها على [الجملة] الاسمية قول أبى داود: 215 - ربما الجامل المؤبل فيهم * وعناجيج بينهن المهار [ص 310] وقيل: لا تدخل المكفوفة على الاسمية أصلا، وإن (ما) في البيت نكرة موصوفة، والجامل: خبر لهو محذوفا، والجملة صفة لما. ومن دخولها على الفعل المستقبل قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا) وقيل: هو مؤول بالماضي، على حد قوله تعالى: (ونفخ في الصور) وفيه تكلف، لاقتضائه أن الفعل المستقبل عبر به عن ماض متجوز به عن المستقبل، والدليل على صحة استقبال ما بعدها قوله: 216 - فإن أهلك فرب فتى سيبكي * على مهذب رخص البنان وقوله: 217 - يا رب قائلة غدا * يا لهف أم معاوية
137 وفى رب ست عشرة لغة: ضم الراء، وفتحها، وكلاهما مع التشديد والتخفيف، والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد منها: فهذه اثنتا عشرة، والضم والفتح مع إسكان الباء، وضم الحرفين مع التشديد ومع التخفيف. حرف السين المهملة السين المفردة: حرف يختص بالمضارع، ويخلصه للاستقبال، وينزل منه منزلة الجزء، ولهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به، وليس مقتطعا من (سوف) خلافا للكوفيين، ولا مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين، ومعنى قول المعربين فيها (حرف تنفيس) حرف توسيع، وذلك أنها نقلت (1) المضارع من الزمن الضيق - وهو الحال - إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال، وأوضح من عبارتهم قول الزمخشري وغيره (حرف استقبال) وزعم بعضهم أنها قد تأتى للاستمرار لا للاستقبال، ذكر ذلك في قوله تعالى: (ستجدون آخرين) الآية، واستدل عليه بقوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم) مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم (ما ولاهم) قال: فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال، انتهى. وهذا الذي قاله لا يعرفه النحويون، وما استند إليه من أنها نزلت بعد قولهم (ما ولاهم) غير موافق عليه، قال الزمخشري: فإن قلت: أي فائدة في الاخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت: فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع، انتهى. ثم لو سلم فالاستمرار إنما استفيد من المضارع، كما تقول (فلان يقرى الضيف ويصنع الجميل) تريد أن ذلك دأبه، والسين مفيدة للاستقبال، إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل، وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك، ووجهه أنها تفيد الوعد
(1) في عدة نسخ (تقلب). 138 بحصول الفعل، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، وقد أومأ إلى ذلك في سورة البقرة فقال في (فسيكفيكهم الله): ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين، وصرح به في سورة براءة فقال في (أولئك سيرحمهم الله): السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد إذا قلت (سأنتقم منك). (سوف) مرادفة للسين، أو أوسع منها، على الخلاف (1)، وكأن القائل بذلك نظر إلى أن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى، وليس بمطرد، ويقال فيها (سف) بحذف الوسط، و (سو) بحذف الأخير، و (سى) بحذفه وقلب الوسط ياء مبالغة في التخفيف، حكاها صاحب المحكم. وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها نحو (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وبأنها قد تفصل بالفعل الملغى، كقوله: وما أدرى وسوف إخال أدرى * أقوم آل حصن أم نساء؟ [51] (سى) من (لا سيما) - اسم بمنزلة مثل وزنا ومعنى، وعينه في الأصل واو، وتثنيته سيان، وتستغني حينئذ عن الإضافة كما استغنت عنها مثل في قوله: * والشر بالشر عند الله مثلان * [81] واستغنوا بتثنيته عن تثنية سواء، فلم يقولوا سواآن إلا شاذا كقوله: 218 - فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا * سواءين فاجعلني على حبها جلدا وتشديد يائه ودخول (لا) عليه ودخول الواو على (لا) واجب، قال ثعلب: من استعمله على خلاف ما جاء في قوله:
(1) يريد خلاف البصريين الذين يقولون: إن المدة مع سوف أوسع منها مع السين، والكوفيين الذين يقولون: إنهما مترادفان وليست المدة مع سوف أوسع، بل هما مستويان. 139 219 - [ألا رب يوم صالح لك منهما] * ولا سيما يوم بدارة جلجل [ص 313 و 421] فهو مخطئ، اه. وذكر غيره أنه قد يخفف، وقد تحذف الواو، كقوله: 220 - فه بالعقود وبالأيمان، لا سيما * عقد وفاء به من أعظم القرب وهي عند الفارسي نصب على الحال، فإذا قيل (قاموا لا سيما زيد) فالناصب قام، ولو كان كما ذكر لامتنع دخول الواو، ولوجب تكرار (لا) كما تقول (رأيت زيدا لا مثل عمرو ولا مثل خالد) وعند غيره هو اسم للا التبرئة، ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر والرفع مطلقا، والنصب أيضا إذا كان نكرة، وقد روى بهن * ولا سيما يوم * [219] والجر أرجحها، وهو على الإضافة، وما زائدة بينهما مثلها في (أيما الأجلين قضيت) والرفع على أنه خبر لمضمر محذوف، وما موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة، والتقدير: ولا مثل الذي هو يوم، أولا مثل شئ هو يوم، ويضعفه في نحو (ولا سيما زيد) حذف العائد المرفوع مع عدم الطول، وإطلاق (ما) على من يعقل، وعلى الوجهين ففتحة سى إعراب، لأنه مضاف، والنصب على التمييز كما يقع التمييز بعد مثل في نحو (ولو جئنا بمثله مددا) وما كافة عن الإضافة، والفتحة بناء مثلها في (لا رجل) وأما انتصاب المعرفة نحو (ولا سيما زيدا) فمنعه الجمهور، وقال ابن الدهان: لا أعرف له وجها، ووجهه بعضهم بأن ما كافة، وأن لا سيما نزلت منزلة إلا في الاستثناء، ورد بأن المستثنى مخرج، وما بعدها داخل من باب أولى، وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها، وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا. (سواء) تكون بمعنى مستو [ويوصف به المكان بمعنى أنه نصف بين مكانين] (1)
(1) هذه العبارة ساقطة من النسخة التي شرح عليها الدسوقي. 140 والأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر (1) نحو (مكانا سوى) وهو أحد الصفات التي جاءت على فعل كقولهم (ماء روى) و (قوم عدى) وقد تمد مع الفتح نحو (مررت برجل سواء والعدم). وبمعنى الوسط، وبمعنى التام، فتمد فيهما مع الفتح، نحو قوله تعالى (في سواء الجحيم)، وقولك (هذا درهم سواء). وبمعنى القصد، فتقصر مع الكسر، وهو أغرب معانيها، كقوله: 221 - فلأصرفن سوى حذيفة مدحتي * لفتى العشى وفارس الأحزاب ذكره ابن الشجري. وبمعنى مكان أو غير، على خلاف في ذلك، فتمد مع الفتح وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر، وتقع هذه صفة واستثناء كما تقع غير، وهو عند الزجاجي وابن مالك كغير في المعنى والتصرف، فتقول (جاءني سواك) بالرفع على الفاعلية، و (رأيت سواك) بالنصب على المفعولية، و (ما جاءني أحد سواك) بالنصب والرفع وهو الأرجح، وعند سيبويه والجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب، لا يخرج عن ذلك إلا في الضرورة، وعند الكوفيين وجماعة أنها ترد بالوجهين، ورد على من نفى ظرفيتها بوقوعها صلة، قالوا (جاء الذي سواك) وأجيب بأنه على تقدير سوى خبرا لهو محذوفا أو حالا لثبت مضمرا كما قالوا (لا أفعله ما أن حراء مكانه) ولا يمنع الخبرية قولهم (سواءك) بالمد والفتح، لجواز أن يقال: إنها بنيت لاضافتها إلى المبنى كما في غير. (تنبيه) يخبر لسواء التي بمعنى مستو عن الواحد فما فوقه، نحو (ليسوا سواء) لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، وقد أجيز في قوله تعالى (سواء عليهم
(1) في نسخة (فتقصر مع الكسر). 141 أأنذرتهم أم لم تنذرهم) كونها خبرا عما قبلها أو عما بعدها أو مبتدأ وما بعدها فاعل على الأول ومبتدأ على الثاني وخبر على الثالث، وأبطل ابن عمرون الأول بأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، والثاني بأن المبتدأ المشتمل على الاستفهام واجب التقديم، فيقال له: وكذا الخبر، فإن أجاب بأنه مثل (زيد أين هو) منعناه وقلنا له: بل مثل (كيف زيد) لان (أأنذرتم) إذا لم يقدر بالمفرد لم يكن خبرا، لعدم تحمله ضمير سواء، وأما شبهته فجوابها أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته، فإن أجاب بأنه كذلك في نحو (علمت أزيد قائم) وقد أبقى عليه استحقاق الصدرية بدليل التعليق، قلنا: بل الاستفهام مراد هنا، إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم، وأما في الآية ونحوها فلا استفهام البتة، لا من قبل المتكلم ولا غيره. حرف العين المهملة (عدا) مثل خلا، فيما ذكرناه من القسمين (1)، وفى حكمها مع (ما) والخلاف في ذلك، ولم يحفظ سيبويه فيها إلا الفعلية. (على) على وجهين: أحدهما: أن تكون حرفا، وخالف في ذلك جماعة، فزعموا أنها لا تكون إلا اسما، ونسبوه لسيبويه، ولنا أمران: أحدهما قوله: 222 - تحن فتبدى ما نها من صبابة * وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني [ص 577] أي لقضى على، فحذفت (على) وجعل مجرورها مفعولا، وقد حمل الأخفش على ذلك (ولكن لا تواعدوهن سرا) أي على سر، أي نكاح، وكذلك (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) أي على صراطك.
(1) انظر قول المؤلف في ذلك (ص 133) 142 والثاني: أنهم يقولون (نزلت على الذي نزلت) أي عليه كما جاء (ويشرب مما تشربون) أي منه. ولها تسعة معان: أحدها: الاستعلاء، إما على المجرور وهو الغالب نحو (وعليها وعلى الفلك تحملون) أو على ما يقرب منه نحو (أو أجد على النار هدى) وقوله: * وبات على النار الندى والمحلق * [141] وقد يكون الاستعلاء معنويا نحو (ولهم على ذنب) ونحو (فضلنا بعضهم على بعض). الثاني: المصاحبة كمع نحو (وآتى المال على حبه) (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم). الثالث: المجاوزة كعن كقوله: 223 - إذا رضيت على بنو قشير * لعمر الله أعجبني رضاها [ص 677] أي عنى، ويحتمل أن (رضى) ضمن معنى عطف، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط، وقال: 224 - في ليلة لا نرى بها أحدا * يحكى علينا إلا كواكبها [ص 563 و 678] أي عنا، وقد يقال: ضمن يحكى معنى ينم. الرابع: التعليل كاللام، نحو (ولتكبروا الله على ما هداكم) أي لهدايته إياكم، وقوله: 225 - علام تقول الرمح يثقل عاتقي * إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت (1)
(1) (تقول) في هذا البيت بمعنى تظن، فينتصب بها المبتدأ والخبر. 143 الخامس: الظرفية كفى نحو (ودخل المدينة على حين غفلة) ونحو (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) أي: [في] زمن ملكه، ويحتمل أن (تتلو) مضمن معنى تتقول، فيكون بمنزلة (ولو تقول علينا بعض الأقاويل). السادس: موافقة من نحو (إذا اكتالوا على الناس يستوفون). السابع: موافقة الباء نحو (حقيق على أن لا أقول) وقد قرأ أبى بالباء. وقالوا: اركب على اسم الله. الثامن: أن تكون زائدة: للتعويض، أو غيره. فالأول كقوله: 226 - إن الكريم وأبيك يعتمل * إن لم يجد يوما على من يتكل أي: من يتكل عليه، فحذف (عليه) وزاد على قبل الموصول تعويضا له، قاله ابن جنى، وقيل: المراد إن لم يجد يوما شيئا، ثم ابتدأ مستفهما فقال: على من يتكل؟ وكذا قيل في قوله: 227 - ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث * إلا أخو ثقة، فانظر بمن تثق [ص 170] إن الأصل فانظر لنفسك، ثم استأنف الاستفهام، وابن جنى يقول في ذلك أيضا: إن الأصل فانظر من تثق به، فحذف الباء ومجرورها، وزاد الباء عوضا، وقيل: بل تم الكلام عند قوله فانظر، ثم ابتدأ مستفهما، فقال: بمن تثق؟ والثاني قول حميد بن ثور: 228 - أبى الله إلا أن سرحة مالك * على كل أفنان العضاه تروق قاله ابن مالك، وفيه نظر، لان (راقه الشئ) بمعنى أعجبه، ولا معنى له هنا، وإنما المراد تعلو وترتفع.
144 التاسع: أن تكون للاستدراك والاضراب، كقولك: فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله تعالى، وقوله: 229 - فوالله لا أنسى قتيلا رزئته * بجانب قوسي ما بقيت على الأرض على أنها تعفو الكلوم، وإنما * نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضى أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد، وقوله: 230 - بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد ثم قال: على أن قرب الدار ليس بنافع * إذا كان من تهواه ليس بذي ود أبطل بعلى الأولى عموم قوله (لم يشف ما بنا) فقال: بلى إن فيه شفاء ما، ثم أبطل بالثانية قوله (على أن قرب الدار خير من البعد). وتعلق على هذه بما قبلها [عند من قال به] كتعلق حاشا بما قبلها عند من قال به، لأنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الاضراب والاخراج، أو هي خبر لمبتدأ محذوف، أي والتحقيق على كذا، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب، قال: ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق، ثم جئ بما هو التحقيق فيها. والثاني: من وجهي على: أن تكون اسما بمعنى فوق، وذلك إذا دخلت عليها من، كقوله:
145 231 - غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها * [تصل وعن قيض بزيزاء مجهل] [ص 532] وزاد الأخفش موضعا آخر، وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد، نحو قوله تعالى (أمسك عليك زوجك) وقول الشاعر: 232 - هون عليك، فإن الأمور * بكف الاله مقادرها [ص 487 و 532] لأنه لا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير باب ظن وفقد وعدم، لا يقال (ضربتني) ولا (فرحت بي). وفيه نظر، لأنها لو كانت اسما في هذه المواضع لصح حلول فوق محلها، ولأنها لو لزمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم باسمية إلى في نحو (فصرهن إليك) (واضمم إليك) (وهزي إليك) وهذا كله يتخرج إما على التعلق بمحذوف كما قيل في اللام في (سقيا لك) وإما على حذف مضاف، أي: هون على نفسك، واضمم إلى نفسك، وقد خرج ابن مالك على هذا قوله: 233 - وما أصاحب من قوم فأذكرهم * إلا يزيدهم حبا إلى هم فادعى أن الأصل: يزيدون أنفسهم، ثم صار يزيدونهم، ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخر عن ضمير المفعول، وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد، وليس كذلك، فإن مراده أنه ما يصاحب قوما فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبا إليه، لما يسمعه من ثنائهم عليهم، والقصيدة في حماسة أبى تمام، ولا يحسن تخريج ذلك على ظاهره، كما قيل في قوله: 234 - قد بت أحرسني وحدي، ويمنعني * صوت السباع به يضبحن والهام لان ذلك شعر، فقد يستسهل فيه مثل هذا، ولا على قول ابن الأنباري إن إلى قد
146 ترد اسما، فيقال (انصرفت من إليك) كما يقال (غدوت من عليك) لأنه إن كان ثابتا ففي غاية الشذوذ، ولا على قول ابن عصفور إن إليك في (واضمم إليك) إغراء، والمعنى خذ جناحك، أي عصاك، لان إلى لا تكون بمعنى خذ عند البصريين، ولان الجناح ليس بمعنى العصا إلا عند الفراء وشذوذ من المفسرين. (عن) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون حرف جر (1)، وجميع ما ذكر لها عشرة معان: أحدها: المجاوزة، ولم يذكر البصريون سواه، نحو (سافرت عن البلد) و (رغبت عن كذا) و (رميت السهم عن القوس) وذكر لها في هذا المثال معنى غير (2) هذا، وسيأتي. الثاني: البدل، نحو (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا) وفى الحديث (صومي عن أمك). الثالث: الاستعلاء، نحو (فإنما يبخل عن نفسه) وقول ذي الإصبع: 235 - لاه ابن عمك، لا أفضلت في حسب * عنى، ولا أنت دياني فتخزوني أي لله در ابن عمك لا أفضلت في حسب على ولا أنت مالكي فتسوسني، وذلك لان المعروف أن يقال (أفضلت عليه) قيل: ومنه قوله تعالى (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربى) أي قدمته عليه، وقيل: هي على بابها، وتعلقها بحال محذوفة، أي منصرفا عن ذكر ربى، وحكى الرماني عن أبي عبيدة أن أحببت من (أحب البعير إحبابا) إذا برك فلم يثر، فعن متعلقة به باعتبار معناه التضمني، وهي على حقيقتها، أي إني تثبطت عن ذكر ربى، وعلى هذا فحب الخير مفعول لأجله.
(1) في نسخة (حرفا جارا). (2) في نسخة (معنى آخر). 147 الرابع: التعليل، نحو (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة) ونحو (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) ويجوز أن يكون حالا من ضمير (تاركي) أي ما نتركها صادرين عن قولك، وهو رأى الزمخشري، وقال في فأزلهما الشيطان عنها): إن كان الضمير للشجرة فالمعنى حملهما على الزلة بسببها، وحقيقته أصدر الزلة عنها، ومثله (وما فعلته عن أمرى) وإن كان للجنة فالمعنى نحاهما عنها. الخامس: مرادفة بعد، نحو (عما قليل ليصبحن نادمين) (يحرفون الكلم عن مواضعه) بدليل أن في مكان آخر (من بعد مواضعه) ونحو (لتركبن طبقا عن طبق) أي حالة بعد حالة، وقال: 236 - * ومنهل وردته عن منهل * السادس: الظرفية كقوله: 237 - وآس سراة الحي حيث لقيتهم * ولاتك عن حمل الرباعة وانيا الرباعة: نجوم الحمالة، قيل: لان ونى لا يتعدى إلا بفي، بدليل (ولا تنيا في ذكرى) والظاهر أن معنى (ونى عن كذا) جاوزه ولم يدخل فيه، وونى فيه دخل فيه وفتر. السابع: مرادفة من، نحو (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) الشاهد في الأولى (أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا) بدليل (فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) (ربنا تقبل منا). الثامن: مرادفة الباء، نحو (وما ينطق عن الهوى) والظاهر أنها على حقيقتها، وأن المعنى وما يصدر قوله عن هوى.
148 التاسع: الاستعانة، قاله ابن مالك، ومثله برميت عن القوس، لانهم يقولون أيضا: رميت بالقوس، حكاهما الفراء، وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك، إلا إذا كانت القوس هي المرمية، وحكى أيضا (رميت على القوس). العاشر: أن تكون زائدة للتعويض من أخرى محذوفة، كقوله: 238 - أتجزع إن نفس أتاها حمامها * فهلا التي عن بين جنبيك تدفع قال ابن جنى: أراد فهلا تدفع عن التي بين جنبيك، فحذفت عن من أول الموصول، وزيدت بعده. الوجه الثاني: أن تكون حرفا مصدريا، وذلك أن بنى تميم يقولون في نحو أعجبني أن تفعل: عن تفعل، قال ذو الرمة: 239 - أعن ترسمت من خرقاء منزلة * ماء الصبابة من عينيك مسجوم (1) يقال (ترسمت الدار (1)) أي تأملتها، وسجم الدمع: سال، وسجمته العين: أسالته، وكذا يفعلون في أن المشددة، فيقولون: أشهد عن محمدا رسول الله، وتسمى عنعنة تميم. الثالث: أن تكون اسما بمعنى جانب، وذلك يتعين في ثلاثة مواضع: أحدها: أن يدخل عليها من، وهو كثير كقوله: 240 - فلقد أراني للرماح دريئة * من عن يميني تارة وأمامي (2) [ص 532] ويحتمله عندي (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) فتقدر معطوفة على مجرور من، لا على من ومجرورها، ومن الداخلة على عن زائدة عند ابن مالك، ولابتداء الغاية عند غيره، قالوا: فإذا قيل (فعدت عن
(1) في نسخة (توسمت من خرقاء) بالواو. (2) في نسخة (مرة وأمامي) 149 يمينه) فالمعنى في جانب يمينه، وذلك محتمل للملاصقة ولخلافها، فإن جئت بمن تعين كون القعود ملاصقا لأول الناحية. والثاني: أن يدخل عليها على، وذلك نادر، والمحفوظ منه بيت واحد، وهو قوله: 241 - على عن يميني مرت الطير سنحا * [وكيف سنوح واليمين قطيع؟] الثالث: أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد، قاله الأخفش، وذلك كقول امرئ القيس: 242 - ودع عنك نهبا صيح في حجراته * [ولكن حديث ما حديث الرواحل (1)] [ص 532] وقول أبى نواس: 243 - دع عنك لومي فإن اللوم إغراء * [وداوني بالتي كانت هي الداء] وذلك لئلا يؤدى إلى تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وقد تقدم الجواب عن هذا، ومما يدل على أنها ليست هنا اسما أنه لا يصح حلول الجانب محلها (عوض) ظرف لاستغراق المستقبل مثل (أبدا)، إلا أنه مختص بالنفي، وهو معرب إن أضيف، كقولهم (لا أفعله عوض العائضين) مبنى إن لم يضف، وبناؤه إما على الضم كقبل، أو على الكسر كأمس، أو على الفتح كأين، وسمى الزمان عوضا لأنه كلما مضى جزء منه عوضه جزء آخر، وقيل: بل لان الدهر في زعمهم يسلب ويعوض، واختلف في قول الأعشى: 244 - رضيعي لبان ثدي أم، تحالفا * بأسحم داج عوض لا نتفرق [ص 209 و 591]
(1) ويروى (ولكن حديثا). 150 فقيل: ظرف لنتفرق، وقال ابن الكلبي: قسم، وهو اسم صنم كان لبكر بن وائل، بدليل قوله: 245 - حلفت بمائرات حول عوض * وأنصاب تركن لدى السعير والسعير: اسم لصنم كان لعنزة، انتهى. ولو كان كما زعم لم يتجه بناؤه في البيت. (عسى) فعل مطلقا، لا حرف مطلقا خلافا لابن السراج وثعلب، ولا حين يتصل بالضمير المنصوب كقوله: 246 - * يا أبتا علك أو عساكا * [ص 699] خلافا لسيبويه، حكاه عنه السيرافي، ومعناه الترجي في المحبوب والاشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم). وتستعمل على أوجه: أحدها - أن يقال (عسى زيد أن يقوم) واختلف في إعرابه على أقوال: أحدها - وهو قول الجمهور - أنه مثل كان زيد يقوم، واستشكل بأن الخبر في تأويل المصدر، والمخبر عنه ذات، ولا يكون الحدث عين الذات، وأجيب بأمور، أحدها: أنه على تقدير مضاف: إما قبل الاسم، أي عسى أمر زيد القيام، أو قبل الخبر، أي عسى زيد صاحب القيام، ومثله (ولكن البر من آمن بالله) أي ولكن صاحب البر من آمن بالله، أو ولكن البر بر من آمن بالله، والثاني أنه من باب (زيد عدل، وصوم) ومثله (وما كان هذا القرآن أن يفترى) والثالث أن أن زائدة لا مصدرية، وليس بشئ، لأنها قد نصبت، ولأنها لا تسقط إلا قليلا. والقول الثاني: أنها فعل متعد بمنزلة قارب معنى وعملا، أو قاصر بمنزلة قرب
151 من أن يفعل، وحذف الجار توسعا، وهذا مذهب سيبويه والمبرد. والثالث: أنها فعل قاصر بمنزلة قرب، وأن يفعل (1): بدل اشتمال من فاعلها، وهو مذهب الكوفيين، ويرده أنه حينئذ يكون بدلا لازما تتوقف عليه فائدة الكلام، وليس هذا شأن البدل. والرابع: أنها فعل ناقص كما يقول الجمهور، وأن والفعل بدل اشتمال كما يقول الكوفيون، وأن هذا البدل سد مسد الجزأين كما سد مسد المفعولين في قراءة حمزة رحمه الله (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير) بالخطاب، واختاره ابن مالك الاستعمال الثاني: أن نسند إلى أن والفعل، فتكون فعلا تاما، هذا هو المفهوم من كلامهم، وقال ابن مالك: عندي أنها ناقصة أبدا، ولكن سدت أن وصلتها في هذه الحالة مسد الجزأين كما في (أحسب الناس أن يتركوا) إذ لم يقل أحد إن حسب خرجت في ذلك عن أصلها. الثالث والرابع والخامس: أن يأتي بعدها المضارع المجرد، أو المقرون بالسين، أو الاسم المفرد نحو (عسى زيد يقوم، وعسى زيد سيقوم، وعسى زيد قائما) والأول قليل كقوله: 247 - عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب [ص 579] والثالث أقل كقوله: 248 - أكثرت في اللؤم ملحا دائما * لا تكثرن إني عسيت صائما وقولهم في المثل (عسى الغوير أبؤسا) كذا قالوا، والصواب أنهما مما حذف فيه الخبر: أي يكون أبؤسا، وأكون صائما، لان في ذلك إبقاء لها على الاستعمال الأصلي، ولان المرجو كونه صائما، لا نفس الصائم.
(1) في نسخة (وأن والفعل - إلخ). 152 والثاني نادر جدا كقوله: 249 - عسى طيئ من طيئ بعد هذه * ستطفئ غلات الكلى والجوانح وعسى فيهن فعل ناقص بلا إشكال. والسادس: أن يقال (عساي، وعساك، وعساه) وهو قليل، وفيه ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت لعل مجراها في اقتران خبرها بأن، قاله سيبويه، والثاني: أنها باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع، قاله الأخفش، ويرده أمران، أحدهما: أن إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت في المنفصل، نحو (ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا) وأما قوله: 250 - يا أبن الزبير طالما عصيكا * [وطالما عنيتنا إليكا] فالكاف بدل من التاء بدلا تصريفيا، لا من إنابة ضمير عن ضمير كما ظن ابن مالك، والثاني: أن الخبر قد ظهر مرفوعا في قوله: 251 - فقلت عاها نار كأس وعلها * تشكي فأتي نحوها فأعودها والثالث: أنها باقية على إعمالها عمل كان، ولكن قلب الكلام، فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس، قاله المبرد والفارسي، ورد باستلزامه في نحو قوله: * يا أبتا علك أو عساك * [246] الاقتصار على فعل ومنصوبه، ولهما أن يجيبا بأن المنصوب هنا مرفوع في المعنى، إذ مدعاهما أن الاعراب قلب والمعنى بحاله. السابع: (عسى زيد قائم) حكاه ثعلب، ويتخرج هذا على أنها ناقصة، وأن اسمها ضمير الشأن، والجملة الاسمية الخبر.
153 تنبيه - إذا قيل (زيد عسى أن يقوم) احتمل نقصان عسى على تقدير تحملها الضمير، وتمامها على تقدير خلوها منه، وإذا قلت (عسى أن يقوم زيد) احتمل الوجهين أيضا، ولكن يكون الاضمار في يقوم لا في عسى، اللهم إلا أن تقدر العاملين تنازعا زيدا، فيحتمل الاضمار في عسى على إعمال الثاني، فإذا قلت (عسى أن يضرب زيد عمرا) فلا يجوز كون زيد اسم عسى، لئلا يلزم الفصل بين صلة أن ومعمولها وهو عمرا بالأجنبي وهو زيد، ونظير هذا المثال قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). (عل) بلام خفيفة - اسم بمعنى فوق، التزموا فيه أمرين، أحدهما، استعماله مجرورا بمن، والثاني: استعماله غير مضاف، فلا يقال (أخذته من على السطح) كما يقال (من علوه، ومن فوقه) وقد وهم في هذا جماعة منهم الجوهري وابن مالك، وأما قوله: 252 - يا رب يوم لي لا أظلله * أرمض من تحت وأضحى من عله فالهاء للسكت، بدليل أنه مبنى، ولا وجه لبنائه لو كان مضافا. ومتى أريد به المعرفة كان مبنيا على الضم تشبيها له بالغايات كما في هذا البيت، إذ المراد فوقية نفسه، لا فوقية مطلقة، والمعنى أنه تصيبه الرمضاء من تحته وحر الشمس من فوقه. ومثله قول الآخر يصف فرسا: 253 - * أقب من تحت عريض من عل * ومتى أريد به النكرة كان معربا كقوله: 254 - [مكر مفر مقبل مدبر معا] * كجلود صخر حطه السيل من عل إذ المراد تشبيه الفرس في سرعته بجلمود انحط من مكان ما عال، لا من علو مخصوص.
154 (عل) بلام مشددة مفتوحة أو مكسورة: لغة في لعل، وهي أصلها عند من زعم زيادة اللام، قال: 255 - لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر قد رفعه [ص 642] وهما بمنزلة عسى في المعنى، وبمنزلة أن المشددة في العمل، وعقيل تخفض بهما، وتجيز في لامهما الفتح تخفيفا والكسر على أصل التقاء الساكنين، ويصح النصب في جوابهما عند الكوفيين تمسكا بقراءة حفص (لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع) بالنصب، وقوله: 256 - عل صروف الدهر أو دولاتها * تدلننا اللمة من لماتها * فتستريح النفس من زفراتها * وسيأتي البحث في ذلك. وذكر ابن مالك في شرح العمدة أن الفعل قد يجزم بلعل (1) عند سقوط الفاء، وأنشد: 257 - لعل التفاتا منك نحوي مقدر * يمل بك من بعد القساوة للرحم وهو غريب. (عند): اسم للحضور الحسى، نحو (فلما رآه مستقرا عنده) والمعنوي نحو (قال الذي عنده علم من الكتاب) وللقرب كذلك نحو (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) ونحو (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار)
(1) في نسخة (قد يجزم بعد لعل) وهي خير مما أثبتناه في الأصل. 155 وكسر فائها أكثر من ضمها وفتحها، ولا تقع إلا ظرفا أو مجرورة بمن، وقول العامة (ذهبت إلى عنده) لحن وقول بعض المولدين: 258 - كل عند لك عندي * لا يساوى نصف عند قال الحريري: لحن، وليس كذلك، بل كل كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الأسماء وأن تعرب ويحكى أصلها. تنبيهان - الأول: قولنا (عند اسم للحضور) موافق لعبارة ابن مالك، والصواب اسم لمكان الحضور، فإنها ظرف لا مصدر، وتأتي أيضا لزمانه نحو (الصبر عند الصدمة الأولى) وجئتك عند طلوع الشمس. الثاني: تعاقب عند كلمتان: لدى مطلقا، نحو (لدى الحناجر) (لدى الباب) (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون) ولدن إذا كان المحل محل ابتداء غاية نحو (جئت من لدنه) وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) ولو جئ بعند فيهما أو بلدن لصح، ولكن ترك دفعا للتكرار، وإنما حسن تكرار لدى في (وما كنت لديهم) لتباعد ما بينهما، ولا تصلح لدن هنا، لأنه ليس محل ابتداء. ويفترقن من وجه ثان، وهو أن لدن لا تكون إلا فضلة، بخلافهما، بدليل (ولدينا كتاب ينطق بالحق وعندنا كتاب حفيظ). وثالث، وهو أن جرها بمن أكثر من نصبها، حتى إنها لم تجئ في التنزيل منصوبة، وجر عند كثير، وجر لدى ممتنع. ورابع، وهو أنهما معربان، وهي مبنية في لغة الأكثرين. وخامس، وهو أنها قد تضاف للجملة كقوله:
156 259 - [صريع غوان راقهن ورقنه] * لدن شب حتى شاب سود الذوائب وسادس، وهو أنها قد لا تضاف، وذلك أنهم حكوا في غدوة الواقعة بعدها الجر بالإضافة، والنصب على التمييز، والرفع بإضمار (كان) تامة. ثم اعلم أن (عند) أمكن من لدى من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان والمعاني، تقول (هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به) ويمتنع ذلك في لدى، ذكره ابن الشجري في أماليه ومبرمان في حواشيه. والثاني: أنك تقول (عندي مال) وإن كان غائبا، ولا تقول (لدى مال) إلا إذا كان حاضرا، قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري، وزعم المعرى أنه لا فرق بين لدى وعند، وقول غيره أولى. وقد أغناني هذا البحث عن عقد فصل للدن وللدى في باب اللام. حرف الغين المعجمة (غير): اسم ملازم للإضافة في المعنى، ويجوز أن يقطع عنها لفظا إن فهم المعنى وتقدمت عليها كلمة ليس، وقولهم (لا غير) لحن، ويقال (قبضت عشرة ليس غيرها) برفع غير على حذف الخبر، أي مقبوضا، وبنصبها على إضمار الاسم، أي ليس المقبوض غيرها، و (ليس غير) بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا وحذف المضاف إليه لفظا ونية ثبوته كقراءة بعضهم (لله الامر من قبل ومن بعد) بالكسر من غير تنوين، أي من قبل الغلب ومن بعده، و (ليس غير) بالضم من غير تنوين، فقال المبرد والمتأخرون: إنها ضمة بناء، لا إعراب، وإن غير شبهت بالغايات كقبل وبعد، فعلى هذا يحتمل أن يكون
157 اسما وأن يكون خبرا، وقال الأخفش: ضمة إعراب لا بناء، لأنه ليس باسم زمان كقبل وبعد ولا مكان كفوق وتحت، وإنما هو بمنزلة كل وبعض، وعلى هذا فهو الاسم، وحذف الخبر، وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين، و (ليس غيرا) بالفتح والتنوين، و (ليس غير) بالضم والتنوين: وعليهما فالحركة إعرابية، لان التنوين إما للتمكين فلا يلحق إلا المعربات، وإما للتعويض فكأن المضاف إليه مذكور. ولا تتعرف (غير) بالإضافة، لشدة إبهامها، وتستعمل غير المضافة لفظا على وجهين: أحدهما - وهو الأصل -: أن تكون صفة للنكرة نحو (نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) أو لمعرفة قريبة منها نحو (صراط الذين أنعمت عليهم) الآية، لان المعرف الجنسي قريب من النكرة، ولان غيرا إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها، حتى زعم ابن السراج أنها حينئذ تتعرف، ويرده الآية الأولى. والثاني: أن تكون استثناء، فتعرب بإعراب الاسم التالي (إلا) في ذلك الكلام، فتقول (جاء القوم غير زيد) بالنصب، و (ما جاءني أحد غير زيد) بالنصب والرفع، وقال تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر) يقرأ برفع غير: إما على أنه صفة للقاعدون لانهم جنس، وإما على أنه استثناء وأبدل على حد (ما فعلوه إلا قليل منهم) ويؤيده قراءة النصب وأن حسن الوصف في (غير المغضوب عليهم) إنما كان لاجتماع أمرين الجنسية والوقوع بين الضدين، والثاني مفقود هنا، ولهذا لم يقرأ بالخفض صفة للمؤمنين إلا خارج السبع، لأنه لا وجه لها إلا الوصف، وقرئ (ما لكم من إله غيره) بالجر صفة على اللفظ، وبالرفع على الموضع، وبالنصب على الاستثناء، وهي شاذة، وتحتمل (1) قراءة الرفع الاستثناء على أنه إبدال على المحل مثل (لا إله إلا الله).
(1) في نسخة (ويحتمل على قراءة الرفع الاستثناء - إلخ). 158 وانتصاب (غير) في الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم بعد إلا عندهم، واختاره ابن عصفور، وعلى الحالية عند الفارسي، واختاره ابن مالك، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة، واختاره ابن الباذش. ويجوز بناؤها على الفتح إذا أضيفت إلى مبنى كقوله: 260 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أوقال [ص 57] وقوله: 261 - لذ بقيس حين يأبى غيره * تلفه بحرا مفيضا خيره وذلك في البيت الأول أقوى، لأنه انضم فيه إلى الابهام والإضافة لمبنى تضمن غير معنى إلا. تنبيهان - الأول: من مشكل التراكيب التي وقعت فيها كلمة غير قول الحكمي (1): 262 - غير مأسوف على زمن * ينقضي بالهم والحزن [ص 676] وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن غير مبتدأ لا خبر له، بل لما أضيف إليه مرفوع يغنى عن الخبر، وذلك لأنه في معنى النفي، والوصف بعده مخفوض لفظا وهو في قوة المرفوع بالابتداء، فكأنه قيل: ما مأسوف على زمن ينقضي مصاحبا للهم والحزن، فهو نظير (ما مضروب الزيدان)، والنائب عن الفاعل الظرف، قاله ابن الشجري وتبعه ابن مالك. والثاني: أن غير خبر مقدم، والأصل زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف
(1) - هو أبو نواس. 159 عليه، ثم قدمت غير وما بعدها، ثم حذف (زمن) دون صفته، فعاد الضمير المجرور بعلى على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه، قاله ابن جنى، وتبعه ابن الحاجب. فإن قيل: فيه حذف الموصوف مع أن الصفة غير مفردة وهو في مثل هذا ممتنع. قلنا: في النثر، وهذا شعر فيجوز فيه، كقوله: 263 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * [متى أضع العمامة تعرفوني] [ص 334 و 626] أي أنا ابن رجلا جلا الأمور، وقوله: 264 - مالك عندي غير سوط وحجر * وغير كبداء شديدة الوتر] * ترمى بكفي كان من أرمى البشر * أي بكفي رجل كان والثالث: أنه خبر لمحذوف، ومأسوف: مصدر جاء على مفعول كالمعسور والميسور، والمراد به اسم الفاعل، والمعنى أنا غير آسف على زمن هذه صفته قاله ابن الخشاب، وهو ظاهر التعسف. التنبيه الثاني: من مشكل أبيات المعاني قول حسان: 265 - أتانا فلم نعدل سواه بغيره * نبي بدا في ظلمة الليل هاديا فيقال: سواه هو غيره؟ فكأنه قال لم نعدل غيره بغيره. والجواب أن الهاء في (بغيره) للسوى، فكأنه قال: لم نعدل سواه بغير السوى، وغير السوى (1) هو نفسه عليه الصلاة والسلام، فالمعنى فلم نعدل سواه به.
(1) في نسخة (وغير سواه هو نفسه - إلخ). 160 حرف الفاء الفاء المفردة: حرف مهمل خلافا لبعض الكوفيين في قولهم: إنها ناصبة في نحو (ما تأتينا فتحدثنا) وللمبرد في قوله: إنها خافضة في نحو: فمثلك حبلى قد مرقت ومرضع * [فألهيتها عن ذي تمائم محول] [211] فيمن جر (مثلا) والمعطوف، والصحيح أن النصب بأن مضمرة كما سيأتي وأن الجر برب مضمرة كما مر. وترد على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون عاطفة، وتفيد ثلاثة أمور: أحدها: الترتيب، وهو نوعان: معنوي كما في (قام زيد فعمرو) وذكرى وهو عطف مفصل على مجمل نحو (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) ونحو (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ونحو (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) الآية، ونحو (توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه) وقال الفراء: إنها لا تفيد الترتيب مطلقا، وهذا - مع قوله إن الواو تفيد الترتيب - غريب، واحتج بقوله تعالى: (أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها أو بأنها للترتيب الذكرى، وقال الجرمي: لا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الأمطار، بدليل قوله: 266 - [قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى] بين الدخول فحومل [ص 356] وقولهم (مطرنا مكان كذا فمكان كذا) وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد. الامر الثاني: التعقيب، وهو في كل شئ بحسبه، ألا ترى أنه يقال (بروج (11 - مغني اللبيب 1)
161 فلان فولد له) إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت متطاولة، و (دخلت البصرة فبغداد) إذا لم تقم في البصرة ولا بين البلدين، وقال الله تعالى: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة) وقيل: الفاء في هذه الآية للسببية، وفاء السببية لا تستلزم التعقيب، بدليل صحة قولك (إن يسلم فهو يدخل الجنة) ومعلوم ما بينهما من المهلة، وقيل: تقع الفاء تارة بمعنى ثم، ومنه الآية، وقوله تعالى (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما) فالفاءات في فخلقنا العلقة مضغة، وفى فخلقنا المضغة، وفى فكسونا بمعنى ثم، لتراخي معطوفاتها، وتارة بمعنى الواو، كقوله * بين الدخول فحومل * [266] وزعم الأصمعي أن الصواب روايته بالواو، لأنه لا يجوز (جلست بين زيد فعمرو) وأجيب بأن التقدير: بين مواضع الدخول فمواضع حومل، كما يجوز (جلست بين العلماء فالزهاد) وقال بعض البغداديين: الأصل (ما بين) فحذف (ما) دون بين، كما عكس ذلك من قال: 267 - * يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم (1) * أصله ما بين قرن، فحذف بين وأقام قرتا مقامها، ومثله (ما بعوضة فما فوقها) قال: والفاء نائبة عن إلى، ويحتاج على هذا القول إلى أن يقال: وصحت إضافة بين إلى الدخول لاشتماله على مواضع، أو لان التقدير بين مواضع الدخول، وكون الفاء للغاية بمنزلة إلى غريب، وقد يستأنس له عندي بمجئ عكسه في نحو قوله: 268 - وأنت التي حببت شغبا إلى بدا * إلى، وأوطاني بلاد سواهما إذ المعنى شغبا فبدا، وهما موضعان، ويدل على إرادة الترتيب قوله بعده:
(1) جعل ابن الملا هذا الشاهد صدر بيت، وروى عجزه هكذا: يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم * ولا حبال محب واصل تصل 162 حللت بهذا حلة، ثم حلة * بهذا، فطاب الواديان كلاهما وهذا معنى غريب، لأني لم أر من ذكره. والامر الثالث: السببية، وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة، فالأول نحو (فوكزه موسى فقضى عليه) ونحو (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) والثاني نحو (لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم) وقد تجئ في ذلك لمجرد الترتيب نحو (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم) ونحو (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) ونحو (فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها) ونحو (فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا) وقال الزمخشري: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال: أحدها: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود، كقوله: 269 - يا لهف زيابة للحارث * فالصابح فالغانم فالآيب أي الذي صبح فغنم فآب. والثاني: أن تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، نحو قولك: (خذ الأكمل فالأفضل، واعمل الأحسن فالأجمل). والثالث: أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك نحو (رحم الله المحلقين فالمقصرين) اه. البيت لابن زيابة، يقول: يا لهف أبى على الحارث إذ صبح قومي بالغارة فغنم فآب سليما أن لا أكون لقيته فقتلته، وذلك لأنه يريد يا لهف نفسي والثاني: من أوجه الفاء: أن تكون رابطة للجواب، وذلك حيث لا يصلح لان يكون شرطا، وهو منحصر في ست مسائل:
163 إحداها: أن يكون الجواب جملة اسمية نحو (وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير) ونحو (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) الثانية: أن تكون فعلية كالاسمية، وهي التي فعلها جامد، نحو (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتيني) (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) الثالثة: أن يكون فعلها إنشائيا، نحو (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ونحو (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) ونحو (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) فيه أمران: الاسمية والانشائية، ونحو (إن قام زيد فوالله لأقومن) ونحو (إن لم يتب زيد فيا خسره رجلا). والرابعة: أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى، إما حقيقة نحو (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ونحو (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) وقد هنا مقدرة، وإما مجازا نحو (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) نزل هذا الفعل لتحقق وقوعه منزلة ما وقع. الخامسة: أن تقترن بحرف استقبال نحو (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه) ونحو (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه) السادسة: أن تقترن بحرف له الصدر، كقوله: 270 - فإن أهلك فذي لهب لظاه * على تكاد تلتهب التهابا
164 لما عرفت من أن رب مقدرة، وأنها لها الصدر، وإنما دخلت في نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) لتقدير الفعل خبر المحذوف، فالجملة اسمية. وقد مر أن إذا الفجائية قد تنوب عن الفاء نحو (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) وأن الفاء قد تحذف للضرورة كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] وعن المبرد أنه منع ذلك حتى في الشعر، وزعم أن الرواية: * من يفعل الخير فالرحمن يشكره * وعن الأخفش أن ذلك واقع في النثر الفصيح، وأن منه قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) وتقدم تأويله. وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرا، ومنه حديث اللقطة (فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها). تنبيه - كما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو (الذي يأتيني فله درهم) وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم في الاتيان، ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره. وهذه الفاء بمنزلة لام التوطئة في نحو (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) في إيذانها بما أراده المتكلم من معنى القسم، وقد قرئ بالاثبات والحذف قوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم). الثالث: أن تكون زائدة دخولها في الكلام كخروجها، وهذا لا يثبته سيبويه، وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا، وحكى (أخوك فوجد) وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا، فالامر كقوله: 271 - وقائلة: خولان فانكح فتاتهم * [وأكرومة الحيين خلو كما هيا] [ص 483]
165 وقوله: 272 - أرواح مودع أم بكور * أنت فانظر لأي ذاك تصير وحمل عليه الزجاج (هذا فليذوقوه حميم) والنهى نحو (زيد فلا تضربه) وقال ابن برهان: تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا كقوله: 273 - [لا تجزعي إن منفس أهلكته] (1) * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي [ص 403] انتهى، وتأول المانعون قوله (خولان فانكح) على أن التقدير هذه خولان، وقوله (أنت فانظر) على أن التقدير: انظر فانظر، ثم حذف انظر الأول وحده فبرز ضميره، فقيل: أنت فانظر، والبيت الثالث ضرورة، وأما الآية فالخبر (حميم) وما بينهما معترض، أو هذا منصوب بمحذوف يفسره فليذوقوه مثل (وإياي فارهبون) وعلى هذا فحميم بتقدير: هو حميم. ومن زيادتها قوله: 274 - لما اتقى بيد عظيم جرمها * فتركت ضاحي جلدها يتذبذب لان الفاء لا تدخل في جواب لما، خلافا لابن مالك، وأما قوله تعالى: (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) فالجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، وأما قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) فقيل: جواب لما الأولى لما الثانية وجوابها، وهذا مردود لاقترانه بالفاء، وقيل (كفروا به) جواب لهما، لان الثانية تكرير للأولى، وقيل: جواب الأولى محذوف: أي أنكروه. مسألة - الفاء في نحو (بل الله فاعبد) جواب لاما مقدرة عند بعضهم، وفيه إجحاف، وزائدة عند الفارسي، وفيه بعد، وعاطفة عند غيره، والأصل تنبه
(1) ويروى (إن منفسا أهلكته). 166 فاعبد الله، ثم حذف تنبه، وقدم المنصوب على الفاء إصلاحا للفظ كيلا تقع الفاء صدرا، كما قال الجميع في [الفاء في] نحو (أما زيدا فاضرب) إذ الأصل مهما يكن من شئ فاضرب زيدا، وقد مضى شرحه في حرف الهمزة. مسألة - الفاء في نحو (خرجت فإذا الأسد) زائدة لازمة عند الفارسي والمازني وجماعة، وعاطفة عند مبرمان وأبى الفتح، وللسببية المحضة كفاء الجواب عند أبي إسحاق، ويجب عندي أن يحمل على ذلك مثل (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك) ونحو (ائتني فإني أكرمك)، إذ لا يعطف الانشاء على الخبر ولا العكس، ولا يحسن إسقاطها ليسهل دعوى زيادتها. مسألة - (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) قدر أنهم قالوا بعد الاستفهام: لا، فقيل لهم: فهذا كرهتموه، يعنى والغيبة مثله فاكرهوها، ثم حذف المبتدأ وهو هذا، وقال الفارسي: التقدير فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، وضعفه ابن الشجري بأن فيه حذف الموصول - وهو ما المصدرية - دون صلتها، وذلك ردئ، وجملة (واتقوا الله) عطف على (ولا يغتب بعضكم بعضا) على التقدير الأول، وعلى (فاكرهوا الغيبة) على تقدير الفارسي، وبعد فعندي أن ابن الشجري لم يتأمل كلام الفارسي، فإنه قال: كأنهم قالوا في الجواب لا فقيل لهم فكرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله، فاتقوا عطف على فاكرهوا، وإن لم يذكر كما في (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) والمعنى فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة وإن لم تكن كما مذكورة، كما أن (ما تأتينا فتحدثنا) معناه فكيف تحدثنا وإن لم تكن كيف مذكورة، اه. وهذا يقتضى أن كما ليست محذوفة، بل أن المعنى يعطيها، فهو تفسير معنى، لا تفسير إعراب. تنبيه - قيل: الفاء تكون للاستئناف، كقوله:
167 275 - ألم تسأل الربع القواء فينطق * [وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق] أي فهو ينطق، لأنها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب، ومثله (فإنما يقول له كن فيكون) بالرفع، أي فهو يكون حينئذ، وقوله: 276 - الشعر صعب وطويل سلمه * إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه * يريد أن يعربه فيعجمه أي فهو يعجمه، ولا يجوز نصبه بالعطف، لأنه لا يريد أن يعجمه والتحقيق أن الفاء في ذلك كله للعطف، وأن المعتمد بالعطف الجملة، لا الفعل، والمعطوف عليه في هذا الشعر قوله يريد، وإنما يقدر النحويون كلمة هو ليبينوا أن الفعل ليس المعتمد بالعطف. (في): حرف جر، له عشرة معان: أحدها: الظرفية، وهي إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) أو مجازية نحو (ولكم في القصاص حياة) ومن المكانية (أدخلت الخاتم في أصبعي، والقلنسوة في رأسي) إلا أن فيهما قلبا. الثاني: المصاحبة نحو (ادخلوا في أمم) أي معهم، وقيل: التقدير ادخلوا في جملة أمم، فحذف المضاف (فخرج على قومه في زينته). والثالث: التعليل نحو (فذلكن الذي لمتنني فيه) (لمسكم فيما أفضتم) وفى الحديث (أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها). الرابع: الاستعلاء نحو (ولأصلبنكم في جذوع النخل). وقال: 277 - هم صلبوا العبدي في جذع نخلة * [فلا عطست شيبان إلا بأجدعا]
168 وقال آخر: 278 - بطل كأن ثيابه في سرحة * [يحذي نعال السبت ليس بتوأم] والخامس: مرادفة الباء كقوله: 279 - ويركب يوم الروع منا فوارس * بصيرون في طعن الأباهر والكلى وليس منه قوله تعالى (يذرؤكم فيه) خلافا لزاعمه، بل هي للسببية (1)، أي يكثركم بسبب هذا الجعل، والأظهر قول الزمخشري إنها للظرفية المجازية، قال: جعل هذا التدبير كالمنبع أو المعدن للبث والتكثير مثل (ولكم في القصاص حياة). السادس: مرادفة إلى نحو (فردوا أيديهم في أفواههم). السابع: مرادفة من كقوله: 280 - ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وهل يعمن من كان في العصر الخالي؟ وهل يعمن من كان أحدث عهده * ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال؟ وقال ابن جنى: التقدير في عقب ثلاثة أحوال، ولا دليل على هذا المضاف، وهذا نظير إجازته (جلست زيدا) بتقدير (جلوس زيد) مع احتماله لان يكون أصله إلى زيد، وقيل: الأحوال جمع حال لا حول، أي في ثلاث حالات: نزول المطر، وتعاقب الرياح، ومرور الدهور، وقيل: يريد أن أحدث عهده خمس سنين ونصف، ففي بمعنى مع. الثامن: المقايسة - وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق - نحو (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)
(1) في نسخة (للتعليل). 169 التاسع: التعويض، وهي الزائدة عوضا من [في] أخرى محذوفة كقولك (ضربت فيمن رغبت) أصله: ضربت من رغبت فيه، أجازه ابن مالك وحده بالقياس على نحو قوله * فانظر بمن تثق * [227] على حمله على ظاهره، وفيه نظر. العاشر: التوكيد، وهي الزائدة لغير التعويض، أجازه الفارسي في الضرورة، وأنشد: 281 - أنا أبو سعد إذا الليل دجا * يخال في سواده يرندجا وأجازه بعضهم في قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها) حرف القاف (قد) على وجهين: حرفية وستأتي، وإسمية، وهي على وجهين: اسم فعل وسيأتي، واسم مرادف لحسب، وهذه تستعمل على وجهين: مبنية وهو الغالب لشبهها بقد الحرفية في لفظها ولكثير من الحروف في وضعها، ويقال في هذا (قد زيد درهم) بالسكون، و (قدني) بالنون، حرصا على بقاء السكون لأنه الأصل فيما يبنون، ومعربة وهو قليل، يقال: قد زيد درهم، بالرفع، كما يقال: حسبه درهم، بالرفع، و (قدي درهم) بغير نون كما يقال: حسبي، والمستعملة اسم فعل مرادفة ليكفي، يقال: قد زيدا درهم، وقدني درهم، كما يقال: يكفي زيدا درهم، ويكفيني درهم. وقوله: 282 - قدني من نصر الخبيببن قدي * [ليس الامام بالشحيح الملحد] تحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء، وأن تكون
170 اسم فعل، وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح، والثاني على أن النون حذفت للضرورة كقوله: 283 - [عددت قومي كعديد الطيش] * إذ ذهب القوم الكرام ليسى [ص 344] ويحتمل أنها اسم فعل لم يذكر مفعوله فالياء للاطلاق، والكسرة للساكنين وأما الحرفية فمختصة بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس، وهي معه كالجزء، فلا تفصل منه بشئ، اللهم إلا بالقسم كقوله: 284 - أخالد قد والله أوطأت عشوة * وما قائل المعروف فينا يعنف [ص 393] وقول آخر: 285 - فقد والله بين لي عنائي * بوشك فراقهم صرد يصيح وسمع (قد لعمري بت ساهرا) و (قد والله أحسنت). وقد يحذف [الفعل] بعدها لدليل كقول النابغة: 286 - أفد الترحل، غير أن ركابنا * لما تزل برحالنا، وكأن قد [ص 342] أي وكأن قد زالت. ولها خمسة معان: أحدها: التوقع، وذلك مع المضارع واضح كقولك (قد يقدم الغائب اليوم) إذا كنت تتوقع قدومه. وأما مع الماضي فأثبته الأكثرون، قال الخليل: يقال (قد فعل) لقوم ينتظرون الخبر، ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لان الجماعة منتظرون لذلك،
171 وقال بعضهم: تقول (قد ركب الأمير) لمن ينتظر ركوبه، وفى التنزيل (قد سمع الله قول التي تجادلك) لأنها كانت تتوقع إجابة الله سبحانه وتعالى لدعائها. وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي، وقال: التوقع انتظار الوقوع، والماضي قد وقع. وقد تبين بما ذكرنا أن مراد المثبتين لذلك أنها تدل على أن الفعل الماضي كان قبل الاخبار به متوقعا، لا أنه الآن متوقع، والذي يظهر لي قول ثالث، وهو أنها لا تفيد التوقع أصلا، أما في المضارع فلان قولك (يقدم الغائب) يفيد التوقع بدون قد، إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له، وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع لصح أن يقال في (لا رجل) بالفتح إن للاستفهام لأنها لا تدخل إلا جوابا لمن قال: هل من رجل، ونحوه، فالذي بعد (لا) مستفهم عنه من جهة شخص آخر، كما أن الماضي بعد قد متوقع كذلك، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة، فإنه قال: إنها تدخل على ماض متوقع، ولم يقل إنها تفيد التوقع، ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع البتة، وهذا هو الحق. الثاني: تقريب الماضي من الحال، تقول (قام زيد) فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد، فإن قلت (قد قام) اختص بالقريب. وانبنى على إفادتها ذلك أحكام: أحدها: أنها لا تدخل على ليس وعسى ونعم وبئس لأنهن للحال، فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل، ولذلك علة أخرى، وهي أن صيغهن لا يفدن الزمان، ولا يتصرفن، فأشبهن الاسم، وأما قول عدى:
172 287 - لولا الحياء وأن رأسي قد عسى * فيه المشيب لزرت أم القاسم فعسى هنا بمعنى اشتد، وليست عسى الجامدة الثاني: وجوب دخولها عند البصريين إلا الأخفش على الماضي الواقع حالا إما ظاهرة نحو (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) أو مقدرة نحو (هذه بضاعتنا ردت إلينا) ونحو (أو جاءوكم حصرت صدورهم) وخالفهم الكوفيون والأخفش، فقالوا: لا تحتاج لذلك، لكثرة وقوعها حالا بدون قد، والأصل عدم التقدير، لا سيما فيما كثر استعماله. الثالث: ذكره ابن عصفور، وهو أن القسم إذا أجيب بماض متصرف. مثبت فإن كان قريبا من الحال جئ باللام وقد جميعا نحو (تالله لقد آثرك الله علينا) وإن كان بعيدا جئ باللام وحدها كقوله: 288 - حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا، فما إن من حديث ولا صالي [ص 636] اه، والظاهر في الآية والبيت عكس ما قال، إذ المراد في الآية لقد فضلك الله علينا بالصبر وسيرة المحسنين، وذلك محكوم له به في الأزل، وهو متصف به مذ عقل، والمراد في البيت أنهم ناموا قبل مجيئه. ومقتضى كلام الزمخشري أنها في نحو (والله لقد كان كذا) للتوقع لا للتقريب، فإنه قال في تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا نوحا) في سورة الأعراف فإن قلت: فما بالهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وقل عنهم نحو قوله * حلفت لها بالله - البيت * قلت: لان الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم، اه.
173 ومقتضى كلام ابن مالك أنها مع الماضي إنما تفيد التقريب كما ذكره ابن عصفور، وأن من شرط دخولها كون الفعل متوقعا، كما قدمنا، فإنه قال تسهيله: وتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه الحرف لقربه من الحال اه. الرابع: دخول لام الابتداء في نحو (إن زيدا لقد قام) وذلك لان الأصل دخولها على الاسم نحو (إن زيدا لقائم) وإنما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم نحو (وإن ربك ليحكم بينهم) فإذا قرب الماضي من الحال أشبه المضارع الذي هو شبيه بالاسم، فجاز دخولها عليه. المعنى الثالث: التقليل، وهو ضربان: تقليل وقوع الفعل نحو (قد يصدق الكذوب) و (قد يجود البخيل (1)) وتقليل متعلقه نحو قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم عليه) أي ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه، وزعم بعضهم أنها في هذه الأمثلة ونحوها للتحقيق، وأن التقليل في المثالين الأولين لم يستفد من قد، بل من قولك: البخيل يجود، والكذوب يصدق، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله. الرابع، التكثير، قاله سيبويه في قول الهذلي: 289 - قد أترك القرن مصفرا أنامله * [كأن أثوابه مجت بفرصاد] وقال الزمخشري في (قد نرى تقلب وجهك): أي ربما نرى، ومعناه تكثير الرؤية، ثم استشهد بالبيت، واستشهد جماعة على ذلك ببيت العروص: 290 - قد أشهد الغارة الشعواء تحملني * جرداء معروقة اللحيين سرحوب الخامس: التحقيق، نحو (قد أفلح من زكاها) وقد مضى أن بعضهم حمل عليه قوله تعالى (قد يعلم ما أنتم عليه) قال الزمخشري: دخلت لتوكيد العلم، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد، وقال غيره في (ولقد علمتم الذين اعتدوا) قد
(1) في نسخة (قد يعثر الجواد) بدل (قد يجود البخيل). 174 في الجملة الفعلية المجاب بها القسم مثل إن واللام في الجملة الاسمية المجاب بها في إفادة التوكيد، وقد مضى نقل القول بالتقليل في الأولى والتقريب والتوقع في مثل الثانية، ولكن القول بالتحقيق فيهما أظهر. والسادس: النفي، حكى ابن سيده (قد كنت في خير فتعرفه) بنصب تعرف، وهذا غريب، وإليه أشار في التسهيل بقوله: وربما نفى بقد فنصب الجواب بعدها، اه. ومحمله عندي على خلاف ما ذكر، وهو أن يكون كقولك للكذوب: هو رجل صادق، ثم جاء النصب بعدها نظرا إلى المعنى، وإن كانا إنما حكما بالنفي لثبوت النصب فغير مستقيم، لمجئ قوله: 291 - [سأترك منزلي لبني تميم] * وألحق بالحجاز فأستريحا وقراءة بعضهم (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه). مسألة - قيل: يجوز النصب على الاشتغال في نحو (خرجت فإذا زيد يضربه عمرو) مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وهو الظاهر، لان إذا الفجائية لا يليها إلا الجمل الاسمية، وقال أبو الحسن وتبعه ابن عصفور: يجوز في نحو (فإذا زيد قد ضربه عمرو) ويمتنع بدون قد، ووجهه عندي أن التزام الإسمية مع إذا هذه إنما كان للفرق بينها وبين الشرطية المختصة بالفعلية، فإذا اقترنت بقد حصل (1) الفرق بذلك، إذ لا تقترن الشرطية بها. (قط) - على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات، وتختص بالنفي، يقال (ما فعلته قط) والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن، واشتقاقه من قططته، أي قطعته، فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري، لان الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى، إذ المعنى مذ أن خلقت [أو مذ خلقت] إلى الآن،
(1) في نسخة (يحصل الفرق). 175 وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان، وكانت الضمة تشبيها بالغايات، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها. والثاني: أن تكون بمعنى حسب، وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء، يقال. (قطي، وقطك، وقط زيد درهم) كما يقال: حسبي، وحسبك وحسب زيد درهم، إلا أنها مبنية لأنها موضوعة على حرفين، وحسب معربة. والثالث: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي، فيقال: قطني - بنون الوقاية - كما يقال: يكفيني. وتجوز نون الوقاية على الوجه الثاني، حفظا للبناء على السكون، كما يجوز. في لدن ومن وعن كذلك. حرف الكاف الكاف المفردة - جارة، وغيرها، والجارة حرف واسم والحرف له خمسة معان: أحدها: التشبيه، نحو (زيد كالأسد). والثاني: التعليل، أثبت ذلك قوم، ونفاه الأكثرون، وقيد بعضهم جوازه بأن تكون الكاف مكفوفة بما، كحكاية سيبويه (كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه) والحق جوازه في المجردة من ما، نحو (وي كأنه لا يفلح الكافرون) أي أعجب لعدم فلاحهم، وفى المقرونة بما الزائدة كما في المثال، وبما المصدرية نحو (كما أرسلنا فيكم - الآية) قال الأخفش: أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) وأجاب بعضهم بأنه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذكر والهداية يشتركان في أمر واحد وهو
176 الاحسان، فهذا في الأصل بمنزلة (وأحسن كما أحسن الله إليك) والكاف للتشبيه، ثم عدل عن ذلك للاعلام بخصوصية المطلوب، وما ذكرناه في الآيتين من أن ما مصدرية قاله جماعة، وهو الظاهر، وزعم الزمخشري وابن عطية وغيرهما أنها كافة، وفيه إخراج الكاف عما ثبت لها من عمل الجر لغير مقتض. واختلف في نحو قوله: 292 - وطرفك إما جئتنا فاحبسنه * كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر فقال الفارسي: الأصل كيما فحذف الياء، وقال ابن مالك: هذا تكلف، بل هي كاف التعليل وما الكافة، ونصب الفعل بها لشبهها بكى في المعنى، وزعم أبو محمد الأسود في كتابه المسمى (نزهة الأديب) أن أبا على حرف هذا البيت، وأن الصواب فيه: إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا * لكي يحسبوا، البيت.. والثالث: الاستعلاء ، ذكره الأخفش والكوفيون، وأن بعضهم قيل له: كيف أصبحت؟ فقال: كخير، أمرا على خير، وقيل: المعنى بخير، ولم يثبت مجئ الكاف بمعنى الباء، وقيل هي للتشبيه على حذف مضاف، أي كصاحب خير. وقيل في (كن كما أنت): إن المعنى على ما أنت عليه، وللنحويين في هذا المثال أعاريب: أحدها: هذا، وهو أن ما موصولة، وأنت: مبتدأ حذف خبره. والثاني: أنها موصولة، وأنت خبر حذف مبتدؤه، أي كالذي هو أنت، وقد قيل بذلك في قوله تعالى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) أي كالذي هو لهم آلهة. والثالث: أن ما زائدة ملغاة، والكاف أيضا جارة كما في قوله:
177 وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم [95] وأنت: ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولهم: ما أنا كأنت، والمعنى كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضى. والرابع: أن ما كافة، وأنت: مبتدأ حذف خبره، أي عليه أو كائن، وقد قيل في (كما لهم آلهة): إن ما كافة، وزعم صاحب المستوفى أن الكاف لا تكف بما، ورد عليه بقوله: 293 - وأعلم أنني وأبا حميد * كما النشوان والرجل الحليم (1) وقوله: 294 - أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد * كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه [ص 310] وإنما يصح الاستدلال بهما إذا لم يثبت أن (ما) المصدرية توصل بالجملة الاسمية. الخامس: أن ما كافة أيضا، وأنت: فاعل، والأصل كما كنت، ثم حذف كان فانفصل الضمير، وهذا بعيد، بل الظاهر أن ما على هذا التقدير مصدرية. تنبيه - تقع (كما) بعد الجمل كثيرا صفة في المعنى، فتكون نعتا لصدر أو حالا، ويحتملهما قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) فإن قدرته نعتا لمصدر فهو إما معمول لنعيده، أي نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه، أو لنطوي، أي نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل، وإن قدرته حالا فذو الحال مفعول نعيده، أي نعيده مماثلا للذي بدأنا، وتقع كلمة (كذلك) أيضا كذلك. فإن قلت: فكيف اجتمعت مع مثل في قوله تعالى (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية، كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) ومثل في المعنى نعت لمصدر (قال) المحذوف، [أي] كما أن كذلك نعت له، ولا يتعدى
(1) الكاف لا عمل لها، والنشوان: مبتدأ، والرجل معطوف عليه، وخبر هذا المبتدأ محذوف، والجملة خبر أن. 178 عامل واحد لمتعلقين بمعنى واحد، لا تقول: ضربت زيدا عمرا، ولا يكون (مثل) تأكيدا لكذلك، لأنه أبين منه، كما لا يكون زيد من قولك (هذا زيد يفعل كذا) توكيدا لهذا لذلك، ولا خبرا لمحذوف بتقدير: الامر كذلك، لما يؤدى إليه من عدم ارتباط ما بعده بما قبله. قلت: مثل بدل من كذلك، أو بيان، أو نصب بيعلمون، أي لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى، فمثل بمنزلتها في (مثلك لا يفعل كذا) أو نصب يقال (1)، أو الكاف مبتدأ والعائد محذوف، أي قاله، ورد ابن الشجري ذلك على مكي بأن قال: قد استوفى معموله وهو مثل، وليس بشئ، لان مثل حينئذ مفعول مطلق أو مفعول به ليعلمون، والضمير المقدر مفعول به لقال. والمعنى الرابع: المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما في نحو (سلم كما تدخل) و (صل كما يدخل الوقت) ذكره ابن الخباز في النهاية، وأبو سعيد السيرافي، وغيرهما، وهو غريب جدا. والخامس: التوكيد، وهي الزائدة نحو (ليس كمثله شئ) قال الأكثرون: التقدير ليس شئ مثله، إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى ليس شئ مثل مثله، فيلزم المحال. وهو إثبات المثل، وإنما زيدت لتوكيد نفى المثل، لان زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا، قاله ابن جنى، ولأنهم إذا بالغوا في نفى الفعل عن أحد قالوا: (مثلك لا يفعل كذا) ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته، ولكنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه. وقيل: الكاف في الآية غير زائدة، ثم اختلف، فقيل: الزائد مثل، كما زيدت في (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير، اه.
(1) قال: المراد لفظ قال الأول، أي وقال الذين لا يعلمون مثل قول اليهود، ويكون قوله كذلك معمولا لقال الثاني على هذا 179 والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادة الاسم لم تثبت، وأما (بمثل ما آمنتم به) فقد يشهد للقائل بزيادة (مثل) فيها قراءة ابن عباس (بما آمنتم به) وقد تؤولت قراءة الجماعة على زيادة الباء في [المفعول] المطلق أي إيمانا مثل إيمانكم به، أي بالله سبحانه، أو بمحمد عليه الصلاة - (- والسلام، أو بالقرآن، وقيل: مثل للقرآن، وما للتوراة، أي فإن آمنوا - بكتابكم كما آمنتم بكتابهم، وفى الآية الأولى قول ثالث، وهو أن الكاف ومثلا لا رائد منهما، ثم اختلف، فقيل: مثل بمعنى الذات، وقيل: بمعنى الصفة، وقيل: الكاف اسم مؤكد بمثل، كما عكس ذلك من قال: 295 - [ولعبت طير بهم أبابيل] * فصيروا مثل كعصف مأكول وأما الكاف الاسمية الجارة فمرادفة لمثل، ولا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلا في الضرورة، كقوله: 296 - [بيض ثلاث كنعاج جم] * يضحكن عن كالبرد المنهم وقال كثير منهم الأخفش والفارسي: يجوز في الاختيار، فجوزوا في نحو (زيد كالأسد) أن تكون الكاف في موضع رفع، والأسد مخفوضا بالإضافة. ويقع مثل هذا في كتب المعربين كثيرا، قال الزمخشري في (فأنفخ فيه): إن الضمير راجع للكاف من (كهيئة الطير) أي فأنفخ في ذلك الشئ المماثل فيصير كسائر الطيور، انتهى. ووقع مثل ذلك في كلام غيره، ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل (مررت بكالأسد). وتتعين الحرفية في موضعين (1)، أحدهما: أن تكون زائدة، خلافا لمن أجاز زيادة الأسماء، والثاني: أن تقع هي ومخفوضها صلة كقوله:
(1) إنما تتعين في الموضع الأول عند الذين لا يجيزون زيادة الاسم، وتتعين في الثاني لأنها لو كانت اسما لما صلح لان يكون صلة، لأنه حينئذ مفرد، والصلة لا تكون إلا جملة 180 297 - ما يرتجى وما يخاف جمعا * فهو الذي كالليث والغيث معا خلافا لابن مالك في إجازته أن يكون مضافا ومضافا إليه على إضمار مبتدأ، كما في قراءة بعضهم (تماما على الذي أحسن) وهذا تخريج للفصيح على الشاذ، وأما قوله: 298 - [لم يبق من آي بها يحلين * غير رماد وخطام كنفين وغير ود جازل أو ودين] * وصاليات ككما يؤثفين فيحتمل أن الكافين حرفان أكد أولهما بثانيهما كما قال: 299 - [فلا والله لا يلفى لما بي * ولا للما بهم أبدا دواء [ص 183 و 353] وأن يكونا اسمين أكد أيضا أولهما بثانيهما، وأن تكون الأولى حرفا والثانية اسما. وأما الكاف غير الجارة فنوعان: مضمر منصوب أو مجرور نحو (ما ودعك ربك) وحرف معنى لا محل له ومعناه الخطاب، وهي اللاحقة لاسم الإشارة نحو (ذلك، وتلك) وللضمير المنفصل المنصوب في قولهم (إياك، وإياكما) ونحوهما، هذا هو الصحيح، ولبعض أسماء الافعال نحو (حيهلك، ورويدك، والنجاءك) ولا رأيت بمعنى أخبرني نحو (أرأيتك هذا الذي كرمت على) فالتاء فاعل، والكاف حرف خطاب هذا هو الصحيح، وهو قول سيبويه، وعكس ذلك الفراء فقال: التاء حرف خطاب، والكاف فاعل، لكونها المطابقة للمسند إليه، ويرده صحة الاستغناء عن الكاف، وأنها لم تقع قط مرفوعة، وقال الكسائي: التاء فاعل، والكاف مفعول، ويلزمه أن يصح الاقتصار على المنصوب في نحو (أرأيتك زيدا ما صنع) لأنه المفعول الثاني، ولكن الفائدة لا تتم عنده، وأما (أرأيتك هذا الذي كرمت على) فالمفعول الثاني محذوف، أي لم كرمته على وأنا خير منه؟ وقد تلحق ألفاظا أخر شذوذا، وحمل على ذلك الفارسي قوله:
181 300 - لسان السوء تهديها إلينا * وحنت، وما حسبتك أن تحينا لئلا يلزم الاخبار عن اسم العين بالمصدر، وقيل: يحتمل كون أن وصلتها بدلا من. الكاف سادا مسد المفعولين كقراءة حمزة (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم) بالخطاب. (كي) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسما مختصرا من كيف كقوله: 301 - كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت * قتلا كم، ولظى الهيجاء تضطرم؟ [ص 05] أراد كيف، فحذف الفاء كما قال بعضهم (سو أفعل)) يريد سوف. الثاني: أن تكون بمنزلة لام التعليل معنى وعملا وهي الداخلة على ما الاستفهامية في قولهم في السؤال عن العلة (كيمه) بمعنى لمه، وعلى (ما) المصدرية في قوله: 302 - إذا أنت لم تنفع فضر، فإنما * يرجى الفتى كيما يضر وينفع وقيل: ما كافة، وعلى (أن) المصدرية مضمرة نحو (جئتك كي تكرمني) إذا قدرت النصب بأن. الثالث: أن تكون بمنزلة أن المصدرية معنى وعملا، وذلك في نحو (لكيلا تأسوا) ويؤيده صحة حلول أن محلها، ولأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل، ومن ذلك (جئتك كي تكرمني) وقوله تعالى (كيلا يكون دولة) إذا قدرت اللام قبلها، فإن لم تقدر فهي تعليلية جارة، ويجب حينئذ إضمار أن بعدها، ومثله في الاحتمالين قوله: 303 - أردت لكيما أن تطير بقربتي * [فتتركها شنا ببيداء بلقع]
182 فكي إما تعليلية مؤكدة للام، أو مصدرية مؤكدة، ولا تظهر أن بعد كي إلا في الضرورة كقوله: 304 - فقالت: أكل الناس أصبحت مانحا * لسانك كيما أن تغر وتخدعا؟ وعن الأخفش أن كي جارة دائما، وأن النصب بعدها بأن ظاهرة أو مضمرة، ويرده نحو (لكيلا تأسوا) فإن زعم أن كي تأكيد للام كقوله: * ولا للما بهم أبدا دواء * [299] رد بأن الفصيح المقيس لا يخرج على الشاذ، وعن الكوفيين أنها ناصبة دائما، ويرده قولهم (كيمه) كما يقولون لمه، وقول حاتم: 305 - وأوقدت ناري كي ليبصر ضوؤها * وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله لان لام الجر لا تفصل بين الفعل وناصبه، وأجابوا عن الأول بأن الأصل (كي يفعل ماذا) ويلزمهم كثرة الحذف، وإخراج ما الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجر، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب، وكل ذلك لم يثبت، نعم وقع في صحيح البخاري في تفسير (وجوه يومئذ ناضرة) (فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا) أي كيما يسجد، وهو غريب جدا لا يحتمل القياس عليه. تنبيه - إذا قيل (جئت لتكرمني؟ بالنصب فالنصب بأن مضمرة، وجوز أبو سعيد كون المضمر كي، والأول أولى، لان أن أمكن في عمل النصب من غيرها، فهي أقوى على التجوز فيها بأن تعمل مضمرة. (كم) على وجهين: خبرية بمعنى كثير، واستفهامية بمعنى أي عدد. ويشتركان في خمسة أمور: الاسمية، والابهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وأما قول بعضهم في (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون
183 أنهم إليهم لا يرجعون): أبدلت أن وصلتها من كم فمردود، بأن عامل البدل هو عامل المبدل منه، فإن قدر عامل المبدل منه يروا فكم لها الصدر فلا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدر أهلكنا فلا تسلط له في المعنى على البدل، والصواب أن كم مفعول لأهلكنا، والجملة إما معمولة ليروا على أنه علق عن العمل في اللفظ، وأن وصلتها مفعول لأجله، وإما معترضة بين يروا وما سد مسد مفعوليه وهو أن وصلتها، وكذلك قول ابن عصفور في (أو لم يهد لهم كم أهلكنا): إن كم فاعل مردود بأن كم لها الصدر، وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول (ملكت كم عبيد) فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم، إذ خرج كلام الله سبحانه على هذه اللغة، وإنما الفاعل ضمير اسم الله سبحانه، أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل، أو جملة (أهلكنا) على القول بأن الفاعل يكون جملة إما مطلقا أو بشرط كونها مقترنة بما يعلق عن العمل والفعل قلبي نحو (ظهر لي أقام زيد) وجوز أبو البقاء كونه ضمير الاهلاك المفهوم من الجملة، وليس هذا من المواطن التي يعود الضمير فيها على المتأخر. ويفترقان في خمسة أمور: أحدها: أن الكلام مع الخبرية محتمل للتصديق والتكذيب، بخلافه مع الاستفهامية. الثاني: أن المتكلم بالخبرية لا يستدعى من مخاطبه جوابا لأنه مخبر، والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه لأنه مستخبر. الثالث: أن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة، بخلاف المبدل من الاستفهامية، يقال في الخبرية (كم عبيد لي خمسون بل ستون) وفى الاستفهامية (كم مالك أعشرون أم ثلاثون).
184 الرابع: أن تمييز كم الخبرية مفرد أو مجموع، تقول (كم عبد ملكت) و (كم عبيد ملكت) قال: 306 - كم ملوك باد ملكهم * ونعيم سوقة بادوا وقال الفرزدق: 307 - كم عمة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت على عشاري ولا يكون تمييز الاستفهامية إلا مفردا، خلافا للكوفيين. الخامس: أن تمييز الخبرية واجب الخفض، وتمييز الاستفهامية منصوب، ولا يجوز جره مطلقا خلافا للفراء والزجاج وابن السراج وآخرين، بل يشترط أن تجر كم بحرف جر، فحينئذ يجوز في التمييز وجهان: النصب وهو الكثير، والجر خلافا لبعضهم، وهو بمن مضمرة وجوبا، لا بالإضافة خلافا للزجاج. وتلخص أن في جر تمييزها أقوالا: الجواز، والمنع، والتفصيل فإن جرت هي بحرف جر نحو (بكم درهم اشتريت) جاز، وإلا فلا. وزعم قوم أن لغة تميم جواز نصب تمييز كم الخبرية إذا كان الخبر مفردا، وروى قول الفرزدق: كم عمة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت على عشاري [307] بالخفض على قياس تمييز الخبرية، وبالنصب على اللغة التميمية، أو على تقديرها استفهامية استفهام تهكم، أي أخبرني بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني فقد نسيته، وعليهما فكم: مبتدأ خبره (قد حلبت) وأفرد الضمير حملا على لفظ كم، وبالرفع على أنه مبتدأ وإن كان نكرة لكونه قد وصف بلك وبفدعاء محذوفة مدلول عليها بالمذكورة، إذ ليس المراد تخصيص الخالة بوصفها بالفدع كما حذف (لك) من صفة خالة استدلالا عليها بلك الأولى، والخبر (قد حلبت) ولا بد من
185 تقدير قد حلبت أخرى، لان المخبر عنه في هذا الوجه متعدد لفظا ومعنى، ونظيره (زينب وهند قامت) وكم على هذا الوجه: ظرف أو مصدر، والتمييز محذوف، أي كم وقت أو حلبة. (كأي): اسم مركب من كاف التشبيه وأي المنونة، ولذلك جاز الوقف عليها بالنون، لان التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية، ولهذا رسم في المصحف نونا، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل وهو الحذف في الوقف. وتوافق كأي كم في خمسة أمور: الابهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير تارة وهو الغالب، نحو (وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير) والاستفهام أخرى، وهو نادر ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أبي بن كعب لابن مسعود رضي الله عنهما (كأي تقرأ سورة الأحزاب آية) فقال: ثلاثا وسبعين. وتخالفها في خمسة أمور: أحدها: أنها مركبة، وكم بسيطة على الصحيح، خلافا لمن زعم أنها مركبة من الكاف وما الاستفهامية، ثم حذفت ألفها لدخول الجار، وسكنت ميمها للتخفيف لثقل الكلمة بالتركيب. والثاني: أن مميزها مجرور بمن غالبا، حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك، ويرده قول سيبويه (وكأي رجلا رأيت) زعم ذلك يونس، و (كأي قد أتانا رجلا) إلا أن أكثر العرب لا يتكلمون به إلا مع من، انتهى. ومن الغالب قوله تعالى (وكأين من نبي) و (كأين من آية) و (كأين من دابة) ومن النصب قوله: 308 - اطرد اليأس بالرجا، فكأي * آلما حم يسره بعد عسر
186 وقوله: 309 - وكائن لنا فضلا عليكم ومنة * قديما، ولا تدرون ما من منعم والثالث: أنها لا تقع استفهامية (1) عند الجمهور، وقد مضى. والرابع: أنها لا تقع مجرورة، خلافا لابن قتيبة وابن عصفور، أجازا (بكأي تبيع هذا الثوب). والخامس: أن خبرها لا يقع مفردا. (كذا) ترد على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما، وهما كاف التشبيه وذا الاشارية كقولك (رأيت زيدا فاضلا ورأيت عمرا كذا) وقوله: 310 - وأسلمني الزمان كذا * فلا طرب ولا أنس وتدخل عليها ها التنبيه كقوله تعالى (أهكذا عرشك) الثاني: أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيا بها عن غير عدد كقول أئمة اللغة (قيل لبعضهم: أما بمكان كذا وكذا وجذ؟ فقال: بلى وجاذا) فنصب بإضمار أعرف، وكما جاء في الحديث (أنه يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا؟ فعلت فيه كذا وكذا). الثالث: أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنيا بها عن العدد فتوافق كأي في أربعة أمور: التركيب، والبناء، والابهام، والافتقار إلى التمييز. وتخالفها في ثلاثة أمور: أحدها: أنها ليس لها الصدر، تقول (قبضت كذا وكذا درهما) الثاني: أن تمييزها واجب النصب، فلا يجوز جره بمن اتفاقا، ولا بالإضافة،
(1) في نسخة (لا تقع إلا استفهامية) وهو فاسد 187 خلافا للكوفيين، أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال (كذا ثوب، وكذا أثواب) قياسا على العدد الصريح، ولهذا قال فقهاؤهم: إنه يلزم بقول القائل (له عندي كذا درهم) مائة، وبقوله (كذا دراهم) ثلاثة، وبقوله (كذا كذا درهما) أحد عشر، وبقوله (كذا درهما) عشرون، وبقوله (كذا وكذا درهما) أحد وعشرون، حملا على المحقق من نظائرهن من العدد الصريح ووافقهم على هذه التفاصيل - غير مسألتي الإضافة - المبرد والأخفش وابن كيسان والسيرافي وابن عصفور، ووهم ابن السيد فنقل اتفاق النحويين على إجازة ما أجازه المبرد ومن ذكر معه. الثالث: أنها لا تستعمل غالبا إلا معطوفا عليها، كقوله: 311 - عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا * كذا وكذا لطفا به نسى الجهد وزعم ابن خروف أنهم لم يقولوا (كذا درهما) ولا (كذا كذا درهما) وذكر ابن مالك أنه مسموع ولكنه قليل. (كلا) مركبة عند ثعلب من كاف التشبيه ولا النافية، قال وإنما شددت لامها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين، وعند غيره هي بسيطة. وهي عند سيبويه والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها، والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم، متى سمعت كلا في سورة فاحكم بأنها مكية، لان فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لان أكثر العتو كان بها، وفيه نظر، لان لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتو بها، لا عن غلبته، ثم لا تمتنع الإشارة إلى عتو سابق، ثم لا يظهر معنى الزبر في كلا المسبوقة بنحو (في أي صورة ما شاء ركبك) (يوم يقوم الناس لرب العالمين) (ثم إن علينا بيانه) وقولهم: المعنى انته عن ترك الايمان بالتصوير في أي صورة
188 ما شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، تعسف، إذ لم يتقدم في الأولين حكاية نفى ذلك عن أحد، ولطول الفصل في الثالثة بين كلا وذكر العجلة، وأيضا فإن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق ثم نزل (كلا إن الانسان ليطغى) فجاءت في افتتاح الكلام، والوارد منها في التنزيل ثلاثة وثلاثون موضعا كلها في النصف الأخير. ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها، فزادوا فيها معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها، ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال، أحدها للكسائي ومتابعيه، قالوا: تكون بمعنى حقا، والثاني لأبي حاتم ومتابعيه، قالوا: تكون بمعنى ألا الاستفتاحية، والثالث للنضر بن شميل والفراء ومن وافقهما، قالوا تكون حرف جواب بمنزلة أي ونعم، وحملوا عليه (كلا والقمر) فقالوا: معناه أي والقمر. وقول أبى حاتم عندي أولى من قولهما، لأنه أكثر اطرادا، فإن قول النضر لا يتأتى في آيتي المؤمنين والشعراء على ما سيأتي، وقول الكسائي لا يتأتى في نحو (كلا إن كتاب الأبرار)، (كلا إن كتاب الفجار)، (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) لان أن تكسر بعد ألا الاستفتاحية، ولا تكسر بعد حقا ولا بعدما كان بمعناها، ولان تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم، وأما قول مكي إن كلا على رأى الكسائي اسم إذا كانت بمعنى حقا فبعيد، لان اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل، ومخالف للأصل، ومحوج لتكلف دعوى علة لبنائها، وإلا فلم لا نونت؟ وإذا صلح الموضع للردع ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع لأنه الغالب فيها، وذلك نحو (أطلع الغيب
189 أم اتخذ عند الرحمن عهدا، كلا سنكتب ما يقول) (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا، كلا سيكفرون بعبادتهم). وقد تتعين للردع أو الاستفتاح نحو (رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة) لأنها لو كانت بمعنى حقا لما كسرت همزة إن، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع لأنها بعد الطلب كما يقال (أكرم فلانا) فتقول (نعم) ونحو (قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربى سيهدين) وذلك لكسر إن، ولان نعم بعد الخبر للتصديق. وقد يمتنع كونها للزجر نحو (وما هي إلا ذكرى للبشر، كلا والقمر) إذ ليس قبلها ما يصح رده. وقول الطبري وجماعة إنه لما نزل في عدد خزنة جهنم (عليها تسعة عشر) قال بعضهم: اكفوني اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر، فنزل (كلا) زجرا له قول متعسف، لان الآية لم تتضمن ذلك. تنبيه - قرئ (كلا سيكفرون بعبادتهم) بالتنوين، إما على أنه مصدر كل إذا أعيا، أي كلوا في دعواهم وانقطعوا، أو من الكل وهو الثقل، أي حملوا كلا، وجوز الزمخشري كونه حرف الردع ونون كما في (سلاسلا) ورده أبو حيان بأن ذلك إنما صح في (سلاسلا) لأنه اسم أصله التنوين فرجع به إلى أصله للتناسب، أو على لغة من يصرف مالا ينصرف مطلقا، أو بشرط كونه مفاعل أو مفاعيل، اه. وليس التوجيه منحصرا عند الزمخشري في ذلك، بل جوز كون التنوين بدلا من حرف الاطلاق المزيد في رأس الآية، ثم إنه وصل بنية الوقف، وجزم بهذا الوجه في (قواريرا) وفى قراءة بعضهم (والليل إذا يسر) بالتنوين، وهذه القراءة مصححة لتأويله في كلا، إذ الفعل ليس أصله التنوين.
190 (كأن): حرف مركب عند أكثرهم، حتى ادعى ابن هشام وابن الخباز الاجماع عليه، وليس كذلك، قالوا: والأصل في (كأن زيدا أسد) إن زيدا كأسد، ثم قدم حرف التشبيه اهتماما به، ففتحت همزة أن لدخول الجار عليه، ثم قال الزجاج وابن جنى: ما بعد الكاف جر بها. قال ابن جنى: وهي حرف لا يتعلق بشئ، لمفارقته الموضع الذي تتعلق فيه بالاستقرار، ولا يقدر له عامل غيره، لتمام الكلام بدونه، ولا هو زائد، لافادته التشبيه. وليس قوله بأبعد من قول أبى الحسن: إن كاف التشبيه لا تتعلق دائما. ولما رأى الزجاج أن الجار غير الزائد حقه التعلق قدر الكاف هنا اسما بمنزلة مثل، فلزمه أن يقدر له موضعا، فقدره مبتدأ، فاضطر إلى أن قدر له خبرا لم ينطق به قط، ولا المعنى مفتقر إليه، فقال: معنى (كأن زيدا أخوك) مثل أخوة زيد إياك كائن. وقال الأكثرون: لا موضع لان وما بعدها، لان الكاف وأن صارا بالتركيب كلمة واحدة، وفيه نظر، لان ذاك في التركيب الوضعي، لا في التركيب الطارئ في حال التركيب الاسنادي. والمخلص عندي من الاشكال أن يدعى أنها بسيطة، وهو قول بعضهم. وفى شرح الايضاح لابن الخباز: ذهب جماعة إلى أن فتح همزتها لطول الحرف بالتركيب، لا لأنها معمولة للكاف كما قال أبو الفتح، وإلا لكان الكلام غير تام، والاجماع على أنه تام، اه وقد مضى أن الزجاج يراه ناقصا. وذكروا لكأن أربعة معان: أحدها - وهو الغالب عليها، والمتفق عليه - التشبيه، وهذا المعنى أطلقه الجمهور
191 لكأن، وزعم جماعة منهم ابن السيد البطليوسي أنه لا يكون إلا إذا كان خبرها اسما جامدا نحو (كأن زيدا أسد) بخلاف (كأن زيدا قائم، أو في الدار، أو عندك، أو يقوم) فإنها في ذلك كله للظن. والثاني: الشك والظن، وذلك فيما ذكرنا، وحمل ابن الأنباري عليه (كأنك بالشتاء مقبل) أي أظنه مقبلا. والثالث: التحقيق، ذكره الكوفيون والزجاجي، وأنشدوا عليه: 312 - فأصبح بطن مكة مقشعرا * كأن الأرض ليس بها هشام أي لان الأرض، إذ لا يكون تشبيها، لأنه ليس في الأرض حقيقة. فإن قيل: فإذا كانت للتحقيق فمن أين جاء معنى التعليل؟ قلت: من جهة أن الكلام معها في المعنى جواب عن سؤال عن العلة مقدر، ومثله (اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم). وأجيب بأمور، أحدها: أن المراد بالظرفية الكون في بطنها، لا الكون على ظهرها، فالمعنى أنه كان ينبغي أن لا يقشعر بطن مكة مع دفن هشام فيه، لأنه لها كالغيث. الثاني: أنه يحتمل أن هشاما قد خلف من يسد مسده، فكأنه لم يمت. الثالث: أن الكاف للتعليل، وأن للتوكيد، فهما كلمتان لا كلمة، ونظيره (ويكأنه لا يفلح الكافرون) أي أعجب لعدم فلاح الكافرين. والرابع: التقريب، قاله الكوفيون، وحملوا عليه (كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل) وقول الحريري (1): 313 - كأني بك تنحط * [إلى اللحد وتنغط]
(1) في المقامة الحادية عشرة (الساوية). 192 وقد اختلف في إعراب ذلك، فقال الفارسي: الكاف حرف خطاب، والباء زائدة في اسم كأن، وقال بعضهم: الكاف اسم كأن، وفى المثال الأول حذف مضاف، أي كأن زمانك مقبل بالشتاء، ولا حذف في (كأنك بالدنيا لم تكن) بل الجملة الفعلية خبر، والباء بمعنى في، وهي متعلقة بتكن، وفاعل تكن ضمير المخاطب، وقال ابن عصفور: الكاف والياء في كأنك وكأني زائدتان كافتان لكأن عن العمل كما تكفها ما، والباء زائدة في المبتدأ، وقال ابن عمرون: المتصل بكأن اسمها، والظرف خبرها، والجملة بعده حال، بدليل قولهم (كأنك بالشمس وقد طلعت) بالواو، ورواية بعضهم (ولم تكن، ولم تزل) بالواو، وهذه الحال متممة لمعنى الكلام كالحال في قوله تعالى (فما لهم عن التذكرة معرضين) وكحتى وما بعدها في قولك (ما زلت بزيد حتى فعل) وقال المطرزي: الأصل كأني أبصرك تنحط، وكأني أبصر الدنيا لم تكن، ثم حذف الفعل وزيدت الباء. مسألة - زعم قوم أن كأن قد تنصب الجزأين، وأنشدوا: 314 - كأن أذنيه إذا تشوفا * قادمة أو قلما محرفا فقيل: الخبر محذوف، أي يحكيان، وقيل: إنما الرواية (تخال أذنيه) وقيل: الرواية (قادمتا أو قلما محرفا) بألفات غير منونة، على أن الأسماء مثناة، وحذفت النون للضرورة، وقيل: أخطأ قائله، وهو أبو نخيلة، وقد أنشده بحضرة الرشيد فلحنه أبو عمرو والأصمعي، وهذا وهم، فإن أبا عمرو توفى قبل الرشيد. (كل): اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر، نحو (كل نفس ذائقة الموت) والمعرف المجموع نحو (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) وأجزاء المفرد المعرف نحو (كل زيد حسن) فإذا قلت (أكلت كل رغيف لزيد) كانت لعموم الافراد، فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد ومن هنا وجب في قراءة غير أبى عمرو وابن ذكوان (كذلك يطبع الله
193 على كل قلب متكبر جبار) بترك تنوين (قلب) تقدير كل بعد قلب ليعم أفراد القلوب كما عم أجزاء القلب. وترد كل - باعتبار كل واحد مما قبلها وما بعدها - على ثلاثة أوجه. فأما أوجهها باعتبار ما قبلها، فأحدها: أن تكون نعتا لنكرة أو معرفة، فتدل على كماله، وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظا ومعنى، نحو (أطعمنا شاة كل شاة) وقوله: 315 - وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد [ص 552] والثاني: أن تكون توكيدا لمعرفة، قال الأخفش والكوفيون: أو لنكرة محدودة، وعليهما ففائدتها العموم، وتجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد نحو (فسجد الملائكة كلهم) قال ابن مالك: وقد يخلفه الظاهر كقوله: 316 - كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم * يا أشبه الناس كل الناس بالقمر وخالفه أبو حيان، وزعم أن (كل) في البيت نعت مثلها في (أطعمنا شاة كل شاة) وليست توكيدا، وليس قوله بشئ، لان التي ينعت بها دالة على الكمال، لا على عموم الافراد. ومن توكيد النكرة بها قوله: 317 - نلبث حولا كاملا كله * لا نلتقي إلا على منهج وأجاز الفراء والزمخشري أن نقطع كل المؤكد بها عن الإضافة لفظا تمسكا بقراءة بعضهم (إنا كلا فيها) وخرجها ابن مالك على أن (كلا) حال من ضمير الظرف وفيه ضعف من وجهين: تقديم الحال على عامله الظرف، وقطع كل عن الإضافة لفظا
194 وتقديرا لتصير نكرة فيصح كونه حالا، والأجود أن تقدر كلا بدلا من اسم إن، وإنما جاز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل لأنه مفيد للاحاطة مثل (قمتم ثلاثتكم). والثالث: أن لا تكون تابعة، بل تالية للعوامل، فتقع مضافة إلى الظاهر نحو (كل نفس بما كسبت رهينة) وغير مضافة نحو (وكلا ضربنا له الأمثال) وأما أوجهها الثلاثة التي باعتبار ما بعدها فقد مضت الإشارة إليها. الأول: أن تضاف إلى الظاهر، وحكمها أن يعمل فيها جميع العوامل نحو (أكرمت كل بنى تميم). والثاني: أن تضاف إلى ضمير محذوف، ومقتضى كلام النحويين أن حكمها كالتي قبلها، ووجهه أنهما سيان في امتناع التأكيد بهما، وفى تذكرة أبى الفتح أن تقديم كل في قوله تعالى (كلا هدينا) أحسن من تأخيرها، لان التقدير كلهم، فلو أخرت لباشرت العامل مع أنها في المعنى منزلة منزلة ما لا يباشره، فلما قدمت أشبهت المرتفعة بالابتداء في أن كلا منهما لم يسبقها عامل في اللفظ. الثالث: أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به، وحكمها أن لا يعمل فيها غالبا إلا الابتداء، نحو (إن الامر كله لله) فيمن رفع كلا، ونحو (وكلهم آتيه) لان الابتداء عامل معنوي، ومن القليل قوله: 318 - (يميد إذا مادت عليه دلاؤهم) * فيصدر عنه كلها وهو ناهل ولا يجب أن يكون منه قول على رضي الله عنه: 319 - فلما تبينا الهدى كان كلنا * على طاعة الرحمن والحق والتقى حل الأولى تقدير كان شأنية.
195 فصل واعلم أن لفظ (كلا) حكمه الافراد والتذكير، وأن معناها بحسب ما تضاف إليه، فإن كانت مضافة إلى منكر وجب مراعاة معناها، فلذلك جاء الضمير مفردا مذكرا في نحو (وكل شئ فعلوه في الزبر) (وكل إنسان ألزمناه طائره) وقول أبى بكر وكعب ولبيد رضي الله عنهم: 320 - كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله 321 - كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل (205) وقول السموأل: 322 - إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه * فكل رداء يرتديه جميل ومفردا مؤنثا في قوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة) (كل نفس ذائقة الموت) ومثنى في قول الفرزدق: 323 - وكل رفيقي كل رحل - وإن هما * تعاطى القنا قوماهما - أخوان وهذا البيت من المشكلات لفظا ومعنى وإعرابا، فلنشرحه. قوله (كل رحل) كل هذه زائدة، وعكسه حذفها في قوله تعالى (على كل قلب متكبر جبار) فيمن أضاف، ورحل: بالحاء المهملة، وتعاطى: أصله (تعاطيا) فحذف لامه للضرورة، وعكسه إثبات اللام للضرورة فيمن قال:
196 234 - لها متنتان خظاتا (كما * أكب على ساعديه النمر إذا قيل: إن خظاتا فعل وفاعل، أو الألف من (تعاطى) لام الفعل، ووحد الضمير لان الرفيقين ليس باثنين معينين، بل هما كثير كقوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) ثم حمل على اللفظ، إذ قال (هما أخوان) كما قيل (فأصلحوا بينهما) وجملة (هما أخوان) خبر كل، وقوله (قوما) إما بدل من الفنا لان قومهما من سببهما إذ معناها تقاومهما، فحذفت الزوائد، فهو بدل اشتمال، أو مفعول لأجله، أي تعاطيا القنا لمقاومة كل منهما الآخر، أو مفعول مطلق من باب (صنع الله) لان تعاطى القنا يدل على تقاومهما. ومعنى البيت أن كل الرفقاء في السفر إذا استقروا رفيقين فهما كالأخوين لاجتماعهما في السفر والصحبة، وإن تعاطى كل واحد منهما مغالبة الآخر. ومجموعا مذكرا في قوله تعالى: (كل حزب بما لديهم فرحون) وقول لبيد: وكل أناس سوف تدخل بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل (62) ومؤنثا في قول الآخر: 325 - وكل مصيبات الزمان وجدتها * سوى فرقة الأحباب هينة الخطب ويروى: * وكل مصيبات تصيب فإنها * وعلى هذا فالبيت مما نحن فيه. وهذا الذي ذكرناه وجوب مراعاة المعنى مع النكرة - نص عليه ابن مالك، ورده أبو حيان بقول عنترة:
197 326 - جادت عليه كل عين ثرة * فتركن كل حديقة كالدرهم فقال (تركن) ولم يقل تركت، فدل على جواز (كل رجل قائم، وقائمون) والذي يظهر لي خلاف قولهما، وأن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الافراد نحو (كل رجل يشبعه رغيف) أو إلى المجموع وجب الجمع كبيت عنترة، فإن المراد أن كل فرد من الأعين جاد، وأن مجموع الأعين تركن، وعلى هذا فتقول (جاد على كل محسن فأغناني)) أو (فأغنوني) بحسب المعنى الذي تريده. وربما جمع الضمير مع إرادة الحكم على كل واحد، كقوله: 327 - * من كل كوماء كثيرات الوبر * وعليه أجاز ابن عصفور في قوله: 328 - وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه * وما كل مؤت نصحه بلبيب أن يكون (مؤتيك) جمعا حذفت نونه للإضافة، ويحتمل ذلك قول فاطمة الخزاعية تبكي إخوتها: 329 - إخوتي لا تبعدوا أبدا * وبلى والله قد بعدوا كل ما حي وإن أمروا * وارد الحوض الذي وردوا وذلك في قولها (أمروا) فأما قولها (وردوا)) فالضمير لإخوتها، هذا إن حملت الحي على نقيض الميت وهو ظاهر، فإن حملته على مرادف القبيلة فالجمع في (أمروا) واجب
198 مثله في (كل حزب بما لديهم فرحون) وليس من ذلك (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) لان القرآن لا يخرج على الشاذ، وإنما الجمع باعتبار معنى الأمة، ونظيره الجمع في قوله تعالى (أمة قائمة يتلون) ومثل ذلك قوله تعالى (وعلى كلا ضامر يأتين) فليس الضامر مفردا في المعنى لأنه قسيم الجمع وهو (رجالا) بل هو اسم جمع كالجامل والباقر، أو صفة لجمع محذوف أي كل نوع ضامر ونظيره (ولا تكونوا أول كافر به) فإن (كافر) نعت لمحذوف مفرد لفظا مجموع معنى أي أول فريق كافر، ولولا ذلك لم يقل (كافر) بالافراد. وأشكل من الآيتين قوله تعالى (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون) ولو ظفر بها أبو حيان لم يعدل إلى الاعتراض ببيت عنترة. والجواب عنها أن جملة (لا يسمعون) مستأنفة أخبر بها عن حال المسترقين، لا صفة لكل شيطان، ولا حال منه، إذ لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع، وحينئذ فلا يلزم عود الضمير إلى كل، ولا إلى ما أضيفت إليه، وإنما هو عائد إلى الجمع المستفاد من الكلام. وإن كانت (كل) مضافة إلى معرفة فقالوا: يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها، نحو (كلهم قائم، أو قائمون) وقد اجتمعتا في قوله تعالى (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) والصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردا مذكرا على لفظها نحو (وكلهم آتيه يوم القيامة) الآية، وقوله تعالى فيما يحكيه عنه نبيه عليه الصلاة والسلام (يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) الحديث وقوله عليه الصلاة والسلام (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) و (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) (وكلنا لك عبد) ومن ذلك
199 (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) وفى الآية حذف مضاف، وإضمار لما دل عليه المعنى لا اللفظ، أي أن كل أفعال هذه الجوارح كان المكلف مسؤلا عنه، وإنما قدرنا المضاف لان السؤال عن أفعال الحواس، لا عن أنفسها، وإنما لم يقدر ضمير (كان) راجعا لكل لئلا يخلو (مسؤلا) عن ضمير فيكون حينئذ مسندا إلى (عنه) كما توهم بعضهم، ويرده أن الفاعل ونائبه لا يتقدمان على عاملهما، وأما (لقد أحصاهم) فجملة أجيب بها القسم، وليست خبرا عن كل، وضميرها راجع لمن، لا لكل، ومن معناها الجمع. فإن قطعت عن الإضافة لفظا، فقال أبو حيان: يجوز مراعاة اللفظ نحو (كل يعمل على شاكلته) (فكلا أخذنا بذنبه) ومراعاة المعنى نحو (وكل كانوا ظالمين) والصواب أن المقدر يكون مفردا نكرة، فيجب الافراد كما لو صرح بالمفرد، ويكون جمعا معرفا فيجب الجمع، وإن كانت المعرفة لو ذكرت لوجب الافراد، ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما، فالأول نحو (كل يعمل على شاكلته) (كل آمن بالله) (كل قد علم صلاته وتسبيحه) إذ التقدير كل أحد، والثاني نحو (كل له قانتون) (كل في فلك يسبحون) (وكل أتوه داخرين) (وكل كانوا ظالمين) أي كلهم. مسألتان - الأولى، قال البيانيون: إذا وقعت (كل) في حيز النفي كان النفي موجها إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الافراد، كقولك (ما جاء كل القوم، ولم آخذ كل الدراهم، وكل الداهم له آخذ) وقوله: 330 - * ما كل رأى الفتى يدعو إلى رشد * وقوله: 331 - ما كل ما يتمنى المرء يدركه * (تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن)
200 وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد، كقوله عليه الصلاة والسلام - لما قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة -: (كل ذلك لم يكن) وقول أبى النجم: 332 - قد أصبحت أم الخيار تدعى * على ذنبا كله لم أصنع (ص 498 و 611 و 633) وقد يشكل على قولهم في القسم الأول قوله تعالى: (والله لا يحب كل مختال فخور). وقد صرح الشلوبين وابن مالك في بيت أبى النجم بأنه لا فرق في المعنى بين رفع كل ونصبه، ورد الشلوبين على ابن أبي العافية إذ زعم أن بينهما فرقا، والحق ما قاله البيانيون، والجواب عن الآية أن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود، إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفجر مطلقا. الثانية - كل في نحو (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا) منصوبة على الظرفية باتفاق، وناصبها الفعل الذي هو جواب في المعنى مثل (قالوا) في الآية، وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها محتملة لوجهين: أحدهما: أن تكون حرفا مصدريا والجملة بعده صلة له، فلا محل لها، والأصل كل رزق، ثم عبر عن معنى المصدر بما والفعل، ثم أنيبا عن الزمان، أي كل وقت رزق، كما أنيب عنه المصدر الصريح في (جئتك خفوق النجم): والثاني: أن تكون اسما نكرة بمعنى وقت، فلا تحتاج على هذا إلى تقدير وقت، والجملة بعده في موضع خفض على الصفة، فتحتاج إلى تقدير عائد منها، أي كل وقت رزقوا فيه.
201 ولهذا الوجه مبعد، وهو ادعاء حذف الصفة وجوبا، حيث لم يرد مصرحا به في شئ ء من أمثلة هذا التركيب، ومن هنا ضعف قول أبى الحسن في نحو (أعجبني ما قمت): إن ما اسم، والأصل ما قمته، أي القيام الذي قمته، وقوله في (يا أيها الرجل): إن أيا موصولة والمعنى يا من هو الرجل، فإن هذين العائدين لم يلفظ بهما قط، وهو مبعد عندي أيضا لقول سيبويه في نحو (سرت طويلا، وضربت زيدا كثيرا): إن طويلا وكثيرا حالان من ضمير المصدر محذوفا، أي سرته وضربته، أي السير والضرب، لان هذا العائد لم يتلفظ به قط. فإن قلت: فقد قالوا (ولا سيما زيد) بالرفع، ولم يقولوا قط (ولا سيما هو زيد). قلت: هي كلمة واحدة شذوا فيها بالتزام الحذف، ويؤنسك بذلك أن فيها شذوذين آخرين: إطلاق (ما) على الواحد ممن يعقل، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة. وللوجه الأول مقربان: كثرة مجيئ الماضي بعدها نحو (كلما نضجت جلودهم بدلناهم) (كلما أضاء لهم مشوا فيه) (وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه) (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا) وأن ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى، فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الأخرى، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها في (ما تفعل أفعل) لامرين: أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الأصح. وإذا قلت: (كلما استدعيتك فإن زرتني فعبدي حر) فكل منصوبة أيضا على الظرفية، ولكن ناصبها محذوف مدلول عليه بجر المذكور في الجواب وليس العامل المذكور لوقوعه بعد الفاء وإن، ولما أشكل ذلك على ابن عصفور
202 قال وقلده الأبدي: إن كلا في ذلك مرفوعة بالابتداء، وإن جملتي الشرط والجواب خبرها، وإن الفاء دخلت في الخبر كما دخلت في نحو (كل رجل يأتيني فله درهم) وقدرا في الكلام حذف ضميرين، أي كلما استدعيتك فيه فإن زرتني فعبدي حر بعده، لترتبط الصفة بموصوفها والخبر بمبتدئه. قال أبو حيان: وقولهما مدفوع بأنه لم يسمع (كل) في ذلك إلا منصوبة، ثم تلا الآيات المذكورة، وأنشد قوله: 333 - وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي وليس هذا مما البحث فيه، لأنه ليس فيه ما يمنع من العمل. (كلا، وكلتا): مفردان لفظا، مثنيان معنى، مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين، وإما بالحقيقة والتنصيص نحو (كلتا الجنتين) ونحو (أحدهما أو كلاهما) وإما بالحقيقة والاشتراك نحو (كلانا) فإن (نا) مشتركة بين الاثنين والجماعة، أو بالمجاز كقوله: 334 - إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل فإن (ذلك) حقيقة في الواحد، وأشير بها إلى المثنى على معنى: وكلا ما ذكر، على حدها في قوله تعالى: (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) وقولنا كلمة واحدة احتراز من قوله: 335 - كلا أخي وخليلي واجدي عضدا * (وساعدا عند إلمام الملمات) فإنه ضرورة نادرة، وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو (كلاي وكلاك محسنان) وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصة نحو
203 (كلا رجلين عندك محسنان) فإن رجلين قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا (كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها) أي تاركة للغزل. ويجوز مراعاة لفظ كلا وكلتا في الافراد نحو (كلتا الجنتين آتت أكلها) ومراعاة معناهما، وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله: 336 - كلاهما حين جد السير بينهما * قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابي ومثل أبو حيان لذلك بقول الأسود بن يعفر: 337 - إن المنية والحتوف كلاهما * يوفى المنية يرقبان سوادي وليس بمتعين، لجواز كون (يرقبان) خبرا عن المنية والحتوف، ويكون ما بينهما إما خبرا أول أو اعتراضا، ثم للصواب في إنشاده (كلاهما يوفى المخارم)، إذ لا يقال إن المنية توفى نفسها. وقد سئلت قديما عن قول القائل (زيد وعمرو كلاهما قائم، أو كلاهما قائمان) أيهما الصواب؟ فكتبت: إن قدر كلاهما توكيدا قيل: قائمان، لأنه خبر عن زيد وعمرو، وإن قدر مبتدأ فالوجهان، والمختار الافراد، وعلى هذا فإذا قيل (إن زيدا وعمرا) فإن قيل (كليهما) قيل (قائمان) أو (كلاهما) فالوجهان، ويتعين مراعاة اللفظ في نحو (كلاهما محب لصاحبه) لان معناه كل منهما، وقوله: 338 - كلانا غنى عن أخيه حياته * ونحن إذا متنا أشد تغانيا (كيف): ويقال فيها (كي) كما يقال في سوف: سو، قال: كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت * قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (302)
204 وهو اسم، لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم (على كيف تبيع الآخرين) (1) ولابدال الاسم الصريح منه نحو (كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟) وللاخبار به مع مباشرته الفعل في نحو (كيف كنت؟) فبالاخبار به انتفت الحرفية وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية. وتستعمل على وجهين: أحدهما: أن تكون شرطا، فتقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين نحو (كيف تصنع أصنع) ولا يجوز (كيف تجلس أذهب) باتفاق، ولا (كيف تجلس أجلس) بالجزم عند البصريين إلا قطربا، لمخالفتها لأدوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مر، وقيل: يجوز مطلقا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون، وقيل: يجوز بشرط اقترانها بما، قالوا: ومن ورودها شرطا (ينفق كيف يشاء) (يصوركم في الأرحام كيف يشاء) (فيبسطه في السماء كيف يشاء) وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها، وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها. والثاني، وهو الغالب فيها: أن تكون استفهاما، إما حقيقيا نحو (كيف زيد) أو غيره نحو (كيف تكفرون بالله) الآية، فإنه أخرج مخرج التعجب. وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى، نحو (كيف أنت) و (كيف كنت) ومنه (كيف ظننت زيدا) و (كيف أعلمته فرسك) لان ثاني مفعولي ظن وثالث مفعولات أعلم خبران في الأصل، وحالا قبل ما يستغنى، نحو (كيف جاء زيد؟) أي على أي حالة جاء زيد، وعندي أنها تأتى في هذا النوع مفعولا مطلقا أيضا، وأن منه (كيف فعل ربك) إذ المعنى أي فعل فعل ربك، ولا يتجه فيه أن (هامش صفحة 205) (1) الأحمران: الخمر واللحم، والأحامرة: هما والخلوق.
205 يكون حالا من الفاعل، ومثله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) أي فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد يصنعون، ثم حذف عاملها مؤخرا عنها وعن إذا، كذا قيل، والأظهر أن يقدر بين كيف وإذا، وتقدر إذا خالية عن معنى الشرط، وأما (كيف وإن يظهروا عليكم) فالمعني كيف يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا، فكيف: حال من عهد، إما على أن يكون تامة أو ناقصة وقلنا بدلالتها على الحدث، وجملة الشرط حال من ضمير الجمع. وعن سيبويه أن كيف ظرف، وعن السيرافي والأخفش أنها اسم غير ظرف، وبنوا (1) على هذا الخلاف أمورا: أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعندهما رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره. الثاني: أن تقديرها عند سيبويه: في أي حال، أو على أي حال، وعندهما تقديرها في نحو (كيف زيد) أصحيح زيد، ونحوه، ونحو (كيف جاء زيد) أراكبا جاء زيد، ونحوه. والثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال (على خير) ونحوه، ولهذا قال رؤبة - وقد قيل له: كيف أصبحت (خير عافاك الله) أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، فإن أجيب على المعنى دون اللفظ قيل: صحيح، أو سقيم. وعندهما على العكس، وقال ابن مالك ما معناه: لم يقل أحد إن كيف ظرف، إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا، لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا، اه. وهو حسن، ويؤيده الاجماع على أنه يقال في البدل: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم، بالرفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب. (هامش صفحة 206) (1) في نسخة (ورتبوا على هذا الخلاف).
206 تنبيه - قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) لا تكون كيف بدلا من الإبل، لان دخول الجار على كيف شاذ، على أنه لم يسمع في إلى، بل في علي، ولان إلى متعلقة بما قبلها، فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه، ولان الجملة التي بعدها تصير حينئذ غير مرتبطة، وإنما هي منصوبة بما بعدها على الحال، وفعل النظر معلق، وهي وما بعدها بدل من الإبل بدل اشتمال، والمعنى إلى الإبل كيفية خلقها، ومثله (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) ومثلهما في إبدال جملة فيها كيف من اسم مفرد قوله: 339 - إلى الله أشكو بالمدينة حاجة * وبالشام أخرى كيف يلتقيان (ص 426) أي أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما. مسألة - زعم قوم أن كيف تأتى عاطفة، وممن زعم ذلك عيسى بن موهب، ذكره في كتاب العلل، وأنشد عليه: 340 - إذا قل مال المرء لانت قناته * وهان على الأدنى فكيف الأباعد وهذا خطأ، لاقترانها بالفاء، وإنما هي (هنا) اسم مرفوع المحل على الخبرية، ثم يحتمل أن الأباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي فكيف حال الأباعد، فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز (والله يريد الآخرة) (1) أو بتقدير: فكيف الهوان على الأباعد، فحذف المبتدأ والجار، أو بالعطف بالفاء ثم أقحمت كيف بين العاطف والمعطوف لافادة الأولوية بالحكم. حرف اللام (اللام المفردة) ثلاثة أقسام: عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة. (هامش صفحة 207) (1) تقدير الآية على هذه القراءة: والله يريد ثواب الآخرة، فحذف المضاف وبقى المضاف إليه على جره.
207 وليس في القسمة أن تكون عاملة للنصب، خلافا للكوفيين، وسيأتي. فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر، نحو لزيد، ولعمرو، إلا مع المستغاث المباشر ليا فمفتوحة نحو (يا لله) وأما قراءة بعضهم (الحمد لله) بضمها فهو عارض للاتباع، ومفتوحة مع كل مضمر نحو لنا، ولكم، ولهم، إلا مع ياء المتكلم فمكسورة. وإذا قيل (يا لك، ويا لي) احتمل كل منهما أن يكون مستغاثا به وأن يكون مستغاثا من أجله، وقد أجازهما ابن جنى في قوله: 341 - فيا شوق ما أبقى، ويا لي من النوى * (ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى) (ص 219) وأوجب ابن عصفور في (يا لي) أن يكون مستغاثا من أجله، لأنه لو كان مستغاثا به لكان التقدير يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير باب ظننت وفقدت وعدمت، وهذا لازم له، لا لابن جنى، لما سأذكره بعد. ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل ويقرأ (وما كان الله ليعذبهم). وللأم الجارة اثنان وعشرون معنى: أحدها: الاستحقاق، وهي الواقعة بين معنى وذات، نحو (الحمد لله) والعزة لله، والملك لله والامر لله، ونحو (ويل للمطففين) و (لهم في الدنيا خزى) ومنه (للكافرين النار) أي عذابها. والثاني: الاختصاص (1) نحو (الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، والسرج للدابة، والقميص للعبد) ونحو (إن له أبا) (فإن كان له إخوة) وقولك: هذا الشعر لحبيب، وقولك: أدوم لك ما تدوم لي. والثالث: الملك، نحو (له ما في السماوات وما في الأرض) وبعضهم يستغنى بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالأمثلة المذكورة ونحوها، (هامش صفحة 208) (1) لام الاختصاص: هي الداخلة بين اسمين يدل كل منهما على الذات، والداخلة عليه لا يملك الآخر، وسواء أكان يملك غيره أم كان ممن لا يملك أصلا.
208 ويرجحه أن فيه تقليلا للاشتراك، وأنه إذا قيل (هذا المال لزيد والمسجد) لزم القول بأنها للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك، لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة، وأكثرهم يمنعه. الرابع: التمليك، نحو (وهبت لزيد دينارا). الخامس: شبه التمليك، نحو (جعل لكم من أنفسكم أزواجا). السادس: التعليل، كقوله: 342 - ويوم عقرت للعذارى مطيتي * (فيا عجبا من كورها المتحمل) وقوله تعالى (لإيلاف قريش) وتعلقها بفليعبدوا، وقيل: بما قبله، أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، ورجح بأنهما في مصحف أبى سورة واحدة، وضعف بأن (جعلهم كعصف) إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت، وقيل: متعلقة بمحذوف تقديره أعجبوا، وكقوله تعالى (وإنه لحب الخير لشديد) أي وإنه من أجل حب المال لبخيل، وقراءة حمزة (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة) الآية، أي لأجل إيتائي إياكم (1) بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معكم لتؤمنن به، فما: مصدرية فيهما، واللام تعليلية، وتعلقت بالجواب المؤخر على الاتساع في الظرف، كما قال الأعشى: (رضيعي لبان ثدي أم تحالفا * بأسحم داج) عوض لا نتفرق (244) ويجوز كون (ما) موصولا اسميا. فإن قلت: فأين العائد في (ثم جاءكم رسول)؟ (هامش صفحة 209) (1) في نسخة (لأجل إيتائي إليكم). (10 - مغني اللبيب 1)
209 قلت: إن (ما معكم) هو نفس (ما آتيتكم) فكأنه قيل: مصدق له، وقد يضعف هذا لقلته نحو قوله: 343 - (فيارب أنت الله في كل موطن) * وأنت الذي في رحمة الله أطمع (ص 504 و 546) وقد يرجح بأن الثواني يتسامح فيها كثيرا، وأما قراءة الباقين (بالفتح) فاللام لام التوطئة، وما شرطية، أو اللام للابتداء، وما: موصولة، أي لذي آتيتكموه، وهي مفعولة على الأول، ومبتدأ على الثاني. ومن ذلك قراءة حمزة والكسائي (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) بكسر اللام، ومنها اللام الثانية في نحو (يا لزيد ولعمرو) وتعلقها بمحذوف، وهو فعل من جملة مستقلة، أي أدعوك لعمرو، أو اسم هو حال من المنادى، أي مدعوا لعمرو، قولان، ولم يطلع ابن عصفور على الثاني فنقل الاجماع على الأول. ومنها اللام الداخلة لفظا على المضارع في نحو (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) وانتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة بعينها وفاقا للجمهور، لا بأن مضمرة أو بكى المصدرية مضمرة خلافا للسيرافي وابن كيسان، ولا باللام بطريق الأصالة خلافا لأكثر الكوفيين، ولا بها لنيابتها عن أن خلافا لثعلب، ولك إظهار أن، فتقول (جئتك لان تكرمني) بل قد يجب، وذلك إذا اقترن الفعل بلا نحو (لئلا يكون للناس عليكم حجة)، لئلا يحصل الثقل بالتقاء المثلين. فرع - أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كي، وجعل منه (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فقال: المعنى ليرضنكم، قال أبو على: وهذا عندي أولى من أن يكون متعلقا بيحلفون والمقسم عليه محذوف، وأنشد أبو الحسن: 344 - إذا قلت قدني قال بالله حلفة * لتغني عنى ذا إنائك أجمعا (ص 409)
210 والجماعة يأبون هذا، لان القسم إنما يجاب بالجملة، ويروون البيت لتغنن بفتح اللام ونون التوكيد، وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لأجل النون إن كان ياء تلى كسرة كقوله: 345 - وابكن عيشا تقضى بعد جدته * (طابت أصائله في ذلك البلد) وقدروا الجواب محذوفا واللام متعلقة به، أي ليكونن كذا ليرضوكم، ولتشربن لتغني عنى. السابع: توكيد النفي، وهي الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بما كان أو بلم يكن ناقصين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون باللام، نحو (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) (لم يكن الله ليغفر لهم) ويسميها أكثرهم لام الجحود لملازمتها للجحد أي النفي، قال النحاس: والصواب تسميتها لام النفي، لان الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه، لا مطلق الانكار، اه. ووجه التوكيد فيها عند الكوفيين أن أصل (ما كان ليفعل) ما كان يفعل ثم أدخلت اللام زيادة لتقوية النفي، كما أدخلت الباء في (ما زيد بقائم) لذلك، فعندهم أنها حرف زائد مؤكد، غير جار، ولكنه ناصب، ولو كان جارا لم يتعلق عندهم بشئ لزيادته، فكيف به وهو غير جار؟ ووجهه عند البصريين أن الأصل ما كان قاصدا للفعل، ونفى القصد أبلغ من نفيه، ولهذا كان قوله: 346 - يا عاذلاتي لا تردن ملامتي * إن العواذل لسن لي بأمير أبلغ من (لا تلمنني) لأنه نهى عن السبب، وعلى هذا فهي عندهم حرف جر معد متعلق بخبر كان المحذوف، والنصب بأن مضمرة وجوبا. وزعم كثير من الناس في قوله تعالى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)
211 في قراءة غير الكسائي بكسر اللام الأولى وفتح الثانية أنها لام الجحود (1). وفيه نظر، لان النافي على هذا غير ما ولم، ولاختلاف فاعلي كان وتزول، والذي يظهر لي أنها لام كي، وأن إن شرطية، أي وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإن كان مكرهم لشدته معدا لأجل زوال الأمور العظام المشبهة في عظمها بالجبال، كما تقول: أنا أشجع من فلان وإن كان معدا للنوازل. وقد تحذف كان قبل لام الجحود كقوله: 347 - فما جمع ليغلب جمع قومي * مقاومة، ولا فرد لفرد أي فما كان جمع، وقول أبى الدرداء رضي الله عنه في الركعتين بعد العصر (ما أنا لادعهما). والثامن: موافقة إلى، نحو قوله تعالى (بأن ربك أوحى لها) (كل يجرى لأجل مسمى) (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه). والتاسع: موافقة (على) في الاستعلاء الحقيقي نحو (ويخرون للأذقان) (دعانا لجنبه) (وتله للجبين) وقوله: 348 - (ضممت إليه بالسنان قميصه) * فخر صريعا لليدين وللفم والمجازي نحو (وإن أسأتم فلها) ونحو قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضى الله تعالى عنها (اشتر طي لهم الولاء) وقال النحاس: المعنى من أجلهم، قال: ولا نعرف في العربية لهم بمعنى عليهم. والعاشر: موافقة (في) نحو (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) (لا يجليها (هامش صفحة 212) (1) (أنها لام الجحود) في تأويل مصدر مفعول زعم.
212 لوقتها إلا هو) وقولهم (مضى لسبيله) قيل: ومنه (يا ليتني قدمت لحياتي) أي في حياتي، وقيل: للتعليل، أي لأجل حياتي في الآخرة. والحادي عشر: أن تكون بمعنى (عند) كقولهم (كتبته لخمس خلون) وجعل منه ابن جنى قراءة الجحدري (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) بكسر اللام وتخفيف الميم. والثاني عشر: موافقة (بعد) نحو (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وفى الحديث (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) وقال: 349 - فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا والثالث عشر: موافقة (مع)، قاله بعضهم، وأنشد عليه هذا البيت (1). والرابع عشر: موافقة (من) نحو (سمعت له صراخا) وقول جرير: 350 - لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم * ونحن لكم يوم القيامة أفضل والخامس عشر: التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، نحو (قلت له، وأذنت له، وفسرت له). والسادس عشر: موافقة عن، نحو قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) قاله ابن الحاجب، وقال ابن مالك وغيره: هي لام التعليل، وقيل: لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفا، أي قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وحيث دخلت اللام على غير المقول له فالتأويل على بعض ما ذكرناه، نحو (قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا) (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا) وقوله:
(1) يريد بيت متمم بن نويرة الذي هو الشاهد رقم 349. 213 351 - كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغضا: إنه لذميم (1) السابع عشر: الصيرورة، وتسمى لام العاقبة ولام المآل، نحو (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) وقوله: 352 - فللموت تغذو الوالدات سخالها * كما لخراب الدور تبنى المساكن وقوله: 353 - فإن يكن الموت أفناهم * فللموت ما تلد الوالدة ويحتمله (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) ويحتمل أنها لام الدعاء، فيكون الفعل مجزوما لا منصوبا، ومثله في الدعاء (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) ويؤيده أن في آخر الآية (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا). وأنكر البصريون ومن تابعهم لام العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها لام العلة، وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، وبيانه أنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا، بل المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفعل لأجله، فاللام مستعارة لما يشبه التعليل كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد. الثامن عشر: القسم والتعجب معا، وتختص باسم الله تعالى كقوله: 354 - لله يبقى على الأيام ذو حيد * [بمشمخر به الظيان والآس] التاسع عشر: التعجب المجرد عن القسم، وتستعمل في النداء كقولهم (يا للماء). و (يا للشعب) إذا تعجبوا من كثرتهما، وقوله:
(1) الأفضل في الرواية (لدميم) أن تكون بالدال المهملة، أي مطلي بالدمام. 214 355 - فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل وقولهم (يا لك رجلا عالما) وفى غيره كقولهم (لله دره فارسا، ولله أنت) وقوله: 356 - شباب وشيب وافتقار وثروة * فلله هذا الدهر كيف ترددا المتمم عشرين: التعدية، ذكره ابن مالك في الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: (فهب لي من لدنك وليا) وفى الخلاصة، ومثل له ابنه بالآية وبقولك (قلت له افعل كذا) ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل في شرحه أن اللام في الآية لشبه التمليك، وأنها في المثال للتبليغ، والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو (ما أضرب زيدا لعمرو، وما أحبه لبكر). الحادي والعشرون: التوكيد، وهي اللام الزائدة، وهي أنواع: منها اللام المعترضة بين الفعل المتعدى ومفعوله كقوله: 357 - ومن يك ذا عظم صليب رجابه * ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وقوله: 358 - وملكت ما بين العراق ويثرب * ملكا أجار لمسلم ومعاهد وليس منه (ردف لكم) خلافا للمبرد ومن وافقه، بل ضمن ردف معنى اقترب فهو مثل (اقترب للناس حسابهم).
215 واختلف في اللام من نحو (يريد الله ليبين لكم) (وأمرنا لنسلم لرب العالمين) وقول الشاعر: 359 - أريد لأنسى ذكرها، فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل فقيل: زائدة، وقيل: للتعليل، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: المفعول محذوف، أي يريد الله التبيين ليبين لكم ويهديكم: أي ليجمع لكم بين الامرين، وأمرنا بما أمرنا به لنسلم، وأريد السلو لأنسى، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في ذلك كله مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء، واللام وما بعدها خبر، أي إرادة الله للتبيين، وأمرنا للاسلام، وعلى هذا فلا مفعول للفعل. ومنها اللام المسماة بالمقحمة، وهي المعترضة بين المتضايفين، وذلك في قولهم (يا بؤس للحرب) والأصل يا بؤس الحرب، فأقحمت تقوية للاختصاص، قال: 360 - يا بؤس للحرب التي * وضعت أراهط فاستراحوا وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف؟ قولان، أرجحهما الأول، لان اللام أقرب، ولان الجار لا يعلق. ومن ذلك قولهم (لا أبا لزيد، و أخا له، ولا غلامي له) على قول سيبويه إن اسم لا مضاف لما بعد اللام، وأما على قول من جعل اللام وما بعدها صفة وجعل الاسم شبيها بالمضاف لان الصفة من تمام الموصوف، وعلى قول من جعلهما خبرا وجعل أبا وأخا على لغة من قال: إن أباها وأبا أباها * [قد بلغا في المجد غايتاها] [50] وقولهم (مكره أخاك لا بطل) وجعل حذف النون على وجه الشذوذ كقوله:
216 361 - * بيضك ثنتا وبيضي مائتا (1) * فاللام للاختصاص، وهي متعلقة باستقرار محذوف. ومنها اللام المسماة لام التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف: إما بتأخره نحو (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) ونحو (إن كنتم للرؤيا تعبرون) أو بكونه فرعا في العمل نحو (مصدقا لما معهم) (فعال لما يريد) (نزاعة للشوى) ونحو: ضربي لزيد حسن، وأنا ضارب لعمرو، قيل: ومنه (إن هذا عدو لك ولزوجك) وقوله: 362 - إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له * أكيلا، فإني لست آكله وحدي وفيه نظر، لان عدوا وأكيلا - وإن كانا بمعنى معاد ومؤاكل - لا ينصبان المفعول، لأنهما موضوعان للثبوت، وليسا مجاريين للفعل في التحرك والسكون، ولا محولان عما هو مجار له، لان التحويل إنما هو ثابت في الصيغ التي يراد بها المبالغة، وإنما اللام في البيت للتعليل، وهي متعلقة بالتمسي، وفى الآية متعلقة بمستقر محذوف صفة لعدو، وهي للاختصاص. وقد اجتمع التأخر والفرعية في (وكنا لحكمهم شاهدين) وأما قوله تعالى (نذيرا للبشر) فإن كان النذير بمعنى المنذر فهو مثل (فعال لما يريد) وإن كان بمعنى الانذار فاللام مثلها في (سقيا لزيد) وسيأتي. قال ابن مالك: ولا تزاد لام التقوية مع عامل يتعدى لاثنين، لأنها إن زيدت في مفعوليه فلا يتعدى فعل إلى اثنين بحرف واحد، وإن زيدت في أحدهما لزم ترجيح من غير مرجح، وهذا الأخير ممنوع، لأنه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت اللام في المقدم لم يلزم ذلك، وقد قال الفارسي في قراءة من قرأ (ولكل
(1) كذا في جميع الأصول، ولا يتم وزن الرجز إلا أن يكون * بيضك ثنتان وبيضي مائتا * بثبوت النون في (ثنتان) وحذفها في (مائتا) 217 وجهة هو موليها) بإضافة كل: إنه من هذا، وإن المعنى الله مول كل ذي وجهة وجهته، والضمير على هذا للتولية، وإنما لم يجعل كلا والضمير مفعولين ويستغنى عن حذف ذي ووجهته لئلا يتعدى العامل إلى الضمير وظاهره معا، ولهذا قالوا في الهاء من قوله: 363 - هذا سراقة للقرآن يدرسه * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا إن الهاء مفعول مطلق لا ضمير القرآن، وقد دخلت اللام على أحد المفعولين مع تأخرهما في قول ليلى: 364 - أحجاج لا تعطى العصاة مناهم * ولا الله يعطى للعصاة مناها وهو شاذ، لقوة العامل. ومنها لام المستغاث عند المبرد، واختاره ابن خروف، بدليل صحة إسقاطها، وقال جماعة: غير زائدة، ثم اختلفوا، فقال ابن جنى: متعلقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل، ورد بأن معنى الحرف لا يعمل في المجرور، وفيه نظر، لأنه قد عمل في الحال نحو قوله: 365 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي [ص 392 و 439] وقال الأكثرون: متعلقة بفعل النداء المحذوف، واختاره ابن الضائع وابن عصفور، ونسباه لسيبويه، واعترض بأنه متعد بنفسه، فأجاب ابن أبي الربيع بأنه ضمن معنى الالتجاء في نحو (يا لزيد) والتعجب في نحو (يا للدواهي) وأجاب ابن عصفور وجماعة بأنه ضعف بالتزام الحذف فقوى تعديه باللام، واقتصر على إيراد هذا الجواب أبو حيان، وفيه نظر، لان اللام المقوية زائدة كما تقدم، وهؤلاء لا يقولون بالزيادة.
218 فإن قلت: وأيضا فإن اللام لا تدخل في نحو (زيدا ضربته) مع أن الناصب ملتزم الحذف. قلت: لما ذكر في اللفظ ما هو عوض منه كان بمنزلة ما لم يحذف. فإن قلت: وكذلك حرف النداء عوض من فعل النداء. قلت: إنما هو كالعوض، ولو كان عوضا البتة لم يجز حذفه (1)، ثم إنه ليس بلفظ المحذوف، فلم ينزل منزلته من كل وجه. وزعم الكوفيون أن اللام في المستغاث بقية اسم وهو آل، والأصل يا آل زيد، ثم حذفت همزة آل للتخفيف، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: 366 - فخير نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوب قال يا لا [ص 445] فإن الجار لا يقتصر عليه، وأجيب بأن الأصل: يا قوم لا فرار، أو لا نفر، فحذف ما بعد لا النافية، أو الأصل يا لفلان ثم حذف ما بعد الحرف كما يقال (ألاتا) فيقال (ألافا) يريدون: ألا تفعلون، وألا فافعلوا. تنبيه - إذا قيل (يا لزيد) بفتح اللام فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله، والمستغاث محذوف، فإن قيل (يا لك) احتمل الوجهين، فإن قيل (يا لي) فكذلك عند ابن جنى، أجازهما في قوله: فيا شوق ما أبقى، ويا لي من النوى * ويا دمع ما أجرى، ويا قلب ما أصبى [341] وقال بن عصفور: الصواب أنه مستغاث لأجله، لان لام المستغاث متعلقة بدعو،
(1) يريد لو كان حرف النداء عوضا من الفعل قطعا لم يكن ليجوز حذف حرف النداء، لان الفعل محذوف، فيكون حذفه أيضا من باب حذف العوض والمعوض منه. 219 فيلزم تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وهذا لا يلزم ابن جنى، لأنه يرى تعلق اللام بيا كما تقدم، ويا لا تتحمل ضميرا كما لا تتحمله ها إذا عملت في الحال في نحو (وهذا بعلي شيخا) نعم هو لازم لابن عصفور، لقوله في (يا لزيد لعمرو) إن لام لعمرو متعلقة بفعل محذوف تقديره أدعوك لعمرو، وينبغي له هنا أن يرجع إلى قول ابن الباذش إن تعلقها باسم محذوف تقدير مدعو لعمرو، وإنما ادعيا وجوب التقدير لان العامل الواحد لا يصل بحرف واحد مرتين، وأجاب ابن الضائع بأنهما مختلفان معنى نحو (وهبت لك دينارا لترضى). تنبيه - زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها كما تقدم، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها كقوله تعالى (تبغونها عوجا) (والقمر قدرناه منازل) (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وقالوا (وهبتك دينارا، وصدتك ظبيا، وجنيتك ثمرة) قال: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا * [ولقد نهيتك عن بنات الأوبر] [71] وقال: 367 - فتولى غلامهم ثم نادى: * أظليما أصيدكم أم حمارا وقال: 368 - إذا قالت حذام فأنصتوها * [فإن القول ما قالت حذام] في رواية جماعة، والمشهور (فصدقوها). الثاني والعشرون: التبيين، ولم يوفوها حقها من الشرح، وأقول: هي ثلاثة أقسام: أحدها: ما تبين المفعول من الفاعل، وهذه تتعلق بمذكور، وضابطها: أن تقع
220 بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبا أو بغضا، تقول (ما أحبني، وما أبغضني) فإن قلت (لفلان) فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما، وإن قلت (إلى فلان) فالامر بالعكس، هذا شرح ما قاله ابن مالك، ويلزمه أن يذكر هذا المعنى في معاني (إلى) أيضا لما بينا، وقد مضى في موضعه. الثاني والثالث: ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها، أو معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له، واللام في ذلك كله متعلقة بمحذوف. مثال المبينة للمفعولية (سقيا لزيد، وجدعا له) فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرين، ولا بفعليهما المقدرين، لأنهما متعديان، ولا هي مقوية للعامل لضعفه بالفرعية إن قدر أنه المصدر أو بالتزام الحذف إن قدر أنه الفعل، لان لام التقوية صالحة للسقوط، وهذه لا تسقط، لا يقال (سقيا زيدا) ولا (جدعا إياه) خلافا لابن الحاجب ذكره في شرح المفصل، ولا هي ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار، لان الفعل لا يوصف فكذا ما أقيم مقامه، وإنما هي لام مبينة للمدعو له أو عليه إن لم يكن معلوما من سياق أو غيره، أو مؤكدة للبيان إن كان معلوما، وليس تقدير المحذوف (أعنى) كما زعم ابن عصفور، لأنه يتعدى بنفسه، بل التقدير: إرادتي لزيد. وينبني على أن هذه اللام ليست متعلقة بالمصدر أنه لا يجوز في (زيد سقيا له) أن ينصب زيد بعامل محذوف على شريطة التفسير، ولو قلنا إن المصدر الحال محل فعل دون حرف مصدري يجوز تقديم معموله عليه، فتقول (زيدا ضربا) لان الضمير في المثال ليس معمولا له، ولا هو من جملته، وأنما تجويز بعضهم في قوله تعالى (والذين كفروا فتعسا لهم) كون الذين في موضع نصب على الاشتغال فوهم. وقال ابن مالك في شرح باب النعت من كتاب التسهيل: اللام في (سقيا لك)
221 متعلقة بالمصدر، وهي للتبيين، وفى هذا تهافت، لانهم إذا أطلقوا القول بأن اللام للتبيين فإنما يريدون بها أنها متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين. ومثال المبينة للفاعلية (تبا لزيد، وويحا له) فإنهما في معنى خسر وهلك، فإن رفعتهما بالابتداء، فاللام ومجرورها خبر، ومحلهما الرفع، ولا تبيين، لعدم تمام الكلام. فإن قلت (تبا له وويح) فنصبت الأول ورفعت الثاني لم يجز، لتخالف الدليل والمدلول عليه، إذ اللام في الأول للتبيين، واللام المحذوفة لغيره. واختلف في قوله تعالى: (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون؟ هيهات هيهات لما توعدون) فقيل: اللام زائدة، و (ما) فاعل، وقيل: الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الاخراج فاللام للتبيين، وقيل: هيهات مبتدأ بمعنى البعد والجار والمجرور خبر. وأما قوله تعالى: (وقالت هيت لك) فيمن قرأ بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فهيت: اسم فعل، ثم قيل: مسماه فعل ماض أي تهيأت، فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح به، وقيل: مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال، فاللام للتبيين، أي إرادتي لك، أو أقول لك، وأما من قرأ (هئت) مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت، واللام متعلقة به، وأما من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل، ومعنى تهيئه تيسر انفرادها به، لا أنه قصدها، بدليل (وراودته) فلا وجه لانكار الفارسي هذه القراءة مع ثبوتها واتجاهها، ويحتمل أنها أصل قراءة هشام (هيت) بكسر الهاء وبالياء وبفتح التاء، وتكون على إبدال الهمزة. تنبيه - الظاهر أن (لها) من قول المتنبي: 369 - لولا مفارقة الأحباب ما وجدت * لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
222 جار ومجرور متعلق بوجدت، لكن فيه تعدى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل كقولك (ضربه زيد) وذلك ممتنع، فينبغي أن يقدر صفة في الأصل لسبلا فلما قدم عليه صار حالا منه، كما أن قوله (إلى أرواحنا) كذلك، إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا، ولك في (لها) وجه غريب، وهو أن تقدره جمعا للهاة كحصاة وحصى، ويكون (لها) فاعلا بوجدت، والمنايا مضافا إليه، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة، شبهت بشئ يبتلع الناس، ويكون أقام اللها مقام الأفواه لمجاورة اللهوات للفم. وأما اللام العاملة للجزم فهي اللام الموضوعة للطلب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها، نحو (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) وقد تسكن بعد ثم نحو (ثم ليقضوا) في قراءة الكوفيين وقالون والبزي، وفى ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر. ولا فرق في اقتضاء اللام الطلبية للجزم بين كون الطلب أمرا، نحو (لينفق ذو سعة) أو دعاء نحو (ليقض علينا ربك) أو التماسا كقولك لمن يساويك (ليفعل فلان كذا) إذا لم ترد الاستعلاء عليه، وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره، كالتي يراد بها وبمصحوبها الخبر نحو (من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أي فيمد ونحمل، أو التهديد نحو (ومن شاء فليكفر) وهذا هو معنى الامر في (اعملوا ما شئتم) وأما (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا) فيحتمل اللامان منه التعليل، فيكون ما بعدهما منصوبا، والتهديد فيكون مجزوما، ويتعين الثاني في اللام الثانية في قراءة من سكنها، فيترجح بذلك أن تكون اللام الأولى كذلك، ويؤيده أن بعدهما (فسوف يعلمون) وأما (وليحكم أهل الإنجيل) فيمن قرأ بسكون اللام فهي لام الطلب، لأنه يقرأ بسكون الميم، ومن كسر اللام - وهو حمزة - فهي لام
223 التعليل، لأنه يفتح الميم، وهذا التعليل إما معطوف على تعليل آخر متصيد من المعنى لان قوله تعالى: (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور) معناه وآتيناه الإنجيل للهدى والنور، ومثله (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا) لان المعنى إنا خلقنا الكواكب في السماء زينة وحفظا، وإما متعلق بفعل مقدر مؤخر، أي ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله أنزله، ومثله (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس) أي وللجزاء خلقهما، وقوله سبحانه: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) أي وأريناه ذلك، وقوله تعالى: (هو على هين ولنجعله آية للناس) أي وخلقناه من غير أب. وإذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلا مخاطبا استغنى عن اللام بصيغة افعل غالبا، نحو قم واقعد، وتجب اللام إن انتفت الفاعلية، نحو (لتعن بحاجتي) أو الخطاب نحو (ليقم زيد) أو كلاهما نحو (ليعن زيد بحاجتي) ودخول اللام على فعل المتكلم قليل، سواء أكان المتكلم مفردا، نحو قوله عليه الصلاة والسلام: (قوموا فلأصل لكم) أو معه غيره كقوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) وأقل منه دخولها في فعل الفاعل المخاطب كقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث (لتأخذوا مصافكم). وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله: 370 - فلا تستطل منى بقائي ومدتي * ولكن يكن للخير منك نصيب وقوله: 371 - محمد تفد نفسك كل نفس * إذا ما خفت من شئ تبالا [ص 461]
224 أي ليكن ولتفد، والتبال: الوبال، أبدلت الواو المفتوحة تاء مثل تقوى. ومنع المبرد حذف اللام وإبقاء عملها حتى في الشعر، وقال في البيت الثاني: إنه لا يعرف قائله، مع احتماله لان يكون دعاء بلفظ الخبر نحو (يغفر الله لك) و (يرحمك الله) وحذف الياء تخفيفا، واجتزئ عنها بالكسرة كقوله: 372 - [فطرت بمنصلي في يعملات] * دوامي الأيد يخبطن السريحا قال: وأما قوله: 373 - على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي * لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى فهو على قبحه جائز، لأنه عطف على المعنى إذ اخمشي ولتخمشني بمعنى واحد. وهذا الذي منعه المبرد في الشعر أجازه الكسائي في الكلام، لكن بشرط تقدم قل، وجعل منه (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) أي ليقيموها، ووافقه ابن مالك في شرح الكافية، وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلا بعد القول الخبري كقوله: 374 - قلت لبواب لديه دارها * تأذن فإني حمؤها وجارها (1) أي لتأذن، فحذف اللام وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن، اه. قيل: وهذا تخلص من ضرورة وهي إثبات همزة الوصل في الوصل، وليس كذلك، لأنهما بيتان لا بيت مصرع، فالهمزة في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في نحو قوله: (15 - مغني اللبيب 1)
(1) كسر ما قبل الهمزة الساكنة يجيز قلبها ياء، ولذلك يقع في بعض الأصول (تيذن) وليس ذلك بواجب ما لم يكن المكسور همزة أخرى نحو إيمان وإيذن. 225 375 - لا نسب اليوم ولا خلة * اتسع الخرق على الراقع [ص 600] والجمهور على أن الجزم في الآية مثله في قولك (ائتني أكرمك). وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها للخليل وسيبويه، أنه بنفس الطلب، لما تضمنه من معنى إن الشرطية كما أن أسماء الشرط إنما جزمت لذلك والثاني للسيرافي والفارسي، أنه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذي هو الشرط المقدر، كما أن النصب بضربا في قولك (ضربا زيدا) لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه معناه. والثالث للجمهور، أنه بشرط مقدر بعد الطلب. وهذا أرجح من الأول، لان الحذف والتضمين وإن اشتركا في أنهما خلاف الأصل، لكن في التضمين تغيير معنى الأصل، ولا كذلك الحذف، وأيضا فإن تضمين الفعل معنى الحرف إما غير واقع أو غير كثير. ومن الثاني، لان نائب الشئ يؤدى معناه، والطلب لا يؤدى معنى الشرط وأبطل ابن مالك بالآية أن يكون الجزم في جواب شرط مقدر، لان تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال، ولكن التخلف واقع (1). وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الاجمال، لا إلى كل فرد، فيحتمل أن الأصل يقم أكثرهم، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه فارتفع واتصل بالفعل، وباحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالايمان مطلقا، بل المخلصين منهم، وكل مؤمن مخلص قال له الرسول أقم الصلاة أقامها.
(1) الآية هي قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا) والجزم على الوجه الذي رده ابن مالك يقتضى أن تقدير الكلام: إن تقل لهم ذلك يقيموا الصلاة. 226 وقال المبرد: التقدير قل لهم أقيموا يقيموا، والجزم في جواب أقيموا المقدر، لا في جواب قل. ويرده أن الجواب لابد أن يخالف المجاب: إما في الفعل والفاعل نحو (ائتني أكرمك) أو في الفعل نحو (أسلم تدخل الجنة) أو في الفاعل نحو (قم أقم) ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضا فإن الامر المقدر للمواجهة، ويقيموا للغيبة (1). وقيل: يقيموا مبنى، لحلوله محل أقيموا وهو مبنى، وليس بشئ. وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرا في نحو قم واقعد، وأن الأصل لتقم ولتقعد، فحذفت اللام للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة. وبقولهم أقول، لان الامر معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهى ولم يدل عليه إلا بالجرف، ولان الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله: 376 - لتقم أنت يا ابن خير قريش * [كي لتقضى حوائج المسلميا] [ص 552] وكقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث (لتأخذوا مصافكم) ولأنك تقول: اغز واخش وارم، واضربا واضربوا واضربي، كما تقول في الجزم، ولان البناء لم يعهد كونه بالحذف، ولان المحققين على أن أفعال الانشاء مجردة عن الزمان كبعت وأقسمت وقبلت، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم ادعاء ذلك في نحو قم، لأنه ليس له حالة غير هذه، وحينئذ فتشكل فعليته، فإذا ادعى أن أصله (لتقم) كان الدال على الانشاء اللام لا الفعل.
(1) الامر المقدر هو أقيموا، وهو للمواجهة كما هو ظاهر، والجواب المذكور هو يقيموا، وهو للغيبة، ولا يصلح أن يكون جوابا لذلك المقدر، إذ لو أريد جوابه مقيل تقيموا، إذ لا تجاب المواجهة بالغيبة والفاعل واحد. 227 وأما اللام غير العاملة فسبع: إحداها: لام الابتداء، وفائدتها أمران: توكيد مضمون الجملة، ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين، وتخليص المضارع للحال، كذا قال الأكثرون، واعترض ابن مالك الثاني بقوله تعالى: (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) (إني ليحزنني أن تذهبوا به) فإن الذهاب كان مستقبلا، فلو كان الحزن حالا لزم تقدم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره، والجواب أن الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير قصد أن تذهبوا، والقصد حال، وتقدير أبى حيان قصدكم أن تذهبوا مردود بأنه يقتضى حذف الفاعل، لان (أن تذهبوا) على تقديره منصوب. وتدخل باتفاق في موضعين، أحدهما: المبتدأ نحو (لأنتم أشد رهبة) والثاني بعد إن، وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتفاق: الاسم، نحو (إن ربى لسميع الدعاء) والمضارع لشبهه به نحو (وإن ربك ليحكم بينهم) والظرف نحو (وإنك لعلى خلق عظيم) وعلى ثلاثة باختلاف، أحدها: الماضي الجامد نحو (إن زيدا لعسى أن يقوم) أو (لنعم الرجل) قاله أبو الحسن، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه الجمهور، والثاني: الماضي المقرون بقد، قاله الجمهور، ووجهه أن قد تقرب الماضي من الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم، وخالف في ذلك خطاب ومحمد بن مسعود الغزني، وقالا: إذا قيل (إذا زيدا لقد قام) فهو جواب لقسم مقدر، والثالث: الماضي المتصرف المجرد من قد، أجازه الكسائي وهشام على إضمار قد، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنما هذه لام القسم، فمتى تقدم فعل القلب فتحت همزة أن ك (علمت أن زيدا لقام) والصواب عندهما الكسر. واختلف في دخولها في غير باب إن على شيئين: أحدهما خبر المبتدأ المتقدم نحو (لقائم زيد) فمقتضى كلام جماعة [من النحويين] الجواز، و [إن كان] في أمالي ابن الحاجب: لام الابتداء يجب معها المبتدأ، الثاني: الفعل نحو (ليقوم زيد) فأجاز
228 ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما، زاد المالقي (الماضي الجامد) نحو (لبئس ما كانوا يعملون) وبعضهم المتصرف المقرون بقد نحو (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) (لقد كان في يوسف وإخوته آيات) والمشهور أن هذه لام القسم، وقال أبو حيان في (ولقد علمتم): هي لام الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر وأن لا يكون، اه. ونص جماعة على منع ذلك كله، قال ابن الخباز في شرح الايضاح: لا تدخل لام الابتداء على الجمل الفعلية إلا في باب إن، اه. وهو مقتضى ما قدمناه عن ابن الحاجب، وهو أيضا قول الزمخشري، قال في تفسير (ولسوف يعطيك ربك): لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر، وقال في (لا قسم): هي لام الابتداء دخلت على مبتدأ محذوف، ولم يقدرها لام القسم، لأنها عنده ملازمة للنون، وكذا زعم في (ولسوف يعطيك ربك) أن المبتدأ مقدر، أي ولأنت سوف يعطيك ربك. وقال ابن الحاجب: اللام في ذلك لام التوكيد، وأما قول بعضهم إنها لام الابتداء وإن المبتدأ مقدر بعدها ففاسد من جهات، إحداها: أن اللام مع الابتداء كقد مع الفعل وإن مع الاسم، فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك اللام بعد حذف الاسم، والثانية: أنه إذا قدر المبتدأ في نحو (لسوف يقوم زيد) يصير التقدير لزيد سوف يقوم زيد، ولا يخفى ما فيه من الضعف، والثالثة: أنه يلزم إضمار لا يحتاج إليه الكلام، اه. وفى الوجهين الأخيرين نظر، لان تكرار الظاهر إنما يقبح إذا صرح بهما، ولان النحويين قدروا مبتدأ بعد الواو في نحو (قمت وأصك عينه) وبعد الفاء في نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) وبعد اللام في نحو (لأقسم بيوم القيامة) وكل ذلك تقدير لآل الصناعة دون المعنى، فكذلك هنا.
229 وأما الأول فقد قال جماعة في (إن هذان لساحران): إن التقدير لهما ساحران فحذف المبتدأ وبقيت اللام، ولأنه يجوز على الصحيح نحو (لقائم زيد). وإنما يضعف قول الزمخشري أن فيه تكلفين لغير ضرورة، وهما تقدير محذوف وخلع اللام عن معنى الحال، لئلا يجتمع دليلا الحال والاستقبال، وقد صرح بذلك في تفسير (لسوف أخرج حيا) ونظره بخلع اللام عن التعريف وإخلاصها للتعويض في (يا لله) وقوله إن لام القسم مع المضارع لا تفارق النون ممنوع، بل تارة تجب اللام وتمتنع النون، وذلك مع التنفيس كالآية، ومع تقديم المعمول بين اللام والفعل نحو (ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون) ومع كون الفعل للحال نحو (لأقسم) وإنما قدر البصريون هنا مبتدأ لانهم لا يجيزون لمن قصد الحال أن يقسم إلا على الجملة الاسمية، وتارة يمتنعان، وذلك مع الفعل المنفى نحو (تالله تفتؤ) وتارة يجبان، وذلك فيما بقى نحو (وتالله لأكيدن أصنامكم). مسألة - للام الابتداء الصدرية، ولهذا علقت العامل في (علمت لزيد منطق) ومنعت من النصب على الاشتغال في نحو (زيد لأنا أكرمه) ومن أن يتقدم عليها الخبر في نحو (لزيد قائم) والمبتدأ في نحو (لقائم زيد) فأما قوله: 377 - أم الحليس لعجوز شهر به * [ترضى من اللحم بعظم الرقبة] [ص 233] فقيل: اللام زائدة، وقيل: للابتداء والتقدير لهب عجوز، وليس لها الصدرية في باب إن لأنها [فيه] مؤخرة من تقديم، ولهذا تسمى اللام المزحلقة، والمزحلقة أيضا، وذلك لان أصل (إن زيدا لقائم) (لان زيدا قائم) فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين فأخروا اللام دون إن لئلا يتقدم معمول الحرف عليه، وإنما لم ندع أن
230 الأصل (إن لزيدا قائم) لئلا يحول ماله الصدر بين العامل والمعمول، ولأنهم قد نطقوا باللام مقدمة على إن في نحو قوله: 378 - [ألا يا سنا برق على قلل الحمى] * لهنك من برق على كريم ولاعتبارهم حكم صدريتها فيما قبل إن دون ما بعدها، دليل الأول أنها تمنع من تسلط فعل القلب على أن ومعموليها، ولذلك كسرت في نحو (والله يعلم إنك لرسوله) بل قد أثرت هذا المنع مع حذفها في قول الهذلي: 379 - فغيرت بعدهم بعيش ناصب * وإخال إني لاحق مستتبع الأصل إني للاحق، فحذفت اللام بعد ما علقت إخال، وبقى الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها، فهو مما نسخ لفظه وبقى حكمه. ودليل الثاني أن عمل إن يتخطاها، تقول (إن في الدار لزيدا) و (إن زيدا لقائم) وكذلك يتخطاها عمل العامل بعدها نحو (إن زيدا طعامك لاكل) ووهم بدر الدين ابن ابن مالك، فمنع من ذلك، والوارد منه في التنزيل كثير نحو (إن ربهم بهم يومئذ لخبير) تنبيه - (إن زيدا لقام، أو ليقومن) اللام جواب قسم مقدر، لا لام الابتداء، فإذا دخلت عليها (علمت) مثلا فتحت همزتها، فإن قلت (لقدم قام زيد) فقالوا: هي لام الابتداء، وحينئذ يجب كسر الهمزة، وعندي أن الامرين محتملان فصل وإذا خففت إن نحو (وإن كانت لكبيرة) (إن كل نفس لما عليها حافظ) فاللام عند سيبويه والأكثرين لام الابتداء أفادت - مع إفادتها توكيد النسبة وتخليص المضارع للحال - الفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية، ولهذا صارت
231 لازمة بعد أن كانت جائزة، اللهم إلا أن يدل دليل على قصد الاثبات كقراءة أبى رجاء (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) بكسر اللام أي للذي، وكقوله: 380 - إن كنت قاضى نحبي يوم بينكم * لو لم تمنوا بوعد غير توديع (1) ويجب تركها مع نفى الخبر كقوله: 381 - إن الحق لا يخفى على ذي بصيرة * وإن هو لم يعدم خلاف معاند وزعم أبو على وأبو الفتح وجماعة أنها لام غير لام الابتداء، اجتلبت للفرق، قال أبو الفتح: قال لي أبو على: ظننت أن فلانا نحوي محسن، حتى سمعته يقول: إن اللام التي تصحب إن الخفيفة هي لام الابتداء، فقلت له: أكثر نحويي بغداد على هذا، اه. وحجة أبى على دخولها على الماضي المتصرف نحو (إن زيد لقام) وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه في نحو (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) وكلاهما لا يجوز مع المشددة. وزعم الكوفيون أن اللام في ذلك كله بمعنى إلا، وأن إن قبلها نافية، واستدلوا على مجئ اللام للاستثناء بقوله: 382 - أمسى أبان ذليلا بعد عزته * وما أبان لمن أعلاج سودان [ص 233] وعلى قولهم يقال (قد علمنا إن كنت لمؤمنا) بكسر الهمزة، لان النافية مكسورة دائما، وكذا على قول سيبويه لان لام الابتداء تعلق العامل عن العمل، وأما على قول أبى على وأبى الفتح فتفتح. القسم الثاني: اللام الزائدة، وهي الداخلة في خبر المبتدأ في نحو قوله: * (هامش) (1) المحفوظ في شواهد النجاة * لو لم تمنوا بوعد غير مكذوب * (*)
232 * أم الحليس لعجوز شهر به * [377] وقيل: الأصل لهي عجوز، وفى خبر أن المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير (ألا أنهم ليأكلون الطعام) بفتح الهمزة، وفى خبر لكن في قوله: 383 - * ولكنني من حبها لعميد * [ص 292] وليس دخول اللام مقيسا بعد أن المفتوحة خلافا للمبرد، ولا بعد لكن خلافا للكوفيين، ولا اللام بعدهما لام الابتداء خلافا له ولهم، وقيل: اللامان للابتداء على أن الأصل (ولكن إنني) فحذفت همزة إن للتخفيف، ونون ولكن لذلك لثقل اجتماع الأمثال، وعلى أن ما في (1) قوله: * وما أبان لمن أعلاج سودان * [382] استفهام، وتم الكلام عند (أبان) ثم ابتدئ لمن أعلاج، أي بتقدير لهو من أعلاج، وقيل: هي لام زيدت في خبر ما النافية، وهذا المعنى عكس المعنى على القولين السابقين: ومما زيدت فيه أيضا خبر زال في قوله. 384 - وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها * لكالهائم المقصى بكل مراد وفى المفعول الثاني لأرى في قوله بعضهم (أراك لشاتمي) ونحو ذلك. قيل: وفى مفعول يدعو من قوله تعالى (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) وهذا مردود، لان زيادة هذه اللام في غاية الشذوذ فلا يليق تخريج التنزيل عليه، ومجموع ما قيل في اللام في هذه الآية قولان: أحدهما هذا، وهو أنها زائدة، وقد بينا فساده، والثاني أنها لام الابتداء، وهو الصحيح، ثم اختلف هؤلاء، فقيل: إنها مقدمة من تأخير، والأصل يدعو من لضره أقرب من نفعه، فمن: مفعول، وضره أقرب: مبتدأ وخبر، والجملة
(1) هذا الكلام عطف على قوله (على أن الأصل) و (ما) بمعنى الذي، أي وعلى أن الذي في قوله، أو مقصود لفظها، أي وعلى أن لفظ ما في قوله، وخبر (أن) هو قوله (استفهام) الواقع بعد إنشاد الشاهد. 233 صلة لمن، وهذا بعيد، لان لام الابتداء لم يعهد فيها التقدم عن موضعها، وقيل: إنها في موضعها، وإن من مبتدأ، ولبئس المولى خبرها (1)، لان التقدير لبئس المولى هو، وهو الصحيح، ثم اختلف هؤلاء في مطلوب يدعو على أربعة أقوال، أحدها: أنها لا مطلوب لها، وأن الوقف عليها، وأنها [إنما] جاءت توكيدا ليدعو في قوله (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) وفى هذا القول دعوى خلاف الأصل مرتين، إذ الأصل عدم التوكيد، والأصل أن لا يفصل المؤكد من توكيده ولا سيما في التوكيد اللفظي، والثاني أن مطلوبه مقدم عليه، وهو (ذلك هو الضلال) على أن ذلك موصول، وما بعده صلة وعائد، والتقدير يدعو الذي هو الضلال البعيد، وهذا الاعراب لا يستقيم عند البصريين، لان (ذا) لا تكون عندهم موصولة إلا إذا وقعت بعد ما أو من الاستفهاميتين والثالث: أن مطلوبه محذوف، والأصل يدعوه، والجملة حال، والمعنى ذلك هو الضلال البعيد مدعوا، والرابع: أن مطلوبه الجملة بعده، ثم اختلف هؤلاء على قولين، أحدهما: أن يدعو بمعنى يقول، والقول يقع على الجمل، والثاني: أن يدعو ملموح فيه معنى فعل من أفعال القلوب، ثم اختلف هؤلاء على قولين، أحدهما: أن معناه يظن، لان أصل [يدعو] معناه يسمى، فكأنه قال: يسمى من ضره أقرب من نفعه إلها، ولا يصدر ذلك يقين اعتقاد، فكأنه قيل: يظن، وعلى هذا القول فالمفعول الثاني محذوف كما قدرنا، والثاني: أن معناه يزعم، لان الزعم قول مع اعتقاد. ومن أمثلة اللام الزائدة قولك (لئن قام زيد أقم، أو فأنا أقوم) أو (أنت ظالم لئن فعلت) فكل ذلك خاص بالشعر، وسيأتي توجيهه والاستشهاد عليه. الثالث: لام الجواب، وهي ثلاثة أقسام: لام جواب لو نحو (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا) (ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ولام جواب لولا نحو (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ولام جواب القسم نحو
(1) في نسخة (ولبئس المولى خبره). 234 (تالله لقد آثرك الله علينا) (وتالله لأكيدن أصنامكم) وزعم أبو الفتح أن اللام بعد (لو) و (لولا) و (لو ما) لام جواب قسم مقدر، وفيه تعسف، نعم الأولى في (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير) أن تكون اللام لام جواب قسم مقدر، بدليل كون الجملة اسمية، وأما القول بأنها لام جواب لو وأن الاسمية استعيرت مكان الفعلية كما في قوله: 385 - وقد جعلت قلوص بنى سهيل * من الأكوار مرتعها قريب ففيه تعسف، وهذا الموضع مما يدل عندي على ضعف قول أبى الفتح، إذ لو كانت اللام بعد لو أبدا في جواب قسم مقدر لكثر مجئ [الجواب بعد لو جملة اسمية] نحو (لو جاءني لأنا أكرمه) كما يكثر ذلك في باب القسم الرابع: اللام الداخلة على أداة شرط للايذان بأن الجواب بعدها مبنى على قسم قبلها، لا على الشرط، ومن ثم تسمى اللام المؤذنة، وتسمى الموطئة أيضا، لأنها وطأت الجواب للقسم، أي مهدته له، نحو (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الادبار) وأكثر ما تدخل على إن، وقد تدخل على غيرها كقوله: 386 - لمتى صلحت ليقضين لك صالح * ولتجزين إذا جزيت جميلا وعلى هذا فالأحسن في قوله تعالى (لما آتيتكم من كتاب وحكمة) أن لا تكون موطئة وما شرطية، بل للابتداء وما موصولة، لأنه حمل على الأكثر وأغرب ما دخلت عليه إذ، وذلك لشبهها بإن، وأنشد أبو الفتح:
235 387 - غضبت على لان شربت بجزة * فلاذ غضبت لأشربن بخروف وهو نظير دخول الفاء في (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) شبهت إذ إن فدخلت الفاء بعدها كما تدخل في جواب الشرط، وقد تحذف مع كون القسم مقدرا قبل الشرط نحو (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وقول بعضهم ليس هنا قسم مقدر وإن الجملة الاسمية جواب الشرط على إضمار الفاء كقوله: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * [81] مردود، لان ذلك خاص بالشعر، وكقوله تعالى (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن) فهذا لا يكون إلا جوابا للقسم، وليست موطئة في قوله: 388 - لئن كانت الدنيا على كما أرى * تباريح من ليلى فللموت أروح وقوله: 389 - لئن كان ما حدثته اليوم صادقا * أصم في نهار القيظ للشمس باديا وقوله: 390 - ألمم بزينب إن البين قد أفدا * قل الثواء لئن كان الرحيل غدا بل هي في ذلك كله زائدة كما تقدمت الإشارة إليه، أما الأولان فلان الشرط قد أجيب بالجملة المقرونة بالفاء في البيت الأول وبالفعل المجزوم في البيت الثاني، فلو كانت اللام للتوطئة لم يجب إلا القسم، هذا هو الصحيح، وخالف في ذلك
236 الفراء، فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه، وأما الثالث فلان الجواب قد حذف مدلولا عليه بما قبل إن، فلو كان ثم قسم مقدر لزم الاجحاف بحذف جوابين. الخامس: لام أل كالرجل والحارث، وقد مضى شرحها. السادس: اللام اللاحقة لأسماء الإشارة للدلالة على البعد أو على توكيده، على خلاف في ذلك، وأصلها السكون كما في (تلك) وإنما كسرت في (ذلك) لالتقاء الساكنين. السابع: لام التعجب غير الجارة نحو (لظرف زيد، ولكرم عمرو) بمعنى ما أظرفه وما أكرمه، ذكره ابن خالويه في كتابه المسمى بالجمل، وعندي أنها إما لام الابتداء دخلت على الماضي لشبهه لجموده بالاسم، وإما لام جواب قسم مقدر. (لا): على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون نافية، وهذه على خمسة أوجه: أحدها: أن تكون عاملة عمل إن، وذلك إن أريد بها نفى الجنس على سبيل التنصيص، وتسمى حينئذ تبرئة، وإنما يظهر نصب اسمها إذا كان خافضا نحو (لا صاحب جود ممقوت) وقول أبى الطيب: 391 - فلا ثوب مجد غير ثوب ابن أحمد * على أحد إلا بلؤم مرقع أو رافعا نحو (لا حسنا فعله مذموم) أو ناصبا نحو (لا طالعا جبلا حاضر) ومنه (لا خيرا من زيد عندنا) وقول أبى الطيب:
237 392 - قفا قليلا بها على، فلا * أقل من نظرة أزودها ويجوز رفع (أقل) على أن تكون عاملة عمل ليس. وتخالف لا هذه إن من سبعة أوجه: أحدها: أنها لا تعمل إلا في النكرات. الثاني: أن اسمها إذا لم يكن عاملا فإنه يبنى، وقيل: لتضمنه معنى من الاستغراقية، وقيل: لتركيبه مع لا تركيب خمسة عشر، وبناؤه على ما ينصب به لو كان معربا، فيبنى على الفتح في نحو (لا رجل، ولا رجال) ومنه (لا تثريب عليكم اليوم) (قالوا لا ضير) (يا أهل يثرب لا مقام لكم) وعلى الياء في نحو (لا رجلين) و (لا قائمين) وعن المبرد أن هذا معرب لبعده بالتثنية والجمع عن مشابهة الحرف، ولو صح هذا للزم الاعراب في (يا زيدان، ويا زيدون) ولا قائل به، وعلى الكسرة في نحو (لا مسلمات) وكان القياس وجوبها ولكنه جاء بالفتح، وهو الأرجح، لأنها الحركة التي يستحقها المركب، وفيه رد على السيرافي والزجاج إذ زعما أن اسم لا غير العامل معرب، وأن ترك تنوينه للتخفيف. ومثل لا رجل عند الفراء (لا جرم) نحو (لا جرم أن لهم النار) والمعنى عنده لا بد من كذا، أو لا محالة في كذا، فحذفت من أوفى، وقال قطرب: لا رد لما قبلها، أي ليس الامر كما وصفوا، ثم ابتدئ ما بعده، وجرم: فعل، لا اسم، ومعناه وجب وما بعده فاعل، وقال قوم: لا زائدة، وجرم وما بعدها فعل وفاعل كما قال قطرب، ورده الفراء بأن (لا) لا تزاد في أول الكلام، وسيأتي البحث في ذلك والثالث: أن ارتفاع خبرها عند إفراد اسمها نحو (لا رجل قائم) بما كان مرفوعا به قبل دخولها، لا بها، وهذا القول لسيبويه، وخالفه الأخفش والأكثرون
238 ولا خلاف بين البصريين في أن ارتفاعه بها إذا كان اسما عاملا. الرابع: أن خبرها لا يتقدم على اسمها ولو كان ظرفا أو مجرورا. الخامس: أنه يجوز مراعاة محلها مع اسمها قبل مضى الخبر وبعده، فيجوز رفع النعت والمعطوف عليه نحو (لا رجل ظريف فيها، ولا رجل وامرأة فيها). السادس: أنه يجوز إلغاؤها إذا تكررت، نحو (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولك فتح الاسمين، ورفعهما، والمغايرة بينهما، بخلاف نحو قوله: إن محلا وإن مرتحلا * وإن في السفر إذ مضوا مهلا [121] فلا محيد عن النصب. والسابع: أنه يكثر حذف خبرها إذا علم، نحو (قالوا لا ضير) (فلا فوت) وتميم لا تذكره حينئذ. الثاني: أن تكون عاملة عمل ليس، كقوله: 393 - من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح [ص 631] وإنما لم يقدروها مهملة والرفع بالابتداء لأنها حينئذ واجبة التكرار، وفيه نظر، لجواز تركه في الشعر. و (لا) هذه تخالف ليس من ثلاث جهات: إحداها: أن عملها قليل، حتى ادعى أنه ليس بموجود. الثانية: أن ذكر خبرها قليل، حتى إن الزجاج لم يظفر به فادعى أنها تعمل في الاسم خاصة، وأن خبرها مرفوع، ويرده قوله: 394 - تعز فلا شئ على الأرض باقيا * ولا وزر مما قضى الله واقيا [ص 240]
239 وأما قوله: 395 - نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل * فبوثت حصنا بالكماة حصينا فلا دليل فيه كما توهم بعضهم، لاحتمال أن يكون الخبر محذوفا و (غير) استثناء). الثالثة: أنها لا تعمل إلا في النكرات، خلافا لابن جنى وابن الشجري، وعلى ظاهر قولهما جاء قول النابغة: 396 - وحلت سواد القلب لا أنا باغيا * سواها، ولا عن حبها متراخيا وعليه بنى المتنبي قوله: 397 - إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى * فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا تنبيه - إذا قيل (لا رجل في الدار) بالفتح تعين كونها نافية للجنس ويقال في توكيده (بل امرأة (1)) وإن قيل بالرفع تعين كونها عاملة عمل ليس، وامتنع أن تكون مهملة، وإلا تكررت كما سيأتي، واحتمل أن تكون لنفى الجنس وأن تكون لنفى الوحدة، ويقال في توكيده على الأول (بل امرأة) وعلى الثاني (بل رجلان، أو رجال). وغلط كثير من الناس، فزعموا أن العاملة عمل ليس لا تكون إلا نافية للوحدة لا غير، ويرد عليهم نحو قوله: تعز فلا شئ على الأرض باقيا * البيت..... (394) وإذا قيل (لا رجل ولا امرأة في الدار) برفعهما احتمل كون لا الأولى عاملة
(1) المراد توكيد المعنى الذي دل عليه قولك (لا رجل) ووجهه أن (بل) تفيد تقرير في الذي قبلها وتثبت ضده لما بعدها، وهذا التقرير هو مراده بالتوكيد. 240 في الأصل عمل إن ثم ألغيت لتكرارها، فيكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء، وأن تكون عاملة عمل ليس، فيكون ما بعدها مرفوعا بها، وعلى الوجهين فالظرف خبر عن الاسمين إن قدرت لا الثانية تكرارا للأولى وما بعدها معطوفا، فإن قدرت الأولى مهملة والثانية عاملة عمل ليس أو بالعكس فالظرف خبر عن أحدهما، وخبر الآخر محذوف كما في قولك (زيد وعمرو قائم) ولا يكون خبرا عنهما، لئلا يلزم محذوران: كون الخبر الواحد مرفوعا ومنصوبا: وتوارد عاملين على معمول واحد. وإذا قيل (ما فيها من زيت ولا مصابيح) بالفتح - احتمل كون الفتحة بناء مثلها في (لا رجال) وكونها علامة للخفض بالعطف ولا مهملة، فإن قلته بالرفع احتمل كون لا عاملة عمل ليس، وكونها مهملة والرفع بالعطف على المحل. فأما قوله تعالى (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) فظاهر الامر جواز كون أصغر وأكبر معطوفين على لفظ مثقال أو على محله، وجواز كون لا مع الفتح تبرئة، ومع الرفع مهملة أو عاملة عمل ليس، ويقوى العطف أنه لم يقرأ في سورة سبأ في قوله سبحانه وتعالى (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة) الآية إلا بالرفع لما لم يوحد الخفض في لفظ مثقال، ولكن يشكل عليه أنه يفيد ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب، كما أنك إذا قلت (ما مررت برجل إلا في الدار) كان إخبارا بثبوت مرورك برجل في الدار، وإذا امتنع هذا تعين [أن] الوقف على (في السماء) وأن ما بعدها مستأنف، وإذا ثبت ذلك في سورة يونس قلنا به في سورة سبأ وأن الوقف على (الأرض) وأنه إنما لم يجئ فيه الفتح اتباعا للنقل، وجوز بعضهم العطف فيهما على أن لا يكون معنى يعزب يخفى، بل يخرج إلى الوجود. الوجه الثالث: أن تكون عاطفة، ولها ثلاثة شروط، أحدها: أن يتقدمها إثبات كجاء زيد لا عمرو، أو أمر كاضرب زيدا لا عمرا، قال سيبويه: أو نداء و (16 - مغني اللبيب 1)
241 يا ابن أخي لا ابن عمى، وزعم ابن سعدان أن هذا ليس من كلامهم. الثاني: أن لا تقترن بعاطف، فإذا قيل (جاءني زيد لا بل عمرو) فالعاطف بل، ولا رد لما قبلها، وليست عاطفة، وإذا قلت (ما جاءني زيد ولا عمرو) فالعاطف الواو، ولا توكيد للنفي، وفى هذا المثال مانع آخر من العطف بلا، وهو تقدم النفي، وقد اجتمعا أيضا في (ولا الظالين) والثالث: أن يتعاند متعاطفاها، فلا يجوز (جاءني رجل لا زيد) لأنه يصدق على زيد اسم الرجل، بخلاف (جاءني رجل لا امرأة) ولا يمتنع العطف بها على معمول الفعل الماضي خلافا للزجاجي، أجاز (يقوم زيد لا عمرو) ومنع (قام زيد لا عمرو) وما منعه مسموع، فمنعه مدفوع، قال امرؤ القيس: 398 - كأن دثارا حلقت بلبونه * عقاب تنوفى لا عقاب القواعل دثار: اسم راع، وحلقت: ذهبت، واللبون: نوق ذوات لبن، وتنوفى: جبل عال، والقواعل: جبال صغار، وقوله إن العامل مقدر بعد العاطف، ولا يقال (لا قام عمرو) إلا على الدعاء مردود بأنه لو توقفت صحة العطف على صحة تقدير العامل بعد العاطف لامتنع (ليس زيد قائما ولا قاعدا). الوجه الرابع: أن تكون جوابا مناقضا لنعم، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرا، يقال (أجاءك زيد؟) فتقول (لا) والأصل: لا لم يجئ. والخامس: أن تكون على غير ذلك، فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها، أو فعلا ماضيا لفظا وتقديرا، وجب تكرارها. مثال المعرفة (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار) وإنما لم تكرر في (لا نولك أن تفعل) لأنه بمعنى لا ينبغي لك، فحملوه على ما هو
242 بمعناه، كما فتحوا في (يذر) حملا على (يدع (1)) لأنهما بمعنى، ولولا أن الأصل في يذر الكسر لما حذفت الواو كما لم تحذف في يوجل ومثال النكرة التي لم تعمل فيها لا (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) فالتكرار هنا واجب، بخلافه في (لا لغو فيها ولا تأثيم). ومثال الفعل الماضي (فلا صدق ولا صلى) وفى الحديث (فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) وقول الهذلي: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، وإنما ترك التكرار في (لا شلت يداك) و (لا فض الله فاك) وقوله: 399 - [ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى] * ولا زال منهلا بجرعائك القطر وقوله: 400 - لا بارك الله في الغواني هل * يصبحن إلا لهن مطلب؟ لان المراد الدعاء، فالفعل مستقبل في المعنى، ومثله في عدم وجوب التكرار بعدم قصد المضي إلا أنه ليس دعاء قولك (والله لا فعلت كذا) وقول الشاعر: 401 - حسب المحبين في الدنيا عذابهم * تالله لا عذبتهم بعدها سقر وشذ ترك التكرار في قوله: 402 - لأهم إن الحارث بن جبله * زنى على أبيه ثم قتله وكان في جاراته لا عهد له * وأي أمر سئ لا فعله زنى: بتخفيف النون، كذا رواه يعقوب، وأصله زنأ بالهمز بمعنى ضيق وروي
(1) أصل الدال في (يدع مكسورة)، بدليل حذف الواو، وفتحت الدال لأجل حرف الحلق وهو العين، ومثله يهب، وحمل (يذر) على يدع لان معناهما واحد. 243 بتشديدها، والأصل زنى بامرأة أبيه، فحذف المضاف وأناب على عن الباء، وقال أبو خراش الهذلي وهو يطوف بالبيت: 403 - إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما وأما قوله سبحانه وتعالى (فلا اقتحم العقبة) فإن لا فيه مكررة في المعنى، لان المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا، لان ذلك تفسير للعقبة، قاله الزمخشري. وقال الزجاج: إنما جاز لان (ثم كان من الذين آمنوا) معطوف عليه وداخل في النفي فكأنه قيل: فلا اقتحم ولا آمن، انتهى، ولو صح لجاز (لا أكل زيد وشرب) وقال بعضهم: لا دعائية، دعاء عليه أن لا يفعل خيرا، وقال آخر: تحضيض، والأصل فألا اقتحم، ثم حذف الهمزة، وهو ضعيف. وكذلك يجب تكرارها إذا دخلت على مفرد خبر أو صفة أو حال نحو (زيد لا شاعر ولا كاتب) و (جاء زيد لا ضاحكا ولا باكيا) ونحو (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) (وظل من يحموم لا بارد ولا كريم) (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) (من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية). وإن كان ما دخلت عليه فعلا مضارعا لم يجب تكرارها نحو (لا يحب الله الجهر بالسوء) (قل لا أسألكم عليه أجرا) وإذا لم يجب أن تكرر في (لا نولك أن تفعل) لكون الاسم المعرفة في تأويل المضارع فأن لا يحب في المضارع أحق. ويتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين، وخالفهم ابن مالك، لصحة قولك (جاء زيد لا يتكلم) بالاتفاق، مع الاتفاق على أن الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال.
244 تنبيه - من أقسام (لا) النافية المعترضة بين الخافض والمخفوض، نحو (جئت بلا زاد) و (غضبت من لا شئ) وعن الكوفيين أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفا، ويسميها زائدة كما يسمون كان في نحو (زيد كان فاضل) زائدة وإن كانت مفيدة لمعنى وهو المضي والانقطاع، فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين وإن لم يصح أصل المعنى بإسقاطه كما في مسألة لا في نحو (غضبت من لا شئ) وكذلك إذا كان يفوت بفواته معنى كما في مسألة كان، وكذلك لا المقترنة بالعاطف في نحو (ما جاءني زيد ولا عمرو) ويسمونها زائدة، وليست بزائدة البتة، ألا ترى أنه إذا قيل (ما جاءني زيد وعمرو) احتمل أن المراد نفى مجئ كل منهما على كل حال، وأن يراد نفى اجتماعهما في وقت المجئ: فإذا جئ بلا صار الكلام نصا في المعنى الأول، نعم هي في قوله سبحانه (وما يستوي الاحياء والأموات) لمجرد التوكيد، وكذا إذا قيل (لا يستوي زيد ولا عمرو). تنبيه - اعتراض لا بين الجار والمجرور في نحو (غضبت من لا شئ) وبين الناصب والمنصوب في نحو (لئلا يكون للناس) وبين الجازم والمجزوم في نحو (إن لا تفعلوه) وتقدم معمول ما بعدها عليها في نحو (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها) الآية دليل على أنها ليس لها الصدر، بخلاف ما، اللهم إلا أن تقع في جواب القسم، فإن الحروف التي يتلقى بها القسم كلها لها الصدر، ولهذا قال سيبويه في قوله: آليت حب العراق الدهر أطعمه * [والحب يأكله في القرية السوس] [139] إن التقدير على حب العراق، فحذف الخافض ونصب ما بعده بوصول الفعل إليه، ولم يجعله من باب (زيدا ضربته) لان التقدير لا أطعمه، وهذه الجملة جواب لآليت فإن معناه حلفت، وقيل: لها الصدر مطلقا، وقيل: لا مطلقا، والصواب الأول
245 الثاني من أوجه (لا) أن تكون موضوعة لطلب الترك، وتختص بالدخول على المضارع، وتقتضي جزمه واستقباله، سواء كان المطلوب منه مخاطبا نحو (لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) أو غائبا نحو (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) أو متكلما نحو (لا أرينك ههنا) وقوله: 404 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعها * [مردفات على أعجاز أكوار] وهذا النوع مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، والأصل لا تكن هنا فأراك، ومثله في الامر (وليجدوا فيكم غلظة) أي وأغلظوا عليهم ليجدوا ذلك، وإنما عدل إلى الامر بالوجدان تنبيها على أنه المقصود بالذات (1)، وأما الاغلاظ فلم يقصد لذاته، بل ليجدوه، وعكسه (لا يفتننكم الشيطان) أي لا تفتتنوا بفتنة الشيطان. واختلف في لا من قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) على قولين، أحدهما: أنها ناهية، فتكون من هذا، والأصل لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم، ثم عدل عن النهى عن التعرض إلى النهى عن الإصابة لان الإصابة مسببة عن التعرض، وأسند هذا المسبب إلى فاعله، وعلى هذا فالإصابة خاصة بالمتعرضين وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب مثل (ولا تحسبن الله غافلا) ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع، فوجب إضمار القول، أي واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك، كما قيل في قوله: 405 - حتى إذا جن الظلام واختلط * [جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط] [ص 585] الثاني: أنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين، أحدهما: أن الجملة صفة لفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول، لان الجملة خبرية، وعلى هذا فيكون دخول النون شاذا، مثله في قوله:
(1) في نسخة (المقصود لذاته). 246 406 - فلا الجارة الدنيا بها تلحينها * [ولا الضيف عنها إن أناح محول] بل هو في الآية أسهل، لعدم الفصل، وهو فيهما سماعي، والذي جوزه تشبيه لا النافية بلا الناهية، وعلى هذا الوجه تكون الإصابة عامة للظالم وغيره، لا خاصة بالظالمين كما ذكره الزمخشري، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم؟ والثاني أن الفعل جواب الامر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس شاذا، وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري، وهو فاسد، لان المعنى حينئذ فإنكم إن تتقوها لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة، وقوله إن التقدير إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة مردود، لان الشرط إنما يقدر من جنس الامر، لا من جنس الجواب، ألا ترى أنك تقدر في (ائتني أكرمك) إن تأتني أكرمك، نعم يصح الجواب في قوله (ادخلوا مساكنكم) الآية، إذ يصح: إن تدخلوا لا يحطمنكم، ويصح أيضا النهى على حد (لا أرينك ههنا) وأما الوصف فيأتي مكانه هنا أن تكون الجملة حالا، أي ادخلوها غير محطومين، والتوكيد بالنون على هذا الوجه الأول سماعي، وعلى النهى قياسي. ولا فرق في اقتضاء لا الطلبية للجزم بين كونها مفيدة للنهي سواء كان للتحريم كما تقدم، أو للتنزيه نحو (ولا تنسوا الفضل بينكم) وكونها للدعاء كقوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا) وقول الشاعر: 407 - يقولون لا تبعدوهم يدفنونني * وأين مكان البعد إلا مكانيا؟ وقول الآخر: 408 - فلا تشلل يد فتكت بعمرو * فإنك لن تذل ولن تضاما ويحتمل النهى والدعاء قول الفرزدق: 409 - إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد * لها أبدا ما دام فيها الجراضم أي العظيم البطن، وكونها للالتماس كقولك لنظيرك غير مستعل عليه
247 (لا تفعل كذا) وكذا الحكم إذا خرجت عن الطلب إلى غيره كالتهديد في قولك لولدك أو عبدك (لا تطعني). وليس أصل (لا) التي يجزم الفعل بعدها لام الامر فزيدت عليها ألف خلافا لبعضهم، ولا هي النافية والجزم بلام (أمر) مقدرة خلافا للسهيلي. والثالث: لا الزائدة الداخلة في الكلام لمجرد تقويته وتوكيده، نحو (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني) (ما منعك ألا تسجد) ويوضحه الآية الأخرى (ما منعك أن تسجد) ومنه (لئلا يعلم أهل الكتاب) أي ليعلموا، وقوله: 410 - وتلحينني في اللهو أن لا أحبه * وللهو داع دائب غير غافل (1) وقوله: 411 - أبى جودة لا البخل واستعجلت به * نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله وذلك في رواية من نصب البخل، فأما من خفض فلا حينئذ اسم مضاف، لأنه أريد به اللفظ. وشرح هذا المعنى أن كلمة (لا) تكون للبخل، وتكون للكرم، وذلك أنها إذا وقعت بعد قول القائل أعطني أو هل تعطيني كانت للبخل، فإن وقعت بعد قوله أتمنعني عطاءك أو أتحرمني نوالك كانت للكرم، وقيل: هي غير زائدة أيضا في رواية النصب، وذلك على أن تجعل اسما مفعولا، والبخل بدلا منها، قاله الزجاج، وقال آخر: لا مفعول به، والبخل مفعول لأجله، أي كراهية البخل مثل (يبين الله لكم أن تضلوا) أي كراهية أن تضلوا، وقال أبو على في الحجة: قال أبو الحسن: فسرته العرب أبى جوده البخل، وجعلوا لا حشوا، اه. وكما اختلف في لا في هذا البيت أنافية أم زائدة كذلك اختلف فيها في مواضع من التنزيل، أحدها: قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة) فقيل: هي نافية، واختلف (هامش صفحة 248) (1) وقع البيت رقم 410 في النسخة التي شرح عليها الدسوقي متأخرا عن 411.
248 هؤلاء في منفيها على قولين، أحدهما: أنه شئ تقدم، وهو ما حكى عنهم كثيرا من إنكار البعث، فقيل لهم: ليس الامر كذلك ثم استؤنف القسم، قالوا: وإنما صح ذلك لان القرآن كله كالسورة الواحدة، ولهذا يذكر الشئ في سورة وجوابه في سورة أخرى، نحو (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) وجوابه (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) والثاني: أن منفيها أقسم، وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء، واختاره الزمخشري، قال: والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشئ إلا إعظاما له، بدليل (فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) فكأنه قيل: إن إعظامه بالاقسام به كلا إعظام، أي أنه يستحق إعظاما فوق ذلك، وقيل: هي زائدة. واختلف هؤلاء في فائدتها على قولين، أحدهما: أنها زيدت توطئة وتمهيدا لنفى الجواب، والتقدير لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى، ومثله (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، وقوله: 412 - فلا وأبيك ابنة العامري * لا يدعى القوم أنى أفر ورد بقوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد) الآيات، فإن جوابه مثبت وهو (لقد خلقنا الانسان في كبد) ومثله (فلا أقسم بمواقع النجوم) الآية، والثاني: أنها زيدت لمجرد التوكيد وتقوية الكلام، كما في (لئلا يعلم أهل الكتاب) ورد بأنها لا تزاد لذلك صدرا، بل حشوا، كما أن زيادة ما وكان كذلك نحو (فبما رحمة من الله) (أينما تكونوا يدرككم الموت) ونحو (زيد كان فاضل) وذلك لان زيادة الشئ تفيد اطراحه، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به، قالوا: ولهذا نقول بزيادتها في نحو (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) (فلا أقسم بمواقع النجوم) لوقوعها بين الفاء ومعطوفها، بخلاف هذه، وأجاب أبو على بما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة.
249 الموضع الثاني: قوله تعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا) فقيل: إن لا نافية، وقيل: ناهية، وقيل: زائدة، والجميع محتمل. وحاصل القول في الآية أن (ما) خبرية بمعنى الذي منصوبة بأتل، و (حرم ربكم) صلة، و (عليكم) متعلقة بحرم، هذا هو الظاهر، وأجاز الزجاج كون (ما) استفهامية منصوبة بحرم، والجملة محكية بأتل، لأنه بمعنى أقول، ويجوز أن يعلق عليكم بأتل، ومن رجح إعمال أول المتنازعين - وهم الكوفيون - رجحه على تعلقه بحرم، وفى أن وما بعدها أوجه: أحدها: أن يكونا في موضع نصب بدلا من (ما)، وذلك على أنها موصولة لا استفهامية، إذ لم يقترن البدل بهمزة الاستفهام. الثاني: أن يكونا في موضع رفع خبرا لهو محذوفا. أجازهما بعض المعربين، وعليهما فلا زائدة، قاله ابن الشجري، والصواب أنها نافية على الأول، وزائدة على الثاني. والثالث: أن يكون الأصل أبين لكم ذلك لئلا تشركوا، وذلك لانهم إذا حرم عليهم رؤساؤهم ما أحله الله سبحانه وتعالى فأطاعوهم أشركوا، لانهم جعلوا غير الله بمنزلته. والرابع: أن الأصل أوصيكم بأن لا تشركوا، بدليل أن (وبالوالدين إحسانا) معناه وأوصيكم بالوالدين، وأن في آخر الآية (ذلكم وصاكم به). وعلى هذين الوجهين فحذفت الجملة وحرف الجر. والخامس: أن التقدير أتل عليكم أن لا تشركوا، فحذف مدلولا عليه بما تقدم، وأجاز هذه الأوجه الثلاثة الزجاج. والسادس: أن الكلام تم عند (حرم ربكم) ثم ابتدئ: عليكم أن لا تشركوا، وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، وأن لا تقتلوا، ولا تقربوا، فعليكم
250 على هذا اسم فعل بمعنى الزموا. و (أن) في الأوجه الستة مصدرية، و (لا) في الأوجه الأربعة الأخيرة نافية. والسابع: أن (أن) مفسرة بمعنى أي، ولا ناهية، والفعل مجزوم لا منصوب، وكأنه قيل: أقول لكم لا تشركوا به شيئا، وأحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذان الوجهان الأخيران أجازهما ابن الشجري. الموضع الثالث: قوله سبحانه وتعالى: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) فيمن فتح الهمزة، فقال قوم منهم الخليل والفارسي: لا زائدة، وإلا لكان عذرا للكفار، ورده الزجاج بأنها نافية في قراءة الكسر، فيجب ذلك في قراءة الفتح، وقيل: نافية، واختلف القائلون بذلك، فقال النحاس: حذف المعطوف، أي أو أنهم يؤمنون، وقال الخليل في قول (له) آخر: أن بمعنى لعل مثل (ائت السوق أنك تشترى لنا شيئا) ورجحه الزجاج وقال: إنهم أجمعوا عليه، ورده الفارسي فقال: التوقع الذي في لعل ينافيه الحكم بعدم إيمانهم، يعنى في قراءة الكسر، وهذا نظير ما رجح به الزجاج كون لا غير زائدة، وقد انتصروا لقول الخليل بأن قالوا: يؤيده أن (يشعركم) و (يدريكم) بمعنى، وكثيرا ما تأتى لعل بعد فعل الدراية نحو (وما يدريك لعله يزكى) وأن في مصحف أبى (وما أدراكم لعلها) وقال قوم: أن مؤكدة، والكلام فيمن حكم بكفرهم ويئس من إيمانهم، والآية عذر للمؤمنين، أي أنكم معذورون لأنكم لا تعلمون ما سبق لهم من القضاء (1) من أنهم لا يؤمنون حينئذ، ونظيره (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جائتهم كل آية) وقيل: التقدير لانهم، واللام متعلقة بمحذوف، أي لانهم لا يؤمنون امتنعنا من الاتيان بها، ونظيره (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) واختاره الفارسي. (هامش صفحة 251) (1) في نسخة (ما سبق لهم به القضاء - إلخ).
251 واعلم أن مفعول (يشعركم) الثاني - على هذا القول، وعلى القول بأنها بمعنى لعل - محذوف، أي ايمانهم، وعلى بقية الأقوال أن وصلتها. الموضع الرابع: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) فقيل: لا زائدة، والمعنى ممتنع على أهل قرية قدرنا إهلاكهم أنهم يرجعون عن الكفر إلى قيام الساعة، وعلى هذا فحرام خبر مقدم وجوبا، لان المخبر عنه أن وصلتها، ومثله (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم) لا مبتدأ وأن وصلتها فاعل أغنى عن الخبر كما جوزه أبو البقاء لأنه ليس بوصف صريح، ولأنه لم يعتمد على نفى ولا استفهام، وقيل: لا نافية، والاعراب إما على ما تقدم، والمعنى ممتنع عليهم أنهم لا يرجعون إلى الآخرة، وإما على أن حرام مبتدأ حذف خبره، أي قبول أعمالهم، وابتدئ بالنكرة لتقييدها بالمعمول، وإما على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي والعمل الصالح حرام عليهم، وعلى الوجهين فأنهم لا يرجعون تعليل على إضمار اللام، والمعنى لا يرجعون عما هم فيه، ودليل المحذوف ما تقدم من قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) ويؤيدهما تمام الكلام قبل مجئ أن في قراءة بعضهم بالكسر. الموضع الخامس: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) قرئ في السبعة برفع (يأمركم) ونصبه، فمن رفعه قطعه عما قبله، وفاعله ضميره تعالى أو ضمير الرسول، ويؤيد الاستئناف قراءة بعضهم (ولن يأمركم) و (لا) على هذه القراءة نافية لا غير، ومن نصبه فهو معطوف على (يؤتيه) كما أن (يقول) كذلك، و (لا) على هذه زائدة مؤكدة لمعنى النفي السابق، وقيل: على (يقول) ولم يذكر الزمخشري غيره، ثم جوز في (لا) وجهين، أحدهما: الزيادة، فالمعنى ما كان
252 لبشر أن ينصبه الله للدعاء إلى عبادته وترك الأنداد، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، والثاني: أن تكون غير زائدة، ووجهه بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة، وأهل الكتاب عن عبادة عزير وعيسى، فلما قالوا له: أنتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء، هذا ملخص كلامه، وإنما فسر لا يأمر بينهى لأنها حالته عليه الصلاة والسلام، وإلا فانتفاء الامر أعم من النهى والسكوت، والمراد الأول وهي الحالة التي يكون بها البشر متناقضا، لان نهيه عن عبادتهم لكونهم مخلوقين لا يستحقون أن يعبدوا، وهو شريكهم في كونه مخلوقا، فكيف يأمرهم بعبادته؟ والخطاب في (ولا يأمركم) على القراءتين التفات. تنبيه - قرأ جماعة (واتقوا فتنة لتصيبن الذين ظلموا) وخرجها أبو الفتح على حذف ألف (لا) تخفيفا، كما قالوا (أم والله) ولم يجمع بين القراءتين بأن تقدر لا في قراءة الجماعة زائدة، لان التوكيد بالنون يأبى ذلك. (لات): اختلف فيها في أمرين: أحدهما: في حقيقتها، وفى ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها كلمة واحدة فعل ماض ثم اختلف هؤلاء على قولين أحدهما: أنها في الأصل بمعنى نقص من قوله تعالى (لا يلتكم من أعمالكم شيئا) فإنه يقال: لات يليت كما يقال: ألت يألت، وقد قرئ بهما، ثم استعملت للنفي كما أن قل كذلك، قاله أبو ذر الخشني. والثاني: أن أصلها ليس بكسر الياء، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأبدلت السين تاء. والمذهب الثاني: أنها كلمتان: لا النافية، والتاء لتأنيث اللفظة كما في ثمت وربت، وإنما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين، قاله الجمهور.
253 والثالث: أنها كلمة وبعض كلمة، وذلك أنها لا النافية والتاء زائدة في أول الحين، قاله أبو عبيدة وأم الطراوة. واستدل أبو عبيدة بأنه وجدها في الامام - وهو مصحف عثمان رضي الله عنه - مختلطة بحين في الخط، ولا دليل فيه، فكم في خط المصحف من أشياء خارجة عن القياس؟. ويشهد للجمهور أنه يوقف عليها بالتاء والهاء، وأنها رسمت منفصلة عن الحين، وأن التاء قد تكسر على أصل حركة التقاء الساكنين، وهو معنى قول الزمخشري (وقرئ بالكسر على البناء كجير) اه، ولو كانت فعلا ماضيا لم يكن للكسر وجه. الامر الثاني: في عملها، وفى ذلك أيضا ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها لا تعمل شيئا، فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره، أو منصوب فمفعول لفعل محذوف، وهذا قول للأخفش، والتقدير عنده في الآية لا أرى حين مناص، وعلى قراءة الرفع ولا حين مناص كائن لهم. والثاني: أنها تعمل عمل إن، فتنصب الاسم وترفع الخبر، وهذا قول آخر للأخفش. والثالث: أنها تعمل عمل ليس، وهو قول الجمهور. وعلى كل قول فلا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع. واختلف في معمولها، فنص الفراء على أنها لا تعمل إلا في لفظة الحين، وهو ظاهر قول سيبويه، وذهب الفارسي وجماعة إلى أنها تعمل في الحين وفيما رادفه، قال الزمخشري: زيدت التاء على لا، وخصت بنفي الأحيان.
254 تنبيه - قرئ (ولات حين مناص) بخفض الحين، فزعم الفراء أن لات تستعمل حرفا جارا لأسماء الزمان خاصة كما أن مذ ومنذ كذلك، وأنشد: 413 - طلبوا صلحا ولات أوان * (فأجبنا أن لات حين بقاء) (ص 681) وأجيب عن البيت بجوابين، أحدهما: أنه على إضمار من الاستغراقية، ونظيره في بقاء عمل الجار مع حذفه وزيادته قوله: ألا رجل جزاه الله خيرا * (يدل على محصلة تبيت) (103) فيمن رواه بجر رجل، والثاني: أن الأصل (ولات أوان صلح) ثم بنى المضاف لقطعه عن الإضافة، وكان بناؤه على الكسر لشبهه بنزال وزنا، أو لأنه قدر بناؤه على السكون ثم كسر على أصل التقاء الساكنين كأمس، وجير، ونون للضرورة، وقال الزمخشري: للتعويض كيومئذ، ولو كان كما زعم لأعرب لان العوض ينزل منزلة المعوض منه، وعن القراءة بالجواب الأول وهو واضح، وبالثاني وتوجيهه أن الأصل (حين مناصهم) ثم نزل قطع المضاف إليه من مناص منزلة قطعه من حين لاتحاد المضاف والمضاف إليه، قاله الزمخشري، وجعل التنوين عوضا عن المضاف إليه، ثم بنى الحين لإضافته إلى غير متمكن، اه والأولى أن يقال: إن التنزيل المذكور اقتضى بتاء الحين ابتداء، وإن المناص معرب وإن كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة لكنه ليس بزمان، فهو ككل وبعض. (لو) على خمسة أوجه: أحدها: لو المستعملة في نحو (لو جاءني لأكرمته) وهذه تفيد ثلاثة أمور أحدها: الشرطية، أعنى عقد السببية والمسببية بين الجملتين بعدها. والثاني: تقييد الشرطية بالزمن الماضي، وبهذا الوجه وما يذكر بعده فارقت إن، فإن تلك لعقد السببية والمسببية في المستقبل، ولهذا قالوا: الشرط بإن سابق
255 على الشرط ب " لو "، وذلك لان الزمن المستقبل سابق على الزمن الماضي، عكس ما يتوهم المبتدئون، ألا ترى أنك تقول (إن جئتني غدا أكرمتك) فإذا انقضى الغد ولم يجئ قلت (لو جئتني (أمس) أكرمتك). الثالث الامتناع، وقد اختلف النحاة في إفادتها له، وكيفية إفادتها إياه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها لا تفيده بوجه، وهو قول الشلوبين، زعم أنها لا تدل على امتناع الشرط ولا على امتناع الجواب، بل على التعليق في الماضي، كما دلت إن على التعليق في المستقبل، ولم تدل بالاجماع على امتناع ولا ثبوت، وتبعه على هذا القول ابن هشام الخضراوي. وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريات، إذ فهم الامتناع منها كالبديهي، فإن كل من سمع (لو فعل) فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد، ولهذا يصح في كل موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط منفيا لفظا أو معنى، تقول (لو جاءني أكرمته، ولكنه لم يجئ) ومنه قوله: 414 - ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة * كفاني - ولم أطلب قليل - من المال (ص 508) ولكنما أسعى لمجد مؤثل * وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي (ص 269) وقوله: 415 - فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت * ولكن حمد الناس ليس بمخلد ومنه قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها، ولكن حق القول منى لأملأن جهنم) أي: ولكن لم أشأ ذلك فحق القول منى، وقوله تعالى:
256 (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر ولكن الله سلم) أي فلم يريكموهم كذلك، وقول الحماسي: لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا (20) ثم قال: لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشر في شئ وإن هانا إذ المعنى لكنني لست من مازن، بل من قوم ليسوا في شئ من الشر وإن هان وإن كانوا ذوي عدد. فهذه المواضع ونحوها بمنزلة قوله تعالى (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). والثاني: أنها تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا، وهذا هو القول الجاري على ألسنة المعربين، ونص عليه جماعة من النحويين، وهو باطل بمواضع كثيرة، منها قوله تعالى (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا) (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) وقول عمر رضي الله عنه (نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه) وبيانه أن كل شئ امتنع ثبت نقيضه، فإذا امتنع ما قام ثبت قام، وبالعكس، وعلى هذا فيلزم على هذا القول في الآية الأولى ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة وتكليم الموتى لهم وحشر كل شئ عليهم، وفى الثانية نفاد الكلمات مع عدم كون كل ما في الأرض من شجرة أقلاما تكتب الكلمات وكون البحر الأعظم بمنزلة الدواة وكون السبعة الأبحر مملوءة (17 - مغني اللبيب 1)
257 مدادا وهي تمد ذلك البحر، ويلزم في الأثر ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف، وكل ذلك عكس المراد. والثالث: أنها تفيد امتناع الشرط خاصة، ولا دلالة لها على امتناع الجواب ولا على ثبوته، ولكنه إن كان مساويا للشرط في العموم كما في قولك (لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا) لزم انتفاؤه، لأنه يلزم من انتفاء السبب المساوي انتفاء مسببه، وإن كان أعم كما في قولك (لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا) فلا يلزم انتفاؤه، وإنما يلزم انتفاء القدر المساوي منه للشرط، وهذا قول المحققين. ويتلخص على هذا أن يقال: إن (لو) تدل على ثلاثة أمور: عقد السببية والمسببية، وكونهما في الماضي، وامتناع السبب، ثم تارة يعقل بين الجزأين ارتباط مناسب وتارة لا يعقل. فالنوع الأول على ثلاثة أقسام: ما يوجب فيه الشرع أو العقل انحصار مسببية الثاني في سببية الأول نحو (ولو شئنا لرفعناه بها) ونحو (لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا) وهذا يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثاني قطعا وما وجب أحدهما فيه عدم الانحصار المذكور نحو (لو نام لانتقض وضوءه) ونحو (لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا) وهذا لا يلزم فيه من امتناع الأول امتناع الثاني كما قدمنا، وما يجوز فيه العقل ذلك نحو (لو جاءني أكرمته) فإن العقل يجوز انحصار سبب الاكرام في المجئ، ويرجحه أن ذلك هو الظاهر من ترتيب الثاني على الأول، وأنه المتبادر إلى الذهن، واستصحاب الأصل، وهذا النوع يدل فيه العقل على انتفاء المسبب المساوي لانتفاء السبب، لا على الانتفاء مطلقا، ويدل الاستعمال والعرف على الانتفاء المطلق. والنوع الثاني قسمان، أحدهما: ما يراد فيه تقرير الجواب وجد الشرط أو فقد، ولكنه مع فقده أولى، وذلك كالأثر عن عمر، فإنه يدل على تقرير عدم العصيان على كل حال، وعلى أن انتفاء المعصية مع ثبوت الخوف أولى، وإنما لم تدل
258 على انتفاء الجواب لامرين، أحدهما: أن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة، وفى هذا الأثر دل مفهوم الموافقة على عدم المعصية، لأنه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى، وإذا تعارض هذان المفهومان قدم مفهوم الموافقة، الثاني: أنه لما فقدت المناسبة انتفت العلية، فلم يجعل عدم الخوف علة عدم المعصية، فعلمنا أن عدم المعصية معلل بأمر آخر، وهو الحياء والمهابة والاجلال والاعظام، وذلك مستمر مع الخوف، فيكون عدم المعصية عند عدم الخوف مستندا إلى ذلك السبب وحده، وعند الخوف مستندا إليه فقط أو إليه وإلى الخوف معا، وعلى ذلك تتخرج آية لقمان، لان العقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلان لا تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى، وكذا (ولو سمعوا ما استجابوا لكم) لان عدم الاستجابة عند عدم السماع أولى، وكذا (ولو أسمعهم لتولوا) فإن التولي عند عدم الاسماع أولى، وكذا (لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذا لأمسكتم خشية الانفاق) فإن الامساك عند عدم ذلك أولى. والثاني: أن يكون الجواب مقررا على كل حال من غير تعرض لأولوية نحو (ولو ردوا لعادوا) فهذا وأمثاله يعرف ثبوته بعلة أخرى مستمرة على التقديرين، والمقصود في هذا القسم تحقيق ثبوت الثاني، وأما الامتناع في الأول فإنه وإن كان حاصلا لكنه ليس المقصود. وقد اتضح أن أفسد تفسير للو قول من قال: حرف امتناع لامتناع، وأن العبارة الجيدة قول سيبويه رحمه الله: حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وقول ابن مالك: حرف يدل على انتفاء تال، ويلزم لثبوته ثبوت تاليه، ولكن قد يقال: إن في عبارة سيبويه إشكالا ونقصا. فأما الاشكال فإن اللام من قوله (لوقوع غيره) في الظاهر لام التعليل، وذلك فاسد، فإن عدم نفاد الكلمات ليس معللا بأن ما في الأرض من شجرة أقلام وما بعده، بل بأن صفاته سبحانه لا نهاية لها، والامساك خشية الاشفاق
259 ليس معللا بملكهم خزائن رحمة الله، بل بما طبعوا عليه من الشح، وكذا التولي وعدم الاستجابة ليس معللين بالسماع، بل بما هم عليه من العتو والضلال، وعدم معصية صهيب ليست معللة بعدم الخوف بل بالمهابة، والجواب أن تقدر اللام للتوقيت، مثلها في (لا يجليها لوقتها إلا هو) أي أن الثاني يثبت عند ثبوت الأول. وأما النقض فلأنها لا تدل على أنها دالة على امتناع شرطها، والجواب أنه مفهوم من قوله (ما كان سيقع) فإنه دليل على أنه لم يقع. نعم في عبارة ابن مالك نقص، فإنها لا تفيد أن اقتضاءها للامتناع في الماضي، فإذا قيل (لو حرف يقتضى في الماضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه) كان ذلك أجود العبارات. تنبيهان: الأول - اشتهر بين الناس السؤال عن معنى الأثر المروى عن عمر رضي الله عنه ، وقد وقع مثله في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى كلام الصديق رضي الله عنه، وقل من يتنبه لهما، فالأول قوله عليه الصلاة والسلام في بنت أبي سلمة (إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة) فإن حلها له عليه الصلاة والسلام منتف (عنه) من جهتين: كونها ربيبته في حجره، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة، كما أن معصية صهيب منتفية من جهتي المخافة والاجلال، والثاني قوله رضي الله عنه لما طول في صلاة الصبح وقيل له كادت الشمس تطلع (لو طلعت ما وجدتنا غافلين) لان الواقع عدم غفلتهم وعدم طلوعها، وكل منهما يقتضى أنها لم تجدهم غافلين، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأنها إذا لم تطلع لم تجدهم البتة لا غافلين ولا ذاكرين. الثاني - لهجت الطلبة بالسؤال عن قوله تعالى (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) وتوجيهه أن الجملتين يتركب منهما قياس، وحينئذ فينتج: لو علم الله فيهم خيرا لتولوا، وهذا مستحيل، والجواب من ثلاثة
260 أوجه اثنان يرجعان إلى نفى كونه قياسا وذلك بإثبات اختلاف الوسط، أحدهما: أن التقدير لأسمعهم إسماعا نافعا، ولو أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا، والثاني أن تقدر ولو أسمعهم على تقدير عدم علم الخير فيهم، والثالث بتقدير كونه قياسا متحد الوسط صحيح الانتاج، والتقدير: ولو علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك الوقت. الثاني من أقسام لو: أن تكون حرف شرط في المستقبل، إلا أنها لا تجزم، كقوله: 416 - ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا * ومن دون رمسينا من الأرض سبسب لظل صدى صوتي وإن كنت رمة * لصوت صدى ليلى يهش ويطرب وقول توبة: 417 - ولو أن ليلى الأخيلية سلمت * على ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة، أوزقا * إليها صدى من جانب القبر صائح وقوله: 418 - لا يلفك الراجيك إلا مظهرا * خلق الكرام، ولو تكون عديما وقوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) أي وليخش الذين إن شارفوا وقاربوا أن يتركوا، وإنما أولنا الترك بمشارفة الترك لان الخطاب للأوصياء، وإنما يتوجه إليهم قبل الترك، لانهم بعده أموات، ومثله (لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم) أي حتى يشارفوا رؤيته ويقاربوها، لان بعده
261 (فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) وإذا رأوه ثم جاءهم لم يكن مجيئه لهم بغتة وهم لا يشعرون، ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها، وذلك على أن يكونوا يرونه فلا يظنونه عذابا مثل (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) أو يعتقدونه عذابا، ولا يظنونه واقعا بهم، وعليهما فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته، ومن ذلك (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت) أي إذا قارب حضوره (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن) لان بلوغ الاجل انقضاء العدة، وإنما الامساك قبله. وأنكر ابن الحاج في نقده على المقرب مجئ لو للتعليق في المستقبل، قال: ولهذا لا تقول (لو يقوم زيد فعمرو منطلق) كما تقول ذلك مع إن. وكذلك أنكره بدر الدين بن مالك، وزعم أن إنكار ذلك قول أكثر المحققين، قال: وغاية ما في أدلة من أثبت ذلك أن ما جعل شرطا للو مستقبل في نفسه، أو مقيد بمستقبل، وذلك لا ينافي امتناعه فيما مضى لامتناع غيره، ولا يحوج إلى إخراج (لو) عما عهد فيها من المضي، اه. وفى كلامه نظر في مواضع: أحدها: نقله عن أكثر المحققين، فإنا لا نعرف من كلامهم إنكار ذلك، بل كثير منهم ساكت عنه، وجماعة منهم من أثبتوه. والثاني: أن قوله (وذلك لا ينافي - إلى آخره) مقتضاه أن الشرط يمتنع لامتناع الجواب، والذي قرره هو وغيره من مثبتي الامتناع فيهما أن الجواب هو الممتنع لامتناع الشرط، ولم نر أحدا صرح بخلاف ذلك، إلا ابن الحاجب وابن الخباز. فأما ابن الحاجب فإنه قال في أماليه: ظاهر كلامهم أن الجواب امتنع
262 لامتناع الشرط، لانهم يذكرونها مع لولا فيقولون لولا حرف امتناع لوجود والممتنع مع لولا هو الثاني قطعا، فكذا يكون قولهم في لو، وغير هذا القول أولى، لان انتفاء السبب لا يدل على انتفاء مسببه، لجواز أن يكون ثم أسباب أخر. ويدل على هذا (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فإنها مسوقة لنفى التعدد في الآلهة بامتناع الفساد، لا أن امتناع الفساد لامتناع الآلهة، لأنه خلاف المفهوم من سياق أمثال هذه الآية، ولأنه لا يلزم من انتفاء الآلهة انتفاء الفساد، ولجواز وقوع ذلك وإن لم يكن تعدد في الآلهة، لان المراد بالفساد فساد نظام العالم عن حالته، وذلك جائز أن يفعله الاله الواحد سبحانه، اه. وهذا الذي قاله خلاف المتبادر في مثل (لو جئتني أكرمتك) وخلاف ما فسروا به عبارتهم، إلا بدر الدين، فإن المعنى انقلب عليه، لتصريحه أولا بخلافه، وإلا ابن الخباز، فإنه من ابن الحاجب أخذ، وعلى كلامه اعتمد، وسيأتي البحث معه. وقوله: (المقصود نفى التعدد لانتفاء الفساد) مسلم، ولكن ذلك اعتراض على من قال: إن لو حرف امتناع لامتناع، وقد بينا فساده. فإن قال: إنه على تفسيري لا اعتراض عليهم. قلنا: فما تصنع ب (- لو جئتني لأكرمتك) و (لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) فإن المراد نفى الاكرام والاسماع لانتفاء المجئ وعلم الخير فيهم لا العكس. وأما ابن الخباز فإنه قال في شرح الدرة وقد تلا قوله تعالى: (ولو شئنا لرفعناه بها): يقول النحويون: إن التقدير لم نشأ فلم نرفعه، والصواب لم نرفعه فلم نشأ،
263 لان نفى اللازم يوجب نفى الملزوم، ووجود الملزوم يوجب وجود اللازم، فيلزم من وجود المشيئة وجود الرفع، ومن نفى الرفع نفى المشيئة، اه. والجواب أن الملزوم هنا مشيئة الرفع لا مطلق المشيئة، وهي مساوية للرفع، أي متى وجدت وجد، ومتى انتفت انتفى، وإذا كان اللازم والملزوم بهذه الحيثية لزم من نفى كل منهما انتفاء الآخر. الاعتراض الثالث على كلام بدر الدين: أن ما قاله من التأويل ممكن في بعض المواضع دون بعض، فمما أمكن فيه قوله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا) الآية، إذ لا يستحيل أن يقال: لو شارفت فيما مضى أنك تخلف ذرية ضعافا لخفت عليهم، لكنك لم تشارف ذلك فيما مضى، ومما لا يمكن ذلك فيه قوله تعالى: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) ونحو ذلك. وكون لو بمعنى (إن) قاله كثير من النحويين في نحو (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) (ولو أعجبتكم) (ولو أعجبكم) (ولو أعجبك حسنهن) ونحو (أعطوا السائل ولو جاء على فرس) وقوله: 419 - قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم * دون النساء ولو باتت بأطهار وأما نحو (ولو ترى إذ وقفوا على النار) (أن لو نشاء أصبناهم) وقول كعب رضي الله عنه: 420 - [لقد أقوم مقاما] لو يقوم به * أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل فمن القسم الأول، لا من هذا القسم، لان المضارع في ذلك مراد به المضي، وتحرير (1) ذلك أن تعلم أن خاصية (لو) فرض ما ليس بواقع واقعا، ومن ثم انتفى
(1) في نسخة (وتقرير ذلك). 264 شرطها في الماضي والحال لما ثبت من كون متعلقها غير واقع، وخاصية إن تعليق أمر بأمر مستقبل محتمل، ولا دلالة لها على حكم شرطها في الماضي والحال، فعلى هذا قوله (ولو باتت بأطهار) يتعين فيه معنى إن، لأنه خبر عن أمر مستقبل محتمل، أما استقباله فلان جوابه محذوف دل عليه شدوا، وشدوا مستقبل، لأنه جواب إذا، وأما احتماله فظاهر، ولا يمكن جعلها امتناعية، للاستقبال والاحتمال، ولان المقصود تحقق ثبوت الطهر لا امتناعه، وأما قوله [416] (ولو تلتقي - البيت) وقوله [417] (ولو أن ليلى - البيت) فيحتمل أن لو فيهما بمعنى إن، على أن المراد مجرد الاخبار بوجود ذلك عند وجود هذه الأمور في المستقبل، ويحتمل أنها على بابها وأن المقصود فرض هذه الأمور واقعة والحكم عليها مع العلم بعدم وقوعها. والحاصل أن الشرط متى كان مستقبلا محتملا، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى، فهي بمعنى إن، ومتى كان ماضيا أو حالا أو مستقبلا، ولكن قصد فرضه الآن أو فيما مضى، فهي الامتناعية. والثالث: أن تكون حرفا مصدريا بمنزلة أن إلا أنها لا تنصب وأكثر وقوع هذه بعد ود أو يود، نحو (ودوا لو تدهن) (يود أحدهم لو يعمر) ومن وقوعها بدونهما قول قتيلة: 421 - ما كان ضرك لو مننت، وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق وقوله الأعشى: 422 - وربما فات قوما جل أمرهم * من التأني، وكان الحزم لو عجلوا وقول امرئ القيس:
265 423 - تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا * على حراصا لو يسرون مقتلي [ص 522] وأكثرهم لم يثبت ورود لو مصدرية، والذي أثبته الفراء وأبو على وأبو البقاء والتبريزي وابن مالك. ويقول المانعون في نحو (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة): إنها شرطية، وإن مفعول يؤيد وجواب لو محذوفان، والتقدير: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك، ولا خفاء بما في ذلك من التكلف. ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم (ودوا لو يدهن فيدهنوا) بحذف النون، فعطف يدهنوا بالنصب على تدهن لما كان معناه أن تدهن. ويشكل عليهم دخولها على أن في نحو (وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا). وجوابه أن لو إنما دخلت على فعل محذوف مقدر بعد لو تقديره تود لو ثبت أن بينها. وأورد ابن مالك السؤال في (فلو أن لنا كرة) وأجاب بما ذكرنا، وبأن هذا من باب توكيد اللفظ بمرادفه نحو (فجاجا سبلا) والسؤال في الآية مدفوع من أصله، لان لو فيها ليست مصدرية، وفى الجواب الثاني نظر، لان توكيد الموصول قبل مجئ صلته شاذ كقراءة زيد بن علي (والذين من قبلكم) بفتح الميم. والرابع: أن تكون للتمني نحو (لو تأتيني فتحدثني) قيل: ومنه (فلو أن لنا كرة) أي فليت لنا كرة، ولهذا نصب (فنكون) في جوابها كما انتصب (فأفوز) في جواب ليت في (يا ليتني كنت معهم فأفوز) ولا دليل في هذا، لجواز أن
266 يكون النصب في (فنكون (1)) مثله في (إلا وحبا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) وقول ميسون: 424 - ولبس عباءة وتقر عيني * أحب إلى من لبس الشفوف [ص 283 و 361 و 479 و 551] واختلف في (لو) هذه، فقال ابن الضائع وابن هشام: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت، وقال بعضهم: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني، بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كقوله: 425 - فلو نبش المقابر عن كليب * فيخبر بالذنائب أي زير بيوم الشعثمين لقر عينا * وكيف لقاء من تحت القبور؟ وقال ابن مالك: هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني، وذلك أنه أورد قول الزمخشري (وقد تجئ لو في معنى التمني في نحو لو تأتيني فتحدثني) فقال: إن أراد أن الأصل (وددت لو تأتيني فتحدثني) فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الاشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها فصحيح، أو أنها حرف وضع للتمني كليت فممنوع، لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمني كما لا يجمع بينه وبين ليت، اه. الخامس: أن تكون للعرض نحو (لو تنزل عندنا فتصيب خيرا) ذكره في التسهيل. وذكر ابن هشام اللخمي وغيره لها معنى آخر، وهو التقليل نحو (تصدقوا ولو بظلف محرق) وقوله تعالى (ولو على أنفسكم) وفيه نظر.
(1) في نسخة (لجواز أن يكون النصب في فأفوز). 267 وهنا مسائل إحداها، أن (لو) خاصة بالفعل، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده، أو اسم منصوب كذلك، أو خبر لكان محذوفة، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر، فالأول كقولهم (لو ذات سوار لطمتني) وقول عمر رضي الله عنه (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) وقوله: 426 - لو غيركم علق الزبير بحبله * أدى الجوار إلى بنى العوام والثاني نحو (لو زيدا رأيته أكرمته) والثالث نحو (التمس ولو خاتما من حديد، واضرب ولو زيدا، وألا ماء ولو باردا) وقوله: 427 - لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا * جنوده ضاق عنها السهل والجبل واختلف في (قل لو أنتم تملكون) فقيل: من الأول، والأصل: لو تملكون تملكون، فحذف الفعل الأول فانفصل الضمير، وقيل: من الثالث، أي لو كنتم تملكون، ورد بأن المعهود بعد لو حذف كان ومرفوعها معا، فقيل: الأصل لو كنتم أنتم تملكون فحذفا، وفيه نظر، للجمع بين الحذف والتوكيد. والرابع نحو قوله: 428 - لو بغير الماء حلقي شرق * كنت كالغصان بالماء اعتصار وقوله: 429 - لو في طهية أحلام لما عرضوا * دون الذي أنا أرميه ويرميني واختلف فيه، فقيل: محمول على ظاهره وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذا كما قيل في قوله:
268 [ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى] فهلا نفس ليلى شفيعها [109] قال الفارسي: هو من النوع الأول، والأصل لو شرق حلقي هو شرق، فحذف الفعل أولا والمبتدأ آخرا، وقال المتنبي: 430 - ولو قلم ألقيت في شق رأسه * من السقم ما غيرت من خط كاتب فقيل: لحن، لأنه لا يمكن أن يقدر ولو ألقى قلم، وأقول: روى بنصب قلم ورفعه، وهما صحيحان، والنصب أوجه بتقدير: ولولا بست قلما، كما يقدر في نحو (زيدا حبست عليه) والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى، أي ولو حصل قلم، أي ولو لوبس قلم، كما قالوا في قوله: 431 - إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته * [فقام بفأس بين وصليك جازر] فيمن رفع ابنا: إن التقدير إذا بلغ، وعلى الرفع فيكون ألقيت صفة لقلم، ومن الأولى تعليلية على كل حال متعلقة بألقيت، لا بغيرت، لوقوعه في حيز ما النافية، وقد تعلق بغيرت، لان مثل ذلك يجوز في الشعر كقوله: * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [137] المسألة الثانية: تقع (أن) بعدها كثيرا نحو (ولو أنهم آمنوا) (ولو أنهم صبروا) (ولو أنا كتبنا عليهم) (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به) وقوله: ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة * [كفاني ولم أطلب قليل من المال] [414] وموضعها عند الجميع رفع، فقال سيبويه: بالابتداء ولا تحتاج إلى خبر، لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، واختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد لو، كما اختصت غدوة بالنصب بعد لدن، والحين بالنصب بعد لات، وقيل: على الابتداء والخبر محذوف، ثم قيل: يقدر مقدما، أي ولو ثابت إيمانهم، على حد
269 (وآية لهم أنا حملنا) وقال ابن عصفور: بل يقدر هنا مؤخرا، ويشهد له أنه يأتي مؤخرا بعد أما كقوله: 432 - عندي اصطبار، وأما أنني جزع * يوم النوى فلوجد كاد يبريني وذلك لان لعل لا تقع هنا، فلا تشتبه أن المؤكدة إذا قدمت بالتي بمعنى لعل، فالأولى حينئذ أن يقدر مؤخرا على الأصل، أي ولو إيمانهم ثابت. وذهب المبرد والزجاج والكوفيون إلى أنه على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها، أي ولو ثبت أنهم آمنوا، ورجح بأن فيه إبقاء لو على الاختصاص بالفعل. قال الزمخشري: ويجب كون خبر أن فعلا ليكون عوضا من الفعل المحذوف، ورده ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) وقالوا: إنما ذاك في الخبر المشتق لا الجامد كالذي في الآية وفى قوله: 433 - ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر * تنبو الحوادث عنه وهو ملموم وقوله: 434 - ولو أنها عصفورة لحسبتها * مسومة تدعو عبيدا وأزنما ورد ابن مالك قول هؤلاء بأنه قد جاء اسما مشتقا كقوله: 435 - لو أن حيا مدرك الفلاح * أدركه ملاعب الرماح وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا، ولم يتنبه لها الزمخشري، كما لم يتنبه لآية لقمان، ولا ابن الحاجب وإلا لما منع من ذلك، ولا ابن مالك
270 وإلا لما استدل بالشعر، وهي قوله تعالى: (يودوا لو أنهم بأدون في الاعراب) ووجدت آية الخبر فيها ظرف (لغو) وهي (لو أن عندنا ذكرا من الأولين). المسألة الثالثة: لغلبة دخول (لو) على الماضي لم تجزم، ولو أريد بها معنى إن الشرطية، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري كقوله: 436 - لو يشأ طار به ذو ميعة * لا حق الآطال نهد ذو خصل (ص 698) وقوله: 437 - تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت * إحدى نساء بنى ذهل بن شيبانا وقد خرج هذا على أن ضمة الاعراب سكنت تخفيفا كقراءة أبى عمرو (وينصركم) و (يشعركم) و (يأمركم) والأول على لغة من يقول شايشا بألف، ثم أبدلت همزة ساكنة، كما قيل العألم والخأتم، وهو توجيه قراءة ابن ذكوان (منساته) بهمزة ساكنة، فإن الأصل (منسأته) بهمزة مفتوحة مفعلة من نسأه إذا أخره، نم أبدلت الهمزة ألفا ثم الألف همزة ساكنة. المسألة الرابعة: جواب لو إما مضارع منفى بلم نحو (لو لم يخف الله لم يعصه) أو ماض مثبت، أو منفى بما، والغالب على المثبت دخول اللام عليه نحو (لو نشاء لجعلناه حطاما) ومن تجرده منها (لو نشاء جعلناه أجاجا) والغالب على المنفى تجرده منها نحو (ولو شاء ربك ما فعلوه) ومن اقترانه بها قوله: 438 - ولو نعطى الخيار لما افترقنا * ولكن لا خيار مع الليالي
271 ونظيره في الشذوذ اقتران جواب القسم المنفى بما بها كقوله: 439 - أما والذي لو شاء لم يخلق النوى * لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي وقد ورد جواب (لو) الماضي مقرونا بقد وهو غريب كقول جرير: 440 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الحوائم لا يجدن غليلا ونظيره في الشذوذ اقتران جواب لولا بها كقول جرير أيضا: * لولا رجاؤك قد قتلت أولادي * [94] قيل: وقد يكون جواب لو جملة اسمية مقرونة باللام أو بالفاء، كقوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير) وقيل: هي جواب لقسم مقدر، وقول الشاعر: 441 - قالت سلامة: لم يكن لك عادة * أن تترك الأعداء حتى تعذرا لو كان قتل يا سلام فراحة * لكن فررت مخافة أن أوسرا (لولا): على أربعة أوجه: أحدها: أن تدخل على [جملتين] اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو: (لولا زيد لأكرمتك) أي لولا زيد موجود، فأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة) فالتقدير لولا مخافة أن أشق على أمتي لامرتهم، أي أمر إيجاب، وإلا لا نعكس معناها، إذ الممتنع المشقة، والموجود الامر.
272 وليس المرفوع بعد لولا م فاعلا بفعل محذوف، ولا بلولا لنيابتها عنه، ولا بها أصالة، خلافا لزاعمي ذلك، بل رفعه بالابتداء، ثم قال أكثرهم: يجب كون الخبر كونا مطلقا محذوفا، فإذا أريد الكون المقيد لم يجز أن تقول (لولا زيد قائم) ولا أن تحذفه، بل تجعل مصدره هو المبتدأ، فتقول (لولا قيام زيد لأتيتك) أو تدخل أن على المبتدأ فتقول (لولا أن زيدا قائم) وتصير أن وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا، أو مبتدأ لا خبر له، أو فاعلا يثبت محذوفا، على الخلاف السابق في فصل (لو). وذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين وابن مالك إلى أنه يكون كونا مطلقا كالوجود والحصول فيجب حذفه، وكونا مقيدا كالقيام والقعود فيجب ذكره إن لم يعلم نحو (لولا قومك حديثو عهد بالاسلام لهدمت الكعبة) ويجوز الأمران إن علم، وزعم ابن الشجري أن من ذكره (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) وهذا غير متعين، لجواز تعلق الظرف بالفضل، ولحن جماعة ممن أطلق وجوب حذف الخبر المعرى في قوله في وصف سيف: 442 - يذيب الرعب منه كل عضب * فلو لا الغمد يمسكه لسالا [ص 542] وليس يجيد، لاحتمال تقدير (يمسكه) بدل اشتمال على أن الأصل أن يمسكه، ثم حذفت أن وارتفع الفعل، أو تقدير يمسكه جملة معترضة، وقيل: يحتمل أنه حال من الخبر المحذوف، وهذا مردود بنقل الأخفش أنهم لا يذكرون الحال بعدها، لأنه خبر في المعنى، وعلى الابدال والاعتراض والحال عند من قال به يتخرج أيضا قول تلك المرأة: 443 - فوالله لولا الله تخشى عواقبه * لزعزع من هذا السر جوانبه (18 - مغني اللبيب 1)
273 وزعم ابن الطراوة أن جواب لولا أبدا هو خبر المبتدأ، ويرده أنه لا رابط بينهما. وإذا ولى لولا مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع، نحو (لولا أنتم لكنا مؤمنين) وسمع قليلا (لولاي، ولولاك، ولولاه) خلافا للمبرد. [ثم] قال سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به، كما اختصت حتى والكاف بالظاهر، ولا تتعلق لولا بشئ، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء، والخبر محذوف. وقال الأخفش: الضمير مبتدأ، ولولا غير جارة، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع، كما عكسوا، إذ قالوا (ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا) وقد أسلفنا أن النيابة إنما وقعت في الضمائر المنفصلة لشبهها في استقلالها بالأسماء الظاهرة، فإذا عطف عليه اسم ظاهر، نحو (لولاك وزيد) تعين رفعه، لأنها لا تخفض الظاهر. الثاني: أن تكون للتحضيض والعرض فتختص بالمضارع أو ما في تأويله نحو (لولا تستغفرون الله) ونحو (لولا أخرتني إلى أجل قريب) والفرق بينهما أن التحضيض طلب بحث وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب. والثالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نحو (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) (فلو لا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) ومنه (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) إلا أن الفعل أخر، وقوله: 444 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بنى ضوطري لولا الكمي المقنعا إلا أن الفعل أضمر، أي لولا عددتم، وقول النحويين (لولا تعدون) مردود،
274 إذ لم يرد أن يحضهم على أن يعدوا في المستقبل، بل المراد توبيخهم على ترك عده في الماضي، وإنما قال (تعدون) على حكاية الحال، فإن كان مراد النحويين مثل ذلك فحسن. وقد فصلت من الفعل بإذ وإذا معمولين له، وبجملة شرطية معترضة، فالأول نحو (ولولا إذ سمعتموه قلتم) (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) والثاني والثالث نحو (فلو لا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) (فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) المعنى فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا، أو بالملائكة، ولكنكم لا تشاهدون ذلك، ولولا الثانية تكرار للأولى. الرابع: الاستفهام، نحو (لولا أخرتني إلى أجل قريب) (لولا أنزل عليه ملك) قاله الهروي، وأكثرهم لا يذكره، والظاهر أن الأولى للعرض، وأن الثانية مثل (لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء). وذكر الهروي أنها تكون نافية بمنزلة لم، وجعل منه (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) والظاهر أن المعنى على التوبيخ، أي فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب فنفعها ذلك، وهو تفسير الأخفش والكسائي والفراء وعلي بن عيسى والنحاس، ويؤيده قراءة أبى وعبد الله (فهلا كانت) ويلزم من هذا المعنى النفي، لان التوبيخ يقتضى عدم الوقوع، وقد يتوهم أن الزمخشري قائل بأنها للنفي لقوله: (والاستثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز كونه متصلا والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت) ولعله إنما أراد ما ذكرنا، ولهذا قال (والجملة في معنى النفي (ولم يقل (ولولا للنفي) وكذا قال في (لولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا):
275 معناه نفى التضرع، ولكنه جئ ب " لو " لا ليفاد أنهم لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم، اه فإن احتج محتج للهروي بأنه قرئ بنصب (قوم) على أصل الاستثناء، ورفعه على الابدال، فالجواب أن الابدال يقع بعد ما فيه رائحة النفي، كقوله: 445 - [وبالصريمة منهم منزل خلق] * عاف تغير إلا النؤى والوتد فرفع لما كان تغير بمعنى لم يبق على حاله، وأدق من هذه قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم) لما كان شربوا منه في معنى فلم يكونوا منه، بدليل (فمن شرب منه فليس منى) ويوضح لك ذلك أن البدل في غير الموجب أرجح من النصب، وقد أجمعت السبعة على النصب في (إلا قوم يونس) فدل على أن الكلام موجب، ولكن فيه رائحة غير الايجاب، كما في قوله: * عاف تغير إلا النؤى والوتد * [445] تنبيه - ليس من أقسام (لولا) الواقعة في نحو قوله: 446 - ألا زعمت أسماء أن لا أحبها * فقلت: بلى لولا ينازعني شغلى لان هذه كلمتان بمنزلة قولك (لو لم) والجواب محذوف، أي لو لم ينازعني شغلى لزرتك، وقيل: بل هي لولا الامتناعية، والفعل بعدها على إضمار (أن) على حد قولهم (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه). (لو ما): بمنزلة لولا، تقول: لو ما زيد لأكرمتك، وفى التنزيل (لو ما تأتينا بالملائكة) وزعم المالقي أنها لم تأت إلا للتحضيض، ويرده قول الشاعر: 447 - لو ما الاصاخة للوشاة لكان لي * من بعد سخطك في رضاك رجاء
276 (لم): حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا، نحو (لم يلد ولم يولد) الآية. وقد يرفع الفعل (المضارع) بعدها، كقوله: 448 - لولا فوارس من نعم وأسرتهم * يوم الصليفاء لم يوفون بالجار [ص 339] فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك: لغة. وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم (ألم نشرح) وقوله: 449 - في أي يومى من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر وخرجا على أن الأصل (نشرحن) و (يقدرن) حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين، وقال أبو الفتح: الأصل يقدر بالسكون، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة - وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمحرك مجرى المحرك، والمحرك مجرى الساكن، إعطاء للجار حكم مجاورة - أبدلوا الهمزة المحركة ألفا، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة، يعنى ولزم حينئذ فتح ما قبلها، إذ لا تقع الألف إلا بعد فتحة، قال: وعلى ذلك قولهم: المراة، والكماة بالألف، وعليه خرج أبو على قول عبد يغوث: 450 - [وتضحك منى شيخة عبشمية] * كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا [ص 278] فقال: أصله ترأى - بهمزة بعدها ألف - كما قال سراقة البارقي: 451 - أرى عيني ما لم تر إياه * [كلانا عالم بالترهات] ثم حذفت الألف للجازم، ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا، وأقيس من تخريجهما أن يقال في قوله (أيوم لم يقدر): نقلت حركة همزة أم إلى راء يقدر، ثم أبدلت الهمزة
277 - الساكنة ألفا، ثم الألف همزة متحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة اتباعا لفتحة الراء، كما في (ولا الضالين) فيمن همزه، وكذلك القول في (المراة والكماة) وقوله * كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا * [450] ولكن لم تحرك الألف فيهن لعدم التقاء الساكنين. وقد تفصل من مجزومها في الضرورة بالظرف كقوله: 452 - فذاك ولم - إذا نحن امترينا - * تكن في الناس يدركك المراء وقوله: 453 - فأضحت مغانيها قفارا رسومها * كأن لم - سوى أهل من الوحش - تؤهل وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسره ما بعده كقوله: 454 - ظننت فقيرا ذا غنى ثم نلته * فلم ذا رجاء ألقه غير واهب (لما): على ثلاثة أوجه: أحدها: أنها تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا كلم، إلا أنها تفارقها في خمسة أمور: أحدها: أنها لا تقترون بأداة شرط، لا يقال (إن لما تقم) وفى التنزيل (وإن لم تفعل) (وإن لم ينتهوا). الثاني: أن منفيها مستمر النفي إلى الحال كقوله: 455 - فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق
278 ومنفي لم يحتمل الاتصال نحو (ولم أكن بدعائك رب شقيا) والانقطاع مثل (لم يكن شيئا مذكورا) ولهذا جاز (لم يكن ثم كان) ولم يجز (لما يكن ثم كان) بل يقال (لما يكن وقد يكون) ومثل ابن مالك للنفي المنقطع بقوله: 456 - وكنت إذ كنت إلهي وحدكا * لم يك شئ يا إلاهي قبلكا وتبعه ابنه فيما كتب على التسهيل، وذلك وهم فاحش. ولامتداد النفي بعد لما لم يجز اقترانها بحرف التعقيب، بخلاف لم، تقول قمت فلم تقم، لان معناه وما قمت عقيب قيامي، ولا يجوز (قمت فلما تقم) لان معناه وما قمت إلى الآن. الثالث: أن منفى لما لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفى لم، تقول: لم يكن زيد في العالم الماضي مقيما، ولا يجوز (لما يكن) وقال ابن مالك: لا يشترط كون منفى لما قريبا من الحال مثل (عصى إبليس ربه ولما يندم) بل ذلك غالب لا لازم. الرابع: أن منفى لما متوقع ثبوته، بخلاف منفى لم، ألا ترى أن معنى (بل لما يذوقوا عذاب) أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع، قال الزمخشري في (ولما يدخل الايمان في قلوبكم): ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيها بعد، اه. ولهذا أجازوا (لم يقض مالا يكون) ومنعوه في لما. وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في نفى المتوقع وغيره، مثال المتوقع أن تقول: مالي قمت ولم تقم، أو ولما تقم، ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء: لم تقم، أو لما تقم. الخامس: أن منفى لما جائر الحذف لدليل، كقوله:
279 457 - فجئت قبورهم بدأ ولما * فناديت القبور فلم يجبنه أي، ولما أكن بدأ قبل ذلك، أي سيدا، ولا يجوز (وصلت إلى بغداد ولم) تريد ولم أدخلها، فأما قوله: 458 - احفظ وديعتك التي استودعتها * يوم الأعازب إن وصلت وإن لم فضرورة. وعلة هذه الأحكام كلها أن لم لنفى فعل، ولما لنفى قد فعل. الثاني من أوجه لما: أن تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما، نحو (لما جاءني أكرمته) ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وزعم ابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جنى وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى حين، وقال ابن مالك: بمعنى إذ، وهو حسن، لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة. ورد ابن خروف على مدعى الاسمية بجواز أن يقال: لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم، لأنها إذا قدرت ظرفا كان عاملها الجواب، والواقع في اليوم لا يكون في الأمس. والجواب أن هذا مثل (إن كنت قلته فقد علمته) والشرط لا يكون إلا مستقبلا، ولكن المعنى إن ثبت أنى كنت قلته، وكذا هنا. المعنى لما ثبت اليوم إكرامك لي أمس أكرمتك. ويكون جوابها فعلا ماضيا انفاقا، وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية أو بالفاء عند ابن مالك، وفعلا مضارعا عند ابن عصفور، دليل الأول (فلما نجاكم إلى البر
280 أعرضتم) والثاني (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) والثالث (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) والرابع (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا) وهو مؤول يجادلنا، وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد، وفى آية المضارع إن الجواب (جاءته البشرى) على زيادة الواو، أو محذوف، أي أقبل يجادلنا. ومن مشكل لما هذه قول الشاعر: 459 - أقول لعبد الله لما سقاؤنا * ونحن بوادي عبد شمس وهاشم فيقال: أين فعلاها؟ والجواب أن (سقاؤنا) فاعل بفعل محذوف يفسره وهي بمعنى سقط، والجواب محذوف تقديره قلت، بدليل قوله أقول، وقوله (شم) أمر من قولك (شمت البرق) إذا نظرت إليه، والمعنى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه. والثالث: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن كل نفس لما عليها حافظ) فيمن شدد الميم، وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو (أنشدك الله لما فعلت) أي ما أسألك إلا فعلك، قال: 460 - قالت له: بالله يا ذا البردين * لما غنثت نفسا أو اثنين وفيه رد لقول الجوهري: إن لما بمعنى إلا غير معروف في اللغة. وتأتي لما مركبة من كلمات، ومن كلمتين. فأما المركبة من كلمات فكما تقدم في (وإن كلا لما ليوفينهم ربك) في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون إن وميم لما، فيمن قال: الأصل لمن ما
281 فأبدلت النون ميما وأدغمت، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى، وهذا القول ضعيف، لان حذف مثل هذا الميم استثقالا لم يثبت، وأضعف منه قول آخر: إن الأصل لما بالتنوين بمعنى جمعا، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف، لان استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد، وأضعف من هذا قول آخر: إنه فعلى من اللمم، وهو بمعناه، ولكنه منع الصرف لألف التأنيث، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة، وإذا كان فعلى فهلا كتب بالياء، وهلا أماله من قاعدته الإمالة، واختار ابن الحاجب أنها لما الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لما يهملوا، أو لما يتركوا، لدلالة ما تقدم من قوله تعالى (فمنهم شقي وسعيد) ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، قال: ولا أعرف وجها أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل، والحق أن لا يستبعد لذلك، ا ه. وفى تقديره نظر، والأولى عندي أن يقدر (لما يوفوا أعمالهم) أي أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفونها، ووجه رجحانه أمران، أحدهما: أن بعده (ليوفينهم) وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنها ستقع، والثاني: أن منفى لما متوقع الثبوت كما قدمنا، والاهمال غير متوقع الثبوت. وأما قراءة أبى بكر بتخفيف (أن) وتشديد (لما) فتحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون مخففة من الثقيلة، ويأتي في لما تلك الأوجه، والثاني: أن تكون أن نافية، و (كلا) مفعول بإضمار أرى، ولما بمعنى إلا. وأما قراءة النحويين بتشديد النون وتخفيف الميم وقراءة الحرميين بتخفيفهما فإن في الأولى على أصلها من التشديد ووجوب الأعمال، وفى الثانية مخففة من الثقيلة، وأعملت على أحد الوجهين، واللام من لما فيهما لام الابتداء، وقيل: أو هي في قراءة التخفيف الفارقة بين إن النافية، والمخففة من الثقيلة وليس كذلك، لان تلك إنما تكون عند تخفيف إن وإهمالها، وما زائدة للفصل بين اللامين كما زيدت الألف
282 للفصل بين الهمزتين في نحو (أأنذرتهم) وبين النونات في نحو (اضربنان يا نسوة) قيل: وليست موصولة بجملة القسم لأنها إنشائية، وليس كذلك، لان الصلة في المعنى جملة الجواب، وإنما جملة القسم مسوقة لمجرد التوكيد، ويشهد لذلك قوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن) لا يقال: لعل من نكرة أي لفريق ليبطئن، لأنها حينئذ تكون موصوفة، وجملة الصفة كجملة الصلة في اشتراط الخبرية: وأما المركبة من كلمتين فكقوله: 461 - لما رأيت أبا يزيد مقاتلا * أدع القتال وأشهد الهيجاء [ص 529 و 694] وهو لغز، يقال فيه: أين جواب لما؟ وبم انتصب أدع؟ وجواب الأول أن الأصل (لن ما) ثم أدغمت النون في الميم للتقارب، ووصلا خطا للإلغاز، وإنما حقهما أن يكتبا منفصلين ونظيره في الإلغاز قوله: 462 - عافت الماء في الشتاء، فقلنا * برديه تصادفيه سخينا فيقال: كيف يكون التبريد سببا لمصادفته سخينا؟ وجوابه أن الأصل (بل رديه) ثم كتب على لفظه للإلغاز، وعن الثاني أن انتصابه بلن، وما الظرفية وصلتها ظرف له فاصل بينه وبين لن للضرورة، فيسأل حينئذ: كيف يجتمع قوله لن أدع القتال مع قوله لن أشهد الهيجاء؟ فيجاب بأن أشهد ليس معطوفا على أدع، بل نصبه بأن مضمرة، وأن والفعل عطف على القتال، أي لن أدع القتال وشهود الهيجاء على حد قول ميسون: * ولبس عباءة وتقر عيني * [425]
283 (لن): حرف نصب ونفى واستقبال، وليس أصله وأصل لم لا فأبدلت الألف نونا في لن وميما في لم خلافا للفراء، لان المعروف إنما هو إبدال النون ألفا لا العكس نحو (لنسفعا) و (ليكونا) ولا أصل لن (لا أن) فحذفت الهمزة تخفيفا والألف للساكنين خلافا للخليل والكسائي، بدليل جواز تقديم معمول معمولها عليها نحو (زيدا لن أضرب) خلافا للأخفش الصغير، وامتناع نحو (زيد يعجبني أن تضرب) خلافا للفراء، ولان الموصول وصلته مفرد، ولن أفعل كلام تام، وقول المبرد إنه مبتدأ حذف خبره أي لا الفعل واقع مردود بأنه لم ينطق به مع أنه لم يسد شئ مسده، بخلاف نحو " لولا زيد لأكرمتك " وبأن الكلام تام بدون المقدر، وبأن لا الداخلة على الجملة الاسمية واجبة التكرار إذا لم تعمل، ولا التفات له في دعوى عدم وجوب ذلك، فإن الاستقراء يشهد بذلك. ولا تفيد لن توكيد النفي خلافا للزمخشري في كشافه، ولا تأييده خلافا له في أنموذجه، وكلاهما دعوى بلا دليل، قيل: ولو كانت للتأييد لم يقيد منفيها باليوم في (فلن أكلم اليوم إنسيا) ولكان ذكر الأبد في (ولن يتمنوه أبدا) تكرارا، والأصل عدمه. وتأتي للدعاء كما أتت لا لذلك وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله: 463 - لن تزالوا كذلكم ثم لا زلت لكم خالدا خلود الجبال وأما قوله تعالى (قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) فقيل: ليس منه، لان فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم، بل إلى المخاطب أو الغائب، نحو " يا رب لا عذبت فلانا " ونحو " لا عذب الله عمرا " اه ويرده قوله: * ثم لا زلت لكم خالدا خلود الجبال * [463] وتلقى القسم بها وبلم نادر حدا، كقول أبى طالب:
284 464 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا [ص 618] وقيل لبعضهم: ألك بنون؟ فقال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب، أي إن لي لبنين، ثم استأنف جملة النفي. وزعم بعضهم أنها قد تجزم كقوله: 465 - [أيادي سبايا عزما كنت بعدكم] * فلن يحل للعينين بعدك منظر وقوله: 466 - لن يخب الان من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه [ص 698] . والأول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة. (ليت): حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبا، كقوله: 467 - فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب وبالممكن قليلا. وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال الفراء وبعض أصحابه: وقد ينصبهما كقوله: 468 - * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وبنى على ذلك ابن المعتز قوله: 469 - مرت بنا سحرا طير، فقلت لها: طوباك، يا ليتني إياك، طوباك والأول عندنا محمول على حذف الخبر، وتقديره أقبلت، لا تكون، خلافا للكسائي لعدم تقدم إن ولو الشرطيتين، ويصح بيت ابن المعتز على إنابة ضمير النصب عن ضمير الرفع.
285 وتقترن بها ما الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالأسماء. لا يقال " ليتما قام زيد " خلافا لابن أبي الربيع وطاهر القزويني، ويجوز حينئذ إعمالها لبقاء الاختصاص، وإهمالها حملا على أخواتها، ورووا بالوجهين قول النابغة: قالت،: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد [92] ويحتمل أن الرفع على أن " ما " موصولة، وأن الإشارة خبر لهو محذوفا، أي ليت الذي هو هذا الحمام لنا، فلا يدل حينئذ على الاهمال، ولكنه احتمال مرجوح، لان حذف العائد المرفوع بالابتداء في صلة غير أي مع عدم طول الصلة قليل، ويجوز " ليتما زيدا ألقاه " على الأعمال، ويمتنع على إضمار فعل على شريطة التفسير. (لعل): حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال بعض أصحاب الفراء: وقد ينصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب وحكى " لعل أباك منطلقا " وتأويله عندنا على إضمار يوجد، وعند الكسائي على إضمار يكون. وقد مر أن عقيلا يخفضون بها المبتدأ كقوله: 470 - [فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة] * لعل أبى المغوار منك قريب [ص 441] وزعم الفارسي أنه لا دليل في ذلك، لأنه يحتمل أن الأصل " لعله لأبي المغوار منك جواب قريب " فحذف موصوف قريب، وضمير الشأن، ولام لعل الثانية تخفيفا، وأدغم الأولى في لام الجر، ومن ثم كانت مكسورة، ومن فتح فهو على لغة من يقول " المال لزيد " بالفتح، وهذا تكلف كثير، ولم يثبت تخفيف لعل، ثم هو محجوج بنقل الأئمة أن الجر بلعل لغة قوم بأعيانهم. واعلم أن مجرور لعل في موضع رفع بالابتداء لتنزيل لعل منزلة الجار الزائد نحو " بحسبك درهم " بجامع ما بينهما من عدم التعلق بعامل، وقوله " قريب " هو خبر ذلك المبتدأ، ومثله " لولاي لكان كذا " على قول سيبويه إن لولا جارة،
286 وقولك " رب رجل يقول ذلك " ونحوه قوله: 471 - [فكيف إذا مررت بدار قوم] * وجيران لنا كانوا كرام على قول سيبويه إن " كان " زائدة، وقول الجمهور إن الزائد لا يعمل شيئا، فقيل: الأصل " هم لنا " ثم وصل الضمير بكان الزائد إصلاحا للفظ، لئلا يقع الضمير المرفوع المنفصل إلى جانب الفعل، وقيل: بل الضمير توكيد للمستتر في لنا على أن لنا صفة لجيران، ثم وصل لما ذكر، وقيل: بل هو معمول لكان بالحقيقة، فقيل: على أنها ناقصة ولنا الخبر، وقيل: بل على أنها زائدة وأنها تعمل في الفاعل كما يعمل فيه العامل الملغى نحو " زيد ظننت عالم ". وتتصل بلعل " ما " الحرفية فتكفها عن العمل، لزوال اختصاصها حينئذ، بدليل قوله: 472 - [أعد نظرا يا عبد قيس] لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيدا [ص 288] وجوز قوم إعمالها حينئذ حملا على ليت، لاشتراكهما في أنهما يغيران معنى الابتداء، وكذا قالوا في كأن، وبعضهم خص لعل بذلك، لأشدية التشابه لأنها وليت للانشاء، وأنها كأن فللخبر. قيل: وأول لحن سمع بالبصرة " لعل لها عذر وأنت تلوم " وهذا محتمل لتقدير ضمير الشأن كما تقدم في " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ". وفيها عشر لغات مشهورة، ولها معان: أحدها: التوقع، وهو: ترجى المحبوب والاشفاق من المكروه، نحو " لعل الحبيب قادم (1)، ولعل الرقيب حاصل " وتختص بالممكن، وقول فرعون (لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات) إنما قاله جهلا أو مخرقة وإفكا.
(1) في نسخة " الحبيب يقدم ". 287 الثاني: التعليل، أثبته جماعة منهم الأخفش والكسائي، وحملوا عليه (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين، أي اذهبا على رجائكما. الثالث: الاستفهام، أثبته الكوفيون، ولهذا علق بها الفعل في نحو (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) ونحو (وما يدريك لعله يزكى) قال الزمخشري: وقد أشرتها معنى ليت من قرأ (فأطلع) اه. وفى الآية بحث سيجئ. ويقترن خبرها بأن كثيرا حملا على عسى كقوله: 473 لعلك يوما أن تلم ملمة * [عليك من اللائي يدعنك أجدعا] وبحرف التنفيس قليلا كقوله: 474 - فقولا لها قولا رقيقا لعلها سترحمني من زفرة وعويل وخرج بعضهم نصب (فأطلع) على تقدير أن مع أبلغ كما خفض المعطوف من بيت زهير: بدا لي أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا [135] على تقدير الباء مع مدرك. ولا يمتنع كون خبرها فعلا ماضيا خلافا للحريري، وفى الحديث " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقال الشاعر: 475 وبدلت قرحا داميا بعد صحة * لعل منايانا تحولن أبؤسا وأنشد سيبويه: أعد نظرا يا عبد قيس لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيد [472]
288 فإن اعترض بأن لعل هنا مكفوفة بما، فالجواب أن شبهة المانع أن لعل للاستقبال فلا تدخل على الماضي، ولا فرق على هذا بين كون الماضي معمولا لها أو معمولا لما في حيزها، ومما يوضح بطلان قوله ثبوت ذلك في خبر ليت وهي بمنزلة لعل نحو (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) (يا ليتني كنت ترابا) (يا ليتني قدمت لحياتي) (يا ليتني كنت معهم). تنبيه - من مشكل باب ليت وغيره قول يزيد بن الحكم: 476 - فليت كفافا كان خيرك كله * وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوي وإشكاله من أوجه، أحدها: عدم ارتباط خبر ليت باسمها، إذ الظاهر أن كفافا اسم ليت، وأن كان تامة، وأنها وفاعلها الخبر، ولا ضمير في هذه الجملة. والثاني: تعليقه عن بمرتو. والثالث: إيقاعه الماء فاعلا بارتوى، وإنما يقال: ارتوى الشارب. والجواب عن الأول أن كفافا إنما هو خبر لكان مقدم عليها وهو بمعنى كاف، واسم ليت محذوف للضرورة، أي فليتك أو فليته: أي فليت الشأن، ومثله قوله: 477 - فليت دفعت الهم عنى ساعة * [فبتنا على ما خليت ناعمي بال] وخيرك: اسم كان، وكله: توكيد له، والجملة خبر ليت، وأما " وشرك " فيروى بالرفع عطفا على " خيرك " فخبره إما محذوف تقديره كفافا، فمرتو: فاعل بارتوى، وإما مرتو على أنه سكن للضرورة كقوله: 478 - ولو أن واش باليمامة داره * وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا وروى بالنصب: إما على أنه اسم لليت محذوفة، وسهل حذفها تقدم ذكرها، كما سهل ذلك حذف كل وبقاء الخفض في قوله: (19 - مغني اللبيب 1)
289 479 - أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا وإما على العطف على اسم ليت المذكورة إن قدر ضمير المخاطب، فأما ضمير الشأن فلا يعطف عليه لو ذكر فكيف وهو محذوف، ومرتوي على الوجهين مرفوع: إما لأنه خبر ليت المحذوفة، أو لأنه عطف على خبر ليت المذكورة. وعن الثاني بأنه ضمن مرتو معنى كاف: لان المرتوي يكف عن الشرب، كما جاء (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) لان يخالفون في معنى يعدلون ويخرجون، وإن علقته بكفافا محذوفا على وجه مر ذكره فلا إشكال. وعن الثالث أنه إما على حذف مضاف أي شارب الماء، وإما على جعل الماء مرتويا مجازا كما جعل صاديا في قوله: 480 - * وجبت هجيرا يترك الماء صاديا * ويروى " الماء " بالنصب على تقدير من كما في قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) ففاعل ارتوى على هذا مرتو، كما تقول: ما شرب الماء شارب. (لكن) مشددة النون - حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وفى معناها ثلاثة أقوال: أحدها، وهو المشهور: أنه واحد، وهو الاستدراك، وفسر بأن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها، ولذلك لابد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو " ما هذا ساكنا لكنه متحرك " أو ضد له نحو " ما هذا أبيض لكنه أسود " قيل: أو خلاف نحو " ما زيد قائما، لكنه شارب " وقيل: لا يجوز ذلك. والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد، قاله جماعة منهم صاحب
290 البسيط، وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهم ثبوته نحو " ما زيد شجاعا، لكنه كريم " لان الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فنفى أحدهما يوهم انتفاء الآخر، و " ما قام زيد، لكن عمرا قام " وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة، ومثلوا للتوكيد بنحو " لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ " فأكدت ما أفادته لو من الامتناع. والثالث: أنها للتوكيد دائما مثل إن، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور، قال في المقرب: إن وأن ولكن، ومعناها التوكيد، ولم يزد على ذلك، وقال في الشرح: معنى لكن التوكيد، وتعطى مع ذلك الاستدراك، اه. والبصريون على أنها بسيطة، وقال الفراء: أصلها لكن أن، فطرحت الهمزة للتخفيف، ونون لكن للساكنين، كقوله: 481 - [فلست بآتيه ولا أستطيعه] * ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (1) وقال باقي الكوفيين: مركبة من: لا، وإن، والكاف الزائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفا وقد يحذف اسمها كقوله: 482 - فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجي عظم المشافر أي ولكنك زنجي، وعليه بيت المتنبي: 483 - وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق [ص 605] وبيت الكتاب:
(1) أصله " ولكن اسقني " والأصل أن يتخلص من التقاء الساكنين بكسر نون لكن، فلما لم يتيسر ذلك له حذف أول الساكنين، وهو نون لكن. 291 484 - ولكن من لا يلق أمرا ينوبه * بعدته ينزل به وهو أعزل ولا يكون الاسم فيهما من، لان الشرط لا يعمل فيه ما قبله ولا تدخل اللام في خبرها خلافا للكوفيين، احتجوا بقوله: * ولكنني من حبها لعميد * [383] ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير، ثم هو محمول على زيادة اللام، أو على أن الأصل " لكن أنني " ثم حذفت الهمزة تخفيفا ونون لكن للساكنين. (لكن) ساكنة النون - ضربان: مخففة من الثقيلة، وهي حرف ابتداء، لا يعمل خلافا للأخفش ويونس، لدخولها بعد التخفيف على الجملتين، وخفيفة بأصل الوضع، فإن وليها كلام فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك، وليست عاطفة، ويجوز أن تستعمل بالواو، نحو (ولكن كانوا هم الظالمين) وبدونها نحو قول زهير: 485 - إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره * لكن وقائعه في الحرب تنتظر وزعم ابن أبي الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة، وأنه ظاهر قول سيبويه، وإن وليها مفرد فهي عاطفة بشرطين: أحدهما: أن يتقدمها نفى أو نهى، نحو " ما قام زيد لكن عمرو، ولا يقم زيد لكن عمرو " فإن قلت " قام زيد " ثم جئت بلكن جعلتها حرف ابتداء فجئت بالجملة فقلت " لكن عمرو لم يقم " وأجاز الكوفيون " لكن عمرو " على العطف، وليس بمسموع. الشرط الثاني: أن لا تقترن بالواو، قاله الفارسي وأكثر النحويين، وقال قوم: لا تستعمل مع المفرد إلا بالواو. واختلف في نحو " ما قام زيد ولكن عمرو " على أربعة أقوال، أحدها
292 ليونس: إن لكن غير عاطفة، والواو عاطفة مفردا على مفرد، الثاني لابن مالك: إن لكن غير عاطفة والواو عاطفة لجملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، قال: فالتقدير في نحو " ما قام زيد ولكن عمرو " ولكن قام عمرو، وفى (ولكن رسول الله) ولكن كان رسول الله، وعلة ذلك أن الواو لا تعطف مفردا على مفرد مخالف له في الايجاب والسلب، بخلاف الجملتين المتعاطفتين فيجوز تخالفهما فيه، نحو " قام زيد ولم يقم عمرو " والثالث لابن عصفور: إن لكن عاطفة، والواو زائدة لازمة. والرابع لابن كيسان: إن لكن عاطفة، والواو زائدة غير لازمة. وسمع " ما مررت برجل صالح ولكن صالح " بالخفض، فقيل: على العطف، وقيل: بجار مقدر، أي لكن مررت بطالح، وجاز إبقاء عمل الجار بعد حذفه لقوة الدلالة عليه بتقدم ذكره. (ليس): كلمة دالة على نفى الحال، وتنفى غيره بالقرينة، نحو " ليس خلق الله مثله " وقول الأعشى: 486 - له نافلات ما يغب نوالها * وليس عطاء اليوم مانعه غدا وهي فعل لا يتصرف، وزنه فعل بالكسر، ثم التزم تخفيفه (1)، ولم نقدره فعل بالفتح لأنه لا يخفف، ولا فعل بالضم لأنه لم يوجد في يائي العين إلا في هيؤ، وسمع " لست " بضم اللام، فيكون على هذه اللغة كهيؤ. وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة ما، وتابعه الفارسي في الحلبيات وابن شقير وجماعة، والصواب الأول، بدليل لست ولستما ولستن وليسا وليسوا وليست ولسن. وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر، وقيل: قد تخرج عن ذلك في مواضع:
(1) تخفيفه: بتسكين عينه وهي الياء. وإنما يخفف على هذا الوجه مكسور العين أو مضمومها. 293 أحدها: أن تكون حرفا ناصبا للمستثنى بمنزلة إلا نحو " أتوني ليس زيدا " والصحيح أنها الناسخة، وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم، واستتاره واجب، فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب، وهذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه للنحو (1)، وذلك أنه جاء إلى حماد بن سلمة لكتابة الحديث، فاستملى منه قوله صلى الله عليه وسلم " ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لاخذت عليه ليس أبا الدوداء " فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه، إنما هذا استثناء، فقال سيبويه: والله لأطلبن علما لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل وغيره. والثاني: أن يقترن الخبر بعدها بإلا نحو " ليس الطيب إلا المسك " بالرفع، فإن بنى تميم يرفعونه حملا لها على ما في الاهمال عند انتقاض النفي، كما حمل أهل الحجاز ما على ليس في الأعمال عند استيفاء شروطها، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي، فجاءه فقال (له): يا أبا عمرو ما شئ بلغني عنك؟ ثم ذكر ذلك له، فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس، ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازي إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأحمر: اذهبا إلى أبى مهدي فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعل، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس. وخرج الفارسي ذلك على أوجه: أحدها: أن في " ليس " ضمير الشأن، ولو كان كما زعم لدخلت إلا على أول الجملة الاسمية الواقعة خبرا فقيل: ليس إلا الطيب المسك، كما قال:
(1) في نسخة " سببا في قراءة سيبويه النحو ". 294 487 - ألا ليس إلا ما قضى الله كائن * وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرا وأجاب بأن إلا قد توضع في غير موضعها مثل (إن نظن إلا ظنا) وقوله: 288 - * وما اغتره الشيب إلا اغترارا * أي إن نحن إلا نظن ظنا، وما اغتره اغترارا إلا الشيب، لان الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التوكيدي، لعدم الفائدة فيه. وأجيب بأن المصدر في الآية والبيت نوعي على حذف الصفة، أي إلا ظنا ضعيفا وإلا اغترارا عظيما والثاني: أن الطيب اسمها، وأن خبرها محذوف، أي في الوجود، وأن المسك بدل من اسمها، الثالث: أنه كذلك، ولكن " إلا المسك " نعت للاسم، لان تعريفه تعريف الجنس [فهو نكرة معنى] أي ليس طيب غير المسك طيبا. ولأبي نزار الملقب بملك النحاة توجيه آخر، وهو أن الطيب اسمها، والمسك مبتدأ حذف خبره، والجملة خبر ليس، والتقدير: إلا المسك أفخره. وما تقدم من نقل أبى عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات. وزعم بعضهم عن قائل ذلك أنه قدرها حرفا، وأن من ذلك قولهم " ليس خلق الله مثله " وقوله: 489 - هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها * وليس منها شفاء النفس مبذول ولا دليل فيهما: لجواز كون ليس فيهما شانية. الموضع الثالث: أن تدخل على الجملة الفعلية، أو على المبتدأ والخبر مرفوعين كما مثلنا، وقد أجبنا عن ذلك.
295 الرابع: أن تكون حرفا عاطفا، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون، على خلاف بين النقلة، واستدلوا بنحو قوله: 490 - أين المفر والإله الطالب * والأشرم المغلوب ليس الغالب وخرج على أن " الغالب " اسمها والخبر محذوف، قال ابن مالك: وهو في الأصل ضمير متصل عائد على الأشرم، أي ليسه الغالب، كما تقول " الصديق كأنه زيد " ثم حذف لاتصاله. ومقتضى كلامه أنه لولا تقديره متصلا لم يجز حذفه، وفيه نظر. حرف الميم (ما): تأتى على وجهين: اسمية، وحرفية، وكل منهما ثلاثة أقسام. فأما أوجه الاسمية. فأحدها: أن تكون معرفة، وهي نوعان: ناقصة، وهي الموصولة، نحو (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) وتامة، وهي نوعان: عامة أي مقدرة بقولك الشئ، وهي التي لم يتقدمها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى نحو (إن تبدو الصدقات فنعما هي) أي فنعم الشئ هي، والأصل فنعم الشئ إبداؤها، لان الكلام في الابداء لا في الصدقات، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه، فانفصل وارتفع وخاصة هي التي تقدمها ذلك، وتقدر من لفظ ذلك الاسم نحو " غسلته غسلا نعما " و " دققته دقا نعما " أي نعم الغسل ونعم الدق، وأكثرهم لا يثبت مجئ ما معرفة تامة، وأثبته جماعة منهم ابن خروف ونقله عن سيبويه. والثاني: أن تكون نكرة مجردة عن معنى الحرف، وهي أيضا نوعان: ناقصة، وتامة.
296 فالناقصة هي الموصوفة، وتقدر بقولك شئ كقولهم " مررت بما معجب لك " أي بشئ معجب لك، وقوله: 491 - لما نافع يسعى اللبيب، فلا تكن * لشئ بعيد نفعه الدهر ساعيا وقول الآخر: 492 - ربما تكره النفوس من الامر * له فرجة كحل العقال أي رب شئ تكرهه النفوس، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن تكون ما كافة، والمفعول المحذوف اسما ظاهرا، أي قد تكره النفوس من الامر شيئا، أي وصفا فيه، أو الأصل: أمرا من الأمور (1)، وفى هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفى الأول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف، إذ الجملة بعده صفة له، وقد قيل في (إن الله نعما يعظكم به): إن المعنى نعم هو شيئا يعظكم به، فما نكرة تامة تمييز، والجملة صفة، والفاعل مستتر، وقيل: ما معرفة موصولة فاعل، والجملة صلة، وقيل غير ذلك، وقال سيبويه في (هذا ما لدى عتيد): المراد شئ لدى عتيد، أي معد أي لجهنم بإغوائي إياه، أو حاضر، والتفسير الأول رأى الزمخشري، وفيه أن " ما " حينئذ للشخص العاقل، وإن قدرت " ما " موصولة فعتيد بدل منها، أو خبر ثان، أو خبر لمحذوف. والتامة تقع في ثلاثة أبواب: أحدها: التعجب، نحو " ما أحسن زيدا " المعنى شئ حسن زيدا، جزم بذلك جميع البصريين، إلا الأخفش فجوزه، وجوز أن تكون معرفة موصولة والجملة بعدها صلة لا محل لها، وأن تكون نكرة موصوفة والجملة بعدها في موضع رفع نعتا لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبا، وتقديره شئ عظيم ونحوه.
(1) في نسخة " من الأمور أمرا ". 297 الثاني: باب نعم وبئس، نحو " غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما " أي نعم شيئا، فما: نصب على التمييز عند جماعة من المتأخرين منهم الزمخشري، وظاهر كلام سيبويه أنها معرفة تامة كما مر. والثالث: قولهم إذا أرادوا المبالغة في الاخبار عن أحد بالاكثار من فعل كالكتابة " إن زيدا مما أن يكتب " أي أنه من أمر كتابة، أي أنه مخلوق من أمر وذلك الامر هو الكتابة، فما بمعنى شئ، وأن وصلتها في موضع خفض بدل منها، والمعنى بمنزلته في (خلق الانسان من عجل) جعل لكثرة عجلته كأنه خلق منها، وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة بمعنى الشئ أو الامر، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، والجملة خبر لان، ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير. والثالث: أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف، وهي نوعان: أحدهما: الاستفهامية، ومعناها أي شئ، نحو (ما هي) (ما لونها) (وما تلك بيمينك) (قال موسى ما جئتم به السحر) وذلك على قراءة أبى عمرو (السحر) بمد الألف، فما: مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والسحر: إما بدل من ما، ولهذا قرن بالاستفهام، وكأنه قيل: السحر جئتم به، وإما بتقدير أهو السحر، أو السحر هو، وأما من قرأ (السحر) على الخبر فما موصولة، والسحر خبرها، ويقويه قراءة عبد الله (ما جئتم به سحر). ويجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها، نحو فيم وإلام وعلام [وبم] وقال: 493 - فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم * فحتام حتام العناء المطول؟ وربما تبعت الفتحة الألف في الحذف، وهو مخصوص بالشعر، كقوله:
298 494 - يا أبا الأسود لم خلفتني لهموم طارقات وذكر وعلة حذف الألف الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في نحو (فيم أنت من ذكراها) (فناظرة بم يرجع المرسلون) (لم تقولون ما لا تفعلون) وثبتت في (لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) (يؤمنون بما أنزل إليك) (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وكما لا تحذف الألف في الخبر لا تثبت في الاستفهام، وأما قراءة عكرمة وعيسى (عما يتساءلون) فنادر، وأما قول حسان: 495 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في دمان فضرورة، والدمان كالرماد وزنا ومعنى، ويروى " في رماد " فلذلك رجحته على تفسير ابن الشجري له بالسرجين، ومثله قول الآخر: 496 - إنا قتلنا بقتلانا سراتكم * أهل اللواء ففيما يكثر القيل ولا يجوز حمل القراءة المتواترة على ذلك لضعفه، فلهذا رد الكسائي قول المفسرين في (بما غفر لي ربى) إنها استفهامية، وإنما هي مصدرية، والعجب من الزمخشري إذ جوز كونها استفهامية مع رده على من قال في (بما أغويتني) إن المعنى بأي شئ أغويتني بأن إثبات الألف قليل شاذ، وأجاز هو وغيره أن تكون بمعنى الذي، وهو بعيد، لان الذي غفر له هو الذنوب، ويبعد إرادة الاطلاع عليها، وإن غفرت، وقال جماعة منهم الامام فخر الدين في (فبما رحمة من الله) إنها للاستفهام التعجبي، أي فبأي رحمة، ويرده ثبوت الألف، وأن خفض رحمة حينئذ لا يتجه، لأنها لا تكون بدلا من ما، إذ المبدل من اسم
299 الاستفهام يجب اقترانه بهمزة الاستفهام نحو " ما صنعت أخيرا أم شرا " ولان ما النكرة الواقعة في غير الاستفهام والشرط لا تستغنى عن الوصف، إلا في بابى التعجب ونعم وبئس، وإلا في نحو قولهم " إني مما أن أفعل " على خلاف فيهن، وقد مر، ولا عطف بيان، لهذا، ولان ما الاستفهامية لا توصف، وما لا يوصف كالضمير لا يعطف عليه عطف بيان، ولا مضافا إليه، لان أسماء الاستفهام وأسماء الشرط والموصولات لا يضاف منها غير أي باتفاق، وكم في الاستفهام عند الزجاج في نحو " بكم درهم اشتريت " والصحيح أن جره بمن محذوفة. وإذا ركبت ما الاستفهامية مع ذا لم تحذف ألفها نحو " لماذا جئت " لان ألفها قد صارت حشوا. وهذا فصل عقدته [في] لماذا أعلم أنها تأتى في العربية على أوجه: أحدها: أن تكون ما استفهامية وذا إشارة نحو " ماذا التواني؟ " و " ماذا الوقوف؟ ". والثاني: أن تكون ما استفهامية وذا موصولة، كقول لبيد: 497 - ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أتحب فيقضى أم ضلال وباطل؟ فما مبتدأ، بدليل إبداله المرفوع منها، وذا: موصول، بدليل افتقاره للجملة بعده، وهو أرجح الوجهين في (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) فيمن رفع العفو، أي الذي ينفقونه العفو، إذ الأصل أن تجاب الاسمية بالإسمية والفعلية بالفعلية.
300 الثالث: أن يكون " ماذا " كله استفهاما على التركيب كقولك " لماذا جئت؟ " وقوله: 498 - يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم * [لا يستفقن إلى الديرين تحنانا؟] وهو أرجح الوجهين في الآية في قراءة غير أبى عمرو (قل العفو) بالنصب، أي ينفقون العفو. الرابع: أن يكون " ماذا " كله اسم جنس بمعنى شئ، أو موصولا بمعنى الذي، على خلاف في تخريج قول الشاعر: 499 - دعى ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني [ص 302] فالجمهور على أن " ماذا " كله مفعول دعى، ثم اختلف فقال السيرافي وابن خروف: ما موصول بمعنى الذي، وقال الفارسي: نكرة بمعنى شئ، قال: لان التركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات. وقال ابن عصفور: لا تكون ماذا مفعولا لدعى، لان الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت، لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هو، ولا لمحذوف يفسره سأتقيه، لان علمت حينئذ لا محل لها، بل ما اسم استفهام مبتدأ، وذا موصول خبر، وعلمت صلة، وعلق دعى عن العمل بالاستفهام، انتهى. ونقول: إذا قدرت " ماذا " بمعنى الذي أو بمعنى شئ لم يمتنع كونها مفعول دعى، وقوله " لم يرد أن يستفهم عن معلومها " لازم له إذا جعل ماذا مبتدأ وخبرا، ودعواه تعليق دعى مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب، فإن قال: إنما أردت أنه قدر الوقف على دعى فاستأنف ما بعده رده قول الشاعر " ولكن " فإنها لابد أن يخالف ما بعدها ما قبلها، والمخالف هنا دعى، فالمعنى دعى كذا، ولكن أفعلى كذا، وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعد
301 دعى، لأنه لا يقال: من في الدار فإنني أكرمه ولكن أخبرني عن كذا. الخامس: أن تكون ما زائدة وذا للإشارة كقوله: 500 - أنورا سرع ماذا يا فروق * [وحبل الوصل منتكث حذيق] أنورا بالنون أي أنفارا، سرع: أصله بضم الراء فخفف، يقال: سرع ذا خروجا، أي أسرع هذا في الخروج، قال الفارسي: يجوز كون ذا فاعل سرع، وما زائدة، ويجوز كون ماذا كله اسما كما في قوله: * دعى ماذا علمت سأتقيه * [499] السادس: أن تكون ما استفهاما وذا زائدة، أجازه جماعة منهم ابن مالك في نحو " ماذا صنعت " وعلى هذا التقدير فينبغي وجوب حذف الألف في نحو " لم ذا جئت " والتحقيق أن الأسماء لا تزاد. النوع الثاني: الشرطية، وهي نوعان: غير زمانية نحو (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) (ما ننسخ من آية) وقد جوزت في (وما بكم من نعمة فمن الله) على أن الأصل وما يكن، ثم حذف فعل الشرط كقوله: 501 - إن العقل في أموالنا لا نصق بها ذراعا، وإن صبرا فنصبر للصبر أي إن يكن العقل وإن نحبس حبسا، والأرجح في الآية أنها موصولة، وأن الفاء داخلة على الخبر، لا شرطية والفاء داخلة على الجواب. وزمانية، أثبت ذلك الفارسي وأبو البقاء وأبو شامة وابن برى وابن مالك، وهو ظاهر في قوله تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، ومحتمل في (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن)
302 إلا أن ما هذه مبتدأ لا ظرفية، والهاء من به راجعه إليها، ويجوز فيها الموصولية وفآتوهن الخبر، والعائد محذوف أي لأجله، وقال: 502 - فما تك يا ابن عبد الله فينا * فلا ظلما نخاف ولا افتقارا استدل به ابن مالك على مجيئها للزمان، وليس بقاطع، لاحتماله للمصدر أي للمفعول المطلق، فالمعنى: أي كون تكن فينا طويلا أو قصيرا. وأما أوجه الحرفية، فأحدها: أن تكون نافية، فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل ليس بشروط معروفة نحو (ما هذا بشرا) (ما هن أمهاتهم) وعن عاصم أنه رفع أمهاتهم على التميمية، وندر تركيبها مع النكرة تشبيها لها بلا كقوله: 503 - وما بأس لوردت علينا تحية * قليل على من يعرف الحق عابها وإن دخلت على الفعلية لم تعمل نحو (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) فأما (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) فما فيهما شرطية، بدليل الفاء في الأولى والجزم في الثانية، وإذا نفت المضارع تخلص عند الجمهور للحال، ورد عليهم ابن مالك بنحو (قل ما يكون لي أن أبدله) وأجيب بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه. والثاني: أن تكون مصدرية، وهي نوعان: زمانية، وغيرها. فغير الزمانية نحو (عزيز عليه ما عنتم) (ودوا ما عنتم) (وضاقت عليهم الأرض بما رحبت) (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) (لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (ليجزيك أجر ما سقيت لنا)
303 وليست هذه بمعنى الذي، لان الذي سقاه لهم الغنم، وإنما الاجر على السقي الذي هو فعله، لا على الغنم، فإن ذهبت تقدر أجر السقي الذي سقيته لنا فذلك تكلف لا محوج إليه، ومنه (بما كانوا يكذبون) (آمنوا كما آمن الناس) وكذا حيث اقترنت بكاف التشبيه بين فعلين متماثلين، وفى هذه الآيات رد لقول السهيلي: إن الفعل بعد " ما " هذه لا يكون خاصا، فتقول " أعجبني ما تفعل " ولا يجوز " أعجبني ما تخرج ". والزمانية نحو (ما دمت حيا) أصله مدة دوامي حيا، فحذف الظرف وخلفته " ما " وصلتها كما جاء في المصدر الصريح نحو " جئتك صلاة العصر " و " آتيك قدوم الحاج " ومنه (إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت) (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقوله: 504 - أجارتنا إن الخطوب تنوب * وإني مقيم ما أقام عسيب ولو كان معنى كونها زمانية أنها تدل على الزمان بذاتها لا بالنيابة لكانت اسما ولم تكن مصدرية كما قال ابن السكيت وتبعه ابن الشجري في قوله: 505 - منا الذي هو ما إن طر شاربه * والعانسون ومنا المرد والشيب معناه حين طر، قلت: وزيدت إن بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كقوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [27] وبعد فالأولى في البيت تقدير ما نافية: لان زيادة إن حينئذ قياسية، ولان فيه سلامة من الاخبار بالزمان عن الجثة، ومن إثبات معنى واستعمال لما لم يثبتا له - وهما كونها للزمان مجردة، وكونها مضافة - وكأن الذي صرفهما عن هذا الوجه مع ظهوره أن ذكر المرد بعد ذلك لا يحسن، إذ الذي لم ينبت شاربه أمرد، والبيت عندي فاسد التقسيم بغير هذا، ألا ترى أن العانسين - وهم الذين لم يتزوجوا - لا يناسبون بقية الأقسام، وإنما العرب محميون من الخطأ في الألفاظ دون المعاني. وفى البيت
304 - مع هذا العيب - شذوذان: إطلاق العانس على المذكر، وإنما الأشهر استعماله في المؤنث، وجمع الصفة بالواو والنون مع كونها غير قابلة للتاء ولا دالة على المفاضلة. وإنما عدلت عن قولهم ظرفية إلى قولي زمانية ليشمل نحو (كلما أضاء لهم مشوا فيه) فإن الزمان المقدر هنا مخفوض، أي كل وقت إضاءة، والمخفوض لا يسمى ظرفا. ولا تشارك " ما " في النيابة عن الزمان أن، خلافا لابن جنى، وحمل عليه قوله: 506 - وتالله ما إن شهلة أم واحد بأوجد منى أن يهان صغيرها وتبعه الزمخشري، وحمل عليه قوله تعالى (أن آتاه الله الملك) (إلا أن يصدقوا) (أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله) ومعنى التعليل في البيت والآيات ممكن، وهو متفق عليه، فلا معدل عنه. وزعم ابن خروف أن " ما " المصدرية حرف باتفاق، ورد على من نقل فيها خلافا، والصواب مع ناقل الخلاف، فقد صرح الأخفش وأبو بكر باسميتها، ويرجحه أن فيه تخلصا من دعوى اشتراك لا داعي إليه، فإن " ما " الموصولة الاسمية ثابتة باتفاق، وهي موضوعة لما لا يعقل، والاحداث من جملة ما لا يعقل، فإذا قيل " أعجبني ما قمت " قلنا: التقدير أعجبني الذي قمته، وهو يعطى معنى قولهم: أعجبني قيامك، ويرد ذلك أن نحو " جلست ما جلس زيد " تريد به المكان ممتنع مع أنه مما لا يعقل، وأنه يستلزم أن يسمع كثيرا " أعجبني ما قمته " لأنه عندهما الأصل، وذاك غير مسموع، قيل: ولا ممكن، لان قام غير متعد، وهذه خطأ بين، لان الهاء المقدرة مفعول مطلق لا مفعول به، وقال ابن الشجري: أفسد النحويون تقدير الأخفش بقوله تعالى (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) (20 - مغني اللبيب 1)
305 فقالوا: إن كان الضمير المحذوف للنبي عليه السلام أو للقرآن صح المعنى وخلت الصلة عن عائد، أو للتكذيب فسد المعنى، لانهم إذا كذبوا التكذيب بالقرآن أو النبي كانوا مؤمنين، اه. وهذا سهو منه ومنهم، لان كذبوا ليس واقعا على التكذيب، بل مؤكد به، لأنه مفعول مطلق، لا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضا، أي بما كانوا يكذبون النبي أو القرآن تكذيبا، ونظيره (وكذبوا بآياتنا كذابا) ولأبي البقاء في هذه الآية أوهام متعددة، فإنه قال: ما مصدرية صلتها يكذبون، ويكذبون خبر كان، ولا عائد على ما، ولو قيل باسميتها، فتضمنت مقالته الفصل بين ما الحرفية وصلتها بكان، وكون يكذبون في موضع نصب لأنه قدره خبر كان، وكونه لا موضع له لأنه قدره صلة ما، واستغناء الموصول الأسمى عن عائد، وللزمخشري غلطة عكس هذه الأخيرة، فإنه جوز مصدرية ما في (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) مع أنه قد عاد عليها الضمير. وندر وصلها بالفعل الجامد في قوله: 507 - أليس أميري في الأمور بأنتما * بما لستما أهل الخيانة والغدر وبهذا البيت رجح القول بحرفيتها، إذ لا يتأتى هنا تقدير الضمير. الوجه الثالث: أن تكون زائدة، وهي نوعان: كافة، وغير كافة. والكافة ثلاثة أنواع: أحدها: الكافة عن عمل الرفع، ولا تتصل إلا بثلاثة أفعال: قل، وكثر، وطال، وعلة ذلك شبههن برب، ولا يدخلن حينئذ إلا على جملة فعلية صرح بفعلها كقوله: 508 - قلما يبرح اللبيب إلى ما * يورث المجد داعيا أو مجيبا فأما قول المرار:
306 509 - صددت فأطولت الصدود، وقلما * وصال على طول الصدود يدوم [ص 582 و 590] فقال سيبويه: ضرورة، فقيل: وجه الضرورة أن حقها أن يليها الفعل صريحا والشاعر أولاها فعلا مقدرا، وأن " وصال " مرتفع بيدوم محذوفا مفسرا بالمذكور وقيل: وجهها أنه قدم الفاعل، ورده ابن السيد بأن البصريين لا يجيزون تقديم الفاعل في شعر ولا نثر، وقيل: وجهها أنه أناب الجملة الاسمية عن الفعلية كقوله: * فهلا نفس ليلى شفيعها * [109] وزعم المبرد أن " ما " زائدة، ووصال: فاعل لا مبتدأ، وزعم بعضهم أن ما مع هذه الأفعال مصدرية لا كافة. والثاني: الكافة عن عمل النصب والرفع وهي المتصلة بإن وأخواتها، نحو (إنما الله إله واحد) (كأنما يساقون إلى الموت) وتسمى المتلوة بفعل مهيئة، وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيين أن " ما " مع هذه الحروف اسم مبهم بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم، والابهام، وفى أن الجملة بعده مفسرة له، ومخبر بها عنه، ويرده أنها لا تصلح للابتداء بها، ولا لدخول ناسخ غير إن وأخواتها، ورده ابن الخباز في شرح الايضاح بامتناع " إنما أين زيد " مع صحة تفسير ضمير الشأن بحملة الاستفهام، وهذا سهو منه، إذ لا يفسر ضمير الشأن بالجمل غير الخبرية، اللهم إلا مع أن المخففة من الثقيلة فإنه قد يفسر بالدعاء، نحو " أما أن جزاك الله خيرا " وقراءة بعض السبعة (والخامسة أن غضب الله عليها) على أنا لا نسلم أن اسم أن المخففة يتعين كونه ضمير شأن، إذ يجوز هنا أن يقدر ضمير المخاطب في الأول والغائبة في الثاني، وقد قال سيبويه في قوله تعالى (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) إن التقدير أنك قد صدقت. وأما (إن ما توعدون لآت) (وأن ما يدعون من دونه
307 الباطل) (أن ما عند الله هو خير لكم) (أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات) (واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) فما في ذلك كله اسم باتفاق، والحرف عامل، وأما (إنما حرم عليكم الميتة) فمن نصب الميتة فما: كافة، ومن رفعها - وهو أبو رجاء العطاردي - فما: أسم موصول، والعائد محذوف، وكذلك (إنما صنعوا كيد ساحر) فمن رفع كيد فإن عاملة وما موصولة والعائد محذوف، لكنه محتمل للاسمي والحرفي، أي إن الذي صنعوه، أو إن صنعهم. ومن نصب - وهو ابن مسعود والربيع بن خيثم - فما كافة، وجزم النحويون بأن ما كافة في (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ولا يمتنع أن تكون بمعنى الذي، والعلماء خبر، والعائد مستتر في يخشى. وأطلقت " ما " على جماعة العقلاء، كما في قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم) (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وأما قول النابغة: * قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا * [92] فمن نصب الحمام وهو الأرجح عند النحويين في نحو " ليتما زيدا قائم " فما: زائدة غير كافة، وهذا: اسمها، ولنا: الخبر، قال سيبويه: وقد كان رؤية بن العجاج ينشده رفعا، اه. فعلى هذا يحتمل أن تكون ما كافة، وهذا مبتدأ، ويحتمل أن تكون موصولة وهذا خبر لمحذوف، أي ليت الذي هو هذا الحمام لنا، وهو ضعيف، لحذف الضمير المرفوع في صلة غير أي مع عدم الطول، وسهل ذلك لتضمنه إبقاء الأعمال. وزعم جماعة من الأصوليين والبيانيين أن " ما " الكافة التي مع إن نافية، وأن ذلك سبب إفادتها للحصر، قالوا: لان إن للاثبات وما للنفي، فلا يجوز أن يتوجها معا إلى سئ واحد: لأنه تناقض، ولا أن يحكم بتوجه النفي للمذكور بعدها، لأنه
308 خلاف الواقع باتفاق، فتعين صرفه لغير المذكور وصرف الاثبات للمذكور، فجاء الحصر. وهذا البحث مبنى على مقدمتين باطلتين بإجماع النحويين، إذ ليست إن للاثبات، وإنما هي لتوكيد الكلام إثباتا كان مثل " إن زيدا قائم " أو نفيا مثل " إن زيدا ليس بقائم " ومنه (إن الله لا يظلم الناس شيئا) وليست " ما " للنفي، بل هي بمنزلتها في أخواتها ليتما ولعلما ولكنما وكأنما، وبعضهم ينسب القول بأنها نافية للفارسي في كتاب الشيرازيات، ولم يقل ذلك الفارسي لا في الشيرازيات ولا في غيرها، ولا قاله نحوي غيره، وإنما قال الفارسي في الشيرازيات: إن العرب عاملوا إنما معاملة النفي وإلا في فصل الضمير كقول الفرزدق: 510 - [أنا الذائد الحامي الذمار] وإنما * يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فهذا كقول الآخر: 511 - قد علمت سلمى وجاراتها * ما قطر الفارس إلا أنا وقول أبى حيان: لا يجوز فصل الضمير المحصور بإنما، وإن الفصل في البيت الأول ضرورة واستدلاله بقوله تعالى (قل إنما أعظكم بواحدة) (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) وهم، لان الحصر فيهن في جانب الظرف لا الفاعل، ألا ترى أن المعنى ما أعظكم إلا بواحدة، وكذا الباقي. والثالث: الكافة عن عمل الجر، وتتصل بأحرف وظروف. فالأحرف أحدها رب، وأكثر ما تدخل حينئذ على الماضي كقوله: ربما أوفيت في علم * ترفعن ثوبي شمالات [207] لان التكثير والتقليل إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، ومن ثم قال الرماني في (ربما يود الذين كفروا) إنما جاز لان المستقبل معلوم عند الله تعالى
309 كالماضي، وقيل: هو على حكاية حال ماضية مجازا مثل (ونفخ في الصور) وقيل: التقدير ربما كان يود، وتكون كان هذه شأنية، وليس حذف كان بدون إن ولو الشرطيتين سهلا، ثم الخبر حينئذ وهو يود مخرج على حكاية الحال الماضية فلا حاجة إلى تقدير كان. ولا يمتنع دخولها على الجملة الاسمية، خلافا للفارسي، ولهذا قال في قول. أبى دؤاد: ربما الجامل المؤبل فيهم * [وعناجيج بينهن المهار] [215] ما: نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها، أي رب شئ هو الجامل. الثاني: الكاف، نحو " كن كما أنت " وقوله: * كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه * [294] قيل: ومنه (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) وقيل: ما موصولة، والتقدير كالذي هو آلهة لهم، وقيل: لا تكف الكاف بما، وإن ما في ذلك مصدرية موصولة بالجملة الاسمية. الثالث: الباء كقوله: 512 - فلئن صرت لا تحير جوابا * لبما قد ترى وأنت خطيب ذكره ابن مالك، وأن ما الكافة أحدثت مع الباء معنى التقليل، كما أحدثت مع الكاف معنى التعليل في نحو (واذكروه كما هداكم) والظاهر أن الباء والكاف للتعليل، وأن " ما " معهما مصدرية، وقد سلم أن كلا من الكاف والباء يأتي للتعليل مع عدم " ما " كقوله تعالى (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) (ويكأنه لا يفلح الكافرون) وأن التقدير أعجب لعدم فلاح الكافرين: ثم المناسب في البيت معنى التكثير لا التقليل.
310 الرابع: من، كقول أبى حية: 513 - وإنا لمما نضرب الكبش ضربة * [على رأسه تلقى اللسان من الفم] [ص 322] قاله ابن الشجري: والظاهر أن " ما " مصدرية، وأن المعنى مثله في (خلق الانسان من عجل) وقوله: 514 - [ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل] * وضنت علينا، والضنين من البخل فجعل الانسان والبخيل مخلوقين من العجل والبخل مبالغة. وأما الظروف فأحدها " بعد " كقوله: 515 - أعلاقة أم الوليد بعدما * أفنان رأسك كالثغام المخلس المخلس - بكسر اللام - المختلط رطبه بيابسه. وقيل: " ما " مصدرية، وهو الظاهر، لان فيه إبقاء بعد على أصلها من الإضافة، ولأنها لو لم تكن مضافة لنونت. والثاني " بين " كقوله: 516 - بينما نحن بالأراك معا * إذا أتى راكب على جمله وقيل: " ما " زائدة، وبين مضافة إلى الجملة، وقيل: زائدة، وبين مضافة إلى زمن محذوف مضاف إلى الجملة، أي بين أوقات نحن بالأراك، والأقوال الثلاثة تجرى في " بين " مع الألف في نحو قوله: 517 - فبينا نسوس الناس والامر أمرنا * إذا نحن فيهم سوقة ليس ننصف (1) [ص 371]
(1) حفظي " إذا نحن فيهم سوقة نتنصف " يريد أنهم صاروا محكومين بعد أن كانوا حاكمين وصاروا يطلبون النصفة والعدل بعد أن كان ذلك يطلب منهم. 311 والثالث والرابع " حيث، وإذ " ويضمنان حينئذ معنى إن الشرطية فيجزمان فعلين. وغير الكافة نوعان: عوض، وغير عوض. فالعوض في موضعين: أحدهما: في نحو قولهم " أما أنت منطلقا انطلقت " والأصل: انطلقت لان كنت منطلقا، فقدم المفعول له للاختصاص، وحذف الجار وكان للاختصار، وجئ، بما للتعويض، وأدغمت النون للتقارب، والعمل عند الفارسي وابن جنى لما، لا لكان. والثاني: في نحو قولهم " أفعل هذا إما لا " وأصله: إن كنت لا تفعل غيره وغير العوض تقع بعد الرافع كقولك " شتان ما زيد وعمرو " وقول مهلهل. 518 - لو بأبانين جاء يخطبها * زمل ما أنف خاب بدم وقد مضى البحث في قوله: * أنورا سرع ماذا يا فروق * [500] وأن التقدير أنفارا سرع هذا، وبعد الناصب الرافع نحو " ليتما زيدا قائم " وبعد الجازم نحو (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) (أياما تدعوا) (أينما تكونوا) وقول الأعشى: 519 - متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا وبعد الخافض حرفا كان نحو (فبما رحمة من الله لنت لهم) (عما قليل) (مما خطيآتهم) وقوله: ربما ضربة بسيف صقيل * بين بصرى وطعنة نجلاء [207] وقوله:
312 وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم [95] أو اسما كقوله تعالى (أيما الأجلين) وقول الشاعر: 520 - نام الخلى، وما أحس رقادي * والهم محتضر لدى وسادى من غير ما سقم، ولكن شفني * هم أراه قد أصاب فؤادي وقوله: * ولا سيما يوم بدارة جلجل * [219] أي ولا مثل يوم، وقوله " بدارة " صفة ليوم، وخبر لا محذوف. ومن رفع " يوم " فالتقدير ولا مثل الذي هو يوم، وحسن حذف العائد طول الصلة بصفة يوم، ثم إن المشهور أن ما مخفوضة، وخبر لا محذوف، وقال الأخفش: ما خبر للا، ويلزمه قطع سئ عن الإضافة من غير عوض، قيل: وكون خبر لا معرفة، وجوابه أنه قد يقدر ما نكرة موصوفة، أو يكون قد رجع إلى قول سيبويه في " لا رجل قائم " إن ارتفاع الخبر بما كان مرتفعا به، لا بلا النافية، وفى الهيتيات للفارسي " إذا قيل: قاموا لا سيما زيد، فلا مهملة، وسى حال، أي قاموا غير مماثلين لزيد في القيام " ويرد صحة دخول الواو، وهي لا تدخل على الحال المفردة، وعدم تكرار لا، وذلك واجب مع الحال المفردة، وأما من نصبه فهو تمييز، ثم قيل: ما نكرة تامة مخفوضة بالإضافة، فكأنه قيل. ولا مثل شئ، ثم جئ بالتمييز، وقال الفارسي: ما حرف كاف لسى عن الإضافة، فأشبهت الإضافة في " على التمرة مثلها زيدا " وإذا قلت: لا سيما زيد، جاز جر " زيد " ورفعه، وامتنع نصبه.
313 وزيدت قبل الخافض كما في قول بعضهم " ما خلا زيد، وما عدا عمرو " بالخفض، وهو نادر. وتزاد بعد أداة الشرط، جازمة كانت نحو (أينما تكونوا يدرككم الموت) (وإما تخافن) أو غير جازمة نحو (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم) وبين المتبوع وتابعه في نحو (مثلا ما بعوضة) قال الزجاج: ما حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين، اه، ويؤيده سقوطها في قراءة ابن مسعود وبعوضة بدل، وقيل: ما اسم نكرة صفة لمثلا أو بدل منه، وبعوضة عطف بيان على ما، وقرأ رؤية برفع بعوضة، والأكثرون على أن ما موصولة، أي الذي هو بعوضة، وذلك عند البصريين والكوفيين على حذف العائد مع عدم طول الصلة وهو شاذ عند البصريين قياس عند الكوفيين، واختار الزمخشري كون ما استفهامية مبتدأ، وبعوضة خبرها، والمعنى أن شئ البعوضة فما فوقها في الحقارة وزادها الأعشى مرتين في قوله: 521 - إما ترينا حفاة لا نعال لنا * إنا كذلك ما نحفى وننتعل وأمية بن أبي الصلت ثلاث مرات في قوله: 522 - سلع ما، ومثله عشر ما * عائل ما، وعالت البيقورا وهذا البيت قال عيسى بن عمر: لا أدرى ما معناه، ولا رأيت أحدا يعرفه، وقال غيره: كانوا إذا أرادوا الاستسقاء في سنة الجدب عقدوا في أذناب البقر وبين عراقيبها السلع بفتحتين والعشر بضمة ففتحة، وهما ضربان من الشجر، ثم أوقدوا فيها النار وصعدوا بها الجبال، ورفعوا أصواتهم بالدعاء قال:
314 523 - أجاعل أنت بيقورا مسلعة * ذريعة لك بين الله والمطر ومعنى " عالت البيقورا " أن السنة أثقلت البقر بما حملتها من السلع والعشر وهذا فصل عقدته للتدريب في ما قوله تعالى (ما أغنى عنه ماله وما كسب) تحتمل ما الأولى النافية أي لم يغن والاستفهامية فتكون مفعولا مطلقا، والتقدير أي إغناء أغنى عنه ماله، ويضعف كونه مبتدأ بحذف المفعول المضمر حينئذ، إذ تقديره أي إغناء أغناه عنه ماله، وهو نظير " زيد ضربت " إلا أن الهاء المحذوفة في الآية مفعول مطلق، وفى المثال مفعول به، وأما ما الثانية فموصول اسمي أو حرفي، أي والذي كسبه، أو وكسبه، وقد يضعف الأسمى بأنه إذا قدر والذي كسبه لزم التكرار لتقدم ذكر المال، ويجاب بأنه يجوز أن يراد به الولد، ففي الحديث " أحق ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " والآية حينئذ نظير (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم) وأما (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) (ما أغنى عنى ماليه) فما فيهما محتملة للاستفهامية وللنافية، ويرجحها تعينها في (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم) والأرجح في (وما أنزل على الملكين) أنها موصولة عطف على السحر، وقيل: نافية فالوقف على السحر، والأرجح في (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم) أنها النافية بدليل (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) وتحتمل الموصولة والأظهر في (فاصدع بما تؤمر) المصدرية، وقيل: موصولة، قال ابن الشجري: ففيه خمسة حذوف، والأصل بما تؤمر بالصدع به، فحذفت الباء فصار بالصدعه فحذفت أل لامتناع جمعها مع الإضافة فصار بصدعه، ثم حذف المضاف كما في (واسأل القرية) فصار به، ثم حذف الجار كما قال عمرو بن معد يكرب: 524 - أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * [فقد تركتك ذا مال وذا نشب] [ص 566]
315 فصار تؤمره، ثم حذف الهاء كما حذفت في (أهذا الذي بعث الله رسولا) وهذا تقرير ابن جنى. وأما (ما ننسخ من آية) فما شرطية، ولهذا جزمت، ومحلها النصب بننسخ وانتصابها إما على أنها مفعول به مثل (أيا ما تدعوا) فالتقدير أي شئ ننسخ، لا أي آية ننسخ، لان ذلك لا يجتمع مع (من آية) وإما على أنها مفعول مطلق، فالتقدير: أي نسخ ننسخ، فآية مفعول ننسخ، ومن زائدة، ورد هذا أبو البقاء بأن " ما " المصدرية لا تعمل، وهذا سهو منه، فإنه نفسه نقل عن صاحب هذا الوجه أن ما مصدر بمعنى أنها مفعول مطلق، ولم ينقل عنه أنها مصدرية. وأما قوله: تعالى (مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم) فما محتملة للموصوفة أي شيئا لم نمكنه لكم، فحذف العائد، وللمصدرية الظرفية، أي أن مدة تمكنهم أطول، وانتصابها في الأول على المصدر، وقيل: على المفعول به على تضمين مكنا معنى أعطينا، وفيه تكلف. وأما قوله تعالى (فقليلا ما يؤمنون) فما محتملة لثلاثة أوجه، أحدها: الزيادة، فتكون إما لمجرد تقوية الكلام مثلها في (فما رحمة من الله لنت لهم) فتكون حرفا باتفاق، وقليلا في معنى النفي مثلها في قوله: * قليل بها الأصوات إلا بغامها * [104] وإما لافادة التقليل مثلها في " أكلت أكلا ما " وعلى هذا فيكون تقليلا بعد تقليل، ويكون التقليل على معناه، ويزعم قوم أن " ما " هذه اسم كما قدمناه في (مثلا ما بعوضة) والوجه الثاني: النفي، وقليلا: نعت لمصدر محذوف، أو الظرف محذوف، أي إيمانا قليلا أو زمنا قليلا، أجاز ذلك بعضهم، ويرده أمران: أحدهما أن ما النافية لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، ويسهل ذلك شيئا ما على تقدير
316 قليلا نعتا للظرف، لانهم يتسعون في الظرف، وقد قال: * ونحن عن فضلك ما استغنينا * [137] والثاني: أنهم لا يجمعون بين مجازين، ولهذا لم يجيزوا " دخلت الامر " لئلا يجمعوا بين حذف في وتعليق الدخول باسم المعنى، بخلاف " دخلت في الامر " و " دخلت الدار " واستقبحوا " سير عليه طويل " لئلا يجمعوا بين جعل الحدث أو الزمان مسيرا وبين حذف الموصوف، بخلاف " سير عليه طويلا " و " سير عليه سير طويل، أو زمن طويل ". والثالث: أن تكون مصدرية، وهي وصلتها فاعل بقليلا، وقليلا حال معمول لمحذوف دل عليه المعنى، أي لعنهم الله، فأخروا قليلا إيمانهم، أجازه ابن الحاجب، ورجح معناه على غيره. وقوله تعالى (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ما إما زائدة، فمن متعلقة بفرطتم، وإما مصدرية فقيل: موضعها هي وصلتها رفع بالابتداء، وخبره من قبل، ورد بأن الغايات لا تقع أخبارا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالا، نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحققين، ويشكل عليهم (كيف كان عاقبة الذين من قبل) وقيل: نصب عطفا على أن وصلتها، أي ألم تعلموا أخذ أبيكم الموثق وتفريطكم، ويلزم على هذا الاعراب الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف وهو ممتنع، فإن قيل: قد جاء (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة) قلنا: ليس هذا من ذلك كما توهم ابن مالك، بل المعطوف شيئان على شيئين. وقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) ما ظرفية، وقيل: بدل من النساء، وهو بعيد، وتقول " اصنع ما صنعت " فما موصولة أو
317 شرطية، وعلى هذا فتحتاج إلى تقدير جواب، فإن قلت " اصنع ما تصنع " امتنعت الشرطية، لان شرط حذف الجواب مضى فعل الشرط. وتقول " ما أحسن ما كان زيد " فما الثانية مصدرية، وكان زيد صلتها، والجملة مفعول، ويجوز عند من جوز إطلاق ما على آحاد من يعلم أن تقدرها بمعنى الذي، وتقدر كان ناقصة رافعة لضميرها وتنصب زيدا على الخبرية، ويجوز على قوله أيضا أن تكون بمعنى الذي مع رفع زيد، على أن يكون الخبر ضمير ما، ثم حذف، والمعنى ما أحسن الذي كأنه زيد، إلا أن حذف خبر كان ضعيف. ومما يسأل عنه قول الشاعر في صفة فرس صافن: أي ثان في وقوفه إحدى قوائمه: 525 - ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسيرا فيقال: كان الظاهر رفع كسيرا خبرا لكأن. والجواب أنه خبر ليزال، ومعناه كاسر: أي ثان، كرحيم وقدير، لا مكسور ضد الصحيح كجريح وقتيل، وما مصدرية، وهي وصلتها خبر كأن، أي ألف القيام على الثلاث فلا يزال ثانيا إحدى قوائمه حتى كأنه مخلوق من قيامه على الثلاث، وقيل: ما بمعنى الذي وضمير يقوم عائد إليها، وكسيرا حال من الضمير، وهو بمعنى مكسور، وكأن ومعمولاها خبر يزال، أي كأنه من الجنس الذي يقوم على الثلاث، والمعنى الأول أولى. (من): تأتى على خمسة عشر وجها: أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان، نحو (من المسجد الحرام) (إنه من سليمان) قال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه: وفى الزمان أيضا،
318 بدليل (من أول يوم) وفى الحديث " فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة " وقال النابغة: 526 - تخيرن من أزمان يوم حليمة * إلى اليوم، قد جربن كل التجارب وقيل: التقدير من مضى أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السهيلي بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان. الثاني: التبعيض، نحو (منهم من كلم الله) وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) الثالث: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما، وهما بها أولى: لافراط إبهامهما نحو (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) (ما ننسخ من الآية) (مهما تأتنا به من آية) وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال، ومن وقوعها بعد غيرهما (يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق) الشاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء، وقيل: زائدة، ونحو (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) وأنكر مجئ من لبيان الجنس قوم، وقالوا: هي في (من ذهب) و (من سندس) للتبعيض، وفى (من الأوثان) للابتداء، والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادتها، وهذا تكلف. وفى كتاب المصاحف لابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة) في الطعن على بعض الصحابة، والحق أن من فيها للتبيين لا للتبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء ومثله (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) وكلهم محسن ومتق (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار.
319 الرابع: التعليل، نحو (مما خطيئاتهم أغرقوا) وقوله: 527 - وذلك من نبأ جاءني * [وخبرته عن أبي الأسود] وقول الفرزدق في علي بن الحسين: 528 - يغضي حياء ويغضي من مهابته * [فما يكلم إلا حين يبتسم] الخامس: البدل، نحو (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) لان الملائكة لا تكون من الانس (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفع ذا الحظ من الدنيا حظه بذلك، أي بدل طاعتك أو بدل حظك، أي بدل حظه منك، وقيل: ضمن ينفع معنى يمنع، ومتى علقت من بالجد انعكس المعنى، وأما (فليس من الله في شئ) فليس من هذا خلافا لبعضهم، بل من للبيان أو للابتداء، والمعنى فليس في شئ من ولاية الله، وقال ابن مالك في قول أبى نخيلة: 529 - [جارية لم تأكل المرققا] * ولم تذق من البقول الفستقا المراد بدل البقول، وقال غيره: توهم الشاعر أن الفستق من البقول، وقال الجوهري: الرواية " النقول " بالنون، ومن عليهما للتبعيض، والمعنى على قول الجوهري أنها تأكل البقول إلا الفستق، وإنما المراد أنها لا تأكل إلا البقول، لأنها بدوية، وقال الآخر يصف عامل الزكاة بالجور: 530 - أخذوا المخاض من الفصيل غلبة * ظلما، ويكتب للأمير أفيلا أي بدل الفصيل، والأفيل: الصغير، لأنه يأفل بين الإبل: أي يغيب، وانتصاب أفيلا على الحكاية، لانهم يكتبون " أدى فلان أفيلا " وأنكر قوم مجئ من للبدل
320 فقالوا: التقدير في (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) أي بدلا منها، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء، وكذا الباقي، السادس: مرادفة عن، نحو (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) (يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) وقيل: هي في هذه الآية للابتداء، لتفيد أن ما بعد ذلك من العذاب أشد، وكأن هذا القائل يعلق معناها (1) بويل، مثل (فويل للذين كفروا من النار) ولا يصح كونه تعليقا صناعيا للفصل بالخبر (2)، وقيل: هي فيهما للابتداء، أو هي في الأول للتعليل، أي من أجل ذكر الله، لأنه إذا ذكر قست قلوبهم. وزعم ابن مالك أن من في نحو " زيد أفضل من عمرو " للمجاوزة، وكأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل، قال: وهو أولى من قول سيبويه وغيره إنها لابتداء الارتفاع في نحو " أفضل منه " وابتداء الانحطاط في نحو " شر منه " إذ لا يقع بعدها إلى، اه. وقد يقال: ولو كانت للمجاوزة لصح في موضعها عن. السابع: مرادفة الباء، نحو (ينظرون من طرف خفى) قاله يونس، والظاهر أنها للابتداء. الثامن: مرادفة في، نحو (أروني ماذا خلقوا من الأرض) (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) والظاهر أنها في الأولى لبيان الجنس مثلها في (ما ننسخ من آية). التاسع: موافقة عند، نحو (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) قاله أبو عبيدة، وقد مضى القول بأنها في ذلك للبدل العاشر: مرادفة ربما، وذلك إذا اتصلت بما كقوله
(1) الأولى حذف " معنى " فتكون العبارة " وكأن هذا القائل يعلقها بويل " لان من في المشبه بها متعلقة بويل. (2) المراد بالخبر هنا الجملة الخبرية، وهو (قد كنا في غفلة من هذا). 321 وإنا لمما نضرب الكبش ضربة * على رأسه تلقى اللسان من الفم [513] قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم، وخرجوا عليه قول سيبويه: واعلم أنهم مما يحذفون كذا، والظاهر أن من فيهما ابتدائية وما مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب والحذف مثل (خلق الانسان من عجل). الحادي عشر: مرادفة على، نحو (ونصرناه من القوم) وقيل: على التضمين، أي منعناه منهم بالنصر (1). الثاني عشر: الفصل، وهي الداخلة على ثاني المتضادين نحو (والله يعلم المفسد من المصلح) (حتى يميز الخبيث من الطيب) قاله ابن مالك، وفيه نظر، لان الفصل مستفاد من العامل، فإن مازوميز بمعنى فصل، والعلم صفة توجب التمييز، والظاهر أن من في الآيتين للابتداء، أو بمعنى عن. الثالث عشر: الغاية، قال سيبويه " وتقول رأيته من ذلك الموضع " فجعلته غاية لرؤيتك، أي محلا للابتداء والانتهاء، قال " وكذا أخذته من زيد " وزعم ابن مالك أنها في هذه للمجاوزة، والظاهر عندي أنها للابتداء، لان الاخذ ابتدئ من عنده وانتهى إليك. الرابع عشر: التنصيص على العموم، وهي الزائدة في نحو " ما جاءني من رجل " فإنه قبل دخولها يحتمل في الجنس ونفى الوحدة، ولهذا يصح أن يقال " بل رجلان " ويمتنع ذلك بعد دخول من. الخامس عشر: توكيد العموم، وهي الزائدة في نحو " ما جاءني من أحد، أو من ديار " فإن أحدا وديارا صيغتا عموم. وشرط زيادتها في النوعين ثلاثة أمور:
(1) حاصل هذا الكلام أن من في الآية متعلقة بنصر البتة، فإن كان نصر باقيا على معناه كانت من بمعنى على، لان نصر بعلى لا بمن، وإن ضمن نصر معنى منع كانت من باقية على معناها، لان منع يتعدى بمن. 322 أحدها: تقدم نفى أو نهى أو استفهام بهل، نحو (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (فارجع البصر هل ترى من فطور) وتقول " لا يقم من أحد " وزاد الفارسي الشرط كقوله: 531 - ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم [ص 330] وسيأتي فصل مهما. والثاني: تنكير مجرورها. والثالث: كونه فاعلا، أو مفعولا به، أو مبتدأ. تنبيهات - أحدها: قد اجتمعت زيادتها في المنصوب والمرفوع في قوله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) ولك أن تقدر كان تامة، لان مرفوعها فاعل، وناقصة (1)، لان مرفوعها شبيه بالفاعل وأصله المبتدأ. الثاني: تقييد المفعول بقولنا به هي عبارة ابن مالك، فتخرج بقية المفاعيل، وكأن وجه منع زيادتها في المفعول معه والمفعول لأجله والمفعول فيه أنهن في المعنى بمنزلة المجرور بمع وباللام وبفي، ولا تجامعهن، ولكن لا يظهر للمنع في المفعول المطلق وجه، وقد خرج عليه أبو البقاء (ما فرطنا في الكتاب من شئ) فقال: من زائدة، وشئ في موضع المصدر، أي تفريطا، مثل (لا يضركم كيدهم شيئا) والمعنى تفريطا وضرا، قال: ولا يكون مفعولا به، لان فرط إنما يتعدى إليه بفي، وقد عدى بها إلى الكتاب، قال: وعلى هذا فلا حجة في الآية لمن ظن أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شئ صريحا، قلت: وكذا لا حجة فيها لو كان شئ مفعولا به، لان المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، كما في قوله تعالى: (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وهو رأى الزمخشري، والسياق يقتضيه.
(1) يريد أنك إن قدرت كان تامة فمرفوعها فاعل، وإن قدرتها ناقصة فمرفوعها أصله مبتدأ، فقد وجد الشرط الثالث على الوجهين. 323 الثالث: القياس أنها لا تزاد في ثاني مفعولي ظن، ولا ثالث مفعولات أعلم، لأنهما في الأصل خبر، وشذت قراءة بعضهم (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) ببناء نتخذ للمفعول، وحملها ابن مالك على شذوذ زيادة من في الحال (1)، ويظهر لي فساده في المعنى، لأنك إذا قلت " ما كان لك أن تتخذ زيدا في حالة كونه خاذلا لك " فأنت مثبت لخذلانه ناه عن اتخاذه، وعلى هذا فيلزم أن الملائكة أثبتوا لأنفسهم الولاية. الرابع: أكثرهم أهمل هذا الشرط الثالث، فيلزمهم زيادتها في الخبر، في نحو " ما زيد قائما " والتمييز في نحو " ما طاب زيد نفسا " والحال في نحو " ما جاء أحد راكبا " وهم لا يجيزون ذلك. وأما قول أبى البقاء في (ما ننسخ من آية): إنه يجوز كون (آية) حالا ومن زائدة كما جاءت آية حالا في (هذه ناقة الله لكم آية) والمعنى أي شئ ننسخ قليلا أو كثيرا، ففيه تخريج التنزيل على شئ إن ثبت فهو شاذ، أعنى زيادة من في الحال، وتقدير ما ليس بمشتق ومنتقل ولا يظهر فيه معنى الحال حالا، والتنظير بما لا يناسب، فإن (آية) في (هذه ناقة الله لكم آية) بمعنى علامة لا واحدة الآي، وتفسير اللفظ بما لا يحتمله، وهو قوله قليلا أو كثيرا، وإنما ذلك مستفاد من اسم الشرط لعمومه لا من آية. ولم يشترط الأخفش واحدا من الشرطين الأولين، واستدل بنحو (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) (يغفر لكم من ذنوبكم) (يحلون فيها من أساور من ذهب) (نكفر عنكم من سيئاتكم).
(1) أصل العبارة قبل بناء الفعل للمجهول: يتخذنا الناس أولياء، فحذف الفاعل وهو الناس، وبنى الفعل للمجهول وأسند للضمير، وابن مالك يعتبر اتخذ متعدية لواحد فيجعل انتصاب أولياء على الحالية، وغيره يعتبر اتخذ متعدية لاثنين فيجعل نصب أولياء على أنه مفعول ثان. 324 ولم يشترط الكوفيون الأول، واستدلوا بقولهم " قد كان من مطر " وبقول عمر بن أبي ربيعة: 532 - وينمي لها حبها عندنا * فما قال من كاشح لم يضر وخرج الكسائي على زيادتها " إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " وابن جنى قراءة بعضهم (لما أتيتكم من كتاب وحكمة) بتشديد لما، وقال: أصله لمن ما، ثم أدغم، ثم حذفت ميم من (1). وجوز الزمخشري في (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) الآية كون المعنى ومن الذي كنا منزلين، فجوز زيادتها مع المعرفة (1). وقال الفارسي في (وننزل من السماء من جبال فيها من برد): يجوز كون من ومن الأخيرتين زائدتين، فجوز الزيادة في الايجاب. وقال المخالفون: التقدير قد كان هو أي كائن من جنس المطر، وفما قال هو أي قائل من جنس الكاشح، وإنه من أشد الناس أي إن الشأن، ولقد جاءك هو أي جاء من الخبر كائنا من نبأ المرسلين، أو ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين ثم حذف الموصوف، وهذا ضعيف في العربية، لان الصفة غير مفردة، فلا يحسن تخريج التنزيل عليه. واختلف في " من " الداخلة على قبل وبعد، فقال الجمهور: لابتداء الغاية، ورد بأنها لا تدخل عندهم على الزمان كما مر، وأجيب بأنهما غير متأصلين في الظرفية
(1) من التي قال ابن جنى بزيادتها في الآية الكريمة هي الداخلة على كتاب والتقدير عنده: لمن جملة ما آتيتكم كتاب وحكمة. (2) من الداخلة على جند زائدة، وهي مستكملة لشروط زيادتها، والكلام في من مقدرة الدخول على (ما) التي جعلها بمعنى الذي وجعلها معطوفة على جند وهي في (وما كنا منزلين) فصار التقدير: ومن الذي كنا منزلين، فزيدت من وهي داخلة على معرفة. 325 وإنما هما في الأصل صفتان للزمان، إذ معنى " جئت قبلك " جئت زمنا قبل زمن مجيئك، فلهذا سهل ذلك فيهما، وزعم ابن مالك أنها زائدة، وذلك مبنى على قول الأخفش في عدم الاشتراط لزيادتها. مسألة - (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم) من الأولى للابتداء والثانية للتعليل، وتعلقها بأرادوا أو بيخرجوا، أو للابتداء فالغم بدل اشتمال، وأعيد الخافض، وحذف الضمير، أي من غم فيها. مسألة - (مما تنبت الأرض من بقلها) من الأولى للابتداء، والثانية إما كذلك فالمجرور بدل بعض وأعيد الجار، وإما لبيان الجنس فالظرف حال والمنبت محذوف، أي مما تنبته كائنا من هذا الجنس. مسألة - (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) من الأولى مثلها في " زيد أفضل من عمرو " ومن الثانية للابتداء على أنها متعلقة باستقرار مقدر، أو بالاستقرار الذي تعلقت به عند، أي شهادة حاصلة عنده مما أخبر الله به، قيل: أو بمعنى عن، على أنها متعلقة بكتم على جعل كتمانه عن الأداء الذي أوجبه الله كتمانه عن الله، وسيأتي أن (كتم) لا يتعدى بمن. مسألة - (أتأتون الرجال شهوة من دون النساء) من للابتداء، والظرف صفة لشهوة، أي شهوة مبتدأة من دونهن، قيل: أو للمقابلة ك " خذ هذا من دون هذا " أي اجعله عوضا منه، وهذا يرجع إلى معنى البدل الذي تقدم، ويرده أنه لا يصح التصريح به ولا بالعوض مكانها هنا (1). مسألة - (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن
(1) وجه عدم صحة التصريح بالمقابلة وبالعوض مكان من في هذه الآية الكريمة أن لفظ (دون) يمنع من التصريح بأحدهما، وقد علم أن من لا تكون للعوض إلا إذا صح التصريح به مكانها. 326 ينزل عليكم من خير من ربكم) الآية. فيها من ثلاث مرات، الأولى للتبيين لان الكافرين نوعان كتابيون ومشركون، والثانية زائدة، والثالثة لابتداء الغاية مسألة - (لآكلون من شجر من زقوم) (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب) الأولى منهما للابتداء، والثانية للتبيين. مسألة - (نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) من فيهما للابتداء، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأولى بدل اشتمال لان الشجرة كانت نابتة بالشاطئ. (من): على خمسة أوجه: شرطية نحو (من يعمل سوأ يجز به). واستفهامية نحو (من بعثنا من مرقدنا؟) (فمن ربكما يا موسى؟). وإذا قيل " من يفعل هذا إلا زيد؟ " فهي من الاستفهامية أشربت معنى النفي، ومنه (ومن يغفر الذنوب إلا الله) ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو، خلافا لابن مالك، بدليل (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). وإذا قيل " من ذا لقيت؟ " فمن: مبتدأ وذا: خبر موصول، والعائد محذوف، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الأسماء كون ذا زائدة، ومن مفعولا، وظاهر كلام جماعة أنه يجوز في " من ذا لقيت " أن تكون من وذا مركبتين كما في قولك " ماذا صنعت " ومنع ذلك أبو البقاء في مواضع من إعرابه وثعلب في أماليه وغيرهما، وخصوا جواز ذلك بماذا، لان " ما " أكثر إبهاما، فحسن أن تجعل مع غيرها كشئ واحد، ليكون ذلك أظهر لمعناها، ولان التركيب خلاف الأصل، وإنما دل عليه الدليل مع " ما " وهو قولهم " لما جئت " بإثبات الألف وموصولة [في] نحو (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض).
327 ونكرة موصوفة، ولهذا دخلت عليها رب في قوله: 533 - رب من أنضجت غيظا قلبه * قد تمنى لي موتا لم يطع ووصفت بالفكرة في نحو قولهم " مررت بمن معجب لك " وقال حسان رضي الله عنه: فكفى بنا فضلا على من غيرنا * حب النبي محمد إيانا (158) ويروى برفع غير، فيحتمل أن من على حالها، ويحتمل الموصولية، وعليهما فالتقدير: على من هو غيرنا، والجملة صفة أو صلة، وقال الفرزدق: 534 - إني وإياك إذ حلت بأرحلنا * كمن بواديه بعد المحل ممطور أي كشخص ممطور بواديه. وزعم الكسائي أنها لا تكون نكرة إلا في موضع يخص النكرات، ورد بهذين البيتين، فخرجهما على الزيادة، وذلك شئ لم يثبت كما سيأتي. وقال تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله) فجزم جماعة بأنها موصوفة وهو بعيد، لقلة استعمالها، وآخرون بأنها موصولة، وقال الزمخشري: إن قدرت أل في الناس للعهد فموصولة مثل (ومنهم الذين يؤذون النبي) أو للجنس فموصوفة مثل (من المؤمنين رجال) ويحتاج لتأمل. تنبيهان: الأول - تقول " من يكرمني أكرمه " فتحتمل [من] الأوجه الأربعة، فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين، أو موصوفة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الأولى وجزمت الثاني، لأنه جواب بغير الفاء، ومن فيهن مبتدأ، وخبر الاستفهامية الجملة الأولى، والموصولة أو الموصوفة الجملة الثانية، والشرطية الأولى أو الثانية على خلاف في ذلك، وتقول " من زارني زرته " فلا تحسن الاستفهامية (1)، ويحسن ما عداها.
(1) لا تحسن الاستفهامية لكون ما بعدها ماضيا، ولكنها - مع ذلك - تصح 328 الثاني - زيد في أقسام من قسمان آخران، أحدهما أن تأتى نكرة تامة، وذلك عند أبي على، قاله في قوله: 535 - [ونعم من كأمن ضافت مذاهبه]. * ونعم من هو في سر وإعلان [ص 435 و 437] فزعم أن الفاعل مستتر، ومن تمييز، وقوله " هو " مخصوص بالمدح، فهو مبتدأ خبره ما قبله أو خبر لمبتدأ محذوف، وقال غيره: من موصول فاعل، وقوله " هو " مبتدأ خبره هو آخر محذوف على حد قوله: 536 - [أنا أبو النجم] وشعري شعري [لله درى ما أجن صدري] [ص 437 و 657) والظرف متعلق بالمحذوف، لان فيه معنى الفعل، أي ونعم من هو الثابت في حالي السر والعلانية. قلت: ويحتاج إلى تقدير هو ثالث يكون مخصوصا بالمدح. الثاني: التوكيد، وذلك فيما زعم الكسائي [من] أنها ترد زائدة كما، وذلك سهل على قاعدة الكوفيين في أن الأسماء تزاد، وأنشد عليه: * فكفى بنا فضلا على من غيرنا * [158] فيمن خفض غيرنا، وقوله: 537 - يا شاة من قص لمن حلت له * حرمت على، وليتها لم تحرم فيمن رواه بمن دون ما، وهو خلاف المشهور، وقوله: 538 - آل الزبير سنام المجد، قد علمت * ذاك القبائل والأثرون من عددا (1)
(1) علمت في هذا الموضع بمعنى عرفت فتحتاج إلى مفعول واحد وهو قوله " ذاك " وليس لك أن تعتبرها من أفعال اليقين فتكون محتاجة إلى مفعولين، ووجه عدم صحة ذلك أن الشاعر لم يذكر إلا مفعولا واحدا، وأنت خبير أن حذف المفعول الثاني من مفعولي ظن وأخواتها لغير دليل لا يجوز، وهو الذي يسمونه الحذف اقتصارا. 329 ولنا أنها في الأولين نكرة موصوفة، أي على قوم غيرنا، ويا شاه: إنسان قنص، وهذا من الوصف بالمصدر للمبالغة، وعددا: إما صفة لمن على أنه اسم وضع موضع المصدر، وهو العد: أي والأثرون قوما ذوي عد، أي قوما معدودين، وإما معمول ليعد محذوفا صلة أو صفة لمن، ومن بدل من الأثرون. (مهما): اسم، لعود الضمير إليها في (مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها) وقال الزمخشري وغيره: عاد عليها ضمير (به) وضمير (بها) حملا على اللفظ وعلى المعنى، اه. والأولى أن يعود ضمير (بها) لآية، وزعم السهيلي أنها تأتى حرفا، بدليل قول زهير: ومهما تكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم [531] قال: فهي هنا حرف بمنزلة إن، بدليل أنها لا محل لها، وتبعه ابن يسعون، واستدل بقوله 539 - قد أوبيت كل ماء فهي ضاوية * مهما تصب أفقا من بارق تشم (1) قال: إذ لا تكون مبتدأ لعدم الرابط من الخبر وهو فعل الشرط، ولا مفعولا لاستيفاء فعل الشرط مفعوله، ولا سبيل إلى غيرهما، فتعين أنها لا موضع لها. والجواب أنها في الأول إما خبرتكن، وخليقة اسمها، ومن زائدة، لان الشرط غير موجب عند أبي على، وإما مبتدأ، واسم تكن ضمير راجع إليها، والظرف خبر، وأنث ضميرها لأنها الخليقة في المعنى، ومثله " ما جاءت حاجتك " فيمن نصب حاجتك، ومن خليقة تفسير للضمير، كقوله:
(1) أوبيت: فعل ماض مبنى للمجهول وزانه أكرمت ومعناه منعت، وضاوية: هزيلة من العطش، والبارق: السحاب ذو البرق، وتشم: تنظر، من شام البرق يشيمه - بوزن باعه يبيعه - أي نظر إليه ليعرف أين بمطر. 330 540 - [فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها] لما نسجتها من جنوب وشمال وفى الثاني مفعول تصب، وأفقا: ظرف، ومن بارق: تفسير لمهما أو متعلق بتصب، فمعناها التبعيض، والمعنى: أي شئ تصب في أفق من البوارق تشم وقال بعضهم: مهما ظرف زمان، والمعنى أي وقت تصب بارقا من أفق، فقلب الكلام، أو في أفق بارقا، فزاد من، واستعمل أفقا ظرفا، انتهى، وسيأتي أن مهما لا تستعمل ظرفا. وهي بسيطة، لا مركبة من مه وما الشرطية، ولا من ما الشرطية وما الزائدة. ثم أبدلت الهاء من الألف الأولى دفعا للتكرار، خلافا لزاعمي ذلك. ولها ثلاثة معان: أحدها: ما لا يعقل غير الزمان مع تضمن معنى الشرط، ومنه الآية، ولهذا فسرت بقوله تعالى (من آية) وهي فيها إما مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال، فيقدر لها عامل متعد كما في " زيدا مررت به " متأخرا عنها، لان لها الصدر، أي مهما تحضرنا تأتنا به. الثاني: الزمان والشرط، فتكون ظرفا لفعل الشرط، ذكره ابن مالك، وزعم أن النحويين أهملوه، وأنشد لحاتم: 541 - وإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وأبياتا أخر، ولا دليل في ذلك، لجواز كونها للمصدر بمعنى أي إعطاء كثيرا أو قليلا وهذه المقالة سبق إليها ابن مالك غيره، وشدد الزمخشري الانكار على من قال بها (1)
(1) أراد المؤلف بهذا أن ينكر على ابن مالك شيئين، الأول ادعاؤه أن النحويين أهملوا هذا المعنى من معاني مهما، فذكر أن غير ابن مالك سبقه إلى ذكر هذه المقالة، والثاني: أن هذا المعنى الذي ادعاه لمهما غير صحيح، وإن يقول به من لا يدله في العربية 331 فقال: هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها في غير موضعها، ويظنها بمعنى متى، ويقول " مهما جئتني أعطيتك " وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية، ثم يذهب فيفسر بها الآية فيلحد في آيات الله، انتهى. والقول بذلك في الآية ممتنع، ولو صح ثبوته في غيرها، لتفسيرها بمن آية. الثالث: الاستفهام، ذكره جماعة منهم ابن مالك، واستدلوا عليه بقوله: مهما لي الليلة مهما ليه * أودى ينعلى وسرباليه [155] فزعموا أن مهما مبتدأ، ولى الخبر، وأعيدت الجملة توكيدا، وأودى. بمعنى هلك، ونعلي: فاعل، والباء زائدة مثلها في (كفى بالله شهيدا) ولا دليل في البيت، لاحتمال أن التقدير مه اسم فعل بمعنى اكفف ثم استأنف استفهاما بما وحدها. تنبيه - من المشكل قول الشاطبي رحمه الله: 543 - * ومهما تصلها أو بدأت براءة * ونقول فيه: لا يجوز في مهما أن تكون مفعولا به لتصل لاستيفائه مفعوله، ولا مبتدأ لعدم الرابط، فإن قيل: قدر مهما واقعة على براءة، فيكون ضمير تصلها راجعا إلى براءة، وحينئذ فمهما مبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسره تصل، قلنا: اسم الشرط عام، وبراءة اسم خاص فضميرها كذلك، فلا يرجع إلى العام، وبالوجه الذي بطل به ابتدائية مهما يبطل كونها مشتغلا عنها العامل بالضمير. وهذه بخلافها في قوله: 543 - * ومهما تصلها مع أواخر سورة * فإنها هناك واقعة على البسملة التي في أول كل سورة، فهي عامة، فيصح فيها الابتداء أو النصب بفعل يفسره تصل، أي وأي بسملة تصل تصلها، والظرفية بمعنى وأي وقت تصل البسملة، على القول بجواز ظرفيتها.
332 وأما هنا فيتعين كونها ظرفا لتصل بتقدير وأي وقت تصل براءة، أو مفعولا به حذف عامله أي ومهما تفعل، ويكون تصل وبدأت بدل تفصيل من ذلك الفعل، وأما ضمير تصلها فلك أن تعيده على اسم مظهر قبله محذوفا، أي ومهما تفعل في براءة تصلها أو بدأت بها، وحذف بها، ولما خفى المعنى بحذف مرجع الضمير ذكر براءة بيانا له. إما على أنه بدل منه، أو على إضمار أعنى، ولك أن تعيده على ما بعده وهو براءة: إما على أنه بدل منه مثل " رأيته زيدا " فمفعول بدأت محذوف، أو على أن الفعلين تنازعاها فأعمل الثاني متسعا فيه بإسقاط الباء، وأضمر الفضلة في الأول، على حد قوله: 544 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب * جهارا فكن في الغيب أحفظ للود (مع): اسم، بدليل التنوين في قولك " معا " ودخول الجار في حكاية سيبويه " ذهبت من معه (1) " وقراءة بعضهم (هذا ذكر من معي) وتسكين عينه لغة غنم وربيعة، لا ضرورة خلافا لسيبويه، وإسميتها حينئذ باقية، وقول النحاس " إنها حينئذ حرف بالاجماع " مردود. وتستعمل مضافة، فتكون ظرفا، ولها حينئذ ثلاثة معان: أحدها: موضع الاجتماع، ولهذا يخبر بها عن الذوات نحو (والله معكم) والثاني: زمانه، نحو " جئتك مع العصر ". والثالث: مرادفة عند، وعليه القراءة وحكاية سيبويه السابقتين. ومفردة، فتنون، وتكون حالا. وقد جاءت ظرفا مخبرا به في نحو قوله: 545 - أفيقوا بنى حرب وأهواؤنا معا * (وأرماحنا موصولة لم تقضب) (هامش) * (1) التنوين يدل على اسمية " مع " في موضعين، الأول أن تكون اسما لموضع الاجتماع، والثاني أن تكون اسما لزمان الاجتماع، وقبول دخول من عليها يدل على اسميها في موضع واحد، وهو أن يكون اسما مرادفا لعند، وهي لا تخرج عن هذه المواضع الثلاثة. (*)
333 وقيل: هي حال، والخبر محذوف، وهي في الافراد بمعنى جميعا عند ابن مالك، وهو خلاف قول ثعلب: " إذا قلت " جاءا جميعا " احتمل أن فعلهما في وقت واحدا أو في وقتين، وإذا قلت " جاءا معا " فالوقت واحد " اه. وفيه نظر، وقد عادل بينهما من قال: 546 - كنت ويحيى كيدي واحد * نرمي جميعا ونرامى معا وتستعمل معا للجماعة كما تستعمل للاثنين، قال: 547 - * إذا حنت الأولى سجعن لها معا * وقالت الخنساء: 548 - وأفنى رجالي فبادوا معا * فأصبح قلبي بهم مستفزا (متى): على خمسة أوجه: اسم استفهام، نحو (متى نصر الله) واسم شرط، كقوله: [أنا ابن جلا وطلاع الثنايا] * متى أضع العمامة تعرفوني [263] واسم مرادف للوسط، وحرف بمعنى من أو في، وذلك في لغة هذيل يقولون " أخرجها متى كمه " أي منه، وقال ساعدة: 549 - أخيل برقا متى حاب له زجل * إذا يفتر من توماضه حلجا أي من سحاب حاب، أي ثقيل المشي له تصويت، واختلف في قوله بعضهم: " وضعته متى كمي " فقال ابن سيده: بمعنى في، وقال غيره: بمعنى وسط، وكذلك اختلف في قول أبى ذؤيب يصف السحاب:
(1) أخيل - بضم الهمزة وكسر الخاء - مضارع أخال البرق، وأخيله - على الأصل ومعناه شام سحابه، ومتى: بمعنى من، والحابي معناه الداني، وفسره المؤلف بالثقيل، وليس بذاك، والزجل - بوزن جمل - الصوت، ويفتر: يضعف، والتوماض: اللمع الخفيف من البرق، وحلج: أمطر. 334 شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نثيج [148] فقيل: بمعنى من، وقال ابن سيده: بمعنى وسط. (منذ، ومذ): لهما ثلاث حالات: إحداهما: أن يليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما حرفا جر: بمعنى من إن كان الزمان ماضيا، وبمعنى في إن كان حاضرا، وبمعنى من وإلى جميعا إن كان معدودا نحو " ما رأيته منذ يوم الخميس، أو مذ يومنا، أو عامنا، أو مذ ثلاثة أيام " وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر، وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه، وترجيح رفع مذ للماضي على جره، ومن الكثير في منذ قوله: 550 - [قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان]. * وربع عفت آثاره منذ أزمان ومن القليل في مذ قوله: 551 - [لمن الديار بقنة الحجر) * أقوين مذ حجج ومذ دهر والحالة الثانية: أن يليهما اسم مرفوع، نحو " مذ يوم الخميس، ومنذ يومان " فقال المبرد وابن السراج والفارسي: مبتدآن، وما بعدهما خبر، ومعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا أو معدودا، وأول المدة إن كان ماضيا، وقال الأخفش والزجاج والزجاجي: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، ومعناهما بين وبين مضافين، فمعنى " ما لقيته مذ يومان " بيني وبين لقائه يومان، ولا خفاء بما فيه من التعسف، وقال أكثر الكوفيين: ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها، وبقى فاعله، والأصل: مذ كان يومان، واختاره السهيلي وابن مالك، وقال بعض الكوفيين: خبر لمحذوف، أي ما رأيته من الزمان الذي هو يومان، بناء على أن مذ مركبة من كلمتين من وذو الطائية.
335 الحالة الثالثة: أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية، كقوله: 552 - ما زال مذ عقدت يداه إزاره [فسما فأدرك خمسة الأشبار] وقوله: 553 - وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع [وليدا وكهلا حين شبت وأمردا] والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر. وأصل مذ منذ، بدليل رجوعهم إلى ضم ذال مذ عند ملاقاة الساكن، نحو " مذ اليوم " ولولا أن الأصل الضم لكسروا، ولان بعضهم يقول " مذ زمن طويل " فيضم مع عدم الساكن، وقال ابن ملكون: هما أصلان، لأنه لا يتصرف في الحرف ولا شبهه، ويرده تخفيفهم إن وكأن ولكن ورب وقط، وقال المالقي: إذا كانت مذ اسما فأصلها منذ، أو حرفا فهي أصل. ...
قد تم بحمد الله تعالى وتوفيقه وتيسيره - الجزء الأول من كتاب " مغني اللبيب، عن كتب الأعاريب " لأنحى النحاة العلامة ابن هشام، الأنصاري، المصري. ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء الثاني، مفتتحا بحرف النون من باب الحروف نسأل الله جلت قدرته أن يعين على إكماله بمنه وفضله 336