نظرة عابرة إلى الصحاح الستة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظرة عابرة إلى الصحاح الستة - نسخه متنی

عبدالصمد شاکر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: نظرة عابرة إلى الصحاح الستة
المؤلف: عبد الصمد شاكر
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
نظرة عابرة
إلى الصحاح الستة

1
تأليف
عبد الصمد شاكر

2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، مدبر المخلوقين، مرشد المكلفين،
هادي المتقين، والصلاة والسلام على البشير النذير
والسراج المنير محمد خاتم النبيين وآله
وصحبه الصالحين.
وبعد، الشريعة الإسلامية تقوم على ركنين أصليين لا يمكن الاكتفاء بأحدهما دون
الآخر، وهما: كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1).
لا خلاف في كتاب الله تعالى، فإنه وصل إلى المسلمين بالتواتر، بل فوقه وبالضرورة،
بل لا إشكال في حفظه من الزيادة والنقيصة، وما ورد في بعض روايات أهل المذاهب من
نقص بعض الآيات لم يعتن بها العلماء



(1) سورة الحشر 59: 7.
5
- سوى الشاذ منهم - وأولوها، فكأن تلك الروايات عندهم مطروحة مردودة تحكيما
لقوله تعالى: (وإنا له لحافظون) (1).
نعم، وقع للعلماء اختلاف في فهم المراد من جملة من الآيات الكريمة منه، وهذا
الاختلاف أمر عادي ومغفور لهم شرعا ما لم يستند إلى عناد وتقليد أعمى، بل للمخطئ
أجر، وإن كان للمصيب أجران على ما نطق به الحديث النبوي.
وأما السنة، فبعضها ثبت بالتواتر وواضح الدلالة، فهذا مما لا خلاف في لزوم قبوله
بين المسلمين. وأكثرها ثبت بطريق الآحاد وبغير التواتر، فاختلف فيه المسلمون من
جهتين:
1 - من جهة الثبوت والسند، فيرى فرد أو أهل مذهب صحة الرواية عن النبي الأكرم صلى
الله عليه وسلم فيعتمدوا عليها، ويرى الآخرون ضعفها - لجهالة الراوي أو ثبوت كذبه،
أو معارضتها بغيرها أو بأقوى منها - فيهملوها أو يردوها أو يرجحوا غيرها عليها.
وهذا الاختلاف - كما ترى - صغروي وفي تشخيص السنة وتعيينها، وأما الكبرى وهي
قبول قول النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، فمما تسالم عليه المسلمون بجميع
مذاهبهم بلا شائبة تردد.
2 - من جهة تعيين المراد والاستظهار من متون الأحاديث في غير النصوص منها.
والمؤلف الفقير قضى برهة من وقته في مطالعة كتب الأحاديث



(1) سورة الحجر 15: 9. وأما ما ترى في كتب المجادلين من نسبة النقيصة إلى الشيعة
أو إلى أهل السنة، فهو من هوى النفس والغرور والجهل أو أثر العناد والريال والدولار
واغواء الاستعمار سود الله وجوههم.
6
الواردة من طرق أهل السنة والشيعة وتحقيقها والتعمق فيها، وفي مذاهب العلماء في
ما اشترطوا في قبول الأحاديث وعدمه، وفي ما يخص هذه الكتب عند أهلها بحسب الواقع
من غير نزعة وعصبية، فأراد أن يبين للمحققين والمنصفين من أهل السنة والشيعة
نتائج بحثه وثمرات فحصه، غير مبال بغيظ المتعصبين والمقلدين من المنتحلين إلى أهل
العلم، فإن الحق أحق أن يتبع، والله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم.
واعلم أني ألفت كتابين، أحدهما: في الروايات الواردة من طرق الشيعة، وثانيهما: في
الروايات الواردة من طرق أهل السنة، وهو هذا الكتاب الماثل بين يديك أيها القارئ
الكريم، وهو أقل من الكتاب الأول، أسأل الله تبارك وتعالى التوفيق لإتمامه وإصابة
الحق ثم التوفيق لطبعه وجعله مفيدا لطلاب الحق ورواد العلم.
وينبغي ذكر أمور قبل الشروع في مقاصد الكتاب:
(الأمر الأول): إياك وسوء الظن بالعلماء، فإن الله تعالى أمر الناس باجتناب
الكثير من الظن وهو ظن السوء بالمؤمنين كلهم، فكيف بقادتهم وعلمائهم وأهل فضلهم
الذين أكرمهم الله تعالى في كتابه بقوله: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون) (1).
وإياك وسرعة الاسترسال على كل الرواة وأهل العلم والمؤلفين، والاعتماد المطلق
في كل ما يقولون وينقلون في دينك، فإن سرعة الاسترسال لا تستقال، والتقليد الأعمى
وترك التحقيق وإهمال البحث والنظر ونسيان حكم العقل بمجرد اتباع الآباء وصلاح السلف
مما لا يقبله ديننا



(1) الزمر 39: 9.
7
وكتابنا السماوي، والسلف لا عصمة لهم، فمنهم متعمق مصيب، ومنهم معتد مريب، ومنهم
معتدل غير رقيب وحسيب: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك
الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) (1) فكن ممن هداه الله، ومن أولي
الألباب، ولا تكن من الذين قالوا: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مقتدون) (2) فتكون على آثارهم بغير حجة وبرهان مقتديا، فتدخل في قوله تعالى: (ويجعل
الرجس على الذين لا يعقلون) (3).
(الأمر الثاني): للعصبية عوامل تنتهي كلها إلى الجهل، وأقبح منها إثارة التعصب
بين المسلمين وإلقاء العداوة والبغضاء والتنازع - بل التقاتل - بأيد مأجورة بدعم من
جهات كما تعارف اليوم، وهو من أظهر مصاديق الإفساد في الأرض وتخريب الدين.
فإياك والاقتراب من هؤلاء الكتاب الأجراء الأشقياء، وإياك والتعصب، بأن ترى
الحق كله في مذهبك والباطل كله في سائر المذاهب، وإذا وفقك الله أن تحتمل بعض
الحق في سائر المذاهب الإسلامية وبعض الباطل في مذهبك فقد نلت الخير، وأني بعد
مطالعة كتب الشيعة اقتنعت واعتقدت أمورا:
أولها: بطلان كثير من المقولات الواردة في كتب أهل السنة في حقهم، وأنها كذب
وافتراء نعوذ بالله منه.
ثانيها: إمكان التعايش السلمي والإخاء الإسلامي بين الشيعة وأهل



(1) الزمر 39: 17، 18.
(2) الزخرف 43: 23.
(3) يونس 10: 100.
8
السنة من دون إلغاء شئ من أصولنا الاعتقادية كما يصر عليه جماعة من المحققين من
الطرفين، خلافا لجمع من أغبياء منهما، هذا إذا أغلقنا الطريق أمام وسوسة المتعصبين
وإفساد المأجورين، وسلكنا سبيل العقل والدين.
ثالثها: وجود مشتركات كثيرة في فروع العقائد وأصول الفرعيات الفقهية والأخلاق
والتاريخ وغير ذلك ومن اهتم بتدوين هذه المشتركات في مؤلف كبير فقد خدم الإسلام
والمسلمين أحسن خدمة.
رابعها: إن الشيعة ربما يعملون ببعض روايات أهل السنة في المسائل الفرعية - إذا
لم يوجد عندهم نص عليها - كحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وحديث: إذا
أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وغير ذلك، يظهر ذلك للمراجع في كتبهم الفقهية
الاستدلالية بكثرة.
بل استقر رأيهم في الأزمنة الأخيرة في علم الرجال على قبول روايات أهل السنة
وغير الشيعة من الفرق الإسلامية، وقد ثبتت وثاقتهم لديهم، وهذا هو رأي الشيخ محمد
بن الحسن الطوسي صاحب المؤلفات الكثيرة في الكلام والتفسير والحديث والرجال والفقه،
ويسمونه بشيخ الطائفة، وهو أعظم عندهم من الإمام أبي حنيفة عند الأحناف، فترى
المحققين منهم لا يعملون برواية رجالها كلهم من الشيعة بدعوى ضعف بعضهم أو جهالة
وثاقته، ولكن يعملون برواية فيها بعض رجال أهل السنة بدعوى ثبوت وثاقته عندهم، وهذا
من كمال إنصافهم وانقيادهم للحق وبعدهم عن العناد والعصبية.
يقول الطوسي المشار إليه: وأما إذا كان (الراوي) مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب
وروى مع ذلك عن الأئمة... وإن لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ولا يخالفه...
وجب العمل به... ولأجل ما قلنا عملت

9
الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم عن
أئمتنا (1).
والسكوني - أي إسماعيل بن مسلم أبي زياد الشعيري - هذا قد روى في الأصول
والفروع، وكتبهم مملوءة من رواياته، وهو من أهل السنة.
ويقول العسقلاني (المتوفى 862 ه‍): ثم إن بعضهم قسم البدعة قسمين: بدعة كبرى،
وبدعة صغرى، فالبدعة الصغرى: كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير
في التابعين وأتباعهم، مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من
الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
والبدعة الكبرى: كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر (رض) والدعاء
إلى ذلك، فهؤلاء لا يقبل حديثهم ولا كرامة. وأيضا فلا استحضر الآن في هذا الضرب
رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم...
أقول: هذه الجملة الأخيرة رجم بالغيب منشؤها العصبية لا غير.
وقال العسقلاني بعد جملات: وبالجملة، اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة
أقوال: أحدها: المنع مطلقا، والثاني: الترخيص مطلقا إلا فيمن يكذب ويضع،
والثالث: التفصيل، فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يحدث وترد رواية
الرافضي الداعية ولو كان صدوقا. ونسب هذا التفصيل إلى أكثر أهل الحديث (2). انتهى.
أقول: من أبعد نفسه عن المكابرة ولسانه عن قول الزور يعلم صحة



(1) أنظر العدة 1: 379 - 387.
(2) لسان الميزان 1: 9 - 10.
10
القول الثاني كما هو نظر رجاليي الشيعة وفقهائهم إلا ما شذ، فلا بد للطائفتين من
الإذعان بأن المعتبر في الراوي هو صدقه سواء كان سنيا أو شيعيا. وهذا هو الخط
الوسط الموصل للحق، وبه تقترب الطائفتان المسلمتان، وكلمة الله هي العليا.
خامسها: إنه لا يوجد عند الشيعة كتاب يحكم بصحة جميع رواياته، فأعظم كتبهم
وأشهرها هو الكافي والفقيه - أي من لا يحضره الفقيه - والتهذيب والاستبصار، وجماهير
علمائهم من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين والمفسرين وسائر أصنافهم لا يعتمدون
على جميع أحاديث هذه الكتب، بل ينظرون أولا إلى إسنادها ومنها يحكمون بصحتها أو
ضعفها (1)، وأحسن من هذا أنهم لا يعتمدون على تصحيحات صدرت من بعضهم، فإذا قال فقيه
إن الرواية الفلانية صحيحة لا يحكم غيره بصحتها إذا لم يقف على وثاقة رواتها،
فالتوثيق أمر، والتصحيح أمر آخر، ويقولون إن الثاني أمر اجتهادي لا يجوز قبوله
لمجتهد آخر، وأما التوثيقات الرجالية فيقبلونها من باب قبول خبر الثقة في الحسيات،
كما جرت عليه بناء العقلاء في معايشهم.
وهذه الحرية والابتعاد عن الجمود لا توجد عند أهل السنة بالنسبة إلى الصحاح
الستة، بل أصبح الغلو في صحة رواياتها من علامة الإخلاص والإيمان!!!
ونحن مع تقديرنا لجامعي الصحاح والإقرار بفضلهم لا نجوز تقليدهم لغيرهم بوجه
مطلق، فإن ذلك تحقير للعقل والضمير وإبطال



(1) وذهب جمع من الأخباريين منهم إلى صحة روايات هذه الكتب وبالخصوص الكافي منها،
ولكن المحققين منهم أبطلوا تلفيقاتهم بأتقن أدلة.
11
لإنصاف العلم ولا نرضى به كما لا يرضي الله سبحانه وتعالى به. وهكذا لا نجوز تقليد
الفقهاء وأرباب المذاهب بوجه مطلق، حتى وإن خالفوا لم يخالفوا النصوص المعتبرة
الواردة من النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإنه صد عن سبيل الله وضلال وإضلال.
وهل يقدر أحد أن يدعي أن الإمام الأعظم أبا حنيفة رحمه الله، قال بوجوب العمل
بفتواه، وإن كان مخالفا للحديث النبوي إذا ثبت اعتباره؟ وهل أفتى بوجوب تنفيذ
أقواله على جميع المسلمين من الشيعة الإمامية وغيرهم من أتباع الشافعي ومالك وأحمد
(رض) حتى نمنعهم نحن عن العمل بمذاهبهم، سبحانك هذا بهتان عظيم وحسبان لئيم، وسبيل
عقيم. والحق أوسع من مذهب واحد واجتهاد متفرد، بل الانحصار على الأربعة عمل
المقلدين، ولا أصل له عند العلماء المحققين.
سادسها: إن تدوين الحديث نشأ عندهم من زمان علي رضي الله عنه، وزمان الحديث يدوم
من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاة الإمام الحسن العسكري في سنة 260 ه‍،
وأما عند أهل السنة فابتدأ التدوين من القرن الثالث على ما يأتي بيانه، ولهذا
التفاوت آثاره.
الغرض من التأليف
(الأمر الثالث): إنما صرفت برهة من عمري في البحث عن أحاديث الرسول صلى الله عليه
وسلم في كتب أهل السنة وكتب الشيعة لأمرين:
الأول: للوصول إلى السنة المقدسة النبوية، فإنها عماد الشريعة وأحد ركني
الإسلام القويين، وتمييز صحيحها وسليمها من ضعيفها ومجعولها مما زيد عليها أو نقص
منها عمدا أو سهوا: (والذين جاهدوا فينا

12
لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (1).
الثاني -: التقريب بين الشيعة وأهل السنة بتعريف الحق وتعيين الباطل والايصاء بطرد
الغلو في حق الأكابر وترك توهين سائر أرباب المذاهب، وأنا أعتقد اعتقادا جازما
بأنه مهما ألغيت الأباطيل والمفتعلات من عقائد الطرفين وحذفت أحاديثهما المجعولة
المنقولة في كتبهما قصرت المسافة بينهما جدا. (2)
وأما إذا بنينا نحن على إهانة أهل البيت لا سيما علي وزوجته والحسن والحسين أو
إنكار فضائلهم، وعلى إكبار كل صحابي وإن كان من المتخلفين والأعراب الذين لم يدخل
الإيمان في قلوبهم رغما للعقل والحق، وبنى الشيعة على تثبيت غلو جهالهم وغلاتهم
وإهانة جميع الصحابة ولم يراعوا حتى حق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،
فلا شك في فشل كل محاولة رامت للتقريب بينهم حتى وإن شلت - ولن تشل أبدا - يد
الاستعمار وضعف - وأنى يضعف - سحر الريال والدولار وغيرهما من النقود التي تسلم
إلى الأجراء بالملايين.
فيا أيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم،
ويسلط عليكم اليهود والنصارى فضلا عن كفار الغرب الرأسماليين الحاقدين عليكم
وعلى دينكم الطامعين في ثرواتكم، فاطردوا



(1) العنكبوت 29: 69.
(2) نعم لا يمكن التقريب بين المسلمين - الشيعة والسنة - بالتسامح والتجامل، وتبادل
كلمات أدبية أخلاقية، وكتمان حقائق مرة، وعدم حذف الأباطيل، وعدم تشهير الكاذبين
والمفرقين وتجار الدين، والغض عن الخرافات المنتحلة إلى المذاهب، وعدم قطع جذور
مباني المقلدة الظاهرين بصورة العلماء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
13
- من بينكم الوهابية الأميركية الفاسدة، والقاديانية الملعونة، والبهائية الخبيثة،
وسائر المذاهب الباطلة المخترعة، ولا تباعدوا بعضكم عن بعض باسم الشيعة والسنة،
باسم الحنفية والزيدية والمالكية والشافعية والحنبلية والجعفرية، فكونوا إخوة بررة
متحابين في الله ومتمسكين بدينه الخالد الإسلام وكتابه المعجز القرآن المجيد
ورسوله الخاتم الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، ولا تسابوا، ولا
تباغضوا، ولا تكفروا بعضكم بعضا، فيفرح به أعداؤكم، وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
تمهيد الكتاب
(الأمر الرابع): كنت في أوائل عهدي بمطالعة كتب الحديث أعتقد أو أميل إلى صحة كل
ما أقرأ فيها وأنه صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرواة - ولا سيما
المذكورين في الصحاح الخمسة أو الستة - صادقون، وأنه لم يقع في سبيل نقل أحاديث
الرسول صلى الله عليه وسلم ما يوجب تشويش البال وتشتت الخاطر ولا وجه للتردد فضلا
عن الإنكار والرد، ولكن بعد أن تكررت مطالعتي وتعمق تتبعي وكثرت مراودتي وصرت
من أهل الدار وقفت على حقيقة الحال، فاضطررت إلى ترك الجمود وأقوال الرجال إذ وجدت
خللا وضعفا في متون الأحاديث وحال الرواة، فاقتنعت بأن جميع ما دون في كتب
الأحاديث المؤلفة من قبل محدثي أهل السنة والشيعة غير معتبر، كما أن جميعها غير
باطل، فمنها الصحيح، ومنها الضعيف، ومنها الموضوع، ومنها المجهول، ولا فرق في ذلك
بين كتاب وكتاب.
فحينما كنت أتفحص الأحاديث في كتب الشيعة وأكتب عنها، فذكرت حول رواياتهم الضعيفة
والمجهولة والمعتبرة أكبر تفصيل، أسأل الله تعالى أن يجعله نافعا لهم ولا أريد أن
أذكره هنا حتى بالإشارة، فإنه تكرار بلا

14
فائدة.
وحينما شرعت التحقيق في أحاديث الصحاح الستة علمت أن ما اشتهر بين جمع كثير من
صحة جميع أحاديثها - لا سيما أحاديث البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - أمر
مخالف للواقع ومبالغة جزافية على خلاف العقل وما نعلمه من الدين والتاريخ، فقبولها
تحقير للعقل وانحراف عن خط القرآن الكريم.
وعمدة ما يجلب نظر المحقق المنصف في أحاديث الصحاح من الخلل والنقص والضعف
الموجبة لسقوط مقدار منها عن درجة الصحة والحجية أمور نشير إليها، منها:
1 - عدم وثاقة جملة من رواتها أو ثبوت كذبهم، حتى في كتابي البخاري ومسلم.
2 - مخالفة متون عدة منها للواقع بحكم العقل أو بقرينة قوية شرعية أو تاريخية.
3 - تعارض جملة من الأحاديث فيما بينها بحيث يعلم كذب إحدى الطائفتين المتعارضتين
بعد استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين، بل يحتمل كذب كلتيهما فيما إذا كان
مدلولهما من الضدين اللذين لهما ثالث.
وفي أثناء التحقيق والتعليق على بعض أحاديث هذه الكتب وقفت على كتاب ممتع ألفه
فضيلة الشيخ المتتبع الشجاع محمود أبو ريه، المولود في 15 ديسمبر 1889، المتوفى
في 11 ديسمبر 1970 م، باسم أضواء على السنة المحمدية أو دفاع عن الحديث، فرأيته
مقويا لبعض مقاصد كتابي، فاقتبست منه جملة من مطالبه جاعلا لها في مقدمة الكتاب،
ليكون المطالع أقرب إلى القبول وأبصر بما أذكره في صلب مقاصد الكتاب،

15
فجزاه الله عن الحق والعلم والمحققين أحسن الجزاء.
فكتابي هذا - نظرة عابرة إلى الصحاح الستة - مشتمل على مقدمة، وستة مقاصد،
وخاتمة، وليعلم القارئ من أول الأمر أني لا أعده باستيعاب ذكر كل حديث يستحق
النقد والرد والترديد، ولا أذكر كل ما يحسن التنبيه عليه، فإن هذا يحتاج إلى مجال
أوسع ودقة زائدة لم أوت توفيقها أو قصرت همتي عن نيلها، ولعل أحدا أو جماعة بعد
ذلك يقومون به وكل ميسر لما خلق له.
وأني أتمنى اليوم الذي تنقح فيه الأحاديث المعتبرة الصحيحة عن غيرها من
الموضوعات بجهد أهل التحقيق والتدقيق، وما ذلك على الله بعزيز.
ثم أتمنى فوق ذلك اليوم الذي يغلب التحقيق على التقليد، وتتقدم الحقيقة على
العصبية، وسلوك الصراط المستقيم بدلا عن مختلف الطرق، والله العاصم والموفق.
مراحل الحديث
لا بد أن نبحث مختصرا في هذا المقام عن مراحل ثلاث للحديث النبوي صلوات الله على
محدثه.
المرحلة الأولى: نقل الحديث.
المرحلة الثانية: كتابة الحديث.
المرحلة الثالثة: تدوين الحديث في الكتب.
نعم نبحث عن هذه المراحل حتى تتبين للمحققين قيمة الأحاديث الموجودة بأيدينا
المكتوبة في كتبنا، فيكون أهل البحث على معرفة تامة بشريعتهم، ولا يخبطون خبط
عشواء ويهوون إلى أودية الإفراط والتفريط

16
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (1).
الأولى: نقل الحديث.
الثابت من الآثار أن الصحابة أو المشهورين منهم يقللون نقل الحديث، بل ينهون عن
تكثيره أو عن أصل نقله، وإليكم ذكر هذه الآثار مما يحضرني عاجلا من غير استيفاء
واستقصاء.
أ - عن الذهبي في تذكرة الحفاظ: من مراسيل ابن ملكية (عبد الله بن عبيد الله قاضي
مكة في زمن ابن الزبير المتفق على توثيقه): إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم
فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد
اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب
الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه (2).
ب - وعن ابن عساكر، عن محمد بن إسحاق قال: أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق
عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي
أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟
قالوا: تنهانا؟
قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم! نأخذ منكم ونرد
عليكم. فما فارقوه حتى مات.
ج - وعن تذكرة الحفاظ (3) عن شعبة، عن سعيد بن إبراهيم، عن



(1) البقرة: 143.
(2) تذكرة الحفاظ 1: 3.
(3) تذكرة الحفاظ 1: 7.
17
أبيه: إن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
د - وعن ابن سعد وابن عساكر، عن محمود بن لبيد قال: سمعت عثمان بن عفان على المنبر
يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر، فإنه لم
يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون من أوعى أصحابه! إلا أني سمعته يقول:
من قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار.
ه‍ - وعن جامع بيان العلم وفضله (2) لحافظ المغرب ابن عبد البر، عن الشعبي، عن
قرظة: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار (بالكسر موضع قرب المدينة) ثم قال
لنا: أتدرون لم مشيت معكم؟
قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا؟
قال: إن مع ذلك لحاجة خرجت لها، إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوي كدوي النحل، فلا
تصدروهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم.
قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله.
وللرواية صورة أخرى لاحظ مقدمة سنن ابن ماجة (3).
وكان عمر يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به (4).



(1) ولو فعل أبو الحسن علي هذا الفعل مع طلحة والزبير ولم يأذن لهما بالخروج إلى
العمرة لم يبتل بحرب الجمل في البصرة، مع أنه علم قصدهما وقال - كما نقل عنه -:
ما يريدان العمرة، بل يريدان الفتنة، لكن لعمر أخلاقه ولعلي أخلاقه - كل ميسر لما
خلق لأجله.
(2) جامع بيان العلم وفضله 2: 120.
(3) أنظر مقدمة سنن ابن ماجة رقم 28.
(4) صححه الحاكم في المستدرك 1: 102.
18
أقول: بل عمر منع الناس عن كتابة حديث النبي الأكرم في حياته صلى الله عليه وسلم،
وقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع أو أنه يهجر! وادعى أنه حسبنا كتاب
الله، حتى غضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بخروجهم من عنده بقوله: قوموا عني.
و - وعن طبقات ابن سعد، عن السائب بن يزيد: إنه صحب سعد ابن أبي وقاص من المدينة
إلى مكة، قال: فما سمعته يحدث عن النبي حديثا حتى رجع. وسئل عن شئ فاستعجم
وقال: إني أخاف أن أحدثكم واحدا فتزيدوا عليه المائة! (1) (2).
ز - أخرج البخاري عن السائب بن يزيد قال: صحبت طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص
والمقداد بن الأسود وعبد الرحمن بن عوف (رض) فما سمعت أحدا منهم يحدث عن رسول
الله، إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد (3).
ح - وعن ابن عساكر، عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن
الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس (أي بلده) (4).
أقول: الروايات في هذا الموضوع كثيرة كلها تثبت رغبة كبار الصحابة عن التحدث
بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إما مطلقا، وإما في الجملة.



(1) مستدرك الحاكم 2: 102.
(2) أقول يخاف سعد من الذين يعيشون الصدر الأول وخير القرون، ولا تغفل أن جمعا
كثيرا ممن يخافهم سعد من الصحابة، فما حال القرون الآتية في التزييد، ولو كان سعد
حيا اليوم لقال: زدتم على واحد ألفا!!! ثم إن المذكور في مقدمة سنن ابن ماجة
برقم 29 سعد بن مالك.
(3) فتح الباري 6: 28.
(4) فتح الباري 2: 120.
19
ثم إن المستفاد مما نقلنا - زائدا على هذا المقصود - أمور أخر نشير إليهما
تتميما للفائدة:
(الأول): إن الأصل في النهي عن نقل الحديث أو إكثاره هم الخلفاء الثلاثة لا
سيما عمر، فهل النهي المذكور سياسي يتعلق بمقام الخلفاء أو غير سياسي، فيه وجهان،
وربما يظهر فيما بعد ما هو الصحيح منهما إن شاء الله تعالى.
(الثاني): إن الصحابة في زمن الصديق قد اختلفوا في أحاديث النبي صلى الله عليه
وسلم، وهذا الاختلاف قد يكون بتكذيب بعضهم بعضا في النقل، وقد يكون بسبب تعارض
الأحاديث، وهذا أيضا يرجع إلى الكذب أو الاشتباه في النقل، فإن النبي الأمين
المعصوم صلى الله عليه وسلم لا يختلف كلامه ولا يتناقض قوله وعمله. وعليه فلا بد
من قبول الأحاديث مع التثبت في حال الصحابة، وعدم قبول منقولاتهم بوجه مطلق فضلا
عن قبول آرائهم، ولا يجوز لنا أن نعتقد فيهم ما لا يعتقد هؤلاء بأنفسهم، فإنه من
الغلو والسفه.
(الثالث): ظاهر كلام أبي بكر الحكم بإهمال الأحاديث مطلقا وحصر الحلال والحرام
بحلال القرآن وحرامه، وهذا أمر مهم عميق لا يدركه إلا الكاملين من المحققين.
(الرابع): يظهر من قول عمر: (ونرد عليكم) أن في أحاديث الصحابة ما هو مخالف
للواقع سهوا أو عمدا، ونقل عن عمران بن حصين الصحابي - المتوفى سنة 52 ه‍ -:
والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين
متتابعين، ولكن أبطأني عن ذلك أن رجالا من أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم
سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه
لي كما شبه لهم،

20
فأعلمك أنهم كانوا يغلطون لا أنهم كانوا يتعمدون (1).
وعن بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا في الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا
هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب ثم يقوم، فأسمع بعض
من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله (2).
(الخامس): إن إكثار الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كان محرما بنظر عمر، فإنه
عزر المكثرين بالحبس، ضرورة عدم جواز حبس المسلم وإيذائه على أمر مباح أو مستحب، بل
مكروه. وهذا يبطل نظر الغالين في حق الصحابة بأنهم كلهم عدول.
(السادس): يظهر من كلام عثمان أن الكذب في نقل الحديث قد كثر بعد زمن الشيخين،
ولذا لم يحلل للناس نقل ما لم يسمع في زمانهما، وذيل كلامه أيضا يعرض بالكاذبين.
(السابع): يظهر من قول الفاروق في ذيل الخبر الخامس (إلا فيما يعمل به) أن نظره
إلى منع نقل الأحاديث الواردة في فضائل بعض الصحابة مخافة افتتان الناس به، فيوهن
مقام الخلافة في قلوبهم. ويظهر من غيره أن السبب في النهي هو الخوف من الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا أو غفلة.
(الثامن): يظهر من الخبر السادس أن السبب في ترك تحدث الصحابة هو كذب المستمعين،
وأنهم يزيدون على كلام واحد مائة. وهذا السبب الذي خافه ابن أبي وقاص يجب أن لا
ننساه حتى عند الاعتماد على أحاديث الصحاح الستة، والله الهادي، وقد مر في الخبر
الأول سبب آخر،



(1) أضواء على السنة المحمدية 114، مختلف الحديث لابن قتيبة 49.
(2) سير أعلام النبلاء 2: 436.
21
وهو اختلاف الناقلين، واختلاف من بعدهم أشد الاختلاف.
يبقى في المقام سؤال وهو أن الذين امتنعوا من الصحابة من نقل الحديث هل هو بداع
نفسي منهم مخافة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بزجر حكومي من الخلفاء
- لا سيما الخليفة الثاني -؟ الظاهر هو الثاني، ويدعمه قرائن - كما يأتي عن أبي
هريرة - وكما يستفاد من كلام عثمان السابق وغيره، والله العالم.
الثانية: كتابة الحديث.
إذا فرضنا النهي عن إكثار نقل الحديث أو عن أصله، وكذا إن فرضنا رغبة جمع من
الأصحاب عن تحديث الناس بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بوسع جمع منهم
أن يحفظ السنة القولية عن الاندراس والنسيان بقيد الكتابة، بأن يكتبوا ما
يطمئنون بسماعه عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ويودعونه إلى الثقات تكميلا
لأمر الشريعة، لكن كتابة الحديث بدورها - كنقل الحديث - ابتليت بالمنع والنهي، بل
بمنع أشد من منع النقل، وإليكم بعض دلائله:
1 - روى الدارمي (شيخ البخاري) ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد، عن أبي سعيد الخدري
(رض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن
كتب عني غير القرآن فليمحه.
وأخرج الدارمي، عن أبي سعيد: أنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن
يكتبوا عنه، فلم يأذن لهم.
ولفظ الترمذي: استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة، فلم يأذن لنا (1).



(1) سنن الترمذي 2: 91.
22
2 - وعن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ألا نكتب شيئا من
حديثه.
أقول: والصحيح أن يقول: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكتب شيئا من
حديثه.
3 - ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ (1) عن الحاكم ما رواه عن عائشة قالت: جمع أبي
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب، ولما
أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها وقال: خشيت أن
أموت وهي عندك، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به، ولم يكن كما حدثني
فأكون قد تقلدت ذلك (2).
أقول: وقد مر قول أبي بكر: فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا
حلاله وحرموا حرامه.
4 - وعن ابن عبد البر والبيهقي - في المدخل - عن عروة: إن عمر أراد أن يكتب
السنن، فاستفتي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن
يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني
أريد أن أكتب السنن ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتب فأكبوا عليها وتركوا كتاب
الله وإني والله لا أشوب (لا البس) كتاب الله بشئ أبدا.
5 - وعن جامع بيان العلم وفضله (3) عن يحيى بن جعدة: إن عمر بن الخطاب أراد أن
يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتب، ثم كتب في الأمصار:



(1) تذكرة الحفاظ 1: 5.
(2) أقول: هذا حال كتاب هذا الصحابي الشهير، فكيف بكتاب البخاري وغيره. ثم أن هذا
النقل يخالف حديثه الناهي عن كتابة الحديث!
(3) جامع بيان العلم وفضله 1: 64 و 65، طبقات ابن سعد 1: 206.
23
من كان عنده شئ فليمحه (1).
أقول: لا أدري كيفية إرادة عمر واستخارته كما لا أدري - ولا يدرى - من هم أولئك
القوم الذين قبلنا أكبوا على أحاديث نبيهم وتركوا كتاب ربهم، لكن كان عمر يرى
بطلان كتابة الحديث حتى في زمان النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، حتى في الحديث
الذي يحفظ الأمة من الضلالة بعد نبيها، وكان النبي أراد أن يكتبها بيده أو كان
يأمر أحد صحابته بكتابته كما قص ذلك لنا ابن عباس، وأخرجه البخاري في مواضع من
كتابه، وقال عمر في وجه منعه واجتهاده: إنه قد غلبه الوجع أو أنه يهجر!!! وحسبنا
كتاب الله.
6 - وعنهما، عن ابن سعد، عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم ابن محمد أن يملي
علي أحاديث، فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب، فأنشد الناس أن
يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب.
وقد قرئت المثناة بالثاء المثلثة، وبالشين المعجمة، وبالسين المهملة، وادعى بعضهم
أن المراد بها: مجموعة الروايات الإسرائيلية، وهو نوع توجيه.
7 - وعن الأسود بن هلال قال: أتى عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء
فمحاها ثم غسلها، ثم أمر بها فأحرقت، ثم قال: اذكر الله رجلا يعلمها عند أحد إلا
أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند



(1) أقول: وعن الطبقات الكبرى لابن سعد 5: 188: خطب (عمر) الناس يوما قائلا:
أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبها إلى الله أعدلها
وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأرى رأيي، فظنوا أنه يريد
النظر فيها ليقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار!!!
24
لبلغتها. بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا
يعلمون.
8 - وعن تقييد العلم للخطيب البغدادي (1) عن أبي نضرة قال: قلت لأبي سعيد الخدري:
ألا بكتب ما نسمع منك؟
قال: أتريدون أن تجعلوها مصاحف؟ إن نبيكم كان يحدثنا فنحفظ.
9 - وعن ابن عباس: كنا نكتب العلم ولا نكتبه.
أي لا نكتبه لغيرنا أو لا نسمح أن يكتب عنا أحد.
10 - وعن أبي سعيد الخدري (2) وكنا لا نكتب إلا القرآن والتشهد.
أقول: ومع هذا التأكيد على التشهد - حتى نقل عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بكفه كما يعلمني السورة من
القرآن - فقد نقلت تسع صيغ للتشهد، فما بال غيره من أجزاء الصلاة وغيرها من
الأعمال غير المعمولة في كل يوم مرات (3).
أقول: والمتتبع يمكنه أن يجد شواهد غير ما ذكرنا على عدم كتابة الحديث والنهي
عنها ومحو ما كتب من الحديث وإحراقه، ومع ذلك فإن أصل المقصد وهو عدم تقييد
الأحاديث بالكتابة في القرن الأول الهجري ومدة بعده أمر مسلم لا يقبل
الارتياب، وهو من الواضحات التي لا تحتاج إلى دليل وشاهد.
ثم إنه ينبغي لنا أن نرجع النظر إلى تلك الشواهد ثانيا ونأخذ منها



(1) تقييد العلم: 27.
(2) تقييد العلم: 92.
(3) لاحظ تفصيل صيغ التشهد التسع في ص 82 إلى ص 85 من كتاب أضواء على السنة
المحمدية.
25
بعض مطالب أخر، فمنها: إن النهي في الخبرين الأولين مطلق يشمل المؤلفين
والمدونين حتى في القرن الثالث من الهجرة، فهل عصوا حكم النبي صلى الله عليه وسلم؟
أمر لا بد فيه من التأمل.
ومنها: إن إحراق أبي بكر الأحاديث إنما هو لأجل اشتباه الرواة أو كذبهم في
النقل، فيعلم أنه كان قليل الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عديمها، وإلا
لم يكن وجه لإحراق ما سمعه عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ومنها: إن الناس قد علموا بأهمية كتابة الحديث، فأشاروا بصحتها أو لزومها على
عمر، لكن عمر رد مشورتهم ولم ينصرف عنها وحدها، بل أمر أهل الأمصار بمحو
الأحاديث التي كتبوها، وهذا لا لأجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يكن
للاستخارة في شهر واحد وجه، بل مخافة شوب كتاب الله بغيره، لكن عمر كان يعلم بأن
الأحاديث لا تشوب بالقرآن، وأنه كلام الخالق، وبينهما بون بعيد وتفاوت شديد، وهذا
نهج البلاغة لعلي، وهذه الكتب المدونة في القرن الثالث من الصحاح والمسانيد والسنن
قد شاعت وكثرت ولم يشتبه على أحد بالقرآن وآياته، فالظاهر أن لاجتهاده في عدم
كتابة الحديث ولزوم محو ما كتب إلى أنذاك في المدينة والأمصار دليلا آخر لم ير
ذاك الوقت مصلحة في افشائه، فأبدى وجها آخر لإقناع الناس المستشارين، وهم الصحابة
الأجلاء بالطبع.
وقد أشرنا إلى منعه عن كتابة حديث واحد أراده النبي صلى الله عليه وسلم لأجل عدم
ضلالة أمته بعده، فهل يحتمل أنه أيضا لئلا يشوب به القرآن؟
ومنها: إن القاسم بن محمد يخبر أن الأحاديث كثرت على عهد عمر ولأجله أمر
بإحراقها، فليعتبر المنصف بكثرة الأحاديث في زمن خليفة مهيب متشدد مثل عمر وخوفه
منها حتى أمر بإحراقها، ثم بكثرة الأحاديث

26
في زمن عثمان حتى منع ذكر الأحاديث التي لم تسمع في زمن الشيخين كما مر.
قال أبو سلمة لأبي هريرة - وهو أحد المكثرين المشهورين في صدر الإسلام - أكنت
تحدث في زمن عمر هذا؟
قال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته.
ولو قام عمر من قبره ورأى رواج سوق الجعل والتزوير في الحديث والافتراء على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ورأى أسوأ وأشنع من هذا تعصب عوام الناس، وغفلة مدعي
العلم عن تلك المجعولات والمجهولات، لمات غضبا وغيظا. ولقد حقت عليهم كلمة
العذاب أفأنت تنقذ من في النار؟!
ومنها: إن ما علل به المنع عبد الله بن مسعود غير مفهوم ولا معقول، فإن سبب هلاك
أهل الكتاب إنما هو ترك العمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم ظلما وعتوا، وهذا قطعي،
وليس سبب هلاكهم تدوين أحاديث نبيهم والعمل بها وحدها، مع أنه لا ملازمة بين
كتابة الروايات وترك العمل بكتاب الله، كما هو المشهود من القرن الثالث إلى يومنا
هذا.
بحث توضيحي
لا ريب في أن السنة القولية لم تتقيد بالكتابة في القرن الأول، ولا خلاف فيه،
وإنما الكلام في أنه هل باجتهاد من الخلفاء أو بنهي سابق من النبي الأكرم صلى
الله عليه وسلم؟
وعلى الأول، الداعي لهم إما أمر سياسي، وإما شئ أعمق منه، إذ لا يحتمل كونه
خوفا من الكذب أو شغل الناس عن كتاب الله أو شوب الكتاب بغيره، إذ بإمكانهم تشكيل
لجنة من أمناء الصحابة وعلمائهم لجمع

27
صحيح الأحاديث وتدوينها في مجموعة باسم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
فعلوا ذلك بالنسبة إلى جمع آيات الكتاب الكريم، ولا يترتب على ذلك أي محذور جزما.
وعلى الثاني، فإن فرض النهي المذكور أمرا تعبديا صرفا كجملة من المحرمات
الأخر التي لا يعلم وجهها، يتجه السؤال إلى هؤلاء المحدثين الذين ألفوا كتب
الحديث من الصحاح والمسانيد والسنن هل هم من العصاة المبتدعة؟ ولعله لا مناص عنه
على هذا الوجه، وأشير في هذا إلى ما قاله بعض المحققين، من أن التابعين لم
يدونوا الحديث لنشره إلا بأمر الأمراء. وإن فرض أن للنهي حكمة مفهومة، فما هي
الحكمة المذكورة؟
يقول بعض أهل التحقيق: وقد يكون قريبا من الصواب في حكمة نهي النبي عن كتابة
الحديث، هو لكي لا تكثر أوامر التشريع ولا تتسع أدلة الأحكام، وهو ما كان يتحاشاه
صلى الله عليه وسلم حتى كان يكره كثرة السؤال، أو يكون من الأحاديث في أمور خاصة
بوقتها بحيث لا يصح الاستمرار في العمل بها.
يقول صاحب المنار (المجلد العاشر) بعد كلام له: وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم
رغبة كبار الصحابة في التحديث، بل في رغبتهم عنه، بل في نهيهم عنه، قوى عندك ترجيح
كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن، ولو
كانوا فهموا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا
بالكتابة... وبهذا يسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث
بالرواية، وإذا أضفت إلى ذلك كله حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف
بعض تلك الأحاديث، ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من

28
اكتفاء الواحد منهم - كأبي حنيفة - بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قل، وعدم تعنيه
في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه، قوي عندك ذلك الترجيح.
بل تجد الفقهاء... لم يجتمعوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به، فهذه كتب
الفقه في المذاهب المتبعة ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية، فيها مئات
من المسائل المخالفة للأحاديث المتفق على صحتها... وقد أورد ابن القيم في
أعلام الموقعين شواهد كثيرة جدا من رد الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملا بالقياس
أو لغير ذلك، ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا أكثر
من ستين شاهدا. انتهى كلام هذا المفسر الفقيه العارف بالأحاديث أعني السيد رشيد
رضا.
أقول: ما ذكره هو الواقع خارجا سواء كان حقا أو باطلا، فإن الخلفاء لا سيما
عمر رضي الله عنه وأرباب المذاهب لم يكونوا يقيدون أنفسهم بالأحاديث، بل يقدمون
اجتهادهم بالقياس وغيره عليها من دون استيحاش وحرج، فلم يكن قيمتها عندهم كقيمة
الآيات القرآنية، فالسنة القولية عند أهل السنة - وإن عدت أحد ركني الشريعة
ادعاء ولكنها ليست كذلك - عملا بأي دليل كان، وإن كان ما أعتذر به السيد رضا -
على ما عرفته آنفا - من أحسن الاعتذار، ومنه يظهر أمران آخران، وهما:
1 - إن ما ذكره جمع من الغافلين من اعتبار روايات الصحاح الستة، وعدم جواز
التشكيك في اعتبارها وصدورها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفاق الكل على
اعتبارها - خصوصا على اعتبار أحاديث البخاري ومسلم - مخالف للواقع، بل هو طبل فارغ
لا وزن له سوى صوته! فإن الصحابة لم يروها معتبرة وفقهاء المذاهب - خصوصا الإمام أبو حنيفة - لم يقبلوها كما

29
اعترف به ابن القيم، وهو أمر واضح لا مجال للتشكيك فيه اللهم إلا عند من أهمل
عقله وغفل عن كل شئ سوى صوت طبل المتعسفين المتعصبين خلافا لأمر القرآن حيث
يقول: (واجتنبوا قول الزور) (1).
2 - إن بعض الأعلام من الشيعة الإمامية - السيد شرف الدين العاملي اللبناني -
ألف كتابا سماه النص والاجتهاد، وجمع فيه موارد اجتهاد الصحابة في مقابل النص،
وكأنه يريد التعريض بهم، فنقول في جوابه: إن هذا الاعتراض إنما يتم على أصول
الشيعة القائلين بمنع الاجتهاد في مقابل النص أشد المنع، وأن الأحاديث عندهم
كالآيات في الحجية والاعتبار إذا جمعت فيها شروط الحجية، ولأجله ذهبوا إلى بطلان
القياس، ولا يتم على مبنى أهل السنة كما عرفت من هذا المقام.
تعقيب تحقيقي
قلت: إن ما ذكره السيد رشيد رضا وابن القيم وغيرهما هو واقع الحال، فلا بد من
الإذعان به بعنوان أنه أمر وقع في الخارج، وأما أنه حق أو لا فهو بحث آخر،
فأقول هنا أن الصحيح عندي بطلانه، فإن النبي الأكرم لم ينه عن كتابة الحديث
ونقله (2) فإنه مخالف للعقل والنقل، أما عقلا: فإن النبي المعصوم المأمور بتبليغ
الدين الذي لا ينطق عن الهوى أمر بأشياء ونهى عن أشياء وفصل كيفية العبادات
والمعاملات والسياسات بأجزائها وشرائطها، وهو يعلم أنه لا يتم شريعة الإسلام إلا
بالكتاب وما سنه قولا وعملا، ويعلم أيضا أن شريعته خالدة مستمرة إلى يوم
القيامة، فكيف ينهى



(1) وإن قال محمود أبو ريه في ص 34 كتابه أضواء على السنة المحمدية (الطبعة
الخامسة): ومن الأحاديث ما تقضي البداهة بصدقه كحديث لا تكتبوا عني شيئا غير
القرآن... لكنا لا نقبل هذه الدعوى منه.
30
عن كتابة ما هو من عند الله بلسانه، وهل الأمر بمحو كتابة حديثه إلا الأمر بمحو
كتابة الحق والنور؟
وهل يمكن استبداله بالاجتهاد والقياس في تمام الأحكام الفقهية؟ كلا ثم كلا.
وأما نقلا: فإنه أمر في موارد بالكتابة، بل أمر قبيل وفاته بإتيان دواة وكتاب
يكتب كتابا لا تضل الأمة بعده، وفي هذا دلالة على شرف الكتابة وعظمتها وعظم
فائدتها حيث إنها توجب الحفظ عن الضلال.
وعن سنن أبي داود ومستدرك الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو
العاص: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق.
وأيضا قد ثبت أن لعلي صحيفة كان فيها جملة من الأحكام الشرعية - كما سيأتي
بحثها - وهذا يبطل ادعاء النهي من أساسه.
وقال صلى الله عليه وسلم كما في لقطة البخاري برقم 2302: اكتبوا لأبي شاة.
وعن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أقرأني سالم كتابا
كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات قبل أن يتوفاه الله، فوجدت فيه...
زكاة (1).
وعن عمرو بن حزم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه
الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم، فقرئ على أهل اليمن وهذه
نسخته... (2).
الثالثة: تدوين الحديث
وقال الهروي - كما في محكي إرشاد الساري (3): لم يكن الصحابة



(1) سنن ابن ماجة برقم 1798.
(2) سنن النسائي 8: 59.
(3) إرشاد الساري 1: 7.
31
والتابعون (1) يكتبون الأحاديث، إنما كانوا يودونها لفظا ويأخذونها حفظا، إلا
كتاب الصدقات، والشئ اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء، حتى خيف عليه
الدروس وأسرع في العلماء الموت أمر عمر بن عبد العزيز (الذي تولى سنة 99 ومات سنة
101) أبا بكر بن (محمد الأنصاري) حزم: أن أنظر ما كان من حديث رسول الله أو سننه
فاكتبه لي، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (2). وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت
عبد الرحمن...
لكن لا دليل على أن ابن حزم فعل شيئا أم لا؟ بل استظهر بعضهم أنه انصرف عن
كتابة الحديث لما عاجلت المنية عمر بن عبد العزيز، ثم عزله يزيد بن عبد الملك عن
إمرة المدينة وقضائها.
ثم إن هشام بن عبد الملك في ولايته (سنة 105 ه‍) طلب من محمد بن مسلم بن شهاب
الزهري، بل قيل إنه أكرهه على تدوين الحديث، وعلى كل لم يعتبر عصر بني أمية عصر
تصنيف منسق، لأنهم لم يجدوا من آثار هذا العصر كتبا جامعة مبوبة، وما صنعوه إنما
هو مجموعات تضم الحديث والفقه والنحو واللغة والخبر وغيره، ولا تحمل علما واجدا.
وعن الغزالي في إحياء العلوم: بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شئ منهما في زمن
الصحابة وصدر التابعين، وإنما حدث بعد سنة 120 ه‍...
وإنما ازدهر التدوين في العصر العباسي بتشويق من المنصور



(1) قيل آخر عصر التابعين هو حدود الخمسين ومائة. والحد الفاصل بين المتقدم
والمتأخر هو رأس سنة 300.
(2) صحيح البخاري 1: 49 كتاب العلم باب كيف يقبض العلم.
32
الدوانيقي، وقيل إنه أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية بالعربية في
الطب والسياسة والفلسفة والفلك والتنجيم والآداب والمنطق وغيرها.
وعن تقييد العلم للخطيب البغدادي عن معمر، عن الزهري قال: كنا نكره كتاب العلم
حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين (1).
وقال أيضا: استكتبني الملوك فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبتها للملوك ألا
أكتبها لغيرهم (2).
وإليك قائمة بأسماء جمع من المؤلفين على ما ذكره الذهبي وغيره:
1 - ابن جريح (المتوفى 150 ه‍) التصانيف.
2 - أبو حنيفة (المتوفى 150 ه‍) الفقه والرأي.
3 - سعيد بن عروبة (المتوفى 156 ه‍).
4 - الأوزاعي بالشام (المتوفى 156 ه‍ - أو 157).
5 - حماد بن سلمة (المتوفى 167 ه‍).
6 - مالك بن أنس (المتوفى 179 ه‍) الموطأ.
7 - ابن إسحاق (المتوفى 151 ه‍) المغازي.
8 - معمر اليمني (المتوفى 153 ه‍).
9 - سفيان الثوري (المتوفى 161 ه‍) الجامع.
10 - هشام الواسطي (المتوفى 188 ه‍).
11 - الليث بن سعد (المتوفى 175 ه‍).



(1) تقييد العلم: 107.
(2) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1: 77.
33
12 - عبد الله بن لهيعة (المتوفى 174 ه‍).
13 - ابن المبارك (المتوفى 181 ه‍).
14 - القاضي أبو يوسف يعقوب (المتوفى 182 ه‍).
15 - ابن وهب (المتوفى 191 ه‍).
قيل: ولم يصل إلينا من الكتب المبوبة إلى آخر المائة الثانية (أي في الحديث) إلا
موطأ مالك.
أقول: لسنا بصدد التحقيق حول هذا الموضوع، وإنما ذكرناه تطفلا، فلنرجع إلى أصل
المقصود وهو البحث عن تدوين الحديث وكتبه المشهورة وتاريخه وما يتعلق به من اعتبار
الأحاديث المنسوبة إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم واعتبارها. فأقول: تحول
تدوين الحديث بعد عام (200 ه‍) إلى حالة أخرى، وهي أن يفرد حديث النبي صلى الله
عليه وسلم خاصة بالتدوين كما عرفت آنفا.
فصنف عبد الله بن موسى العبسي الكوفي (المتوفى 213) ومسدد بن مسرهد البصري
(المتوفى 228) والحميدي (المتوفى 219) كل منهم مسندا (1)
، ثم بعد ذلك صنف أحمد بن حنبل (المتوفى 241) وإسحاق بن راهويه (المتوفى 237)
أستاذ البخاري وغيرهما مسانيد (2).



(1) المسند أن يجعل جميع ما يروي عن كل صحابي - أي ما يسند إليه - في باب على حدة
مهما كان موضوع الحديث.
(2) قيل: إن معاوية استحضر عبيد بن سارية يسأله أخبار الملوك وأمر أن يدون ما
يقول: وقيل: إن خالد بن يزيد بن معاوية ترجم كتب الفلسفة والنجوم والكيمياء والطب
والحروب وغيرها، وهو أول من جمعت له الكتب وجعلها في خزانه، وقيل: إن أبا جعفر
المنصور أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية بالعربية، وهو حمل الفقهاء
على جمع الحديث والفقه.
34
أما الكتب المشهورة المرجوع إليها في الحديث، فهي ما يلي.
1 - الموطأ لأنس بن مالك رحمه الله، المولود في سنة (91) أو (92 ه‍)، المتوفى في
سنة (179).
2 - كتاب محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، المولود في سنة (194 ه‍)، المتوفى
في سنة (256 ه‍).
3 - كتاب مسلم بن الحجاج النيشابوري،، المولود في سنة (204 ه‍)، المتوفى في سنة
(268 ه‍).
4 - سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المولود (202 ه‍)، المتوفى في سنة
(275 ه‍).
5 - سنن الترمذي الضرير محمد بن عيسى، المولود (209 ه‍)، المتوفى (279 ه‍).
6 - سنن النسائي أحمد بن شعيب النيسابوري، المولود (215 ه‍)، المتوفى (303 ه‍).
وعن ابن خلدون (المقدمة 418): هذه هي المسانيد المشهورة في الملة، وهي أمهات
كتب الحديث في السنة، وأنها إن تعددت ترجع إلى هذه في الأغلب.
وزاد بعضهم على الأصول الخمسة - أي كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي
والنسائي - سنن ابن ماجة المولود 209 ه‍ المتوفى (375) أو (373)، ولذا اشتهرت كلمة
الصحاح الستة في لسان العوام، وقيل إن الكتاب السادس هو سنن الدارمي المتوفى سنة
(255 ه‍)، فإن ابن ماجة أخرج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث.
ومن هذا يعرف أن عمدة التدوين إنما وقعت في القرن الثالث من

35
الهجرة.
ولادة غير مشروعة
1 - عرفت أن الصحابة الكبار وأهل النفوذ نهوا عن نقل الحديث أو إكثاره، فأهمل
نقل الأحاديث إلى حد كبير، وعرفت أيضا أن كتابة الحديث قد تركت، إما بأمر من
النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وإما بأمر من الخلفاء، واستمرت هذه الحالة إلى
أوائل القرن الثالث من الهجرة غالبة، والنتيجة الطبيعية من الحالة المذكورة أمران
محتومان، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا.
أحدهما: وقوع تحريف في الأحاديث زيادة ونقيصة.
وثانيهما: ضياع الأحاديث بكمية كثيرة بموت حامليها أو نسيانهم، وما وصل إلى القرن
الثالث - بل القرن الثاني - فإنما هو قليل جدا عادة، لكن الأقاويل المسماة
بالأحاديث مع ذلك زادت وكثرت ونمت، بحيث تندهش العقول منها، وإليك بعض شواهد هذا
الفضول.
1 - عن أحمد بن حنبل في مسنده: هذا كتاب جمعته وانتقيته من (750) ألف حديث.
2 - وعن محمد بن عمر الرازي أبي بكر الحافظ: كان أبو زرعة يحفظ (700) ألف حديث،
وكان يحفظ (140) ألف حديث في التفسير.
3 - وعن مالك، أنه اختار الموطأ من (100) ألف حديث.
4 - وعن البخاري، أنه أختار كتابه من (600) ألف حديث.
5 - وعن مسلم، أنه اختار كتابه من (300) ألف حديث.
6 - وعن أبي داود، أنه كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (500) ألف حديث.
7 - وعن البخاري أنه قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير
صحيح.

36
8 - وعن أحمد أنه قال: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر... وظاهر هذا الكلام
أن الأحاديث الصحيحة فقط تزيد عن (700) ألف حديث، وأما غير الصحاح من المجهول
والضعيف فعدده لم يذكر.
9 - قيل إن العلماء رووا عشرات آلاف من الأحاديث في التفسير، وإن ابن تيمية قد
ذكر في كتابه أصول التفاسير أن الإمام أحمد قد قال: ثلاثة أمور ليس لها
إسناد: التفسير والملاحم والمغازي (1). ولذلك قال شعبة تسعة أعشار الحديث كذب (2).
أقول: العاقل المنصف المدقق لا يرى في كلام شعبة مبالغة، بل يتوقف في صدق العشر
الواحد منها، فالسنة - أي الأحاديث القولية النبوية - قد غرقت في بحر من الدس
والكذب والافتراء، بحيث لا يمكن وجدانها لأي غائص حريص، فإنا لله وإنا إليه
راجعون، وكأن النبي الخاتم يعلم مستقبل أقواله حيث قال: من قال علي ما لم أقله
فقد تبوأ مقعده من النار. أو: من كذب علي فهو في النار ونحوهما من العبارات،
لكن الوضاعين، إما لا اعتقاد لهم بالنار، وإما لا عقل لهم، حيث أجابوا النبي صلى
الله عليه وسلم بأنا لا نكذب عليك، بل نكذب لك!!!
يقول الدكتور أحمد أمين (3): ومن الغريب أننا لو اتخذنا رسما بيانيا للحديث لكان
شكل هرم طرفه المدبب هو عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يأخذ في السعة على مر
الزمان، حتى نصل إلى القاعدة أبعد ما نكون على عهد



(1) مسند أحمد: 14.
(2) أنظر ص 193 وهامشها وص 299 من كتاب أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو ريه.
(3) الإسلام الصحيح: 215.
37
الرسول، مع أن المعقول كان العكس. فصحابة رسول الله أعرف الناس بحديثه، ثم يقل
الحديث بموت بعضهم مع عدم الراوي عنه وهكذا، ولكنا نرى أن أحاديث العهد الأموي
أكثر من أحاديث عهد الخلفاء الراشدين، وأحاديث العصر العباسي أكثر من أحاديث العهد
الأموي (1).
وأقول: وبعد ذلك أفلا تعجب مما نقل عن البخاري أنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح؟!!!
لا من ادعاء الحفظ، فإنه خارج عن محل بحثنا، بل من ادعاء صحة هذا الكمية
الهائلة من الروايات، وهل يرضى نفسه ونفس كل منصف مع نهي الخلفاء عن الرواية أو
إكثارها وعن الكتابة أن تصل بعد أكثر من قرنين مائة ألف حديث إلى البخاري وحده على
ما شرطه؟ فلو أقسم أحد ببطلان هذا الادعاء لم يكن كاذبا وآثما ولو سألتني عن
الحق، قلت: إن اقتصار البخاري في كتابه على نقل 2062 حديث فقط خير دليل على اشتباه
هذه الدعوى، أفلا تعقلون؟!
ما هو أسباب هذا التكثر المجعول؟
إليك ما يحضرني عاجلا:
1 - عدم إقدام الخلفاء الراشدين على تدوين الأحاديث المعتبرة في مجموعة لا يبقى
بعدها مجال للوضع والكذب، بل من سوء الحظ منعوا من كتابتها وأوجدوا أرضية وسيعة
للوضاعين والمكثرين بما شاءوا.
2 - الغلو المفرط في شأن كل من سمي بالصحابي ولو كان فاسقا فاجرا، وجعلوا
الصحبة سترا قويا وجدارا منيعا عن أي نقد وبحث فضلا



(1) ضحى الإسلام: 128.
38
عن الاعتراض على أخطائهم، فتراهم يكرمون المتحاربين منهم من القاتل والمقتول
ويتحفونهم بالترضية، ويزعمون عدالتهم، وإن صدر منهم ما صدر، فقبلوا أكاذيب أبي
هريرة وأمثاله بإخلاص واعتقدوا كأنها لم تصدر إلا عن لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولئن كان في الصدر الأول عدة محدودة من أمثال أبي هريرة، لكن تكثر
وتعدد بعده في الطبقة الثانية أضعاف عدد الطبقة الأولى، وهكذا إلى زمان المدونين
من أرباب المسانيد والصحاح!
والواقع أن غلونا في حق الصحابة وعد الجميع في مرتبة عالية من التقوى والإخلاص
قد تسبب ضررا كثيرا على الدين والعلم والحقيقة، ومن يزعم أن إطلاق العقل في
التحقيق والبحث عن أحوال الصحابة - حسب موازين الجرح والتعديل الرائجة في حق غيرهم
- يوجب التزلزل في أركان التسنن فهو يعترف - أشعر أو لم يشعر - بأن بناء التسنن
على الأباطيل والمجهولات والعمى المطلق، ولا يوافقه أحد من علماء أهل السنة.
3 - دس الإسرائيليات في الأحاديث وبثها بين المسلمين ثم أصبحت كونها من أقوال
النبي صلى الله عليه وسلم مسلمة لا تقبل الترديد، ولاحظ تفصيله في غير هذا الكتاب.
4 - وجود أناس فاقدي التقوى لا هم لهم سوى هم البطن وهم عبيد الدنيا والدين لعق
على ألسنتهم، فقصوا على الناس ما أعجبهم أو ما قويت به السلطة الحاكمة، ونسبوا كل
ذلك إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فحصلوا بذلك على حطام الدنيا ومتاعها
واشتهروا بين الناس، فباعوا الدين بالدنيا.
وعرفت فيما مر أن البخاري ادعى أنه يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
وعن مالك بن أنس (91 أو 93 - 179): إن هذا العلم دين فانظروا

39
عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يقولون قال رسول الله عند هذه الأساطين
(عمد المسجد النبوي)، فما أخذت عنهم شيئا... (1) 5 - النظام الأموي كان بحاجة
شديدة إلى استخدام الدين لضرب منافسيهم ومخالفيهم من بني هاشم الذين هم أكثر منهم
دينا وعلما وكرما وأقرب رحما إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، فصرفوا
الملايين في إجارة الدجالين والوضاعين لإبطال الحق وإحقاق الباطل (2).
6 - دس الزنادقة لإفساد أمر الشريعة وعقائد الأمة.
أخرج ابن عساكر - على ما نقل - عن الرشيد أنه جيئ إليه بزنديق فأمر بقتله، فقال:
يا أمير المؤمنين أين أنت عن أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم أحرم فيها الحلال
وأحل فيها الحرام.
وحكي أنه لما أخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء يضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة
آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام.
وعن حماد بن زيد وضعت الزنادقة على رسول الله اثني عشر ألف حديث.
وعن إسحاق بن راهويه: إنه يحفظ أربعة آلاف حديث مزورة.
تأكيد ثانوي
ومما يؤكد أن هذه الكثرة المكثرة من الأحاديث نشأت من الجعل والكذب لأغراض
مادية أو سياسية أو غير ذلك، وأنه لا يصح الاعتماد على



(1) أضواء على السنة المحمدية: 295.
(2) ملوك بني أمية لم يطلبوا وضع الحديث في حقهم فقط، فإن فسقهم وسوء حالهم من
صدر الإسلام كان معلوما مشهورا عند المسلمين، بل في تقليل شأن علي وآله، وفي
تعظيم مخالفيهم، وفي حوادث تتعلق بهما، وقد نجحوا في تغيير الرأي العام إلى ما
أرادوا.
40
جميع ما في الصحاح الموجودة - فضلا عن غيرها كمسند أحمد بن حنبل وغيره - إن كبار
الصحابة الذي عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة وكانت لهم
شهرة ومكانة اجتماعية، بل جملة منهم - كالخلفاء - يديرون الدولة الإسلامية وبيدهم
أمر العباد والبلاد أقلوا من الحديث والتحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وكان كثير من أجلة الصحابة وأهل الخاصة
برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب
يقلون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة كما يروون (1).
وعن ابن بطال وغيره: كان كثير من كبار الصحابة لا يحدثون عن رسول الله خشية المزيد
والنقصان (2).
وقيل: لا يوجد حديث واحد عن أبي عبيدة الجراح وعتبة بن غزوان وأبي كبشة مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكثير من غيرهم في كتابي البخاري ومسلم (3).
وقيل للزبير - كما في البخاري -: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما يحدث فلان وفلان.
قال: أما أني لم أفارقه، ولكني سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من
النار.



(1) تأويل مختلف الحديث: 56.
(2) فتح الباري 6: 28.
(3) أضواء على السنة المحمدية: 57.
41
وعن ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن يكذب
عليه، فلما ركب الناس الصعبة والذلول تركنا الحديث عنه (1).
وقال أيضا في جواب بشير بن كعب العدوي حيث قال له: ما لي أراك لا تسمع لحديثي؟
أحدثك عن رسول الله ولا تسمع!
قال ابن عباس: إنا كنا مدة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله، ابتدرته
أبصارنا وأصغينا بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما
نعرف (2).
فانظر - أيدك الله - إن ابن عباس لا يعتني بحديث الصحابي، ولا يخطر في ذهنه أصالة
العدالة، وأن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم قد فشا وذاع في زمان ابن عباس حتى
سلب اعتماده.
وإليك قائمة محدودة من روايات بعض الصحابة المشهورين مع دوام صحبتهم:
1 - أبو بكر، فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم - على قول النووي في تهذيبه 142
حديثا، أورد السيوطي 104 منها في كتابه تأريخ الخلفاء، والبخاري في كتابه 22
حديثا.
2 - عمر، لم يصح منه إلا مقدار خمسين حديثا، كما عن ابن حزم.
3 - علي، قد أسندوا له - كما عن السيوطي 58 حديثا، وعن ابن حزم أنه لم يصح منها
إلا خمسون حديثا. لم يرو البخاري ومسلم منها إلا نحوا من عشرين حديثا.
4 - عثمان، له في البخاري 9 أحاديث، وفي مسلم 5.



(1) نفس المصدر: 66.
(2) نفس المصدر: 66.
42
5 - الزبير، له في البخاري 9 أحاديث، وفي مسلم 1.
6 - طلحة، له في البخاري 4 أحاديث.
7 - ابن عوف، له في البخاري 9 أحاديث.
8 - أبي بن كعب، له في الكتب الستة ستون حديثا ونيف.
9 - زيد بن ثابت، له في البخاري 8 أحاديث، واتفق الشيخان على خمسة.
10 - سلمان الفارسي، له في البخاري 4 أحاديث، وفي مسلم 3 (1).
هذا ومن جملة المكثرين المشهورين أبو هريرة الذي لم يصاحب النبي صلى الله عليه
وسلم إلا عاما وتسعة أشهر، فقد نقل أبو محمد ابن حزم: إن مسند بقي ابن مخلد قد
احتوى من حديث أبي هريرة على 5374، روى البخاري منها 446 (2)!!!
أقول: ومجرد هذا - مع الغض عما قيل في حق أبي هريرة الذي اختلفوا في تعيين اسمه
على ثلاثين قولا!!! - يدل على أن جملة كثيرة من أحاديثه مجعولة قطعا، إما منه،
وإما من غيره، وهذا العلم الإجمالي يسقط حجية جميع رواياته، كما إذا علمنا بوجود
أموال محرمة في ضمن أموال كثيرة في بيت مثلا، فإن مقتضى القاعدة الاجتناب عن
الجميع.
وأيضا قد نقل عن كل واحد من أنس والسيدة عائشة (رض) أكثر من 2300 حديث، ولا شك
في كذب عدة منها.
الوضع والوضاعون
وعن النووي - في شرح مسلم - نقلا عن القاضي عياض:



(1) أضواء على السنة المحمدية: 224 و 225.
(2) نفس المصدر: 200.
43
الكاذبون ضربان: أحدهما: ضرب عرفوا بالكذب في الحديث وهم أنواع، منهم: من يضع ما
لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا كالزنادقة وأشباههم، إما حسبة بزعمهم
كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب، وإما إغرابا وسمعة
كفسقة المحدثين، وإما تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب (1)،
وإما إشباعا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه، وطلب الفوز لهم فيما أتوه. ومنهم من:
لا يضع متن الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا...
ومنهم: من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع...
ومنهم: من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصا.
وعن القرطبي في شرح كتاب مسلم: أجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه
القياس الجلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قولية.
وعن أبي شامة في كتابه مختصر المؤمل: مما يفعله شيوخ الفقه في الأحاديث
النبوية... كثرة استدلالهم بالأحاديث الضعيفة... نصرة لقولهم، وينقصون في ألفاظ
الحديث، وتارة يزيدون، وما أكثره في كتب أبي المعالي وصاحبه أبي حامد.
وقيل: إن كتب أئمة الحديث كالإحياء للغزالي لا تخلو من الموضوعات الكثيرة.



(1) قال بعض الباحثين: وليس الوضع لنصرة المذاهب محصورا في المبتدعة وأهل المذاهب
في الأصول، بل إن من أهل السنة المختلفين في الفروع من وضع أحاديث كثيرة لنصرة
مذهبه أو تعظيم إمامه وإليك حديثا واحدا وهو: يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن
إدريس أضر على أمتي من إبليس ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي...
ص 121 أضواء على السنة المحمدية.
44
وعد بعضهم من أسباب الوضع التحديث عن الحفظ ولم يتقن الحفظ، واختلاط العقل في
أواخر العمر، والظهور على الخصم في المناظرة لا سيما إذا كانت في الملأ، وارضاء
الناس واستمالتهم لحضور مجالسهم (كما نشاهد اليوم أيضا)، وقد ألصق المحدثون هذا
السبب بالقصاص، ويقال: أنه ما أمات العلم إلا القصاص، وأنهم أكذب الناس.
وأخرج الزبير بن بكار - في أخبار المدينة - عن نافع وغيره من أهل العلم قالوا: لم
يقص في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمان أبي بكر وعمر، وإنما القصص محدث
أحدثه معاوية حين كانت الفتنة (1).
أقول: وللوضع أسباب أخر كحسبان هداية الناس بوضع ما يدل على شدة الترهيب وزيادة
الترغيب.
وعن خالد بن يزيد: سمعت محمد بن سعيد الدمشقي يقول: إذا كان كلام حسن، لم أر
بأسا من أن أجعل له إسنادا (2)!!!
وعن الحلية عن شيخ خارجي بعد أن تاب: فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا
هوينا أمرا صيرنا له حديثا!
وعن الطحاوي - في المشكل - عن أبي هريرة مرفوعا عنه صلى الله عليه وسلم: إذا
حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أم لم أقله، فإني أقول ما
يعرف ولا ينكر، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به، فإني لا
أقول ما ينكر ولا يعرف!!! (3) وعن مسلم، عن يحيى بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في
شئ



(1) أضواء على السنة المحمدية: 123.
(2) النووي على مسلم 1: 32.
(3) أنظر إلى أبي هريرة كيف يظهر بعض أسباب تكثره حديثه.
45
أكذب منهم في الحديث.
وعنه أيضا، عن أبي الزناد: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم
الحديث (1).
وعلى كل قد جمع من الموضوعات ابن الجوزي والسيوطي وغيرهما مجلدات كثيرة. ولاحظ
ما مر عن قريب في الأمر الخامس حول أسباب التكثر المجعول.
موطأ مالك ومسند أحمد
هدفنا في هذا الكتاب هو نظرة عابرة إلى الأحاديث المروية في الكتب التي تسمى
بالصحاح الستة على نحو الإجمال دون غيرها من كتب الحديث، ولكنه يناسب أن نذكر ما
قيل حول موطأ مالك ومسند أحمد رحمهما الله توضيحا لحالهما إجمالا من دون تعرض
لحال أحاديثهما بالتفصيل.
عن الدهلوي في حجة الله البالغة: إن الطبقة الأولى من كتب الحديث منحصرة
بالاستقراء في ثلاثة كتب: الموطأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم.
والثانية لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنها تتلوها وهي: سنن أبي داود
والترمذي والنسائي.
والثالثة مسانيد مصنفات صنفت قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما، جمعت بين
الصحيح والحسن، والضعيف والمعروف، والغريب والشاذ والمنكر، والخطأ والصواب، والثابت
والمقلوب. وعلى الطبقة الثانية اعتماد المحدثين.



(1) أضواء على السنة المحمدية 137 و 138.
46
ألف مالك موطأ في أواخر عهد المنصور، وكان ذلك في سنة 148، وسببه - كما عن
الشافعي - أن أبا جعفر المنصور بعث إلى مالك لما قدم إلى المدينة وقال له: إن
الناس قد اختلفوا في العراق فضع للناس كتابا نجمعهم عليه، فوضع الموطأ.
وفي نقل آخر: فقال المنصور إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعت (يعني الموطأ)
فتنسخ نسخا ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمر أن يعملوا بما
فيها ولا يتعدوها إلى غيرها... قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فإن الناس
قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم
وعملوا به ودانوا من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم...
وعن السيوطي - في تنوير الحوالك - عن القاضي أبي بكر بن العربي: إن الموطأ هو
الأصل الأول والبخاري هو الأصل الثاني، وإن مالكا روى مائة ألف حديث، اختار منها
في الموطأ عشرة آلاف حديث، لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة حتى رجعت إلى 500
حديث.
وفي رواية ابن الهباب: ثم لم يزل يعرضه على الكتاب والسنة ويختبرها بالآثار
والأخبار حتى رجعت إلى 500 حديث.
أقول: فانظر إلى شدة ابتذال الحديث بالجعل والوضع وسلب الاعتماد عن الرواة بأن تصل
مائة ألف حديث إلى خمسمائة حديث!!!، ويظهر من العبارة المذكورة أن 9500 حديث من
10000 حديث مختارة من 100000 حديث مخالفة للكتاب والسنة أو الآثار والأخبار فحذفها
ثانيا من كتابه.
بل عن الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (أي المذهب

47
المالكي): قال عتيق الزبيدي: وضع مالك الموطأ على نحو عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر
فيه كل سنة ويسقط منه حتى بقي هذا، ولو بقي قليلا لأسقطه كله!!!
وعلى كل عن الشافعي أنه أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد نقل عن جمع ما يقرب من هذا
المدح، لكن قيل إن مالكا لم يقتصر في كتابه على الصحيح، بل أدخل فيه المرسل
والمنقطع والبلاغات، ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف، كما عن ابن عبد البر.
وقيل أيضا: إن الروايات عنه مختلفة حتى بلغت هذه الروايات عشرين نسخة، وقيل:
إنها ثلاثون، فلاحظ كلام الزرقاني في شرحه على الموطأ!
وعن بستان المحدثين لعبد العزيز الدهلوي: إن نسخ الموطأ التي توجد في بلاد العرب
في هذه الأيام متعددة عد منها 16 نسخة، وقيل: بين الروايات اختلاف كبير من تقديم
وتأخير وزيادة ونقص.
وعن ابن معين: إن مالكا لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي.
وعن الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول صلى الله
عليه وسلم.
والدارقطني ألف جزءا فيما خولف فيه مالك من الأحاديث في الموطأ وغيره، وفيه
أكثر من عشرين حديثا.
أقول: هذا حال مالك وكتابه الموطأ.
وقال أحمد عن مسنده - كما نقل -: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من
750 ألف حديث، فما اختلف فيه المسلمون من

48
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة!
وقال أيضا: عملت هذا الكتاب، أما ما إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رجع إليه.
وعن مقدمة ابن خلدون: إن مسند أحمد (1) فيه خمسون ألف حديث!!! سبحانك يا الله.
وعن ابن تيمية الحنبلي (2) نقلا عن أبي نعيم: إنه روى كثيرا من الأحاديث التي
هي ضعيفة، بل موضوعة باتفاق العلماء...
وقال: وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل
العلم، وشرطه أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف...
وأما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه سواء كان صحيحا أو ضعيفا... ثم زاد ابن
أحمد زيادات، وزاد أبو بكر القطيعي (الذي رواه عن ابنه) زيادات، وفي زيادات القطيعي
أحاديث كثيرة موضوعة (باتفاق أهل المعرفة)، وهذه شهادة حنبلي على إمامه.
وقال ابن تيمية في كتابه الآخر: ومما قاله أحمد بن حنبل، ووافقه عليه عبد الرحمن
بن مهدي وعبد الله بن المبارك: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في
الفضائل ونحوها تساهلنا.
وعن ابن كثير:... فإن فيه (أي المسند) أحاديث ضعيفة، بل موضوعة كأحاديث...



(1) المسند: ما أفرد فيه حديث كل صحابي، من غير نظر إلى موضوع الحديث وترتيبه،
وصحته وعدمها.
(2) أنظر الجزء الرابع من منهاج السنة.
49
وعن العراقي: وأما وجود الضعيف في المسند فهو محقق، بل فيه أحاديث موضوعة، وقد
جمعتها في جزء، ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع.
وعن أبي شامة نقلا عن أبي الخطاب: أصحاب الإمام أحمد يحتجون بالأحاديث التي
رواها في مسنده، وأكثرها لا يحل الاحتجاج بها...
ويقال: إن أحمد شرع في جمع المسند في أوراق مفردة على نحو ما تكون المسودة ثم
مات، فقام ابنه عبد الله بتدوينه وألحق به ما يشاكله، وضم إليه من مسموعاته ما
يشابهه ويماثله، فسمع القطيعي من كتبه من تلك النسخة على ما يظفر به منها فوقع
الاختلاط من المسانيد والتكرار.
وقيل أيضا: إنه قدر الله تعالى أن الإمام أحمد قطع الرواية قبل تهذيب المسند
وقبل وفاته بثلاث عشرة سنة، فتجد في الكتاب أشياء مكررة، ودخول مسند في مسند، وسند
في سند (1).
وعن ابن قتيبة: قطع أحمد بن حنبل رواية الحديث قبل وفاته بسنين كثيرة من سنة 228
ه‍ على ما يذكره أبو طالب المكي وغيره، فدخل في الروايات عنه ما دخل من الأقوال
البعيدة عن العلم، إما من سوء الضبط أو من سوء الفهم أو تعمد الكذب (2).
وعند الفراغ عن المقدمات نشتغل ببيان مقاصد الكتاب.



(1) أنظر مقدمة مسند أحمد للشيخ أحمد محمد شاكر.
(2) كتاب الاختلاف في اللفظ: 53.
50
المقصد الأول
حول أحاديث صحيح البخاري

51
مقدمة:
إن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة الفارسي ولد ببخارى سنة 194 ه‍، وارتحل
في طلب الحديث، ولبث في تصنيفه ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتى أتمه ببخارى، ومات
بخرتنگ قرب سمرقند سنة 256 ه‍، فكان عمره أكثر من ستين سنة. وكان مغيرة مجوسيا ثم
أسلم.
وعن مقدمة فتح الباري لابن حجر: إن أبا علي الغساني روى عنه أنه قال: خرجت
الصحيح من 600 ألف حديث.
وعنه أيضا: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر...
وعنه: كنا عند إسحاق بن راهويه - وهو أستاذه - فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا
لصحيح سنة الله، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح، وخرجت الصحيح من
600 ألف حديث.
فهو أول من ميز الصحيح من غير الصحيح في نظره واجتهاده ثم تبعه غيره في ذلك،
وكتاب البخاري أشهر الصحاح حتى قيل في حقه: إنه أصح كتاب بعد كتاب الله.
وعن الحاكم في تاريخه: قدم البخاري نيسابور في سنة 250 ه‍، فأقبل عليه الناس
ليسمعوا منه، وفي أحد الأيام سأله رجل عن (اللفظ بالقرآن)، فقال: أفعالنا مخلوقة،
وألفاظنا من أفعالنا، فوقع بذلك خلاف، ولم يلبث أن حرض الناس عليه محمد بن يحيى
الذهلي وقال: من قال ذلك فهو مبتدع ولا يجالس ولا يكلم! فانقطع الناس عن البخاري
إلا مسلم - صاحب الصحيح الآخر - وأحمد بن سلمة، وقد خشي البخاري على

53
نفسه فسافر من نيسابور (1).
أقول: لا شك أن قول البخاري هو الصحيح المعقول.
ثم إن جملة من المحققين لم تمنعهم شهرة البخاري من أن ينتقدوه وينتقدوا كتابه،
ولا شك أن كل إنسان له أخطاؤه ونواقصه، ويقبح كل القبح من العلماء أن يغلوا في
حق أي واحد وإن كان مشهورا أو ينقصوا من حق أي أحد وإن كان مهجورا، وهذا هو
الفارق بين العالم والجاهل.
فمن جملة ما أخذوا عليه، أنه ينقل الحديث بالمعنى، يعني لا يهتم بألفاظ الحديث مع أنها مهمة جدا، فقد نقل أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال: قال لي محمد بن
إسماعيل يوما: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته
بمصر، فقلت له: يا أبا عبد الله بتمامه؟ فسكت (2).
وبمثله نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3).
وعن محمد بن الأزهر السجستاني قال: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا
يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم: ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه
(المصدر).
وعن العسقلاني: من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاما بإسناد واحد
بلفظين (4).
ومن جملة ما أخذوا على كتابه ما ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح: إن



(1) أنظر هدى الساري 2: 203.
(2) هدى الساري 2: 201.
(3) تاريخ بغداد 2: 11.
(4) فتح الباري 1: 186.
54
أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند
صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم
يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض.
قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول إن رواية أبي إسحاق
المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهي، ورواية أبي زيد
المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد، وإنما ذلك بحسب
ما قدر كل واحد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما، فأضافه إليه،
ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث.
وذكر في الجزء السابع من فتح الباري شواهد أخر منها: إن البخاري ترك الكتاب
مسودة وتوفي، وقال: أظن أن ذلك - أي الناقصة - من تصرف الناقلين لكتاب البخاري.
أقول: وهذا مما يقل الاعتماد على الكتاب المذكور.
ومن جملة هذه المؤاخذات ما انتقده الحفاظ في عشرة ومائة حديث، منها 32 حديثا وافقه
مسلم على تخريجه، و 78 حديثا انفرد هو بتخريجه (1).
والذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا،
المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلا، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري
620 رجلا، المتكلم فيه بالضعف منهم



(1) فتح الباري 2: 81.
55
160 رجلا، والأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مائتي حديث وعشرة، اختص البخاري
منها بأقل من ثمانين، وباقي ذلك يختص بمسلم.
وأما الذين طعن فيهم من رجال البخاري فنحو أربعمائة نفر، فلاحظ تفصيله في المصدر
السابق.
وعند السيد محمد رشيد رضا أن المشكلة لا تخص بصناعة الفن - أي السند - بل في
المتون أيضا، فقال: إذا قرأت الشرح (فتح الباري) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات
في معانيها أو تعارضها مع غيرها...
ويقول الدكتور أحمد أمين: إن بعض الرجال الذين روى البخاري لهم غير ثقات، وقد ضعف
الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل فالوقوف على
أسرار الرجال محال... إن أحكام الناس على الرجال تختلف كل الاختلاف... ولعل من أوضح
المثل في ذلك عكرمة مولى ابن عباس، وقد ملأ الدنيا حديثا تفسيرا، فقد رماه بعضهم
بالكذب، وبأنه يرى رأي الخوارج، وبأنه كان يقبل جوائز الأمراء، ورووا عن كذبه
شيئا كثيرا، فرووا أن سعيد بن المسيب قال لمولاه - برد -: لا تكذب علي كما كذب
عكرمة على ابن عباس، وأكذبه سعيد بن المسيب في أحاديث كثيرة.
وقال القاسم: إن عكرمة كذاب يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية.
وقال ابن سعد: كان عكرمة بحرا من البحور وتكلم الناس فيه، وليس يحتج بحديثه.
هذا على حين أن آخرين يوثقونه... فالبخاري ترجح عنده صدقه، فهو يروي له في صحيحه
كثيرا، ومسلم ترجح عنده كذبه، فلم يرو له إلا حديثا واحدا في الحج، ولم يعتمد
فيه عليه وحده، وإنما ذكره تقوية

56
لحديث سعيد بن جبير في الموضوع نفسه (1).
لا يجب الأخذ بكل ما في البخاري
ويقول صاحب المنار في كلام له في هذا المجال: بل ما من مذهب من مذاهب المقلدة إلا
وأهله يتركون العمل ببعض ما صح عند البخاري وعند مسلم أيضا من أحاديث التشريع
المروية عن كبار أئمة الرواة، لعلل اجتهادية أو لمحض التقليد، وقد أورد المحقق ابن
القيم أكثر من مائة شاهد على ذلك في كتابه أعلام الموقعين...
وعن الانتصار لابن الجوزي، جملة أحاديث لم تأخذ بها الشافعية من أحاديث الصحيحين،
لما ترجح عندهم مما يخالفها، وكذا في بقية المذاهب.
أقول: من وقف على المباحث الماضية لا يبقى له شك في عدم وجوب العمل بكل ما في
الصحاح ومنها البخاري، بل يطمئن بكذب جملة منها فلا يبقى للمحقق سوى الاحتياط
التام، وأما المقلد والعامي ومدعي العلم فله ما تخيل، بل صحة الرواية عند مؤلف شئ
وصحة المتن عن النبي الأكرم صلى الله عليه سلم شئ آخر وبينهما بون بعيد، فلا تكن
من المغرورين.
روايات البخاري
وعن العراقي كما عن شروط الأئمة الخمسة ص 85 أن عدد أحاديث البخاري يزيد في رواية
الفربري على عدده في رواية إبراهيم بن معقل



(1) ضحى الإسلام 2: 117 - 118.
57
بمائتين، ويزيد عدد النسفي على عدد حماد بن شاكر النسفي بمائة.
وعن ابن حجر في مقدمة الفتح: إن عدد ما في البخاري من المتون الموصولة بلا تكرار
2602، والمتون المعلقة المرفوعة 159، فمجموع ذلك 2761.
وقال في شرح البخاري: إن عدته على التحرير 2513 حديث (1).
نواقص كتاب البخاري
الذي ظهر لي بالتعمق في روايات البخاري وأحاديثه أن فيه نواقص تضر باعتباره
وبالاعتماد عليه أو بحسن تأليفه، منها:
1 - لا مناسبة في بعض المواضع بين عناوين الأبواب ورواياتها كما في غالب كتاب
العلم، وكتاب مواقيت الصلاة، وباب إذا لم يجد ماء ولا ترابا وأمثالها.
2 - الأحاديث المكررة - سواء بلا مناسبة أو بمناسبة جزئية - في كتابه قد بلغت إلى
حد تشمئز منه النفس ويتنفر منه الطبع، ولعلها من خصائص هذا الكتاب وحده، فإنه
ربما كرر فيه بعض الأحاديث ثلاث عشرة مرة، وست عشرة مرة، وتسع عشرة، بل إلى
اثنتين وعشرين مرة!!!!
ويحتمل أن هذا التكرار الممل المخالف للذوق السليم ليس من صنع المؤلف، فإنه مات
قبل تدوين كتابه فتركه مسودا، فتصرف فيه المتصرفون بلا روية، وعليه فيقل الاعتماد
على الكتاب المذكور، فإن أمانة البخاري ووثاقته لا توجدان أو لم تثبتا لهؤلاء
المتصرفين.



(1) فتح الباري 1: 70.
58
3 - لا يوجد في كتاب التوحيد - مثلا - حديث مفيد، بل كثيرا ما لا يستفاد من
روايات البخاري معنى مفيدا، وهذا شئ عجيب، وكيف يعقل أن تكون جملة كثيرة من
أحاديث النبي الحكيم الفصيح صلى الله عليه وآله وسلم في أمور تافهة غير مناسبة
لمقام النبوة، وهو أفضل البشر عقلا وعلما وحكمة؟!!!
4 - لا معنى لبعض كتب البخاري، فلاحظ كتاب التمني تجد صدق ما قلنا.
5 - ينبغي أن نسمي مجمع الصحاح - ومنها البخاري - بكتب سيرة النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، إذ لا توجد في أكثر أحاديثها مطالب في العقائد والمعارف والضوابط الكلية
في الفقه، ولذا ترى فقهاء المذاهب والمجتهدين في الفقه يلجأون إلى القياس
والاستحسان والمصالح المرسلة، بل ذهب بعض المحققين - كما تقدم ذكره عند البحث عن
كتابة الحديث - إلى أن الصحابة (رض) لم يفهموا جعل الأحاديث كلها دينا عاما
دائما كالقرآن، وإلى أن حكمة النهي عن كتابة الحديث هي لكي لا تكثر أوامر التشريع
ولا تتسع أدلة الأحكام، وهو ما كان يتحاشاه النبي صلى الله عليه وسلم.
نعم خلو كتب الحديث عما قلنا وإجمال جملة أخرى من روايات هذه الكتب يقويان
استنباط هؤلاء المحققين من حكمة النهي المذكور، لكن معنى ذلك سقوط السنة القولية
عن مقامها السامي في التشريع الإسلامي المقر به عند المذاهب الإسلامية أو جمهور
المسلمين، حيث يعدون السنة بعد كتاب الله تعالى مصدرا أصليا، اللهم إلا أن يقال
إن المراد بها هي السنة العملية دون أخبار الآحاد التي عرفت حالها فيما مر من هذا
الكتاب، وإن الغلو في اعتبار روايات الصحاح شأن مدعي العلم والمغرورين دون العلماء
الكاملين.

59
6 - كل منصف تعمق - بعد مطالعة البخاري - في سائر الصحاح يفهم بوضوح أن البخاري -
مع الغض عن نقله الحديث بالمعنى كما مر - يرى جواز الحذف والتغيير في متون الأحاديث
بما يراه مناسبا، وهذا أمر خطير يسقط اعتبار الكتاب إلى حد بعيد رغم اشتهاره
واعتماد معظم أهل العلم عليه، فمن باب المثال يمكن أن يرجع المحقق إلى روايات
التيمم الواردة في بحث عمر وعمار (رض)، وروايات كتاب الأذان، وقصة إنكار عمر موت
النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة منازعة العباس وعلي وما قال لهما عمر، وأمثال ذلك.
وأنا أرجو من القراء الكرام أن لا يتبادروا إلى الإنكار والغضب، بل ليرجعوا إلى
البخاري ثم إلى سائر الصحاح وكتب الحديث حتى يقفوا على الحقيقة، والحق أحق أن يتبع،
نعم ليس سبيل التحقيق في الدين هو تحكيم طريقة الآباء أو اتباع المشهور، إذ رب شهرة
لا أصل لها، والمسلم بحكم فطرته ودينه مكلف باتباع الدليل والله يهدي من يشاء إلى
الصراط المستقيم، واعلم أني لا أتعرض لأحاديث البخاري وكذا غيره من الصحاح من
ناحية السند إلا نادرا ولا أتعرض لجميع الأحاديث ليكون الكتاب كالشرح للصحاح، بل
أتعرض لبعض الروايات (1).
بدء الوحي
(1) عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه
وسلم



(1) النسخة الحاضرة عندي من البخاري هي المطبوعة بمساعدة دار ابن كثير واليمامة في
دمشق وبيروت الطبعة الرابعة (1410 ه‍) بتحقيق وتعليق الدكتور مصطفى ديب البغا مدرس
في كلية الشريعة - جامعة دمشق، في ستة أجزاء. وحيث إن الدكتور المذكور ذكر لكل حديث
رقما مسلسلا فأنا أذكر الرقم المذكور بعد نقل الرواية كلا أو بعضا.
60
من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم... فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن
نوفل... (1).
أقول: في هذه الرواية ثلاثة أسئلة:
أولها: إن السيدة عائشة تنقل الموضوع كأنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وكأنها سمعت كلام جبرئيل في غار حراء، وكأنها كانت عند خديجة - (رض) -
وسمعت كلامها وكلام ورقة بن نوفل لرسول الله وما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم،
والحال أنها لم تكن ولدت آنذاك، وهذا شئ عجيب، وأي مجوز لنقله في مثل كتاب
البخاري، ألمجرد حسن الظن بأنها تنقل كل ذلك عن رسول الله، فإن حسن الظن في أمور
الدين لا يكفي لكسب الحقيقة مع أن سوق العبارة في مجموع الحديث لا يناسب النقل، بل
العبارة عبارة الشاهد دون الناقل، وهل هذا بمجرده لا يشعر بكذب الحديث؟
ثانيها: إن ورقة بن نوفل - يعلم بإخراج قريش إياه صلى الله عليه وسلم من مكة وهو
لا يعلم، فهلموا أيها المنصفون - بل يا أيها العاقلون - انظروا نصرانيا يعلم
مستقبل النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم، ويسأل صلى الله عليه وسلم عنه
سؤال تلميذ من أستاذه!!!
ثالثها: وهو أهمها أن النبي لم يطمئن بتعينه رسولا، وكأن الله سبحانه وتعالى لم
يقدر على تفهيم رسوله بما أراد منه وأعطاه إياه حتى نصحته زوجته، وهو يخشى على
نفسه! وأسوأ منه أن ورقة النصراني عرف الملك وعلم أنه صلى الله عليه وسلم بعث
رسولا، وهو يخشى على نفسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا الحديث وأمثاله إنما
يقبله السذج والبسطاء، ولا يجترئ



(1) صحيح البخاري 1: رقم 3 كتاب بدء الوحي.
61
مسلم فطن أن يقبل أن الرسول الخاتم فهم نبوته بقول زوجته وبقول رجل نصراني أعمى دون
وحي منزل من الله سبحانه وتعالى عليه.
على أن الحديث التالي لجابر بن عبد الله في البخاري يكذب قصة الرجوع إلى ورقة،
فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر) (1) (2).
وحمله على وقت آخر لا دليل عليه سوى حسن الظن بالرواة وحفظ كلامهم عن التعارض!
نكتة
(2) عن أبي موسى قال سئل النبي عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس:
سلوني عما شئتم قال رجل: من أبي؟ قال: أبوك حذافة، فقام آخر فقال من أبي...
فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل.
وفي رواية أخرى فبرك عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا،
فسكت (3).
أقول: للحديث صدر في بعض الكتب لا أذكره احتراما لعمر، ولأجله حذفه البخاري فصار
الكلام مجملا!
مسح الرجلين
(3) عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر



(1) المدثر: 1، 2.
(2) صحيح البخاري رقم 4638 كتاب التفسير.
(3) صحيح البخاري رقم 92 - 93 كتاب العلم.
62
سافرناه، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى
بأعلى صوته: ويل للإعقاب من النار مرتين أو ثلاثا (1).
أقول: يظهر من الرواية أن الصحابة (رض) كانوا يمسحون على أرجلهم في الوضوء عملا
بظاهر القرآن أو بتعليم من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بكليهما، وقوله صلى الله
عليه وسلم: ويل للإعقاب من النار ناظر إلى لزوم إزالة النجاسة عن الأعقاب
المبطلة للصلاة.
وعليه فالرواية تنافي ما ورد في غسل الرجلين، وحمل المسح على الغسل الخفيف - كما
عن بعضهم - تأويل بلا وجه.
(4) وعن علي: إنه صلى الظهر ثم... فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه
ثم... (2).
أقول: المظنون أن الأصل: مسح رأسه ورجليه، فيد الأمانة حرفتها بذكر!
شرط دخول الجنة
(5) وفي رواية أبي هريرة: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا
الله، خالصا من قلبه، أو نفسه (3).
أقول: هذا المعنى وما يقرب منه يستفاد من جملة من الأحاديث، ومقتضاه عدم اشتراط
دخول الجنة بالاعتقاد بنبوة فضلا عن الاعتقاد بنبوة خاتم النبيين صلى الله عليه
وسلم، ولكن لا بد من تقييده بغيره كحديث معاذ (4) وغيره.



(1) صحيح البخاري رقم 9660 كتاب العلم، صحيح مسلم 3: 131.
(2) صحيح البخاري رقم 5239 كتاب الأشربة.
(3) صحيح البخاري رقم 99.
(4) صحيح البخاري رقم 128 كتاب العلم.
63
واعلم أنه ورد في جملة من الأحاديث على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الناس
حتى يقولوا... ومدخول كلمة " حتى " مختلف زيادة ونقيصة اختلافا كثيرا يشكل إحراز ما
هو الصحيح منه.
صحيفة علي
(6) عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟
قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة.
قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟
قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر (1) (2).
(7) عن علي: ما عندنا شئ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه
وسلم: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، وقال: ذمة المسلمين
واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرف
ولا عدل، ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (3).
أقول: قيل في تفسير (الصرف والعدل): أي التوبة والفدية أو النافلة والفريضة ورواه
بتفاوت في كتاب الجزية (4).
(8) وعن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم شئ من



(1) وفي الديات من سنن ابن ماجة برقم 2658 أو ما في هذه الصحيفة فيها الديات عن
رسول الله (ص)...
(2) صحيح البخاري رقم 111.
(3) صحيح البخاري رقم 1771 كتاب فضائل المدينة.
(4) صحيح البخاري رقم 3008 كتاب الجزية، بتفاوت.
64
الوحي؟ إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا
فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة؟
قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر (1).
(9) وعن ابن الحنفية: لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاء أناس فشكوا سعاة
عثمان، فقال لي علي: اذهب إلى عثمان فأخبره أنها (أي الصحيفة المشتملة على أحكام
الصدقات) صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون فيها.
فأتيته بها، فقال: اغنها عنا، فأتيت بها عليا فأخبرته، فقال: ضعها حيث أخذتها.
وفي نقل آخر: أرسلني أبي وقال: هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإن فيه أمر النبي
في الصدقة (2).
أقول: هذه صحيفة أخرى لعلي رضي الله عنه في أحكام الزكاة أعرض عن أخذها - فضلا
عن العمل بها - عثمان. ومنها يظهر بطلان ما:
(10) عن ابن عباس حين سئل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شئ؟ قال: ما ترك
إلا ما بين الدفتين. ونسب مثله إلى محمد بن الحنفية (3).
(11) عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب قال: من زعم أن عندنا
شئ نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب،
فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات،



(1) صحيح البخاري رقم 2882 كتاب الجهاد.
(2) صحيح البخاري رقم 2944 كتاب الخمس.
(3) صحيح البخاري رقم 2731 كتاب فضائل القرآن.
65
وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث
فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله
منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن ادعى
إلى غير أبيه أو أنتمي إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا
يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا (1).
(12) عن أبي الطفيل قال: سئل علي أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ؟ فقال:
ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في
قراب سيفي هذا.
قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار
الأرض، ولعن الله من لعن والده (والديه)، ولعن الله من آوى محدثا (2).
(13) وعن علي عليه السلام: ما كتبنا عن رسول الله إلا القرآن، وما في هذه
الصحيفة... (3).
(14) عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي عليه السلام فقلنا: هل عهد
إليك رسول الله شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا...
فإذا فيه: المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا
يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو
آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (4).



(1) صحيح مسلم 10: 150.
(2) صحيح مسلم 13: 142.
(3) سنن أبي داود 2: 223..
(4) سنن أبي داود 4: 179 كتاب الديات.
66
(15) عن الأشتر أنه قال لعلي: إن الناس قد تفشغ بهم ما يسمعون، فإن كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم عهد إليك عهدا فحدثنا به.
قال: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس، غير أن في قراب سيفي صحيفة فإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم لا
يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده (مختصر) (1).
ومعنى تفشغ: فشا وانتشر بما يسمعون كما ذكره السندي، وضبطه السيوطي في شرحه: تقشع،
وفسره بتصدع واقلع.
أقول: لا بد من ذكر أمور باختصار، منها:
1 - إن الروايات - كما ترى - تختلف اختلافا شديدا في مطالب الصحيفة كما
وكيفا وترتيبا، وما ادعى أحد من الرواة أنه نقل كل ما في الصحيفة، وهذا شئ
عجيب.
2 - إن نفس هذا الإصرار على نفي الكتاب أو شئ من العلم عند علي ربما يدل على
عكسه، وإن الغرض من هذه الروايات إنكاره، ويدل عليه الخبر الأخير من شهرة ذلك -
الكتاب أو العهد - بين الناس.
3 - صريح خبر ابن الحنفية وجود كتاب آخر عند علي وهو صحيفة صدقات رسول الله صلى
الله عليه وسلم أرسلها إلى عثمان ليعمل بها، ولكن عثمان ما قبلها وردها، وهذا
يكذب كل ما في الروايات من الإنكار والنفي!
4 - مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عليا علوما كثيرة في
المعارف والفقه وغيرهما، وأنه كان يلزمه من صغره إلى حين موت النبي صلى الله عليه
وسلم، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم يخلو به كل يوم، وكل من قرأ الأحاديث الواردة
في حقه



(1) سنن النسائي 8: 24.
67
يعلم ذلك قطعا.
والعجب أنه لم ينكر أحد على أبي هريرة الوعائين للعلم اللذين أعطاهما له رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأنه بث وعاء واحدا ولم يبث الوعاء الآخر! وكل عاقل
يعلم أن عليا أعلم من أبي هريرة بكثير، فأي موجب لهذا الإنكار؟
5 - قد ثبت أن لعلي كتبا أو كتابا كبيرا فيه كثير من الحلال والحرام، وقد نقل
عنه أولاده كمحمد بن علي وجعفر بن محمد في موارد كثيرة.
ولعل غرض المنكرين الوضاعين هو نفي وصية الخلافة إليه، وهذا النفي لا يتوقف
على نفي ما هو المعلوم من علومه أو كتابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
منع النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة
(16) عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني
بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه
الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط.
قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع.
فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبين كتابه (1).
(17) وعنه: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال بعضهم: إن رسول
الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا،
فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلون بعده، ومنهم من يقول



(1) صحيح البخاري رقم 114 كتاب العلم.
68
غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قوموا (1)... إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب
لاختلافهم، ولغطهم (2).
(18) وعنه ما يقرب من سابقه بتفاوت ما، وفيه: وفي البيت رجال فيهم عمر بن
الخطاب... لا تضلوا بعده.
فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع... ومنهم من يقول ما قال عمر.. (3).
(19) وعنه أيضا مثل ما مر آنفا (4).
(20) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب



(1) أخرج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن ابن مليكة: كاد الخيران أن
يهلكا أبو بكر وعمر لما قدم على النبي (ص) وفد بني تميم أشار إلى أحدهما بالأقرع
بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال: أبو بكر لعمر:
إنما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي (ص)،
فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له
بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أن الذين يغضون أصواتهم
عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم).
ونقله في كتاب المغازي عن عبد الله بن الزبير بلفظ آخر وفيه: حتى ارتفعت أصواتهما
فنزلت في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) حتى أنقضت.
أقول: مع الأسف أن عمر لم يتأدب بتأديب الله حتى آخر أيام حياة النبي (ص)، فرفع
صوته فوق صوت النبي (ص)، وقدم بين يدي الله ورسوله، ومنع من امتثال أمره، وقال:
حسبنا كتاب الله.
(2) صحيح البخاري رقم 4169 كتاب المغازي.
(3) صحيح البخاري رقم 5345 كتاب المرضى.
(4) صحيح البخاري رقم 6932 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
69
دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال:
ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي
تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، ونسيت الثالثة (1).
(21) وعنه مثل سابقه بتفاوت، ففيه: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده
أبدا... فقالوا: أهجر استفهموه؟ فقال: ذروني... فأمرهم بثلاث... والثالثة خير،
إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها (2).
(22) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه
فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي
تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني...
وأوصاهم بثلاث... وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها (3).
أقول: فهذه سبعة موارد كرر البخاري الحديث في كتابه بألفاظ مختلفة، ولا يفهم من
هو الذي غير الألفاظ فإن ابن عباس حكى واقعة واحدة لسعيد بن جبير (4168 و 2888
و 2997)، ولعبيد الله بن عبد الله بن عتبة (114 و 4169 و 5345 و 6932)، ولا يبعد أن
عبيد الله - لمكان فقهه



(1) صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.
(2) صحيح البخاري رقم 2997 كتاب الجزية.
(3) صحيح البخاري رقم 4168 كتاب المغازي.
70
وعلمه - أصلح الرواية بما يخرجها عن الغلظة والشدة، فيخفف السؤال والايراد عليها،
ويحتمل أن التغيير والتعبير عن الهجر بغلبة الوجع من صنع البخاري كما أشرنا إليه
في المقدمة، والله العالم (1) (2).
وخلاصة الواقعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته طلب من جماعة من
أصحابه الحاضرين في بيته شيئا يكتب فيه كتابا لا يضل الأمة بعده أبدا، فقال:
عمر وغيره (رض): أنه يهجر ويهذي، وعندنا كتاب الله وحسبنا (فلا نحتاج إلى كتابه
صلى الله عليه وسلم فلا تقربوا إليه شيئا يكتب فيه الكتاب) فاختلف الحاضرون بين
مؤيد لقول صلى الله عليه وسلم وبين مؤيد لقول عمر (رضي الله عنه)، فتنازعوا
بينهم حتى كثر اللغط بينهم، فتأثر النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم من الحال
فطردهم من بيته بقوله: قوموا عني أو دعوني ثم أمرهم بثلاث لم يذكر ابن عباس أو
غيره ثالثها.
إذا تقرر ذلك فها هنا أمور:
1 - هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب بيده ليكون الحديث دليلا على
قدرته على الكتابة بعد النبوة بإفاضة من الله سبحانه وتعالى - وإن كان قبلها لا
يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه - أو يأمر أحدا من الحاضرين بالكتابة؟ فيه وجهان.
وربما يأتي بعض الكلام حوله في المقصد الثاني.
2 - ما هو الموضوع المهم الذي أراد النبي أن يكتبه في تلك الحالة ولا يرى أن يكتفي
بالبيان القولي، فهل كان أمرا جديدا لم يبينه لأمته إلى ذلك اليوم، أو بينه
لكنه أراد كتابته في آخر أيام حياته تأكيا وتخليدا له؟



(1) وأما البكاء، فلا اختلاف فيه، لإمكان أن ابن عباس بكى عند سعيد ولم يبك عند
عبيد الله، وهذا واضح.
(2) أنظر صحيح مسلم 11: 90 كتاب الوصية.
71
العقل يحكم بالوجه الثاني، لاستحالة إخفاء النبي أمرا لا تهتدي الأمة بدونه،
ورضاه ببقاء الناس على الضلالة مساوق لإبطال رسالته - وهو كما ترى - إلا أن يدفعه
أحد بما يجيء في الأمر الرابع والسادس.
3 - مع الغض عن الأمر الثاني، يخطر في أذهاننا ما هو هذا الأمر العظيم الذي تقع
الأمة بعده في الضلالة حتى مع الكتاب والسنة؟
هل كان الأمر الحاضر في ذهنه صلى الله عليه وسلم من مباحث التوحيد أو المعاد أو
شئ من المعارف الاعتقادية فهذا شئ بعيد غايته، فإن الأركان الاعتقادية والأصول
الدينية قد تقررت في الكتاب والسنة في حياته، ولم يبق شئ منها يشترط في صحة
الإسلام أو الإيمان، مع أن المناسب على هذا الاحتمال لزوم التعبير ب‍: لا تكفرون
بعدي مكان لا تضلون بعدي.
وهل هو من مباحث الحلال والحرام وتفصيل أحكام المسائل الجزئية الفرعية؟ وإن شئت
فقل تكميل الفقه وبيان فروعه؟ لكنه غير محتمل، لأن بيانها كان يحتاج إلى زمان
طويل وكتاب مبسوط قطور.
ثم أقول: هذا المخزون في ضميره صلى الله عليه وسلم ليس من أصول الدين ولا من
فروعه، لأن الله سبحانه أخبر قبل ذلك اليوم بثلاثة أشهر - بزيادة أيام أو
بنقيصتها - مخاطبا الأمة الإسلامية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، والدين عبارة عن الأصول الاعتقادية
والأحكام الفرعية (1) وموضوعاتها المستنبطة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد
والاعتكاف ونحو ذلك، فمع إكمال الدين لا يبقى شئ يوجب تركه ضلال الأمة.



(1) في العبادات والمعاملات والحدود والديات وغيرهما مما هو مسطور في الكتب
الفقهية اليوم.
72
4 - في الحديث نكتة مهمة لا بد من لفت النظر إليها، وهي أن هذا الذي أراد صلى
الله عليه وسلم أن يكتبه إنما كان يوجب حفظ الأمة عن الضلال بعد حياته حيث قال:
لن تضلوا أو لا تضلوا، أو لا تضلون بعده، أي بعد هذا الكتاب، فإنه كان
عالما - بإعلام الله تعالى - أنه ذاهب في القريب العاجل إلى ربه وإلى الرفيق
الأعلى، فهذا الأمر لا يتعلق بهداية الناس في حياته وإلا لبينه للناس قبل ذلك
في مكة أو في أوائل هجرته، فإن تبليغ ما أنزل إليه من ربه واجب عليه، فإن لم يفعل
فما بلغ رسالته.
وبعبارة أخرى أن الذي قصد كتابته أمر خطير وحافظ من ضلال الأمة، لكنه ليس
متعلقا بأيام حياته صلى الله عليه وسلم، بل يتعلق بحال المسلمين بعد وفاته صلى
الله عليه وسلم.
وهذا الذي يستفاد بوضوح من قوله صلى الله عليه وسلم: (بعده)، يؤكده قوله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم...) فكما أنه ليس من أمور التوحيد والمعاد وسائر
أصول الإسلام وليس من فروعه أيضا كما عرفت، كذلك ليس موردا لابتلاء المسلمين إلى
ذلك اليوم وإلى حين وفاته وإلا لتوجه الإيراد عليه صلى الله عليه وسلم أولا:
بأنه لم يبينه لحد الآن، وثانيا: بأن الله أكمل الدين فما معنى ضلال المسلمين
بعده.
5 - من الواضح أنه يخطر في ذهن كثير من أهل العلم وغيرهم أن مجرد منع جماعة من
الصحابة بقيادة عمر (رضي الله عنه) لا يكفي لانصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن
كتابة هذا الأمر المهم المانع عن الضلال، فلم أنصرف عنها ولم لم يبينه قولا
وشفاها حتى طردهم عن بيته وسكت عن مراده؟ وهذا سؤال مهم جدا.
وجوابه عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن تأكيده على مراده بالكتابة لا
يفيد

73
تلك الفائدة بعد ما قال عمر (رضي الله عنه) قوله وقبله جمع آخر، إذ لو فرض أنه
يكتب بعده ما أراده صلى الله عليه وسلم بكل تأكيد وتغليظ كان بوسع المخالفين أن
يقولوا إنه صلى الله عليه وسلم لشدة مرضه هجر وهذى، فلا موجب أو لا مجوز للعمل
به، فلا يتحقق مراده، ولأجله انصرف عنه.
6 - بعد اللتيا والتي يبقى السؤال السابق بحاله، وأنه ما هو مقصود النبي صلى الله
عليه وسلم من هذا المكتوب؟ وأقول في الجواب: لا بد من لفت النظر إلى ما تفرقت
الأمة عليه بعد وفاته وضلوا وسقطوا في الفتن والحروب والتقاتل والتكفير
والتضليل إلى يومنا هذا؟ وهذا الشئ هو مقصوده بالكتابة.
ونحن نعتقد بأن كل منصف إذا تطهرت نفسه من العصبية والتقليد يفهم أنه هو أمر
الخلافة بعده وتعيين خليفته بشخصه وعينه.
أليس وقع الاختلاف بين علي (رضي الله عنه) وغيره في أمر الخلافة ولم يبايع أبا
بكر (رضي الله عنه) ستة أشهر طيلة أيام حياة فاطمة، وإنما بايعه حين استنكره
وجوه الناس كما نقله البخاري فيما يأتي عن عائشة (رض).
ألم يقع التشاجر بين الأنصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة والتكلم بما لا يليق
بمسلم؟ وهلا يرجع سبب الفتن الواقعة في خلافة عثمان (رضي الله عنه) إلى هذا الأمر
المقصود بالكتابة؟
أليست حروب الجمل وصفين والنهروان من أوضح آثار الاختلاف في الخلافة؟
ما هو سبب قتل الخليفتين عثمان وعلي وبقاء ما ترتب عليه إلى يومنا هذا، أليس
تفرق المسلمين شيعة وسنة نتيجة الاختلاف في الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم،
أليست الحروب الداخلية بين المسلمين التي أفسدت الحرث والنسل لأجل ذلك؟ أليس ما
ابتلى به المسلمون - حتى يومنا هذا -

74
من الانحطاط والتأخر والانحراف هو نتيجة ذلك الاختلاف الذي أدى إلى تسلط حكام
الجور من بني أمية وبني العباس؟ وهكذا وهكذا.
وبعد هذا لا أظن بمسلم عاقل يشك في مراد النبي صلى الله عليه وسلم وما أراد أن
يكتبه، وأنه هو تعيين خليفته بعده أو الخلفاء بعده، فلو كتبه صلى الله عليه وسلم
وقبله الصحابة بعده ما ضل الناس بعده أبدا، وحيث إن جماعة من الصحابة منعوه من
الكتابة فقد ضل الناس كما عرفت.
لا يقال قد ذكرت أن آية إكمال الدين أخبرت عن عدم بقاء أمر ديني موجب للضلال فيعود
الإشكال عليك أيضا. فإنه يقال أن الآية الشريفة تدل على إكمال أمر التشريع
والتقنين في الأصول والمعارف وكليات الفقه وحتى أمر الخلافة إجمالا، كما يظهر من
استدلال الشيعة وأهل السنة بالآيات والروايات الصريحة أو المشيرة - بزعمهم - على
أمر الخلافة.
وأما تعيين مصداق الخليفة وشخصه، فهذا لا يمس بإكمال التشريع حتى إذا فرضنا (1)
إهماله من جانب صاحب الرسالة إلى هذا اليوم، لعدم حلول وقت الابتلاء به إلى حين
وفاته صلى الله عليه وسلم، فبيان الحكم أمر وتعيين مصداقه ومتعلقه أمر آخر وبينهما
بون بعيد، ولذا قال بعض الباحثين أن مراده صلى الله عليه وسلم هو التنصيص على خلافة
أبي بكر.
7 - بقي في المقام سؤالان خطيران مهمان:
الأول: نسبة الهجر إلى النبي المعصوم الذي قاله فيه سبحانه وتعالى: (وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى) يوجب الردة أو الفسق قطعا، وهذا لا يجتمع مع عدالة
الصحابة، بل مع الإيمان، بل لو فرضنا



(1) خلافا للشيعة وجمع من أهل السنة القائلين بتعيين الخليفة من قبله صراحة على
حد زعم الشيعة أو إشارة على حد زعم جماعة من أهل السنة.
75
صحة جملة (قد غلبه الوجع، أو: قد غلب عليه الوجع) مكان جملة (هجر، أو: أهجر)، بل
لو فرضنا أنهم قالوا بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تكتب شيئا في هذه الحالة لبقي
أصل الإشكال بحاله، فإن عصيان الرسول محرم ينافي العدالة.
الثاني: إن منع الكتابة أوجب ضلال الأمة ضلالا ذهبت به الأموال وسفكت به
الدماء ووقعت به البغضاء والعداوة والتفرقة الواسعة بين المسلمين إلى يومنا هذا (1)
فوزر هذا الضلال الكبير على المانعين في ذلك المجلس، أو أنه معفو عنهم لاجتهادهم؟!
لكن الاجتهاد في مقابل النص لو فرض جوازه لارتفع وجوب إطاعة الرسول صلى الله عليه
وسلم الثابت بالآيات الكثيرة الواردة في القرآن وبالضرورة من الدين والعقل. على أن
في خصوص المقام قامت قرينة واضحة على إبطال هذا الاجتهاد، وهو غضب النبي أو عدم
رضاه بالمنع المذكور، وكثرة اللغط واللغو حتى طردهم من عنده بقوله صلى الله عليه
وسلم: قوموا عني، فأمرهم بتركه وقيامهم عنه، ولعله لا نظير له في تمام حياته،
فإني لم أجد موردا أخرج النبي أحدا من أصحابه من بيته حتى في ليلة عرسه مع
كراهته لبقائهم في البيت حتى نزلت آية الحجاب كما نقل في الصحاح.
وأيضا صرح النبي صلى الله عليه وسلم لهم: بأن الذي أنا فيه هو خير مما تدعونني
إليه، أي هذا المرض المميت خير مما تدعونني إليه من ترك الكتابة، فادعاء الاجتهاد
في المقام غلط واضح، وصدق ابن عباس حيث يقول: إن



(1) ولقد خاف النبي من هذه الحالة حيث حذر أصحابه في حجة الوداع بقوله: لا ترجعوا
بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. (البخاري 121 كتاب العلم) وكرره برقم 4143 و 6475
و 6669.
76
الرزية كل الرزية ما حال بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كتابه. وله حق البكاء،
بل ينبغي أن يبكي عليه كل مسلم يحب دينه.
لكن المانعين، من الصحابة وعلى رأسهم عمر وهو الخليفة الثاني، فما هو المخرج من
هذه المشكلة العويصة المحيرة للعقول؟ وقد ذكر علماء الحديث والكلام أعذارا كثيرة،
لكنها غير مقنعة عند من نجاه الله من التقليد والعصبية ووفقه لتطبيق الاعتقاد على
الحق دون تطبيق الحق على الاعتقاد (1)، ولا شئ أفضل من أن نقول والله العالم، وإنا
لله وأنا إليه راجعون.
8 - ثم إن في مقالة عمر: (حسبنا كتاب الله) إشكال آخر، وهو أن قول النبي وفعله
وتقريره مصدر ثان للتشريع، ولا شك في عدم كفاية القرآن وحده من دون السنة النبوية
لنجاة المسلمين، فكما يجب العمل بالقرآن، يجب العمل بالسنة بدلالة آيات من القرآن،
فرد أمر الرسول رد للقرآن أيضا. على أن عمر وأتباعه يعلمون - أتم علم - بأن
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعلم منهم ومن كل أحد بالقرآن، فلو كان القرآن
كافيا لهم لما قال لهم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا، فاستدلالهم هذا رد
اعتقادي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أقبح من منع إتيان ما يكتب فيه، فإنه
مجرد عصيان عملي.
(23) وعن العرباض قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر... فغضب النبي صلى
الله عليه وسلم وقال: يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد... فقام صلى الله عليه وسلم
فقال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في
هذا القرآن، ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء، إنها لمثل



(1) أنظر - من باب المثال - إلى شرح النووي في تأويل الحديث، فكل ما قاله أو نقله
فهو وهن ضعيف، ولا يخفى على أهل العلم بطلانه بل هو واضح البطلان.
77
القرآن أو أكثر... (1).
أقول: كان عمر حاضرا في خيبر وسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم قطعا لأن
الصحابة كلهم اجتمعوا بأمر النبي للصلاة كما صرح في الحديث.
ويمكن أن نقدم اعتذارا من قبل الخليفة وأتباعه أنهم لم يلتفتوا إلى لوازم كلامهم
هذا في تلك الساعة. وكم كنت أحب أن لا تصدر هذه الجملة وهذا العمل من هؤلاء
الصحابة، وكم كنت أحب أن لم يعص النبي الرحيم الرؤوف في بيته ولم يهن في آخر حياته
الشريفة بهذه الجملة، وكم كنت أحب أن لم يضبط التاريخ المعتبر الموثوق به هذه
الواقعة في صدره حتى لا يخجل المسلمون من أهل الكتاب وغيره، لكن تجري الرياح بما لا
تشتهي السفن.
لطيفة
قال عالم سني لعالم شيعي: أليس في إقامة النبي أبا بكر مقامه في صلاة الجماعة -
وهي عمود الدين - رمز إلى خلافته بعده؟ فأجابه العالم الشيعي: بل هي نص في خلافته!
فسأله العالم السني فرحا مسرورا: إذن لماذا لا تقولون بها؟ فقال العالم الشيعي
إنه صلى الله عليه وسلم هجر (في أمره بأن يقيم أبو بكر الصلاة).
فسكت الأول، ولم يحر جوابا (احتراما لمقام عمر رضي الله عنه).
أبو هريرة الدوسي
تقدم في مقدمة الكتاب أن أبا هريرة روى 5374 حديثا أخرج البخاري منها 446
حديثا، ويقول السيد مصطفى الصادق الرافعي في كتابه



(1) سنن أبي داود 3: 167 كتاب الخراج والإمارة.
78
تاريخ آداب العرب: وكان أكثر الصحابة رواية أبو هريرة، وقد صحب النبي صلى الله
عليه وسلم ثلاث سنين - بل صحب عاما وتسعة أشهر كما ذكره صاحب كتاب شيخ المضيرة -
وعمر بعده نحوا من خمسين سنة، ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه،
وهو أول راوية اتهم في الإسلام، وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام
بها وبه إذ توفيت قبله بسنة... (1).
وإليك جملة من الأحاديث التي وردت عن أبي هريرة في صحيح البخاري وغيره والتي تكشف
لنا ما حاله:
(24) عن حيان سمعت أبا هريرة يقول: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا
لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا،
فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما (2).
(25) عن أبي هريرة: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه
مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب (3).
أقول: نفس هذا الادعاء يدل على غلوه في شأنه وعدم تورعه في الكلام، إما أولا:
فإنه لم يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عامين، والحال أن جمعا من الصحابة
صاحبه طيلة عمره الشريف كأبي بكر وعلي وغيرهم، فكيف يدعي أنه أكثر حديثا من كل
الصحابة.
وإما ثانيا: لا يعرف عن ابن عمرو أنه أكثر حديثا منه، فلقد قيل إن له



(1) الأضواء على السنة المحمدية: 113.
(2) سنن ابن ماجة رقم 2445 كتاب الرهون.
(3) صحيح البخاري رقم 113 كتاب العلم.
79
كتابا في الأدعية فقط، وأن رواياته لم تتجاوز عن (700) كما عن ابن الجوزي، أو عن
(722) كما عن مسند أحمد.
وإما ثالثا: فسيأتي منه أنه لم ينس حديثا، فكيف يدعى أن عدم كتابته للحديث
أوجبت أن يكون ابن عمرو أكثر رواية منه.
ثم الرواية تنافي ما ورد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث عنه صلى الله
عليه وسلم.
(26) عن الأعرج، عنه: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله
ما حدثت حديثا، ثم يتلو: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات - إلى قوله -
الرحيم) إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من
الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله بشبع
بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون (1) وكرره البخاري في ثلاثة مواضع
أخر (2).
في هذه الرواية مطالب:
1 - إن اتهام أبي هريرة بإكثار الحديث لم يحدث بعد موته، ولم



(1) صحيح البخاري رقم 118 كتاب العلم.
(2) وفي صحيح مسلم 16: 52 سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر
الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد كنت رجلا مسكينا أخدم رسول الله (ص) على
ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم... فقال رسول الله (ص) من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا
سمعه مني فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته إلي فما نسيت شيئا سمعته منه. ولاحظ
ص 54 أيضا.
أقول: أما أنه خدم رسول الله (ص) لملء بطنه لا لغيره فهو صحيح، وأما ما يظهر منه
من أن قوله في بسط الثوب لأجل شغل المهاجرون والأنصار بالمعاملة والزراعة وغيرهما
فهو واضح البطلان، ثم إن قوله هذا يخالف ما يأتي منه من أنه هو السائل لعلاج عدم
النسيان، وأن الخطاب ببسط ثوبه متوجه إليه وحده، وفي هذا الحديث الخطاب عام لكن لم
يرغب فيه غير أبي هريرة!!!!
80
يصدر عن واحد وجمع قليل، بل شاع اتهامه في حياته شيوعا تاما حتى أخبر هو عن ذلك
بقوله: إن الناس يقولون، وبمثل هذا الاتهام الشائع لم يتهم أحد من الصحابة، ولا
يخفى عليك أن جمعا من هؤلاء الناس - الذين اتهموه - أو كلهم من الصحابة طبعا.
2 - ليس تمام روايات أبي هريرة في البينات المنزلة في الكتاب فقط، ولا في الحلال
والحرام فقط حتى تشملها الآية المباركة فيكون عذره مقبولا، بل إن جملة من رواياته
في أمور لا تتعلق بالذي ذكرناه، فيعلم منه أنه غير جاد في استدلاله بالآيتين، بل
أراد أن يدفع عن نفسه اتهام الناس إياه.
3 - يظهر المهاجرين والأنصار وكأنهم طلاب دنيا بما ينسبه إليهم من الصفق
بالأسواق والعمل في أموالهم مع عدم الحضور في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكأنه هو الذي كان يحضر فقط دون أحد من الصحابة، فيدعي أنه أكثر حضورا وحفظا!
ولم يلتفت البخاري ولا غيره من الرواة هل يمكن أن يكون من صحب النبي صلى الله عليه
وسلم عشرين سنة على نية صادقة وحضور متواصل من كبار الصحابة أقل حديثا من هذا
الشيخ الذي لم يصحبه حتى مدة عامين؟!
ومن يقبل هذا الادعاء منه فهو بسيط وساذج، فسبحان الله من تجارة أبي هريرة
بالرواية، تجارة رابحة لدنياه وخاسرة لآخرته.
(27) وعن سعيد المقبري: قال أبو هريرة رضي الله عنه: يقول الناس أكثر أبو هريرة،
فلقيت رجلا.... (1)
(28) عن نافع: حدث ابن عمر أن أبا هريرة يقول: من تبع جنازة



(1) صحيح البخاري رقم 3505 كتاب فضائل الصحابة.
81
فله قيراط. فقال أكثر أبو هريرة علينا فصدقت - يعني عائشة - وقالت: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقوله، فقال ابن عمر لقد فرطنا في قراريط كثيرة (1).
أقول: إن إكثار أبي هريرة كان مشهورا عند الصحابة، فيتهمه كل من سمع منه ما
يستبعده كما ترى من ابن عمر، وإن كان في خصوص المورد قد برأته عائشة من الكذب.
(29) وعنه: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أسمع منك حديثا كثيرا
أنساه قال ابسط رداءك فبسطته، قال فغرف بيديه ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئا
بعده (2).
سبحان الله من كرامة لأبي هريرة - على حد زعم بعض الناس! - كرامة لم تنل أحدا
من كبار الصحابة. والمؤمن الفطن يعلم أن قصة بسط الرداء تشبه الحكايات المتداولة
بين الصبيان، وكأن عجالته في إنشاء القصة أنسته من المغروف منه، ثم إنه غير هذه
القصة إلى وجه مخالف لما ذكرناه منه هنا، وكأنه خاف أن ينكشف أمره أو نسي ادعاءه
هذا فقال: أنكم تقولون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله بمثل حديث أبي هريرة...
وقد قال رسول الله في حديث يحدثه أنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع
إليه ثوبه إلا وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شئ (3).



(1) صحيح البخاري رقم 1260.
(2) صحيح البخاري رقم 119 كتاب العلم.
(3) صحيح البخاري رقم 1942 كتاب البيوع.
82
أقول: وبين القصتين اختلاف بين كما تعلمون، والعجب أن أحدا من الحاضرين - غير
أبي هريرة - لم يرغب في حفظ مقالته صلى الله عليه وسلم تلك!!!
إسمع يا أيها القارئ قول أبي سلمة:... وأنكر أبو هريرة الحديث الأول، قلنا ألم
تحدث أنه لا عدوي فرطن بالحبشية. قال أبو سلمة فما رأيته نسي حديثا غيره!!! (1).
(30) وعنه: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته،
وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا الحلقوم (2) (3).
أقول: ولا شك أنه لو كان عمر حيا لم يتمكن من بث وعائه من الإسرائيليات
والجعليات وربما قطع حلقومه وبلعومه.
يا شيخ المضيرة من أين لك هذه الأسرار دون السابقين الأولين من المهاجرين
والأنصار، فهل لك شاهد غيرك في هذه المبالغات والمفتريات على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولولا اعتماد البخاري على روايته لاعتقدت أنه إنما ينقل هذه الروايات
وأمثالها ليفضح أبا هريرة ويظهر دجله، لكن البخاري لم يوفق للتمييز بين الحق
والباطل.
(31) عنه، أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاء صكه، فرجع إلى ربه فقال
أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه... (4)
فانظر إلى بهتانه على موسى عليه السلام، وفرض الملك جسما كثيفا! لكنه



(1) صحيح البخاري رقم 5437 كتاب الطب.
(2) نقول لأبي هريرة ربما نفهم ما في وعائك الثاني مما بثثته من وعائك الأول،
ولو عشت مدة أخرى في بلاط خلفاء بني أمية لبثثت الثاني، بل الثالث شئت أم أبيت،
لأن كل تاجر وراء تجارته.
(3) صحيح البخاري رقم 120.
(4) صحيح البخاري رقم 1274.
83
استحى قليلا، فلم ينسب كل ما حكاه إلى رسول الله، ولعله أخذه من كعب الأحبار!
(32) وعنه وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان... ثم يحكى أنه أتاه شيطان يأخذ من
الطعام فأخذه ولكن رحمه، فلما أصبح قال رسول الله: إنه كاذب وسيعود وعاد فأخذ
الطعام فرحمه رغم قوله صلى الله عليه وسلم إنه كاذب، ورحمه الليلة الثالثة أيضا،
فخلى سبيله حين علمه قراءة آية الكرسي في كل ليلة عند نومه (1).
(33) وعنه... فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى، فإن الناس
يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من أفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش!!!
فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثني الله (2)!!!
ولعل هذا من الإسرائيليات التي تلقاها عن كعب الأحبار، ناسبا إياه إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإلا لا يحتمل أفضلية موسى عليه السلام من خاتم الأنبياء
صلى الله عليه وسلم.
(34) وعنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عز وجل: (وأنذر
عشيرتك الأقربين) قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا،
ويا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، ويا عباس... ويا صفية عمة رسول
الله... ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا (3).
أقول: سبحان الله إن أبا هريرة يخبر - جازما وقاطعا - عن أوائل



(1) صحيح البخاري رقم 2187.
(2) صحيح البخاري رقم 2280 كتاب الخصومات.
(3) صحيح البخاري رقم 2602 كتاب الوصايا.
84
البعثة، فكأن الله أظهره على غيب مكة وهو باليمن! وقد زل البخاري بحسن ظنه عن
الصراط المستقيم. ثم إنه قد خفي على أبي هريرة ونقلة كلامه أن فاطمة بنت النبي
صلى الله عليه وسلم إما لم تولد آنذاك أو كانت طفلة صغيرة لا تصلح لمثل هذا
الخطاب!!!
أبو هريرة وتعرضه لمقام الأنبياء عليه السلام
(35) وعنه: بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر
فأهوى إلى الحصى فحصبهم بها فقال: دعهم يا عمر (1).
فسلوة لك يا رسول الله عن محدث ساذج وراو كاذب وأناس غافلين، نعم أين أنت من مجلس
لعب الحبشة، ومتى كان عمر أبعد منك عن اللهو؟!
(36) وعنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قرصت نملة نبيا من
الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: إن قرصتك نملة أحرقت أمة من
الأمم تسبح (2).
أقول: فليحكم العقلاء بعدالة ملوك بني أمية، فإنهم أفضل من هذا النبي!!!
(37) وعنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا (3).
(38) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن
ثمانين سنة بالقدوم (4).



(1) صحيح البخاري رقم 2745.
(2) صحيح البخاري رقم 2856 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 3148 كتاب الأنبياء.
(4) صحيح البخاري رقم 3177 كتاب الأنبياء.
85
(39) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا
ثلاث كذبات... (1).
(40) وعنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم،
إذ قال: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن
قلبي) (2).
أقول الآية لا تدل على شك إبراهيم عليه السلام أولا وخاتم النبيين ليس بأحق منه
فيه ثانيا.
(41) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه
رجل جراد من ذهب، فجعل يحثى في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما
ترى، قال بلى، ولكن لا غنى لي عن بركتك (3).
(42) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى كان رجلا... وإن الحجر
عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى
ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا (!!!) أحسن ما خلق الله... وطفق بالحجر ضربا
بعصاه!!! (4).
(43) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على
سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء
الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه، فقال النبي: لو
قالها لجاهدوا في سبيل الله (5).



(1) صحيح البخاري رقم 3179.
(2) صحيح البخاري رقم 3192 كتاب الأنبياء.
(3) صحيح البخاري رقم 3211 كتاب الأنبياء.
(4) صحيح البخاري رقم 3223 كتاب الأنبياء.
(5) صحيح البخاري رقم 3342 كتاب الأنبياء.
86
فهذه هي بعض مفتريات أبي هريرة - راوية الإسلام كما يزعم البعض - إذ هل من المألوف
- بل المعقول - أن يطوف رجل ما - مهما أوتي من قوة - على سبعين امرأة في ليلة
واحدة، ثم ما هو السبب الذي من أجله لم يقل سليمان عليه السلام (إن شاء الله)؟! هل
هو عدم اعتقاده بالله أم ماذا؟ وبعد هذا يأتي البخاري - وبدون أدنى روية - ليقول:
الأصح تسعين امرأة بدل سبعين، وكأنه جزم بصحة الرواية حسب قواعده الخاصة.
فهذا الذي نقلناه عن أبي هريرة ليس بغريب لمن عرف حاله ولكن الغريب أن يدعي البعض
أن كتاب البخاري هو أصح الكتب بعد كتاب الله!
يقول أبو هريرة في محل آخر (1)، قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة
بمائة امرأة... فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي!، فأطاف بهن ولم تلد
منهن إلا امرأة نصف إنسان.
وله حديث آخر يخبر عن ستين امرأة (2).
أنظر أيها العاقل ممن تأخذ دينك، وعلى من تعتمد في أخذ أحاديث رسولك صلى الله عليه
وسلم (3).
(44) وعنه: إن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله بشبع
بطني... وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس
للمسكين جعفر بن أبي طالب (4).
أقول: من كان من الرواة هذا سبيله فهل يمكن الاعتماد عليه؟



(1) صحيح البخاري رقم 4944 كتاب النكاح.
(2) صحيح البخاري رقم 7031 كتاب التوحيد. أقول: حتى على رواية الستين وفرض قدرة
سليمان عليه السلام على طوافه عليهن في ليلة واحدة لا بد أن نفرض طول الليلة ثلاثين
ساعة!!! إذ المباشرة بمقدماتها تحتاج عادة إلى ثلاثين دقيقة مثلا.
(3) أنظر صحيح مسلم 11: 121 و 118.
(4) صحيح البخاري رقم 3506 كتاب فضائل الصحابة.
87
وفي رواية أخرى يقول:... وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت
يوما على طريقهم... فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا
ليشبعني، فمر ولم يفعل! ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا
ليشبعني، فمر ولم يفعل (1).
(45) وعنه... فيقول (إبراهيم) لهم: وإني قد كذبت لهم ثلاث (2).
(46) وعنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة... فقالوا: يا أبا هريرة
سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبي هريرة (3).
أنظر كيف أنه كان عند الناس متهما لكن البخاري وأقرانه لا يلتفتون إلى ذلك!
(47) عن ابن عمر قال: إن رسول الله أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو
ماشية، فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبي
هريرة زرعا (4).
(48) عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: ألا إنكم
تحدثون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا وأضل!!! (5).
أقول: يزعم أبو هريرة أن أكاذيبه سبب لاهتداء المسلمين!!!
ثم إن مسلما ذكر جملة من فضائل أبي هريرة (6) ولكنه لم ينقل



(1) صحيح البخاري رقم 6087 كتاب الرقاق.
(2) صحيح البخاري رقم 4435 كتاب التفسير.
(3) صحيح البخاري رقم 5040 كتاب النفقات.
(4) صحيح مسلم 10: 237.
(5) صحيح مسلم 14: 75.
(6) صحيح مسلم ج 15 و 16 كتاب الفضائل.
88
حديثا واحدا عن غير أبي هريرة في حقه، بل كلها من قوله! وإليك حديثا واحدا من
فضائله.
(49) وعن أبي هريرة... قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده
المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله: اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا
هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولا
يراني إلا أحبني (1).
أقول: لكن لم يتهم أحد من الصحابة كاتهامه عند المؤمنين، بل هو أول راوية اتهم
في الإسلام!
(50) عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث
وهو متكئ على أريكته فيقول: إقرأ قرآنا. ما قيل من قول حسن فأنا قلته (2).
أقول: أنظر أنه كيف يروج تجارته في جعل الأحاديث.
ولأبي هريرة إبداعات أخر ستمر بك بعضها في تضاعيف هذا الكتاب، والكلام حوله
طويل، وللاطلاع أنظر كتاب أبي هريرة وكتاب شيخ المضيرة.
النوم لا ينقض الوضوء
(51) عن ابن عباس قال: إن النبي نام حتى نفخ ثم صلى. وربما قال: اضطجع حتى نفخ
ثم قام فصلى (3).
وفي صحيح مسلم: ثم نام صلى الله عليه وسلم حتى - نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه -



(1) صحيح مسلم 16: 52.
(2) مقدمة سنن أبي ماجة رقم 21.
(3) صحيح البخاري رقم 138 كتاب الوضوء.
89
ثم خرج إلى الصلاة فصلى (1).
حرمة الاستقبال والاستدبار في حال التخلي
(52) وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم
الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا (2).
وقال: فقدمنا الشام، فوجدناه مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله (3).
أقول: كل الروايات تدل على الحرمة سوى ما عن ابن عمر من أنه رآه صلى الله عليه
وسلم مستقبل القبلة، لكنه لا يسوغ لصرف ظاهر الأحاديث المحرمة لاحتمال أنه صلى
الله عليه وسلم استقبل القبلة في حال الاستنجاء. والمفتي به في فقه الشيعة الإمامية هو الحرمة، ولا ترى في بيوتهم مرحاضا مستقبل القبلة وإن كان ما يدل
عليها ضعيفا سندا من طرقهم، على أن أهل السنة يجوزون السهو والنسيان عليه صلى
الله عليه وسلم في صلاته فكيف لا يقولون بهما في المقام؟ وربما يفرق بين البناء
والصحراء، لكن أحكام الله تعالى لا تختلف بذلك، فاللازم رد رواية ابن عمر. ولاحظ
أقوال العلماء والمذاهب في غير مقام (4).
(53) عن معقل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو
غائط (5).
أقول وهذا عجيب، وأعجب منه ما.
(54) عن ابن عمر قال: نهى النبي عن البول مستقبل القبلة في



(1) صحيح مسلم 6: 49.
(2) صحيح البخاري رقم 144.
(3) صحيح البخاري رقم 386 كتاب القبلة، صحيح مسلم 3: 153.
(4) صحيح مسلم 3: 153 و 145 وشرحه للنووي.
(5) سنن أبي داود 1: 4.
90
الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس (المصدر).
فإن قبلة البعيد هي الجهة فأي شئ يسترها، هل الراحلة التي بال إليها النبي صلى
الله عليه وسلم ساترة للقبلة؟!
نزول آية الحجاب
(55) عن عائشة قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن... (1).
هذا الحديث يحكي أن آية الحجاب نزلت بإصرار عمر على رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وكأن يقول له: أحجب نساءك فلم يكن رسول الله يفعل حتى نادى سودة ألا قد
عرفناك يا سودة...
أقول: الصحيح إن أحكام الله تعالى الشرعية كأفعاله التكوينية تابعة لمصالح وحكم
ولا جزاف في التشريع ولا مدخلية للأذواق فيها، فهذه الرواية وأمثالها مخالفة
لفلسفة التشريع العالية الحكيمة فلا يحسن قبولها. ويأتي أنه معارض بما يدعيه أنس.
احترام المسجد!
(56) عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه قال: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في
زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك (2).
أقول: هل بول الكلب عند عبد الله بن عمر طاهر أو لا يرى للمسجد النبوي كرامة ولا
لتطهيره من النجس لزوما ولا أدري كيف رضي البخاري بنقل هذا الأقوال الباطلة في
كتابه؟!
(57) عن أنس قال: إن النبي رأى أعرابيا يبول في المسجد فقال:



(1) صحيح البخاري رقم 146 كتاب الوضوء.
(2) صحيح البخاري رقم 172 كتاب الوضوء.
91
دعوه حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه (1).
وفي نقل آخر عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي
صلى الله عليه وسلم... (2).
ورواه أبو هريرة بلفظ آخر وزاد في آخره: فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا
معسرين (3).
أقول: فانظر أيدك الله إلى هذه الأكاذيب، فهل تقبل أن النبي أباح أن يبال في بيت
الله ومسجده العظيم وهو معبد المسلمين، وهل له نظير في معبد من معابد الأديان؟!
رواية مخالفة للإجماع
(58) عن زيد بن خالد أنه أخبر عن عثمان عدم وجوب الغسل بالجماع المجرد عن
الأمناء، ونقله عثمان عن جمع من الصحابة (4).
(59) ونقله عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يظهر منه أنه
لا غسل مع الأمناء عند العجلة (5).
لكن عن النووي: إن الأمة مجمعة على وجوب الغسل على كل من الجماع والانزال،
وعليه فالأمة مجمعة على أن كتاب البخاري ليس بأصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
الاختلاف في صلاة ليله صلى الله عليه وسلم
(60) عن عبد الله بن عباس أنه بات ليلة عند ميمونة زوج



(1) صحيح البخاري رقم 216.
(2) صحيح البخاري رقم 219.
(3) صحيح البخاري رقم 217، وانظر صحيح مسلم 3: 190.
(4) صحيح البخاري رقم 177.
(5) صحيح البخاري رقم 178 وانظر 287 و 288 و 289 كتاب الغسل.
92
زوج النبي صلى الله عليه وسلم.... (1).
أقول: في أخبار عبد الله بن عباس هنا عن تهجد النبي اختلاف واضح مع ما نقله عنه في
كتاب العلم (2)، وهذا مما يوهن اعتبار الروايات، فإن أخبار راو واحد عن قضية
واحدة بمعان مختلفة يكشف عن تسري الغلط أو الكذب فيها، ولعله من أثر الفصل الكثير
بين زمان النقل وزمان التدوين كما عرفته في المقدمة.
صلاة خسوف الشمس
(61) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين
خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي... فلما انصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما من شئ كنت لم أره إلا قد
رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إليكم أنكم تفتنون في القبور مثل
(أو قريبا من) فتنة الدجال... (3).
أقول: يدل الحديث أولا: على تشريع صلاة الخسوف، وفي فقه الشيعة الإمامية وجوب
صلاة الكسوف والخسوف، والمشتركات بين الأحاديث المروية من طرقنا وطرق الشيعة لفظا
ومعنى أو معنى فقط كثيرة كما أن المشتركات في الأحكام الفقهية أيضا كثيرة، ومن
يتصدى لجمع هذه المشتركات في الحديث والفقه تحكيما للوحدة الإسلامية فقد خدم
الإسلام والمسلمين خدمة نافعة جليلة، ويدل ثانيا: على رؤيته صلى الله عليه وسلم
لملكوت السماوات، وهذا أيضا وارد في أحاديث الشيعة عن أئمتهم،



(1) صحيح البخاري رقم 181 كتاب الوضوء.
(2) صحيح البخاري رقم 117 كتاب العلم.
(3) صحيح البخاري رقم 182 كتاب الوضوء.
93
ويدل ثالثا: عن السؤال في القبر من الميت إنما هو عن النبوة فقط، ويماثله بعض
أحاديث الشيعة.
المسح على العمامة
(62) عن عمرو بن أمية قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته (1).
أقول: وحيث إنه باطل ومخالف للقرآن أوله بعضهم بأنه مسح عليها بعد مسح الواجب
من الرأس.
نصب الجريدة يخفف عذاب القبر
(63) عن ابن عباس قال: مر النبي بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت
إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان
في كبير ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة ثم
دعا بجريدة فكسر كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة.
فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا (2).
أقول: ظاهر الخبر أن عذاب البرزخ جسماني إلا أن يقال إن سماع صوتهما لم ينقل عن
قول النبي صلى الله عليه وسلم بل عن ابن عباس، ولعله حدس منه، وإنما علم النبي
بعذابهما، والله العالم.
ثم إن تأثير الجريدة (أي غصن النخل الذي ليس عليه ورق) في تخفيف العذاب لا يفهمه
العقل العادي فنقبله تعبدا وليس للعقل إلى خصوصيات البرزخ والقيامة سبيل، والمفتي
به في فقه الشيعة استحباب



(1) صحيح البخاري رقم 202.
(2) صحيح البخاري رقم 213 و 215.
94
وضع الجريدتين مع الميت حين الدفن، وعلل وجهه في أحاديثهم بنفس هذه العلة - أي
رجاء تخفيف العذاب أو عدم وصوله - ثم إن النميمة من الكبائر كما أن عدم الاجتناب
عن البول ينجر إلى بطلان الصلاة وهو أيضا من الكبائر فلا يصح قبول الحديث من هذه
الجهة.
البول قائما وإهانة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم
(64) عن حذيفة... فأتي سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه،
فأشار إلي فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ (1).
وفي حديث آخر: كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول ويقول: إن بني إسرائيل كان
إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال حذيفة: ليته أمسك أتى رسول الله سباطة قوم فبال
قائما (2).
أقول سباطة: موضع يلقى فيه الكناسة وغيرها وبما أن مضمون الرواية يقدح بمقام
النبوة وبشخص الرسول الأكرم، فقد أولها بعض المحققين بتأويلات ضعيفة، وكان
الأولى لهم أن يقدحوا بما جاء به البخاري وغيره من روايات تنال من مقام صاحب
الرسالة، وهم يعلمون بأن التبول قائما وأمام أعين الناس يستقبحه من هو أقل
إيمانا من المسلمين، فكيف بخاتم الأنبياء والرسل الذي نقل عنه صلى الله عليه وسلم:
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فهل أخلاق هذا النبي العظيم تسمح له أن يتبول
قائما وأمام أعين الناس!!
الوضوء للجنب
(65) عن ميمونة قالت: توضأ رسول الله وضوءه للصلاة غير رجليه



(1) صحيح البخاري رقم 223 وانظر 222، صحيح مسلم 3: 165.
(2) صحيح البخاري رقم 224.
95
وغسل فرجه... ثم نحى رجليه فغسلهما (1).
أقول: المستفاد من القرآن الكريم حسب قاعدة أصولية قائلة: بأن التقسيم قاطع
للشركة، إن الوضوء يجب على غير الجنب وإنه يغتسل فلا يجب عليه الوضوء، وهذه الرواية
تدل على أن وضوءه لم يكن وضوءا كاملا، فإن الوضوء المعهود يبطل بترك غسل الرجلين
فيحمل على الاستحباب وهو المحمل لسائر ما ورد في وضوء الجنب، فلا تخالف الكتاب
العزيز، وأما قولها: ثم نحى رجليه فغسلهما، فلا دليل على أنه لأجل الوضوء، بل
الظاهر أنه لأجل الغسل، فافهم، والمتأمل في أحاديث الغسل يرى عدم وجوب الوضوء
معه.
عمل عبث
(66) عن أبي سلمة قال: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها أخوها عن غسل النبي
صلى الله عليه وسلم، فدعت بإناء نحوا من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا
وبينها حجاب (2).
أقول: مع فرض الحجاب بينها وبينهما يصبح غسلها لغوا لا فائدة فيه، وعائشة عاقلة
لا تفعل ما يضحك منه العقلاء!
عجيبة حول الجماع
(67) عن قتادة، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في
الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة.
قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين (3).



(1) صحيح البخاري رقم 246 و 254 و 256 كتاب الغسل.
(2) صحيح البخاري رقم 248 كتاب الغسل.
(3) صحيح البخاري رقم 265 كتاب الغسل.
96
أقول: التحدث المذكور حدس محض، هذا أولا، وثانيا: إن إتيان (11) أو (9) زوجة
في ساعة واحدة شئ لعله لم يعهد من إنسان، ولا أدري ما يعني هؤلاء القصاصون
المغالون من هذه الأباطيل، ولعلهم يريدون أن النبي كما هو أفضل البشر علما
وعبادة وأخلاقا ومقاما كذلك هو أفضلهم شهوة، وهذه هي سيرة الجهال في حق عظمائهم.
ثم إن المعجزة أو خرق العادة إنما هي في الممكنات دون الممتنعات وإتيان إحدى عشر
زوجة في بيوت مختلفة بما يطلبه من المقدمات غير مقدور في ساعة واحدة، فالحديث
وأمثاله نوع لعب بالعقول وتعريف الإسلام بدين الخرافات.
ثم إن وقار النبي ليس بأدون من وقار غالب الناس حيث لا يطلعون الغير على جماعهم،
فكيف لا يأنف النبي صلى الله عليه وسلم منه، ولعل واضع الحديث أراد تبرئة الحكام
الأمويين المنهكين في الشهوات وملاعبة النساء والإماء.
كذبة أخرى
(68) عن أبي هريرة... فلما قام صلى الله عليه وسلم في مصلاه ذكر أنه جنب، فقال
لنا: مكانكم ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر وصلينا معه (1).
أقول: من أين علم أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان جنبا، ومن أين علم أنه
اغتسل وهو في المسجد، ولعله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منزله لأمر آخر ثم غسل
رأسه للنظافة، فلا عبرة بظن هذا القوال، مع أن النبي الأكرم المتوجه إلى ربه
المهتم بصلاته غاية الاهتمام يبعد منه كل البعد أن ينسى غسل الجنابة،



(1) صحيح البخاري رقم 271.
97
بل لعله لم يتفق ذلك لمعظم آحاد أمته في حياتهم.
السعادة والشقاوة
(69) عن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول:
يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى،
شقي أم سعيد فأما الرزق والأجل فيكتب في بطن أمه (1).
أقول: إن الله يعلم أن الجنين بعد حياته وشبابه في الدنيا يعمل أعمال السعداء أو
يعمل أعمال الأشقياء فيخبر الملك عن مستقبله، لا أن الله يخلقه ويجعله سعيدا أو
شقيا (وما ربك بظلام للعبيد)، وشبيه هذا المعنى قد ورد في بعض أحاديث الشيعة
أيضا، والوجه ما ذكرنا.
ما يصح عليه السجود
(70) وعن ميمونة... وهو صلى الله عليه وسلم يصلي على خمرته... (2) أقول: الخمرة
حصيرة صغيرة تعمل من ورق النخل سميت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين من حر الأرض
وبردها كما ذكره المعلق. فالمقدار المتيقن مما يصح عليه السجود بعد الأرض هو
الحصير، وفي حال الاضطرار الثوب كما عن أنس: فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من
الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (3).
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
(71) عن جابر بن عبد الله قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم
يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض



(1) صحيح البخاري رقم 312 كتاب الحيض.
(2) صحيح البخاري رقم 326 كتاب الحيض.
(3) صحيح البخاري رقم 1150.
98
مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم
تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس
عامة (1).
أقول: يظهر منه أن الأمم السابقة يصلون في أماكن خاصة ولا يجوز لهم الصلاة في
كل مكان، كما يظهر منه جواز التيمم على كل ما يصدق عليه الأرض ترابا كان أم غيره.
ثم إن المستفاد من مجموع الروايات أن الشفاعة الكبرى والأولى في القيامة للنبي
الخاتم صلى الله عليه وسلم وبعده لغيره من الأنبياء والأولياء والملائكة والمؤمنين.
واعلم أنه لا دليل من القرآن الكريم يثبت بأن نبيا من الأنبياء على نبينا وآله
وعليهم السلام بعث إلى جميع الناس، والمتيقن أنهم عليهم السلام بعثوا إلى قومهم أو
إلى قوم خاص، بل هو الظاهر من الآيات الكريمة الواردة في حق بعضهم، وهذا هو المطابق
للاعتبار العقلي في تلك الأزمنة المحدودة روابطها، وأما رسالة نبينا الأعظم صلى
الله عليه وسلم فلها عموم من وجهين طولا وعرضا، فهو بعث إلى جميع البشر وإلى كافة
الناس، بل يمكن أن نقول إنه مبعوث إلى جميع الكائنات في جميع المجرات نظرا إلى
قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (2) وبعث إلى يوم القيامة ولا نبي
بعده كما في الحديث المعروف الذي ادعى السيوطي تواتره: يا علي أنت مني



(1) صحيح البخاري رقم 328 كتاب التيمم.
(2) الدليل على أن العالمين بمعنى كل الكائنات سوى الخالق جلت عظمته هو قوله تعالى
في سورة الفاتحة: الحمد لله رب العالمين فمتعلق الرسالة الخاتمية يمتد امتداد متعلق
الربوبية الإلهية. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فلاحظ وتأمل.
99
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
التيمم ونظر عمر رضي الله عنه
(72) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب
فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر إنا
كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وسلم إنما
كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح
بهما وجهه وكفيه (1).
ثم إن البخاري ذكر بعض كلمات الرواية منفصلة (2).
أقول: لم يشأ البخاري أن يذكر بعض كلمات الحديث، فإنها لا تناسب مقام الخليفة
سواء صدرت منه سهوا أو عمدا، فإنها مخالفة للقرآن والسنة، ومن ساء ظنه به لأجل
هذا التصرف وأمثاله فنحن لا نلومه، وعلى كل إليك الحديث بكامله من صحيح مسلم الذي
لا يشتت الحديث لمجرد الملاحظات كما يظهر لك في غير المقام أيضا:
إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما
تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم
تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال - النبي صلى الله عليه وسلم -:
إنما كان يكفيك أن تضرب يديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.
فقال عمر: اتق الله يا عمار.



(1) صحيح البخاري رقم 331 كتاب التيمم.
(2) صحيح البخاري رقم 332 و 333 و 334 و 336 وغيرها.
100
قال: إن شئت لم أحدث به؟!
وفي رواية: فقال عمر نوليك ما توليت (1).
(73) وعن أبي وائل قال: قال أبو موسى لعبد الله بن مسعود: إذا لم يجد الماء لا
يصلي؟
قال عبد الله، لو رخصت لهم في هذا، كان إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا - يعني تتيمم
- وصلى.
قال: قلت: فأين قول عمار لعمر؟
قال: إني لم أر عمر قنع بقول عمار (2).
(74) عن شفيق قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد
الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟
فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء.
فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: كان
يكفيك.
قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟
فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟
فما درى عبد الله ما يقول، فقال: أنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على
أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم... (3)
فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: (فلم تجدوا



(1) صحيح مسلم 4: 62 باب التيمم وبهامشه شرح النووي.
(2) صحيح البخاري رقم 338.
(3) صحيح البخاري رقم 339، ورواه مسلم باختلاف وفيه: فقال عبد الله: لا يتيمم وإن
لم يجد الماء شهرا.
101
ماء فتيمموا صعيدا طيبا)؟
فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا
بالصعيد.
فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم
ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه.
فقال عبد الله أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار (1).
أقول ما يتعلق بمجموع روايات الباب أمور:
أولا: إن عمر لا يرى مشروعية التيمم أصلا، وحتى بعد تذكير عمار إياه بقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم كما يظهر من كلامه وكلام عبد الله بن مسعود.
وكان عمر رضي الله عنه يترك الصلاة عند عدم تمكنه من الغسل، والله يعلم أنه كم
ترك من صلواته اليومية في ذلك الزمن الذي لا يوجد الماء غالبا في البراري؟!
بل كان يفتي الناس بترك الصلاة حتى يجدوا الماء كما عرفته من مسلم.
ثانيا: هل تركه الصلاة مع التيمم لأجل اجتهاده في المسألة وأنه لا يرى التيمم
مشروعا في الشريعة أو لتنفر طبعه من هذا العمل المهين؟ الظاهر هو الثاني لوجوه:



(1) أنظر 4: 60 وما بعدها من باب التيمم.
102
أ: شرع التيمم في سفر بمحضر من جمع كثير فاقدين للماء بمحضر من النبي الأكرم صلى
الله عليه وسلم على ما رواه البخاري عن عائشة في أول كتاب التيمم، والموضوع كان محل
ابتلاء كثير من الصحابة في أسفارهم، فأصبح حكم التيمم وبدليته عن الغسل والوضوء
واضحا مشهورا والمسألة محل ابتلاء الناس في تلك الأزمان غالبا، فلا يعقل خفاء
مثل هذا الحكم على مثل عمر.
ب: تشريع التيمم لم يصدر عن لسان النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل بوحي من القرآن
الكريم الذي يتلوه الصحابة - ومنهم عمر - ليلا ونهارا، فهل يمكن أن عمر وإلى
زمان خلافته لم يكن ملتفتا إلى آية التيمم من سورة المائدة، وهل يرضى عاقل بنسبة
مثل هذا الجهل إلى الخليفة الثاني وهو هو؟!
ج: رواية ابن حصين ففيها: فاستيقظ عمر... قال صلى الله عليه وسلم: يا فلان ما
يمنعك أن تصلي معنا قال: أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصعيد... (1).
د: تذكير عمار إياه بحكم التيمم وكيفيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار
لم يكن كأبي هريرة مورد اتهام الخليفة، فإنه صحابي جليل القدر، لكن عمر لم يقبل
منه بحيث خاف هو منه وقال له: إن شئت لم أحدث به! وقد ذكر عبد الله بن مسعود بعد
ذلك عدم قبول عمر لحديث عمار لأبي موسى. ولعمري إن رد الخليفة على تشريع التيمم
الثابت بالقرآن والسنة القولية وإجماع معظم الصحابة يبلبل الفكر ويحير العقل ولا
أجد له مفرا.
وثالثا: نسأل عبد الله بن مسعود كيف رددت حديث عمار الموافق



(1) صحيح البخاري رقم 3378 كتاب المناقب.
103
للقرآن بمجرد عدم قبوله من قبل عمر؟ فهل قبوله شرط لحجية الحديث وما ينقله الصحابة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل تعتقد أن عمر شريك رسول الله في إنفاذ سنته
وتحكيم كتاب ربه أو كان ردك للحديث لأمر آخر؟!
ورابعا: إن استدلال عبد الله ضعيف وغير مقنع، فإنه يستدل على جواز ترك الصلاة
للمجنب الغير متمكن من الماء بدعوى أن الترخيص - التيمم - يستلزم ترك الغسل عند
برد الماء! والحال أن ترخيص التيمم لعدم وجود الماء وإلا يسقط بوجود الماء، فهذا
الرجل يرى الغسل أهم من ترك الصلاة، ويفتي بجواز تركها تأكيدا على أهمية الغسل!
ولا يدري أن الغسل كالوضوء مقدمة للصلاة، ومن أحد شرائط صحتها هو التمكن من
استعمال الماء.
وخامسا: إن أصعب مشكلة في المقام إنما هو في رد ابن مسعود آية الكتاب الواردة
في تشريع التيمم بمجرد اعتبار ضعيف عرفته من كلامه، وهذا النحو من التجري لا يتوقع
من مسلم يؤمن بالله ورسوله، فكأنه يرى نفسه صالحة للتشريع وتأديب الناس وإن انجر
الأمر إلى إهمال أحكام الله سبحانه الواردة في قرآنه، وهذا ربما يوجب الارتداد
فضلا عن الفسق والظلم على ما قاله سبحانه في كتابه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون... الظالمون... الفاسقون).
من أنت يا بن مسعود حيث تقول في رد الآية: ولو رخصنا لهم في هذا لأوشك - إذا
برد على أحدهم الماء - أن يدعه ويتيمم.؟ أأنت رب العباد وصاحب الشريعة؟ أم أنت أعلم
بمصالح العباد من الشارع المقدس؟
والواقع أن التقول بهذا الهذيان إنما صدر منه لعجزه عن سؤال أبي موسى، فإنه كان
ينكر تشريع التيمم تقليدا لعمر، فلم يعرف ما يجيب عن

104
القرآن كما يظهر من حديث شفيق: فما درى عبد الله ما يقول!
والإنصاف أن الأمر يدور بين كذب رواة الحديث في الصحيحين وبين عد ابن مسعود
مخالفا لله ولرسوله، ولا يجوز الغلو في حق الصحابة بما يوهن الشريعة عند الأجيال
القادمة، فرواة الرواية ومن يروي عنهم كلهم في قفص الاتهام والعصيان لله ورسوله
بالافتراء ورد الكتاب والسنة، ولا يجوز تضليل العقول بعدالة الصحابة أو وثاقة رواة
الصحاح أو دعوى حجية أقوال السلف (1)، فإنها مستلزمة لارتكاب التناقض المبطل
للشريعة المحمدية - نعوذ بالله منه.
تشريع الصلاة ليلة المعراج
(75) عن أبي ذر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج عن سقف بيتي وأنا
بمكة، فنزل جبرئيل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة
وإيمانا فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا... (ذكر
قصة المعراج).
وعن أنس وابن حزم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة... حتى مررت بموسى... قال فارجع
إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك... فقال (الرب) هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول
لدي... (2)
أقول إن: الحكمة والإيمان ليسا شيئا ماديا حتى يحتاجا إلى ظرف ذهب، ولا يحلان
صدر الإنسان أيضا، بل محلهما النفس، فالظاهر أن شق السقف وشق الصدر والطست الذهبي
كلها يراد بها معاني مجازية مناسبة.
ثم إن قصة تقليل الصلوات إلى خمس بتنبيه موسى عليه السلام قد وردت



(1) وكثير منا جعل عقولهم وكتبهم متاحف الآثار القديمة، وأنهم على آثارهم يقتفون.
(2) صحيح البخاري رقم 342 كتاب الصلاة.
105
في بعض روايات الشيعة أيضا، وأنا أقول والله العالم. إن القصة لا تنطبق على
الموازين.
(76) عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت
صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر (1).
أقول: مضمون صدر الحديث ورد في روايات الشيعة أيضا، ولطف حديث البخاري أن السيدة
تخبر عن تشريع الله سبحانه وتعالى مباشرة وأهملت استثناء صلاة المغرب، فإنها شرعت
ثلاث ركعات ابتداء بلا إشكال، على أنها نفسها أتمت الصلاة في السفر كما يأتي.
ثقل الوحي
(77) وعن زيد بن ثابت مرسلا قال: أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه
على فخذي، فثقلت علي حتى خفت فخذي (2).
حد المسلم
(78) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا
ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (3).
(79) وعن محمود عنه صلى الله عليه وسلم: فإن الله قد حرم على النار من قال لا
إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله (4).
(80) عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آتاني آت من ربي



(1) صحيح البخاري رقم 343.
(2) صحيح مسلم 4: 145 كتاب الصلاة.
(3) صحيح البخاري رقم 385 أبواب القبلة.
(4) صحيح البخاري رقم 415.
106
فأخبرني - أو قال بشرني -: أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
قلت: وإن زنى وإن سرق؟
قال: وإن زنى وإن سرق (1).
أقول: الأحاديث في غاية رفع القتال مختلفة بزيادة ونقيصة من القيود، وجمع هذه
الأحاديث والبحث حولها مفصلا ربما يحتاج إلى تأليف رسالة.
اختلاف الصحابة.
(81) اختلف عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر فقال الأول: إنه صلى الله عليه وسلم
لم يصل في الكعبة، وقال الثاني عن قول بلال: إنه صلى الله عليه وسلم صلى فيها
ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره (2).
وإليك نموذجا من هذه الاختلافات وهي كثيرة:
1 - اختلاف سهل وجابر في بناء المنبر (3).
2 - اختلاف عائشة وغيرها في بطلان الصلاة بالكلب والمرأة والحمار (4).
3 - اختلاف عائشة مع معاوية وأبي هريرة في ركعتين بعد العصر (5).
4 - اختلاف ابن عمر وأبي هريرة (6).



(1) صحيح البخاري رقم 1180 كتاب الجنائز.
(2) صحيح البخاري رقم 388 - 389 أبواب القبلة.
(3) صحيح البخاري رقم 436 - 437.
(4) صحيح البخاري رقم 486 - 489.
(5) صحيح البخاري رقم 562 - 563 - 565.
(6) صحيح البخاري رقم 1036 - 1038.
107
5 - اختلاف ابن عمر وعائشة في نافلة الظهر (1).
والاستقصاء والتفصيل محتاجان إلى تأليف رسالة مستقلة، وستأتي شواهد أخرى في أثناء
الكتاب، والغرض أن الصحابة قد اختلفوا في نقل الأحاديث ورد بعضهم بعضا. فالقول
بوجوب أخذ كل ما ينقل عنهم على المسلمين مخالف للاعتبار العقلي وتحكم وإغفال.
سهوه صلى الله عليه وسلم ونومه عن الصلاة
(82) عن عبد الله قال: صلى النبي الظهر خمسا، فقالوا أزيد في الصلاة؟ قال: وما
ذاك؟ قالوا: صليت خمسا. فثنى رجليه وسجد سجدتين (2). أي بعد ما سلم (3).
(83) وعنه صلى النبي... زاد أو نقص... إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا
نسيت فذكروني... (4)
(84) عن أبي هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشاء...
فصلى بنا بركعتين ثم سلم... يقال له ذو اليدين قال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت
الصلاة؟
قال: لم أنس ولم تقصر فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم (5).
أقول: نفيه النسيان أولا ثم سؤاله عنه لا يخلو عن ركاكة، فوقع في النقل تصرف من
بعضهم.



(1) صحيح البخاري رقم 1126 - 1127.
(2) صحيح البخاري رقم 396.
(3) صحيح البخاري رقم 1168.
(4) صحيح البخاري رقم 392.
(5) صحيح البخاري رقم 468.
108
(85) عن أبي قتادة... فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس... (1).
(86) عن عبد الله بن بحينة: إن رسول الله قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما،
فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك (2)، وفيها روايات تتعلق بسهوه ونسيانه
صلى الله عليه وسلم.
أقول: ويقرب منها ما ورد في روايات الشيعة، لكن علماءهم اختلفوا في رده وقبوله
والأكثر على الرد والطرح. وقد بحثنا معهم ذلك في غير هذا الكتاب.
ما يدل على أنه تعالى جسم
(87) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله رأى بصاقا... فقال:... فلا يبصق قبل
وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى (3).
(88) عن أنس، عن النبي:... أو ربه بينه وبين قبلته (4).
(89) عن جرير قال كنا عند النبي فنظر إلى القمر ليلة - يعني بدر - فقال: أنكم
سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته... (5).
(90) عن أبي هريرة أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب.



(1) صحيح البخاري رقم 570 كتاب مواقيت الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1167 أبواب السهو.
(3) صحيح البخاري رقم 398 أبواب المساجد، صحيح مسلم 4: 38، وانظر سنن أبي داود 1:
129.
(4) صحيح البخاري رقم 407.
(5) صحيح البخاري رقم 529 كتاب مواقيت الصلاة.
109
قالوا: لا، يا رسول الله.
قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟.
قالوا: لا.
قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيئا...
وتبقى هذا الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون هذا
مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم،
فيقولون: أنت ربنا... فيضحك الله عز وجل منه... (1).
(91) وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك
وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا... (2).
(92) وعنه... فقال صلى الله عليه وسلم: ضحك الله الليلة (3).
(93) عن أبي سعيد الخدري: إن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا
رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس
فيها سحاب.
قالوا: لا.
قال: وهل تضارون في رؤيته ليلة البدر ضوء ليس فيه سحاب؟.
قالوا لا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلا



(1) صحيح البخاري رقم 773 كتاب صفة الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1094، سنن أبي داود 2: 34.
(3) صحيح البخاري رقم 3587 كتاب فضائل الصحابة.
110
كما تضارون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن... حتى إذا لم يبق إلا
من كان يعبد الله من بر أو فاجر آتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوا
فيها! فيقال: ماذا تنتظرون... ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم!،
فيقولون لا نشرك بالله شيئا. مرتين أو ثلاثا (1).
ورواه أبو هريرة ولكن بزيادة تناسب مذاقه، وإليك بعض جملاته: وتبقى هذه الأمة
فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون:
نعوذ بالله منك! هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه!، فيأتيهم
الله في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا! فيتبعونه... حتى
يضحك منه، فإذا ضحك منه... (2).
أقول: هذه الأحاديث المذكورة تثبت أمورا:
1 - إن الله له صورة محسوسة.
2 - تتبدل صوره فهو محل الحوادث.
3 - إن المنافقين يرونه كالمؤمنين.
4 - إن الله يتحرك فيجئ في ميدان القيامة فيروح ثم يأتي.
5 - له صورة معروفة عند المؤمنين.
6 - إن الله يضحك.
وأما تأويل الرؤية من دون كيف (بلكفة) فشئ يذكره جملة من متكلمي الأشاعرة،
والأحاديث تنفيها.
(94) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة...



(1) صحيح البخاري رقم 4305 كتاب التفسير.
(2) صحيح البخاري رقم 6204 كتاب الرقاق.
111
فيسألهم ربهم - وهو أعلم منهم - ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك...
فيقول: هل رأوني؟
قال: فيقولون: لا، والله ما رأوك.
قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟
قال يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة... (1).
(95) عن أنس قال: قال النبي: لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة
فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك... (2).
(96) عن جرير بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنكم سترون ربكم
عيانا (3).
(97) وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:... حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ
ويرد بعضها إلى بعض... (4).
(98) عن عبد الله قال: جاء حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله
السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع،
ثم يهزهن.. فلقد رأيت النبي يضحك... تعجبا وتصديقا لقوله... (5).
(99) عن معاوية بن الحكم... فقال صلى الله عليه وسلم لها: أين الله؟
قالت في السماء.
قال: من أنا.



(1) صحيح البخاري رقم 6045 الدعوات.
(2) صحيح البخاري رقم 6284 كتاب الإيمان والنذور، وانظر صحيح سلم 17: 183 و 184.
(3) صحيح البخاري رقم 6998 كتاب التوحيد.
(4) صحيح البخاري رقم 7011 كتاب التوحيد.
(5) صحيح البخاري رقم 7075 كتاب التوحيد.
112
قالت: أنت رسول الله.
قال: اعتقها فإنها مؤمنة (1).
(100) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة
إلى السماء الدنيا (2).
(101) عن جبير... إن عرشه على سماواته لهكذا - قال بأصابعه مثل القبة - وإنه ليئط
به أطيط الرحل بالراكب، إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته (3).
(102) عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي
تليها على عينه... يقرؤها، أي قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات -
إلى قوله - سميعا بصيرا) يعني أن لله سمعا وبصرا (4).
(103) أورد ابن ماجة أحاديث في مقدمة سننه (5)، وهذه الأحاديث تدل على جسميته
تعالى. نذكر ثلاثة منها ههنا:
(104) عن أبي رزين قلت: يا رسول الله أنرى الله يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟
قال: يا رزين أليس كلكم يرى القمر مخليا به.
قال: قلت: بلى.
قال: فالله أعظم، وذلك آية في خلقه (6).



(1) صحيح مسلم 5: 24.
(2) صحيح مسلم 6: 36.
(3) سنن أبي داود 4: 232 كتاب السنة.
(4) صحيح البخاري رقم 233.
(5) سنن ابن ماجة رقم 177 - 202 المقدمة في باب فيما أنكرت الجهمية.
(6) سنن ابن ماجة رقم 180 المقدمة.
113
(105) وعنه قال: قال رسول الله: ضحك ربنا من تنوط عباده وقرب غيره
قال: قلت: يا رسول الله أويضحك الرب؟
قال: نعم.
قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا!
(106) عن العباس عنه صلى الله عليه وسلم:... ثم فوق السماء السابعة بحر... ثم
فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن
العرش... ثم الله فوق ذلك.
قيل: الأوعال جمع وعل، وهو تيس الجبل، وهي الحاملة للعرش الحامل لله!
(107) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آتاني الليلة ربي
تبارك وتعالى في أحسن صورة - قال: أحسبه قال: في المنام - فقال: يا محمد هل تدري
فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين
ثديي (1).
أقول: كل ذلك باطل ومخالف للعقل: (وما قدروا الله حق قدره).
رؤيته صلى الله عليه وسلم من خلفه
(108) عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل ترون قبلتي ههنا،
فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري (2).
(109) وعن أنس عنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأراكم من ورائي كما أراكم (3).



(1) سنن الترمذي 3: 98.
(2) صحيح البخاري رقم 408.
(3) صحيح البخاري رقم 409، انظر صحيح مسلم 4: 149 وما بعده.
114
أقول: وهل الرؤية المذكورة بصرية أو علمية فيها وجهان، والله تعالى العالم.
بناء المسجد على القبر
(110) عن عائشة... فقال صلى الله عليه وسلم: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح
فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم
القيامة (1).
(111) عنها وعن ابن عباس...: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد (2).
(112) وعن أبي هريرة: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (3).
(113) عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه -: قال: لعن
الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت ولولا ذلك لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مسجدا (4).
أقول: المتيقن من مدلول الأحاديث جعل القبر موضعا للسجود عليه سواء قصد منه عبادة
النبي أم لا، لكن حديث عائشة الأول يدل على منع بناء المسجد على محل فيه قبر
الإنسان الصالح.
وعلى كل، هذه الأحاديث لا تنهى عن الصلاة جنب قبر النبي وغيره كما في المسجد
النبوي وكما في مسجد دمشق المشتمل على قبر يحيى عليه السلام.



(1) صحيح البخاري رقم 417 كتاب المساجد.
(2) صحيح البخاري رقم 425.
(3) صحيح البخاري رقم 426.
(4) صحيح البخاري رقم 1265 كتاب الجنائز.
115
حكم التكبير في كل رفع ووضع
(114) عن عمران بن حصين قال: صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال: ذكرنا هذا
الرجل صلاة، كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يكبر
كلما رفع وكلما وضع (1).
أقول: يظهر من هذا وشبهه أن صورة صلاته صلى الله عليه وسلم لم تبق معمولا بها
عند المسلمين، فقد طرأ عليها بعض التغييرات، وهي تتكرر كل يوم خمس مرات، فكيف
بسائر العبادات.
الفئة الباغية النارية
(115) عن أبي سعيد في بناء المسجد... كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين،
فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه، ويقول: ويح عمار تقتله الفئة
الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن (2).
أقول: فعلي وأصحابه هم الداعون إلى الجنة فهم على حق، ومعاوية وأصحابه هم الفئة
الباغية الداعون إلى النار فهم على باطل، ثم إن الداعي إلى النار لا يكون في الجنة.
قاعدة من أدرك ركعة
(116) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
الصلاة (3).



(1) صحيح البخاري رقم 751، ولاحظ صلاة أبي هريرة وقوله في آخرها (752)، وقريب من
هذا رواية مطرف (753).
(2) صحيح البخاري رقم 436، وانظر صحيح مسلم 18: 39 وعن أم سلمة أيضا عن النبي (ص)
18: 41.
(3) صحيح البخاري رقم 555 وانظر 554.
116
النبي ما صلى العصر!
عن جابر: أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش
قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها... فصلى العصر بعدما غربت
الشمس (1).
والحديث غير قابل للتصديق في حقه صلى الله عليه وسلم لأن للصلوات مراتب اضطرارية،
وقد نقل مسلم في كتابه عن عبد الله بن عمر أنه يومئ إيماء. ويظهر من الحديث أن
جمعا من الصحابة لم يصلوا العصر يومئذ.
وفي رواية عن جابر أن عمر قال: ما كدت أصلي العصر - أي يوم الخندق - حتى غربت،
قال: فنزلنا فصلى بعدما غربت الشمس (2).
يظهر منها أن عمر وحده لم يصل العصر، ولا يبعد صحته، وأن الرواية الأولى
مجعولة كجعل ما يدل في غير البخاري أنه صلى الله عليه وسلم ترك أربع صلوات.
الجلوس قبل القيام
(117) عن مالك... يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى (3).
اقتداء إمام بآخر في صلاته واحدة
(118) عن عائشة... فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم
بصلاة النبي، والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد (4).



(1) صحيح البخاري رقم 571.
(2) صحيح البخاري رقم 513.
(3) صحيح البخاري رقم 645 كتاب الجماعة والإمامة.
(4) صحيح البخاري رقم 655، وقد صرح في حديث آخر برقم 681: فكان أبو بكر
يصلي قائما وكان رسول الله يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، والناس
مقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه.
117
أقول: في الرواية سؤالان أحدهما: إنه لم لم يقتد الناس كلهم بصلاته؟ وكيف علمت
عائشة أنهم اقتدوا بأبيها لا به صلى الله عليه وسلم؟!
وثانيهما: إن الواجب على أبي بكر أن يقتدي جالسا لا قائما، فإن عائشة نفسها روت
أنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسا (لمرض) وصلى وراء قوم قياما، فأشار إليهم أن
اجلسوا، فلما أن انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به... وإذا صلى جالسا فصلوا
جلوسا ويدل عليه حديث أنس (1)، وحديث أبي هريرة (2).
لكن في حديث آخر عن عائشة: فتأخر أبو بكر رضي الله عنه وقعد النبي إلى جنبه وأبو
بكر يسمع الناس التكبير (3).
فيظهر منه: أن أبا بكر لم يكن إماما بل مقتديا ومكبرا، فهذا ينافي بقية
الأحاديث. ثم إن المستفاد من بعض الروايات أن النبي وجد خفة في أول صلاة صلاها
أبو بكر، فذهب للصلاة. ومن بعضها الآخر أنه في غير الصلاة الأولى.
وعلى كل لم ينقل أن أبا بكر بكى في صلاته لأجل أنه رجل رقيق القلب، وأنه
أسيف، وأنه لا يسمع الناس من البكاء كما تدعي عائشة، فسبحان الله من عاطفة البنت
لأبيها. وأي كان السبب فإن في إقامة النبي أبا بكر للصلاة وإمامته للمصلين
غموضا، لاختلاف الأحاديث فيها بحيث يفهم نفوذ السياسة فيها، وسنذكر في ما يأتي
أيضا بعض قصتها.



(1) صحيح البخاري رقم 656 و 657.
(2) صحيح البخاري رقم 689.
(3) صحيح البخاري رقم 680.
النهي عن صلاة رمضان جماعة
118
عن زيد بن ثابت: إن رسول الله اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في
رمضان فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج
إليهم فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل
الصلاة صلاة المرأة إلا المكتوبة (1).
120 وعن عائشة أنها قالت - في جواب من سألها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في رمضان؟ -: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة... (2)
أقول: الرواية مجعولة، فإنها تخالف كل ما ورد في صلاته صلى الله عليه وسلم
لنوافل رمضان.
الاعتدال بعد الركوع وبعد السجود
(121) عن أبي هريرة في حديث عنه صلى الله عليه وسلم:... ثم اركع حتى تطمئن
راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن
جالسا... ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (3).
وفي حديث أنس: وإذا رفع رأسه قام حتى نقول قد نسي (4).
وعن البراء: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع



(1) صحيح البخاري رقم 698، وانظر حديث عائشة رقم 1077.
(2) صحيح البخاري رقم 1097 كتاب التهجد.
(3) صحيح البخاري رقم 760.
(4) صحيح البخاري رقم 767.
119
وبين السجدتين قريبا من السواء (1).
القنوت
(122) عن أبي هريرة: لأقرأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة رضي
الله عنه يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعدما
يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار (2)، وكان دعاؤه صلى الله
عليه وسلم على المخالفين له من مضر! (3).
(123) وعن أنس: كان القنوت في المغرب والفجر (4).
(124) وعن محمد: سئل أنس أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟
قال: نعم.
فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟
قال: بعد الركوع يسيرا (5).
وعن عاصم قال: سألت أنس عن القنوت، فقال: قد كان القنوت.
قلت: قبل الركوع أو بعده؟
قال قبله.
قال: فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع؟
فقال: كذب! إنما قنت رسول الله بعد الركوع شهرا... (6). ولعل البخاري لا يرى
الكذب مانعا عن الصحة!



(1) صحيح البخاري رقم 767.
(2) صحيح البخاري رقم 764.
(3) صحيح البخاري رقم 771.
(4) صحيح البخاري رقم 765.
(5) صحيح البخاري رقم 956 كتاب الوتر.
(6) صحيح البخاري رقم 957 كتاب الوتر.
120
ابتداع النداء الثالث والاتمام في السفر بمنى
(125) عن السائب قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر (رض)، فلما كان عثمان رضي الله عنه
وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء (1).
قيل: الزوراء موضع بالسوق بالمدينة.
(126) وعنه: إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان... (2)
(127) وعنه: أن التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان... (3).
وعن عبد الله رضي الله عنه: صليت مع النبي بمنى ركعتين وأبي بكر وعمر، ومع عثمان
صدرا من إمارته ثم أتمها (4).
أقول: لا يجوز مثل هذا التغيير في أحكام الشرع، فسامحه الله.
وفي حديث: إن عبد الله بن مسعود لما سمع إتمام الصلاة من عثمان استرجع ثم قال:
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين... فليت حظي من أربع ركعات
ركعتان متقبلتان (5).
وتبعت عائشة عثمان في ذلك (6).
بدعة مروان
(128) عن أبي سعيد... فأول شئ يبدأ به - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم -



(1) صحيح البخاري رقم 870.
(2) صحيح البخاري رقم 871.
(3) صحيح البخاري رقم 873.
(4) صحيح البخاري رقم 1032.
(5) صحيح البخاري رقم 1034.
(6) صحيح البخاري رقم 1040.
121
الصلاة ثم... فيعظهم... فإذا مروان يريد أن يرتقيه - المنبر - قبل أن يصلي فجبذت
بثوبه فجبذني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله.
فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم!
فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم.
فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (1)، القصة
كغيرها نقلت بألفاظ مختلفة (2).
توسل عمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وعمه
(129) عن أنس: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن
عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك
بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون (3).
أقول: يظهر من الرواية أن توسل عمر بالعباس في الاستسقاء كان عادة له، وأن
التوسل جائز، وأن أهل بيته صلى الله عليه وسلم أفضل عندهم من الصحابة.
(130) وعن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
الصلاة في كسوف الشمس
أخرج البخاري روايات فيها والظاهر أنه واجبة وجوبا عينيا، بل يظهر من بعضها
وجوبها لخسوف القمر أيضا، فلاحظ كتاب الكسوف.
وفي بعض الروايات: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت



(1) صحيح البخاري رقم 913.
(2) أنظر صحيح مسلم 6: 177 وسائر الكتب.
(3) صحيح البخاري رقم 964.
122
أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده... (1).
أقول: يشكل صدور الجملة الأخيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلها من
زيادة بعض الرواة، إذ الكسوف والخسوف أمران عاديان غير موجبان للخوف.
واعلم أن عبد الله بن الزبير لم يعرف كيفية صلاة الكسوف فصلاها ركعتين كصلاة
الصبح، واعترف أخوه عروة أنه أخطأ السنة (2).
نومه في السحر
(131) وعن عائشة: ما الفاه السحر عندي إلا نائما. تعني النبي صلى الله عليه
وسلم (3) أقول: الرواية مجعولة، لأن الأحاديث - حتى عن عائشة - متفقة على أنه
لا ينام بعد صلاة الوتر حتى يصلي المكتوبة، ولذا أوله بعضهم بالاضطجاع، وهو كما
ترى تأويل باطل. نعم هو وارد في حديثها الآخر (4).
وفي رواية عنها: فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني
تنامان ولا ينام قلبي (5).
تعليم الاستخارة
(132) عن جابر بن عبد الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في
الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين
من غير الفريضة ثم يقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك.. (6).



(1) صحيح البخاري رقم 1010.
(2) صحيح البخاري رقم 1016.
(3) صحيح البخاري رقم 1082.
(4) صحيح البخاري رقم 1107.
(5) صحيح البخاري رقم 1096.
(6) صحيح البخاري رقم 1109 أول أبواب التطوع.
123
المنع من شد الرحال
(133) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى (1).
وقريب منه حديث أبي سعيد الخدري (2).
أقول: المستثنى منه ظاهرا أو القدر المتيقن هو المساجد لا مطلق الأماكن، لجواز
شد الرحال إلى التجارة والنزهة وصلة الرحم وتحصيل العلم وغير ذلك، فيلزم على
الثاني تخصيص الأكثر المستهجن. والرواية منصرفة إلى السفر البعيد. ولما رواه ابن
عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قبا كل سبت ماشيا وراكبا وكان
عبد الله يفعله (3).
عجيبة
(134) عن عائشة: إن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب... (4).
أقول: إن الذي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفنه ودفنه هو علي، ولم يرووا
عنه شيئا في ذلك وهذه عائشة تخبرهم عن كفن رسول الله، وهذا لعمر الله عجيب!
اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وسلم
(135) عن ابن عمر: إن عبد الله بن أبي لما توفى جاء ابنه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له
فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه فقال: آذني أصلي عليه، فآذنه.



(1) صحيح البخاري رقم 1123 كتاب التطوع.
(2) صحيح البخاري رقم 1139.
(3) صحيح البخاري رقم 1135.
(4) صحيح البخاري رقم 1205.
124
فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس نهاك أن تصلي على
المنافقين؟ فقال: أنا بين خيرتين قال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، أن تستغفر
لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم.
فصلى عليه، فنزلت: (ولا تصل على أحد مات منهم أبدا) (1).
(136) وعن جابر: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما دفن، فأخرجه
فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه (2).
(137) وعن ابن عباس عن عمر... وثبت إليه فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبي
وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا... فتبسم رسول الله وقال: أخر عني يا عمر فلما
أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني زدت على السبعين يغفر له لزدت
عليها.
قال: فصلى عليه رسول الله ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من
براءة على رسول الله: (ولا تصل على أحد - إلى قوله - وهم فاسقون) فعجبت من جرأتي
على رسول الله... (3).
أقول: في المقام مباحث لا بد من تحقيقها في محل آخر.
البكاء والنياح على الميت
(138) عن المغيرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن كذبا علي ليس ككذب
على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: من نيح عليه يعذب بما نيح عليه (4).



(1) صحيح البخاري رقم 1211.
(2) صحيح البخاري رقم 1211.
(3) صحيح البخاري رقم 1300 كتاب الجنائز.
(4) صحيح البخاري رقم 1229، وانظر صحيح مسلم 6: 235.
125
(139) وعن ابن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب في
قبره ما نيح عليه (1).
(140) وعن عبد الله بن عبيد الله... فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان ألا تنهى
هذا عن البكاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه... فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي... فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب
أتبكي علي وقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله
عليه (2).
(141) وعن أبي بردة، عن أبيه: لما أصيب عمر رضي الله عنه جعل صهيب يقول: وا أخاه،
فقال عمر: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن الميت ليعذب ببكاء
الحي (3).
(142) وعن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة... وأن الميت يعذب ببكاء أهله
عليه، وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصاوير من الحجارة ويحثي بالتراب (4).
أقول: إن المغيرة وعمر يحدثان عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت يعذب بما
نيح عليه، والمغيرة لأجل التأكيد على نقله ورفع الشبهة ينقل أولا شدة حرمة الكذب
عليه صلى الله عليه وسلم، ثم إن عمر وابنه يخبران عن تعذيب الميت ببكاء أهله أو
ببكاء الحي عليه. نعم، اشتبه عمر في تطبيق الحديث على بكاء صهيب عليه، فإنه كان
حيا غير ميت، ولا يخفى على أحد الفرق بين الأحياء والأموات في الأحكام، وهذا عجيب
من عمر لكنه ليس بأعجب من



(1) صحيح البخاري رقم 1230.
(2) صحيح البخاري رقم 1226 كتاب الجنائز، وهكذا قال لبنته حفصة كما في صحيح مسلم 6:
208.
(3) صحيح البخاري رقم 1228.
(4) صحيح البخاري رقم 1242.
126
تركه الصلاة والتيمم كما مر. وقد بكى النبي على سعد بن عبادة وهو حي، فقال: إن
الله لا يعذب بدمع العين... (1).
ثم نقول للعوام ومن بحكمهم من مدعي العلم الذين يدعون أن كتاب البخاري أصح
الكتب بعد كتاب الله ما هو داع البخاري من نقل هذه الروايات الباطلة المجعولة؟ أليس
هو نقل عن عائشة أن أباها - أبا بكر - بكى على النبي بعدما توفاه الله (2).
أليس نقل عن عبد الله بن جابر أنه بكى على أبيه المقتول والنبي لا ينهاه، وعمته
كذلك تبكي على أخيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبكين أو لا تبكين ما زالت
الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه (3).
أليس هو روى في أخباره صلى الله عليه وسلم عن شهادة زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة
وأن عيني رسول الله لتذرفان (4). أي يسيل منهما الدمع.
أليس هو نقل... وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبد
الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف أنها رحمة ثم اتبعها بأخرى
فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وأنا بفراقك يا
إبراهيم لمحزونون (5).
أليس هو روى: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله جالس على القبر،
ورأيت عينيه تدمعان فقال... (6).



(1) صحيح مسلم 6: 226.
(2) صحيح البخاري رقم 1186 كتاب الجنائز.
(3) صحيح البخاري رقم 1187.
(4) صحيح البخاري رقم 1189.
(5) صحيح البخاري رقم 1241.
(6) صحيح البخاري رقم 1277.
127
فالبكاء على الميت من الرحمة ولا ينهى الله عن الرحمة، فضلا عن أمره بضرب الباكي
بالعصا والحجارة وحثيه بالتراب كما صدر من عمر.
ومهما كان الأمر ففتوى عمر شئ ونقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ
آخر، والحق أن البكاء على الميت مباح، بل حسن ولا يعذب الميت به حتى وإن كان
حراما، لما علم بالضرورة من الدين من أن أحدا لا يعذب بفعل الآخر، كيف وهل أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه أن يعذب جعفر الطيار وصاحباه وإبراهيم ابنه
وغيرهم ممن بكى عليهم، وهل يدري أبو بكر أن بكاءه على النبي صلى الله عليه وسلم
يعذبه؟ (نعوذ بالله من أن يقال بعذاب النبي).
ثم تعالوا معي نستمع إلى قول عائشة وهي ترد على رواية عمر - وابنه حيث قالت: رحم
الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء
أهله عليه، ولكن رسول الله قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه
وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1).
وقالت أيضا: إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي أهلها،
فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (2).
أقول: أما استدلالها بالآية الكريمة فصحيح كما أشرنا إليه من قبل، وأما حديثها
الأول فيرد عليه أنه لا وجه لزيادة عذاب الكافر ببكاء أهله عليه، فإنه مخالف
للعقل، وإنما هو يعذب بكفره وعصيانه فقط، ومخالف للآية الكريمة المذكورة أيضا.
ثم نسأل أم المؤمنين أي وجه لإنكارك - فضلا عن تأكيدك بالقسم - الحديث المذكور
ولم تكوني مع رسول الله في المسجد وميادين الحرب



(1) صحيح البخاري رقم 1226.
(2) صحيح البخاري رقم 1227.
128
وجميع مجالسه صلى الله عليه وسلم، بل في بيته دائما ولك ليلة من تسع أو ثمان ليال.
ثم إن في حديث عائشة اختلافا وتناقضا يدل على سقوط اعتباره، فمرة تقول في رد
كلام عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا
ببكاء أهله.
وثانية تدعي أنه صلى الله عليه وسلم قال: إنهم يبكون عليها - اليهودية - وإنها
لتعذب في قبرها.
وثالثة تدعي في رد كلام ابن عمر أنه قال: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله
ليبكون عليه الآن (1). وهذا عام يشمل الكافر والمسلم.
فكأن عائشة تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تهواه، وكأن لها نيابة
عامة عنه صلى الله عليه وسلم في كل ما تشاء بيانه!
وعن أبي موسى... قال عمر: والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من يبكي عليه يعذب، فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال: كانت عائشة تقول: إنما كان
أولئك اليهود! (2).
والحق أنه ليس كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن قبوله والاعتماد
عليه، وذلك لوجود الاختلاف والتناقض بين الصحابة في نقل الرواية الواحدة، وهذا
الاختلاف بين لمن تأمل في روايات البخاري، وما نقلناه عنه خير شاهد لذلك، فكيف
يدعي البعض أن من قال بصدور جميع أحاديث البخاري عن رسول الله لم يكن على خطأ!
خرافة حول الدجال
(143) عن عبد الله بن عمر: إن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط (3



(1) صحيح البخاري رقم 3759.
(2) صحيح مسلم 6: 230، وانظر ص 232 أيضا إلى آخر الجزء السادس.
(3) الرهط ما دون العشرة من الرجال.
129
قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم (1) بني مغالة - وقد قارب ابن
صياد الحلم - فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال لابن صياد:
تشهد أني رسول الله؟.
فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد للنبي صلى الله
عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟
فرفضه وقال: آمنت بالله ورسله فقال له: ماذا ترى؟
قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر ثم قال له النبي: إني خبأت لك
خبيئا.
فقال ابن صياد هو الدخ (2).
فقال: اخسأ فلن تعدو قدرك.
فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك
في قتله (3).
ويزيد ابن عمر في حديثه: انطلق بعد ذلك رسول الله وأبي بن كعب إلى النخل التي
فيها ابن صياد وهو يختل (4) أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه
النبي وهو مضطجع... فقالت - أي أمه - يا صاف - وهو اسم ابن صياد -: هذا محمد،
فثار ابن صياد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو



(1) بناء من حجر كالقصر.
(2) قيل أراد أن يقول الدخان فلم يستطع.
(3) صحيح البخاري رقم 1289 كتاب الجنائز.
(4) أي يستغفل.
130
تركته لبين (1).
أقول: الرواية ككثير من روايات البخاري مجملة ومحصلها أن النبي كان يظن أو يحتمل
أن صافا هو الدجال، وهو يحب استعلام حاله، فلم يوفق له! ثم الظاهر من الرواية أن
عبد الله لم يكن مع النبي في مرتين وإلا لذكره بطبع الحال، فنسأله من أين جاء
بالقصة ومن الذي أخبره؟
(144) وعنه... ثم ذكر الدجال فقال: إني أنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذر قومه،
لقد أنذره نوح قومه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور
وأن الله ليس بأعور (2).
أقول: هذا الكلام برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ من غير المعقول صدوره
عنه صلى الله عليه وسلم فالتمييز الذي ذكر - أنه أعور وأن الله ليس بأعور - لا
تقوله حتى ربات الحجال، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن
الهوى! فيا حسرة على كذب الناقلين وعقل المحدثين الغافلين.
(145) وعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من
الناس، يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لا
يولد له.
قال: قلت: بلى.
قال: فقد ولد لي أوليس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل المدينة ولا
مكة.
قلت: بلى.
قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، ثم قال لي في آخر قوله: أما والله
إني أعلم مولده ومكانه وأين هو.



(1) صحيح البخاري رقم 1289 كتاب الجنائز.
(2) صحيح البخاري رقم 2892 كتاب الجهاد، وانظر صحيح مسلم 18: 55.
131
قال: فلبسني (1).
وبسند آخر: ألم يقل صلى الله عليه وسلم إنه يهودي، وقد أسلمت... فقال أما والله
إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه.
قال: وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل.
قال: فقال: أو عرض علي ما كرهت.
(146) وعنه: قال رسول الله لابن صائد: ما تربة الجنة؟.
قال درمكة بيضاء، مسك يا أبا القاسم.
قال: صدقت (2).
الدرمك: هو الدقيق الحواري الخالص البياض كما قيل.
وفي رواية أخرى عنه: إن ابن صائد سأل النبي عنها، فأجابه بما مر!
فلتقر أعين غلاة الصحاح بهذه الخزعبلات التي نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم زورا وبهتانا.
(147) عن محمد بن المكندر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد
الدجال، فقلت: أتحلف بالله.
قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره صلى
الله عليه وسلم (3).
(148) عن نافع، عن ابن عمر: لقيته - أي ابن صائد - مرتين... فلقيته لقية أخرى وقد
نفرت عينه... فقالت - أي حفصة لأخيها عبد الله - ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد
قال: إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه (4).



(1) صحيح مسلم 18: 50.
(2) صحيح مسلم 18: 52.
(3) صحيح مسلم 18: 53.
(4) صحيح مسلم 18: 58.
132
أقول: كل هذه الروايات تدل على أن ابن صائد هو الدجال، وحيث إنه لم يخرج فلا
بد أن يقال إنه حي غائب سيخرج فيما بعد! ثم إن مسلما أخرج في كتابه أحاديث في
حق الدجال (1) من تأمل فيها يعرف أن الدجالين والوضاعين قد لعبوا بالدجال، فقد
رووا فيه من المتناقضات، وقاموا مقامه في تضليل الناس البسطاء، وروجها المحدثون
تثبتا لفضلهم وتضلعهم في السنة القولية النبوية، فصارت جزء من الدين تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا، ونحن نبرئ رسوله المعصوم الحكيم عن هذه المتناقضات، ففي بعض
هذه الأحاديث: الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينه كافر - ثم تهجاها (الرسول صلى
الله عليه وسلم) ك، ف، ر - يقرؤه كل مسلم (2).
وفي بعضها: معه نهران يجريان.
وفي بعضها: أن معه ماء أو نارا فناره بارد، وماؤه نار.
وفي بعضها: أن لبثه أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه
كأيامكم.
وفي بعضها: أنه يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها!... وأنه
يقتل رجلا ممتلئا شبابا ثم يحييه، فيبعث عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي
دمشق فيقتله... فيبعث الله يأجوج ومأجوج.
وفي بعضها قال الراوي - المدعي أنه ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد عن
الدجال أكثر مما سألت - قلت: إنهم يقولون إن معه الطعام والأنهار!
قال: هو أهون على الله من ذلك، انظر إلى هذا التناقض الصريح.
وفي بعضها: قلت: إنهم يقولون معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء.



(1) صحيح مسلم 18: 60 - 87.
(2) ولم ينقل أحد أنه رأى هذه الكتابة بين عيني ابن صائد، فكيف قالوا إنه الدجال!
133
قال: هو أهون على الله من ذلك.
وفي بعضها: إنه أعور العين اليسرى.
وفي بعضها أعور العين اليمنى!
وفي بعضها: إن فاطمة بنت قيس قصت قصة طويلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
صلى الله عليه وسلم حدث عن تميم الداري الذي كان رجلا نصرانيا فأسلم، وأنه ركب
في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا، فلعب الموج بهم شهرا في البحر! حتى مغرب الشمس،
فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة
الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت أنا الجساسة! فأرشدتهم إلى رجل في الدير، فدخلوا
الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأوه، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين
ركبتيه إلى كعبة بالحديد... إني مخبركم عني أنا المسيح - أي الدجال -.
وهي قصة خيالية أخرجها مسلم بعنوان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أدري
اخترعتها بنت قيس أو نسبها إليها واضع من الرواة.
وفي بعضها: فترجف: المدينة ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق
(ومنافقة).
وفي بعضها: يتبع الدجال من يهود إصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة.
أقول: لا أنكر أصل خروج الدجال وإنما أنكر هذه الأحاديث التي ذكرتها، وإن سألت عن
زمن خروجه فأقول لك: والله العالم.
ثم أن القصة قد ذكرت في سنن ابن ماجة في كتاب الفتن بعبارات مختلفة لعبت بها أيدي
القصاص والجعال، ففي بعضها: إنه يخرج من خراسان.

134
وفي بعضها: من خلة بين الشام والعراق.
وفي بعضها: إن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر
كالجمعة.
وفي بعضها: إن خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد... قيل
فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير، والتسبيح والتحميد، ويجري
ذلك عليهم مجرى الطعام؟.
وزاد ابن ماجة في سننه قصة يأجوج ومأجوج أيضا بوجه يكذبه الحس (1).
فطرة الإيمان
(149) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد
على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (2).
أقول: وقريب منه ما في روايات الشيعة عن أئمتهم ويدل عليه قوله تعالى: (فطرة الله
التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)، والحاصل أن علاقة
الإنسان بالله تعالى ليست تلقينية كما يظن جماعة من الملحدين، بل فطرية بفطرة العقل
أو القلب أو بفطرة العقل والقلب معا، وبحثه موكول إلى محله، وفي بعض روايات الشيعة الإمامية أن جواب الكفار في قوله: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن
الله) راجع إلى فطرتهم، أي لو رجعوا إلى فطرتهم التي خلقهم عليها لأجابوكم
بالتوحيد، وفي الآية وجه آخر، وهو أن الخطاب متوجه إلى مشركي قريش القائلين
بتوحيد الخالق في الجملة وتعدد المعبودين.



(1) سنن ابن ماجة رقم 4080.
(2) صحيح البخاري رقم 1293.
135
سمع الموتى
(150) عن ابن عمر: اطلع النبي على أهل القليب فقال: وجدتم ما وعد ربكم حقا.
فقيل له: تدعو أمواتا؟
فقال: ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون (1).
(151) عن ابن عمر: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما
وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول ما أنتم بأسمع منهم.
فذكر لعائشة، فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن
الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت: (أنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في
القبور) (2).
(152) وعن نافع، عن عبد الله: قال ناس من أصحابه: يا رسول الله تنادي ناسا
أمواتا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأسمع لما قلت منهم (3).
أقول: لا يعلم وجه لإنكار عائشة لحديث ابن عمر، وعدم علمها لا يدل على عدم صدور
الحديث منه صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها اعتمدت في رده على الآيتين، والحال
أنه لا منافاة بينهما وبين الحديث، وإذا قلنا إن عائشة وابن عمر لم يحضرا بدرا
سقط الحديثان معا عن الاعتبار، ولعله لأجله لم يذكر مسلم حديث عائشة في
صحيحه (4)، حيث اقتصر على نقل حديث أنس



(1) صحيح البخاري رقم 1304 كتاب الجنائز.
(2) صحيح البخاري رقم 3760، وانظر 3759.
(3) صحيح البخاري رقم 3802.
(4) صحيح مسلم 17: 206.
136
الموافق لقول ابن عمر. وسواء صح قوله أو قولها فالحديث يدل على الحياة البرزخية.
عذاب القبر وعائشة
(153) إن عائشة لم تكن عارفة بعذاب القبر فأخبرتها يهودية! فسألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عنه فقال: نعم، عذاب القبر حق.
قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من
عذاب القبر (1).
أقول: مدلول كلامها إن رسول الله تشاغل بالتعوذ من عذاب القبر بتذكير اليهودية!
وإنه لم يتعوذ قبله ولو مرة واحدة عند عائشة!
(154) وفي حديث آخر عنها: إن عجوزين من عجز يهود المدينة قالتا له: إن أهل
القبور يعذبون من قبورهم... فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر (2).
على كل لم يفهم أن الصحيح هو أخبار عجوز أو عجوزين، وشيخنا البخاري لا يلتفت
إلى هذا الاختلاف، والواقع لو أن أحدا من الباحثين وسعه الوقت فيؤلف كتابا في
جمع مختلفات متون الأحاديث المذكورة في كتاب البخاري لجاء كتابا كبيرا يبطل خرافة
كون كتاب البخاري أصح الكتب، وأحاديثه أوثق الأحاديث بأتم وجه.
وللسيدة أو للوضاعين عليها صورة ثالثة للقصة تقول: دخل علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرت إنكم تفتنون في القبور؟ قالت:
فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما تفتن يهود.



(1) صحيح البخاري رقم 1306.
(2) صحيح البخاري رقم 6005 كتاب الدعوات.
137
قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرت؟! أنه
أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور... (1).
وهذا الحديث المجمع عليه - على حسب زعم مسلم - زاد في طنبور المشكلة نغمة أخرى،
وهي أعلمية يهودية من خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم في حوادث البرزخ، هدى الله
الغالين والغافلين.
استئذان عمر من عائشة
(155) عن عمرو بن ميمون... يا عبد الله بن عمر اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل:
يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي، قالت: كنت أريده
لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي... فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر
المسلمين (2).
أقول: لم نفهم وجه الاستئذان، فإن ما تركه النبي صدقة - كما حدث وأصر عليه أبو
بكر - وعلى فرض كونه ميراثا فأصحاب الحق بنو فاطمة وجميع أزواجه صلى الله عليه
وسلم، فما معنى الاستئذان من إحداهن؟ ثم إن عائشة بأي دليل شرعي أعدت المكان
لمدفنها وهي فرد من المسلمين أو فرد من الورثة، ولم تكن وصية وقيمة ولا ولية أمر
المسلمين. والواقع أن السياسة رفعتها وعظمتها، وهذا هو السبب في شهرتها وكثرة
الحديث عنها دون سائر زوجاته صلى الله عليه وسلم، فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
تم الجزء الأول من البخاري حسب النسخة الموجودة عندي.
تحريف القرآن وما يلحق به.
نذكر هنا ما ورد في البخاري وغيره من الصحاح في تحريف القرآن



(1) صحيح مسلم 5: 85.
(2) صحيح البخاري رقم 1328.
138
ليكون أسهل تناولا. وهكذا فعلت في بعض الموارد الأخر.
(156) عن عبد الله... (وما أوتوا من العلم إلا قليلا) قال الأعمش: هكذا في
قراءتنا (1).
والمذكور في المصاحف الشريفة: (وما أوتيتم).
(157) عن ابن عباس: كان عكاظ و... فنزلت: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من
ربكم في مواسم الحج) (2).
وعن المعلق: إنه خلاف المشهور فهي قراءة شاذة لها حكم حديث الآحاد، فتكون تفسير
الآية وليست بقرآن.
وفي سنن أبي داود بعد نقل الحديث: فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف!
(158) وعن أنس... فكنا نقرأ: (أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا)
ثم نسخ بعد... (3)
(159) وعنه أنزل في الذين قتلوا في بئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ بعد: (بلغوا
قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) (4).
والفرق بين النقلين ظاهر في الموردين في أول الآية وآخرها (5).
(160) في قراءة عبد الله: (ونادوا يا مال) مكان (يا مالك) (6).
(161) وقرأ ابن عباس: (أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما



(1) صحيح البخاري رقم 125 وغيره.
(2) صحيح البخاري رقم 1945 كتاب البيوع.
(3) صحيح البخاري رقم 2647 كتاب الجهاد.
(4) صحيح البخاري رقم 2659 كتاب الجهاد.
(5) أنظر صحيح مسلم 5: 178.
(6) صحيح البخاري رقم 3058 كتاب بدء الخلق.
139
الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) (1).
وفي صحيح مسلم مثله بزيادة: سفينة صالحة (2).
(162) عن علقمة... فقرأت عليه: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر
والأنثى) قال والله أقرأنيها رسول الله من فيه إلى في (3) وفي البخاري (4). ما زال بي
هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
أقول: وهذا الحديث يدل على أن كلمة (ما خلق) في القرآن زيادة، ولكن إجماع
المسلمين على خلافها.
(163) وعن ابن عباس أنه يقرأ: (إلا انهم تثنوني صدور...) (5).
(164) وعنه لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين) خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم... فنزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب وقد تب) هكذا قرأها الأعمش (6).
(165) عن ابن عباس: قال عمر لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد
الرجم في كتاب الله... (7)
(166) وعن عكرمة... قال: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم
بيدي (8).
(167) وعنه عن عمر - في حديث طويل - ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من



(1) صحيح البخاري ذيل 3220 كتاب الأنبياء.
(2) صحيح مسلم 15: 142.
(3) صحيح البخاري رقم 3532 كتاب فضائل الصحابة، وانظر صحيح مسلم 6: 109 و 110.
ومسلم: 1533.
(4) برقم 1533.
(5) صحيح البخاري رقم 6 - 4405 كتاب التفسير.
(6) صحيح البخاري رقم 4687 كتاب التفسير، صحيح مسلم 3: 82 و 83.
(7) صحيح البخاري رقم 6441 كتاب المحاربين.
(8) صحيح البخاري بعد رقم 6748 كتاب الأحكام.
140
كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أو (أن
كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم...) (1).
(168) عن أبي ذر... ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: (ذلك مستقر لها) في قراءة عبد الله
(كتاب التوحيد) وفي المصحف الشريف لمستقر لها.
(169) عن أبي يونس... فأملت عائشة علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
العصر وقوموا لله قانتين) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
(170) عن أبي هريرة... من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال: (أقم
الصلاة لذكري...).
قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها: للذكرى (3).
(171) عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن)
ثم نسخ بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من
القرآن (4).
(172) عن عمر بن الخطاب... فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها
وعقلنا، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان
أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله... وأن الرجم في كتاب الله حق (5).
(173) قال أبو داود: قراءة ابن مسعود: (يسئلونك النفل) مكان (عن الأنفال) (6).



(1) صحيح البخاري رقم 6442 كتاب المحاربين.
(2) صحيح مسلم 1: 130، سنن النسائي 1: 236 وغيره.
(3) صحيح مسلم 5: 183.
(4) صحيح مسلم 10: 29 و 30 كتاب الرضاع، سنن أبي داود 2: 230.
(5) صحيح مسلم 11: 191 كتاب الحدود.
(6) سنن أبي داود 3: 78 كتاب الجهاد.
141
(174) قرأ مطرف: (فئة تقاتل في سبيل الله ببدر) (1).
(175) عن عائشة: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كانت في صحيفة تحت
سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها (2).
أقول: وعلى حال الحديث فليبك الباكون.
(176) عن أبي مسعود الأنصاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أحد الواحد
الصمد) تعدل ثلث القرآن (3).
(177) وعن عبد الله بن مسعود قال: على قراءة من تأمروني أقرأ؟ لقد قرأت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا لصاحب ذؤابتين يلعب مع
الصبيان (4).
وفي حاشية السندي على المقام: قاله يوم أمر أن يقرأ القرآن على مصحف عثمان ويترك
مصحفه، فكان بينهما فرق باعتبار أن بعض ما نسخ تلاوته من القرآن قد بقي عند بعض
الصحابة مكتوبا في مصاحفهم.
أقول: لو كان الفرق بينهما بهذا لم يعترض ابن مسعود على ذلك، لأنه اعتراض باطل.
(178) عن ابن مسعود أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أنا الرزاق ذو
القوة المتين) (5).
أقول: في المصحف الشريف: (إن الله هو الرزاق ذو القوة



(1) سنن أبي داود 3: 154 كتاب الخراج.
(2) صحيح البخاري رقم 1945 كتاب النكاح.
(3) سنن ابن ماجة رقم 3789 كتاب الأدب.
(4) سنن النسائي 8: 134.
(5) جامع الترمذي 3: 15.
142
المتين).
(179) عن رجل، عن ربيعة قال: قدمت المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم... ثم قرأ: (... ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرويم) (1).
(180) عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله أمرني
أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه (لم يكن الذين كفروا) وقرأ فيها: (إن الدين
عند الله الحنفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيرا فلن
يكفره) وقرأ عليه: (لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا ولو كان له
ثانيا لابتغى إليه ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا تراب ويتوب الله على من
تاب) (2).
نقص سورتين من القرآن
(181) عن أبي الأسود قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه
ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه، ولا
يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ
سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: (لو كان
لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: (يا
أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون تكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم
القيامة) (3).



(1) جامع الترمذي 3: 109.
(2) صحيح سنن الترمذي 3: 245.
(3) صحيح مسلم 7: 140 كتاب الزكاة.
143
زوجاته صلى الله عليه وسلم
(182) عن أم سلمة (رض): إن النبي استيقظ ليلة فقال: سبحان الله ماذا أنزل
الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من أمر الخزائن (ماذا فتح من الخزائن 115)، من يوقظ
صواحب الحجرات، يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (1).
أقول: الحديث في البخاري مكرر، والتكرار في البخاري كثير وخارج عن الحد المتعارف
إلى حد ممل، وألفاظه لأجل تصرف الرواة مختلفة، وهذا الاختلاف شائع منتشر في
أحاديثه، والباحث يقطع بعدم صدور كل هذه الروايات من النبي الأكرم صلى الله عليه
وسلم.
(183) وعن عبيد الله في حديث عن عائشة: فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، وكان بين
العباس ورجل آخر.
قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: هل تدري من الرجل
الذي لم تسم عائشة؟
قلت: لا.
قال: هو علي بن أبي طالب (2).
أقول: كرره البخاري في كتابه سبعة عشرة مرة! وعلى كل حال أن عائشة تبغض عليا
بحيث تتنفر من اسمه فلا تذكره، ولا لوم عليها فإن عاطفة النساء أكثر من عقلها،
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: يا معشر النساء... تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما
رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن (3).



(1) صحيح البخاري رقم 115 - 1074 وغيره.
(2) صحيح البخاري رقم 634.
(3) صحيح البخاري رقم 1393 كتاب الزكاة.
144
(184) وعنها: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد من الجنابة (1).
ومثل هذا الجملة نقلت عنها كثيرا، ونرى ميمونة أنها تحدث عن غسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا تخبر عن غسلها حياء (2).
(185) وعن عائشة: إن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض... (3).
(186) وعنها: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنب،
وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض... (4)
(187) وعنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي بينه وبين القبلة
على فراش أهله اعتراض الجنازة (5).
وفي حديث: ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما!
(188) وعنها: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على باب حجرتي، والحبشة
يلعبون في المسجد، ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم (6).
ولاحظ روايات الموضوع وهي تصف نفسها بحريصة على اللهو في بعض هذه الأحاديث
الشريفة (7).
وقالت: جاء حبش يزفون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم،



(1) صحيح البخاري رقم 260.
(2) صحيح البخاري رقم 256 - 257 كتاب الغسل.
(3) صحيح البخاري رقم 293.
(4) صحيح البخاري رقم 295.
(5) صحيح البخاري رقم 376.
(6) صحيح البخاري رقم 443 كتاب المساجد.
(7) صحيح مسلم 6: 183 وما بعدها.
145
فوضعت رأسي على منكبه (1).
ومعنى الزفن هو الرقص. فصار مسجده مرقصا بقول عائشة.
أقول: هذا الكلام المفترى لا يصدقه من كانت له أدنى معرفة بأخلاق خاتم الأنبياء
والرسل، وأي عاقل يصدق بأن يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده مكانا للعب
واللهو بدل العبادة والذكر والذي من أجلهما أسس المسجد، فسبحان الله من كذب
الدجالين وسذاجة البخاري.
(189) وعنها - أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة، فقالوا: يقطعها الكلب والحمار
والمرأة -: لقد جعلتمونا كلابا، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني
لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير... (2)
يفهم من جملة (فقالوا) إن جمعا كثيرا نقلوا قطع الصلاة بالثلاثة.
(190) وعنها: دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بغاث، فاضطجع على
الفراش وحول وجهه! ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله
عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام (3) فقال: دعهما. فلما غفل غمزتهما
فخرجتا.
وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فأما سألت النبي صلى الله عليه وسلم
وأما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم.
فأقامني وراءه خده على خده! وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة



(1) صحيح مسلم 6: 186.
(2) صحيح البخاري رقم 489.
(3) وكلمة عليه السلام ذكرت في حق علي أيضا وكذا كلمة عليها السلام في حق فاطمة في
البخاري، انظر رقم 498 وما بعد رقم 1038 ورقم 1983 ورقم 2552 - الصلح ورقم 2946 -
الخمس ورقم 3810 - المغازي ورقم 2945 - الخمس ورقم 3014 - الجزية ورقم 3538. وقد
كثر ذكرها في سنن أبي داود في حقهما.
146
حتى إذا مللت قال: حسبك؟.
قلت: نعم.
قال: فاذهبي (1).
أقول: وفي حديث آخر: قال أبو بكر أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا
عيدنا (2).
والمستفاد من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان شريك عائشة في استماع غناء جاريتين
أجنبيتين - نعوذ بالله منه - وهي تنظر إلى الرجال اللاعبين الأجانب!
(191) وعنها: إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفقان وتضربان
والنبي متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي عن وجهه فقال: دعهما يا أبا
بكر، فإنها أيام عيد وتلك أيام منى!.
وقالت عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم
يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي: دعهم أمنا بني رفدة يعني من
الأمن (3).
أقول: تريد عائشة الاستعلاء على أبيها وعلى عمر بهذه القصة، وتريد أن تقول إن
القصة تكررت في منى والمدينة إن لم نقل إنه لا حافظة لكذوب، ومعنى دونك: أي
داوموا في عملكم، وبنو رفدة الحبشة، والعجب من القصاص أنه لم يزد في آخر القصة
إنه صلى الله عليه وسلم قال هذه من



(1) صحيح البخاري رقم 907.
(2) صحيح البخاري رقم 909 كتاب العيدين.
(3) صحيح البخاري رقم 944.
147
المناسك: فخذوا عني مناسككم.
واعلم: إن الأمر يدور بين حسن الظن بالبخاري ورواة كتابه بتصديق الحديث وإهانة
صاحب الرسالة الإلهية، وبين تقديس الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وتكذيب الرواة
وتقبيح البخاري، فأنت أيها المسلم العاقل اختر أيهما تشاء.
(192) عنها: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر.
قال الزهري: فقلت لعروة ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان (1).
أقول: الرواية نص في عدم تشريع التمام في السفر، فلا يبقى مجال للتأويل.
(193) وعنها: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه أين أنا اليوم
أين أنا اليوم أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين
سحري ونحري، ودفن في بيتي (2) أي بين صدري وعنقي.
أقول: أولا: فيه تناقض لما ادعته من أن الأزواج وهبن حقهن لها في مرضه (3)!
وثانيا: إن فيه مبالغة نسائية باردة وسيأتي وجهها.
(194) وعنها: كنت أطيب رسول الله لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت (4).



(1) صحيح البخاري رقم 1040 كتاب تقصير الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1323.
(3) ويتناقض أيضا مع ما نقل عنها من أنه (ص) قال لهن: لا أستطيع أن أدور بينكن،
فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له. ص 250 ج 2 سنن أبي داود.
فيفهم أن كل ذلك مختلق.
(4) صحيح البخاري رقم 1465 كتاب الحج.
148
(195) وعن صفوان... فجاء الوحي... اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات... واصنع في عمرتك
كما تصنع في حجك (1).
فهذه الرواية تبطل قول عائشة - كما لا يخفى - لكن البخاري وغيره يحمل الأولى على
حين الإحرام والأخرى على ما قبل الغسل، وهذا الجمع نحو من اللعب بالروايات ولا
شاهد عليه.
(196) وعنها: إن كان رسول الله ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت (2).
ومعنى ضحكها أنها هي التي قبلها.
(197) وعنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان
الذي أراد أن يعتكف، إذا أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال: آلبر
تقولون بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف... (3)
وفي حديث آخر (4): ما حملهن على هذا؟ آلبر؟ انزعوها فلا أراها....
أقول: اختلاف الألفاظ في أحاديث البخاري كثير بحيث يسلب الاعتماد عليها، والواقع
أن جواز النقل بالمعنى والفصل بين زمان الصدور والتدوين أوجبا عدم التحفظ على
كلامه صلى الله عليه وسلم، فما أغفل وأجهل من يدعي أن ما في البخاري قد صدر عن
لسانه صلى الله عليه وسلم. ومن أقسم أن أكثره لم يصدر عن لسانه صلى الله عليه وسلم
لا شئ عليه عند من دقق نظره في المتون.



(1) صحيح البخاري رقم 1463.
(2) صحيح البخاري رقم 1827 كتاب الصوم.
(3) صحيح البخاري رقم 1929 كتاب الاعتكاف.
(4) صحيح البخاري رقم 1936.
149
(198) وعن ابن عباس: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما: (إن تتوبا فقد صغت قلوبكما...) فقال
(عمر) وا عجبي لك يا ابن عباس عائشة وحفصة... فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من
أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا
من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله... (1).
(199) عن عائشة: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين، فحزب فيه عائشة
وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كان عند أحدهم هدية يريد أن
يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بيت عائشة... فقال صلى الله عليه وسلم لها - أي لأم سلمة -: لا
تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ثم إنهن دعون
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم... إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي
بكر... فقال: يا بنية ألا تحبين ما أحب! فأرسلن زينب بنت جحش... فرفعت صوتها
حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها... فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى
أسكتتها... (2).
(200) وعنها... وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة
وهبت يومها وليلتها لعائشة... (3).
أقول: كرره البخاري عشرين مرة في كتابه، ولا يرى له نظير بين



(1) صحيح البخاري رقم 3236 كتاب المظالم.
(2) صحيح البخاري رقم 2442 كتاب الهبة.
(3) صحيح البخاري رقم 2453.
150
العقلاء المؤلفين.
(201) وعنها: كان رسول الله يسأل في مرضه الذي مات فيه، يقول: أين أنا غدا أين
أنا غدا يريد يوم عائشة! فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى
مات عندها.
قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي... (1).
أقول: صدره وذيله متناقضان فتأمل، والشيعة تقول إنه صلى الله عليه وسلم كان عند
فاطمة وعلي والحسنين، وعلي هو الذي تصدى لتجهيزه صلى الله عليه وسلم، ولو كان صلى
الله عليه وسلم في بيت عائشة لم يمكن لعلي تغسيله وتدفينه صلى الله عليه وسلم، على
أن جملة من زوجاته صلى الله عليه وسلم كن مخالفات لها، فلا يرضين كونه صلى الله
عليه وسلم في بيتها.
(202) عن أنس... فكان في بيت عائشة فجاءت زينب فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب،
فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى استخبتا وأقيمت الصلاة، فمر أبو
بكر على ذلك فسمع أصواتهما فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة واحث في أفواههن
التراب... أتاها أبو بكر فقال لها: قولا شديدا (2).
(203) عن عائشة: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه
وسلم (3).
(204) عن سلمان... أن جبرئيل عليه السلام أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده
أم سلمة قال: فجعل يتحدث ثم قام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: من
هذا؟ أو كما قال.



(1) صحيح البخاري رقم 4185 كتاب المغازي.
(2) صحيح مسلم 10: 47.
(3) صحيح مسلم 10: 49.
151
قال: قالت: هذا دحية... (1)
(205) عن عائشة: إنه اعتل بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لزينب: أعطيها بعيرا.
فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر (2).
(206) عن أم محمد في قصة مخاصمة عائشة مع زينب حتى قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعائشة: سبيها، فسبت عائشة زينب، وأن زينب ذهبت إلى فاطمة وقالت لها:
إن عائشة وقعت بكم وفعلت، فجاءت فاطمة وجاء علي و... فلاحظ الرواية (3).
أقول: أنظر السب والافتراء بينهن على فرض صحة الحديث.
(207) عن عائشة: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم فاغتسلنا (4).
أقول: سبحان الله من قلة الحياء.
(208) وعنها في قصة الإفك... فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين
استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه
من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرا، وأما
علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل
الجارية تصدقك.



(1) صحيح مسلم 18: 8.
(2) سنن أبي داود 4: 198.
(3) سنن أبي داود 4: 276 كتاب الأدب.
(4) سنن ابن ماجة رقم 608.
152
فدعا رسول الله بريرة... (1).
أقول: لم تكن عائشة حاضرة مجلس الاستشارة بطبع الحال، فلا نعلم من هو الذي أخبرها
بمقالة هؤلاء المستشارين؟ وعلى كل حال فإن عائشة تظن أن عليا لم يكن محبا لها
كحب أسامة، بل أشار إلى طلاقها، فهذا من أحد أسباب عدائها له، وأنا لا أطمئن بصدور
هذا الكلام من علي ولا بعدمه منه، وكلا الفرضين محتمل، والله العالم.
(209) عن عبد الله: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة،
فقال: هنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان (2).
(210) عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: خير نسائها مريم، وخير نسائها
خديجة (3).
(211) عن عائشة: ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة،
هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب،
وإن كان ليذبح الشاة فيهدي إلى خلائلها منها ما يسعن (4).
(212) وعنها: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، من كثرة ذكر رسول الله صلى الله
عليه وسلم إياها، قالت: تزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عز وجل أو جبرئيل
عليه السلام أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب (5).
(213) وعنها ما غرت على أحد... ما غرت على خديجة، وما



(1) صحيح البخاري رقم 2518 كتاب الشهادات.
(2) صحيح البخاري رقم 2937 كتاب الخمس.
(3) صحيح البخاري رقم 3604 كتاب فضائل الصحابة.
(4) صحيح البخاري رقم 3605 كتاب فضائل الصحابة، وانظر صحيح مسلم 15: 201.
(5) صحيح البخاري رقم 3606.
153
رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة... فربما قلت له: كأنه لم
يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد (1).
(214) عن إسماعيل قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: بشر النبي صلى الله عليه وسلم
خديجة؟
قال: نعم، ببيت من قصب (2) لا صخب (3) فيه ولا نصب (4). (5)
(215) عن أبي هريرة أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه
خديجة قد أتت معها إناء فيه أدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فأقرأ عليها السلام
من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (6).
أقول: وأبو هريرة لم يكن بمكة.
(216) عن عائشة: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فعرفها استئذان خديجة، فارتاع لذلك فقال: اللهم هالة قالت: فغرت، فقلت: ما
تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا
منها (7).
أقول: فأفضل زوجاته صلى الله عليه وسلم وأحبها إليه هي خديجة، ثم حمية عائشة



(1) صحيح البخاري رقم 3607.
(2) قيل: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقيل: أنابيب من جوهر.
(3) الصوت المختلط المرتفع.
(4) المشقة أو التعب ثم الغيرة الحمية والأنفة.
(5) صحيح البخاري رقم 3608، وانظر صحيح مسلم 15: 200.
(6) صحيح البخاري رقم 3609.
(7) صحيح البخاري رقم 3610، وانظر أمثال هذه الأحاديث في صحيح مسلم 15: 200 - 202.
154
وأنفها على خديجة، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربما توقف المحقق من
الاعتماد على رواياتها وأحاديثها، فإنها امرأة شابة أسيرة أحاسيسها، وإن كانت
الصحاح مشحونة بأقوالها، والله العالم بصحتها.
(217) وعنها: تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين... فأسلمتني إليه صلى الله عليه وسلم
وأنا يومئذ بنت تسع سنين (1).
(218) وعنها لابن الزبير في مرض موتها، دخل ابن عباس فاثنى علي، وودت أني كنت
نسيا منسيا (2).
أقول: وكأنها تذكرت موقفها في حرب الجمل وعداوتها لبني هاشم.
(219) عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه
وهي بنت تسع سنين، ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة (3).
(220) وعنها: يا رسول الله أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت
شجرا لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟
قال: في التي لم يرتع منها (4). تعني نفسها.
أقول: أسفا على البخاري وضبط مثل هذه الروايات.
(221) وعن ابن عباس، عن عمر: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من
شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب، عليك بعيبتك (5).
(222) وعنها: إنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه
وسلم:



(1) صحيح البخاري رقم 3681.
(2) صحيح البخاري رقم 4476 كتاب التفسير.
(3) صحيح مسلم 9: 208.
(4) صحيح البخاري رقم 4789.
(5) صحيح مسلم 10: 82.
155
يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو! (1).
(223) عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة كالضلع إن
أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج (2).
(224) وعن عائشة: إن النبي كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت
أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح
مغافير، أكلت مغافير، فدخل على أحدهما فقالت: له ذلك... (3)
أقول: هذا اعتراف بكذب أحدهما، فكيف تقبل أحاديثهما.
(225) وعنها:... فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت... فقلت
لسودة... فقولي أكلت المغافير... فقولي له: جرست نحلة العرفط... وقولي أنت يا صفية
ذاك... فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك... (4)
أقول: يظهر من الروايتين أن عائشة تكذب ولا ترى حتى في كذبها على النبي صلى الله
عليه وسلم حرجا، وتضل حفصة وسودة وصفية وتشوقهن إلى الكذب، فيكذبن والكذب من
المحرمات، على أن الكاذب لا تقبل رواياته، وقد ملأوا صحاحهم من رواياتها، فإنا لله
وإنا إليه راجعون. على أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه من أجل ذلك الحديث
حين أفشته حفصة إلى عائشة 29 ليلة من شدة موجدته - أي غضبة - عليهن كما يقص ذلك
عمر (5).



(1) صحيح البخاري رقم 4867 كتاب النكاح.
(2) صحيح البخاري رقم 4889 كتاب النكاح.
(3) صحيح البخاري رقم 4966 كتاب النكاح، صحيح مسلم 10: 74.
(4) صحيح البخاري رقم 4967، صحيح مسلم 10: 75.
(5) صحيح البخاري رقم 4982.
156
(226) وعنها: كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكانت لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم... (1).
أقول: قد أخذنا من هذه السيدة اللاعبة شطر ديننا!
(227) عن عمار:... ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي (2).
أقول: جعل عمار متابعة عائشة في حرب الجمل في مقابل متابعة المسلمين لله.
(228) وعن عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن
جنبان (3).
(229) وعنها:... فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش... وهي التي
تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تشرح قصة نزاعها
معها (4).
(230) وعنها: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
طعاما فبعثت به، فأخذني أفكل (5) فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما
صنعت؟ قال: إناء مثل إناء وطعام مثل طعام (6).
(231) وعنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو عروس بصفية بنت



(1) صحيح البخاري رقم 5779 كتاب الأدب.
(2) صحيح البخاري رقم 6687 كتاب الفتن.
(3) صحيح مسلم 4: 5.
(4) صحيح مسلم 15: 206.
(5) أفكل: في نهاية ابن الأثير 3: 466 أي رعدة، وهي تكون من البرد أو الخوف، ومنه
حديث عائشة: فأخذني أفكل وارتعدت من شدة الغيرة.
(6) سنن أبي داود 3: 297 كتاب البيوع.
157
حيي جئن نساء الأنصار فأخبرن عنها... فقال: كيف رأيت؟ قلت: أرسل يهودية وسط
يهوديات (1).
(232) عن عمر: إن رسول الله طلق حفصة ثم راجعها (2).
(233) عن عبد الله: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة
فقال: ههنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان (3).
(234) عن ابن عمر: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس
الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان (4).
وأما زيادة كلمة (يعني المشرق) فهي من الرواة أو اجتهاد أرباب الصحاح.
الأطفال
(235) عن ابن عباس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال:
الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين (5).
(236) وعن أبي هريرة: سئل النبي عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا
عاملين (6).
(237) وعن سمرة بن جندب، عنه صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: والشيخ في أصل
الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس (7).



(1) سنن ابن ماجة رقم 1980 كتاب النكاح.
(2) سنن ابن ماجة رقم 2016 كتاب النكاح.
(3) صحيح البخاري باب ما جاء في بيوت أزواج النبي (ص).
(4) صحيح مسلم.
(5) صحيح البخاري رقم 1317 كتاب الجنائز.
(6) صحيح البخاري رقم 1318.
(7) صحيح البخاري رقم 1320.
158
أقول: يأتي الكلام حول الموضوع.
شعور أبي بكر بموته
(238) عن عائشة:... قال: أرجو فيما بيني وبين الليل... فلم يتوف حتى أمسى من
ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح (1).
ما وضع عن الأمة
(239) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع عن أمتي الخطأ،
والنسيان، وما استكرهوا عليه.
(240) ورواه أبو ذر بلفظ: تجاوز عن أمتي (2).
الجمع بين الصلاتين
(241) عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا،
الظهر والعصر والمغرب والعشاء (3).
فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عسى.
أقول: نرد الاحتمال المذكور إلى محتمله، والعمدة هو متن الحديث.
(242) وعنه: صلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعا جميعا، وثمانيا جميعا (4).
(243) وعن عبد الله بن عمر: رأيت رسول الله إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب
حتى يجمع بينها وبين العشاء... (5).
وعبد الله نفسه أيضا يجمع بين الصلاتين كما ورد عنه في البخاري مكررا.



(1) صحيح البخاري رقم 1321.
(2) صحيح البخاري رقم 2043 و 2045 كتاب الطلاق.
(3) صحيح البخاري رقم 518 كتاب مواقيت الصلاة.
(4) صحيح البخاري رقم 537.
(5) صحيح البخاري رقم 1041، وانظر 5: 213 صحيح مسلم.
159
(244) عن سالم، عن أبيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء
إذا جد به السير (1).
(245) وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر
إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء (2).
(246) وعن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في
السفر.
(247) وعنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين هاتين الصلاتين في
السفر. يعني في المغرب والعشاء (3).
(248) وعنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر
إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما... (4)
(249) وعن ابن عباس: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيا جميعا،
وسبعا جميعا (5).
أقول: وكلامه مطلق يشمل السفر والحضر.
(250) وعن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في
السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما.
وفي حديث آخر: ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (6).



(1) صحيح البخاري رقم 1055 كتاب تقصير الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1056.
(3) صحيح البخاري رقم 1059.
(4) صحيح البخاري رقم 1060، صحيح مسلم 5: 224.
(5) صحيح البخاري رقم 1120.
(6) صحيح مسلم 5: 215.
160
(251) وعن ابن عباس: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا،
والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر (1).
(252) وعنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في
غير خوف ولا سفر... سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من
أمته (2).
(253) وعنه: جمع بين الصلاتين في سفرة سافرها في غزوة تبوك... فقلت لابن عباس: ما
حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته (3).
(254) وعن معاذ بن جبل: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك... فقال:
أراد أن لا يحرج أمته.
أقول: والروايات في ذلك كثيرة (4).
(255) وعن العقيلي قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت، ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال:
الصلاة فسكت، ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي شرح النووي (5): وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا
يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال،
والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن ابن إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث،
واختاره ابن المنذر.
أقول: الجمع على قسمين: صوري وحقيقي، والأول: تأخير الأولى



(1) صحيح مسلم 5: 215.
(2) صحيح مسلم 5: 215.
(3) صحيح مسلم 5: 216.
(4) أنظر صحيح مسلم 5: 215 - 218.
(5) صحيح مسلم 5: 219.
161
إلى آخر وقتها وتقديم الثانية في أول وقتها.
والثاني: على قسمين: جمع تقديم، وهو أداء الثانية في وقت الأولى، وجمع تأخير،
وهو أداء الثانية في وقت الأولى، وكلاهما جائز في السفر والحضر، للأحاديث، وعملا
بإطلاق القرآن الكريم. وبعض هذه الأحاديث نص في الجمع الحقيقي.
أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
(256) عن عبد المطلب بن ربيعة - في حديث طويل - ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن
الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس... (1).
قال النووي في شرحه على مسلم في باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعلى آله: وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم.
(257) عن ابن عباس في جواب نجدة بن عامر الحروري:... وكتبت تسألني عن ذوي القربى
من هم؟ وإنا زعمنا إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا (2).
وفي سند آخر: سألت عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله من هم؟ وإنا كنا نرى أن
قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم نحن، فأبى ذلك علينا قومنا.
(258) عن عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود،
فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء
علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس..) (3).



(1) صحيح مسلم 7: 179 كتاب الزكاة.
(2) صحيح مسلم 12: 193 كتاب الجهاد.
(3) صحيح مسلم 15: 194.
162
أقول: المرط: الكساء، والمرحل المنقوش عليه: رحال الإبل.
وقيل في تفسير الرجس: الشك، العذاب والإثم.
وعن الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل.
(259) عن سهل بن سعد الساعدي... وسأله الناس بأي شئ دووي جرح النبي صلى الله عليه
وسلم... كان علي يجيء بترسه فيه ماء وفاطمة تغسل عن وجهه الدم، فأخذ حصير فأحرق
فحشى به جرحه (1).
(260) عن الأحنف بن قيس: ذهبت لأنصر هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟
قلت: أنصر هذا الرجل.
قال: ارجع فإني سمعت رسول الله يقول: إذا التقى المسلمان بسيفهما، فالقاتل
والمقتول في النار فقلت يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟
قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه (2).
أقول: المراد بالرجل كما صرحوا به هو علي، وفي صحيح مسلم: أريد نصر ابن عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن مقاتليه من الفئة الباغية الداعية إلى النار
كما ورد في حق أصحاب صفين، والمورد من مصاديق قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى
تفيء إلى أمر الله) ولكن هذا الرجل - أي عليا - لاحظ له عند الناس.
والظاهر أن أول من عبر عنه بالرجل هي السيدة عائشة على ما مر وأظن أنه استعمل
فيه في جملة من الموارد في البخاري وغيره.



(1) صحيح البخاري رقم 240 كتاب الوضوء.
(2) صحيح البخاري رقم 31 كتاب الإيمان، انظر صحيح مسلم 18: 20.
163
(261) وعن سهل بن سعد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا
في البيت، فقال: أين ابن عمك؟.
قالت: كان بيني وبينه شئ فغاضبني فخرج... هو في المسجد راقد.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط ردائه عن شقه وأصابه تراب،
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب (1)
أقول: لعلهم افتعلوه مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في حق فاطمة: من أغضبها
فقد أغضبني!.
(262) عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت النبي عليه
السلام ليلة فقال: ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن
يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته وهو مول، يضرب
فخذه وهو يقول: (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) (2).
أقول: وإليك أول الآية: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان
الإنسان...) فالمراد من الجدل هو ما يقابل قبول أمثال الآيات القرآنية، افرض أن
القصة حق لكن هل يصح أن ينقلها علي وبنوه وهي شنيعة عليهم؟ فهذه الجعليات أساءت
ظن الشيعة بالبخاري وبكتابه. وأنا أظن - وظن الألمعي يقين - أن المراد بكلمة فلان
في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله
لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل، فترك قيام الليل هو علي فبدله البخاري أو غيره
بكلمة: فلان.
(263) عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين: أعيذكما
بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ثم يقول:



(1) صحيح البخاري رقم 430 كتاب المساجد.
(2) صحيح البخاري رقم 1075 كتاب التهجد، صحيح مسلم 6: 65.
164
كان أبوكم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق (1).
(264) عن سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه أخبره: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله ابن أمية بن
المغيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: يا عم قل لا إله إلا الله،
كلمة أشهد لك بها عند الله.
فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب.
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال
أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل
الله تعالى فيه: (ما كان للنبي) الآية (2).
أقول: هلا يسأل البخاري ابن المسيب هل شهد وفاة أبي طالب وسمع، ما قاله النبي
صلى الله عليه وسلم والمشركان أو أنه رأى في نومه! مع أن الآية في سورة البراءة،
وهي مدنية، فقد خاب من افترى، وعبد المطلب كان موحدا، فلا يأبى هو ومن على ملته
من كلمة التوحيد.
وفي حديث آخر في آخره: ونزلت: (إنك لا تهدي من أحببت) (3).
(265) عن عباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك،
فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك
الأسفل من النار (4).



(1) سنن أبي داود 4: 235 كتاب السنة، سنن ابن ماجة رقم 3525 كتاب الطب.
(2) صحيح البخاري رقم 1294.
(3) صحيح البخاري رقم 3671.
(4) صحيح البخاري رقم 3670 كتاب فضائل الصحابة.
165
(266) وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي وذكر عنده عمه فقال: لعله تنفعه شفاعتي
يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه (1).
أقول: وهل يشفع النبي - وكذا الأنبياء والملائكة - للكفار، ولمن لا يرتضى منه؟!
(267) عن أبي هريرة... فأخذ أحدهما - أي الحسنان - تمرة فجعله في فيه، فنظر إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال: أما علمت أن آل محمد صلى
الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة (2).
وفي خبر آخر: أما شعرت إنا لا نأكل الصدقة (3).
وفي خبر آخر عنه: إن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: كخ كخ أما تعرف إنا لا نأكل الصدقة (4).
(268) عن شهاب، عن علي بن حسين: إن حسين بن علي رضي الله عنهما أخبره أن عليا
عليه السلام قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، وكان النبي أعطاني شارفا من
الخمس، فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من
الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي (5).
أقول: الشارف: الناقة المسنة، الصواغ: الذي يصوغ الحلي،



(1) صحيح البخاري رقم 3672.
(2) صحيح البخاري رقم 1414 كتاب الزكاة.
(3) صحيح البخاري رقم 1420.
(4) صحيح البخاري رقم 2943 كتاب الخمس، وأنظر أول الجزء 18 من صحيح مسلم.
(5) صحيح البخاري رقم 1983.
166
وقينقاع: قبيلة يهودية، والإذخر: الذي طلب عباس من النبي صلى الله عليه وسلم تحللها
من قوله: (ولا يعضد شجرها...) قال: لصياغتنا ولسقف بيوتنا (1).
(269) عن أبي هريرة:... فجلس صلى الله عليه وسلم بفناء بيت فاطمة فقال: أثم لكع
أثم لكع... فجاء يشتد حتى عانقه وقبله وقال: اللهم أحبه وأحب من أحبه (2).
واللكع: الصغير، والمراد به الحسن بن علي.
(270) عن زيد بن وهب عن علي: أهدى إلى النبي حلة سيراء فلبستها، فرأيت الغضب في
وجهه فشققتها بين نسائي (3) أخرجه بعد حديث إعطاء رسول الله حلة لعمر، فكساها عمر
أخا له بمكة مشركا!
(271) عن ابن عمر: أتى النبي بيت فاطمة فلم يدخل عليها، وجاء علي فذكرت له ذلك،
فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت على بابها سترا موشيا فقال: ما
لي وللدنيا، فأتاها علي فذكر ذلك لها، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء قال: ترسل به
إلى فلان، أهل بيت بهم حاجة (4).
والموشي: المنقوش والمخطط: بألوان شتى. السيراء: ذات خطوط يخالطها شئ من الحرير.
(272) عن سعد: لما نزلت هذه الآية: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم) الآية، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا
فقال: اللهم هؤلاء أهلي (5).



(1) صحيح البخاري رقم 1984.
(2) صحيح البخاري رقم 2016، انظر صحيح مسلم 15: 193.
(3) صحيح البخاري رقم 2471 كتاب الهبة.
(4) صحيح البخاري رقم 2471.
(5) جامع الترمذي 3: 32 (صحيح الإسناد).
167
(273) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جعفرا يطير في
الجنة مع الملائكة (1).
(274) وعن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بن أبي طالب: أشبهت
خلقي وخلقي.
(275) عن أبي سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب
أهل الجنة.
(276) عن ابن عمر في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحسن والحسين
هما ريحانتاي من الدنيا (2).
(277) عن أسامة... فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما
فأحبهما، وأحب من يحبهما المصدر.
(278) عن يعلي بن مرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين،
أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط (3).
(279) عن أنس: لم يكن أحد منهم أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن
علي. المصدر.
(280) عن أنس: كنت عند ابن زياد فجيء، برأس الحسين، فجعل يقول بقضيب له في أنفه
ويقول: ما رأيت مثل هذا حسنا.
قال: قلت: أما إنه كان من أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
(281) عن عمارة: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في
الرحبة، فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت،



(1) جامع الترمذي 223.
(2) المصدر ص 224.
(3) المصدر 225.
168
فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنية،
ثم خرجت فذهبت حتى تغيب، ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا.
المصدر.
(282) عن البراء في صلح الحديبية: وقال لعلي: أنت مني وأنا منك (1).
(283) عن سهل بن سعد: قال النبي يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على
يديه، يحب الله ورسوله: ويحبه الله ورسوله فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي
فغدوا كلهم يرجون، فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ
كأن لم يكن به وجع، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسلك
حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، والله لأن يهدي
الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (2).
(284) عن أبي عبد الرحمن - وكان عثمانيا - فقال لابن عطية - وكان علويا -: إني
لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول: بعثني... فقال صلى الله عليه
وسلم: ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فهذا الذي
جرأه (3).
أقول: غرض البخاري من نقل هذه المقالة أن عليا إنما سفك دماء الناس المحاربين
له في البصرة وصفين والنهروان لأنه شهد بدرا وقد سمع من رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إن الله سبحانه رخص للبدريين ما شاؤوا فإنه مغفور لهم.



(1) صحيح البخاري رقم 2552.
(2) صحيح البخاري رقم 2847 كتاب الجهاد، أنظر صحيح مسلم 12: 185.
(3) صحيح البخاري رقم 2915 كتاب الجهاد.
169
أقول: أولا: إن هذا الترخيص (اعملوا ما شئتم) مخالف للعقل والقرآن وأساس التشريع
الديني، بل يتناقض مع جميع القوانين الدولية والأعراف العقلائية كما لا يخفى،
فالجملة مجعولة كسائر الجعليات. يقول القرآن لسيد البشر وخاتم المرسلين وقائد
البدريين والمجاهدين: (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات..)، (إني أخاف إن
عصيت ربي عذاب يوم عظيم..)، (عبس وتولى أن جاءه الأعمى..) ثم هل يمكن لمسلم يقرأ من
القرآن (من قتل مؤمنا متعمدا..) وقرأ (من قتل نفسا... فكأنما قتل الناس جميعا)
وغير ذلك ثم يتجرأ لسفك الدماء لأجل الحديث المذكور؟!!!
وثانيا إن كلمة (لعل) في الحديث المذكور يبطل اجتهاد العثماني والبخاري.
وثالثا: إن هذا الاستظهار مخالف للتاريخ والسلوك الفقهي الإسلامي، فإن البادين
بالحرب هم مخالفوا علي دونه وهم البغاة، ولا شك أن قتال البغاة جائز أو واجب، فأي
حرج على علي في ذلك، وقد تقدم أن قاتل عمار فئة باغية داعية إلى النار وعمار
يدعوهم إلى الجنة. فاستناد علي في حروبه هو قوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى
تفيء إلى أمر الله) دون جملة: (لعل الله أطلع) على أن النبي أخبره بقتال الناكثين
والقاسطين والمارقين.
(285) عن علي بن حسين: إنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين
بن علي رحمة الله عليه لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني
بها؟
فقلت له: لا.

170
فقال له: فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخاف أن يغلبك
القوم عليه، وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إلي أبدا حتى تبلغ نفسي. إن علي
بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام، فسمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: إن فاطمة مني
وأنا أتخوف أن تفتن في دينها) ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في
مصاهرته إياه قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وأني لست أحرم حلالا ولا
أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبدا (1).
المستفاد من الرواية أمور:
1 - إن سيف رسول الله وصل من علي بن أبي طالب إلى علي بن حسين، وفي روايات الشيعة
أن جميع سلاح رسول الله وكتبه وما وصل إليه صلى الله عليه وسلم من آثار الأنبياء
عند أئمة أهل البيت، ولم يسلمها علي إلى بيت المال أو إلى الخليفة، لأنه ينكر
حديث: لا نورث ما تركناه صدقة.
2 - إن أهل البيت كانوا في معرض الظلم من النظام الأموي بعد مقتل الحسين.
3 - إن النبي إنما منع عليا من التزوج مخافة أن تفتن فاطمة بسبب الغيرة في
دينها، لكن العقل لا يقبل كون هذا الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن
النبي - وهو رحمة للعالمين - كيف لم يتخوف على بنات سائر المؤمنين وجوز تعدد
الزوجات؟ على أن هذا التخوف غالبي فيبطل به تشريع تعدد الزوجات وإن هو إلا
كالرد على الله في أحكامه، ومع الغض عن كل هذا نحن نعلم بأن النبي يعلم بأن بنته
كاملة عاقلة أذهب الله عنها الرجس، وهي



(1) صحيح البخاري رقم 2943 كتاب الخمس، وانظر أول الجزء 18 من صحيح مسلم.
171
سيدة نساء الجنة، ولا تفتن في دينها من ألف ضرة، على أنه صلى الله عليه وسلم قد
جمع بين بنت أبي بكر وعمر وبنت عدو الله اليهودي - حفصة وعائشة وصفية - ولا يبعد
أن قصة خطبة بنت أبي جهل قصة مجعولة من إجراء بني أمية ولا أصل لها، أترى أن
النبي يمدح أبا العاص بن الربيع الأموي بالصدق والوفاء تعريضا بمن هو منه بمنزلة
هارون من موسى؟
تسبيح فاطمة
(286) عن علي: إن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادما فلم توافقه فذكرت
لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا
مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا
أدلكما على خير مما سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين،
واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، فإن ذلك خير لكما مما سألتماه (1).
أقول: الشيعة يواظبون على هذه الأذكار دبر كل صلاة، وهي معروفة عند عامتهم.
بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد
(287) عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم... أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد (2).
(288) عن عقبة: صلى أبو بكر... فرأى الحسن يلعب مع الصبيان



(1) صحيح البخاري رقم 2945 كتاب الخمس.
(2) صحيح البخاري رقم 2971 كتاب الخمس.
172
فحمله على عاتقه وقال: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه لعلي.
وعلي يضحك (1).
(289) عن عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم
أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: تبكين، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما
رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول
الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها فقالت: أسر
إلي أن جبرئيل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا
أراه إلا حضر أجلي، وأنك أول أهل بيتي لحاقا بي، فبكيت، فقال: أما ترضين أن
تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، فضحكت لذلك (2).
(290) عن سعد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون
من موسى (3).
(291) عن المسورة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة بضعة مني، فمن
أغضبها أغضبني (4).
(292) وعنه:... وأن فاطمة بضعة مني، وأني أكره أن يسوءها... (5).
(293) عن أنس: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام فجعل في
طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئا (!)، فقال إنس:



(1) صحيح البخاري رقم 3349 كتاب المناقب.
(2) صحيح البخاري رقم 3426 كتاب المناقب، انظر صحيح مسلم 18: 5 و 6.
(3) صحيح البخاري رقم 3503 كتاب فضائل الصحابة، ورواه مسلم في صحيحه وفيه: إلا أنه لا نبي بعدي.
(4) صحيح البخاري رقم 3510 كتاب فضائل الصحابة.
(5) صحيح البخاري رقم 3523.
173
كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبا بالوسمة (1).
(294) وعن ابن عمر:... أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقال النبي: هما ريحانتاي من الدنيا (2).
(295) عن البراء: رأيت النبي والحسن بن علي على عاتقه، يقول: اللهم إني أحبه
فأحبه.
(296) عن علي: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة (3).
أقول: فويل لمخالفيه يوم القيامة.
(297) عن قيس بن عباد: سمعت أبا ذر يقسم قسما أن هذه الآية: (هذان خصمان اختصموا
في ربهم) نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة
ابني ربيعة والوليد بن عتبة (4).
(298) عن زيد بن أرقم:... قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا
بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأنثى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما
بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك
فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث
على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله
في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته.



(1) صحيح البخاري رقم 3538 كتاب فضائل الصحابة.
(2) صحيح البخاري رقم 3543.
(3) صحيح البخاري رقم 3747 كتاب المغازي.
(4) صحيح البخاري رقم 3751، وانظر آخر صحيح مسلم.
174
قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال: ومن هم؟
قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟
قال: نعم (1).
(299) عن المسور بن مخرمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما فاطمة بضعة
مني يؤذيني ما آذاها (2).
وفي رواية أخرى: فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها.
وفي شرح النووي: قال العلماء في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم
بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو حي.
(300) عن بريد: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين عليهما
قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما (المنبر)، ثم قال: صدق الله
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين فلم أصبر فأخذ في الخطبة (3).
(301)... فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد
ولا لآل محمد صلى الله عليه وسلم.
(302) عن بريدة: إن رسول الله عق عن الحسن والحسين (4).



(1) صحيح مسلم 15: 179 و 180.
(2) صحيح مسلم 8: 3.
(3) سنن أبي داود 1: 289.
(4) سنن النسائي 7: 164.
175
(303) وعن ابن عباس: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله
عنهما بكبشين كبشين (1).
(304) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا
فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له - خلفه في بعض مغازيه -... أما ترضى أن
تكون مني بمنزله هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي، وسمعته يوم خيبر:
لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...، ولما نزلت هذه
الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا
وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي (2).
أقول: وفي رواية أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:...
يفتح الله على يديه....
قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أدعى.
(305) عن أنس: بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال: لا
ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا فأعطاه إياها (3).
(306) عن ابن عباس: بعث النبي أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات، ثم اتبعه
عليا... فإذا علي، فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر عليا أن
ينادي بهؤلاء الكلمات.



(1) سنن النسائي 7: 166.
(2) صحيح مسلم 15: 176 ولاحظ ص 3: 214 جامع الترمذي.
(3) جامع الترمذي 3: 55.
176
فانطلقا فحجا، فقام علي أيام التشريق فنادى: ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك،
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان،
ولا يدخل الجنة إلا مؤمن وكان علي ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر فنادي بها (1).
(307) عن علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله
عليه وسلم إلي: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق (2).
(308) عن علي: تقدم عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه وأخوه، فنادى: من يبارز، فانتدب له
شباب من الأنصار فقال: من أنتم، فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني
عمنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن
الحرث فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان،
فأثخن كل واحد صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة (3).
(309) عائشة... بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند
خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها
رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسرها، وتردوا عليها الذي لها فقالوا
نعم... وبعث رسول الله زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال: كونا ببطن ياجج حتى
تمر بكما زينب، فتصحبا بها حتى تأتيا بها (4).
(310) عن ابن أعبد: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أحدثك عني وعن فاطمة



(1) المصدر ص 55.
(2) صحيح مسلم 1: 64.
(3) سنن أبي داود 3: 53 كتاب الجهاد.
(4) سنن أبي داود 3: 62.
177
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أحب أهله إليه؟
قلت: بلى.
قال: إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها،
وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها. فأتي النبي خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه
خادما... فإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري
أربع وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم.
قالت: رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
(311) عن سفينة:... فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل
معنا، فدعوه، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب... فقلت: يا رسول الله ما ردك؟ فقال:
إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقا (2).
أدبه صلى الله عليه وسلم
(312) عن عمرو: ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبه
رجلان (3).
إنه صلى الله عليه وسلم مضى مسموما
(313) عن ابن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع، قال: وسم في
الذراع، وكان يدري أن اليهود هم سموه (4).
(314) عن حنش، عن علي عليه السلام قال: بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيا، فقلت:
يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي



(1) سنن أبي داود 3: 150 كتاب الخراج.
(2) سنن أبي داود 3: 343 كتاب الأطعمة.
(3) المصدر 3: 347.
(4) المصدر 3: 349.
178
بالقضاء، فقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك... فما زلت قاضيا أو ما شككت في
قضاء بعد (1).
(315) عن علي قال: كان لي من رسول الله مدخلان، مدخل بالليل، ومدخل بالنهار، فكنت
إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي (2).
(316) وعن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا
كبشا (3).
(317) عن أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى
فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت رجليها لم
يبلغ رأسها.. (4).
(318) عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة رضي الله عنها فوجد
على بابها سترا فلم يدخل، قال: وقلما كان يدخل إلا بدأ بها فجاء علي رضي الله
عنه فرآها مهتمة فقال: مالك؟
قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي فلم يدخل، فأتاه علي فقال يا رسول الله
إن فاطمة اشتد عليها إنك جئتها فلم تدخل عليها.
قال: وما أنا والدنيا، وما أنا والرقم.
فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: قل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ما يأمرني بها؟
قال: قل لها: فلترسل إلى بني فلان (5).



(1) المصدر 3: 300.
(2) سنن ابن ماجة رقم 3708 كتاب الأدب.
(3) المصدر ص 106.
(4) سنن أبي داود 4: 61.
(5) سنن أبي داود 4: 70.
179
النهي عن البكاء بعد الثلاثة
(319) عن عبد الله بن جعفر: إن النبي أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم
فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم... (1).
أقول: يفهم منه أن ما نقله مسلم عن عائشة بخلاف ذلك ضعيف.
حبه صلى الله عليه وسلم لفاطمة
(320) عن ثوبان: كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأول
من يدخل عليها إذا قدم فاطمة، فقدم من غزاة وقد علقت مسحا أو سترا على بابها
وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة، فقدم فلم يدخل، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأى،
فهتكت الستر، وفككت القلبين عن الصبيين، وقطعته بينهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهما يبكيان، فأخذه منهما وقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى آل فلان -
أهل بيت بالمدينة - إن هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم
الدنيا... (2).
(321) عن أبي رافع: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي
حين ولدته فاطمة (3).
(322) عن عائشة: ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا (حديثا وكلاما)
برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها. كانت إذا دخلت عليه قام
إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت
بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها (4)، أقول وهذه مرتبة



(1) سنن أبي داود 4: 81.
(2) سنن أبي داود 4: 85 كتاب الترجل.
(3) سنن أبي داود 4: 330 كتاب الأدب.
(4) سنن أبي داود 4: 357 كتاب الأدب.
180
عظيمة لفاطمة عليها السلام.
(323) عن أبي هريرة: إن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل
حسينا، فقال إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يرحم المصدر.
(324) عن عائشة وأم سلمة قالتا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجهز
فاطمة حتى ندخلها على علي، فعمدنا إلى البيت ففرشناه ترابا لينا من أعراض
البطحاء، ثم حشونا مرفقتين ليفا فنفشناه بأيدينا، ثم أطعمنا تمرا وزبيبا، وسقينا
ماء عذبا إلى عود فعرضنا في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ويعلق عليه السقاء، فما
رأينا عرسا أحسن من عرس فاطمة (1).
الأعراض: الجوانب. مرفقتين: مخدتين.
(325) عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن
علي حين ولدته فاطمة بالصلاة (2).
(326) عن عمر بن أبي سلمة: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم
سلمة، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟
قال: أنت على مكانك، وأنت على خير (3).



(1) سنن ابن ماجة رقم 1911 كتاب النكاح.
(2) جامع الترمذي 2: 93.
(3) جامع الترمذي 3: 92.
181
(327) عن حبشي بن جنادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي مني وأنا من
علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي (1).
(328) عن جابر بن عبد الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني
بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي (2).
(329) عن ابن عباس: إن النبي أمر بسد الأبواب إلا باب علي. المصدر.
(330) وعنه: أول من صلى علي. المصدر.
(331) وعن زيد بن أرقم: أول من أسلم علي. المصدر.
(332) عن حذيفة:... قال صلى الله عليه وسلم: إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل
الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وإن
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (3).
(333) عن جابر: رأيت رسول الله في حجة يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته
يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي
أهل بيتي (4).
(334) عن زيد بن أرقم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى
الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني
فيهما (5).
(335) حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا



(1) المصدر 214.
(2) المصدر 3: 215.
(3) المصدر 3: 226.
(4) المصدر 3: 226.
(5) المصدر 3: 227.
182
عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
قال أبو الصلت: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرأ (1).
ولاية علي
(336) عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته
التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم؟.
قالوا: بلى.
قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه.
قالوا: بلى.
قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه (2).
(337) عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا... فأقبل
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي،
ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، أن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن
من بعدي (3).
(338) عن أبي الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (4).



(1) مقدمة المصدر: 65.
(2) مقدمة المصدر 116.
(3) جامع الترمذي 3: 213.
(4) المصدر.
183
(339) عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا
عليا فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى،
إلا أنه لا نبي بعدي وسمعته يقول: لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله
ورسوله (1).
مزاج علي
(340) كان أبو ليلى يسمر مع علي، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء
في الصيف، فقلنا لو سألته؟ فقال: إن رسول الله بعث إلي وأنا أرمد العين يوم
خيبر... فتفل في عيني ثم قال: اللهم اذهب عنه الحر والبرد قال: فما وجدت حرا
ولا بردا بعد يومئذ، وقال: لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله ليس بفرار فتشرف له الناس فبعث إلى علي فأعطاه إياه (2).
(341) عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب
أهل الجنة، وأبوهما خير منهما (3).
(342) عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني
وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا علي (4).
(343) وعن علي: أنا عبد الله، وأخو رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا الصديق
الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب، صليت قبل الناس لسبع سنين (5).



(1) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 121.
(2) (أي أعطى الراية إياه) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 117.
(3) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
(4) المصدر.
(5) المصدر رقم 120.
184
وعن الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال
وقال: صحيح على شرط الشيخين.
(344) عن العباس بن عبد المطلب: كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون، فيقطعون
حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يتحدثون،
فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى
يحبهم لله ولقرابتهم مني (1).
(345) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الحسن والحسين
فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (2).
(346) عن يعلى بن مرة: إنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا
له، فإذا حسين يلعب في السكة، فتقدم النبي، أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلام
يفر ههنا وههنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت
ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبله وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من
أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط (3).
(347) عن زيد بن أرقم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن
والحسين: أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم (4).
(348) عن بريدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني بحب أربعة،
وأخبرني أنه يحبهم.
قيل: يا رسول الله من هم؟



(1) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 140.
(2) المصدر رقم 143.
(3) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
(4) مقدمة سنن ابن ماجة رقم 145.
185
قال: علي منهم - يقول ذلك ثلاثا - وأبو ذر وسلمان والمقداد (1).
(349) عن بريدة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل حسن وحسين عليهما
قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذهما فوضعهما في
حجره، فقال: صدق الله ورسوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين فلم أصبر
ثم أخذ في خطبته (2).
(350) عن العامري: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي، فضمهما إليه وقال: إن
الولد مبخلة مجبنة (3).
(351) عن أم الفضل: يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضوا من أعضائك، قال: خيرا
رأيت، تلد فاطمة غلاما فترضعيه فولدت حسينا أو حسنا فأرضعته بلبن قثم... (4).
عدالة الصحابة
(352) عن عقبة بن عامر... فقال صلى الله عليه وسلم: أني فرط لكم، وأنا شهيد
عليكم، وإني والله أنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح
الأرض، وأني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا
فيها (5).
(353) عن مروان بن الحكم: شهدت عثمان وعليا، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع
بينهما، فلما رأي علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنة النبي
صلى الله عليه وسلم لقول أحد (6).



(1) المصدر رقم 149.
(2) سنن ابن ماجة رقم 3600 كتاب اللباس.
(3) سنن ابن ماجة رقم 3666.
(4) سنن ابن ماجة رقم 3923 كتاب تعبير الرؤيا.
(5) صحيح البخاري رقم 1279 كتاب الجنائز.
(6) صحيح البخاري رقم 1488.
186
(354) عن سعيد بن المسيب قال: اختلف علي وعثمان - وهما بعسفان - في المتعة، فقال
علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك
علي أهل بهما جميعا (1).
(355) عن أسامة: أشرف النبي على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى،
إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (2).
أقول: التشبيه بمواقع القطر يدل على عمومية الفتنة وشمولها. ثم الأطم: الحصون
التي تبنى بالحجارة، أو هو كل بيت مربع مسطح كما قيل.
(356) عن جابر: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت من الشام
عير تحمل طعاما، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا
عشر رجلا، فنزلت: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) (3).
(357) وعن عبيد الله بن عمير: إن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، فلم يؤذن له - وكأنه كان مشغولا - فرجع أبو موسى، ففرغ عمر فقال: ألم
أسمع صوت عبد الله بن قيس إئذنوا له.
قيل: قد رجع.
فدعاه، فقال: كنا نؤمر بذلك.
فقال تأتيني على ذلك بالبينة فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا: لا يشهد لك
على هذا إلا أصغرنا أبو سعيد الخدري، فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: أخفي هذا
علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألهاني الصفق بالأسواق. يعني الخروج إلى
تجارة (4).



(1) صحيح البخاري رقم 1494 كتاب الحج.
(2) صحيح البخاري رقم 1779 كتاب فضائل المدينة.
(3) صحيح البخاري رقم 1953، وصحيح مسلم 6: 150.
(4) صحيح البخاري رقم 1956، وانظر صحيح مسلم 14: 130 و 134.
187
وفي بعض الروايات: وإلا أوجعتك، وفي بعضها: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو
لتأتين بمن يشهد لك. يستفاد منها أمران.
1 - إن عمر لا يعتمد على قول الأشعري، ولا يراه صادقا، فيطلب منه البينة عملا
بقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
2 - قلة علم عمر بالسنة القولية حتى عما يعلمه الصغار، اشتغالا بالمعاملة في
السوق، فهو رجل عمل لا رجل علم.
(358) عائشة في قصة الإفك... فقام سعد بن معاذ... فقام سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله لا
تقتله - أي ابن أبي بن سلول - ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت
لعمر الله، والله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان (الأوس
والخزرج) حتى هموا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخففهم حتى
سكتوا وسكت... (1).
(359) قال عروة أيضا: لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن
أثاثة، وحمنة بنت جحش في ناس آخرين... (2).
ومسطح بدري.
(360) عن أنس... فلما أتاه - أي عبد الله بن أبي - النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله لحمار رسول
الله أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل واحد منهما
أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنها أنزلت: (وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا



(1) صحيح البخاري رقم 2518 كتاب الشهادات، وانظر صحيح مسلم 17: 109.
(2) صحيح البخاري رقم 3910 كتاب المغازي.
188
بينهما) (1).
أنظر ثم تفكر هل يصح أن يقال بان الصحابة كلهم عدول؟! لعن الله العصبية
الحمقاء (2).
(361) عن المسور ومروان - في قصة الحديبية -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا.
قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل
على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس... (3)
(362) عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليا... فقلنا لتخرجن الكتاب أو
لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا
فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من مشركين... ولا رضا بالكفر بعد الإسلام،
فقال رسول الله: لقد صدقكم قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق (4).
الحديث يدل أولا: على أن حاطبا أخبر الكفار ببعض أمر رسول الله، وهو حرام بلا
شك، وثانيا: على أن عمر سبه واستدعى قتله بعد تصديق النبي صلى الله عليه وسلم
بإسلامه.
(363) وعن البراء: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد - وكانوا
خمسين رجلا - عبد الله بن جبير، فقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم
هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم



(1) صحيح البخاري رقم 2545.
(2) أنظر صحيح مسلم 12: 159.
(3) صحيح البخاري رقم 2581 كتاب المشروط.
(4) صحيح البخاري رقم 2845 كتاب الجهاد.
189
فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم... قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة...
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه... فما ملك عمر نفسه فقال... (1)
(364) عن ابن عباس:... فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم... (2)
أقول: نسبة الهجر إلى النبي المعصوم الذي لا ينطق إلا عن الوحي ليست منافية
للعدالة وحدها، بل ربما للإيمان أيضا، والله العاصم الغفور.
(365) ما يأتي في منازعة العباس وعلي وأنهما استبا، أي سب كل واحد
صاحبه (3)، ويأتي فيها اعتقاد علي في الخليفتين، وكذا اعتقاد العباس في حقهم (4)، وما
قيل في تأويله ضعيف ولا يعتد به (5).
(366) عن أنس: إن أناسا من الأنصار... فقال لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم):
إنكم سترون بعدي إثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله على الحوض.
قال أنس: فلم نصبر (6).
قوله: إثرة، أي استبداد بالأموال وحرمانكم منها.
أقول: المستبدون هم المهاجرون لا محالة.
(367) عن عاصم: سألت أنسا عن القنوت، قال: قبل الركوع.



(1) صحيح البخاري رقم 2874 كتاب الجهاد، وانظر سنن أبي داود 3: 53.
(2) صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 6875 الاعتصام بالكتاب والسنة.
(4) وهذا التساب وسب الخليفتين وقع في محضر جمع من الصحابة كعثمان وابن عوف والزبير
وسعد وغيرهم، ولم يقل أحد بأنه مخالف لعدالة الصحابة، والواقع أنهم لا يرونها في
حق أنفسهم وإنما هي اختراع الغلاة في حقهم.
(5) أنظر صحيح مسلم 12: 72 كتاب الجهاد.
(6) صحيح البخاري رقم 2978 كتاب الخمس.
190
فقلت: إن فلانا يزعم أنك قلت بعد الركوع.
فقال: كذب (1).
(368) عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمشون حفاة... ثم يؤخذ
برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول: أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا
مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم (وكنت
عليهم شهيدا...) (2).
وفي حديث آخر... فأقول: يا رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك... (وكنت
عليهم شهيدا ما دمت فيهم - إلى قوله - الحكيم) قال: فيقال: إنهم لم يزالوا
مرتدين على أعقابهم (3).
(369) عن ابن ميمون:... فقال (العباس لعمر): إن شئت فعلت، قال (عمر): كذبت (4).
(370) وعنه: فقالوا أوص: يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحدا أحق بهذا
الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم
راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن... (5) أقول: فلو كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم راضيا عن جميع أصحابه لبطل قول عمر هذا، فلو كان كلهم
عدولا لكان صلى الله عليه وسلم عنهم راضيا لا محالة.
(371)... فقال ابن عباس: كذب عدو الله (6) يريد به نوفا البكالي



(1) صحيح البخاري رقم 2999 كتاب الجزية.
(2) صحيح البخاري رقم 3263 كتاب الأنبياء، وانظر 4349 كتاب المغازي.
(3) صحيح البخاري رقم 6161 كتاب الرقاق، وانظر صحيح مسلم 17: 194.
(4) صحيح البخاري رقم 3497 كتاب المناقب.
(5) صحيح البخاري رقم 3497 كتاب المناقب.
(6) صحيح البخاري رقم 4448 كتاب التفسير.
191
المؤمن، لكن الظاهر أن ابن عباس لم يقله، وإنما وضعه عليه بعض الفاسقين.
(372) عن ابن عباس: أود أن أسأل عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان
تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة
وحفصة (1).
(373) عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ذهبت أسب حسان... (2)
أقول: إذا كان عروة يسب حسان الصحابي - مع أن سب المؤمن فسوق (3) - فكيف يعتمد على
رواياته؟ والله يعلم أن كم افترى من لسان خالته.
(374) عن عبد الله - في تقسيم غنائم حنين -:... فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما
عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله (4).
(375) عن سالم: كان عبد الله بن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء، قال: البيداء
تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أهل رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بغيره (5).
فعبد الله يرى أن الصحابة يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن جملة
هؤلاء جابر بن عبد الله حيث نقل أنه صلى الله عليه وسلم أهل من البيداء (6).
(376) عن عائشة:... فدخل علي وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله
النار، قال: أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم



(1) صحيح البخاري رقم 4630.
(2) صحيح البخاري رقم 5798 كتاب الأدب.
(3) لا يقال إن حسان تلوث في قصة الإفك؟ فإنه يقال لا حق لعروة في سبه حتى وإن لم
يتب حسان ولم يغفر الله ذنبه ولم تغفره عائشة. وهذا واضح. وعنه: صلى الله عليه
وسلم: لا تسبوا أصحابي. وعنه: سباب المؤمن فسوق كما في البخاري برقم 6656 كتاب
الفتن.
(4) صحيح مسلم 7: 158 كتاب الزكاة.
(5) صحيح مسلم 8: 92.
(6) صحيح مسلم 8: 173.
192
يترددون... (1).
أقول: لم يقبلوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحلال من العمرة، فإنه كان
على خلاف عادتهم في الجاهلية كما يظهر من الأحاديث، ومن أشد المنكرين في ذلك عمر
كما هو معروف ومنصوص في الصحاح، فعن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان
ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال: على يدي دار
الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان
يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله
كما أمركم لله وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا
رجمته بالحجارة (2).
وسيأتي في المقصد الثاني بعض الكلام في متعة الحج.
(377) عن ابن عباس: إن سمرة باع خمرا فقال عمر: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها
فباعوها (3).
(378) عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي فقال: أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد
من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن
أجلدها... (4).
(379) عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم



(1) صحيح مسلم 8: 155.
(2) صحيح مسلم 8: 168.
(3) صحيح مسلم 11: 7، وانظر سنن النسائي 7: 177. (أجمل الشحم وجمله أي أذابه).
(4) صحيح مسلم 11: 214.
193
يفر...
أقول: الفرار من الجهاد كبيرة تنافي العدالة وإن لحقه العفو، فإن العفو عن العقاب
شئ وبقاء العدالة شئ آخر.
(380) عن علي بن أبي طالب:... فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم
تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا... (1).
(381) عن زيد بن خالد: إن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم
خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم فتغير
وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا
من خرز اليهود لا يساوي درهمين (2).
(382) عن عبد الله وحذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا فرطكم على الحوض،
وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري
ما أحدثوا بعدك! (3).
أقول: الخطاب في قوله (منكم) متوجه إلى الحاضرين، فلا يشمل من خالف أبا بكر في
أداء الزكاة (4).
(383) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض
حتى عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي! فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك (5).



(1) سنن أبي داود 3: 65 كتاب الجهاد.
(2) المصدر ص 68.
(3) صحيح البخاري رقم 6205 كتاب الرقاق ورقم 6642 كتاب الفتن.
(4) أنظر صحيح مسلم 14: 59.
(5) صحيح البخاري رقم 6211 كتاب الرقاق.
194
(384) عن سهل بن سعد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني فرطكم على الحوض، من
مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم
يحال بيني وبينهم... فقال (النعمان): أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد
فيها: فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا
لمن غير بعدي (1).
(385) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرد علي يوم القيامة رهط
من أصحابي، فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما
أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري (2).
(386) عن ابن المسيب، إنه كان يحدث عن أصحاب النبي: إن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه، فأقول: يا رب أصحابي،
فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري (3).
ورواه أبو هريرة أيضا.
(387) عن أسماء بنت أبي بكر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني على الحوض حتى
أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل
شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن
ديننا (4).



(1) صحيح البخاري رقم 6212 كتاب الرقاق، وصحيح مسلم 14: 53 و 54. (سحقا أي بعدا).
(2) صحيح البخاري رقم 6213 كتاب الرقاق.
(3) صحيح البخاري رقم 6214.
(4) صحيح البخاري رقم 6220 كتاب الرقاق، صحيح مسلم 14: 55.
195
(388) وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم إذا زمرة
حتى عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم.
فقلت: أين؟
قال: إلى النار والله.
قلت: وما شأنهم؟
قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري.
ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم.
قلت: أين.
قال: إلى النار.
قلت: ما شأنهم.
قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم، إلا همل (1)
النعم (2).
(389) وعن أبي هريرة: إن سعد بن عبادة الأنصاري قال: يا رسول الله أرأيت الرجل
يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.
قال سعد: بلى، والذي كرمك بالحق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم (3).



(1) الهمل: ضوال الإبل، واحدها: هامل. أي إن الناجي منهم قليل في قلة النعم
الطالة النهاية لابن الأثير 5: 274.
(2) صحيح البخاري رقم 6215 كتاب الرقاق.
(3) صحيح مسلم 10: 131.
196
(390) وعن ابن عباس: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموعظة فقال:... أول من
يكسى يوم القيامة إبراهيم، وأنه سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال،
فأقول: رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك... فيقال: هؤلاء لم يزالوا
مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (1).
(391) عن عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه:
إني على الحوض انتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن
أي رب مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على
أعقابهم (2).
(392) عن أم سلمة... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم فرط على
الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم
هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا (3).
(393) عن عقبة بن عامر: إن رسول الله... فقال: إني فرط لكم... وإني والله
لأنظر إلى حوضي الآن... وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف
عليكم أن تتنافسوا فيها (4).
أقول: ربما يدل الحديث على أن سبب الارتداد والمنع عن الحوض هو التنافس في
الدنيا.
وفي رواية أخرى: إن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا.... فكانت آخر ما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم على المنبر.



(1) جامع الترمذي 3: 78.
(2) صحيح مسلم 15: 56.
(3) صحيح مسلم 15: 56.
(4) صحيح مسلم 15: 57.
197
(394) عن قيس: قلت لعمار... ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم في
أصحابي اثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط... (1).
(395) عن حذيفة... كنا نخبر أنهم (أصحاب العقبة، وهي عقبة في طريق تبوك) أربعة
عشر... وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الأشهاد... فقال: إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم
يومئذ (2).
(396) عن عائشة - كما في صحيح مسلم -: صنع رسول الله أمرا فترخص فيه، فبلغ ذلك
ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: ما بال
رجال بلغهم عني أمر....
وفي رواية: فغضب حتى بان الغضب في وجهه.
(397) عن أبي هريرة - في قصة رجم الأسلمي -: فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين
من أصحابه... حتى رجم رجم الكلب... فقال صلى الله عليه وسلم: انزلا فكلا من جيفة
هذا الحمار.
فقال يا نبي الله من يأكل من هذا؟
قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه... (3).
أقول: فراجع كتاب حدود السنن لأبي داود ففيه ذكر من زنى أو زنت أو شرب الخمر من
الصحابة.
(398) عن عائشة: لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم... أمر بالرجلين



(1) صحيح مسلم 17: 124.
(2) صحيح مسلم 17: 126.
(3) سنن أبي داود 4: 146 كتاب الحدود.
198
والمرأة فضربوا حدهم (1).
أي حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.
(399) عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا
رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عهد إلينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: في أصحابي اثنا عشر
منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، تكفيكهم
الدبيلة وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم (2)!
أقول: فسر الدبيلة في حديث آخر: بسراج من النار، وزاد: يظهر في أكتافهم حتى ينجم
من صدروهم. وأنت إذا دققت في هذا الكلام تعرف أن عمارا طبق هؤلاء على مقاتلي
علي، ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: تقتلك الفئة الباغية الداعية
إلى النار. وقد أخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري وصححه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لعلي: إنك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.
(400) عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: التوبة؟ قال: بل
الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظنوا أن لا يبقى منا أحد إلا ذكر
فيها... (3).
(401) عن المسور بن مخرمة: أن عمر... فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلى
الله عليه وسلم... فقال (عمر): ائتني بمن يشهد معك، فأتاه



(1) المصدر ص 160.
(2) صحيح مسلم 17: 124.
(3) صحيح مسلم 18: 165.
199
بمحمد بن مسلمة... (1).
(402) عن علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديثا... وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف صدقته... (2).
(403) عن عبد الله بن عمرو: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له
كركرة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو في النار فذهبوا ينظرون، فوجدوا
عليه كساء أو عباءة قد غلها (3).
(404) عن ابن مسعود... بعرفات...: ألا وإني فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم،
فلا تسودوا وجهي! ألا وإني مستنقذ أناسا ومستنقذ مني أناس، فأقول: يا ربي
أصحابي؟ فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (4).
(405) عن ابن عباس: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من
أحسن الناس، قال: وكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم
حتى يكون في الصف المؤخر إذا ركع، يعني نظر من تحت إبطه، فأنزل الله عز وجل:
(ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) (5).
أقول ولو كان للمسلم ذرة عقل وحياء لم يقل بعدالة جميع الصحابة مع هذه الأحاديث
وغيرها.



(1) سنن أبي داود 4: 190 كتاب الديات، وفي سنن ابن ماجة - كتاب الفرائض برقم 2724
فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله (ص)... فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام
محمد بن مسلمة...
(2) سنن ابن ماجة رقم 395 إقامة الصلاة.
(3) سنن ابن ماجة رقم 2849 الجهاد.
(4) المصدر 3057 المناسك.
(5) أنظر سنن النسائي 3: 66، وجامع الترمذي أيضا.
200
الجبار
(406) عن أبي هريرة: العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز
الخمس (1).
قيل: العجماء البهيمة، وسميت بذلك لأنها لا تتكلم. ومعنى جبار أي جنايتها هدر،
ليس فيها ضمان.
وفسر قوله: المعدن جبار، بأنه لا زكاة فيما يستخرج منه. وهذا التفسير لا دليل
عليه.
والركاز: الكنوز المدفونة قبل الإسلام.
تخريب الكعبة
(407) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين
من الحبشة (2).
أقول: وفي بعض أحاديث الشيعة المعتبرة سندا عندهم: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: تاركوا الحبشة ما تاركوكم، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلا
ذو السويقتين (3).
ونقل في البحار عن نهاية ابن الأثير: وإنما صغر الساقين، لأن الغالب على سوق
الحبشة الدقة والحموشة.
قضاء الحج عن الحي والميت
(408) عن ابن عباس... أن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال:
نعم حج عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته



(1) صحيح البخاري رقم 1428 كتاب الزكاة.
(2) صحيح البخاري رقم 151 كتاب الحج.
(3) بحار الأنوار 18: 145.
201
اقضوا الله فالله أحق بالوفاء (1).
أقول: يظهر من كلامه صلى الله عليه وسلم وجوب قضاء كل العبادات، والمورد لا يقيد
الإطلاق.
(409) عن ابن عباس:... أن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا
لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضى عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم (2).
أقول: لا يجوز الاستنابة عن الحي في إتيان العبادات الواجبة عليه إلا في الحج
لهذا الحديث.
تعارض في سفر المرأة مع محرم
(410) إذن عمر لا زواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن
عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف (3).
أقول: ويعارضه ما عن ابن عباس وغيره عنه صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة
إلا مع ذي محرم... (4).
من أحدث بالمدينة
(411) عن أنس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم... من أحدث فيها
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (5).
صوم العاشر من المحرم
(412) عن عائشة: إن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية



(1) صحيح البخاري رقم 1754.
(2) صحيح البخاري رقم 1755.
(3) صحيح البخاري رقم 1761.
(4) صحيح البخاري رقم 1763 - 1765.
(5) صحيح البخاري رقم 1768.
202
ثم أمر رسول الله بصيامه حتى فرض رمضان، وقال صلى الله عليه وسلم: من شاء فليصمه،
ومن شاء أفطر (1).
(413) عن الربيع، قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى
الأنصار: من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم (2).
(414) عن ابن عباس: قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:
ما هذا.
قالوا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى.
قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه (3).
(415) وعن أبي موسى: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا، قال النبي: فصوموه
أنتم (4).
وله نقل آخر، وفيه: نحن أحق بصومه فأمر بصومه (5).
(416) عن ابن عباس: ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم
يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان (6).
(417) وعن عائشة: كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي يصومه،
فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا
يصومه (7).



(1) صحيح البخاري رقم 1794.
(2) صحيح البخاري رقم 1759 كتاب الصوم.
(3) صحيح البخاري رقم 1900 وانظر 3727.
(4) صحيح البخاري رقم 1901.
(5) صحيح البخاري رقم 3726.
(6) صحيح البخاري رقم 1902.
(7) صحيح البخاري رقم 3619 كتاب فضائل الصحابة، أقول: انظر صحيح مسلم 8: 4 - 13.
203
أقول: المستفاد من رواية عائشة وعبد الله بن عمر وغيرهما إن أهل الجاهلية كانوا
يصومون يوم عاشوراء، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر الناس بصومه حين قدم
المدينة، ثم فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبا. ولكن المستفاد من خبر عبد الله
بن عباس وأبي موسى أن النبي لم يكن متلفتا إلى صوم عاشوراء وإنما علم به بعد
قدومه المدينة من اليهود، فأمر به لأحقيته من اليهود بموسى عليه السلام،
فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى الله عليه وسلم إلى تقليد أهل
الجاهلية، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود، وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن
عبد الله بن عباس، وإليك نصه:
(418) حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا:
يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإذا كان العام المقبل أن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل
حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
فترى الحديث يقول: إن النبي لم يكن عالما بأن اليهود والنصارى يعظمون يوم
عاشوراء، فلما علم به عزم على ترك صومه وقصد صوم اليوم التاسع، لكنه توفي قبل
حلول العام المقبل. وفي هذا الحديث أمور أخر، منها: إن أمره بصوم يوم عاشوراء
كان باقيا إلى قبل سنة من موته لا أنه نسخه وجوب صوم رمضان.
وثانيا: إن تعظيم اليوم المذكور لم يكن مختصا باليهود، بل ويعظمونه النصارى
أيضا.
وثالثا: إن النبي لم يصم اليوم التاسع أصلا، لكن هنا حديثا آخر



(1) صحيح مسلم 8: 12 كتاب الصيام.
204
يقول إنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم اليوم التاسع!، وإليك نصه من كتاب مسلم:
(419) عن الحكم... فقال (عبد الله بن عباس): إذا رأيت هلال المحرم فأعدد وأصبح يوم
التاسع صائما.
قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه.
قال: نعم (1).
أقول: المتأمل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم أنها موضوعة مجعولة من
قبل بني أمية الفجرة، ويزيد في وضوح كذبها أنه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن
آثار أهل الجاهلية، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم
ببابك!، لعن الله الكاذبين المفترين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سنته.
رحمة للعالمين
(420) عن جابر: إن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول
الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا.
قال: إن شئت.
قال: فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على
المنبر الذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي
صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى
استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر (2).
معاوية
(421) وعن الحسن: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب



(1) صحيح مسلم 8: 11.
(2) صحيح البخاري رقم 1989 كتاب البيوع.
205
أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها،
فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو، وإن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء
هؤلاء، من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش
من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال: اذهبا إلى هذا
الرجل، فأعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه.
فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو
عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها.
قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك.
قال: فمن لي بهذا؟.
قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن:
ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن
علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد ولعل
الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
أقول: يدل الحديث على أن الحسن بن علي إنما أراد قتال معاوية لأجل المال، فحيث
أنهما ضمناه له صالح معاوية، والحسن لا يهمه قتل المسلمين، وإنما معاوية يحزنه أمر
المسلمين ونسائهم وضيعتهم وكانت المصالحة بهذه السهولة، وهل الواقع كذلك يا شيخنا
البخاري ويا حسن البصري؟ من هو سيد شباب أهل الجنة، ومن هو رأس الفئة الباغية
الداعية إلى النار، ولا يمسخ التأريخ بهذه الموضوعات الأموية.
كذبة
(422) عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: شهران لا ينقصان شهرا: عيد

206
رمضان، وذو الحجة (1). والأحاديث أيضا تعارضه.
بدعة ونعم البدعة!
(423) عن عبد الرحمن: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس
أوزاع متفرقون... فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم
عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم
قال عمر: نعم البدعة هذه... (2
أقول: مر أن عائشة كانت تنكر أصل صلاة التراويح مخبرة عنه صلى الله عليه وسلم ما
كان يزيد في رمضان وغيره على إحدى عشرة ركعة... (3
ثم نقول لعمر رضي الله عنه: لا تكون البدعة حسنة أبدا، بل هي إلى النار.
ليلة القدر
تدل الأحاديث على أنها في العشر الأواخر أو السبع الأواخر على اختلاف بينها
كما في غيرها، والحاصل أن ليلة القدر باقية ويستحب فيها العبادة، وهي ليلة مباركة
وقد ورد في بعض الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم: إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها... لكن بناء على أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي تنزل عليه الملائكة
والروح لا يعقل نسيانه لها، فإن الملائكة والروح تنزل فيها من كل أمر، فلا أحد
تلقى إليه علم أمور السنة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته.
تأثير الإسلام
(424) عن ابن عوف: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين



(1) صحيح البخاري رقم 1813، وانظر صحيح مسلم 7: 199 كتاب الصيام.
(2) صحيح البخاري رقم 1906.
(3) أنظر صحيح البخاري رقم 1909.
207
سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي،
وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها.
فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟... (1)
التأمين الحكومي في الإسلام
(425) عن أبي هريرة: عنه صلى الله عليه وسلم: من ترك مالا فلورثته، ومن ترك
كلا - أي عيالا لا نفقة لهم أو دينا لا وفاء له كما قيل - فإلينا (2).
وعنه بلفظ آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في
الدنيا والآخرة، اقرأوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فأيما مؤمن مات
وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا - عيالا محتاجين
يضيعون إن تركوا - فليأتني فأنا مولاه (3).
نزول القرآن على سبعة أحرف
(426) عن عمر بن الخطاب: سمعت هشام... يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها...
فقال صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا
منه ما تيسر (4).
(427) عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبرئيل على حرف،
فلم أزل أتزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف (5).
(428) عن أنس: إن حذيفة... فقال حذيفة لعثمان: أدرك هذه الأمة



(1) صحيح البخاري رقم 1943 كتاب البيوع.
(2) صحيح البخاري رقم 2268.
(3) صحيح البخاري رقم 2269.
(4) صحيح البخاري رقم 2287.
(5) صحيح البخاري رقم 3047، وانظر صحيح مسلم 6: 101.
208
قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي
إلينا بالمصحف... وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن
ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم... وأرسل إلى كل
أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق (1).
(429) عن عمر: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله
عليه وسلم... فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم... من أقرأك... قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت كذبت!...
فقال رسول الله: كذلك أنزلت ثم قال: أقرأ يا عمر فقرأ - القراءة التي
أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على
سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه (2).
(430) عن أبي: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل
رجل آخر، فقرأت قراءة سوى قراءة صاحبه... فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقرءا فحسن، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما... فقال: يا أبي أرسل
إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية
اقرأ على حرفين... فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف... (3).
(431) وعنه:... ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على
ثلاثة أحرف فقال: اسأل الله معافاته ومغفرته... ثم جاءه الرابعة... على سبعة
أحرف... (4



(1) صحيح البخاري رقم 4702 كتاب التفسير.
(2) صحيح البخاري رقم 4706 كتاب فضائل القرآن، وانظر صحيح مسلم 6: 99.
(3) صحيح مسلم 6: 102.
(4) صحيح مسلم 6: 103.
209
أقول: الروايتان من صحابي واحد، وبينهما اختلاف من وجوه، فلاحظ (1). ومع الغض عن
اختلاف الأحاديث فيما بينها (2) يتوجه إليها أسئلة:
فمنها: إن القرآن بأيديكم فأوجدوا له سبعة عبارات تقرؤون بها، هل يمكن لكم هذا؟
والجواب منفي قطعا، فهذا دليل كذب هذه الأحاديث.
ومنها: إن ما في بعضها من أن الأمة لا تقدر قراءة القرآن على حرف واحد، فهذا
أيضا مخالف للواقع، فإنا نرى الأمة اليوم يقرؤونه على حرف واحد في تمام أرجاء
المعمورة.
وثالثا: ما معنى جمع عثمان القرآن، وقوله: إنه نزل على لسان قريش، وخوف الصحابة
من اختلاف الناس على قراءات مختلفة؟ وهل فعل عثمان وجمعه الناس على قراءة واحدة
مخالف لأمر الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو هو فعل حسن؟
ورابعا: هل القول بهذه الأحاديث، وتبديل الكلمات لا يبطل إعجاز القرآن وفصاحته
المعجزة من أساسه؟
وخامسا: هل لا يبطل به تحدي القرآن الناس بإتيان سورة منه، إذ يمكن أن يأتي به
على ستة أوجه! أخر.
وسادسا: هل يمكن لعاقل يدعي أن الله أنزل مثل القرآن ستة أمثال من عباراته؟ أو
يدعي أن الله فوض إتيانه إلى الناس، فيتناقض التحدي



(1) أنظر سنن أبي داود 2: 77 كتاب الصلاة.
(2) من أوجه الاختلاف ما في النسائي: قال: نعم إن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام
أتياني، فقعد جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبرئيل عليه السلام: القرآن
على حرف، قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف سنن النسائي
2: 154.
210
المشار إليه؟ فالمقطوع به كذب هذه الأحاديث. وربما قيل - فرارا عن هذه الفضيحة -
إن المراد بسبع أحرف هي لغات أهل الحجاز، والهذيل، وهوازن، وطي، وثقيف، وبني تميم،
أو القراءات السبع للقراء، لكنه أيضا تأويل غلط كما حققه مؤلف تفسير البيان في
مقدمته بما لا مزيد عليه.
وهنا أمر آخر، وهو أن الشعوب الإسلامية في آسيا وأوربا وإفريقيا وأميركا ربما
لا يقدرون على أداء بعض الحروف إلا بصعوبة، فبعضهم ينطق حرف القاف كافا، وبعضهم
كالگاف الفارسية، وبعضهم ينطق حرف الفاء كحرف پ الفارسية، وبعضهم يبدلون الكاف
بحرف ج، وبعضهم يبدلون حروف الحاء والعين بالهمزة، والصاد بالسين، والظاء والضاد
بالزاي، واللام بالراء، والطاء بالتاء، فهل يمكن أن نطبق الحروف السبعة على هذا؟
فمن قرأ: الأمد لله لب الئالمين... مالك يوم الدين... نابد... نستئين... سرات
المستغيم أو المستكيم أو المستگيم... گير المگزوب عليهم ولا الزالين، فقد قرأ
القرآن المنزل، وصح صلاته، وإن تمكن من تعلم العربية الفصحى الرائجة وتركها مع
القدرة على أدائها
ونقول: لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو
كان بعضهم لبعض ظهيرا والصحيح عدم صحة هذا التطبيق - كما لا يخفى - على أنه لا
يمكن بيان ثلاثة وجوه على هذا الاحتمال فضلا عن سبعة، نعم إذا لم يقدر أحد على
القراءة الصحيحة فلا شك في صحة الصلوات بها عند الاضطرار، لكن سقوط التكليف بها
اضطرارا أو ثواب القراءة بها أمر وصدق القرآن حقيقة عليه أمر آخر.
ولقد أحسن وتجرأ جرأة جميلة جلال الدين السيوطي حيث ذكر في

211
شرحه على سنن النسائي حينما أخرج هذه الأحاديث (إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف):
والمراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الاتقان والمختار، عندي إنه من
المتشابه الذي لا يدري تأويله (1).
أقول: والأحسن له أن يحكم بوضعه رأسا لوجوه مرت.
(432) عن أبي بن كعب: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل، فقال: يا جبرئيل
إني بعثت إلى أمة أميين، منهم: العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية،
والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف (2).
جواز الدفاع
(433) عن عبد الله بن عمرو قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل دون
ماله فهو شهيد (3).
أقول: هكذا ورد من طريق الشيعة أيضا، والحديث محتاج إلى بحث فقهي ليس هنا موضع
ذكره.
قصة خرافية موضوعة (العنبر بعد العنقاء)
(434) عن جابر: بعث رسول الله بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة الجراح وهم
ثلاثمائة وأنا فيهم... ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب (الجبل الصغير)،
فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم
أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما (4).



(1) سنن النسائي 2: 152.
(2) جامع الترمذي 3: 15.
(3) صحيح البخاري رقم 2348 كتاب المظالم.
(4) صحيح البخاري رقم 2351.
212
أقول: إذا فرض أكل كل شخص في 24 ساعة مرتين يبلغ عدد الآكلين منها 10800 شخصا!
وفي صحيح مسلم: فإذا هي دابة تدعى العنبر! قال: قال أبو عبيدة. ميتة، ثم قال: لا،
بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا فأقمنا
عليه شهرا (!) ونحن ثلاثمائة حتى سمنا... فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا
فأقعدهم في وقب (1) عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا،
فمر من تحتها... فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله! (2).
وفي رواية أخرى: فأكلنا منها نصف شهر وفي أخرى: ثماني عشرة ليلة!
أقول للأذكياء: إياكم وأخذ دينكم من أصحاب العنبر ثاني العنقاء!
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مأكله
(435) عن عائشة: إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما
أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟
قالت الأسودان: التمر والماء! إلا أن قد كان لرسول الله جيران من الأنصار كانت
لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا (3).
أقول: المنيحة هي الشاة أو الناقة التي تعطى للغير لينتفع بلبنها ثم يردها على
صاحبها.



(1) قيل: الوقب: داخل العين ونقرتها.
(2) صحيح مسلم 13: 87 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 2428.
213
تناقض في أكل الحمار الوحشي
(436) عن أبي قتادة... فأبصروا حمارا وحشيا... فناولته العضد - أي النبي صلى
الله عليه وسلم - فأكلها حتى نفدها وهو محرم (1).
(437) عن الصعب: إنه أهدى لرسول الله حمارا وحشيا... أما إنا لم نرده عليك
إلا أنا حرم (2).
(438) وعن ابن عباس... وترك الضب تقذرا... وأكل على مائدة رسول الله، ولو كان
حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
أقول: وينافيه قوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث).
إنما الرضاع من المجاعة وكذبة مستهجنة
(439) عن عائشة... قلت: هذا أخي من الرضاعة قال: يا عائشة انظرن من إخوانكن،
فإنما الرضاعة من المجاعة (4).
قيل: أي جوع الرضيع الذي يسده اللبن، ولا يكون ذلك إلا في الصغر.
(440) وعنها - كما في صحيح مسلم (5) -: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم (وهو
حليفه).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارضعيه.
قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير.



(1) صحيح البخاري رقم 2431.
(2) صحيح البخاري رقم 2434.
(3) صحيح البخاري رقم 2436.
(4) صحيح البخاري رقم 2504، صحيح مسلم 10: 34.
(5) صحيح مسلم 10: 31 كتاب الرضاع.
214
وفي حديث آخر: ارضعيه تحرمي عليه... فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس
أبي حذيفة!!!
أقول قال النووي في شرحه: ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة، كما خصه مع الكبر.
ونقل عن القاضي قوله: لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها.
أقول: هذا الحديث عن عائشة كذبة وقحة وفرية مستهجنة على النبي الخاتم صلى الله
عليه وسلم، ولا أدري واضعها - عليه ما عليه - ونفس هذا الحديث في كتاب مسلم أقوى
دليل على وجوب الاحتياط مع الأحاديث، وعدم الاغترار بما اشتهر - شهرة كاذبة - من
صحة أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما، ولا بد من النظر عند أخذ الأحاديث في الإسناد
والقواعد وسائر الأمور، وكل من له فطرة سليمة يعرف أن هذا الحديث - مع الغض عن
سابقه بأن الرضاعة من المجاعة - لعب بالدين فعله الكاذبون وروجه البسطاء
المحدثون، ولعائشة حديث آخر نقله مسلم، وإليك نصه مختصرا:
(441) قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل
علي فقالت عائشة أما لك في رسول الله أسوة، أن امرأة أبي حذيفة... فقال رسول
الله: ارضعيه حتى يدخل عليك... (1).
أقول: لا أدري ما تريد عائشة من هذا الحديث، إذ لم يكن لها لبن، ويمكن أن يقال
إنه أمرت أختها بإرضاعه فتكون خالة له. وحسن ظننا بها أن الحديث لم يصدر عنها، بل
هو مكذوب عليها.
نسيان النبي عن آيات
(442) عن عائشة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد، فقال:



(1) صحيح مسلم 10: 32 كتاب الرضاع.
215
رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا (1).
أقول: هل تقبل أيها المسلم أن الرسول نسي آيات من سورة؟! على أن الله يقول:
(سنقرئك فلا تنسى) (2) فهل تقبل نسيان النبي وترد عقلك والقرآن تصديقا للبخاري
ورواته أم تكذب الحديث تصديقا للقرآن ومقام النبوة؟
بلوغ الابن
(443) عن ابن عمر... (3
أقول: يظهر من الخبر أن بلوغ الرجل بكونه ابن خمس عشرة.
القرعة
لاحظ ما ورد فيها في الباب (30) من كتاب الشهادة، لكن أحاديثها كغالب أحاديث
البخاري ناقصة.
هل الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب؟
(444) عن البراء... ثم قال لعلي: امح رسول الله قال: لا والله لا أمحوك أبدا
فأخذ رسول الله الكتاب فكتب: هذا ما قاضي عليه محمد ابن عبد الله، لا يدخل مكة
سلاح إلا في القراب... (4).
أقول: اختلفت كلمات البخاري في هذه القصة كغيرها، ولعل الإجماع منعقد على أنه لم
يكتب سواء قلنا بقدرته عليها من جهة النبوة أم لا، وقد صرح البراء بأنه صلى الله
عليه وسلم لا يكتب فقال لعلي: امح... (5) وفي كتاب...: فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب



(1) صحيح البخاري رقم 2512 كتاب الشهادات.
(2) الأعلى 6.
(3) صحيح البخاري رقم 2512 كتاب الشهادات.
(4) صحيح البخاري رقم 2522.
(5) صحيح البخاري رقم 3013 كتاب الجزية.
216
فكتب...! (1) واستقصاء اختلافات أحاديث البخاري في ألفاظه وجملاته يحتاج إلى تأليف
رسالة.
ما تركناه صدقة
(445) عن عائشة - في حديث طويل حول مطالبة فاطمة بميراث أبيها -: فقال أبو بكر إن
رسول الله قال: لا نورث ما تركناه صدقة (2)... (3).
(446) وعن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتسم ورثتي
دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة (4).
فرحم الله أبا هريرة حيث رحم زوجاته وعامله صلى الله عليه وسلم باستثناء نفقتهن
ومؤنة عامله من الصدقة، ولسوء حظ فاطمة لم يوجد من يضع استثناء نفقتها من الصدقة!
ومر أن عمر أرسل ابنه إلى عائشة يسألها الإذن في أن يدفن في جنب رسول الله وأبي
بكر، فكأن الحديث نسي أو كأن غير عائشة لم يكن من أولياء الميراث.
(447) عن عيسى: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني
بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم (5).
الأجرد: البالي. القبال: الزمام الذي بين الإصبع الوسطى والتي تليها أو ما يشد
به سير النعل كما قيل.



(1) صحيح البخاري 4005 كتاب المغازي.
(2) قال بعض الشيعة: إن كلمة ما الموصولة مفعولة لقوله: لا نورث فمعنى الحديث:
ما جعلناه صدقة لا نورثه لكنه - حينئذ - غير مختص به صلى الله عليه وسلم
وبالأنبياء، بل يشمل جميع المكلفين ويأتي بحثه.
(3) صحيح البخاري رقم 2926.
(4) صحيح البخاري رقم 2624.
(5) صحيح البخاري رقم 2940.
217
(448) عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا وقالت: في هذا نزع روح
النبي صلى الله عليه وسلم.
وزاد سليمان عنه: أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه
التي يدعونها الملبدة. ولاحظ الجزء الرابع عشر من كتاب مسلم.
(449) وعن علي بن الحسين: إن المسور قال له: فهل أنت معطي سيف رسول الله، فإني
أخاف أن يغلبك القوم عليه...
(450) عن أسماء:... أنها أخرجت جبة كسروانية... فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى
قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى
ونستشفى بها. (صحيح مسلم).
أقول: فأين حديث كون ماله صدقة، وعلى فرض الميراث فكيف أخذتها عائشة وحدها حتى
ورثتها أختها؟ أقول: المنصف الحر المتعمق يفهم أن الغرض من حديث لا نورث هو
حرمان فاطمة فقط من ميراث أبيها، والواقع أن حرمانها منه وجعلها وبعلها في عيشة
ضيقة كان مما يستلزمه استحكام الخلافة في ذلك الزمان. ثم إنه مر في مقدمة هذا
الكتاب أن أبا بكر أحرق خمسمائة حديث جمعها، للشك في صحتها كما تخبر به بنته
عائشة، ولعل حديث لا نورث من تلك الأحاديث التي أحرقها، وسيأتي فيما بعد صورة
جديدة ومتكاملة من لا نورث!.
كلام حول فدك
إن فاطمة ادعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحلها فدكا في حياته، فلم يقبل
أبو بكر قولها، وطلب منها بينة، فشهدت لها أم أيمن وزوجها علي بن أبي طالب عليه
السلام، ذكر ذلك جماعة كثيرة من العلماء، منهم

218
ابن حجر في صواعقه (الشبهة السابعة)، ومنهم الفخر الرازي في تفسير الكبير (سورة
الحشر)، وابن تيمية، وصاحب السيرة الحلبية، وابن القيم، وغيرهم.
وبما أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأنها ممن أذهب الله عنها الرجس وطهرها
تطهيرا - كما في الصحاح - قولها يفيد القطع بصدقه ومطابقته للواقع، فلا معنى لطلب
الشاهد منها، بل لا يجوز إغضابها، فإن من أغضبها أغضب النبي صلى الله عليه وسلم
كما نقله البخاري، وهو محرم قطعا، مع أن عليا شهد لها، وهو أيضا ممن أذهب
الله عنه الرجس، وهو مع الحق والحق معه (1).
ولا شك أن عليا وفاطمة لم يكونا أقل شأنا من جابر، فإنه قال لما مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر:
من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا، قال
جابر: فقلت: وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا، فبسط يديه
ثلاث مرات.
قال جابر: فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة. (صحيح مسلم كتاب الفضائل).
فترى أبا بكر يصدق جابرا في دعواه بلا بينة، ولا يصدق عليا وفاطمة، إلا أن
يقال إن استحكام خلافته يتوقف على حرمان فاطمة وهو أهم من حقها، وللبحث تتمة
تمر بك عن قريب، فانتظر.
وهنا أمر آخر، وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الوكالة من باب



(1) لاحظ الحديث في الملل والنحل للشهرستاني، وتاريخ بغداد 14: 321، وتاريخ ابن
عساكر 3: 119، وكنز العمال 5: 30 على ما نقلوا عنها.
219
المزارعة بالشطر عن ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم عامل خيبر بشطر ما يخرج
منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير،
فقسم عمر خيبر، فخير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء
والأرض أو يمضي لهن، فمنهن من اختار الأرض، ومنهن من اختار الوسق، وكانت عائشة
قد اختارت الأرض. فكيف قسم عمر الأرض على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف
حرم أولاد فاطمة، وما هي أسباب هذا الحكم؟ ثم إنه تقدم في مقدمة الكتاب أن أبا
بكر منع الناس عن أحاديث رسول الله، وقال: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن
سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. فلماذا هو حدث
عن رسول الله ولم يرجع إلى كتاب الله؟
الجمع الأول
(451) عن زيد بن ثابت: نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت
أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت
الأنصاري (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) (1).
(452) وعنه:... فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور
الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره:
(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم) إلى
آخرهما (2).
قيل: أي لم يجدهما زيد مكتوبتين مع غيره. ثم الرقاع: جمع رقعة،



(1) صحيح البخاري رقم 2652.
(2) صحيح البخاري رقم 4402 كتاب التفسير.
220
في أحد
وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك. والأكتاف: جمع كتف، وهو عظم عريض يكون على
أعلى الظهر. والعسب: جمع عسيب، وهو جريد النخل العريض.
(453) عن سهل: لما كسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه وأدمي وجهه
وكسرت رباعيته، وكان علي يختلف بالماء في المجن، وكانت فاطمة تغسله، فلما رأت الدم
يزيد على الماء كثرة، عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه فرقا الدم (1).
رقا: أي سكن وانقطع.
جزيرة العرب
(454) عن يعقوب: إنه سأل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب، فقال: مكة
والمدينة واليمامة واليمن.
قال يعقوب: والعرج أول تهامة (2).
عدد المسلمين
(455) عن حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من
الناس فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل، قلنا أنخاف ونحن ألف وخمسمائة، فلقد رأيتنا
ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف.
وفي رواية أخرى: فوجدناهم خمسمائة وقيل ما بين ستمائة إلى سبعمائة (3) قيل: إن
هذا القول (فقلنا) عند حفر الخندق، والمراد بالابتلاء



(1) صحيح البخاري رقم 2747 كتاب الجهاد.
(2) صحيح البخاري ذيل رقم 2888.
(3) صحيح البخاري رقم 2895 كتاب الجهاد.
221
هو ما أصاب المسلمين بعد رسول الله من الفتن.
تأثير بني أمية وإهمال ذكر علي
(456) عن ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
وعثمان، فكلهم يصلون قبل الخطبة (1).
(457) وعن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون
العيدين قبل الخطبة (2).
أقول: وترى ذكر الخليفة الرابع مهملا لا يذكر في عدة من المقامات، وكأنه لم يكن
خليفة، ثم أن مروان جعل الخطبة قبل الصلاة بدعة، والبخاري يروي عنه!
نزول عيسى عليه السلام
(458) عن أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن
مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا
يقبله أحد (3).
ومن الظاهر بقاء الأحكام، فوضع الجزية من زيادة أبي هريرة احتمالا.
فاطمة وميراث النبي صلى الله عليه وسلم
(459) عن عائشة: إن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت
أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها - ما
ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه - فقال أبو بكر: إن رسول
الله قال: لا نورث، ما تركنا



(1) صحيح البخاري رقم 919 كتاب العيدين.
(2) صحيح البخاري رقم 920.
(3) صحيح البخاري رقم 2344 كتاب المظالم.
222
صدقة فغضب فاطمة بنت رسول الله، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت
بعد رسول الله ستة أشهر.
قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من
خيبر وفدك وصدقته (1) بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان
رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس (2).
وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا
لحقوقه التي تعروه (3) ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر.
قال: فهما على ذلك إلى اليوم (4).
(460) وعنها: أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي
صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم - تطلب صدقة
النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.
فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا فهو صدقة،
إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل
وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في
عهد النبي... (5).



(1) أي أملاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.
(2) قيل: إن دفعها إليهما ليتصرفا وينتفعا بقدر حقهما كما كان يتصرف النبي (ص)،
ولم يدفع إليهما على وجه التمليك.
(3) أي تنزل به وتنتابه. والنائبة: الحادثة.
(4) صحيح البخاري رقم 2926 كتاب الخمس.
(5) صحيح البخاري رقم 3508 كتاب فضائل الصحابة.
223
(461) وعنها أيضا: إن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما
- أرضه من فدك وسهمه من خيبر - فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال... (1).
(462) وعنها أيضا: إن فاطمة عليها السلام بنت النبي أرسلت... فأبى أبو بكر أن
يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت - أي غضبت - فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته،
فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر... (2
أقول: المقام من المعضلات، بل من المهلكات عند من يحرر نفسه من العصبية وتقليد
الآباء، ولا يرجح المشهورات على عقله وضميره، ويعتقد أن الحق أحق أن يتبع، ولا
يرى وجوب تأويل النصوص - بمجرد حسن الظن بالرواة وغفلة المحدثين - على نفسه بإهمال
دلالة النصوص والرجوع إلى معان بعيدة عن سيرة العقلاء كما هي عادة الغلاة
المتأولين (ومن يضلل الله فلا هادي له).
أولا: تدعي الشيعة الإمامية - مستندين إلى دلائل وشواهد - أن النبي الأكرم صلى
الله عليه وسلم نحل فاطمة فدكا في حياته وأقبضها إياها، فلما تولى أبو بكر
الأمور قبض فدك وطرد عاملها منها، فادعت أولا فاطمة أن فدك مملوكة لها، ثم في
مقام المحاجة تنزلت وقال: افرض لم يملكني النبي صلى الله عليه وسلم إياها في حياته
فهي ميراث، وفي القرآن آيات تخبر عن أن الأنبياء كغيرهم يورثون. ويزيدون أن فاطمة
ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنها سيدة نساء أهل الجنة، فلا تدعي
باطلا وحراما، فنفس مطالبتها بفدك



(1) صحيح البخاري رقم 3710 كتاب المغازي.
(2) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.
224
تثبت الهبة وبطلان الحديث إثباتا قاطعا.
ونحن غير نائبين عن الشيعة في إثبات ادعائهم ولا هم محتاجون إلى دفاعنا، ولكن لا
بد لنا كمسلمين عاقلين راغبين في فهم الحقائق: أن نقول: إن ورثة النبي هم فاطمة
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بزيادة عباس على القول بإرث العصبة، فكيف يمكن أن
نقبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر ورثته بأنه لا يورث، مع أن الحكم
يختص بهم ولا يتعدى غيرهم، وإنما ذكره لفرد أجنبي خارج عن الورثة.
أما عدم علم فاطمة بالحديث، بل إنكارها فواضح، حيث غضبت على أبي بكر فهجرته، ثم
بقيت على هذه الحال ولم تكلمه حتى ماتت، فهي تراه ظالما لها وغاصبا لحقها،
فتنفرت منه أشد النفرة بحيث لم تكلمه حتى آخر لحظة في حياتها، وربما قيل أن عدم
تكلمها معه لأجل اقتناعها بقوله! لكنه باطل مخالف لصريح الحديث بأنها (وجدت
عليه).
وأما نساؤه صلى الله عليه وسلم، فهن أيضا غير عالمات بالحديث والحكم كما ينقل
البخاري:
(463) عن عائشة: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة (1).
وأما العباس، فيظهر مما سبق أنه أيضا يجهل الحكم المذكور، وكان مدعيا لميراثه
منه صلى الله عليه وسلم (2).



(1) صحيح البخاري رقم 6349 كتاب الفرائض.
(2) وأما احتمال أن ورثة النبي (ص) طلبوا الإرث مع علمهم بالوقف فهو باطل
بإجماع المسلمين حتى عند الشيعة في حق الأزواج، فإنهم لا يقبلون فسق زوجاته (ص)
بارتكاب الحرام وينزهوهن من هذا المعصية، فإنكار أصالة العدالة أو تعديل كل فرد من
الصحابة أمر ونسبة الحرام إلى جميع الزوجات أمر آخر، وبينهما فرق كثير، فلا تشتبه.
225
والعمدة، أن عليا لا يرى الحديث صحيحا ولا أبا بكر صادقا في نقله، وإلا
لأقنع فاطمة وأصلح بينها وبين أبي بكر، وما في بعض الروايات من إقرار العباس وعلي
بالحديث المذكور في محضر عمر فهو أشبه بالهزل من الجد. وسيأتي أن عليا والعباس
ادعيا الميراث من عمر بعد وفاة أبي بكر، فيظهر من هذه الدعوى أنهما ينكران على أبي
بكر حديثه، ويرى علي زوجته مستحقة للميراث، وكذا العباس يرى نفسه وارثا، فهما ليسا
غير عالمين بالحديث فقط، بل هما عالمان بعدمه، فإنهما ينكران الحديث، وإن كان
راويه مثل أبي بكر، لكن مع كل ذلك يشكل تكذيب أبي بكر في نقل الحديث، وهذه هي
المشكلة العويصة.
وربما يخطر بالبال أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: لا نورث... في مال
خاص وقفه، فحسبه أبو بكر عاما في كل ما تركه وإن لم يوقفه في حياته، أو ألحقه به
اجتهادا لمصلحة النظام الجديد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ويشهد له أن أبا
هريرة استثنى في حديثه هذا نفقة الزوجات، إذ لم يؤخذ من أحد الزوجات شئ من بيوتهن
بدعوى أنه صدقة، بل كان إزاره وكساؤه صلى الله عليه وسلم عند عائشة (1)، وقد مر هذا
البحث قبل قريب.
ويمكن أيضا أن تكون كلمة ما الموصولة مع صلتها مفعولة لكلمة لا نورث وقرأ صلى
الله عليه وسلم كلمة صدقة بالوقف، فحسب أبو بكر أنها مرفوعة، وأنه خبر للموصول
وصلته (2).



(1) صحيح مسلم 14: 56.
(2) لا يقال على هذا يعم الحكم جميع المسلمين، ولا يخص النبي (ص) وورثته. فإنه
يقال: نعم، وليس في الحديث ما يظهر اختصاصه به (ص)، ولذ احتاج الخليفة وغيره إلى
تأويل وزيادة جملة (يريد به نفسه) كما يظهر من الروايات.
226
وأما كلمة: فهو فهو صدقة في بعض الروايات، فلم تثبت، لخلو غالب الروايات عنها.
وأما الجملة الأخيرة: إنما يأكل آل محمد. فهي إما من كلام عائشة توضيحا
للحديث، وإما ناظرة إلى المال الخاص الذي وقفه صلى الله عليه وسلم في حياته أي إذا
احتاج آل محمد إلى ما وقفه فلا يأكل منه غيرهم، والله العالم. هذا بالنظر إلى
رواية البخاري، وأما بالنظر إلى رواية مسلم فسيأتي البحث فيها.
ثم إن ههنا مشكلة أخرى في وقف خمس خيبر حيث إن للخمس أهلا غير النبي صلى الله
عليه وسلم، فكيف يصح وقف ما ليس للواقف، بل هو مناف لتشريع الخمس. وهذا دليل قوي
على اشتباه أبي بكر في فهم حديثه. والواقع أن أبا بكر لو سلم فدكا إلى سيدة نساء
الجنة ولم يغضبها - وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من أغضبها أغضبني - لكان أنفع له
وللمجتمع الإسلامي في طول الزمن، وإن كان التسليم نحو تسليم مال موقوف إلى ناظره لا
إلى مالكه، كما سلم عمر مال المدينة إلى علي والعباس.
تنازع علي والعباس
(464) عن مالك بن أوس - في حديث طويل - يذكر أن عليا والعباس دخلا على عمر، فقال
عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا - وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسول
الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير - فأقبل عمر على علي والعباس فقال: أنشدكما
الله أتعلمان أن رسول الله قد قال ذلك (أي لا نورث ما تركناه صدقة)؟

227
قالا: قد قال ذلك.
قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في
هذا الفيئ بشئ لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ: (وما أفاء الله على رسوله منهم - إلى
قوله - قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها
عليكم، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله ينفق على
أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل رسول لله
صلى الله عليه وسلم بذلك حياته... ثم توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو
بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم
توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي... والله يعلم
إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما
واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا - يريد عليا - يريد
نصيب امرأته من أبيها (1) فقلت لكما: إن رسول الله قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
ولما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله
وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله... (2) أقول: وفي محل آخر من البخاري:
فاستب علي وعباس (3). (أي سب كل واحد صاحبه).



(1) كلام عمر هذا كالنص في أنهما طلبا الميراث دون القيام على المال قيام الناظر
والمتولي كما يدعيه بعض البسطاء المتأولين.
(2) صحيح البخاري رقم 2927 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 3809 كتاب المغازي.
228
وفيه عن عائشة بعد قصة إخبارها زوجاته صلى الله عليه وسلم بحديث لا نورث: فكانت
هذه الصدقة بيد علي، منعها علي عباسا فغلبه عليها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد
حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها، ثم بيد زيد
بن حسن، وهي صدقة رسول الله حقا. انتهى.
وفي كتاب النفقات: وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس - تزعمان أن أبا بكر كذا
وكذا (1).
وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: قال العباس يا أمير المؤمنين: اقض بيني وبين
الظالم استبا... تزعمان أن أبا بكر فيها كذا والله يعلم أنه فيها صادق... (2).
أقول: جمع من باحثي الشيعة ينكرون نزاع عباس مع علي ويرونه افتراء عليه، وليس
لديهم دليل قاطع، وأنا أذكر في المقام ثلاثة أمور:
1 - إن في الحديث تناقضا حيث يذكر أولا إقرار عباس وعلي بصحة الحديث وأنهما
عالمان به، ثم يذكر في الذيل أنهما كان يطلبان الميراث لا في خلافة أبي بكر، بل في
خلافة عمر، فلو كانا عالمين بالحديث ومصدقين به لكانا يطلبان الحرام وهو باطل
إجماعا، فيعلم أن ذكر إقرارهما به من زيادة النساخ أو الرواة أو من اجتهاد
البخاري.
2 - إن نسبة الاستباب إليهما ينافي عدالتهما الثابتة عند أهل السنة وعصمة علي عند
الشيعة، وإننا وإن لم نقل بعصمة علي لكننا نعتقد بعدالته وورعه فوق ما نعتقد في حق
معظم الصحابة أو كلهم، وهو مع القرآن



(1) صحيح البخاري رقم 5043 كتاب النفقات.
(2) صحيح البخاري رقم 6875 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
229
والقرآن معه، وهو رأس أحد الثقلين، وممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
3 - إن شيخنا البخاري يرى جواز التصرف في الأحاديث بما يهواه، وإليك شاهدا
عليه من صحيح مسلم، ففي كتاب الجهاد، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين
هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن... فقال عمر... فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ما نورث ما تركنا صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غدارا خائنا
والله يعلم أنه لصادق... فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم (1) إني
لصادق... (2).
أقول: لم يكن ثمة ابن سبأ حتى يقال إنه أوقع الخلاف بين الصحابة! ولا نحقر عقلنا
وضميرنا وبصرنا لمجرد حسن الظن بالسلف، فلا نخضع لتأويل المقلدين، بل نقول: إن هنا
تسابا وتكاذبا بين أبي بكر وعمر وعلي وهم من الخلفاء الراشدين، وفاطمة بنت النبي
صلى الله عليه وسلم وهي سيدة نساء أهل الجنة، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم
الذي يستسقى به عمر، ولا يمكن الحكم بصحة أقوال الطرفين، بل الأطراف الثلاثة:
(1) الشيخين وعباس وعلي.
(2) الشيخين وفاطمة.
(3) عباس وعلي.
فلا بد من الحكم بعدم عدالة بعض الأطراف إن صحت هذه



(1) هذه الألفاظ تدل على أن عليا والعباس يكذبان بالحديث المذكور، وما قيل في
تأويلها ضعيف سخيف لا يجوز إضاعة الوقت بنقله ونقده، فلاحظ شرح النووي على المقام
وكذا غيره.
(2) صحيح مسلم 1757 كتاب الجهاد.
230
الأحاديث، ولك أن تقول بطرف رابع وهو رواة البخاري ومسلم. وقد نقل النووي عن القاضي
عن المازري: إنه إذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها، وقد حمل هذا
المعنى بعض الناس (يريد به البخاري) على أن أزال هذا اللفظ من نسخته! فحينئذ لا
يخلو الأمر عن واحد من ثلاثة:
إما كذب الرواة، فلا اعتماد على الصحيحين وأحاديثهما رغم إصرار المقلدة ومدعي
العلم، وإما عدم عدالة الخليفتين والعباس، وإما عدم عدالة علي وفاطمة، ولا رابع
عند العاقل المحقق البصير فلك الخيار في اختيار أي الأمور شئت، والله الموفق وهو
العاصم، وأما تصرف البخاري في ألفاظ الحديث فهو أمر قبيح يسلب الاعتماد عن أمانته
وأحاديث كتابه.
أصل اختلاف الأمة
(465) عن عائشة: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت،
وعاشت فاطمة بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها
أبا بكر، وصلى عليها. وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر
علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل
إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية لمحضر عمر.
فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك... وما عسيتهم أن يفعلوا بي، فدخل عليهم
أبو بكر فتشهد علي فقال: إنا عرفنا فضلك... ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى
لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا... ولكنا نرى لنا في هذا الأمر
نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا... (1) أقول:



(1) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.
231
مدلول هذه الرواية الطويلة والمستفاد منها أمور نذكر بعضها:
1 - عدم مبايعة علي أبا بكر طيلة حياة فاطمة.
2 - عدم إيذان علي أبا بكر بوفاة فاطمة للصلاة عليها وتشييع جثمانها.
3 - إنكار الناس على مخالفة علي هو الوجه لالتماس المصالحة.
4 - تنفر علي من عمر وكراهيته لحضوره.
5 - اعتقاد علي بنصيبه في أمر الخلافة.
6 - استبداد أبي بكر بالأمر هو الذي وجد علي به على أبي بكر فلم يبايعه.
7 - بقاء أثر التشاجر حول ما تركه النبي في نفس علي كما يظهر من كلام أبي بكر الذي
لم ننقله هنا، بل بقاؤه إلى آخر أو أواسط خلافة عمر كما عرفته من حديث مسلم، بل
وإلى آخر عمره كما ربما يظهر من كلامه في نهج البلاغة وغيره.
8 - وجود جمع من الصحابة مع علي في بيته، كما يظهر من تعبير أبي بكر وعمر بضمير
الجمع وكذا من تعبير علي (1).
9 - اكتفاء علي في المصالحة بمجرد الحضور دون المبايعة، إلا أن تستفاد البيعة من
قول علي موعدك العشية للبيعة، الذي لم ننقله هنا. ولجمع من علماء الشيعة أقاويل
أخرى لا نذكرها.
وأنا لا أظن بصحة هذا الرواية بتمامها، فإن الاعتذار عن عدم البيعة بالاستبداد
غير لائق بمكانة علي العلمية والعملية، والحق إن عليا لا يرى



(1) أن ائتنا. ولا يأتنا. لا تدخل عليهم. وما عسيتهم أن يفعلوا بي. لآتينهم. فدخل
عليهم.
232
غيره أهلا للخلافة، وحيثما استنكر وجوه الناس، وبقي هو وجماعته القليلة منعزلين،
ولم ير الصلاح في الحرب فاضطر إلى المصالحة.
وأما ما قيل في وجه عدم بيعته من تسلط الحزن والهم عليه بوفاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أو لحلفه على عدم لبس الرداء إلا للصلاة حتى يجمع القرآن كله فلم
يجد الفرصة للاجتهاد لوجوب البيعة! أو لكفاية غيره للبيعة فهو ضعيف كضعف ما مر في
كلام عائشة من استبداد أبي بكر بالخلافة، إذ كل ذلك غلط، لا يجوز ترك بيعة الإمام
لأجله لأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، أيصح أن يحلف أحد على ترك
واجب؟ أو يتركه لحزنه؟ أو لعدم المشاورة معه؟ كلا.
(466) وعن الحارث... قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس الله أمرني
بها: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر
فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع... (1).
أقول: وقد فارق علي الجماعة ستة أشهر، فهل تظن به أنه يرى الجماعة على حق ومع ذلك
فارقها عنادا وتعصبا واتباعا لهواه؟ أو يراهم على غير حق فابتعد منهم.
تعقيب وتحقيق
دع عنك خرافة عبد الله بن سبأ بأن تحمله كل ما وقع في صدر الإسلام تحفظا على
عدالة الصحابة، فإنه لعب بالعقل والأحاديث والتاريخ وأعيذك الله منه. والواقع أن
الصحابة هم الذين اختلفوا بينهم على الإتيان بالكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في
مرض موته، ثم في سقيفة بني ساعدة، ثم في موضوع الخلافة (مع علي بخصوصه)، ثم في
توريث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في جملة من



(1) جامع الترمذي 2: 379.
233
مسائل أخر، حتى توسعت الفتنة في زمان عثمان، وانجر الأمر إلى أن قتل عثمان فيها،
ولم تستقر الخلافة لعلي، فحاربه عائشة وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة وأتباعهم،
ثم حاربه معاوية وعمرو بن العاص وأقرانهما وأتباعهما، ثم الخوارج، حتى قتله ابن
ملجم الخارجي، ثم استولى بنو أمية على سلطان الإسلام والمسلمين، فأفسدوا وعثوا
وعتوا عتوا كبيرا. فدع قصة عدالة الصحابة وابحث عن الحقيقة كما هي.
من القطعيات التي لا يشك فيها عاقل أن موضوع الإمامة والخلافة هي أساس كل
الاختلافات التي انجرت إلى العداء والبغضاء، ثم إلى الحروب، وسفك الدماء، وهتك
الأعراض، ونهب الأموال، وإلى التكفير والتفسيق، وإلى تشعب المسلمين إلى المذاهب
والمسالك المتباعدة، وهي التي حملت أقواما على جعل الأحاديث، وتزوير الحقائق،
وترويج الأباطيل، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، إلى يومنا هذا في كل مكان.
ولنعم ما قيل: ما ذئبان ضاريان في غنم غاب رعاؤها عنها بأضر في دين الرجل المسلم
من حب الرئاسة. وهذا هو سر خوف النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته حيث أراد أن
يكتب ما لا تضل أمته بعده، فعصوا أمره، فوقعت الأمة في المصاعب والمصائب إلى
يومنا هذا (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
ومما لا شك فيه أيضا أن خلافة أبي بكر لم تكن مقبولة عند الجميع، بل في الأنصار
من يطلبها لنفسه، وفي المهاجرين كان علي يرى نفسه أحق بها من كل أحد، ولم يقبل
خلافة أبي بكر وعمر وعثمان بطيب نفسه يوما كما يظهر ذلك من كلماته الكثيرة ومن
أفعاله المتكررة، ونحن

234
نذكر هنا ما ذكره ابن قتيبة الدينوري (1) - الذي كان في عصر البخاري ومات بعده
بعشرين سنة - في كتابه المشهور (الإمامة والسياسة).
قال في ضمن كلام طويل له:
ثم بعث إليه (أي إلى سعد بن عبادة) أبو بكر رضي الله عنه أن أقبل فبايع، فقد بايع
الناس وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، واخضب
منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي،
ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم
حسابي، فلما أتي بذلك أبو بكر من قوله: قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك.
فقال لهم بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى
يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج
حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه
بضاركم وإنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم
منه.
فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجتمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم
أعوانا لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو
بكر رحمه الله، وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام فمات بها، ولم يبايع لأحد رحمه
الله.
وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن
العوام رضي الله عنه، وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب، وإنما كان يعد نفسه من
بني هاشم، وكان علي كرم الله وجهه يقول: ما زال الزبير



(1) صحيح البخاري رقم 213 - 276.
235
منا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا. واجتمعت بنو أمية إلى عثمان، واجتمعت بنو زهرة
إلى سعد وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين، فلما أقبل عليهم أبو
بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر: ما لي أراكم مجتمعين حلقا
شتى، قوموا فبايعوا أبا بكر قد بايعته وبايعه الأنصار، فقام عثمان بن عفان ومن معه
من بني أمية فبايعوه، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوه،
وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم انصرفوا إلى رحالهم ومعهم
الزبير بن العوام، فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم،
فقالوا: انطلقوا فبايعوا أبا بكر فأبوا، فخرج الزبير بن العوام رضي الله عنه
بالسيف، فقال عمر رضي الله عنه: عليكم بالرجل فخذوه، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ
السيف من يده فضرب بالجدار، وانطلقوا به فبايع، وذهب بنو هاشم أيضا فبايعوا.
إباية علي كرم الله وجهه بيعة أبي بكر رضي الله عنهما
ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو
رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم
أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي
صلى الله عليه وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم
أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة،
وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا
وميتا، فانصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده

236
عليك غدا، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.
فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك.
فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم الله وجهه: يا بن عم إنك حديث السن، وهؤلاء
مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على
هذا الأمر منك وأشد احتمالا واضطلاعا به، فسلم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن
تعش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك
وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال علي كرم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في
العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في
الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به، لأنا أهل البيت، ونحن
أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم
بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم
بالسوية، والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من
الحق بعدا.
فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك، يا علي قبل
بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان.
قال: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على
دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت
بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول

237
علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه
وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد
صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
قال: وإن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله
وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب
وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة؟
فقال: وإن.
فخرجوا فبايعوا إلا عليا، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي
على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي
بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا
وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا.
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر لقنفذ - وهو مولى له -: اذهب فادع لي عليا.
قال: فذهب إلى علي، فقال له: ما حاجتك؟
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة.
قال: فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: ألا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه فقل له أمير المؤمنين يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله؟ لقد ادعى ما ليس
له.

238
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى
أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول
الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر،
وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: إن أنا لم أفعل فمه.
قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.
قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال
له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك.
فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم إن
القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني.
فقال عمر لأبي بكر (رض): انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعا
فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا
عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو
بكر فقال: يا حبيبة رسول الله (1) والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي،
وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي،



(1) ويروى: يا حبيبة رسول الله أغضبناك في ميراثك منه وفي زوجك، فقال: ما بالك،
يرثك أهلك ولا نرث، فقال والله قرابة. الخ.
239
ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك، وأعرف فضلك وشرفك
وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه
وتفعلان به؟
قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من
سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة
فقد أسخطني.
قالا: نعم، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي
لأشكونكما إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر
يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة
أصليها.
ثم خرج باكيا، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته
مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي.
قالوا: يا خليفة رسول الله إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن
كان هذا لم يقم لله دين.
فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم
بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

240
قال: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما، ولم تمكث بعد
أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة.
قال: فلما توفيت أرسل علي إلى أبي بكر أن أقبل إلينا، فأقبل أبو بكر حتى دخل على
علي وعنده بنو هاشم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا أبا بكر فإنه لم
يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا
الأمر حقا فاستبددت علينا ثم ذكر علي قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم
يزل يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي، وإني
والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته إن شاء الله تعالى.
فقال علي: موعدك غدا في المسجد الجامع للبيعة إن شاء الله.
ثم خرج، فأتى المغيرة بن شعبة فقال: الرأي يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له
في هذه الإمرة نصيبا يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان
العباس معكم.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس رضي الله عنه
، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، ثم قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم
نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما
عنده، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين غير مختلفين،
فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا، وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا
جبنا، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وما أزال
يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما اجتمعت عليه عامة المسلمين ويتخذكم لجأ، فتكونوا
حصنه المنيع، فأما دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عما مالوا إليه، وقد
جئناك ونحن

241
نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عم رسول
الله، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم، على رسلكم بني
عبد المطلب فان رسول الله منا ومنكم.
ثم قال عمر: إي والله، وأخرى إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم، ولكنا كرهنا أن يكون
الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم
ولعامتكم.
فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله بعث محمدا كما زعمت نبيا
وللمؤمنين وليا، فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده، فخلى على
الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فإن كنت
برسول الله طلبت فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم متقدمون، وإن كان
هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين، فأما ما بذلت لنا، فإن
يكن حقا لك فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم، وإن
كان حقنا لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض، وأما قولك: إن رسول الله منا ومنكم، فإنه
قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.
والغرض من نقل هذا الكلام هو تجنيب أهل السنة عن الإفراط، وتجنيب الشيعة عن
التفريط، فإذا قلنا إن عليا لم يخالف أبا بكر بشئ أبدا. والشيعة ضلوا بدسائس
عبد الله بن سبأ اليهودي، يجيب الشيعة بأشنع من هذا، فيقع التناكر والتباغض والتقاتل
فيضعف أمر الأمة الإسلامية بالتفرقة والتشعب، وإذا قلنا لهم بصدق وحق إن التشيع
نشأ من رأي علي بأحقيته بالخلافة، والتسنن من بيعة الناس في سقيفة بني ساعدة
لأبي بكر، واتباع كل واحد منهما مأجورون معذورون عند الله، ونحن أخوة مسلمون

242
ومتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحترم اجتهاد كبار الصحابة، فيلتئم الصف
ويتم الوفاق. وكذا إذا قلنا لهم إننا لا ننكر متابعتكم لجعفر بن محمد الصادق -
كبعض الجهلة منا - بل نقربه ونحترم الإمام الصادق في أقواله وفتاويه، ونرى مذهبكم
حقا صحيحا، كما أفتى به السيد محمود شلتوت المرحوم بجواز رجوع المسلمين من مذهبهم
إلى مذهب الشيعة الإمامية وببراءة ذممهم يوم القيامة بذلك، فهؤلاء - بطبيعة الحال -
يعترفون بمشروعية المذاهب الأربعة وغيرها، فكلنا نتفق على أن للمصيب أجرين
وللمخطئ أجرا واحدا (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) نعم فسحقا للنصب والغلو،
وبعدا للإفراط والتفريط.
مبالغة لمعاوية
(467) عن معاوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... ولا تزال هذه الأمة
ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي الله أمره وهم ظاهرون (1).
يعرف كل أحد أن قول معاوية مخالف للواقع.
الزبير وثروته
(468) عن عبد الله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل... فقال: يا بني إنه
لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما...
فلما مضى أربع سنين قسم بينهم، فكان للزبير أربعة نسوة: ورفع الثلث، فأصاب كل
امرأة 1200000، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف (2).
(469) عن عمرو بن عوف... قال صلى الله عليه وسلم:... فوالله لا الفقر أخشى



(1) صحيح البخاري رقم 2948 كتاب الخمس.
(2) صحيح البخاري رقم 2961 كتاب الخمس.
243
عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها
كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم (1).
والزبير كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقيرا تقول زوجته أسماء بنت أبي
بكر: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شئ غير ناضح، وغير
فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه (أي أخيط الدلو) وأعجن... وكنت
أنقل النوى من أرض الزبير أقطعه رسول الله على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ... حتى
أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم... (2)
علة تحريم لحوم الحمر
(470) عن ابن أبي أوفى: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر... نادى مناد رسول الله صلى الله
عليه وسلم اكفئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئا.
قال عبد الله: فقلنا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس.
قال: وقال آخرون: حرمها البتة... (3).
وقيل: حرمها لأنها حمولة الناس.
وقيل: حرمها البتة لأنها تأكل العذرة. وقيل غير ذلك (4).
سحر النبي صلى الله عليه وسلم
(471) عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع
شيئا ولم يصنعه (5).
وفي نقل آخر عنها: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل



(1) صحيح البخاري رقم 2988.
(2) صحيح البخاري رقم 4926 كتاب الخمس.
(3) صحيح البخاري رقم 2986 كتاب الخمس.
(4) أنظر صحيح البخاري رقم 3983 كتاب المغازي وغيره.
(5) صحيح البخاري رقم 3004 كتاب الجزية.
244
الشئ وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيما
فيه شفائي، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر:
ما وجع الرجل؟
قال: مطبوب (أي مسحور).
قال: ومن طبه.
قال لبيد بن الأعصم... (1).
(472) وعنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء
ولا يأتيهن!... (2).
(473) عن ابن شهاب: سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال: بلغنا أن رسول الله
قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب (كتاب الجزية).
أقول: سبحان الله من هذه الكذبة المفضحة المطابقة لكذبة الكفار برميهم إياه صلى
الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور، فهذه الأحاديث كأنها وضعت لتصديق المشركين على
خلاف القرآن، ولو قيل بصحتها لما كان للمسلمين جواب لطعن أعداء الإسلام، ولسقطت
حجية قول النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره عن الله سبحانه وتعالى. فسحقا للوضاعين
والمروجين.
أذية النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه
(474) عن عبد الله: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش من
المشركين إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور (أي اللفافة التي يكون فيها الولد في
بطن الناقة) فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى



(1) صحيح البخاري رقم 3095.
(2) صحيح البخاري رقم 5432 كتاب الطب، وانظر صحيح مسلم 14: 174.
245
جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن
ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف فلقد
رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا ضخما،
فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر (1).
علم الصحابة
(475) عن عمر: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى
دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظ ونسي من نسيه (2).
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يخبر عمر عن موته صلى الله عليه وسلم، وعن الخلافة
بعده، وعن وجوب التيمم، وعن أشياء كثيرة جهلها عمر وكثير من الصحابة، فاختلفوا
بينهم كما قرأت، وستقرأ قليلا منها في هذا الكتاب.
أطوار الجنين
(476) عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن
أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله
ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: أكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم
ينفخ فيه الروح... (3).
تجند الأرواح
(477) عن عائشة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الأرواح جنود مجندة، فما
تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف (4).



(1) صحيح البخاري رقم 3014 كتاب الجزية.
(2) صحيح البخاري رقم 3020 كتاب بدء الخلق.
(3) صحيح البخاري رقم 3036 كتاب بدء الخلق.
(4) صحيح البخاري رقم 3158 كتاب الأنبياء.
246
أقول: هكذا في بعض أحاديث الشيعة، وتحقيق الموضوع محتاج إلى بسط كلام فيه، وليس
المقام مقام بحثه.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله
(478) عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية
سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت: بلى، فاهدها لي.
فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم
أهل البيت؟ فإن الله علمنا كيف نسلم عليكم.
قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1).
ورواه في سنن أبي داود بأسانيد وألفاظ متغايرة (2).
(479) وعن أبي سعيد الخدري: قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟
قال: فقولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم.
قال أبو صالح عن الليث: على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم (3).
أقول: سقط عن المتن شئ كما يظهر من الذيل وغيره، كما في



(1) صحيح البخاري رقم 3190 كتاب الأنبياء.
(2) سنن أبي داود 1: 256 - 257.
(3) صحيح البخاري رقم 4520 كتاب التفسير.
247
البخاري وغيره، والصحيح اتحاد الروايتين متنا.
(480) عن أبي مسعود الأنصاري... أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف
نصلي عليك... قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم،
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد
مجيد، والسلام قد علمتم (1).
محاجة آدم وموسى عليهما السلام
(481) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتج آدم وموسى: فقال له
موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك
الله برسالاته وبكلامه، ثم تلوموني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى مرتين (2).
أقول: وشبيه هذا المضمون بتفاوت ورد في أحاديث الشيعة الإمامية أيضا، لكن الحديث
فهمه محتاج إلى بحث، إذ قد ثبت في محله أن تقديره تعالى في طول تدبير الإنسان
واختياره لا في عرضه وإلا لكان عذرا لكل المتخلفين. وتحقيقه في محله.
النساء الكاملة
(482) وعن أبي موسى: قال رسول الله: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا
آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على
سائر الطعام (3).



(1) صحيح مسلم 4: 125.
(2) صحيح البخاري رقم 3228 كتاب الأنبياء.
(3) صحيح البخاري رقم 3230 كتاب الأنبياء.
248
أقول: وفي أحاديث الشيعة - غير المعتبرة سندا عندهم - زيادة خديجة بنت خويلد
وبنتها فاطمة، ويدل على الأخيرة حديث البخاري: إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
وغيره، وعلى الأول قوله صلى الله عليه وسلم: خير نسائها خديجة (1).
وفي صحيح جامع الترمذي عن أنس: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت
خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون (2).
وأما الذيل فأظنه موضوعا إذ لا يفضل الثريد على عدة من الأطعمة كما لا يخفى،
وربما يقال إنه يشعر أو يدل على نقصها من وجهين: من جهة سلب الكمال عنها
تلويحا، ومن جهة ضعف فضل الثريد على كثير من الطعام، والله أعلم.
أفضلية إبراهيم عليه السلام
(483) عن ابن عباس: قال رسول الله: تحشرون حفاة عراة عزلا... فأول من يكسى
إبراهيم (3).
أقول: الحديث يشير إلى أفضلية إبراهيم عليه السلام عن سائر الأنبياء عليهم السلام
سوى خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، فتأمل فيه.
عيسى والمهدي
(484) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده،
ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما وعدلا، فيكسر الصليب، ويقتل



(1) صحيح البخاري رقم 2604 كتاب فضائل الصحابة.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 244.
(3) صحيح البخاري رقم 3263 كتاب الأنبياء.
249
الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد... (1).
(485) وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم
وإمامكم منكم (2).
البداء لله تعالى
(486) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص، وأقرع، وأعمى، بدا لله أن يبتليهم... (3).
أقول: على فرض صدور الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، يراد بقوله (بدا لله) أراد أن
يظهر ما سبق في علمه - كما ذكره المعلق - فالبداء في حقه بمعنى الإبداء ضرورة
استحالة ظهور أمر أو شئ بعد خفائه عليه تعالى، وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين
شيعة وسنة سوى شاذ منهم.
عمر محدث
(487) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه قد كان في ما مضى
قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن
الخطاب (4).
أقول: المحدث - كمحمد ومقدس - من يحدثه الملك كمريم عليها السلام وغيرها، وعن
المعلق: هو الذي يجري الصواب على لسانه أو يخطر بباله الشئ فيكون، بفضل من الله.
أقول: لكنه لا دليل عليه.



(1) صحيح البخاري رقم 3264 كتاب الأنبياء.
(2) صحيح البخاري رقم 3265.
(3) صحيح البخاري رقم 3277.
(4) صحيح البخاري رقم 3283 ورواه أيضا بتفاوت برقم 3486 كتاب المناقب.
250
وعنه أيضا: لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن
يكونوا أنبياء، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر (1).
وعن بعض العلماء أن قوله صلى الله عليه وسلم: فإن يكن... للتأكيد دون الترديد.
لكن ربما يرد. على رواية أبي هريرة هذه، بأن ما صدر من عمر من كلمات لا يناسب
التحديث - أي تحديث الملك إياه - كقوله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: والله
ما مات رسول الله، وقال: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فليقطعن
أيدي رجال وأرجلهم... (2).
وليس لأحد أن يعتذر عنه بأنه قاله لذهاب عقله بحزنه لوفاة النبي، فإنه ذهب فور
هذه إلى سقيفة بني ساعدة - وكان مديرها - ثم أخذ بيد أبي بكر فبايعه وبايعه الناس،
فقال قائل: قتلتم سعدا، فقال عمر: قتله الله (3).
وجابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت تحلف بالله؟ قال: إني
سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي (4).



(1) صحيح البخاري رقم 3486 كتاب المناقب، ورواه مسلم في صحيحه بتفاوت عن عائشة 15:
166.
(2) صحيح البخاري رقم 3467 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3467.
(4) صحيح البخاري رقم 6922 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وانظر روايات كون عمر
محدثا في صحيح مسلم 14: 123، وما ينافيه كحكمه برجم المجنونة حدود سنن أبي داود 4:
138 وغيره، وهو كثير.
251
أهمية القانون
(488) عن عائشة... فكلمه أسامة (في شأن المرأة المخزومية السارقة في إسقاط الحد)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم
قال: إنما هلك الذين قبلكم، إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق
فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو إن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها (1).
أقول: أنا في صحة الجملة الأخيرة في شك، وعلى فرض صحتها يدل الحديث على أن
فاطمة أشرف الناس بعد النبي وأعزهم عنده، ولا شك فيه.
خصيصة الأنبياء
(489) عن أنس:... وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم (2)، لكن أنسا لم
ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الناس والحكومات
(490) عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون إثرة.
قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟
قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم (3).
وفي نقل آخر: إنكم سترون بعدي إثرة وأمورا تنكرونها أي أمورا مخالفة للشريعة
من السلطة.
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟



(1) صحيح البخاري رقم 3288 كتاب الأنبياء.
(2) صحيح البخاري رقم 3377 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3408 كتاب المناقب.
252
قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم (1).
(491) وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كره من أميره شيئا فليصبر،
فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية (2).
والأثرة - بتحريك الأولين -: الاستبداد بالأموال التي من حقها أن تكون مشتركة.
أقول: هنيئا لكم يا بني أمية، فقد جعلتم الشعب المسلم عبيدا لكم بوضع هذه
الأحاديث.
غلمة من قريش
(492) عن أبي هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلاك أمتي على يدي غلمة من
قريش.
فقال: مروان غلمة؟
قال أبو هريرة: إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان (3).
لكن البخاري ينقل عن مروان ويعتمد عليه.
مقاتلو علي
(493) عن الخدري:... يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية... فأشهد أني
سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب
قاتلهم وأنا معه... (4).
أقول: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حرب الجمل بإخباره عائشة بنبح كلاب



(1) صحيح البخاري رقم 6644 كتاب الفتن.
(2) صحيح البخاري رقم 6645 كتاب الفتن، وما بعده من الأحاديث!
(3) صحيح البخاري رقم 3410.
(4) صحيح البخاري رقم 3414 كتاب المناقب.
253
الحوأب، وعن حرب صفين بقوله لعمار بأنه تقتله الفئة الباغية الداعية إلى النار،
وعن حرب الخوارج بهذا الحديث الطويل (1).
(494) وعن زيد بن الجهني: إنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه
الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: يخرج قوم من أمتي... يمرقون من الإسلام.. وآية ذلك أن فيهم رجلا له
عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فتذهبون إلى معاوية
وأهل الشام وتتركون هؤلاء.. فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه
فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال:
أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله... (2).
(495) عن عبيد الله بن أبي رافع... فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا،
فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، مرتين أو ثلاثا،
ثم وجدوه في خربة... (3
أقول: فيظهر كذب ما أسند حروبه إلى رأيه، وإليك نصه:
(496) عن قيس بن عباد: قلت لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول الله أم
رأي رأيته؟
فقال: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ، ولكنه رأي رأيته (4).
أقول: مع أنه صلى الله عليه وسلم قال له: قاتلت أنا على تنزيل القرآن، وستقاتل
على تأويله. ثم إن الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عليا بعض
الغيوب



(1) صحيح مسلم 7: 162 و 167 و 168 كتاب الزكاة.
(2) صحيح مسلم 7: 172 كتاب الزكاة.
(3) صحيح مسلم 7: 173.
(4) سنن أبي داود 4: 216 كتاب السنة.
254
كما يدعيه الشيعة ولا بأس به، فإن الله علمه نبيه صلى الله عليه وسلم (إلا من
ارتضى من رسول) وعلمه النبي عليا ومن شاء، وإنما المحال أن يعلم إنسان الغيب من
دون إعلام الله تعالى.
التفاضل بين الصحابة (أو تأثير بني أمية)
(497) عن ابن عمر: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا
ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم (1).
(498) وعن محمد بن الحنفية: قلت لأبي: أي الناس خير بعد الرسول صلى الله عليه
وسلم؟
قال: أبو بكر.
قلت: ثم من؟
قال: ثم عمر.
وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟
قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين (2).
(499) عن ابن العاص... فقلت أي الناس أحب إليك؟
قال صلى الله عليه وسلم: عائشة.
فقلت: من الرجال.
فقال: أبوها.
قلت: ثم من؟
قل: عمر بن الخطاب فعد رجالا (3).



(1) صحيح البخاري رقم 3394 كتاب المناقب، وانظر 3455.
(2) صحيح البخاري رقم 3468 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3462 كتاب فضائل الصحابة.
255
أقول: لا يحتمل أن عالما يتفوه بأن أحب الناس إليه زوجته فضلا عن خاتم
المرسلين صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث ظاهر الوضع.
(500) وعن ابن عمر... (عنه - صلى الله عليه وسلم): وإن كان - زيد بن حارثة - لمن
أحب الناس إلي، وإن هذا - أسامة بن زيد - لمن أحب الناس إلي بعده (1).
جزع عمر في آخر حياته
(501) عن المسور: لما طعن عمر، فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه (بالتشديد أي يزيل
جزعه)... وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع
الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه (2).
أقول: طلاع الأرض: ما يملأ الأرض حتى يطلع ويسيل.
بيعة عثمان
(502) عن ابن ميمون - في حديث طويل -: فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة
منكم.
فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي.
فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان.
وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف.
فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله (أي تعيين الخليفة) إليه
والله عليه والإسلام. لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان.
فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي، والله علي أن لا أعلو عن أفضلكم.



(1) صحيح البخاري رقم 3524.
(2) صحيح البخاري رقم 3489 كتاب المناقب.
256
قالا: نعم.
فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في
الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن
ولتعطين. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا
عثمان فبايعه، فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه (1).
أقول: هذا الذي رواه ابن ميمون ناقص وإهمال لكثير مما جرى بين علي ومنافسيه
الخمسة، فلا بد من مراجعة سائر الكتب المعتبرة، فإن البخاري يرى جواز التصرف في
الأحاديث والروايات بما يشاء، ففي موضع آخر نقل القصة بشكل آخر كما هو عادته وهي
توجب وهن كتابه جدا، وعلى كل إليك بعض جملاته: وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي
شيئا... فاجتمع أولئك الرهط أرسل إلى المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء
الأجناد... فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في
أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا... (2
فلاحظ كيف يهدد عليا بالقتل، فلو كان علي راضيا لما احتاج عبد الرحمن إلى
تخويفه على نفسه!
الفصل بين عيسى عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم
(503) عن سلمان قال: فترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة
سنة (3).
أقول: يقول بعض كتاب الغرب إنه يبدأ التأريخ القمري من غروب



(1) صحيح البخاري رقم 3497 فضائل الصحابة.
(2) صحيح البخاري رقم 6781 كتاب الأحكام.
(3) صحيح البخاري رقم 3732.
257
يوم السادس عشر من يولية سنة 622 من الميلاد، وهي زمن هجرة النبي من مكة، وعلى
حسابه الطويل يكون عام 1421 من الهجري في عام 2000 من الميلاد. وهذا ينافي ما نقل
عن سلمان.
لا عبرة بأقوال الصحابة
(504) عن جابر: إنهم كانوا يوم الحديبية (1400).
وعن بن أبي أوفى: إن أصحاب الشجرة (1300).
وعن جابر أيضا: (1500).
فإذا كان هذا في المحسوسات فكيف بالحدسيات سهوا كان الاختلاف أو عمدا، فلا عبرة
بأقوال الصحابة والرواة. وقد أشرنا إلى جملة من موارد اختلافهم فيما سبق وهي كثيرة،
وسيأتي أيضا.
خدمة الفاجر للدين
(505) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم:... إن الله ليؤيد الدين بالرجل
الفاجر (1).
بريدة وعلي
(506) عن بريدة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت
أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلما قدمنا على النبي صلى
الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض عليا؟.
فقلت: نعم.
قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك (2).
أقول: ومن الظاهر عدم تطابق الحكم والعلة، فبريدة لم ينقل تمام



(1) صحيح البخاري رقم 3967.
(2) صحيح البخاري رقم 4093 كتاب المغازي.
258
كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وربما يأتي بعض ما يوضح المقام.
إمارة المرأة
507) عن أبي بكرة: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: لن يفلح قوم
ولوا أمرهم امرأة (1).
أقول: وأنت إذا ضممت هذا الحديث إلى ما يأتي عن قريب ذيل عنوان القاتل والمقتول في
النار تعلم كذب أبي بكرة لا محالة، فدقق النظر. وقيل إن أبي بكرة محدود من
القذف!!!
الخلافة وأهل البيت
(508) عن ابن عباس:... فأخذ بيده (بيد علي) عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله
بعد ثلاث عبد العصا (أي تابع لغيرك) وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا... اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلنسأله في من هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى
بنا.
فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا
يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله (2).
أقول: في الرواية تأمل.
عمل غير عقلائي عن النبي صلى الله عليه وسلم
(509) عن عائشة: لددناه في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا



(1) صحيح البخاري رقم 4163.
(2) صحيح البخاري رقم 4182 كتاب المغازي.
259
تلدوني... فلما أفاق... فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا
العباس، فإنه لم يشهدكم (1).
اللد: جعل الدواء في جانب فمه بغير اختيار، كما قيل.
أقول: فهل يصدق عقلك، صدور هذا العمل من النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أو تقول
إنه موضوع مكذوب، وهكذا يلعبون بمقام النبوة والتأريخ.
فاطمة في مرضه صلى الله عليه وسلم
(510) عن أنس: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها
السلام وا كرب أباه.
فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.
فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس
مأواه.... (2).
في نظر عمر
(511) عن ابن عباس: قال عمر أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي،
وذاك إن أبيا يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد
قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها) (3).
والذيل مجمل، فارجع إلى الشروح توضحه.
المتعة
(512) عن عمران بن حصين: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم، لم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال



(1) صحيح البخاري رقم 4189.
(2) صحيح البخاري رقم 4193 كتاب المغازي.
(3) صحيح البخاري رقم 4211 كتاب التفسير.
260
رجل برأيه ما شاء (1).
وسيأتي بعض الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
أبو ذر في منفاه
(513) عن زيد: مررت على أبي ذر بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟
قال كنا بالشام فقرأت: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب أليم).
قال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلا في أهل الكتاب.
قال: قلت: إنها لفينا وفيهم (2).
أقول: لباحث عاقل أن يسأل عن ناقلي هذه الرواية، إذا كان الاختلاف بين أبي ذر
ومعاوية بهذا الحد، فما هو الداعي للعنف ونفي أبي ذر من الشام إلى المدينة ثم منها
إلى الربذة بوضع مؤسف؟ وربما يتهم بعض الكتاب أبا ذر بأنه زل قدمه في تفسير
الآية إلى أن وقع في فخ الاشتراكية، والواقع أن النزاع لم يكن في مجرد شمول إطلاق
الآية على المسلمين وعدمه ولا في إلغاء الملكية الفردية، بل في عدم صرف بيت مال
المسلمين في المصالح العامة ومساعدة الفقراء، فإن معاوية يكنز المال في مخزنه
لمصالح حكومته وقومه، وأبو ذر كان يخالفه.
وفي شرح النووي على مسلم (3): وقال القاضي: الصحيح إن إنكاره إنما هو على
السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه



(1) صحيح البخاري رقم 4246 كتاب المغازي.
(2) صحيح البخاري رقم 4383 كتاب التفسير.
(3) ج 7: 77.
261
في وجوهه.
لكن النووي يعقبه بقوله: وهذا الذي قاله القاضي باطل، لأن السلاطين في زمنه لم
تكن هذه صفتهم ولم يخونوا في بيت المال، إنما كان في زمنه أبو بكر وعمر وعثمان.
أقول: إنكاره في الشام إنما كان على معاوية الذي يعلم كل عاقل غير أعمى القلب
حاله، وفي المدينة على عثمان رضي الله عنه، فإنه أنفق على بني أمية وحاشيته ما
هو معلوم. فكلام القاضي صحيح ثم إن لأبي ذر موقفا آخر في المدينة (1).
المادة الأصلية
(517) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:... ويبلى كل شئ من الإنسان
إلا عجب ذنبه، فيه يركب الخلق (2).
(518) وعنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم يأكله التراب إلا
عجب الذنب منه خلق وفيه يركب.
(519) وعنه أيضا: إنه صلى الله عليه وسلم قال: إن في الإنسان عظما لا تأكله
الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة.
قالوا: أي عظم هو يا رسول الله.
قال: عجب الذنب (3).
أقول: العجب - بفتح العين وإسكان الجيم - الأصل، أي أصل الذنب، وهو عظم لطيف في
أسفل الذنب، وهو رأس العصعص كما قيل.



(1) أنظر صحيح مسلم 7: 75 و 76 كتاب الترغيب في الصدقة.
(2) صحيح البخاري رقم 4536 كتاب التفسير.
(3) صحيح مسلم 18: 92.
262
ويقول السيوطي في شرحه على سنن النسائي: زاد ابن أبي الدنيا في كتاب البعث عن سعيد
بن أبي سعيد الخدري: قيل: يا رسول الله وما هو؟ قال: مثل حبة خردل (1).
فضل رجال من فارس
(517) عن أبي هريرة: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة
الجمعة: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: قلت: من هم يا رسول الله، فلم يراجعه
حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله يده على سلمان ثم قال: لو كان
الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء (2).
أقول: إذا ثبت نزول سورة الجمعة قبل غزوة خيبر، فيثبت كذب الحديث، لأن أبا هريرة
لحقه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر.
وفي حديث آخر: لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال من أبناء
فارس - حتى تناوله (3).
الوصية
(518) عن طلحة: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
لا.
فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص؟
قال أوصى بكتاب الله (4).



(1) سنن النسائي ج 4: 112.
(2) صحيح البخاري رقم 4615 التفسير.
(3) صحيح البخاري رقم ج 16: 106.
(4) صحيح البخاري رقم 4834 فضائل القرآن.
263
أقول: الجواب لا يطابق السؤال، فإن الوصية مكتوبة على المكلفين - ومنهم النبي صلى
الله عليه وسلم - في القرآن، والنبي له أموال وورثة وديون، وكانت درعه مرهونة عند
يهودي، فهل يرثه ورثته أم لا؟ وهذه غير وصية الناس بكتاب الله، فجواب عبد الله غلط
ولا بد أنه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى أحد، ثم إنه لو تكفي الأمة الوصية
بكتاب الله لم يحتج في مرض موته أن يطلب الكتاب ليكتب لهم ما لا يضلون بعده، ومع
ذلك أوصى بأمور في ذلك المجلس.
(519) عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا
بعيرا ولا شاة، ولا أوصى بشئ (1).
(520) عن حنش: رأيت عليا يضحي بكبشين، فقلت: ما هذا؟
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه (2).
(521) عن ابن عباس: إن رسول الله أوصى بثلاثة: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب،
وأجيزوا الوفد... وسكت عن الثالثة أو قال: أنسيتها (3)!!!
(522) عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنا مت فاغسلوني بسبع
قرب من بئري بئر غرس (4).
أقول: قول المنكر مستند إلى جهله ولا يعارض قول المثبت، وعلي وصي رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بعض الأمور.
(523) عن مسلم... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أني سأكتب لك
بالوصاة بعدي قال: ففعل وختم عليه ودفعه إلى...



(1) سنن أبي داود 3: 111.
(2) سنن أبي داود 3: 94 كتاب الضحايا.
(3) سنن أبي داود 3: 163 كتاب الخراج.
(4) سنن ابن ماجة رقم 1468 كتاب الجنائز.
264
أقول: وذكر ابن حجر الشافعي في رسالته التي ألفها للدفاع عن معاوية (تطهير اللسان
والجنان) حديثا آخر قال: وبسند فيه رجلان، قال الحافظ الهيثمي: لا أعرفهما، وبقية
رجاله ثقات، أن عمار بن ياسر أقبل يوم الجمل فنادى عائشة، فلما عرفته قالت: لهم:
قولوا له ما تريد؟
قال: أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسوله في بيتك أتعلمين أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم جعل عليا وصيا على أهله وفي أهله؟
قالت: اللهم نعم.
قال: فما بالك؟...
متعة النساء
(524) عن أبي حمزة: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له:
إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه.
فقال ابن عباس: نعم (1).
أقول: الذيل مفتعل ومردود، إذ بعد مشروعيتها لا مجال للقيد المذكور.
(525) عن محمد بن علي: أن عليا قال لابن عباس: أن النبي نهى عن المتعة وعن
لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (2).
أقول: من وقف على مذهب محمد بن علي وعلي بن أبي طالب في المتعة يجزم بأن هذا
الحديث مفتعل، على أن نهي النبي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن حكما شرعيا
دائميا، بل صدر مؤقتا - كما مر - ولا أقل من



(1) صحيح البخاري رقم 4826 كتاب النكاح.
(2) صحيح البخاري رقم 4825.
265
احتماله، فكذا في المتعة لوحدة السياق. ويدل عليه أن ابن عباس لم يرجع عن قوله
بحليتها.
(526) وعن جابر وسلمة قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا (1).
(527) وعن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة
ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا. فما أدري أشئ كان
لنا خاصة أم للناس عامة (الرقم السابق).
أقول: لا يحتمل اختصاص الحكم بفرد خاص وهو ظاهر. وستأتي بقية الأحاديث في المقصد
الثاني عن كتاب مسلم.
نزول آية الحجاب
اختلف أنس وعائشة - حسب روايات البخاري - في نزول آية الحجاب، فأنس يدعي أنها
نزلت في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب، وعائشة تقول إنها نزلت لقول
عمر، فلاحظ باب آية الحجاب في كتاب الاستئذان من البخاري.
علم حذيفة
(528) عن حذيفة: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى
قيام الساعة إلا ذكره! علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشئ وقد نسيت
فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه (2).
أقول: يعيبون على الشيعة في إثبات مثل هذا العلم لأئمتهم ويثبتونه



(1) صحيح البخاري رقم 4828.
(2) صحيح البخاري رقم 6230 كتاب القدر.
266
لجمع من الصحابة! والفارق هو العصبية.
حل اليمين
(529) عن ابن سمرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا حلفت على يمين فرأيت
غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك وات الذي هو خير (1).
أقول: يستفاد من الحديث أحكام فقهية في باب الأيمان.
بيعة أبي بكر فلتة والقرآن ناقص!
(530) عن ابن عباس:... لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي
بكر إلا فلتة، فتمت، فغضب عمر... فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها
وعقلناها... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم
فإنه كفر بكم... ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت
فلانا، فلا يغترن امرء أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها
كانت كذلك، ولكن وقى الله شرها... من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا
يتابع هو ولا الذي تابع تغرة أن يقتلا، وأنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه
صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف
عنا علي والزبير ومن معهما... فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها
المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط... فقلت: ابسط يدك يا أبا
بكر، فبسط يده فبايعته... (2
التعزير
(531) عن أبي بردة: كان النبي يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا



(1) صحيح البخاري رقم 6248 كتاب الأيمان والنذور.
(2) صحيح البخاري رقم 6442 كتاب الأيمان والنذور.
267
في حد من حدود الله (1).
وفي حديث آخر: لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد.
نجاسة آنية أهل الكتاب
(532) عن أبي ثعلبة... قال صلى الله عليه وسلم: أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن
وجدتهم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها (2).
تعليم الصلاة
(533) عن أبي هريرة... فقال صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء
ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا،
ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم
اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (3).
سب النبي صلى الله عليه وسلم قربة
(534) عن أبي هريرة: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم فأيما مؤمن
سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة (4).
أقول: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا وفحاشا وبذئ اللسان يسب الناس
بغير حق، بل هو على خلق عظيم، ولا أحسن وأكرم خلقا منه، فهو إنما يسب من يسبه
الله والملائكة والمؤمنون. وقال بعض الباحثين: إن أبا هريرة إنما وضع هذا الحديث
دفاعا عن بني أمية الذين لعنهم رسول الله،



(1) صحيح البخاري رقم 6456 كتاب المحاربين.
(2) صحيح البخاري رقم 5161 كتاب الصيد والذباحة، وانظر صحيح مسلم 13: 79.
(3) صحيح البخاري رقم 5897 كتاب الاستئذان.
(4) صحيح البخاري رقم 6000 كتاب الدعوات.
268
فعذرهم بهذا الافتراء، ولكنه لم يشعر بأنه إهانة للنبي الكريم صلى الله عليه
وسلم، فلعنة الله على من سبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(535) وعن عائشة: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان... فأغضباه فلعنهما
وسبهما... قال: أوما علمت ما شارطت عليه ربي، قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي
المسلمين لعنته أو سببته فاجعله زكاة وأجرا (1).
(536) وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنما أنا بشر
فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة (المصدر).
(537) عن ابن عباس كنت ألعب مع الصبيان... وقال صلى الله عليه وسلم: اذهب وادع لي
معاوية.
قال: فجئت فقلت: هو يأكل.
قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية.
قال: فجئت فقلت: هو يأكل.
فقال: لا أشبع الله بطنه (2).
أقول: هذا ونحوه أوجب وضع تلك الأحاديث دفاعا عن بني أمية.
القاتل والمقتول في النار
(538) عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل (أي ابن عم النبي صلى الله
عليه وسلم) فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟
قلت: أنصر هذا الرجل.
قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا التقى المسلمان



(1) صحيح مسلم 16: 150.
(2) صحيح مسلم 16: 155 - 156.
269
بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار.
قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟
قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه (1).
أقول: أبو بكرة لا يدري أو لا يريد أن يدري أن قتال البغاة خارج عن مدلول الحديث،
وإلا لكان الزبير وطلحة وعائشة ومن بصفهم ومن يقابلهم من أهل النار، ولنا قض
القرآن في قوله (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) والخوارج أولى بالعذر من
مقاتلي الجمل وصفين شبهة لكن ورد النص وتم الاتفاق على صحة قتالهم وحسنه، نعم علي
مظلوم حيث يكنى برجل أو بفلان، ولو شعر أبو بكرة بمفهوم كلامه في كون أصحاب علي في
النار لخجل! لكن السياسة أمر آخر. وعلى كل قال النبي: من حمل السلاح فليس منا
فهؤلاء البغاة ليسوا منا (2).
الرؤيا
(539) عن عبادة، عنه صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من 46 جزء من
النبوة (3). ورواه أبو هريرة وأنس والخدري.
عبد الله بن عمر وبيعة يزيد
(540) عن نافع: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال:
إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا
قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وأني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل
على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال،



(1) صحيح البخاري رقم 6481 كتاب الديات.
(2) صحيح البخاري رقم 6660 كتاب الفتن، وانظر ما ذكرناه في عنوان إمارة المرأة.
(3) صحيح البخاري رقم 6644 كتاب التعبير.
270
وأني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني
وبينه (1).
أقول: أنا أظن أن عبد الله قال ما قاله عن خوف أو طمع على خلاف ضميره وهو يعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى الخروج علي يزيد الفاجر غدرا بل غيرة
للإسلام، فويل له من مشهد يوم عظيم حيث لم يبايع عليا وبايع يزيد ويرى أنه بيع
الله ورسوله! وهل يقبل عقل عاقل أن يعتمد على أحاديث مثل هذا الرجل ونظرائه في
أمور دينه؟!
الدجال يحيي!
(541) عن أبي سعيد: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن
الدجال... فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم أحييته... فيقتله ثم يحييه (2).
وأقول أنا: سبحانك أنت المحيي لا غيرك. وهذا بهتان عظيم من الدجالين والبسطاء.
اثنا عشر أميرا
(542) عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم
أسمعها، فقال أبي أنه قال: كلهم من قريش (3).
أقول: سيأتي متون الحديث من كتاب مسلم في محله، وكل متتبع يعرف أن هذا المتن
مغير ومبدل وناقص، ولا نعرف فاعله - جزاه الله - ويظهر من بعض القرائن وجود حديث
آخر في هذا المعنى في كتاب البخاري، لكن يد الأمانة حذفته!



(1) صحيح البخاري رقم 6694 كتاب الفتن.
(2) صحيح البخاري رقم 6713 كتاب الفتن.
(3) صحيح البخاري رقم 6796 كتاب الأحكام.
271
الأخذ بسنن من مضى وتكرار التأريخ
(543) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تأخذ
أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر، وذراعا بذراع.
فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟
فقال: ومن الناس إلا أولئك (1).
(544) وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان
قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضب، تبعتموهم.
قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟
قال: فمن (2).
المنافقون
(545) عن حذيفة: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون.



(1) صحيح البخاري رقم 6888.
(2) صحيح البخاري رقم 6889 وانظر صحيح مسلم 16: 219 - 226.
272
المقصد الثاني
حول أحاديث صحيح
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري (1)



(1) بنو قشيرة قبيلة من العرب.
273
قيل إن أحاديث كتابه بمكرراتها تبلغ 7422 حديثا انتخبها من (300000) حديث، ومن
جملة شيوخه أحمد بن حنبل، ومن جملة من روى عنه الترمذي، وتوفي بنيسابور سنة 261،
وهو ابن 55 سنة، فتكون ولادته في سنة 206. والموجود عندي من نسخة الكتاب هي ما طبعت
في ستة مجلدات (16 جزء) باشتراك مكتبة الغزالي بدمشق ومؤسسة مناهل العرفان ببيروت،
وبهامشها شرح يحيى بن شرف الشافعي النووي (676 - 631).
ينبغي التنبيه على أمور
(الأول): إني لا أذكر كل حديث في هذا الكتاب وفي كتاب البخاري وفي جميع الصحاح
فيه اعتراض وإشكال، بل أتعرض لبعض ما يهمني نقدا أو توضيحا ولأجله سميت كتابي
ب‍: (نظرة عابرة إلى الصحاح الستة) لا ب‍: نظرة شاملة أو مستوعبة. وعلى هذا فليس
ما لم أذكره من الأحاديث سالما كله عن الاعتراض والانتقاد.
(الثاني): إني لا أتعرض لأحاديث مسلم وغيره إذا ذكرتها في البخاري إلا نادرا
أو غفلة، وهذه الأحاديث المشتركة كثيرة.
(الثالث): نقل النووي عن أبي عمرو بن الصلاح أنه قال: شرط مسلم رحمه الله في
صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما
من الشذوذ والعلة، قال: وهذا حد الصحيح، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح
بلا خلاف بين أهل الحديث.
أقول: ومعناه - كما صرحوا به - أن الاختلاف الواقع في بعض الرواة إنما هو لأجل
الاختلاف في التطبيق لا في الضابطة مثلا يرى البخاري أن

275
الضابطة المذكورة تطبق على عكرمة فينقل عنه، ويرى مسلم أنها لا تطبق عليه فلا
ينقل عنه.
(الرابع): يقول النووي: أن البخاري بقي في تهذيب كتابه وانتقائه ستة عشرة سنة،
ومما يرجح به كتاب البخاري (على كتاب مسلم) أن مسلما رحمه الله كان مذهبه - بل
نقل الإجماع في أول صحيحه - أن الإسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت، بمجرد كون
المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وإن لم يثبت اجتماعهما. والبخاري لا يحمله
على الاتصال حتى يثبت اجتماعها (1).
وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولا من حيث إنه جعل لكل حديث
موضعا واحدا يليق به، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه أسانيده
المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها... بخلاف
البخاري فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة.
(الخامس): يقول الحاكم النيسابوري في محكي كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك: عدد
من خرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم 434 شيخا، وعدد من احتج
بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح 625 شيخا.
أقول: بناءا عليه، فلم تكن أحاديث البخاري كلها بمعتبرة عند مسلم، ولا أحاديث
مسلم كلها بمعتبرة عند البخاري، فكيف يقولون إن أحاديثهما



(1) ولا أظن أن البخاري أحرز هذا الشرط في جميع أحاديثه، ثم أن مجرد إحراز الجمع
بينهما في وقت لا يكفي لإعطاء حكم الموصول بسمعت في كل ما يروي المعنعن عن المعنعن
عنه، كما لا يخفى على الخبير. فلم يبق لترجيح البخاري على مسلم سوى الشهرة عند
الناس.
276
معتبرة عند الجميع، فلا بد في الحكم بحجية كل حديث من البحث والدقة في سنده أولا
وفي متنه ثانيا، وإياك والاغترار فإن سرعة الاسترسال لا تستقال.
(السادس): ادعى مسلم في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كل شئ
صحيح عندي وضعته ههنا - يعني في كتابه هذا الصحيح - وإنما وضعت ههنا ما أجمعوا
عليه. وأورد عليه أنه وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها، لكونها خرجت ممن
اختلفوا في صحة حديثه!
وأجاب الحاكم المذكور بوجهين: أحدهما: إن مراده أنه لم يضع فيه إلا ما وجد عنده
فيه شروط الصحيح المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعض الأحاديث عند بعضهم.
وثانيهما: إنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو
إسنادا، ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من
كلامه، فإنه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة: فإذا قرأ فانصتوا. هل هو صحيح؟
فقال: هو عندي صحيح، فقيل: لم لم تضعه ههنا: فأجاب بالكلام المذكور.
ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها لصحتها عنده، وفي
ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر، وقد استدركت وعللت. انتهى كلامه.
(السابع): ادعى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أن جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته
في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما
حكم البخاري بصحته في ذلك، واستدل عليه بأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا
يعتد بخلافه في الإجماع.
وأورد عليه، بأن تلقي القبول لأجل وجوب العمل بالظن وبالحجة

277
بحسب الظاهر لا لأجل قطعهم بالصدور عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وهذا
واضح، مع أنه لا يختص بالكتابين، بل يجري في كل الأحاديث المعتبرة.
لا يقال إن الأمة ظنت بصحة أحاديثهما وظن المعصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة
في إجماعها معصومة من الخطأ، فإنه يقال معقد إجماع الأمة الظن بالصحة وهذا مقطوع
لا شك فيه، ولا يصح لأحد أن يقول لعل الظن بصدورها غير حاصل وإنما الحاصل هو
مجرد احتمال الصحة وتخيلها، ففي هذا القول مغالطة، ويرشدك إلى صحة الجواب أن عصمة
الأمة من الخطأ لا تفوق عصمة نبيها صلى الله عليه وسلم منه، فلو قال النبي صلى
الله عليه وسلم إني أظن بالغروب مثلا فهل يمكن لنا ادعاء القطع بالغروب بحجة أن
ظن المعصوم لا يخطأ؟ على أن في الصحيحين أحاديث متعارضة متضاربة، فكيف يمكن دعوى
القطع بصحتها، بل القطع حاصل بكذب أحد المتعارضين، وهناك أحاديث مختلفة الألفاظ
لأجل النقل بالمعنى أو لأجل الغفلة والنسيان للبعد بين زمن التدوين والتحديث وغير
ذلك، وهناك أحاديث مخالفة للتأريخ أو للعقل، فالصحيح أن يقال أن مجموع أحاديثهما
مظنون الصدق لا جميعها.
ثم إن عصمة الأمة من الخطأ لم تثبت بدليل قاطع، فكيف يحصل القطع بمدلوله؟ وهنا
شئ آخر هو أن الأمة - سوى علمائهم المحققين - غافلون عن هذه المسائل النظرية،
والغافل ليس بشاك ولا بظان ولا بقاطع وجازم، فإن هذه من حالات الملتفت، فليست
الأمة ظانون بصحة الروايات إلا معلقا وعلى تقدير تفهيمهم، وهذا إجماع تعليقي
وتقديري غير فعلي فليس بحجة. واليوم جماعات من العلماء الباحثين المتعمقين المدققين
لا يسلمون بوجوب العمل بأحاديث الكتابين، وعلى كل القول بحصول القطع

278
بصحتها زور وغلو وإضلال.
وعن إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما
حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته، لإجماع
علماء المسلمين على صحتهما، واستثنى بعضهم ما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه
الحفاظ، لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول.
أقول: قد عرفت جوابه، وأورد عليه النووي أيضا: بأنه خلاف ما قاله المحققون
والأكثرون، فإنهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن،
فإنها آحاد والآحاد تفيد الظن، ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما، وتلقي الأمة
بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما، وهذا متفق عليه، فإن أخبار الآحاد
التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن، وإنما يفترق
وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما لا يحتاج إلى النظر، بل يجب العمل بهما مطلقا
وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح. الخ.
أقول: والفرق ممنوع، ونظر شخصين لا يكون حجة تعبدية على غيرهما. ويجب على المسلم
الاجتناب عن هذه المبالغات الجزافية.
(الثامن): عن أبي عمرو: إن كتاب مسلم أربعة آلاف حديث دون المكررات، وكذا كتاب
البخاري.
أقول: مر ما يخالف هذا الادعاء.
(التاسع): استدرك جماعة - كالحافظ علي بن عمر الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي
علي العناني الجياني - على أحاديث أخل البخاري ومسلم بشرطهما فيها ونزلت عن درجة
ما التزماه، وذكر الدارقطني مائتي حديث مما في الكتابين.

279
(العاشر): وحيث إن توهم كون أحاديث البخاري ومسلم مقطوعا بصحتها مشهور بين أهل
العلم المغالين والمحدثين الغافلين، وله آثار عميقة مضرة على شريعة سيد المرسلين
صلى الله عليه وسلم وأضل كثيرا من الناس، فلا بد من قطع جذوره بأتقن وجه، وأن
الأمة لم تجتمع على صحتها كما يتخيلون، فلا بد أن نقف لحظات لنسمع ما يقول
الجزائري في كتاب توجيه النظر في رد قول ابن الصلاح: إن الأمة تلقت أحاديث
البخاري ومسلم بالقبول، وها إليك كلامه: إنه لم يبين ماذا أراد بالأمة! ولا
ماذا أراد بتلقيها إياهما بالقبول! وقد كان عليه أن يبين ذلك حتى لا تذهب العقول
والأفهام في ذلك كل مذهب.
فإذا أراد بالأمة كل الأمة فلا يخفى فساده، لأن الكتابين إنما حسنا في
المئة الثالثة بعد عصر البخاري وأئمة المذاهب المتبعة، وإن أراد بعضها - وهم من وجد
بعد الكتابين - فهم بعض الأمة فلا يستقيم دليله، وإن أراد بالأمة علماءهم - وهو
الظاهر - فإن العلماء في هذا الأمر ثلاثة أقسام:
المتكلمون، والفقهاء، والنحويون، على أن العلماء الذين ينطبق عليهم هذا الوصف
إنما هم الذين جاءوا بعد ظهور هذين الكتابين، في القرن الثالث الهجري، أما من
قبلهم من أهل القرون الأولى الذين جاء فيهم حديث رفعوه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم بأنهم خير القرون! فهم جميعا لم يروا هذين الكتابين حتى كان يعلم رأيهم
فيهما، ولا كيف تلقوهما! ولنعد إلى العلماء الذين جاءوا بعد هذين الكتابين لنرى
موقفهم منهما، وبماذا قابلوهما!
أما المتكلمون: فقد عرف من حالهم أنهم يردون كل حديث يخالف ما ذهبوا إليه، ولو
كان من الأمور الظنية، فإذا أورد عليهم من ذلك حديث صحيح عند المحدثين أولوه،
إن وجدوا تأويله قريب المأخذ، أو ردوه مكتفين بقولهم: هذا من أخبار الآحاد وهي لا
تفيد غير

280
الظن، ولا يجوز البناء على الظن في المطالب الكلامية، ذلك بأن الأساس في علم
الكلام هو دائما أن (الدلائل النقلية لا تفيد اليقين) (1)، فمن ذلك حديث: تحاجت
الجنة والنار، فقالت النار: أؤثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا
يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم!
قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي! وقال للنار:
إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي.
ولكل واحدة منهما ماؤها، فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول، قط، قط،
قط، فهنالك تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا،
وأما الجنة، فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا... إلى آخره. وهذا الحديث متفق
عليه أخرجه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة، بلفظ: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما -
الحديث - وفيه أنه ينشئ للنار خلقا.
وفي رواية لمسلم (حتى يضع الله رجله)، وذهب المحققون إلى أن الراوي أراد أن يذكر
الجنة فذهل فسبق لسانه إلى النار.
فهذا الحديث ونظائره - وهي كثيرة - يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلا عن أن
يجزم بذلك! وإذا الجئ إلى القول بصحتها لم يأل جهدا في تأويلها، ولو على وجه لا
يساعد اللفظ عليه بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن، وقد نشأت
بسبب ذلك عداوة شديدة بين المتكلمين والمحدثين، يعرفها من نظر في كتب التأريخ، حتى
أن المتكلمين سموا جمهور المحدثين بالمشبهة، والمحدثين سموهم بالمعطلة.
الفقهاء:
وأما الفقهاء، فقد عرف من حالهم أنهم يؤولون كل حديث يخالف ما ذهب إليه علماء
مذهبهم - ولو كان من المتأخرين - أو يعارضون الحديث



(1) المواقف للإيجي والجرجاني ص 79 طبعة استانبول.
281
بحديث آخر - ولو كان غير معروف عند أئمة الحديث - والحديث الذي عارضوه ثابتا في
الصحيحين، بل مما أخرجه أصحاب الكتب الستة. ومن نظر في شروح الصحيحين اتضح له
الأمر، وقد ترك بعضهم المجاملة للمحدثين، فصرح بأن ترجيح الصحيحين على غيرهما
ترجيح من غير مرجح، والذين جاملوا اكتفوا بدلالة الحال. وقد أشار إلى ذلك العز بن
عبد السلام في (كتاب القواعد) فقال:
ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد
لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة
الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظواهر الكتاب والسنة
ويتأولها التأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده، وقد رأيناهم يجتمعون في
المجالس، فإذا ذكر لأحدهم خلاف ما وطن نفسه عليه، تعجب منه غاية العجب من غير
استرواح إلى دليل، بل لما ألفه من تقليد إمامه، ولو تدبره لكان تعجبه من مذهب
إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره! فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر
من غير فائدة 3 يجديها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره!
بل يصر عليه مع علمه بضعفه وبعده. فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم
عن تمشية مذهب إمامه، قال: لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه، ولم اهتد إليه، ولا
يعلم المسكين أن هذا مقابل بمثله ويفضل لخصمه ما ذكر من الدليل الواضح والبرهان
اللائح، فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره، حتى حمله على مثل ما ذكرته.
وفقنا الله لاتباع الحق أين كان وعلى لسان من ظهر. انتهى كلام العز.

282
وقد ختم الجزائري رحمه الله هذا البحث (بتنبيه) مهم قال فيه - تعليقا على نقدهم
لحديث (تحاج الجنة والنار) من أن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر -:
ومن الغريب في ذلك محاولة بعض الأغمار ممن ليس له إلمام بهذا الفن لا من جهة
الرواية ولا من جهة الدراية، لنسبة الغلط إليه كأنه ظن أن النقد قد سد بابه على
كل أحد أو ظن أن النقد من جهة المتن لا يسوغ لأنه يخشى أن يدخل منه أرباب
الأهواء، ولم يدر أن النقد إذا جرى على المنهج المعروف لم يستنكر، وقد وقع ذلك
لكثير من أئمة الحديث مثل الإسماعيلي فإنه بعد أن أورد حديث (يلقى إبراهيم أباه
آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة) - الحديث - قال: وهذا خبر في صحته نظر من جهة
أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد فقد يجعل ما بأبيه خزيا له، مع إخباره
أن الله قد وعده بأن لا يخزيه يوم يبعثون، وعلمه بأنه لا خلف لوعده. فانظر كيف
أعل المتن بما ذكره.
وقد قال بعض علماء الأصول: إن في الأحاديث ما لا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، وذلك لأنه لا يمكن حملها على ظاهرها لكونه على خلاف البرهان، وغير
ظاهرها بعيد عن فصاحته صلى الله عليه وسلم (1). انتهى ملخصا.
أقول: وإليك بقية الكلام في هذا المقام نقلا من كتاب أضواء على السنة المحمدية
كما نقلنا كلام الجزائري أيضا منه (2).
كلام مقلدة المذاهب
وبعد أن فرغنا من كلام الذين ردوا على ابن الصلاح نأتي بطائفة من القول في أمر
مقلدة المذاهب وموقفهم من الحديث ليكون تماما على ما



(1) توجيه النظر: 130، 131، 136، 137 وما بعدها.
(2) أنظر الكتاب المذكور: 263 - 283.
283
قاله العز بن عبد السلام آنفا.
من المعروف الذي لا خلاف فيه أنك تجد الحديث يعمل به الحنفي لشهرته ثم يأتي
الشافعي فيرفضه لضعف في سنده! وتجد المالكي يترك الحديث لأن العمل جرى على خلافه،
ويعمل به الشافعي لقوة في سنده على ما رأى، وهكذا.
وفي مرآة الأصول وشرحها مرقاة الوصول: من أصول الحنفية يرحمهم الله في بحث حال
الراوي وهو: إن عرف بالرواية، فإن كان فقيها تقبل منه الرواية مطلقا، سواء وافق
القياس أو خالفه، وإن لم يكن فقيها - كأبي هريرة وأنس رضي الله عنهما - فترد
روايته إن لم يوافق الحديث الذي رواه.
ومن العلماء من قال: لا تقبل رواية الأخبار عن رسول الله إلا إذا كانت خبر عامة
عن عامة، أو اتفق علماء الأمصار على العمل بها، وهذا الطريق هو الذي يميل إليه
فقهاء العراق - أبو حنيفة وأصحابه - وقد أوضح هذا الأمر الإمام أبو يوسف صاحب أبي
حنيفة في كتابه الذي ألفه عن الأوزاعي. وجاء في كتاب (الأم) للإمام الشافعي نقل
هذا القول عن أبي يوسف تلميذ الشافعي حيث قال:
فعليك من الحديث بما تعرفه العامة (1) وإياك والشاذ منه، فإنه حدثنا ابن أبي
كريمة، عن جعفر، عن رسول الله: إنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى،
فصعد المنبر فخطب الناس فقال:
إن الحديث سيفشو علي، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني،



(1) يريد بالعامة الجمهور، لا مقابل الخاصة.
284
وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني. وكان عمر - فيما بلغنا - لا يقبل الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا
يقبل الحديث عن رسول الله، والرواية تزداد كثرة ويخرج منها ما لا يعرف ولا يعرفه
أهل الفقه، ولا يوافق الكتاب ولا السنة، فإياك وشاذ الحديث، وعليك بما عليه
الجماعة من الحديث وما يعرفه الفقهاء، وما يوافق الكتاب والسنة (1)، فقس الأشياء
على ذلك، فما خالف القرآن فليس عن رسول الله وإن جاءت به الرواية. وحدثنا الثقة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: إني لأحرم - وفي
رواية: لا أحرم - إلا ما حرم القرآن، والله لا يمسكون علي بشئ (2). فاجعل
القرآن والسنة المعروفة لك إماما وقائدا، واتبع ذلك، وقس عليه ما يرد عليك مما
لم يوضح لك في القرآن والسنة. انتهى.
وقال الإمام علم الدين الفلاني المالكي في كتابه إيقاظ الهمم (3):
ترى بعض الناس إذا وجد حديثا يوافق مذهبه فرح به وانقاد له وسلم، وإن وجد حديثا
صحيحا سالما من النسخ والمعارض مؤيدا لمذهب غير إمامه فتح باب الاحتمالات
البعيدة، وضرب عنه الصفح والعارض، ويلتمس لمذهب إمامه أوجها من الترجيح مع مخالفته
للصحابة والتابعين والنص الصريح.. وإن عجز عن ذلك كله ادعى النسخ (4) بلا دليل، أو
الخصوصية أو عدم العمل به أو غير ذلك، مما يحضر ذهنه العليل،



(1) السنة هي السنة العملية، وما كانت تعرف عندهم إلا بذلك.
(2) أنظر سيرة ابن هشام 332 ج 4.
(3) قواعد التحديث ص 72.
(4) قال الزهري: أعيا الفقهاء وعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله ومنسوخه.
285
وإن عجز عن ذلك كله ادعى أن إمامه اطلع على كل مروي أو جله، فما ترك هذا
الحديث الشريف إلا وقد اطلع على طعن فيه برأيه المنيف فيتخذ علماء مذهبه أربابا،
ويفتح لمناقبهم وكراماتهم أبوابا، ويعتقد أن كل من خالف ذلك لم يوافق صوابا،
وإن نصحه أحد من علماء السنة اتخذه عدوا ولو كانوا قبل ذلك أحبابا!
رأي مالك وأصحابه
ورأي الإمام ملك وأصحابه أنهم يقولون: تثبت السنة من وجهين:
أحدهما: أن تجد الأئمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا بما يوافقها.
الثاني: ألا نجد الناس اختلفوا فيها.
وقد كان رضي الله عنه يراعي كل المراعاة العمل المستمر الأكثر ويترك ما سوى ذلك،
وإن جاء فيه أحاديث، وقال: أحب الأحاديث إلي ما اجتمع الناس عليه.
ولنعد إلى ما نحن بصدده:
قال الشاطبي في الموافقات (1): قال الإمام مالك في حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب
سبعا: جاء هذا الحديث ولا أدري ما حقيقته! وكان يضعفه ويقول: يؤكل صيده فكيف يكره
لعابه؟ وأهمل مالك كذلك اعتبار حديث: من مات وعليه صوم صام عنه وليه (2) وذلك
للأصل القرآني: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (3).
وقال ابن العربي: إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعدة من قواعد الشرع، فهل يجوز
العمل به أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يجوز العمل به،



(1) الموافقات 3: 21 وما بعدها.
(2) رواه الشيخان وأبو داود.
(3) الأنعام 6: 164.
286
وقال الشافعي: يجوز، وقال مالك: إن الحديث إذا عضدته قاعدة قال به، وإن كان وحده
تركه كما في حديث ولوغ الكلب، لأن هذا الحديث عارض أصلين عظيمين، أحدهما: قوله
تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (1)، والثاني: إن علة الطهارة (الحياة) وهي قائمة
بالكلب، ونهى عن صيام ست من شوال - مع ثبوت الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود
والنسائي - وهو: من صام رمضان واتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر رد ذلك
تعويلا على أصل سد الذرائع.
ومذهب أبي حنيفة، أن خبر الواحد إذا ورد على خلاف القياس لم يقبل، ولهذا لم
يقبلوا حديث المصراة.
وكان الطحاوي (2) إمام الحنفية مجتهدا في المذهب يخالف أبا حنيفة عند قيام الدليل،
وينقد الحديث نقد معنى وإن صح السند في نظر المحدثين.
بين الأوزاعي وأبي حنيفة
ذكر ابن الهمام أن الأوزاعي قال: ما لكم لا ترفعون الأيدي عند الركوع والرفع
منه؟ فقال: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئ..
فقال الأوزاعي: كيف لم يصح وقد حدثني الزهري، عن سالم، عن أبيه ابن عمر: أن رسول
الله كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه.
فقال أبو حنيفة: حدثنا حماد، عن إبراهيم (أي النخعي)، عن



(1) المائدة 5: 4.
(2) هو أبو جعفر الطحاوي تفقه على خاله المزني صاحب الشافعي، ألف معاني القرآن
ومشكل الآثار وغيرهما، عاش من سنة 229 ه‍ إلى سنة 321 ه‍.
287
علقمة، والأسود، عن عبد الله ابن مسعود: إن النبي كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح
الصلاة ثم لا يعود.
فقال الأوزاعي: أحدثك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه وتقول حدثني حماد، عن
إبراهيم!
فقال أبو حنيفة: كان حماد أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون ابن عمر في الفقه، وإن
كان لابن عمر فضل صحبته فالأسود له فضل كثير.
وقال حافظ المغرب في الانتقاء (1):
إن كثيرا من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيرا من أخبار
الآحاد العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث
ومعاني القرآن فما شذ عن ذلك رده وسماه شاذا.
وقال الثوري: كان أبو حنيفة شديد الأخذ للعلم، ذابا عن حرم الله أن تستحل، يأخذ
بما صح عنده من الأحاديث التي كان يحملها الثقات، وبالأخير من فعل رسول الله وبما
أدرك عليه علماء الكوفة.
وكان الأوزاعي يقول: إنا لا ننقم على أبي حنيفة إنه رأى (2)، كلنا يرى، ولكننا
ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره (3).
هذا ولا يزال أبو حنيفة إلى يوم القيامة بين الأئمة، هو الإمام الأعظم وأتباعه
يملأون مشارق الأرض ومغاربها، ولا يستطيع أحد أن يشك في



(1) الانتقاء: 149.
(2) كان أبو حنيفة إمام أهل الرأي.
(3) تأويل مختلف الحديث: 63.
288
إسلامهم، أو يطعن في عبادتهم، هذا وقد أحصى ابن القيم في أعلام الموقعين حوالي مائة
حديث لم يأخذ بها مقلدة الفقهاء، وذلك من الكتب المعتبرة عن أهل السنة.
وذكر سبط ابن الجوزي جملة أحاديث من أحاديث الصحيحين لم يأخذ بها الشافعية لما
ترجح عندهم مما يخالفها، وكذا بقية المذاهب.
وأخرج الخطيب عن أبي صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على
رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر.
وأخرج عن وكيع قال: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث.
وأخرج أيضا عن حماد بن سلمة من طريقين قال: إن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن
فردها برأيه (1).
ما اختلف فيه أقوال الفقهاء
مما اختلف فيه أقوال الفقهاء لأخذ كل واحد منهم بحديث مفرد اتصل به، ولم يتصل
به سواه، ما روي عن عبد الوارث بن سعيد (2) أنه قال: قدمت مكة فألفيت بها أبا
حنيفة، فقلت له: ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا؟
فقال: البيع باطل والشرط باطل!
فأتيت ابن أبي ليلى فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط باطل.
فأتيت ابن شبرمة فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز. فقلت في نفسي،
سبحان الله، ثلاثة من فقهاء العراق لا يتفقون على مسألة!



(1) تاريخ بغداد 13 390 - 391.
(2) في نسخة: الليث بن سعد.
289
فعدت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: نهى رسول الله عن بيع وشرط. فالبيع باطل والشرط
باطل.
فعدت إلى ابن أبي ليلى فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة (رض) قالت: أمرني رسول الله أن أشتري بريرة
فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل.
قال: فعدت إلى ابن شبرمة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك،
حدثني مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار، عن جابر قال: بعت النبي صلى الله عليه وسلم
بعيرا وشرط لي حملانه إلى المدينة. البيع جائز والشرط جائز.
ونكتفي بهذا القدر لأن الأدلة كثيرة تملأ مجلدا برأسه.
علماء النحو واللغة
مر بك أن علماء الأمة قد انقسموا في تلقي الحديث إلى ثلاثة أقسام: المتكلمون
والأصوليون - والفقهاء - والمحدثون، ولكي نستوفي هذا البحث نذكر كذلك موقف علماء
النحو واللغة فإنهم لم يجعلوا الحديث من شواهدهم في إثبات اللغة وقواعد النحو، ذكر
السيوطي في كتابه الاقتراح في أصول النحو:
وأما كلامه صلى الله عليه وسلم فيستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي
وذلك نادر جدا، وإنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضا، فإن غالب
الأحاديث مروي بالمعنى، وقد تداولها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما
أدت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وأبدلوا ألفاظا بألفاظ، ولهذا
نرى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على

290
أوجه شتى بعبارات مختلفة. ومن ثم أنكر على ابن ملك إثباته القواعد النحوية
بالألفاظ الواردة في الحديث.
وقال أبو حيان في شرح التسهيل - يرد على ابن مالك الذي جوز الاستشهاد بالحديث وهو
صاحب الألفية المشهورة -:
قد أكثر المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في
لسان العرب، وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره، على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن
العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء،
وعلي بن مبارك الأحمر، وهشام بن الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك، وتبعهم
على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد وأهل
الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ترك العلماء
ذلك لعدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ لو وثقوا بذلك لجرى
مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية، وإنما كان ذلك لأمرين:
أحدهما: إن الرواة جوزا النقل بالمعنى، فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله
عليه وسلم ولم تنقل بتلك الألفاظ جميعها، نحو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:
زوجتكها بما معك من القرآن وملكتكها بما معك وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه
القصة، فتعلم يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا
نجزم بأنه قال بعضها، إذا يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها، فأتت
الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه، إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع
وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ والضابط منهم من

291
ضبط المعنى، وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال، وقد قال
سفيان الثوري: إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى. ومن
نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم يروون بالمعنى.
الثاني: إنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث، لأن كثيرا من الرواة كانوا
غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا
يعلمون ذلك، وثم طوائف أخرى وقفت من الحديث مواقف مختلفة كالشيعة والزيدية والخوارج
وغيرهم، ولكل قوم سنة وإمامها.
فأما الشيعة وبخاصة الإمامية: فإنهم لا يعتبرون من الأحاديث إلا ما صح لهم من
طرق أهل البيت عن جدهم، يعني ما رواه الصادق (جعفر)، عن أبيه الباقر، عن أبيه زين
العابدين، عن الحسين السبط، عن أبيه أمير المؤمنين، عن رسول الله سلام الله عليهم
جميعا، أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن الحكم وعمران بن حطان
وعمرو بن العاص ونظرائهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة (1).
وأما الخوارج (2): فإنهم اقتصروا من الحديث على من يتولونه من الصحابة، فالأحاديث
المقبولة عندهم هي ما خرجت للناس قبل الفتنة (3)، أما ما بعدها فإنهم نابذوا
الجمهور كله لأنهم اتبعوا أئمة الجور - بزعمهم -



(1) ص 149 من كتاب أصل الشيعة وأصولها للعلامة محمد الحسين آل كاشف الغطاء -
الطبعة العاشرة.
(2) هم الذين خرجوا على علي 2.
(3) ومن الذي يستطيع أن يميز ما خرج قبل الفتنة مما خرج بعدها.
292
فلم يصبحوا بذلك أهلا لثقتهم.
رأي الإمام محمد عبده رحمه الله
كان الأستاذ الإمام محمد عبده لا يأخذ بحديث الآحاد مهما بلغت درجته من الصحة في
نظر المحدثين، إذا ما خالف العقل أو القرآن أو العلم، وإليك طرفا من أقواله في
ذلك: قال رحمه الله - وهو يتكلم عن سحر النبي - ما يأتي:
وقال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها: إن الخبر
بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح (1) فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق من بدع
المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر، وقد جاء القرآن بصحة السحر!! فانظر كيف ينقلب
الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلدين بدعة! نعوذ بالله! يحتج بالقرآن على
ثبوت السحر! ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وسلم وعده من افتراء
المشركين عليه، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك! مع أن الذي قصده المشركون ظاهر،
لأنهم كانوا يقولون إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف
بالسحر عندهم وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد (2) فإنه قد
خالط عقله وادراكه في زعمهم!
والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى
الله عليه وسلم، فهو الذي يجب الاعتقاد به بما يثبته، وعدم الاعتقاد بما ينفيه،
وقد جاء بنفي السحر عنه عليه السلام، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى
المشركين أعدائه ووبخهم على زعمهم هذا، فإذا هو ليس



(1) حديث السحر رواه أحمد والشيخان والنسائي.
(2) لبيد بن الأعصم الذي قالوا بأنه سحر النبي (ص).
293
بمسحور قطعا.
حديث السحر من الآحاد
وأما الحديث - فعلى فرض صحته - هو حديث آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب
العقائد، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ في نفيها
عنه إلا باليقين ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون! على أن الحديث الذي يصل
إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده، أما من قامت له الأدلة
على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة، وعلى أي حال، فلنا بل علينا أن نفوض
الأمر في الحديث ولا نحكمه في عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل، فإنه إذا
خولط النبي في عقله - كما زعموا - جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئا وهو لم
يبلغه، أو أن شيئا ينزل عليه وهو لم ينزل عليه، والأمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان
- إلى أن قال رحمه الله -: ما أضر المحب الجاهل، وما أشد خطره على من يظن أنه
يحبه، نعوذ بالله من الخذلان، على أن نافي السحر بالمرة لا يجوز أن يعد مبتدعا،
لأن الله تعالى ذكر ما يعتقد به المؤمنون في قوله: (آمن الرسول) الآية، وفي غيرها
من الآيات، ووردت الأوامر بما يجب على المسلم أن يؤمن به حتى يكون مسلما ولم يأت
في شئ ذكر السحر..
وقال: ولو كان هؤلاء يقدرون الكتاب قدره، ويعرفون من اللغة ما يكفي لعاقل أن
يتكلم ما هذروا هذا الهذر، ولا وصموا الإسلام بهذه الوصمة، لكن من تعود القول
بالمحال لا يمكن الكلام معه بحال، نعوذ بالله من الخبال.
وسحر النبي قد نفاه من المتقدمين - غير الأستاذ الإمام - الجصاص

294
في تفسيره.
وقد رد الأستاذ الإمام كذلك أحاديث كثيرة في أمور اعتقادية وغير اعتقادية كحديث
الغرانيق وحديث زينب بنت جحش وغيرهما مما لا نستطيع إيراد أقواله فيها هنا.
رأي السيد رشيد رضا
نختتم هذا الموضوع بكلمة قيمة للعلامة السيد رشيد رضا رحمه الله:
إن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة على من تثبت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة
على غيره يلزم العمل بها، ولذلك لم يكن الصحابة يكتبون جميع ما سمعوا من الأحاديث
ويدعون إليها، مع دعوتهم إلى اتباع القرآن والعمل به وبالسنة العملية المتبعة
المبينة له إلا قليلا من بيان السنة كصحيفة علي رضي الله عنه المشتملة على بعض
الأحكام كالدية وفكاك الأسير وتحريم المدينة كمكة، ولم يرض الإمام مالك من
الخليفتين المنصور والرشيد أن يحمل الناس على العمل بكتبه حتى الموطأ، وإنما يجب
العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة، وعلى من وثق برواية أحد وفهمه
لشئ منها أن يأخذ عنه، ولكن لا يجعل ذلك تشريعا عاما.
ومن بلغه حديث وثبت عنده وجب عليه العمل به، ومن خالف بعض الأحاديث لعدم ثبوتها
عنده، أو لعدم العلم بها فهو معذور، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، وإنما
يؤخذ بها في الأحكام الفرعية، لأن العقائد دلائلها الأخبار المتواترة.
وكل من ظهر له علة في رواية حديث فلم يصدق رفعه لأجلها، فهو معذور كذلك، ولا يصح
أن يقال في حقه إنه مكذب لحديث كذا.
وهي تفيد الظن، والأمة لم تتعبد إلا بخبر يغلب على الظن صدقه،

295
حتى جعلوا من قواعدهم: يقع الحكم بالظن الغالب، ولا يلزم من ظنهم صحته، صحته في نفس
الأمر، ومن القواعد الجليلة المتفق عليها عند علماء الأصول: أن طروء الاحتمال في
المرفوع من وقائع الأحوال، يكسوها ثوب الإجمال، فيسقط به الاستدلال.
خاتمة المقدمة
وقال الذهبي - في كتابه بيان زغل العلم والطلب عن علم الحديث -: وأما المحدثون
فغالبهم لا يفهمون، ولا همة لهم في معرفة الحديث، ولا في التدين به... معذور سفيان
الثوري فيما يقول: لو كان الحديث خيرا لذهب كما ذهب الخبر (نص كلام سفيان: لو كان
هذا الحديث خيرا لنقص كما ينقص الخير، لكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر) صدق
والله! وأي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، أنت لا تفليه، ولا تبحث عن ناقليه، ولا
تدين الله تعالى به - إلى أن قال -: بالله خلونا فقد بقينا ضحكة لأولي العقول،
ينظرون إلينا ويقولون هؤلاء هم أهل الحديث!!
لطيفة
قيل إنه كان في سكة أبي بكر بن عياش كلب إذا رأى صاحب محبرة - أي من الذين يكتبون
الحديث - حمل عليه، فأطعمه أصحاب الحديث شيئا فقتلوه، فخرج أبو بكر فلما رآه
ميتا قال: إنا لله ذهب الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر!!
وعن شعبة بن الحجاج: وددت أني وقاد حمام ولم أعرف الحديث. وقال: ما من شئ أخوف
عندي أن يدخلني النار من الحديث.
اختلاف الأئمة
وعن ابن خلدون في مقدمته: إن الأئمة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار

296
من هذه الصناعة (علم الحديث) والإقلال، فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال بلغت روايته
إلى 17 حديثا أو نحوها، ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ وغايتها
300 حديث أو نحوها، وأحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده 50 ألف حديث... وإنما قلل من
قلل الرواية لأجل المطاعن التي تعترض فيها والعلل التي تعرض في طرقها لا سيما
والجرح مقدم عند الأكثر... (1) أقول: إذا عرفت هذا تعلم جيدا أن أحاديث الكتابين
على أقسام:
1 - منها ما هو مقطوع بكذبه، كالمخالف للقرآن والتأريخ القطعي وللعقل وأحد طرفي
المتعارضات وغير ذلك.
2 - ومنها ما هو مظنون الصحة.
3 - ومنها ما هو مظنون الكذب.
4 - ومنها ما هو مشكوك.
وكل عاقل وقف على ما ذكرنا في مقدمات الكتاب وفي هذا الأمر العاشر لا يتردد في
هذا التقسيم الرباعي، وأما تعيين مصداق هذه الأقسام فموكول إلى تتبع المتتبع
وتحقيق المحقق، نعم جملة من الأحاديث - لا بعينها - مقطوعة الصدور إذ لا يحتمل كذب
جميع ما في الكتابين، بل هذا العلم حاصل في كل كتاب من كتب الحديث لكن لا أثر لهذا
العلم الإجمالي، بل هو حاصل في أكثر الكتب المؤلفة للكفار والمسلمين، إذ لا يحتمل
كذب جميع ما في الكتاب - في أي موضوع كان بحثه - وقد يسمى هذا بالتواتر الإجمالي في
جانب التواتر اللفظي والتواتر المعنوي.
إذا تقرر ذلك فلنرجع إلى أصل المقصد وهو النظر إلى بعض أحاديث مسلم، ونذكر بعد
الحديث رقم الصفحة والجزء دون رقم الحديث. والله الموفق.



(1) مقدمة ابن خلدون: 444.
297
حول الحارث وجابر
(546) عن الشعبي قال: حدثني الحارث الأعور الهمداني وكان كذابا (1).
(547) عن إبراهيم: قال علقمة: قرأت القرآن في ثلاث سنين، فقال الحارث: القرآن هين،
الوحي أشد (2).
(548) وعنه: إن الحارث قال: تعلمت القرآن في سنتين والوحي في سنتين. أو قال:
الوحي في ثلاث سنين والقرآن في سنتين (3).
وفي شرح النووي عن القاضي عياض... لاحتماله الصواب، فقد فسر بعضهم الوحي بالكتاب
ومعرفة الخط قاله الخطابي يقال: أوحى ووحي إذا كتب، وعلى هذا ليس على الحارث في هذا
درك... ولكن لما عرف قبح مذهبه وغلوه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي رضي
الله عنه وسر النبي صلى الله عليه وسلم إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع غيره
عليه (4) بزعمهم سئ الظن بالحارث في هذا (5)...
أقول: فلا دليل على كذب الحارث سوى اعتقاده بما ذكر، ولأجله اعتمد عليه أبو داود
في سننه (6).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 98.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 99.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 99.
(4) قد صح وتقدم أن عليا أخبر عن صفات مقتول من رؤوس الخوارج فكان كما قال، وهذا
العلم لم يحصل له من عند نفسه بل سر أسره إليه رسول الله (ص) ولم يسر إلى غيره.
وتقدم أيضا في ص 263 دلالة الأحاديث على كونه وصيا للنبي (ص) في بعض الأمور،
وسيأتي أيضا.
(5) شرح النووي 1: 99.
(6) أنظر سنن أبي داود: حديث (2076) كتاب النكاح، وكذا ابن ماجة في موارد من سننه
أنظر رقم 483، وكتاب الطب برقم 3501 و 3533، وفي الزهد برقم 4154، وغير ذلك.
298
(549) وعن جرير: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، كان يؤمن بالرجعة (1).
(550) عن سفيان: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما
أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس.
فقيل له: وما أظهر؟
قال الإيمان بالرجعة (2).
(551) عن الجراح: يقول سمعت جابرا يقول عنده سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي
صلى الله عليه وسلم كلها (3).
وفي شرح النووي: أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي
الله عنه، المعروف بالباقر، لأنه بقر العلم أي شقه وفتحه، فعرف أصله وتمكن فيه.
(552) وعن سلام: يقول سمعت جابرا الجعفي يقول: عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم (4).
(553) وعن سفيان قال: سمعت رجلا سأل جابرا عن قوله عز وجل: (فلن أبرح الأرض
حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) (5) فقال جابر: لم يجئ تأويل
هذه.
قال سفيان: وكذب.
فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 101.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 102.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 102.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 103.
(5) يوسف 12: 80.
299
فقال: إن الرافضة تقول إن عليا في السحاب فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي
مناد من السماء - يريد عليا أنه ينادي: أخرجوا مع فلان - يقول جابر: فذا تأويل
هذه الآية... (1)
أقول: في شرح النووي عن الأصمعي وغيره: سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي
فتركوه (2).
وقال: الرجعة بفتح الراء، ونقل عن الأزهري وغيره لا يجوز فيها إلا الفتح، وحكي
الكسر أيضا. وأما رجعة المرأة المطلقة ففيها لغتان: الكسر والفتح.
واعلم أن في المقام أمورا:
(الأول): إن معظم علماء الشيعة الإمامية يقبلون روايات أهل السنة إذا كان رواتها
ثقات صادقين، بل يكتفي بعضهم بمجرد إثبات صدقهم ولا يتوقفون عن العمل بالروايات
المروية عن الصادقين لأجل كونهم من أهل السنة وهذا من أنصافهم وتجنبهم عن العصبية
الباطلة، وأما علماء أهل السنة ففي قبولهم روايات الشيعة إذا كانوا صادقين وثقات
اختلفوا على أقوال أضعفها عدم القبول مطلقا، كما يظهر من هذه الروايات المنقولة في
حق الحارث وجابر، مع أن جماعة من رواة البخاري ومسلم شيعة.
(الثاني): إن دعوى الوصية لا توجب فسقا وباطلا فإنها مما اختلف فيها الأنظار،
وقد تحقق أن القائل بها جماعة من الصحابة ولا دليل على إنكارها سوى العصبية. وكذا
دعوى إسرار النبي إلى علي الوحي وعلم الغيب وما لم يطلع عليه غيره لا يوجب الفسق إذ
لا دليل على بطلانها،



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 102.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 103.
300
كيف ومر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلى أبي هريرة وعائين من العلم، وأنه
لم يبث إلا وعاء واحدا ولو بث الوعاء الثاني لقطع حلقومه، وكذا مر أخبار النبي
صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى يوم القيامة لجمع من الأصحاب، فكيف يقبل هذا ولا
يقبل ذاك؟ وما هو الفارق بينهما سوى العصبية البغيضة، فهل يحصل الائتلاف والاتحاد
بين المسلمين بهذا التفريق، وهل يرضى به نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم أو ربنا
جل جلاله؟ وهل يرضى مسلم عاقل أن نقبل كل ما يقول أبو هريرة ولا نقبل ما ينقل عن
علي وأولاده العلماء الصالحين؟
(الثالث): نفرض الرجعة باطلة لكنها لا علاقة لها برد الأحاديث الكثيرة المروية
عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بطلان الآراء لا يضر بصحة الروايات
إذا كان الراوي مسلما صادقا، وهل يمكن لأحد أن يدعي أن رواة الكتابين وغيرهما
كلهم بريئون عن الآراء الباطلة مطلقا؟ أليس عمران بن الحطان الخارجي يروي عنه
البخاري مع أنه يمدح قاتل علي بن أبي طالب بقوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا
هل الحارث وجابر أسوأ من مروان بن الحكم؟ وقال العجلي في حق عمر بن سعد الذي قاد
الجيش إلى كربلاء وباشر قتال الحسين سيد شباب أهل الجنة وأهله وأصحابه: تابعي ثقة،
روى عنه الناس!! ولو دخلنا في هذا الباب لطال بنا الكلام، لعن الله العصبية الحمقاء
ورزقنا الله الإنصاف وحب الحق واتباعه وأن يصلح أمر هذه الأمة بإصلاح علمائها
أولا وبتبدل أمرائها ثانيا.
وعلى كل، فقد اعتمد على جابر ابن ماجة في السنن فروى عنه في

301
عدة موارد، منها في كتاب التجارات رقم 2241، وفي الديات برقم 2447، وفي تعبير
الرؤيا برقم 3905، وفي كتاب النكاح برقم 1911، وغير ذلك.
(الرابع): إن ما نقله سفيان عن الرافضة (الشيعة): إن عليا في السحاب، ونقله
النووي في شرحه عن القاضي عياض شئ يبرأ منه الشيعة ويقولون إنه من مفتريات
أعدائهم عليهم، وأنا أكذب أيضا هذا النقل عنهم، فإني بعد تتبعي الشديد في كتبهم
الكلامية والاعتقادية وكتب أحاديثهم لم أجده، بل وجدت في بحار الأنوار أنه كانت
للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة يعتم بها يقال لها السحاب: فكساها عليا، وكان
ربما طلع فيها فيقول: أتاكم علي في السحاب يعني عمامته التي وهبها له (1). ولم
أجد شيعيا يعتقد أنه في السحاب على ما نسب إليهم سفيان والقاضي سامحهما الله.
وبهذه المناسبة أريد أن أنصح المحققين والمتتبعين في عقائد أهل المذاهب أن لا
يكتفوا بما نقل في كتب غيرهم فإن كثيرا من أهل المذاهب لا يتورعون عن الكذب
والمغالطة والمبالغة في إبطال سائر المذاهب وتقبيحها بكل وجه أمكنهم وعليه شواهد
كثيرة ولو أراد أحد استيفائها لاحتاج إلى تأليف، فلا بد لفهم آراء أهل المذاهب - بل
الأديان - من مراجعة كتبهم نفسها ولا يعتمد على ما ينقل عنهم غيرهم.
بناء الإسلام على الخمس
(554) عن عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على
خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان (2).



(1) بحار الأنوار 16: 251.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 183.
302
(555) وعن ابن عباس... قال صلى الله عليه وسلم: آمركم بأربع... الإيمان بالله ثم
فسرها لهم فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم... (1).
أقول: الشهادة إسلام، والإيمان اعتقاد.
(556) وعن أبي ذر: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله،
والجهاد في سبيله... (2).
ولاحظ المصدر تجد بقية الأحاديث فيه باختلاف في ترتيب تفاضل الأعمال.
تنقيص النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم
(557) وعن أبي هريرة... فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم... فإذا ربيع يدخل في
جوف حائط من بئر خارجة، والربيع الجدول فاحتفزت (3) كما يحتفز الثعلب!، فدخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم... فقال: يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين ممن لقيت
من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة، فكان
أول من لقيت عمر... فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لأستي!!، فقال: ارجع يا أبا
هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاء... قال عمر: يا رسول
الله... أبعثت أبا هريرة بنعليك... قال: نعم قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل
الناس عليها فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخلهم (4).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 183.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 73.
(3) أي تضاممت وجمعت بدني.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 1: 234 - 240.
303
أقول: المستفاد من هذه الرواية أمور:
1 - انهيار شخصية أبي هريرة عند نفسه حيث يشبه نفسه بالثعلب ويذكر استه وإجهاشه
بالبكاء، ومن يحقر نفسه هكذا فلا يسلم من الكذب والدناءة لا محالة.
2 - إعطاء النعلين له للعلامة على صدقه، وهذه إهانة أخرى له كما لا يخفى، إن لم
يكن قد كذب في خبره.
3 - كثرة إشفاق عمر على الدين والموحدين من إشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على
الدين والأمة.
4 - إن عمر أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم بتدبير الموحدين وإصلاح حالهم.
أليس هذا منافيا لتوقير النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وإهانة له؟ وجعله
محكوما وجعل عمر حاكما.
ثم إن مضمون الحديث رواه غيره أيضا، ولم ينقل عن السامعين أن أحدا منهم ترك
العمل الصالح اتكالا عليه، وقد خفي على الواضع أن الشهادة بالتوحيد مستيقنا يمكن
انفكاكها عن العمل الصالح والاجتناب عن المحرمات، فإن اليقين بالله أعظم حاجز عن
المعصية وأكبر داع إلى الطاعة، وأن منشأ العصيان هو الشك والنبي الأكرم قيد
الشهادة باليقين، فكيف يعقل انصرافه عن أمره بقوله صلى الله عليه وسلم: فخلهم؟!
على أن النبي الأكرم - كما في قوله تعالى -: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي
يوحى) (1)، فيجب على كل مسلم الطاعة والقبول، فكيف صح لمسلم أن يقبل كون عمر آمرا
والنبي صلى الله عليه وسلم مأمورا مثلا (2).



(1) النجم 53: 3.
(2) وحديث أبي ذر أوسع من هذه الرواية، وقد أفشاه أبو ذر وحدث به ولم يضل به الناس
وفيه: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة.
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: وإن زنى وسرق.
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: وإن زنى وسرق.
قلت: وإن زنى وسرق.
قال: وإن زنى وسرق ثلاثا ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. صحيح مسلم
بشرح النووي 2: 94. فما هو موقف عمر وأبي هريرة تجاه هذا الحديث؟
304
5 - إن عمر ضرب أبا هريرة، وضرب المسلم بلا وجه حرام، فإما أن يكون عمر ارتكب
محرما، وإما أنه يعرف أن أبا هريرة مستحقا للضرب. والثاني أولى عند أهل
الخبرة!
وجوب الأمر بالمعروف
(558) أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل
الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد... سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع
فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (1).
أقول: وفي شرح النووي: وقيل أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان رضي الله عنه،
وقيل عمر رضي الله عنه لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتظر الخطبة...
وقيل أول من فعله معاوية، وقيل فعله ابن الزبير.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فليغيره فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ولم
يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال الإمام أبو المعالي إمام
الحرمين: لا يكترث بخلافهم... (2).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 21 - 25.
(2) شرح النووي 2: 21 و 22.
305
أقول: أما بدعة مروان الأموي فلا كلام لنا عليها فلمروان أفعال أكبر منها، وقد
ادعى بعضهم الإجماع على تقديم الصلاة عليها كما نقله النووي، وهو كذلك.
وأما نسبة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى بعض الرافضة فلم أفهم
مراده من هذا البعض، فإن الشيعة الإمامية - كما يظهر من كتب أحاديثهم وفقههم -
متفقون على وجوبها بلا خلاف، بل عدوهما من أعظم الواجبات العشرة (الصلاة، والزكاة،
والحج، والجهاد، والخمس، والصوم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتولي،
والتبري) فأي فائدة في هذه الافتراءات بين الطائفتين المسلمتين. وأكبر من هذا
ادعائه وادعاء إمامه بعدم الاعتداد في إجماع الأمة بمخالفة الرافضة (الشيعة) وهم
ما يقرب من مائة مليون مسلم في البلاد الإسلامية؟! ولهم علماء مجتهدون وأفاضل
محققون، وربما أفرط بعض كتاب الشيعة أيضا فيدعون الإجماع ولا يعتدون بمخالفة علماء
أهل السنة، وأنا أقول أي منفعة للإسلام والمسلمين في هذا التحقير المتبادل؟ فهل
أصبحنا رحماء على الكفار أشداء بيننا؟ نعوذ بالله منه.
وعلى كل، لا يفهم معنى القول المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم: وذلك أضعف
الإيمان بعد فرض كونه غير مستطيع باليد واللسان، ولذا أوله بعضهم بأقله ثمرة!
هل الإيمان يمان؟
(559) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء أهل اليمن هم أرق

306
أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية (1).
أقول: ورواه البخاري أيضا (برقم 3308 فضائل الصحابة) بحذف الجملة الوسطى، فالحديث
متفق عليه بين الشيخين، لكنه كذب لفقه أبو هريرة لمدح أهل اليمن فإنه يمني،
والعجب منهما كيف ابتليا بالغلو في حق من يسمى بالصحابي، وكل عاقل يعرف أن
الإيمان مكي ومدني والفقه مدني وكذا الحكمة إن أريد بها ما أراده الله منها في
كتابه، وإن أريد بها الفلسفة فهي يونانية، نعم إيمان أبي هريرة يمان.
ومن بدائع الغلو تفسير اليمن بمكة أو بها وبالمدينة صونا لكذب شيخ المضيرة! ولكن
للشيخ انتاج آخر حول يمنه اسمع له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله
يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال ذرة (حبة) من
إيمان إلا قبضته (2).
أقول: وعلى هذا فالموت أيضا يمان! لكن عبد الله بن عمرو يحدث في حديث طويل عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى
على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته... (3).
أقول: فاختر كذب أحد النقلين ولا تكن من المقلدة المتأولين الذين يبنون على
الأوهام.
أثر التكفير
(560) عن ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كفر الرجل أخاه فقد
باء



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 40.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 132.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 76.
307
بها أحدهما (1).
لا ترجعوا بعدي كفارا
(561) عن جرير: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: استنصت الناس
ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (2).
كذبة أخرى
(562) عن أبي هريرة قال: لما أنزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (3) دعا
رسول الله قريشا... يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار... يا فاطمة أنقذي نفسك من
النار فإني لا أملك لك من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها (4).
ورواه عن عائشة بتفاوت وفيه: قام على الصفا فقال: يا فاطمة بنت محمد ويا....
أقول: أبو هريرة لم يكن في مكة وعائشة لم تكن قد ولدت، فإني لهما نقل هذه
الروايات جازما؟ والذي يدل على أن هذا الحديث بتمام أسانيده موضوع، أن فاطمة لم
تولد في أوائل البعثة، وحاشا النبي الحكيم أن يخاطب المعدوم! ولو فرض - فرضا
بعيدا جدا - ولادتها آنذاك فقد كانت طفلة لا تصلح للخطاب المذكور.
هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية؟
(563) عن عبد الله: قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أنؤاخذ
بما



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 49.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 55.
(3) الشعراء 26: 214.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 80.
308
عملنا في الجاهلية؟ قال: أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء
أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام (1).
وفي شرح النووي نقلا عن جماعة من المحققين: أن المراد بالإحسان هنا الدخول في
الإسلام بالظاهر والباطن جميعا، وأن يكون مسلما حقيقيا، فهذا يغفر له ما سلف في
الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح: الإسلام يهدم ما قبله وبإجماع
المسلمين، والمراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام بقلبه... فهذا منافق باق على
كفره فيؤخذ بما عمل في الجاهلية.
أقول الحديث ورد من طريق الشيعة أيضا فقد أخرجه البرقي في محاسنه بسند صحيح عن
أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (الباقر) قال: إن أناسا أتوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد ما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما عمل في
الجاهلية بعد إسلامه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلامه وصح يقين إيمانه لم
يأخذه الله بما عمل في الجاهلية، ومن سخف إسلامه ولم يصح يقين إيمانه أخذه الله
بالأول والآخر (2). وفي المقام بحث.
الهم بالسيئة
(564) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هم بحسنة فلم يعملها
كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف، ومن هم
بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت (3).
أقول: وللحديث ألفاظ مختلفة رواها أبو هريرة، ورواه عبد الله بن



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 135.
(2) بحار الأنوار 70: 177.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 149.
309
عباس أيضا ولفظه: وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة.
ورواه الشيعة أيضا بألفاظ وأسانيد، ولا كلام في الحديث إلا في الهم بالسيئة إذا
لم يعملها، فقد اختلف فيه الباحثون من الشيعة والسنة، فقيل: إن من عزم على المعصية
بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما في الأحاديث على مجرد
الخطور والمرور في الفكر.
ويقول النووي: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين وأخذوا بظاهر الحديث.
وقال القاضي عياض: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على الأول
للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب، وقالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة
وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها.
أقول: العقل يحكم بقبح التجري على الله تعالى وحسن الانقياد له، فقصد المعصية
والهم بها يستحق به العقاب عقلا، ويؤيده أو يدل عليه قوله تعالى: (إن الذين
يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) (1) وقوله تعالى: (إن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) (2) لكن مقتضى هذه الأحاديث العفو وحمل
الهم على مجرد التفكر والتصور خلاف الظاهر، وأما حرمة الحسد وسوء الظن وتحقير
المسلمين وسائر أعمال القلب فلا تدل على حرمة الهم المذكور كما تخيله النووي
وغيره، ومن أراد تحقيق المقام فعليه أن يراجع مظانه، وليس كتابنا معدا المثل هذه
المباحث.
نزول عيسى عليه السلام واقتداؤه بإمامنا
(565) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن



(1) النور 24: 19.
(2) البقرة 2: 284.
310
مريم فيكم وإمامكم منكم (1).
أقول: لأبي هريرة في ذلك ألفاظ مختلفة كعادته في سائر الأحاديث، وروى أنه عليه
السلام ينزل حكما وعادلا ومقسطا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية،
ويفيض المال حتى لا يقبله أحد!
(566) وعن جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال
طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول:
لا، أن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة (2).
الرد على الوهابية
(567) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال:
السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا إن شاء الله بكم لاحقون... (3).
أقول: في خطاب الأموات بصيغة التخاطب (عليكم - بكم) رد على ما تفوه به الوهابية.
المسح على الخفين
(568) عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك
بعلي بن أبي طالب فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال:
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة
للمقيم (4).
وفي رواية أخرى: فقالت: ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني (5).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 193.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 2: 194.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 140.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 175.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 3: 175.
311
أقول: كل من تعمق في حال عائشة يعلم بأنها لا ترضى بذكر علي فضلا عن اعترافها
بأعلميته منها، والذين سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم خلق كثير منهم أبوها
فأي وجه للتخصيص بعلي، فالمظنون قويا أن الحديث موضوع، وإنما وضعه من وضعه للرد
على الشيعة الناقلين عن علي أنه يرى بطلان الوضوء والصلاة بالمسح على الخفين،
وأنه أوجب المسح على الرجلين مستدلا بأنه سبق الكتاب الخفين، يريد به أن آية
الوضوء في سورة المائدة نسخت المسح على الخفين، والشيعة أعلم بمذهب علي.
عدم وجوب الغسل بالدخول
(569) عن أبي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الرجل يأتي أهله ثم
لا ينزل، قال: يغسل ذكره ويتوضأ (1).
ورواه عن أبي سعيد الخدري بهذا المعنى بألفاظ أخر وفيه: إذا أعجلت أو أقحطت فلا
غسل عليك وعليك الوضوء (2).
وعليه، فلا يجب الغسل بالدخول المجرد عن الأمناء ولا معه في فرض العجلة ويكفيه
الوضوء، ويدل على الأول ما رواه عثمان عنه صلى الله عليه وسلم وأبو أيوب، وهذا
مخالف للقرآن، ولما رواه أبو هريرة وعائشة (3)، وما نقل عن المهاجرين، وللاجماع
المذكور في كلام النووي.
أقول: ومن يدعي أن أحاديث الصحيحين مقطوعة الصحة فهو متهم في عقله!
ثم تحكي عائشة: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 39.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 37.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 40 - 41.
312
ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني
لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (1).
أقول: من يعتقد وقار النبي الخاتم يعتقد كذب هذه القصة وأنها من تخيل عائشة التي
افتقدت زوجها في شبابها، فإنه صلى الله عليه وسلم أجل من أن يتكلم بهذه الكلمات،
على أنه مخالف لما مر عن أنس من أنه صلى الله عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين، وأنه
يدور على نسائه في الساعة الواحدة كما قصه رواة البخاري.
الأذان
لاحظ الأحاديث الواردة في صفة الأذان (2) فإنها متعارضة ومتضاربة أولا وليس
فيها الجملة المخترعة (الصلاة خير من النوم) ثانيا ويقول أبو هريرة على ذوقه
العام: إن الشيطان إذا سمع صوت النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته...
ولكنه لا ينسبه إلى كيسه بل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حول البسملة وموقف علي
(570) عن أنس بن مالك: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان
فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول
قراءتها ولا في آخرها.
أقول: لا نبحث عن البسملة وهل تجب قراءتها في الصلاة أم لا - وإن كان الحق عندي
أنها آية قرآنية في كل سورة قرآنية، وتجب قراءتها على المصلي، وتركها عمدا يوجب
بطلان الصلاة - وإنما نبحث عن سيرة جمع من الصحابة والرواة وأرباب الصحاح في ترك
ذكر علي في عداد الخلفاء، وهذا الترك عمدي، وكل من تعمق في الصحاح يعلم أنه لا
شأن



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 42.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 79 في أول كتاب الصلاة.
313
لعلي عندهم، وأن أنظار الصحابة والرواة إلى الخلفاء الثلاثة فقط! وهل لم يصل أنس
خلف علي حتى لا يحكي عنه؟! وهكذا عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس (1) - لو صح ما
نسب إليه في الصحاح - وغيرهما حيث يقتصرون على ذكر أفعال الثلاثة فقط، وتصدق الشيعة
حيث تقول إن أهل السنة إنما يرون عليا خليفة بالقول فقط.
وأقول أنا: لولا مخافة عبد الله بن عمر وأبي هريرة وأنس وابن الزبير وغيرهم من
تكذيب الناس لهم لقالوا بأفضلية معاوية ويزيد من علي، وهذه السيدة عائشة تبغض
عليا إلى حد لا ترضى بأن تذكر اسمه، بل حاربته وكانت تحرض العسكر على قتل علي
ومن معه من الأصحاب وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أقسم صادقا لو فوض
عثمان أمر الخلافة إلى مائة من الصحابة من بعده لم يختاروا عليا للخلافة أصلا لا
في المرة الرابعة ولا في المرة الرابعة والأربعين، وإنما بلغت الخلافة إليه في
ظروف تهدم فيها النظام السائد وقام الناس غضبا وغيضا على اللاعبين فبايعوه، وإن
شئت فقل إن خلافته جاءت بثورة جماهيرية إسلامية حطمت كل ما تواطأ عليه مخالفوه من
الصحابة، وحينما نجحت الثورة الإسلامية تجددت الحركة الرجعية في البصرة والشام.
ومن يدعي أنه لم يكن بين علي وحزبه وبين مخالفيه عداوة ولا مخالفة سوى المخالفات
الاجتهادية فهو مجنون لا يعقل التأريخ المتواتر المقطوع. ومن يدعي براءة ذمة
الطرفين المتخاصمين لأجل أن كلا منهما اجتهدوا فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر
واحد فهو يريد تحقير الإسلام والعقل، نعوذ بالله من الغواية والعصبية والجهالة.



(1) وعن ابن عباس: شهدت صلاة الفطر مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان... صحيح مسلم
بشرح النووي 6: 170 كتاب العيدين.
314
اعتقاد مسلم في كتابه
يقول مسلم في باب التشهد حول حديث: فقال هو عندي صحيح، فقال (أبو بكر): لم لم
تضعه ههنا؟ قال: ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا
عليه (1).
أقول: فيعتقد مسلم أن أحاديث كتابه ليست بصحيحة فقط بل هي مما أجمع العلماء أو
المحدثون عليها.
يقول النووي في شرحه: ثم قد يكسر هذا الكلام ويقال قد وضع أحاديث كثيرة غير مجمع
عليها، وجوابه أنها عند مسلم بصفة المجمع عليه، ولا يلزم تقليد غيره في ذلك (2).
هل أم أبو بكر الناس في مرضه صلى الله عليه وسلم؟
روايات الصحاح في هذا البحث مختلفة، ففي بعضها: أن أبا بكر صلى بالناس.
وفي بعضها: أنه صلى الله عليه وسلم وجد خفة فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر
بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر.
وفي بعضها: فأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجلس إلى جنبه (أي جنب أبي
بكر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير.
وفي حديث آخر: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر إلى جنبه وأبو
بكر يسمع الناس (3).
أقول: وللسيدة عائشة أن تقول كيف تشاء في خلافة أبيها ومن بعده



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 122.
(2) شرح النووي 4: 123.
(3) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 4: 140 وما بعدها.
315
والناس يقبلون منها ولا يلتفتون إلى متناقض كلامها ولا يسألونها من أين علمت قصد
الناس وقصد أبيها أنهم اقتدوا بأبيها وأبوها بالنبي؟ ولم يقولوا لها أن مثل هذه
الجماعة التي يكون الإمام فيها مأموما لإمام آخر غير مشروعة، على أن قصتها
معارضة بما ورد من لزوم جلوس المأمومين إذا كان الإمام جالسا (1) وإذا كان أبو بكر
مسمعا فهل هو بقي على صلاته أو أبطلها لإسماع الناس بصلاة النبي؟ فيه وجهان،
والمراد بالإسماع ظاهرا هو إسماع تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الركوع ورفع الرأس
عنه والهوي إلى السجود وعند رفع الرأس عنه كما هو المعتاد اليوم في الجماعات
الكبيرة، فأبو بكر أول مسمع وأول مكبر في الإسلام.
ثم إن ما تدعيه عائشة من قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أبا بكر رقيق
إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه). ضعيف، إذ لم ينقل أحد أنه بكى في صلاته وعند مشاهدة
النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفه ومرضه! والعجيب أنها تكذب نفسها وتقول: والله ما
بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحقا أنها كصواحب يوسف كما نقلتها نفسها فإنكن صواحب يوسف (2).
وللسيدة اختلاف آخر في كلامها فتارة تقول: إنه صلى الله عليه وسلم خرج بين عباس
ورجل آخر، وأخرى تقول: ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر (3).
وتأويلات المتأولين لا تقل عن سذاجة الجهال في قبول هذه الأقاويل.



(1) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 4: 135.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 140.
(3) أي علي كرم الله وجهه كما صرح به عبد الله بن عباس، لكن عائشة لا تسميه بغضا
وعداء. وفي حديث آخر لها: بعث النبي صلى الله عليه وآله رجلا على سرية... فيختم
بقل هو الله أحد... صحيح مسلم 6: 95 والظاهر أنه أيضا علي!
316
والحق إن كثرة رواية الصحاح عن امرأة تعترف بما عرفت في هذا الكتاب - وإن كانت
زوجة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وبنت الخليفة - قللت من قيمة الصحاح
واعتبارها بل أساءت إلى عظمة الإسلام، إذ يقول المحللون غير المسلمين أن عمدة
السنة القولية ترجع إلى امرأة وخادم كأنس وتاجر لبطنه كأبي هريرة وأمثالهم!! ثم إن لعبد الله بن زمعة كلاما آخر يخالف حديث عائشة، وإليك نصه:
(571) عن عبد الله بن زمعة: لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في
نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال: مروا من يصلي للناس، فخرج عبد الله
بن زمعة فإذا عمر في الناس - وكان أبو بكر غائبا - فقلت: يا عمر قم فصل بالناس،
فتقدم فكبر، فلما سمع رسول الله صوته... قال: فأين أبو بكر؟! يأبى الله ذلك
والمسلمون... وبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس (1).
وفي سند آخر: لما سمع النبي صوت عمر خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى اطلع رأسه
من حجرته ثم قال: لا، لا، لا، ليصل للناس ابن أبي قحافة قال ذلك مغضبا (2).
ومن يتعمق في هذه الأحاديث يرى يد الجعل والوضع جلية.
أقول: وإليك أحاديث متغايرة أخرى حتى تعلم جديدة بعد جديدة:
(572) عن ابن عباس: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم... فقال: ادعوا عليا
قالت عائشة: يا رسول الله ندعو لك أبا بكر؟ قال: ادعوه.
قالت حفصة: يا رسول الله ندعو لك عمر؟ قال: ادعوه.



(1) سنن أبي داود 4: 215 حديث 4660.
(1) سنن أبي داود: 4: 216 حديث 4661.
317
قالت أم الفضل: يا رسول الله ندعو لك العباس؟ قال: نعم.
فلما اجتمعوا رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فنظر فسكت؟! فقال عمر: قوموا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم جاء بلال يؤذنه بالصلاة...
قال ابن عباس: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة من حيث كان بلغ أبو
بكر (1).
أقول: في الحديث بحث يطول بنا المقام بتفصيله. وإليك نموذج آخر من هذه القصة في
سنن النسائي:
(573) عن أنس: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب
متوشحا خلف أبي بكر (2).
(574) وعن عائشة: إن أبا بكر صلى للناس ورسول الله في الصف (3).
(575) عن جابر: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وأبو بكر خلفه، فإذا
كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر ليسمعنا (4).
(576) عن عائشة: وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر فصلى قاعدا وأبو
بكر يصلي بالناس والناس خلف أبي بكر (5).
(577) وعن جابر: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر
يكبر ليسمع الناس تكبيره (6).
(578) وعنه: قال صلى الله عليه وسلم: إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، وإذا



(1) سنن ابن ماجة: ح 1235.
(2) سنن النسائي 2: 79.
(3) سنن النسائي 2: 79.
(4) سنن النسائي 2: 84.
(5) سنن النسائي 2: 84. وانظر ص 100 و 101 أيضا.
(6) سنن أبي داود 1: 165.
318
صلى الإمام قائما فصلوا قياما (1).
ورواه أنس وأبو هريرة أيضا.
قراءة السورة في الصلاة
(579) عن أبي قتادة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين
من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، ويسمعنا أحيانا... (2
يدل الحديث لمكان لفظ (كان) على عادته صلى الله عليه وسلم بقراءة السورة التامة
في الركعتين الأوليين في الظهرين وعلى جواز الإجهار ببعض الآيات فيهما.
عائشة وغيرها في ما يقطع الصلاة
(580) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة
والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرجل (3).
ويظهر من كلام عروة أن القائل به جماعة، لكن عائشة لا تقبله وتقص عن اعتراضها بين
النبي صلى الله عليه وسلم والقبلة في وتره، والمظنون صحة قطع الصلاة، ويشكل
الاعتماد على قصص عائشة وغيرها.
عرض الأعمال عليه صلى الله عليه وسلم
(581) عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي أعمال أمتي حسنها
وسيئها فوجدت... (4).
بعض كلام عمر
(582) عن معدان... فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء



(1) سنن أبي داود 1: 162.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 172.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 4: 228.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 42.
319
الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وأني قد علمت أن
أقواما يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك
فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال. ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة،
ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي
في شئ ما أغلظ فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: صلى الله عليه وسلم يا عمر ألا
تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء... (1).
هل كذب النبي صلى الله عليه وسلم
(583) عن أبي هريرة... فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن... فقالوا: نعم، فأتم رسول
الله ما بقي من الصلاة (2).
أقول: فنفيه صلى الله عليه وسلم كان مخالفا للواقع وإن صدر عن سهو، والكذب السهوي
لا يستحق به العقاب لكنه كذب، وإذا جاز عليه الكذب السهوي في أقواله وأفعاله يرتفع
الأمان عنها، وهذا يوهن مقام النبوة حتى إذا منعنا سهوه في أفعاله الإبلاغية عن
ربه.
فضل تسبيح الزهراء
(584) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبح في دبر كل صلاة
33، وحمد الله 33، وكبر الله 33، فتلك 99 وقال: تمام المائة: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، غفرت خطاياه وإن كانت
مثل زبد البحر (3).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 53.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 69.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 95.
320
(585) وعن كعب، عنه صلى الله عليه وسلم: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل
صلاة مكتوبة: 33 تسبيحة، و 33 تحميدة، و 34 تكبيرة (1).
أقول: تقدم أنه مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة، والشيعة الإمامية يسمونه: (تسبيح الزهراء) ويواظبون عليه أشد المواظبة عوامهم وخواصهم.
هم النبي بتحريق بيوت على قوم
لاحظ رواياته في باب فضل الجماعة (2).
صلاة المسافر
(586) عن ابن عمر: قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر
بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا، فكان
ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين.
أقول: وهذا من ابن عمر نوع احتياط بين الشريعة وارضاء السلطة!
جواز التغني بالقرآن
لاحظ رواياته في ص 78 وما بعدها ج 6 من صحيح مسلم بشرح النووي
أكثر النساء حطب جهنم
(587) عن جابر:... حتى أتى صلى الله عليه وسلم النساء فوعظهن... فإن أكثركن
حطب جهنم فقامت امرأة... فقالت: لم يا رسول الله؟! قال: لأنكن تكثرن
الشكاة وتكفرن العشير (3).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 94.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5: 153 وما بعدها.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 6: 175.
321
(588) عن ابن عباس: قال محمد صلى الله عليه وسلم: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر
أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء (1).
(589) وعن أسامة:... وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء (2).
(590) وعن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أقل ساكني الجنة
النساء (3).
أقول: كون أكثر النساء في النار لا يبعد أنه من وضع الوضاعين فإنهن لضعف عقولهن
أولى بالرحمة، على أن تكثير الشكاية وكفران العشير لا يوجب دخول النار كما لا
يخفى.
عدد التكبير على الميت
(591) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال كان زيد يكبر على جنائزنا أربعا، وأنه
كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها (4).
أقول: لفظ (كان) يدل على العادة والدوام، لكن قال النووي: إن هذا الحديث بعد زيد
بن أرقم منسوخ بالإجماع.
أقول: من نسخه؟ وكيف نسخ، وما معنى كلمة بعد زيد؟ واجتنبوا قول الزور.
بناء القبر
(592) عن الأسدي: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 53.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 53.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 53.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 26.
322
سويته (1).
وفي حديث آخر: ولا صورة إلا طمستها.
(593) وعن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه،
وأن يبنى عليه (2).
هل أبوا النبي صلى الله عليه وسلم كانا مشركين؟
(594) عن أبي هريرة: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله،
فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يوذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها
فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت (3).
ومدلول الرواية: أن أم النبي كانت مشركة.
(595) عن أنس: أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار فلما
قفى قال: إن أبي وأباك في النار!! (4).
خالد بن الوليد
(596) عن أبي سعيد الخدري:... فقام رجل... فقال: يا رسول الله اتق الله... فقال
خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟
فقال: لا، لعله أن يكون يصلي.
قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 36.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 37.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 46.
(4) سنن أبي داود 4: 230 كتاب السنة، وروى نحوه ابن ماجة في سننه رقم 1573 كتاب
الجنائز.
323
بطونهم... (1).
أقول: خالد سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فعل ما هو معروف منه.
اعتبار أفق المكلف في الصوم
(597) عن كريب:... فقدمت الشام... واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال
ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه ثم
ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟
فقلت: رأيناه ليلة الجمعة.
فقال: أنت رأيته؟
فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية.
فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزل نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه.
فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟
فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
جنابة الصائم
(598) عن عائشة: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو
جنب من غير حلم فيغتسل ويصوم (3). وهكذا عن غيرها.
أقول: لا شك أن الطهارة عن الجنابة شرط في صحة الصلاة وأن الجنابة مبطلة لها، ولا
شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد ويصلي صلاة الليل، فكيف يقال إنه
صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب. ولا يبعد الحكم بكون هذه



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 163.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 197.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 223.
324
الرواية مجعولة موضوعة، فتأمل.
الصوم في السفر
عن جابر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر أن تصوموا في
السفر (1).
عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام
حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم
شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة (2).
أقول: قد يقال إن الحديث ظاهر في حرمة الصوم في السفر، كما أن ظاهر القرآن أيضا
عدم مشروعيته في السفر، وأما الأحاديث الدالة على جوازه في السفر فلا تتعارض مع
هذا الحديث وإن صلحت لمعارضة الحديث الأول، فإن الصالح لهذا الحديث هو الحديث الذي
صدر بعد عام الفتح لا ما صدر قبله أو شك في تأريخ صدوره، وأنى لنا بإثبات تأريخ
تلك الأحاديث المجوزة، لا يقال إن الصيام قد شق على الناس في السفر المذكور -
كما زيد في حديث آخر - فإنه يقال المورد غير مخصص، والعبرة بإطلاق كلامه صلى الله
عليه وسلم.
وأما الفتوى، فعن بعض أهل الظاهر: عدم صحة الصوم في السفر، لما قلنا من الآية
والحديثين.
وعن الجمهور: جوازه.
ثم إن المنقول عن مالك وأبي حنيفة والشافعي والأكثرين: أفضلية الصوم لمن أطاقه
بلا مشقة ظاهرة ولا ضرر.
وعن جمع - منهم أحمد -: أفضلية الفطر. وقيل: إنهما سواء. فلاحظ شرح النووي.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 233.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7: 232.
325
أقول الاحتياط الديني هو ترك الصوم ثم القضاء خارجه، عملا بظاهر القرآن الكريم
حيث لا قاطع من السنة، ولا عبرة بالأقوال.
عائشة تقضي صومها في شعبان
(599) عن عائشة: كان علي الصوم فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
أقول: كذب الحديث واضح، فإن الصوم يمنع عن الجماع نهارا فقط دون الليل، على أن
عائشة لها يوم وليلة من تسعة أو ثمانية أيام، فأي شغل لرسول الله صلى الله عليه
وسلم يمنعها من صيامها.
موقف عمر رضي الله عنه من متعة الحج ومتعة النساء
(600) عن أبي موسى... قال صلى الله عليه وسلم: فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم
حل... فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر، فإني لقائم بالموسم إذ
جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك، فقلت: أيها
الناس من كنا أفتيناه بشئ فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم... قال (عمر): إن نأخذ
بكتاب الله فإن الله عز وجل قال: (وأتموا الحج والعمرة لله) (2). وإن نأخذ بسنة
نبينا عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر
الهدي (3).
وقد أصر النبي وأعلن بإحلال الناس، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يحل من
أجل أنه ساق الهدي، ولكن عمر اجتهد في عدم الإحلال في مقابل نص النبي وتأكيده،
ويقول عمر في وجه اجتهاده: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 21.
(2) البقرة 2: 196.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 200.
326
وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر
رؤوسهم (1).
ولعثمان وجه آخر في اجتهاده في ذلك:
(601) عن عبد الله بن شفيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وكان علي يأمر بها، فقال
عثمان لعلي كلمة! ثم قال علي: لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: أجل، ولكنا كنا خائفين (2).
أقول: أي خوف على الناس في حجة الوداع من الكفار، ثم أي تعلق للخوف بالإحلال
وإبقاء الإحرام؟ ولعل الرواية موضوعة، إذ يلزم من صحتها كذب عثمان. ولعلي وعثمان
موقف آخر في ذلك، لاحظه في مسلم بعد هذه الرواية التي ذكرناها.
(602) عن أبي ذر: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة (3).
أقول: هذه الرواية موضوعة على أبي ذر، فإنه لا وجه لصحتها بوجه.
(603) وعنه: لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة. يعني متعة النساء ومتعة الحج (4).
لكن آية الاستمتاع وآية المتعة كغيرها من الآيات عامة.
(604) عن مطرف قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 201.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 202.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 203.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 203.
327
توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم
عني، وإن مت فحدث بها إن شئت (1) أنه سلم علي (2) واعلم أن نبي الله صلى الله
عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله، ولم ينه عنها نبي الله
صلى الله عليه وسلم، قال رجل فيها برأيه ما شاء (3).
(605) عن مسلم القري قال: سألت ابن عباس عن متعة الحج، فرخص فيها، وكان ابن
الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم الزبير تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رخص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها.
قال: فدخلنا عليها، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، قالت: قد رخص رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيها (4).
يقول مسلم: فأما عبد الرحمن، ففي حديثه المتعة، ولم يقل متعة الحج، وأما ابن
جعفر فقال: قال شعبة: قال مسلم: لا أدري متعة الحج أو متعة النساء (5).
(606) عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: إن ابن عباس وابن
الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما (6).
أقول: يظهر من هذه العبارة أن المتعتين شرعتا في الإسلام ولم



(1) يظهر منه خوف الصحابة من السلطة القائمة في بيان الأحاديث المخالفة لنظرها،
وليته ذكر مطرف جميع أحاديث عمران.
(2) يعني أن الملائكة يسلمون عليه، كما صرح به النووي في شرحه على مسلم.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 206 - 207.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 224.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 224.
(6) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 233.
328
تنسخا إلى موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما نهى عنهما عمر رضي الله عنه في
خلافته واختلف الصحابة، فمنهم من عمل بنهي عمر، ومنهم من عمل بما سنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وتنزيل الكتاب، لكن الفقهاء بعدهم اتفقوا على قول عمر في تحريم متعة
النساء دون متعة الحج، إذ رؤوا فيها أحاديث أخر، ثم الأحاديث في متعة النساء على
أقسام، منها ما يدل على تشريع متعة النساء، مثل الأحاديث التالية:
(607) عن قيس: قال سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس لنا نساء فقلنا: ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب
إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله
لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (1).
أقول: والحق إنها تدل على دوام مشروعيتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما
لا يخفى، ويؤكده قراءة الآية المباركة المحكمة تطبيقا على المورد.
(608) عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا
يعني متعة النساء (2).
وحديث آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة.
ومنها ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها بعد جوازها في فتح مكة:
(609) عن سلمة: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام أوطاس (3) في المتعة
ثلاثا ثم نهى عنها (4).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 182، والآية سورة المائدة 5: 87.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 182.
(3) عام أوطاس: هو عام فتح مكة، وأوطاس واد بالطائف، كما في شرح النووي.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 184.
329
(610) عن سبرة: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا
ورجل... ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شئ من هذه النساء
يتمتع فليخل سبيلها (1).
وفي حديث آخر عن الربيع بن سبرة: أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتح مكة... فأذن لنا رسول الله في متعة النساء.. فلم أخرج حتى حرمها رسول الله
صلى الله عليه وسلم (2).
ومنها ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، مثل:
(611) عن علي بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء
يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الأنسية (3).
ومنها ما يدل على دوام مشروعيتها من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نهى عنها
عمر، نحو:
(612) عن عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا، فجئناه في منزله فسأله القوم عن
أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر (4).
وما مر عن عبد الله برقم (607)، وما تقدم عليه من حديث جابر.
(613) عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من
التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى
عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (5).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 184.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 185.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 189 - 190.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 183.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 183.
330
(614) عن عروة ابن الزبير: إن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: إن ناسا أعمى
الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة - يعرض برجل - فناداه فقال: إنك لجلف
جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين - يريد رسول الله صلى الله
عليه وسلم - فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك
بأحجارك... (1) أقول: يظهر من هذا الحديث أمور:
الأول: بطلان القول بعدالة كل الصحابة، فمنهم عدول، ومنهم غير عدول، هذا ابن
الزبير الآخذ بزمام السلطة يقول لابن عباس الصحابي حبر الأمة: أعمى الله قلبه،
وأسوأ منه، أن توعده بالرجم، هب أن ابن الزبير ثبت عنده بوجه معتبر نسخ جواز
المتعة لكن عبد الله لم يثبت عنده نسخه، فهو يفعل فعلا مشروعا، فكيف يجوز رجم
مثله، حقا إنه لجلف جاف أي: الغليظ الطبع القليل الفهم والأدب، كما في شرح
النووي.
الثاني: إن عبد الله بن عباس يرى جواز المتعة بعد الخلفاء الراشدين حتى في إمارة
ابن الزبير، فالأحاديث الناطقة بأن عليا قال لابن عباس: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية، موضوعة، إذ لو سمع ابن
عباس ذلك من علي لم يقل بجوازها جزما، على أن مذهب علي وأولاده أئمة أهل البيت
هو بقاء جواز المتعة جزما، وعليه الشيعة الإمامية في كل زمان ومكان. وهنا تضارب
آخر بين ما نقل عن علي وعن سبرة وسلمة، فالأول: يقول: نهى عنه النبي يوم خيبر،
والأخيران: يقولان: يوم فتح مكة! وأراد بعضهم - كالنووي في شرحه على مسلم - أنها



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 188.
331
أبيحت ثم نسخ جوازها عام خيبر، ثم أبيحت ثانيا عام فتح مكة، ثم حرمت!!
أقول: لو كان النبي حرمها يوم الفتح لكان ذلك أردع لابن عباس وأولى بالذكر له من
قبل علي، فاقتصاره على يوم خيبر خير دليل على عدم النهي عنه يوم الفتح.
وعلى كل، إن الراوي لنهي النبي صلى الله عليه وسلم هو سلمة وسبرة بن معبد،
والراوي لبقاء جوازه هو عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن
عباس. لكن سبرة الذي ذكر النهي مؤكدا وأنه صلى الله عليه وسلم قال: وإن الله
قد حرم ذلك إلى يوم القيامة... يشكل الاعتماد على قوله هذا، فقد نقل عنه البخاري
(ص 129) بعد نقل القول بالجواز كما مر: فلا أدري أشئ كان لنا خاصة أم للناس عامة.
إذ لو كان قد أحله النبي لثلاثة أيام فقط لم يكن وجه للشك فيه، بل قيل: بجواز
الأزيد عن ثلاثة أيام، وهذا كالنص في عدم تحديد مشروعيتها بثلاثة أيام.
وعلى الجملة، إن أحاديث المنع والبقاء متضاربة، فتسقط عن الحجية، ويرجع إلى أدلة
تشريعها، والأصل عدم النسخ، كما هو القاعدة في جميع الأحكام (1).
الحكم غير الفتوى
والحق أن المتعة شرعت ولم ينسخ جوازها من قبل الشارع، ومن أنكرها من الصحابة
فإنما هو لأجل إنكار عمر رضي الله عنه عليها، ولذا ترى ابن



(1) وقد نقل وحيد الزمان الهندي في حاشيته على سنن أبي داود عن الزرقاني: أن جواز
المتعة ثابت عن جماعة من الصحابة - كجابر وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس ومعاوية
وغيرهم.
332
الزبير لم ينقل في جواب ابن عباس نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونسخه لجوازها، بل
هدده بالرجم إن تمتع، وينقل عن ابن جريج أنه أيضا كان يرى بقاء جوازها وتمتع
بعدة من النساء، وأئمة أهل البيت أيضا قالوا ببقاء جوازها.
دع العصبية المذهبية والنزعة غير الدينية عنك واسمع إلى قولي لا سمع إنكار ولا سمع
تقليد، بل سمع تحقيق وإنصاف، فأقول يمكن أن يقال: إن نهي عمر عنها لم يصدر عنه ضد
التشريع الديني ونسخ الحكم، فإنه يعرف أنه لا صلاحية له ولكل مسلم في التشريع،
وإنما هو بإرادة الله سبحانه وتعالى وإليه الحكم تكوينا وتشريعا: (ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... فأولئك هم الظالمون... فأولئك هم
الفاسقون) (1).
بل نهي عنه عمر لا بعنوان المفتي بل بعنوان الحاكم، وبين الحكم والفتوى فرق جلي،
ولولي أمر المسلمين وخليفتهم إصدار أحكام سياسية مؤقتة تقديما للأهم على المهم،
فهو إنما منعها لمصلحة رآها في زمانه، ومثل هذا الحكم في حوزة صلاحية كل حاكم
إسلامي يدير أمر أمة من الأمم الإسلامية، فله أن يمنع من السفر إلى بلدة خاصة
مطلقا أو بشرط، وله منع تصدير أموال خاصة تجارية إلى مكان كذا أو استيرادها من بلد
كذا، وله منع تجول الناس في وقت خاص في مكان خاص وهكذا، والمتعة لم تكن من
الواجبات بل من المباحات، فحكم بمنع الناس عنها لمصلحة رآها، وإنما الاعتراض على
الفقهاء حيث علموا منه الفتوى والحكم الدائمي فأفتوا بعدم مشروعيتها، وهذا مما
ينافي الكتاب والأحاديث المتقدمة، فمن يفتي بجوازها اليوم أو أمس لا يعد مخالفا



(1) المائدة 5: 44 - 47.
333
لعمر، فإن لمنعه ظرفا خاصا به، ولتجويز هذا ظرفا خاصا آخر، ولا معنى للسباب
والتباغض في مثل هذه الفرعيات، لعن الله العصبية العمياء، هدانا الله جميعا إلى
سبيل الحق.
هدم الكعبة وبنيانها
(615) عن عائشة، عنه صلى الله عليه وسلم: لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت
الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها
خلفا (1).
وفي حديث آخر: لولا حدثان قومك لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها
الأرض، ولأدخلت فيها من الحجر.
وفي حديث ثالث: وجعلت لها بابين، بابا شرقيا، وبابا غربيا، وزدت فيها ستة
أذرع من الحجر (2).
أقول: في شرح النووي نقلا عن العلماء: أنه بني البيت خمس مرات: بنته الملائكة،
ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم
هذا البناء وله خمس وثلاثون، وقيل خمس وعشرون، ثم بناه ابن الزبير، ثم الحجاج بن
يوسف واستمر إلى الآن.
وقيل: بني مرتين أخريين.
أقول: النقل لا دليل عليه، ويحتمل بناؤه أكثر من عشر مرات في طول الزمن وتتابع
الحوادث، والله العالم.
قاعدة الامتثال بقدر الاستطاعة
(616) عن أبي هريرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس قد



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 88.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 91.
334
فرض الله عليكم الحج فقال رجل: أكل عام يا رسول الله، فسكت حتى قالها ثلاثا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لما استطعتم ثم قال: ذروني ما
تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم
بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه (1).
نظر عمر في الطلاق
(617) عن ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا
في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم (2).
قيل: أناة، أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة.
حكيم بن حزام
قال مسلم بن الحجاج: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة (3
من سن سنة
(618) عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس ظلما إلا كان
على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل (4).
حلية دم المسلم
(619) عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 101.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 10: 70 طلاق الثلاث.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 10: 176 كتاب البيع.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 166.
335
يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس
بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة (1).
عدم جواز الشفاعة في الحدود
(620) عن عائشة: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله
عليه وسلم أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه، فكلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله
ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس إنما هلك الذين قبلكم، أنهم إذا كانوا سرق فيهم
الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد... (2).
أقول: لا يجوز الشفاعة في الحدود بلا خلاف بين المسلمين (شيعة وسنة) ويجوز في
التعزيرات (3)، لكن ما ذكرته عائشة خطأ، لأن جحد العارية ليس من السرقة بشئ، ولذا
أوله بعضهم.
الحكم بيمين وشاهد
(621) عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد (4).
يقول النووي: قال الحفاظ: أصح أحاديث الباب حديث ابن عباس.
وقال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في إسناده، ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته.
وقال جمهور علماء الإسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 164.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 186.
(3) لاحظ أقوال الباحثين في مقدار التعزير في ص 221 ج 11 مسلم في حاشية النووي.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 4.
336
علماء الأمصار: يقضي بشاهد ويمين المدعى في الأموال وما يقصد به الأموال وبه قال
أبو بكر الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر
علماء الحجاز ومعظم علماء الأمصار (رض)، وحجتهم أنه جاءت أحاديث كثيرة في هذه
المسألة...
وقال أبو حنيفة والكوفيين وشعبة والحكم والأوزاعي والليث والأندلسيون من أصحاب
مالك: لا يحكم بشاهد ويمين في شئ من الأحكام.
التصويب والتخطئة
(622) عن عمرو بن العاص: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حكم
الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر (1).
وفي شرح النووي: قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل
للحكومة، فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر
باجتهاده... فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو
آثم، ولا نفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا... فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق
الصواب أم لا، وهي مردودة كلها...
قال: وقد اختلف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد وهو من وافق الحكم
الذي عند الله تعالى، والآخر مخطئ لا إثم عليه لعذره، والأصح عند الشافعي وأصحابه
أن المصيب واحد.
وقد احتجت الطائفتان بهذا الحديث، أما الأولون فقالوا: قد جعل



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 13.
337
للمجتهد أجر فلولا إصابته لم يكن له أجر، وأما الآخرون فقالوا: سماه مخطئا ولو
كان مصيبا لم يسمه مخطئا وأما الأجر فإنه على تعبه في اجتهاده.
وقال الأولون: إنما سماه مخطئا لأنه محمول على من أخطأ النص أو اجتهد فيما لا
يسوغ فيه الاجتهاد كالمجمع عليه وغيره وهذا الاجتهاد في الفروع، فأما أصول التوحيد
فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتد به... (1)
أقول: وإليك بعض ما يتعلق بالمقام حسب نظري:
1 - العقاب والثواب إنما يترتبان على الأعمال الاختيارية دون غيرها، وحيث إن
إصابة الواقع أمر غير اختياري فلا أجر عليها عقلا. فالمصيب والمخطئ كلاهما له أجر
واحد على اجتهادهما إذا كانا أهلا للاجتهاد هذا بحسب القاعدة.
2 - الحديث عندي مجهول من جهة سنده، ولكن لا دليل على أنه موضوع، فلعله صدر عن
النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الاحتمال فالأجر على الإصابة تفضل من الله
سبحانه والله ذو الفضل العظيم.
3 - لا شك في أن كل مجتهد غير مصيب دائما والواقع لا يتبدل بالاجتهاد،
والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ، ولهذا القول دلائل قوية قطعية منها هذا الحديث إن
فرضناه حجة، والاستدلال به على قول المصوبة ضعيف. ومورد النزاع هو الأحكام دون
الموضوعات والعقائد.
انقياد الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم
(623) عن أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور - حين بلغه إقبال أبي سفيان
-... فقام سعد بن عبادة فقال: أيانا تريد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والذي
نفسي بيده



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 14.
338
لو أمرتنا أن نخيضها البحر لاخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد
لفعلنا (1).
دعاء النبي على جمع من قريش
(624) عن عبد الله: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش إذ
جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
يرفع رأسه، فجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك. فقال: اللهم عليك
الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة
وأمية بن خلف - أو أبي بن خلف - (شعبة الشاك).
قال فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير أن أمية أو أبيا تقطعت
أوصاله، فلم يلق في البئر (2).
اثنا عشر خليفة
(625) عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته
يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.
قال ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش (3).
وبسند آخر: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا،
ما وليهم اثنا عشر رجلا... فقال: كلهم من قريش.
وله سند ثالث بتفاوت في المتن.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 124.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 153.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 201 كتاب الإمارة.
339
وبسند رابع: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها،
فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش
وبسند خامس عنه: لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة... فقال: كلهم
من قريش.
وبسند سادس عنه: لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة فقال كلمة
صمنيها الناس... كلهم من قريش.
وبسند سابع... سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي
يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم
من قريش (1).
أفضل الأعمال
(626) عن النعمان بن بشير: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل:
ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي
أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر الجهاد في سبيل
الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر... فأنزل الله عز وجل: (أجعلتم سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله...) (2) (3)؟.
أقول: رواه الشيعة الإمامية بإسناد معتبر وفيه أن هؤلاء الذين حذفت أسماؤهم في
هذه الرواية هم: العباس، وحمزة، وعلي. والظاهر أن ذكر زجر عمر موضوع، فإنه لم
يصلح لزجر أمثال هؤلاء يومذاك، وقد يزعم أن حذف أسماء هؤلاء لأجل تضمنها فضيلة
لعلي، فإنه هو الذي ذكر الإيمان



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 202 - 203.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 26.
(3) التوبة 9: 19.
340
والجهاد، والله العالم.
أرواح الشهداء وتجندها
(627) عن مسروق: سألنا عبد الله عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل
الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (1)، قال: أما إنا سألنا عن ذلك، فقال:
أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي
إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شئ
نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن
يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في
سبيلك مرة أخرى... (2).
أقول: داعيا من الله أن يرزقني الشهادة في سبيله، إنه قد يورد بأن جعل أرواح
الشهداء بل مطلق المؤمنين في جوف طير مناف لكرامتهم وإهانة لهم، فلا بد من
تأويله (3).
ثم إنه يقال إن المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح، وهو
الذي يتألم ويعذب ويلتذ وينعم، وهو الذي يقول: رب ارجعون. وقد اختلفوا في الروح
ما هي اختلافا لا يكاد يحصر كما قيل، فقال أرباب المعاني وعلم الباطن: لا تعرف
حقيقتها ولا يصح وصفها لقوله تعالى: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا
قليلا).



(1) آل عمران 3: 169.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 33.
(3) لاحظ شرح النووي حتى تعرف اختلاف نسخ الحديث في جملة (في جوف طير) ففي نسخة
بحواصل طير، وفي نسخة طير، وهذا أحسن للتأويل، وأنها تطير كطيران الطير.
341
وغلت الفلاسفة فقالت: بعدم الروح.
وعن جمهور الأطباء: هو البخار اللطيف الساري في البدن.
وقال كثيرون من شيوخ القاضي عياض: هو الحياة.
وقال آخرون: هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت
الجسم عند فراقه.
وقيل: هو بعض الجسم، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وقال بعض متقدمي أئمة
القاضي: هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم.
وقال بعض مشايخه وغيرهم: إنه النفس الداخل والخارج.
وقال آخرون: هو الدم.
يقول النووي - بعد نقل الأقوال المذكورة -: والأصح عند أصحابنا، أن الأرواح
أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات (1).
أقول: والحق إن الروح والنفس موجود واحد وحقيقته مجهولة، وما أوتينا من العلم
إلا قليلا وبهذا القليل نعلم أن الروح غير داخل في البدن، وتعلقه بالبدن تعلق
تدبيري، لا كتعلق الراكب والمركوب ولا كتعلق الظرف والمظروف. ثم إن البراهين
العقلية تشهد بتجرد الروح ونفي جسمانيته، وإن كان المشهور بين المتكلمين أنه جسم
لطيف.
وعلى كل، أكثر الأقوال المتقدمة ضعيفة صدرت عمن لا خبرة لهم، وأما الظواهر
النقلية فلا بد من تأويلها بوجه حسن إن تمت البراهين على التجرد، ثم إن المتنعم
والمعذب هو الروح المدرك، ونحن وإن نعتقد بأن الحشر في المعاد جسماني لكنه لأجل
التعبد بالقرآن الكريم والجسم لا



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 31 - 33.
342
يدرك العذاب، فما أضعف قول من يقول بأن المنعم والمعذب هو جزء من الجسد. وتحقيق
المقام وتفصيل المقال في محله.
(628) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأرواح جنود مجندة،
فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف (1).
موقف الناس مع الحكومات
(629) عن عبادة بن صامت... وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا
بواحا عندكم من الله فيه برهان (2).
(630) وعن أبي هريرة:... وستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا
ببيعة الأول فالأول، واعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم (3).
(631) عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون بعدي أثرة وأمور
تنكرونها... قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم (4).
(632) عن عبد الله بن عمرو:... ومن بايع إماما... فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر
ينازعه فاضربوا عنق الآخر... فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا
بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل... ولا تقتلوا أنفسكم...) فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه
في معصية الله (5).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 185.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 228.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 231.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 232.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 234.
343
أقول: لا أدري كيف نسي عاجلا أمر النبي بضرب عنقه حيث ادعى الخلافة بعد بيعة
الناس لعلي. ثم الحديث يدل على فسق معاوية.
(633) عن سلمة بن يزيد:.... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا،
فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم (1).
(634) عن حذيفة:... يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم
فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن
أدركت ذلك الزمان؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
(635) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة
فمات مات ميتة جاهلية... (2).
(636) عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: من رآى من أميره شيئا يكرهه فليصبر،
فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية (3).
(637) عن نافع: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة
ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إني لم آتك
لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم... يقول: من خلع
يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة
جاهلية (4).
أقول: هل سمع هذه الأحاديث زعماء حرب الجمل وحرب صفين



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 236.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 238.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 240.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 240.
344
أم لا، وهذا ابن عمر يؤكد على بيعة يزيد الفاسق ولا يبايع عليا، وهل يزيد أصلح من
علي؟ أو أن ابن عمر لا يخاف الله ويخاف يزيد، ثم إن هذه الأحاديث قويت أمر حكام
بني أمية، ولا يبعد أنها كلها مما وضعها أجراؤهم ترويجا لأمرهم على الناس
وإسكاتا للمظلومين. ولو أن المسلمين قاموا في وجه الطغاة والفساق من الحكام لما
بلغ وضع المسلمين إلى هذه الدرجة الدنية ولم يخسروا الدين والدنيا ولم يغلب الكفار
عليهم، ومن تعمق في التاريخ الإسلامي يفهم جيدا أن السبب الأكبر في انحطاطهم
وضعفهم وتخلفهم عن الصنعة والاقتصاد والسياسة واستيلاء الفقر والجهل والذلة عليهم،
بل وابتعادهم عن دينهم وقرآنهم وشيوع الفسق والفجور فيهم واعتزال الدين عن أوساط
المجتمع إلى زوايا المساجد إنما هو الحكومات الظالمة والسلطات الجائرة، فلعن الله
من خدع المسلمين بوضع أمثال هذه الروايات الكاذبة المخالفة للأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر. وقد علم المسلمون اليوم أن إصلاح حال الأمة إنما هو بإسقاط هذه
الحكومات والأنظمة الفاسقة، فثاروا في مصر والجزائر وإيران وتونس وغيرها تحكيما
للكلمة الطيبة لا إله إلا الله ولا معبود سواه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى).
الاختلاف في عدد الجيش
(638) عن أبي الزبير، عن جابر: كنا أربع عشرة مائة... (1).
وعن سالم، عن جابر: كنا ألفا وخمسمائة.
وعن سالم أيضا، عنه: كنا ألفا وأربعمائة (2).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 2.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 4.
345
(639) وعن معقل:... نحن أربع عشرة مائة (1).
الاختلاف في الروايات غير عزيز، وإنما الغرض من ذكره بطلان القول بصحة أحاديث كتب
البخاري ومسلم وغيرهما، فإن الروايات والأحاديث المتضاربة فيها كثيرة، فيعلم كذب
أحد المتعارضين قطعا، فلا يجوز الغلو.
قتل الخليفة الآخر
(640) عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع لخليفتين
فاقتلوا الآخر منهما (2).
حلية أكل الضب
(641) عن عبد الله بن عباس:... قال خالد (بن الوليد) فاجتررته (أي الضب) فأكلته
ورسول الله ينظر، فلم ينهني (3).
وفي سند آخر: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه (4).
أقول: لكنه من الخبائث، والخبائث يحرمها النبي على الناس كما أخبر القرآن بذلك،
فالحديث موضوع.
الأضحية
(642) عن عائشة: إن رسول الله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد... فأضجعه
ثم ذبحه ثم قال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم
ضحى به (5).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 5.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 242.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 100.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 101.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 122.
346
التناقض في التنفس في الإناء
(643) عن أبي قتادة: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء (1).
(644) عن أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا (2).
أقول لفظ كان يدل على المداومة كما لا يخفى.
إهانة مقام النبوة
(645) عن أنس: إن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا كان طيب المرق،
فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه فقال: وهذه لعائشة! فقال: لا،
فقال رسول الله لا.
فعاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه قال: لا، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا.
ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه قال: نعم في الثالثة،
فقاما يتدافعان؟!! حتى أتيا منزله (3).
أقول: أيها المسلم العاقل هل يرضى عقلك بهذا النسبة إلى هذه الشخصية العظيمة.
أليس أبو حنيفة على حق في عدم قبوله روايات أنس كما نقل عنه؟
(646) عن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات
السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة.
قلت: من الرجال؟
قال: أبوها.
قلت: ثم من؟



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 198.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 198.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 209.
347
قال: عمر. فعد رجالا! (1).
أقول: هل ترى الرسول الذي بعثه الله إلى الإنس والجن إلى يوم القيامة وهو أفضل رسل
الله أن يتكلم بمثل هذا الكلام وأن زوجته أحب إليه من جميع أمته؟ وهل يتكلم به
عالم عند أنصاره وخواصه؟ ونحن لا نشك في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب عائشة
كجملة من زوجاته حب الزوج لزوجته الجميلة لكن ليس معنى هذا تقديمها في الحب على
العلماء والزهاد والمجاهدين إلى يوم القيامة، فإن هذا لا يليق بعاقل.
الإيثار والانقياد
(647) عن أبي هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود،
فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى
فقالت: مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء.
فقال: من يضيف هذا الليلة رحمه الله.
فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فأنطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل
عندك شئ؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني.
قال فعلليهم بشئ، فإذا دخل ضيفنا فاطفئ السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل
فقومي إلى السراج حتى تطفئيه.
قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد
عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة (2).
(648) عن ابن عباس: إن رسول الله رأى خاتما من ذهب في يد



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 153.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 11.
348
رجل فنزعه فطرحه وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل
بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به.
قال: لا، والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
فائدة لغوية
(649) عن عبد الرحمن:... سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا الحرير
ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها... (2).
عن الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصفحة تشبع
الخمسة، ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل.
في حق علي
(650) عن ابن عمر:... أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء، فبعث إلى عمر
بحلة، وبعث إلى أسامة بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال: شققها خمرا
(جمع خمار) بين نسائك.
قال: فجاء عمر بحلته يحملها فقال: يا رسول الله بعثت إلي بهذه وقد قلت بالأمس
في حلة عطارد ما قلت (أي إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة)
فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها... (3).
(651) وعن أبي صالح الحنفي، عن علي: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ثوب حرير، فأعطاه عليا فقال: شققه خمرا بين



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 66.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 37.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 40.
349
الفواطم (1)، (فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت
حمزة، كما قيل).
(652) عن أبي صالح، عن علي قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء،
فبعث بها إلي فلبستها، فعرفت الغضب في وجهه فقال: إني لم أبعث بها إليك
لتلبسها، إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء (2).
(653) عن زيد، عن علي قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فخرجت
فيها، فرأيت الغضب في وجهه. قال: فشققتها بين نسائي (3).
(654) عن علي: إنه أهدي لرسول الله حلة مكفوفة بحرير، إما سداها وإما لحمتها،
فأرسل بها إلي، فأتيته فقلت: يا رسول الله ما أصنع بها ألبسها؟ قال: لا، ولكن
اجعلها خمرا بين الفواطم (4).
قيل: السدى من الثوب خلاف اللحمة، وهو ما يمد طولا في النسج، ولحمة الثوب بالفتح
ما ينسج عرضا، والضم لغة.
أقول: أنظر التعارض والتضارب بين الروايات وإهانة علي.
بديعة من أبي هريرة
(655) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل وزغا في أول ضربة كتبت
له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك (5).
وكأن ابن ماجة استحى من ذكر مائة حسنة فذكر كذا وكذا!
(656) وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 49.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 49.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 50.
(4) سنن ابن ماجة رقم 3596.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 238.
350
من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا!! (1).
خاتم النبوة
(657) عن عبد الله بن سرجس:... قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه
عند ناغض كتفه اليسرى، جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل (2).
(658) وعن جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
كأنه بيضة حمام (3).
(659) وعن السائب:... ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر
الحجلة (4).
قيل: الحجلة: واحدة الحجال بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى.
وقيل: الحجلة: الطائر المعروف وزرها بيضها كما عن الترمذي، وأنكره عليه العلماء.
وفي صحيح البخاري: كانت بضعة ناشزة: أي مرتفعة على جسده.
وأما ناغض كتفه: أي أعلى الكتف. وقيل غير ذلك.
ومعنى جمعا: إنه كجمع الكتف، وهو صورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها.
والخيلان: - بكسر الخاء وإسكان الياء -: جمع خال، وهو الشامة في الجسد. ولاحظ شرح
النووي، والبخاري برقم (187).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 19.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 99.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 97.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 14: 98.
351
خلاف الواضحات
(660) عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم... بعثه الله على رأس أربعين سنة،
فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة (1).
أقول: وحتى كثير من العوام يعرفون أنه قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقد روي ذلك
حتى عن أنس أيضا.
(661) عن عروة: لبث النبي بمكة عشرا.
قلت: فإن ابن عباس يقول بضع عشر.
قال: فغفره وقال: إنما أخذه من قول شاعر (2).
ومعنى غفره: أي قال: غفر الله له، وعن بعض النسخ صغره.
أقول: لا مجال للترديد في صحة قول ابن عباس واشتباه عروة.
(662) وعن ابن عباس: إنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين (3).
(663) وعنه: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة، يسمع الصوت
ويرى الضوء سبع سنين، وثمان سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا (4).
أقول: هذا أيضا غلط واضح، وليعلم أهل التحقيق أولا أن ما تسمى بالصحاح مشتملة
على المتناقضات والأغلاط الواضحة، وليعلموا أيضا أن الاعتماد على أخبار أنس
وأمثاله في ما جرى في مكة أو على أخبار عائشة



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 100.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 101.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 103.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 104.
352
وابن عباس وأمثالهما عما حدث قبل ولادتهما أو في صغرها اشتباه يوهن قيمة الروايات،
فليكن هذا ببالكم في جميع أحاديث الصحاح.
أعظم المسلمين جرما
(664) عن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعظم المسلمين جرما من سأل عن
أمر لم يحرم، فحرم على الناس من أجل مسألته (1).
أبو هريرة وخليل الرحمن عليه السلام ووجوب الكذب تقية
لأبي هريرة روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه عليه السلام، فمنها:
إنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم (2).
ومنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال:
(رب أرني كيف تحيي الموتى..).
ومنها: إنه لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات... (3).
وفي شرح النووي: نقلا عن المازري وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصفات
كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان
المشهوران للسلف والخلف... وفيه أيضا: وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب
إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من
علم ذلك إخفاؤه وإنكاره العلم به، وهذا كذب جائز، بل واجب، لكونه في دفع الظالم (4).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 111.
(2) وفي موطأ مالك: وهو ابن 120 سنة. ثم القدوم بالتشديد: اسم قرية، وبالتخفيف: اسم
آلة النجار، ويحتمل إرادة القرية، وفي شرح النووي: والأكثرون على التخفيف وإرادة
الآلة!
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 123 - 124.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 124.
353
ثم إنه يمكن الخدش في صحة هذه الروايات، لكن البحث فيها وحول ما نسب إلى إبراهيم
الخليل على نبينا وآله وعليه السلام من كذبات ثلاث لا يناسب هذا المختصر.
اجتهاد معاوية وغيره في لعن علي
(665) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا
فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلن أسبه (1
(666) عن سهل بن سعد، قال: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهل بن
سعد فأمره أن يشتم عليا، قال: فأبى سهل، فقال له: أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا
التراب... (2).
(667) عن ابن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... إنما الشقي من
شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، ألا إن قتال المؤمن. كفر وسبابه
فسوق... (3).
أقول: لا أريد أن أبحث عن تلاعن الصحابة وسب بعضهم بعضا ولا عن شدة بغض جمع من
الصحابة لا سيما معاوية وحزبه عليا وحزبه، ولكن أريد أن أنبه على ما ذكره النووي
في شرح الحديث الأول، قال:
قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها...
فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع
له من السب... ولعل سعدا كان في طائفة



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 175.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 182.
(3) سنن ابن ماجة: حديث 46.
354
يسبون فلم يسب معهم... فسأله هذا السؤال.
قالوا: ويحتمل تأويلا آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر
للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ (1).
أقول: أولا: إن معاوية لتأخر إسلامه وعدم اعتنائه بالشريعة غير مجتهد، وهو
نفسه يصرح بأنه: ما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه
حديثا مني (2).
وثانيا: لو بنينا مذهبنا على هذه التأويلات الركيكة، المشمئزة منها الطبع،
الخارجة عن طريقة أهل اللسان المألوفة، لحكمنا على أنفسنا، ولا يقبل عاقل منا هذا
الدفاع عن الصحابة، لا سيما كمعاوية وأمثاله، والله سبحانه لا يرضى الغلو في الدين
لأحد.
ثم إنه لو سلمنا وسلم العقلاء أن مراد معاوية من تأنيب سعد على عدم سبه عليا
هو تشويقه لذكر مناقب علي!! لكن ماذا يصنع المتأولون بما صدر عن معاوية من سب علي
وآله وشتمهم وتحقيرهم بما هو متواتر؟ وماذا يقولون عن حربه معه في صفين وكونه من
فئة باغية داعية إلى النار، إلا أن يقال إن المراد بالنار هي الجنة، وإن الغرض من
حربه في صفين إلزامه عليا بأن يقبل بيعته وبيعة أهل الشام وإدخال الشام في دائرة
حكومته كالكوفة!!
أخرج أحمد والحاكم وصححه عن أم سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
أحب عليا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني،
ومن أبغضني فقد أبغض الله.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 15: 175 - 176.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 23.
355
من جمع القرآن
(668) عن همام: قال: قلت لأنس: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت،
ورجل من الأنصار يكنى أبا زيد (1).
رد على حديث العشرة المبشرة بالجنة
(669) عن سعد: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي أنه في الجنة
إلا لعبد الله بن سلام (2).
أقول: يظهر منه أن حديث العشرة المبشرة لم يكن مشهورا بين الصحابة في تلك
الأزمان.
من فضائل أبي سفيان
(670) عن عكرمة، عن أبي زميل، عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون (إلى) أبي
سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطنيهن،
قال: نعم.
قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها.
قال: نعم.
قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك.
قال: نعم.
قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.
قال: نعم.
قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك،
لأنه



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 20.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 41.
356
لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم (1).
أقول: أما أن المسلمين لا ينظرون ولا يقاعدون أبا سفيان فوجهه معلوم، فإنهم على
شك من إسلامه أو على ظن ببغضه ونفاقه، وأما الحديث فوضعه جاهل أجير، ولذا يقول
النووي في شرحه على المقام: إن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال، ووجه
الإشكال: أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وهذا مشهور لا
خلاف فيه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل...
سنة ست، وقيل: سنة سبع...
وقال ابن حزم: هذا الحديث وهم من بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي
صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر...
وفي رواية عن ابن حزم أيضا أنه قال: موضوع، والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي
عن أبي زميل.
أقول: دع عنك غلو المتعصبين وتأويل المتأولين، ولا تغتر بوجود الروايات في الكتب
الستة فتكون من الضالين.
(671) عن عائذ بن عمرو: إن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا:
والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.
قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم! فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم
أبو بكر فقال: يا أخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي (2).



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 63.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 66.
357
أقول: يظهر منه أن أبا سفيان عدو الله، وإنما أظهر الإسلام خوفا، وإن زعمه أبو
بكر شيخ قريش وسيدهم.
من فضائل جعفر وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم
(672) عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم... حتى قدمنا
جميعا، قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر فأسهم لنا...
فدخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي... فقال عمر:
سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت وقالت كلمة:
كذبت يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ
جاهلكم، وكنا في دار - أو أرض - البعداء البغضاء في الحبشة... فقال رسول الله:
ليس (أي عمر) بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة
هجرتان... (1).
سب الصحابة
(673) عن أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شئ فسبه
خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم
لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه (2).
أقول: أي ما أدرك ثواب نفقة أحد منهم مدا ولا نصف مد.
وفي شرح النووي: قال القاضي وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور
أنه يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل.
أقول: الأمر كما ذكر القاضي، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزر خالدا، وكذا
الخلفاء لم يعزروا السابين كما مر.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 64 - 65.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 93.
358
تكون الجنين وأطواره في الرحم
(674) عن عبد الله: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن
أحدكم يجمع خلقة في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون
في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات، يكتب:
رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد... (1).
أقول: لا بد من مراجعة علوم اليوم في تعيين حياة الجنين، وظاهر هذه الرواية -
كبعض روايات الشيعة - أن الجنين تحله الحياة بنفخ الروح فيه بعد أربعة أشهر.
(675) لكن في حديث حذيفة، عنه صلى الله عليه وسلم: يدخل الملك على النطفة بعدما
تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟
فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم
تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص (2).
(676) وفي سند آخر عن عبد الله بن مسعود: الشقي من شقي في بطن أمة، والسعيد من
وعظ بغيره... فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مر بالنطفة
ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا... (3).
والمذكور في الأحاديث مقادير:
1 - أربعة أشهر.
2 - أربعون أو خمسة وأربعون.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 192.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 193.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 193.
359
3 - ثنتان وأربعون.
4 - بضع وأربعون.
وهذا كغيره من المتضاربات دليل على ضعف الأحاديث وعدم صحة جميعها، وإن تجشم
المتجشمون في تأويلها تجشما خارجا عن طريقة العقلاء وأهل اللسان.
أولاد الكفار
(677) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد
على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه.
فقال رجل: يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك؟
قال: الله أعلم بما كانوا عاملين (1).
ظاهر الجملة الأخيرة التي رواها ابن عباس أيضا أن أولاد الكفار أو مطلق
الأولاد يجزون بعملهم على تقدير بقائهم إن شرا فشرا، وإن خيرا فخيرا، لكن ظواهر
القرآن المجيد تدل على أن العقاب على العمل والنية لا مع فقدهما.
وفي شرح النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال
المسلمين فهو من أهل الجنة... وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب:
قال الأكثرون: هم في النار تبعا لآبائهم! وتوقفت طائفة فيهم، والثالث - وهو
الصحيح الذي ذهب إليه المحققون -: أنهم من أهل الجنة. واستدل له بأمور منها:
قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (2) (3).
أقول: لكن الآية المباركة لا تدل على دخولهم الجنة، وإن كان القول



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 209.
(2) الإسراء 17: 15.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 207.
360
الأول باطلا، فإنه ظلم تعالى الله عن ذلك.
خلق الأرض
(678) عن أبي هريرة قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خلق الله
عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين،
وخلق المكروه - قيل: هو ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر
الأرض! - يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق
آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق... (1).
أقول: الرواية مخالفة للقرآن ولعلم طبقات الأرض الحديث (الجيولوجيا)، فهو - كما
يدل على كذب أبي هريرة - يدل على بطلان ما توهمه المشهور من صحة أحاديث مسلم
وأقرانه.
أرض القيامة
(679) عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون الأرض يوم
القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل
الجنة.
قال: فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل
الجنة يوم القيامة؟
قال: بلى.
قال: تكون الأرض خبزة واحدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... (2
(680) وعن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل:



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 133.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 135.
361
(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) (1)، فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟
فقال: على الصراط (2).
أقول: الآية الشريفة تدل على أن أرض القيامة غير هذه الأرض، فالناس يوم القيامة
في أرض القيامة، فلا مفهوم لحديث عائشة، والظاهر أنه موضوع من جاهل لم يفهم معنى
الآية فأراد أن يجيء بشئ جديد للناس فضل بقبوله حتى العلماء كمسلم! وأعلم أن
أرض المحشر كرة كما أن أرضنا كرة، وكما أن الجنة والنار كرتان، والآية تنبئ عن
أمور كونية منطبقة على العلوم الحديثة التي لا يتصورها بشر قبل عدة قرون أو قرنين،
وهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم وتفصيله في محله.
بلية القبر للمسلمين
(681) عن زيد:... فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها... (3).
أقول: ظاهر هذه الجملة أن المسلمين وحدهم يبتلون في قبورهم دون سائر الأمم، وهو
بعيد.
علوم جمع من الصحابة
(682) عن حذيفة أنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن
تقوم الساعة، فما منه شئ إلا قد سألته، ألا إني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من
المدينة (4).
وله رواية أخرى مرت عن كتاب البخاري.



(1) إبراهيم 14: 48.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 134.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 17: 202.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 16.
362
(683) عن أبي زيد قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر
فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل
فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن،
فأعلمنا أحفظنا (1).
أقول: رأيت في بعض كتب الشيعة نقل هذين الحديثين وما تقدم من حديث أبي هريرة من أنه لم يبث إلا أحد الوعائين من العلم، وما مر من أن عمر محدث، ثم سأل مؤلف
الكتاب أهل الإنصاف أي فرق بين هؤلاء وبين علي؟ حيث يصر أهل السنة على أنه لم يكن
عنده علم سوى ما في الصحيفة، أليس هذا عنادا للحقيقة؟
ضرر بني أمية
(684) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يهلك أمتي هذا الحي من
قريش.
قالوا: فما تأمرنا.
قال: لو أن الناس اعتزلوهم (2).
أقول: ذكر بعض من علق على كتاب مسلم: إن المراد بهذا الحي بنو أمية، ثم أشار
إلى ما فعل يزيد بحسين بن علي وأهل بيته.
أقول: وكذا معاوية ما فعل بصفين، ولو أن الأمة اعتزلوهم ولم يعتمدوا عليهم في
دينهم ودنياهم لاستراحوا من أكثر الشرور.
تحديد القيامة بعمر غلام
(685) عن أنس: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؟



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 16.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 41.
363
وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يعش
هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (1).
وفي حديث آخر: إن عمر هذا الغلام.
وفي حديث ثالث: إن أخر هذا الغلام.
أقول: وقد مضى ألف وأربعمائة سنة ولم تقم الساعة، مع أن القرآن ينفي علم قيام
الساعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد من تكذيب الحديث.
عمر بن سعد
(686) عن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما
رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب! فنزل، فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك
وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد صدره فقال: اسكت... (2
أقول: هذا حال عمر بن سعد بنظر أبيه وبرواية أخيه، ومع ذلك وثقه بعضهم. ولعل
وثاقته ثبتت من إمارته على جند عبيد الله بن زياد في كربلاء، وقبوله قتل الحسين
تحكيما لحكومة يزيد بن معاوية.
النهي عن الكتابة أو آفة السنة القولية
(687) عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا
عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي...
(متعمدا) فليتبوأ مقعده من النار (3).
أقول: مر ما يتعلق بالحديث في مقدمة الكتاب.



(1) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 90.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 100.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18: 129.
364
المقصد الثالث
حول أحاديث سنن أبي داود
سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي
202 - 275 ه‍

365
وعندنا النسخة المطبوعة من دار الحديث بالقاهرة المجزأة بأربعة أجزاء (توزيع
المكتبة التجارية بمكة المكرمة) وذكر لكل حديث رقما آخره 5274 بمكرراتها القليلة
بالنسبة إلى البخاري ومسلم، وقد ذكر بعض من ترجمه باللغة الأردوية وطبعه في ثلاث
أجزاء أن أبا داود اختار (4800) حديثا من (500000) حديث في كتابه هذا، وجده
الأعلى - عمران - كان مع علي بصفين واستشهد هناك.
وعن القاضي عياض - كما نقله السيوطي في شرحه على سنن النسائي ص 241 ج 7 -: روي عن
أبي داود السجستاني قال: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث،
الثابت منها أربعة آلاف حديث... وعن جماعة: إن عدة من أحاديث كتابه غير معتبرة.
أقول: ويدل عليه أن في بعض أسانيده: عن رجل. وهذا الرجل مجهول طبعا، فلاحظ ص 126
وص 144 وص 166 وص 167 ج 3، بل روى عن الضعفاء أيضا. وعلى كل معظم رواياته في الأحكام
الفرعية الفقهية.
تخفيف عذاب القبر
(688) عن ابن عباس: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما
يعذبان... ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا،
وقال: لعله يتخفف عنهما ما لم ييبسا (1).



(1) سنن أبي داود 1: 6.
367
إهانة النبي الأكرم
(689) عن عبد الرحمن بن حسنة قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فخرج ومعه درقة ثم استتر بها ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول
المرأة!!، فسمع ذلك فقال: ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم
البول قطعوا ما أصاب البول منهم (من جلد أحدهم) (من جسد أحدهم)... (1).
أقول: كلام عبد الرحمن وابن العاص إهانة للنبي صلى الله عليه وسلم، والذيل إهانة
للتشريع، فإن العقلاء لا يرضون بحكم فطرتهم وضميرهم الإنساني أن ينسب إلى التشريع
الديني قطع أعضاء البدن.
(690) عن حكيمة بنت أميمة، عن أمها أنها قالت: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم
قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل (2).
أقول: ومن المأسوف عليه أن تدخل النساء في كتب أحاديثنا بشكل واسع فذكرن أشياء
فيها بعنوان الحديث والسنة كهذه القصة القبيحة، فصارت موجبة لتنفر الناس في هذه
الأعصار عن الإسلام.
(691) عن حذيفة: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما ثم دعا
بماء فمسح على خفيه... قال: فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه (3).
أقول: القرائن على وضع هذا الحديث المهين لمقام النبوة والموجب لتحقير النبي صلى
الله عليه وسلم عند العقلاء كثيرة، فمنها: ذكر مسح الخفين، إذ لا ربط له



(1) سنن أبي داود 1: 7.
(2) سنن أبي داود 1: 7.
(3) سنن أبي داود 1: 6.
368
بالمقام، فيفهم أن لجاعله فيه غرضا خاصا.
ومنها: إن الراوي استحى من تلك الحالة وتباعد والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستح
(نعوذ بالله) وأمر بأن يقترب منه، فبالله عليك هل رأيت عالما بل عاقلا يبول
قائما ثم يدعو تابعه ومخلصه حتى يدنو منه في تلك الحالة؟ أليس هذا عمل المجانين،
أليس هذا دليلا على أن الموضوعات نفذت في كتب الصحاح؟
ومنها: ما عن عائشة - كما في أوائل سنن النسائي -: من حدثكم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالسا.
ثم إن قصة البول قائما حيث إنه أمر منكر عند العقول ذهب جمع من الغالين في حق
الرواة ورواياتهم المصونة عن الكذب والخطأ والأهواء! إلى أقوال: فقيل: كان له صلى
الله عليه وسلم مرض مانع من الجلوس! أو لم يكن هناك محل للجلوس.
وقيل: إنه منسوخ! وقيل: إنه لأجل التحفظ من سراية البول!
وقيل: شئ آخر لا نذكره.
لطيفة
نقل القاضي الحسين في تعليقة له على المقام: إن أهل هرات (بلدة من بلاد
أفغانستان) اعتادوا أن يبولوا قائمين في كل سنة مرة حتى عملوا بالسنة!!
نجاسة الكلب
(692) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه

369
الكلب أن يغسل سبع مرار أولاهن بالتراب (1).
وفي حديث آخر: السابعة بالتراب!!.
وفي رواية ابن مغفل:... والثامنة عفروه بالتراب (2).
والعجيب أن عبد الله بن عمر لا يرى نجاسة بول الكلب!
(693) عن ابن عمر: كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم...
وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا (3).
واعلم أن قوله تعالى: (وكلوا مما أمسكن) (4)، لا يدل على طهارة لعاب فم الكلب
حتى يقال بطهارة الكلب، فإن نظر الآية إلى حلية الأكل وعدم كونه ميتة محرمة
فقط، ولا إطلاق لها يدفع لزوم تطهير الصيد، وهذا أمر دقيق قررناه في أصول الفقه،
وأنه لا إطلاق للفظ بالنسبة إلى قيد إذا لم يكن ناظرا إليه، فلا تغفل. وما قيل من أن الحياة سبب للطهارة وهي محققة في الكلب غلط لا دليل عليه، وكل شئ حي أو غير
حي فهو طاهر إلا ما دل الدليل على نجاسته، والكلب قد ثبتت نجاسته بهذا الحديث
وغيره.
ادعاء كاذب في جماعه صلى الله عليه وسلم
(694) عن أبي رافع: أن النبي طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال:
فقلت (له): يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا؟
قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر (5).
أقول: وكأنه صلى الله عليه وسلم بعث ليري الناس طوافه على نسائه وأغساله! أهكذا



(1) سنن أبي داود 1: 19.
(2) سنن أبي داود 1: 20.
(3) سنن أبي داود 1: 103.
(4) المائدة 5: 4.
(5) سنن أبي داود 1: 56.
370
كان النبي الحكيم الوقور، ألم يأن للذين يعقلون أن يحكموا ببطلان هذه الروايات، ألم
يشعر أبو داود أن أبا رافع كيف دار معه صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه صلى
الله عليه وسلم، وهل يرضى غيور أن يدور معه رجل ويعرف جماعه مع أزواجه.
غسل الجنابة يكفي عن الوضوء
(695) عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة
الغداة ولا أراه يحدث وضوء بعد الغسل (1).
أقول: هذا هو المستفاد من القرآن المجيد، فإن وظيفة القائم إلى الصلاة إما
الوضوء - على فرض عدم الجنابة - وإما الغسل - على فرض الجنابة - فإن التقسيم قاطع
للشركة كما ذكر في محله.
متعارضات ومتناقضات
(696) تعارضت روايات ابن عباس في كفارة وطء الحائض، ففي بعضها: دينار أو نصف
دينار.
وفي بعضها: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف
دينار.
وفي بعضها: آمره أن يتصدق بخمسي دينار (2).
كما تعارضت الروايات في غسل المستحاضة عند صلواتها اليومية (3).
(697) عن عائشة: كنت إذا حضت نزلت عن المثال (4) على الحصير، فلم نقرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر (5).



(1) سنن أبي داود 1: 65.
(2) سنن أبي داود 1: 68.
(3) سنن أبي داود 1: 76 - 81.
(4) المثال: الفراش. الصحاح - مثل - 5: 1816.
(5) سنن أبي داود 1: 70.
371
أقول: وهذا يعارض كل ما ورد في المباشرة والمضاجعة حتى في نفس الصفحة من السنن
المذكورة!!
(698) عن أبي هريرة:... ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض... قال: إذا طهرت فاغسليه
ثم صلي فيه... (1).
لاحظ ما ورد عن عائشة بخلافه (2).
(699) وعن عثمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم ولا
ينكح ولا يخطب (3).
(700) وعن ابن عباس: إن النبي تزوج ميمونة وهو محرم (4).
(701) وعن ميمونة: تزوجني رسول الله ونحن حلالان بسرف (5).
(702) عن عبد الله الحرث:... فقال علي:... أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهدي إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم (6).
(703) عن ابن عباس قال: يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال: أنا حرم؟ قال: نعم (7).
(704) عن أبي قتادة:... ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هي طعمة أطعمكموها
الله تعالى (8).



(1) سنن أبي داود 1: 99.
(2) سنن أبي داود 1: 97..
(3) سنن أبي داود 2: 175.
(4) سنن أبي داود 2: 175.
(5) سنن أبي داود 2: 175.
(6) سنن أبي داود 2: 176.
(7) سنن أبي داود 2: 177.
(8) سنن أبي داود 2: 177.
372
قيمة فتاوى الصحابة
(705) عن الأزدية قالت: حججت فدخلت على أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين، إن
سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض... (1).
(706) عن عبد الرحمن بن أبزي قال: كنت عند عمر فجاءه رجل فقال: إنا نكون بالمكان
الشهر والشهرين، فقال عمر: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، فقال
عمار:... (2). وقد تقدم بحثه.
(707) عن ابن عباس: أصاب رجلا جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم
فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه
قتلهم الله ألم يكن شفاء العي السؤال (3).
(708) عن عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في
يوم واحد، فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر (4).
أقول: وعليه، فصلى الجمعة قبل الزوال بكرة وهو باطل قطعا، فهو قد ترك الظهر.
تشييد المساجد
(709) عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرت بتشييد
المساجد (5).
الأذان
ورد فيه روايات متعارضة في عدد كلماته وكلمات الإقامة، ولم ترد



(1) سنن أبي داود 1: 83.
(2) سنن أبي داود 1: 87.
(3) سنن أبي داود 1: 92.
(4) سنن أبي داود 1: 281.
(5) سنن أبي داود 1: 122.
373
(الصلاة خير من النوم) إلا في رواية أبي مخدورة (محذورة)، ومع هذا التعارض يشكل
الاعتماد عليها (1).
تناقض في تكرار الصلاة
(710) عن سليمان: قال أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون فقلت: ألا تصلي معهم؟
قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا صلاة في
يوم مرتين (2).
(711) عن جابر: إن معاذ بن جبل يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم
يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (3).
ووردت روايات عن أشياء تقطع الصلاة ثم ورد: لا يقطع الصلاة شئ! (4).
إمامة الفاجر ومرتكب الكبائر
(712) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة المكتوبة واجبة
خلف كل مسلم، برا كان أو فاجرا، وإن عمل الكبائر (5).
حول البسملة
(713) عن عائشة: كان رسول الله يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب
العالمين (6).



(1) أنظر سنن أبي داود 1: 132 - 139، وكذا في غيره من الكتب الستة.
(2) سنن أبي داود 1: 156.
(3) سنن أبي داود 1: 161.
(4) سنن أبي داود 1: 189.
(5) سنن أبي داود 1: 160.
(6) سنن أبي داود 1: 206.
374
(714) عن أنس: إن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتحون القراءة بالحمد لله
رب العالمين.
أقول: وعدم ذكر علي إما لأجل تنفر أنس عن اسمه كما هو الحال في بعض روايات
عبد الله بن عمر، أو لأجل الخوف من السلطة الأموية الغاشمة العدوة لعلي، وعدم ذكر
علي في عداد أسامي الخلفاء في الأحاديث غير نادر، ثم الحديثان يدلان على عدم لزوم
قراءة البسملة في الفاتحة مع أنها آية قرآنية وجزء من السور. وربما يتأول بأن
البسملة لم تقرأ جهرا.
(715) عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها، فقال: هل تدرون ما
الكوثر؟.
قال: الله ورسوله أعلم.
قال: نهر وعدنيه في الجنة (1).
(716) عن ابن عباس: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من
المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما
سطر بسم الله الرحمن الرحيم؟
قال عثمان: كان النبي مما ينزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له:
ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وتنزل عليه الآية والآيتان
فيقول: مثل ذلك، وكانت الأنفال من أول ما [أ] نزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من
آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتها



(1) سنن أبي داود 1: 207.
375
قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم أكتب
بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم (1).
يستفاد من الحديث أمور:
1 - المركوز في أذهان المسلمين أن كل سورة لها بسملة.
2 - إن ترتيب الآيات في السور إنما وقع في زمانه صلى الله عليه وسلم.
3 - إنه لم يكن تابعا لترتيب النزول، بل بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
4 - إن ترك البسملة في أول سورة البراءة من اجتهاد عثمان فهو حذفها ونقص القرآن.
(717) وعن ابن عباس: كان النبي لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله
الرحمن الرحيم (2).
نادرة في القراءة
(718) عن ابن عباس قال: لا أدري أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر أم لا (3).
وأعجب منه ما نقل عنه - في جواب من سأل: أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر؟ -
قوله: لا، لا، فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشا (4) هذه شر من الأول،
كان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل إليه...
أقول: تأمل وتعجب من الحديث! وقد مر في حديث أنه يجهر ببعض القراءة في صلاة
الظهر!



(1) سنن أبي داود 1: 207 - 208.
(2) سنن أبي داود 1: 208.
(3) سنن أبي داود 1: 213.
(4) خمشا: دعا عليه بأن يخمش وجهه أو جلده، كما يقال جدعا وقطعا، النهاية
لابن الأثير 2: 80.
376
النبي صلى الله عليه وسلم نسي القراءة
(719) عن أبي عبادة... صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي
يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه القراءة.
وفي حديث: ثقلت... (1).
وعن ابن عمر: إن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي:
أصليت معنا؟.
قال: نعم.
قال: فما منعك؟ (2).
أقول: القرآن يبطل هذا الحديث بقوله: (سنقرئك فلا تنسى) (3).
بعض أحكام الصلاة
(720) إنه صلى الله عليه وسلم يقعد بعد السجدة الآخرة في الركعة الأولى ثم
يقوم.... يدل عليه ثلاث روايات (4).
وفي رواية عن أنس: وإذا قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد وهم (أوهم)، ثم
يكبر ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد وهم (5
الالتفات في الصلاة
(721) عن عائشة: سألت رسول الله عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: (إنما) هو
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (6).
(722) عن سهل: ثوب بالصلاة - يعني صلاة الصبح - فجعل رسول



(1) سنن أبي داود 1: 206.
(2) سنن أبي داود 1: 238.
(3) الأعلى 87: 6.
(4) أنظر سنن أبي داود 1: 222.
(5) سنن أبي داود 1: 224، وانظر: 310 أيضا.
(6) سنن أبي داود 1: 238.
377
الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس (1).
أقول: لاحظ الحديثين واعتبر!
تناقض عن السيدة
(723) عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلا طويلا قائما،
وليلا طويلا قاعدا، فإذا صلى قائما ركع قائما، وإذا صلى قاعدا ركع
قاعدا (2).
(724) وعنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس، وإذا
بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع، ثم
سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك.
أقول: أيهما صحيح؟ ويحكي كل منهما لمكان لفظ (كان) عن عادته صلى الله عليه وسلم.
سجدتا السهو
هل هما قبل التسليم أو بعده؟ الروايات فيهما مختلفة (3).
الرد على الوهابية الضالة
(725) عن أوس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم
الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة
فيه، فإن صلاتكم معروضة علي.
قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت.



(1) سنن أبي داود 1: 240.
(2) سنن أبي داود 1: 250.
(3) أنظر سنن أبي داود 1: 270 - 274.
378
فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء (1).
أقول وحتى إذا لم يحرمها عليها فإن أرواحهم الطاهرة أقوى من أرواح الشهداء
الذين يرزقون عند ربهم ولها إدراك. وعلى كل، أن أرواح الأنبياء قادرة وحدها ومع
أجسادها لعرض الأعمال عليها، فيجوز الاستشفاع والتوسل بها.
(726) عن أبي هريرة: إن رسول الله قال: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله
علي روحي حتى أرد عليه السلام (2).
أقول: والصحيح: إلا رده الله على روحي حتى أرد...
(727) وعنه:... وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (3).
(728) وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد إذا وضع في قبره
وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم (4).
(729) عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال:
السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.. (5).
ساعة يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة
(730) يحدث أبو موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي ما بين أن
يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة (6).



(1) سنن أبي داود 1: 275، وانظر سنن ابن ماجة حديث 1085، رواه عن شداد بن أوس،
وحديث 1636 و 1637 حيث رواه عن أوس ابن أوس وعن أبي الدرداء، ولاحظ سنن النسائي 3:
91.
(2) سنن أبي داود 2: 224.
(3) سنن أبي داود 2: 225.
(4) سنن أبي داود 3: 215.
(5) سنن النسائي 1: 94.
(6) سنن أبي داود 1: 276.
379
ويحدث جابر عنه صلى الله عليه وسلم: فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر (1).
صلاة الجمعة في غير المسجد النبوي
(731) عن ابن عباس: إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة بجواثاء قرية من قرى البحرين.
قال عثمان - شيخ المؤلف -: قرية من قرى عبد القيس (2).
(732) عن عبد الرحمن:... لأنه (أي أسعد بن زرارة) أول من جمع بنا في هزم النبيت
من حرة بني بياضة، في نقيع يقال له نقيع الخضمات (3)، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال:
أربعون (4).
إظهار اليدين عند الدعاء
(733) عن سهل: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهرا يديه قط يدعو على
منبره ولا (على) غيره، ولكن رأيته يقول هكذا. وأشار بالسبابة وعقد الوسطى
بالإبهام (5).
(734) عن عائشة في صلاة الاستسقاء... ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع... (6).
أقول: لا تناقض بين الحديثين، لأن سهلا ادعى عدم رؤيته، نعم



(1) سنن أبي داود 1: 275.
(2) سنن أبي داود 1: 280.
(3) نقيع الخضمات: موضع بنواحي المدينة. النهاية لابن الأثير 2: 44.
(4) سنن أبي داود 1: 281.
(5) سنن أبي داود 1: 288.
(6) سنن أبي داود 1: 304.
380
الحديث يسلب الاعتماد عن أمثال الادعاء المذكور.
صلاة الكسوف
اختلفت الروايات في ذلك، ففي بعضها: إنه صلى الله عليه وسلم ركع في كل ركعة ثلاث
ركعات، أي ست ركعات في أربع سجدات.
وفي بعضها: إنه صلى الله عليه وسلم ركع أربع ركعات وأربع سجدات.
وفي بعضها: ركع خمس ركعات وسجد سجدتين، وقام في الثانية بمثل ذلك.
وفي بعضها: إنه صلى الله عليه وسلم ركع أربع ركعات في كل ركعة.
وفي بعضها: إنه صلى ركعتين بركوعين، في كل ركعة ركوعا (1).
أقول: قد عرفت في أول الكتاب علل اختلاف الأحاديث.
وأبو داود يعنون عدة من الأبواب في الأحاديث المتضاربة والمختلفة بقوله: باب من
قال كذا وكذا، وباب من قال كذا وكذا، فينسب الأحاديث المختلفة إلى الرواة دون
النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله يتوقف في صحة انتسابها إلى النبي الأكرم ويحتمل
أنها من الرواة نسبوها إليه صلى الله عليه وسلم عمدا أو سهوا، وهذا هو الطريق
الصحيح، بل لا يمكن نسبة المتعارضين إليه صلى الله عليه وسلم.
الجمع بين الصلاتين
أورد أبو داود (15) حديثا في الجمع بين الصلاتين، بعضها نص لا يقبل التأويل
والحمل على الجمع الصوري.
(735) عن معاذ بن جبل: إن رسول الله كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن
يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ



(1) أنظر سنن أبي داود 1: 305 - 308.
381
الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل
جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل
للعشاء، ثم جمع بينهما (1).
أقول: الحديث يدل على صحة الجمع المعنوي بكلا قسميه، أي جمع تقديم وتأخير.
وأما ما روي:
(736) عن ابن عمر: ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة. فهو
غلط، على أنه روي موقوفا على ابن عمر، وأنه لم ير أنه صلى الله عليه وسلم جمع
بينهما إلا مرة، بل هو معارض بما نقل عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا جد صلى صلاتي هذه. أي جمع جمع تأخير (2).
(737) وعن ابن عباس: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا،
والمغرب والعشاء جميعا، في غير خوف ولا سفر (3).
(738) وعنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب
والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد
أن لا يحرج أمته (4).
أقول: إتيان الظهر في آخر وقته وإتيان العصر في أول وقته لا ينفي الحرج قطعا، بل
معرفة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر لا تتيسر لأغلب المكلفين كما اعترف به ابن
عبد البر أيضا، فالرواية نص في جواز الجمع



(1) سنن أبي داود 2: 5.
(2) سنن أبي داود 2: 7.
(3) سنن أبي داود 2: 6.
(4) سنن أبي داود 2: 6.
382
المعنوي في الحضر والسفر،
يقول وحيد الزمان في تعليقته على المقام: إن الجمع المعنوي بقسميه ثابت عنه صلى
الله عليه وسلم، وهو عند أكثر العلماء صحيح في السفر، وفي الحضر اختلاف لم يجوزه
الأئمة الأربعة، لكن مشايخ المحدثين وطائفة من السلف يقولون بصحته، وأدلة
المنكرين ضعيفة. ثم نقل عن الزرقاني: إن جماعة من الأئمة جوزوا الجمع بين
الصلاتين في الحضر بشرط أن لا يجعل عادة، وهذا قول ابن سيرين، وربيعة، والشهب، وابن
المنذر، والقفال، وجماعة من المحدثين.
أقول: لا دليل على المنع سوى الاتباع والتقليد عن الأئمة الأربعة، وهو في مقابل
النصوص باطل.
أقوال الصحابة المتضاربة
(739) عن عمران بن حصين:... وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشر ليلة لا يصلي
إلا ركعتين (1).
(740) عن ابن عباس: إنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة.
قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم.
(741) وعنه: إنه صلى الله عليه وسلم أقام تسع عشرة.
(742) وعنه: أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة (2).
(743) عن أنس بن مالك:... فقلنا هل أقمتم بها شيئا؟ قال: أقمنا عشرا (3).
أقول: فهذا خمسة أقوال من الصحابة والرواة في أمر محسوس، فلا عبرة بأقوالهم فضلا
عن آرائهم، ولا يغتر بها إلا قليل العقل، وقلة العقل



(1) سنن أبي داود 2: 10.
(2) سنن أبي داود 2: 10.
(3) سنن أبي داود 2: 10.
383
هي التي تنتج الغلو.
ثم المنقول عن سفيان الثوري وأهل الكوفة: وجوب التمام بإقامة خمسة عشر يوما.
وعن مالك والشافعي وأحمد: وجوبه بإقامة أربعة أيام.
وعن بعضهم: تسعة عشر يوما.
وأما إذا لم يقصد الإقامة فيقصر وإن مضى على سفره عدة سنوات، وعليه إجماع أهل
السنة كما يدعيه وحيد الزمان في تعليقته.
صلاة الخوف
(744) يظهر من رواية سهل أنها ركعتان، ويعارضها ما يدل على أنها ركعة (1).
صلاة التسبيح
(745) وقد علمها النبي صلى الله عليه وسلم للعباس وابن عمر وجعفر في ثلاثة
أحاديث، وفيها فضل كثير (2).
أقول: وهي المشهورة بصلاة جعفر عند الشيعة.
صلاة الليل
ذكر فيها أحاديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وفيها اختلافات وتفاوت.
ليلة القدر
والأحاديث فيها مختلفة، ففي بعضها: إنها ليلة 22 أو ليلة 23.
وفي بعضها: إنها 23، فإن عبد الله بن أنيس الجهني قال له صلى الله عليه وسلم: إن
لي بادية أكون فيها... فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد، فقال: أنزل



(1) أنظر سنن أبي داود 2: 12 و 17.
(2) أنظر سنن أبي داود 2: 29 و 30.
384
ليلة ثلاث وعشرين (1).
وفي بعضها: ليلة 21.
وفي بعضها: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة (أي 21)،
والسابعة (أي 23)، والخامسة (أي 25).
وفي بعضها: اطلبوها ليلة 17 من رمضان، وليلة 21، وليلة 23 ثم سكت.
وفي بعضها: تحروها في السبع الأواخر.
وعن معاوية عنه صلى الله عليه وسلم: ليلة 27.
(746) وعن ابن عمر: سئل رسول الله - وأنا أسمع - عن ليلة القدر، فقال: هي في كل
رمضان (2).
القنوت في الصلاة
(747) عن ابن عباس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر
والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده
من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم وعلى... ويؤمن من خلفه (3). وفي
الباب أحاديث.
الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم
(748) عن جابر: إن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي،
فقال النبي: صلى الله عليك وعلى زوجك (4).



(1) سنن أبي داود 2: 53.
(2) سنن أبي داود 2: 55.
(3) سنن أبي داود 2: 69.
(4) سنن أبي داود 2: 90.
385
نظر الخليفة في صدقة الفطر
(749) عن ابن عمر: كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت (1) أو زبيب، فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر
نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء (2).
متعة الحج
(750) عن جابر: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا...
طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا
من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا؟ فقال: الحل كله فواقعنا النساء،
وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال... (3).
(751) وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم
يكن عنده هدي فليحل الحل كله، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (4).
قال أبو داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس.
أقول: إنكاره مردود عليه.
الحكم والفتوى
(752) عن أبي الطفيل: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله قد رمل (5) بالبيت
وأن ذلك سنة، قال: صدقوا وكذبوا... صدقوا قد رمل



(1) السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر، كأنه حنطة، الصحاح - سلت - 1: 253.
(2) سنن أبي داود 2: 115.
(3) سنن أبي داود 2: 160.
(4) سنن أبي داود 2: 161.
(5) رمل: إذا أسرع في المشي وهز منكبيه. النهاية لابن الأثير 2: 265.
386
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشا قالت زمن الحديبية:
دعوا محمدا وأصحابه حتى يموت موت النغف (1)... فقال رسول الله: أرملوا بالبيت
ثلاثا... (2).
(753) وعن عمر: فيم الرملان (اليوم) والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام
ونفي الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع... (3).
أقول: الحكم ينشأ من قبل الحاكم مؤقتا لأمر عارض، والفتوى بيان الحكم من قبل
الشارع بعنوان الدائم. ولعل جملة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم على نحو الحكم
دون الفتوى، وهذا بحث عميق له ثمرات، فكن من أهله.
وحدة الطواف والسعي للحج والعمرة
(754) عن عطاء، عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: طوافك بالبيت
وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك (4).
قال الشافعي: كان سفيان ربما قال: عن عطاء عن عائشة، وربما قال: عن عطاء: إن
النبي قال لعائشة.
أقول: على الثاني يصير الخبر مرسلا، وقد أبطلوا به حج الناس أو عمرتهم، والله
حسيبهم.
عدم الاعتناء بأحكام الدين
(755) عن ابن يزيد: صلى عثمان بمنى أربعا، فقال عبد الله: صليت مع النبي صلى
الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين... ومع



(1) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم. النهاية لابن الأثير 5: 87.
(2) سنن أبي داود 2: 184.
(3) سنن أبي داود 2: 185.
(4) سنن أبي داود 2: 187.
387
عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها.
قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعا.
قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا.
قال: الخلاف شر (1).
أقول: كأن دين الله مفوض إليهم وتابع لهواهم.
تناقض
(756) عن عمر: إنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين حين دخل الكعبة (2).
(757) وعن ابن عباس:... ثم دخل البيت فكبر في نواحيه، ثم خرج ولم يصل فيه.
الرضاع
(758) عن ابن مسعود: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، فقال أبو موسى: لا
تسألونا وهذا الحبر فيكم (3).
الطلاق ثلاثا
(759) عن طاووس: إن رجلا... (قال) لابن عباس: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق
امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرا من
إمارة عمر؟ قال ابن عباس: بلى... جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس (قد) تتابعوا فيها قال:
أجيزهن عليهم (4).



(1) سنن أبي داود 2: 206.
(2) سنن أبي داود 2: 221.
(3) سنن أبي داود 2: 229.
(4) سنن أبي داود 2: 268.
388
صوم عاشوراء والتناقض
(760) عن ابن عباس: حين صام النبي يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا: يا رسول الله،
إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان
العام المقبل صمنا يوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم (1).
أقول: أولا: لا يمكن غفلة النبي طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم
المذكور، فإن الأحاديث تدل على أنه صام يوم عاشوراء من أوائل دخوله المدينة.
وثانيا: يعارض ما نقل من قوله صلى الله عليه وسلم: ونحن أحق بموسى وأمر
بصيامه!
وثالثا: يعارض ما روي عن ابن عباس أيضا حين سئل عن صوم يوم عاشوراء، فقال: إذ
رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما، فقلت: كذا كان محمد
صلى الله عليه وسلم يصوم؟ فقال: كذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم يصوم (2).
وأنا أظن أن كل هذا مختلق من قبل إجراء بني أمية على ابن عباس.
تصرف أموي أيضا
(761) عن ابن حوالة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الأمر إلى أن
تكونوا جنودا مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق.
قال ابن حوالة: خر لي أن أدرك ذلك.
فقال: عليك بالشام: فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته



(1) سنن أبي داود 2: 339.
(2) سنن أبي داود 2: 340.
389
من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي
بالشام وأهله (1).
أقول: غرض الواضع تحكيم أمر معاوية على خلاف علي، أو تحكيم حكومة الأمويين مطلقا،
ولكن له رواية أخرى وهي:
(762) عنه:... إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل
والأمور العظام... (2).
وكأن الراوي روى أحدهما عند الغضب عليهم، والثانية عند الرضا عنهم.
مبالغة أو زندقة
(763) يروي سهل: إنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل حرسه ليلة: قد أوجبت فلا عليك
أن لا تعمل بعدها (3).
أقول: هذا يؤدي إلى ترك الناس العمل بدينهم، وأيضا هذا الجزاء لمثل هذا العمل
يبعد في حد نفسه.
النظم الإسلامي
(764) عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج ثلاثة
في سفر فليؤمروا أحدهم (4).
أخوا عثمان
(765) عن سعد: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس
إلا



(1) سنن أبي داود 3: 4.
(2) سنن أبي داود 3: 19.
(3) سنن أبي داود 3: 10.
(4) سنن أبي داود 3: 37.
390
أربعة نفر وامرأتين... وأما ابن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان، فلما دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه - ثلاثا -
كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد
يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟.
فقالوا: ما ندري... (1).
قال أبو داود: كان أبو عبد الله أخا لعثمان من الرضاعة، وكان الوليد بن عقبة أخا
له من أمه، وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر.
سجدة الشكر
(766) عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان إذا جاءه أمر سرور أو
بشر به خر ساجدا شاكرا لله (2).
ما ينفع بعد الموت
(767) عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان
انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح
يدعو له (3).
ميراث المسلم من الكافر
(768) عن معاذ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإسلام يزيد ولا ينقص
فورث المسلم.



(1) سنن أبي داود 3: 59.
(2) سنن أبي داود 3: 89، وانظر حديث سعد فإنه وارد في سجدات شكره (ص).
(3) سنن أبي داود 3: 117 وانظر حديث ابن عباس الدال على نفع صدقة الابن لأمه.
391
وفي حديث آخر: إن معاذا أتى بميراث يهودي وارثه مسلم. بمعناه عن النبي صلى الله
عليه وسلم (1).
أقول: ويناقضه ما دل على: أن المسلم لا يرث من الكافر.
في حق عمر
(769) عن أبي ذر، عنه صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول
به (2).
(770) عن ابن شهاب: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو على المنبر: يا أيها
الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا، لأن الله كان
يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف (3).
صورة جديدة من: لا نورث
(771) عن أبي الطفيل: جاءت فاطمة... فقال أبو بكر عليه السلام سمعت رسول الله
يقول: إن الله عز وجل إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده (4).
(772) عن أبي البختري قال: سمعت حديثا من رجل فأعجبني، فقلت: أكتبه لي... فقال
عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا أن رسول الله: قال: كل مال
النبي صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم، إنا لا نورث (5).
(773).... لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وإنما هذا المال لآل



(1) سنن أبي داود 3: 126.
(2) سنن أبي داود 3: 139.
(3) سنن أبي داود 3: 301.
(4) سنن أبي داود 3: 144.
(5) سنن أبي داود 3: 144.
392
محمد لنائبتهم ولضيفهم، فإذا مت فهو إلى من ولي الأمر من بعدي!
ما عشت أراك الدهر عجبا.
تقسيم الخمس
(774) عن جبير بن مطعم: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله غير أنه لم
يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يعطيهم، قال: وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه، وعثمان بعده (1).
(775) عن ابن يزيد: أن نجدة الحروري... أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى
ويقول لمن تراه؟ قال ابن عباس: لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قسمه لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا
فرددناه عليه وأبينا أن نقبله (2).
(776) عن علي: ولاني رسول الله خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحياة أبي بكر وعمر، فأتي بمال... قال: خذه فأنتم أحق به، قلت: قد
استغنينا عنه!، فجعله في بيت المال!
فضل بني هاشم
(777) عن جبير بن مطعم:... فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله
عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك
الله به منهم... (3).
فضل آل رسول الله
(778) عن عبد الله بن الحرث:... ثم خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال



(1) سنن أبي داود 3: 145 كتاب الخراج.
(2) سنن أبي داود 3: 146.
(3) سنن أبي داود 3: 146.
393
لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد...
ثم قال رسول الله: قم فاصدق عنهما من الخمس كذا وكذا (1).
العشور
(779) عنه صلى الله عليه وسلم: إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على
المسلمين عشور (2) (3).
عجيبة في تغسيله صلى الله عليه وسلم
(780) عن عائشة: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري
أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه
ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره!
ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي صلى الله عليه
وسلم وعليه ثيابه...
وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه! (4).
أقول: فيه عجائب ثلاث:
1 - القاء النوم على من يغسله صلى الله عليه وسلم، وهم ثلة من بني هاشم وعلى
رأسهم أبو الحسن وهو المغسل، ولو كان صحيحا ولم يكن موضوعا لاشتهر وبان، ولم
ينحصر نقله بعباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة.
2 - إن قولها: لا يدرون من هو. ظاهر في أنهم سمعوا كلام المكلم في يقظتهم،
فحينئذ يتسائل ما فلسفة الإنامة؟! فكأن الواضع جاهل فوق



(1) سنن أبي داود 3: 148.
(2) العشور: جمع عشر، يعني ما كان من أموالهم للتجارات دون الصدقات. النهاية لابن
الأثير 3: 239.
(3) سنن أبي داود 3: 166.
(4) سنن أبي داود 3: 193.
394
كونه كاذبا!
3 - إن عائشة ندمت من أنها لم تمنع عليا عن تغسيله صلى الله عليه وسلم حتى
تباشر هي غسله!! لكن لا وجه للندامة، فإن أرباب الصحاح لم ينقلوا عن علي في باب
غسله صلى الله عليه وسلم وكفنه ودفنه شيئا إلا نادرا، بل نقلوا عنها.
في غسل من غسل الميت
(781) عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة،
ويوم الجمعة، ومن الحجامة، وغسل الميت.
(782) وعن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من غسل الميت
فليغتسل (1).
قال أبو داود: هذا منسوخ.
أقول: لكنه مكابرة أولا، وغير مفهوم بالنسبة إلى الأول ثانيا، فإنه لا نسخ بعد
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي عن قريب ما يدل عليه ثالثا.
تناقضات مضحكة
(783) عن عائشة: مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر
شهرا، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
(784) عن وائل:... لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عطاء: إن النبي صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة (3).
(785) عن ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف



(1) سنن أبي داود 3: 197.
(2) سنن أبي داود 3: 203.
(3) سنن أبي داود 3: 204.
395
بغير الله فقد أشرك (1).
(786) عن مالك: إنه سمع طلحة بن عبيد الله - يعني في قصة الأعرابي - قال النبي
صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق.
(787) عن رافع: إن رسول الله قال: كسب الحجام خبيث (2).
(788) عن ابن عباس: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو
علمه خبيثا لم يعطه.
أقول: هذه أحاديث كتب صحاحنا المختارة من مئات الآلاف من الأحاديث، فإنا لله
وإنا إليه راجعون، ومن أراد استيفاء هذه المتناقضات في كتاب أبي داود وسائر الصحاح
فعليه بتأليف كتاب كبير!
تحقير علي
(789) عن ناجية بن كعب، عن علي عليه السلام قال: قلت للنبي: إن عمك الشيخ الضال
قد مات، قال: اذهب فوار أباك ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني.
فذهبت فواريته، وجئته، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي (3).
(790) عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام: إن رجلا من
الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمهم علي في
المغرب فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) (4)، فخلط فيها،



(1) سنن أبي داود 3: 220.
(2) سنن أبي داود 3: 264.
(3) سنن أبي داود 3: 211.
(4) الكافرون 109: 1.
396
فنزلت: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (1) (2).
وقيل: إنه قرأ: أعبد ما تعبدون!
لكن، من المعلوم أن عليا لم يشرب الخمر قبل تحريمه ومطلقا من أول عمره، ولم
يعبد صنما، فلا يتفوه به حتى وإن فرض مسكرا كرم الله وجهه.
(791) عن علي: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فأرسل بها
إلي فلبستها، فأتيته فرأيت الغضب في وجهه وقال: إني لم أرسل بها إليك لتلبسها
وأمرني فأطرتها (3) بين نسائي (4).
سبق تعارضه بغيره وقلنا إنه مفتعل.
هؤلاء الرواة!
(792) عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن أبي معمر:... قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحتكر إلا خاطئ.
فقلت لسعيد: فإنك تحتكر.
قال: ومعمر كان يحتكر! (5).
قال أبو داود: كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر.
(793) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيم الله، لا أقبل بعد
يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجرا قرشيا أو أنصاريا أو دوسيا!



(1) النساء 4: 43.
(2) سنن أبي داود 3: 324.
(3) قال ابن الأثير: وفي حديث علي فأطرتها بين نسائي أي شققتها وقسمتها بينهن.
النهاية 1: 54.
(4) سنن أبي داود 4: 46.
(5) سنن أبي داود 3: 269.
397
أو ثقفيا (1).
أقول: وجه اختلاق الحديث واضح، فإنه أراد أن يجعل الدوسيين بمنزلة المهاجرين
والأنصار، ولا أدري أن أبا هريرة كم أخذ في ذكر الثقفي وممن أخذ؟!
(794) وعنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ممن أنت؟.
قلت: من دوس.
قال: ما كنت أرى أن في دوس أحدا فيه خير! (2).
قاعدة اليد
(795) عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على اليد ما أخذت
حتى تؤدي (3).
القضاء باليمين والشاهد
(796) عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد (4).
ويدل عليه غيره. ورواه جابر وسعد وأبو هريرة أيضا كما في جامع الترمذي، وفيه:
(797) عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع
الشاهد الواحد، وقال: قضى بها علي فيكم (5).
أقول: ذيل الرواية نقل في أحاديث الشيعة أيضا، قاله جعفر بن محمد لأبي حنيفة
حيث ينكر ذلك.



(1) سنن أبي داود 3: 289.
(2) جامع الترمذي 3: 235.
(3) سنن أبي داود 294.
(4) سنن أبي داود 294.
(5) جامع الترمذي 2: 38.
398
الحبس
(798) عن حكيم، عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة (1).
سمرة بن جندب
(799) عن محمد بن علي، عن سمرة بن جندب: إنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من
الأنصار... فقال: أنت مضار، فقال رسول الله للأنصاري: اذهب فاقلع نخله (2).
كتابة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم
(800) عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شئ (تسمعه) ورسول الله بشر يتكلم
في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق (3).
أقول: في كون قوله: (أريد حفظه) قيدا لكل شئ أو كونها غاية لقوله: (اكتب)
وجهان، ولاحظ متونه وإسناده في مستدرك الحاكم ج 1 كتاب العلم. ثم إن الحديث يدل
على أمور، منها:
1 - بطلان ما دل من النهي عن الكتابة، وأنه لم يصدر من النبي صلى الله عليه
وسلم، بل هو رأي الخلفاء لمصلحة رأوها. وحسن كتابة أقواله وأحاديثه صلى الله عليه
وسلم (4).
2 - بطلان ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم يلعن عند الغضب من هو غير مستحق للعن،
وسأل الله أن يجعل لعنته قربة ورحمة للملعون، فإن الحديث يدل



(1) سنن أبي داود 3: 313.
(2) سنن أبي داود 3: 314.
(3) سنن أبي داود 3: 317.
(4) ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة: من أن رجلا من أهل اليمن - أبا شاة - سأل
النبي (ص) أن يكتبوا له خطبة النبي (ص) في فتح مكة، فقال (ص): اكتبوا لأبي شاة
ص 318 ج 3.
399
على أنه لا يخرج من فيه صلى الله عليه وسلم إلا الحق، ويدل عليه قوله تعالى:
(وما ينطق عن الهوى) (1).
3 - بطلان ظن جمع من الصحابة بأن النبي بشر يغضب ويرضى فيتكلم بباطل - نعوذ
بالله منه - فإنه ظن سوء مخالف للقرآن والاعتبار، فالنبي الكريم صلى الله عليه
وسلم بشر يغضب ويرضى ولكنه لا يهجر ولا يهذي لا يتكلم بظلم ولا باطل، فإنه أسوة
الناس في الحكمة والأدب والتقوى، فهذا الحديث أصل، وكل ما يخالفه لا بد من الحكم
برده، والله أعلم.
النهي عن التفسير بالرأي
(801) عن جندب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال في كتاب الله عز وجل
برأيه فأصاب فقد أخطأ (2).
ثلاث يجهلهن عمر
(802) عن عمر:... وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى
يعهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا (3).
اعتذار الزبير
(803) عن عبد الله بن الزبير قال: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما يحدث أصحابه؟ فقال: أما والله، لقد كان لي منه وجه ومنزلة،
ولكني سمعته يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (4).



(1) النجم 53: 3.
(2) سنن أبي داود 3: 319.
(3) سنن أبي داود 3: 323.
(4) سنن أبي داود 3: 318.
400
أقول: ولا ملازمة بين الكذب متعمدا والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
هو واضح، والظاهر أن الزبير لم يكن مشتاقا إلى الحديث، إلا أن يقال إنه كان
يعلم من نفسه أنه لو تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لانجر أمره إلى الكذب
متعمدا، فاحتاط في ذلك بترك أصل التحديث.
ليس قول كل صحابي بحجة
وإليك بعض الآراء في ذلك:
1 - يقول عمر لأبي موسى حين ما نقل حديثا: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك أو:
فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك، كما في صحيح مسلم.
2 - معاوية لم يقبل حديث عبادة بن صامت - كما في صحيح مسلم - فإن كان رده عنادا
فهو يوجب فسقه، وإن رده اجتهادا ثبت المطلوب، إن ثبت اجتهاده.
3 - وعن علي: إذا حدثني عنه (أي عن النبي صلى الله عليه وسلم) غيره استحلفته،
فإذا حلف صدقته، كما ورد في سنن ابن ماجة. والتحليف دليل عدم حجية قول الصحابة
مطلقا.
4 - طلب عمر من المغيرة بن شعبة دليلا على نقل حديث، فجاء بمحمد بن مسلمة عليه
شاهدا، كما في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من البخاري.
5 - يقول عمر في حق فاطمة بنت قيس: ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله
عليه وسلم لقول امرأة أحفظت أم لا؟
أقول: ولا بد من أن يقال بمثله في حق عائشة.
كذب ثنتين من ثلاث
ذكر أبو داود في باب شراب العسل حديثين يدلان على تواطؤ عائشة وحفصة على الكذب
وصدوره عن أحديهما، ويدلان أيضا على أن سودة

401
كذبت ضد حفصة بنت عمر (1).
لكل داء دواء
(804) عن أسامة:... فقال صلى الله عليه وسلم: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع
داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم (2).
(805) عن أبي الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء
والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام (3).
ولد الزنا
(806) عن أبي هريرة: قال رسول الله: ولد الزنا شر الثلاثة (4).
ما خص به علي
(807) عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي، وعن لبس
المعصفر، وعن تختم الذهب، وعن القراءة في الركوع والسجود، ولا أقول نهاكم (5).
إشكال آخر على لا نورث
(808) عن عبد الله:... فقالت (أسماء): يا جارية ناوليني جبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأخرجت جبة... (6).
عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(809) عن عمرو قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء



(1) سنن أبي داود 3: 334.
(2) سنن أبي داود 4: 3.
(3) سنن أبي داود 4: 7.
(4) سنن أبي داود 4: 28.
(5) سنن أبي داود 4: 46 و 47، وانظر صحيح مسلم بشرح النووي 7: 173 كتاب الزكاة، حيث
أخبره النبي (ص) عن الخوارج.
(6) سنن أبي داود 4: 49.
402
قد أرخى طرفها بين كتفيه (1).
(810) عن جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة وعليه عمامة
سوداء (2).
معاوية وعبد الله بن عمرو
(811) عن خالد:... فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فرجع
المقدام، فقال له رجل: أتراها مصيبة؟! قال له: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول
الله في حجره فقال: هذا مني وحسين من علي.
فقال الأسدي (رجل من بني أسد): جمرة أطفأها الله عز وجل.
فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك... فأنشدك بالله هل تعلم أن
رسول الله نهى عن لبس الذهب؟
قال (معاوية): نعم.
قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله نهى عن لبس الحرير؟
قال: نعم.
قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود
السباع والركوب عليها.
قال: نعم.
قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية... (3).
(812) عن عبد الله بن عمرو: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بايع إماما
فأعطاه



(1) سنن أبي داود 4: 54.
(2) سنن أبي داود 4: 53.
(3) سنن أبي داود 4: 67.
403
صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر.
قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: سمعته أذناي، ووعاء قلبي.
قلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نفعل ونفعل.
قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله (1).
انظر إلى عبد الله كيف خالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل معاوية.
علم الأصحاب
(813) عن حذيفة: قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فما ترك شيئا
يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد
علمه أصحابه هؤلاء... (2).
(814) وعنه:... والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن
تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم
قبيلته (3).
أقول: تصديق هذا الخبر مشكل جدا.
أمة مرحومة
(815) عن أبي موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمتي هذه أمة مرحومة
ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل (4).



(1) سنن أبي داود 4: 94.
(2) سنن أبي داود 4: 91.
(3) سنن أبي داود 4: 92.
(4) سنن أبي داود 4: 103.
404
اثنا عشر خليفة
(816) عن جابر بن سمرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا
الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة فسمعت
كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من
قريش (1).
أقول: جملة: كلهم تجتمع عليه الأمة غير مذكورة في غير هذا السند فلا عبرة
بها.
وفي حديث آخر: لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة....
المهدي
(817) عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم
(لطول الله ذلك اليوم) حتى يبعث فيه رجلا مني (من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي،
واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما جورا.
وفي حديث سفيان: لا تذهب - أو لا تنقضي - الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي
يواطئ اسمه اسمي.
(818) عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم
لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا (2).
(819) عن أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من
ولد فاطمة.
(820) عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني، أجلى
الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا



(1) سنن أبي داود 4: 103.
(2) سنن أبي داود 4: 104.
405
وظلما، يملك سبع سنين (1).
(821) عن أبي إسحاق: قال علي رضي الله عنه: ونظر إلى ابنه الحسن، فقال: إن ابني
هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم
يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلا.
مجدد الدين
(822) عن أبي علقمة، عن أبي هريرة - فيما أعلم - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (2).
أقول: حدس أبي علقمة غير حجة، فالحديث غير مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فتأمل.
العذاب بالإحراق
(823) عن عكرمة: إن عليا عليه السلام أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك
ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا
تعذبوا بعذاب الله وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:... من بدل
دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ويح ابن عباس (3).
أقول: عكرمة ضعيف يكذب على ابن عباس، على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هم أن
يحرق بيوت من لم يحضروا الجماعة عليهم كما نقله أرباب الصحاح، مع أن عليا إنما
قتلهم بدخان النار ولم يحرقهم بالنار.
سب الصحابة لا يجوز القتل
(824) عن أبي برزة قال: كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجل فاشتد



(1) سنن أبي داود 105.
(2) سنن أبي داود 4: 106 و 107.
(3) سنن أبي داود 4: 124.
406
عليه، فقلت: تأذن لي... اضرب عنقه؟... قال: لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى
الله عليه وسلم... (1).
(825) وبسند آخر عنه: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق... اقتله، فانتهرني وقال: ليس هذا
لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
أقول: مر أن خالدا سب ابن عوف ولم يعزره النبي صلى الله عليه وسلم، بل نهى عن
سب أصحابه.
حد المجنونة
(826) عن ابن عباس قال أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا، فأمر بها
عمر أن ترجم، فمر بها (على) علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه -... فقال: ارجعوا
بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون
حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى... (3).
وللحديث إسناد وألفاظ أخرى.
أقول: يظهر من الحديث أن جمعا من المشاورين أيضا رأوا قتلها وأن عمر نسي
الحديث.
للإمام أن يعفو عن الحد إذا ثبت بالإقرار
لاحظ ما يدل عليه في ما ورد في رجم ماعز بن مالك (4)، ولاحظ حديث عبد الله (5).



(1) سنن أبي داود 4: 128.
(2) سنن أبي داود 7: 109.
(3) سنن أبي داود 4: 138.
(4) سنن أبي داود 4: 143.
(5) سنن أبي داود 4: 158.
407
من زنى بجارية امرأته
(827) عن النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يأتي جارية امرأته، قال:
إن كانت أحلتها له جلد مائة، وإن لم تكن أحلتها له رجمته (1).
شارب الخمر متى يقتل
في حديث: إنه يقتل في الخامسة.
وفي حديث: إنه يقتل في الرابعة أو الثالثة.
وفي حديث: إنه يقتل في الثالثة! (2).
تناقض حول قتل اليهودية
(828) عن أنس: إن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة...
فقالوا: ألا نقتلها. قال: لا (3).
(829) عن جابر:... فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها.
(830) عن أبي سلمة:... فأمر بها رسول الله فقتلت!
(831) عن أبي هريرة:.... فأمر بها رسول الله فقتلت، وكذا في حديث أم مبشر (4).
73 فرقة
(832) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على ثنتين
وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى وسبعين أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي
على ثلاث وسبعين فرقة (5).



(1) سنن أبي داود 4: 156.
(2) أنظر سنن أبي داود 4: 163.
(3) سنن أبي داود 172.
(4) سنن أبي داود 4: 172 و 174.
(5) سنن أبي داود 4: 197، وانظر سنن أبي ماجة رقم 3991، وليس فيه عن النصارى ذكر.
408
(833) عن معاوية بن أبي سفيان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال:
ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة
ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعين في النار واحدة في الجنة، وهي
الجماعة... (1).
أقول: ومراد معاوية من الجماعة جماعته! وعلى كل إنه ينافي ما مر من أن أمته
مرحومة، ومن أنه لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان. والمهم أن
تطبيقه على أهل الكتاب غير ممكن، إذ ليس لهم (72) أو (71) فرقة، والمسلمون أيضا
ليسوا (73) فرقة، فالمظنون أن الحديثين موضوعان.
(834) وعن عوف بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على
إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين
وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحد في الجنة، والذي نفس محمد بيده
لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار.
قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة (2).
والمتبادر من الجماعة هي جماعة جمعوا على إمارة معاوية بعد شهادة علي.
(835) عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل افترقت
على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفرق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار
إلا واحدة هي الجماعة.



(1) سنن أبي داود 4: 197.
(2) سنن ابن ماجة رقم 3992.
409
أقول: والمراد من الافتراق ليس هو الافتراق في الفروع الفقهية اتفاقا ولا
الاختلاف في سائر الأمور العلمية والاعتقادية الجزئية التي لا تؤثر في دخول النار،
فالمراد منه هو الاختلاف في الأصول الاعتقادية الموجبة لدخول النار، وعليه فلا وجود
لهذه الفرق بهذا العدد بين اليهود والنصارى كما قلنا، ولا بين المسلمين أي أهل
القبلة والمقرين بالوحدانية والرسالة حتى الآن.
(836) وعن عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين على
أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه
علانية لكان في أمتي من يصنع علانية، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين
ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة.
قال: من هي يا رسول الله؟
قال: ما أنا عليه وأصحابي (1).
أقول: عرفت في هذا الكتاب أن الأصحاب على قسمين، فالمراد من: ما أنا عليه
وأصحابي المهتدين العاملين بسنته إن صح الحديث.
(837) عن أبي ذر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبرائيل فبشرني
أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
قلت: وإن زنى وإن سرق؟
قال: نعم (2).
(838) وعن عبادة: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار (3).



(1) جامع الترمذي 2: 334.
(2) جامع الترمذي 2: 335.
(3) جامع الترمذي 2: 333.
410
(839) وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة،
وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة إن شاء الله، من مات منهم لا يشرك
بالله شيئا (1).
أوتيت الكتاب ومثله
(840) عن المقدام، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله
معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال
فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه (2).
أقول: فلا يجوز أن نقول حسبنا كتاب الله.
أعظم المسلمين جرما
(841) عن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين جرما من سأل
عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته (3).
هل علي خليفة وهل له فضل؟
(842) عن أبي بكرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم
رؤيا؟ فقال رجل: أنا، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت
أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع
الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
(843) عن جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أري الليلة رجل صالح أن
أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر.



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 187.
(2) سنن أبي داود 4: 199 كتاب السنة.
(3) سنن أبي داود 4: 201.
(4) سنن أبي داود 4: 207.
411
قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلنا: أما الرجل
الصالح فرسول الله، وأما تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به
نبيه (1).
(844) عن سمرة بن جندب: إن رجلا قال: يا رسول الله، رأيت كأن دلوا دلي من
السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها
فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ
بعراقيها فانتشطت وانتضع عليه منها شئ (2).
(845) عن ابن عمر: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: لا نعدل بأبي بكر
أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي لا تفاضل بينهم (3).
أقول: والعجب من ابن عمر كيف نسي فضائل معاوية وابنه أمير المؤمنين يزيد؟!
(846) عن محمد بن الحنفية: قلت لأبي: أي الناس خير بعد النبي صلى الله عليه
وسلم؟ قال: أبو بكر.
قلت: ثم من.
قال ثم عمر.
قال ثم خشيت أن أقول ثم من؟ فيقول عثمان، فقلت: ثم أنت يا أبة؟
قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين (4)!
أقول: فليكن علي شاكرا لله حيث عدوه من المسلمين!!



(1) سنن أبي داود 4: 208.
(2) سنن أبي داود 4: 208.
(3) سنن أبي داود 4: 205.
(4) سنن أبي داود 4: 206.
412
(847) عن سفينة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم
يؤتي الله الملك (ملكه) من يشاء...
قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا - عليه السلام - لم يكن بخليفة.
قال: كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان (1).
أقول: الزاعمون غير منحصرين ببني مروان، بل هم كثيرون، بل جماعة منهم يرون عليا
مستحقا للسب، كما مر عن معاوية.
(848) وعن رياح بن الحارث: إن قيس بن علقمة سب وسب، فقال سعيد: من يسب هذا
الرجل؟ قال: يسب عليا (2).
وأبو داود لم يذكر حديثا في فضل علي في سننه مقصودا بالذات، ولكن ذكر ما يدل
على إهانته.
العشرة المبشرة
(849) عن عبد الرحمن: إنه كان في المسجد فذكر رجل عليا عليه السلام، فقام سعيد
بن زيد فقال: أشهد على رسول الله أني سمعته يقول عشرة في الجنة، النبي في الجنة،
وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في
الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، ولو
شئت لسميت العاشر في الجنة، فسكت.
قال: فقالوا: من هو؟
فقال: هو سعيد بن زيد (3)!



(1) سنن أبي داود 4: 210 كتاب السنة. (2) سنن أبي داود 4: 212. (3) سنن أبي داود 4:
212.
413
الظاهر أن المراد برجل هو معاوية حين قدم من الشام إلى الكوفة بعد شهادة علي
فسبه. وانظر ص 504 هذا الكتاب أيضا.
كذبة جلية
لاحظ ما يقص أن الأسقف وجد عمر وعثمان وعليا في كتابه ويخبر عن حالهم، وأن
عمر يعلم أن وصيه عثمان (1).
إكفار مسلم
(850) عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما رجل مسلم أكفر رجلا
مسلما، فإن كان كافرا، وإلا كان هو الكافر (2).
أول ما خلق الله
(851) عن أبي حفصة: قال عبادة الصامت لابنه:... سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب
مقادير كل شئ حتى تقوم الساعة... (3).
الخوارج
لاحظ ما ورد في حقهم، وما قاله النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم لعلي فيهم (4).
حد القتال
(852) عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد،
ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد (5).
أقول: إذا علم الإنسان بقتله في أثناء الدفاع عن المال فلا يجوز



(1) سنن أبي داود 4: 213.
(2) سنن أبي داود 4: 220.
(3) سنن أبي داود 4: 225 كتاب السنة.
(4) سنن أبي داود 4: 243 - 246 آخر كتاب السنة.
(5) سنن أبي داود 4: 247 آخر كتاب السنة.
414
القتال، لأن حفظ النفس أهم من حفظ المال، فيحمل الحديث على فرض اتفاق وقوع القتل
بلا علم به، وأما في الدفاع عن الأهل ففيه تفصيل وبحث.
من أخلاق الإسلام
(853) عن همام: جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه، فأخذ المقداد بن الأسود ترابا
فحثا في وجهه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم المداحين فاحثوا
في وجوههم التراب (1).
الحاد الحجاج
(854) عن الربيع: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه
أم خليفته في أهله... (2
أقول: يريد به - لعنه الله - إن عبد الملك - وكذا معاوية ويزيد و... - أكرم على
الله من رسوله صلى الله عليه وسلم.
أمانة المجالس
(855) عن جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة
مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق (3).
جواز الانتقام
(856) عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المستبان ما قالا
فعلى البادئ منهما، ما لم يعتد المظلوم (4).



(1) سنن أبي داود 4: 255 كتاب الأدب.
(2) سنن أبي داود 4: 209 كتاب السنة.
(3) سنن أبي داود 4: 269 كتاب الأدب.
(4) سنن أبي داود 4: 274.
415
أقول: يظهر منه جواز سب الثاني انتقاما، وهو المستفاد من القرآن الكريم، وهذا من
أصول الحقوق في الإسلام: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (1)،
نعم لا بد من تخصيص هذا الأصل بما إذا لم نعلم عدم رضا الشارع بالانتقام كالزنا
واللواط ومقدماتهما وأمثال ذلك.
جواز الكذب في ثلاث
(857) عن بنت عقبة: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شئ من الكذب
إلا في ثلاث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أعده كاذبا: الرجل يصلح
بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث
امرأته والمرأة تحدث زوجها (2).
الاختلاف
هل يجوز الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته (أبو القاسم)؟ الروايات
فيه مختلفة (3).
تسبيح فاطمة
لاحظ فضله في كتاب الأدب (4).
الوصاة
(858) عن مسلم:... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إني سأكتب لك
بالوصاة بعدي قال: ففعل وختم عليه ودفعه إلي... (5



(1) البقرة 2: 194.
(2) سنن أبي داود 4: 282.
(3) سنن أبي داود 4: 294 - 293 كتاب الأدب.
(4) سنن أبي داود 4: 318 كتاب الأدب.
(5) سنن أبي داود 4: 323 ح 5080 كتاب الأدب.
416
آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم
(859) عن أم موسى، عن علي عليه السلام قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه
وسلم الصلاة الصلاة. اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم (1).
تصرفات عمر باجتهاده
1 - عن ابن عباس: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها
واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر، فلما
رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم (سنن أبي داود).
2 - إنه أبطل مشروعية التيمم ويفتي بترك الصلاة عند عدم الماء. كما مر.
3 - رده متعة الحج كما سبق وقال: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله
وأصحابه ولكني كرهت... وكذا متعة النساء.
4 - عن جابر: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا (كتاب العتق سنن أبي داود).
5 - إنه جعل حد شارب الخمر ثمانين جلدة.
(860) عن شعيب، عن أبيه قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم... حتى استخلف عمر - رحمه الله - ففرضها
عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي
بقرة، وعلى أهل الشياة ألفي شاة (2).
كلام حول سنن أبي داود
إنه لم يخرج حديثا في فضل علي مقصودا بالذات، ولكنه ذكر جملة



(1) سنن أبي داود 4: 342 كتاب الأدب.
(2) سنن أبي داود 4: 183 كتاب الديات.
417
(عليه السلام) في حق علي في عدة من الموارد (1)، وجملة (عليها السلام) في حق
فاطمة (2)، والظاهر أن استعمالها في لسان الرواة كان شائعا فلم يحذفها أبو داود.



(1) أنظر سنن أبي داود 3: 48، 211، 300، 324 وغيرها.
(2) أنظر سنن أبي داود 3: 142، 143.
418
المقصد الرابع
في أحاديث صحيح جامع الترمذي

419
مؤلفه محمد بن عيسى بن سورة، أبو عيسى، المولود في قرية بوغ من ترمذ على نهر
جيحون سنة 209، وتوفي فيها سنة 279 ه‍، وقد سمع من البخاري وغيره.
النسخة الموجودة عندي ما قام بطبعها ونشرها مكتب التربية العربي لدول الخليج،
الرياض، وعلق عليها وصححها محمد ناصر الدين الألباني، وهي في ثلاثة أجزاء، وبلغت
أحاديثه كلها إلى 4234، لكن المصحح لم يذكر أحاديثه الضعاف واختصر على الصحاح
منها وهي 3101 حديثا. ولأجله سماه صحيح سنن الترمذي.
عاشوراء
(861) عن الحكم: انتهيت إلى ابن عباس... فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم
أصومه؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم أصبح من يوم التاسع صائما.
قال: قلت: أهكذا يصومه محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: نعم (1).
(862) وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم
العاشر (2).
التمتع
(863) عن سالم بن عبد الله: سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل



(1) صحيح جامع الترمذي 1: 228.
(2) صحيح جامع الترمذي 1: 229.
421
عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبد الله بن عمر: هي حلال.
فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها.
فقال عبد الله بن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر أبي يتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
معاوية واستلام الأركان
(864) عن أبي الطفيل: كنا مع ابن عباس، ومعاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال
ابن عباس: إن النبي لم يكن استلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني، فقال معاوية:
ليس شئ من البيت مهجورا (2).
بعثة علي
(865) عن زيد بن أثيع قال: سألت عليا بأي شئ بعثت؟ قال بأربع: ألا يدخل الجنة
إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم
هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته، ومن لا مدة
له فأربعة أشهر (3).
في القود
(866) عن عمر، عنه صلى الله عليه وسلم: لا يقاد الوالد بالولد.
ورواه ابن عباس بلفظ: لا يقتل (4).



(1) صحيح جامع الترمذي 1: 247.
(2) سنن أبي داود 1: 256.
(3) صحيح جامع الترمذي 1: 259.
(4) صحيح جامع الترمذي 2: 57.
422
الاعتراض على علي
(867) عن عكرمة: إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال:
لو كنت أنا لقتلتهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه ولم
أكن لأحرقهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله.
فبلغ ذلك عليا فقال: صدق ابن عباس (1).
أقول: عكرمة ينقل فعل علي وقوله مرسلا فلا عبرة به، على أنه ضعيف غير ثقة، ويضاف
إلى ذلك أن ابن عباس تلميذ علي وتابع له ولا شك أن عليا أعلم منه بالشريعة،
فالرواية موضوعة، والواقع إنه لم يثبت إحراق علي المرتدين بل قتلهم بدخان النار،
وقد تقدم أيضا ما يتعلق بذلك، ولم يصدقه علي، وهذه أمارة أخرى على كذب ما في
الخبر.
الأمر بالإحراق ونسخه
(868) عن أبي هريرة:... إن وجدتم فلانا وفلانا - لرجلين من قريش - فأحرقوهما
بالنار ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم
أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار وأن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما
فاقتلوهما (2).
أقول: حتى إن قلنا بجواز النسخ قبل العمل لا نصدق أبا هريرة في قوله هذا، فإنه
يدل على جهالة النبي صلى الله عليه وسلم أو غفلته عن الأحكام الشرعية وهي باطلة.



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 77.
(2) صحيح جامع الترمذي 2: 111.
423
نجاسة آنية المجوس وأهل الكتاب
لاحظ ما ورد فيها في: ج 2: 107.
الاختصاص وعدمه
(869) عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا
دون الناس بشئ إلا بثلاثة: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا
ننزي حمارا على فرس (1).
أقول ليس هذه الأمور مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم وبني عباس،
ووجهه ظاهر حتى في الثاني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصهم به وإن كان هم
مورد الحكم، والمظنون أن الرواية موضوعة وضعها من وضعها لغرض آخر غير خفي على
المتضلع.
طريفة
(870) عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه،
فجاء أعرابي فأكله بلقمتين!!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو
سمى لكفاكم!! (2).
الشرب قائما
الأحاديث فيه متضاربة، يكشف تضاربها عن بطلان بعضها.
الحجامة
(871) عن ابن مسعود قال: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به،



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 139.
(2) صحيح جامع الترمذي 2: 167.
424
أنه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا أمروا أن مر أمتك بالحجامة (1).
تأثير السلطات على الرواة والأحاديث
(872) عن زياد: كنت مع أبي بكرة تحت منبر أبي عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال
أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق.
فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهان سلطان الله
في الأرض أهانه الله (2).
فجعلوا الظالمين من سلطان الله!! والمستفاد من روايات أبي بكرة أنه يكذب ويضع
للسلطة الأموية وغيرها، فلاحظ.
مدة الخلافة
(873) عن سفينة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم
ملك بعد ذلك. المصدر.
ولاية المرأة
(874) عن أبي بكرة قال عصمني الله بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
هلك كسرى قال: من استخلفوا؟.
قالوا: ابنته؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
فلما قدمت عائشة (يعني البصرة) ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمني
الله به.
أقول: نقول لأبي بكرة فلم لم تعن عليا؟! على أن عائشة قد ولت مقدارا من أمر
الأمة بجعل أقاويلها أحاديث واجبة القبول!



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 204.
(2) صحيح جامع الترمذي 2: 245.
425
إهانة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم
(875) عن أبي ذر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... لوددت أني كنت شجرة
تعضد (1).
أقول: هل يمكن أن يتفوه به من أرسله الله رحمة للعالمين؟ فاقض ما أنت قاض.
تحول أبي هريرة
(876) عن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان،
فمخط في أحدهما ثم قال: بخ بخ يتمخط أبو هريرة في الكتان! لقد رأيتني وإني لأخر
فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مغشيا علي،
فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي الجنون، وما بي جنون، وما هو إلا
الجوع (2).
لا تمانع بين الأسباب
(877) عن أنس: قال رجل يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال:
أعقلها وتوكل.
أقول: الأسباب المادية في طول العلل المعنوية لا في عرضها، فلا تمانع بينهما كما
توهمه كثير من علماء الأديان وكثير من الماديين أو كلهم.
تمثيلة لأبي هريرة!
(878) عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد،
وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة (3).



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 268.
(2) صحيح جامع الترمذي 2: 277.
(3) صحيح جامع الترمذي 2: 321.
426
قيل: يعني به كما بين المدينة والربذة، والبيضاء جبل.
(879) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون
ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة. المصدر.
أقول: وليته حد تمام أعضائه، فإنه نعمت التمثيلية! لكنه لا يحفظ إبداعاته
فيتناقض فيها كما تراه في الحديثين - أو القولين - المذكورين!
الإيمان والجنة والنار
(880) عن عبادة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار.
(881) وعنه صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة (1).
قيل: إنه في صدر الإسلام فنسخ.
وقيل: إن الموحد يدخل الجنة قطعا ولو بعد دخوله النار، لكنه لا يجري في الحديث
الأول.
قلت: إن الإيمان بنفسه يقتضي دخول الجنة وحرمان النار، إلا أن يمنع عنه مانع
كالمعاصي الموبقة غير المقرونة بالتوبة أو الشفاعة أو العفو.
اختصاص واستثناء
(882) عن علي بن أبي طالب أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك، أسميه
محمدا أو أكنيه بكنيتك؟ قال: نعم (2).
(883) وروى عنه صلى الله عليه وسلم: لا تكنوا بكنيتي. المصدر.



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 333.
(2) صحيح جامع الترمذي 2: 373.
427
حول آخر سورة البقرة
(884) عن النعمان، عنه: إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي
عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة... (1).
أقول: لا يبعد كون الحديث مجعولا، فإن الآيتين المذكورتين لا تناسب القبلية
المذكورة فيه، فلاحظ.
طينة الإنسان
(885) عن أبي موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم من قبضة
قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض
والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب (2).
أبو سفيان
(886) عن عبد الله بن عمر: قال رسول الله يوم أحد: اللهم العن أبا سفيان،
اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية.
قال: فنزلت: (ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم) (3) فتاب عليهم، فأسلموا
فحسن إسلامهم (4).
أقول: أي دليل على حسن إسلام أبي سفيان، فما ذكره ابن عمر غير مقبول. وقد تقدم في
أواخر المقصد الثاني ما يدل على أن جمعا من الصحابة كانوا يعتقدون فيه أنه عدو
الله، ويظهر منه رضى النبي صلى الله عليه وسلم باعتقادهم، فراجع.



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 4.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 20.
(3) آل عمران 3: 128.
(4) صحيح جامع الترمذي 3: 33.
428
افتراء على علي
(887) عن علي: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت
الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون
ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (1) (2).
أقول: علي لم يشرب الخمر قبل تحريمه، ولم يعبد صنما طيلة حياته، فكيف يقول في حال
سكره (إن فرض صحته) نعبد ما تعبدون؟ فإن السكران يتكلم بما هو مركوز في ذهنه.
الفرية العظيمة
(888) عن عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة فقد أعظم الفرية على الله: من زعم أن
محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول: (لا تدركه
الأبصار) (3)... ومن زعم أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليهم... يقول الله:
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (4)، ومن زعم أنه يعلم ما في غد...
والله يقول: (لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) (5) (6).
فرية أخرى
(889) عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الغلام الذي قتله



(1) النساء 4: 43.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 39.
(3) الأنعام 6: 103.
(4) المائدة 5: 67.
(5) النمل 27 65.
(6) صحيح جامع الترمذي 3: 39.
429
الخضر طبع يوم طبع كافرا (1).
أقول: مر أن كل مولود يولد على الفطرة، وأن الكفر من التربية الباطلة.
حلية الأزواج له صلى الله عليه وسلم
(890) عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له
النساء (2).
أقول: بل في أحاديث الشيعة الإمامية إنه لم يحرم عليه صلى الله عليه وسلم سوى
محارمه من الأول، والأحسن رد هذه الأحاديث إلى من صدر عنه، فإن ظاهر القرآن
الكريم هو تحريم النساء عليه صلى الله عليه وسلم في حين من حياته ولم يثبت رفعه
بدليل معتبر، فالاعتماد على إطلاق القرآن الكريم.
النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى في نومه
(891) عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني الليلة ربي تبارك
وتعالى في أحسن صورة - قال أحسبه قال في المنام - فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم
الملأ الأعلى؟ قلت: لا، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي... (3).
ورواه معاذ بن جبل أيضا بألفاظ مغايرة. وسبحان الله الذي ليس كمثله شئ.
خصومة القيامة
(892) عن الزبير قال: لما نزلت: (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (4
قال: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 73.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 93.
(3) صحيح جامع الترمذي 3: 98.
(4) الزمر 39 - 31.
430
في الدنيا؟
قال: (نعم).
فقال إن الأمر إذن لشديد (1).
أقول: فنشاهد خصومة علي وخصمائه هناك إن صح الحديث.
رجال من فارس
(893) عن أبي هريرة: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (وإن تتولوا
يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (2)، قالوا: ومن يستبدل بنا؟
قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه.
وفي حديث آخر: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان وقال: هذا وأصحابه،
والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس (3).
(894) وعنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت الجمعة فتلاها
فلما بلغ: (وآخرين منهم لما يحلقوا بهم) (4)، قال له رجل: يا رسول الله، من هؤلاء
الذين لم يلحقوا بنا... فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان فقال:
والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من فارس (5).
مر أنه لو ثبت نزول سورة الجمعة قبل غزوة خيبر بأن كذب أبي هريرة، فإنه التحق
بالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة.



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 99.
(2) محمد 47: 38.
(3) صحيح جامع الترمذي 3: 105.
(4) الجمعة 63: 3.
(5) صحيح جامع الترمذي 3: 118.
431
حلية الغناء وضرب الدف
(895) عن بريدة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف
جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب
بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت
فاضربي وإلا فلا!.
فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب،
ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر... (1).
أقول: من هذا الحديث الصحيح! يعلم أن المحرمات تحلل بوسيلة النذر، فنعم الطريق
للفساق مبروك لهم، ثم إن الشيطان لا يخاف من النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم
وغيره، وإنما يخاف من عمر وحده!
العشرة المبشرة
(896) عن عبد الرحمن بن عوف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر في
الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في
الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في
الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة (2).
قال المحشي: مع العلم بأن الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة
كثيرون.
(897) وقريب منه ما نقل عن سعيد بن زيد، وقد تقدم عنه ذكر رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكان أبي عبيدة! وقد نقله الترمذي أيضا (3).



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 206.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 218.
(3) صحيح جامع الترمذي 3: 221.
432
ويعارضه في الزبير وطلحة ما رواه مسلم (كتاب الفتن) عن الأحنف ابن قيس قال: ذهبت
لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟
قلت: أنصر هذا الرجل.
قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا التقى المسلمان
بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار فقلت: يا رسول الله هذا القاتل فيما بال
المقتول.
قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. أقول ولاحظ ص 504 من هذا الكتاب أيضا.
عمار بن ياسر
(898) عن علي: جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
ائذنوا له، مرحبا بالطيب المطيب (1).
(899) عن أبي هريرة: ابشر يا عمار تقتلك الفئة الباغية (2).
(900) عن حذيفة:... فقال صلى الله عليه وسلم: إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم،
فاقتدوا باللذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر - واهتدوا بهدي عمار، وما
حدثكم ابن مسعود فصدقوه.
البركة لأبي هريرة
(901) عن أبي هريرة: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: يا رسول الله
ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن ثم دعا لي بالبركة، فقال لي: خذهن فاجعلهن
في مزودك هذا! كلما أردت أن تأخذ منه شيئا فادخل يدك فيه فخذه ولا تنشره نشرا،
فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق! في سبيل الله! وكنا نأكل منه ونطعم، وكان
لا يفارق حقوي! حتى كان يوم قتل



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 228.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 229.
433
عثمان فإنه انقطع (1)!
أقول: وقال بعضهم عنه:
للناس هم ولي في الناس همان * هم الجراب وقتل الشيخ عثمان!
معاوية
(902) عن عبد الرحمن بن أبي عميرة - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: اللهم اجعله هاديا مهديا (2).
أقول: عبد الرحمن كان من الصحابة أو لم يكن لا شك عند كل منصف أن معاوية ظل
ضالا مضلا، فيفهم كذب الحديث على رسول الله الصادق الحكيم صلى الله عليه وسلم
القائل له ولأصحابه: الفئة الباغية الداعية إلى النار.
بحث توضيحي
قد سبق بعض ما يتعلق بمعاوية الذي حارب عليا وغصب الخلافة من الحسن السبط قهرا
وحيلة، وأسس مملكة الأمويين بالشام، وأطعم الأجراء في جعل الأحاديث، وإليك نقل
بعضها على سبيل الاختصار:
1 - عنه صلى الله عليه وسلم: اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب، وأدخله
الجنة.
2 - وعنه صلى الله عليه وسلم: عليكم بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه يجتبى
إليها خيرته من عباده، إن الله قد توكل بالشام وأهله.
3 - وعنه: صلى الله عليه وسلم: الشام صفوة الله في بلاده يجتبى إليها صفوته من
عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته.
4 - عن أبي هريرة مرفوعا: الخلافة بالمدينة، والملك بالشام.



(1) صحيح جامع الترمذي 3: 235.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 236.
434
5 - وعنه صلى الله عليه وسلم: ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فعليكم
بمدينة يقال لها دمشق - وهي حاضرة الأمويين - فإنها معقل المسلمين في الملاحم....
6 - عن أبي هريرة مروج النظام الأموي، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أربع
مدائن من مدائن الجنة: مكة، والمدينة، وبيت المقدس، ودمشق....
ولكن عن إسحاق بن راهويه شيخ البخاري: إنه لم يصح في فضائل معاوية شئ، ولعله
لأجله ذكر البخاري: باب ذكر معاوية ولم يورد فيه حديثا في حقه، وإنما نقل عن
ابن عباس: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه فقيه، مع أنك عرفت فقهه
فيما مضى!
وعن ابن الجوزي أنه أخرج من طريق ابن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول
في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: إعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له
عيبا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيدا منهم لعلي... (1) وقد اشتهر
أنه سئل النسائي - وهو بدمشق - عن فضائل معاوية، فقال: ألا يرضى رأسا برأس حتى
يفضل؟! وله قصة معروفة
وعن ابن حجر في فتح الباري وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما
يصح من طريق الإسناد (2).
أقول: لكن صح من طريق الدينار.
كتاب معاوية وحديثه
عن الواقدي - كما عن شرح نهج البلاغة (3): إن معاوية لما عاد من العراق



(1) فتح الباري 7: 83.
(2) فتح الباري 7: 83.
(3) شرح نهج البلاغة 361.
435
إلى الشام بعد بيعة الحسن سنة 41 ه خطب فقال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: إنك ستلي الخلافة من بعدي! فاختر الأرض المقدسة فإن فيها
الأبدال وقد أخبرتكم، فالعنوا أبا تراب.
فلما كان من الغد كتب كتابا ثم جمعهم فقرأ عليهم وفيه: هذا كتاب كتبه أمير
المؤمنين صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب،
فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا، فكان الوحي ينزل على محمد وأنا أكتبه وهو
لا يعلم ما أكتب، فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه.
فقال الحاضرون: صدقت!!
يقول أبو ريه في كتاب الأضواء بعد نقل هذا الكلام (1): لم يكن معاوية في كتاب
الوحي، ولا خط بقلمه لفظة واحدة من القرآن.
فاطمة في صحيح جامع الترمذي
(903) عن المسور بن مخرمة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على
المنبر: إن بني هشام... فإنها بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها (2).
(904) وعن ابن الزبير... فقال صلى الله عليه وسلم: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني
ما آذاها، وينصبني ما أنصبها (3).
(905) عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم: حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران،
وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون (4).



(1) أضواء على السنة المحمدية: 130.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 241.
(3) صحيح جامع الترمذي 3: 24 وفيه روايتان أخريتان في حقها.
(4) صحيح جامع الترمذي 3: 244.
436
المقصد الخامس
في أحاديث سنن النسائي

437
ويظهر من ذكر الأرقام في بعض نسخها المطبوعة أن عدد أحاديثها بمكرراتها 5764
حديثا، واسم مؤلفه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان، ولد سنة 214 أو
215 ه‍ في بلدة نساء من خراسان، وكان مقيما بمصر، ومات سنة 303.
وعن الذهبي: سئل بدمشق عن فضائل معاوية فقال: ألا يرضى رأسا برأس حتى يفضل؟!
قال: فما زالوا يدفعونه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. وقيل:
وصوابه إلى الرملة.
ونقل أنه قال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن
يهديهم الله.
وقيل: وروايات النسائي تختلف اختلافا كثيرا، والذي عد من الأصول الخمسة هو
المجتبى المعروف بسنن النسائي الصغير.
وأعلم أني لا أتعرض لكل ما هو قابل للتعرض بل لبعضها، ولا أذكر ما تعرضنا له في
ما سبق عليه من الكتب (البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي) إلا نادرا، والله
الموفق.
والنسخة الموجودة عندي منه ما طبعها دار الكتاب العربي بيروت، مع شرح جلال الدين
السيوطي وحاشية الإمام السندي. في ثمانية أجزاء.
هل يجب الوضوء مما غيرت النار؟
الروايات المذكورة فيه متعارضة متضاربة (1).



(1) أنظر سنن النسائي 1: 105 - 108.
439
الخليفة لا يرضي بالتيمم
(906) عن أبزي: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء، قال عمر: لا
تصل!
فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم
نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا... فقال عمر نوليك ما تولي (1).
أقول: الخليفة رضي الله عنه مع هذا الحديث وتشريع القرآن وعمل المسلمين لا يرضى
بالتيمم بل يترك الصلاة عند فقد الماء ويفتي به أيضا، والله يعلم كم ترك الصلاة في
أسفاره، وللمخطئ أجر واحد.
وفي حديث آخر: قال له رجل: ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء، فقال عمر:
أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء.
التعارض في التيمم
(907) وعنه:... ثم مسح بهما وجهه وكفيه (2).
(908) وعن عمار: فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب.
وفي سند آخر: بعض ذراعيه.
في التيمم أيضا
(909) وعنه أن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن التيمم فلم يدر ما يقول، فقال عمار:
... ونفخ في يديه ومسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة (3).



(1) سنن النسائي 1: 166.
(2) سنن النسائي 1: 166 وكذا في سائر الكتب.
(3) سنن النسائي 1: 169.
440
غريبة في باب معراجه
(910) عن أنس: و... ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني
جبرئيل حتى أممتهم ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها وآدم عليه السلام (1).
يبعد كل البعد حضور الأنبياء في بيت المقدس ثم وصولهم إلى السماوات أسرع منه صلى
الله عليه وسلم، فلا يبعد كونه زيادة من بعض الرواة.
حبس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن الصلوات
(911) عن عبد الله بن مسعود قال: كنا في غزوة فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر
والعصر والمغرب والعشاء، فلما انصرف المشركون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
مناديا فأقام لصلاة الظهر و... (2
أقول: لكن في رواية جابر أنهم حبسوا عن صلاة العصر وحدها، وثانيا إن الصلاة لا
تسقط بحال فإن لها مراتب آخرها الإشارة كما صلى كذلك ابن عمر، فهذه رواية موضوعة.
صلاته صلى الله عليه وسلم في الحرير
(912) عن عقبة قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى
فيه! ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين (3).
ومن يحكم بوضع الحديث لا أراه ملوما.
والفروج: القباء المشقوق.



(1) سنن النسائي 1: 222 فرض الصلاة.
(2) سنن النسائي 2: 18.
(3) سنن النسائي 2: 72.
441
مبالغة كاذبة
(913) عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا
أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ
بالله أن نتقدم أبا بكر (1).
أقول: كل من وقف على التأريخ وما جرى في السقيفة يعلم كذب هذا الحديث. على أن
أبا بكر ليس هو الإمام وحده في حياته صلى الله عليه وسلم، مع أن في إمامته كلاما
صعبا مر عليك سابقا.
ترك السجدة الواجبة
(914) عن زيد أنه زعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم إذا هوى.
فلم يسجد (2).
التناقض في الالتفات في الصلاة
(915) عن أبي ذر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الله عز وجل
مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه (3).
(916) عن عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال:
اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة.
(917) عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته يمينا
وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره (4). أقول: أعوذ بالله من إهانة النبي



(1) سنن النسائي 2: 75.
(2) سنن النسائي 2: 160.
(3) سنن النسائي 3: 8.
(4) سنن النسائي 3: 9.
442
الخاشع الخاضع والكذب على ابن عباس.
الكلام في الصلاة
(918) عن أبي الدرداء: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول:
أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول
شيئا... قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت... (1).
أقول: الكلام مع غير الله مبطل للصلاة وإبليس لا يقدر على مجيئه بالنار، مع أنها
لو كانت لكانت محسوسة لغيره صلى الله عليه وسلم.
منزلة علي من النبي صلى الله عليه وسلم
(919) عن علي: كانت لي منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من
الخلائق، فكنت آتيه كل سحر فأقول: السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت إلى
أهلي وإلا دخلت عليه (2).
الصلاة على محمد وعلى آل محمد صلى الله عليه وسلم
(920) عن أبي مسعود الأنصاري:... ثم قال: فقولوا: اللهم صل على محمد وآل
محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل
إبراهيم في العالمين... (3).
(921) وعن كعب بن عجرة: قلنا يا رسول الله... فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد



(1) سنن النسائي 3: 13.
(2) سنن النسائي 3: 12.
(3) سنن النسائي 3: 45.
443
كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(922) وعن طلحة: قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على
محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(923) عن زيد بن خارجة قال: أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا
علي، واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (1).
عذاب القبر
(924) عن عائشة: دخلت علي امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول.
فقلت: كذبت.
فقال: إنا لنقرض منه الجلد والثوب.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا فقال: ما هذا
فأخبرته بما قالت، فقال: صدقت فما صلى بعد يومئذ صلاة إلا قال في دبر الصلاة:
رب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر (2).
أقول: هذه صورة أخرى من صور القصة المتعارضة المتضاربة، على أن أخبار عائشة عن
دعائه صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة غير قابلة للتصديق، لعدم علمها بذلك، وهو
رجم بالغيب، مضافا إلى دلالة الحديث على أن توجهه صلى الله عليه وسلم إلى



(1) سنن النسائي 3: 49 وانظر سائر الأسانيد والمتون هناك.
(2) سنن النسائي 3: 72.
444
وهو رجم بالغيب، مضافا إلى دلالة الحديث على أن توجهه صلى الله عليه وسلم إلى
الاستعاذة من عذاب القبر إنما نشأ من أخبار اليهودية، وإليك بعض صورها الأخرى من
هذه السيدة.
(925) عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي
تقول: إنكم تفتنون في القبور، فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما
تفتن يهود.
وقالت عائشة: فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أوحي
إلي إنكم تفتنون في القبور (1).
أقول: الحديث - مضافا إلى تناقضه مع السابق - يدل على جهل رسول الله صلى الله
عليه وسلم بما علمته يهودية، نعوذ بالله من هذه الفضيحة للإسلام والمسلمين.
(926) وعنها: دخلت يهودية... فقالت: أجارك الله من عذاب القبر.
قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك
له، فقال: إنهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم (2).
(927) وعنها: دخلت علي عجوزتان من عجز يهود المدينة فقالتا: إن أهل القبور
يعذبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما...
أقول: هنا كلمة جامعة وهي: إن المسلم العاقل مخير في ترك عقله وفكره وتدينه
وقبول أحاديث عائشة وأمثالها اغترارا بعظمة الصحابة والزوجات، وترجيح عقله ودينه
بترك قبول كل ما رواه الصحابة، وتحكيم عقله في قبول الأحاديث وردها من دون
العصبية والغلو.



(1) سنن النسائي 4: 104.
(2) سنن النسائي 4: 105.
445
فلسفة الكسوف
(928) عن النعمان:... قال صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت
أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل، إن الله عز وجل إذا بدا
لشئ من خلقه خشع له... (1).
عيد عائشة
(929) عن عائشة: جاء السودان يلعبون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد،
فدعاني، فكنت أطلع إليهم من فوق عاتقه، فما زلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي
انصرفت (2).
أقول: هل يقبل عقل المسلم نسبة هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز نظر
المرأة إلى الرجال حتى يمكنها النبي صلى الله عليه وسلم من النظر إليهم؟ ولدفع
هذا الإشكال قد تأول بعضهم تأويلات باردة مضحكة كاحتمال عدم بلوغ عائشة!! أو
احتمال نظرها إلى آلاتهم لا إلى وجوهم!! وإن وقع إليهم بلا قصد أمكن أن تصرفه في
الحال! ولاحظ بقية أحاديث عيدها (3).
وإليك حديث من سنن الترمذي:
(930) عن محمد بن الحاطب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل ما بين الحرام
والحلال: الدف والصوت (4).
في صلاة علي
(931) عن علي: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل



(1) سنن النسائي 3: 141.
(2) سنن النسائي 3: 195.
(3) سنن النسائي 3: 196 و 197.
(4) صحيح جامع الترمذي 1: 316.
446
فأيقظنا للصلاة ثم رجع إلى بيته فصلى هويا (1) من الليل، فلم يسمع لنا حسا،
فرجع إلينا فأيقظنا، فقال: قوما فصليا.
قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا،
إنما أنفسنا بيد الله، فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: فولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يقول - ويضرب بيده على فخذه -: ما نصلي إلا ما كتب الله لنا: (وكان
الإنسان أكثر شئ جدلا) (2) (3).
أقول: لا يحتمل مقابلة علي له صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجواب، والظاهر أن
عبادة علي كانت مشهورة عند المسلمين، فأراد بنو أمية الفجرة من وضع هذه الأحاديث
إهانته.
أحاديث عائشة في صلاة الليل
اختلفت أحاديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، فكأنها تقول
وتحدث ما تهوى، فلاحظ أبواب صلاة الليل في سنن النسائي وغيره.
البكاء على الميت
(932) عن أبي هريرة: مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع النساء
يبكين عليه، فقام عمر ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دعهن يا عمر، فإن العين دامعة، والقلب مصاب، والعهد قريب (4).
أقول: الرواية صريحة في إبطال عذاب الميت ببكاء أهله، لكن عمر يرى خلاف ذلك كما
سبق.



(1) الهوي - بالفتح -: الحين الطويل من الزمان. وقيل: هو مختص بالليل. النهاية
لابن الأثير 5: 285.
(2) الكهف 18: 54.
(3) سنن النسائي 3: 206.
(4) سنن النسائي 4: 19.
447
وضع أموي في حق فاطمة
(933) عن عبد الله بن عمر:... قال صلى الله عليه وسلم لها: ما أخرجك من بيتك يا
فاطمة؟
قالت: أتيت أهل هذا الميت فترحمت إليهم وعزيتهم بميتهم.
قال: لعلك بلغت معهم الكدى (1).
قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر.
فقال لها: لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك (2).
أقول: وقريب منه ما في بعض الكتب الستة غير سنن النسائي.
والظاهر أن الرواية وضعها بعض أعداء أهل البيت، فإن النبي لم يعهد منه أن يتكلم
مع ابنته (سيدة نساء أهل الجنة) بهذه الخشونة، ولا سيما بعد أن ذكرت له عدم مجيئها
إلى المقبرة.
وثانيا: إن الذهاب إلى المقبرة - على فرض حرمته - لا يوجب الكفر حتى لا ترى به
الجنة، بل تضافرت الأحاديث في أن أصحاب الكبائر الموبقة يدخلون الجنة إذا كان في
قلوبهم ذرة من الإيمان.
وثالثا: إن عبد المطلب كان موحدا مؤمنا بالله تعالى، فأي مانع له من رؤية
الجنة ودخولها، لعن الله العصبية الحمقى.
ثم أن النسائي أنصف في الجملة، وقال بعد ذكر الحديث المذكور: ربيعة - أحد رواة
الحديث - ضعيف.



(1) في النهاية لابن الأثير - 4: 156 -: لعلك بغلت معهم الكدى أراد
المقابر، وذلك لأنها كانت مقابرهم في مواضع صلبة، وهي جمع كدية.
(2) سنن النسائي 4: 28.
448
تناقض في القيام عند مرور الجنازة
(934) عن ابن سيرين: مر بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم
ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال
ابن عباس: قام لها ثم قعد (1).
(935) عن محمد بن علي: إن الحسن بن علي كان جالسا فمر عليه بجنازة فقام الناس
حتى جاوزت الجنازة، فقال الحسن: إنما مر بجنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم على طريقها جالسا فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام. المصدر.
أقول انظروا إلى التناقض الفاضح فيما نقل عن الحسن، وهل يرضى العاقل أن يحكم بصحة
ما في الكتب الستة بدعوى صدق رواتها؟!
تحدث عائشة عما قام على خلافه الإجماع
(936) عن عائشة: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار فصلى
عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم
يدركه، قال أو غير ذلك يا عائشة، خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلا، وخلق
النار وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم (2).
أقول: ينقل السيوطي عن النووي في شرحه: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن
من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة.
الرد على الوهابية
(937) عن بريدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى على المقابر فقال:



(1) سنن النسائي 4: 47.
(2) سنن النسائي 4: 57.
449
السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون،
أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم (1).
أقول: فقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الأموات خمس مرات في هذا الدعاء، ولولا
استماعهم أو علمهم بالخطاب لكان لغوا.
أرواح المؤمنين
(938) عن ابن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما نسمة المؤمن طائر
في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة (2).
أقول: وفي روايات: إن الروح يدخل في بدن طائر.
ويقول السندي في حاشيته على المقام: قال السيوطي في حاشية أبي داود: إذا فسرنا
الحديث بأن الروح يتشكل طيرا، فالأشبه أن ذلك في القدرة على الطيران فقط لا في
صورة الخلقة، لأن شكل الإنسان أفضل الأشكال.
قلت: هذا إذا كان الروح الإنساني له شكل في نفسه ويكون على شكل الإنسان، وأما إذا
كان في نفسه لا شكل له، بل يكون مجردا وأراد الله أن يتشكل ذلك المجرد لحكمة ما،
فلا يبعد أن يتشكل أول الأمر على شكل الطائر، وأما على الثاني: فقد أورد عليه
الشيخ علم الدين العراقي: أنه لا يخلوا إما أن يحصل للطير الحياة بتلك الأرواح
أو لا؟ والأول: عين ما تقوله التناسخية، والثاني: مجرد حبس للأرواح وتسجن...
أقول: إنما نقلت هذا المقدار من شرح السندي توضيحا، ولكنه غير صحيح، وتحقيق
المقام في محله. والروايات لا بد من تأويلها.



(1) سنن النسائي 4: 94.
(2) سنن النسائي 4: 108.
450
(939) عن كعب، عنه صلى الله عليه وسلم: إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر
(شجر) الجنة (1).
الصوم في السفر
(940) عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصيام في السفر،
عليكم برخصة الله عز وجل فاقبلوها (2).
(941) وعنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام
حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام، فدعا بقدح
من الماء بعد العصر فشرب... فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة (3).
(942) عن عمرو بن أمية الضمري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من
سفر... فقال: ادن مني حتى أخبرك عن المسافر، إن الله عز وجل وضع عنه الصيام
ونصف الصلاة (4).
(943) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: إن الله وضع عن المسافر نصف
الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع (5).
(944) وعن رجل قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم...: أن الله وضع عن المسافر نصف
الصلاة والصوم، ورخص للحبلى والمرضع (6).
أقول: هذا الحديث نص في أن إفطار المسافر في السفر عزيمة،



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 127.
(2) سنن النسائي 4: 176.
(3) سنن النسائي 4: 177.
(4) سنن النسائي 4: 178 وللحديث أسانيد أخرى.
(5) سنن النسائي 4: 180.
(6) سنن النسائي 4: 181.
451
فيقع التعارض بينه وبين ما دل على الجواز، فبعد التساقط بالتعارض يرجع إلى إطلاق
الآية الكريمة الدالة على لزوم صيام عدة من أيام أخر سواء صام المسافر في رمضان أم
لا، فيستفاد منه بطلانه وعدم مشروعيته، ويؤكده الحديث الأول: عليكم برخصة الله
فإن كلمة عليك تدل على الوجوب. وتفصيل المقال في كتب الفقه.
نية الصوم قبل الفجر
هل تعتبر نية الصوم قبل الفجر في صحة الصيام أم لا؟ الأحاديث فيها متعارضة (1).
الصوم من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر!
(945) عن زر قال: قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع!! (2).
جهالة الناس بالأحكام
(946) عن الحسن: قال ابن عباس - وهو أمير البصرة -: في آخر الشهر أخرجوا زكاة
صومكم، فنظر الناس بعضهم إلى بعض، فقال: من هاهنا من أهل المدينة قوموا فعلموا
إخوانكم، فإنهم لا يعلمون أن هذه الزكاة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
كل ذكر وأنثى... (3).
هدية عائشة
(947) عنها: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده فقلن: أيتنا بك
أسرع



(1) سنن النسائي 4: 196.
(2) سنن النسائي 4: 142. المترجم بلغة غير عربية. ويظهر من المترجم أن بعض العلماء
قائل به!!
(3) سنن النسائي 5: 50.
452
لحوقا؟ قال: أطولكن يدا فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها، فكانت سودة أسرعهن به
لحوقا، فكانت أطولهن يدا، فكان ذلك من كثرة الصدقة (1).
أقول: كثرة صدقة سودة (رض) هي هبتها حقها لعائشة (رض)، فأهدت لها هذه الهدية،
وإلا فمن المعلوم أن الأسرع به لحوقا هي زينب بنت جحش (رض) حيث ماتت في إمارة
عمر، وأما سودة فماتت في إمارة معاوية سنة 54 ه‍.
طيب المحرم
(948) عن عائشة: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو محرم (2).
الوبيص: كالبريق لفظا ومعنى كما قيل.
ولها أحاديث متنوعة في ذلك. لكن الطيب حرام للمحرم، وذهب غلاة المتأولين إلى أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم!! دون أن يردوا هذه الأحاديث الضعيفة.
صلابة عمر في تأويل الكتاب والسنة
(949) عن ابن شهاب، عن محمد: إنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس
عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران أن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال
الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله تعالى.
فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي.
قال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك.



(1) سنن النسائي 5: 66 - 67.
(2) سنن النسائي 5: 139.
453
قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه (1).
(950) عن ابن عباس: سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة، وإنها لفي
كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني العمرة في الحج -
المصدر.
كذب معاوية وإنكاره الحق
(951) عن طاوس: قال معاوية لابن عباس: أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند المروة؟ قال: لا، يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهى الناس عن
المتعة وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم (2).
يقول السندي: والصحيح الذي لا يشك فيه والذي نقله الكواف أنه صلى الله عليه وسلم
لم يقصر من شعره شيئا ولا أحل من شئ من إحرامه إلى أن حلق بمنى يوم النحر. إلى
آخر كلامه في تحكيم بطلان ادعاء معاوية.
(952) عن عطاء، عن معاوية: أخذت من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص
كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر.
قال قيس: والناس ينكرون هذا على معاوية (3).
(953) عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد قالا: جمع المنزل بين عبادة بن الصامت
وبين معاوية، فقال عبادة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالذهب
والورق بالورق... فبلغ هذا الحديث معاوية فقام فقال: ما بال رجال يحدثون أحاديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحبناه ولم نسمعه منه!!
فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فأعاد الحديث فقال: لنحدثن بما



(1) سنن النسائي 5: 253.
(2) سنن النسائي 5: 154.
(3) سنن النسائي 5: 245.
454
سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رغم معاوية (1).
يقول السندي ردا على كلام معاوية: استدلال بالنفي على رد الحديث الصحيح بعد
ثبوته مع اتفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي وظهور بطلانه بأدنى نظر بل
بديهة، فهذا جرأة عظيمة.
أقول: مدلول الحديث حكم ثابت قطعي، ولا أظن جهل معاوية به.
متعارضان
(954) قال سراقة: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه، فقلنا ألنا
خاصة أم لا بد؟ قال: بل لا بد (2).
(955) عن أبي ذر قال في متعة الحج: ليست لكم ولستم منها في شئ، إنما كانت رخصة
لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
فهما متعارضان: إلا أن تحمل الأولى على متعة النساء.
متعارضة أيضا
تعارضت الأحاديث فيما يجوز للمحرم أكله من الصيد (3)، كما تعارضت الروايات في نكاح
المحرم (4).
سلطة معاوية
(956) عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عباس بعرفات، فقال: ما لي لا أسمع الناس
يلبون؟ قلت: يخافون معاوية.
فخرج ابن عباس من فسطاطه، فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك، فإنهم



(1) سنن النسائي 7: 275 - 276.
(2) سنن النسائي 5: 179.
(3) سنن النسائي 5: 182.
(4) أنظر سنن النسائي 5: 191.
455
قد تركوا السنة من بغض علي (1).
قال السندي في شرحه: أي هو كان يتقيد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضا له.
أقول: قد ترك معاوية من دينه ما هو أعظم وأكبر من السنن بغضا لعلي، فقد قتل
كثيرا من الأبرياء وحارب عليا في صفين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال
لعلي: حربك حربي.
عقل عبد الله بن عمر
(957) عن سالم بن عبد الله: إن عبد الله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة
حين زلت الشمس وأنا معه فقال: الرواح إن كنت تريد السنة.
فقال: هذه الساعة.
قال: نعم.
قال سالم: فقلت للحجاج: إن كنت تريد أن تصيب اليوم السنة فاقصر الخطبة وعجل
الصلاة.
فقال عبد الله بن عمر: صدق (2).
أقول: هذا الزنديق الذي يفضل عبد الملك على النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أن
خليفة الرجل أفضل من رسوله يتقرب عبد الله منه ليصيب من دنياه ويؤيد شرعية ولايته،
فيوصيه بالسنن وصلاته في أول الوقت! فهذا عقل عبد الله الذي لم يحسن طلاق زوجته،
وقد قال الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (3).



(1) سنن النسائي 5: 253.
(2) سنن النسائي 5: 254.
(3) هود 11: 113.
456
(958) عن هشام بن حسان: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائة ألف وعشرين ألف
قتيل (1).
عبد الرحمن بن عوف وأصحابه
(959) عن ابن عباس: إن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه
وسلم بمكة قالوا: يا رسول الله إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا
أذلة.
فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا.
فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفوا، فأنزل الله عز وجل: (ألم
تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة) (2) (3).
رضاعة الكبير!!!
(960) عن عائشة: جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني
أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي.
قال: فأرضعيه.
قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير.
فقال: ألست أعلم أنه رجل كبير... (4).
(961) وعن عروة قال أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك
الرضعة أحد من الناس يريد رضاعة الكبير... (5
أقول: ولعائشة (رض) أقوال غريبة عجيبة تنسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومنها رضاعة الكبير التي لم توافق عليها واحدة من الزوجات الطاهرات،



(1) صحيح جامع الترمذي 2: 244.
(2) النساء 4: 77.
(3) صحيح جامع الترمذي 3: 6.
(4) سنن النسائي 6: 105.
(5) سنن النسائي 6: 106.
457
لكن عائشة تأذن للكبار أن يدخلوا عليها بمثل هذه الرضاعة كما مر.
ثم إن رضاعة الكبير إن أريد بها امتصاص اللبن من ثدي المرأة فهي حرام قطعا،
لأن مس شفتي الرجل بثدي المرأة الأجنبية حرام في دين الإسلام، وإن أريد بها مجرد
شرب لبنها ولو من الإناء فهذا مما لا تحصل به الرضاعة المحرمة. وعلى هذه الأحاديث
اعتمد سلمان رشدي الملحد.
(962) عن أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحرم من الرضاعة إلا
ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام (1).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما
كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا.
ثلاث تطليقات
(963) عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق
امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبانا ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين
أظهركم حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله (2)؟
(964) عن طاوس: إن أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس ألم تعلم أن
الثلاث كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر -
رضي الله عنهما - ترد إلى الواحدة؟ قال: نعم (3).
عائشة عصبية تفلق الصحفة
(965) عن أم سلمة: إنها يعني أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به



(1) صحيح جامع الترمذي 1: 338.
(2) سنن النسائي 6: 142.
(3) سنن النسائي 6: 145.
458
الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة ويقول: كلوا غارت أمكم
مرتين ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة
وأعطى صحفة أم سلمة عائشة (1).
الفهر - بالكسر -: حجر قدر ما يدق به الجوز.
(966) عن جسرة بنت دجاجة، عن عائشة: ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرتها، فسألت النبي صلى الله
عليه وسلم عن كفارته فقال: إناء كإناء وطعام كطعام (2).
أقول: المعاوضة تنفي الضمان ولا تنفي حرمة التصرف في مال الغير وإتلافه بغير إذنه،
فقد ارتكبت عائشة حراما في كسر الإناء مرتين، ثم أن جرأتها في الخروج إلى محضر
الرجال - في مورد الحديث الأول - وكسر الإناء بمحضر من الأصحاب شئ اختصت هي به
وضعفت عنه أكثر نساء الناس - مسلمات وغير مسلمات - حتى في القرن العشرين!
وفي حديث: إنها ضربت يد الرسول فسقطت القصعة وانكسرت!
غاية القتال
(967) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا... (3).
أقول الأحاديث في بيان الغاية ومدخول كلمة حتى مختلفة جدا في كل الصحاح (4).
من خرج من الطاعة
(968) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج من الطاعة وفارق



(1) سنن النسائي 7: 70 - 71.
(2) سنن النسائي 7: 71.
(3) سنن النسائي 7: 75.
(4) أنظر سنن النسائي: 7: 75 وما بعدها إلى 81.
459
الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى
من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهدها فليس مني، ومن قاتل تحت راية عمية يدعو إلى
عصبية أو يغضب لعصبية فقتل فقتلة جاهلية (1).
سهم ذي القربى
لاحظ أحاديثه في ص 128 وص 129 ج 7 عن قول ابن عباس، وإنه لقربى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وإن عمر عرض عليهم شيئا رأوه دون حقهم فلم يقبلوا منه.
الحكومة الجائرة
(969) عن كعب: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة فقال: إنه
ستكون بعدي أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس
بوارد علي الحوض... (2).
(970) عن طارق: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رجله في الغرز -
أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر (3).
ريح الجنة
(971) عن أبي هريرة، عن رسول الله:... وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين
عاما (4).
(972) عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله:... وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين
عاما. المصدر.
أقول: كلا الحديثين في موضوع واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



(1) سنن النسائي 7: 123.
(2) سنن النسائي 7: 160.
(3) سنن النسائي 7: 161.
(4) سنن النسائي 8: 25.
460
عقل المرأة
(973) عن شعيب، عن أبيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عقل المرأة مثل عقل
الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها (1).
أقول: مورد الحديث دية الأعضاء دون دية النفس، ومدلوله أنه إذا بلغ الثلث يرجع
دية المرأة إلى نصف دية الرجل.
كتاب الفرائض والسنن والديات
(974) عن عمرو بن حزم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا
فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم، فقرئت على أهل اليمن هذه
نسختها... وكان في كتابه... (2
أقول: في أحاديث الشيعة ذكر كتاب عن علي باسم كتاب ظريف، فيه ذكر الديات مفصلا،
ولا يبعد أنه هذا الكتاب ووقع بيد علي، فذكر ابن حزم بعضها ههنا، فلا بد من تطبيق
ألفاظ هذا الحديث عليه ليعلم التطابق، وإن كان كتاب ظريف أطول.
أدنى ما يقطع به يد السارق
في جملة من الأحاديث: إنه ربع دينار وهو الصحيح.
وفي بعضها: إنه دينار.
وفي بعضها: إنه عشرة دراهم (3). لاحظ هذه المتعارضات.
حب الإمارة
عن الحارث:... ثم دفعه إلى فتية من قريش يقتلوه منهم عبد الله بن



(1) سنن النسائي 8: 45.
(2) سنن النسائي 8: 58.
(3) سنن النسائي 8: 78 - 84.
461
الزبير - وكان يحب الإمارة - فقال: أمروني عليكم... (1).
خاتم الذهب
(975) عن سعيد بن المسيب: قال عمر لصهيب: ما لي أرى عليك خاتم الذهب؟
قال: قد رآه من هو خير منك فلم يعبه.
قال: من هو؟
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
أقول: الأحاديث الواردة في النهي عن استعمال الذهب وما ورد في خصوص خاتم الذهب (3
تدل على كذب هذا الحديث، وأنه موضوع.
حديث أبي هريرة
(976) عن أبي رزين قال: رأيت أبا هريرة يضرب بيده على جبهته يقول: يا أهل العراق
تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها (4).
أقول: هل تقبل أنه صلى الله عليه وسلم يوصي بمثل هذا الموضوعات يا ترى؟!
براءة النبي من خالد
(977) عن ابن عمر:... أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، قال ابن عمر: فقلت
والله لا أقتل أسيري... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه: اللهم إني أبرء إليك مما صنع خالد مرتين (5).



(1) سنن النسائي 8: 90.
(2) سنن النسائي 8: 165.
(3) أنظر سنن النسائي 8: 191.
(4) سنن النسائي 8: 218.
(5) سنن النسائي 8: 237.
462
المقصد السادس
حول أحاديث سنن ابن ماجة

463
نقل عن ابن خلكان أنه قال: أبو عبد الله محمد بن ماجة القزويني، الحافظ المشهور،
مصنف كتاب السنن في الحديث، وكانت ولادته سنة 209، وتوفي سنة 273.
وقيل: ولد سنة 207 وتوفي سنة 275.
وعن أبي الحسن صاحب ابن ماجة: في السنن (1500) باب، وجملة ما فيه (4000) حديث.
وقيل: إن عدد كتبه (37) كتابا عدا المقدمة، وعدد أبوابه (1515) بابا، وعدد
أحاديثه (4341) حديثا.
والنسخة التي أنقل منها في هذا الكتاب هي ما حقق نصوصها ورقم كتبها وأبوابها
وأحاديثها وعلق عليها الفاضل محمد فؤاد عبد الباقي، وطبعت في مجلدين كبيرين
بمطبعة دار الكتب العربية.
ويقول في آخر الكتاب:
ولقد وقعت جملة أحاديث السنن في 4341 حديثا (1).
من هذه الأحاديث (3002) حديث أخرجها أصحاب الكتب الخمسة كلهم أو بعضهم.
وباقي الأحاديث وعددها (1339) هي الزوائد على ما جاء بالكتب الخمسة.
وبيان الزوائد:



(1) أقول: في الكتاب أحاديث مكررة، ولم أقف على من بين تعداد المكررات.
465
(428) حديثا رجالها ثقات، صحيحة الإسناد.
(199) حديثا حسنة الإسناد.
(613) حديثا ضعيفة الإسناد.
(99) حديثا واهية الإسناد أو منكرة أو مكذوبة.
وأعلم أني لا أذكر رقم الصفحة عند نقل الحديث منها، بل أذكر رقم الحديث، وربما
أذكر اسم الكتاب، فليتنبه.
القدرية والمرجئة
(978) عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من هذه الأمة ليس
لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية (1).
أقول: القدرية قد يطلق على المجبرة الغالين في قدرته تعالى، وقد يطلق على خلاف
ظاهر اللفظ على المعتزلة النافين لقدرة الله تعالى، وكلاهما ضالان، والمرجئة
يؤخرون العمل عن مقامه ويقولون: إنه لا يضر مع الإسلام معصية.
ولكن نقل بعض من علق على سنن ابن ماجة من أهل الهند عن أكثر أصحاب الملل والنحل
تفسير المرجئة بالجبرية. وعليه، فالحديث يدل على بطلان الجبر والتفويض، كما أنهما
باطلان عقلا أيضا.
معاوية منكر أو جاهل
(979) عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه: إن عبادة بن الصامت... صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب
بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: أيها الناس،



(1) سنن ابن ماجة: 62 المقدمة.
466
إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبتاعوا الذهب
بالذهب إلا مثلا بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة.
فقال له معاوية: يا أبا الوليد، لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة.
فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك! لئن أخرجني
الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة... (1
حال صاحب البدعة
(980) عن حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله لصاحب بدعة
صوما ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجا ولا عمرة، ولا جهادا، ولا صرفا ولا عدلا،
يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين (2).
بطلان الاجتهاد بالرأي
(981) عن معاذ بن جبل: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال:
لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه أو تكتب
إلي فيه (3).
أقول: فلا مجوز للاعتماد على ما نقل عنه من تجويزه صلى الله عليه وسلم له
الاجتهاد بالرأي، فإنه معارض بهذا.
سيدا كهول أهل الجنة
(982) عن علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل
الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ما



(1) سنن ابن ماجة: 18: مقدمة.
(2) سنن ابن ماجة: 49: المقدمة.
(3) سنن ابن ماجة: 55: المقدمة.
467
داما حيين (1)، أقول: الكهل من خالطه الشيب، لكن لا كهل في الجنة، فالحديث مع قطع
النظر عن ضعف سنده مخالف للواقع، وضع في مقابل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم:
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما (2)، وحديث: فاطمة سيدة
نساء أهل الجنة ولم ينه النبي صلى الله عليه وسلم الراوي بمنع إخبارهم به!
صدق أبي ذر
(983) عن ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أقلت
الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر (3).
الخوارج
أنظر ما ورد في حقهم برقم 167 - 176 من المقدمة.
أوعال فوق السماوات
(984) عن العباس، عنه صلى الله عليه وسلم:... ثم فوق السماء السابعة بحر... ثم
فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم على
ظهورهن العرش... ثم الله فوق ذلك (4). أقول: الأوعال: جمع وعل، وهو تيس الجبل،
وهو الحامل للعرش الحامل لله تعالى.
والحديث يفسر الثمانية الحاملين للعرش الواردة في القرآن بتيس الجبل! سبحان ربك
رب العزة عما يصفون. ويقول المتأولون المراد بها الملائكة على شكل الأوعال:
(إن هم إلا يخرصون) (5).



(1) سنن ابن ماجة: 95 المقدمة.
(2) سنن ابن ماجة: 118 المقدمة.
(3) سنن ابن ماجة: 156 المقدمة.
(4) سنن ابن ماجة: 193 المقدمة.
(5) الزخرف 43: 20.
468
طلب العلم
(985) عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل
مسلم... (1).
قيل: إن سنده ضعيف، ولكن نقل عن السيوطي أنه قال: فإني رأيت له خمسين طريقا
وقد جمعتها في جزء.
أقول: والعجيب أن بعض المحدثين من الشيعة أيضا قال: إن سند الحديث ضعيف، لكن
كثرة أسانيده توجب الاطمينان بصدوره عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
البول قائما
(986) عن عمر: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال: يا عمر
لا تبل قائما فما بلت قائما بعد (2).
(987) عن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول قائما (3).
استقبال القبلة بالغائط والبول
ذكر ابن ماجة أحاديث في النهي عنه، ثم ينقل عن عائشة: إنه ذكر عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوها،
استقبلوا بمقعدتي القبلة (4).
أي حولوا موضع قضاء الحاجة إلى جهة القبلة. سبحان الله من هذا التناقض والتهافت
والاختلاق.



(1) سنن ابن ماجة: 224.
(2) سنن ابن ماجة: 308 الطهارة.
(3) سنن ابن ماجة: 309.
(4) سنن ابن ماجة: 324 الطهارة.
469
تحليل الميتة
(988) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو - أي البحر - الطهور ماؤه، الحل
ميتته (1).
الغسل والمسح
(989) عن الربيع:... فقال ابن عباس: إن الناس أبوا إلا الغسل، ولا أجد في كتاب
الله إلا المسح (2).
(990) عن رفاعة بن رافع: إنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إنها لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى: يغسل وجهه ويديه
إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين (3).
أقول: نقل بعض المعلقين على الكتاب من أهل الهند عن الطبراني، عن عباد بن تميم،
عن أبيه: إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على رجليه.
ويقول: إن عليا وابن عباس وأنسا كانوا يقولون بالمسح ثم رجعوا. ونقل عن بعضهم:
نسخ وجوب المسح، ونقل عن الحسن البصري ومحمد ابن جرير الطبري القول: بالتخيير بين
المسح والغسل، وعن بعض الظاهرية: وجوب كليهما!
هل مس الذكر يوجب الوضوء
الروايات فيه مختلفة (4).



(1) سنن ابن ماجة: 386 الطهارة.
(2) سنن ابن ماجة: 458.
(3) سنن ابن ماجة: 460.
(4) أنظر سنن ابن ماجة: 479 - 484 كتاب الطهارة.
470
المسح
(991) عن المغيرة: إن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين (1).
(992) عن بلال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار (2).
(993) وعن سلمان: امسح على خفيك وعلى خمارك وبناصيتك! فإني رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار! (3).
سقوط الصلاة
(994) عن أبزي: إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء،
فقال عمر: لا تصل (4).
تعارض
هل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب ينام مع الوضوء أو بدونه؟ الروايات فيه
متضاربة حتى من راو واحد كعائشة (5) فكيف يعتمد على أقوالها.
كذبة أخرى
(995) عن أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد (6).
(996) وعنه: وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا، فاغتسل من جميع نسائه في
ليلة (7).



(1) سنن ابن ماجة: 559.
(2) سنن ابن ماجة: 561.
(3) سنن ابن ماجة: 563.
(4) سنن ابن ماجة: 569.
(5) سنن ابن ماجة: 581 - 586.
(6) سنن ابن ماجة: 588.
(7) سنن ابن ماجة: 589.
471
(997) عن أبي رافع: إن النبي طاف على نسائه في ليلة، وكان يغتسل عند كل واحدة
منهن، فقيل: يا رسول الله، إلا تجعله غسلا واحدا؟ فقال: هو أزكى وأطيب
وأطهر (1).
أقول: أولا: لا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الناس علما وعقلا
ودينا أن يكون أقوى جسما، وهذا من حسبان غفلة العوام.
وثانيا: إن النبي تتناوب لياليه بين نسائه، ونساؤه أيضا لا يرضين بذهابه إلى
ضراتهن ولا سيما السيدة عائشة، فإنها لا ترضى بمد يده إلى غيرها كما سبق.
تقول عائشة: ما علمت حتى دخلت على زينب بغير إذن، وهي غضبى، ثم قالت: يا رسول
الله، أحسبك إذا قلبت بنية أبي بكر ذريعتيها (2)، ثم أقبلت علي... فأقبلت عليها
حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها (3).
وثالثا: لا يرضى الرسول الوقور الحكيم بأن يفهم أنس وغيره جماعه، وأن يذهب بأنس
إلى بيت كل واحد من نسائه.
ورابعا: من أين علم أبو رافع ذلك؟ لعمرك كل ذلك موضوع ومجعول وإهانة لمقام
النبوة، لعن الله الوضاعين.
الرد على الوهابية
(998) عن جابر بن عبد الله: كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من
القرآن:... السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته (4).
يقول وحيد الزمان في تعليقه على المقام: إن عقيدة أهل السنة على



(1) سنن ابن ماجة: 590.
(2) الذريعة: تصغير الذراع: النهاية لابن الأثير 2: 158.
(3) سنن ابن ماجة: 1981 كتاب النكاح.
(4) سنن ابن ماجة: 902 كتاب إقامة الصلاة.
472
أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، فإن سلم عليه أحد عند قبره يسمع، وإن سلم
عليه من بعيد يبلغه الله إليه بتوسط ملك.
الصلاة خير من النوم
لم يذكره ابن ماجة في روايات الأذان حتى في رواية ابن محذورة، فالظاهر أنها
زيادة من بعض الرواة، نعم يدعي الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الصبح: (الصلاة خير
من النوم) فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن قول الزهري لا دليل عليه، بل
نقل بعض المعلقين أنه جاء في بعض الروايات: إن مؤذنا جاء يخبر عمر بصلاة الصبح،
فقال: الصلاة خير من النوم، فأقره عمر! ولعله الصحيح.
تسليمة واحدة تجاه وجهه
(999) عن سلمة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم مرة واحدة (1).
(1000) عن عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء
وجهه (2).
(1001) عن سعد: إن رسول الله سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه (3).
محل السجدة
(1002) عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي على الخمرة (4).
أقول: عن النهاية: الخمرة: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في



(1) سنن ابن ماجة: 920 كتاب إقامة الصلاة.
(2) سنن ابن ماجة: 919.
(3) سنن ابن ماجة: 918.
(4) سنن ابن ماجة: 1028.
473
سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات (1).
(1003) وعن أبي سعيد قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير (2).
تضارب حول النافلة في السفر وصلاة الميت في المسجد
لاحظ ما نقل ابن عمر وابن عباس في ذلك متناقضين متعارضين! (3). ولاحظ الاختلاف في
الحديث عنه صلى الله عليه وسلم بين أبي هريرة وعائشة حول صلاة الميت في المسجد (4).
حول التقية
(1004) عن جابر: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:... فمن تركها - أي
صلاة الجمعة - في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر... ألا لا تؤمن امرأة
رجلا، ولا يؤم أعرابي مهاجرا ولا يؤم فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان يخاف
سيفه وسوطه (5).
أقول: ذيله يدل على جواز التقية وصحة العمل بها.
الرد على الوهابية
(1005) عن عثمان بن حنيف: إن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم... فأمره
أن يتوضأ... ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي
الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي لتقضى، اللهم فشفعه
في (6).



(1) النهاية لابن الأثير 2: 77.
(2) سنن ابن ماجة: 1209.
(3) سنن ابن ماجة: 1071 - 1072.
(4) سنن ابن ماجة: 1517: 1518.
(5) سنن ابن ماجة: 1081.
(6) سنن ابن ماجة: 1385 كتاب إقامة الصلاة.
474
وقد نقل الطبراني في الكبير الحديث، وأن الله قد قضى حاجته، كما قيل.
(1006) عن بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر
كان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء
الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (1).
(1007) عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة سياحين في
الأرض يبلغوني من أمتي السلام (2).
إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم
(1008) عن ابن عباس: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن له مرضعا في الجنة، ولو عاش لكان صديقا
نبيا... (3).
أقول: نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا نبي بعده، عاش إبراهيم أو لم
يعش لم يكن نبيا.
التناقض بين القرآن وحديث النبي صلى الله عليه وسلم
(1009) عن أسيد بن أبي أسيد، عن موسى بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه: إن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالوا: وا عضداه، وا كاسياه،
وا ناصراه، وا جبلاه، ونحو هذا....
قال أسيد: فقلت: سبحان الله، إن الله يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).



(1) سنن ابن ماجة: 1547 كتاب الجنائز.
(2) سنن النسائي 3: 43.
(3) سنن ابن ماجة: 1511 كتاب الجنائز.
475
قال: ويحك أحدثك أن أبا موسى حدثني عن رسول الله، فترى أن أبا موسى كذب على
النبي صلى الله عليه وسلم، أو ترى أني كذبت على أبي موسى (1)
قول عمر
(1010) عن عائشة:... وعمر في ناحية المسجد يقول: والله ما مات رسول الله ولا يموت
حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم (2).
أقول الحديث يدل على أن المنافقين بقوا - على كثرة - بعد وفاة النبي صلى الله
عليه وسلم لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقطع أيديهم وأرجلهم، فهذا
اشتباه ثان من عمر.
(1011) عن عمر بن الخطاب: إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة (3).
أبو عبيدة حفار غير موفق
(1012) عن ابن عباس: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا
إلى أبي عبيدة الجراح - وكان يضرح كضريح أهل مكة - وبعثوا إلى أبي طلحة - وكان هو
الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد - فبعثوا إليهما رسولين فقالوا: اللهم خر
لرسولك (4) فوجدوا أبا طلحة، فجيء به - ولم يوجد أبو عبيدة - فلحد لرسول الله صلى
الله عليه وسلم...
ونزل في حفرته علي بن أبي طالب، والفضل ابن عباس، وقثم أخوه، وشقران مولى رسول
الله، وقال أوس بن خولي... لعلي بن أبي طالب أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال له علي: أنزل... (5)



(1) سنن ابن ماجة: 1594.
(2) سنن ابن ماجة: 1627 كتاب الجنائز.
(3) سنن ابن ماجة: 2276 كتاب التجارات.
(4) أي اختر له ما فيه الخير، كما قيل.
(5) سنن ابن ماجة: 1628.
476
من يصبح جنبا وهو يريد الصوم
(1013) عن أبي هريرة: لا، ورب الكعبة ما أنا قلت: من أصبح وهو جنب فليفطر، محمد
صلى الله عليه وسلم قاله (1).
وعن الصحيحين أن أبا هريرة سمعه من الفضل.
نسيان ليلة القدر!
(1014) عن أبي سعيد الخدري قال: اعتكفنا مع رسول الله العشر الأوسط من رمضان،
فقال: إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر (2).
أقول: الرواية مكذوبة موضوعة، فإن الملائكة والروح تتنزل في ليلة القدر من كل
أمر، ولا يمكن أن يكون المنزل عليه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من أول
بعثته تنزل الملائكة عليه في ليلة القدر، فتأمل فيه.
النبي صلى الله عليه وسلم يحب المغنيات
(1015) عن أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوار
يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله يعلم أني لأحبكن (3).
(1016) عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ (4).
قالوا: نعم.



(1) سنن ابن ماجة: 1702 كتاب الصيام.
(2) سنن ابن ماجة: 1766 كتاب الصيام.
(3) سنن ابن ماجة: 1899 كتاب النكاح.
(4) أي أرسلتموها إلى بيت زوجها.
477
قال: أرسلتم معها من يغني؟
قالت: لا.
فقال: إن الأنصار قوم فيهم غزل (1). فلو بعثتم من يقول: أتيناكم أتيناكم، فحيانا
وحياكم (2).
(1017) عن مجاهد: كنت مع ابن عمر، فسمع صوت طبل، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ثم تنحى
- حتى فعل ذلك ثلاث مرات - ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
الغناء وضرب الدف
(1018) عن أبي الحسين (اسمه خالد المدني) قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري
يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا على الربيع... فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله
عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر
وتقولان فيما تقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد.
فقال: أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله (4).
أقول: ولا يبعد كون الدف يوم عاشوراء من وضع الأمويين فرحا بنصرتهم.
العزل
(1019) عن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا
بإذنها (5).
هل ينكح المحرم
أنظر الروايات المتعارضة بسنن ابن ماجة: 1964 و 1965 و 1966.



(1) الغزل: اسم من المغازلة بمعنى محادثة النساء!
(2) سنن ابن ماجة: 1900.
(3) سنن ابن ماجة: 1901.
(4) سنن ابن ماجة: 1897 كتاب النكاح.
(5) سنن ابن ماجة: 1928 كتاب النكاح.
478
الشؤم واليمن
(1020) عن مخمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا شؤم، وقد يكون اليمن
في ثلاثة: في المرأة والفرس والدار (1).
(1021) عن سالم، عن أبيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشؤم في ثلاث:
في الفرس والمرأة والدار (2).
أقول: تفكر واحكم!!!
بنكاح أول أو جديد؟
(1022) عن ابن عباس: إن رسول الله رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بعد سنتين
بنكاحها الأول (3).
(1023) عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله رد ابنته زينب على أبي
العاص بن الربيع بنكاح جديد (4).
ومثل هذه التناقضات فضيحة للشريعة الإسلامية عند الناس، فلا بد من تمحيص الأحاديث
على أساس جديد مخالف للنظام الرائج.
بناء التشريع الإسلامي
(1024) عن جدامة بنت وهب قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قد أردت
أن أنهي عن الغيال، فإذا فارس والروم يغيلون فلا يقتلون أولادهم (5).
أقول: الغيل أن يجامع الرجل زوجته وهي ترضع. وخلاصة المعنى، أنه صلى الله عليه
وسلم أراد تحريم الغيال بحسبان قتل الأولاد، ثم توجه إلى اشتباهه وخطئه فانصرف
عنه، وهذا هو بناء التشريع عند هؤلاء الرواة والمحدثين فيبطل



(1) سنن ابن ماجة: 1993 كتاب النكاح.
(2) سنن ابن ماجة: 1995.
(3) سنن ابن ماجة: 2009.
(4) سنن ابن ماجة: 2010.
(5) سنن ابن ماجة: 2011 أواخر كتاب النكاح.
479
الدين من أساسه نعوذ بالله منه، مع أن امرأة أخرى روت عنه صلى الله عليه وسلم:
لا تقتلوا أولادكم سرا، فوالذي نفسي بيده إن الغيل ليدرك الفارس على ظهر فرسه
حتى يصرعه! (1).
غير مفهوم
(1025) عن كعب، عنه صلى الله عليه وسلم: ومن قال: أنا خير من يونس بن متي فقد
كذب.
فائدة لغوية
الولاية - بفتح الواو -: مصدر الولاء، وهي الربوبية، وبكسرها: الإمارة (عن
البخاري).
لا ضرر
(1026) عن عبادة بن الصامت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن: لا ضرر
ولا ضرار (2).
(1027) وعن ابن عباس: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار (3).
خصاصة وإيثار
(1028) عن ابن عباس قال: أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم خصاصة، فبلغ ذلك
عليا، فخرج يلتمس عملا يصيب فيه شيئا ليقيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأتى بستانا لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلوا، كل دلو بتمرة، فخيره
اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله (4).



(1) سنن ابن ماجة: 2012.
(2) سنن ابن ماجة: 2340 كتاب الأحكام.
(3) سنن ابن ماجة: 2341.
(4) سنن ابن ماجة: 2446 كتاب الرهون.
480
(1029) عن أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوذيت في الله وما يؤذى
أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام
يأكله ذو كبد، إلا ما وارى إبط بلال (1).
قيل: أي أذيت وأخفت ما أوذي ويخاف أحد مثله، والاستثناء يدل على قلة الطعام،
بحيث يواريه بلال تحت إبطه.
إرث المرأة من الدية
(1030) عن سعيد بن المسيب: إن عمر كأن يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من
دية زوجها شيئا، حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان: إن النبي صلى الله عليه وسلم
ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها (2).
هل يقتل الحر بالعبد
فيه حديثان مختلفان (3).
حول الوصية
(1031) عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا
شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشئ (4).
أقول: إن أرادت نفي الإيصاء في وقت خاص، فهو لا ينفى الإيصاء في غير ذاك الوقت،
وإن أرادت نفيه مطلقا، فهو غير مقبول منها، لأنها لم تكن معه صلى الله عليه وسلم
خارج البيت، ولا في البيت إلا ليلة من تسع، لكن عائشة اعتادت أن تتكلم عن النبي
صلى الله عليه وسلم كأنها لم تفترق عنه ساعة أو تعلم الغيب،



(1) سنن ابن ماجة: 151 المقدمة.
(2) سنن ابن ماجة: 2642 كتاب الديات.
(3) سنن ابن ماجة: 2663 - 2664 كتاب الديات.
(4) سنن ابن ماجة: 2695.
481
وعلى كل قد ثبت إيصائه على ما مر.
(1032) عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله حين حضرته الوفاة - وهو
يغرغر بنفسه -: الصلاة، وما ملكت أيمانكم (1).
والغرغرة: تردد الروح في الحلق.
(1033) عن طلحة قلت لعبد الله بن أوفى: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ؟
قال: لا.
قلت: فكيف أمر المسلمين بالوصية؟
قال: أوصى بكتاب الله (2).
قال مالك:... قال الهزيل: أبو بكر كان يتأمر علي وصي رسول الله، ود أبو بكر
أنه وجد من رسول الله عهدا، فخزم أنفه بخزام (3).
قيل في تفسيره: هل هو يتأمر ويتكلف بالإمارة على علي إن كان هو وصيا.
(1034) عن علي: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا أقول: نهاكم -: عن لبس
المعصفر (4).
(1035) عن عمرو بن الحرث: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك إلا بغلته
الشهباء، وسلاحه، وأرضا تركها صدقة (5).



(1) سنن ابن ماجة: 2697 كتاب الوصايا.
(2) قلت: أشرنا فيما مضى إن جواب ابن أوفى غلط لا يرتبط بالسؤال.
(3) سنن ابن ماجة: 2699.
(4) سنن ابن ماجة: 3602.
(5) سنن النسائي 6: 229.
482
أقول: وترك درعه مرهونا عند يهودي كما ورد (1).
(1036) وعن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد غيري،
قالت: ودعا بطست (2).
أقول: سبحان الله من هذه الجرأة، هل يمكن أن لا يكون عنده أحد من زوجاته وأهل بيته
لا سيما فاطمة؟
يقول السندي في شرحه: ولا يخفى أن هذا - الانخناث (3) لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا
يقتضي أنه مات فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، فكيف وقد علم أنه صلى
الله عليه وسلم علم بقرب أجله قبل المرض ثم مرض أياما، نعم هو يوصي إلى علي بما
إذا كان الكتاب والسنة، فالوصية بهما لا تختص بعلي، بل يعم المسلمين كلهم (4).
المهدي
(1037) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا
إلا يوم لطوله الله عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتي، يملك جبل الديلم
والقسطنطينية (5).
طاعة الإمام
(1038) عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن
عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصى الإمام



(1) سنن النسائي 7: 303.
(2) سنن النسائي 6: 241.
(3) الانخناث: الانكسار والانثناء لاسترخاء الأعضاء عند الموت. أنظر النهاية لابن
الأثير 2: 82.
(4) سنن النسائي 6: 241.
(5) سنن ابن ماجة: 2779 كتاب الجهاد.
483
فقد عصاني (1).
نظر عمر وابن عباس في استلام الحجر
(1039) عن عبد الله بن سرجس: رأيت الأصيلع عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول: إني
لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (2).
(1040) عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين هذا الحجر يوم
القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد على من يستلمه بحق (3).
ورواه في سنن الترمذي بلفظ: والله ليبعثه الله... (4).
نظر النبي صلى الله عليه وسلم ونظر عمر في متعة الحج
أنظر أحاديثه من رقم 2976 إلى 2982 من كتاب المناسك، وفي الحديث الأخير: قال صلى
الله عليه وسلم: وما لي لا أغضب وأنا آمر أمرا فلا أتبع!
هل يجوز للمحرم أكل لحم حمار وحش
الأحاديث فيه متضاربة متعارضة (5).
في حق عائشة
(1041) عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كمل من الرجال
كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن



(1) سنن ابن ماجة: 2859 كتاب الجهاد.
(2) سنن ابن ماجة: 2943.
(3) سنن ابن ماجة: 2944 كتاب المناسك.
(4) سنن الترمذي 1: 284.
(5) أنظر سنن ابن ماجة: 3090 - 3093 كتاب المناسك.
484
فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام (1).
أقول: يدل الحديث على أن عائشة من الناقصات غير الكاملات، بل ربما تشعر بعدم
فضلها أيضا إذ لا فضل للثريد على سائر الأطعمة شرعا وطبا وطبعا.
(1042) وعن أبي الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد طعام أهل الدنيا
وأهل الجنة اللحم (2).
(1043) عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل (3).
زهده صلى الله عليه وسلم
(1044) عن ابن عباس: كان رسول الله يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون
العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير (4).
التنفس في الإناء
(1045) عن ابن عباس: نهى رسول الله عن التنفس في الإناء (5).
(1046) وعنه: إن النبي شرب فتنفس فيه مرتين (6).
(1047) وعن أنس: إنه كان يتنفس في الإناء ثلاثا. وزعم أنس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا (7).
وربما يدفع التناقض بما هو مخالف لنص الأخيرين.



(1) سنن ابن ماجة: 3280 كتاب الأطعمة.
(2) سنن ابن ماجة: 3303.
(3) سنن ابن ماجة: 3323.
(4) سنن ابن ماجة: 3347، ونقله الترمذي أيضا 2: 276.
(5) سنن ابن ماجة: 3428 كتاب الأشربة.
(6) سنن ابن ماجة: 3417.
(7) سنن ابن ماجة: 3416.
485
أسماء الله
(1048) عن أبي هريرة: إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب
الوتر، من حفظها دخل الجنة، وهي... (1) ثم ذكرها.
وقيل: لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا من
غيره غير ابن ماجة والترمذي وإسناد ابن ماجة ضعيف، لضعف عبد الملك بن محمد.
عدم اجتماع الأمة على ضلالة
(1049) عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي لا تجتمع على
ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم (2).
أقول: مقتضى الاعتبار العقلي الرجوع إلى المحققين الأفاضل منهم عند الاختلاف،
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا
يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل (3).
قيل: نشأ هذا الاصطلاح (السواد الأعظم) في زمان معاوية!
ثم إن السواد الأعظم غير العلماء، فالرواية لا تدل على حجية إجماعهم.
أصل فساد الأمة
(1050) عن ثوبان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:... وإن مما أتخوف على
أمتي أئمة مضلين... (4).



(1) سنن ابن ماجة: 3861.
(2) سنن ابن ماجة: 3950 كتاب الفتن.
(3) سنن ابن ماجة: 3952.
(4) سنن ابن ماجة: 3952.
486
أقول: وصدقه محسوس من الصدر إلى يومنا هذا، وعمدة المانع من اتحاد المسلمين ونبذ
الاستعمار والاستغلال وتطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية هي الحكومات الظالمة
الفاسقة الخائنة.
الاستلام للقاتل
(1051) عن أبي ذر - في حديث طويل -:... قلت: يا رسول الله، فإن دخل بيتي؟ قال: إن
خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك، فيبوء بإثمه وإثمك... (1).
أقول: التسليم للقاتل الباغي بلا وجه وتغطية الوجه حتى يقتله ينافي وجوب الدفاع
وموافق لبعض تعاليم النصارى، وعمل أبي ذر أيضا ينافي هذا الحديث، فهو وضع أموي.
(1052) عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا، فكان
فيما قال: ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه.
قال: فبكى أبو سعيد وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا (2).
فالحديث الأول موضوع على أبي ذر، ويدل على وضعه ما مر من شهادة من قتل دون
ماله...
الفتنة بين المسلمين
(1053) عن عديسة بنت أهبان: لما جاء علي بن أبي طالب ههنا - البصرة - دخل على
أبي، فقال: يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟
قال: بلى... يا جارية أخرجي سيفي فأخرجت، فسل منه قدر شبر، فإذا هو خشب، فقال:
إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا كانت



(1) سنن ابن ماجة: 3958 كتاب الفتن.
(2) سنن ابن ماجة: 4007.
487
الفتنة بين المسلمين فأتخذ سيفا من خشب، فإن شئت خرجت معك.
قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك (1).
أقول: إن صحت الرواية فقد أخطأ أهبان خطأ بينا، فإن الطرفين المتحاربين قد
يكونان كلاهما على باطل، وقد يكون أحدهما على باطل والآخر على حق. والأول هو مورد
الحديث الذي ادعاه عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو مورد قوله صلى الله
عليه وسلم: القاتل والمقتول كلاهما في النار.
وأما الثاني، فيجب على المسلمين إعانة المحق على الباطل، لدلائل كثيرة كقوله
تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) (2)، ولوجوب إطاعة الإمام - كما
مر - ولخصوص ما ورد في حق علي - كما سبق - بل ولو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
شك إبراهيم عليه السلام
(1054) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من
إبراهيم إذ قال: (رب أرني كيف تحيي الموتى...)... (3).
أقول: لم يكن إبراهيم شاكا ولا تدل عليه الآية الكريمة، والنبي صلى الله عليه
وسلم أفضل وأكمل منه، فليس هو بأحق منه على فرض كونه شاكا، فحديث أبي هريرة مردود
إليه.
المهدي
(1055) عن عبد الله: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من
بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم اغرورقت عيناه وتغير لونه، فقلت:
ما نزال



(1) سنن ابن ماجة: 3960.
(2) الحجرات 49: 9.
(3) سنن ابن ماجة: 4026.
488
نرى في وجهك شيئا نكرهه؟
فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي
بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود... حتى
يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم
فليأتهم ولو حبوا على الثلج (1).
الحبو: المشي على اليدين والركبتين.
(1056) عن أبي سعيد الخدري: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي
المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع، فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط تؤتى
أكلها ولا تدخر منهم شيئا، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي
أعطني، فيقول: خذ (2).
كدوس: أي مجموع كثير.
(1057) عن ثوبان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم
ابن خليفة... فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله
المهدي (3).
(1058) عن علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي منا أهل البيت، يصلحه
الله في ليلة (4).
(1059) عن سعيد بن المسيب قال: كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي، فقالت: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من ولد فاطمة (5).



(1) سنن ابن ماجة: 4082 كتاب الفتن.
(2) سنن ابن ماجة: 4093.
(3) سنن ابن ماجة: 4084.
(4) سنن ابن ماجة: 4085.
(5) سنن ابن ماجة: 4086.
489
(1060) عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة
أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي (1).
(1061) عن عبد الله بن الحارث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج ناس من
المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه (2).
أقول: وإليك ما نقله الترمذي في جامعه في ذلك:
(1062) عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى يملك
العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي (3).
(1063) وعنه أيضا: يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي. المصدر.
(1064) عن أبي هريرة: لو لم يبق من الدنيا إلا يوما لطول الله ذلك اليوم حتى
يلي.
(1065) عن أبي سعيد الخدري:... فقال صلى الله عليه وسلم: إن في أمتي المهدي،
يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك.
قال: قلنا: وما ذاك؟
قال: سنين.
قال: فيجئ إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما
استطاع أن يحمله المصدر.
بيت علي وفاطمة
(1066) عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عليا وفاطمة وهما في خميل



(1) سنن ابن ماجة: 4087.
(2) سنن ابن ماجة: 4088.
(3) سنن الترمذي 2: 247.
490
لهما (والخميل: القطيفة البيضاء من الصوف) - قد كان رسول الله جهزهما بها ووسادة
محشوة إذخرا وقربة (1).
(1067) عن الحارث، عن علي قال: أهديت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي،
فما كان في فراشنا ليلة أهديت إلا مسك كبش (2).
ضجاع الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وأكله
(1068) عن عائشة: كان ضجاع رسول الله أدما حشوه ليف (3).
قيل: الضجاع كالفراش لفظا ومعنى. وأدما - بفتحتين -: جمع أديم، بمعنى الجلد
المدبوغ. والليف: قشر النخل.
(1069) عن عتبة:... لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله ما لنا طعام نأكله إلا ورق
الشجر، حتى قرحت أشداقنا (4).
التقوى شرط قبول العمل
(1070) عن ثوبان، عن النبي، أنه قال: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم
القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا.
قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام
إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها (5).
اللهم وفقنا لاجتناب محارمك، واجعلنا من المتقين.



(1) سنن ابن ماجة: 4152 كتاب الزهد.
(2) سنن ابن ماجة: 4154.
(3) سنن ابن ماجة: 4151.
(4) سنن ابن ماجة: 4156.
(5) سنن ابن ماجة: 4245.
491
نسمة المؤمن
(1071) عن أبي سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الميت القبر،
مثلت الشمس عند غروبها، فيجلس يمسح عينيه ويقول: دعوني أصلي (1).
العاطفة والعقاب
(1072) عن ابن عمر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته... وامرأة
تحصب تنورها ومعها ابن لها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أنت رسول الله؟
قال: نعم.
قالت: بأبي أنت وأمي، أليس الله بأرحم الراحمين؟
قال: بلى.
قالت: أوليس الله بأرحم بعباده من الأم بولدها؟
قال: بلى.
قالت: فإن الأم لا تلقي ولدها في النار.
فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، ثم رفع رأسه فقال: إن الله لا يعذب
من عباده إلا المارد المتمرد، الذي يتمرد على الله وأبى أن يقول: لا إله إلا
الله (2).
أقول: رحمته تعالى ليست كرحمتنا من رقة القلب. والظاهر أن بكاءه صلى الله عليه
وسلم لإقناعها، وإن كان السبب هو عذاب الله للعصاة.
التوالد في الجنة
(1073) عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن إذا اشتهى
الولد في الجنة كان حمله ووضعه في ساعة واحدة كما يشتهي (3).
أقول: الحديث غريب ليس في الكتاب والسنة ذكر عن هذه المسألة، وهو شئ مجهول.



(1) سنن ابن ماجة: 4272 كتاب الزهد.
(2) سنن ابن ماجة: 4297.
(3) سنن ابن ماجة: 4338.
492
خاتمة الكتاب
(1074) عن ابن أبي وقاص - كما في البخاري -: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من
اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر! ورواه مسلم أيضا.
(1075) وفي كتاب مسلم (كتاب السلام): عنه صلى الله عليه وسلم: لا عدوي ولا يوردن
ممرض على مصح.
أقول: وفيه أولا: إن صدره وذيله متناقض. وثانيا: إن صدره مخالف للطب، والنبي
معصوم. والعمدة أن التجربة على صحة العدوي.
(1076) في كتاب البخاري: عن نافع، عن ابن عمر: (فأتوا حرثكم أنى شئتم) (1)، قال:
يأتيها في... (2).
وعلق الشارح بقوله (في...) بحذف المجرور وهو الظرف أي في الدبر. قيل: وأسقط
المؤلف ذلك لاستنكاره!
(1077) وفي البخاري: بسنده عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع
عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم (3).
حقا أن كتاب البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى!
(1078) وعن الذهبي - في تذكرة الحفاظ - عن شعبة، عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه: إن
عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود



(1) البقرة 2: 223.
(2) صحيح البخاري 5: 16.
(3) صحيح البخاري 4: 238 كتاب بدء الخلق.
493
الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قد حبسهم
في المدينة وأطلقهم عثمان كما ذكره بعضهم.
(1079) وعن ابن عساكر، عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي
هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس (أي بلده).
وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة.
وكذلك فعل معهما عثمان بن عفان.
(1080) عن ابن شهاب، عن قبيصة: إن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما
أجد لك في كتاب الله شيئا، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئا. ثم سأل الناس،
فقال المغيرة: كان رسول الله يعطيها السدس.
فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر.
(1081) وعن الآمدي - في كتاب الإحكام في أصول الأحكام (1): إن ابن عباس لم يسمع
من رسول الله سوى أربعة أحاديث لصغر سنه (2).
ولما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الربا في النسيئة. وإن النبي لم
يزل يلبي حتى رمى حجر العقبة.



(1) الإحكام في أصول الأحكام 2: 178 - 180.
(2) وعن ابن التيم في الوابل: إن ما سمعه ابن عباس عن النبي (ص) لم يبلغ العشرين
حديثا.
وعن ابن معين والقطان وأبي داود في السنن: إنه روى تسعة أحاديث، وذلك لصغر سنه،
ومع ذلك فقد أسند له أحمد في مسنده 1696 حديثا!
494
قال في الخبر الأول - لما وجع فيه -: أخبرني به أسامة بن زيد. وفي الخبر الثاني:
أخبرني به الفضل بن العباس.
(1082) حدث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أصبح جنبا في
رمضان فلا صوم له.
فلما راجعوه قال: ما أنا قلته ورب الكعبة، ولكن محمدا قاله. ثم عاد فقال:
حدثني به الفضل بن عباس.
(1083) وعن ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله
بن سليمان بن أكيمة الليثي قال: قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع
أن أؤديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا، فقال: إذا لم تحلوا حراما
ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر للحسن فقال: لولا هذا ما حدثنا.
وعن سنن الترمذي عن مكحول: إذ حدثناكم على المعنى فحسبكم.
(1084) وعن الخطيب، عن أبي هريرة: ناول النبي - صلى الله عليه وسلم - معاوية
سهما، فقال: خذ هذا السهم حتى تلقاني به في الجنة!.
(1085) وعن ابن عساكر وابن عدي والخطيب البغدادي، عنه: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: إن الله ائتمن على وحيه ثلاثة: أنا، وجبرئيل، ومعاوية.
وفي رواية أخرى عنه: الأمناء ثلاثة: جبرئيل، وأنا، ومعاوية.
أقول: ولقد أنصف أبو هريرة حيث لم يقدم معاوية عليهما.
(1086) وعن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفار: إن أبا
هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية، كان يجلس بالعشيات بباب كنده ويجلس الناس إليه،
فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال:

495
يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه.
فقال: اللهم نعم.
فقال: أشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه! ثم قام عنه.
(1087) استعمل عمر أبا هريرة على البحرين حوالي سنة 21 ه‍ ثم بلغه عنه أشياء تخل
بأمانة الوالي العادل، فعزله، واستدعاه وقال له: هل علمت من حين أني استخلفتك على
البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار.
فقال: كانت لنا أفراس تناتجت، وعطايا تلاحقت!
قال: قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده.
فقال له: ليس لك ذلك.
فأجابه عمر: بلى والله وأوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه، ثم قال
له: ائت بها.
قال: احتسبتها!
فقال له عمر: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر بالبحرين
يجبى الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ ما رجعت بك أميمة (أم أبي هريرة) إلا لرعية
الحمر (أي ما ولدتك أمك إلا لرعية الحمر).
وفي رواية عن أبي هريرة نفسه: إن عمر قال: يا عدو الله وعدو كتابه، سرقت مال
الله، من أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟
(1088) روى أحمد في مسنده: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم ذات غداة
وهو طيب النفس مسفر الوجه، فسئل عن السبب، فقال: وما

496
يمنعني، أتاني ربي عز وجل في أحسن صورة قال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك.
قال: فيم يختصم الملأ الأعلى.
قلت: لا أدري أي ربي!
قال: فوضع كفيه! بين كتفي فوجدت بردهما بين ثديي حتى تجلى لي ما في السماوات وما
في الأرض.
(1089) روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يكشف عن ساقه.
وفي البخاري، عن أبي سعيد: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن
ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة.
(1090) عن السيوطي - في تاريخ الخلفاء - أخرج النخعي: إن رجلا قال لعمر: ألا
تخلف عبد الله بن عمر؟ فقال له: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا! استخلف رجلا
لم يحسن أن يطلق امرأته (1).
أبو هريرة واختراعاته
إسرائيلية
(1091) في البخاري: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم يطعن
الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى بن مريم، ذهب ليطعن فطعن في الحجاب!
وفي رواية: عنه صلى الله عليه وسلم: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين



(1) تاريخ الخلفاء: 98.
497
يولد، يستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها!
وفي رواية عند مسلم: إلا نخسه الشيطان...
وقيل: إن هذا من الإسرائيليات حيث يدل على عدم سلامة أحد حتى الأنبياء والرسل
وحتى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم من مس الشيطان ونخسه وطعنه!
وعن ابن حجر في شرحه: وقد طعن فيه صاحب الكشاف وتوقف في صحته، وكذلك طعن الرازي
فيه وقال: إن الحديث خبر واحد ورد على خلاف الدليل.
أفضل الناس
(1092) عن الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة: ما احتذى النعال، ولا ركب
المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبي طالب (1).
أقول: وذلك لأن الأفضلية عند أبي هريرة تنشأ من لملء بطنه، وينقل عنه البخاري:
إن خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته.
وكان يعجبه المضيرة جدا فيأكل مع معاوية، فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي رضي
الله عنه، فإذا قيل له في ذلك قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي
أفضل. وكان يدور على البيوتات لمل بطنه حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
زر غبا تزد حبا (2).
أبو هريرة ومعاوية وعلي
(1093) (1094) أبو هريرة لم يكفر أيادي بني أمية، فقد نقل عنه



(1) فتح الباري 7: 62.
(2) أنظر أضواء على السنة المحمدية: 198 - 199.
498
الخطيب: ناول النبي صلى الله عليه وسلم معاوية سهما فقال: خذ هذا السهم حتى
تلقاني به في الجنة.
وأخرج عنه هو وابن عساكر وابن صدى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن
الله ائتمن على وحيه ثلاثة: أنا، وجبرائيل، ومعاوية.
وعن الأعمش: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة
فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا
أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي حرما، وإن حرمي المدينة ما بين
عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد
بالله أن عليا أحدث فيها.
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة.
أنظر أضواء على السنة المحمدية: 200 - 223. فإنا أخذنا أغلب الأحاديث المذكورة
في الخاتمة منه وبعضها من غيره.
رواياته
(1095) وعنه - كما في البخاري -: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر
حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فقد كان يكتب ولا أكتب.
وقال بعض المتتبعين: كل ما رواه ابن عمرو (700) حديث عند ابن الجوزي، و (722) في
مسند أحمد، وفي البخاري 7، وفي مسلم 21 حديثا. وأحاديث أبي هريرة (5374)!

499
(1096) وقد أفزعت كثرة روايته عمر بن الخطاب فضربه بالدرة وقال له: أكثرت يا أبا
هريرة وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عساكر - من حديث السائب -: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو لألحقنك بأرض دوس.
وعن السيد رشيد رضا - في مجلة المنار -: لو طال عمر عمر حتى مات أبو هريرة لما
وصلت إلينا تلك الأحاديث الكثيرة!
أساس الكذب
(1097) وعن - الطبراني - في المعجم الكبير - عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم من حدث حديثا هو لله عز وجل رضا فأنا قلته، وإن لم أكن قلته!
أقول: وهذا ما أسسه واخترعه لأكاذيبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن شعبة - كما عن البداية والنهاية لابن كثير (1) -: أبو هريرة كان يدلس. وقد نقل
عنه (أي شعبة) أنه قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.
وأكثر أحاديث الخاتمة نقلتها من كتب بعض الباحثين لا من مصادرها الأولية.
ثم إنك عرفت من هذا الكتاب:
أولا إن الصحابة لم يكونوا بأجمعهم عدولا، بل هم بين عادل وفاسق وأمين وخائن
وكاذب، بل بعضهم منافق، وبعضهم مرتد، كما علمته مفصلا.
ثانيا: إن كل حديث نقله مؤلفو الصحاح غير مقطوع بصدوره عن



(1) البداية والنهاية 8: 109.
500
النبي صلى الله عليه وسلم ولا بحجة بحسب الظاهر، إلا مع إحراز وثاقة الرواة وسلامة
المتن من مخالفة القرآن والعقل والتأريخ، وإلا لا يجوز أخذه والتدين به.
ثالثا: جملة كثيرة من روايات الصحاح كذب ومخالفة للواقع، إما بعمد من الرواة أو
بعض الصحابة، وإما بسهو منهم.
رابعا: لا امتياز لمؤلفي الصحاح ولا للبخاري ومسلم، ولا يجوز تقليدهم في أمور
الدين، بل يجب على العلماء أن يحققوا ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في
كتبهم.
خامسا: أصحية كتاب البخاري وكتاب مسلم وصحة جميع ما فيهما شعار من لا عقل له
ولا علم.
سادسا: إن تحقيق أسناد الحديث لا بد أن يشمل جميع الرواة من الصحابة وغيرهم،
والله يهدي من يشاء إلى الحق.
ثم إن الرقم المسلسل العام للأحاديث وإن وصل إلى (1097)، لكن القارئ يعرف أن
الأحاديث التي تعرضنا لها أكثر منها بكثير، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل
مني بفضله وكرمه، وأن يجعله مفيدا وسببا لهداية المسلمين الصالحين: (وقل الحق
من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (1) وما علينا إلا البلاغ والله يهدي من
يشاء.



(1) الكهف 18: 29.
501
ملحقات
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد كتابة الكتاب وقفت على بعض المطالب المتعلقة ببعض مباحث الكتاب، وهي مطالب
كثيرة تقتضي تأليف مجلد كبير لا يسعني ضبطها، فاقتصرت على ذكر بعضها عملا بالمقولة
المشهورة: (ما لا يدرك كله لا يترك كله) مستعينا بالله تعالى دائم الفضل
والإحسان، ومصليا على سيد البشر وخاتم الرسل وآله الطاهرين، ومسلما على أصحابه
المهتدين.
1) حول عبد الله بن عمر
نقلنا عن عبد الله بن عمر - في ص 412 - أنه قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم لا نفاضل بينهم.
قال بعض أهل التتبع: إنه على جميع الأقوال - في ولادته وهجرته ووفاته - لم يكن
متجاوزا العشرين يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في مثل هذا السن لا
يخير عادة في التفاضل بين مشيخة الصحابة ولا يتخذ حكما، فإن الحكم الفاصل في مثل
هذا يستدعي ممارسة طويلة ووقوفا على تجارب متتابعة مقرونة بعقلية ناضجة وتمييز بين
مقتضيات الفضيلة، وقوة في النفس لا يتمايل بها الهوى. وابن عمر كان يفقد كل هذه.

502
وعن تاريخ الخطيب (1): قال أبو غسان الدوري كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده حديث
ابن عمر: كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: خير هذه الأمة
بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان، فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر.
فقال علي بن الجعد: انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: كنا
نفاضل!
وعن الاستيعاب - في ترجمة علي بعد ذكر الحديث المذكور -: وهو الذي أنكر ابن معين
وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من
السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: إن عليا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه
، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف
أيضا في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجمع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن
عمر وهم وغلط (2).
أقول: عبد الله بن عمر يبغض عليا، فتراه بايع يزيد بن معاوية ولم يبايع عليا،
وعن جواهر الأخبار للصعدي - المطبوع - في ذيل كتاب البحر الذخار - أنه قال لعلي -:
إني لك ناصح، إن بيعتك لم يرض بها الناس كلهم، فلو نظرت لدينك ورددت الأمر شورى
بين المسلمين.
فقال علي: ويحك، وهل ما كان عن طلب مني؟ ألم يبلغك صنيعهم بي؟ قم يا أحمق ما أنت
وهذا الكلام (3).



(1) تاريخ الخطيب 11: 363.
(2) الاستيعاب 3: 52.
(3) جواهر الأخبار 5: 71.
503
حقا إنه أحمق، فإن متتبع يعرف أن بيعة علي تمت بمشاركة جماهيرية لا نظير لها.
ومن عجيب ما ورد في حق صاحبنا هذا ما في كتاب سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي: إنه
استأذن أباه في الجهاد، فقال له أبوه عمر: أي بني أني أخاف عليك الزنا (1).
ومن وقف على أحاديثه العجيبة وآرائه الغريبة ربما يصدق مروان على ما في فتح
الباري (2): ثبت عن مروان أنه قال - لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر -: ليس ابن
عمر أفقه مني، ولكنه أسن مني، وكانت له صحبة.
وقد مر قول أبي حنيفة في حقه.
2) حول حديث العشرة المبشرة
ذكرنا في ص 413 وص 432 حديث تبشير العشرة بالجنة، وذكرنا في ص 433 ما يضعفه.
وأورد عليه بعض المحققين أيضا: بأنه لو كان صحيحا لم يسأل عمر رضي الله عنه
حذيفة - صاحب السر المكنون - عن نفسه وينشده الله هل ذكره رسول الله من المنافقين؟
وهو يدري أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وأنهم لا يدخلون الجنة. وكيف
يمكن الجمع بين هذا السؤال المتسالم عليه (3) وبين تلك البشارة؟
ولم يعتذر عثمان - حينما حوصر - عن خروجه إلى مكة من المدينة بقوله: إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش عليه



(1) سيرة عمر الخطاب: 115.
(2) فتح الباري 8: 209.
(3) لاحظ تاريخ ابن عساكر 4: 97، والتمهيد للباقلاني: 196، وكنز العمال 7: 24.
504
نصف عذاب هذه الأمة من الإنس والجن، فلن أكون ذلك الرجل. فإنه لا يليق بمن بشر
بالجنة.
وقال في تتمة إيراده: إن الحديث المذكور ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن
زيد. وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد ابن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه،
عن ابن عوف تارة، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى. وهذا إسناد باطل لا يتم،
فإن حميدا المشار إليه توفي سنة 105 عن 73 عاما، فهو وليد سنة 32 عام وفاة عبد
الرحمن بن عوف أو بعده بسنة، ولذا يرى ابن حجر رواية حميد المذكور عن عمر وعثمان
منقطعة قطعا، وعثمان قد توفي بعد ابن عوف، فهذا الإسناد ضعيف. فيبقى طريق الرواية
قصرا على سعيد بن زيد الذي عد نفسه من العشرة المبشرة، وقد رواها في الكوفة في
إمارة معاوية، ولم يذكره في عهد الخلفاء الراشدين وكانوا هم وبقية الصحابة في أشد
الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجة لأجل منصب الخلافة.
وقال هذا المورد: وأكبر الظن أن سعيد بن زيد لما كان لا يتحمل من مناوئي علي -
كرم الله وجهه - الوقيعة فيه والتحامل عليه ويجابه بذلك من كان ولاه معاوية على
الكوفة، وكان قد تقاعس عن بيعة يزيد عندما استخلفه، أخذته الخيفة على نفسه من بوادر
معاوية، فاتخذ باختلاقه هذا الرواية ترسا يقيه على الاتهام بحب علي، وكان المتهم
بتلك النزعة، يوم ذاك يعاقب بألوان العذاب حتى بالقتل.
وعلى كل البشارة بالجنة مزية لهؤلاء إن ثبتت وليست بفضل مطلق على غيرهم، لأن
المبشر بالجنة في الأحاديث كثير، ويزيد الشك فيه عدم نقله في الصحاح الأربعة،
ومحاربة الزبير وطلحة مع علي في البصرة وهما

505
باغيان قد أوجب القرآن قتالهما.
3) معاوية
ذكرنا ما يتعلق بمعاوية في موارد من هذا الكتاب، وإليك قطرات أخرى من نهره:
1 - عن تأريخ الطبري: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع من هذا الفج رجل
من أمتي يحشر على غير ملتي.
وسند الحديث - كما عن العتب الجميل (ص 86) - صحيح.
2 - وعنه، وعن نصر بن مزاحم في كتاب صفين، وعن الخطيب في تأريخه، وعن العقيلي
والمناوي عنه صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه
وسنده معتبر.
3 - وعن الإتحاف والمستطرف: لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب وقال: من ابن
علي؟ ومن علي؟ فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل لم يبعث
بعثا إلا جعل له عدوا من المجرمين، فأنا ابن علي، وأنت ابن صخر، وأمك هند،
وأمي فاطمة، وجدتك قتيلة، وجدتي خديجة، فلعن الله ألأمنا حسبا، وأخملنا ذكرا،
وأعظمنا كفرا، وأشدنا نفاقا. فصاح أهل المسجد آمين آمين، فقطع معاوية خطبته ودخل
منزله.
4 - وعن السبط - في التذكرة (1) - قال الأصمعي والكلبي في المثالب: معنى قول الحسن
لمعاوية: قد علمت الفراش الذي ولدت فيه. إن معاوية



(1) تذكرة الخواص: 16.
506
كان يقال إنه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي، مسافر بن
أبي عمرو، أبي سفيان، العباس بن عبد المطلب، وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان، وكان
منهم من يتهم بهند...
5 - عن مسند أحمد (1) من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية
فأجلسنا على الفرش، ثم أتينا بالطعام فأكلنا، ثم أتينا بالشراب، فشرب معاوية ثم
ناول أبي، ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم...
6 - وعن تأريخ ابن عساكر (2) من طريق عمير بن رفاعة قال: مر بعبادة بن الصامت
(الصحابي): وهو في الشام قطارة تحمل الخمر، فقال ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر
تباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو
هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنا أخاك عبادة،
إما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وإما بالعشي فيقعد في
المسجد ليس له إلا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنا أخاك.
فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة، فقال له: يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما
حمل، فإن الله يقول: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) (3).
قال: يا أبا هريرة ولم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بايعناه
على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا لومة لائم، وعلى أن
ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا



(1) مسند أحمد 5: 347.
(2) تاريخ ابن عساكر 7: 211.
(3) البقرة 2: 134.
507
وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا
ولنا الجنة... فلم يكلمه أبو هريرة بشئ.
7 - أخرج ابن عساكر في تأريخه، وابن سفيان في مسنده، وابن قانع وابن مندة من طريق
محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري زمن عثمان، ومعاوية أمير
على الشام، فمرت به روايا خمر - لمعاوية - فقام إليها برمحه فبقر كل راوية منها،
فناوشه الغلمان حتى بلغ شأنه معاوية، فقال: دعوه، فإنه شيخ قد ذهب عقله.
فقال: كلا والله ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل
بطوننا وأسقيتنا خمرا، وأحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه.
وذكره ابن حجر في الإصابة ولخصه في تهذيب التهذيب، وأبو عمرو في الاستيعاب، وذكره
ابن الأثير في أسد الغابة، كما قيل.
8 - قال بعض المتتبعين في إبطال كون معاوية مجتهدا كما يدعيه بعض البسطاء: هل
علم معاوية الكتاب والسنة والإجماع والقياس؟ وعند من درس الكتاب، وقد كان عهده به
منذ عامين قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه هو وأبوه وأخوه من مسلمة
سنة الفتح كما في الاستيعاب، وكان ذلك في أخريات السنة الثامنة للهجرة، ووفاة
النبي صلى الله عليه وسلم في أوليات سنة 11. ولا شك أنه لم يكن ليعرف الناسخ من
المنسوخ، والمحكم من المتشابه.
والحال إنه عاش في بيت حافل بالوثنية، متهالك في الظلم والعدوان، متفان في عادات
الجاهلية... وجميع ما أخرجه عنه أحمد في مسنده (106) أحاديث (1) وبعد حذف مكرراتها
تبقى (47) حديثا، فهل هي



(1) أنظر مسند أحمد 4: 19 - 102.
508
تكفي للاجتهاد؟ كلا فأذن هو فاقد لمرتبة الاجتهاد رغم إصرار ابن حجر المتحجر في
دفاعه عنه.
9 - وعن الحسن البصري - كما عن تأريخ ابن عساكر، وتاريخ الخلفاء، وأوائل السيوطي،
وتأريخ ابن كثير، ومحاضرات الراغب، والنجوم الزاهرة -: أربع خصال في معاوية لو لم
يكن فيه منهن واحدة لكانت موبقة: انتزأوه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها
أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده
سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقتله حجرا. ويل له من حجر وأصحاب
حجر. قاله مرتين.
10 - وعن الطبري من طريق ابن أبي نجيع قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد
(ابن أبي وقاص)، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره، وقع
معاوية في علي وشرع في سبه، فرصف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في
سب علي... وقد مر الحديث بألفاظ مسلم.
وعن المسعودي - في مروج الذهب -: إن سعدا لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض
ليقوم ضرط له معاوية..
وعن العقد الفريد: فلما مات سعد لعن معاوية عليا على المنبر (منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم)، وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر، ففعلوا...
وعنه، وعن غيره: قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: إن عليا قد قطعك وأنا وصلتك،
ولا يرضيني منك إلا أن تلعنه على المنبر، قال: أفعل فصعد المنبر، ثم قال: بعد أن
حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه: أيها الناس، إن

509
معاوية بن أبي سفيان قد أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين. ثم نزل فقال له معاوية: إنك لم تبين من لعنت منهما
بينه!...
وعن أسد الغابة، عن شهر بن حوشب: أقام فلان (يعني معاوية) خطباء يشتمون عليا
رضي الله عنه وأرضاه، يقعون فيه...
وعن العقد الفريد وغيره - في قصة طويلة - قال معاوية للأحنف بن قيس: يا أحنف
لتصعدن المنبر فتلعننه - أي عليا - طوعا أو كرها...
وعن الطبري، والكامل لابن الأثير، وتاريخ ابن عساكر: إن زيادا قال لقيس بن عباد:
لتلعننه - أي أبا تراب عليا - أو لأضربن عنقك...
وعن الطبري: إن بسر بن أرطأة شتم عليا على المنبر...
وعن الكامل لابن الأثير: استعمل معاوية كثير بن شهاب على الري، وكان يكثر سب علي
على منبر الري...
وعن مسند أحمد، والمستدرك، وغيرهما: كان المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم
على المنبر وينال من علي ويلعنه ويلعن شيعته. وقد صح أن المغيرة لعنه على منبر
الكوفة مرات لا تحصى.
وأخرج ابن سعد، عن عمير بن إسحاق: كان مروان أميرا علينا - يعني بالمدينة - فكان
يسب عليا كل جمعة على المنبر.
وعن تأريخ ابن كثير: استناب معاوية على المدينة عمرو بن سعيد ابن العاص الأموي
المعروف بالأشدق كان يسب عليا على صهوة المنبر.
وعن الساري في شرح صحيح البخاري، وغيره: سمي عمرو بالأشدق لأنه صعد فبالغ في
شتم علي - رضي الله عنه - فأصابته لقوة - أي داء - في وجهه.

510
أقول: هذا معاوية وحزبه فاقض ما أنت قاض. والله الهادي.
4) الشواذ في الصحيحين
قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1) بعد نقل حديث: ولعل متوهما يتوهم أن
هذا متن شاذ، فلينظر في الكتابين (كتابي البخاري ومسلم) ليجد من المتون الشاذة
التي ليس لها إلا إسناد واحد ما يتعجب منه، ثم ليقس هذا عليها! انتهى كلام الحاكم.
5) مقدار يوم القيامة
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم القيامة كقدر ما بين
الظهر والعصر (2).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين...
أقول: مضافا إلى أنه مخالف للاعتبار العقلي مخالف للكتاب العزيز كقوله تعالى في
سورة المعارج: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) (3). بناء على إرادة يوم
القيامة من اليوم المذكور في الآية.
فهذا الحديث باطل خرج من كيس أبي هريرة.
وفي حديثه الآخر: يوم القيامة على المؤمنين كقدر...
وهذا أيضا غلط، فإن اليوم أمر واحد ثابت في حد نفسه، إلا أن يؤول بأن المراد
من اليوم هو مكث المؤمنين وحسابهم في المواقف ثم خروجهم منها إلى الجنة، لكن
المستفاد من الأحاديث الواردة في يوم القيامة والسؤال والحساب خلافه، نعم هو في
حق بعض المؤمنين الكاملين ممكن، والله العالم.



(1) المستدرك على الصحيحين 1: 21 طبعة دار الفكر بيروت.
(2) المستدرك على الصحيحين 1: 84.
(3) المعارج 70: 4 - 7.
511
(6) لعن ستة
عن عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستة لعنتم لعنهم الله، وكل نبي
مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط بالجبروت يذل من أعز
الله ويعز من أذل الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله،
والتارك لسنتي (1).
وقال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإسناد، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه.
7) عبد الله بن سلام
عن يزيد بن عميرة: إن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن
أوصنا.
قال: أجلسوني، ثم قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من التمسهما وجدهما - قال ذلك
ثلاث مرات - والتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان
الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إنه عاشر عشرة في الجنة (2).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
أقول: ينافي هذا حديث العشرة المبشرة، فإنه لو صح لكان ابن سلام يدخل الجنة بعد
العشرة المبشرة. ثم إن الحديث يدل على أفضلية هؤلاء الأربعة من جميع الصحابة عند
وفاة معاذ إيمانا وعلما.
8) هؤلاء الصحابة!
عن عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي



(1) مستدرك الحاكم 1: 36.
(2) المستدرك 1: 98.
512
مسعود وزيد بن ثابت فإذا عندهم جواري يغنين، فقلت لهم: أتفعلون هذا وأنتم أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: إن كنت تسمع وإلا فامض، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رخص لنا في اللهو في العرس وفي البكاء عند الميت (1).
أقول: اقض هل يمكن أن يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في استماع غناء الجواري
للرجال الأجانب؟ سبحان الله.
9) عدم الاكتفاء بالقرآن دون السنة
عن أبي رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ألفين أحدكم متكئا على
أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: ما أدري ما وجدنا في
كتاب الله اتبعناه (2).
وعن الحسن بن جابر: إنه سمع المقدام بن معد يكرب الكندي - صاحب النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - يقول: حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشياء يوم خيبر منها:
الحمار الأهلي وغيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يوشك أن يقعد
الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه
حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإنما حرم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم كما حرم الله (3).
(10) كتابة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن عبد الله بن عمرو قال: قالت لي قريش: تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإنما هو بشر يغضب كما يغضب البشر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا
رسول الله، إن قريشا تقول تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو بشر



(1) المستدرك 1: 103.
(2) المستدرك 1: 108.
(3) المستدرك 1: 109.
513
يغضب كما يغضب البشر.
قال: فأومئ إلى شفتيه، فقال: والذي نفسي بيده ما يخرج مما بينهما إلا حق
فاكتب (1).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، أصل في نسخ الحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولم يخرجاه (وللحديث شواهد مذكورة في المستدرك).
(11) غسل من غسل الميت
عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يغتسل من أربع: من الجنابة،
ويوم الجمعة، ومن غسل الميت، والحجامة (2).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
12) البول قائما!
عن عائشة: ما بال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما منذ أنزل عليه
الفرقان (3).
وقال الحاكم، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد اتفقا على إخراج...
عن حذيفة: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سباطة قوم فبال قائما.
وعن عمر: ما بلت قائما منذ أسلمت (4).
وعن عبد الله: من الجفاء أن تبول وأنت قائم (5).
وعن شريح: سمعت عائشة تقسم بالله: ما رأى أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول



(1) المستدرك 1: 104.
(2) المستدرك 1: 163.
(3) المستدرك 1: 181 و 185.
(4) المستدرك 1: 182.
(5) المستدرك 1: 182.
514
قائما منذ أنزل عليه الفرقان (1).
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. والذي عندي أنهما لما اتفقا
على حديث منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة... فبال قائما. وجدا حديث... عن عائشة
معارضا له فتركاه! انتهى كلام الحاكم.
أنظر إلى هذين المؤلفين (البخاري ومسلم) وما يفعلان بالأحاديث؟!
13) البسملة في أول السور
أنظر المستدرك على الصحيحين 1: 231 و 550.
14) زيارة الأموات للنساء
عن ابن عباس قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زائرات القبور
والمتخذين عليها المساجد والسرج (2).
وقال الحاكم: أبو صالح... إنما هو بأذان، ولم يحتج به الشيخان، لكنه حديث متداول
فيما بين الأئمة... فخرجته.
وعن ثابت قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - زوارات القبور (3).
قال الحاكم: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة، والناسخ لها
حديث علقمة... عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد كنت نهيتكم عن
زيارة القبور ألا فزوروها، فقد أذن الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة
قبر أمه.
وهذا الحديث مخرج في الكتابين الصحيحين للشيخين.



(1) المستدرك 1: 184.
(2) المستدرك 1: 185.
(3) المستدرك 1: 174.
515
عن عبد الله بن أبي مليكة: إن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم
المؤمنين من أين أقبلت؟
قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر.
فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن زيارة القبور؟
قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها (1).
أقول: يظهر منه أن المنع والرخصة يشملان الذكور والإناث، والأحاديث المتعلقة
بالمقام كثيرة.
15) متعة الحج
عن سعيد بن المسيب قال: حج علي وعثمان رضي الله عنهما، فلما كان ببعض الطرق نهى
عثمان عن التمتع بالعمرة إلى الحج. فقيل لعلي: إنه قد نهى عن التمتع، فقال: إذا
رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبى علي وأصحابه بالعمرة، ولم ينههم عثمان.
فقال علي: ألم أخبر أنك تنهى عن التمتع بالعمرة؟
قال: بلى (2).
فقال: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - [قال:] تمتع؟
قال: بلى (2).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
أقول لعثمان: فكيف تخالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس يصلح لأحد أن
يخالفه؟! ثم إن الحاكم كلما صلى على النبي ذكر آله كما رأيت، وهذا من خواصه
وخواص كتابه.



(1) المستدرك 1: 376.
(2) المستدرك 1: 472.
516
/ 1