مجلة تراثنا (جزء 13) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مجلة تراثنا (جزء 13) - نسخه متنی

گردآورنده: مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: مجلة تراثنا
المؤلف: مؤسسة آل البيت
الجزء: 13
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: 1408
المطبعة: مهر - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم المشرفة
ردمك: ISSN:1016-4030
ملاحظات: العدد الرابع - السنة الثالثة شوال 1408
تراثنا
نشرة فصلية تصدرها مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
الاسهام في النشرة باب مفتوح لجميع العلماء والمحققين والمهتمين بشؤون تراث أهل
البيت عليهم السلام.
الآراء المنشورة لا تعبر عن رأي النشرة بالضرورة.
ترتيب المواضيع يخضع لاعتبارات فنية، وليس لأي اعتبار آخر.
النشرة غير ملزمة بنشر كل ما يصل إليها.
المراسلات:
تعنون باسم: هيئة التحرير
صفائية - ممتاز - پلاك 737 - ت: 23456
ص. ب 996 \ 37185 - قم - الجمهورية الإسلامية في إيران
تراثنا
العدد الثاني [13] \ السنة الثالثة \ شوال - ذو القعدة - ذو الحجة 1408 ه‍. ق.
الإعداد والنشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث.
المطبعة: مهر - قم.
الكمية: 1000 نسخة.
قيمة الاشتراك السنوي في نشرة " تراثنا " 200 تومانا داخل إيران، و 15 دولارا أو
ما يعادلها خارج إيران، بضمنها أجور البريد المضمون.

1
بسم الله الرحمن الرحيم

5
حول تحقيق كتاب
" بناء المقالة الفاطمية
في نقض الرسالة العثمانية "
السيد علي العدناني الغريفي
" إذا شاعت لك ذب سلاحك "
إن في بعض الأمثال العامية من الظرافة والنكتة والإشارة إلى مطلب
ظاهر وآخر خفي ما لا يوجد في الأمثال الفصحى، وهو - أعني المثل العامي - وإن
كان لا يتجاوز بضع كلمات لكنه يحتاج إلى عدة سطور من الشرح والإيضاح،
وربما يكون المثل العامي من الظرافة والتضمن لنكتة لطيفة بحيث لا يمكن صياغته
باللغة الفصحى وإلا ذهبت ظرافته وطرافته، ومن تلك الأمثلة هو ما ذكرناه في
صدر هذه الأسطر، وهو مثل عامي عراقي ويستعمل أيضا عندنا نحن عرب إيران.
ومعناه: أنه إذا شاع بين الناس أنك ذو شجاعة وقوة - وإن لم تكونا
موجودتين أصلا - فحينئذ ألق أسلحتك فإنك لا تحتاج إليها، لأن شهرتك كافية
لأن تهزم العدو من دون ما حاجة لاستعمال الأسلحة، ويكفيك ما أشيع وأذيع
عنك ولن تحتاج إلى مزيد كد وعناء وجهد وجهاد. وهذا المثل كثيرا ما يصدق
علينا - نحن المسلمين - وينطبق على أفعالنا وسيرتنا بشكل أو بآخر.
إن البداية في كل عمل تكون عندنا بوثبة سريعة خاطفة تقطع
الأنفاس.. ثم بعد فترة قصيرة تأتي حالة التلكؤ والسير البطئ.. ثم بعد
ذلك السكون والتوقف.

7
مثلا: هذا صاحب مصنع ينتج بضائع وهي - أول ما تكون - في غاية الجودة
والإتقان وتضاهي البضاعة الأجنبية، فتحتل مكانا مرموقا في الأسواق ويقبل
عليها الناس، ثم بعد مدة تأخذ بالتنزل شيئا فشيئا حتى تصل إلى درجة من
الرداءة بحيث يعرض عنها الناس ولا يرغب في اقتنائها أحد وربما ينجر الأمر في
ذلك إلى توقف المصنع عن العمل كليا. وهذا يرجع إلى صاحب المصنع الذي
اكتفى بالشهرة الأولى التي حصلت لمنتوجات مصنعه ثم أخذ لا يجيد الصناعة بل
يغش فيها، فازدياد الطلب عليها - في أول الأمر - بدلا من أن يكون حافزا على
تحسين البضاعة أو إبقائها على ما هي عليه - على الأقل - نراه يكون موجبا للانحدار
إلى الأخس، وهذا بعكس ما تفعله الدول الأجنبية المتقدمة حيث كلما يزداد
الطلب في الأسواق وتلاقي البضاعة رواجا وشهرة تزداد إتقانا وجودة.
وعملنا ذاك هو خلاف تعاليم ديننا وأوامر نبينا - صلى الله عليه وآله -
حيث قال: " رحم الله من عمل عملا وأتقنه " (1) وقال: " رحم الله امرءا أحسن
صنعته " (2).
والظاهر أن عدم الإتقان والتهاون في الأمور لم يقتصر على الصناعات
والحرف والمهن، بل انتقلت العدوي حتى إلى المجال العلمي البحت، فلم يعد
التأليف والتحقيق - وخصوصا الثاني - بمنأى عن تلك الحالة آنفة الذكر.
فالتحقيق - وأخصه بالذكر لأنه المقصود من هذه المقالة - ما عاد تحقيقا
بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، بل انتهى به الأمر إلى أن صار عبارة عن نسخة أخرى
للمخطوط إلا أنها مطبوعة بالآلة المعروفة وتلك - أعني المخطوط - باليد المجردة إلا
من القلم، بل أكثر من ذلك.. إنها نسخة مشوهة عن الأصل تثبط العزائم عن
مراجعة الأصل، لأن المطبوع ظاهر في متناول اليد وهو هو، وبذلك يكون الأصل
قد ترك اللهم إلا في بعض الحالات الشاذة فيأتي من يحقق الكتاب ثانية، فيا



(1) كشف الخفاء ومزيل الالباس 1 / 513 حديث 1369.
(2) جامع الأصول - لابن الأثير - 11 / 185 حديث 8716.
8
سوء حظ المؤلف المسكين الذي يقع كتابه - الذي هو عصارة عمره العلمي - بيد من
يسمى بالمحقق فيمسخه ويشوهه ويلعب به فيقلب معانيه وألفاظ ويغلط الصحيح
منه ويحذف ما شاء له أن يحذف من أصل الكتاب ولا عذر له سوى أنه لم
يتمكن من قراءة كلمة أو لا يعرف معناها، أو أنها غلط (بنظره السقيم). ناهيك
عن المحقق ذي الاسم المعروف أو القلب الفخم أو ذي الرتبة العلمية المزعومة،
فحينئذ يفعل ما يشاء في الكتاب، واسمه وعنوانه على غلاف الكتاب كافيان
لأن ينظر إلى الكتاب بعين الاعتبار والقبول وإن كان لم يأت بمعجزة فيه و " إذا
شاعت لك ذب سلاحك ". وحسبه أن ينزل الكتاب إلى الأسواق وهو يحمل
اسم وعنوان المحقق كي يكسب به بعض المال أو ينال به أمورا أخرى تافهة،
ويغفل عن محاسبة قد تطاله - إن عاجلا أو آجلا - فتبدي أفعاله كما هي وتضعه
أمام القراء والناقدين عاريا مجردا، كاشفة بذلك عن سوأته للرائين، مبدية ما
اقترفه بشأن الكتاب للملأ العلمي.
أقول: فمع ملاحظة هذه الأمور كلها، كيف يحصل للإنسان ثقة بما يحققه
أمثال هؤلاء مع علمنا بما يفعلون من حذف وتصحيف وتحريف وتلاعب
بالكتاب؟!
وهذا - أعني عدم الثقة - هو ما حصل لي بالفعل عندما وقفت على كتاب
" بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية " المطبوع في عمان / دار الفكر،
بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي، فكانت لي عليه بعض الملاحظات قد أحببت
أن أشير إليها هنا بشكل موجز لا على التفصيل، وما قصدي بذلك سوى أن تكون
هذه الملاحظات سببا للاعتناء بشكل أكثر بتراثنا المجيد والحرص عليه والاهتمام
به والقيام بمهمة تحقيقه وإخراجه بشكل صحيح.
أقول: قد لفت نظري الكتاب المذكور وظننت بتحقيقه خيرا، خصوصا
أنه قد كتب على غلاف الكتاب بخط بارز قد أخذ مكانا لا بأس به من الغلاف:
" حققه وقدم له وعلق عليه الدكتور إبراهيم السامرائي "، والدكتور السامرائي

9
معروف لدى المحققين وله يد في عالم التحقيق والتأليف وهو ذو درجة علمية
رفيعة (دكتوراه) فحسبت أن الكتاب سوف يكون حسب ما يرام من حيث
التحقيق والإخراج والتعليق ولكني لم أر ما كنت أتوقعه. وعلى كل حال فإني
سجلت بعض ملاحظاتي على الكتاب، وإني سوف أعلق على الكلمات الثلاث
" حققه، وقدم له، وعلق عليه " حسب الترتيب المذكور على غلاف الكتاب.
فأما كلمة " حققه ":
فأقول: إذا كان المقصود من التحقيق هو ضبط المتن وتصحيحه وإبرازه
بشكل جيد خال من الغلط فهلم معي أيها القارئ الكريم لنرى ما فعله الدكتور
بمتن هذا الكتاب مع العلم بأن النسختين اللتين اعتمدهما الدكتور ورمز إليهما
بحرفي " ق " و " ط " توجد عندنا مصورتهما وقد طبقنا المطبوعة عليهما فوجدنا اختلافا
كثيرا بينهما وبين المطبوعة، ووجدنا حذفا كبيرا قد وقع في المطبوعة وهو موجود في
المخطوطتين، وما أدري سبب هذا السقط هل هو ناشئ من الغفلة أو عدم الاهتمام
والدقة؟! وإني أشير إلى تلك الاختلافات وما حذف وسقط في المطبوعة، مقدما
الساقط الذي هو جملة على الساقط الذي هو كلمة.
هذا، مع العلم بأني لم يسعني الوقت للمقابلة بين المخطوطتين والمطبوعة
من أول الكتاب إلى آخره وذلك لأنه لم يكن لدي عزم على تسجيل هذه
الملاحظات إلا بعد أن جاوزت النصف من الكتاب فذكرتها هنا كما تراها - إن
شاء الله تعالى - وكان في نيتي بعد الانتهاء من النصف الثاني أن أبدا من أول
الكتاب ولكني لم أتمكن من ذلك إذ أني أرجعت المصورتين إلى أصحابهما، فما
سجلته هنا هو ما وجدته من السقط والاختلاف في النصف الثاني من الكتاب
فكانت هذه الفروق الكثيرة فكيف لو أني عملت على الكتاب بتمامه وكماله؟!
* * *

10
1 - جاء في المطبوعة صفحة 169 سطر 8: " وما رويتموه لكم ووثقتموه
فإنه مرجوح لا محالة عندنا وعندكم ".
والذي في المخطوط: " وما رويتموه لكم ووثقتموه فإنه مرجوح للتهمة،
وما رويتموه علينا ووثقتموه فإنه مرجوح لا محالة عندنا وعندكم ".
2 - وجاء في صفحة 172 من المطبوعة سطر 12: " قال: حدثنا محمد بن
القاسم بن زكريا، قال: حدثنا أبو حنيفة، عن عطاء، قال: قال ابن عمر... ".
وفي المخطوط: " قال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا، قال: حدثنا عباد
ابن يعقوب، قال: حدثنا عفان بن سنان، قال: حدثنا أبو حنيفة... ".
3 - وجاء في صفحة 194 سطر 5 من المطبوعة: " والذي يقول لسان
الجارودية على هذا: إنا قد أسلفنا ما يدل على ما قال فغريب إذا الأنصار لما
ديس سعد... ".
وفي المخطوط: " والذي يقول لسان الجارودية على هذا: إنا قد أسلفنا ما
يدل على خلافه، وإن البهت مهين والمغالبة بالقحة سفالة، وأما دليله على ما قال
فغريب إذا الأنصار لما ديس... ".
4 - وجاء في نفس الصفحة المذكورة من المطبوعة، السطر الأخير: " وإن
يكن بالخطابة فعلي أولى به ".
وفي المخطوط بإضافة: " وإن يكن بالشعر فعلي أولى به ".
5 - وفي الصفحة 196 السطر 2 من المطبوعة: " وبه قام عموده ورست
قواعده ".
وفي المخطوط بإضافة: " وبه نهض قاعده ".
6 - وفي الصفحة 216 السطر ما قبل الأخير من المطبوعة: " ذكر زيد بن
صوحان: زيد وما زيد يسبق عضو منه إلى الجنة ألا وقد قطع في طاعة الله... ".
وفي المخطوط: " ذكر زيد بن صوحان: زيد وما زيد، يسبق عضو منه إلى
الجنة، فقتل يوم الجمل، فجعلوا الدليل على صواب علي في قتاله أن زيدا قتل في

11
طاعته، قيل لهم: وفي قول النبي - عليه السلام -: (يسبقه عضو منه إلى الجنة) دليل
على أن العضو لم يسبق إلى الجنة إلا وقد قطع في طاعة الله... ".
7 - وفي الصفحة 220 السطر 4 من المطبوعة: " إما من دليل العقل أو
النقل، فإذا كان الأمر كذا تعين في علي... ".
وفي المخطوط: " إما من دليل العقل أو النقل، وإذا كان الأمر كذا
فنقول: الاختيار كما ذكرته ممتنع قطعا فتعين النص، وإذا كان الأمر كذا تعين في
علي... ".
8 - وأما ما وجدته من اختلاف في الكلمات فقد سجلتها فكانت كالنحو
التالي:
المطبوعة - المخطوطة - السطر - الصفحة
فهو بان - فهذيان - 16 - 163
وقدوم قوم - وقد يتوهم قوم - 8 - 164
لا يوردها أهل النظر - لا يرضاها أصحاب - 16 - 164
راميا - رأسا - 8 - 166
أبو بكر - أبو بكرة - 5 - 168
لا يقع سديدا - لا يقع من سديد - قبل الأخير - 176
على الخطأ - كان على الخطأ - الأخير - 178
في تخلف عنهم - في تخلف من تخلف عنهم - قبل الأخير - 179
لبعض الابرام - لنقض الابرام - 18 - 181
وأورده باستخلافه - وارده باستخلافه - 18 - 182
هذا - هذا محال - 19 - 182
بن أبي الشيخ - ابن أبي الثلج - 6 - 184
لو أن الشجر - لو أن الغياض - 8 - 184
المخثلب - المخشلب - 12 - 190

12
المطبوعة - المخطوطة - السطر - الصفحة
قد أجبت - قد أجبنا - 14 - 192
لحنا - أجبنا - 13 - 193
وروى وأرحامه - وذوي أرحامه - 9 - 198
الدعوة - الدعوى - 2 - 203
انا آل عمر - أنا أزعم - 6 - 203
تعارضه - تغار منه - 14 - 204
الكتب - الكتاب الأخير - 204
يداوي الداء - يداوي الداء بالداء - 4 - 206
أيام جهته - أيام حياته - 13 - 206
أمنكم رسول الله - أمنكم أخو رسول الله - 8 - 210
عناء عن رسول حتى - عناء عن رسول الله مني - 22 - 210
أحد أقر عهد رسول - أحد آخر عهد برسول الله - 6 - 211
وتعلق - وتعلقوا - 13 - 211
والذي يقال - مع الذي يقال - 8 - 214
في فلوات غرضه - سائرا في فلوات غرضه - 9 - 214
لا يحب السمين _ لا يحب الحبر السمين - 12 - 214
نبوات - ذوات - 14 - 215
مثلين - مثابين - 19 - 217
فلا يخشى - فلا يخلو - 10 - 219
ينادى به المنابر - ينادى به على المنابر - 14 - 220
بالأشاعرة - بالإمامة - 16 - 223
أفانين سؤلها - أفانين سؤلها ومأمولها - 4 - 225
وتحدنا حد الولد - وتحدنا عن التضجيع حد الولد - 19 - 225

13
9 - وأما ما احتملنا أنه غلط ناشئ من الطباعة فلم نأت به أمثال:
المطبوعة - المخطوطة - السطر - الصفحة
استطرت - استقرت - 2 - 176
مع دعوى - منع دعوى - 4 - 177
موضع إنجاز - موضع إيجاز - 15 - 180
وغيرها كثير.
وأما كلمة " وقدم له ":
فالمقدمة التي أثبتها في أول الكتاب - على اختصارها - لم تكن خالية من
بعض الملاحظات وهي:
10 - قال في الصفحة 1 تحت عنوان " سيرة المؤلف ":
" لم أجد لدى من ترجم للمؤلف إلا نبذة يسيرة وهي قولهم: هو أحمد بن
موسى بن جعفر بن طاووس، جمال الدين، من فقهاء الإمامية ومحدثيهم، من أهل
الحلة، عالم بالأدب، له شعر، مصنف مجتهد، له من التصانيف:
1 - بشرى المحققين، في الفقه.
2 - الملاذ، في الفقه.
3 - كتاب الكر.
4 - الثاقب المسخر على نقض المشجر.
5 - الازدهار في شرح لامية مهيار.
6 - حل الإشكال في معرفة الرجال (تراجم في رجال الحديث).
وقد أفاد من ترجم له أن كتبه تنيف على الثمانين، وقد توفي سنة
673 ه‍ ".

14
أقول: هذا نص كلامه نقلته بحرفه، ثم ذكر في الهامش المصادر التي استقى
منها معلوماته تلك، وهي: أمل الآمل، والذريعة، والأعلام.
ثم أقول ثانيا: إن كلامه ذلك ظاهره يدل على تتبع واسع وعلى بذل جهد
مضن يتراءى من خلاله للقارئ أن المحقق قد راجع عشرات المصادر وفتش في
زوايا أمهات المراجع فلم يعثر على غير ما ذكره من ترجمة المؤلف، وتلك لعمري
دعوى ينكشف زيفها لو وضعناها تحت منظار التتبع الصحيح والواقع العلمي.
غاية ما في الأمر أن المحقق المذكور قد راجع كتاب " الأعلام " للزركلي
وأثبت عبارته بنصها إلا كلمتين غير وبدل فيهما ثم نقل ما ذكره الزركلي في
الهامش أعني أمل الآمل والذريعة [راجع: الأعلام 1 / 246] حتى أن المحقق
- الدكتور السامرائي - لم يتكلف عناء مراجعة هذين المصدرين اللذين ذكرهما
الزركلي ليرى أنه هل كان النقل صحيحا أم لا؟
فمثلا: لقد ذكر الزركلي في الهامش: الذريعة 3 / 120، والدكتور
السامرائي نقله بما هو من غير مراجعة، والحال أن في الذريعة 3 / 120 قد ذكر
صاحبها اسم كتاب " بشرى المحققين " مع ذكر مؤلفه - أعني أحمد بن موسى بن
طاووس - فقط، فكان الأنسب لحضرة الدكتور السامرائي أن يذكر الذريعة 3 / 150
حيث ورد فيها اسم الكتاب الذي يروم تحقيقه، أعني " بناء المقالة الفاطمية ".
وأما أمل الآمل فلو كان الدكتور قد راجعه حقا لاستفاد منه أكثر مما
ذكر وعرف أن من جملة كتب المؤلف كتاب " الأزهار في شرح قصيدة مهيار " لا
" الازدهار " كما ذكره هو.
ثم إن المحقق الدكتور السامرائي لو كان قد بذل أدنى جهد أو أقل عناية
بأن دار برأسه نحو المكتبة العربية وشخص إليها ببصره لوجد فيها مصادر كثيرة
تذكر المؤلف وتشرح حياته وسيرته وكتبه، ولأجل أن الفت نظر الدكتور إليها
أذكر بعضها المطبوع المتداول عند المحققين وغيرهم:
رجال ابن داود: 45، منهج المقال: 48، نقد الرجال: 35، جامع

15
المقال: 142، مجمع الرجال 1 / 169، رياض العلماء 1 / 73، جامع الرواة 1 / 72،
أمل الآمل 2 / 29، الوجيزة: 13، هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين: 306، لؤلؤة
البحرين 1 / 235، منتهى المقال: 46، مقابس الأنوار: 16، ملخص المقال: 26
و 36، نتيجة المقال: 34، إتقان المقال: 22، مستدرك الوسائل 3 / 466، تنقيح
المقال 1 / 97، مقباس الهداية: 117، سفينة البحار 2 / 96، الفوائد الرضوية: 39،
الكنى والألقاب 1 / 334، أعيان الشيعة 3 / 189، مصفى المقال: 71، البابليات
1 / 67، معجم المؤلفين 2 / 187، الأعلام 1 / 246، الحوادث الجامعة: 152،
روضات الجنات 1 / 66.
أما كتبه فقد ذكرت جملة منها وهي:
1 - بشرى المحققين، في الفقه، ستة مجلدات.
2 - ملاذ علماء الإمامية، في الفقه، أربعة مجلدات.
3 - كتاب الكر.
4 - السهم السريع، في تحليل المداينة أو المبايعة مع القرض.
5 - الفوائد العدة، في أصول الفقه.
6 - الثاقب المسخر على نقض المشجر، في أصول الدين.
7 - كتاب الروح، وهو نقض على ابن أبي الحديد.
وهنا يظهر اشتباه آخر للدكتور السامرائي حيث ذكر في هامش الصفحة
82 عند قول المؤلف: " وقد أشرت إلى ذلك في كتاب الروح " حيث قال
الدكتور: " لم يشر من ترجم إلى ابن طاووس إلى كتاب الروح بين مصنفاته! ".
8 - شواهد القرآن.
9 - المسائل، في أصول الدين.
10 - عين العبرة في غبن العترة.
11 - زهرة الرياض ونزهة المرتاض، في المواعظ.
12 - الاختيار في أدعية الليل والنهار.

16
13 - الأزهار في شرح لامية مهيار، مجلدان.
14 - عمل اليوم والليلة.
15 - بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية.
هذه أسماء كتبه التي ذكرها تلميذه ابن داود وقد أضاف إليها السيد
الأمين في " أعيان الشيعة ":
16 - حل الإشكال في معرفة الرجال.
وقال: إن ابن الشهيد الثاني قد حرره وسماه " التحرير الطاووسي ".
17 - ديوان شعر، ذكره ابنه عبد الكريم في بعض إجازاته.
18 - إيمان أبي طالب، ذكره المؤلف في " بناء المقالة الفاطمية ".
19 - الآداب الحكمية، ذكره أيضا في " بناء المقالة الفاطمية ".
قال المحقق في المقدمة، الصفحة 11: " وربما صنع ابن طاووس صنيع
ابن أبي الحديد، وذلك أنه ربما اجتهد في تفسير عبارة الجاحظ فرواها كما أراد له
تفسيره واجتهاده، وهو تصرف عرض له من جملة من مناقضاته، وقد أشرنا إلى
ذلك في حواشينا في أسفل الصفحات ".
إني لم أر لما ذكر عينا ولا أثرا، كل ما في الأمر أن ابن طاووس ربما
ينقل عبارة الجاحظ تارة بلفظها وأخرى بمعناها، وليت شعري ما ذنب ابن
طاووس إذا كان حضرة الدكتور لم يدقق تماما في تطبيق ما نقله ابن طاووس عن
رسالة الجاحظ ففاته، ثم ادعى أنها لا توجد في " العثمانية "... فمثلا:
11 - في الصفحة 211 السطر 13: " وتعلق بالصحيح من الحديث من
طرق القوم: إن عليا وبني هاشم لم يبايعوا... " قال في الهامش: " لم أجده في
(العثمانية) ".
والواقع: أن هذا ليس نقلا لكلام الجاحظ حتى يفتش عنه في
" العثمانية " ثم يدعي عدم وجدانه بل هو كلام ابن طاووس، ومنشأ خطأ
الدكتور هو في عدم قراءة المخطوطة قراءة صحيحة، والأصل هو: " وتعلقوا

17
بالصحيح من الحديث من طرق القوم... " لا " تعلق " أي الجاحظ.
12 - قال ابن طاووس حاكيا عن الجاحظ: " وادعى أن جماعة أسلموا
على يده منهم خمسة من أصحاب الشورى وكلهم يفي بالخلافة، وهم أكفاء علي
ومنازعوه الرياسة والإمامة، فقد أسلم على يده أكثر ممن أسلم بالسيف لأن هؤلاء
أكثر من جميع الناس ".
قال الدكتور السامرائي في الهامش: " لم أجد لهذه الإشارة في (العثمانية)
المطبوعة ولكني وجدت في الصفحتين 54 و 55 كلاما في إسلام جماعة ليسوا من
أصحاب الشورى ".
أقول: ما نقله ابن طاووس موجود في " العثمانية " الصفحة 32 وقد نقله
ابن طاووس بلفظه ولكن الدكتور لم يكن دقيقا في الاستخراج فأعلن عن عدم
وجوده في " العثمانية " من غير تثبت.
13 - قال ابن طاووس ناقلا عن الجاحظ بالمعنى، الصفحة 51: " قوله:
لو كان لقاء القرن دليل الرياسة لكان النبي مرؤوسا ".
قال الدكتور في الهامش: " لم أجد هذا الكلام في (العثمانية) المطبوعة ".
والحال أنه موجود ولكنه ليس بلفظه، أنظر الصفحة 45 عند قول
الجاحظ: " إن كثرة القتل وكثرة المشي بالسيف لو كان أشد المحن وأعظم العناء
وأدل على الرياسة كان ينبغي أن يكون لعلي... ما ليس للنبي [صلى الله عليه
وآله] ".
14 - وقال ابن طاووس ناقلا معنى عبارة الجاحظ، الصفحة 55: " وإن
كانت بعض مباحث عدو رسول الله في هذا المقام من كون أمير المؤمنين إذا ثبتت
شجاعته لا يلزمه تقدمه على غيره بها إذ الرئيس لا يباشر القتال ".
قال الدكتور في الهامش: " لم أجد النص الذي ألمح إليه المصنف في
العثمانية ولعله اجتهد مما وجده في جملة ما أورده الجاحظ في العثمانية ".
أقول: قاله الجاحظ في الصفحة 46 من " العثمانية " بكلام طويل

18
وتلاعب بالألفاظ، راجعه عند قوله: " وإذا ثبت أن رئيس العسكر وأشباهه قد
ثبتت لهم الرياسة استحقوا التقديم بغير التقدم والمباشرة... إلى آخر كلامه ".
15 - وكذلك صرح بعدم وجود ما نقله المصنف عن كتاب
" الإستيعاب " في الصفحة 153 عندما خلط المحقق بين النقل وبين كلام
المصنف، قال المصنف: " قال أبو عمر: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة
قلبه؟ [والصحيح: نقلته] وهو يعارض ما ذكر عن ابن عباس في باب أبي بكر،
والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر الإشارة إلى طريق الرواية في باب
أبي بكر... ".
والنقل هو إلى قوله: " أول من أظهر " وهو موجود في " الإستيعاب "
المطبوع بهامش الإصابة 3 / 28، وأما باقي الكلام - أعني " الإشارة إلى طريق الرواية
في باب أبي بكر " - فهو كلام المصنف، وكان على المحقق أن يجعله رأس سطر جديد
فلم يفعل لظنه بأنه من كلام صاحب " الإستيعاب " ثم ادعى عدم وجوده في
" الإستيعاب ".
فهذه نماذج قد أتيت بها ليعلم أن ما ادعاه الدكتور - من عدم وجود
ما نقله ابن طاووس عن الجاحظ وغيره - لم يكن دقيقا.
وأما " علق عليه ":
إن ما علقه الدكتور على الكتاب والذي سجله في هوامشه المسطورة في
أدنى الصفحات وإن كان قد تبين حاله مما مر ضمنا لكني أود أن أشير إلى
بعض تعليقاته بشكل مستقل فأقول:
16 - قال الدكتور معلقا على ما نقله ابن طاووس على الروحي [الصفحة
40]: " جاء في اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2 / 41: إن هذه النسبة إلى
روح بن القاسم واشتهر بها أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان بن سعد السعدي
الروحي، بصري، ولي قضاء الدينور، يتهم بوضع الحديث، وقيل له الروحي

19
لإكثاره الرواية عن روح بن القاسم... ".
أقول: إن الروحي المذكور هو علي بن محمد بن أبي السرور الروحي أبو
الحسن، صاحب كتاب " بلغة الظرفاء في ذكرى تاريخ الخلفاء " المطبوع في مصر،
وينقل عنه طائفة من المؤرخين وغيرهم أمثال ابن خلكان في وفياته وابن الفوطي
في تلخيص مجمع الآداب، ومنهم المؤلف ابن طاووس، وتوجد لمحات عن حياة
الروحي في أول كتابه المذكور.
17 - وعلق الدكتور السامرائي علي بن السمعاني - المنقول عنه في
الكتاب - الصفحة 43 قائلا: " ابن السمعاني صاحب الأنساب وهو عبد الكريم بن
محمد بن منصور اليمني السمعاني المروزي، المتوفى سنة 562 عن الأعلام 4 / 179.
أقول: إن ابن السمعاني المنقول عن كتابه هو جد صاحب " الأنساب "
الذي ذكره السامرائي، وهو - أعني ابن السمعاني الجد - منصور بن محمد بن
عبد الجبار بن أحمد بن محمد، أبو المظفر ابن الإمام أبي منصور ابن السمعاني، ولد
في ذي الحجة سنة 426، وهو أحد أئمة الحديث، وقد سمع من أبيه وجماعة،
منهم: أحمد بن علي بن الحسين الكراعي ومحمد بن إسماعيل الأسترآبادي.
أنظر: البداية والنهاية 12 / 153، وشذرات الذهب 3 / 393، والنجوم
الزاهرة 5 / 160، وطبقات الشافعية 5 / 335، وكتابه الذي ينقل عنه هو " مناقب
الصحابة " مخطوط.
18 - وقال السامرائي في هامش الصفحة 49 مترجما لابن المغازلي: " جاء
في اللباب في تهذيب الأنساب 3 / 239، في المغازلي: إن هذه النسبة إلى المغازل
وعملها، اشتهر بها جماعة منهم: أبو جعفر محمد بن منصور الغروي المغازلي، بغدادي،
كان عبدا صالحا، يبيع المغازل، روى عن بشر بن الحارث، وروى عنه محمد بن
مخلد العطار ".
أقول: فليكن صاحب " اللباب " قد نقل ذلك، ولكن من أين عرف
الدكتور أن هذا المذكور هو ابن المغازلي المترجم وهو بنفسه ينقل عن

20
صاحب " اللباب " أن المشتهر بهذه النسبة جماعة؟!
ليت شعري هل استخرجه الدكتور باليانصيب؟!
إن ابن المغازلي المترجم هو أحد حفاظ الحديث المشهورين المعروفين عند
أهل الفن، غير منكور ولا مجهول، وكتابه " المناقب " مطبوع عدة مرات وهو في
متناول اليد، وقد حققه الشيخ محمد باقر البهبودي، وطبع في طهران من منشورات
المكتبة الإسلامية، وفي بيروت من منشورات دار الأضواء.
وابن المغازلي هذا هو الحافظ أبو الحسن أو أبو محمد علي بن محمد، الشهير
بابن المغازلي الواسطي، وهو مؤرخ واسط وخطيبها، ثم انتقل إلى بغداد في أواخر
عمره وبها توفي سنة 534 ه‍، روى عن جماعة غفيرة من الرواة والمحدثين منهم: أبو
الحسن علي بن عمر بن عبد الله القاضي الشافعي، وأبو طاهر محمد بن علي بن
محمد البيع البغدادي الشافعي، وأبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي
الواسطي الشافعي، وأبو بكر محمد بن عبد الوهاب بن طاوان الشافعي الواسطي.
كما قد روى عنه آخرون منهم: ابنه أبو عبد الله محمد القاضي بن علي بن
محمد بن الطيب الجلابي، المعروف كأبيه بابن المغازلي، المتوفى سنة 542، ومنهم
أبو القاسم علي بن طراد الوزير البغدادي، وأبو المظفر عبد الكريم بن محمد المروزي
الشافعي الشهير بابن السمعاني، المتوفى سنة 562، صاحب كتاب " الأنساب "
فإنه يروي عن ابن المغازلي المذكور بواسطة ولده القاضي أبي عبد الله محمد.
ذكره - أعني ابن المغازلي - السمعاني في الأنساب الصفحة 146 (طبع
مرجليوث) إلا أنه قال: غرق ببغداد في دجلة في صفر سنة 483 وحمل ميتا إلى
واسط ودفن بها. كما قد ذكره الزبيدي في تاج العروس 1 / 186.
هذا، وقد نقل عنه كثيرون في كتبهم أمثال الذهبي في " ميزان
الاعتدال " والهمداني في " مودة القربى " والقندوزي في " ينابيع المودة " والحمويني
في " فرائد السمطين " وابن حجر العسقلاني في " تبصير المنتبه ".
19 - وذكر المصنف في الصفحة 53: " وروى (ع) [ووضع المحقق كلمة

21
(كذا) بعده] بإسناده عن ابن المغازلي... ".
وقال الدكتور المحقق في الهامش: " لعل حرف (ع) اختصار
ل‍ (عليه السلام أو عليه الرحمة)، ولكن لم أهتد إلى هذا المدعو له وإني لا تسأل:
أما يكون قد سقط شئ من كلام المصنف؟ ".
أقول: لا شئ سقط هنا من كلام المصنف، ولا هو اختصار لعليه
السلام أو عليه الرحمة، ولم يكن الأمر يحتاج إلى هذا التكلف، بل الأمر ينكشف
ببعض الدقة والتنبه، فإنه قد تكرر النقل من كتاب " عمدة صحاح الأخبار "
لابن البطريق الحلي وحرف (ع) إشارة إلى هذا الكتاب لا إلى (عليه السلام) فإن
الإمام لا يروي عن ابن المغازلي!!!
20 - ومما مر يظهر خطؤه أيضا في هذا الباب - في الصفحة 107 - عندما
قال المصنف: " روى (ع) عن ابن المغازلي بإسناده المتصل... ".
قال السامرائي في الهامش: " جاء في (ط) بعد قول المصنف (روى)
حرف (ع) وكأنه يشير به إلى أبي عمر يوسف بن عبد البر ".
أقول: لا أدري ما هو الربط بين حرف (ع) وبين أبي عمر يوسف بن
عبد البر؟! فليس أول هذا الاسم حرف (ع) حتى يرمز إليه بهذا الحرف، والعجب
من المحقق أنه حذف حرف (ع) من المتن وأشار إليه في الهامش على خطأ!
وأعجب منه أنه في الصفحة 152 قد حذف حرف (ع) من المتن ولم يشر إليه
في الهامش عند قول المصنف: " ورواه أحمد بن حنبل في أسانيد كثيرة... "،
وفي المخطوطة: " ورواه (ع) عن أحمد بن حنبل... " فحذف المحقق حرف
(ع) لا لشئ سوى جهله بمعناه.. والمرء عدو ما جهل!!
21 - قال المصنف - الصفحة 69 -: " ولقد ضرب مقدم العلماء في زمنه
ابن الخطيب الرازي في المثل بأمير المؤمنين... ".
قال المحقق في الهامش: " لم اهتد إلى ابن الخطيب ".
أقول: إني لم أرد انتقاد الدكتور لعدم وجدانه ترجمة الرازي هذا وإلا

22
فإني قد أحصيت الموارد التي أشار في الهامش إلى أنه لم يهتد إلى معرفتها أو معرفة
مظانها فبلغت 59 موردا مع أنها موجودة في مظانها وتحتاج إلى قليل من الجهد
للعثور عليها، ولكني أود أن أشير إلى أن الرازي هذا هو من الشهرة بمكان بحيث
لا يجهله من كان له أدنى مطالعة حتى تلاميذ المدارس فضلا عمن يعمل في حق
التحقيق والتأليف! والرازي قد ترجم له كثيرون، ويكفي أن يرجع الإنسان إلى
كتاب معجم المؤلفين 11 / 79 ليقف على أكثر من أربعين مصدرا قد ترجم لفخر
الدين الرازي.
وهنا - للاختصار - أنقل ما ذكره ابن خلكان فقط، فإنه قال في كتابه
وفيات الأعيان 4 / 248: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي
التيمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن
الخطيب، الفقيه الشافعي، فريد عصره، ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم
الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها تفسير
القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة.
22 - قال المصنف في الصفحة 109: " إذ النبي - صلى الله عليه وآله -
قال: بروا أولادكم بحب علي ".
وقال الدكتور المحقق في الهامش: " في ط: بوروا " ثم قال: " لم أهتد إلى
تخريج الحديث ".
أقول: والعجب أن يصبح الصحيح غلطا والغلط صحيحا بسبب عدم فهم
كلمة، أو لعدم التمكن من قراءتها بصورة صحيحة، وإلا فالحديث مشهور منقول
فأبدل المحقق كلمة " بوروا " إلى " بروا " وجزاه الله خيرا حيث أشار في الهامش
إلى الصحيح!
والحديث قد ورد في عدة مصادر منها: النهاية لابن الأثير 1 / 161 مادة
(بور) قال: ومنه الحديث " كنا نبور أولادنا بحب علي - رضي الله عنه - " أي
نمتحن.

23
وكذلك قاله الزبيدي في تاج العروس، مادة (بور).
وقال العلامة محمد طاهر بن علي الصديقي في مجمع بحار الأنوار 1 / 121
طبعة لكهنو: ومنه الحديث " كنا نبور أولادنا بحب علي ".
وجاء في كتاب " الغريبين " - المخطوط - للعلامة أبي عبيد الهروي
وكذلك في مناقب عبد الله الشافعي - المخطوط - وفي كتاب " الأربعين " للمولى
علي الهروي: 54 - كل ذلك عن كتاب إحقاق الحق المتضمن تعليقات آية الله
العظمى المرعشي النجفي 7 / 266 -: قال عبادة بن الصامت: كنا نبور أولادنا بحب
علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحدا لا يحبه علمنا أنه ليس منا وأنه لغير رشدة.
وقد وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى بألفاظ مختلفة نشير إلى ما ذكره
الذهبي في ميزان الاعتدال 1 / 236، وقال ابن حيان: روي عن أحمد بن عبدة،
عن ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن
نعرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب.
وكذلك أورده أيضا ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان 2 / 231 طبعة
حيدر آباد.
23 - قال المصنف في الصفحة 124: " وأما ما يتعلق بالضحاك فقد
ذكر ابن حبان ثلاثة بهذا الاسم وضعفهم وهم: الضحاك بن نبراس،
والضحاك بن الأهوار، والضحاك بن حجرة المسبحي ".
قال الدكتور السامرائي في الهامش معلقا على ابن حبان: " يريد كتابه
الجرح والتعديل ".
أقول: إن كتاب " الجرح والتعديل " هو لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي
حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، المتوفى سنة 327،
والكتاب في تسعة أجزاء واسم مؤلفه قد كتب عليه بالخط البارز ولا يحتاج في
رؤيته إلى نظارات بل يرى بالعين المجردة فلا يقع فيه اشتباه - كقراءة المخطوطة
مثلا - فيقرأ ابن حيان، هذا أولا.

24
وثانيا: إن ابن حبان - لا ابن حيان كما يذكره السامرائي! - هو محمد بن
حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي، المتوفى سنة 354، صاحب كتاب
" المجروحين " الشهير، وابن حبان معروف لدى الرجاليين وأرباب التراجم
وكثيرا ما ينقلون عنه توثيقه أو تضعيفه، وكتابه " المجروحين " قد طبع عدة مرات
في ثلاثة أجزاء بتحقيق محمود إبراهيم زايد.
فقد خلط المحقق بين الكتابين ومؤلفيهما وقد حسب أن ابن حبان هو
مؤلف كتاب " الجرح والتعديل " لذا فكلما نقل المصنف ابن طاووس - رحمه الله -
عن ابن حبان سرعان ما هرع المحقق السامرائي إلى كتاب " الجرح والتعديل "
ولما لم يجد فيه ما ذكره ابن طاووس أشار إلى عدم اهتدائه في الهامش.
فمثلا: عند ذكر الضحاك بن الأهوار - الصفحة 124 -: قال الدكتور
المحقق: " الذي في الجرح والتعديل 4 / 463: الضحاك بن يساور، وقال: ضعفه
البصريون ".
وعند ذكر الضحاك بن حجرة المسبحي - في نفس الصفحة - قال
الدكتور: " لم أجده في الجرح والتعديل ".
وكذلك في الصفحة 153 عند قول المصنف: " قال ابن حبان عن مجالد
إنه كان ردئ الحفظ "، قال المحقق في الهامش: " لم أهتد إلى هذا في الجرح
والتعديل ".
وهذا ناشئ عن عدم معرفة المحقق بابن حبان أو بمؤلف " الجرح
والتعديل "! وما أشد تعجبي من المحقق فإنه وبعد تصريح المصنف باسم كتاب
ابن حبان فهو - مع ذلك - ينقل عن كتاب " الجرح والتعديل "، راجع الصفحة
167 تجد المصنف - ابن طاووس - يقول: " وأما حشرج بن نباتة فإن محمد بن
حبان صاحب كتاب (المجروحين) وهو لنا عدو قال ما صورته... ".
ومع ذلك ترى المحقق الدكتور السامرائي يقول معلقا على كتاب
" المجروحين " في الهامش بقوله: " أراد الجرح والتعديل ظ!!! والفرق شاسع بين

25
" المجروحين " وبين " الجرح والتعديل ".
وهكذا، كلما ذكر المصنف ابن حبان فإن المحقق يراجع كتاب " الجرح
والتعديل " للرازي، ثم يكتب في الهامش أنه لم يهتد إليه، أنظر الهوامش في
الصفحات 167 و 522 و 523 و 524 و 525.
وللتدليل على ذلك فمثلا العبارة الأولى التي ذكرناها آنفا، أعني قول
المصنف في الصفحة 124: " وأما ما يتعلق بالضحاك فقد ذكر ابن حبان ثلاثة
بهذا الاسم... " فهي موجودة في كتاب المجروحين 1 / 375، والضحاك الثاني هو
الضحاك بن زيد الأهوازي لا (الأهوار)، والثالث هو الضحاك بن حجوة
المنبجي لا (الضحاك بن حجرة المسبحي) فراجع.
24 - قال المحقق في الصفحة 114 عند قول المصنف: " ويقول بعد كلام:
هذه صدقة واجبة بتلة (كذا) ".
أقول: ما أعرف محل (كذا) هنا وكلمة " بتلة " صحيحة، قال ابن منظور
في لسان العرب (بتل): البتل: القطع، بتله يبتله بتلا وبتلة فانبتل وتبتل: أبانه
من غيره، ومنه قولهم: طلقها بتة بتلة - إلى أن قال: - ومنه صدقة بتلة أي منقطعة
عن صاحبها كبتة أي قطعها من ماله.
وأنا أعجب من الدكتور السامرائي كيف يركب شططا في مثل هذه
الموارد، والمفروض أنه ذو باع طويل في اللغة العربية التي تخصص بها، ومن هنا
ظهر لي صحة ما ادعاه بعض الأصدقاء من أن أحد المحققين قد أحصى على
الدكتور السامرائي أكثر من سبعمائة غلطة في تحقيقه لكتاب " العين " الذي هو
كتاب لغة كما هو معروف!
25 - قال المصنف في الصفحة 165: " روى محمد بن جرير وهو إمامي
من طريق الواقدي... ".
قال الدكتور المحقق في الهامش: " هو محمد بن جرير الطبري، المؤرخ
المفسر الإمام، المتوفى سنة 310، أنظر: إرشاد الأريب 6 / 423، وتذكرة الحفاظ

26
2 / 351 " أقول [والكلام للمحقق السامرائي]: ولا يمكن أن يكون الطبري إماميا
فذلك أمر معروف، ويبدو لي أن كلمة (إمامي) في النص تصحيف لكلمة (إمام)
وعلى هذا فلا بد أن يكون النص نحوا من: (وهو الإمام) أو النص: (روى محمد
ابن جرير الإمام)... ".
مهلا مهلا يا دكتور! ما كل أحمر تفاحا... فليس كل طبري ما ذكرت، ثم
إن احتمال التصحيف وطروق باب الاجتهاد والتأويل يأتي بعد التأكد من وقوع
اشتباه أو سهو من قلم الناسخ في المتن وليس هو مما نحن فيه...
إذ أن محمد بن جرير الطبري هو اسم لشخصين، أحدهما عامي والآخر
شيعي إمامي، وقد عاشا في زمن واحد وسميا بهذا الاسم ولقبا بالطبري وكنيتهما
أبو جعفر، لكن العامي هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري وقد ولد سنة
224 ومات سنة 310 ه‍، والشيعي الإمامي هو محمد بن جرير بن رستم الطبري،
وقد ذكره ابن النديم في الفهرست في الصفحة 59 عند ذكره للكتب المؤلفة في
غريب القرآن.
وذكر هما الشيخ الطوسي في فهرسته، طبعة النجف، العامي في الصفحة
150 والإمامي في الصفحة 158.
وقد ذكر النجاشي في رجاله، الصفحة 376 - طبعة مؤسسة النشر
الإسلامي - الطبري الإمامي بقوله: " محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي أبو
جعفر، جليل من أصحابنا، كثير العلم، حسن الكلام، ثقة في الحديث، له
كتاب: المسترشد في الإمامة ".
وهناك محمد بن جرير الطبري ثالث، وهو صاحب كتاب " دلائل
الإمامة " وهو إمامي أيضا، ويعبر عنه بالصغير في مقابل الطبري الإمامي الأول،
راجع الذريعة 8 / 241 و 21 / 9 و 24 / 349.
فظهر مما مر فساد قول المحقق السامرائي: " لا يمكن أن يكون الطبري
إماميا ".

27
وكل ما في الأمر أن المصنف ينقل عن الواقدي بواسطة الطبري الإمامي
لا العامي صاحب التاريخ والتفسير المعروف.
26 - وكذلك أعلن عن عدم اهتدائه لترجمة أبي البقاء هبة الله بن ناصر
ابن الحسين بن نصير عندما نقل عنه ابن طاووس في الصفحة 73.
أقول: والمذكور ترجم له الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء
5 / 312، وذكره تارة بعنوان: هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصر، وتارة
بعنوان: هبة الله بن ناصر بن نصير، وقال عنه: إنه من علماء الأصحاب وفي درجة
الشيخ الطوسي وقبيله، يروي عن جماعة ذكرهم كما أنه يروي عنه آخرون منهم
الحسين بن محمد بن طحال في شهر ربيع الأول سنة 488 ه‍ نقلا عن كتاب المزار
الكبير لمحمد بن جعفر المشهدي، هذا وإن الميرزا الأفندي لم يذكر تاريخ ولادته
ولا وفاته.
وكذلك ذكره العلامة الضليع آغا بزرك الطهراني في الصفحة 204 من
" النابس في القرن الخامس " ووصفه بالرئيس الأجل، فلاحظ.
27 - قال المصنف - الصفحة 147 -: " وقد روى جماعة عن أنس منهم سعيد
ابن المسيب وعبد الله بن عمير... ".
قال المحقق في الهامش مشيرا إلى عبد الله بن عمير: " وجدت أربعة بهذا
الاسم ليس بينهم من روى عن أنس... ".
أقول: إن الدكتور المحقق لم يمعن النظر في المخطوطة فصحف عبد الملك بن
عمير إلى عبد الله بن عمير!! وعبد الملك بن عمير ممن روى عن أنس.
28 - قال المصنف في الصفحة 142 ناقلا عن مسند أحمد بن حنبل:
" وبإسناده عن أبي الطفيل عن أبي سريحة - أو زيد بن أرقم - عن شعبة، قال: من
كنت مولاه فعلي مولاه ".
وكتب المحقق في الهامش: " في (ط) - بعد شعبة - كلمة (الناسي) " ثم
وضع علامة التعجب بعده.

28
أقول: جزى الله المحقق خيرا أن أشار إلى كلمة " الناسي " في الهامش ولم
يحذفها كما هو ديدنه في ما يراه غلطا وإن كان صحيحا في الواقع!
وليس المقام من المسائل العويصة التي تزل القدم فيها، فإن " شعبة " كان
ناسيا ممن نقل هل هو أبو سريحة أز زيد بن أرقم، وقد وردت كلمة " الناسي "
في سند هذا الحديث في عدة مصادر لا مجال لذكرها هنا في هذا المختصر وهي
موجودة في مظانها.
29 - وقال المحقق في هامش الصفحة 129 بأنه لم يهتد إلى ترجمة يحيى بن
البطريق.
إن المحقق كأنها آلى على نفسه أن لا يبحث عن ترجمة أي شيعي، ولا
يبذل في سبيل ذلك أدنى جهد ولو كان هذا الشيعي من أشهر مشاهير عصره
فبمجرد ورود اسمه يذكر المحقق أنه لم يهتد إلى ترجمته، ولعله يراجع مصدرا واحدا
كأعلام الزركلي فيعلن عدم اهتدائه لترجمة الشخص، فكأنما كتاب أعلام الزركلي
هو الأول وهو الآخر في كتب التراجم، وليت شعري هل يعلم الدكتور السامرائي
تلامذته في الجامعة على هذه الطريقة من التحقيق وعلى هذا النحو من التتبع - إن
صحت التسمية - فإن كان كذلك - وهو كذلك - فأقول: قرت عين جامعة بغداد
بتلامذتها وخريجيها الذين سيصبحون رجال العلم في العراق وأساتذة جامعاتها
ومجامعها العلمية.
أعود فأقول: إن يحيى بن البطريق هو من مشاهير علماء الإمامية
وعظمائها، وهو صاحب كتاب " عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام
الأبرار " المطبوع عدة مرات وكثيرا ما ينقل عنه المصنف - ابن طاووس - ويرمز إلى
الكتاب بحرف " ع " والذي جهله المحقق السامرائي كما مرت الإشارة إليه.
وقد ترجم لابن البطريق كثيرون من أرباب التراجم والرجال، وأنا
أشير إلى ما قاله بعض أرباب التراجم بشأن المترجم باختصار.
قال الميرزا عبد الله الأفندي في رياض العلماء 5 / 358: " الشيخ الأجل

29
شمس الدين أبو الحسين يحيى بن البطريق الحلي الأسدي، المتكلم الفاضل، العالم
المحدث الجليل، المعروف بابن البطريق، صاحب كتاب العمدة وغيره من الكتب
العديدة في المناقب، وقد رأيت في بعض المواضع في مدحه هكذا: الإمام الأجل
شمس الدين جمال الإسلام، العالم الفقيه، نجم الإسلام، تاج الأنام، مفتي آل
الرسول ".
وقال عنه الحر العاملي في أمل الآمل 2 / 45: " الشيخ أبو الحسين يحيى بن
الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي، كان عالما فاضلا، محدثا
محققا، ثقة صدوقا " ثم ذكر كتبه...
وقال عنه البحاثة القدير آغا بزرك الطهراني في مصفى المقال، صفحة
502: " الشيخ شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن
محمد، الراوي عن محمد بن علي بن شهرآشوب في سنة 575 ه‍، وقد أرخ في
(كشف الحجب) وفاته سنة 600 عن سبع وسبعين سنة، وهو صاحب كتاب
العمدة المعروف بعمدة ابن البطريق، وله (رجال الشيعة) الذي نقل عنه ابن
حجر في (لسان الميزان) الذي كتبه في ما زاد على (ميزان الشيعة) للذهبي ".
وقد ترجم له آخرون من الخاصة والعامة لا نطيل بذكر أسمائهم.
وختاما، هذه بعض الملاحظات قد سجلتها على تحقيق هذا الكتاب
الجليل وتركت البعض الآخر خوفا من الإطناب الممل، وما قصدي بذلك سوى
الحث على الاعتناء بالتراث الإسلامي العظيم الذي خلفه لنا سلفنا وقد بذلوا فيه
أقصى ما يمكنهم من الجهد والعناء، وقد وصل بأيدينا فلا ينبغي لنا إلا بذل
الجهود المخلصة من دون تعصب أو تساهل لإيصاله إلى أيدي القراء كما هو،
وبذلك نكون أمناء في أداء رسالتنا ولنا من الأجيال الحاضرة والآتية الشكر
والامتنان ومن الله الأجر والثواب، والله من وراء القصد.
السيد علي العدناني الغريفي

30
أبو الأسود الدؤلي
ودوره في وضع النحو العربي
السيد هاشم الهاشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه دراسة عن أبي الأسود الدؤلي، بحث فيها عن صلته بوضع النحو العربي،
وقد اخترت هذا الموضوع لأهميته، ولما يدور حوله من شبهات واعتراضات
وأنا أشعر بأنها تحتاج إلى إضافات أخرى، لعل الفرصة تسمع لها، ولكن رأيت
من الجدير نشر ما كتبته في هذا المجال، لعله يلقي بعض الضوء، على معالم هذه
الشخصية، وعلى هذه القضية الهامة، قضية (وضع النحو العربي).
ورأيت أن أبدأ في نشر ما كتبته حول وضع النحو العربي، لأهميته، وبعد
ذلك سوف أنشر ترجمة أبي الأسود وتاريخ حياته ومعالم شخصيته.
فنبحث هنا حول مدى صلة أبي الأسود الدؤلي بوضع النحو العربي،
ومدى صحة الرأي القائل بأنه واضع النحو العربي، بتوجيه من الإمام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
عرض الروايات
نستطيع تقسيم الروايات التي تدلنا على بداية وضع النحو العربي، وعلى

31
واضعه، وعلى سبب وضعه إلى قسمين، وسوف نذكر هنا نماذج لكل قسم،
وهناك روايات أخرى، يلاحظها القارئ في مختلف الكتب، وسوف نذكر
روايات أخرى خلال هذه الدراسة:
القسم الأول:
وهي الروايات التي تؤكد على أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
- عليه السلام - هو الذي وضع النحو ومنها:
1 - قال القفطي: " الجمهور من أهل الرواية على أن أول من وضع النحو
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال أبو الأسود: دخلت على أمير المؤمنين
- عليه السلام - فرأيته مطرقا مفكرا، قلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت
ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، ثم أتيته بعد أيام فألقى إلي
صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ
عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس
باسم ولا فعل، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، وأعلم أن الأشياء ثلاثة:
ظاهر ومضمر، وشئ ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما
ليس بمضمر ولا ظاهر " (1).
وفي الإنباه أيضا رواية عن أبي الأسود، قال: " دخلت على أمير المؤمنين
فأخرج لي رقعة فيها: (الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى) فقلت: ما
دعاك إلى هذا، قال: رأيت فسادا في كلام بعض أهلي فأحببت أن أرسم رسما
يعرف به الصواب من الخطأ، فأخذ أبو الأسود النحو من علي ولم يظهره " (2).
وفي الإنباه أيضا - ولعلها ملحقة بالرواية السابقة -: " إن زيادا سمع بشئ
عند أبي الأسود ورأى اللحن قد فشا فقال لأبي الأسود: أظهر ما عندك للناس



(1) إنباه الرواة: 4.
(2) إنباه الرواة: 5.
32
ليكون إماما، فامتنع عن ذلك... " (3).
2 - وذكر السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة: " قال ركن الدين
علي بن أبي بكر الحديثي في كتاب الركني: إن أول من وضع النحو أبو الأسود،
أخذه من علي - عليه السلام - وسببه أن امرأة دخلت على معاوية في زمن عثمان
وقالت: أبوي مات وترك مالا، فاستقبح معاوية ذلك، فبلغ فرسم لأبي
الأسود، فوضع أولا باب الإضافة " (4).
3 - وقال ابن الأنباري: " وروي أن سبب وضع علي لهذا العلم أنه سمع
أعرابيا يقرأ: لا يأكله إلا الخاطئين، فوضع النحو " (5).
القسم الثاني:
وهي تدل على أن أبا الأسود هو الذي وضع النحو:
1 - قال ابن خلكان: " وقيل: كان أبو الأسود يعلم أولاد زياد بن أبيه
فجاء يوما وقال له: أصلح الله الأمير، إنني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم،
وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم،
فقال: لا، فجاء رجل إلى زياد، وقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون،
فقال زياد: ادعوا لي أبا الأسود، فلما حضر، قال: ضع للناس الذي نهيتك
عنه " (6).
2 - وفي الأغاني: " إن أبا الأسود دخل على ابنته بالبصرة فقالت: يا أبتي
ما أشد الحر، فرفعت كلمة (أشد) فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد؟
فقال: شهر ناجر، فقالت: يا أبتي إنما أخبرتك، ولم أسألك " (7).



(3) إنباه الرواة: 5.
(4) تأسيس الشيعة: 48.
(5) نزهة الألباء: 3.
(6) الوفيات 1 / 240.
(7) الأغاني 11 / 119.
33
هذه نماذج للروايات الكثيرة في هذا المجال، التي تمتلئ بها كتب الأدب
والنحو والتاريخ، وسوف نذكر روايات أخرى بهذا المضمون، وسوف نفسر هذا
الاختلاف في سبب الوضع والواضع.
المؤيدون وأدلتهم
المؤيدون:
لم أجد من القدماء من يتنكر لصحة هذه الروايات إلا أفرادا قلائل جدا،
أما المعاصرون فالكثير منهم قد عارض هذه الروايات ورفضها وأثبت عدم صحتها،
وهناك آخرون من المعاصرين قد اتفقوا مع القدماء في تأييدها.
والحديث الآن يدور حول المؤيدين وأدلتهم.
فقد عقد السيد حسن الصدر في كتابه " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام "
فصلا كبيرا جمع فيه شتى الروايات والآراء التي نسبت وضع النحو للإمام
- عليه السلام - أو لأبي الأسود.
1 - ونذكر بعض المؤيدين الذين ذكروا في كتبهم آراءهم:
فمنهم: محمد بن سلام الجمحي - المتوفى سنة 232 - يقول: " وكان لأهل
البصرة قدمة بالنحو، وبلغات العرب والغريب عناية، وكان أول من أسس
العربية وأنهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي " (8).
ومنهم: أبو قتيبة الدينوري - المتوفى سنة 276 - في كتابيه " الشعر والشعراء "
و " المعارف " حيث يقول: " وهو أول من وضع العربية " (9) ويقول: أبو الأسود
الدؤلي يعد في النحويين لأنه أول من عمل كتابا في النحو بعد علي بن أبي طالب
عليه السلام " (10).



(8) طبقات الشعراء: 9 - 10.
(9) الشعر والشعراء: 570.
(10) المعارف: 80.
34
ومنهم: ابن النديم - المتوفى سنة 280 - فيقول: " زعم أكثر العلماء أن النحو
أخذ عن أبي الأسود، وأن أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين
- عليه السلام - " (11).
ومنهم: أبو الطيب اللغوي الحلبي - المتوفى سنة 351 - حيث يقول: " ثم كان
أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي " (12).
ومنهم: السيرافي - المتوفى سنة 368 - يقول: " اختلف الناس في أول من
رسم النحو، وأكثر الناس على أبي الأسود الدؤلي " (13).
ومنهم: أبو هلال العسكري في كتابه " الأوائل "، وأبو الفرج الأصبهاني في
كتابه " الأغاني "، والزجاجي في أماليه، وابن خلدون في مقدمته، والقفطي في
" إنباه الرواة "، وابن الأنباري في " نزهة الألباء "، والسيوطي في " الأشباه
والنظائر ".
ولو أردنا استعراض القدماء الذين صرحوا في كتبهم بصحة هذا الرأي،
والروايات في هذا المجال، لطال بنا الحديث، لذلك نكتفي بذكر هؤلاء وسنذكر
بعضهم خلال هذه الدراسة.
2 - وهناك من القدماء من روي عنهم صحة هذا الرأي والروايات،
ويدخل في ذلك كثير من النحاة الذين رويت عنهم هذه الروايات، أو روي
عنهم أنهم صرحوا بصحة نسبة وضع النحو للإمام - عليه السلام - أو لأبي الأسود.
فصاحب " الأغاني " (14) يروي رواية تؤكد هذه النسبة، ومن رجال
سندها عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وسيبويه، والخليل.
ويروي صاحب " المحاسن والمساوئ " عن يونس بن حبيب النحوي
- المتوفى سنة 183 - قوله: " أول من أسس العربية وفتح بابها ونهج سبيلها أبو



(11) الفهرست: 59.
(12) مراتب النحويين: 506.
(13) أخبار النحويين البصريين: 10.
(14) الأغاني: 199 ح 11.
35
الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو " (15).
ويروى عن معمر بن المثنى - المتوفى سنة 209 - أنه قال: " أخذ أبو الأسود
عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - العربية " (16).
ومثل ذلك يروي لنا الزجاجي في أماليه عن المبرد.
ويقول أبو عمر عثمان بن سعيد الداني - المتوفى سنة 444 - في كتابه
" المحكم في نقط المصاحف ": " حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا ابن الأنباري،
قال: حدثنا أبي، عن عمر بن شيبة، عن الثوري، قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن
المثنى يقول: أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي، ثم ميمون الأقرن ".
أدلة المؤيدين:
ومن خلال ذلك كله نستطيع الوصول إلى الدليل الذي استند إليه
المؤيدون في رأيهم:
1 - يقول السيرافي: " وأكثر الناس على أبي الأسود " (17).
ويقول ابن الأنباري: " إن الروايات كلها تسند وضع النحو إلى أبي
الأسود، وأبو الأسود يسنده إلى علي - عليه السلام - " (18).
ويقول الفخر الرازي: " وتطابقت الروايات على أن أول من وضع النحو
أبو الأسود، وأنه أخذه أولا من علي - عليه السلام - " (19).
وهكذا يقول السيوطي.
وبذلك تكون الأدلة: إجماع العلماء واتفاقهم، وشهرة الروايات وتواترها
المعنوي، والروايات المسندة لرجال لهم اعتبارهم ووثاقتهم.



(15) نقلا عن كتاب تأسيس الشيعة: 40.
(16) أخبار النحويين البصريين: 11.
(17) أخبار النحويين البصريين: 10.
(18) نزهة الألباء: 6.
(19) نقلا عن مدرسة البصرة النحوية: 47.
36
ويتبنى هذا الاجماع والاتفاق من المعاصرين الأستاذ العقاد، وعبد الرحمن
السيد، وكمال إبراهيم كما سنتعرض لآرائهم.
2 - ولا أقول: إن التواتر، والاتفاق، والروايات الصحيحة هي الأدلة
الوحيدة التي اعتمد عليها المؤيدون إلى صحة هذا الرأي، فهناك أدلة أخرى سوف
نراها تظهر خلال هذه الدراسة، ولكنها الأدلة الرئيسية في هذا المجال.
المعارضون واعتراضاتهم
نظرة عامة:
لعل ما يثير الاستغراب والدهشة حقا، أن يظهر فجأة من يحاول
التشكيك في هذا الرأي، وهو وضع الإمام - عليه السلام - أو أبي الأسود للنحو
العربي، أو يحاول تكذيبه ورفضه بعد تطابق القدماء وإجماعهم على صحة هذا
الرأي.
والمعاصرون الذين أنكروا صحة هذا الرأي، نذكر منهم أحمد أمين في
كتابه " ضحى الإسلام "، وإبراهيم مصطفى في بحثه في " مجلة كلية الآداب "
المصرية، وشوقي ضيف، وكثيرا من المستشرقين الذين اعتبروا مثل هذه الأحاديث
(حديث خرافة) أمثال دائرة المعارف الإسلامية، وهناك غيرهم من المعاصرين لم
نذكر أسماءهم.
اعتراضات المعارضين:
يلاحظ أنني قسمت الاعتراضات تقسيما محددا لنبتعد بذلك عن
الاضطراب المنهجي الذي حدث للكثير ممن حاول عرض الاعتراضات الموجهة
لهذا الرأي أو حاول مناقشتها، والاعتراضات هي كما يلي:

37
1 - بداوة العقلية في عصر الإمام - عليه السلام -:
ولعل هذا الاعتراض هو أهم الاعتراضات، وأظن أن المصدر الأول له
هم المستشرقون (20)، كما يبدو من دائرة المعارف الإسلامية، وقد تبناه أحمد أمين
حيث يقول - بعد عرض الروايات السابقة -: " كل هذا حديث خرافة، فطبيعة زمن
علي - عليه السلام - وأبي الأسود تأبي هذه التعاريف وهذه التقاسيم الفلسفية،
والعلم الذي ورد إلينا من هذا العصر في كل فرع يتناسب مع الفطرة، وليس فيه
تعريف ولا تقسيم، إنما هو تفسير آية أو جمع لأحاديث ليس فيها ترتيب ولا
تبويب، فأما تعريف وأما تقسيم منطقي فليس في شئ مما صح نقله إلينا عن
عصر علي وأبي الأسود " (21).
وسعيد الأفغاني يؤيد أحمد أمين في رأيه هذا فيقول: " ولعل الأستاذ - أي
أحمد أمين - لم يكن بعيدا من الصواب حين روى هذا الخبر فعلق عليه ما يلي " (22)،



(20) ولا نريد الآن الحديث على المستشرقين ودراسة واقعهم، فكثير من الباحثين المسلمين والعرب قد
درسوا حركة المستشرقين - أسسها وأهدافها وآثارها ورجالها - دراسة مركزة وتوصلوا إلى نتائج لها
أهميتها في هذا المجال، لعل من أهم هذه الأهداف هي محاولة أكثر المستشرقين - لا كلهم بالطبع - عن
عمد أو غير عمد في تشويه الإسلام والانتقاص من قدرات المسلمين، وخاصة العناصر والحركات
والمعتقدات الصالحة والمستقيمة من المسلمين، وكان بودي دراسة هذه الحركة لولا ضيق المجال
وبعدها عن صميم الرسالة وكتابة البعض من الكتاب المسلمين المنصفين عنها، ولكن من الغريب أن
نرى عند بعض كتابنا الإيمان بكل ما يكتبه المستشرقون كحقيقة موضوعية راهنة لا تقبل النقاش،
كأحمد أمين وغيره، ولو أن الحديث عن أحمد أمين لا يقل اتساعا وغرابة من الحديث حول المستشرقين
وخاصة موقفه من الشيعة - معتقداتها وأحاديثها ورجالها - وقد درس هذا الموقف منه بعض كتاب
الشيعة، فلعل رأيه هذا - في وضع النحو - كسائر مواقفه تجاه الشيعة، كما نلاحظ تأثره بالمستشرقين في
هذا المجال عند قوله عن هذه الروايات بأنها (حديث خرافة) وهو نفس التعبير الذي أطلقه بعض
المستشرقين كما يلاحظ ذلك من النص الذي نذكره عن إبراهيم مصطفى، ومن هنا نرى مدى تأثير
المستشرقين على فكرنا المعاصر ونلاحظ أيضا مدى بقاء الأفكار التقليدية الجاهلية في أذهان البعض.
(21) ضحى الإسلام 2 / 285.
(22) في أصول النحو: 155.
38
ثم يذكر حديث أحمد أمين السابق.
وهذا الرأي يتبناه أيضا إبراهيم مصطفى فيقول: " ولكننا لا نستطيع أن
نتقبل ذلك - أي وضع الإمام (عليه السلام) للنحو - بيسر، ولا أن نستسيغ أن هذا
الزمن المبكر قد تمكن فيه العرب من الاشتغال بالعلوم ووضع القواعد على هذا
الوجه الذي نراه في كتب العربية، وقد أنكر ذلك المستشرقون وعدوه حديث
خرافة " (23).
ويقول عبد الكريم الدجيلي: " وفي وسعنا أن نقول: إن طبيعة العرب في
صدر القرن الأول للهجرة لم تكن طبيعة تقسيم وتبويب وتعريف للجزئيات
والأقسام والفصول، ولا يقع في تفكير هذا الطبع الساذج ذلك الجدل النحوي
ولا تلك المماحكات، وإنما هو طبع بسيط ينظر للأمور عامتها لا خاصتها،
وكلياتها لا جزئياتها، وهذا القول يتناسب وما ورد إلينا من التراث الثقافي
لذلك العصر كتفسير بعض الآيات " (24).
إذا فالمعاصرون يستبعدون هذه النسبة - نسبة وضع النحو للإمام
(عليه السلام) أو لأبي الأسود -: " لقرب العرب في عصر أبي الأسود من غضاضة
البداوة، إذ لا بد من وضع قواعد العلوم من مدارسة واصطلاح لم تهيأ لها عقول
العرب بعد " (25).
2 - التأثر بالثقافات الأجنبية:
وهذا الاعتراض لا يقل أهمية عن الاعتراض الأول، بل لعله يرتبط به
ارتباطا وثيقا، فيقول المعارضون: " إن ما جاء في التحديدات والتقسيمات من
طبيعة منطقية أو فلسفية لم تكن تتناسب والعقلية العربية في ذلك الزمن، وإنما



(23) مجلة كلية الآداب: 1 - 6.
(24) مقدمة ديوان أبي الأسود: 66.
(25) مصطفى السقا، نشأة الخلاف في النحو، مجلة اللغة العربية، ج 1 ص 95.
39
وقع بعد نقل الفلسفة والمنطق اليوناني إلى العربية، وتغلغل ذلك في علوم العربية
والعلوم الإسلامية " (26)، ويذهب لهذا الرأي الكثير من المستشرقين والمتأخرين.
3 - تاريخ التدوين:
وهناك اعتراض آخر يوجه إلى تاريخ تدوين هذه الروايات، حيث يذكر
بأنها متأخرة، فلم تذكر آراء نحوية للإمام - عليه السلام - أو لأبي الأسود في الكتب
النحوية الأولى ككتاب سيبويه أو أي كتاب نحوي آخر، يقول إبراهيم مصطفى:
" ويلاحظ أول ما يلاحظ أننا لم نجد في كتاب سيبويه، ولا فيما بعده رأيا نحويا
نسب إلى أبي الأسود، ولا إلى طبقتين بعده، فنحن أمام حقيقة واضحة أخذت من
كتب النحو، وهي أن أقدم من نسب إليه رأي نحوي هو عبد الله بن أبي إسحاق
الحضرمي " (27).
4 - اختلاف الروايات:
في لفظها ومتنها، وفي سبب وضع النحو، وفي واضعه، مما يؤدي إلى
الشك في الروايات نفسها، يقول أحمد أمين بعد حديثه السابق: " ويشهد لهذا - أي
لرأيه في تكذيب الروايات - الروايات الكثيرة المتناقضة في سبب الوضع " (28).
ويقول: الدجيلي: " وهذه الروايات التي تتنازع واضع النحو، والتي تتباين
في سبب وضعه، تبدو للمتتبع الممحص مختلفة مضطربة لا يركن إليها، ولا يطمأن
إلى ما تهدف إليه " (29).
ويقول فؤاد حنا ترزي: " وتبدو هذه الروايات مضطربة متناقضة " (30).



(26) كمال إبراهيم، واضح النحو الأول، مجلة البلاغ، السنة الأولى، العدد 8 ص 17.
(27) نقلا عن كتاب مدرسة البصرة النحوية: 53.
(28) ضحى الإسلام 2 / 285.
(29) مقدمة ديوان أبي الأسود: 67.
(30) في أصول اللغة والنحو: 10.
40
5 - التنقيط والنحو:
ويتوصل هؤلاء المعارضون المعاصرون بعد الاعتراضات - التي ذكرناها - إلى
أن أبا الأسود لم يضع النحو، بمعناه المصطلح الجديد، بل الذي وضعه هو تحريك
المصحف الشريف بالنقط، كما أجمع على ذلك الباحثون من القدامى
والمعاصرين، وهذا الذي فعله أبو الأسود قد ظنه القدماء نحوا، لذلك نسب إليه
وضع النحو، ويكاد يجمع ويتفق على هذه النتيجة كل المعارضين، يقول أحمد
أمين: " وعلى هذا فمن قال: إن أبا الأسود وضع النحو فقد كان يقصد شيئا من
هذا، وهو أنه وضع الأساس بضبط المصحف حتى لا يكون فتحة موضع كسرة،
ولا ضمة موضع فتحة، فجاء بعده من أراد أن يفهم النحو على المعنى الدقيق،
فاخترع تقسيم الكلمة " (31).
ويقول الدجيلي: " فنحو أبي الأسود هو في الواقع تثبيت للنطق العربي
حين قراءة القراءات وترتيل الآيات، فهو إذا قد وضع الجذر للنحو العربي فبهذا
الرأي المنطقي نرفض الروايات " (32).
ويذهب إلى هذا الرأي إبراهيم مصطفى أيضا.
واضع النحو الأول
وبعد كل هذه الاعتراضات يحق لنا التساؤل، إذا فمن هو واضع النحو
الأول؟
هنا عدة إجابات للباحثين - من القدماء والمعاصرين - عن هذا التساؤل:
1 - إن النحو لم يضعه أبو الأسود، بل وضعه بعض تلاميذه، فبعضهم



(31) ضحى الإسلام 2 / 285.
(32) مقدمة ديوان أبي الأسود: 70.
41
يذهب إلى أن النحو قد وضعه عبد الرحمن بن هرمز (33) تلميذ أبي الأسود، أو ابن
عاصم (34) وهو تلميذه أيضا، وهناك من يذهب إلى أن واضع النحو غيرهما.
2 - إن النحو قد وضع قبل أبي الأسود، وينفرد بهذا الرأي ابن فارس - كما
هو رأيه في نشأة العروض - فيقول: " إن هذين العلمين قد كانا قديما وأتت عليهما
الأيام وقلا في أيدي الناس ثم جدده هذان العلمان " (35)، ويقصد منهما أبو
الأسود والخليل.
ولكن هذين الرأيين يفقدان عناصر الصحة والسلامة:
فالرأي الأول لم يلتزم به إلا بعض قليل من المؤرخين، وبعض هؤلاء
الذين التزموا بهذا الرأي اعتبروا الرأي الصحيح والرئيس هو وضع أبي الأسود
للنحو، ونسبوا رأيهم هذا إلى كلمة (قيل) كدليل على ضعفه وقلة شأنه.
أما رأي ابن فارس، فهو لا يعتمد على سند تاريخي أولا، ولا يؤيده أحد
من القدماء والمعاصرين - كما أعلم - ثانيا، وعدم وجود الروايات التي تدعمه.
إذا فنبقى نحن وهذه الروايات التي تنسب وضع النحو للإمام
- عليه السلام - أو لأبي الأسود، لنبحث عن مدى ثباتها تجاه الاعتراضات الموجهة
لها، ومدى توافقها للموازين النقدية والعلمية.
مناقشة الاعتراضات
المناقشة العامة:
وقبل أن نناقش كل اعتراض من الاعتراضات بصورة مستقلة، يجدر بنا
أن تقول بأن بعض المعاصرين ناقش هذه الاعتراضات بصورة عامة، يقول كمال
إبراهيم عن اعتراضات المعارضين: " وهذه كلها أقاويل واجتهادات لا تقوم على



(33) أخبار النحويين البصريين: 16.
(34) أخبار النحويين البصريين: 15.
(35) نقلا عن تأسيس الشيعة: 40.
42
سند يعتد به، والروايات التي هي أقرب إلى عهد الوضع هي الأحرى بالأخذ
والثقة بها " (36).
ويستغرب الطنطاوي من مثل هذا التشكيك والتكذيب من المعاصرين في
نسبة النحو للإمام - عليه السلام - أو لأبي الأسود فيقول: " فمن الغريب بعدئذ أن
يستنكر المستشرقون هذه النسبة المتواطأ عليها قديما وحديثا " (37).
فهذه الاعتراضات، هي أقرب إلى الفروض التي لم تبلغ مستوى النظرية
والجزم العلمي في مقابل التواتر والإجماع الذي بلغ مستوى الجزم العلمي، فهي
أقرب إلى السفسطة في مقابل الواقع الراهن، فهذه الاعتراضات هي من قبيل
الاجتهادات في مقابل النص، فمع وجود هذه الروايات والنصوص الكثيرة وإجماع
القدماء - المقاربين في زمانهم لزمان أبي الأسود على وضعه للنحو - فلا مجال لكل
هذه الاجتهادات والافتراضات والسفسطات، والاعتراضات المشككة لوضع أبي
الأسود للنحو حتى لو تلبست بلباس البحث العلمي.
مع الاعتراض الأول
علم الإمام المعصوم:
الاعتراض الأول يدفعنا إلى الخوض في بحوث عقائدية كلامية تدور حول
علم الإمام المعصوم، وحول الإمام علي - عليه السلام - حيث يطفح " نهج البلاغة "
بمثل هذه التقسيمات والمصطلحات والأفكار المنطقية والفلسفية وغيرها من
المعارف السامية التي لم تفتض أسرارها ولم تكشف رموزها وكنوزها إلا بعد مرور
مراحل زمنية طويلة، بعد ارتقاء الفكر البشري وثراء معلوماته، وربما ستمر أجيال
طويلة بعد ذلك ولا يتوصل إلى عمق أسرارها ومعطياتها الزاخرة.
والملاحظ في هذا المجال أن الشبهات والاعتراضات التي يثيرها البعض



(36) مجلة البلاغ، واضح النحو الأول، العدد 8، ص 18.
(37) نشأة النحو: 20.
43
حول نسبة النحو للإمام - عليه السلام - أو نسبة التقسيم الثلاثي وتعريفاته تشابه
الشبهات التي أثارها البعض حول " نهج البلاغة " ومدى صحة نسبته للإمام
- عليه السلام - حيث يزخر ببعض التقسيمات والتعريفات والمصطلحات والأفكار
التي لا يمكن أن تنشأ في تلك الفترة الزمنية البدائية من حيث الوعي والثقافة.
ولسنا هنا - في هذه الدراسة - في مجال البحث عن " نهج البلاغة " وصحة
نسبته للإمام - عليه السلام -، فإن لهذا الموضوع مجالا آخر، ولكن نشير هنا وبإيجاز
إلى ملاحظة عابرة، ونترك التوسع للدراسات الأخرى التي كتبت حول هذه
القضية:
هناك بعض الشبهات والشكوك التي أثارها بعض القدماء والمعاصرين
حول " نهج البلاغة " ومدى صحة نسبته للإمام - عليه السلام - كله أو بعضه، وأنه
في الواقع - حسب رأي هؤلاء - من تأليف الشريف الرضي نفسه، ومن هؤلاء
الكثير من العرب والمستشرقين، ولعل رأيهم في هذا المجال يشابه رأيهم في وضع
النحو العربي، وبعض أدلتهم متشابهة.
فمن المشككين القدامى، ابن خلكان، ولعله أول من بذر بذور التشكيك
حول " نهج البلاغة "، وتبعه الصفدي في " الوافي بالوفيات "، واليافعي في " مرآة
الجنان "، والذهبي في " ميزان الاعتدال "، وابن حجر في " لسان الميزان "، وابن
خلدون، وغيرهم من القدامى.
ومن المعترضين المعاصرين أحمد أمين في " فجر الإسلام "، وشوقي ضيف
في كتابه " الفن ومذاهبه في الأدب العربي "، ومحمد سيد كيلاني في كتابه " أثر
التشيع في الأدب العربي "، وغيرهم.
وقد تصدى لمناقشتهم جماعة من الباحثين، وخاصة الباحثين الشيعة أمثال
الشيخ هادي كاشف الغطاء في كتابه " مدارك نهج البلاغة "، والسيد هبة الدين
الشهرستاني في كتابه " ما هو نهج البلاغة "، والشيخ الأميني في كتابه " الغدير "،
والسيد عبد الزهراء الخطيب في كتابه " مصادر نهج البلاغة " وغيرهم.

44
والملاحظ أن قصة الشبهات التي أثيرت حول نسبة " نهج البلاغة " للإمام
- عليه السلام - حيث أنهم نسبوه للشريف الرضي، هذه الأسطورة قد قضي عليها
أخيرا على أيدي بعض الكتاب المؤمنين المخلصين الذين قاموا بدراسات واعية
وبحوث إحصائية أثبتوا من خلالها أن " نهج البلاغة " لا يمكن أن يكون من إنشاء
الشريف الرضي، وذلك لوجود أكثر الخطب والأحاديث في مصادر وكتب
متقدمة زمنيا على زمان الشريف الرضي، إذا فإذا ثبتت صحة نسبة " نهج البلاغة "
للإمام - عليه السلام - فمن السهل ثبوت نسبة التقسيم الثلاثي أو بدايات النحو للإمام
- عليه السلام - لما في " نهج البلاغة " من تعريفات وتقسيمات ومصطلحات وأفكار
عالية المضامين والمعاني تدل على إبداع وعلى قوى فكرية هائلة.
ونحن نلاحظ أن القرآن الكريم يشتمل على الكثير من التقسيمات
والمضامين السامية، فلا يستغرب صدور مثل هذه التقسيمات والإبداعات في
تلك الفترة الزمنية من الإمام - عليه السلام - وهو تلميذ القرآن، والذي عايش
القرآن الكريم منذ صغره، وكذلك نلاحظ وجود التقسيمات والتعاريف
والمصطلحات في الأحاديث النبوية، فلا غرابة في أن يتعلم منها من نشأ وعاش في
أجوائها، وخاصة الإمام - عليه السلام - الذي يملك من القوى الفكرية الزاخرة التي
يشهد بها الجميع.
والملاحظ أن البعض من القدامى والمعاصرين الذي شكك في نسبة
" نهج البلاغة " للإمام - عليه السلام - قد ذهب إلى صحة نسبة النحو للإمام
- عليه السلام - أو لأبي الأسود ولم يشكك في نسبة النحو.
وبعد هذه الملاحظة الموجزة والعابرة، نقول: بأننا سنترك هذا الجانب
العقائدي في دراستنا، ولو أن الإيمان به وحده يغني عن عرض الأدلة والنقاش،
كما آمن به من تعرف على حقيقة الإمام - عليه السلام - وما يملكه من قوى
ومعارف، ونبحث عن هذه الواقعة التاريخية من خلال الواقع التاريخي نفسه
والروايات نفسها، ونحاول دراسة هذه الظاهرة على حسب السيرة والطرق

45
والأساليب التي يؤمن بها المعترضون في نشأة العلوم والمعارف البشرية.
شيوع اللحن ومحاربته
1 - انتشار اللحن:
نحن نعلم أن النحو لم يوضع جزافا وعبثا - كما هو الحال في كل ظاهرة
جديدة - فلا بد من حاجة ملحة على ظهورها، وقد قالوا: " إن الحاجة أم
الاختراع "، ولا بد من دوافع أدت إلى إبداع النحو، وإلا لو لم توجد مثل هذه
الدوافع لما كان هنا تفكير في إبداعه. أجل، إنما وضع النحو لأجل مواجهة
الظروف والأجواء الجديدة التي ظهرت آنذاك والتي أشاعت اللحن على ألسنة
الناس، ولعل أهم الأسباب لذلك هو الاختلاط بين العرب والشعوب الأجنبية
الأخرى التي دخلت الإسلام، أو خضعت للحكم الإسلامي وعاشت في بلاد
المسلمين، أو ارتبط بها المسلمون ببعض العلاقات التي فرضتها الظروف الجديدة،
وبإيجاز فإن هذا الاختلاط بكل صوره وأساليبه قد فرضته الظروف الجديدة التي
خلقها انبثاق الإسلام وبعثته وتحركه، ومن طبيعة هذا الاختلاط في الألسنة أن
يخلق اللحن، ولو راجعنا تاريخ اللحن لرأيناه قد ظهر حتى في عصر الرسول - صلى
الله عليه وآله - فيقول أبو الطيب الحلبي: "... لأن اللحن ظهر في كلام الموالي
والمتعربين من عهد النبي - صلى الله عليه وآله - فقد روينا أن رجلا لحن بحضرته
فقال: ارشدوا أخاكم " (38).
وبعد عصر الرسول - صلى الله عليه وآله - وبعد أن اتسعت الفتوحات
الإسلامية وازداد الاختلاط أخذ اللحن يشيع تدريجيا على الألسنة نتيجة لاتساع
اختلاط العرب مع غيرهم فقد " كتب كاتب لأبي موسى إلى عمر (من أبو
موسى...)، فكتب إليه عمر: سلام عليك، أما بعد، فاضرب كاتبك سوطا



(38) مراتب النحويين: 5.
46
واحدا، وأخر عطاءه سنة " (39).
وروى الجاحظ أن " أول لحن سمع بالبادية: هذه عصاتي، بدل عصاي،
وأول لحن سمع بالعراق: حي على الفلاح، بكسر الياء بدل فتحها " (40).
وينقل ابن قتيبة: " إن رجلا دخل على زياد فقال: إن أبينا هلك، وإن
أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا، فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما
ضاع من مالك " (41).
وفي زمان خلافة الإمام - عليه السلام - حيث ازدادت رقعة الاختلاط
وتوسعت وكثر اللحن نتيجة لذلك، لما دخل الإمام - عليه السلام - العراق،
والبصرة بالذات، وهي المركز الحضاري الذي كثر فيه الاختلاط، لاحظ مدى
شيوع اللحن على الألسنة، فروى ابن الأنباري أن الإمام - عليه السلام - قال: " إني
تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء - يعني الأعاجم - " (42).
وكان أبو الأسود - بين آونة وأخرى - بسبب انتمائه للشيعة وصحبته
للإمام - عليه السلام - ينقل إليه أخبارا خطيرة عن هذا اللحن، فتنقل عن أبي
الأسود الرواية المشهورة التي يصرح فيها بعروض اللحن على ابنته (43).
فاللحن إذا بلغ حدا من الخطورة أن دخل بيته، وكان أبو الأسود يحس
باللحن - شأن العرب الفصحاء آنذاك - كما ينقل السيرافي: " قال أبو الأسود
الدؤلي: إني لأجد للحن غمرا كغمر اللحم " (44).
وهناك حكايات كثيرة تنقل عن شيوع اللحن على الألسنة آنذاك.



(39) مراتب النحويين: 6.
(40) من تاريخ النحو: 11.
(41) من تاريخ النحو: 11.
(42) نزهة الألباء: 2.
(43) أخبار النحويين البصريين: 12.
(44) أخبار النحويين البصريين: 14.
47
2 - خطورة اللحن:
ونتيجة لذلك أخذ الإمام - عليه السلام - يشعر بخطورة اللحن وقد ظهر في
هذا المجال عامل جديد، يعتبر أهم العوامل التي دفعت الإمام - عليه السلام - إلى
التفكير في وضع قواعد للغة - أي النحو - وهو العامل الديني، أي الاحساس بخطورة
هذا اللحن على التشريع الإسلامي والقرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فإن
اللحن في القرآن الكريم له أخطاره الكبيرة في مجال فهم الأحكام الشرعية، حيث
يؤدي اللحن إلى غموض معانيه كما يقول ابن خلدون في مجال تأثير اللحن:
" وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن
والحديث على الفهوم " (45).
ويقول أبو عبد الله الزنجاني: " وحدثت عدة حوادث نبهتهم إلى النهوض
إلى صيانة القرآن الذي هو أساس الدين وحفاظ الإسلام من أن يطرق اللحن
عليه " (46).
وقد شاع اللحن في قراءة القرآن الكريم آنذاك فينقل السيرافي أن أبا
الأسود: " سمع قارئا يقرأ: إن الله برئ من المشركين ورسوله " (47) بالكسر، وقال
ابن الأنباري: " وروي أن سبب وضع علي لهذا العلم أنه سمع أعرابيا يقرأ:
لا يأكله إلا الخاطئين " (48) حيث صرحت هذه الرواية بأن السبب الرئيس في
وضع النحو هو السبب الديني، بل إن العامل الديني هو العامل الرئيس في وضع
علماء المسلمين لأكثر علومهم أيضا، بل ربما كانت العوامل الأخرى داخلة
ضمن العامل الديني كما صرح بهذا الدافع ابن خلدون وغيره.



(45) مقدمة ابن خلدون: 502.
(46) تاريخ القرآن: 87.
(47) نزهة الألباء: 3.
(48) نزهة الألباء: 3.
48
إذا فلأجل الحفاظ على نصوص القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أن
تتعرض للتغيير والتبديل، ولسوء الفهم وعدم القدرة على فهمها، وعدم التمكن من
استخراج الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية بصورة صحيحة، كل ذلك حفز
الإمام - عليه السلام - لوضع النحو، لأنه خليفة المسلمين، والذي عليه مهمة الحفاظ
على الإسلام والقرآن الكريم لكل الأجيال.
3 - محاربة اللحن:
فكان على الإمام - عليه السلام - أن يحارب هذا الخطر الجديد باعتباره
خليفة المسلمين وإمامهم وعلى عاتقه مهمة الحفاظ على القرآن الكريم والأحاديث
الشريفة من الخطأ واللحن، وكان يشاركه في هذا الشعور أبو الأسود الذي كان
يشعر باللحن - كما ذكرنا ذلك في الرواية السابقة - وكان يعتبر المستشار في الكثير
من القضايا اللغوية - آنذاك - لدى الخلفاء والولاة، والذي تعرف على مدى شيوع
اللحن على الألسنة ومدى خطورته الدينية واللغوية، وكان الدافع لأبي الأسود هو
الدافع الديني، لذلك قام بتنقيط المصحف الشريف دون سواه، ولم يتحرك إلا
حين شعر بالخطر المحدق بالمصحف الشريف، ولكن هذا العمل - رغم أهميته -
لا يؤدي هذه الوظيفة بصورة تامة، لذلك اندفع الإمام - عليه السلام - وأبو الأسود
إلى التفكير جديا في محاربة هذا الوباء الزاحف ومعالجته، وذلك بوضع النحو
الذي يتكفل بهذه المهمة الخطيرة، فإن علم النحو هو الذي يمكنه القضاء على هذا
المرض الذي أخذ يشيع في الأمة الإسلامية، وأما التنقيط فإنه وإن كان يشكل
جزءا لا ينفصل عن هذه المهمة التي تبناها الإمام - عليه السلام - وكلف بها أبا
الأسود - بعد أن مهد له السبيل - ولكنه لا يمكنه معالجة اللحن بصورة تامة كعلم
النحو، كما سنرى ذلك.
وأما الاعتراض بأن تلك الفترة - عصر الإمام (عليه السلام) - لم تكن
تسمح بظهور مثل هذه المصطلحات والأفكار الفلسفية والتقسيمات والتعريفات

49
حيث لم يكن الإنسان فيها يملك تلك العقلية المتطورة، فيمكن مناقشته بما
يلي: -
الوضع البدائي للنحو
1 - نضوج المستوى الفكري:
نحن نعلم بأن ظهور الإسلام قد أدى إلى نضوج المستوى الفكري العام
عند الناس، وخاصة طبقة المفكرين والمثقفين، حيث حمل الإسلام إلى البشر
مفاهيم وتصورات جديدة في مختلف مجالات الحياة، بل إن الإنسان في عصر البعثة
كان قد بلغ مستوى من الوعي والإدراك أرقى ممن سبقه، لذلك كانت معجزة
النبي - صلى الله عليه وآله - معجزة فكرية وهي القرآن الكريم، بينما معجزات
الأنبياء السابقين كانت حسية، وهذا ما يدل على ارتقاء الوعي عند الإنسان
المعاصر لبعثة الإسلام، بالإضافة إلى ما حمله القرآن الكريم والنبي - صلى الله عليه
وآله - إلى البشر من مفاهيم ومعلومات جديدة وتصورات في مختلف مجالات الكون
والحياة، فرفع من وعيهم وزودهم بكثير من المعلومات، بالإضافة إلى اختلاط
المسلمين بغيرهم من الشعوب والثقافات، هذه الأسباب وغيرها أدت إلى ارتفاع
مستواهم الفكري والثقافي، وفي تلك المرحلة بالذات ظهرت بدايات حركة علمية
تعتمد التفكير الواعي في فهم مختلف المجالات - وخاصة الثقافية - ولو أن ما صنعوه
وفهموه لا يرتفع في مستواه الفكري والثقافي والعلمي إلى ما نراه اليوم في نفس
تلك المجالات.
ومن هنا نرى بعض أحاديث المسلمين آنذاك وأفكارهم ومفاهيمهم
أسمى بكثير من أحاديث الجاهليين، بل أحاديثهم أنفسهم قبل انتمائهم للإسلام،
وظهر بعض الرجال الذين بلغوا مستوى علميا رفيعا أمثال عبد الله بن عباس وغيره
- كما نلاحظ أحاديثهم في كتب التاريخ والأدب والفقه وغيرها - كل ذلك
للزخم الجديد الذي نفخه الإسلام في أذهان المسلمين وقلوبهم، وهذا ما لا يمكن أن

50
ينكره إلا من أعمى الشيطان بصيرته.
هل يمكن لنا أن ننكر تأثير الإسلام وتأثير الإسلام وتأثير القرآن الكريم وتأثير الأحاديث
النبوية في نفوس المسلمين؟! إن المسلمين آنذاك كانوا يعيشون الأجواء القرآنية
والنبوية الجديدة بكل مشاعرهم، كانت المفاهيم الإسلامية تدخل إلى قلوبهم
لتفعل فيها فعل السحر، وكانوا يتعلمون ويقتبسون منها طريق حياتهم، وكان النبي
- صلى الله عليه وآله - هو القدوة والأسوة لهم، والقرآن الكريم والأحاديث النبوية
حافلة بالاصطلاحات الجديدة والتقسيمات والتفريعات والتعريفات والأفكار
الفلسفية والمنطقية.
ألم يتعلم المسلمون منها طريقة التفكير والاستدلال والمعرفة وخاصة
أولئك الأفراد الذين يتميزون بالفكر والوعي والثقافة؟!
ألا نفرق بين الإنسان قبل الإسلام وبعده؟!
وهل يمكن لنا أن ننكر تأثير القرآن الكريم والأحاديث النبوية في المسلمين؟!
وهل يمكن لنا أن ننكر وجود المفاهيم الجديدة فيها؟!
إن من ينكر هذه الحقيقة الملموسة، فهو لا ينكر دور الإسلام فحسب، بل
إنه ينكر أيضا حقيقة واضحة وواقعا تشهد له كل الشواهد الحية.
وبعد كل ذلك فليس عجيبا أن تظهر من بعض المسلمين المتميزين
بالفكر والثقافة بعض الإبداعات والتقسيمات الجديدة نتيجة لتأثير المرحلة القرآنية
والإسلامية الجديدة وما خلقته في المسلمين من معطيات فكرية وثقافية.
ولعلنا - من هنا - نستطيع أن نلمح الهدف البعيد الذي تهدفه أمثال دائرة
المعارف الإسلامية وبعض المستشرقين والسائرين على خطاهم من إنكار هذه
النسبة، حيث كانوا يهدفون إلى عدم تأثير الإسلام في تكوين الوعي الجديد بين
المسلمين، وإلى عدم تمكن المسلم باستقلاله على إبداع فن جديد، وأن كل ما
يبدعه المسلم فهو مقتبس من ثقافات أخرى، بل ربما إلى التشكيك في أصل
القرآن الكريم والأحاديث النبوية حيث تشتمل على مثل هذه التقسيمات

51
والتعريفات، وأن عصرها عصر بداوة لا يمكن أن تظهر فيه تلك التقسيمات إلى
غيرها من أهداف جهنمية، لا يستهدفون منها التشكيك بالتشيع فحسب، بل
بالإسلام كله.
2 - بدائية النحو:
نحن نعلم أن بداية كل علم أو فكرة تبدأ بهذه الصورة البدائية والتي تتجه
للكليات والمسائل العامة كتقسيم الكلمة مثلا، ثم تتوسع وتتفرع لتتضمن المسائل
الجزئية والتفريعات والأبواب والفصول، كما صرح بهذه الحقيقة الدجيلي فيما
نقلناه عنه سابقا (49)، وهذه الحقيقة يقربها أحمد أمين في بداية كتابه " ضحى
الإسلام " فهو يقول حول العصر الإسلامي الأول: " ورأينا المسائل تبحث بنظر
أدق " (50)، وهو يعترف بالتفاوت الفكري بين الإنسان الجاهلي والإسلامي،
ويعترف بانتقال العلوم النقلية - من علوم دينية ولغوية - إلى العصر العباسي، أي
أنها كانت موجودة ولو بصورة بدائية، أي بشكل " مسائل جزئية مبعثرة " (51)،
وهو يعترف " بأن هناك عوامل شخصية أثرت في العلم لو لم تحدث لأخرت مسير العلم
بعض الزمن " (52) ويقصد من ذلك الحاجة، ونفسرها نحن بالحاجة الدينية. إذا
فكل هذه الأسباب والدوافع والمسائل يعترف بها أحمد أمين، ثم ينكر وجود النحو
ولو بصورته البدائية التي استدعت ظهوره الحاجة الملحة، والتي كانت - تلك الصورة
البدائية - على شكل كليات ومسائل عامة، وربما غائمة في بعض مسائلها وليست
عميقة الفكرة وليس داخلها أبواب وفصول وتفريعات كما نراها اليوم.
وعندما نقول بالصورة البدائية فإننا نعني تلك المجالات التي استدعت
وجودها الحاجة، فوضع أبو الأسود بعض المسائل والأبواب النحوية بعد ما رأى أن



(49) مقدمة ديوان أبي الأسود: 66.
(50) ضحى الإسلام 2 /....
(51) ضحى الإسلام 2 /....
(52) ضحى الإسلام 2 /....
52
الحاجة تدور حول هذا الباب أو ذاك، وبمقدار ما يملكه من ثقافة ووعي وإبداع في
خلق النواة الأولى لعلم النحو " فلم يقل أحد أنها وضعت في أول الأمر كاملة على
الوجه الذي نراه في كتب العربية اليوم، وإنما قيل إنه وضع بابي المفعول والفاعل
أو باب التعجب أو أن وأخواتها.. إلى آخره، فهو لم يضع النحو كاملا، وإنما وضع
فكرة أبواب استدعتها الظروف ولا بد أن هذه الأبواب التي وضعها وضعت بطريقة
عامة مبسطة ليس فيها من الدقة والتفريع ما نراه اليوم في كتب القواعد،
فالاعتراض إذا غير قائم لأن أحدا لم يقل به " (53). ولعل ما يؤيد ذلك، وضع أبي
الأسود لفكرة (التعجب) فإنه واجه حالة حفزته على البحث عن هذه الظاهرة بعد
أن وجد وقوع اللحن في مجال التعجب خاصة على لسان ابنته حين سألته: " ما أشد
الحر " فظنها تسأل، وهي في الواقع تريد التعجب، فهذا المثال - والشك حوله -
حفز أبا الأسود على متابعة هذه الظاهرة، حتى وصل أخيرا إلى وضع فكرة بدائية
عامة عن التعجب - كما ينقل عنه - مهدت الطريق لمن يأتي بعده ليواصل البحث
عنها وعن سائر المسائل.
إذا، فالنحو الذي وضعه أبو الأسود كان بدائيا بسيطا، كما هو الحال في
بدايات مختلف العلوم والأفكار، وإلا لتوجه الاعتراض لكل العلوم أنها كيف
ولدت في أذهان مخترعيها؟!
تقييم أبي الأسود
1 - شخصية أبي الأسود الثقافية:
ونحن لو درسنا شخصية أبي الأسود - لأن شخصية الإمام (عليه السلام)
فوق البرهان - لرأيناه باعتراف المؤرخين والنحاة يملك ثقافة واسعة في مجالي اللغة
والفكر، حيث كان مطلعا على لهجات العرب ولغتها وغريبها وأدبها وكان
شاعرا غير مكثر، وكان يدرس العربية في البصرة، حيث انصرف إليه بعض



(53) مدرسة البصرة النحوية: 55.
53
طلاب العربية الذين واصلوا بعده مسيره في تطوير القواعد اللغوية والنحوية
والأدبية، وكان يكلفه بعض الأمراء بتعليم أبنائهم، وكان المفزع لهم في معالجة
المشاكل اللغوية والنحوية والثقافية، وقد تعرضنا إلى مجالات ثقافية في ترجمة
حياته، لذلك نكتفي الآن بهذه الخطوط العريضة، فالجاحظ مثلا يقول: " أبو
الأسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور عنه الفضل في
جميعها، كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف
والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة " (54).
فكان يملك مواهب ثقافية واجتماعية مختلفة، فمثل هذا الشخص الفذ
الذي يملك مثل هذه المواهب ألا يحتمل أنه وضع بدايات النحو بعد أن مهد
الإمام - عليه السلام - له الطريق، وفتح عينه على هذا الموضوع، وقد أجمع المؤرخون
على أنه أول من حرك المصحف الشريف بواسطة التنقيط، وفي هذه العملية دلالة
كبيرة على معرفته الواسعة باللغة العربية وحركات الإعراب وعلى ما يملكه من
عمق في التفكير وثقافة لغوية، بل تدل على توجهه للقواعد النحوية.
ويتوصل عبد الرحمن السيد إلى النتيجة التالية فيقول: " كما لا يستطيع
أحد أن يدعي أن عالما مشهودا له بالتقدم والتفوق مقصودا من الخلفاء والولادة
لرسوخ قدمه في العلم وحدة ذكائه في الفهم ينقط المصحف كلمة كلمة، ويلاحظ
حركات حروفه حرفا حرفا، ويفعل ذلك في دقة وبراعة ثم يخرج من عمله هذا
دون أن تتكون لدية فكرة أولية عن عمل بعض الأدوات أو عن حركة بعض
الكلمات ذات الوظيفة المتشابهة والوضع المتحد، اللهم إلا أن يكون راسخ القدم
في الغباء بعيدا عن صفات أبي الأسود " (55).
ونحن نضيف إلى قوله: إن من يخوض هذه المهمة ويتكفل بالقيام بها لا بد
أن يملك مسبقا توجها وفهما لبعض المسائل والقواعد النحوية.



(54) نقلا عن مقدمة ديوان أبي الأسود - للدجيلي -: 13.
(55) مدرسة البصرة النحوية: 60.
54
وسوف نبحث في فصل لاحق هذه القضية - قضية تحريك أبي الأسود
للمصحف الشريف - لنبحث عن كيفيتها وطريقتها ودوافعها، وأنها تشابه من
قريب أو بعيد وضعه للنحو، وأن القادر على القيام بهذه المهمة قادر على وضع
الجذور الأساسية والبدائية للنحو.
2 - كتاب أبي الأسود:
فهناك رواية شائعة على ألسنة المؤرخين والنحاة، وهي أنه كان لأبي
الأسود كتاب في النحو واسمه " التعليقة " إلا أنه ضاع واختفى كما اختفى غيره
من الكتب، وكما اختفى كتابا عيسى بن عمر، اللذان اشتهرا على ألسنة النحاة
أيضا، قال أبي قتيبة في كتابه الشعر والشعراء: " أول من عمل كتابا في النحو
بعد علي بن أبي طالب " (56) أي أبو الأسود، وقال السيوطي: " قال ابن عساكر في
تاريخه: كان أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل النحوي الدمشقي المعروف بابن المكبري
يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود التي ألقاها إليه علي بن أبي طالب " (57) وقد أكد
وجود هذه التعليقة، ابن النديم في فهرسته وأتى بكثير من القرائن والشواهد التاريخية
على ذلك (58).
إذا فهذا الكتاب قد رآه ابن النديم، وهو خبير وثقة في الكتب كما صرح
بذلك المؤرخون، ويذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة نقلا عن ابن النديم في
فهرسته قوله: " رأيت ما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي
أربع أوراق أحسبها من ورق الصين، ترجمتها هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول
من أبي الأسود - رحمة الله عليه - بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق:
هذا خط علان النحوي، وتحته: هذا خط النظر بن شميل " (59)، وكذلك ينقل



(56) الشعر والشعراء.
(57) الأشباه والنظائر 1 / 7.
(58) الفهرست: 61.
(59) أعيان الشيعة 1 / 163.
55
السيد الأمين عن القفطي أنه رأى ما يدل على وجود هذا الكتاب بخط أبي
الأسود نفسه.
وهكذا نرى أن المؤرخين، وخبراء الكتب والتراجم، يذكرون كتابا في
النحو وضعه أبو الأسود بتعليم وتوجيه من الإمام - عليه السلام -، ولكن اختفائه
لا ينفي وجوده، كما اختفت الكثير من الكتب.
3 - تلاميذ أبي الأسود:
يحدثنا التاريخ أن هناك تلاميذ لأبي الأسود درسوا على يديه (النحو)
وقد ذكر المعارضون من المعاصرين أيضا وجود النحو عندهم، وهم الذين اعتبرهم
النحاة طبقة نحوية ثانية بعد أبي الأسود في سلسلة طبقات علماء النحو، والذين عبر
عنهم عيسى بن عمر والخليل وسيبويه نفسه - في كتابه - ب‍ (البادئين الأولين).
والمعروف من تلاميذه: يحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن،
وعطاء ابن أبي الأسود، وأبو حرب ابن أبي الأسود، ونصر بن عاصم، وعبد
الرحمن بن هرمز، ولو راجعنا كتب التراجم والتاريخ لرأينا أنها تصرح بأن هناك
تلاميذ لأبي الأسود درسوا على يديه النحو والعربية، كما أننا نلاحظ أنهم حينما
يتعرضون لترجمة هؤلاء يذكرون أنهم كانوا من النحاة وأنهم تعلموا النحو من أبي
الأسود.
فإذا قلنا بأن طبيعة المرحلة البدائية التي عاشها الإمام - عليه السلام - وأبو
الأسود تمنع مثل هذه النسبة - نسبة النحو - لأنهم عاشوا قبل الارتباط الثقافي مع
الثقافات الأجنبية، وقبل نضج الفكر والتطور الثقافي للمسلمين، فكذلك يصح
لنا أن نقول مثل هذا القول في الطبقة التالية لهما أيضا، إذ أنهم عاشوا في فترة
زمنية متقاربة الفترة، أي أنهم عاشوا نفس المناخ الفكري والثقافي، إذا
فلماذا ننسبه إلى الطبقة الثانية دون الأولى مع أنهم يعيشون مناخا ثقافيا وحضاريا
متشابها؟!

56
4 - وجود النحو في تلك الفترة:
هناك بعض الأخبار المتناثرة هنا وهناك في كتب التاريخ والأدب
والترجمة حين تؤرخ فترة العصر الأموي، بل حتى قبله، وتذكر الخلفاء والولاة أو
رجال العصر الأموي تؤكد وجود النحو آنذاك، فيذكر " إنه كان من أعظم
المصائب في نفس عبد الملك أن ابنه الوليد كان لحانة وأنه أخذه بتعلم العربية
فلم يفلح " (60).
ويذكر أن الدافع الذي دفع عبد العزيز بن مروان إلى الاهتمام بالعربية
ما رواه ابن عساكر قبل هذا الخبر أنه دخل على عبد العزيز رجل يشكو صهرا له
فقال: " إن ختني فعل بي كذا وكذا " فقال له عبد العزيز: " من ختنك؟ " فقال
له: " ختنني الختان الذي يختن الناس " فقال عبد العزيز لكاتبه: " ويحك، بم
أجابني؟! فقال له: أيها الأمير إنك لحنت - وهو لا يعرف اللحن - وكان ينبغي
أن تقول: ومن ختنك؟ فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلام لا يعرفه العرب،
لا شاهدت الناس حتى أعرف اللحن، فأقام في البيت جمعة لا يظهر ومعه من
يعلمه العربية فصلى بالناس الجمعة، وهو من أفصح الناس (61).
وفي " سفينة البحار " في لفظة (النحو) نقلا عن كتاب الجواهر
للكراجكي: " قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: العلوم أربعة: الفقه للأديان،
والطب للأبدان، والنحو للسان، والنجوم لمعرفة الأزمان " (62).
فهذه الروايات والأخبار وأمثالها تدل على توجه أبناء العصور الإسلامية
الأولى للحن وللنحو وقواعد العربية، وتدل على وجود النحو والعربية في عصر أبي
الأسود أو العصر المقارب له، وقبل الاتصال بالثقافة اليونانية وقبل تطور العقلية



(60) تاريخ النحو: 13.
(61) تاريخ النحو: 14.
(62) سفينة البحار 2 / 581.
57
العربية ونضجها في العصر العباسي كما ادعاه البعض.
إذا فأولئك الذين ينسبون وضع النحو إلى أفراد مقاربين لعصر الإمام
- عليه السلام - وأبي الأسود لماذا يحاولون - وبمختلف الأساليب والمظاهر - التهرب
عن نسبته للإمام - عليه السلام - أو لأبي الأسود، أو التشكيك فيها وتكذيبها؟!
ولعل هناك نوايا سوداء في بعض النفوس المريضة وراء محاولتها التشكيك أو
الاعتراض أو التكتم على هذه النسبة.
مع الاعتراض الثاني
النحو العربي والثقافات الأجنبية:
المعارضون يعترضون على أصالة النحو العربي ويعتقدون بأن النحو العربي
قد اكتسبه الواضع من النحو اليوناني وأنه لم يتم مثل هذا الاتصال إلا في
مرحلة زمنية متأخرة عن تلك المرحلة التي عاشها أبو الأسود، فقد ذهب رينو " إلى
تأثر النحو العربي بمنطق أرسطو، كما ذهب إلى هذا غير واحد من
المستشرقين " (63).
ولكن يمكن توجيه عدة مناقشات لهذا الاعتراض:
1 - إن مرحلة وضع النحو العربي متقدمة زمنيا على مرحلة الاتصال
بالثقافة اليونانية، والملاحظ أن بعض المعارضين حينما يبحثون حول جذور النحو
العربي نراهم ينتهون إلى عبد الله بن إسحاق - المتوفى سنة 117 ه‍ - والذي تتلمذ
على يد تلامذة أبي الأسود، وعاش في زمن سابق على زمن الاتصال الثقافي
والتلاقح الحضاري بين المسلمين واليونان، إذ أن العرب تعرفوا على الثقافة
اليونانية بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، وقد بدأت حركة الترجمة في العصر العباسي،
وكما ذكرنا في البحث السابق وجود النحو خلال العصر الأموي، ومن هنا ندرك
أن النحو العربي كان موجودا قبل حركة الترجمة، وقبل العصر العباسي، أي قبل



(63) الدكتور إبراهيم السامرائي، دراسات في اللغة: 206.
58
زمن الاتصال الثقافي.
2 - اختلاف طبيعة النحو العربي عن النحو اليوناني، يقول الدكتور إبراهيم
السامرائي في مجال عدم تأثر النحو العربي اليوناني: "... ولقد فاته أن
اليونانية تختلف نحوا وطبيعة عن العربية، ولم يكن واضع النحو عارفا أو متأثرا
باليونانية بأي وجه من الوجوه " (64) وفيه إشارة لكلا المناقشتين، كما أشار إليهما
أيضا فؤاد حنا ترزي في بحثه عن " اللغة " التي اكتسب العرب منها نحوهم: " ومن
الواضح أن هذه اللغة لا يمكن أن تكون السنسكريتية الهندية أو الفارسية لاختلاف
نحوهما عن نحو العربية لعدم انتمائها إلى الفصيلة السامية، كما لا يمكن أن تكون
اليونانية للسبب ذاته، ولأن وضع النحو العربي أسبق في الزمن من احتكاك
العرب الوثيق بعلوم اليونان وفلسفتهم " (65).
ونحن نلاحظ أن القائلين بتأثر النحو العربي بالنحو اليوناني إما بصورة
مباشرة أو بوساطة النحو السرياني، على اعتبار أن النحو السرياني قد اكتسب نحوه
من النحو اليوناني، والنحو العربي قد اكتسب نحوه من السريانية، فهو بالتالي قد
اكتسب نحوه من النحو اليوناني، فهذه الفكرة نتيجة تقليد هؤلاء المحدثين
للمستشرقين في أقوالهم، فإلى مثل هذا الرأي ذهب دي پور (66).
وفكرة الاكتساب لم يكن لها عند القدماء أثر، وإنما ابتدعها المستشرقون
واتبعهم بعض المحدثين من العرب، وخاصة الكتاب المصريين كما يقول إبراهيم
السامرائي (67)، ولعل هذا الرأي جزء من تلك الحملة المسعورة التي شنها الغرب
على السامية، والتي كان من أقطابها رينان، ولعل هدفها الرئيس هو الإسلام
" فقد ذهب هؤلاء إلى أن العقلية العربية الإسلامية قد تأثرت في صورها المختلفة
بالعقلية الإغريقية، وأول من أطلق هذه الأحكام هم المستشرقون، ومن بين هؤلاء



(64) دراسات في اللغة: 13.
(65) في أصول اللغة والنحو: 110.
(66) دراسات في اللغة: 14.
(67) دراسات في اللغة: 14.
59
من لم يتصف بالعدل والقصد، فما أمر رينان الفرنسي في القرن الماضي ببعيد،
فقد ذهب إلى أن العرب أو قل: إن العقلية السامية لا ترقى إلى غيرها من
العقليات كالإغريقية والرومانية، ومن أجل هذا كان هؤلاء عيالا على غيرهم من
الشعوب في حضارتهم، وقد أسرف هذا الفرنسي المسيحي المتعصب لأكثر من
غرض واحد، ولسنا بصدد بيان هذا، وقد ذهب غيره هذا المذهب دون أن يلتزم
بعنفه وشدته، ولا أريد أن أدفع عن ثقافتنا تأثير الإغريق فما إلى ذلك قصدت
وأنا إن فعلت ذلك فقد جرت على الحقيقة كما جار النفر الآخر " (68).
إن لهذه الحملة المسعورة على السامية - أسبابها وأهدافها وأساليبها - لسنا
في مجال البحث عنها فللحديث عنها مجال آخر، ومن هنا ذهب هؤلاء إلى تأثر
النحو العربي بالنحو اليوناني إما بصورة مباشرة أو بوساطة النحو السرياني، ولم
يقولوا بتأثره بالنحو السرياني فحسب، لأن السريان ساميون أيضا، بينما اليونان غير
ساميين، وهم لا يريدون الاعتراف بالساميين.
ولكن نقول: بأن النحو العربي لم يتأثر بالنحو اليوناني بصورة مباشرة لما
ذكرناه، وكذلك لم يتأثر بالنحو السرياني كما سنبحثه، فينهار أساس التأثر بالنحو
اليوناني.
وقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن النحو العربي قد اكتسبه العرب من
النحو السرياني المشابه في كثير من أصوله وأحكامه للنحو العربي، على اعتبار
اشتراكهما في السامية، ولأن الاتصال بين العرب والسريان قد تم قبل الاتصال
بين العرب واليونان، فلا بد أن يتعرف العرب على ثقافة السريان ومنها النحو،
وذلك لأن النحو السرياني قد وضع قبل وضع النحو العربي كما يقول جرجي
زيدان: " إن السريان دونوا نحوهم وألفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس
الميلادي، وأول من باشر ذلك منهم الأسقف يعقوب الرهاوي الملقب بمفسر



(68) دراسات في اللغة: 202.
60
الكتب، المتوفى سنة 640 م " (69).
ولا يحتمل اكتساب النحو العربي من النحو العبري، لأن النحو العبري لم
يدون إلا في القرن العاشر الميلادي، أي بعد تدوين النحو العربي (70).
ولا يهمنا في هذا المجال الحديث حول النحو السرياني، وهل هو مكتسب
من النحو اليوناني - كما يصرح بذلك الكثير من الباحثين - وخاصة أن الاتصال
الثقافي بين اليونان والسريان كان وثيقا، فانتقل على أثر ذلك الكثير من الأفكار
الفلسفية والنحوية إليهم، وإنما نستهدف هنا البحث حول مدى تأثر النحو العربي
بالنحو السرياني.
فمن الباحثين الذين يؤمنون بتأثر النحو العربي - في بدايته - بالنحو السرياني
أحمد حسن الزيات حيث يقول: " والغالب في ظننا أن أبا الأسود لم يضع النحو
والنقط من ذات نفسه وإنشائه وإنما نظن أنه ألم بالسريانية - وقد وضع نحوها
قبل نحو العربية - أو اتصل بقساوسها وأحبارها فساعده ذلك على وضع ما
وضع " (71) وإلى هذا الرأي ذهب إبراهيم مدكور (72) وجرجي زيدان (73) وفؤاد حنا
ترزي (74) وغيرهم، وكذلك بعض المستشرقين، وينقل فؤاد حنا ترزي تأكيدا
لرأيه هذا، حديثا عن العلماء السريان الذين عاصروا بدايات الحركة الثقافية
الإسلامية: " والأسقف سوپرس سيبوخت، المتوفى عام 666 م، وقد كان يتقن
اليونانية ونقل بعض كتبها في الفلسفة والمنطق، كما عني بالصرف والنحو
السريانيين، وشجع التعاون الثقافي بين المسلمين والسريان " (75).



(69) تاريخ آداب اللغة العربية 1 / 251.
(70) في أصول اللغة والنحو: 110.
(71) تاريخ الأدب العربي: 154.
(72) مجلة مجمع اللغة العربية 9 / 338.
(73) تاريخ آداب اللغة العربية: 251.
(74) في أصول اللغة والنحو: 110.
(75) في أصول اللغة والنحو: 110.
61
أصالة النحو العربي
1 - القائلون بالأصالة:
وهذا الرأي الذي يذهب إلى اكتساب النحو العربي عارضه بعض
المعاصرين الذين ذهبوا إلى أصالة النحو العربي ابتداءا وإن تأثر في بعض مجالاته
- بعد ذلك - بالثقافات الأجنبية، فلم يتأثر لا بالنحو الإغريقي واليوناني مباشرة،
ولا بوساطة النحو السرياني.
يقول السامرائي: " والقول بهذا التأثر نتيجة تقليد هؤلاء المحدثين
للمستشرقين في أقوالهم " (76).
ويذهب لذلك الطنطاوي فيقول: " نشأ النحو في العراق في صدر
الإسلام، ولأسبابه نشأة عربية على مقتضى الفطرة، ثم تدرج به التطور تمشيا مع
سنة الترقي حتى كملت أبوابه غير مقتبس من لغة أخرى لا في نشأته ولا في
تدرجه " (77).
ويذهب إلى هذا الرأي بعض المستشرقين، فيقول ليتمان: " ونحن نذهب
في هذه المسألة مذهبا وسطا، وهو أنه أبدع العرب علم النحو ابتداءا.. " (78).
وهبو تولد فايل يقول: " حفظت لنا الرواية العربية في مجموعات مختلفة
من كتب التراجم وصفا لمسلك نمو هذا العلم الذي هو أجدر العلوم أن يعد عربيا
محضا " (79).
ويذكر بروكلمان: " إن علماء العرب يرددون دائما الرأي القائل: بأن
النحو العربي صدر عن روح عربية خالصة، ويرى أنه ليس من الممكن إبداء رأي



(76) دراسات في اللغة: 13.
(77) نشأة النحو: 14.
(78) نقلا عن نشأة النحو: 15.
(79) نقلا عن مدرسة النحو البصرية: 104.
62
موثوق به عن المسألة مسألة اتصال علماء اللغة الأول بنماذج أجنبية نسجوا على
منوالها، ويذكر رأي برونيش القائل بأن تأثير الأجانب في علم اللغة العربية - النحو
العربي، لم يحدث إلا ابتداءا من سيبويه الفارسي في حين أن أستاذه الخليل كان
عربيا خالصا " (80).
وبذلك نرى أن بعض المستشرقين منصفون في آرائهم وأحكامهم، ولكن
لا يعني ذلك أن ننظر للجميع تلك النظرة الأمينة والصادقة، بل حتى الباحثين
المنصفين منهم والذين يحاولون معالجة القضايا الإسلامية معالجة منصفة وموضوعية
فإنهم أحيانا يتوصلون إلى آراء غير سليمة، لأنهم لم يعيشوا الروح والمشاعر
الإسلامية والأجواء التراثية والثقافية التي يعيشها الإنسان المسلم وهذا لا يمنع أن
تكون لهم آراء صائبة في بعض المجالات.
2 - فرضية الاكتساب:
الملاحظ أن الرأي الذي يذهب إلى أن أبا الأسود قد تأثر بالثقافة
السريانية يعتمد على الفرض فحسب، إذ ليست هناك أية رواية، أو أي سند
تاريخي، أو رأي من القدماء يثبت لنا هذا التأثر بصورة موثوقة، فلم يتعرض له
حتى واحد من القدماء الذين ذكروا بأن أبا الأسود وضع النحو العربي، بالرغم من
أن المعروف عن علمائنا القدامى تتبعهم وتحقيقهم في البحث عن المسائل العلمية
والثقافية، وقد ذكروا تأثر المسلمين باليونان أو غيرهم في بعض العلوم أمثال
المنطق والفلسفة، ولم يذكروا مثل ذلك عن بدايات علم النحو.
ولكن في المقابل هناك الكثير من الروايات المتواترة والآراء العديدة
وإجماع القدامى على وضع أبي الأسود للنحو بتوجيه من الإمام - عليه السلام -،
حيث تؤكد - بل تستدل - على أصالة وضعه وعدم تأثر أبي الأسود في ذلك
بالثقافات الأخرى كما يقول كمال إبراهيم: " لم يثبت تاريخيا أن أبا الأسود أو



(80) نقلا عن مدرسة النحو البصرية: 104.
63
غيره ممن عمل في وضع قواعد لغة العرب من بعده كان يعرف اليونانية، أو أنه
اختلط بالسريان، أو عرف السريانية وأخذ النحو أو شيئا من هذه اللغة منها،
ومؤرخو السير العرب لم يتركوا شيئا من تفاصيل حياة أبي الأسود إلا ذكروه،
وكذلك الأمر بالنسبة لمن سواه، ولو أن أحدا منهم وقع له شئ من هذا القبيل
لما فات واحدا على الأقل من مؤرخي تلك السير " (81).
فهم بالرغم من قرب عهدهم من أبي الأسود، وتتبعهم في مثل هذه
القضايا، وأمانتهم ووثاقتهم في النقل، لم يتعرضوا من قريب ولا بعيد لتأثر أبي
الأسود - أو غيره من واضعي النحو العربي - بالثقافات الأجنبية ثم يظهر بعد أجيال
طويلة من يتبنى هذا الرأي، فهل عثر على شئ جديد كان قد خفي على علمائنا
المعاصرين وغير المعاصرين لأبي الأسود؟! إذا فلا يعدو هذا الرأي أن يكون فرضية
لا تعتمد على سند تاريخي.
3 - طبيعة التشابه:
بالإضافة إلى فرضية الرأي القائل باكتساب النحو العربي فإننا قد رأينا سابقا
مدى الحاجة الملحة لحفظ القرآن الكريم من الضياع والغموض، وبدافع من تلك
الحاجة والضرورة الدينية كان لا بد من التفكير في وضع النحو " ووجود تشابه في
شئ من النحو بين لغة ولغة لا يدل بالضرورة على أن نحو هذه قد أخذ من نحو
تلك ولا سيما بين اللغات الناشئة في منطقة جغرافية واحدة أو مناطق متقاربة
ذات احتكاك بينها " (82).
أما " التشابه بين العربية من جهة والسريانية والعبرية من جهة أخرى
فهو أمر طبيعي، ذلك لأن هذه اللغات الثلاث من فروع لغة واحدة هي اللغة
السامية الأصلية، ولا ريب أن ما ورثته كل لغة هو عين ما ورثته الأخرى من



(81) مجلة البلاغ، واضع النحو الأول، ج 9 ص 26.
(82) مجلة البلاغ، واضع النحو الأول العدد 9، ص 25.
64
اللغة الأم، والتوافق كثير بين كل لغة وأختها " (83).
ونرى هذا التوافق بينهما ليس في مجال النحو فحسب، بل يشمل الكثير من
المجالات اللغوية، وهذا ناشئ من تشابه اللغتين في الأصول وفي كثير من الملامح،
لأنهما من منبع واحد هو اللغة السامية.
إذا " فالقواعد التي تستنبط من كل لغة تأتي متشابهة إلى حد كبير وقواعد
اللغة الأخرى، وهذا لا يعني أن نحو هذه أخذ من نحو تلك، بل لأن الطبيعة
اللغوية قد فرضت ذلك " (84) ونرى ذلك جليا في مجال التشابه في تقسيم الكلمة
إلى ثلاثة أقسام في أكثر اللغات، لأن طبيعة الألفاظ البشرية تقتضي ذلك، وما
دام الأمر كذلك فلا ضرورة للاكتساب ما دام هذا التوافق في الطبيعة اللغوية
موجودا، ويكفي الفرد المثقف الواعي إلقاء نظرة واعية نافذة إلى لغته ليبصر
ويكتشف أمثال هذه الأقسام أو غيرها من الأبواب اللغوية، فليس النحو علما
خرج من العدم، وإنما هو قواعد موجودة في اللغة يعتمد اكتشافها على الاستقراء
وقوة الملاحظة، وعمق في التفكير والوعي، ومعرفة واسعة في اللغة، وخاصة لو
وجد الدافع الذي يحرك هذا التطلع في الإنسان ويثيره للبحث عنها، وقد توفرت
كل هذه العناصر في أبي الأسود.
4 - مدى تأثير الثقافات الأجنبية:
ولكن القول بأصالة النحو العربي أصالة عامة شاملة في بداياته وفي
مراحل تطوره وتوسعه وفي كل أبوابه وتفريعاته ومسائله لا يصح القول به أيضا،
إذ نتيجة لمرور الزمن وسعة وشدة اتصال العرب بالأجانب واختلاطهم بهم
والتلاقح الثقافي بينهم والانبهار والتأثر الشديد بالفلسفة والمنطق وبعض العلوم
الوافدة من الثقافات الأخرى دخلت للنحو مسائل وعناصر جديدة وغريبة عن



(83) مجلة البلاغ، واضح النحو الأول العدد 9، ص 26.
(84) مجلة البلاغ، واضع النحو الأول العدد 9، ص 27.
65
وجهه وأصالته، كما تأثرت سائر العلوم الإسلامية بمثل هذه الثقافات الوافدة
بالرغم من أصالتها في بداياتها " فالعرب تأثروا بهما - أي بالفلسفة والمنطق
اليونانيين - في تنظيم النحو وتهذيبه، وفي بعض مصطلحاته وأساليبه، وفي طريق
الحجاج والمناقشة فيه، وهناك فرق بين نقل النحو عنهم أو تقليدهم والتأسي بهم
في إبداعه وإنشائه، وبين الإفادة من هذا المنطق في طريقة البحث فيه
والاستدلال عليه وفي استعارة بعض مصطلحاته أو السير على نهجه وأسلوبه " (85)
وهذا الرأي الذي يذهب إلى تأثر النحو العربي في مراحل تطوره بالثقافات
الأجنبية قد اعترف به حتى بعض النحاة والمؤرخين القدامى، لا في بدايات
نشأته.
ومن هنا ظهرت حركة عند بعض القدامى والمعاصرين من النحاة في
تهذيب النحو وتجريده من العناصر الدخيلة فيه والمسائل المتأثرة بالفلسفة والمنطق
وإعادته إلى وجهه الأصيل، مما يدل على وجود قواعد ومسائل أصيلة في النحو غير
متأثرة بالثقافات المستوردة والأجنبية.
مرحلة الوضع الزمنية:
وقد نسلم للمعارضين ونقول بأن النحو العربي ليس أصيلا في وضعه، بل
هو مكتسب، وقد اكتسب من الثقافات الأجنبية.
وحتى على هذا الفرض، فإن مرحلة وضع النحو العربي لا تتأخر عن عصر
الإمام - عليه السلام -، ولا ينهار الرأي الذي يذهب إلى وضع الإمام - عليه السلام -
وأبي الأسود للنحو العربي وذلك:
1 - تأثير الثقافة اليونانية: قلنا إنه لا يمكن أن يكون الاكتساب من الثقافة
اليونانية، وذلك لأننا ذكرنا أنه لا يمكن أن يكون الاكتساب من هذه الحضارة
لأن اتصال المسلمين بها قد حدث في فترة متأخرة، والنحو العربي كان موجودا



(85) مدرسة البصرة النحوية: 101.
66
قبل زمن الاتصال وقبل نقل الكتب اليونانية وترجمتها، فسيبويه والخليل وعيسى
ابن عمر ينقلون عن نحاة قبلهم يعبرون عنهم ب‍ " البادئين الأولين ".
2 - تأثير الثقافة السريانية: إذا فلا بد أن يكون الاكتساب من غير الحضارة
الإغريقية المتأخر وفودها للبلاد الإسلامية، وكما يذهب إليه بعض المعاصرين أن
النحو العربي متأثر بالنحو السرياني، فالسريانيون دخلوا الإسلام في خلافة عمر
وخالطوا المسلمين مخالطة وثيقة آنذاك - وخصوصا في العراق -، " ولم يكن العلماء
السريان هم السبيل الوحيد لهذا التأثر، بل اشترك معهم وربما بزهم أولئك
الموالي من السريان الذين استعربوا وأسهموا في الدراسات النحوية والعربية
إسهاما مباشرا " (86).
وكما مر أن (سيبوخت) قد شجع التعاون الثقافي بين المسلمين
والسريان، فمثل هذا الاتصال الثقافي الوطيد بين العرب والسريان منذ صدر
الإسلام يفرض أن يطلع المسلمون على التجارب الفكرية والثقافية - ومنها النحو -
لدى السريان، ومن هنا تنشأ فكرة احتمال اكتساب النحو في بدايته من
السريان، ونحن قد ناقشنا هذا الاحتمال.
3 - ولكن هذا الاحتمال - على تقدير تسليمه - لا يؤخر زمن الوضع عن
تلك الفترة التي حددناها - أي زمن الإمام (عليه السلام) - إذ ليس هناك أي
ضرورة للتأخير ما دام السريان كانوا منتشرين منذ خلافة عمر في الأوساط
الإسلامية، ففي خلال هذه المدة إلى زمان خلافة الإمام - عليه السلام - ألا يحتمل أن
تعرف المسلمون على الثقافة السريانية ومنها النحو؟
يقول العقاد في هذا المجال: " ولكن الروايات العربية لا تنتهي إلى مصدر
أرجح من هذا المصدر، وغيرها من الروايات الأجنبية والفروض العلمية لا تمنع
عقلا أن يكون الإمام - عليه السلام - أول من استنبط الأصول الأولى لعلم النحو
العربي من مذاكرة العلماء بهذه الأصول بين أبناء الأمم التي تغشى الكوفة وحاضر



(1) فؤاد حنا ترزي، في أصول اللغة والنحو: 111.
67
العراق والشام وهم هناك غير قليل، ولا سيما السريان الذين سبقوا إلى تدوين
نحوهم، وفيه مشابهة كبيرة لنحو اللغة العربية " (87).
فإذا كان يمكن الاتصال بالسريانيين في عصر الإمام - عليه السلام - وأبي
الأسود فلا يتأخر التدوين عن تلك الفترة على تقدير اكتساب أبي الأسود النحو
منهم.
4 - بل يمكن لنا القول: إن النحو السرياني مكتسب من النحو العربي،
فقد ذكر المؤرخون أن يعقوب الرهاوي هو أول من وضع النحو السرياني ودونه
" فهو أول من باشر وضع هذه القواعد للسريانيين " (88) وقد ذكر جرجي زيدان أن
يعقوب الرهاوي قد توفي سنة 640، ولكن هذا غير صحيح، إذ ذكر عبد الحميد
حسن نقلا عن " اللمعة الشهية " أنه توفي سنة 708، كما ذكر ذلك أيضا دي پور
وأحمد أمين وفؤاد حنا ترزي، وقبل هذا التاريخ كان قد توفي أبو الأسود، إذ أنه
توفي سنة 688، وهو أول من وضع النحو العربي.
إذا فقد توفي الأسود قبل وفاة الرهاوي بعشرين سنة، فهو أسبق زمنيا
منه، وأبو الأسود عاش 85 سنة كما ذكرناه في ترجمته، كما أنه لم يضع النحو في
أواخر عمره، بل وضعه في زمان خلافة الإمام - عليه السلام -، فهو قد توفي سنة
69 ه‍، وسوف نرى أنه قد وضع النحو في حدود سنة 36 ه‍، فيكون قد وضع
النحو قبل وفاته ب‍ 33 سنة، مضافة إلى 20 سنة، فيكون قد وضع النحو قبل وفاة
الرهاوي ب‍ 53 سنة، فهل يمكن اكتساب النحو من السريانيين قبل وضع نحوهم
وقبل تدوينه.
إذا فلماذا لا نفرض العكس ونقول: إن السريان قد اكتسبوا نحوهم من
العرب - كما ذهب البعض إلى ذلك - وكما يذكر ذلك صاحب " اللمعة
الشهية " (89)؟! ولماذا الإصرار على ضرورة الاكتساب؟! ولماذا نقول إنه ليس



(87) العبقريات الإسلامية: 970.
(88) مدرسة البصرة النحوية: 98.
(89) مدرسة البصرة النحوية: 99.
68
هناك اكتساب، بل كل لغة ابتكرت نحوها بعد تجمع العوامل المحفزة على
ذلك؟!
وأنا لا أريد أن أؤيد نظرية الأصالة وعدم الاكتساب بصورة مطلقة
وشاملة، بل أريد أن أقول: إنه لا يمكن اكتساب النحو العربي من النحو
السرياني، للأسباب التي ذكرناها.
إذا - وكما قلنا سابقا - فإن فكرة اكتساب النحو في بدايته (فريضة) لا
تثبتها أدلة وروايات تاريخية على العكس من (أصالته) التي تثبتها - بالإضافة إلى
الأدلة التي يذكرها المعاصرون والقدامى - روايات ونصوص تاريخية تؤكد هذا
الرأي، وأن الإمام - عليه السلام - أو أبا الأسود قد وضع النحو العربي.
ولكن على أي احتمال فلا يتأخر تاريخ بداية النحو عن تلك المرحلة
الزمنية التي عاشها الإمام - عليه السلام - وأبو الأسود.
مع الاعتراض الثالث
ونناقش فيه الرأي الذي يذهب إلى " أن أقدم من نسبت إليه آراء نحوية
هو عبد الله بن إسحاق، ولا يجد رأيا لأبي الأسود، ولا لطبقتين بعده في كتاب
سيبويه أو ما بعده " (90) كما مر ذكره.
ومناقشتنا - كما هو منهجنا - على خطوات:
1 - تأخر التدوين:
فقد تأخر التدوين والكتابة في شتى المجالات الثقافية - إلا في المصحف
الشريف - وليس في مجال النحو فحسب، بحيث كانت المسائل تحفظ في الذاكرة
دون محاولة تدوينها وكتابتها - كما تذكر ذلك المصادر التاريخية - ومن هنا نفسر
اختلاف الروايات في شكلها ومتنها - حتى بالنسبة للحديث الواحد -، وهذا الأمر



(90) إبراهيم مصطفى، في مقالة له في مجلة الآداب، نقلا عن مدرسة البصرة النحوية: 53.
69
نلاحظه حتى في الأحاديث النبوية الشريفة، فكيف في الروايات التي لا تملك تلك
القداسة والحافز الديني التي يملكها الحديث النبوي كهذه الروايات - كما سيأتي
البحث في هذا الأمر -، فلم تسجل أو تدون آراء أبي الأسود، أو آراء الطبقة الثانية
التي من بعده، لعدم شيوع التدوين آنذاك، وللاعتماد على الذاكرة والحفظ في
الصدور فحسب، والتي تكون عادة عرضة للنسيان والاهمال.
2 - بدائية آراء أبي الأسود:
وإضافة إلى تأخر التدوين " فإن مسائل النحو ليست مسائل ثابتة ولا
تتغير، وإنما هي مسائل يأخذها الخلف عن السلف، يزيدون عليها ويفرعون فيها
بحسب الضرورة الداعية والتلاميذ المتعلمين، وأظننا نشاهد ذلك بعد أن استقرت
مسائل النحو وثبتت قواعده، ونشاهد تيسيرا وتعديلا لا يختلف حقيقة مع الأصل،
ولكنه يتفق مع العقلية ومع الحاجة الداعية " (91).
فعدم ذكر رأي لأبي الأسود في كتاب سيبويه ليس لأجل عدم وجود رأي
نحوي له، بل لبعد الزمن وعدم تسجيل آرائه كتابة، بينما ذكرت آراء عبد الله بن
أبي إسحاق - مثلا - لأن الخليل كان قد تلقاها منه مباشرة ونقلها إلى تلميذه
سيبويه، وكذلك لتطور الآراء النحوية بحيث لا تتلاءم بعقليتها ومنهجيتها
وطبيعتها البدائية العامة مع كتابتها وعرضها في كتاب سيبويه - أو في غيره من
الكتب النحوية - بعد أن طورها ووسعها تلامذة أبي الأسود ومن بعدهم وفرعوا فيها
واعتمد على مناهج وأساليب وآراء تتلاءم وروح عصرها ووعيه بحيث وصلت
لسيبويه بالصورة الثانية المتطورة وليست بالشكل الذي وضعه أبو الأسود.
وحتى آراء عبد الله بن أبي إسحاق النحوية - الذي يصفه النحاة والمؤرخون
" بأنه أول من بعج النحو ومد القياس والعلل " (92) - لم تذكر ولم يألفها النحاة



(91) مدرسة البصرة النحوية، الدكتور عبد الرحمن السيد: 57.
(92) مراتب النحويين: 12.
70
بعد ذلك " يقول محمد بن سلام: سمعت رجلا يسأل يونس عن ابن أبي إسحاق
وعلمه، قال: هو والنحو سواء، أي هو الغاية فيه، قال: فأين علمه من علم الناس
اليوم؟ قال: لو كان في الناس اليوم من لا يعلم إلا علمه لضحك به ولو كان فيهم
أحد له ذهنه ونفاذه، ونظر نظره كان أعلم الناس " (93) فإذا كان شأن آراء ابن
أبي إسحاق كما ذكر فكيف يكون الحال في آراء أبي الأسود وهو متقدم زمنيا
عليه؟!
3 - الرواة المعاصرون لأبي الأسود:
ولكن كل ذلك ليس بشئ أمام ذلك الحشد الكبير من الروايات
المثبتة لهذه النسبة " وبعض الروايات لمؤرخين كانوا قريبي العهد إلى عصر وضع
النحو " (94) كما مر ذكرهم، إضافة إلى ما ذكره النحاة في كتبهم وسيبويه نفسه
" من ذكر اصطلاحات نحوية وقواعد عرفت بالنقل عن البادئين الأولين،
والناقلون هم من أوثق الثقات كالخليل بن أحمد وابن العلاء، فقد درس هؤلاء
على رجال الطبقة الثانية " (95) فإذا لم يكن البادئون الأولون أبا الأسود وتلاميذه،
إذن فمن يكونون؟! مع العلم أنه لم تفصل - كما يدل الرأي السابق - بين طبقة
الخليل وابن العلاء وبين طبقة أبي الأسود فترة زمنية واسعة، هذا كله بالإضافة
للشواهد التي ذكرناها سابقا التي تدل على وجود كتاب لأبي الأسود في النحو
وتعرض بعض الكتب النحوية لآرائه ووضعه أمثال تقسيم الكلمة.
4 - سيبويه وأبي الأسود:
وبعد ذلك كله يقول كمال إبراهيم: " وهذا كتاب سيبويه - وهو بين



(93) أخبار النحويين البصريين: 20.
(94) كمال إبراهيم، واضع النحو الأول، مجلة البلاغ، العدد 9 ص 27.
(95) كمال إبراهيم، واضع النحو الأول، مجلة البلاغ، العدد 9 ص 27.
71
أيدينا - وسند الرواية فيه، فإنه يروي عن السابقين، فإذا روى عن بعضهم فقد
يصل بالسند إلى أبي الأسود وينتهي عنده، وهذا يدل على أنه كان الواضع
الأول " (96)، إذا فسيبويه أشار إلى أبي الأسود في كتابه إما بالإيماء كتعبير
السابقين والبادئين والأولين حيث يشعر هذا التعبير بقدمهم زمنيا لا أنهم مقاربون
لعصره، أو أشار إليه بالتصريح كما ذكره كمال إبراهيم.
مع الاعتراض الرابع
ونناقش فيه مشكلة اختلاف الروايات، في سبب الوضع، وفي الشكل
اللفظي للروايات، وفي الواضع.
1 - الاختلاف في سبب الوضع:
عرفنا سابقا مدى شيوع اللحن، ومدى خطورته الدينية واللغوية، وكان
الإمام - عليه السلام - قد اطلع على بعض مضاعفات ومظاهر هذا الوباء على
الألسنة، كما أن أبا الأسود كان يلمس بين آونة وأخرى مدى انتشار اللحن بين
المسلمين نظرا لثقافته اللغوية وإحساسه باللحن وتفكيره الدائم في هذا المجال،
وكان يرى أمثالا وشواهد كثيرة للحن بين الناس، وكان ينقل بعض هذه
الشواهد والمؤشرات للإمام - عليه السلام - كما درسنا ذلك.
إذا فالسبب الذي دعا إلى وضع النحو هو (انتشار اللحن)، ولا يمكن أن
يكون اللحن منتشرا إلا إذا كانت هناك مؤشرات وشواهد عديدة تعبر عن هذا
الانتشار، أما إذا كان هناك شاهد واحد للحن - أو شاهدان - فلا تدفع مثل هذه
الضئالة الإمام - عليه السلام - أو أبا الأسود لوضع النحو، لأنه حينئذ لا يشكل حافزا
قويا فاعلا لوضعه، فإذا أدركنا ذلك عرفنا لماذا تعددت الأسباب لوضع النحو.
يقول عبد الرحمن السيد: ".. لأنه إذا كان السبب في التفكير في هذا



(96) كمال إبراهيم، واضع النحو الأول، مجلة البلاغ، العدد 9 ص 27.
72
العلم خطأ واحد فقد نتسأل: لقد سبق هذا الخطأ بأخطاء أخرى نبه إليها، وعيب
بها قائلوها، فلم لم يدفع واحد منها إلى وضع هذا العلم؟! ولم أهملت كلها؟! أو
اكتفي فيها كلها بمجرد التصويب والتصحيح، والحق أن النفس تميل إلى تعدد
الأسباب والأخطاء، وأن هذا التعدد في الخطأ والتنوع فيه هو الذي حفز الهمة
وقوى الرغبة في محاولة التخلص منه " (97) فكانت هناك أخطاء نحوية قليلة صدرت
قبل هذه الفترة، ولكنها لم تحفز على التفكير في وضع النحو، وذلك لقلتها
وضالتها، وإنما بدأ التفكير حينما اتسعت ظاهرة اللحن - للعوامل التي ذكرناها
سابقا، والتي كانت تشجع على هذا الانتشار والاتساع - وخوفا من تزايد هذه
الظاهرة في المستقبل بحيث يصعب علاجها.
2 - الاختلاف في متون النصوص:
كما نرى ذلك في بعض الروايات الواردة في هذا المجال، ولكننا نلاحظه
أن هذا الاختلاف لا يقتصر عليها فحسب، بل نراه أيضا حتى في الأحاديث
النبوية الشريفة مع وجود حوافز أقوى وأكثر لحفظها وعدم إهمالها ونسيانها، كل
ذلك لأجل عدم وجود التدوين وتأخر الكتابة، والاعتماد على الذاكرة في
حفظها، والنقل بالمعنى للأحاديث لا نقل اللفظ وهذه الحالة تفرض هذا
الاختلاف في المتن والشكل - ولو بصورة جزئية - لا تؤدي إلى الاختلاف الكبير في
المعنى والمضمون.
3 - الاختلاف في الواضع:
فإن بعض الروايات - كما رأينا - تدل على أن أبا الأسود هو الذي وضع
النحو، بينما البعض الآخر منها تدل على وضعه النحو بتوجيه من الإمام
- عليه السلام - بعد أن وضع له بعض القواعد الأساسية ليسير على ضوئها، إذا



(97) مدرسة البصرة النحوية: 50.
73
فكيف نجمع بين هذه الروايات المختلفة؟
1 - ولكن - وكما لا حظنا في فصل سابق - فإن الروايات والأدلة لم تجمع
على أبي الأسود فحسب، بل إن أكثر الروايات، بل ما يقارب الاجماع تنسب وضع
النحو للإمام - عليه السلام -، وأنه تلا بعض القواعد الرئيسية على أبي الأسود وأشار
عليه أن يواصل البحث من خلالها، فوسع فيها أبو الأسود وأضاف إليها قواعد
وآراء أخرى اكتشفها من خلال بحوثه وتجاربه في هذا المجال، أو كما يقول
عبد الرحمن السيد: " وهذه الروايات تكاد تجمع أيضا على أن أبا الأسود وضع
النحو بإرشاد علي - رضي الله عنه - وبعضها يروي ذلك على لسان أبي الأسود
نفسه، وقلة منها تجعل أبا الأسود هو مبتكر هذا العلم ومبدعه دون أن يطلب إليه
ذلك أحد أو يوجهه فيه موجه " (98).
فإذا اعترف أبو الأسود نفسه بأخذه النحو من الإمام - عليه السلام -
واعترف بهذه النسبة نفس القائلين بوضع أبي الأسود للنحو وهي أكثر بكثير من
الروايات التي تنسب وضع النحو لأبي الأسود بصورة مستقلة، بل ربما قام الاجماع
على ذلك. هذه المرجحات وغيرها ترجح الرأي والروايات التي تدل على دور
الإمام - عليه السلام - في وضع النحو، بينما الروايات التي تعتبر أبا الأسود مستقلا في
وضع النحو لا تملك مثل هذه المرجحات التي تملكها تلك الروايات التي تدل
على دور الإمام - عليه السلام - في وضع النحو.
2 - إننا لو تتبعنا " نهج البلاغة " وأحاديث الإمام - عليه السلام - في مختلف
المجالات، ومن خلال سيرته الفكرية والحياتية - بغض النظر عن مقدرة الإمام
المعصوم كما يؤمن بها الشيعة - لرأينا أن الإمام أوسع من أبي الأسود ثقافة واطلاعا
على لغة العرب، وأكثر تركيزا ووعيا في شتى القضايا وأكثر فهما واهتماما
لاحتياجات المسلمين، وبالحفاظ على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فعندما
ننسب النحو لأبي الأسود فمن طريق أولى نسبته للإمام - عليه السلام - على أساس



(98) مدرسة البصرة النحوية: 49.
74
الخصائص التي يتميز بها الإمام - عليه السلام - فهو يملك أكثر المؤهلات التي تؤهله
لوضع النحو، وليس هناك مانع يمنعه عن ذلك والروايات الكثيرة وإجماع
المؤرخين كلها تدل على وقوع هذه الحقيقة أيضا.
إذا فلا يمكن لنا أن ننكر دور الإمام - عليه السلام - في وضع النحو، كما
لا يمكن أن ننكر دور أبي الأسود ومشاركته في ذلك، فالرأي الصائب أن نقول:
إن الإمام - عليه السلام - وضع بعض القواعد الرئيسية في النحو، وفتح عيون أبي
الأسود على هذا العلم، ووجهه إلى الطريق وأكد عليه مواصلة البحث فيه،
فأضاف أبو الأسود - على ضوء ذلك - أبوابا وقواعد أخرى للنحو، ووسع وطور ما
وضعه الإمام - عليه السلام -.
وعلى هذا الأساس فإن عملية الوضع قد شارك فيها الإمام - عليه السلام -
وأبو الأسود، وكان لكل منهما دوره الفاعل الخلاق في هذا المجال، وبذلك يمكن
الجمع والتوفيق بين هذه الروايات المتعارضة صوريا، فلا حاجة إلى طرح بعضها
والالتزام بالبعض الآخر ما دام الجمع ممكنا اتباعا للقواعد والمقاييس المتبعة في
مجال الروايات المتعارضة، حيث أن (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح)، فذكر
الإمام بعض القواعد العامة، وواصل أبو الأسود المسير في تفريعاتها وتطويرها
وإضافة أبواب لها بتوجيه من الإمام - عليه السلام - وتأكيد منه على ذلك، لأنه
تلميذه المتميز بالخبرة اللغوية، والذهنية الوقادة، كما ذكرنا عن خصائصه
فيما سبق.
ولكن هناك من ينكر نسبة النحو للإمام - عليه السلام - على اعتبار أن
الأخبار والروايات التي تثبت نسبة النحو للإمام - عليه السلام - هي من وضع
الشيعة الذين يحاولون نسبة كل علم لأئمتهم - عليهم السلام - أو أصحابهم،
وأتباعهم، فهي موضوعة لسبب مذهبي.
فيقول أحمد أمين: " وأخشى أن يكون ذلك من وضع بعض الشيعة

75
الذين أرادوا أن ينسبوا كل شئ إلى علي وأتباعه " (99).
ويقول سعيد الأفغاني: " وفي النفس شئ من نسبة الأولية في وضع
النحو وسائر العلوم لعلي بن أبي طالب " (100).
وهناك غيرهما من ينكر هذه النسبة لهذا السبب المذهبي.
ونناقش هذا الرأي:
1 - إننا لو نسبنا تهمة الوضع للروايات التي تنسب وضع النحو للإمام
- عليه السلام - لأمكن لنا أن ننسب نفس التهمة للروايات التي تسنده لأبي الأسود،
إذ كان أبو الأسود - باعتراف الجميع - من أقطاب الشيعة وكبارهم، إذا فلنتهم
هذه الروايات بالوضع أيضا، بالإضافة إلى أن أبا الأسود أدنى درجة من الإمام
- عليه السلام - علميا وفكريا وأدبيا ولغويا - وهما من عصر واحد - فتكون التهمة
بالنسبة إليه أشد منها بالنسبة للإمام - عليه السلام - لما يملكه الإمام - عليه السلام -
من المؤهلات التي تفوق مؤهلات أبي الأسود في هذا المجال.
2 - إن الروايات التي تنسب وضع النحو للإمام - عليه السلام - أكثر رواتها
ورجالها من غير الشيعة، وأكثر المصادر التي ذكرتها غير شيعية، بل أكثر من قال
بنسبة النحو للإمام - عليه السلام - والتزم بهذا الرأي من غير الشيعة، فلو كان فيها
أقل ريب أو شبهة لحاول الكثير الطعن فيها أو أغفلها، مع محاولة الكثير التكتم أو
الطعن في الروايات الشيعية، فلا بد أن تكون هذه الفضيلة والنسبة قد بلغت حدا
كبيرا من الشيوع والانتشار والواقعية بحيث لا يمكن للكثير إغفالها أو الطعن فيها،
وليس لهم إلا التسليم للأمر الواقع، فذكرهم للروايات والآراء في كتبهم دليل على
عدم وجود مغمز فيها، ودليل على وصولها إلى الحد الذي لا يقبل الطعن والزيف
والوضع، يقول محمد الطنطاوي بعد ذكر موجة العداء للشيعة: " فكيف يدعون



(99) ضحى الإسلام 2 / 285.
(100) من تاريخ النحو: 11.
76
أمرا خطيرا كهذا يمضي على كر الزمان، ويخلد في بطون الأسفار، وهم أحر الناس
على الغض من شأن العلويين وشيعتهم، ولا سيما في مثل هذا الشأن ذي البال
والأثر الخالد " (101) ومراده من الأمر هو نسبة وضع النحو للإمام - عليه السلام -
ولأبي الأسود.
3 - إن الشيعة يدعون أن أكثر العلوم منسوبة لأئمة أهل البيت
- عليهم السلام - وأتباعهم، والحقائق التاريخية تثبت ذلك ولا يدعون ذلك جزافا
بدون أدلة مقنعة وقوية، إذ تدل الروايات الصحيحة والحقائق التاريخية التي
يذعن بها حتى خصومهم على نسبة أكثر العلوم إليهم (102) فلا يوجد هناك مبرر
لاستثناء النحو منها، وهناك عوامل كثيرة أدت إلى نشأة أكثر العلوم على أيدي
الشيعة ليس هنا مجال ذكرها، ومنها أن الشيعة تفرغوا أكثر للأعمال الفكرية
والثقافية وبذل جهودهم في مثل هذه المجالات.
4 - وبالإضافة لذلك كله، ما ذكرناه في موضوع " الاختلاف في الوضع "
من كثرة الروايات والآراء، ومن دلالة " نهج البلاغة " وغيرها على ذلك، فمن
الروايات ما ذكره الحافظ ابن كثير في ذيل تفسيره " فضائل القرآن " ص 15 - طبع
في ذيل المجلد الرابع -: " قد توجد مصاحف على الوضع العثماني يقال إنها بخط
علي - رضي الله عنه - وفي ذلك نظر، قال في بعضها (كتبه علي بن أبي طالب)
وهذا لحن من الكلام، وعلي - رضي الله عنه - من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما
هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو - فيما رواه عنه أبو الأسود ظالم بن
عمرو الدؤلي - وأنه قسم الكلام إلى: اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها
أبو الأسود بعده، ثم أخذ الناس عن أبي الأسود فوسعوه فصار علما مستقلا " وهو
يؤكد ما ذكرناه من الجمع بين الروايات المختلفة في هذا المجال، وعن بدائية النحو
الذي وضع.



(101) نشأة النحو: 23.
(102) لاحظ كتاب " تأسيس الشيعة لفنون الإسلام " ففيه الكثير من الأدلة على هذه الحقيقة.
77
وقال ابن جني في الخصائص 2 / 8 - الطبعة الحديثة، تحقيق محمد علي
النجار -: " وروي من حديث علي - رضي الله عنه - مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ
(إن الله برئ من المشركين ورسوله) حتى قال الأعرابي: برئت من رسول الله!!
فأنكر ذلك علي - عليه السلام - ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه ما لا
يجهل موضعه... ".
وغيرها من الروايات التي ذكرنا بعضها في هذه الدراسة، وهناك كثير لم
نذكره - تراجع في الكتب - كلها تؤكد على دور الإمام - عليه السلام - في وضع النحو.
زمن الوضع ومكانه:
يبقى هنا زمن اكتساب أبي الأسود النحو من الإمام - عليه السلام
ومكانه.
هناك روايات عديدة تصرح بأن أبا الأسود كان قد أخفى النحو حين
اكتسبه من الإمام - عليه السلام - بالإضافة إلى أن " الكثير من المؤرخين يشير إلى أن
حين أخذ العلم من الإمام علي أو وضعه من نفسه لم يخرجه إلى أحد " (103).
ومن ذلك ما قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى: " أخذ أبو الأسود عن علي
ابن أبي طالب - عليه السلام - العربية فكان لا يخرج شيئا ما أخذه عن علي بن أبي
طالب - عليه السلام - إلى أحد حتى بعث إليه زياد: اعمل شيئا تكون فيه إماما
ينتفع الناس به " (104).
ونحن لا نستبعد هذا الرأي لأننا نعلم أن أبا الأسود اكتسب النحو من
الإمام - عليه السلام - حين جاء الإمام - عليه السلام - إلى العراق - كما ذكرت ذلك
بعض الروايات التي ذكرنا قسما منها في فصول هذه الدراسة - ولا يمكن أن يكون
مثل هذا الاكتساب قد حصل حين كانا في المدينة، إذ اتصلت بوضع النحو بعض



(103) مجلة الأقلام، السنة الرابعة، العدد 6 ص 104.
(104) أخبار النحويين البصريين: 12.
78
الحوادث، كشيوع اللحن مثلا الذي كان منتشرا في العراق بعد انتشار الأجانب
فيه وتوسع البلاد الإسلامية واختلاطهم بالشعوب والثقافات الأخرى، بالإضافة
إلى أنه ليس هناك من مبرر وسبب يفرض التكتم على النحو وإخفائه خلال هذه
المدة من حين اكتسابه من الإمام - عليه السلام - حين كان في المدينة يتعلم
ويدرس الثقافة الإسلامية على يد الإمام - عليه السلام - إلى حين ولاية زياد في أيام
معاوية.
فالرأي الراجع هو أن أبا الأسود اكتسب القواعد الأساسية للنحو من
الإمام - عليه السلام - حين مجيئه إلى العراق، وبعد أن لمس انتشار اللحن وأدرك
أخطاره الكبيرة - في المجال الديني خاصة -، ولكن هناك عوامل كثيرة أدت إلى
إخفائه - سنذكر بعضها في موضوع التنقيط - ولعل منها ظروف تلك المرحلة المثيرة
الصاخبة التي أدت إلى عدم الاعلان عنه إلى أن تهدأ الأجواء، لأن أبا الأسود
كان مشاركا أيضا في شتى المهام والنشاطات العسكرية والسياسية والاجتماعية
في تلك المرحلة - كما ذكرنا ذلك في ترجمته - ولكن بعد شهادة الإمام
- عليه السلام - في محراب مسجد الكوفة، وحين هدأ الجو لأبي الأسود ولم تعد
الحوادث والمناصب تستغرق أوقاته حينذاك - كما ذكرنا في ترجمته - تفرغ إلى
البحث والدراسة وأظهر ما اكتسبه من الإمام - عليه السلام - بعد إلحاح الحاجة
والضرورة على ذلك، ولم يكتف بما اكتسبه من الإمام - عليه السلام - بل حاول
التوسع فيه جهد طاقته وبما يملكه من فكر وثقافة.
وحين كان يجلس في مسجد البصرة ويتردد عليه بعض طلاب الثقافة أو
حين كان يجتمع مع الناس في كل مكان كان يعرفهم حينذاك على هذه الفكرة
الجديدة وعلى كيفية ولادتها.
مع الاعتراض الخامس
ونناقش فيه الرأي الذي يذهب إليه المعارضون بأن المراد من العربية أو

79
النحو - في الروايات - هو تحريك المصحف الشريف بتنقيطه وليس النحو بمعناه
المصطلح.
وقبل أن ندخل في مناقشتنا لهذا الرأي يجدر بنا أن نبحث حول عملية
تحريك المصحف الشريف بالتنقيط والتي قام بها أبو الأسود بإجماع القدماء.
فتذكر - في الكتب والمصادر القديمة والحديثة - الطريقة التي ابتكرها أبو
الأسود في تحريك المصحف الشريف وهي في واقعها الأساس للحركات الإعرابية
التي تعتمد على المعرفة النحوية واللغوية وتدل أيضا على قوة الابداع والابتكار
التي يملكها أبو الأسود وهو يؤكد أكثر إبداعه لعلم النحو، فيقول أبو العباس المبرد
عن أبي الأسود: " أول من نقط المصاحف " (105)، ويقول السيرافي: " كان أبو
الأسود لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي بن أبي طالب - عليه السلام -
إلى أحد حتى بعث إليه زياد وقال له: اعمل شيئا لتكون فيه إماما
ينتفع به الناس وتعرب به كتاب الله، غير أن أبا الأسود رفض حتى سمع قارئا
يقرأ: (إن الله برئ من المشركين ورسوله) فقال: ما ظننت أن أمر الناس يصل إلى
هذا، فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما
أقول، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر، وقال أبو العباس: أحسبه
منهم، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة بين يدي
الحرف وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئا من ذلك
غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين، فهذه نقط أبي الأسود " (106) ولعل
مراده من النقطتين هو التنوين وأن التنوين علامته نقطتان. ويمكن أن يكون مراد
السيرافي من (الشئ) في قوله: " كان أبو الأسود لا يخرج شيئا مما أخذه عن
علي بن أبي طالب - عليه السلام - " هو تنقيط المصحف، ويمكن أن يكون النحو.
" ومن كتاب المطالع السعيدة لجلال الدين السيوطي قال: وأخرج ابن



(105) الإصابة - للحافظ ابن حجر - 2 / 341، والمقنع في رسم مصاحف الأمصار - للداني -: 132،
وطبقات النحويين: 5.
(106) بغية الوعاة - للسيوطي -: 374، الأغاني 12 / 269.
80
الأنباري من طريق العتبي، قال: كتب معاوية إلى زياد، ويطلب عبيد الله، فلما
قدم عليه كلمه، فوجده يلحن، فرده إلى أبيه، وكتب إليه كتابا يلومه فيه، ويقول:
أمثل عبيد الله يضيع؟! فبعث زياد إلى أبي الأسود، فقال: يا أبا الأسود، إن هذه
الحمراء - وأراد بهم العجم لغلبة الحمرة على ألوانهم - قد أفسدت ألسن العرب، فلو
وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم ويعرب به كتاب الله، فأبى ذلك أبو
الأسود، فوجه زياد رجلا، فقال له: اقعد في طريق أبي الأسود فإذا مربك فاقرأ
شيئا من القرآن وتعمد اللحن فيه، ففعل ذلك، فلما مر به أبو الأسود رفع صوته
يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) فاستعظم ذلك أبو الأسود فقال: عز وجه
الله أن يتبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره إلى زياد، فقال: قد جئتك إلى ما
سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلى ثلاثين رجلا، فأحضرهم
زياد، فاختار أبو الأسود عشرة، ثم لم يزل يختارهم حتى اختار منهم رجلا من
عبد القيس، فقال: خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي
فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحروف، فإذا
كسرتهما فاجعل النقطة في أسفل الحرف، فإن اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة
فانقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب
إليه بعد ذلك " (107).
وهناك روايات وآراء أخرى تؤكد نسبة التنقيط لأبي الأسود، وإن كان
هناك بعض الاختلاف الضئيل في متون هذه الروايات، ولكن لو تأملنا فيها لرأينا
عدم تعارضها واختلافها، إذ يمكن الجمع بينها.
والملاحظ أن هذا العمل من أبي الأسود قد تم في زمان زياد ومعاوية
- كما تؤكده الروايات - وأن أبا الأسود كان عالما به قبل هذا الزمان، وربما كان
بتعليم وتوجيه من الإمام - عليه السلام - كما تحتمله عبارة السيرافي - وكما سنذكره
بعد ذلك - ولكن بالرغم من علمه بذلك في زمان سابق فإن أبا الأسود كان



(107) نزهة الألباء: 9، وروضات الجنات 4 / 167.
81
يخفيه وكان به ضنينا، ويمكن أن نحتمل أسبابا كثيرة أدت إلى إخفائه وإلى تأخير
إظهاره إلى زمان زياد ومعاوية، يمكن أن نحتمل منها الأسباب التالية:
فربما كان السبب في التأخير الظروف السياسية والاجتماعية والحربية
الصاخبة آنذاك في الفترة التي عاشها أمير المؤمنين - عليه السلام - حيث لم تسمح له
بنشر هذا العمل.
وربما كان السبب هو المنع الذي كان مفروضا على التدوين والكتابة
عامة وخاصة بما يرتبط بالشريعة الإسلامية، وبالأخص على أصحاب أمير المؤمنين
- عليه السلام - ومواليه وشيعته، خوفا من كتابة ونشر بعض الكتابات التي ترفع
من شأن أهل البيت - عليهم السلام - وتحط من أعدائهم ومخالفيهم، فالشيعة كانوا
مطاردين في تصرفاتهم وأقوالهم وكتاباتهم، لذلك لم تسمح السلطة بأمثال هذه
الأعمال منهم، فربما لو كان أبو الأسود يبدأ بهذا العمل من نفسه لم يكن له مثل
هذا الانتشار والتأثير، وربما حاربته السلطة الحاكمة، ولكنه كان ينتظر الفرصة
المناسبة التي يشعر بها المسؤولون والحكام أنفسهم بخطورة اللحن على الأمة وبإلحاح
من الظروف والناس ليطلبوا منه أو من غيره القيام بهذا العمل.
وربما كان حجة الذين منعوا من التدوين والكتابة بصورة عامة، وخاصة
بما يرتبط بالشريعة الإسلامية، هو الخوف من اختلاطها بالقرآن الكريم،
وبذلك لا يحافظ على أصالة القرآن الكريم وسلامته.
إذا فكيف بمثل هذا العمل الذي يتعرض بصورة مباشرة للقرآن الكريم
ومحاولة تحريكه وتشكيله وإضافة بعض الكتابات فيه، مما يكون عامل المنع فيه
أقوى، وهذه الحجة وإن كان وراءها دوافع وأغراض سياسية، ولكن قد تذرع بها
البعض للمنع من التدوين والكتابة.
أو أن السبب في ذلك عدم انتشار اللحن في القرآن الكريم وفي كلام
العرب، وإنما أخذ بالانتشار والذيوع بعد اختلاط العرب بغيرهم مما أدى إلى
ظهور اللحن باتساع وإلى الشعور أكثر بخطورة المشكلة.

82
أو أن السبب هو احتياط بعض المسلمين وتورعهم عن إضافة بعض
الكتابات في المصحف الشريف، لأنهم كانوا يشعرون بأنه يلزم الحفاظ على
المصحف الشريف كما نزل على النبي - صلى الله عليه وآله - دون إضافة، ومن هنا
كان تجنبه تورعا عن القيام بمثل هذا العمل، ولكن بعد أن أدرك أن الضرورة
الإسلامية تحتم عليه القيام بهذا العمل، قام به خير قيام، وكما قال الدكتور شوقي
ضيف: " كان ذلك عملا خطيرا حقا فقد أحاطوا لفظ القرآن الكريم بسياج يمنع
اللحن فيه " (108) ويقول الدكتور مازن المبارك: " ومعنى وضع أبي الأسود لشكل
المصحف أنه وضع الضوابط التي تمنع القارئ من الزلل أو اللحن في القرآن،
وهل للنحو غاية أخرى أبرز من حفظ اللسان من الخطأ؟! " (109).
وهناك عوامل أخرى - ربما لا نعلمها - كانت السبب في تأخير أبي الأسود
إظهار هذا العمل، وتشمل بعض هذه الأسباب النحو أيضا، إذ تأخر أبو الأسود في
الاعلان عنه أيضا.
أما عن وجود هذا المصحف الذي شكله أبو الأسود، فهل هو موجود
أوضاع كما ضاع الكثير من كتب التراث؟
ذكر السيد محسن الأمين في كتابه " أعيان الشيعة " أنه رأى في خزانة
الكتب الشريفة الرضوية مصحفا بخط الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - عليه مثل
هذا الشكل والتنقيط، وهذا يؤيد ما ذكرناه بأن أبا الأسود قد تلقى تحريك
المصحف بالتنقيط من الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - كما تلقى النحو منه إلا أن
نقول بأن تحريك هذا المصحف الشريف الذي كتبه الإمام - عليه السلام - بخطه
قد أضيف إليه من قبل أبي الأسود أو غيره - بعد كتابته - كما يحتمل ذلك السيد
الأمين.
يقول السيد محسن الأمين عن القرآن المنسوب إلى خط أمير المؤمنين



(108) المدارس النحوية - للدكتور شوقي ضيف -: 17.
(109) النحو العربي - مازن المبارك -: 30.
83
- عليه السلام -: " جزء من القرآن منسوب إلى خطه الشريف أيضا - أي أمير المؤمنين
عليه السلام - من أول سورة هود إلى آخر سورة الكهف، بشكل ما نسميه سفينة
ويسميه الفرس بياضا، أي أن أسفل كراريسه من جهة العرض لا من جهة
الطول، وكذلك باقي المصاحف التي رأيناها، رأيناه في خزانة الكتب الشريفة
الرضوية في 12 ربيع الثاني 1353، عند تشرفنا بزيارة مشهد الرضا - عليه السلام -،
مكتوب على الجلد الرقيق الذي لا يفترق كثيرا عن الكاغذ بخط كوفي غير منقط،
وعليه نقط بالحمرة مدورة هي علامات على الشكل، والظاهر تأخرها عن كتابته،
فللكسرة نقطة تحت الحرف، وللفتحة نقطة فوقه، وللضمة نقطة أمامه، وإذا كان
في وسط الكلمة توضع النقطة بجانبه، وللتنوين نقطتان فوقه للمنصوب، وتحته
للمخفوض، وأمامه للمرفوع، أما الحرف الساكن فليس عليه علامة، وقد كانت
المصاحف أولا غير منقطة، لا للإعجام ولا للشكل.
وأول من نقطها للشكل أبو الأسود الدؤلي في إمارة زياد، كان يقول
للكتاب: إذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممت
في فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف،
وذكره ابن النديم في الفهرست وزاد ابن الأنباري في نزهة الألباء: فإن اتبعت
شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين، وهذا بعينه تنقيط المصاحف التي
رأيناها، وهو يؤيد أنها بخطوطهم - عليهم السلام -، وفي آخره سطرين هكذا:
كتبه علي بن
أبي طالب
وجلده مذهب، موضوع في صندوق مذهب، كلاهما في غاية الإتقان،
مكتوب على جلده: وقف الشاه عباس الصفوي سنة 1008، عدد أوراقه 68،
سطور كل صفحة 15، طوله 34 سانتيما، عرضه 23 سانتيما، قطره 3
سانتيمات، وكتب الشيخ البهائي على ظهره بخط يده ما صورته: هذا الجزء من
القرآن المجيد الذي هو بشريف خط سيد الأوصياء، وحجة الله على أهل الأرض

84
والسماء، نفس الرسول، وزوج البتول، وأبي السبطين، وإمام الثقلين، والمخصوص
باختصاص إنما وليكم الله، المعزز بإعزاز من كنت مولاه فعلي مولاه... " (110).
ثم يذكر السيد الأمين أنه توجد نسخة أخرى من القرآن الكريم بخط
منسوب للإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - وهو " كالجزء السابق بجميع مميزاته
سوى أن سوره غير سوره، ونقط قليلة خضر من تحت وفوق، وأقل منها زرق غير
نقط الشكل الحمر لم نتحقق المراد منها، وفي آخره في سطرين هكذا:
كتبه علي بن
أبي طالب "
وهكذا نرى بأن أبا الأسود كان قد تلقى علومه من الإمام أمير المؤمنين
- عليه السلام -، ولا عجب في ذلك فإنه من تلامذته وأصحابه الموالين والمخلصين
- كما ذكرناه في ترجمته -، ولعله كان لدين مصحف بخط الإمام - عليه السلام -
مشكل بهذا الشكل، وهو الذي أخذه من الإمام - عليه السلام - وهو الذي كان به
ضنينا - كما في قول السيرافي -.
وبعد هذا الذي ذكرناه حول عمل أبي الأسود في تحريك المصحف
الشريف بالتنقيط، نعود لمناقشة هذا الاعتراض، ومناقشته تكون على خطوات:
1 - فالملاحظ أن المعارضين الذين يعارضون نسبة النحو - بمعناه المصطلح -
لأبي الأسود، جميعهم يؤيدون نسبة التنقيط والتحريك إليه، مع أن عملية تحريك
المصحف الشريف بالتنقيط - وبالصورة التي ذكرت، والتي رويت عن أبي الأسود
نفسه - تعتمد على ملاحظة حركات الإعراب، وهي عملية تحتاج إلى أن يكون
صاحبها عالما ببعض الأفكار والمسائل النحوية، إضافة إلى أنها عملية لا تقل تعقيدا
وتركيزا عن عملية وضع بدايات النحو، فالقادر على التحريك لا تعصب عليه
عملية وضع النحو في بداياته، وهذه العملية يفسرها أبو الأسود كما في الرواية " خذ
المصحف، وصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق



(110) أعيان الشيعة 1 / 90.
85
الحروف، إذا ضممتها فاجعل النقط إلى جانب الحرف، وإذا كسرتها فاجعل
النقطة إلى أسفله، وإذا اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين " (111).
ونحن حينما نتأمل هذه الرواية جيدا - والتي يؤيدها حتى المعارضون لفكرة
وضعه النحو - نرى أن هذه العملية التي قام بها أبو الأسود تدل على مدى ثقافة أبي
الأسود النحوية واللغوية وعلى مدى تركيز ذهنيته وتطورها، ونرى أيضا أن هذه
الرواية تشير إلى بعض المصطلحات، كالحركات والكسر والفتح والضم، وهي
مصطلحات تدل على وجود قابلية الابداع والتركيز - ولو بصورة بدائية بسيطة - عند
بعض رجال ذلك العصر، وعلى تقدير اكتساب هذه العملية - عملية التحريك
بالتنقيط - ومصطلحاتها من السريان آنذاك - كما يتبنى هذا الرأي أحمد حسن
الزيات (112) - فإن ذلك لا يؤخر مرحلة وضعها عن زمان أبي الأسود وأنه الواضع
لها.
فالمعارضون يقولون: " بأن الأمر قد اختلط على الرواة إذ كانوا يقصدون
بالنحو ضبط الكلام على سبيل العرب وسمتها في القول، فأبو الأسود نقط
المصحف، وهذا النقط هو النحو المقصود بكلام الرواة " (113).
2 - ولكن الملاحظ من الروايات " أنها لم تكتف بأن أبا الأسود وضع
النحو أو العربية فقط، بل ذكرت أبوابا من النحو نسبت إليه، فكيف نأخذ شق
الرواية ونترك شقها الآخر؟! الأولى أن تؤخذ جميعا أو تطرح جميعا " (114) فمن
الأبواب التي ينسب وضعها إلى الإمام - عليه السلام - وبعضها تنسب لأبي الأسود:
باب التعجب والإضافة والظاهر والمضمر وتقسيم الكلمة... إلى آخره.
3 - إضافة إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن أبا الأسود وضع تشكيل
المصحف الشريف بالنقط والنحو أو العربية، فتفصل بينهما، مما يدل على



(111) إنباه الرواة: 5.
(112) تاريخ الأدب العربي: 154.
(113) نقلا عن مدرسة البصرة النحوية: 154.
(114) مدرسة البصرة النحوية: 57.
86
اختلاف معنييهما ومما يدل على أنه كان هناك فرق بين مفهومي التنقيط وبين
العربية والنحو في أذهان الرواة والمؤرخين، وأين حجر ينقل رواية تؤكد مثل هذا
الفصل بين مفهومي التنقيط والنحو، فقد نقل: " إن زيادا أمر أبا الأسود أن ينقط
المصاحف فنقطها، ورسم من النحو رسوما " (115) وهناك روايات وآراء أخرى
تؤكد وتصرح بهذا المعنى، ويقول أبو العباس المبرد: " أول من وضع العربية ونقط
المصاحف أبو الأسود الدؤلي " (116).
بالإضافة إلى أن المفهوم من كلمة النحو أو العربية غير المفهوم من كلمة
التنقيط كما هو ظاهر، فكيف يكون المعنى في كليهما واحدا؟!
ويذكر السيد محسن الأمين: " وإعراب القرآن لا دخل له بوضع علم
النحو، الذي كان في زمن أمير المؤمنين - عليه السلام - وبأمره لا بأمر زياد، ويجوز أن
يكون أبو الأسود أظهر كتابه يومئذ، وكان ألفه قبل ذلك، أو رتب يومئذ ما كان
تلقنه من أمير المؤمنين - عليه السلام - وأضافه هو إليه فجعله كتابا " (117).
وأخيرا.. فالملاحظ أن هناك علاقة وثيقة بين النحو وإعراب القرآن،
فالمتمكن من إعراب القرآن الكريم والذي يقوم بمهمة تحريك المصحف الشريف
يدل على أن له علما ومعرفة بالنحو وتركيزا في التفكير، ولكن على كل حال فإن
العمل بوضع النحو غير العمل بتحريك القرآن وتنقيطه كما يؤكد ذلك المؤرخون.
الخلاصة:
من خلال ما ذكرناه نستطيع التوصل للنتيجة التالية: إن الإمام
- عليه السلام - شعر بضرورة وضع القواعد التي تحفظ اللسان من الخطأ، وخاصة في
قراءة القرآن الكريم بعد أن وجد اللحن شائعا على الألسنة، وبما أنه خليفة



(115) الإصابة - لابن حجر - 2 / 241.
(116) الأغاني.
(117) أعيان الشيعة 1 / 162.
87
المسلمين آنذاك كانت عليه مهمة الحفاظ على سلامة القرآن الكريم من اللحن،
وبما أن الأسود كان مرجعا للخلفاء والولاة في القيام بمثل المهام التي تمس
اللغة العربية - نتيجة لثرائه في اللغة ولذكائه ومستواه الثقافي - فأعطى الإمام
- عليه السلام - مهمة وضع هذه القواعد لأبي الأسود بعد أن مهد له الطريق بوضع
بعض القواعد الأساسية ليسير على ضوئها ويواصل البحث من خلالها، وقد سار أبو
الأسود في هذا الدرب الذي رسمه الإمام - عليه السلام - وواصل البحث فيه بصورة
أشمل فاكتشف بعض المسائل والأبواب النحوية التي ترتبط وثيقا بشيوع اللحن،
أي أن المجال الذي يشيع فيه اللحن كان يدفع أبا الأسود للبحث والنظر فيه حتى
بأخذ فكرة عامة عنه، وبسيطة بدائية لا فكرة مفصلة متطورة كالتي نراها اليوم في
الكتب النحوية، ولذلك قلنا: إن النحو الذي وضعه أبو الأسود كان بدائيا
بسيطا، ويقتصر على أبواب قليلة دعت إليها الحاجة وضرورة محاربة شيوع اللحن
فيها خاصة.
والدليل على هذا الرأي: تواتر الروايات، وتضافر الآراء، وكثير من
الرواة قريبو العهد بعصر الإمام - عليه السلام -.
وقد احتمل البعض اكتساب النحو من الحضارات الأجنبية، ولم يتم
مثل هذا الاتصال الوثيق بالثقافات الأجنبية إلا في زمن متأخر من عصر الإمام
- عليه السلام -.
ولا يمكن أن يكون الاكتساب من النحو اليوناني، لأن النحو العربي كان
موجودا قيل ترجمة الكتب اليونانية، ولأنه يختلف في طبيعته عن النحو اليوناني.
وكذلك لا يمكن أن يكون مكتسبا من النحو العبري، لأن مرحلة نشأته
متأخرة عن النحو العربي.
إذا فلا بد أن يكون الاكتساب من النحو السرياني - على القول بأنه
سبق النحو العربي في وضعه - لوجود السريانيين في المجتمع الإسلامي
آنذاك، ونتيجة لاحتكاك المثقفين من العرب بهم انتقل النحو منها.

88
ولكن هذا الاحتمال لا يؤخر بداية النحو عن تلك الفترة من عصر
الإمام - عليه السلام - إذ أن السريانيين دخلوا الإسلام في خلافة عمر، وهم كانوا
مقيمين داخل المجتمع الإسلامي، فيحتمل - ما دام الأمر يقوم على الاحتمال
والفروض دون الاعتماد على الروايات التي لا تشير إلى هذه الفكرة - أن اطلع
الإمام - مع الغض عن فكرة علم الإمام المعصوم - أو اطلع أبو الأسود على ثقافة
السريان وعلى نحوهم فاكتسب منهم بعض قواعدهم وآرائهم النحوية، ولا يمنع
مثل هذا الاتصال والاكتساب أي مانع.
لكن هذا الاحتمال الأخير إنما يعتمد على الفرض والاحتمال دون أن
يكون له أي سند روائي، وكذلك يعتمد على القول بأن النحو العربي مكتسب
وليس أصيلا، وهذا الفكرة الأخيرة ينفيها كثير من المحدثين من العرب
والمستشرقين، بالإضافة إلى أن التاريخ لا يشير أبدا إلى فرضية الاكتساب مع
اختلاف طبيعة النحو السرياني عن النحو العربي، كما ذكره البعض.
وعلى أي احتمال، فإن بداية وضع النحو العربي لا تخرج من تلك الفترة
- فترة عصر الإمام (عليه السلام) - سواء قلنا بأصالة النحو العربي في بداياته كما هو
الرأي الحق، ورأي إجماع القدماء وبعض المعاصرين، أو قلنا بأنه مكتسب من
النحو السرياني كما هو رأي البعض الآخر من المعاصرين.
والحمد لله رب العالمين.
هاشم الهاشمي

89
الشيخ المفيد..
دراسة في كتبه الكلامية
الشيخ محمد علي الحائري الخرم آبادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين
الطاهرين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
وبعد: فإن التحقيق في حياة العظماء الذين صاروا سببا لتحولات عظيمة
في عالم العلم والفكر، لا بد أن يكون بعد التحقيق في المجتمع الذي عاشوا فيه من
الناحية السياسية والدينية والفكرية.
ونحن الآن في قبال شخصية لها أبعاد مختلفة، كل بعد منها يحتاج إلى
تحقيقات واسعة في جهات شتى، وشخصية المفيد - رحمه الله - تشبه محيطا مواجا
لا يمكن الغوص فيه وسبر أعماقه بسهولة لكل أحد، بل يحتاج إلى المحققين الكبار
الذين يستطيعون أن يتحفونا بنفائس من جواهر هذا الخضم الزاخر.
الشيخ المفيد - رحمه الله - متكلم ومحدث وفقيه وأصولي وفيلسوف ومؤرخ،
وبكلمة واحدة هو موسوعي الثقافة جامع لعلوم عصره، وقد برز في جميع المعارف
الإسلامية، واشتهر في الآفاق، إلى الحد الذي لا يقدر كبار علماء الأديان
وأصحاب المذاهب والآراء مقاومته في البحث والمناظرة، وكان يتغلب عليهم
ويفلجهم بالحجة الواضحة والبرهان الدامغ وهم أعلام الأديان وفحول العلماء

90
وأساطين المذاهب.
وهذا أمر اعترف به جميع المؤرخين حتى المتعصبين منهم، فلأجل ذلك
يأملون موته، وبزعمهم الباطل يطلبون من الله التخلص منه. فهذا الذهبي في كتابه
" العبر في خبر من غير " يقول: " والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضا: بابن المعلم، عالم الشيعة وإمام
الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طي في تاريخه - تاريخ
الإمامية -: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه
والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة العظيمة، في الدولة البويهية.
قال - أي ابن أبي طي -: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير
الصلاة والصوم، خشن اللباس. وقال غيره: كان عضد الدولة ربما زار الشيخ
المفيد. وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر، عاش ستا وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي
مصنف، كانت جنازته مشهورة، وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة
والخوارج، وأراح الله منه [!] وكان موته في رمضان رحمه الله " (1).
ويذكر ابن كثير في تاريخه أن: " عبيد الله بن عبد الله بن حسين أبو
القاسم الخفاف، المعروف بابن النقيب، كان من أئمة السنة، وحين بلغه موت
ابن المعلم فقيه الشيعة سجد لله شكرا، وجلس للتهنئة، وقال: ما أبالي أي وقت
مت بعد أن شاهدت موت ابن المعلم " (2).
نعم، هكذا يتمنون موت من تربى في حجر مدرسة أهل بيت الوحي
والرسالة عليهم السلام؟!
فبعد أن مضى من انبثاق الإسلام أكثر من ثلاثة قرون، ما تفتأ السلطة
الحاكمة والأيادي الخبيثة المتصلة بها لحظة واحدة عن الضغط والمكر والغدر
واللئامة في حق أهل بيت النبوة، وهدم مذهبهم، ومحو الآثار والمعارف الإسلامية



(1) العبر في خبر من غير 3 / 15 و 114، طبع دائرة المطبوعات والنشر في الكويت 1961.
(2) البداية والنهاية في التاريخ - لابن كثير - 12 / 18، طبع مطبعة السعادة المصرية.
91
التي صدرت من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
فبنو أمية، فعلوا ما فعلوا في حق علي وأولاده الكرام - عليهم السلام -، وآل
العباس - أيضا - بلغوا في ظلم آل الله واضطهادهم ما لم يسبقهم إليه سابق حتى قيل
في ذلك:
تالله ما فعلت أمية فيهم * معشار ما فعلت بنو العباس
ففي مجتمع بهذه الخصوصية، والآفاق السوداء، أقام المفيد - رحمه الله - علم
الانتصار لسيد المظلومين أمير المؤمنين علي وأولاده المعصومين - عليهم السلام -،
وتحمل في هذا السبيل جميع المصائب والمكاره من الطعن واللعن والطرد والتبعيد.
حارب المفيد - رحمه الله - بسيف اللسان والقلم، فقال وأفاد وكتب، حتى
خضع له أكابر عظماء العصر من المتكلمين والفقهاء والمحدثين وغيرهم.
وقد قبلت الأوساط العلمية الإسلامية ما أسسه في المعارف الإسلامية مما
استقاه من أهل بيت الوحي والسفارة.
ولم ترق هذه العظمة لبعض المتعصبين الذين ليس لهم أي شأن من شؤون
الإنسانية، فوجهوا إليه شتى التهم التي كانوا متخصصين في اختراعها متفننين في
ابتداعها.
فهذا الخطيب البغدادي بلغ الغاية في خباثة اللسان في الطعن على شيخنا
المعظم، قال في تاريخه: " محمد بن محمد بن النعمان، أبو عبد الله، المعروف بابن
العلم، شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنف كتبا كثيرة في ضلالاتهم
والذب عن اعتقاداتهم ومقالاتهم، والطعن على السلف الماضين من الصحابة
والتابعين وعامة الفقهاء المجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من
الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه، ومات في يوم الخميس ثاني شهر رمضان من
سنة ثلاث عشر وأربعمائة " (3).



(3) تاريخ بغداد - للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي - 3 / 231، مطبعة السعادة المصرية،
عام 1349 ه‍.
92
نعم، لا نتعجب من ذلك، لأن الخفاش لا يقدر على أن يتحمل ضوء
الشمس الساطع.
لقد صرف الشيخ المفيد - رحمه الله - عمره الشريف في سبيل الحق والحقيقة،
وكان حاصل هذه الجهود المبذولة زهاء مائتي كتاب ورسالة، حررها في
الموضوعات المختلفة.
والتحقيق حول آثار هذا المفكر الإسلامي الشيعي الكبير المؤسس، الذي
تخرجت من مدرسته شخصيات إسلامية عظيمة، يفتخر بهم التاريخ والأمة
الإسلامية، كالشيخ الطوسي، والقاضي الكراجكي، والشريف السيد المرتضى
علم الهدى وغيرهم... التحقيق حول هذه الآثار يجب أن يتم بيد رجال ذوي
همم عالية، كي يؤدوا للشيخ المفيد - رحمه الله - بعض حقوقه.
ويكفي في الدلالة على عظمة شخصيته - رحمه الله - التوقيع المبارك الصادر
من الناحية المقدسة لمولانا صاحب الأمر بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه
الشريف.
التوقيع المبارك
" للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد
ابن النعمان - أدام الله إعزازه -، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في
الدين، المخصوص فينا باليقين، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله
الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك أدام الله توفيقك
لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق... ".
وبالتدقيق في مفاد ما ورد من الناحية المقدسة وكلماتها وعباراتها، تتبين
لنا عناية صاحب الأمر - عليه السلام - المخصوصة، بالنسبة إلى الشيخ المفيد رضوان
الله تعالى عليه.

93
وفقدان الشيخ المفيد - رحمه الله - مصيبة عظيمة لأهل البيت
- عليهم السلام - ولمحبيهم وشيعتهم، فإنه:
........ * يوم على آل الرسول عظيم
اهتم الشيخ المفيد - رحمه الله - في تآليفه القيمة اهتماما بالغا بإحياء
شخصية أهل البيت - عليهم السلام -، ونشر فضائلهم ومناقبهم، وقد خصص زهاء
أربعين أثرا من آثاره الهامة بتلك الذوات المقدسة، خاصة في موضع إمامة سيد
المظلومين أمير المؤمنين علي - عليه السلام -.
نذكر هنا ثبتا منها في هذا النطاق، بإذن الله تعالى:
(1)
الافصاح في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
الذريعة 2 / 258 رقم 1051، الفهرست - للطوسي -: 158 (4)، رجال
النجاشي: 399 (5). تاريخ التراث العربي 2 / 278 (6)، أعيان الشيعة 9 / 423 (7)،
معجم المؤلفين 11 / 306 (8) الأعلام - للزركلي - 7 / 21 (9)، معجم رجال الحديث
17 / 202.



(4) الفهرست، للطوسي، طبع المكتبة المرتضوية، النجف الأشرف، وكل ما ننقل عن هذا الكتاب فمن
هذه الطبعة.
(5) رجال النجاشي، الطبعة الحروفية الجديدة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة
العلمية - قم 1407 ه‍، وكل ما ننقل عن هذا الكتاب فمن هذه الطبعة.
(6) تاريخ التراث العربي، لسزگين، تعريب: محمود فهمي حجازي وفهمي أبو الفضل، طبع الهيئة
المصرية العامة للكتاب 1978، وكل ما ننقل عن هذا الكتاب فمن هذه الطبعة.
(7) أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين، طبع دار التعارف للمطبوعات / بيروت 1403 ه‍ - 1983 م،
وكل ما ننقل عن هذا الكتاب فنم هذه الطبعة.
(8) معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مطبعة الترقي / دمشق 1380 ه‍ - 1960 م، وكل ما ننقل / عن هذا
الكتاب فمن هذه الطبعة.
(9) الأعلام، للزركلي، طبع دار العلم للملايين / بيروت - لبنان، وكل ما ننقل عن هذا الكتاب فمن هذه
الطبعة.
94
نسخة منه في مكتبة المجلس النيابي الإيراني في طهران، رقم 10547 غير
المفهرس.
نسخة في مكتبة الإمام الحكيم العامة، في النجف الأشرف، مذكورة في
فهرسها 1 / 66.
وعرف العلامة الرازي في الذريعة ست نسخ أخرى رآها فراجع.
طبع في النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، سنة 1368، في 136
صفحة، وفي إيران بالأوفسيت، ضمن كتاب " عدة رسائل للشيخ المفيد
- رحمه الله - "، منشورات مكتبة المفيد - قم، من صفحة 1 - 163.
(2)
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد
في تواريخ الأئمة الطاهرين الاثني عشر - عليهم السلام - والنصوص عليهم
ومعجزاتهم وطرف من أخبارهم وغير ذلك.
الذريعة 1 / 509 رقم 2506، الفهرست - للطوسي -: 158، رجال
النجاشي: 399، بحار الأنوار 1 / 7، أعيان الشيعة 9 / 423، معجم رجال الحديث
17 / 202، ريحانه الأدب 5 / 363، تاريخ التراث العربي 2 / 278، الأعلام
- للزركلي - 7 / 21.
وعرف سزگين 11 نسخة منها فراجع.
وطبع في طهران على الحجر سنة 1295 و 1298 و 1303 و 1317
و 1320 و 1377 و 1377 أيضا، وفي تبريز سنة 1285 و 1308 ه‍، وفي
أصفهان على الحروف سنة 1364 ه‍، وفي النجف الأشرف بالمطبعة الحيدرية.
وترجمه إلى الفارسية المولى محمد مسيح الكاشاني - المتوفى قبل 1125 ه‍ -
بعنوان " التحفة السليمانية " وطبع في إيران سنة 1303 ه‍ كما في الذريعة.

95
(3)
أقسام المولى في اللسان
رسالة في تحقيق أقسام المولى في اللسان العربي وبيان معانيه العشرة،
والمراد منه في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الغدير: " من كنت
مولاه فعلي مولاه ".
الذريعة 2 / 272، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة 9 / 423، ريحانة
الأدب 5 / 363، معجم رجال الحديث 17 / 204.
نسختان منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، مذكورتان في
فهرسها 7 / 17 [21 / 8] وأيضا - 7 / 272 ضمن مجموعة.
ورأيت ثلاث نسخ منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة
في فهرسها 1 / 93 ضمن المجموعة (78)، وفي ص 269 ضمن المجموعة (243)، وفي
ص 285 ضمن المجموعة (255).
طبعت في النجف الأشرف، من منشورات مكتبة دار الكتب التجارية،
مع المسائل الجارودية، ورسالة في النص على أمير المؤمنين بالخلافة، والثقلان، من
صفحة 20 - 28، وفي إيران ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد "، نشر مكتبة
المفيد - قم، من صفحة 186 - 193.
(4)
الإيضاح في الإمامة
بدأ فيه برد شبهات العامة وأدلتهم على إثبات الخلافة، ثم ذكر أدلة إمامة
المعصومين عليهم السلام.
الذريعة 2 / 490 رقم 1925، الفهرست - للطوسي -: 158، رجال
النجاشي: 399، أعيان الشيعة 9 / 423. معجم رجال الحديث 17 / 202، ريحانة

96
الأدب 5 / 363، تاريخ التراث العربي 2 / 278، معجم المؤلفين 11 / 306.
وقد صرح الشيخ المفيد - قدس سره - في كتاب " الإيضاح " في الفصل الأخير
من كتابه " الفصول العشرة في الغيبة " فقال: " ورسمت منه جملة مقنعة في آخر
كتابي المعروف - بالإيضاح -، فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه " (10).
توجد منه نسخة في مكتبة السيد محمد مهدي، في ضلع فيض آباد الهند، في
(الماري - 3) كما في فهرسها (11).
(5)
إيمان أبي طالب
استدل فيه على إيمان أبي طالب، وولائه ونصرته ومحبته لرسول الله - صلى
الله عليه وآله - بدافع العقيدة والإسلام لا بدافع العصبية القبلية.
الذريعة 2 / 513 رقم 2016، رجال النجاشي: 399، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 203، ريحانة الأدب 5 / 363، تاريخ التراث
العربي 2 / 278، الأعلام - للزركلي - 7 / 21، وذكره العلامة المجلسي من مصادر
البحار في 1 / 7.
نسختان منه في مكتبة المجلس النيابي الإيراني في طهران، مذكورة في
فهرسها 7 / 27 [3 / 8] و 7 / 272 ضمن مجموعة.
ونسخة في مكتبة الإمام الحكيم، في النجف الأشرف، مذكورة في فهرسها
1 / 82 [433 م].
ونسخة في مكتبة ملك، في طهران، ضمن المجموعة 6151 رقم 4.
طبع في العراق ضمن مجموعة " نفائس المخطوطات " سنة 1372 ه‍،
وضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من الصفحة 298 إلى 317 من منشورات



(10) الفصول العشرة في الغيبة، المطبوع ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد "، ص 381، إيران - قم،
مكتبة المفيد.
(11) الذريعة 2 / 490.
97
مكتبة المفيد / إيران - قم.
(6)
تفضيل الأئمة - عليهم السلام - على الملائكة
حول المفاضلة بين الأئمة الهداة المهديين من آل محمد - عليهم السلام -
والملائكة، والقول بأن الأئمة المعصومين - عليهم السلام - أفضل منهم.
الذريعة 4 / 358 رقم 1557، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204، ريحانة الأدب 5 / 364.
(7)
الجمل
أو " الجمل: النصرة في حرب البصرة ".
أو " النصرة لسيد العترة في أحكام البغاة عليه بالبصرة ".
استوفى الكلام فيها - رحمه الله - عن فتنة الجمل بالبصرة ومقالات الناس
فيها وحكم المتولين للقتال بها.
وذكر الشيخ والنجاشي كل واحد من العنوانين كتابا مستقلا.
الذريعة 24 / 177 رقم 919، الفهرست - للطوسي -: 158، رجال
النجاشي: 402، أعيان الشيعة 9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205، ريحانة
الأدب 5 /....، تاريخ التراث العربي 2 / 279، معجم المؤلفين 11 / 306.
عرف الشيخ الطهراني - رحمه الله - في الذريعة نسختان منها: الأولى عند
السيد أبو القاسم الأصفهاني المحرر، والثانية في مكتبة آل كاشف الغطاء.
ونسخة منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، رقم 10593.
ونسخة في مكتبة الإمام الرضا - عليه السلام - في مشهد، رقم 7870.
طبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف أولا، وطبع ثانية في سنة

98
1368 ه‍ في 218 صفحة، وثالثة بالأوفسيت في قم، من منشورات مكتبة
الداوري.
(8)
تفضيل أمير المؤمنين على سائر الصحابة
أو " على سائر البشر ".
أو " على جميع الأنبياء غير محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ".
الذريعة 4 / 358 رقم 1561، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، ريحانة الأدب 5 / 364، معجم رجال الحديث 17 / 205.
نسخة منه في مكتبة كلية الآداب في جامعة أصفهان، مذكورة في
" نسخه هاى خطى " لدانش پژو 5 / 304 مجموعه 40 رقم 2.
نسختان في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، مذكورة في فهرسها
7 / 50 و 7 / 272 ضمن مجموعة.
رأيت أربع نسخ منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 94 ضمن مجموعة رقم (78)، وصفحة 268 ضمن مجموعة رقم
(243)، وصفحة 286 ضمن مجموعة رقم (255)، وفي 3 / 334 ضمن مجموعة
رقم (1161).
(9)
مسألة في النص الجلي
أو " رسالة في النص على أمير المؤمنين بالخلافة ".
وهي صورة مناظرة دارت بين شيخنا المفيد مع القاضي أبي بكر محمد
ابن الطيب بن محمد بن جعفر البصري الباقلاني.
الذريعة 20 / 397 رقم 3646، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة

99
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204، تاريخ التراث العربي 2 / 278.
نسختان منه في مكتبة المجلس النيابي الإيراني بطهران، مذكورة في فهرسها
7 / 65 [25 / 8] و 7 / 272 ضمن مجموعة.
ورأيت ثلاث نسخ منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة
في فهرسها 1 / 96 ضمن مجموعة (78)، وفي صفحة 268 ضمن مجموعة (243)،
وفي صفحة 286 ضمن مجموعة (255).
نشره الشيخ محمد حسن آل ياسين في مجموعة " نفائس المخطوطات " في
بغداد، وفي النجف الأشرف مع رسالة " الثقلان " وغيرها من منشورات مكتبة
دار الكتب التجارية، وفي إيران ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من منشورات
مكتبة المفيد - قم.
(10)
كتاب في
إمامة أمير المؤمنين - عليه السلام - من القرآن
الذريعة 2 / 341 رقم 1358، رجال النجاشي: 400، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204، ريحانة الأدب 5 / 363.
(11)
المسألة المقنعة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام
الذريعة 20 / 394 رقم 3634، رجال النجاشي: 402، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205، ريحانة الأدب 5 / 364.
* * *

100
(12)
كتاب: في قوله - صلى الله عليه وآله -:
" أنت مني بمنزلة هارون من موسى "
رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة 9 /......، معجم رجال الحديث
17 / 205.
(13)
مسألة: في قوله - صلى الله عليه وآله -:
" إني مخلف فيكم الثقلين "
يبحث في هذه الرسالة حول ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وآله -:
" إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وهما كتاب الله وعترتي
أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "، ودلالته على إمامة علي
أمير المؤمنين وأولاده المعصومين من ولد فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - وفي ولد
الحسين بعد أخيه الحسن - عليهما السلام -.
وهذا الحديث بلغ حد التواتر في النقل، فقد أخرجه أعاظم علماء المذاهب
قديما وحديثا في كتبهم من الصحاح، والسنن، والمسانيد، والتفاسير، والسير
والتواريخ، واللغة، وغيرها.
الذريعة 20 / 394 رقم 3629، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205.
طبعته مكتبة دار الكتب التجارية في النجف الأشرف مع المسائل
الجارودية ورسالة في النص على أمير المؤمنين وغيرها، وطبعته مكتبة المفيد في قم
بالأوفسيت ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " صفحة 176 - 182.
* * *

101
(14)
الرد على ابن رشيد في الإمامة
الذريعة 10 / 178 رقم 369، رجال النجاشي: 402، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205.
(15)
الرد على ابن اخشيد في الإمامة
الذريعة 10 / 176 رقم 362، رجال النجاشي: 402، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205.
(16)
الرد على الخالدي في الإمامة
الذريعة 10 / 194 رقم 488، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 /....
(17)
الرد على الكرابيسي في الإمامة
يمكن أن يكون الكرابيسي في الإمامة
يمكن أن يكون الكرابيسي هذا هو: أبو علي الحسين بن علي بن يزيد
المهلبي الكرابيسي، ذكره النديم في الفهرست، وقال: " وله من الكتب: كتاب
(المدلسين) في الحديث، كتاب (الإمامة) وفيه غمز على علي - عليه السلام - " (12).
الذريعة 10 / 220 رقم 634، النجاشي: 401، أعيان الشيعة 9 / 423،
معجم رجال الحديث 17 / 204.



(12) الفهرست - للنديم - طبع طهران 1391 ه‍: 230.
102
(18)
النقض على ابن عباد في الإمامة
الذريعة 24 / 288 رقم 1483، رجال النجاشي: 399، الفهرست
- للطوسي -: 158، أعيان الشيعة 9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 203، ريحانة
الأدب 5 / 364.
(19)
النقض على علي بن عيسى الرماني في الإمامة
للشيخ المفيد - رحمه الله - مواقف مختلفة معه، ذكر بعضها في " الفصول
المختارة " وذكرت أيضا في كتب التراجم فراجع.
الذريعة 24 / 289 رقم 1494، الفهرست - للطوسي -: 158، رجال
النجاشي: 399، أعيان الشيعة 9 / 424، ريحانة الأدب 5 / 364، معجم رجال
الحديث 17 / 203.
(20)
النقض على غلام البحراني في الإمامة
الذريعة 24 / 289 رقم 1491، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 /......، معجم رجال الحديث 17 / 204.
(21)
النقض على النصيبي في الإمامة
الذريعة 24 / 291 رقم 1509، رجال النجاشي: 408، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204.

103
(22)
النقض على كتاب الأصم في الإمامة
الذريعة 24 / 290 رقم 1501، رجال النجاشي: 400، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204.
(23)
النقض على جعفر بن حرب في الإمامة
الذريعة 24 / 286 رقم 1469، رجال النجاشي: 400، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 203.
(24)
رسالة إلى الأمير أبي عبد الله، وأبي طاهر بن ناصر الدولة (نصير الدولة)
في مجلس جرى في الإمامة
الذريعة 5 / 198 رقم 916، رجال النجاشي: 402، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205.
(25)
كتاب: في تأويل قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر)
لأن الشيعة تعتقد بأن المقصود من " أهل الذكر " في هذه الآية الكريمة
هم الأئمة المعصومين من أهل بيت الوحي والسفارة عليهم السلام.
رجال النجاشي: 400، أعيان الشيعة 9 / 423، معجم رجال الحديث
17 / 204.
* * *

104
(26)
مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة
أو " التواريخ الشرعية ".
رسالة مختصرة حول الأيام المباركة والأعياد المذهبية، ومواليد أئمة أهل
البيت - عليهم السلام - ووفياتهم، والأعمال الواردة في تلك الأيام عن طرق الأئمة
الهداة المهديين.
الذريعة 20 / 375 رقم 3503، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 424، بحار الأنوار 1 / 7، ريحانة الأدب 5 / 364، معجم رجال الحديث
17 / 204، تاريخ التراث العربي 2 / 279، الأعلام - للزركلي - 7 / 21.
نسخة منها في مكتبة جستربيتي، في دبلن بإيرلندة، ذكرتها مجلة " المورد "
العراقية ج 7، العدد الأول، صحفة 205، ضمن: ذخائر التراث العربي في مكتبة
جستربيتي، ضمن المجموعة رقم 4358.
نسخة منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في فهرسها
3 / 73 ضمن المجموعة رقم (882).
ونسخة بخط زين الدين علي بن فضل، تلميذ ابن فهد الحلي، موجودة في
مكتبة السيد الصدر في الكاظمية، ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة.
نسخة في مكتبة مدرسة سپهسالار الجديدة، في طهران، ضمن المجموعة رقم
388.
نسخة في مكتبة الإمام الرضا - عليه السلام - في مشهد، رقم 2327.
نسخة في المكتبة المركزية لجامعة طهران، ضمن مجموعة، ذكرت في
فهرسها 1 / 4089.
طبعت في تبريز سنة 1313 ه‍ مع " توضيح المقاصد - للشيخ البهائي -،

105
وتقويم المحسنين - للفيض الكاشاني - ".
وطبعت أيضا في مصر سنة 1313، مع " شرح القصيدة البائية الحميرية "
كما طبعت في طهران سنة 1315 ه‍، ضمن مجموعة " ثمان رسائل ".
ونشرته مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم مع عدة رسائل أخرى ضمن
كتاب " مجموعة نفيسة ".
(27)
رسالة في تحقيق الخبر المنسوب إلى النبي: نحن معاشر الأنبياء لا نورث
من القضايا المشهورة أن السلطة الحاكمة وبعض المسلمين لم يراعوا حرمة
سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء - عليها السلام -، وقابلوها
بالاعتداء والكبت، ولم يحفظوا فيها كرامتها ولا كرامة أبيها رسول الله صلى الله
عليه وآله.
ومن تلك المظالم، منعها من فدك، نحلة أبيها رسول الله - صلى الله عليه
وآله -، واستدلوا لذلك بالخبر المنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وآله -: " نحن
معاشر الأنبياء لا نورث " واستدل الشيخ المفيد - رحمه الله - في هذه الرسالة بالبرهان
القاطع في رد استدلال السلطة الحاكمة بهذا الخبر على فرض صحة نسبته.
الذريعة 20 / 394 رقم 3631، رجال النجاشي: 402، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 205.
نسختان منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، مذكورة في
فهرسها 7 / 272 ضمن مجموعة، وفي صفحة 105 [23 / 8].
ورأيت نسختين منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة، مذكورة في فهرسها
1 / 94 ضمن مجموعة رقم (78)، وصفحة 286 ضمن مجموعة رقم (255).
طبعته مكتبة دار الكتب التجارية في النجف الأشرف مع المسائل
الجارودية وغيرها، وطبعت في إيران ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من

106
منشورات مكتبة المفيد - قم.
(28)
المسائل الجارودية
أو " مسائل الزيدية في تعيين الخلافة والإمامة في ولد الحسين بن علي
عليه السلام ".
الذريعة 20 / 351 رقم 3368، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 /....
نسخة منها في مكتبة الطهراني بسامراء وأخرى بمكتبة الحلي بالنجف
ذكرهما الشيخ الطهراني في الذريعة.
وثلاث نسخ منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 91 ضمن مجموعة رقم (78)، وصفحة 267 ضمن مجموعة رقم (243)،
وصفحة 285 ضمن مجموعة رقم (255).
ونسختان منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، مذكورة في
فهرسها 7 / 64 [15 / 8]، وصفحة 271 ضمن مجموعة.
طبعته في النجف الأشرف مكتبة دار الكتب التجارية مع رسائل أخرى
للشيخ المفيد - قدس سره -، وفي إيران ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من
منشورات مكتبة المفيد - قم.
(29)
العيون والمحاسن
الموجود منه الآن ما اختاره الشريف المرتضى - رحمه الله - بعنوان " الفصول
المختارة من العيون والمحاسن ". إلا أن صاحب الذريعة قطع بأن " العيون
والمحاسن " موجود وهو كتاب " الإختصاص " فقال: " فهذا الكتاب هو عين

107
العيون والمحاسن المصرح به في النجاشي وغيره واشتهر بالإختصاص " (13).
إلا أن " العيون والمحاسن " الذي لخصه الشريف المرتضى، يشتمل على
مناظرات الشيخ المفيد - في مباحث الإمامة - مع المخالفين ورد آرائهم، وهذا
يتفاوت من حيث الأسلوب والموضوع مع كتاب " الإختصاص "، فراجع. ويؤيد
ما ذكرنا ما ذكره العلامة المجلسي - قدس سره - في مآخذ البحار بأن " كتاب
العيون والمحاسن وكتاب الإختصاص " كتابين مستقلين.
الذريعة 16 / 244، رجال النجاشي: 399، الفهرست - للطوسي -: 158،
بحار الأنوار 1 / 7، أعيان الشيعة 9 / 423، ريحانة الأدب 5 / 364، معجم رجال
الحديث 17 / 202، معجم المؤلفين 11 / 306، تاريخ التراث العربي 2 / 278.
عرف الشيخ الطهراني في الذريعة، وسزگين في تاريخ التراث العربي
نسخا من " الفصول المختارة " فراجع.
طبع في العراق في جزءين، وأعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة الداوري في
قم.
وزعم سزگين بأنه طبع ثانيا بعنوان آخر فقال: " وطبع مرة ثانية بعنوان:
الفصول العشرة " (14)، ولا يصح هذا الزعم، لأن كتاب " الفصول العشرة "
المطبوع هو كتاب " المسائل العشرة في الغيبة " التي ذكرها المفيد في عشرة فصول.
يأتي الكلام عنه في الرقم (31).
ترجمه إلى الفارسية في أواخر القرن 11 العلامة آغا جمال الدين بن آغا
حسين المحقق الخوانساري بطلب من أحد أركان الدولة الصفوية، وطبع في طهران
سنة 1380 ه‍.
* * *



(13) الذريعة: 1 / 360.
(14) تاريخ التراث العربي 3 / 278.
108
(30)
رسالة " معنى المولى "
وهي مناظرة للشيخ المفيد - رحمه الله - مع رجل من البهشمية في معنى
المولى في قوله - صلى الله عليه وآله -: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه "، وهذه
غير رسالة " أقسام المولى " آنفة الذكر.
ذكرها الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة 2 / 272 تحت الرقم 1101
وقال: " وله مناظرة مع رجل بهشمي في معنى المولى أيضا، رأيتهما ضمن مجموعة من
مسائل الشيخ المفيد في مكتبة الشيخ الحجة ميرزا محمد الطهراني بسامراء " كما
ذكرها في 20 / 396.
رأيت ثلاث نسخ منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 91 ضمن مجموعة رقم (78)، وصفحة 268 ضمن مجموعة رقم (243)،
وصفحة 285 ضمن مجموعة رقم (255).
نسختان منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني في طهران، مذكورة في
فهرسها 7 / 29، وفي صفحة 271 ضمن مجموعة.
(31)
الفصول العشرة في الغيبة
أو " المسائل العشرة في الغيبة "
هي المسائل العشرة التي ذكرها الشيخ المفيد في عشرة فصول، في رد
الشبهات حول غيبة الإمام المنتظر - عليه السلام -، فلذا يقال له " المسائل العشرة ".
الذريعة 16 / 241 الرقم 957 و 20 / 358، رجال النجاشي: 399،
أعيان الشيعة 9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 203.
وعرف في الذريعة منها نسختين فراجع.

109
رأيت منها نسختين في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 92 ضمن مجموعة رقم (78)، وصفحة 268 ضمن مجموعة رقم (243).
ونسختان منها في مكتبة المجلس النيابي الإيراني، في طهران، مذكورة في
فهرسها 7 / 272 ضمن مجموعة، وفي صفحة 346.
طبع لأول مرة في النجف الأشرف بالمطبعة الحيدرية سنة 1370 ه‍،
وثانيا ضمن مجموعة بعنوان " خمس رسائل في إثبات الحجة " من منشورات مكتبة
دار الكتب التجارية سنة 1370 ه‍، وأعادت طبعه بالأوفسيت مكتبة المفيد في
قم في إيران ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد ".
(32)
كتاب الجوابات في خروج المهدي - عليه السلام -
في هذا الكتاب جوابات عن أسئلة قدمت للشيخ المفيد، أوله بعد الخطبة:
" سأل سائل من الشيخ المفيد - رضي الله عنه - فقال: ما الدليل على وجود الإمام
صاحب الغيبة - عليه السلام؟ ".
الذريعة 5 / 195 الرقم 899، رجال النجاشي: 401، أعيان الشيعة
9 / 423، معجم رجال الحديث 17 / 204.
نسخة منه في مكتبة الطهراني بسامراء، مستنسخة عن المجموعة العتيقة في
مكتبة آل شيخ أسد الله بالكاظمية، ذكرت في الذريعة.
نسختان منه في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، رأيت أولاهما وهي
مذكورة في فهرسها 1 / 96 ضمن مجموعة رقم (78)، وفي صفحة 286 ضمن
مجموعة رقم (255).
طبعته مكتبة دار الكتب التجارية سنة 1370 ه‍ في النجف الأشرف
ضمن مجموعة بعنوان " خمس رسائل في إثبات الحجة "، وفي إيران ضمن " عدة
رسائل للشيخ المفيد ".

110
(33)
كتاب الغيبة
ذكر النجاشي غير كتاب " الفصول العشرة " و " جوابات في خروج
المهدي - عليه السلام - " كتبا أخر في غيبة الحجة، هي:
1 - كتاب مختصر في الغيبة، صفحة 399.
2 - جوابات الفارقيين في الغيبة، صفحة 400.
3 - كتاب النقض على الطلحي في الغيبة، صفحة 400.
4 - كتاب في الغيبة، صفحة 401.
إلا أن ما بأيدينا الآن مما كتبه الشيخ المفيد - قدس سره - في الغيبة - غير
التي ذكرناها تحت الرقم (31 و 32) - ثلاث رسائل، مطبوعة في النجف الأشرف
ضمن مجموعة بعنوان " خمس رسائل في إثبات الحجة " من منشورات مكتبة
دار الكتب التجارية 1370 ه‍، هي الرسالة الثانية والثالثة والرابعة.
1 - الرسالة الثانية: في شرح الحديث النبوي: " من مات وهو لا يعرف
إمام زمانه ".
أولها: " الحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى، إن سأل سائل
فقال: أخبروني عما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال: من مات وهو
لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، هل هو ثابت صحيح أم هو معتل سقيم؟
الجواب - وبالله التوفيق والثقة -... ".
رأيت نسخة منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 94 ضمن مجموعة رقم (78).
طبعته مكتبة المفيد في قم أيضا ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من
صفحة 384 - 388.
2 - الرسالة الثالثة: إجابة عن سؤال حول ما ورد عن الإمام الصادق

111
- عليه السلام -: " لو اجتمع على الإمام عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا
لوجب عليه الخروج بالسيف ".
أولها: " قال الشيخ المفيد - رضي الله عنه -: حضرت مجلس رئيس من
الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة، فقال صاحب
المجلس: أليست الشيعة تروي عن جعفر بن محمد - عليه السلام -... إلى آخره ".
رأيت نسخة منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 95 ضمن مجموعة رقم (78).
طبعته مكتبة المفيد في قم أيضا ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من
صفحة 390 - 394.
3 - الرسالة الرابعة: في سبب استتار الحجة - عليه السلام -.
أولها: " سأل بعض المخالفين فقال: ما السبب الموجب لاستتار إمام
الزمان وغيبته التي قد طالت مدتها؟ ".
رأيت نسخة منها في مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، مذكورة في
فهرسها 1 / 95 ضمن مجموعة رقم (78).
هذا وذكر الشيخ الطهراني في الذريعة لهذه الرسائل الثلاث نسخا رآها
في مكتبة الطهراني بسامراء، واحتمل بأن الرسالة الثالثة - من تبويبنا هذا - أن
تكون هي " كتاب النقض على الطلحي في الغيبة " فراجع الذريعة 16 / 81.
وطبعته في قم مكتبة المفيد أيضا ضمن " عدة رسائل للشيخ المفيد " من
صفحة 395 - 398.
والله ولي التوفيق

112
التحقيق في نفي التحريف
(7)
السيد علي الميلاني
الفصل الرابع
نقد وتمحيص
قد ذكرنا أهم ما ورد في كتب أهل السنة مما هو نص أو ظاهر في نقص
القرآن وتحريفه.. ثم عقبناه بما قاله أكابرهم في توجيهه وتأويله أو رده
وتزييفه...
لقد استمعنا القول من هؤلاء وهؤلاء فأيهما الأحسن حتى نتبعه؟
1 - الآثار في خطأ القرآن
إن هذه الآثار تفيد أن أولئك الأصحاب نسبوا " اللحن " و " الخطأ "
و " الغلط " إلى القرآن.. وهذه جرأة على الله تعالى، وإثبات نقص له ولكتابه،
وفي ذلك خروج عن الإسلام بلا كلام.
أما ما كان من هذه الآثار في الصحاح فأصحابها والقائلون بصحة جميع
أحاديثها ملزمون بها، فإما الالتزام بما دلت عليه، وإما التأويل اللائق والحمل على
بعض الوجوه المحتملة.
وكذا الكلام بالنسبة إلى ما روي من هذا القبيل بأسانيد صحاح عندهم

113
في خارج الصحاح.
وأما الذين ردوا هذه الأحاديث وهم كثيرون جدا، فقد اختلفت
كلماتهم في كيفية الرد، لأن منهم من يضعف الرواية أو يستبعدها تنزيها للصحابي
عن التفوه بمثل هذا الكلام، حتى أن بعضهم قال: " ومن روى عن ابن
عباس... فهو طاعن في الإسلام، ملحد في الدين، وابن عباس برئ من هذا
القول " (1). ومنهم من يقول: " هذا القول فيه نظر " أو: " لا يخفى ركاكة هذا
القول " ونحو ذلك... وظاهر هؤلاء تصحيح الحديث اعتمادا على رجاله، ثم الرد
على الصحابة أنفسهم.
وعلى كل حال.. فإن هذه الفئة من العلماء متفقة على أن هذه الأحاديث
لا يجوز تصديقها.. قال الزمخشري بتفسير: " أفلم ييئس الذين آمنوا... " (2):
" ومعنى أفلم ييئس: أفلم يعلم... ويدل عليه: أن عليا وابن عباس وجماعة من
الصحابة والتابعين قرؤوا: أفلم يتبين، وهو تفسير أفلم ييئس. وقيل: إنما كتبه
الكاتب وهو ناعس مستوي السينات.
وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه. وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام، وكان
متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهيمنين عليه، لا يغفلون
عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها
البناء؟!! وهذه - والله - فرية ما فيها مرية " (3).
فهذا موقف القائلين ببطلان هذه الآثار.
أما الفئة الأولى الدائر أمرهم بين الالتزام بمداليل الآثار وبين التأويل
المقبول لدى الأنظار، فقد اختار جمع منهم طريق التأويل... قال الحافظ ابن حجر



(1) البحر المحيط 6: 445.
(2) سورة الرعد: 31.
(3) الكشاف 2: 531.
114
العسقلاني: " الطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات
صحيحة والتأويل محتمل " (4) وقال أيضا في الآية: " أفلم ييأس ": " وروى
الطبري وعبد بن حميد - بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري - عن ابن عباس:
أنه كان يقرؤها: أفلم يتبين. ويقول: كتبها الكاتب وهو ناعس. ومن طريق ابن
جريح، قال: زعم ابن كثير وغيره أنها القراءة الأولى. وهذه القراءة جاءت عن
علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي بن بديمة وشهر بن حوشب وعلي
ابن الحسين وابنه زيد وحفيده جعفر بن محمد في آخرين قرؤوا كلهم: أفلم يتبين.
وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم
له بالرجال صحته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته - إلى أن قال: - وهي والله
فرية ما فيها مرية، وتبعه جماعة بعده والله المستعان، وقد جاء عن ابن عباس نحو
ذلك في قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) قال: (ووصى) التزقت
الواو في الصاد. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه.
وهذه الأشياء - وإن كان غيرها المعتمد - لكن تكذيب المنقول بعد صحته
ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق به " (5).
وظاهر كلمات ابن حجر في الموردين هو العجز عن الإتيان بتأويل
يساعده اللفظ ويرضاه " أهل التحصيل "...
نعم ذكر في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير
بيوتكم... " (6): " أخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند
صحيح: أن ابن عباس كان يقرأ: (حتى تستأذنوا) ويقول: أخطأ الكاتب، وكان
يقرأ على قراءة أبي بن كعب ومن طريق مغيرة بن مقسم، عن
إبراهيم النخعي، قال: في مصحف ابن مسعود (حتى تستأذنوا). وأخرج سعيد



(4) فتح الباري وعنه في الإتقان 1: 270.
(5) فتح الباري 8: 301.
(6) سورة النور: 27.
115
ابن منصور من طريق مغيرة، عن إبراهيم: في مصحف عبد الله: (حتى تسلموا
على أهلها وتستأذنوا). وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن
عباس واستشكله. وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده.
وأجيب بأن ابن عباس بناها على قراءته التي تلقاها عن أبي بن كعب.
وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق
على عدم الخروج عما يوافقه. وكان قراءة أبي من الأحرف التي تركت القراءة
بها - كما تقدم تقريره في فضائل القرآن -. وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك
كان في القراءة الأول ثم نسخت تلاوته. يعني: ولم يطلع ابن عباس على
ذلك " (7).
أقول: وفي هذا الجواب نظر من وجوه:
أولا: إن هذا الجواب - إن تم - فهو توجيه لقراءة ابن عباس، لا لقوله في
كتابة المصحف: " أخطأ الكاتب ".
وثانيا: كون هذه القراءة " من الأحرف التي تركت القراءة بها " يبتني
على ما رووه من أنه " نزل القرآن على سبعة أحرف " هذا المبنى الذي اختلفوا في
معناه وتطبيقه اختلافا شديدا، وذكروا له وجوها عديدة لا يرجع شئ منها إلى
محصل (8).



(7) فتح الباري 11: 6.
(8) يمكن الاطلاع على ما ذكروه بمراجعة مقدمات التفاسير، وكتب علوم القرآن، وفتح الباري في شرح
البخاري 9 / 22 - 30 وغيرها. وقد وقع القوم بالتزامهم بصحة أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف
في مأزق كبير جدا وكان عليهم الالتزام بلوازمه الفاسدة التي منها القول بتحريف القرآن وضياع
حروف نزل عليها من السماء... ولو أردنا الدخول في هذا البحث لطال بنا المقام، وقد تقدم بعض ما
يتعلق به فيما سبق، ويكفى أن نقول بأن المروي صحيحا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: " إن
القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة " وفي آخر: " كذبوا أعداء
الله، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد " [الكافي 2: 461 باب النوادر / حديث 12
و 13].
116
وثالثا: ما احتمله البيهقي يبتني على القول بنسخ التلاوة، وسيأتي البحث
عنه مفصلا.
ورابعا: قول ابن حجر: " يعني: ولم يطلع ابن عباس " غريب جدا، إذ
كيف يخفى على مثل ابن عباس نسخ تلاوة شئ من القرآن وهو حبر هذه الأمة
وإمام الأئمة في علوم القرآن؟!.
هذا بالنسبة إلى ما رووه عن ابن عباس ونصوا على صحته، ثم عجزوا عن
تأويله " التأويل اللائق ".
وأجابوا عما رووه عن عثمان بجوابين، ذكرهما السيوطي - بعد أن قال:
" هذه الآثار مشكلة جدا " - وقد نقلنا عبارته سابقا. وقال الشهاب الخفاجي - بعد
كلام الكشاف: " ولا يلتفت... " -: " وقيل عليه: لا كلام في نقل النظم تواترا،
فلا يجوز اللحن فيه أصلا، وهل يمكن أن يقع في الخط لحن بأن يكتب المقيمون
بصورة المقيمين بناء على عدم تواتر صورة الكتابة؟ وما روي عن عثمان وعائشة
أنهما قالا: إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها - على تقدير صحة
الرواية - يحمل على اللحن في الخط. لكن الحق: رد هذه الرواية وإليه أشار - أي
الكشاف - بقوله: إن السابقين...
أقول: هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبي في الرائية وبينه شراحه وعلماء الرسم
العثماني بسند متصل إلى عثمان أنه لما فرغ من المصحف... قال السخاوي:
وهو ضعيف، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع... وتأول قوم (اللحن) في كلامه
على تقدير صحته عنه بأن المراد الرمز والإيماء.
تنبيه: قد نخلنا القول وتتبعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول فآل ذلك
إلى أن قول عثمان فيه مذهبان، أحدهما: أن المراد باللحن ما خالف الظاهر، وهو
موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديرا واحتمالا. وهذا ما ذهب إليه الداني وتابعه
كثيرون. والرواية فيه صحيحة.
والثاني: ما ذهب إليه ابن الأنباري من أن (اللحن) على ظاهره، وأن

117
الرواية غير صحيحة " (9).
وكأن المتأولين التفتوا إلى كون تأويلاتهم مزيفة، فالتجؤوا إلى القول بأن
تلك الآثار " محرفة "... فقد جاء في الإتقان عن ابن أشتة: أنه روى الحديث
بإسناده عن عثمان وليس فيه لفظ " اللحن " بل إنه لما نظر في المصحف قال:
" أحسنتم وأجملتم، أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا ". قال: " فهذا الأثر لا إشكال فيه
وبه يتضح معنى ما تقدم... ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ولم
يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم ما لزم من الإشكال. فهذا أقوى ما يجاب
عن ذلك ".
قال السيوطي بعد إيراد الأجوبة عن حديث عثمان: " وبعد، فهذه
الأجوبة لا يصح منها شئ من حديث عائشة. أما الجواب بالتضعيف فلأن
إسناده صحيح كما ترى... " (10).
أقول: هذه عمدة ما ورد في هذا الباب مما التزموا بصحته، وقد عرفت
أن لا تأويل صحيح له عندهم، فهم متورطون في أمر خطره عظيم، إما الطعن في
القرآن، وإما الطعن في هؤلاء الصحابة الأعيان!!.
ولا ريب في أن نسبة " الخطأ " إلى " الصحابة " أولى منه إلى " القرآن "
وسيأتي - في الفصل الخامس - بعض التحقيق في حال الصحابة علما وعدالة، هذا
أولا.
وثانيا: إن القول بعدم جواز تكذيب المنقول بعد صحته - كما هو مذهب
الحافظ ابن حجر العسقلاني - غير صحيح، إذ الحديث إذا خالف الكتاب أو السنة
القطعية أو الضروري من الدين أو المجمع عليه بين المسلمين يطرح وإن كان في
الكتب المسماة بالصحاح... كما سيأتي - في الفصل الخامس - ذكر نماذج من
ذلك...



(9) عناية القاضي 3: 201.
(10) الإتقان 2: 320 - 326.
118
ترجمة عكرمة مولى ابن عباس
والذي يهون الخطب في هذا المقام: أن كثيرا من هذه الآثار في سندها
" عكرمة مولى ابن عباس " وخاصة الحديث عن عثمان: " إن المصاحف لما
نسخت عرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: اتركوها... " والحديث
عن ابن عباس في الآية: " أفلم ييئس... " حيث قال: " أظن الكاتب كتبها وهو
ناعس ".
" وعكرمة " من أظهر مصاديق " الزنادقة " و " أعداء الإسلام " الذين
نسب إليهم اختلاق مثل هذه الآثار في كلام جماعة من العلماء الكبار، كالحكيم
الترمذي، وأبي حيان الأندلسي، وصاحب " المنار "...
1 - لقد كان هذا الرجل طاعنا في الإسلام، مستهترا بالدين والمسلمين،
من أعلام الضلالة ودعاة السوء.
فقد نقلوا عنه قوله: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
وأنه قال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة
فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا.
وأنه وقف على باب مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال: ما
فيه إلا كافر.
وأنه قدم البصرة فأتاه أيوب وسليمان التميمي ويونس، فبينما هو يحدثهم
سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا فنستمع. ثم قال: قاتله الله، لقد أجاد.
وعن أبي بكر بن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي بن المديني: سمعت
يحيى بن سعيد يقول: حدثوني - والله - عن أيوب أنه ذكر: أن عكرمة لا يحسن
الصلاة. قال أيوب، أو كان يصلي؟!.
وعن سماك، قال: رأيت في يد عكرمة خاتما من الذهب.
وعن رشدين بن كريب: رأيت عكرمة قد أقيم قائما في لعب النرد.

119
2 - إنه كان يرى رأي الخوارج:
إنما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية - وهم من غلاة الخوارج - من عكرمة
وذكروا أنه نحل ذلك الرأي إلى ابن عباس.
وعن يحيى بن معين: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة، لأن عكرمة
كان ينتحل رأي الصفرية.
وقال الذهبي: قد تكلم الناس في عكرمة، لأنه كان يرى رأي الخوارج.
ثم إنه نسب تارة إلى " الأباضية " وأخرى إلى " الصفرية " وثالثة إلى
" نجدة الحروري " وكأنه كان كلما جاء فرقة جعل نفسه منهم طمعا في دنياهم
... قالوا: وقد طلبه والي المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
3 - إنه كان كذابا:
كذب على ابن عباس، وقد أوثقه علي بن عبد الله بن العباس على باب
كنيف الدار فقيل له: أتفعلون هذا بمولاكم؟ قال: إن هذا يكذب على أبي.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال لمولاه: يا برد، إياك أن تكذب علي كما
يكذب عكرمة على ابن عباس.
وعن القاسم: إن عكرمة كذاب، يحدث غدوة ويخالفه عشية.
وقال ابن عمر لنافع: إتق الله - ويحك يا نافع - لا تكذب علي كما كذب
عكرمة على ابن عباس.
وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك بن أنس: كذاب.
وعن ابن ذويب: رأيت عكرمة مولى ابن عباس وكان غير ثقة.
وقال طاووس: لو أن عبد ابن عباس اتقى الله وأمسك عن بعض حديثه
لشدت إليه المطايا.
وقد اشتهر تكذيب الناس إياه وطعنهم فيه حتى أنه كان يقول: " هؤلاء
يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي " (11).



(11) حاول ابن حجر العسقلاني [مقدمة فتح الباري: 427] توجيه هذا الكلام، ولكن لا ينفعه ذلك،
120
4 - عكوفه على أبواب الأمراء للدنيا:
قال موسى بن يسار: رأيت عكرمة جائيا من سمرقند وهو على حمار تحته
جوالقان - أو خرجان - حرير أجازه بذلك عامل سمرقند ومعه غلام. قال:
وسمعت عكرمة بسمرقند وقيل له: ما جاء بك إلى هذه البلاد؟ قال: الحاجة.
وقال عبد المؤمن بن خالد الحنفي: قدم علينا عكرمة خراسان فقلت له: ما
أقدمك إلى بلادنا؟ قال: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهم.
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: قلت لعكرمة: تركت الحرمين وجئت إلى
خراسان! قال: أسعى على بناتي.
وقال أبو نعيم: قدم على الوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم.
وقال عمران بن حدير: رأيت عكرمة وعمامته منخرقة فقلت: ألا
أعطيك عمامتي؟ فقال: إنا لا نقبل إلا من الأمراء.
أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس
ولكنه كان يرى رأي الصفرية ولم يدع موضعا إلا خرج إليه، خراسان والشام
واليمن ومصر وإفريقية، وكان يأتي الأمراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجند إلى
طاووس فأعطاه ناقة.
ومن الطبيعي أن يستجيب هكذا رجل لرغبات الولاة والأمراء فيضع
كل ما تقتضيه السياسة ويدعم الحكومات الجائرة...
5 - ترك الناس جنازته:
ومن الطبيعي أيضا سقوط هكذا إنسان في المجتمع الإسلامي، فلا تبقى
قيمة لا له ولا لأحاديثه، حتى إذا مات فلا تشيع جنازته ولا يصلى عليه... كما
ذكر المؤرخون في ترجمة عكرمة... وأضافوا أنه قد اتفق موت عكرمة وكثير عزة
الشاعر الشيعي في يوم واحد فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة. قيل:



فحال عكرمة تشبه حال أبي هريرة الذي قال للناس: أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق
نفسي بالنار...؟!
121
فما حمله أحد واكتروا له أربعة رجال من السودان.
6 - القدح فيه وتكذيبه:
ولهذه الأمور وغيرها كذب عكرمة كبار الأئمة الأعلام - الذين طالما
اكتفى علماء الجرح والتعديل بطعن واحد منهم - منهم: ابن عمر، ومجاهد، وعطاء،
وابن سيرين، ومالك بن أنس، والشافعي - حيث حكى كلام مالك وقرره -
وسعيد بن المسيب، والقاسم، ويحيى بن سعيد.
وحرم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم، وقال محمد بن سعد:
ليس يحتج بحديثه، وقال غيره: غير ثقة (12).
ومع هذا كله.. فإن البخاري يروي عنه!! ولكن لا عجب.. إذ " كل
يعمل على شاكلته " بل العجب من ابن حجر، حيث ينبري للدفاع عن " عكرمة "
- والمقصود هو الدفاع عن صحيح البخاري - في مقدمة شرحه،... فكيف يدافع
عمن تجرأ على الله واستهزأ بشعائره واستخف بأحكامه وطعن في القرآن واستحل
دماء المسلمين...؟! وكيف يدافع عمن كذبه الأئمة الثقات حتى ضربوا بكذبه
المثل لاشتهاره بهذه الصفة؟! وكيف يدافع عمن امتنع الناس من حمل جنازته
والصلاة عليها؟!.
خلاصة البحث
ويتلخص البحث في هذه الناحية في النقاط التالية:
1 - إن الآثار المشتملة على وقوع " الخطأ " في القرآن الكريم باطلة وإن
كانت مخرجة في الصحاح وفي غيرها بأسانيد صحيحة.. وفاقا لمن قال بهذا من
أعلام المحققين من أهل السنة كما عرفت.. ووجود الأحاديث الباطلة في الصحاح



(12) المصادر المنقول عنها ترجمة عكرمة هي: تهذيب الكمال للمزي، تهذيب التهذيب 7: 263 - 273،
طبقات ابن سعد 5: 287، وفيات الأعيان 1: 319، ميزان الاعتدال 3: 93، المغني في الضعفاء
2: 84، سير أعلام النبلاء 5: 9، الضعفاء الكبير 3: 373.
122
الستة أمر ثابت وعدد الأحاديث من هذا القبيل فيها ليس بقليل.. كما ستعرف.
2 - إن التأويلات التي ذكرت من قبل القائلين بصحة هذه الآثار لا تحل
المشكلة كما عرفت، ولذا اضطر بعضهم إلى القول بأنها محرفة، والتزم بالإشكال
بعض آخر ومنه قول ابن قتيبة: " ليست تخلو من أن تكون على مذهب من مذاهب
أهل الإعراب أو تكون غلطا من الكاتب كما ذكرت عائشة، فإن كانت على
مذاهب النحو والنحويين فليس هاهنا لحن والحمد لله، وإن كانت على خطأ في
الكتاب فليس على الله ولا على رسوله جناية الكاتب في الخط " (13).
3 - إن مصادرة كتاب " الفرقان " - إن كانت لأجل إثبات " اللحن " في
الكتاب - لا تحل المشكلة بشكل من الأشكال، فإن صاحب هذا الكتاب ينقل
الآثار المتضمنة لهذا المعنى عن الكتب المعتبرة والتي أخرجت فيها تلك الآثار
بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين، ثم يؤكدها بقوله: " ليس ما قدمناه من لحن
الكتاب في المصحف بضائره أو بمشكك في حفظ الله تعالى له، بل إن ما قاله ابن
عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين أدعى لحفظه وعدم
تغييره وتبديله. ومما لا شك فيه أن كتاب المصحف من البشر يجوز عليهم ما يجوز
على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان. والعصمة لله وحده... ومثل لحن
الكتاب كلحن المطابع... " (14).
وعلى هذا الأساس يدعو هذا المؤلف إلى تغيير الرسم العثماني وجعل
الألفاظ كما ينطق بها اللسان وتسمعها الآذان، بل ينقل عن العز بن عبد السلام
أنه قال بعدم جواز كتابة المصحف بالرسم الأول... (15).
أقول: إن مسألة الرسم والخط هي أيضا من المشاكل المترتبة على القول
بصحة هذه الآثار عن الصحابة والالتزام بصدورها عنهم - فإن لم تكن مترتبة عليه



(13) مشكل القرآن: 40.
(14) الفرقان: 41 - 46.
(15) الفرقان: 58.
123
فلا أقل من أن يكون القول بصحة تلك الآثار سندا ومتنا مؤيدا لمن يدعو إلى
تغيير الرسم والكتابة - ونحن هنا لا نتعرض لهذه المسألة، بل نقول بأن استدلال
مؤلف كتاب " الفرقان " أو استشهاده بهذه الآثار تام، وأنه لا يلام على إيراده
تلك الآثار في كتابه، بل اللوم على من يرويها ويصحح أسانيدها ويخرجها في
كتابه... وأن طريق الجواب هو ردها وإبطالها على ما ذكرناه بالتفصيل...
2 - أحاديث جمع القرآن
لقد وعده الله سبحانه نبيه بحفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم ضياعه
ونسيانه.
وكان النبي - صلى الله عليه وآله - كلما نزل من القرآن شئ أمر بكتابته
ويقول في مفرقات الآيات: ضعوا هذه في سورة كذا... (16).
وكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يعرضه على جبرئيل في شهر رمضان
في كل عام مرة، وعرضه عليه عام وفاته مرتين... (17).
وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة كان يحفظها جماعة
كبيرة أقلهم بالغون حد التواتر.. هذا هو الحق والأمر الواقع...
وقد أوردنا أحاديث القوم في قضية جمع القرآن ووجدناها متناقضة
وعقبناها بذكر ما قيل أو يمكن أن يقال في معناها ووجه الجمع فيما بينها.. فهل
ترتفع المشكلة بهذا الأسلوب؟
لا بد قبل الورود في البحث من أن نقول:
لقد كان أمير المؤمنين علي - عليه السلام - أعلم الناس بكتاب الله
- عز وجل - عند المخالف والمؤالف، وهو القائل: " والله ما نزلت آية إلا وقد علمت



(16) مسند أحمد 1: 57، الترمذي 11: 225، أبو داود 1: 290، المستدرك 2: 230.
(17) صحيح البخاري 1: 101 وغيره.
124
فيما نزلت وأين نزلت " (18) والقائل: " سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس آية إلا
وقد عرفت أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أو جبل " (19).
وهو الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حقه: " علي
أعلم الناس بالكتاب والسنة " (20).
وقال: " علي مع القرآن والقرآن مع علي " (21).
وناهيك بحديث: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من
بابها " (22).
وعلي - عليه السلام - أستاذ ابن عباس في التفسير، وقد ذكر القوم أن
" أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس " (23).
فلماذا لم يعده أنس بن مالك - ولا غيره - من حفاظ القرآن، ومن الذين
أمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بتعلمه منهم والرجوع إليهم فيه، فيما رواه
البخاري في صحيحه؟!
ثم إنه - عليه السلام - رتب القرآن الكريم ودونه بعيد وفاة النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - من القراطيس التي كان مكتوبا عليها، فكان له مصحف تام
مرتب يختص به كما كان لعدة من الصحابة في الأيام اللاحقة، وهذا من الأمور
المسلمة تاريخيا عند جميع المسلمين (24) ومن جلائل فضائل سيدنا أمير المؤمنين..
فلماذا لم يستفيدوا منه؟!.



(18) حلية الأولياء 1: 67، أنساب الأشراف 1: 99.
(19) أنساب الأشراف 1: 99، الإستيعاب 3: 1107.
(20) المعيار والموازنة: 102.
(21) المستدرك 3: 124، الصواعق: 76 و 77، كفاية الطالب: 254.
(22) من الأحاديث المتواترة بين المسلمين.
(23) الإتقان.
(24) أنظر: فتح الباري 9: 9، الإستيعاب - ترجمة أبي بكر -، الصواعق: 78، الإتقان 1: 99، حلية
الأولياء 1: 67، التسهيل لعلوم التنزيل 1: 4، المصنف لابن أبي شيبة 1: 545، طبقات ابن سعد
2: 338.
125
ولعل إعراض القوم عن مصحف علي هو السبب في قدح ابن حجر
العسقلاني (25) ومن تبعه كالآلوسي (26) في الخبر الحاكي له.. مع أن هذا الأمر من
الأمور الثابتة الضرورية المستغنية عن أبي خبر مسند.. لكن هؤلاء يحاولون توجيه
ما فعله القوم أو تركوه كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا..!!
ثم إنه لماذا لم يدعوا الإمام - عليه السلام - ولم يشاركوه في جمع القرآن؟!
فإنا لا نجد ذكرا له فيمن عهد إليهم أمر جمع القرآن في شئ من أخبار القضية،
لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان.. فلماذا؟! ألا إن هذه أمور توجب الحيرة
وتستوقف الفكر!!
وبعد: فإن التحقيق - كما عليه أهله من عامة المسلمين - أن القرآن قد
كتب كله في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجمع في الصدور والسطور
معا من قبل جماعة من أصحابه - صلى الله عليه وآله وسلم - غير أن الجامعين له
- أي: الحافظين في صدورهم - أكثر ممن كتبه، كما أن من كتبه بتمامه فكان ذا
مصحف يختص به أقل ممن كان عنده سور من القرآن كتبها واحتفظ بها لنفسه..
فهل كان الجامعون له بتمامه أربعة كما عن أنس بن مالك (27) وعبد الله بن
عمرو (28) أو خمسة كما عن محمد بن كعب القرظي (29) أو ستة كما عن الشعبي (30)
أو تسعة كما عن النديم (31)؟!
إن الجامعين للقرآن أكثر من هذه الأعداد.. وأما حديث الحصر في
الأربعة وأن كلهم من الأنصار - كما عن أنس بن مالك - فنحن نستنكره تبعا
لجماعة من الأئمة.. كما ذكر الحافظ السيوطي.. ولا نتكلف تأويله ولا ننظر في



(25) فتح الباري 9: 9.
(26) روح المعاني 1: 21.
(27) صحيح البخاري 6: 102.
(28) صحيح البخاري 6: 102، صحيح مسلم 7: 149.
(29) الإتقان 1: 72، منتخب كنز العمال 2: 47.
(30) الإتقان 1: 72، البرهان 1: 241.
(31) الفهرست: 30.
126
سنده..
كلمة حول أنس بن مالك
بل الكلام في أنس بن مالك نفسه.. لأنا قد وجدناه رجلا كاذبا كاتما
للحق، آبيا عن الشهادة به في قضية مناشدة أمير المؤمنين بحديث الغدير.. فإن أنس
ابن مالك كان في الناس الذين نشدهم أمير المؤمنين - عليه السلام - وطلب منهم
الشهادة بما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم غدير خم.. فقام
القوم فشهدوا إلا ثلاثة منهم لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته، منهم أنس بن
مالك.. إذ قال له الإمام: " يا أنس، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟
فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهم إن كان كاذبا فارمه
بيضاء لا تواريها العمامة، فكان عليه البرص " (32).
ووجدناه كاذبا منافقا في قضية حديث الطائر.. فإن النبي - صلى الله
عليه وآله - لما أهدي إليه طائر مشوي ليأكل منه وقال: " اللهم ائتني بأحب
خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطائر " كان يترقب دخول علي
- عليه السلام - عليه، وكان أنس كلما جاء علي ليدخل رده قائلا: " إن رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - على حاجة " حتى كانت المرة الأخيرة، فرفع علي يده
فوكز في صدر أنس ثم دخل.. فلما نظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
قام قائما فضمه إليه وقال: ما أبطأ بك يا علي؟! قال: يا رسول الله، قد جئت
ثلاثا كل ذلك يردني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال:
يا أنس، ما حملك على رده؟! قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو، فأحببت أن
تكون الدعوة في الأنصار، قال: " لست بأول رجل أحب قومه، أبى الله يا أنس إلا
أن يكون ابن أبي طالب " (33).



(32) أنظر: خلاصة عبقات الأنوار؟ قسم حديث الغدير، والغدير 1: 191 - 195.
(33) حديث الطير من الأحاديث المتواترة، تجده في جل كتب الحديث والفضائل، وله طرق كثيرة جدا
127
إنه يكذب غير مرة، ويمنع أحب الناس إلى الله ورسوله من الدخول،
ويتسبب في تأخير استجابة دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله -، و... كما يحصر
حفاظ القرآن في أربعة من الأنصار.. حبا لهم..!!.
إن الباعث له على ما فعل في قصة الطائر " بغض الأمير "... هذه الحقيقة
التي كشف عنها بكتمان الشهادة بحديث الغدير...
وعلى كل حال فإن القرآن كان مجموعا على عهد الرسول - صلى الله عليه
وآله -، وإن الجامعين له - حفظا وكتابة - على عهده كثيرون....
وإذا كان القرآن مكتوبا على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
وكان الأصحاب يؤلفونه بأمره - كما يقول زيد بن ثابت - (34) فلا وزن لما رووه عن
زيد أنه قال: " قبض رسول الله ولم يكن القرآن جمع في شئ " (35) لأن
" التأليف " هو " الجمع " قال ابن حجر: " تأليف القرآن: أي جمع آيات السورة
الواحدة أو جمع السور مرتبة في المصحف " (36).
وعلى هذا الأساس يجب رفض ما رووه من الأحاديث في أن " أول من
جمع القرآن أبو بكر " أو " عمر " أو غيرهما من الأصحاب بأمرهما... لأن الجمع في
المصحف قد حصل قبل أبي بكر... فلا وجه لقبول هذه الأحاديث - حتى لو كانت
صحيحة سندا - كي نلتجئ إلى حمل " فكان [عمر] أول من جمعه في
المصحف " (37) مثلا على أن المراد: " أشار على أبي بكر أن يجمعه " (38) جمعا بينه
وبين ما دل على أن " الأول " هو " أبو بكر ".
وكذا نرفض ما أخرجه البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: " أرسل إلي



حتى أفرده بعضهم بالتأليف... وكلها تشتمل على صنيع أنس بن مالك...
(34) المستدرك 2: 662.
(35) الإتقان 1: 202.
(36) فتح الباري 9: 8.
(37) الإتقان 1: 204.
(38) فتح الباري 9: 10.
128
أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة... " (39) لوجوه منها:
أولا: إن القرآن كان مجموعا مؤلفا على عهد النبي - صلى الله عليه وآله -
أو بعيد وفاته بأمر منه، وإذ قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وآله - ذلك كيف
يقول زيد لأبي بكر: " كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه
وآله - "؟!
وثانيا: قوله: " فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور
الرجال " يناقضه ما دل على كونه مؤلفا ومدونا على عهد النبي - صلى الله عليه
وآله - وقد رواه هو... بل رووا أن جبريل عرض القرآن على النبي - صلى الله
عليه وآله - في عام وفاته مرتين، بل ذكر ابن قتيبة أنه كان آخر عرض قام به
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للقرآن على مصحف زيد بن ثابت
نفسه (40).
وثالثا: قوله: " حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم
أجدها مع أحد غيره " مما اضطرب القوم في معناه، كما اختلفوا في اسم الرجل
الذي وجد عنده ذلك (41).
وكذا نرفض ما أخرجه ابن أبي داود: " إن أبا بكر قال لعمر ولزيد:
اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين من كتاب الله فاكتباه " قال ابن
حجر: " رجاله ثقات مع انقطاعه ". فإنه بغض النظر عما في سنده تدفعه
الضرورة، فلا حاجة إلى الوجوه التي ذكرها ابن حجر لتوجيهه حيث قال: " كأن
المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب
كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله -، أو المراد أنهما يشهدان على أن
ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن، وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين



(39) صحيح البخاري 6: 225.
(40) المعارف: 260.
(41) فتح الباري 9: 12، إرشاد الساري 7: 448، المرشد الوجيز: 43، البرهان 1: 236، مناهل العرفان
1: 266.
129
ما كتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله - لا من مجرد الحفظ " (42) مع أن بعض
تلك الوجوه غير قابل للتصديق به أبدا.
ولهذا الحديث - في الدلالة على كتابة القرآن بشهادة شاهدين - نظائر في
كتبهم نذكر بعضها مع إسقاط أسانيدها:
1 - لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت فقال:
اجلسا على باب المسجد فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه
رجلان إلا أثبتماه، وذلك لأنه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله قد جمعوا
القرآن " (43).
2 - " أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال: من
كان تلقى من رسول الله - صلى الله عليه وآله - شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا
كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى
يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلك إليه، فقام عثمان فقال: من كان عنده من
كتاب الله شئ فليأتنا به، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه
شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما،
قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله: لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز
عليه ما عنتم.. إلى آخر السورة. فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين
ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن، فختمت بهما براءة " (44).
3 - " كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان، فجاء رجل
من الأنصار بهاتين الآيتين: لقد جاء كم رسول من أنفسكم.. إلى آخرها، فقال
عمر: لا أسألك عليها بينة أبدا، كذلك كان رسول الله " (45).
4 - خزيمة بن ثابت: " جئت بهذه الآية: لقد جاءكم... إلى عمر بن



(42) فتح الباري 9: 11.
(43) منتخب كنز العمال 2: 45.
(44) منتخب كنز العمال 2: 45.
(45) منتخب كنز العمال 2: 45 - 46.
130
الخطاب وإلى زيد بن ثابت، فقال زيد: من يشهد معك؟ قلت: لا والله ما
أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه على ذلك " (46).
5 - زيد بن ثابت: " لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فوجدتها عند خزيمة بن ثابت: من المؤمنين
رجال صدقوا... وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين، أجاز رسول الله - صلى الله
عليه وآله - شهادته بشهادة رجلين " (47).
6 - " أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن
ثابت فكان لا يكتب إلا بشهادة عدلين، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي
خزيمة بن ثابت، فقال: اكتبوها فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - جعل شهادته
بشهادة رجلين فكتب. وإن عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لأنه كان وحده " (48).
ومما يزيد بطلان هذه الأحاديث وضوحا وجود التكاذب فيما بينها،
وبيان ذلك:
إن الحديث الثاني صريح في أن الجمع كان في زمن عمر والآتي بالآيتين
خزيمة بن ثابت والشاهد معه عثمان. لكن في الثالث " جاء رجل من الأنصار "
وقال عمر: " لا أسألك عليها بينة أبدا كذلك كان رسول الله ". وفي الرابع:
" فقال زيد: من يشهد معك؟ " قال خزيمة: " لا والله ما أدري، فقال عمر: أنا
أشهد معه ". وفي السادس: أن الجمع كان في زمن أبي بكر والكاتب زيد " فكان
لا يكتب آية إلا بشهادة عدلين " وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن
ثابت، فقال: " اكتبوها فإن رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين ".
وأيضا: وجود التكاذب بينها وبين الحديث التالي: " إنهم جمعوا القرآن
في المصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي، فلما انتهوا



(46) منتخب كنز العمال 2: 46.
(47) منتخب كنز العمال 2: 49 و 52.
(48) الإتقان 1: 101.
131
إلى هذه الآية من سورة براءة: ثم انصرفوا صرف الله... فظنوا أن هذا آخر ما نزل
من القرآن، فقال أبي بن كعب أقرأني بعدها آيتين: لقد جاءكم رسول... " (49).
وهكذا ترتفع جميع الشبهات حول القرآن الكريم بعد سقوط الأحاديث
التي هي المناشئ الأصلية لها....
ويبقى الكلام حول ما صنعه عثمان.. فهل جمع القرآن من جديد؟
وكيف؟ وبواسطة من؟
لقد اختلفت أحاديث القوم وكلمات علمائهم في هذا المقام أيضا، وقد
أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم.. ولما كان الصحيح كون القرآن مكتوبا على
عهد الرسول - صلى الله عليه وآله - ومجموعا مدونا قبل عهد عثمان بزمن طويل،
بل لا دور لمن تقدم عليه في جمعه... فالصحيح أن الذي فعله عثمان على عهده لم
يكن إلا جمع المسلمين على قراءة واحدة، وهي القراءة المشهورة المتعارفة بينهم،
المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وآله -.. ومنعهم عن القراءات الأخرى المبنية
على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، أما هذا العمل فلم ينتقده عليه أحد
من المسلمين، لأن مصاحف الصحابة والتابعين كانت مختلفة حتى أن بعض العلماء
ألف في اختلافها كتابا خاصا، وكان لكل من الصحابة أتباع في البلاد يقرؤون
على قراءته، ومن الطبيعي أن يؤدي الاختلاف في قراءة القرآن إلى ما لا تحمد
عقباه... بل أعلن بعض الأصحاب تأييده لما قام به عثمان، ورووا عن
أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال: " لا تقولوا في عثمان إلا خيرا، فوالله ما فعل
الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا. قال: ما تقولون في هذه القراءة، فقد
بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا.
قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا يكون فرقة ولا
اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت (50) وعنه أنه قال: " لو وليت لفعلت مثل الذي



(49) مجمع الزوائد 7: 35.
(50) فتح الباري 9: 15.
132
فعل " (51).
ما كان بين عثمان وابن مسعود
نعم، انتقد علي عثمان أخذه المصاحف من أصحابها بالقوة وإحراقه لها،
وقد رووا عن ابن مسعود الامتناع من تسليم مصحفه.. والانتقاد الشديد لتقديم
زيد بن ثابت عليه....
قلت: أما امتناعه عن تسليم مصحفه فهو من الأمور الثابتة التي لا تقبل
الخدش، ولا حاجة إلى ذكر أخباره ومصادره، وأما اعتراضه على تقديم زيد بن
ثابت ففيه روايات صحيحة عندهم... فقد روى الحافظ ابن عبد البر، عن
الأعمش، عن شقيق، قال: " لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبد الله بن
مسعود خطيبا فقال: أيأمروني أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت؟! والذي
نفسي بيده لقد أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وآله - سبعين سورة وأن
زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب به الغلمان، والله ما نزل من القرآن شئ إلا وأنا
أعلم في أي شئ نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحدا تبلغنيه
الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. ثم استحيى مما قال فقال: وما أنا بخيركم،
قال شقيق: فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - فما
سمعت أحدا أنكر ذلك عليه ولا رد ما قال " (52).
فهذا الحديث يكشف عن مدى تألم ابن مسعود وتضجره وشدة اعتراضه
وانتقاده لتقديم زيد بن ثابت عليه... ومثله أحاديث وآثار أخرى.
وهذا الموضع أيضا من المواضع المشكلة... ولذا اضطراب القوم فيه
اضطرابا شديدا، أما البخاري فقد أخرج الحديث محرفا وتصرف فيه تسترا على
عثمان وزيد، فرواه عن الأعمش، عن شقيق، قال: " خطبنا عبد الله فقال: والله



(51) إرشاد الساري 7: 448، البرهان 1: 240 وغيرهما.
(52) الإستيعاب 3: 993.
133
لقد أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وآله - بضعا وسبعين سورة، والله لقد
علم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله - أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا
بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير
ذلك " (53).
وأما ابن أبي داود فقد ترجم باب رضى ابن مسعود بعد ذلك بما صنع
عثمان، لكن لم يورد ما يصرح بمطابقة ما ترجم به (54).
وقال بعضهم: ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت كله
موضوع (55).
وأما ما كان من عثمان بالنسبة إلى ابن مسعود فمشهور في التاريخ، فقد
ضربه حتى كسر بعض أضلاعه، ومنعه عطاءه، ووقعت بينهما منافرة شديدة حتى
عهد ابن مسعود إلى عمار أن لا يصلي عثمان عليه، وعاده عثمان في مرض الموت
فقال له: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي. فقال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: أدعو
لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه
وأنا محتاج إليه وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون لولدك. قال: رزقهم على
الله تعالى. قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك
حقي " (56).
كلمة في زيد بن ثابت
قلت: ما رواه الأعمش عن شقيق أخرجه مسلم والنسائي وأبو عوانة وابن
أبي داود... وسواء كان صحيحا أو موضوعا.. فإن أمر جميع ما ورد حول القرآن



(53) صحيح البخاري بشرح ابن حجر 9: 390.
(54) فتح الباري 9: 40.
(55) مباحث في علوم القرآن، لصبحي الصالح: 82.
(56) أسد الغابة 3: 259، تاريخ ابن كثير 7: 163، الخميس 2: 268، السيرة الحلبية 2: 78، شرح
النهج 1: 236 نقلا من هامش نهج الحق: 295.
134
مشتملا على دور لزيد بن ثابت فيه مريب.. لأن هذا الرجل الذي كان حين
قدوم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينة ابن إحدى عشرة سنة (57) قد
جعلوه من مؤلفي القرآن على عهد الرسول.. وأنه على قراءته عارض جبريل القرآن
مع النبي عام وفاته - صلى الله عليه وآله -.. وأنه الذي جمع القرآن على عهد أبي
بكر بأمره.. وأنه الذي جمع القرآن على عهد عثمان بأمره.. وأن القرآن الموجود
على حرف زيد...!!
فإن صح هذا كله فهي " شنشنة أعرفها من أخزم "، ولكن محمد بن
كعب القرظي لم يذكر زيدا فيمن جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه
وآله وسلم - (58).
وأما على عهد أبي بكر فقد عرفت بطلان أحاديث الجمع على عهده، على
أن أبا بكر لم يصفه إلا ب‍ " إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك " وما كان فيه شئ
يتقدم به على ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وأضرابهم من حفاظ القرآن
وقرائه والعلماء فيه... مضافا إلى أن قوما من أهل السنة عارضوا بهذا الحديث
حديث أنس بن مالك أن زيد بن ثابت أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول
الله - صلى الله عليه وآله - قالوا: " فلو كان زيد قد جمع القرآن على عهد رسول الله
- صلى الله عليه وآله - لأملاه من صدره وما احتاج إلى ما ذكر " (59).
وأما حديث معارضة القرآن على قراءته - كما عن ابن قتيبة - فقد تكذبه
رواية وكيع وجماعة معه، عن الأعمش عن أبي ظبيان، قال: قال لي عبد الله بن
عباس: أي القراءتين تقرأ؟ قلت: القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد، فقال: أجل هي
الآخرة، إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان يعرض القرآن على جبرئيل في
كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله



(57) الإستيعاب 2: 536.
(58) الإتقان 1: 272، منتخب كنز العمال 2: 370.
(59) الإستيعاب 2: 538.
135
وسلم - عرضه عليه مرتين، فحضر ذلك عبد الله فعلم ما نسخ من ذلك وما
بدل " (60).
خلاصة البحث
ويتلخص البحث في هذه الناحية في النقاط التالية:
1 - إن القرآن الكريم كان مكتوبا على عهد رسول الله - صلى الله عليه
وآله -، وكان حفاظه وقراؤه يفوق عددهم حد التواتر بكثير.
2 - إن أمير المؤمنين - عليه السلام - جمع القرآن الكريم على عهد رسول الله
- صلى الله عليه وآله - ثم رتبه ودونه بعد وفاته على ترتيب نزوله وذكر فيه الناسخ
والمنسوخ وبعض التفسير والتأويل.
3 - إن الخلفاء الثلاثة لا دور لهم في جمع القرآن ولا في كتابه ولا في
حفظه، لا على عهد الرسول - صلى الله عليه وآله - ولا في عهد حكومتهم.
4 - إن الذي فعله عثمان هو ترتيب سور القرآن كما هو موجود الآن، من غير
زيادة فيه ولا نقصان، وحمل الناس على قراءة هذا المصحف ونبذ القراءات
الأخرى التي كان البعض عليها تبعا لأصحابها.
كلمة لا بد منها:
وهي أنه لو أطاع المسلمون نبيهم - صلى الله عليه وآله - وامتثلوا أمره
بالرجوع إلى أهل بيته من بعده والتمسك بهم والتعلم منهم - كما في حديث الثقلين
المتواتر وغيره - لأخذوا القرآن وعلومه من عين صافية، ولكن هل علم الذي قال:
" حسبنا كتاب الله " ثم منع عن كتابة السنة وسعى وراء عزل أهل البيت عن
قيادة الأمة، وحرمها من العلوم المودعة عندهم - عليهم السلام - بأن القرآن سيمزق
على المدى البعيد على يد " الوليد "، فلا يبقى كتاب ولا سنة ولا عترة؟!



(60) الإستيعاب 3: 992.
136
إنه قد يصعب على بعض الناس القبول بترتب كل هذه الآثار، بل تغير
مصير أمة بكاملها على كلمة واحدة قالها قائلها!!
3 - أحاديث نقصان القرآن
وأما أخبار نقصان القرآن.. فقد ذكرنا رد من ردها مطلقا، وتأويلات
من صححها، وأشرنا إلى أن المعروف بين المتأولين هو الحمل على نسخ التلاوة..
لكنا نبحث عن هذه الآثار على التفصيل الآتي:
إن ما كان من هذه الآثار ضعيف سندا فهو خارج عن دائرة البحث... وقد
عرفت مما تقدم أن هذا حال بعض ما يدل على النقصان.
وأما التي صحت سندا فهي أخبار آحاد، ولا كلام ولا ريب في عدم
ثبوت القرآن بخبر الواحد.
ثم إن ما أمكن حمله منها على التفسير وبيان شأن النزول ونحو ذلك فلا
داعي للرد والتكذيب له - كما لم يجز الأخذ بظاهره الدال على النقصان - فإن عدة
من الأصحاب كانوا قد كتبوا القرآن وكان بين مصاحفهم الاختلاف في ترتيب
السور وقراءة الآيات وما شاكل ذلك. وإن بعضهم قد أضاف إلى الآيات ما
سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله - من التفسير والتوضيح لها، ومن هذا القبيل
جل ما في أجزاء الآيات، كآية ولاية النبي، وآية المحافظة على الصلوات، وآية
المتعة، وآية يا أيها الرسول بلغ.. وأمثالها....
وإن لم يمكن - أو لم يتم - الحمل على بعض الوجوه كما هو الحال فيما ورد
حول سور وآيات كاملة أسقطت من القرآن.. فإما الحمل على نسخ التلاوة وإما
الرد والتكذيب...
تحقيق في النسخ
لكن الحمل على نسخ التلاوة دون الحكم أو هما معا غير تام لوجوه:

137
الأول: إنه لا أصل للقسمين المذكورين من النسخ... وتوضيح ذلك:
أنهم قالوا بأن النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب، أحدها: ما نسخ لفظه وبقي
حكمه. والثاني: ما نسخ لفظه وحكمه معا. والثالث: ما نسخ حكمه دون لفظه.
وقد مثلوا للضرب الأول بآية الرجم، ففي الصحيح عن عمر: إن الله بعث محمدا
بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها
ووعيتها. قال ابن حزم: " فأما قول من لا يرى الرجم أصلا فقول مرغوب عنه،
لأنه خلاف الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله -، وقد كان نزل به قرآن،
ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه " (61).
وعلى ذلك حمل أبو شامة (62) وكذا الطحاوي، قال: " لكن عمر لم يقف
على النسخ فقال ما قال، ووقف على ذلك غيره من الأصحاب، فكان من علم
شيئا أولى ممن لم يعلمه، وكان علم أبي بكر وعثمان وعلي بخروج آية الرجم من
القرآن ونسخها منه أولى من ذهاب ذلك على عمر " (63).
قال السيوطي: " وأمثلة هذا الضرب كثيرة " ثم حمل عليه قول ابن عمر:
" لا يقولن.. " وما روي عن عائشة في سورة الأحزاب، وما روي عن أبي وغيره
من سورتي الخلع والحفد (64).
وفي " المحلى " بعد أن روى قول أبي في عدد آيات سورة الأحزاب:
" هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه " قال: " ولو لم ينسخ لفظها لأقرأها
أبي بن كعب زرا بلا شك، ولكنه أخبره بأنها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل
له: إنها تعدل الآن، فصح نسخ لفظها " (65).
ومثلوا للثاني بآية الرضاع عن عائشة: " كان مما أنزل من القرآن عشر



(61) المحلى 11: 234.
(62) المرشد الوجيز: 42 - 43.
(63) مشكل الآثار 3: 5 - 6.
(64) الإتقان 2: 81.
(65) المحلى 11: 234.
138
رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات يحرمن، فتوفي رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن. رواه الشيخان. وقد
تكلموا في قولها: (وهن مما يقرأ) فإن ظاهره بقاء التلاوة بعد رسول الله - صلى
الله عليه وآله وسلم - وليس كذلك.. [وقد تقدم بعض الكلام فيه]... قال
مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو، والناسخ أيضا غير متلو ولا أعلم له
نثيرا " (66).
وقال الآلوسي: " أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته،
وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة. ولم يأل جهدا في
تحقيق ذلك، إلا أنه لم ينتشر نوره في الآفاق إلا زمن ذي النورين. فلهذا نسبه
إليه " ثم ذكر طائفة من الآثار الدالة على نقصان القرآن عن أحمد والحاكم
وغيرهما فقال: " ومثله كثير، وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر، قال:
لا يقولن... والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى، إلا أنها محمولة على
ما ذكرناه " (67).
وفي آية الرضاع قال: " والجواب: أن جميع ذلك منسوخ كما صرح
بذلك ابن عباس فيما مر، ويدل على نسخ ما في خبر عائشة أنه لو لم يكن منسوخا
لزم ضياع بعض القرآن الذي لم ينسخ، وإن الله تعالى قد تكفل بحفظه، وما في
الرواية لا ينافي النسخ... " (68).
ووافق الزرقاني على حمل هذه الأحاديث على النسخ لورود ذلك في
الأحاديث (69).
لكن جماعة من علمائهم المتقدمين والمتأخرين ينكرون القسمين
المذكورين من النسخ، ففي الإتقان بعد أن ذكر الضرب الثالث - ما نسخ تلاوته



(66) الإتقان 2: 70.
(67) روح المعاني 1: 24.
(68) روح المعاني 1: 228.
(69) مناهل العرفان 2: 215.
139
دون حكمه - وأمثلته: " تنبيه: حكى القاضي أبو بكر في الإنتصار عن قوم إنكار
هذا الضرب، لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن
ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه
ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوة وكتبه في المصحف، فيندرس
على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: (إن هذا لفي
الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى) ولا يعرف اليوم منها شئ.
ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
حتى إذا توفي لا يكون متلوا في القرآن أو يموت وهو متلو بالرسم ثم ينسيه الله الناس
ويرفعه من أذهانهم، وغير جائز نسخ شئ من القرآن بعد وفاة النبي - صلى الله
عليه وآله " (70) ثم أورد كلام الزركشي الآتي ذكره.
وقال الشوكاني: " منع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه، وبه جزم
شمس الدين السرخسي، لأن الحكم لا يثبت بدون دليله " (71).
وحكى الزرقاني عن جماعة في منسوخ التلاوة دون الحكم: إنه مستحيل
عقلا، وعن آخرين منع وقوعه شرعا (72).
ولم يصحح الرافعي القول بنسخ التلاوة وأبطل كل ما حمل على ذلك
وقال: " ولا يتوهمن أحد أن نسبة بعض القول إلى الصحابة نص في أن ذلك
المقول صحيح البتة، فإن الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بما
أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه
وآله - وذلك العهد هو ما هو. ثم بما وهل عنه بعضهم مما تحدثوا من أحاديثه
الشريفة، فأخطأوا في فهم ما سمعوا، ونقلنا في باب الرواية من تاريخ آداب



(70) الإتقان 2: 85، وانظر: البرهان 2: 39 - 40.
(71) إرشاد الفحول: 189 - 190، وتقدم نص عبارة السرخسي عن أصوله 2: 78.
(72) مناهل العرفان 2: 112.
140
العرب أن بعضهم كان يرد على بعض فيما يشبه لهم أنه الصواب خوف أن يكونوا
قد وهموا... على أن تلك الروايات القليلة [فيما زعموه كان قرآنا وبطلت
تلاوته] (73) إن صحت أسانيدها أو لم تصح فهي على ضعفها وقلتها مما لا حفل به
ما دام إلى جانبها إجماع الأمة وتظاهر الروايات الصحيحة وتواتر النقل والأداء على
التوثيق " (74).
وقال صبحي الصالح: " والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع
القوم في أخطاء منهجية كان خليقا بهم أن يتجنبوها لئلا يحملها الجاهلون حملا على
كتاب الله... لم يكن خفيا على أحد منهم أن الآية القرآنية لا تثبت إلا بالتواتر، وأن
أخبار الآحاد ظنية لا قطعية، وجعلوا النسخ في القرآن - مع ذلك - على ثلاثة
أضرب: نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم
والتلاوة جميعا.
وليكثروا إن شاؤوا من شواهد الضرب الأول، فإنهم فيه لا يمسون النص
القرآني من قريب ولا بعيد، إذ الآية لم تنسخ تلاوتها بل رفع حكمها لأسرار تربوية
وتشريعية يعلمها الله، أما الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث، اللذين
نسخت فيهما بزعمهم تلاوة آيات معينة، إما مع نسخ أحكامها وإما دون نسخ
أحكامها.
والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركبا، فتقسيم
المسائل إلى أضرب إنما يصلح إذا كان لكل ضرب شواهد كثيرة أو كافية على
الأقل ليتيسر استنباط قاعدة منها، وما لعشاق النسخ إلا شاهد أو اثنان على كل
من هذين الضربين [أما الضرب الذي نسخت تلاوته دون حكمه فشاهده المشهور
ما قبل من أنه كان في سورة النور: الشيخ والشيخة... أنظر: تفسير ابن كثير



(73) ما بين القوسين ذكره في الهامش. قلت: ما ذكره في الجواب عن هذه الأحاديث هو الحق لكن
وصفها بالقلة في غير محله فهي كثيرة بل أكثر من أن تحصى كما تقدم في عبارة الآلوسي.
(74) إعجاز القرآن: 44.
141
3: 261، ومما يدل على اضطراب الرواية: أن في صحيح ابن حبان ما يفيد أن
هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتها كانت في سورة الأحزاب لا في سورة النور، وأما
الضرب الذي نسخت تلاوته وحكمه معا فشاهده المشهور في كتب الناسخ
والمنسوخ ما ورد عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن...] (75) وجميع
ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد
لا حجة فيها.
وبهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر في كتابه الينبوع، إذ أنكر عد هذا مما
نسخت تلاوته، قال: لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن " (76).
وقال مصطفى زيد وهو ينكر نسخ التلاوة دون الحكم: " وأما الآثار التي
يحتجون بها... فمعظمها مروي عن عمر وعائشة، ونحن نستبعد صدور مثل هذه
الآثار عنهما، بالرغم من ورودهما في الكتب الصحاح... وفي بعض هذه الروايات
جاءت العبارات التي لا تتفق ومكانة عمر ولا عائشة، مما يجعلنا نطمئن إلى
اختلاقها ودسها على المسلمين " (77).
هذا وستأتي كلمات بعض أعلامهم في خصوص بعض الآثار.
وكذا أنكر المحققون من الإمامية القسمين المذكورين من النسخ..
فقد قال السيد المرتضى: " ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به
لأنه من خبر الآحاد، وهو ما روي أن من جملة القرآن: الشيخ والشيخة والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة، فنسخت تلاوة ذلك. ومثال نسخ الحكم والتلاوة معا موجود في
أخبار الآحاد وهو ما روي عن عائشة... " (78) وقد تبعه على ذلك غيره (79).
الثاني: وعلى فرض تمامية الكبرى فإنه لا دليل على أن هذه الآيات التي



(75) ما بين القوسين مذكور في الهامش.
(76) مباحث في علوم القرآن: 265 - 266.
(77) النسخ في القرآن 1: 283.
(78) الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 428.
(79) البيان في تفسير القرآن: 303.
142
حكتها الآثار المذكورة منسوخة، إذ لم ينقل نسخها، ولم يرد في حديث عن النبي
- صلى الله عليه وآله - في واحد منها أنها منسوخة، ولقد كان المفروض أن يبلغ
- صلى الله عليه وآله - الأمة بالنسخ كما بلغ بالنزول.
فقد ورد في الحديث أنه قال لأبي: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك
القرآن " فقرأ عليه (آية الرغبة)، فلو كانت منسوخة - كما يزعمون - لأخبره بذلك
ولنهاه عن تلاوتها، ولكنه لم يفعل - إذ لو فعل لنقل - ولذا بقي أبي - كما في حديث
آخر عن أبي ذر - يقرأ الآية بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله - معتقدا بكونها من
آي القرآن العظيم.
ونازع عمر أبيا في قراءته (آية الحمية) وغلظ له، فخصمه أبي بقوله:
" لقد علمت أني كنت أدخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويقرؤني
وأنت بالباب، فإن أحببت أن اقرئ الناس على ما أقرأني وإلا لم اقرئ حرفا
ما حييت "، فقال له عمر: " بل أقرئ الناس ".
وهذا يدل على أن أبيا قد تعلم الآية هكذا من النبي - صلى الله عليه
وآله - وجعل يقرئ الناس على ما أقرأه، ولو كان ثمة ناسخ لعلمه أبي أو أخبره
الرسول - صلى الله عليه وآله - فكف عن تلك القراءة.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن قول عمر في جوابه: " بل أقرئ الناس " يدل على
عدم وجود ناسخ للآية أصلا، وإلا لذكره له في الجواب.
الثالث: عدم إمكان حمل الآيات المذكورة على منسوخ التلاوة على فرض
صحة القول به:
فآية الرجم قد سمعها جماعة - كما تفيد الأحاديث المتقدمة - من رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - مصرحين بأنها من آي القرآن الكريم على حقيقة
التنزيل.
وقد رأينا - فيما تقدم - إصرار عمر بن الخطاب على أنها من القرآن، وحمله
الصحابة بالأساليب المختلفة على كتابتها وإثباتها في المصحف كما أنزلت. وقوله:

143
" والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها... "
وكل ذلك صريح في أنها كانت من القرآن ومما لم ينسخ، وإلا لما أصر عمر
على ذلك، ولما جاز له كتابتها في المصحف الشريف.
ومن هنا قال الزركشي: " إن ظاهر قوله: لولا أن يقول الناس... أن
كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه،
وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة، لأن هذا شأن المكتوب.
وقد يقال: لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر - رضي الله عنه - ولم يعرج
على مقال الناس، لأن مقال الناس لا يصلح مانعا.
وبالجملة فهذه الملازمة مشكلة، ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن
لا يثبت به وإن ثبت الحكم... " (80).
ومن هنا أيضا: أنكر ابن ظفر (81) في كتابه " الينبوع " عد آية الرجم مما
زعم أنه منسوخ التلاوة وقال: " لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن " (82).
ومثله أبو جعفر النحاس (83) حيث قال: " وإسناد الحديث صحيح، إلا
أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة، ولكنه سنة
ثابتة... " (84).
ورأينا أن أبيا وابن مسعود قد أثبتا في مصحفهما آية " لو كان لابن آدم
واديان.. " وأضاف أبو موسى الأشعري: إنه كان يحفظ سورة من القرآن فنسيها
إلا هذه الآية.



(80) البرهان 2: 39 - 40، الإتقان 2: 26.
(81) وهو: محمد بن عبد الله بن ظفر المكي، له: ينبوع الحياة في تفسير القرآن، توفي سنة 565. وفيات
الأعيان 1: 522، الوافي بالوفيات 1: 141 وغيرهما.
(82) البرهان 2: 39 - 40، الإتقان 2: 26.
(83) وهو: أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس، المتوفى سنة 338. وفيات الأعيان 1: 29، النجوم الزاهرة
3: 300.
(84) الناسخ والمنسوخ: 8.
144
ولو لم تكن الآية من القرآن حقيقة - بحسب تلك الأحاديث - لما أثبتاها،
ولما قال أبو موسى ذلك.
وقد جعل الشوكاني هذه الآية مثالا للقسم الخامس من الأقسام الستة
حسب تقسيمه للنسخ، وهو: " ما نسخ رسمه لا كلمه ولا يعلم الناسخ له ".
و " السادس: ناسخ صار منسوخا وليس بينهما لفظ متلو ".
ثم قال: " قال ابن السمعاني: وعندي أن القسمين الأخيرين - أي
الخامس والسادس - تكلف، وليس يتحقق فيهما النسخ " (85).
ورأينا قول أبي بن كعب لزر بن حبيش في سورة الأحزاب: " قد رأيتها،
وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة... فرفع ما رفع ".
فهل كان أبي يقصد من قوله: " فرفع ما رفع " ما نسخت تلاوته؟!
ورأينا قول عبد الرحمن بن عوف لعمر بن الخطاب حين سأله عن آية
الجهاد: " أسقطت فيما أسقط من القرآن " فسكت عمر، الأمر الذي يدل على
قبوله ذلك.
فهل يعبر عما نسخت تلاوته ب‍ " أسقطت فيما أسقط من القرآن "؟!
ورأينا قول عائشة بأن آية الرضاع كانت مما يقرأ من القرآن بعد وفاة
النبي - صلى الله عليه وآله - وأنها كانت في رقعة تحت سريرها... فهل كانت
تعني ما نسخت تلاوته؟ ومتى كان النسخ؟
وهنا قال أبو جعفر النحاس: " فتنازع العلماء هذا الحديث لما فيه من
الإشكال، فمنهم من تركه وهو مالك بن أنس - وهو راوي الحديث -، ولم يروه عن
عبد الله سواه، وقال: رضعة واحدة تحرم، وأخذ بظاهر القرآن، قال الله تعالى:
(وأخواتكم من الرضاعة)، وممن تركه: أحمد بن حنبل وأبو ثور، قالا: يحرم ثلاث
رضعات لقول النبي - صلى الله عليه وآله -: (لا تحرم المصة ولا المصتان).
قال أبو جعفر: وفي هذا الحديث لفظة شديدة الإشكال وهو قولها (فتوفي



(85) إرشاد الفحول: 189 - 190.
145
رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهن مما نقرأ في القرآن) فقال بعض أجلة
أصحاب الحديث: قد روى هذا الحديث رجلان جليلان أثبت من عبد الله بن أبي
بكر فلم يذكرا هذا فيها، وهما: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله
عنه - ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وممن قال بهذا الحديث وأنه لا يحرم إلا بخمس رضعات: الشافعي.
وأما القول في تأويل: (وهن مما نقرأ في القرآن) فقد ذكرنا رد من رده،
ومن صححه قال: الذي نقرأ من القرآن: (وأخواتكم من الرضاعة) وأما قول
من قال: إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله - فعظيم، لأنه
لو كان مما يقرأ لكانت عائشة - رضي الله عنها - قد نبهت عليه، ولكان قد نقل
إلينا في المصاحف التي نقلها الجماعة الذين لا يجوز عليهم الغلط، وقد قال الله
تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال: (إن علينا جمعه وقرآنه)،
ولو كان بقي منه شئ لم ينقل إلينا لجاز أن يكون مما لم ينقل ناسخا لما نقل،
فيبطل العمل بما نقل، ونعوذ بالله من هذا فإنه كفر " (86).
الرابع: أن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف ونقصان القرآن:
" وبيان ذلك: أن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول الله
- صلى الله عليه وآله -، وإما أن يكون ممن تصدى للزعامة من بعده.
فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله - صلى الله عليه وآله - فهو
أمر يحتاج إلى الإثبات، وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر
الواحد، وقد صرح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها، بل قطع الشافعي
وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه
ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل إن جماعة ممن قال بإمكان نسخ
الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه، وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي
- صلى الله عليه وآله - بأخبار هؤلاء الرواة؟!



(86) الناسخ والمنسوخ: 10 - 11.
146
مع أن نسبة النسخ إلى النبي - صلى الله عليه وآله - تنافي جملة من
الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده.
وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي - صلى
الله عليه وآله - فهو عين القول بالتحريف.
وعلى ذلك، فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء
أهل السنة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة، سواء أنسخ الحكم أو لم ينسخ، بل
تردد الأصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته، وفي جواز أن يمسه
المحدث، واختار بعضهم عدم الجواز.
نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة " (87).
بل قال السيد الطباطبائي - قدس سره: " إن القول بذلك أقبح وأشنع
من القول بالتحريف " (88).
وقال المحقق الأوردبادي - قدس سره -: " وقد تطرف بعض المفسرين،
فذكروا في باب النسخ أشياء غير معقولة...
ومنها: ما ذكره بعضهم من باب نسخ التلاوة: آية الرجم...
وهذه أيضا من الأفائك الملصقة بقداسة القرآن الكريم من تلفيقات
المتوسعين...
وهناك جمل تضمنتها بطون غير واحد من الكتب التي لا تخلو عن مساهلة
في النقل فزعم الزاعمون أنها آيات منسوخة التلاوة أو هي والحكم، نجل بلاغة
القرآن عما يماثلها، وهي تذودها عن ساحة البراعة، لعدم حصولها على مكانة
القرآن من الحصافة والرصافة، فمن ذلك ما روي عن أبي موسى... ومنها: ما
روي عن أبي: قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا...
وإن الحقيقة لتربأ بروعة الكتاب الكريم عن أمثال هذه السفاسف



(87) البيان في تفسير القرآن: 224.
(88) الميزان في تفسير القرآن.
147
القصية عن عظمته، أنا لا أدري كيف استساغوا أن يعدوها من آي القرآن وبينهما
بعد المشرقين، وهي لا تشبه الجمل الفصيحة من كلم العرب ومحاوراتهم فضلا عن
أساليب القرآن الذهبية؟!
نعم، هي هنات قصد مختلقوها توهين أساس الدين والنيل من قداسة
القرآن المبين، ويشهد على ذلك أنها غير منقولة عن مثل مولانا أمير المؤمنين
- عليه السلام - الذي هو لدة القرآن وعدله.
وإني لا أحسب أنه يعزب عن أي متضلع في الفضيلة حال هذه الجمل
وسقوطها حتى تصل النوبة في دفعها إلى أنها من أخبار الآحاد التي لا تفيد علما
ولا عملا، ولا يعمل بها في الأصول القطعية التي من أهمها القرآن - كما قيل
ذلك -... " (89).
وقال الشيخ محمد رضا المظفر بعد كلام له: " وبهذا التعبير يشمل النسخ:
نسخ تلاوة القرآن الكريم على القول به، باعتبار أن القرآن من المجعولات الشرعية
التي ينشئها الشارع بما هو شارع وإن كان لنا كلام في دعوى نسخ التلاوة من
القرآن ليس هذا موضع تفصيله.
ولكن بالاختصار نقول: إن نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول
بالتحريف، لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعي، سواء كان نسخا لأصل
التلاوة أو نسخا لها، ولما تضمنته من حكم معا، وإن كان في القرآن الكريم ما
يشعر بوقوع نسخ التلاوة، كقوله تعالى: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما
ينزل قالوا إنما أنت مفتر) وقوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو
مثلها) ولكن ليستا صريحتين بوقوع ذلك، ولا ظاهرتين، وإنما أكثر ما تدل الآيتان
على إمكان وقوعه " (90).
هذا كله فيما يتعلق بالآيات والسور التي زعموا سقوطها من القرآن...



(89) بحوث في علوم القرآن - مخطوط -.
(90) أصول الفقه 2: 53.
148
وأما مشكلة إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين، فقط اضطربوا في حلها اضطرابا
شديدا كما رأيت، فأما دعوى أن ما روي عنه في هذا المعنى موضوع وأنه افتراء
عليه فغير مسموعة، لأن هذا الرأي عن ابن مسعود ثابت وبه روايات صحيحة كما
قال ابن حجر... وأما ما ذكروا في توجيهه فلا يغني، إذ أحسن ما ذكروا هو: أنه لم
ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، إنما أنكر إثباتهما في المصحف، لأنه كانت
السنة عنده أن لا يثبت إلا ما أمر النبي - صلى الله عليه وآله - بإثباته، ولم يبلغه
أمره به، وهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا (91).
ولو كان لمثل هذا الكلام مجال في حق مثل ابن مسعود لما جنح الرازي
وابن حزم والنووي إلى تكذيب أصل النقل للخلاص من هذه العقدة كما عبر
الرازي...
ولماذا كل هذا الاضطراب؟ ألأن ابن مسعود من الصحابة؟!. إن
الجواب الصحيح أن نقول بتخطئة ابن مسعود وضلالته في هذه المسألة... وإلى
ذلك أشار ابن قتيبة بقوله: " لا نقول إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون
والأنصار ".
وأما قضية سورتي الحفد والخلع... فنحن لم نراجع سند الرواية، فإن كان
ضعيفا فلا بحث، وإن كان معتبرا... فإن تم التأويل الذي أوردناه عن بعضهم
فهو... وإلا فلا مناص من تكذيب أصل النقل...
قضية ابن شنبوذ
وهنا سؤال يتعلق بقضية ابن شنبوذ البغدادي...
فهذا الرجل - وهو أبو الحسن محمد بن أحمد، المعروف بابن شنبوذ
البغدادي، المتوفى سنة 328 - مقرئ مشهور، ترجم له الخطيب وقال: " روى عن
خلق كثير من شيوخ الشام ومصر، وكان قد تخير لنفسه حروفا من شواذ القراءات



(91) الإتقان 1: 270 - 272، شرح الشفاء - للقاري - 4: 558. نسيم الرياض 4: 558.
149
تخالف الاجماع يقرأ بها، فصنف أبو بكر ابن الأنباري وغيره كتبا في الرد عليه.
وقال إسماعيل الخطبي في كتاب التاريخ: اشتهر ببغداد أمر رجل يعرف
بابن شنبوذ، يقرئ الناس ويقرأ في المحراب بحروف يخالف فيها المصحف مما
يروى عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع
المصحف الذي جمع عثمان بن عفان، ويتتبع الشواذ فيقرأ بها ويجادل حتى عظم
أمره وفحش وأنكره الناس، فوجه السلطان فقبض عليه... وأحضر القضاة
والفقهاء والقراء... وأشاروا بعقوبته ومعاملته بما يضطره إلى الرجوع، فأمر
بتجريده وإقامته بين الهبازين وضربه بالدرة على قفاه، فضرب نحو العشرة ضربا
شديدا، فلم يصبر واستغاث وأذعن بالرجوع والتوبة فخلي عنه وأعيدت عليه
ثيابه واستتيب، وكتب عليه كتاب بتوبته وأخذ فيه خطه بالتوبة " (92).
نكتفي بهذا القدر من قضية هذا الرجل وما لاقاه من السلطان بأمر الفقهاء
والقضاة..!! ونتسأل: أهكذا يفعل بمن تبع الصحابة في إصرارهم على قراءاتهم
حسبما يروي أهل السنة عنهم في أصح أسفارهم؟!
كلمة لا بد منها:
وهنا كلمة قصيرة لا بد منها وهي: أن شيئا من هذه السفاسف التي
رواها القوم عن صحابتهم - الذين يعتقدون بهم بأصح أسانيدهم، فاضطروا إلى حملها
على النسخ ظنا منهم بأنه طريق الجمع بين صيانة القرآن عن التحريف وصيانة
الصحاح ورجالها وسائر علمائهم ومحدثيهم عن رواية الأباطيل... - غير منقول عن
مولانا وسيدنا الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - ولا عن أبنائه الأئمة الأطهار، وغير
وارد في شئ من كتب شيعتهم الأبرار.



(92) تاريخ بغداد 1: 280، وفيات الأعيان 3: 326، وقد ذكر ابن شامة القصة في المرشد الوجيز: 187
وكأنه يستنكر ما قوبل به الرجل..!!.
150
خلاصة البحث:
ويتلخص البحث في هذه الناحية في النقاط التالية:
1 - إن من أخبار نقصان القرآن ما لا اعتبار به سندا فهو خارج عن
البحث.
2 - إن الآثار الواردة في هذا الباب بسند صحيح أخبار آحاد والخبر
الواحد لا يثبت به القرآن.
3 - إن بعض هذه الآثار الصحيحة سندا صالح للحمل على التفسير وبيان
شأن النزول ونحو ذلك، فلا داعي لإبطاله.
4 - إن حمل ما لا يقبل الحمل على بعض الوجوه المذكورة على نسخ التلاوة
ساقط، للوجوه الأربعة المذكورة، والتي منها: أن القول بنسخ التلاوة هو القول
بالتحريف، بل أقبح منه.
5 - إن إنكار ابن مسعود الفاتحة والمعوذتين خطأ وضلالة منه، وتكذيب
الخبر الحاكي لذلك باطل، كما أن تأويل فعله ساقط.
6 - إن ما سمي ب‍ " سورتي الحفد والخلع " ليس من القرآن قطعا وإن
رواه القوم عن جمع من الصحابة من غير أهل البيت - عليهم السلام -، قال العلامة
الحلي: " روى غير واحد من الصحابة سورتين... فقال عثمان: اجعلوهما في
القنوت ولم يثبتهما في المصحف، وكان عمر يقنت بذلك، ولم ينقل ذلك من
طريق أهل البيت، فلو قنت بذلك جاز لاشتمالهما على الدعاء " (93).
7 - إن ضرب ابن شنبوذ وقع في غير محله - كمصادرة كتاب " الفرقان " -
من حيث أن الذنب للصحابة ورواة الآثار الواردة عنهم أو الموضوعة عليهم حول
الآيات.



(93) تذكرة الفقهاء 1: 128.
151
ثم رأينا الحافظ ابن الجزري يلمح إلى ما استنتجناه حيث ترجم لابن
شنبوذ وشرح محنته وذكر أنها كانت كيدا من معاصره ابن مجاهد الذي كان
يحسده وينافسه، وإلا فإن الإقراء بما خالف الرسم ليس مما يستوجب ذلك، بل
نقل عن الحافظ الذهبي ذهاب بعض العلماء قديما وحديثا إلى جوازه.. قال ابن
الجزري: " وكان قد وقع بينه وبين أبي بكر بن مجاهد على عادة الأقران، حتى كان
ابن شنبوذ لا يقرئ من يقرأ على ابن مجاهد وكان يقول: هذا العطشي - يعني ابن
مجاهد - لم تغبر قدماه في هذا العلم، ثم إنه كان يرى جواز القراءة بالشاذ وهو ما
خالف رسم المصحف الإمام، قال الذهبي الحافظ: مع أن الخلاف في جواز ذلك
معروف بين العلماء قديما وحديثا. قال: وما رأينا أحدا أنكر الإقراء بمثل قراءة
يعقوب وأبي جعفر، وإنما أنكر من أنكر القراءة بما ليس بين الدفتين. والرجل
كان ثقة في نفسه صالحا دينا متبحرا في هذا الشأن، لكنه كان يحط على ابن
مجاهد... " (94).
8 - إن ما لا يقبل الحمل على بعض الوجوه يجب رده ورفضه، فإن أذعن
القوم بكونه مختلقا مدسوسا في الصحاح سقطت كتبهم الصحاح عن الاعتبار وإلا
توجه الرد والتكذيب إلى الصحابي المروي عنه كما هو الحال بالنسبة إلى ابن
مسعود في قضية الفاتحة والمعوذتين وهو قول سيدنا أبي عبد الله - عليه السلام -:
" أخطأ ابن مسعود - أو قال: كذب ابن مسعود - وهما من القرآن... " (95).
وهكذا يظهر أن القول بعدالة الصحابة أجمعين، والقول بصحة أحاديث
الصحاح - وخاصة الصحيحين - مشهور أن لا أصل لهما. وسيأتي مزيد بيان لذلك
- في الفصل الخامس والأخير - إن شاء الله تعالى.
للبحث صلة...



(94) غاية النهاية في طبقات القراء 2: 52.
(95) وسائل الشيعة 4: 786.
152
من التراث الأدبي المنسي في الأحساء
الشيخ كاظم الصحاف
الشيخ جعفر الهلالي
الشيخ كاظم بن الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ حسين الصحاف
الأحسائي، وهو شاعر آخر من شعراء الأحساء المنسيين.
ولادته:
ولد الشاعر المذكور في الكويت سنة 1313 ه‍ (1).
نشأته ودراسته:
نشأ المترجم له في الكويت على يد أخيه الشيخ حسين الذي مر ذكره في
الحلقة السابقة المنشورة في العدد السابق من نشرة " تراثنا " ويظهر أن أباه توفي
وهو صغير، فكان ملازما لأخيه الشيخ حسين، وقد سافر به أخوه إلى النجف
الأشرف، وكان أول تحصيله على يد أخيه، وبعد وفاة أخيه انقطع إلى الدرس
والتحصيل على يد جماعة من العلماء منهم الشيخ سلمان السلمان الأحسائي، فقد
أخذ عنه المنطق والمعاني والبيان ومعالم الأصول، كما أنه أخذ بعض دروسه في



(1) ذكر السيد هاشم الشخص في كتابه عن علماء وأدباء الأحساء، أن المترجم له ولد سنة 1312 ه‍،
وعلى ما أتذكر أن ما أثبته من تاريخ ولادته كنت قد أخذته من المترجم له عند التقائي به في
الأحساء.
153
الفقه على يد السيد محمد بن السيد حسن الصافي، كما درس أيضا على يد الشيخ
منصور المرهون القطيفي، وحضر دروس حجة الإسلام والمسلمين السيد ناصر
الأحسائي في الفقه، ودرس الحكمة على يد الميرزا موسى الحائري.
وجاء في كتاب " نفائس الأثر " (2) عن كتاب " تذكرة الأشراف في آل
الصحاف " عن المترجم له نفسه، أنه بعد أن ارتقى في معارفه وتحصيله العلمي
اعتمد عليه الميرزا موسى الحائري فأرسله إلى مدينة سوق الشيوخ في العراق ليقوم
هناك بالأمور الشرعية والحقوق الحسبية، فمكث هناك مدة ثم عاد إلى الكويت
- مسقط رأسه - وقام بصلاة الجماعة في مسجد الصحاف بأمر الميرزا موسى الحائري
وولده الميرزا علي، لكنه لم يقم فيها طويلا - أيضا - فغادرها إلى الأحساء بلد آبائه
ومحط أغلب أسرته وموطنه الأصلي، ونزل بعد وصوله إليها في ضيافة حجة الإسلام
والمسلمين الشيخ موسى أبو خميس أحد أكبر علماء الأحساء آنذاك، وقد درس
أيضا على يده بعض علوم الحكمة، كما سعى الشيخ أبو خميس في زواج المترجم له
فتزوج هناك واستقرت به الحال في الهفوف عاصمة الأحساء.
وكان بالإضافة إلى فضيلته العلمية خطيبا حسينيا مارس الخطابة حتى
آخر حياته، وينقل عن المترجم له أن لديه وكالة في الأمور الشرعية والحسبية من
الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، كما أن له وكالة في الموضوع نفسه من
الشيخ حبيب آل قرين الأحسائي (3) نزيل البصرة.
أدبه وشعره:
زاول المترجم له نظم الشعر وكان مكثرا فيه وشعره بين الجيد والمتوسط،
وبدأ يضعف في آخر حياته، وقد ساهم في كثير من المناسبات الدينية فمدح بعض



(2) نفائس الأثر... للسيد هاشم الشخص - آنف الذكر - ترجم فيه لمجموعة كبيرة من علماء وأدباء
الأحساء، وهو لا يزال قيد التأليف، وسبق أن تحدثنا عنه في إحدى الحلقات السابقة.
(3) الشيخ حبيب آل قرين، كان أحد المراجع الأعلام في التقليد، سكن البصرة في منطقة " گردلان "
عبر نهر شط العرب، وكان من الأتقياء وقد اعترف له بالمنزلة العلمية الإمام الراحل كاشف الغطاء عند زيارته - أي كاشف الغطاء - للبصرة ونزل دار أحد علمائها، وقد زاره الشيخ حبيب، فعند
خروجهم من الدار قدمه كاشف الغطاء فأبى، فقال له كاشف الغطاء - قدس سره -: تقدم فلو قدموا
حظهم قدموك. سمعت هذا من والدي الشيخ عبد الحميد الهلالي - رحمه الله -.
154
علماء عصره، ونظم في العقائد والردود وغالبية شعره في أهل البيت
عليهم السلام.
آثاره:
خلف المترجم له مجموعة من الآثار الأدبية والعلمية، لا تزال كلها
مخطوطة ويخشى عليها من الضياع والتلف، وهي كالآتي:
1 - روضة الرحمن في أحاديث رمضان.
2 - البيان في أحوال بدء الإنسان.
3 - النمط الأوسط والحجة على من فرط أو أفرط، وهو كتاب يشتمل على
الأصول الخمسة.
4 - السبيكة الذهبية في معرفة مذهب الجعفرية.
5 - الجوهرة البديعة، في معرفة أصل الشيعة وأصولها، أقام فيها الأدلة
العقلية والنقلية من كتب علماء أهل السنة.
6 - لوح الفوائد ونور المقاصد، يحتوي على أسرار علمية وفوائد بدنية.
7 - الحق والصواب بين السؤال والجواب، في الأصول الخمسة.
8 - الفصول في الأصول، منظومة شعرية تبحث في الأصول الخمسة أيضا،
موجودة عندنا، وهي مما سننشره هنا من شعر المترجم له.
9 - الدليل الحاسم على فتح الطلاسم، وهي قصيدة رد بها الشاعر على
قصيدة إيليا أبي ماضي، قرأ علي الشاعر بعض فصولها عند زيارتي له في مدينة
الأحساء، وهي قصيدة رائعة مشبعة بالأدلة التي نقض بها أوهام أبي ماضي،
ولكن للأسف الشديد لم يتيسر لي في تلك الفترة نسخها، وقد توفي الشاعر بعد
فترة ونرجو أن نوفق للحصول عليها من بعض ورثته، ويخشى عليها من الضياع.

155
10 - الدر الثمين في مدح النبي وآله الطاهرين - صلوات الله وسلامه
عليهم -، وهو ديوان شعر.
11 - اللؤلؤ المنثور في مآتم عاشور، وهو ديوان شعر - أيضا - فيه لكل يوم من
محرم قصيدة مناسبة إلى ليلة الحادي عشر.
12 - العقد الأزهر في قصائد صفر، وهو ديوان شعر - أيضا - يحتوي على
قصائد حسينية في أحداث الكوفة والشام والرجوع إلى المدينة.
وفاته:
كانت وفاة الشاعر في الكويت - مسقط رأسه - وذلك في 10 شعبان سنة
1399 ه‍، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف، تغمده الله برحمته.
وهذه نماذج من شعره نعرضها هنا بين يدي القارئ الكريم، فمن ذلك
هذه القصيدة التي قالها في مدح الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - جاري فيها
القصيدة الكوثرية للسيد رضا الهندي:
أسناء الفجر لنا أسفر * بجبينك أم بدر أزهر
وثنايا الثغر تلوح لنا * أم ذاك البرق أم الجوهر
ما البدر جمالك إذ يبدو * ما السيف لحاظك ما الجؤذر
يا ريم الحي وأخت البدر * ونور الصبح إذا أسفر
(5) رقي لفتى صب أرق * لك طول الليل غدا يسهر
وله عيدي وعدي وصلي * فالفضل بدا لمن استأثر
فإلى م فؤادك لا يحنو * يا أخت البدر متى نسهر
إن كان بدا مني ذنب * فبمدح أبي حسن يغفر
كنز الأعمال سنى الإجلال * وساقي الخلق من الكوثر
(10) قطب المحراب أبو الأطياب وليث الغاب متى قد كر
أفنى الأبطال بصارمه * ولمرحب جندل في خيبر

156
وبواحدة أردى عمرا * فغدت في الدهر له تذكر
قسما بخلافته العليا * وبغامض باطنه الأنور
لولاه الدين لما ارتفعت * منه الأركان ولم تشهر
فمراشده وفوائده * ومآثره عنه تؤثر (15)
ملك عدل وصل فصل * علم حكم فيما قدر
أولاه الله الملك وما * قد شاد به فله عمر
أو يعجزه الفلك الأعلى * وبإذن الله له سير
يا من أنكرت له فضلا * فالشمس هنالك لا تنكر
فلئن ماثلت به أحدا * ما الرمل يماثل بالجوهر (20)
فإلى مولاي أبي حسن * نعم في الكون فلا تحصر
هي روح جناني في الدنيا * ونعيم جناني في المحشر
وبه نفسي أمنت ونجت في الحشر من الفزع الأكبر
وبزعم القاصر أني قد * أطنبت بفضلك يا حيدر
فاقبل يا قدوة أعمالي * ما استيسر من مدح الأحقر (4) (25)
وقال مخمسا بيتي المتنبي في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
لله نور المرتضى علم الهدى * بدر تبلج بالضياء مدى المدى
رمت الحدود فلم أجده محددا * (وتركت مدحي للوصي تعمدا
إذ كان نورا مستطيلا شاملا)
ناء عن الادراك جوهر قدسه * إذ كان متصفا بأحمد جنسه
زيت يكاد يضيء قبل ممسه * (وإذا استطال الشئ قام بنفسه
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا)



(4) نظم الشاعر هذه القصيدة في النجف الأشرف وألقاها في مسجد الخضراء بمناسبة عيد الغدير سنة
1388 ه‍.
157
وقال في رثاء الإمام الحسين - عليه السلام -:
أي خطب دك السما والجبالا * وبه الأرض زلزلت زلزالا
أي شهر أبكى السماء دماء * ودهى العرش حزنه واستمالا
أي عام قد جدد الحزن دأبا * وعلينا قد هيج الإعوالا
أي يوم أبكى النبيين قدما * وبكته من قبلنا أجيالا
(5) هو يوم الحسين أعظم يوم * قد أرانا بحزنه الأهوالا
أترانا ننسى الحسين فريدا * أم ترانا ننسى به الأبطالا
أم ترانا ننسى الأحبة جمعا * يوم فيه سروا هلالا هلالا
أم ترانا ننسى الشباب عليا * من حكى المصطفى النبي خصالا
أم ترانا ننسى زعيم المعالي * قمر الحق يوم بالسيف صالا
(10) أم ترانا ننسى الرضيع بسهم * ذبحوه وما سقوه الزلالا
أم ترانا ننسى الرضيع بسهم * ذبحوه وما سقوه الزلالا
أم ترانا ننسى النساء بسبي * أم ترانا ننسى النياق الهزالا
إن يوم الحسين ما زال غضا * بالأسى راح يغمر الأجيالا
قد عقدنا له المآتم ليلا * ونهارا مدى الزمان وصالا
(15) ورأينا البكا عليه لزاما * فاتخذناه سنة وامتثالا
قد بكاه الرسول والآل جمعا * وبكته الأصحاب حالا فحالا
وبكته الزهراء في كل وقت * ونعته كرامة وجلالا
وبكته الأجيال عاما فعاما * بدموع تحكي السحاب انهمالا
وهذا نموذج آخر من شعره، وهي قصيدة ذات فصول نظمها في أصول
الاعتقاد الخمسة، قال:
الفصل الأول في التوحيد:
يثبت العقل من طريق منير * ليس يخفى على النبيه البصير
أن للخلق والعوالم ربا * خالقا ما له بها من نظير

158
واجبا واحدا سميعا بصيرا * حاكما عالما بما في الضمير
فاعترفنا به ولسنا نراه * أنه خالق بغير مشير
حيث أنا إذا وجدنا ضياء * دل معنى على وجود المنير (5)
أو رأينا في البيد أقدام سير * دل عقلا على وجود المسير
أو وجدنا بها عقال بعير * دل عقلا على وجود البعير
فسماء أبراجها بارتفاع * تجري فيها محاكم التدبير
وأراض فجاجها بانخفاض * ما تدل على اللطيف الخبير؟!
* * *
إن رب السما إله قديم * وهو فرد لم يحوه التقسيم (10)
لو فرضنا: مع الإله شريكا * حادد الله مذ أتى التحكيم
لرأينا الخلاف في الكون باد * بين حكميهما ولا يستقيم
ولجاءت رسل الشريك إلينا * مثلما جاءنا رسول حكيم
فوجودا مع الشريك تعالى * بل وذهنا لم يحوه التوهيم
لا تصفه بجوهر لا ضياء * لا بجسم جل الإله القديم (15)
لا بكم ولا بأنى وكيف * لا كشئ جل الإله العظيم
ما حوته أرض ولا في سماها * لا ولا فوق عرشها مستقيم
لو أجزنا عليه من ذاك شيئا * جاز عقلا في ذاته التجسيم
وإذا شئت أن توحد ربا * مخلصا يستطاب منه النعيم
فقل الله ما له من مثيل * وتعالى وهو السميع العليم (20)
* * *
هلك المدعي وضل وأهلك * أن كنه الإله بالعقل يدرك
أين حد العقول عن درك ذات * قد تجلت عن الحدود بلا شك
أين أفلاطها وأين ابن سينا * وأرسطو وما لهم فيه مدرك
كلما أفتكوا العقول بمعنى * رجعت عن جلالة الذات تفتك

159
(25) حاولوا نعتها بدقة فكر * لينالوا بها طريقا ومسلك
فتجلت عن المنال وعزت * عن دنو لهم به كان تمسك
كلما حاولوا الوصول بعزم * قذفتهم إلى الرسوم بمهلك
قسما في جلاله مذ تجلى * وبملك بدا له ليس يملك
لم يحيطوا به على أي علم * خاب من كان يدعيه ويؤفك
(30) سيد المرسلين مذ حار فيه * قال: زدني فلست أعرف كنهك
أين عيسى المسيح أم أين موسى * عن جلال لقدسه ليس يدرك
خر موسى لنوره مذ تجلى * وذرى الطور من سناه تدكدك
الفصل الثاني في العدل:
إن صنع الإله في الثقلين * كان عدلا في عالم النشأتين
حيث أن الإله لم يبد شيئا * دون علم مذ أوجد الكونين
(35) فبطور الحكمين عقلا وشرعا * كان عدلا مذ أوجد الحكمين
وأمد الأنام منه بلطف * قبل خلق السماء في يومين
وأقات الأوقات لا لاحتياج * باقتدار والنفع للعالمين
فلهذا بذاته كان عدلا * وبفعل العباد في الخافقين
ومن العدل أنه باقتدار * مدهم بالقوى على قدرتين
(40) وهداهم بفضله من قديم * بعقول تهدي إلى النجدين
إن يشأ ذا عصوا بغير اضطرار * أو يشأ ذا اهتدوا إلى الحسنيين
ليس جبرا وليس تفويض لكن * هو أمر في أوسط الأمرين
فهولا يظلم العبيد بشئ * جل ربي عن ذاك في العالمين
الفصل الثالث في النبوة:
ومذ الله كان قدما عليما * أبدع الصنع محكما مستقيما
(45) حيث أن القبيح يصدر جهلا * من جهول وكان فيه...
كيف أن الحكيم يفعل شيئا * فيه قبح وكان فيه حكما

160
فهو سبحانه على الناس يبدي * كل فضل والفضل كان جسيما
خلق الخلق لا لأجل احتياج * بل لكي يعبدوه ربا قديما
فاقتضت حكمة الإله نبيا * عالما عاملا زكيا حليما
زاهدا صادقا تقيا أمينا * طاهرا آمرا سخيا كريما (50)
ومن الدهر قد تعدد وقتا * والتكاليف تقتضي التحكيما
بعث الله رسله كل وقت * كان تكليف خلقه مستديما
كان منهم روحا وكان خليلا * وذبيحا وكان موسى كليما
لم تزل فيهم النبوة حتى * سلموها لأحمد تسليما
فادعاها روحي فداه بوقت * ليس إلا يرى شقيا أثيما (55)
صدق الله مذ دعاه فأضحى * بالبراهين نيرا مستقيما
معجزات أبانها الله حتى * بلغته المنى وملكا عظيما
أعظم المعجزات خير كتاب * مذ به جاء نا فكان قويما
الفصل الرابع في الإمامة:
كل ما مر من ثبوت الدليل * واضحا في وجوب نصب الرسول
فهو أيضا نص لنصب وصي * عنه يهدي إلى سواء السبيل (60)
حكم العقل في وجود وصي * بعد موت الرسول من دون قيل
ليتم النظام آنا فآنا * ويقيم الأحكام بالتفصيل
فهو لطف مثل النبوة حكما * واجب نصبه بلا تعطيل
وبه لا يقوم إلا شريف * ماجد قد سما بمجد أثيل
وصفات الرسول تثبت فيه * إذ له ما له بنص الدليل (65)
غير وحي يختص فيه رسول * وكذا فضله لدى التفضيل
فإذا كان هكذا ما لقوم * نصبه بالخيار بعد الرسول
قل لمن رام نصبه باختيار: * خضت جهلا في ظلمة التضليل
* * *

161
الفصل الخامس في المعاد:
إن ترم نظرة بحكم اعتقادي * في معاد الأرواح للأجساد
(70) فاستمع ما أقول إن كنت شهما * لتراه على الهدى والسداد
هو أن الإله مذ كان عدلا * قبل إيجاد علة الإيجاد
خلق الخلق لا لأجل احتياج * بل لكي يعبدوه في كل نادي
فأحب الإله في الحشر يبدي * نفع ذاك التكليف بين العباد
ليريهم سبحانه العدل حتى * يعلموا أن ذاك عين الرشاد
(75) فهو حتما يعيدهم بعد موت * عين تلك الأجساد يوم المعاد
لكن المسلمون قالوا تصفى * من كثافاتها بغير عناد
قل لمن يدعي المعاد بروح: * ليس هذا من مذهبي واعتقادي
إنما مذهبي بأن إلهي * سيعيد الأرواح للأجساد
ففريق سعى لجنة عدن * وفريق هوى إلى شر وادي
* * *
(80) إن هذا ديني وهذي أصولي * در رقد نظمتها بفصول
أخرجتها نفسي بدقة فكر * من بحار المعقول والمنقول
بسماها طرزتها زاهرات * كنجوم لكن بغير أفول (5)
وإلى هنا ينتهي بنا الحديث عن الشاعر في هذه الحلقة، ولنا عودة مع القراء في ذكر
شاعر آخر إن شاء الله تعالى.
* * *



(5) نقلنا هذه المنظومة الشعرية في الأصول الاعتقادية للشاعر من مجموعة الوالد الشيخ عبد الحميد الهلالي
- رحمه الله -.
162
من ذخائر التراث

163
رسالة
" نقض فتاوى الوهابية "
للإمام الشيخ كاشف الغطاء
السيد غياث طعمة
على أعتاب الذكرى
منذ أن روى الإسلام رمال الجزيرة بدماء الأبرار، فاخضرت أزهاره ونشر
أريجه، وطمح أن يزيح كابوس الظلام والظلم عن صدر العالم، كانت جحافل
الشر والكفر والنفاق تحاول قلع ما يغرسه الإسلام، وتقف سدا أمام مد النور
الساطع، لأنه إن انتشر ماتت، وما برحت تكيد الدسائس لمحو الإسلام، وإلا
فلتحجيمه على أضعف الآمال...
وبالفعل عصفت بالأمة الإسلامية عواصف هوجاء، كل عاصفة تحمل
لونا وطريقة، لكنها تلتقي في هدف القضاء على الإسلام...
وإذا كانت تلك النكبات قد جرت على أيدي أناس انتحلوا الإسلام
وتولوا زمامه وهم يطعنونه صباح مساء، فلا غرو أن يشهر الغرب والشرق سلاحه
ويعلن عداءه وهدفه بعد أن مهد أدعياء الإسلام له ذلك.
وبالفعل فقد شمر عن الساعد ووضع كل إمكاناته في سبيل خدمة هدفه
الأصلي... القضاء على الإسلام العزيز... ولأجل تحاشي الاصطدام ما أمكن بدأ
بزرع جراثيمه في الأصقاع الإسلامية، وكلما كان البلد أكثر عراقة وأشد التزاما
بتعاليم دينه كان لا بد أن تكون الشجرة الملعونة الحاكمة في ذلك البلد أشد سما

165
وأكثر انزلاقا في بحر الرذيلة، وعالمنا المعاصر أنموذج حي لذلك، ففي فلسطين تبذر
إسرائيل، وفي مصر لا بد أن يحكم السادات وأضرابه ليمر يد الذل ويمسح بها على
يد تلطخت بدماء المسلمين الأبرار وليجري أجل كلام... كلام الله... على
أفحش لسان ويدعي الاستناد إلى القرآن في عمله... وفي العراق و و...
ولما كانت أرض الحجاز تضم أقدس مقدسات المسلمين... بيت الله
وحرمه الآمن وحرم رسوله - صلى الله عليه وآله -... كان لا بد أن يكون الخنجر
أمضى من غيره... وهكذا كان حيث ترعرعت الوهابية في رحم الكفر وولدت
وتربت في أحضانه، لتكون كما يريد وتطبق ما يأمر، وتقاتل رسول الله - صلى الله
عليه وآله - باسم دين الله إرضاء لربها الانگلو أمريكي، ولتفتري ما يحلو لها على
الله ورسوله وتفتي على أصول الملكة التي البست خادم الحريم! لا الحرم الصليب
وهو يبتسم ولا يستطيع إخفاء فرحه بهذا الوسام...
قد يكون ما حدث بالأمس بعيدا حينما يكون الحدث ميتا... ولكنه حين
يرتبط بالمقدسات يبقى حيا ما حيي الضمير في المجتمع المسلم وتبقى كل لحظات
الحدث شاخصة أمام الأعين والقلوب.
أجل... نحن على أبواب الذكرى السنوية الأولى لمجزرة البيت الحرام...
البيت الذي يأمن فيه النمل والجراد... يأمن فيه القاتل من القصاص حتى يخرج
منه، ويتعرض حجاج بيت الله إلى مجزرة لم يشهد التاريخ لها نظيرا حتى أيام
الجاهلية الأولى! ولا في جاهلية القرن العشرين...!!
أخذوا وقتلوا تقتيلا، لا لذنب جنوه، إلا أنهم كبروا وهللوا وتبرؤوا من
أعداء الله كما أمر الله وتطبيقا لشريعة الله... لكن أمن الإسلام وخلافة الله قتل
زوار الله وهم على مائدة الله وفي ضيافته؟!
كيف يعرف الإسلام من ليس بمسلم؟
هل الوهابيون مسلمون؟! فأي إسلام يأمر أن تبقى لحوم الأضاحي طعمة
لحرارة الشمس حتى تتفسخ... وملايين البشر من المسلمين وغيرهم عيدهم أن

166
يشبعوا من رائحة الطعام فضلا عن تناوله...؟!
هل هم مسلمون... وهم يهينون رسول الله - صلى الله عليه وآله - حينما
يعتبر زعيمهم عصاه أفضل من النبي - صلى الله عليه وآله - وهو ولي كل مؤمن
ومؤمنة..؟!
أهم يخدمون البيت ويطهرونه.. وهم قد نجسوه بكل منكر استطاعوا
فعله..؟!
وأي شئ فيهم يمت إلى الإسلام بصلة ولو كخيط بيت العنكبوت..
فكرهم.. أخلاقهم.. معاملتهم.. عدلهم.. أم ماذا..؟!
أجل، تمر الأيام لتكمل سنة على المجزرة، لكنها سنة في حساب الزمن
وهي لحظات في حساب الوجدان والضمير لأنها ماثلة ما صعد نفس ونزل وما
غمضت عين وفتحت...
لقد تصدى الكثير من العلماء الأبرار للرد على هذه الفرقة الضالة وبدعها،
وألفت في ذلك المؤلفات مثل: كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب،
فتنة الوهابية، هكذا رأيت الوهابيين، وغيرها، ومن جملة من ألف الشيخ كاشف
الغطاء - طاب ثراه - حيث كتب رسالة " نقض فتاوى الوهابية ".
* * *

167
رسالة
نقض فتاوى الوهابية
وهي رسالة من خمس - أو أربع رسائل - جمعت في كتاب " الآيات
البينات في قمع البدع والضلالات " من تأليف علم من أعلام هذا القرن، غطت
سمعته الأرجاء، وأقر بفضله العلماء، ألا وهو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
- طاب ثراه -.
اسمه ونسبه:
هو الشيخ محمد حسين بن شيخ العراقين علي بن الحجة الشيخ محمد رضا
ابن المصلح بين الدولتين موسى بن الشيخ الأكبر جعفر بن العلامة الشيخ خضر
ابن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.
ولادته ونشأته:
ولد في النجف الأشرف سنة 1294 ه‍، ونشأ في بيت جليل عرف
بالعلم وربى العلماء، شرع بدروسه حين بلغ العاشرة من عمره، وأنهى دراسة
سطوح الفقه والأصول وهو بعد شاب، ثم بدأ الحضور في دروس أكابر العلماء
كالشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد اليزدي وآغا رضا الهمداني وأضرابهم،
ولازمهم سنين طوالا حتى برز بين أقرانه وحظي باحترام واهتمام أساتذته،
ودرس الفلسفة على يد الميرزا محمد باقر الأصطهباناتي والشيخ أحمد الشيرازي
وغيرهما من الفحول، ولما لمع نجمه ونبغ شرع في التدريس في مسجد الهندي
وكان درسه يضم من الفضلاء ما يربو على المائة.
* * *

168
رحلاته ونشاطاته:
ومن السمات المميزة لحياة الشيخ كاشف الغطاء - قدس سره - رحلاته
المتعددة واستثمارها، ونشاطاته المتنوعة، خصوصا في نشر صوت مذهب الإمامية
والدعوة إلى وحدة الكلمة بين المذاهب الإسلامية عموما من خلال النقاش
الموضوعي، فعندما طبع الجزء الأول من كتابه " الدين والإسلام " وهم بأن يطبع
الثاني إذا بالسلطة تأمر بمهاجمته ومنعه من الطبع، فسافر إلى الحج، ومنه إلى الشام
فبيروت وطبع الجزءين بصيدا، واتصل بكبار العلماء ورجالات الفكر وجرت عدة
محاورات ومراسلات معهم من جملتها محاوراته مع فيلسوف الفريكة أمين الريحاني،
وناقش ضمن هذه المحاورات جرجي زيدان حول مؤلفه " تاريخ آداب اللغة
العربية " وأظهر الكثير من شطحاته، وناقش كذلك الشيخ يوسف الدجوي أحد
مدرسي الجامع الأزهر، والشيخ جمال الدين القاسمي عالم دمشق حينها، ونشر
خلال هذه السفرة عدة مؤلفات له، ونشر عدة كتب لعدة مؤلفين وأشرف على
تصحيحها والتعليق عليها، وقضى ثلاث سنوات في سوريا ولبنان ومصر.
ووافق عودته إلى العراق سنة 1332 نشوب الحرب العالمية الأولى فقضى
سنيها في سوح الجهاد بصحبة السيد محمد - ولد أستاذه السيد اليزدي - ورجع إلى
النجف الأشرف عند انتهائها، وفي سنة 1338 رجع في التقليد إلى المترجم له
خلق كثير.
وفي سنة 1350 انعقد المؤتمر الإسلامي العام في القدس الشريف،
ودعي من قبل لجنة المؤتمر مرارا فأجاب الدعوة، وألقى في المؤتمر خطبة ارتجالية
ظهر فيها فضله وعظمته، فقدمه العلماء وائتموا به في الصلاة، وفي عام 1352 زار
إيران وبقي فيها حدود ثمانية أشهر داعيا الناس إلى التمسك بمبادئ الدين
الحنيف، وفي سنة 1371 حضر المؤتمر الإسلامي في كراچي.
* * *

169
مؤلفاته:
إضافة إلى المقالات النفيسة والقصائد البديعة التي نشرت في أمهات
الكتب، فقد ترك المؤلف آثارا جليلة نذكر ما وقفنا عليه:
1 - الآيات البينات في قمع البدع والضلالات.
2 - أصل الشيعة وأصولها.
3 - الفردوس الأعلى.
4 - الأرض والتربة الحسينية.
5 - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية (مخطوط).
6 - تحرير المجلة.
7 - المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون.
8 - شرح على العروة، كتبه في حياة أستاذه (مخطوط).
9 - الدين والإسلام، أو الدعوة الإسلامية إلى مذهب الإمامية (أربعة
أجزاء طبع منها اثنان).
10 - نزهة السمر ونهزة السفر (مخطوط).
11 - المراجعات الريحانية، الموسوم بالمطالعات والمراجعات أو النقود
والردود.
12 - وجيزة الأحكام.
13 - السؤال والجواب.
(14) زاد المقلدين (فارسي).
(15) حاشية التبصرة.
16 - حاشية العروة الوثقى.
(17) تعليقة على سفينة النجاة.
(18) مناسك الحج.

170
19 - تعليقة على عين الحياة.
20 - حاشية على مجمع الوسائل (فارسي).
21 - التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح.
22 - عين الميزان، في الجرح والتعديل.
23 - محاورة مع السفيرين.
24 - ملخص الأغاني (مخطوط).
25 - رحلة إلى سورية ومصر (مخطوط).
26 - ديوان شعر (مخطوط).
27 - جنة المأوى.
وغيرها كثير.
وفاته ومدفنه:
دبت في بدن الشيخ الجليل كاشف الغطاء أواخر أيامه عدة أسقام، لكنه
لم يتوان لحظة ولم يأل جهدا في سبيل خدمة الدين والمسلمين، ولما اشتد عليه
مرضه سافر إلى بغداد ورقد في المستشفى شهرا فاقترح عليه البعض الذهاب إلى
(كرند) لطلب الصحة، فقصدها في 15 ذي القعدة سنة 1373 لكن الأجل لم
يمهله، فوافاه يوم الاثنين 18 ذي القعدة 1373 ه‍ بعد صلاة الفجر فنقل جثمانه
الشريف إلى النجف ودفن في مقبرته الخاصة التي أعدها سلفا في وادي السلام
وبذلك ودع الإسلام أحد أفذاذه وثلم به ثلمة عظيمة (5).
وإليك - أخي المسلم - الرسالة كاملة...



(5) لمزيد الاطلاع على ترجمته أنظر: الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936، الموسوعة العربية، المكتبة
البلدية، فهرس التوحيد، المنجد، نقباء البشر، الأعلام للزركلي، معجم المؤلفين، مقدمة الفردوس
الأعلى، مقدمة جنة المأوى، المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، أصل الشيعة وأصولها، مجلة
" الأديب " عدد 12 سنة 13، صوت البحرين / ذي القعدة - ذي الحجة 1373، العرفان 36 و 43
وآب / 54، المعارف عدد 2 سنة 1، المقتبس / عبد الفتاح العسكري 7: 776 - 778
و 8: 212 - 213.
171
بسم الله الرحمن الرحيم
(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.)
رسالة
نقض فتاوى الوهابية
ورد كلية مذهبهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام.
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له
اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبس المهاد.
وحي معجز
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما ألقاه علينا أستاذنا الأكبر، وشيخنا الأعظم، حجة الإسلام، آية
الله في الأنام، علامة الدهر، مولانا الشيخ محمد حسين دامت بركاته في شأن
الوهابية، واستفتاء علماء المدينة المتضمن تهديم القبور وغير ذلك في عدة مجالس
ضممنا بعضها إلى بعض وجلوناها مجموعة عليك.
قال دامت أيام إفاداته: وقفنا من جريدة العراق في العدد الموافق منها 13
ذي القعدة سنة 1344 على سؤال قاضي قضاة الوهابيين ابن بليهد مستفتيا علماء
المدينة عن البناء على القبور، واتخاذها مساجد، وإيقاد السرج عليها وما يفعل
عند الضرائح، من التمسح والتقرب إليها بالذبائح والنذور، وتقبيلها وعن التكبير
والترحيم والتسليم في أوقات مخصوصة...

172
هذا ملخص السؤال وكان الجواب من علماء المدينة بالمنع مطلقا ووجوب
الهدم، مستدلين على المنع في بعضها، ومرسلين الفتوى بغير دليل في الباقي.
وقد رغب إلينا الكثير من الأعلام والأفاضل في إبداء ملاحظتنا على
تلك الفتوى، ووضعها في معيار الاختبار وميزان الصحة والسقم، وعرضها على
محك النقد، ومطرقة القبول أو الرد، إيضاحا للحقيقة وطلبا للصواب، كي
لا تعرض الأوهام والشكوك وتعلق الشبهة بأذهان البسطاء من المسلمين، فإن
البلية عامة، والمصيبة شاملة، والرزية على الجميع عظيمة، وعليه فنذكر نص
الفتوى جملة جملة حسبما ذكر في تلك الجريدة، ثم نعقب كل جملة منها بما يحق لها
من البيان، وبالله المستعان.
قالوا في الجواب: أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعا لصحة الأحاديث
الواردة في منعه، وبهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين على ذلك
بحديث علي - رضي الله عنه - أنه قال لابن الهياج: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه
رسول الله - صلى الله عليه وآله - ألا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا
سويته " (1) رواه مسلم. انتهى.
فتراهم قد تمسكوا تارة بالإجماع، وأخرى بالحديث، أو بالإجماع المستند
إلى الحديث.
أما دعوى الاجماع فهي مدحوضة مرفوضة ولكن لا تتسع أعمدة الصحف
والمجلات لنقل كلمات العلماء في جوازه، بل رجحانه، وفساد توهم الاجماع
وبطلانه من أول الإسلام وإلى هذه الأيام، وأي حاجة بك إلى أن أسرد لك أو
أملي عليك ما يوجب الملل (قال فلان وقال فلان)، وهذا عمل المسلمين
وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار ملء المسامع والأبصار، على اختلاف



(1) صحيح مسلم 2 / 666 باب 31 ح 93، مسند أحمد 1 / 96 و 129، سنن النسائي 4 / 88 وفيه:
ولا صورة في بيت إلا طمستها، سنن أبي داود 3 / 215 ح 3218، الجامع الصحيح للترمذي 3 / 366
باب 56 ح 1049.
173
طبقاتهم وتباين نزعاتهم، من بدء الإسلام إلى هذه الغاية من العلماء وغيرهم، من
الشيعة والسنة وغيرهم، وأي بلاد من بلاد الإسلام من مصر أو سوريا أو العراق
أو الحجاز وهلم جرا ليس لها جبانة شاسعة الأطراف واسعة الأكناف، وفيها
القبور المشيدة والضرائح المنجدة؟!
وهؤلاء أئمة المذاهب: الشافعي في مصر، وأبو حنيفة في بغداد، ومالك
بالمدينة، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم سامقة المباني شاهقة القباب، وأحمد
ابن حنبل مباءة الوهابية ومرجعهم في الفروع كان له قبر مشيد في بغداد جرفه
شط دجلة حتى قيل: " أطبق البحر على البحر ". وكل تلك القبور قد شيدت
وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتوى وزعماء المذاهب، فما
أنكر منهم ناكر، بل كل منهم محبذ وشاكر.
وليس هذا من خواص الإسلام، بل هو جار في جميع الملل والأديان، من
اليهود والنصارى وغيرهم، بل هو لعمر الحق من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة
والعمران وشارت التمدن والرقي، والدين القويم المتكفل بسعادة الدارين إذا
كان لا يؤكده ويحكمه فما هو بالذي ينقضه ويهدمه، وإذا كان كل هذا لا يكفي
شاهدا قاطعا ودليلا بينا على فساد دعوى الاجماع فخير أن تكسر الأقلام ويبطل
الحجاج والخصام ولا يقوم على شئ دليل ولا بينة ولا حجة ولا برهان:
وليس يصح في الأذهان شئ * إذا احتاج النهار إلى دليل
هذا حال الاجماع، أما حديث مسلم: " لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا
قبرا مشرفا إلا سويته " فها هي نسخة من صحيح مسلم بين يدي، طبع بولاق
القديمة سنة 1290، وقد روى الحديث المزبور صفحة 265 ج 1 في باب الأمر
بتسوية القبر، ولكن بعد هذا بقليل صفحة 256 قال: (باب ما يقال عند دخول
القبور والدعاء لأهلها) وروى فيه بسنده إلى عائشة: إن النبي كان يخرج إلى
البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين (2) إلى الآخر في حديثين طويلين.



(2) صحيح مسلم 2 / 669 باب 35 ح 102 و 103.
174
وروى بعدهما بسنده إلى سليمان بن بريدة عن أبيه، قال: كان رسول الله
- صلى الله عليه وآله - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول في رواية
أبي بكر: السلام على أهل الديار (3). وفي رواية زهير: السلام عليكم أهل الديار من
المؤمنين والمسلمين والمسلمات وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم
العاقبة (4).
ثم بعد أن فرغ من هذا الباب قال تلوه: " باب استئذان النبي - صلى الله
عليه وآله - ربه عز وجل في زيارة قبر أمه "، وروى فيه أربعة أحاديث صريحة في
الأمر بزيارة القبور:
أولها: بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -:
استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن
لي (5).
ثانيها: بسند آخر إلى أبي هريرة، قال: زار النبي - صلى الله عليه وآله - قبر
أمة فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي،
واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت (6).
ثالثها: بسنده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله
عليه وآله -: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق
ثلاث فأمسكوا ما بدا (7) لكم، إلى آخر الحديث.
رابعها: بسند آخر بالمعنى المتقدم أيضا (8).
وبين يدي كذلك كتابان جليلان لعالمين جليلين من كبار مشاهير علماء



(3) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 104.
(4) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 104.
(5) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 105.
(6) صحيح مسلم 2 / 671 باب 35 ح 105.
(7) صحيح مسلم 2 / 672 باب 36 ح 106.
(8) صحيح مسلم 2 / 672 باب 36 ح 106.
175
السنة والجماعة: أحدهما كتاب " شفاء السقام في زيارة خير الأنام، للإمام الحافظ
قاضي قضاة المسلمين في القرن الثامن الشهير بتقي الدين أبي الحسن السبكي،
ويسمى أيضا ب‍ " شن الغارة على من أنكر فضل الزيارة " وقد نشر هذا الكتاب
ومثله للطبع سنة 1318 في مطبعة بولاق لعالم الفن العلامة الجليل أحد أكابر
علماء مصر القاهرة الشيخ محمد بخيت المطبعي، رئيس المحكمة الشرعية العليا بمصر،
وقد حضرنا دروسه بمصر سنة 1330 فوجدناه في أكثر العلوم بحرا مواجا، وسراجا
وهاجا، شعلة ذكاء وفهم، وإحاطة وحزم، ودفع إلينا جملة من مؤلفاته منها ذلك
الكتاب الذي نشر في صدره مقدمة في بعض أحوال ابن تيمية مؤسس مذاهب
الوهابية وبعض بدعه في الدين وتكفيره من جمهور علماء المسلمين، وقد أجاد في
تلك المقدمة، وأحسن النظر في الموضوع وعلله وأسبابه.
أما ذات كتاب الإمام السبكي فقد رتبه على عشرة أبواب:
الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة.
الثاني: في الأحاديث الدالة على ذلك وإن لم يكن فيها لفظ الزيارة.
الثالث: فيما ورد في السفر إليها.
الرابع: في نصوص العلماء على استحبابها.
الخامس: في كونها قربة.
السادس: في كون السفر لها قربة.
السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته.
الثامن: في التوسل والاستغاثة.
التاسع: في حياة الأنبياء.
العاشر: في الشفاعة.
وذكر في الباب الأول من الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي - صلى الله
عليه وآله -، وفضلها، والحث عليها خمسة عشر حديثا، وأطنب في تصحيح سند كل
واحد منها، والبحث عن رجال السند وعلله فصحح أسانيد أكثرها، مثل: " من

176
زار قبري وجبت له شفاعتي " (9)، وقد أفاض في البحث عن سند هذا
الحديث في خمس أوراق وبمضمونه حديثان آخران ومثل: " من حج فزار قبري
بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي " (10) وأفاض في النظر والبحث عن سنده في أربع
أوراق ومثل: " من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني " (11) إلى أمثال ذلك من
الأحاديث التي آخرها في هذا الباب: " من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي
يوم القيامة " و " من مات في أحد الحرمين بعث آمنا " (12).
ثم استوفى القول والحديث في الباب الثاني، ودخل بعده في الباب
الثالث وذكر مفصلا زيارة بلال من الشام التي هاجر إليها بعد وفاة النبي - صلى
الله عليه وآله - وأنه رأى النبي في المنام وهو يقول له: " ما هذه الجفوة يا بلال،
أما آن لك أن تزورني؟! " فانتبه حزينا وجلا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر
النبي - صلى الله عليه وآله -، إلى آخر الحديث. وكان ذلك في زمن أكابر الصحابة
كالشيخين وغيرهما، وعقبه بذكر زيارة جماعة من الصحابة والتابعين لقبره - وشد
الرحال إليه.
الكتاب الثاني بين أيدينا كتاب " الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي
المكرم " تأليف العالم الشهير صاحب المؤلفات الطائرة الصيت، أحمد بن حجر



(9) سنن الدارقطني 2 / 278 ح 194، الجامع الصغير للسيوطي - نقلا عن البيهقي - 2 / 605 ح 8715، كنز
العمال 15 / 651 ح 42583، وفاء الوفاء 4 / 1336، الكامل لأبي أحمد بن عدي 6 / 2350، وأورده
العلامة الأميني في الغدير 5 / 93 - 96 " 41 " مصدرا، فراجع.
(10) سنن الدارقطني 2 / 278 ح 192، سنن البيهقي 5 / 246، كنز العمال 5 / 135 ح 12368 و 15 / 651
ح 42582، وفاء الوفاء 4 / 1340 وفيه: كان كمن زارني، الكامل لأبي أحمد بن عدي 2 / 790،
الجامع الصغير للسيوطي - نقلا عن الطبراني - 2 / 594 ح 8628، وأورد العلامة الأميني في الغدير
5 / 99 - 100 " 9 " مصادر، فراجع.
(11) كنز العمال 5 / 135 ح 12369، وفاء الوفاء 4 / 1342، شفاء السقام: 23، وأورد الأميني " 9 "
مصادر في الغدير 5 / 100.
(12) وفاء الوفاء 4 / 1348، شفاء السقام: 34، وقد أورد السبكي في شفاء السقام كل الأحاديث
السابقة في الفصل الأول.
177
الشافعي، المطبوع ذلك الكتاب بمطبعة بولاق أيضا في مصر، القاهرة سنة 1279،
ورتبه - كسابقه - على فصول:
الأول: في مشروعية زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله - واستدل عليها
من الكتاب بآيات، ومن السنة بأحاديث كثيرة صحح أسانيدها من الطرق
المتفق عليها عند جمهور المسلمين، ثم استدل بإجماع علماء المسلمين، وزاد على
ما ذكره الحافظ السبكي لتأخر زمانه عنه.
قال ابن حجر - بعد أن استوفى الكلام في سرد الحديث والإجماع على فضل
الزيارة فضلا عن مشروعيتها، صفحة 13 - ما نصه:
فإن قلت: كيف تحكي الاجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها
وطلبها وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله كما رآه السبكي
في خطه، وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجه الأسماع وتنفر عنه
الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعا وأنه لا تقصر فيه الصلاة، وأن جميع
الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه؟!
قلت: من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شئ من أمور الدين
عليه؟! وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة،
وحججه الكاسدة، حتى أظهروا عوار سقطاته، وقبائح أو هامه وغلطاته، كالعز بن
جماعة: عبد أضله الله تعالى وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوأه من قوة
الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان.
ولقد تصدى شيخ الإسلام، وعالم الأنام، المجمع على جلالته، واجتهاده
وصلاحه وإمامته، التقي السبكي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، للرد عليه في
تصنيف مستقل أفاد فيه (13) وأجاد وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق
الصواب، ثم قال: هذا ما وقع من ابن تيمية مما ذكر، وإن كان عثرة لا تقال
أبدا، ومصيبة يستمر شؤمها سرمدا، ليس بعجيب، فإنه سولت له نفسه وهواه



(13) وكذا ناقشه في شفاء السقام في باب دفع شبهة الخصم 98 - 115.
178
وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح
المعائب إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمتهم سيما الخلفاء
الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزه
- سبحانه - عن كل نقص، والمستحق لكل كمال أنفس، فنسب إليه الكبائر
والعظائم، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة
والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين، حتى قام عليه
علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحسبه إلى أن مات وخمدت
تلك البدع، وزالت تلك الضلالات، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأسا،
ولم يظهر لهم جاها ولا بأسا، بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من
الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، انتهى.
هذا بعض كلام ابن حجر العالم الذي ليس له في علماء السنة مدافع، ولا
ينازع في جلالة شأنه وعظيم فضله منازع، ولسنا الآن في صدد تعداد مثالب ابن
تيمية وبدعه في الدين، وما أدخله من البلية على الإسلام والمسلمين، فإن ذلك
خارج عما نحن بشأنه من مواقف الحجة والبرهان، والنظر في الأدلة على نهج
علمي لا يخرج عن دائرة آداب المناظرة.
وأما حال ابن تيمية... فقد كفانا مؤونة إشاعة فضائعه ووقائعه علما
الجمهور من أهل السنة والجماعة شكرت مساعيهم الجميلة.
أما كلمتنا التي لا بد لنا من إبدائها في الجمع بين تلك الأخبار،
ونظريتنا في استجلاء الحقيقة من خلال تلك الحجب والأستار، فسوف نبديها في
تلو هذا السجل ناصعة بيضاء مسقرة، وعليه التكلان، وبه المستعان.
ها نحن أولاء، بعد أن سردنا عليك ذروا من الأحاديث، وشذورا من
الروايات، نريد أن نأتي على الخلاصة، ونوقفك على الفذلكة، ونمنحك الحقيقة
المكنونة، والجوهرة الثمينة فنتوصل إلى الحقيقة من أقرب طرقها، ونتوسل إلى البغية
المنشودة بأقوى أسبابها، وأوثق عراها، وأمتن أواخيها، فنقول:

179
نقدر على الفرض أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ها هو أمام كل مسلم
من أمته يراه بعينه ويسمعه بإذنه قائلا له: " لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا
مشرفا إلا سويته " بناء على صحة كل ما ورد في الصحيحين - البخاري ومسلم
إذ هذا الفرض - وإن كنا لا نقول به - ولكن نجعله من الأصول الموضوعة بيننا - أعني
به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومة - ومعلوم أن المتخاصمين إذا لم يكن فيما
بينهما أصول موضوعة ينتهون إليها، ويقفون عندها، لا تكاد تنهي سلسلة النزاع
بينهما والتخاصم طول الأبد، وعمر الدهر، إذا فنحن على سبيل المجاراة والمساهلة
مع الخصم نقول بصحة ذلك الحديث، كما يلزمنا معا أن نقول بصحة غيره من
أحاديث الصحيحين فها هو النبي - صلى الله عليه وآله - يقول: " لا تدع قبرا مشرفا
إلا سويته "، كما رواه مسلم، - ولكنه يقول حسب روايته أيضا: " فزوروا القبور
فإنها تذكر الموت... "، و " استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي "... وقد زار
هو قبور البقيع... وفي البخاري عقد بابا لزيارة القبور وحينئذ - فهل هذه
الأحاديث متعارضة متناقضة؟! النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي
يوحى يأمر بهدم القبور... ويأمر بزيارتها... يأمر بهدمها ثم هو يزورها...
فإن كان المقام من باب تعارض الأحاديث واختلاف الروايات وجب
الجمع بينهما لا محالة، على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد، وطريقة الاستنباط، وقواعد
الفن المقررة في الأصول، بحمل الظاهر على الأظهر، وتأويل الضعيف من
المتعارضين وصرفه إلى المعنى الموافق للقوي، فيكون القوي قرينة على التصرف في
الضعيف، وإرادة خلاف ظاهره منه كما يعرفه أرباب هذه الصناعة، فهل المقام
من هذا القبيل؟!
كلا ثم كلا، ومهلا مهلا: إن هذه الساقية ليست من ذلك النبع،
وتلك القافية ما هي من ذلك السجع، وليس المقام من باب التعارض كي
يحتاج إلى التأويل والجمع.
ما كنت أحسب أن أدنى من له حظ من فهم التراكيب العربية

180
والتصاريف اللغوية يخفى عليه الفرق بين " التسوية " و " المساواة ".
إن الذين يصرفون قوله - عليه السلام -: " ولا تدع قبرا مشرفا إلا سويته "
إلى معنى ساويته بالأرض أي " هدمته " أولئك قوم أيفت أفهامهم، وسخفت
أذهانهم، وضلت ألبابهم، ولم يكن من العربية لهم ولا قلامة ظفر فكيف
بعلمائهم؟!
ولا يخفى على عوام العرب أن تسوية الشئ عبارة عن تعديل سطحه أو
سطوحه، وتسطيحه في قبال تقعيره أو تحديبه أو تسنيمه وما أشبه ذلك من المعاني
المتقاربة (14) والألفاظ المترادفة، فمعنى قوله - صلى الله عليه وآله -: " لا تدع قبرا
مشرفا - أي: مسنما - إلا سويته - أي - سطحته وعدلته - " وليس معناه: إلا هدمته
وساويته بالأرض كي يعارض ما ورد من الحث على زيارة القبور واستحباب
إتيانها، والترغيب في تشييدها، والتنويه بها، وذلك المعنى - أعني أن المراد من تسوية
القبر تسطحيه وعدم تسنيمه - كان هو الذي فهمته من الحديث أول ما سمعته
بادئ بدء وعند أول وهلة، ثم راجعت الكتاب - أعني صحيح مسلم - ونظرت
الباب فوجدت صاحب الصحيح - مسلم - قد فهم ما فهمناه من الحديث حيث
عنون الباب قائلا: (باب تسوية القبور) وأورد فيه أولا بسنده إلى تمامه قال: كنا
مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي
ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يأمر بتسويتها (15) ثم أورد بعده في
نفس هذا الباب حديث أبي الهياج المتقدم: " ولا قبرا مشرفا إلا سويته ".
وكذلك فهم شارحو صحيح مسلم وإمامهم النووي الشهير، وها هو بين
أيدينا يقول في شرح تلك الجملة النبوية ما نصه: فيه: أن السنة أن القبر لا يرفع
عن الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم، بل يرفع نحو شبر، وهذا مذهب الشافعي ومن



(14) معجم مقاييس اللغة 3 / 112 (سوى).
(15) صحيح مسلم 2 / 666 باب 31 / ح 92.
181
وافقه، ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها (16).
انتهى كلام النووي.
ويشهد لأفضيلة التسنيم ما رواه البخاري في صحيحه في باب صفة قبر
النبي وأبي بكر وعمر بسنده إلى سفيان التمار أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه
وآله - مسنما (17)...
ولكن القسطلاني أحد المشاهير من شارحي البخاري، شرحه في عشر
مجلدات طبعت في مصر القاهرة، قال ما نصه: " مسنما " بضم الميم وتشديد النون
المفتوحة أي: مرتفعا، زاد أبو نعيم في مستخرجه: وقبر أبي بكر وعمر كذلك،
واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة (18) ومالك (19)
وأحمد (20) والمزني وكثير من الشافعية:
وقال أكثر الشافعية (21) ونص عليه الشافعي: التسطيح أفضل من التسنيم
لأنه - صلى الله عليه وآله - سطح قبر إبراهيم وفعله حجة لا فعل غيره (22)، وقول
سفيان التمار لا حجة فيه - كما قال البيهقي - لاحتمال أن قبره - صلى الله عليه
وآله - وقبري صاحبيه لم تكن في الأزمنة الماضية مسنمة (23).
وقد روى أبو داود بإسناد صحيح أن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال:
دخلت على عائشة فقلت لها: اكشفي لي عن قبر النبي - صلى الله عليه وآله -
وصاحبيه فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة



(16) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 4 / 301.
(17) صحيح البخاري 2 / 128.
(18) المبسوط للسرخسي 2 / 62.
(19) المنتقى 2 / 22.
(20) المغني لابن قدامة 2 / 380.
(21) المجموع 5 / 295.
(22) الأم 1 / 273.
(23) سنن البيهقي 4 / 4 وفيه - بعد أن نقل حديث التمار -: وحديث القاسم أصح وأولى أن يكون
محفوظا.
182
الحمراء، أي لا مرتفعة كثيرا ولا لاصقة بالأرض (24)، إلى أن قال القسطلاني
الشارح: ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعار الروافض لأن السنة لا
تترك بموافقة أهل البدع فيها! ولا يخالف ذلك قول علي - رضي الله عنه - أمرني
رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، لأنه لم يرد
تسويته بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأخبار، ونقله في المجموع عن
الأصحاب (25).
انتهى ما أردنا نقله من شرح البخاري، وأنت ترى من جميع ما أحضرناه
لديك وتلوناه عليك من كلمات أعاظم المسلمين وأساطين الدين من مراجع
الحديث كالبخاري ومسلم، وأئمة المذاهب كأبي حنيفة والشافعي ومالك
وأحمد، وأعلام العلماء وأهل الاجتهاد كالنووي وأمثاله، كلهم متفقون على
مشروعية بناء القبور في زمن الوحي والرسالة، بل النبي - صلى الله عليه وآله -
بذاته بنى قبر ولده إبراهيم، إنما الخلاف والنزاع فيما بينهم في أن الأفضل والأرجح
تسطيح القبر أو تسنيمه، فالذاهبون إلى التسنيم يحتجون بحديث البخاري عن سفيان
التمار أنه رأى قبر النبي - صلى الله عليه وآله - مسنما، والعادلون إلى التسطيح
يحتجون بتسطيح النبي قبر ولده إبراهيم، وصحيح القاسم بن محمد بن أبي بكر
شاهد له، ولعل هذا الدليل هو الأرجح في ميزان الترجيح والتعديل، ولا يقدح
فيه أنه صار من شعار الروافض وأهل البدع - كما قال شارح البخاري - فيما مر
عليك نقله.
ولا يعنينا الآن الخوض في حديث الروافض وأنهم من أهل البدع
أم لا، إنما الشأن في حديث " لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته " وأحسب أنه قد تجلى
لك بحيث يوشك أن يلمس بالأنامل، ويرى بباصرة العين أن معنى " سويته "
عدلته وسطحته في قبال سنمته وحدبته ويناسب هذا المعنى كل المناسبة التقييد



(24) سنن أبي داود 3 / 215 ح 3220.
(25) إرشاد الساري 2 / 477.
183
بقوله " مشرفا " فإن أصل الشرف لغة هو العلو بتسنيم مأخوذ من سنام البعير،
وعليه فيحسن ذلك القيد، بل يلزم ويكون بلسان أهل العلم (قيدا احترازيا).
أما على معنى ساويته فالقيد لغو صرف، بل مخل بالغرض المقصود.
وبعد هذا كله فهل من قائل عني لذلك المفتي، مفتي علماء المدينة الذي
أفتى بجواز هدم القبور أو وجوبه استنادا إلى ذلك الحديث: يا هذا! من أين جئت
بتلك النظرية الحمقاء، والحجة العوجاء، والبرهنة المعكوسة، والمزعمة المقلوبة التي
ما وهمها واهم، ولا خطرت على ذهن جاهل فكيف بالعالم؟!
اللهم إلا أن يكون " ابن تيمية " أو بعض ذناباته فإن الرجل ترويجا
لأباطيله، وتمشية لأضاليله، حيث تعوزه الحجة والسند قمين بتحوير الحقائق،
وقلب الأدلة، والتلاعب بالحجج والبراهين تلاعبه بالدين " كما تلاعبت
الصبيان بالأكر ".
لا يا هذا، إن الشمس لا تستر بالأكمام، وإن الحق لا يسحق بزخارف
الكلام وسفاسف الأوهام... إن حديث " لا تدع قبرا إلا سويته " دليل عليك
لا لك، وحجة قاطعة لأضاليلك وقالعة لجذور أباطيلك، فإن معناه الذي
لا يشك فيه إنسان من أهل اللسان " سويته أي: عدلته وسطحته، لا ساويته
وهدمته "، وبهذا المعنى لا يكون معارضا لشئ من الأحاديث حتى يحوج من له
حظ من صناعة الاستنباط إلى الجمع والتأويل، وهذا هو معناه بذاته وظاهر من
نفس مفرداته وتركيبه، لا الذي يحصل بعد الجمع كما يظهر من عبارة شارح
البخاري المتقدمة.
نعم، لو أبيت إلا عن حمل " سويته " على معنى ساويته بالأرض
وجاملناك على الفرض والتقدير، حينئذ تجئ نوبة المعارضة ويلزم الصرف
والتأويل، وحيث أن هذا الخبر بانفراده لا يكافئ الأخبار الصحيحة الصريحة
الواردة في فضل زيارة القبور ومشروعية بنائها، حتى أن النبي - صلى الله عليه
وآله - سطح قبر إبراهيم، فاللازم صرفه إلى أن المراد: لا تدع قبرا مشرفا قد اتخذوه

184
للعبادة إلا سويته وهدمته.
ويدل على هذا المعنى الأخبار الكثيرة الواردة في الصحيحين - البخاري (26)
ومسلم - من ذم اليهود والنصارى والحبشة حيث كانوا يتخذون على قبور صلحائهم
تمثالا لصاحب القبر فيعبدونه من دون الله، ولعله إشارة إلى بعض طوائف اليهود
والنصارى والحبشة حيث كانوا كذلك في القديم فعدلوا واعتدلوا.
أما المسلمون من عهد النبي - صلى الله عليه وآله - إلى اليوم فليس منهم
من يعبد صاحب القبر، وإنما يعبدون الله وحده لا شريك له في تلك البقاع
الكريمة المتضمنة لتلك الأجساد الشريفة، وبكل فرض وتقدير فالحديث يتملص
ويتبرأ أشد البراءة من الدلالة على جواز هدم القبور فكيف بالوجوب، والأخبار
التي ما عليها غبار مما ذكرناه ومما لم نذكره ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها وأنها
من تعظيم شعائر الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (27).
تتمة:
في العام الماضي طبعت في النجف الأشرف رسالة موسومة ب‍ " منهج
الرشاد " لأسطوانة من أساطين الدين - الشيخ الأكبر كاشف الغطاء - الذي يعرف
كل عارف أنه كان فاتحة السور من فرقان العزائم، وكوكب السحر في سماء
العظائم، هو من أفذاذ الأعاظم الذين لا تنفلق بيضة الدهر إلا عن واحد منهم، ثم
تعقم عن الإتيان بثانيه إلا بعد مخض طويل من الأحقاب، من غر أياديه - وكم
له في العلم من أياد غرر - تلك الرسالة التي رتبها على مقدمة وفصول، عقد كل
فصل منها لدفع شبهة من شبهات الوهابية ودحضها بالأدلة القطعية، والأحاديث
النبوية الثابتة من الطرق الصحيحة عند أهل السنة، على أن المقدمة وحدها كافية
في قمع شبهاتهم، وقلع جذوم مذهبهم، وهدم أساس طريقتهم، وقد أبدع فيها غاية
الابداع. ومن بعض أبواب الرسالة: " الباب الرابع: في بناء قبور الأنبياء



(26) صحيح البخاري 2 / 114.
(27) الحج: 32.
185
والأولياء " وأفاض في البيان إلى أن قال:
والأصل في بناء القباب وتعميرها ما رواه التباني واعظ أهل الحجاز عن
جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي - عليه السلام - أن
رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال له: " لتقتلن في أرض العراق وتدفن بها،
فقلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال: يا أبا الحسن،
إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء
من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، وتعمر قبوركم، ويكثرون زيارتها تقربا
إلى الله تعالى ومودة منهم لرسوله " (28).
ثم قال - قدس سره - بعد إيراد تمام الحديث: ونقل نحو ذلك أيضا في
حديثين معتبرين، نقل أحدهما الوزير السعيد بسند، وثانيهما بسند آخر غير ذلك
السند، ورواه أيضا محمد بن علي بن الفضل، انتهى.
والقصارى: أن النزاع بيننا معاشر المسلمين أجمع وبين سلطان نجد وأتباعه
الذين يحكمون بضلالة سائر المسلمين أو بتكفيرهم، لو كان ينحسم وينتهي بإقامة
الحجج والبراهين لجئنا بالقول المقنع المفيد! ولكان عندنا زيادة للمستزيد، بل لو
كنا نعلم أنهم يقنعون بالحجة البالغة، ويخضعون للأدلة القاطعة، لملأنا الطوامير
من الحجج الباهرة التي تترك الحق أضحى من ذكاء، وأجلى من صفحة السماء،
ولكن سلطان نجد له حجتان قاطعتان عليهما يعتمد، وإليهما يستند، ولا فائدة إلا
بمقابلتهما بمثلهما أو بأقوى منهما، وهما: الحسام البتار، والدرهم والدينار السيف
والسنان، والأحمر الرنان، هذا لقوم وذاك لآخرين:
أحدهما لأهل الصحف والمجلات في مصر وسوريا ونحوهما ليحبذوا أعماله
الوحشية ويحسنوا همجيته التي تضعضع أركان كل مدنية.
والآخر لأعراب البوادي ولشرفاء الحجاز وأمثالهم من أمراء العرب حيث
تساعده الظروف - لا قدر الله -.



(28) فرحة الغري: 77.
186
إذا فأي فائدة في إطالة الكلام، وسرد الأحاديث ونضد الأدلة. نعم،
فيها تبصرة وتبيان لطالب الحقيقة المجردة عن كل خوف ورجاء، وتحامل وتزلف،
ولكن أين هو ذلك الرجل الطالب للحق المجرد عن كل غرض؟! ولئن كان لوح
الوجود غير خال منه ففيما ذكرناه غنى له وكفاية.
أما أمير نجد وأجناده وقضاته ومن لف لفهم الذين اتخذوا تلك الدعوى
والديانة وسيلة لامتداد سلطتهم، واتساع سطوتهم، وضخامة ملكهم، فلسنا معهم
في الخصام وإقامة الحجج إلا كإشراق الشمس على المستنقعات العميقة، في
الأودية السحيفة، لا تزيدها تلك الأشعة إلا سخونة وعفونة وانتشار وباء في
الهواء.
ليت قائلا يقول لقاضي القضاة - ابن بليهد - ولمفتي علماء المدينة: أتراكم
تعتقدون وتعتمدون على كل ما في صحيح مسلم، وتعملون بكل ما ورد من
النصوص فيه؟ فإن كنتم كذلك فقد عقد مسلم في صحيحه بابا وأورد عدة
أحاديث في أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، وأن الأئمة من قريش (29)،
بأساليب من البيان، وأفانين من التعبير، وكلها صريحة في أن الخلافة الحقة
المشروعة مخصوصة بتلك القبيلة.. ومثله، بل وأكثر منه في صحيح البخاري،
وعليه فأين تكون خلافة أمير كم ابن سعود؟ وكيف حال إمامته؟ أهي من قوله
تعالى: " وجعلنا منهم أئمة " (30)؟! أم من قوله تعالى لإبراهيم: " إني جاعلك
للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " (31)؟! وحسبنا هذا
القدر، إن اللبيب من الإشارة يفهم!
وأما حديث لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد



(29) صحيح البخاري 9 / 77 باب " 1 " كتاب الأحكام، صحيح مسلم 3 / 1451 - 1454 باب " 1 "
كتاب الإمارة.
(30) السجدة: 24.
(31) البقرة: 124.
187
والسرج (32) فهو نهي للنساء عن التبرج والخروج إلى المجتمعات وعن السجود على
القبر، وهو مما لا يصدر من أحد من المسلمين، وعن إيقاد السرج عبثا وتعظيما
لذات القبر، أما الاسراج لقراءة القرآن والدعاء فلا منع ولا نهي، بل في بعض
الأحاديث جوازه (33).
هذا كله في الجواب عن حديث مسلم في شأن هدم القبور وزيارتها
والإسراج عليها، أما فتاوى مفتي علماء المدينة الأخرى المتعلقة بشأن التبرك
بالقبور، والتمسيح بها، وزيارتها ونحو ذلك، فقد أفتى ذلك المفتي بالمنع منها
مطلقا، ولكن أرسل أكثر الفتاوى إرسالا من غير أن يسندها إلى حجة أو يعمدها
على دليل حتى نتصدى للجواب عنه. نعم، قال في آخرها - وما أصدق ما قال -:
هذا ما أدى إليه نظري السقيم، انتهى. والسقم لا محالة إنما جاء من إحدى العلتين
اللتين مر ذكرهما أو من كليهما، نسأله تعالى العافية لنا ولجميع المسلمين.
وفي الرسالة - المنوه بذكرها من أمم - لكل واحدة من تلك المسائل فصل
مستقل أثبت فيه من الطرق الصحيحة المعتبرة عند القوم مشروعيتها ورجحانها
وعمل الصحابة والتابعين بها، فمن أراد فليراجع. وعلى هذا الحد فلتقف الأقلام،
وينتهي الكلام، فقد تجلى الصبح لذي عينين، والسلام. تمت بحمد الله تعالى.
* * *



(32) سنن أبي داود 3 / 218 ح 3236.
(33) مستدرك الحاكم 1 / 374.
188
كلية مذهب الوهابية
وخلاصة القول فيه
إن أول من نثر في أرض الإسلام المقدسة تلك البذور السامة والجراثيم
المهلكة، هو أحمد بن تيمية في أخريات القرن السابع من الهجرة، ولما أحس أهل
ذلك القرن - بفضل كفاءتهم - أن جميع تعاليمه ومبادئه شر وبلاء على الإسلام
والمسلمين يجر عليهم الويلات، وأي شر وبلاء أعظم من تكفير قاطبة المسلمين على
اختلاف نزعاتهم! أخذ وحبس برهة ثم قتل.
ولكن بقيت تلك البذور دفينة تراب، وكمينة بلاء وعذاب، حتى
انطوت ثلاثة قرون، بل أكثر، فنبغ، بل نزاع محمد بن عبد الوهاب فنبش تلك
الدفائن، واستخرج هاتيك الكوامن، وسقى تلك الجراثيم المائتة بل المميتة،
والبذور المهلكة، فسقاها بمياه من تزويق لسانه وزخرف بيانه، فأثمرت ولكن
بقطف النفوس وقطع الرؤوس وهلاك الإسلام والمسلمين، وراجت تلك السلعة
الكاسدة، والأوهام الفاسدة، على أمراء نجد واتخذوها ظهيرا لما اعتادوا عليه من
شن الغارات، ومداومة الحروب والغزوات من بعضهم على بعض وقد نهاهم
الفرقان المبين والسنة النبوية عن تلك العادات الوحشية، والأخلاق الجاهلية،
بملء فمه وجوامع كلمه، وقد عقد بينهم الأخوة الإسلامية، والمودة الإيمانية وقال:
" مال المؤمن على المؤمن حرام كحرمة دمه وعرضه " (34) وقال جل من قائل:
" ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا " (35)، وأراد الله سبحانه أن يجعلهم
فيما بينهم إخوانا وعلى العدو أعوانا، أراد أن يكونوا يدا واحدة للاستظهار على
الأغيار من أعداء الإسلام، فنقض ابن عبد الوهاب تلك القاعدة الأساسية



(34) مضمون الحديث ورد في الكافي 2 / 268 ح 2، من لا يحضره الفقيه 4 / 300 ح 909، مستدرك
الوسائل 9 / 136 ح 10478، المؤمن: 72 ح 199.
(35) النساء: 94.
189
والدعامة الإسلامية، وعكش الآية فصار يكفر المسلمين ويضرب بعضهم ببعض،
وما انجلت تلك الغبرة إلا وهم آلة بأيدي الأعداء ينقضون دعائم الدين، ويقتلون
بهم المسلمين، ويصلون ما أمر الله بقطعه، ويقطعون ما أمر الله بوصله، فإذا طولبوا
بالدليل والبرهان، وجاء حديث السنة والقرآن، فالجواب الشافي عند السيف
والسنان، والنصف مع البغي والعدوان، والحق مع القوة والسطوة، والعدل
والسواء، في الغلبة والاستيلاء.
نعم، ليس للقوم فيما وقفنا عليه من كتب أوائلهم وأواخرهم، وحاضرهم
وغابرهم حجة عليها مسحة من العلم أو روعة من البيان، وطلاء من الحقيقة، سوى
قولهم: إن المسلمين في زيارتهم للقبور وطوافهم حولها واستغاثتهم بها وتوسل الزائر
بالملحود في تلك المقابر قد صاروا كالمشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام،
وأصبحوا يعبدون غير الله ليقربهم إلى الله تعالى كما حكى الله سبحانه في كتابه
الكريم حيث يقول عنهم: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " (36) فلم يقبل الله
منهم تلك المعذرة، ولا أخرجهم ذلك الزعم عن حدود الشرك والضلالة.
هذه هي أم شبهاتهم، وأس احتجاجاتهم، وأقوى براهينهم ودلالاتهم،
وإليها ترجع جميع مؤاخذاتهم على غيرهم من طوائف المسلمين من مسألة الشفاعة
والتوسل، والتبرك والزيارة، وتشييد القبور، إلى كثير من أمثال ذلك مما
يزعمون أنه عبادة لغير الله، وهو على حد الشرك بالله، تعالى الله عما يقول الظالمون
علوا كبيرا.
وأنا أقول: لعمر الله والحق ما أكبر جهلهم! وأضل في تلك المزاعم
عقلهم! وليت شعري من أين صح ذلك القياس والتشبيه؟! تشبيه المسلمين
بالمشركين وقياسهم بهم مع وضوح الفرق في البين، فإن المشركين كانوا يعبدون
الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى كما هو صريح الآية، والمسلمون لا يعبدون القبور ولا
أربابها، بل يعبدون الله وحده لا شريك له عند تلك القبور. والقياس الصحيح



(36) الزمر: 3.
190
والتشبيه الوجيه، قياس زائري القبور والطائفين حولها بالطائفين حول الكعبة
البيت الحرام وبين الصفا والمروة: " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج
البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " (37)، فالطائف حول البيت،
والساعي بين الصفا والمروة لم يعبد الكعبة وأحجارها، ولا الصفا والمروة
ومنارها، وإنما يعبد الله سبحانه في تلك البقاع المقدسة، وحول تلك الهياكل
الشريفة التي شرفها الله ودعا عباده إلى عبادته فيها، وهكذا زائر القبور.
هذا هو القياس الصحيح والميزان العدل، أما القياس بالميزان الأول ففيه
عين بل عيون، لا بل هو خبط وجنون، أليس من الجنون قياس من يعبد الله موحدا
له بمن يعبد الأصنام مشركا لها مع الله جل شأنه؟!
وكشف النقاب عن محيا هذه الحقيقة الستيرة، بحيث تبدو للناظرين
ناصعة مستنيرة، موقوف على بيان حقيقة العبادة وكنه معناها، ولو على سبيل
الايجاز حسب اقتضاء هذه العجالة التي جرى بها اللسان متدافعا تدافع الآتي من
غير وقفة ولا أناة، ولا مراجعة ولا مهل.
إن حقيقة العبادة ومصاص معناها، وكنه روحها ومغزاها بعد كونها
مأخوذة بحسب الاشتقاق من العبد والعبودية، وليس العبد في الحقيقة وطباق
نفس الأمر والواقع ما ملكته بالاغتنام أو الشراء أو غيرهما من الأسباب، ولا
السيد والمولى من تولى عليك بالغلبة والقهر، أو المصانعة والخداع، إنما السيد من
أنعم عليك بنعمة الحياة، وخلع عليك بعد العدم خلعة الوجود، ورباك في
بواطن الأصلاب وبطون الأرحام ستبرأ، لا تراك سوى عينه، ولا ترعاك سوى
عنايته، فذاك هو الرب والمالك والسيد حقيقة من غير تسامح في المعنى، ولا
تجوز في اللفظ، وأنت ذلك العبد المملوك بحقيقة العبودية، المربوب بنعمة الايجاد
والتكوين، والصنع والخلق، وقد اقتضت تلك العبودية، حسب النواميس
العقلية، والاعتبار والروية، المعزى إليها بقوله عز شأنه: " وما خلقت الجن



(37) البقرة: 158.
191
والإنس إلا ليعبدون " (38).
فالعبادة معناها كلفظها مشتقة من العبودية، وهي شأن من شؤونها وأثر
من آثارها، فإن العبودية قضت على العبد حفظا لاستدامة تلك النعمة، بل النعم
الجمة وامتدادها أبديا أن يقف العبد موقف الاذعان والاعتراف بها لوليها
ومولاها، فكما أنه في موطن الحق والواقع عدما صرفا وعجزا محضا ولا يملك
لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة، كذلك يكون في موطن الخارج والظاهر
ماثلا بين يدي مولاه في غاية الخضوع والذلة، والعجز والحاجة.
فالعبادة حقيقة هي التظاهر بتلك العبودية الحقيقية باستعمال أقصى
مراتب الخضوع في الظاهر بجميع القوى والمشاعر مقرونا باستحضار تلك الجوهرة
المكنونة، والدرة الثمينة - جوهرة العبودية - وأني أخضع وأخشع، وأسجد وأعبد،
ذلك المنعم الذي أنعم علي بنعمة الحياة، وأسبغ علي جلابيب الوجود، فصرت
بتلك النعم مغمورا، بعد أن أتى علي حين من الدهر لم أكن فيه شيئا مذكورا.
إذا فالعبادة على الحقيقة هي كون العبد في مقام الاعتراف والإذعان
بالعبودية مقرونا بما يليق بها من استعمال ما يدل على أقصى مراتب الخضوع،
والذلة بالسجود والركوع، والهرولة والطواف، وغير ذلك مما وصفته الشرائع،
وأوعزت إليه الأديان من معلوم الحكمة ومجهولها، ومبهم الحقيقة أو معقولها.
تلك هي العبادة الحقيقة، غايته أن عامة الناس قصرت أفكارهم عن
اجتناء ذلك اللب واقتصروا على القشور من العبادة، اللهم إلا أن يكون ذلك
مرتكزا في أعماق نفوسهم على الاجمال في المقصود، دون التفصيل والاستحضار
والشهود، وكيف كان الحال، فهل تحس أن أحدا من زوار القبور والمتوسلين
بأربابها يقصد أن القبر الذي يطوف حوله، أو صاحبه الملحود فيه هو صانعه
وخالقه، وأنه بزيارته يريد أن يتظاهر بالعبودية له فتكون عبادة له؟! أو أن أحدا
من الزائرين يقول للقبر - أو لمن فيه -: يا خالقي ويا رازقي ويا معبودي؟!



(38) الذاريات: 56.
192
كلا ثم كلا ما أحسب أن أحدا يخطر على باله شئ من تلك المعاني
مهما كان من الجهل والهمجية، كيف وهو يعتقد أن صاحب القبر بشر مثله عاش
ومات وأصبح رميما رفاتا. نعم، يعتقد أن روحه باقية عند الله - جل شأنه - فهو بها
يسمع ويرى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون) (39) ونظرا إلى تلك الحياة يخاطبه ويسلم عليه ويتوسل إلى الله سبحانه
به ويطلب الشفاعة منه.
وبعد هذا كله فهل تجد من الحق والإنصاف تشبيه الزائرين بعبدة
الأصنام وهذه منابرهم ومنائرهم ومشاعرهم تضج في الأوقات الخمس بل في
أكثر الأوقات بشهادة أن لا إله إلا الله ويلهجون بأنه لا معبود إلا الله؟! فهل
ذلك القول إلا قول مجادل بالباطل يريد أن يدحض به الحق، ويلقح شرر الفساد
في الأرض، ويريق دماء المسلمين ظلما وعدوانا؟! ومما ذكرنا من معنى العبادة
وحقيقية معناها يتضح أنه لا شئ من تلك العناوين الممنوعة عند الوهابية، من
الشفاعة والوسيلة، والتبرك والاستغاثة والزيارة وأمثالها، له مسيس بالعبادة
بوجه من الوجوه، هذا مضافا إلى صدوره من النبي وأصحابه والتابعين الواردة في
صحيح الأخبار من صحيحي البخاري ومسلم وغيرها، وقد استوفى جملة منها
جدنا كاشف الغطاء - رفع الله درجته - في رسالته التي مثلها الطبع في العام الغابر
المسماة بمنهج الرشاد كما سبق ذكرها قريبا فلا حاجة إلى إعادتها وفيها مقنع
وكفاية، من أرادها فليراجعها.
وإنما جل الغرض تنبيه الوهابيين وغيرهم من المسلمين على موضع الزلة
ومدخل الشبهة وخطل الرأي، وأن الصريمة والغريمة اليوم، والواجب، بل الأهم
من كل واجب هو وحدة المسلمين وتكاتفهم، فإن الجميع موحدون فحبذا لو
أصبحوا والجميع متحدون، ولا يحسبوا أن بقاء سلطتهم ونعيمهم بأن يضرب
بعضهم بعضا ويتعادى بعضهم على بعض، بل هذا أدعى لفشلهم وقرب أجلهم.



(39) آل عمران: 169.
193
وليعلم الوهابيون علما جازما حاسما لكل وهم وشبهة أن اليد التي
أصبحت تضرب بهم المسلمين اليوم سوف تضربهم بغيرها غدا فلينتبهوا ولينتهوا
قبل أن يقعوا في حفائر السياسة السحيفة، ومهاويها العميقة، وإلى الله سبحانه
نضرع راغبين إليه وحده في أن يجمع الكلمة ويؤلف شمل الأمة ويوقظهم من سنة
هذه الغفلة التي أو شكت أن تكون حتفا قاضيا عليهم أجمع، وإلى الله تصير الأمور،
ومنه البعث وإليه النشور.
* * *

194
رسالة في
إعجاز سورة الكوثر
للزمخشري
حامد الخفاف
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا مجال للشك فيه أن عهد نزول القرآن في حياة العرب يمثل ذروة
اهتمام المجتمع القبلي في الجزيرة العربية ببلاغة الكلمة وفصاحة المنطق ودقة
الحس البياني، أكثر من أي وقت مضى، فليس غريبا عنا ما كانت توليه القبيلة
من احترام وتقدير لأصحاب اللسان الماشق والحس المرهف، فترى الشاعر سيف
القبيلة الناطق، الذي تجرده بوجه أعدائها، وتقدمه درعا واقيا يرد عنها سهام
الكلام، حتى أن أبياتا من الشعر تحوي من قارص الكلم أشده يمكن أن تفعل
فعلها أشد من السنان وأمضى من المهند المصقول.
وذاك سوق عكاظ، نادي الأدباء العرب - إن صح التعبير - يجتمعون فيه،
لتتصارع الكلمة في حلبة البلاغة، وليتبارز البيان بسيوف الفصاحة، تشد إليه
الرحال، وتعقد عليه الآمال، كل ذلك كان يعمق في الجزيرة العربية حقيقة
كونها مجتمع الكلمة الذي لم يعرف اللحن له طريقا، ولا العجمة سبيلا.
وجاء القرآن، كلام الله المجيد، ينشر من أريجه عطر القداسة، ويضم بين
دفتيه ما يحير العقول، ويأخذ بالألباب، انظروا إلى عدو الله الوليد بن المغيرة

195
المخزومي، فاغرا فاه، يتمتم بحيرة: " والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو
ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمعذق، وإنه ليعلو وما
يعلى ".
جاء ليتحدى كبرياء الكلمة في عقر دارها، وشموخ البيان في عنفوانه:
" قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو
كان بعضهم لبعض ظهيرا "، فكانت المعجزة التي ألقت لها الفصاحة قيادها،
وكأن دولة البلاغة العظمى كانت تنتظر ملكها بلهفة وشوق، وهكذا كان.
وكتابنا الصغير هذا، جواب من الزمخشري - رجل البلاغة والفصاحة - على
عدة إشكالات، وردت من صديق له حول إعجاز القرآن، بصورة رسالة بعثها إليه،
سائلا إياه الإجابة، فتصدى المؤلف للجواب عنها، بأسلوبه الشيق الرفيع، برسالة
حول إعجاز سورة الكوثر، هي كما قال عنها: " رسالة من أبلغ الرسالات، أورد
فيها مقدمة في إعجاز القرآن الكريم، في فضل اللسان العربي على كل لسان، على
وجه عجيب، وأسلوب على طرف الثمام قريب غريب " مضيفا بذلك للمكتبة
الإسلامية جهدا رائعا يشار إليه بالبنان، حاولنا أن نضفي عليه بتحقيقنا إياه من
روعة الاخراج ما نتمكنه، ومن متطلبات التحقيق ما يحتاجه، وعلى الله
التكلان.
* * *

196
ترجمة المؤلف
هو العلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري
الخوارزمي، كبير المعتزلة، صاحب الكشاف والمفصل (1)، أمره في الاشتهار أوضح
من الشمس وأبين من الأمس.
ولادته وبلده:
ولد الزمخشري في يوم الأربعاء السابع والعشرين من رجب سنة سبع
وستين وأربعمائة بزمخشر خوارزم، على ما نقله القفطي عن ابن أخته أبي عمر
عامر بن الحسن السمساري (2)، وقال أيضا: " ونقلت من كتاب محمد بن محمد
ابن حامد قال: كان مولده - يعني الزمخشري - في سابع عشر شهر رجب سنة سبع
وستين وأربعمائة " (3).
يقول الزمخشري: " وأما المولد فقرية من قرى خوارزم مجهولة، يقال لها:



(1) توجد ترجمته في: الأنساب 6: 297، معجم البلدان 3: 147، معجم الأدباء 19: 126 / 41، الكامل
في التاريخ 11: 97، إنباه الرواة 3: 265 / 753، وفيات الأعيان 5: 168 / 711، ميزان الاعتدال
4: 78 / 8367، العبر 2: 455، سير أعلام النبلاء 20: 151 / 91، تذكرة الحفاظ 4: 1283، المستفاد
من ذيل تاريخ بغداد: 228 / 173، مرآة الجنان 3: 269، البداية والنهاية 12: 219، لسان الميزان
6: 4، بغية الوعاة 2: 279 / 1977، طبقات المفسرين 104 / 127، طبقات المفسرين للداودي
2: 314 / 625، شذرات الذهب 4: 121، روضات الجنات 8: 118 / 711، الكنى والألقاب
2: 297، هدية العارفين 2: 402، وعن هامش السير: نزهة الألباء: 391، المختصر في أخبار البشر
3: 16، إشارة التعيين: الورقة 53 و 54، البدر السافر: ورقة 193، تاريخ الإسلام: وفيات 538،
دول الإسلام 2: 56، تلخيص ابن مكتوم: 243، الجواهر المضية 2: 160، العقد الثمين 7: 137،
طبقات المعتزلة: 20، طبقات ابن قاضي شهبة 2: 241، النجوم الزاهرة 5: 274، تاج التراجم: 71،
طبقات الفقهاء لطاش كبرى: 94 و 95، مفتاح السعادة 2: 97، أزهار الرياض 3: 282، الفوائد
البهية: 209، كنوز الأجداد: 291، تاريخ بروكلمان 5: 215.
(2) إنباه الرواة 3: 266.
(3) إنباه الرواة 3: 271.
197
زمخشر، سمعت أبي قال: اجتاز بزمخشر أعرابي فسأل عن اسمها واسم كبيرها،
فقيل له: زمخشر والرداد، فقال: لا خير في شر ورد، ولم يلمم بها " (4).
وزمخشر - بفتح أوله وثانيه، ثم خاء معجمة ساكنة، وشين معجمة، وراء
مهملة -: قرية جامعة من نواحي خوارزم (5)، وقال القفطي: سمعت بعض التجار
يقول: إنها دخلت في جملة المدينة، وإن العمارة لما كثرت وصلت إليها وشملتها،
فصارت من جملة محالها (6).
وقال فيها الشريف أبو الحسن علي بن عيسى بن حمزة الحسني المكي عند
مدح الزمخشري:
جميع قرى الدنيا سوى القرية التي * تبوأها دارا فداء زمخشرا
وأحر بأن تزهى زمخشر بامرئ * إذا عد في أسد الشرى زمخ الشرى (7)
وبعد نشوئه تنقل الزمخشري في بلدته يجوب الأقطار طلبا للعلم وسعيا
وراء المعرفة، فطاف الآفاق وتنقل ما بين بغداد ونيسابور، ثم أقام بمكة المكرمة،
ولذلك لقب نفسه جار الله لمجاورته البيت العتيق، وكان أين ما حل وارتحل
محل احترام وتقدير.
مكانته العلمية:
يعتبر الزمخشري شخصية بارزة في عالم الفصاحة والبلاغة والأدب
والنحو، نتلمس ذلك جليا في مصنفاته وآثاره من جهة، ومن إطراء وتبجيل كل
من ترجم له من جهة أخرى.
يقول القفطي: وذكره صاحب الوشاح - ذكره بألقاب وسجع له على
عادته - فقال: " أستاذ الدنيا، فخر خوارزم، جار الله العلامة أبو القاسم محمود



(4، 5) معجم البلدان 3: 147.
(6) إنباه الرواة 3: 265.
(7) إنباه الرواة 3: 268.
198
الزمخشري، من أكابر الأمة، وقد ألقت العلوم إليه أطراف الأزمة، واتفقت على
إطرائه الألسنة، وتشرفت بمكانه وزمانه الأمكنة والأزمنة، ولم يتمكن في دهره
واحد من جلاء رذائل النظم والنثر، وصقال صوارم الأدب والشعر، إلا بالاهتداء
بنجم فضله، والاقتداح بزند عقله، ومن طار بقوادم الإنصاف وخوافيه، علم أن
جواهر الكلام في زماننا هذا من نثار فيه، وقد ساعده التوفيق والإقبال، وساعفه
من الزمان الماضي والحال، حتى اختار لمقامه أشرف الأماكن، وجمع بجوار
بيت الله الحرام بين الفضائل والمحاسن، وودع أفراس الأمور الدنياوية ورواحلها،
وعاين من بحار الخيرات والبركات سواحلها، وقد صغر في عيون أفاضل عهده ما
رأوه ورووه، وملك في قلوب البلغاء جميع ما رعوه ووعوه، وإن كان عدد أبياته
التي ذكرتها قليلا فكماله صار عليها دليلا " (8).
ولما قدم الزمخشري إلى بغداد قاصدا الحج زاره الشريف أبو السعادات
هبة الله بن الشجري مهنئا له بقدومه، فلما جلس إليه أنشده متمثلا:
كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن داود أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري
وأنشد أيضا:
وأستكبر الأخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر (9)
وكان الزمخشري ممن يضرب به المثل في علم الأدب والنحو واللغة (10)،
وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له، واستفادوا منه، وكان علامة
الأدب، ونسابة العرب، تضرب إليه أكباد الإبل، وتحط بفنائه رحال الرجال،
وتحدى باسمه مطايا الآمال (11).
وقال ياقوت: كان إماما في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم،



(8) إنباه الرواة 3: 268.
(9) معجم الأدباء 19: 128.
(10) الأنساب 6: 297.
(11) طبقات المفسرين للسيوطي: 105، إنباه الرواة 3: 266.
199
كبير الفضل، متفننا في علوم شتى (12).
ولا نريد الإطالة في سرد العبارات الواردة في مدح المصنف والثناء عليه،
ففي ما ذكرناه كفاية لمن يقنع بالتلميح عن التصريح.
مؤلفاته:
1 - الكشاف في تفسير القرآن.
2 - الفائق في غريب الحديث.
3 - نكت الأعراب في غريب الإعراب، في غريب إعراب القرآن.
4 - كتاب متشابه أسماء الرواة.
5 - مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة.
6 - الأصل، لأبي سعيد الرازي إسماعيل.
7 - الكلم النوابغ، في المواعظ.
8 - أطواق الذهب، في المواعظ.
9 - نصائح الكبار.
10 - نصائح الصغار.
11 - مقامات في المواعظ.
12 - نزهة المستأنس.
13 - الرسالة الناصحة.
14 - رسالة المسامة.
15 - الرائض في الفرائض.
16 - معجم الحدود.
17 - المنهاج في الأصول.
18 - ضالة الناشد.



(12) معجم الأدباء 19: 126.
200
19 - كتاب عقل الكل.
20 - النموذج، في النحو.
21 - المفصل، في النحو.
22 - المفرد والمؤلف، في النحو.
23 - صميم العربية.
24 - الأمالي في النحو.
25 - أساس البلاغة، في اللغة.
26 - جواهر اللغة.
27 - كتاب الأجناس.
28 - مقدمة الأدب، في اللغة.
29 - كتاب الأسماء، في اللغة.
30 - القسطاس، في العروض.
31 - حاشية على المفصل.
32 - شرح مقاماته.
33 - روح المسائل.
34 - سوائر الأمثال.
35 - المستقصى، في الأمثال.
36 - ربيع الأبرار، في الأدب والمحاضرات.
37 - تسلية الضرير.
38 - رسالة الأسرار.
39 - أعجب العجب في شرح لامية العرب.
40 - شرح المفصل.
41 - ديوان التمثيل.
42 - ديوان خطب.

201
43 - ديوان رسائل.
44 - ديوان شعر.
45 - شرح كتاب سيبويه.
46 - كتاب الجبال والأمكنة.
47 - شافي العي من كلام الشافعي.
48 - شقائق النعمان في حقائق النعمان، في مناقب الإمام أبي حنيفة.
49 - المحاجاة ومتمم مهام أرباب الحاجات، في الأحاجي والألغاز.
50 - المفرد والمركب، في العربية (13).
51 - رسالة في إعجاز سورة الكوثر، وهي الرسالة التي بين يديك.
تلامذته والرواة عنه:
يظهر مما ذكره القفطي في إنباه الرواة: " وما دخل بلدا إلا واجتمعوا
عليه وتلمذوا له " (14) كثرة تلاميذه وانتشارهم باعتبار كثرة سفره وتجواله في
الأقطار، نذكر منهم ما استطعنا العثور عليه خلال استقراء عاجل لمظان ترجمته:
1 - أبو المحاسن إسماعيل بن عبد الله الطويلي.
2 - أبو المحاسن عبد الرحيم بن عبد الله البزاز.
3 - أبو عمر عامر بن الحسن السمسار.
4 - أبو سعد أحمد بن محمود الشاشي.
5 - أبو طاهر سامان بن عبد الملك (15).
6 - الشيخ علي بن محمد الخوارزمي.
7 - الشيخ محمد بن أبي القاسم بن ياجوك البقالي الخوارزمي اللغوي.



(13) أنظر معجم الأدباء 19: 134، وفيات الأعيان 5: 168.
(14) إنباه الرواة 3: 266.
(15) الأنساب 6: 298.
202
8 - الشيخ أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن المطرز (16).
شيوخه وأساتذته ومن سمع منهم:
1 - أبو مضر محمود بن جرير الضبي الأصبهاني.
2 - أبو الحسن علي بن المظفر النيسابوري.
3 - شيخ الإسلام أبو منصور نصر الحارثي.
4 - أبو سعد الشقاني (17).
5 - أبو الخطاب بن البطر (18).
شعره:
ورد شعر الزمخشري متفرقا في المصادر التي تعرضت لترجمته، فحاولنا جهد
الإمكان أن نجمع شتات ما استطعنا العشور عليه فيها من الأبيات الشعرية سواء
كان قطعي الصدور عنه أو كان منسوبا إليه، ونذكر مع كل قطعة شعرية مصدر
النقل:
قال الزمخشري:
العلم للرحمن جل جلاله * وسواه في جهلاته يتغمغم
ما للتراب وللعلوم وإنما * يسعى ليعلم أنه لا يعلم
وقال أيضا:
كثر الشك والخلاف وكل * يدعي الفوز بالصراط السوي
فاعتصامي بلا إله سواه * ثم حبي لأحمد وعلي
فاز كلب بحب أصحاب كهف * كيف أشقى بحب آل نبي؟!



(16) روضات الجنات 8: 123.
(17) معجم الأدباء 19: 127.
(18) العبر 2: 455، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: 228.
203
وقال في مدح تفسير الكشاف:
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد * وليس فيها لعمري مثل كشافي
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته * فالجهل كالداء والكشاف كالشافي (19)
وقال يرثي أستاذه أبا مضر النحوي:
وقائلة ما هذه الدر التي * تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هو الدر الذي قد حشا به * أبو مضر أذني تساقط من عيني (20)
وقال أيضا يرثيه:
أيا طالب الدنيا وتارك الأخرى * ستعلم بعد الموت أيهما أحرى
ألم يقرعوا بالحق سمعك؟! قل: بلى * وذكرت بالآيات لو تنفع الذكرى
أما وقر الطيش الذي فيك واعظ * كأنك في أذنيك وقر ولا وقرا
أمن حجر صلد فؤادك قسوة * أم الله لم يودعك لبا ولا حجرا
وما زال موت المرء يخرب داره * وموت فريد العصر قد خرب العصرا
وصك بمثل الصخر سمعي نعيه * فشبهت بالخنساء إذ فقدت صخرا (21)
وقال أيضا:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه، كتمانه لي أسلم
فإن حنفيا قلت، قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قلت، قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت، قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت، قالوا بأنني * ثقيل حلولي بغيض مجسم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدري ويفهم
تعجبت من هذا الزمان وأهله * فما أحد من ألسن الناس يسلم



(19) معجم الأدباء 19: 129.
(20) معجم الأدباء 19: 124، إنباه الرواة 3: 267.
(21) إنباه الرواة 3: 267.
204
وأخرني دهري وقدم معشرا * على أنهم لا يعلمون وأعلم (22)
وله أيضا:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي * من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة * أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها * أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها * نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته * نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي (23)
وقال أيضا:
ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر * وما تطيبنا النجل من أعين البقر
فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت * عيونهم والله يجزي من اقتصر
مليح ولكن عنده كل جفوة * ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر
ولم أنس إذ غازلته قرب روضة * إلى جنب حوض فيه للماء منحدر
فقلت له: جئني بورد وإنما * أردت به ورد الخدود وما شعر
فقال: انتظرني رجع طرف أجئ به * فقلت له: هيهات ما في منتظر
فقال: ولا ورد سوى الخد حاضر * فقلت له: إني قنعت بما حضر (24)
وله أيضا
لا تلمني إذا وقيت الأواقي * فالأواقي لماء وجهي أواقي (25)
وقال أيضا في ذم متابعة النساء:
اعص النساء فتلك الطاعة الحسنة * ولن يسود فتى أعطى النسا رسنه



(22) مقدمة الفائق 1: 9.
(23) مقدمة الفائق 1: 8.
(24) وفيات الأعيان 5: 172، سير أعلام النبلاء 20: 155، وقال الذهبي معلقا: هذا شعر ركيك
لا رقيق.
(25) روضات الجنات 8: 126.
205
تعوقه عن كمال في فضائله * ولو سعى طالبا للعلم ألف سنه (26)
ومما ينسب إليه قوله:
تزوجت لم أعلم وأخطأت لم أصب * فيا ليتني قدمت قبل التزوج
فوالله ما أبكي على ساكني الثرى * ولكنني أبكي على المتزوج (27)
وينسب له في مدح الخمول:
اطلب أبا القاسم الخمول ودع * غيرك يطلب أساميا وكنى
شبه ببعض الأموات نفسك لا * تبرزه إن كنت عاقلا فطنا
ادفنه في البيت قبل ميتته * واجعل له من خموله كفنا
علك تطفي ما أنت موقده * إذ أنت في الجهل تخلع الرسنا (28)
ومن شعره:
أقول لظبي مر بي وهو راتع: * أأنت أخو ليلى؟ فقال: يقال
فقلت: وفي حكم الصبابة والهوى * يقال: أخو ليلى؟ فقال: يقال
فقلت: وفي ظل الأراكة والحمى * يقال: ويستسقى؟ فقال: يقال (29)
وقال أيضا:
لا بد في غفلة يعيش بها ال‍ * مرء وإلا فعيشه كدر
أما رأيت الصحيح يؤلمه * ما لا يبالي بمثله الحذر
وله أيضا
أشمال ويحك بلغي تسليمي * من ليس يبلغه لنا تسليم
مري به وتعلقي بردائه * ليكون فيك من الحبيب نسيم



(26) روضات الجنات 8: 127.
(27) روضات الجنات 8: 127.
(28) الكنى والألقاب 2: 268.
(29) شذرات الذهب 4: 121.
206
قولي له: ما بال قلبك قاسيا * ولقد عهدتك بي وأنت رحيم
إني أجلك أن أقول ظلمتني * والله يعلم أنني مظلوم (30)
وأجاب الزمخشري الأمير شبل الدولة أبو الهيجاء مقبل بن عطية البكري
الذي مدحه بعدة أبيات فقال:
شعره أمطر شعبي شرفا * فاعتلى منه نبات الجسد
كيف لا يستاسد النبت إذا * بات مسقيا بنوء الأسد
وقال أيضا في قصيدة طويلة يمدح بها الوزير مجير الدولة الأردستاني:
أيا حبذا سعدى وحب مقامها * ويا حبذا أين استقل خيامها
حياتي وموتي قرب سعدى وبعدها * وعزي وذلي وصلها وانصرامها
سلام عليها أين أمست وأصبحت * وإن كان لا يقرا علي سلامها
رعى الله سرحا قد رعى فيه سرحها * وروض أرضا سام فيه سوامها
إذا سحبت سعدى بأرض ذيولها * فقد أرغم المسك الذكي رغامها
وإن ما يست قضبان بان رأيتها * تنكس واستعلى عليها قوامها (31)
قال القفطي: وأنشدني أفضل الدين أميرك الزبياني له من قصيدة فيها:
يفوح كفوح المسك فاغم نشرها * إذا التحبت فيها ذلاذل ريح
يقول لها الطش السماوي والصبا * مقيما على تلك الصبابة فوحي
مضاجع سعدان مغارس حنوة * مناجم قيصوم منابت شيح
إذا ملح المكاء رجع صغيره * يجاوبه قمريها بمليح
كأن بديحا والغريض تطارحا * على وتر للموصلي فصيح (32)



(30) إنباه الرواة 3: 270.
(31) إنباه الرواة 3: 267.
(32) إنباه الرواة 3: 269.
207
عقيدته:
أطبقت المصادر التي تعرضت لترجمة المصنف أنه كان حنفي المذهب
معتزلي العقيدة، ويقال إنه لما صنف كتابه الكشاف استفتح الخطبة بالحمد لله
الذي خلق القرآن. فقيل له: متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس فغيره بالذي
أنزل القرآن، وقيل: هذا اصطلاح الناس لا اصطلاح المصنف (33).
يقول فيه الذهبي: " صالح، لكنه داعية إلى الاعتزال، أجارنا الله، فكن
حذرا من كشافه " (34).
وقال ابن كثير " وكان يظهر مذهب الاعتزال، ويصرح بذلك في
تفسيره ويناظر عليه " (35).
ويظهر أن الزمخشري كان يعتد بما يذهب إليه كثيرا، فقد ذكر ابن العماد
الحنبلي ما لفظه: " وكان الزمخشري معتزلي الاعتقاد متظاهرا به حتى نقل عنه أنه
كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول، يقول لمن يأخذ له الإذن، قل
له: أبو القاسم المعتزلي بالباب " (36).
إلا أن الأمير محمد حسين الحسني الحسيني الأصفهاني ذهب - على ما نقله
عنه صاحب الروضات - إلى أن الرجل تشيع في أواخر حياته، بدليل ما ورد في
" ربيع الأبرار " من نصوص تشعر بهذا المعنى، فقال: " فإنه لا ريب في كونه على
مذهب أهل السنة والجماعة في مبادئ أمره، كما يفصح عنه تصفح الكشاف، فإنه
سلك فيه مسلك الاعتساف في مسألة الإمامة وما يتعلق بها، ولذلك أجمعت
الإمامية على كونه من العامة ولم يجوز أحد من العلماء استبصاره ورجوعه، ولكنه



(33) أنظر مرآة الجنان لليافعي 3: 270.
(34) ميزان الاعتدال 4: 78.
(35) البداية والنهاية 12: 219.
(36) شذرات الذهب 4: 121.
208
لما اتفق لي مطالعة كتابه المسمى ب‍ " ربيع الأبرار " وعثرت على كلام له صريح
في التشيع لا يقبل التأويل ثم تصفحت وتفحصت فيه عما يؤكد ذلك فظفرت
على غيره من الشواهد مما لا يجتمع مع قواعد العامة وتأويلاتهم من نحو ذكره
لفضائل السيد الحميري وأشعاره الرائقة في فضائل أهل البيت عليهم السلام " (37)
ثم ذكر عدة موارد من الكتاب تأكيدا لما يذهب إليه.
وعلق السيد الخوانساري على الأبيات التي قالها في مدح آل النبي صلى
الله عليه وآله قائلا: " وفيه أيضا من الدلالة على تشيع الرجل - ولو في آخر عمره -
ما لا يخفى " (38).
ولا نريد في هذه العجالة الخوض في لجج هذه المسألة، بقدر ما قصدنا
الإشارة إليها.
وفاته:
توفي الزمخشري بعد رجوعه من مكة المكرمة ليلة عرفة من سنة 538 ه‍ في
جرجانية خوارزم، وهي بضم الجيم الأولى وفتح الثانية وسكون الراء بينهما وبعد
الألف نون مكسورة وبعدها ياء مثناة من تحتها مفتوحة مشددة ثم هاء ساكنة، قال
ياقوت: يقال لها بلغتهم كركانج، وقد عربت فقيل لها الجرجانية وهي على شاطئ
جيجون.
وأوصى أن تكتب على لوح قبره هذه الأبيات:
يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى عروق نياطها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبد تاب من فرطاته * ما كان منه في الزمان الأول



(37) روضات الجنات 8: 120.
(38) روضات الجنات 8: 127.
209
نحن والرسالة:
من الطريف أن كل من ترجم للزمخشري وذكر مصنفاته، لم يذكر رسالتنا
هذه ولم يتعرض لها، مما يضفي على هذه الرسالة أهمية خاصة لا تخفى على ذوي
الألباب، إلا أن هذه الحقيقة تفتح الأبواب مشرعة أمام من يتساءل عن صحة
نسبة الرسالة للزمخشري، وجوابنا هو ما يلي:
1 - إن أسلوب كتابة الرسالة من المتانة اللغوية والبلاغية بمكان، يكاد
يقطع كل من يطالعها إلى أنها ترتقي بمستواها إلى أسلوب الزمخشري الرفيع.
2 - توجد هناك مجموعة من التعابير المجازية المستخدمة في الرسالة وجدتها
بألفاظها ومعانيها في كتاب " أساس البلاغة " للزمخشري، وفي هذا من الدلالة
ما لا يستهان به.
3 - قول السائل في مقدمة الرسالة التي بعثها للمؤلف: " ساعات سيدنا
الإمام الزاهد الحبر العلامة جار الله شيخ العرب والعجم " وقوله أيضا: (بعد أن
جشم خاطره في " الكشاف عن حقائق التأويل ") يدل دلالة واضحة على أن
مؤلف الرسالة هو الزمخشري صاحب الكشاف، ويدل أيضا على أن تأليفها كان
بعد تأليف كتاب الكشاف، ولعل هذا يفسر عدم ذكر المصنف لهذه الرسالة في
تفسير سورة الكوثر في كتابه الكشاف.
منهج التحقيق:
اعتمدت في تحقيق الرسالة على نسخة واحدة قام باستنساخها سماحة العلامة
السيد عبد العزيز الطباطبائي عن النسخة المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق في
تاريخ 17 ربيع الأول سنة 1383 ه‍، حيث تفضل علي بها مشكورا، والنسخة
المذكورة كان قد نقلها محمد سعيد بن عمر كرامة عن نسخة موجودة في المكتبة
العارفية في المدينة المنورة، صدرها بقوله: " رسالة في إعجاز سورة الكوثر التي هي

210
أقصر السور للعلامة الطائر الصيت جار الله الزمخشري " وتوجد في النسخة حواشي
كتبها الناسخ، نقلت منها في ثلاثة موارد فقط رامزا لها ب‍ " ه‍ م " أي هامش
المخطوط، حفظا للأمانة العلمية.
وحاولت جهد الإمكان أن أقدم نصا مضبوطا للقارئ، أقرب ما يكون لها
تركه المؤلف على أنه لم تقع في يدي أكثر من نسخة واحدة، وفي ذلك من
المصاعب ما لا يخفى على أصحاب الخبرة في هذه الميدان، فسعيت لتحقيق هذا
الغرض بتخريج أغلب الألفاظ الصعبة من المعاجم اللغوية، ولا يفوتني أن أشكر
أخي الأستاذ أسد مولوي الذي استفدت من ملاحظاته في هذا المضمار، وترجمت
لأغلب الأعلام الواردين في الرسالة، وشرحت الأمثال التي أقحمها المؤلف في
سياق كلامه مع ذكرها مصادرها، وتعرضت لشرح المصطلحات البلاغية والكلامية
ك‍ " الالتفات " و " الصرفة " متوخيا بذلك تبسيط النص، وخرجت النصوص
الواردة من آيات وأحاديث وآثار، ذيلت كل ذلك في هامش الكتاب الذي يعتبر
ساحة عمل المحقق.
آملا بعملي هذا أن يكون قد قدمت جهدا متواضعا يصب في خدمة
المكتبة الإسلامية، ورافدا لمسيرتها المباركة، بما هو نافع من تراثنا المعطاء، والحمد
لله رب العالمين.
حامد الخفاف
21 رجب 1408 ه‍

211
(هذه الرسالة المعروضة إلى العلامة
الزمخشري من بعض معاصريه التي كانت
رسالته الآتية جوابا عنها بيانا لما في ضمنها.
بسم الله الرحمن الرحيم
ساعات سيدنا الإمام الزاهد الحبر العلامة جار الله شيخ العرب والعجم،
أدام الله إمتاع المسلمين ببقائه، وإن كانت مقصورة على الاستعداد للمعاد،
مستغرقة في اتعاب خاطره الوقاد في فنون الاجتهاد، لا يفتر طرفة عين عن تصنيف
ينفث فيه سحره، ويلفظ للغواصين فيه دره، بعد أن جشم خاطره في " الكشاف
عن حقائق التأويل " وأجال رويته في البحث عن وجوه التأويل، مدئبا في الفكر
مطاياه، متغلغلا في علم البيان إلى زواياه وخباياه، حتى ارتفع كتابا ساطعا بيانه،
جليا برهانه، مشحونا بفوائد لا يدركها الاحصاء، ومحاسن لا يقصرها الاستقصاء،
لكنه مع هذا يتوقع من دينه المتين وفضله المبين أن يتصدق على معشر الداعين
لأيامه، الشاكرين لإنعامه، بالجواب عن اعتراضات تنزاح بسببه شبه المرتابين،
ليتوصلوا بنتائج خاطره، وبركات أنفاسه، إلى ثلج الصدور وبرد اليقين، والله
تعالى ولي توفيقه في ما يكسبه جزيل المثوبة في العقبى، وحسن الأحدوثة في الدنيا
إن شاء الله.
فمنها: سأل سائل فقال: ذكرتم أن لغة العرب لها من الفضيلة ما ليس
لسائر اللغات، فقلتم قولا غفلا ساذجا من غير أن تشيروا إلى بيان وجه التفضيل،
وتبينوا الخواص التي لأجلها أحدث وصف الفضيلة والشرف، وتعدوها فصلا
فصلا، وتشيروا إليها شيئا فشيئا، وما أنكرتم على من قال لكم: إن لغة العرب
وغيرها من اللغات المختلفة كالسريانية والعبرانية والهندية والفارسية كلها على

212
السواء، لا فضيلة لبعضها على البعض، وإنما هي مواضعات ورسوم واصطلاحات
وضعت لأجيال الناس للإفهام والإعلام، لتكون دلالات على المقاصد
والأغراض.
وذكرتم أن في لغة العرب دقائق وأسرارا لا ننال إلا بجهد التأمل وفرط
التيقظ، فلا يخفى أن هذه الأسرار والدقائق لا يمكن دعواها في الأسماء المفردة
والأفعال المفردة والحروف المفردة، وإنما يمكن دعوى هذه الأسرار على تقدير
ارتباط الكليم، وجعل بعضها يتصل بسبب بعض وينتظم، ومثل هذا موجود في
كل لسان إذا ربطت بعض الكلم ببعض، وراعيت في ربطها الأليق فالأليق،
حصل لك المقرر والمقصود، وقارن في هذه القضية لغة العرب وغيرها من
اللغات على السواء.
ومنها: أنه لا يخفى أن القرآن سيد معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام،
والعلم بكونه معجزا علم ضروري، ولكن الشأن في بيان إعجازه، فمن قائل يقول
وهو النظام (1) ومن تبعه: إن الآية والأعجزية في القرآن اختصاصه بالإخبار عن
الغيوب بما كان ويكون، وبمنع الله العرب أن يأتوا بمثله. قال: وأما التأليف
والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد، لولا أن الله تعالى منعهم وأعجزهم
بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
ومن قائل يقول: وجه الاعجاز في القرآن أنه أسلوب من أساليب
الكلام، وطريقة ما عهدها العرب ولا عرفوها، ولم تكن مقدورة لهم.
ومن قائل يقوله: وجه الاعجاز فيه علمنا بعجز العرب العاربة على أن



(1) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام، من أئمة المعتزلة، تبحر في علوم الفلسفة،
واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين، وانفرد بآراء خاصة ذكرها الشهرستاني في الملل
والنحل، تابعته فيها فرقة من المعتزلة، سميت " النظامية " نسبة إليه، أما شهرته بالنظام فبعض يقول:
إنها من إجادته نظم الكلام، وبعض يقول: إنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة، توفي سنة 231 ه‍.
أنظر " أمالي المرتضى 1: 132، تأريخ بغداد 6: 97، الملل والنحل 1: 56، سفينة البحار
2: 597، الأعلام 1: 43 ".
213
يأتوا بمثله، وتركهم المعارضة مع تكرار التحدي عليهم وطول التقريع لهم، فإذا
عجز العرب عن ذلك فنحن أولى بالعجز.
ومن قائل يقول: وجه الاعجاز فيه هو ما اختص به من الفصاحة
والبلاغة التي بهرم عند سماعها، وطأطأوا رؤوسهم عند طروقها، وعليه
الأكثرون.
فإن عسى اعترض المعترض وقال:
ماذا أعجزهم؟ وماذا أبهرهم؟ ألفاظ القرآن أم معانيه؟! إن قال: أردت
الألفاظ مع شئ منهما لا يجب فضل البتة على تقدير الانفراد، لأن الألفاظ [لا]
تراد لنفسها، وإنما تراد لتجعل دلالات على المعاني، ولأن الألفاظ التي نطق بها
القرآن ليست إلا أسماء وأفعالا وحروفا مرتبطا بعضها ببعض، ويستعملونها في
مخاطباتهم، وكذلك الجمل المنظومة.
وإن قال: أعجزهم المعاني. يقال له: أليس إنهم كانوا أرباب العقول
وأهل الحجى، يدركون غوامض المعاني بأفهامهم، ولهم المعاني العجيبة،
والتمثيلات البديعة، والتشبيهات النادرة.
وإن قال: بهرم النظم العجيب. يقال له: أليس. معنى النظم هو تعليق
الكلم بعضها ببعض، وهي الأسماء والأفعال والحروف، ومعرفة طرق تعلقها،
كتعلق الاسم بالاسم، بأن يكون خبرا عنه أو صفة له أو عطف بيان منه، أو
عطفا بحرف عليه، إلى ما شاكله من سعة وجوهه، وكتعلق الاسم بالفعل، بأن
يكون فاعلا له، أو مفعولا، إلى سائر فروعه واتباعه، وكتعلق الحرف بهما كما هو
مذكور في كتب النحو، وهم كانوا يعرفون جميع ذلك، وكانوا يستعملونه في
أشعارهم وخطبهم ومقاماتهم، ولو لم يعرفوا وجوه التعلق في الكلم، ووجوه
التمثيلات والتشبيهات، لما تأتى لهم الشعر الذي هو نفث السحر.
فحين تأتى لهم ذلك، ومع هذا عجزوا عن المعارضة، دل على أن الله
تعالى أحدث فيهم عجزا ومنعا.

214
قال: ولأن الإعجاز في القرآن لو كان لمكان اختصاصه بالفصاحة
والبلاغة لنزل القرآن من أوله إلى آخره في أعلى مراتب الفصاحة، ولكان كله على
نسق قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض
الماء... " (2). وليس كله نزل على هذا النسق، بل فيه ما هو في أعلى مراتب
الفصاحة كما ذكرنا، وما هو دونه كقوله تعالى: " تبت يدا أبي لهب وتب "
و " إذا جاء نصر الله والفتح " و " قل يا أيها الكافرون ".
ولأن الحال لا تخلو إما أن يقال لا رتبة في الفصاحة أعلى من رتبة القرآن،
كما ذهب إليه بعض أهل العدل، فقالوا: لو كان في المقدور رتبة أعلى منها لأنزل
الله سبحانه وتعالى عليها القرآن، إذ لا يحسن أن يقتصر المكلف على أدنى البيانين
مع قدرته على أعلاهما، ولأن في أعلى البيانين وجه الدلالة على صدق الرسول
أقوى.
وأما أن يقال: بأن القرآن وإن كان فصيحا بليغا ففي مقدور الله تعالى
ما هو أعلى منه مرتبة في الفصاحة. فيقول المعترض فهلا أنزله من أوله إلى آخره على
أعلى مراتب الفصاحة التي ليس وراءها منتهى.
قال: فهذا دليل على أن العمدة في الإعجاز ليس اختصاصه بالفصاحة
والبلاغة لكن عجز ومنع أحدثهما الله تعالى فلم يشتغلوا بالمعارضة.
ومنها: إن الله تعالى أنزل القرآن وأودع فيه من العلوم ما علم أن حاجة
الخلق تمس إليه إلى قيام الساعة، لا جرم بذل العلماء في كل نوع منه مجهودهم،
واستفرغوا فيه جهدهم ووسعهم، فأهل الكلام - خصوصا أهل العدل والتوحيد -
استظهروا في ما ذهبوا إليه من العدل والتوحيد بالآيات الواردة فيه على صحة ما
اعتقدوه، وعلى [إبطال] ما ذهب إليه أهل الأهواء والبدع وفساد ما انتحلوا.
وأهل الفقه غاصوا في بحور النصوص فاستنبطوا منها المعاني وفرعوا
الأحكام عليها.



(2) سورة هود 11: 44.
215
وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها، ومجملها ومفصلها، وناسخها
ومنسوخها.
وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر
ما رزق، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3) في بيان وجه
الإعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف
عن وجه الإعجاز في ثلاث آيات منها، ثم ترقى إلى ثلاث آيات أخر فكشف عنها
أيضا وجه الإعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل
زمان، إذ حجة الله تعالى قائمة، ومعجزته على وجه الدهر باقية.
وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع
تهالهكم وولوعهم، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم،
فذكروا الطوال منهم والقصار، ومن ابتلي منهم بالعمي والعور والعرج والعجمة
والزمانة والشلل، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك.
وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل
تكاد لا تعد ولا تحصى، فصنف كتابا سماه " القعرة والشفرة " (5) وآخر سماه " مفاخرة
الشتاء والصيف " إلى أشباه هذا كثيرة، صعد فيها وصوب، وشرق وغرب،



(3) يقال: " شمر ذيلا وادرع ليلا " أي استعمل الحزم واتخذ الليل جملا. " الصحاح - درع - 3: 1207 ".
(4) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب،
ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ولد سنة 163 ه‍، وكان مشوه الخلقة، وفلج في آخر عمره، له
تصانيف كثيرة ذكرت في مظان ترجمته، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه، مات في البصرة سنة
255 ه‍.
أنظر " تأريخ بغداد 12: 212، وفيات الأعيان 3: 470 / 506، لسان الميزان 4: 355 / 1042،
ميزان الاعتدال 3: 347 / 6333، شذرات الذهب 2: 121، الأعلام 5: 74 ".
(5) امرأة قعرة وقعيرة: بعيدة الشهوة، عن اللحياني، وقيل: هي التي تجد الغلمة في قعر فرجها، وقيل:
هي التي تريد المبالغة، وقيل: سوء في الجماع " لسان العرب - قعر - 5: 109 ".
والشفرة والشفيرة من النساء: التي تجد شهوتها في شفرها فيجئ ماؤها سريعا، وقيل: هي التي
تقنع من النكاح بأيسره، وهي نقيض القعيرة " لسان العرب - شفر - 4: 419 ".
216
وحشاها بما لا حاجة للخلق فيه إلى معرفته، ثم لما آل الأمر إلى بيان وجه الإعجاز
على التفصيل آية فآية وسورة فسورة، ضم شفتيه ضما، وختم على لسانه ختما، فلم
ينبس بكلمة أو كلمتين، ورضي من الغنيمة بالإياب (6).
وإذ صح أن السلف رحمهم الله مع تقدم الخواص منهم في علم البيان،
والتبحر في الإحاطة بحقائق المعاني، وصدق رغبتهم في إحراز الثواب، وحاجتهم
إلى أن يكون لهم لسان صدق في الآخرين ممر الأحقاب، لم يشتغلوا ببيان الإعجاز
على التفصيل في كل آية منه، بل أعرضوا من ذلك بواحدة مع أنهم أشاروا إلى
ذلك على سبيل الاجمال، والحال لا تخلو إما أن يقال خفي عليهم وجه الإعجاز
على التفصيل على هذا الوجه، فلم يقفوا عليه ولم يهتدوا إليه أولا. فإن قيل:
خفي عليهم ولم يقفوا عليه ولم يجدوا طريقا إليه. فيقال: إذن مؤنة البحث والتنقير
عنهم ساقطة، ووجوه العذر لهم في الإعراض عن ذلك ظاهرة.
ولئن لم يخف عليهم فلم لم يصرفوا معظم همهم إلى هذا الأمر العظيم،
والخطب الجسيم، فيصنفوا ويشرحوا كما صنفوا في فروع الأحكام من الحلال
والحرام، وصنفوا في فروع الكلام، فلم يبق إلا أن يقال: أحدث في الكل منعا
منعهم عن ذلك لمصلحة رآها فيه.
فهذه عدة أسئلة فليتفضل أدام الله علوه بالإجابة عنها، والله يعصمه من
الخطأ والزلل، ويوفقه لإصابة القول والعمل، إنه على ما يشاء قدير. تمت.
* *



(6) مثل سائر، أول من قاله امرؤ القيس بن حجر في بيت له، وهو:
وقد طوفت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب
يضرب عند القناعة بالسلامة، " مجمع الأمثال 1: 295 / 1560 ".
217
بسم الله الرحمن الرحيم
نمقت يد الأخ في الله الإمام الصمصام زاده الله في الدين طمأنينة
وثلجا (7)، وفي مواقف الجدل فوزة وفلجا (8)، صحيفة قد احتبى في تجويدها
وتربع، وتبدع في إنشائها وتبرع، ولم يألها تمليحا وترشيقا، وما ادخر عنها
توشيحا وتطويقا، وخرج سؤالات لو صك بها ابن الأهتم لهتمت أسنانه (9)، أو
ابن المقفع (10) لقفعت بنانه، أو ابن القرية (11) لبقى خابطا في مرية (12)، وإن أفرغ



(7) يقال: ثلجت نفسي بالأمر تثلج ثلجا، وثلجت تثلج ثلوجا إذا اطمأنت إليه وسكنت، وثبت
فيها ووثقت به " النهاية - ثلج - 1: 219 ".
(8) الفالج: الغالب أو المنتصر، أنظر " النهاية - فلج - 3: 468 ".
(9) صكه ضربه شديدا، ومنه قوله تعالى: " فصكت وجهها "، وابن الأهتم هو عمرو بن سنان الأهتم،
وإنما لقب أبوه سنان بالأهتم لأنه هتمت ثنيته يوم الكلاب أي كسرت، يقال: هتمت الثنيه إذا
كسرتها، وهتمت هي إذا انكسرت.
وعمرو هذا من أكابر سادات بني تميم وشعرائهم وخطبائهم في الجاهلية والإسلام وهو بليغ
القول، فصيح العبارة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن من البيان لسحرا " لما سمع منه
ما قاله في حق الزبرقان بن بدر. أنظر شرح رسالة ابن زيدون عند الكلام على قوله: (وعمرو بن الأهتم إنما
سحر ببيانك). " ه‍ م ".
(10) عبد الله بن المقفع: من أئمة الكتاب، وأول من عنى في الإسلام بترجمة كتب المنطق، ولد في العراق
مجوسيا، وأسلم على يد عيسى بن علي (عم السفاح)، وولي كتابة الديوان للمنصور العباسي، وأنشأ
وسائل غاية في الابداع، واتهم بالزندقة فقتله في البصرة أميرها سفيان بن معاوية المهلبي سنة 142 ه‍،
وأما المقفع أبوه فاسمه المبارك، ولقب بالمقفع لأن الحجاج ضربه فتقفعت يده أي تشنجت.
أنظر " أمالي المرتضى 1: 94، لسان الميزان 3: 366، الأعلام للزركلي 4: 140 ".
(11) هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي: أحد بلغاء الدهر، خطيب يضرب به المثل، يقال:
" أبلغ من ابن القرية " والقرية جدته، قتله الحجاج سنة 84 بعد أن أسره في وقعة دير الجماجم بعد
أن قال له: والله لأزيرنك جهنم! قال: فأرحني فإني أجد حرها! فأمر فضربت عنقه. ولما رآه قتيلا
قال: لو تركناه حتى نسمع كلامه. وأخباره كثيرة.
أنظر " وفيات الأعيان 1: 250 / 106، الكامل في التاريخ 4: 498 الأعلام 2: 37 ".
(12) المراء: الجدال، والتماري والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة " النهاية - مرا - 4: 332 ".
218
صماخ قريته (13)، وهكذا جحاجحة العرب، لا تتخطاهم في رشق أصابه، ولا
تسقط لنازعهم في قوس نشابه (14).
وسألني الإجابة عن تلك السؤالات بنظم رسالة من أبلغ الرسالات، تقع
من السائل موقع الفرات (15) من الحران (16)، وتنزل منه منزلة السداد من
الحيران، وكرر الطلب وردد، وألح فيه وشدد، وضيق علي الأمر وعوصه،
وقال: أنت الذي عينه الله وشخصه، حتى لم أجد بدا من إجابته إلى ما أراد،
وإسعافه بما ابدأ فيه وأعاد، وكان أمثل الأمرين أن الجم نفسي وأحجرها، وأن
ألقمها حجرها، ولا أفغر بمنطق فما، ولا أبل بجواب قلما، وليس بين فكي لسان
دافع، وليس في ماضغي ضرس قاطع، ولا بين جنبي نفس حركة نشيطة، ولكن
حردة (17) مستشيطة، لما أنا مفجوع به من مفارقة كل أخ كان يسمع مني الكلمة الفذة
فيضعها على رأسه، ويعض عليها بأضراسه، ويتقبلها بروحه، ويلصقها بكبده،
ويجعلها طوقا في أعلى مقلده، ويسكنها صميم فؤاده، ويخطها على بياض ناضره
بسواده، لولا خيفة أن تسول له نفسه أنني أقللت الاكتراث بمراسلته، وأخللت
الاحتفال بمسألته، وأن يقول بعض السمعة - ممن يحسب لساني لسان الشمعة -:
أقسم بالله قسما ما وجد في ديسم (18) دسما، فمن ثم ضرب عنه صفحا، وطوى



(13) أفرغ: صب، وصماخ ككتاب: الأذن، وكعراب: الماء، وقرية: الحوصلة. والمراد بها ما اشتهر به
من البلاغة حتى صارت له كالعلم، كما صار اسم حاتم للكرم، والتفسير عليها دون القرية واحدة
القرى، ودون القربة سقاء الماء واللبن، أي وإن صب أذن حافظته، أو استنزف ماء قريحته، كناية
عن إجهاد نفسه في البيان، وخنق فرسه في الميدان، فهذه الأسئلة إن قرعت له سمعا يضيق بها ذرعا،
ويبقى خابطا في الشك والجدل، لا حول له بها ولا حيل. " ه‍ م ".
(14) لا تسقط أي لا تخطئ، ونزع القوس مدها، ونشابه أي نبله، أي هذه السؤالات كما يقصر عنها
المذكورون من أئمة الأدب، فإنها تصيب بلاغة سادات العرب، ولا تخطئ نبل متقوسهم في إرب.
" ه‍ م ".
(15) الفرات: أشد الماء عذوبة " لسان العرب - فرات - 2: 65 ".
(16) الحران: العطشان " مجمع البحرين - حرر - 3: 264 ".
(17) يقال: حرد الرجل حرودا إذا تحول عن قومه وانفرد. أنظر " النهاية - حرد - 1: 362 ".
(18) الديسم: بالفتح ولد الدب، قال الجوهري: قلت لأبي الغوث: يقال إنه ولد الذئب من الكلبة،
فقال: ما هو إلا ولد الدب، وقال في المحكم: إنه ولد الثعلب. وقال الجاحظ: إنه ولد الذئب من
الكلبة، وهو أغير اللون وغبرته ممتزجه بسواد، وحكمه تحريم الأكل على كل تقدير. " الحيوان
1: 343 ".
219
عنه كشحا، ولم يوله لمحه طرف، ولم ينطق في شأنه بحرف.
أما العرب فقد صح أن لغتها أصح اللغات، وأن بلاغتها أتم البلاغات،
وكل من جمح في عنان المناكرة، وركب رأسه في تيه المكابرة، ولم يرخ للتسليم
والإذعان مشافره (19) فما أفسد حواسه ومشاعره! وهو ممن أذن بحرب منه لعقله
الذي هو إمامه في المرشد، ولتمييزه الذي هو هاديه إلى المقاصد.
إعلم يا من فطر على صلابة النبع، وأمد بسلامة الطبع، ووفق للمشي في
جادة العدل والإنصاف، وعصم من الوقوع في عاثور الجور والاعتساف، فإن
واضع هذا اللسان الأفصح العربي من بين وضاع الكلام، إن لم يكن واضعه رافع
السماء وواضع الأرض للأنام، فقد أخذ حروف المعجم التي هي كالمادة
والعنصر، وبمنزلة الإكسير والجوهر، فعجمها مبسوطات فرائد، ودافها (20)
الواحد فالواحد، وتقلقلت في يده قبل التأليف، تقلقل الدنانير في أيدي
الصياريف (21)، حين تراهم ينفون زيفها وبهرجها (22)، ويصطفون إبريزها
وزبرجها، فتخير من بينها أطوعها مخارج، وتنخل منها أوطأها



(19) الشفر: بالضم، وقد يفتح، حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر " النهاية - شفر - 2: 484 ".
(20) داف الشئ ذوفا وأدافه: خلطه " لسان العرب - دوف - 9: 108 ".
(21) لم يرد جمع الصيرفي أي النقاد على هذه الصيغة إلا في الشعر قال ابن منظور: " الجمع صيارف
وصيارفة، والهاء للنسبة، وقد جاء في الشعر الصيارف، فأما قول الفرزدق:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة * نفي الدراهيم تنقاد الصيارف
فعلى الضرورة لما احتاج إلى تمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفا ".
وقال الفيروزآبادي: " وقد جاء في الشعر صياريف " ولعل ما أورده الزمخشري تبعا لاقتضاء
سجع العبارة ظاهرا، أنظر " لسان العرب 9: 190، القاموس المحيط 3: 162، مادة صرف ".
(22) البهرج: الباطل، واللفظة معربة. وقيل كلمة هندية أصلها نبهله، وهو الردئ، فنقلت إلى
الفارسية، فقيل نبهره، ثم عربت فقيل: بهرج. " النهاية - بهرج - 1: 166 ".
220
مدارج وميز أسلسها على الأسلات (23)، وأعذبها على العذبات (24)، وأحلاها في
الذوق وأسمحها، وأبهاها عند السبر وأملحها، وأبعدها من مج الأسماع، وأقربها
امتزاجا بالطباع، وأوقعها لفحول الأمة الناغمة بأجراسها، وأحسنها طباقا لطرق
أنفاسها.
ولما انتقل من انتقاء وسائطها، بعد انتقاد بسائطها، إلى أن يؤلف
ويركب، ويرصف ويرتب، عمد في عمل التراكيب إلى أشرف الأنماط
والأساليب، فألف أنماطا تستهش (25) أنفس الناطقين، وكلمات تتحلب (26) لها
لهى (27) الذائقين، وتجول في فجوات الأفواه، فتتمطق (28) بها مستلذات، ويطرق
بها الآذان فتهوي بها مغذات (29)، وما طنت على مسامع أحد من أجيال الأعاجم،
وأخياف الطماطم (30) إلا أصغى إليها متوجسا، وأصاخ لها مستأنسا، وأناس (31)
فوديه (32) مستعجبا، وأمال عطفيه مستغربا، وقال: ما هذا اللسان المستلذ على
الصماخ (33) إيقاعه، المحلولى في مخارق الآذان استماعه، المفارق لجميع اللغات
والألسنة، المصون من الحروف الملكنة.



(23) الأسلات: جمع أسلة، وهي طرف اللسان " النهاية - أسل - 1: 49 ".
(24) عذبة اللسان: طرفه، والجمع " عذبات " كقصبة وقصبات. " مجمع البحرين - عذب - 2: 117 ".
(25) يقال: استهشني أمر كذا فهششت له أي استخفني فخففت له " لسان العرب - هشش - 6: 364 ".
(26) تحلب العرق وانحلب أي سال " الصحاح - حلب - 1: 115 ".
(27) جمع لهاة، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم " النهاية - لها - 4: 284 ".
(28) يقال: ذاقه فتمطق له إذا ضم شفتيه إليه وألصق لسانه بنطع فيه مع صوت " أساس
البلاغة: 432 ".
(29) مغذات: مسرعات.
(30) أخياف أي مختلفون، والطماطم جمع طمطم، وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح. أنظر " أساس
البلاغة: 432 ".
(29) مغذات: مسرعات.
(30) أخياف أي مختلفون، والطماطم جمع طمطم، وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح. أنظر " أساس
البلاغة - خيف - 124، الصحاح - طمم - 5: 1976 ".
(31) ناس الشئ بنوس نوسا ونوسانا: تحرك وتذبذب متدليا. " لسان العرب - نوس - 6: 245 ".
(32) الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن، ووفودا الرأس جانباه " لسان العرب - فود - 3: 340 ".
(33) صماخ الأذن بالكسر: الخرق الذي يفضي إلى الرأس، وهو السميع، وقيل هو الأذن نفسها " مجمع
البحرين - صمخ - 2: 437 ".
221
وما ذاك إلا لأن حكم المسموعات حكم المبصرات والممسوسات،
وغيرها من سائر المحسوسات، فكما أن الأعين فارقة بين المناظر العثاث والملاح،
والأوجه القباح والصباح، والأنوف فاصلة بين الأعطار الفوائح، وبين
مستكرهات الروائح، والأفواه مميزة بين طعوم المآكل والمشارب وبين
المستبشعات منها والأطائب، والأيدي مفرزة لما استلانت مما استخشنت، ولما
استخفت مما استرزنت (34)، كذلك الآذان تعزل مستقيمات الألحان من عوجها،
وتعرف مقبول الكلام من ممجوجها، والألسن تنبسط إلى ما أشبه من الكلام مجاج
الغمام (35)، وتنقبض عما يشاكل منه أجاج (36) الجمام (37)، وهذه طريقة عامية
يسمعها ويبصرها ويسلمها ولا ينكرها من يرى به شئ من طرف، أو يرامق (38)
بأدنى عرف.
وأما الطريقة الخاصية التي تضمحل معها الشبه، ويسكت عندها المنطبق
المفوه، فما عنى بتدوينه العلماء، ودأب في تضييفه العظماء، في ألفاظ العربية
وكلمها، من بيان خصائصها ونوادر حكمها، مما يتعلق بذاوتها، ويتصل
بصفاتها، من العلمين الشريفين، والعلمين المنيفين، وهما علم الأبنية وعلم
الإعراب، المشتملان على فنون من الأبواب، وناهيك بكتاب سيبويه (39) الذي



(34) رزنت الشئ أرزنه رزنا، إذا رفعته لتنظر ما ثقله من خفته، وشئ رزين أي ثقيل " الصحاح
- رزن - 5: 3123 ".
(35) مجاج الغمام: مطره. أنظر " لسان العرب - مجج - 2: 362 ".
(36) ماء أجاج أي ملح، وقيل: مر، وقيل: شديد المرارة، وقيل: الأجاج: الشديد الحرارة. " لسان
العرب - أجج - 2: 207 ".
(37) الجمة: المكان الذي يجتمع فيه ماؤه، والجمع الجمام. " الصحاح - جمم - 5: 1890 ".
(38) رمقه بعينه رمقا: أطال النظر إليه " مجمع البحرين - رمق - 5: 173 ".
(39) هو عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى بني الحارث، يكنى أبا بشر وأبا الحسن، الملقب ب‍ " سيبويه "
ومعناه بالفارسية: رائحة التفاح، ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة فلزم الخليل
ابن أحمد ففاقه، وصنف كتابه المعروف ب‍ " كتاب سيبويه " في النحو، لم يصنع قبله ولا بعده مثله، توفي
سنة 180 ه‍، وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلاف.
أنظر " إنباه الرواة 2: 346 / 515، وفيات الأعيان 3: 463 / 504، تأريخ بغداد
222
هو الكتاب، يطلق تضله الألباب، وهو الديوان الأقدم، والميزان الأقوم،
والقانون الذي هو لكل محتذ مثال، والمعقل الذي لكل منضو تمثال، وكأنه
الرأس الذي هو رئيس الأعضاء، والراز (40) الذي بيده مطمر (41) البناء، والإمام
الذي إن نزلت بك شبهة أنزلتها به، وإن وقعت بك معضلة أوردتها على بابه،
والحكمة التي قيدت بها الفلاسفة فهي حاجلة (42) فراسفه (43).
حشا غامضات سيبويه كتابه * وأحر بأن تعتاص تلك وتشتدا
إذا وقع الأحبار فيها تحيروا * فلم يجدوا من مرجع القهقري بدا
آخران:
ألا صلى المليك صلاة صدق * على عمرو بن عثمان بن قنبر
فإن كتابه لم يغن عنه * بنو قلم ولا أبناء منبر
ثم لا تسأل عن تناسق هذه اللغة وتتاليها، وعن تجاذب أطرافها وتجاليها،
وما ينادي عليه طرق اشتقاقها من حسن تلاؤمها واتفاقها، يصادف المشتق الصيغ
متناصره، آخذا بعضها بيد بعض متخاصره، ووراء ذلك من الغرائب ما لا ينزف
وإن نزف البحر، ومن الدقائق ما لا يدق معه الكهانة والسحر، ولا يعرف ذلك
إلا من فقه فيها وطب (44)، وزاولها مذ شب إلى أن دب، وضرب آباطها (45)،
حتى بلغ نياطها (46).



12: 195 / 6658، الأعلام 5: 81 ".
(40) الراز: رأس البنائين " النهاية - روز - 2: 276 ".
(41) المطمر: الزيج الذي يكون مع البنائين " الصحاح - طمر - 2: 726 ".
(42) الحجل والحجل: القيد، يفتح ويكسر، والحجل: مشي المقيد، وحجل يحجل حجلا إذا مشى
في القيد " لسان العرب - حجل - 11: 144 ".
(43) الرسف: مشي المقيد، ورسف في القيد: مشى مشي المقيد، وقيل: هو المشي في القيد رويدا، فهو
راسف " لسان العرب - رسف - 9: 118 ".
(44) رجل طب بالفتح، أي عالم " الصحاح - طبب - 1: 171 ".
(45) من المجاز قولهم: نزل بإبط الرمل، وهو مسقطه، وبإبط الجبل، وهو سفحه، وضرب آباط المفازة،
وتقول: ضرب آباط الأمور ومغابنها واستشف ضمائرها وبواطنها " أساس البلاغة - أبط - 1 ".
(46) النوط: عرق غليظ علق به القلب من الوتين، قال أبو طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله:
بني أخي ونوط القلب مني * وأبيض ماؤه غدق كثير
ومن المجاز: مفازة بعيدة النياط أي الحد والمتعلق، ولا يخفى ما في المتن من تعبير مجازي، أنظر
" أساس البلاغة - نوط - 476 ".
223
ولا أذكر لك ما في كلام فصحائهم، من خطبائهم وشعرائهم، من طرق
فصاحة انتهجوها، وخيل بلاغة ألجموها وأسرجوها، وما وجد في مراكضهم
ومضاميرهم، من سبقهم ومحاضيرهم، من الافتنان في بابي الكناية والمجاز،
وإصابة مواقع الإشباع والإيجاز، والإبداع في الحذف والإضمار، والأغراب في
جملة اللطائف والأسرار، فإنك تعارضني بأن هذه الأشياء أشرك الله فيها العقلاء،
ورأينا الأعاجم قد صنفوا فيها معاجم، فكم في الفرس من الفرسان، وما أهل
خراسان بالخرسان، على أني لو قلت تلك (47) لوجدت مقالا، وصادفت لفرسي
مجالا، ولأصبت فيه وجها من الاحتجاج، وردا للشغب واللجاج، فإن هذه
الأشياء لا تجمل ولا تجزل ولا تنبل ولا تفحل، ولا تحسن ولا تبهى، ولا تختال
ولا تزهى، إلا واقعة في هذا اللسان، دائرة بين أظهر هذا البيان، ومثل ذلك
مثل الوشي الفاخر، والحلي من سري الجواهر، تلبسها الحسناء فتزيدها حسنا إلى
حسن، وتعطيها زينا إلى زين، فإن نقلتها إلى الشوهاء تخاذل أمرها وتضاد،
وتناقض وتراد، وعصف بنصف حسنها وزينها، ما تطلعه الشوهاء من قبحها
وشينها، وكفاك بما عددت عليك أدلة متقبلة، وشهودا معدلة، على أن هذا
اللسان هو الفائز بالفصل، الحائز للخصل (48)، وأن ما عداه شبه (49) إلى العسجد،
وشب (50) إلى زبرجد.
ثم اسمع بفضلك، فقد آن أن أفذلك (51)، وأختم هذا الفصل بما يحلق



(47) الكلمة قلقة في هذه العبارة.
(48) يقال: أصاب خصله واحرز خصله: غلب على الرهان، وقال بعضهم: الخصلة الإصابة في الرمي
" لسان العرب - خصل - 11: 206 ".
(49) الشبه والشبه: النحاس الأصفر، أنظر " لسان العرب - شبه - 13: 55 ".
(50) الشب: حجر معروف يشبه الزاج، وقد يدبغ به الجلود " النهاية - شبب - ": 439 ".
(51) يقال: فذلك حسابه أنهاه وفرغ منه، " القاموس المحيط - فذلك - 3: 315 ".
224
الحلاقم (52) ويجر الغلاصم (53)، وهو أن الله تعالى ادخر لمحمد عليه صلاته
وسلامه كل فضيلة، وزوى عنه كل رذيلة، واختصه بكل توقير، وبعد حاله من
كل تحقير، واختار له كل ما يقع عليه الاختيار، وخوله ما يطول به الافتخار،
فجعل ذاته خيرة الإنس، وصفوة الأنبياء، وسيد الأموات والأحياء، والأمة التي
انتضاه منها خير أمة، والأئمة الذين استخلفهم بعده خير أئمة، وكتابه الذي أنزل
عليه خير كتاب، وأصحابه الذين قرنهم به خير أصحاب، وزمانه الذي بعثه فيه
خير زمان، ولسانه الذي نطق به خير لسان، ولا يحسن أن ينزل على أفضل رسول،
أفضل كتاب بلسان مفضول، ومن لم يعقل عن الله تعالى: (بلسان عربي
مبين) (54) فلا عقل، ومن لم ينقل: (خير اللسان العربي) فلا نقل، ثم هو لسان
أهل الجنة، وذلك طول من ذي الطول والمنة.
ووجدت العرب كما يتباهون بالشدة في مواطن الحرب، وبالنجدة في
مقاوم الطعن والضرب، وبدقهم في النحور صدور الرماح، وحطمهم في الرقاب
متون الصفاح، يتحلقون فيعدون أيامهم في الجاهلية والإسلام، ووقائعهم في أشهر
الحل والإحرام، كذلك حالهم في التباهي بالكلام الفحل، والتباري في المنطق
الجزل، والافتخار بالألسن اللد، وإرسالها في أودية الهزل والجد، وبثبات
الغدر (55) في مواقف الجدل والخصام، وعند مصاك الركب ومصاف الأقدام،
ليسوا في مجالدتهم بأشد منهم في مجادلتهم، ولا في مقاتلتهم بأحد منهم في مقاولتهم،
ولقد نطقت بذلك أشعارهم، وشهدت به آثارهم.



(52) الحلقوم: الحلق، وقال الزجاج: الحلقوم بعد الفم وهو موضع النفس وفيه شعب تتشعب منه، وهو
مجرى الطعام والشراب " المصباح المنير - حلق - 146 ".
(53) الغلصمة: رأس الحلقوم بشواربه وحرقدته، وهو الموضع الناتئ في الحلق، والجمع الغلاصم، وقيل:
الغلصمة اللحم الذي بين الرأس والعنق. وقيل: متصل الحلقوم بالحلق إذا ازدرد الآكل لقمنه فزلت
عن الحلقوم، وقيل: هي العجرة التي على ملتقى اللهاة والمرئ، " لسان العرب - غلصم - 12: 441 ".
(54) سورة الشعراء 26: 195.
(55) يقال: رجل ثبت الغدر: أي ثابت في قتال أو كلام " الصحاح - غدر - 2: 766 ".
225
قال لبيد (56):
ومقام ضيق فرجته * ببياني ولساني وجدل
لو يقوم الفيل أو فياله * زل عن مثل مقامي وزحل (57)
ورأيتهم يسؤون بين الجبناء واللكن، ولا يفصلون بين العي والجبن،
ويستنكفون من الخطأ واللحن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أفصح العرب بيد أني من
قريش، واسترضعت في سعد بن بكر، فأنى يأتيني اللحن " (58).
ويتحرون أن ينطقوا بالكليم الفصاح، وأن يمضوا فيها على الأساليب
الصحاح، باحثين عن مفرق الصواب، ومصيبين منحر الإعراب، متيقضين لما
يستفصح، متنبهين على ما يستملح، يسمعون الكلمة العيناء فيشرئبون لها، واللفظة
العوراء فيشمئزون منها.
قال بعض أمراء العرب لأعرابي رأى معه ناقة فأعجب بها: هل أنزيت
عليها؟ قال: نعم أضربتها أيها الأمير! قال: أضربتها، قد أحسنت حين أضربتها،
يعم ما صنعت إذ أضربتها، فجعل يرددها.
قال الراوي: فعلمت أنه إنما يريد أن يثقف بها لسانه.



(56) لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل العامري، أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية من أهل
عالية نجد، أدرك الإسلام، ووفد على النبي - صلى الله عليه وآله -، ويعد من الصحابة ومن المؤلفة
قلوبهم، وترك الشعر، فلم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا، قيل هو:
ما عاتب المرء الكريم كنفيه * والمرء يصلحه الجليس الصالح
وسكن الكوفة، وعاش عمرا طويلا، وهو أحد أصحاب المعلقات، ومطلع معلقته:
عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها
توفي سنة 41 للهجرة. " الأعلام 5: 240 ".
(57) زحل الشئ عن مقامه: أي زل عن مكانه " لسان العرب - زحل - 11: 302 " وفيه البيت الثاني
عن البيد.
(58) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال 11: 404 / 31884 باختلاف يسير.
226
وسمعت أنا كوفيا يسأل بدويا عن ماوان (59) وقد شارفناها، فقال: هي
ميهة. فقال الكوفي: أمية مما كانت؟ قال: إي والله أموه مما كانت. كأنه
يصححها عليه.
ورأيت الخلق في المسجد الحرام يترادون الكلام في اللغات الفصحى،
ويتعادون من له في ميدان البلاغة الخطا الفسحى، ويتذاكرون الكلمات التي
تزيغ فيها الحاضرة (60) عن السنن ولا ينقحونها من العجر (61) والأبن (62) كأن
أفواههم للحكمة ينابيع، وهم على ذلك مطابيع.
هذا، ولما سمعت العرب القرآن المجيد ملأت الروعة قلوبهم وملكت
نفوسهم، وهز الاستعجاب مناكبهم، وأنغض رؤوسهم، وبقي أذلقهم لسانا،
وأعرقهم بيانا، كالمحجوج إذا أبكتته الحجة، فأخذته الرجة، وكالياسر إذا أصبح
مقمورا مقهورا، فقعد مبهوتا مبهورا، وكالصريع إذا عن له من لا يبالي بصراعه،
وكالمرتبع (63) إذا غلبه من لا يلتفت إلى ارتباعه، ولقد قابلوه بأفصح كلامهم،
فقال منصفوهم: جرى الوادي فطم على القري (64)، ومن يعبأ بالعباء مع الوشي
العبقري (65).



(59) ماوان: واد فيه ماء بين الفقرة والربذة فغلب عليه الماء فسمي بذلك الماء ماوان. قال في المعجم:
فأما ماوان السنور فليس بينه وبين مساكن العرب مناسبة ولعل أكثرهم ما يدري ما السنور: وهي
قرية في أودية العلاة من أرض اليمامة، أنظر " معجم البلدان 5: 45، مراصد الاطلاع 3: 1222 ".
(60) أي أهل الحضر لأنهم مظنة اللحن.
(61) العجر: جمع عجرة، وهي العقدة في عود وغيره، ويقال: في كلامه عجر فيه وتعجرف أي جفوة
" أساس البلاغة - عجر - 294 ".
(62) الأبن: العقد تكون في القسي تفسدها وتعاب بها " النهاية - ابن - 1: 17 ".
(63) ربع الحجر وارتباعه إشالته ورفعه لإظهار القوة " النهاية - ربع - 2: 189 ".
(64) مثل سائر، معناه: جرى سيل الوادي فطم، أي دفن، يقال: طم السيل الركية: أي دفنها، والقري:
مجرى الماء في الروضة، والجمع أقرية وقريان و " على " من صلة المعنى: أي أتى على القري، يعني
أهلكه بأن دفنه، أنظر " مجمع الأمثال 1: 159 / 823 ".
(65) الوشي من الثياب معروف، والعبقري: الديباج، أنظر " الصحاح - وشي - 6: 2524، النهاية - عبقر -
3: 173 ".
227
وقال الوليد بن المغيرة المخزومي (66): والله لقد نظرت فيما قال هذا
الرجل، فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله
لمعذق (67)، وإنه ليعلو وما يعلى (68).
وبلغنا أن أعرابيا صلى خلف ابن مسعود (69) رضي الله عنه فتعتع في
قراءته، فقال الأعرابي: ارتبك الشيخ، فلما قضى ابن مسعود صلاته، قال: يا
أعرابي إنه والله ما هو من نسجك ولا من نسج آبائك، ولكنه عزيز من عند
عزيز نزل، وهو الحمال ذو الوجوه، والبحر الذي لا تنقضي عجائبه. قال الله
لموسى عليه السلام: إنما مثل كتاب محمد في الكتب كمثل سقاء فيه لبن كلما
مخضته استخرجت زبده.
فحينما عجزوا عن المماتنة (70)، فزعوا إلى المفاتنة، ولما لم يقدروا على
المقابلة أقبلوا على المقاتلة، فكان فزعهم إلى شئ، ليس من المتحدى فيه في



(66) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية،
ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته، ذكره ابن الأثير
في الكامل تحت عنوان: ذكر المستهزئين ومن كان أشد الأذى للنبي (صلى الله عليه وآله)، وهو والد
خالد بن الوليد، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر وهو ابن خمس وتسعين سنة، ودفن بالحجون، أنظر
" الكامل في التاريخ 2: 71، الأعلام 8: 122 ".
(67) أي له شعب وجذور، وفي بعض المصادر: لمغدق، وهو من الغدق أي الماء الكثير، وفي بعضها
الآخر: لعذق، والعذق: النخلة، وهو استعارة من النخلة التي ثبت أصلها.
(68) ورد باختلاف في لفظه في دلائل النبوة 2: 198، تأريخ الإسلام: 155، السيرة النبوية 1: 289،
الوفا بأحوال المصطفى: 55، وأخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه 2: 506، عن ابن عباس،
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، ولم يخرجاه.
(69) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من صحابة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) السابقين إلى الإسلام، وولي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بيت مال الكوفة، ثم قدم
المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما في سنة 32 ه‍.
أنظر " الإصابة في تمييز الصحابة 2: 368 / 4954، تهذيب التهذيب 6: 24 / 43، معجم رجال
الحديث 10: 322 / 7160، الأعلام 4: 137 ".
(70) المماتنة: المعارضة في جدل أو خصومة " تاج العروس - متن - 9: 340 ".
228
شئ، دليلا قاطعا على تمام المعجزة، وشاهد صدق لصحة النبوة بظهور المعجزة،
على أن عداوة المتحدي هي العجز بعينه، والتقصير بذاته، لأن كل ذي منقبة إذا
توقل (71) في مرتبة قد عجز عنها مدعوها، ولم يقدروا أن يطلعوها، كان نتيجة
عجزهم أن يشتملوا على الغيظ والضجر، وقرينة تقصيرهم أن يقصدوه بالنكاية
والضرر، وأن يقشوروه (72) بالعصا ويرجموه بالحصا.
والذي طولبوا به فعجزوا عنه هو الإتيان بسورة لو كتبت بين السور، لم
تكن مشخلبة (73) بين الدرر، ولكن كواحدة منهن في حسنها وبهائها، ونورها
وضيائها، وبيانها الباهر، وديباجها الفاخر، حتى لو عرضت على صيارفة المنطق
ونقاده، المميز بين زيوفه وجياده، لقالوا هي منها بالقرب، لم يقولوا ليس عليها
أبهة دار الضرب، والجهة التي أتاهم العجز عنها امتياز السورة عن هذه الأجناس،
التي تتقلب في أيدي الناس، من خطب يحبرونها (74)، وقصائد يسيرونها، ورسائل
يسطرونها، كما أن كل واحد من هذه الأجناس له حيز، وبعضها عن بعض
متميز، وكل مستبد بطريق خاص إليه ينتحي وإياه ينتهج، ومثال ومنوال عليه
يحتذي وعليه ينتسج، فلو تحدي الرجل بقصيدة شاعرة فجاء بخطبة باهرة أو رسالة
نادرة، أو تحدي بخطبة أو رسالة غراء فعارض بقصيدة حذاء (75)، لم يكن على
شاكلة التحدي عاملا، ونسب إلى قلة التهدي عاجلا، وتمثل له بقوله:
شكونا إليه خراب السواد * فحرم فينا لحوم البقر



(71) التوقل: الاسراع في الصعود " النهاية - وقل - 5: 216 ".
(72) قشوره بالعصا: ضربه " القاموس المحيط - قشر - 2: 117 ".
(73) قال الليث: مشخلبة كلمة عراقية ليس على بنائها شئ من العربية، وهي تتخذ من الليف
والخرز أمثال الحلي " لسان العرب - شخلب - 1: 486 ".
(74) يقال حبرت الشئ تحبيرا إذا حسنته " النهاية - حبر - 1: 327 ".
(75) الحذو: من أجزاء القافية، حركة الحرف الذي قبل الردف، يجوز ضمته مع كسرته ولا يجوز مع
الفتح غيره، قاله ابن منظور في " اللسان - حذا - 14: 170 " عن ابن سيده.
229
فكنا كما قال من قبلنا * أريها السها (76) وتريني القمر (77)
ذلك أن الشعر كلام ذو وزن وقري (78)، وقافية وروي، أكثره
تمويهات وتخاييل، وأكاذيب وأباطيل، ومن ثم سموه سحرا، وزعموا أن لكل
شاعر جنيا، وأنه معه رئيا، وأن ذلك الجني يخطره بجنانه ويلقنه إياه ويلقيه على
لسانه.
والخطب والرسائل لا يمس طنب القريض أطنابها، ولا تقرع يده أبوابها،
والسورة أبعد شوطا منها في التميز، وأعلى فوقا في المباينة والتحيز، بديباجتها الخاصة
وذوقها وندائها على أن لا منظوم بطوقها، وعلى أنها ليست من القريحة، المعتصر
لها ثرى السجيحة (79)، المستعان فيه بالرؤية والفكر، المستملى من لسان الزكن (80)
والحجر (81)، وأن مثلها معه مثل الحيوان الذي هو تسوية الله وتقديره، مع التماثيل
التي هي نقش المصور وتصويره، عليها ضياء الجلالة الربانية، وسيمياء (82) الكتب
السماوية، وأبهة المسطور في اللوح المنزل في اللوح (83) وآئين (84) الملقن منه وهو



(76) السها: كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم " لسان
العرب - سها - 14: 408 ".
(77) مثل سائر، ذكره الميداني في مجمع الأمثال 1: 291 / 1545، تحت عنوان " أريها استها وتريني
القمر " وذكر قصته، وقال: وبعضهم يرويه " أريها السها وتريني القمر "، يضرب لمن يغالط فيما
لا يخفى.
(78) قال الزمخشري وغيره: أقراء الشعر: قوافيه التي يختم بها، كأقراء الطهر التي ينقطع عندها، الواحد
قرء، وقرء، وقري، لأنها مقاطع الأبيات وحدودها. " النهاية - قرا - 4: 32 ".
(79) السجيحة: الطبيعة " الصحاح - سجح - 1: 373 ".
(80) الزكن والإزكان: الفطنة، والحدس الصادق. " النهاية - زكن - 2: 307 ".
(81) الحجر: العقل واللب، لإمساكه ومنعه وإحاطته بالتمييز، وفي التنزيل: هل في ذلك قسم لذي
حجر. " لسان العرب - حجر - 4: 170 ".
(82) السومة والسيمة والسماء والسيمياء: العلامة. " لسان العرب - سوم - 12: 312 ".
(83) اللوح الأول بالفتح: هو اللوح المحفوظ، والثاني بالضم: الهواء. " لسان العرب - لوح - 2: 585 ".
(84) آئين: كلمة فارسية بمعنى الزينة، استعملها الجاحظ في البخلاء في قصة محمد بن أبي المؤمل فيما
حكاه عن لسانه: وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شئ من آئين الموائد الرفيعة.
وفي تاريخ العتبي عند شرح هذا البيت في رثاء الصاحب بن عباد:
لم يبق للجود رسم منذ بنت ولا * للسؤدد اسم ولا للمجد آئين
قال: وكأنه تعريب آئين، وهو أعواد أربعة تنصب في الأرض وتزين بالبسط والستور
والثياب الحسان، ويكون ذلك في الأسواق والصحارى وقت قدوم ملك.
أقول: هو قوس النصر في مصطلح عصرنا هذا " ه‍ م ".
230
لسان الروح، كأنك إذا قرأتها مشاهد سبحات (85) وجه فاطرك، ومعاين لملائكة
عرشه بناظرك.
عن جعفر الصادق (86) رضي الله تعالى عنه: والله لقد تجلى الله تعالى
لخلقه في كلامه ولكنهم لم يبصروه (87).
والمعاني التي تستودع الكتب والرسائل، من معانيه ومؤدياته على مراحل،
وقد انطوت رصانة هذه المعاني والمقاصد تحت سلس الألفاظ العذبة الموارد، مع



(85) سبحات الله: جلاله وعظمته، وهي في الأصل جمع سبحة، وقيل: أضواء وجهه " النهاية - سبح -
2: 332 ".
(86) أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، سادس أئمة أهل
البيت (عليهم السلام)، وإليه ينمى المذهب الجعفري، لقب بالصادق لصدق حديثه، ولد في 17 ربيع
الأول سنة 80 ه‍، أمره في الشرف والفضل والعلم والعصمة أجل من أن يذكر في سطور، قال ابن
حجر: " نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركيان وانتشر صيته في البلدان " وجمع أصحاب
الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل،
ذكرهم الحافظ ابن عقدة في كتاب رجاله، وذكر مصنفاتهم فضلا عن غيرهم، استشهد عليه السلام
مسموما لعشر سنين خلت من خلافة المنصور العباسي سنة 148 ه‍، ودفن بالبقيع مع أبيه وجده
عليهم السلام.
أنظر " أعيان الشيعة 1: 659، حلية الأولياء 3: 192، وفيات الأعيان 1: 327 / 131، الجرح
والتعديل 2: 487 / 1987، رجال صحيح مسلم 1: 120 / 221، تهذيب الكمال 5: 74 / 950، ميزان
الاعتدال 1: 414 / 1519، تهذيب التهذيب 2: 88 / 156، سير أعلام النبلاء 6: 255 / 117 ".
(87) رواه الشهيد الثاني في كتابه أسرار الصلاة: 36، ونقله عنه الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء
2: 247، وفيهما: ولكنهم لا يبصرون.
وفي المصدرين أيضا، عنه عليه السلام: وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا
عليه فلما أفاق قيل له في ذلك، فقال: ما زلت أردد الآية على قلبي وعلى سمعي حتى سمعتها من المتكلم
بها، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته.
قال الفيض: وفي مثل هذه الدرجة تعظم الحلاوة ولذة المناجاة.
231
تكاثر نكت علم البيان وفقره، ومحاسن حجوله وغرره، وغرائب وشيه وأعلام
حبره، تنثال إرسالا على الناظر البصير، وتزدحم أسرابا على الناقد النحرير.
وأنا أضرب لك سورة الكوثر - وهي أقصر السور - مثالا أنصبه بين
يديك، وأجعله نصب عينيك، فأنت أكيس الأكياس، ومعك نهية (88) كشعلة
المقباس، وتكفيك الرمزة وإن كانت خفية، والتنبيهة وإن كانت غير جلية،
فكيف إذا ذللت بأنور من وضح الفلق، وأشهر من شية (89) الأبلق.
أقول وبالله التوفيق: ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدو الله
العاص بن وائل (90) ما يهدم مقاله، ويهزم محاله (91)، وينفس عن رسوله، وينيله
نهاية سؤله، فأوحى إليه سورة على صفة إيجاز واختصار، وذلك ثلاث آيات
قصار، جمع فيها ما لم يكن ليجتمع لأحد من فرسان الكلام، الذين يخطمونه
بالخطام (92) ويقودونه بالزمام، كسحبان (93) وابن عجلان، وأضرابهما من الخطباء
المصاقع والبلغاء البواقع (94) الذين تفسحت في هذا الباب خطاهم، وتنفس في
ميادينه مداهم.
أنظر إلى العليم الحكيم كيف حذا ثلاث الآيات على عدد المسليات، من



(88) النهية: العقل " لسان العرب - نهى - 15: 346 ".
(89) الشية: كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، وأصله من الوشي. " النهاية - شيه - 2: 522 ".
(90) العاس بن وائل بن هاشم السهمي، من قريش، أحد الحكام في الجاهلية، كان نديما لهشام بن
المغيرة وأدرك الإسلام، وظل على الشرك ويعد من المستهزئين ومن الزنادقة الذين ماتوا كفارا
وثنيين، وهو والد عمرو بن العاص صاحب معاوية. " الأعلام 3: 247 ".
(91) يقال: رجل يماحل: أي يدافع ويجادل، من المحال، بالكسر، وهو الكيد، وقيل: المكر، وقيل:
القوة والشدة، أنظر " النهاية - محل - 4: 303 ".
(92) الخطام: الزمام. وخطمت البعير: زممته " الصحاح - خطم - 5: 1915 ".
(93) سحبان بن زفر بن أياس الواثلي، من باهلة، خطيب يضرب به المثل في البيان، يقال: " أخطب
من سحبان " و " أفصح من سحبان " اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الإسلام، وكان إذا خطب
يسيل عرقا ولا يعيد كلمة، أسلم في زمن النبي ولم يجتمع به.
" الإصابة 2: 109 / 3663، بلوغ الإرب 3: 156، مجمع الأمثال 1: 249، الأعلام 3: 79 ".
(94) الباقعة: الرجل الداهية. " لسان العرب - بقع - 8: 19 ".
232
إجلال محل رسول الله وإعلاء كعبه، وإعطائه أقصى ما يؤمله عند ربه (95)، ومن
الايعاز إليه أن يقبل على شأنه من أداء العبادة بالإخلاص (96)، وأن لا يحفل بما
ورد عليه من ناحية العاص، ولا يحيد عن التفويض إليه محيدا، فلا يذره وائبا
وحيدا، ومن الغضب له بما فيه مسلاته من الكرب، من إلصاق عار البتر
بالكلب (97)، والإشعار بأن كان عدو الله بورا، ولم يكن إلا هو صنبورا (98).
ثم أنظر كيف نظمت النظم الأنيق، ورتبت الرشيق، حيث قدم
منها ما يدفع الدعوى ويرفعها، وما يقطع الشبهة ويقلعها، ثم لما يجب أن يكون عنه
مسببا، وعليه مترتبا، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مغواته (99) التي
حفر، وصليه بحر ناره التي سعر، ومن الشهادة على إلصاقه بالسليم عيبه، وتوريكه
على البرئ ذنبه (100).
وتأمل كيف أن من أسند إليه إسداء هذه العطية، وإيتاء هذه الموهبة
السنية، هو ملك السماوات والأرض، ومالك البسط والقبض، وكيف وسع
العطية وكثرها، وأسبغها ووفرها، فدل بذلك على عظم طرفي المعطى، وعلى
جلال جنبي المسدي والمسدى، وقد علم أنه إذا كان المعطي كبيرا، [كان]
العطاء كثيرا، فيا لها من نعمة مدلول على كمالها، مشهود بجلالها.
وأراد بالكوثر أولاده إلى يوم القيامة من أمته، جاء في قراءة عبد الله:
" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه أمهاتهم " (101) وما أعطاه الله



(95) إشارة إلى قوله تعالى: " إنا أعطيناك الكوثر ".
(96) إشارة إلى قوله تعالى: " فصل لربك وانحر ".
(97) إشارة إلى قوله تعالى: " إن شانئك هو الأبتر ".
(98) أي أبتر لا عقب له " النهاية - صنبر - 3: 55 ".
(99) مغواة: حفرة كالزبية تحفر للذئب، ويجعل فيها جدي إذا نظر إليه سقط عليه يريده. ومنه قيل لكل
مهلكة مغواة. " النهاية - غوا - 3: 398 ".
(10) ورك عليه ذنبه: حمله عليه " أساس البلاغة - ورك - 497 ".
(101) قال المصنف في الكشاف 3: 251: وفي قراءة ابن مسعود: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو
أب لهم "، وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 14: 123: ثم إن في مصحف أبي بن كعب
233
في الدارين من مزايا الأثرة ولتقديم في الدارين من مزايا الأثرة والتقديم، ووضع في يديه من نواصي التفضيل
والتكريم، والثواب الذي لم يعرف إلا هو كنهه، ولم يعط إلا الملك شبهه، ومن
جملة الكوثر ما اختصه به من النهر الذي حاله المسك (102)، ورضراضه التوم (103)،
وعلى حافاته من أواني الذهب والفضة ما لا يعاده النجوم.
ثم تبصر كيف نكت في كل شئ تنكيتا، يترك المنطيق سكيتا، حيث
بنى الفعل على المبتدأ فدل على الخصوصية، وجمع ضمير المتكلم فأذن بعظم
الربوبية، وصدر الجملة المؤخرة على المخاطب أعظم القسم، بحرف التأكيد الجاري
مجرى القسم، ما ورد الفعل بلفظ الماضي، على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة
دون عطاء الآجلة، دلالة على أن المتوقع من سيب (104) الكريم في حكم الواقع،
والمترقب من نعمائه بمنزلة الثابت النافع. وجاء بالكوثر محذوف الموصوف، لأن
المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الابهام والشياع، والتناول على طريق
الاتساع، واختار الصفة المؤذنة بإفراط الكثرة، المترجمة عن المعطيات الدثرة، ثم
بهذه الصفة مصدرة باللام المعرفة، لتكون لما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى
الكثرة كاملة.
وعقب ذلك بفاء التعقيب، مستعارة لمعنى التسبيب، يشتقها معنيان،
صح تسبيب الإنعام بالعطاء الأكثر، للقيام بما يضاهيه من الشكر الأوفر، وتسليمه



" وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " وقرأ ابن عباس " من أنفسهم وهو أب [لهم] وأزواجه
[أمهاتهم] ".
وقال الطبرسي في مجمع البيان 4: 338: وروي أن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد غزوة
تبوك، وأمر الناس بالخروج، قال قوم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت هذه الآية.
وروي عن أبي وابن مسعود وابن عباس أنهم كانوا يقرؤون " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " وكذلك هو في مصحف أبي، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام.
(102) حاله المسك: أي طينه المسك. " النهاية - حول - 1: 464 ".
(103) الرضراض: الحصى الصغار، والتوم: الدر. " النهاية - رضرض - 2: 229 ".
(104) السيب: العطاء. " الصحاح - سيب - 1: 150 ".
234
لترك المبالاة بقول ابن وائل، وامتثال قول الله عز من قائل، وقصد باللامين (105)
التعريف بدين العاص وأشباهه، ممن كانت عبادته ونحره لغير إلهه، وتثبيت
قدمي رسول الله على صراطه المستقيم، وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم، وأشار
بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات، وصنفي الطاعات، أعني الأعمال البدنية
التي الصلاة إمامها، والمالية التي نحر البدن سنامها، ونبه على ما لرسول الله من
الاختصاص بالصلاة التي جعلت لعينه قرة (106) وبنحر البدن التي كانت همته بها
المشمخرة.
روينا بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة
بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة (107) من ذهب (108).
وحذف اللام الأخرى لدلالته عليها بالأولى، مع مراعاة حق التسجيع،
الذي هو من جملة صنعة البديع، إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا، ولم يكن متكلفا أو
مصنوعا، كما ترى اسجاع القرآن وبعدها عن التعسف، وبراءتها من التكلف.
وقال: " لربك "، وفيه حسنان، وروده على طريقة الالتفات (109) التي
هي أم من الأمهات، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر، وفيه
إظهار لكبرياء شأنه، وانافة لعزة سلطانه، ومنه أخذ الخلفاء قولهم: يأمرك
أمير المؤمنين بالسمع والطاعة، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة.



(105) أي بلام " لربك "، واللام المحذوفة في قوله " وانحر " أي وانحر له، كما سيصرح بذلك " ه‍ م ".
(106) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: حببت إلي من الدنيا ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة
عني في الصلاة. " الخصال: 165 / 218 ".
(107) البرة: حلقة تجعل في لحم الأنف، وربما كانت من شعر. " النهاية - بره - 1: 122 ".
(108) أخرجه البيهقي في سننه 5: 230.
(109) قال ابن حمزه العلوي في الطراز 2: 132: الالتفات: هو العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب
آخر مخالف للأول، وهذا أحسن من قولنا: هو العدول من غيبة إلى خطاب، ومن خطاب إلى غيبة،
لأن الأول يعم سائر الالتفاتات كلها، والحد الثاني إنما هو مقصور على الغيبة والخطاب لا غير، ولا
شك أن الالتفات قد يكون من الماضي إلى المضارع وقد يكون على عكس ذلك فلهذا كان الحد
الأول هو أقوى دون غيره.
235
وعن عمر بن الخطاب (رض) أنه حين خطب الأزدية أتى أهلها
فقال لهم: خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم، وسيد أهل المشرق
حسن بن بجيلة ويخطب إليكم أمير المؤمنين - عنى نفسه -.
وعلم بهذه الصفة أن من حق العبادة أن يخص بها العباد ربهم
ومالكهم، ومن يتولى معايشهم ومهالكم، وعرض بخطأ من سفه نفسه ونقض
قضية لبه، وعبد مربوبا وترك عبادة ربه.
وقال: " إن شانئك " فعلل الأمر بالإقبال على شأنه، وقلة الاحتفال
بشنآنه، على سبيل الاستئناف، الذي هو جنس حسن الموقع رائعه، وقد كثرت في
التنزيل مواقعه، ويتجه أن يجعلها جملة للاعتراض، مرسلة إرسال الحكمة لخاتمة
الأغراض، كقوله تعالى: " إن خير من استأجرت القوي الأمين " (110).
وعنى بالشانئ السهمي المرمي بسهمه، وإنما ذكره بصفته لا باسمه،
ليتناول كل من كان في مثال حاله، من كيده بدين الحق ومحاله، وفيه أنه لم
يتوجه بقلبه إلى الصدق، ولم يقصد به الافصاح عن الحق، ولم ينطق إلا عن
الشنآن الذي هو توأم البغي والحسد، وعن البغضاء التي هي نتيجة الغيظ
والحرد (111)، وكذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الأشد، ويدل على حنق الخصم
الألد، وعرف الخبر ليتم له البتر، كأنه الجمهور (112) الذي يقال له الصنبور،
وأقحم الفصل لبيان أنه المعين لهذه النقيضة، وأنه المشخص لهذه الغميصة (113)،
وذلك كله مع علو مطلعها، وتمام مقطعها (114)، ومجاوبة عجزها لهاديتها (115)،



(110) سورة القصص 28: 26.
(111) الحرد: الغضب. " تاج العروس - حرد - 2: 334 ".
(112) كذا.
(113) يقال: اغتمصت فلانا اغتماصا: احتقرته " لسان العرب - غمص - 7: 61 ".
(114) مقاطع القرآن: مواضع الوقوف.
(115) في الحديث: " طلعت هوادي الخيل " يعني أوائلها، والهادي والهادية: العنق: لأنها تتقدم على
البدن، ولأنها تهدي الجسد. " النهاية - هدا - 5: 255 ".
236
وسبيبها (116) لناصيتها، واتصافها بما هو طراز الأمر كله من مجيئها، مع كونها
مشحونة بالنكت الجلائل، مكتنزة بالمحاسن غير القلائل، خالية من تصنع من
يتناول التنكيت، وتعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت (117)، وكأنها كلام من
يرمي به على عواهنه، ولا يتعمد إلى إبلاغ نكته ومحاسنه، ولا يلقاك ذلك إلا
في كلام رب العالمين، ومدبر الكلام والمتكلمين، فسبحان من لو أنزل هذه
الواحدة وحدها، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها، لكفى بها آية تغمر الأذهان،
ومعجزة توجب الاذعان، فكيف بما أنزل من السبع الطوال، وما وراءها إلى
المفصل (118)، والمفصل، يا لها من معجزة كم معجزات في طيها، عند كل ثلاث
آيات تقر الألسن بعيها، لو أراد الثقلان تسلية المغيظ المحنق، لأخذت من
أفاصحهم بالمخنق، إن هموا بإنشاء سورة توازيها، وثلاث آيات تدانيها. هيهات قبل
ذلك يشيب الغراب، ويسيب الماء كالسراب.
ودع عنك حديث الصرفة (119)، فما الصرفة إلا صفرة (120) من النظام،
وفهة (121) منه في الإسلام، ولقد ردت على النظام صفرته، كما ردت عليه طفرته،
ولو صح ما قاله لوجب في حكمة الله البالغة، وحجته الدامغة أن ينزله على أرك
نمط وأنزله، وأفسل (122) أسلوب وأسفله، وأعراه من حلل البلاغة وحليها،



(116) البيب: شعر الذنب " لسان العرب - سبب - 1: 459 ".
(117) بكته بالحجة أي غلبه " لسان العرب - بكت - 2: 11 ".
(118) المفصل من القرآن السبع الأخير، وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار، والفواصل آواخر
الآي " مفردات ألفاظ القرآن - فصل - 381 ".
(119) الصرفة: هي مما ذهب إليه النظام المعتزلي في إعجاز القرآن، وهو صرف الدواعي عن المعارضة،
ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم سبحانه لكانوا قادرين على أن يأتوا
بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما. أنظر " الملل والنحل 1: 58 ".
(120) يقال: إنه لفي صفرة، للذي يعتريه الجنون، إذا كان في أيام يزول فيها عقله، لأنهم كانوا يمسحونه
بالزعفران. " الصحاح - صفر - 2: 714 ".
(121) الفهة: السقطة والجهلة. يقال: فه الرجل يفه فهاهة وفهة، فهوفة وفهيه: إذا جاءت منه سقطة
من العي وغيره " النهاية - فهه - 3: 482 ".
(122) الفسل: الردئ من كل شئ. " مجمع البحرين - فسل - 5: 440 ".
237
وأخلاه من بهي جواهر العقول وثريها، ثم يقال لولاة أعلى الكلام طبقة وأمتنه،
ولأرباب آنقه طريقة وأحسنه: هاتوا بما ينحو نحوه، وهلموا بما يحذو حذوه،
فيعترضهم الحجز، ويتبين فيهم العجز، فيقال قد استصرفهم الله عن أهون ما كانوا
فيه ماهرين، وأيسر ما كانوا عليه قادرين، ألم ترهم كيف كانوا يعنقون (123) في
المضمار فوقفوا، وينهبون الحلبة بخطاهم فقطفوا (124)، ولا يقال الله قادر على أن
يأتي بما هو أفصح وأفصح، وأملح لفظا ومعنى وأملح، فهلا أتى بذلك المتناهي في
الفصاحة والمتمادي في الملاحة، فإن الغرض اتضاح الحجة وقد اتضحت،
وافتضاح الشبهة وقد افتضحت، وإذا حصل الغرض فليس وراءه معترض.
وأما إغفال السلف لما نحن بصدده، وإهمالهم الدلالة على سننه، والمشي
على جدده (125)، فلأن القوم كانوا أبناء الآخرة، وإن نشأوا في حجر هذه الغادرة،
ديدنهم قصر الآمال، وأخذ العلوم لتصحيح الأعمال، وكانوا يتوخون الأهم فالأهم
والأولى فالأولى والأزلف فالأزلف من مرضاة المولى، ولأنهم كانوا مشاغيل بجر
أعباء الجهاد، معنين (126) بتقويم صفات أهل العناد، معكوفي الهمم على نشر
الأعلام لنصرة الإسلام، فكان ما بعث به النبي عليه الصلاة والسلام لتعليمه
وتلقينه، وأرسل للتوقيف عليه وتبيينه، أهم عندهم مما كانوا مطبوعين على
معرفته، مجبولين على تبين حاله وصفته، وكان إذ ذاك البيان غضا طريا،
واللسان سليما من اللكنة بريا، وطرق الفصاحة مسلوكة سائرة، ومنازلها مأهولة
عامرة، وقد مهد عذرهم تعويلهم على ما شاع وتواتر، واستفاض وتظاهر، من عجز
العرب وثبات العلم به ورسوخه في الصدور، وبقائه في القلوب على ممر العصور.



(123) يعنقون: أي يسرعون. أنظر " لسان العرب - عنق - 10: 273 ".
(124) القطاف: تقارب الخطو في سرعة، من القطف: وهو القطع. " النهاية - قطف - 4: 84 ".
(125) الجدد: الأرض الصلبة، وفي المثل: " من سلك الجدد أمن العثار ". " الصحاح - جدد -
2: 452 ".
(126) معنين: أي متعبين. أنظر " لسان العرب - عنن - 13: 290 ".
238
وبعد انقراض أولئك العرب، المالئة دلو البلاغة إلى عقد الكرب (127)،
وبقاء رباعها (128) بغير طلل (129) ورسم (130)، وذهابها ذهاب جديس
وطسم (131)، لم يبق من هذا العلم إلا نحو الغراب الأعصم (132)، والنكتة (133)
البيضاء في نقبة الأدهم (134)، وجملة تلك البقية قد اتبعوا سنن الأولين، وكانوا
على عجز العرب معولين، ولم يقولوا كم بين إيمان السحار وبين إيمان النظار، ثم
أدرج هذا العلم تحت طي النسيان، كما يدرج الميت في الأكفان.
ولولا أن الله أوزعني أن أنفض عليه لمتي (135)، وألهمني أن أنهض إليه
بهمتي، حتى أنفقت على النظر فيه شبابي، ووهبت له أمري، وكانت إجالة الفكر
في غوامضه دهري، لم تسمع من أحد فيه همسا، ولم تلق من ينبس منه بكلمة
نبسا، والله أسأل أن يهديني سبل الإصابة، ويثيبني على ذلك أحسن إثابة، فما
نويت بما لقيت فيه من عرق الجبين، إلا التوصل إلى ما فيه من ثلج اليقين، وإلا



(127) مثل سائر مأخوذ من قول الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب حيث يقول:
من يساجلني يساجل ماجدا * يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وهو الحبل الذي يشد في وسط العراقي ثم يثنى، ثم يثلث، ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الحبل
الكبير. يضرب لمن يبالغ فيما يلي من الأمر أنظر " مجمع الأمثال 2: 421 / 4715 ".
(128) الربع: المنزل ودار الإقامة، وربع القوم محلتهم، والرباع جمعه " النهاية - ربع - 2: 189 ".
(129) الطلل: ما شخص من آثار الدار، والجمع أطلال وطلول. " الصحاح - طلل - 5: 1752 ".
(130) الرسم: الأثر، أنظر " مجمع البحرين - رسم - 6: 72 ".
(131) جديس: قبيلة من العرب العاربة البائدة، كانت مساكنهم اليمامة والبحرين، وكان يجاورهم
طسم، وهي قبيلة من العرب العاربة أيضا، تنتسب إلى طسم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، وقد
انقرضت. أنظر " معجم قبائل العرب 1: 172 و 2: 680، ومصادره ".
(132) الغراب الأعصم: الذي في جناحه ريشة بيضاء لأن جناح الطائر بمنزلة اليد له. " الصحاح
- عصم - 5: 1986 ".
(133) النكتة، بالضم: النقطة. " القاموس المحيط - نكت - 1: 159 ".
(134) الدهمة: السواد. يقال: فرس أدهم، وبعير أدهم، وناقه دهماء، إذا اشتدت ورقته حتى ذهب
البياض الذي فيه. " الصحاح - دهم - 5: 1924 ".
(135) اللمة: الهمة، والخطرة تقع في القلب " النهاية - لمم - 4: 273 ".
239
استبانه حجة الله وبرهانه واستيضاح أنوار قرآنه، وأنه يوفقني للخير وطلبه، وأن
ينظمني في زمره أهله ويختم لي به - تمت.
* * *

240
مصادر التحقيق
1 - القرآن الكريم.
2 - أساس البلاغة: تأليف العلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري
(ت 538 ه‍)، تحقيق عبد الرحيم محمود، أوفست مكتب التبليغات الإسلامي، قم.
3 - أسرار الصلاة: للشهيد الثاني، المطبوع ضمن " مجموعة الرسائل " على الحجر سنة
1305 ه‍، أوفست المكتبة المرعشية قم 1404 ه‍.
4 - الإصابة في تمييز الصحابة: لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد
العسقلاني (ت 852)، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى 1328 ه‍.
5 - أعيان الشيعة: للسيد محسن الأمين، تحقيق ولده حسن الأمين، بيروت، دار
التعارف للمطبوعات.
6 - الأمالي: للسيد المرتضى الشريف أبي القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين
(ت 436 ه‍)، تصحيح وتعليق السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الطبعة الأولى
1325 ه‍، أوفست مكتبة السيد المرعشي في قم 1403 ه‍.
7 - إنباه الرواة على أنباه النحاة: تأليف جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف
القفطي (ت 624 ه‍)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى 1406 ه‍، دار الفكر
العربي، القاهرة، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
8 - الأنساب: تأليف أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني
(ت 562 ه‍)، تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الطبعة الثانية 1400 ه‍،
نشر محمد أمين دمج، بيروت.
9 - البداية والنهاية: تأليف الحافظ أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن
كثير البصروي الدمشقي (ت 774 ه‍)، نشر دار الفكر، بيروت، 1402 ه‍.
10 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن
السيوطي (ت 911 ه‍)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى 1384 ه‍.
11 - بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب: تأليف السيد محمود شكري الآلوسي
البغدادي، تصحيح محمد بهجة الأثري، الطبعة الثانية دار الكتب العلمية، بيروت.

241
12 - تاج العروس من جواهر القاموس: تأليف محمد مرتضى الزبيدي، الطبعة
الأولى 1306 ه‍، دار مكتبة الحياة، بيروت.
13 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: تأليف الحافظ شمس الدين محمد
ابن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 747 ه‍)، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، الطبعة
الأولى 1407 ه‍، دار الكتاب العربي، بيروت.
14 - تأريخ بغداد: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي بيروت، نشر
دار الكتاب العربي.
15 - تذكرة الحفاظ: تأليف الحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي
(ت 748 ه‍)، تصحيح عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، نشر دار إحياء التراث العربي.
16 - تهذيب التهذيب: تأليف الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
(ت 582 ه‍) الطبعة الأولى 1404 ه‍، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
17 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: تأليف الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف
المزي (742 ه‍)، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الثانية 1403 ه‍، مؤسسة
الرسالة، بيروت.
18 - الجرح والتعديل: تأليف الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي
(ت 327 ه‍)، الطبعة الأولى، بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن - الهند،
1371 ه‍، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
19 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني
(ت 430 ه‍) الطبعة الرابعة 1405 ه‍، دار الكتاب العربي، بيروت.
20 - حياة الحيوان الكبرى: تأليف الشيخ كمال الدين الدميري، دار الفكر،
بيروت.
21 - الخصال: للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح
وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر جماعة المدرسين - قم.
22 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: تأليف أبي بكر أحمد بن الحسين
البيهقي (ت 458 ه‍)، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة
الأولى 1405 ه‍.
23 - رجال صحيح مسلم: تأليف المحدث أبي بكر أحمد بن علي بن منجويه

242
الأصبهاني (428 ه‍) تحقيق عبد الله الليثي، الطبعة الأولى 1407 ه‍، دار المعرفة بيروت.
24 - روضات الجنات: للعلامة المتتبع الميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري
الأصبهاني، نشر مكتبة اسماعيليان، طهران 1390 ه‍.
25 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: تأليف الشيخ عباس القمي، دار
التعارف بيروت.
26 - السنن الكبرى: تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي
(458 ه‍)، دار المعرفة، بيروت.
27 - سير أعلام النبلاء: تأليف شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
(ت 748 ه‍) الطبعة الثالثة 1405 ه‍، مؤسسة الرسالة، بيروت.
28 - السيرة النبوية: لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد
الحفيظ حلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
29 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد
الحنبلي، بيروت، دار الآفاق الجديدة.
30 - الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت،
دار العلم للملايين.
31 - طبقات المفسرين: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
(ت 911 ه‍)، ضبط لجنة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى
1403 ه‍.
32 - طبقات المفسرين: للحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي
(945 ه‍)، ضبط لجنة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1403 ه‍.
33 - الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: تأليف يحيى بن حمزة
ابن علي بن إبراهيم العلوي اليمني، دار الكتب العلمية، بيروت 1402 ه‍.
34 - العبر في خبر من غبر: للحافظ الذهبي (ت 748 ه‍) تحقيق أبو هاجر محمد
السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الأولى 1405 ه‍ دار الكتب العلمية بيروت.
35 - الفائق في غريب الحديث: تأليف العلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري
(ت 538 ه‍)، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار

243
المعرفة، بيروت.
36 - القاموس المحيط: تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار الفكر،
بيروت 1403 ه‍.
37 - الكامل في التأريخ: تأليف الشيخ أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد
الشيباني المعروف بابن الأثير، دار صادر، بيروت 1402 ه‍.
38 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: تأليف
العلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه‍)، دار المعرفة، بيروت.
39 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: تأليف علاء الدين علي المتقي بن حسام
الهندي البرهان فوري (ت 975)، ضبط وتصحيح الشيخ بكري حياتي والشيخ صفوه السقا،
الطبعة الخامسة 1405 ه‍، مؤسسة الرسالة بيروت.
40 - الكنى والألقاب: تأليف الشيخ عباس القمي، مطبعة العرفان صيدا 1358.
41 - لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين أحمد بن مكرم بن منظور الإفريقي
المصري، قم، نشر أدب الحوزة.
42 - لسان الميزان: تأليف الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني (ت 852 ه‍)، الطبعة الثانية 1390 ه‍، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت، أوفست على الطبعة الأولى المطبوعة في حيدر آباد سنة 1329 ه‍.
43 - مجمع الأمثال: تأليف أبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري
الميداني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثالثة 1393 ه‍، دار الفكر، بيروت.
44 - مجمع البحرين: للشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة
الثانية، طهران.
45 - المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: تأليف المحدث الكبير محمد بن المرتضى
المدعو بالمولى محسن الكاشاني (ت 1091 ه‍)، تصحيح على أكبر الغفاري، الطبعة الثانية،
مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
46 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: تأليف أبي
محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي (ت 768 ه‍) الطبعة الثانية،
1390 ه‍، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، أوفست على الطبعة الأولى المطبوعة في
حيدر آباد 1337 ه‍.

244
47 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: تأليف صفي الدين عبد المؤمن بن
عبد الحق البغدادي (ت 739 ه‍) تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى 1373 ه‍، دار
المعرفة بيروت.
48 - المستدرك على الصحيحين في الحديث: تأليف الحافظ أبي عبد الله محمد بن
عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري (ت 405 ه‍)، دار الفكر بيروت 1398 ه‍.
49 - المستفاد من ذيل تأريخ بغداد: للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود
المعروف بابن النجار البغدادي (ت 643 ه‍) انتقاء كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسيني
المعروف بابن الدمياطي (749)، تحقيق الدكتور قيصر أبو فرح، نشر دار الكتب العلمية،
بيروت.
50 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: تأليف العلامة أحمد بن محمد بن علي
المقري الفيومي (ت 770 ه‍) أوفست دار الهجرة في إيران 1405 ه‍.
51 - معجم الأدباء: تأليف أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي
(ت 626 ه‍) الطبعة الثالثة 1400 ه‍، دار الفكر، بيروت.
52 - معجم البلدان: تأليف شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي،
دار صادر، بيروت 1399 ه‍.
53 - معجم رجال الحديث: لآية الله العظمى السيد الخوئي (دام ظله)، الطبعة
الثالثة، بيروت 1403 ه‍.
54 - معجم قبائل العرب القديمة والحديثة: تأليف عمر رضا كحالة، الطبعة الثالثة
1402 ه‍، مؤسسة الرسالة، بيروت.
55 - المفردات في غريب القرآن: تأليف أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف
بالراغب الأصفهاني (ت 502 ه‍) تحقيق محمد سيد كيلاني، الطبعة الثانية، المكتبة
المرتضوية.
56 - الملل والنحل: تأليف أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تخريج محمد
فتح الله بدران، الطبعة الثانية، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة.
57 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان
الذهبي (ت 748 ه‍)، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
58 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري

245
(ابن الأثير)، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي، نشر المكتبة الإسلامية.
59 - هدية العارفين: تأليف إسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر 1402 ه‍.
60 - الوفا بأحوال المصطفى: تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 ه‍)
تحقيق مصطفى عبد الواحد، الطبعة الأولى 1386 ه‍، دار الكتب الحديثة.
61 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: تأليف أبي العباس شمس الدين أحمد بن
محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت 681 ه‍)، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر
بيروت (1398 ه‍).
* * *

246
من أنباء التراث
كتب ترى النور لأول مرة
* ديوان أبي المجد
نظم: الفقيه الأديب الشيخ أبي المجد
محمد رضا بن محمد حسين النجفي الأصفهاني
(1287 - 1362 ه‍).
تحقيق: السيد أحمد الحسيني.
صدر في قم مؤخرا.
* التحرير الطاووسي
تأليف: الشيخ حسن بن الشهيد الثاني
زين الدين بن علي الجبعي العاملي
- صاحب " معالم الأصول " -، المتوفى سنة
1011 ه‍.
وهو كتاب رجالي مبوب على الحروف
مقتبس من كتاب " حل الإشكال في
معرفة الرجال " للسيد أحمد بن طاووس
- المتوفى سنة 673 ه‍ - مع إضافة بيانات
وتعليقات عليه من قبل المؤلف
- قدس سره -.
تحقيق: السيد محمد حسن ترحيني.
نشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت.
كما يقوم بتحقيقه: فاضل الجواهري
معتمدا في عمله على ثلاث نسخ مخطوطة،
هي:
1 - نسخة كتبت سنة 1010 ه‍، في
مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، تحت
رقم 1457 ضمن مجموعة.
2 - نسخة كتبت سنة 1060 ه‍، في
مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم، تحت
رقم 3112 ضمن مجموعة.
3 - نسخة كتبت في أواخر القرن الثاني
عشر الهجري، في مكتبة مشكاة التابعة

247
للمكتبة المركزية لجامعة طهران، تحت رقم
588.
وسوف يصدر الكتاب من منشورات
مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم.
* كنز الدقائق وبحر الغرائب، ج 1
تأليف: الشيخ محمد بن محمد رضا بن
إسماعيل المشهدي القمي، المتوفى حدود
سنة 1125 ه‍.
تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي.
صدر الجزء الأول منه إلى نهاية تفسير
سورة البقرة، وراجع عن مخطوطات
الكتاب: " تراثنا " العدد الرابع، السنة
الأولى، ربيع 1406 ه‍.
نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم.
* حسن المقصد في عمل المولد
تأليف: جلال الدين السيوطي
(849 - 911 ه‍).
كتب السيوطي هذه الرسالة في تحسين
عمل المولد النبوي الشريف ردا على من
أفتى بتحريمه وابتداعه كالشيخ عمر بن علي
الفاكهاني، مستشهدا في ذلك بالأحاديث
النبوية الشريفة والحجج العلمية
والأحداث التاريخية.
تحقيق: محمد سعيد الطريحي.
نشر: مؤسسة البلاغ - بيروت، الطبعة
الأولى سنة 1407 ه‍.
* التعليقة على أصول الكافي
تأليف: المعلم الثالث، السيد محمد
باقر، المشتهر بالداماد (1041 ه‍).
تحقيق: السيد مهدي الرجائي.
نشر: مكتبة السيد الداماد - أصفهان.
كتب صدرت محققة
* ديوان الإمام علي - عليه السلام -
تحقيق: محمد عبد المنعم الخفاجي.
نشر: دار ابن زيدون في بيروت،
ومكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة.
وكان عبد العزيز سيد الأهل قد جمع
وشرح شعره - عليه السلام - وصدر كتابه
باسم " من الشعر المنسوب إلى الإمام
الوصي علي بن أبي طالب - عليه السلام - "
من منشورات دار بيروت للطباعة والنشر.
كما يقوم الشيخ محمد باقر المحمودي
بجمع شعره عليه السلام وتحقيقه.
* إيضاح ترددات الشرائع
تأليف: نجم الدين جعفر بن الزهدري
الحلي، من أعلام القرن الثامن الهجري
وتلميذ العلامة الحلي.

248
تحقيق: السيد مهدي الرجائي.
نشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة
في قم.
وقد قوبل الكتاب على نسختين من
القرن الثامن الهجري أيضا، وصدر جزءاه
في مجلد واحد.
* الوسيلة إلى نيل الفضيلة
تأليف: عماد الدين محمد بن علي بن
حمزة الطوسي المشهدي، من أعلام القرن
السادس الهجري.
تحقيق: الشيخ محمد الحسون.
نشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة في
قم.
ولمزيد الاطلاع على مخطوطاته راجع
" تراثنا " العدد الرابع، السنة الأولى،
ربيع 1406، ص 227.
* الأربعون حديثا
تأليف: الشيخ محمد بن مكي العاملي،
المشتهر بالشهيد الأول (734 - 786 ه‍).
تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي
عليه السلام -، في قم.
* شرح أصول الكافي، ج 1
تأليف: صدر الدين محمد بن إبراهيم
الشيرازي، المشتهر بالملا صدرا، المتوفى
سنة 903 ه‍.
تصحيح: محمد الخواجوي.
نشر: مؤسسة المطالعات والبحوث
الثقافية - طهران.
صدر منه ما يخص كتاب " العقل
والجهل " من أصول الكافي لشقة الإسلام
الكليني، وكان الكتاب فيما سبق مطبوعا
على الحجر في إيران.
* خطبتان
الخالية من الألف والخالية من النقطة،
للإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
تحقيق: علي محمد علي دخيل.
نشر: المعرض الدائم للكتاب - طهران.
صدر في 48 صفحة من القطع الجيبي.
* درر السمط في خبر السبط
تأليف: أبي عبد الله محمد بن أبي بكر
القضاعي، الشهير بابن الأبار
(595 - 658 ه‍).
تحقيق: الدكتور عز الدين موسى.
نشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت
1407 ه‍.
كتاب في مقتل الإمام الحسين
عليه السلام، على طراز إنشاء المقامات،
وكان قد طبع في تطوان سنة 1972 م
بتحقيق الدكتور عبد السلام الهراس وسعيد

249
أحمد أعراب.
* النوادر
تأليف: الشيخ الجليل أحمد بن محمد
ابن عيسى الأشعري القمي، من أعلام
المحدثين في القرن الثالث الهجري.
تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي
- عليه السلام -، في قم.
أصل روائي ثمين، كان قد طبع قديما
على الحجر منضما إلى كتاب فقه الإمام
الرضا عليه السلام، ثم حقق مؤخرا وصدر
ضمن منشورات المدرسة المذكورة.
طبعات جديدة لمطبوعات سابقة
* أنصار الحسين - عليه السلام -
تأليف: الشيخ محمد مهدي
شمس الدين.
والكتاب دراسة عن أصحاب الإمام
الحسين - عليه السلام - الذين استشهدوا معه
في واقعة الطف.
أعاد طبعه بالأوفسيت قسم الدراسات
الإسلامية في مؤسسة البعثة - طهران.
* كتاب الطهارة
تأليف: الشيخ الأعظم مرتضى
الأنصاري (1281 ه‍).
طبع الكتاب في سنة 1298 ه‍ على
الحجر، ثم أعادت طبعه مؤخرا بالأوفسيت
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء
التراث، في قم.
* الشيعة والحاكمون
تأليف: الشيخ محمد جواد مغنية،
المتوفى سنة 1400 ه‍.
أعادت مكتبتا الشريف الرضي
والزاهدي في قم طبعه بالأوفسيت على
الطبعة البيروتية، والكتاب عرض لما مر به
الشيعة في ظل الحكومات المختلفة عبر
العصور.
* جامع الأخبار
تأليف: تاج الدين محمد بن محمد
الشعيري، من أعلام القرن السادس
الهجري.
أعادت مؤسسة الأعلمي في بيروت
طبعه مؤخرا.
* القضاء
تأليف: الشيخ ميرزا محمد حسن
الآشتياني، المتوفى سنة 1319 ه‍.
طبع الكتاب فيما سبق، ثم أعادت دار
الهجرة في قم طبعه ثانية مع تصحيح
الأغلاط المطبعية.

250
* شعراء الغري
تأليف: علي الخاقاني.
أعادت مكتبة آية الله المرعشي العامة في
قم طبعه بالأوفسيت على طبعة النجف
الأشرف، وقد صدر في 12 مجلدا.
* مناقب أمير المؤمنين - عليه السلام -
تأليف: ابن المغازلي، أبي الحسن علي
ابن محمد بن الطيب ابن الجلابي
الواسطي، المتوفى سنة 483 ه‍.
أعادت دار الأضواء في بيروت طبعه
بالأوفسيت سنة 1406 ه‍ على طبعة
طهران.
* الحدائق الناضرة في أحكام العترة
الطاهرة
تأليف: المحدث الشيخ يوسف
البحراني، المتوفى سنة 1186 ه‍.
كان قد طبع على الحجر غير مرة، ثم
طبعته دار الكتب الإسلامية في النجف
الأشرف بتحقيق الشيخ محمد تقي الإيرواني
وصدر في 15 جزءا فأعادت مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في
الحوزة العلمية في قم طبعه بالأوفسيت، كما
تبنت المؤسسة المذكورة تتميم طبع الكتاب
وإخراج بقية أجزائه فأصدرت من ذلك
الأجزاء 21 و 22 و 23 ولا تزال مشغولة
بإخراج الأجزاء الأخرى.
* تبصرة المتعلمين في أحكام الدين
تأليف: العلامة الحلي، جمال الدين
الحسن بن يوسف بن المطهر، المتوفى سنة
726 ه‍.
تحقيق: السيد أحمد الحسيني والشيخ
هادي اليوسفي.
أعادت طبعه للمرة الثالثة مؤسسة
الأعلمي في بيروت.
* معالي السبطين في أحوال السيدين
الإمامين الحسن والحسين - عليهما السلام -
تأليف: الشيخ محمد مهدي الحائري،
من أعلام القرن الرابع عشر الهجري.
طبع الكتاب في النجف الأشرف عدة
مرات، ثم أعادت منشورات الرضي في قم
طبعه بالأوفسيت مؤخرا على طبعة المكتبة
الحيدرية في النجف الأشرف سنة
1374 ه‍.
* الكلام المفيد للمدرس والمستفيد
في شرح الصمدية.
تأليف: الشيخ محمد علي المدرس،
المتوفى سنة 1407 ه‍.
نشر: دار الهجرة - قم، الطبعة الثانية.

251
صدر حديثا
* فهرس مخطوطات مكتبة آية الله
المرعشي العامة، ج 14.
إعداد: السيد أحمد الحسيني.
نشر: مكتبة آية الله المرعشي
العامة - قم.
* الأعلام في كتاب معجم البلدان
تأليف: عبد الحسين الشبستري.
نشر: دار إحياء التراث العربي -
بيروت.
يضم الكتاب ترجمة حياة الأعلام
المذكورين في " معجم البلدان " لياقوت
الحموي - المتوفى سنة 626 ه‍، وعددهم
3398 علما مرتبين على حروف المعجم مع
ذكر مصادر ترجمتهم.
* شرح الأربعين النبوية
تأليف: السيد محمد حسين الجلالي.
نشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت.
جمع وشرح لأربعين حديثا نبويا
انتقاها المؤلف.
* مبعوث الحسين - عليه السلام -
دراسة تحليلية لأول مراحل ثورة الإمام
الحسين - عليه السلام - في الكوفة بقيادة
مسلم بن عقيل - عليه السلام -.
تأليف: محمد علي عابدين.
نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم.
* أهل البيت
تأليف: محمود علي الشرقاوي.
نشر: المكتبة العصرية - بيروت.
* نظام الحكم في الإسلام
أو النبوة والإمامة عند نصير الدين
الطوسي (672 ه‍).
تأليف: الدكتور علي مقلد.
نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
* الرسالة الصلاتية الصغرى
تأليف: الشيخ يوسف بن أحمد آل
عصفور البحراني.
نشر: مكتبة الشيخاني - قم.
كتب تحت الطبع
* فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين
رب الأرباب
تأليف: السيد رضي الدين علي بن
موسى بن جعفر بن طاووس

252
(589 - 664 ه‍).
تحقيق: حامد الخفاف.
والكتاب سفر ثمين، نادر في موضوعه،
يبحث موضوع الاستخارفة.. أنواعها،
كيفيتها.. في أربعة وعشرين بابا تشتمل
على فصول.
اعتمده جمع من أصحاب الموسوعات
الروائية، كشيخ الإسلام المجلسي في
" بحار الأنوار " والحر العاملي في " وسائل
الشيعة "، وخاتمة المحدثين الشيخ النوري
في " مستدرك الوسائل ".
وقد اعتمد المحقق في عمله على ثلاث
نسخ مخطوطة، هي:
1 - نسخة مكتبة آية الله المرعشي
العامة، في قم، ضمن المجموعة المرقة
2255.
2 - نسخة مكتبة الإمام الرضا
- عليه السلام -، في مشهد، تحت رقم
1757، صححها الشيخ محمد الحر - جد
صاحب " وسائل الشيعة " - سنة 945 ه‍.
3 - نسخة المكتبة المركزية لجامعة
طهران، تحت رقم 2319، بخط علم الهدى
- ابن الفيض الكاشاني -.
هذا، وسيصدر الكتاب من منشورات
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء
التراث، في قم، ضمن سلسلة مصادر
بحار الأنوار.
* الرعاية شرح البداية في علم الدراية
تأليف: الشهيد الثاني، الشيخ زين
الدين بن علي العاملي (911 - 965 ه‍).
تحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال.
وسيصدر ضمن منشورات مكتبة آية الله
المرعشي العامة - قم.
* الجزيرة الخضراء وقضية مثلث برمودا
تأليف: الشيخ ناجي النجار.
هو بحث تحقيقي موسع حول قصة
الجزيرة الخضراء وارتباطها بحياة الإمام
المهدي - عليه السلام - مع ربطه بدراسة
علمية مفصلة لظاهرة مثلث برمودا والأشياء
الطائرة، وهي المحاولة الأولى في هذا المجال
لمعالجة غرابة هذه الظاهرة على ضوء ما
وجده المؤلف من تشابه بينها وبين قصة
الجزيرة.
هذا، وكان البحث قد ترجم
بتلخيص إلى اللغة الفارسية وطبعت الترجمة
عدة مرات، وكان الكتاب قد طبع لأول
مرة في بغداد سنة 1399 ه‍.
* رسائل الفارابي المنطقية
تحقيق: الأستاذ محمد تقي دانش بژوه.
سيصدر في ثلاثة مجلدات من منشورات
مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم.

253
كتب قيد التحقيق
* الأربعين عن الأربعين في فضائل
أمير المؤمنين (عليه السلام)
تأليف: الشيخ المفيد أبي سعيد محمد
ابن أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري،
من أعلام المحدثين في القرن الخامس
الهجري.
يقوم بتحقيقه الشيخ محمد باقر
المحمودي، وكانت مدرسة الإمام المهدي
- عليه السلام - في قم قد أعلنت عن تحقيقه
قبل مدة.
* اللهوف على قتلى الطفوف
تأليف: السيد رضي الدين علي بن
موسى بن جعفر بن طاووس، المتوفى سنة
664 ه‍.
يقوم بتحقيقه: غالب حسن الشابندر.
وسيصدر ضمن منشورات مركز
الدراسات والبحوث العلمية - بيروت.
* شرح جمل العلم والعمل
تأليف: الشريف المرتضى علم الهدى
أبي الحسن محمد بن الحسين، المتوفى سنة
406 ه‍.
ألفه لتلميذه شيخ الطائفة أبي جعفر
محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة
460 ه‍.
يقوم بتحقيقه: الشيخ يعقوب الجعفري
المراغي.
* النص الجلي في إمامة أمير المؤمنين علي
- عليه السلام -
تأليف: السيد هاشم البحراني، المتوفى
سنة 9 - 1107 ه‍.
يقوم بتحقيقه: السيد محمد منير الحسيني
الميلاني.
* مقتل الحسن - عليه السلام -
مقتل الحسين - عليه السلام -
وهما مستلان من كتاب " مقاتل
الطالبيين " من تأليف أبي الفرج
علي بن الحسين الأصفهاني - صاحب كتاب
" الأغاني " -، (284 - 356 ه‍).
يقوم بتحقيقهما: السيد مصطفى مرتضى
القزويني.
وسيصدر ضمن منشورات مركز
الدراسات والبحوث العلمية - بيروت.
* * *

254
/ 1