نظريات الخليفتين (جزء 2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظريات الخليفتين (جزء 2) - نسخه متنی

نجاح طایی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
الكتاب: نظريات الخليفتين
المؤلف: الشيخ نجاح الطائي
الجزء: 2
الوفاة: معاصر
المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:
نظريات الخليفتين ج 2

1
زهد عمر

5
الباب

6
حياته المعيشية البسيطة
ونعني بزهد عمر هنا عدم انغماسه في الترف والإسراف، مثلما عرف به
معاوية وغيره، أخرج ابن شيبة عن قاسم أنه قال: خطب عمر (رضي الله عنه) فقال: إن أمير
المؤمنين يشتكي بطنه من الزيت، فإن رأيتم أن تحلوا له ثلاثة دراهم ثمن عكة من
سمن بيت مالكم فافعلوا (1).
وأخرج عن ابن عمر أن عمر حج سنة ثلاث وعشرين، فأنفق في حجته
ستة عشر دينارا، فقال: يا عبد الله أسرفنا في هذا المال (2).
وقد تعجبت من اقتراض عمر من بيت المال مبلغا كبيرا. فقد اقترض عمر
مبلغا قدره ستة وثمانين ألف درهم (3). وإذا كان راتب عمر السنوي يساوي خمسة
آلاف درهم فإن المبلغ المقترض يساوي ما يستلمه عمر في ستة عشر عاما!
والسؤال الذي أوقفني: في أي الموارد صرف عمر تلك الأموال؟ وقيل: إنه
قبل مماته طلب من أهله تسديد دينه.
ويذكر أن سعد بن أبي وقاص يوم كان واليا على الكوفة من قبل عثمان، قد
اقترض مالا من بيت المال، وكان عبد الله بن مسعود أمينا لبيت المال. فطالبه ابن



(1) تاريخ المدينة المنورة.
(2) تاريخ الخلفاء، السيوطي 141.
(3) تاريخ الخلفاء، السيوطي 135.
7
مسعود بالمبلغ، فاعتذر سعد عن التسديد. ومن كثرة مطالبات ابن مسعود
واعتذار سعد، حدثت مشادات كلامية بين الطرفين وأنصارهما، استمرت إلى
حين تنصيب عثمان لأخيه الوليد بن عقبة واليا على الكوفة... (1)
واقتراض سعد من بيت المال قد أثر سلبا على وجاهته وسمعته في الكوفة،
فكان من جملة الأسباب الداعية إلى عزله.
وقال الإمام علي (عليه السلام) لعثمان في ذكر الفرق بينه وبين أبي بكر وعمر: وأما
التسوية بينك وبينهما فلست كأحدهما، إنهما وليا هذا الأمر فظلفا أنفسهما (أي كفا)
وأهلهما عنه، وعمت وقومك عوم السابح في اللجة، فأرجع إلى الله أبا عمرو،
وأنظر هل بقي من عمرك إلا كظم الحمار (2).
وقال الإمام علي (عليه السلام) عن عثمان أيضا: " إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه
بين نثليه ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمه الإبل نبته الربيع، إلى
أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته " (3).
وعن عائشة رضي الله عنها - وقد ذكرت عمر - كان والله أحوذيا نسيج
وحده.
وقال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا
ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن (4).
أقول: لم يعرف عن عمر وأبي بكر الترف والإسراف وتوزيع الأموال
للأقرباء ما عرف عن عثمان ومعاوية وغيرهما وأول من انحرف عن هذا الطريق
النبوي كان عثمان بن عفان، فذهب ضحية انحرافه. بينما ذهب عمر ضحية شدته



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 9 / 264.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ص 9 / 15.
(3) نهج البلاغة، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) 3 / 3.
(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي 120، وأخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات.
8
وعصبيته القرشية والحزبية (1). وروى الزبير بن بكار عن الزهري قال: لما
أتى عمر بجوهر كسرى وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر،
فقال لخازن بيت المال: ويحك أرحني من هذا، وأقسمه بين المسلمين، فإن نفسي
تحدثني أنه سيكون في هذا بلاء، وفتنة بين الناس. فقال: يا أمير المؤمنين إن قسمته
بين المسلمين لم يسعهم، وليس أحد يشتريه، لأن ثمنه عظيم، ولكن ندعه إلى قابل،
فعسى الله أن يفتح على المسلمين بمال، فيشتريه منهم من يشتريه.
قال: ارفعه فأدخله بيت المال، وقتل عمر وهو بحاله، فأخذه عثمان لما ولى
الخلافة فحلى به بناته.
قال الزبير (بن بكار) فقال الزهري: كل قد أحسن عمر حين حرم نفسه
وأقاربه، وعثمان حين وصل أقاربه (2).
أقول: ولا أدري من ماذا أتعجب من أخذ عثمان لجوهر كسرى الذي لا
يقدر بثمن؟ أم من تعليق ابن شهاب الزهري؟
عمر واستخدام الشدة
كان عمر بن الخطاب معروفا بحدة الطبع وشدته، واندفاعه السريع نحو
الأحداث وإصدار القرارات، وبسبب ذلك ندم على بعض أفعاله وأوامره، كما ترى
في طيات الكتاب. وقد صرح عمر بنظريته في أول خطبة له قائلا: إنما مثل العرب
مثل جمل آنف اتبع قائده، فلينظر قائده حيث يقود، وأما أنا فورب الكعبة
لأحملنهم على الطريق (3).



(1) انظر موضوع مقتل عمر بن الخطاب في هذا الكتاب.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 16.
(3) تاريخ الطبري 2 / 622.
9
وعن ابن ساعدة الهذلي قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب التجار بدرته
إذا اجتمعوا على الطعام، بالسوق حتى يدخلوا سكك أسلم ويقول: لا تقطعوا
علينا سابلتنا (1).
ولقد كثرت الروايات والاحتجاجات من الأشخاص الذين ضربهم عمر
بدرته، ولقد قيل: إن درة عمر أمضى من سيف الحجاج (2).
ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله) يستخدم درة ولا عصا في ضرب الناس في المسجد
والأسواق أو غيرها، وكان يستخدم أسلوب النصيحة والتحذير والتهديد والوعيد
بالعذاب الأخروي. وكان (صلى الله عليه وآله) يعاقب المذنبين عند ارتكابهم أفعالا محرمة فقط ولا
يخرج عن ذلك.
وكان أسلوب النبي (صلى الله عليه وآله) ناجحا ومقبولا من قبل المسلمين، ونصيحته أمضى
من سيف وعتابه أخطر من عصا! وهكذا تعود المسلمون سريعا على هذا
الأسلوب ومضوا عليه، فكان واحدهم يتحاشى غضب النبي (صلى الله عليه وآله) وانزعاجه.
ولما جاء أبو بكر لم يحمل معه عصا ولا درة. وعندما جاء عمر سار بالناس
على ضوء طبعه في الخشونة والحدة، فاستخدم الدرة واليد والرفس والعض
والسجن لتقويم كل ما يعتقد أو يظن أو يشك بأنه غير مستقيم أو غير جيد.
عض من تكنى بأبي عيسى وضرب من اشترى اللحم في
يومين
ضرب عمر كل من كني بأبي عيسى: فقد ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى،
ذلك أن سرية لعبيد الله بن عمر جاءت إلى عمر تشكوه فقالت: يا أمير المؤمنين:



(1) طبقات ابن سعد 5 / 60.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد.
10
ألا تعذرني من أبي عيسى؟
قال: ومن أبو عيسى؟
قالت: ابنك عبيد الله.
قال: ويحك! وقد تكنى بأبي عيسى؟
ودعاه وقال: أيها اكتنيت بأبي عيسى؟ فحذر وفزع، فأخذ يده فعضها حتى
صاح، ثم ضربه وقال: هل لعيسى أب؟ أما تدري ما كنى العرب؟ أبو سلمة، أبو
حنظلة، أبو عرفطة، أبو مرة. ولما كان المغيرة يكنى بأبي عيسى فقد جاء بشاهدين
شهدا له بأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو الذي سماه بذلك (1).
وضرب رجلا أتى بيت المقدس وإتيانه سنة مؤكدة (2). ولا يمكن ضرب
إنسان في أمر مباح لم يحرمه الله تعالى.
وضرب (عمر) في المجزرة كل من اشترى اللحم لأهله يومين متتابعين، إذ
مر به رجل لثلاثة أيام وهو يحمل اللحم، فعلا رأسه بالدرة ثم صعد المنبر، فقال:
إياكم والأحمرين: اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال (3).
وضرب تميم الداري لإتيانه الصلاة بعد العصر وهي سنة، فعن تميم أنه ركع
ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة بعد العصر، فأتاه عمر فضربه
بالدرة، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته فجلس، ثم فرغ تميم من صلاته
فقال لعمر: لم ضربتني؟ قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما. قال:
إني صليتهما مع من هو خير منك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال عمر: إنه ليس أعني أنتم أيها
الرهط، ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى



(1) عمدة القارئ 7 / 143، شرح ابن أبي الحديد 3 / 104.
(2) الغدير 6 / 278.
(3) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 / 35.
11
يمروا بالساعة التي نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصلوا فيها كما وصلوا ما بين الظهر
والعصر (1).
ضرب من صام الدهر
" أخبر عمر بن الخطاب رضوان الله عليه برجل يصوم الدهر فجعل يضربه
بمخفقته ويقول: كل يا دهر يا دهر (2).
وقد قيل لعائشة: تصومين الدهر، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صيام
الدهر؟
قالت: نعم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهى عن صيام الدهر ولكن من أفطر يوم
الفطر ويوم النحر لم يصم الدهر (3).
إذا من يفطر في الأيام المحرمة يمكنه أن يصوم بقية الأيام، وهذا رأي جماهير
العلماء، فلا يكون صائما للدهر.
كما ضرب عمر الصائمين في رجب وصومه سنة مؤكدة!! (4)
قال أنس بن مالك: إن أعرابيا جاء بإبل له ليبيعها، فأتاه عمر يساومه بها،
فجعل ينخس بعيرا بعيرا يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده، فجعل
الأعرابي يقول: خل إبلي لا أبا لك.
فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير.
فقال الأعرابي لعمر: إني لأضنك رجل سوء.



(1) صححه الهيثمي في المجمع، صحيح مسلم 1 / 310، مسند أحمد 4 / 102.
(2) سيرة عمر بن الخطاب ابن الجوزي 174.
(3) كنز العمال 4 / 334.
(4) الغدير 6 / 282.
12
فلما فرغ منها إشتراها فقال: سقها وخذ أثمانها.
فقال الأعرابي: حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها.
فقال عمر: اشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها.
فقال الأعرابي: أشهد أنك رجل سوء.
فبينما هما يتنازعان إذ أقبل علي فقال عمر: ترضى بهذا الرجل بيني وبينك؟
قال الأعرابي: نعم.
فقصا على علي قصتهما فقال علي: يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه
أحلاسها وأقتابها؟ فهي لك كما اشترطت، وإلا فإن الرجل يزين سلعته بأكثر من
ثمنها، فوضع عنها أحلاسها وأقتابها، فساقها الأعرابي، فدفع إليه عمر الثمن (1).
وبينما عمر يمر في الطريق إذا هو برجل يكلم امرأة فعلاه بالدرة.
فقال: يا أمير المؤمنين: إنما هي امرأتي.
فقام عمر فانطلق فلقي عبد الرحمن بن عوف، فذكر ذلك له، فقال: يا أمير
المؤمنين: إنما أنت مؤدب، وليس عليك شئ (2).
وكان عمر يعتمد على أسلوب سوء الظن في الناس ويعتقد بصحة ذلك.
وعن الحسن: أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن فلكزه
عمر أو قال لكمه (3).
حبس عبد الله بن مسعود
روى الذهبي في تذكرة الحفاظ: أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا



(1) كنز العمال 2 / 222، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 2 / 231.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 18 / 297.
(3) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 171.
13
مسعود الأنصاري (1).
وروى أبو بكر بن العربي: أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) سجن ابن مسعود في نفر
من الصحابة سنة بالمدينة حتى استشهد فأطلقهم عثمان (2).
وبذلك يكون عبد الله بن مسعود، الذي أسلم سادس ستة، قد بقي سنة
كاملة مع صحبه سجينا، ولم يخرج من سجنه إلا بوفاة عمر، وبإذن من عثمان بن
عفان. وسجن عمر لابن مسعود يتعلق بمنع عمر لقول الحديث وتدوينه.
الخشونة مع النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين في مكة
عن عمر بن الخطاب قال: قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لي يوم تبعته ليلا (قبل دخول
عمر الإسلام): يا عمر ما تدعني لا ليلا ولا نهارا؟ قال عمر فخشيت أن يدعو
علي (3).
وفي يوم عزيمة عمر على قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة، وحينما وصل إلى منزل
تواجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وصحبه، خرج إليه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل
السيف، فقال: ما أنت بمنته يا عمر، حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل
بالوليد بن المغيرة (4).
وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أسلم:
قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبينا أنا في يوم
حار بالهاجرة في بعض طريق مكة، إذ لقيني رجل فقال: عجبا لك يا ابن الخطاب،



(1) أضواء على السنة المحمدية 45.
(2) العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي 110، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب د. السيد الجميلي 25.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي 111.
14
إنك تزعم أنك وأنك وقد دخل عليك الأمر في بيتك (1).
فقول الرجل لعمر إنك تزعم أنك وأنك دلالة على شدة تصميم وعمل عمر
ضد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين وافتخاره بذلك، وقد اعترف عمر في خلافته بقسوته
على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا: كنت أشد الناس على رسول الله عليه الصلاة والسلام (2).
فتاوى بالقتل
لقد حاول عمر قتل عدة أشخاص في الجاهلية والإسلام، وأول شخص
حاول قتله عمر في الجاهلية هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
وأفتى الخليفة عمر بقتل كل من يصلي تحت شجرة الرضوان، قائلا: ألا لا
أوتى منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف، كما يقتل المرتد، ثم أمر بها
فقطعت (4). وهي الشجرة التي بايع المسلمون تحتها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتعهدوا
بالدفاع عنه وعن أهل بيته!
ونادى عمر في السقيفة بقتل سعد بن عبادة قائلا: أقتلوه لعنه الله، وطالب
أيضا بقتل الحباب بن المنذر، وبقتل علي (عليه السلام) قائلا: إن لم تبايع نضرب عنقك (5).
ذكر البلاذري: أن سعدا لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام، فبعث عمر رجلا
(محمد بن مسلمة) وقال: ادعه إلى البيعة واحتل له، فإن أبى فاستعن الله عليه.



(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي 110.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي 111، وأخرجه البزار، والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 18 / 269، الطبقات، ابن سعد 3 / 191، صفوة الصفوة لابن
الجوزي 1 / 269.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 59.
(5) الإمامة والسياسة 1 / 11 - 13.
15
فقدم الرجل الشام فوجد سعدا في حائط بحوارين فدعاه إلى البيعة.
فقال: لا أبايع قريشا أبدا. قال: فإني أقاتلك، قال: وإن قاتلتني.
قال: أخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟ قال: أما من البيعة فإني خارج،
فرماه بسهم فقتله (1). وجاء في كتاب تبصرة العوام أن خالدا كان في الشام فأعان
على قتله... وذكر عبد الفتاح عبد المقصود سعد ابن عبادة فقال: وقد أغرى به
عمر بن الخطاب من قتله (2).
ولما امتنع خالد بن سعيد بن العاص عن بيعة أبي بكر، قال عمر له (أبي
بكر): دعني وإياه، فلم يوافق أبو بكر. أي أراد قتله!
وقال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها، فمن عاد إليها
فاقتلوه (3). وتهديد عمر هذا موجه إلى عمار بن ياسر وأمثاله الذي قال: لو مات
أمير المؤمنين لبايعت فلانا (أي عليا) (4).
وهو تهديد بالموت لكل من يفعل سقيفة ثانية من المسلمين؟ لأن أركان
السقيفة الأولى قائمة ومستمرة، فتكون نتائج السقيفة الثانية ضد نتائج السقيفة
الأولى! على اعتبار أن السقيفة الأولى انقلاب فتكون السقيفة الثانية انقلابا
مضادا.
وقد هدد عمر مجلس الستة الذين رشحهم للحكم من بعده، وذكر ذلك
الدميري قائلا: وأقام (عمر) المسور بن مخرمة في ثلاثين نفسا من الأنصار،
وقال: إن اتفقوا على واحد إلى ثلاثة أيام، وإلا فاضربوا رقاب الكل، فلا خير



(1) أنساب الأشراف للبلاذري.
(2) السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد المقصود 13.
(3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 55، صحيح البخاري 4 / 111، تاريخ الطبري 2 / 446.
(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 326.
16
للمسلمين فيهم، وإن افترقوا فرقتين، فالفرقة التي فيها عبد الرحمن ابن عوف (1).
وقال عمر بن الخطاب لأبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري: لأن رضي
أربعة وخالف اثنان فاضرب عنق الاثنين، وإن رضي ثلاثة وخالف ثلاثة،
فأضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن. وإن جازت الثلاثة أيام ولم
يتراضوا بأحد فاضرب أعناقهم جميعا (2).
فلو خالف الإمام علي (عليه السلام) لوحده فسيكون مصيره القتل، وإن أيده اثنان
من أهل الشورى فمصيرهم القتل!
فيكون أول من طالب بقتله وآخر من طالب بقتله عمر هو علي (عليه السلام) بينما قال
عمر في علي (عليه السلام): إنه مولى كل مؤمن ومؤمنة (3).
هل كان عمر شديدا؟
وقد اعترف عمر بعد بيعته بشدته قائلا: اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف
فقوني، وإني بخيل فسخني (4).
وكان عمر قاعدا والدرة معه، والناس حوله إذ أقبل الجارود العامري فقال
رجل: هذا سيد ربيعة، فسمعها عمر ومن حوله، وسمعها الجارود، فلما دنا منه،
خفقه بالدرة، فقال: ما لي ولك يا أمير المؤمنين؟ قال: مالي ولك، لقد سمعتها،
قال: وسمعتها فمه؟



(1) حياة الحيوان الكبرى للدميري 1 / 346.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 160.
(3) ينابيع المودة 1 / 30، عمدة الأخبار ي مدينة المختار ص 219، شواهد التنزيل 1 / 157، ورواه
الترمذي وابن ماجة عن هامش سر العاملين 1 / 13، ورواه النسائي.
(4) تاريخ الخميس 2 / 241.
17
قال: خشيت أن تخالط القوم ويقال: هذا أمير، فأحببت أن أطأطئ
منك (1).
وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): إني لأبغض فلانا، فقيل للرجل: ما شأن
عمر يبغضك؟ فلما كثر القوم في الدار جاء فقال يا عمر: أفتقت في الإسلام فتقا؟
قال: لا.
قال: فجنيت جناية؟ قال: لا.
قال: أحدثت حدثا؟ قال: لا.
قال: فعلام تبغضني؟ وقال الله: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما
اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (2).
فقد آذيتني فلا غفر الله لك.
فقال عمر: صدق والله. وقد اعترف عمر للرجل بأنه آذاه (3).
وذكر الدميري: لما بلغه (رضي الله عنه) هيبة الناس له جمعهم ثم قام على المنبر حيث
كان أبو بكر (رضي الله عنه) يضع قدميه. فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على
النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: بلغني إن الناس قد هابوا شدتي وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان
عمر يشتد علينا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر (رضي الله عنه) والينا
دونه، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه؟ ولعمري من قال ذلك فقد صدق (4).
وقال الأحنف بن قيس: فقلنا يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بفتح عظيم... ثم
انصرف راجعا ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين انطلق معي فأعدني
على فلان، فإنه ظلمني، فرفع عمر الدرة فخفق بها رأسه، وقال: تدعون عمر



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 112.
(2) الأحزاب: 58.
(3) حياة الصحابة 2 / 419.
(4) حياة الحيوان الكبرى الدميري 1 / 49.
18
وهو معترض لكم، حتى إذا شغل بأمر من أمور المسلمين أتيتموه، أعدني،
أعدني، فانصرف الرجل وهو يتذمر، فقال عمر: علي بالرجل فألقى إليه
المخفقة فقال: امتثل، فقال: لا ولكن أدعها لله ولك.
قال عمر: ليس كذلك. إما تدعها لله وإرادة ما عنده، أو تدعها لي فأعلم
ذلك. قال: أدعها لله، قال: انصرف.
ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن فيه، فافتتح الصلاة فصلى ركعتين، ثم
جلس، فقال: يا ابن الخطاب! كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ضالا فهداك الله،
وكنت ذليلا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعديك
فضربته! ما تقول لربك غدا إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه معاتبة، ظننت أنه من
خير أهل الأرض (1).
قال الجصاص: وقد روي عن عمر، أنه غرب ربيعة بن أمية بن خلف - في
الخمر - إلى خيبر فلحق بهرقل فقال عمر:
لا اغرب بعدها أبدا (2).
وقد اعترض الكثير من الصحابة على تنصيب عمر خليفة، وذكروا ذلك
أمام أبي بكر وأمام عمر نفسه وأمام الناس. قال ابن قتيبة: وكان عمر رجلا
شديدا قد ضيق على قريش أنفاسها.
وقال سعد بن عبادة لعمر: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا
منك (3). وروي عن عامر الشعبي أنه قال: ما قتل عمر بن الخطاب حتى ملته
قريش واستطالت خلافته (4).



(1) تاريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي 83.
(2) تاريخ المدينة المنورة.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 4.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 58.
19
وذكر ابن قتيبة في كتابه: قال رجل لعمر (رضي الله عنه) أدنو منك، فإن لي إليك
حاجة؟ قال: لا.
قال: إذن أذهب فيغنيني الله عنك. فولى هاربا. فاتبعه عمر (رضي الله عنه) فأخذ ثوبه،
فقال: ما حاجتك؟ فقال الرجل: أبغضك الناس، أبغضك الناس، كرهك
الناس - ثلاثا -.
قال عمر (رضي الله عنه) له: مم ويحك؟
قال: لسانك وعصاك (1).
وقال ابن أبي الحديد: وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء، وعنجهية
ظاهرة، وشديد الغلظة، وعر الجانب، خشن الملمس دائم العبوس (2).
وقال ابن أبي الحديد أيضا: كان عمر شديد الغلظة، وعر الجانب، خشن
الملمس، دائم العبوس، كان يعتقد إن ذلك هو الفضيلة وإن خلافه نقص (3) وكان
عمر سريعا إلى المساءة، كثير الجبه (جبهته مصكوكة) والشتم والسب (4).
وقد وصف الإمام علي (عليه السلام) وصية أبي بكر لعمر قائلا: لقد جعلها في حوزة
خشناء، يصعب لمسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها (5).
وقال أبو بكر نفسه (عن ولاية عمر للخلافة) أمام عائشة وعبد الرحمن
ابنه: والأفضل له (عمر) أن لا يلي أمر الأمة (6).
وبينما كانت وصية أبي بكر لعمر معروفة سلفا، كان عمر ينتظر موت أبي



(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 20.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 61، صحاح الجوهري 5 / 2108.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 115.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 115، 4 / 457.
(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد الخطبة الشقشقية 3 / 409.
(6) كتاب الثقات، ابن حبان 2 / 192.
20
بكر. وكان عبد الرحمن بن أبي بكر قد عارض وصية أبيه لعمر قائلا له: إن
قريشا تفضل عثمان بن عفان عليه.
وهذا يبين أن قريشا نفسها كانت تخاف خشونته.
وقال طلحة والزبير لأبي بكر: ما كنت قائلا لربك إذ وليته مع غلظته.
أما عن بيعة عمر فقد بايعه المسلمون بين راض ومتكره ومطمئن ومتخوف،
وجميعهم ينظرون ما يكون من يومه الجديد، وهل يحمل الناس على سياسته
العمرية، التي عرفوها منه؟ أم يحمله الناس على ما ألفوا من لين أبي بكر ورقته؟
وأيا كان الأمر، فإنه بعد أن تمت البيعة لعمر، طاف بالناس طائف من الوجوم
والانكسار، وخيم على المدينة جو من الركود والسآمة، لا يدري الناس ما يطلع
به عليهم عمر من أمور.
صعد المنبر فجلس حيث كان أبو بكر يجلس قال: حسبي أن يكون مجلسي
حيث كانت تكون قدما أبي بكر (1).
وقد قال عمر: إن الناس قد هابوا شدتي وخافوا غلظتي.
وقال بلال لأسلم: كيف تجدون عمر؟ فقال: خير الناس إلا أنه إذا غضب
فهو أمر عظيم (2).
وقد وصفه عبد الرحمن بن عوف لأبي بكر قائلا: إن فيه غلظة (3).
وقد بين عمر رأيه في أسلوب الحكم قائلا: إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالشدة
التي لا جبرية فيها، وباللين الذي لا وهن فيه (4).
وقد حدث كلام بين طلحة وعمر جاء فيه:



(1) عمر بن الخطاب 76.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي 130.
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 55.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي 140.
21
قال (عمر) له: أقول أم أسكت؟
قال (طلحة): قل: فإنك لا تقول من الخير شيئا (1).
ولقد تسبب استخدام عمر ليده في الجاهلية ودرته في خلافته في اعتراض
الناس عليه. فقالوا: درة عمر أهيب من سيف الحجاج (2).
والحاصل أن الكثير من المهاجرين والأنصار لم يرغبوا في خلافة عمر
لشدته، وعندما طالت مدة خلافته ازداد عدد المعارضين له.
من رمى عمر عند الجمرة؟
لقد ضرب عمر الكثير من الناس، من أهله والمهاجرين والأنصار وغيرهم
وقد ذكرنا ذلك في هذا الكتاب مع مصادره: ضرب عمر أخته فاطمة وأدماها
لإسلامها.
وضرب صهره (زوج فاطمة) لإسلامه، وضرب جارية بني مؤمل وأم
عبد الله بنت حنتمة لإسلامها (3).
وعض عمر يد ابنه عبيد الله لتكنيه بأبي عيسى (4).
وضرب زوجته فاعترض عليه الأشعث بن قيس، ودفع الباب على فاطمة
بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فاسقط جنينها، وضرب أم فروة بنت أبي قحافة.
وضرب رئيس قبيلة ربيعة.
وضرب من سأل عن تفسير القرآن.



(1) كتاب السفيانية للجاحظ.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
(3) طبقات ابن سعد 3 / 191.
(4) عمدة القارئ 7 / 143، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 104.
22
وضرب أبا هريرة لذكره الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهدد كل من يذكر
حديثا بدرته.
وضرب النائحة في مجلس عزاء حتى أسقط خمارها.
وضرب أمة للبسها ملابس امرأة حرة (1).
وضرب المسلمات في الجاهلية (2).
وضرب النساء الباكيات على وفاة زينت بنت الرسول (صلى الله عليه وآله).
وضرب بريدة بن الحصيب الأسلمي لاحتجاجه على إحراق عمر بيت
فاطمة (عليها السلام)، فأمر عمر بضربه وإخراجه من المدينة. فذهب إلى مرو ومات
هناك (3).
وضرب من صام الدهر (4).
وضرب من صلى بعد العصر (5).
وضرب من تسمى بأسماء الأنبياء.
وضرب الصائمين في رجب.
وضرب من اشترى اللحم يومين متتاليين (6).
وضرب رجلا زار بيت المقدس. ولكم رجلا تثاءب عنده.
ووطأ سعد بن عبادة، وحطم أنف الحباب بن المنذر في السقيفة (7).



(1) عبقرية عمر، العقاد ص 13.
(2) السيرة النبوية، ابن دحلان 1 / 339.
(3) المعارف، ابن قتيبة ص 300.
(4) كنز العمال 4 / 334، سيرة عمر بن الخطاب، ابن الجوزي 174.
(5) صحيح مسلم 1 / 310، مسند أحمد 4 / 102.
(6) مجمع الزوائد، الحافظ الهيثمي 5 / 35.
(7) كنز العمال 3 / 2346، 1363.
23
والحاصل أن عمر قد ضرب أعدادا كثيرة من الناس، ومن طبيعة ذلك
إيجاد أعداء كثيرين له.
قال مالك بن أبي عامر: شهدت عمر بن الخطاب عند الجمرة، أصابه حجر
فدماه، ونادى رجل رجلا: يا خليفة، فقال رجل من خثعم: ذهب والله خليفتكم
أسعر دما.
فلما كان من قابل (في السنة الثانية للحج) أصيب عمر (1).
وفي العادة يكون موسم الحج مكتظا بالمسلمين الحجاج، ويمكن لهؤلاء أن
يضربوا الخليفة عمر في عرفه أو المشعر إلا أنهم رموه بالحجارة عند الجمرة. ولو
عرف عمر الرماة لانتقم منهم، ولكنه لم يتمكن من ذلك.
لقد ضرب عمر بن الخطاب الكثير من الناس بدرته ويده ومن الطبيعي أن
يولد هذا رد فعل. وقد قالوا: لكل فعل رد فعل، يساويه في القوة ويعاكسه في
الاتجاه. ولما كان الناس يخافون شدة عمر في المدينة، إذ ستواجههم غلظته، فقد
فعلوا ذلك في الحج عند رمي الجمرات!
* * *



(1) طبقات ابن سعد 5 / 64.
24
صراحة أبي بكر وعمر
الباب

25
صراحة أبي بكر
ولأبي بكر صراحة مذكورة، ولكن بدرجة أقل من عمر مثل قوله في
خطبته الأولى: أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم (1).
ومن صراحته قوله: واعلموا أن لي شيطانا يعتريني أحيانا (2).
وقوله: لقد قلدت أمرا عظيما، مالي به طاقة ولا يد، ولوددت أن أقوى
الناس عليه مكاني (3). ومن صراحة أبي بكر قوله: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله
شرها (4). وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك يوم كان لطلحة، ثم أنشأ
يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني يكون رجلا من قومي (5).
ومن صراحته قوله قبل موته: ليتني لم أكشف بيت فاطمة، ولو أعلن
علي الحرب (6).



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 69.
(2) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 16، تاريخ الطبري 2 / 460.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 16، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 47.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 47.
(5) طبقات ابن سعد 3 / 155، السيرة النبوية، ابن كثير 3 / 58، كنز العمال 10 / 268.
(6) شرح نهج البلاغة 6 / 51.
27
ومن صراحته قوله لعمر المطالب بعزل أسامة بن زيد عن حملة الشام:
ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرني أن
أنزعه (1). وندم أبو بكر على اعتلائه السلطة قائلا: وودت أني يوم سقيفة بني
ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميرا وكنت وزيرا.
وبعد ما قالت له فاطمة (عليها السلام): والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها،
فخرج باكيا فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته
مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي (2).
وقال أبو بكر بصراحة: والله لو وضعت قدما في الجنة وقدما خارجها ما
أمنت مكر الله (3).
وقال أبو بكر: طوبى لمن مات في النأنأة: أي في أول الإسلام قبل تحرك
الفتن (4).
وقال أبو بكر: وددت أني خضرة تأكلني الدواب (5).
ومن الملاحظ أن صراحة عمر العامة مرجعها إلى قوة الدولة واستقرار
الأوضاع، وعادة العرب.
ومرجع صراحة عمر نحو الإمام علي (عليه السلام) اعتماد عمر على صدقه (عليه السلام) وغيرته
وإخلاصه للإسلام والمسلمين.
فهذه النصائح أولدت اطمئنانا في نفس عمر إلى عدم غدر علي (عليه السلام) وعدم
احتياله.



(1) تاريخ الطبري 2 / 462، تاريخ أبي الفداء 1 / 220.
(2) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 14.
(3) تاريخ الطبري 2، كنز العمال 5.
(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي 98.
(5) تاريخ الخلفاء، السيوطي 104.
28
وهذا الاطمئنان النفسي الذي ولد في قلب ونفس عمر بالرغم من هجومه
على بيت فاطمة (عليها السلام) وسلبه الخلافة من علي (عليه السلام)، هو الذي دعا عمر إلى التصريح
بمكانة علي (عليه السلام) الدينية والعلمية والاجتماعية.
وجاءت امرأة لعمر أيام خلافته، تطلب بردا من برد كانت بين يديه،
وجاءت معها بنت لعمر، فأعطى المرأة ورد ابنته.
فقيل له في ذلك، فقال: إن أب هذه ثبت في يوم أحد، وأب هذه (أي عمر)
فر يوم أحد، ولم يثبت (1).
ومن صراحة عمر قوله ليتني كنت بعرة، وليتني كنت عذرة (2).
ومن صراحة عمر قوله: في ابنه عبد الله: إنه عاجز عن طلاق زوجته (3).
اجتماع صراحة البداوة ودهاء قريش في عمر
جاء في لسان العرب في كلمة صرح: الصرح والصريح والصراح والصراح،
والكسر أفصح: المحض الخالص من كل شئ، رجل صريح وصرحاء، وصرح
الشئ خلص وكل خالص صريح.
والصريح: اللبن إذا ذهبت رغوته.
وانصرح الحق أي بان، وتكلم بذلك صراحا وصراحا أي جهارا.
وصرح فلان بما في نفسه وصارح: أبداه وأظهره وأنشد أبو زياد:
وإني لأكثو عن قذور بغيرها * وأعرب أحيانا بها فأصارح



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 / 12.
(2) حياة الصحابة، الكاندهلوي 2 / 99، كنز العمال 6 / 361، 365.
(3) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 65.
29
أمنحدرا ترمي بك العيس غربة * ومصعدة برح لعينيك بارح
وفي المثل: صرح الحق عن محضه أي انكشف.
وقال الأزهري: وصرح الشئ وصرحه وأصرحه إذا بينه
وأظهره، ويقال: صرح فلان ما في نفسه تصريحا إذا أبداه. والتصريح خلاف
التعريض (1).
وقد صرح عمر بن الخطاب تصريحات كثيرة ونادرة بين فيها الكثير من
غوامض أحداث، وخفايا أوضاع، وحقيقة أشخاص ودرجة علومهم.
صراحة عمر في القضايا العلمية
عن قتادة قال: سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته في الجاهلية
تطليقتين وفي الإسلام تطليقة؟ فقال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال عبد الرحمن: لكني آمرك ليس طلاقك في الشرك بشئ (2).
فقول الخليفة: لا آمرك ولا أنهاك تعني: لا أعرف.
ومن مأثورات عمر الشهيرة التي وقفت ضد ما وضعته يد القصاصين في
زمن بني أمية قوله: كل الناس أفقه منك يا عمر، وفي لفظ: حتى العجائز يا عمر (3).
وكل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال (4).



(1) لسان العرب لابن منظور 2 / 509 - 511.
(2) كنز العمال 5 / 161.
(3) الفتوحات الإسلامية 2 / 408، نور الأبصار 65، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه، وأبو يعلى في
مسنده الكبير، وابن الجوزي في سيرة عمر، وابن كثير في تفسيره 1 / 467، والسيوطي في الدر
المنثور 2 / 133.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1، 61.
30
كل واحد أفقه منك يا عمر (1).
كل أحد أعلم من عمر (2).
كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت (3).
بينما لم نلحظ هذه الصراحة المشهودة عند أبي بكر ولا عثمان.
وقال العلاء بن زياد: إن عمر كان في مسير فتغنى فقال: هلا زجرتموني إذ
لغوت (4). وقرأ عمر على المنبر: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا
وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} (5). فقال كل هذا عرفناه فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت
في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن تدري ما الأب، اتبعوا ما بين
لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه (6).
وحدثت مناقشات علمية وقضائية كثيرة زمن الخليفة عمر والإمام علي (عليه السلام)
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب. وقال: لولا علي لهلك
عمر (7). وقال: عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب.
وقال: اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب (8).



(1) تفسير القرطبي 5 / 99، تفسير النيسابوري ج 1 سورة النساء، تفسير الخازن 1 / 353، الفتوحات
الإسلامية 2 / 477.
(2) تفسير القرطبي 14 / 277، تفسير الكشاف 2 / 445.
(3) أخرجه الرازي في أربعينه 467.
(4) كنز العمال 7 / 335.
(5) عبس، 26 - 31.
(6) المستخرج، أبو نعيم، وشعب الإيمان للبيهقي، المستدرك للحاكم 2 / 514، تفسير ابن جرير 30 / 38
. وقد دافع ابن حجر عن عمر بطريقته الخاصة فقال إن الكلمة (الأب) غير عربية.
(7) ينابيع المودة 70، الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 1103.
(8) أخرجه سبط بن الجوزي.
31
وقال: ردوا قول عمر إلى علي، لولا علي لهلك عمر (1). وقال: لولا علي
لضل عمر (2). وقال: لولاك لافتضحنا (3).
وقال: أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست فيها، ولا في بلد لست فيه (4).
وقال: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن (5). ونحن نعرف بأنه
يندر في الناس من يصرح بفضل غيره على نفسه أو بجهله في العلوم.
ولكن عمر بعد استقرار الأوضاع السياسية، وسيطرة الدولة على بلدان
كثيرة، وانتصارها على أكبر دولتين في ذلك الزمن، وهما الدولتان الفارسية
والرومية، وانخفاض التوتر بين الدولة وبني هاشم بدأت تصريحاته الكثيرة.
وبقيت أمور أخرى دون تصريح منه بواقعها لعلل نعرفها.
وروي " لما ولي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الخلافة أتاه قوم من
أحبار اليهود فقالوا: يا عمر أنت ولي الأمر بعد محمد (صلى الله عليه وآله) وصاحبه، وإنا نريد أن
نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الإسلام حق وأن محمدا كان نبيا، وإن
لم تخبرنا بها، علمنا أن الإسلام باطل وأن محمدا لم يكن نبيا، فقال: سلوا عما بدا
لكم، قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ وأخبرنا عن مفاتيح السماوات ما
هي؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وأخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن
ولا هو من الإنس، وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على وجه الأرض ولم يخلقوا في



(1) أخرجه الخوارزمي في مناقبه 57، السنن الكبرى، البيهقي 7 / 441، كتاب العلم لأبي عمر 2 / 187،
ذخائر العقبى 81.
(2) تمهيد الباقلاني 199.
(3) صحيح البخاري، باب كسوة الكعبة، سنن ابن ماجة 2 / 269، فتح الباري 3 / 358.
(4) كتاب الأذكياء، ابن الجوزي 18، كنز العمال 3 / 179، ذخائر العقبى 80، مناقب الخوارزمي 60.
(5) مستدرك الحاكم 1 / 457، سيرة عمر، ابن الجوزي 106، عمدة القارئ، العيني 4 / 606، الجامع
الكبير، السيوطي 3 / 35.
32
الأرحام؟ وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ وما يقول الديك في
صراخه؟ قال: فنكس عمر رأسه في الأرض ثم قال: لا عيب بعمر إذا سئل عما لا
يعلم أن يقول: لا أعلم.
فوثبت اليهود وقالوا: نشهد أن محمدا لم يكن نبيا وأن الإسلام باطل،
فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود: قفوا قليلا، ثم توجه نحو علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه حتى دخل عليه فقال: يا أبا الحسن أغث الإسلام. فقال (عليه السلام): وما
ذاك؟ فأخبره الخبر، فأقبل يرفل في بردة رسول الله، فلما نظر إليه عمر وثب قائما
فاعتنقه، وقال: يا أبا الحسن أنت لكل معضلة وشدة تدعى. فدعا علي كرم الله
وجهه اليهود فقال: سلوا عما بدا لكم، فإن النبي علمني ألف باب من العلم، فتشعب
لي من كل باب ألف باب، فسألوه عنها فقال علي كرم الله وجهه: إن لي عليكم
شريطة إذا أخبركم بما في توراتكم دخلتم في ديننا وآمنتم. فقالوا: نعم. فقال: سلوا
عن خصله خصله.
قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ قال: أقفال السماوات الشرك
بالله، لأن العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما عمل.
قالوا: فأخبرنا عن مفاتيح السماوات ما هي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله. فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويقولون: صدق الفتى.
قالوا: فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه؟ فقال: ذلك الحوت الذي التقم يونس بن
متى، فسار به في البحار السبعة.
فقالوا: أخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الإنس؟ قال:
هي نملة سليمان بن داود قالت: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان
وجنوده وهم لا يشعرون.
قالوا: فأخبرنا عن خمسة مشوا على الأرض ولم يخلقوا في الأرحام؟ قال:

33
ذلك آدم وحواء وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصى موسى....
فسر عمر لذلك أعظم السرور وأسلم اليهود (1).
وقال عمر: أقضانا علي (2). فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطبنا
عمر فقال: علي أقضانا.
وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو
حسن (3).
قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله أحرمهما وأعاقب
عليهما (4).
وكانت أقوال عمر أحيانا في غاية الصراحة غير خائف من أحد في
الأرض، فهو بجانب سلطة قوية وجيش قوي قادر على هزيمة الجيوش الفارسية
والرومية.
صراحة عمر في القضايا السياسية
ومن صراحة عمر (رضي الله عنه) قوله لعلي (عليه السلام) في يوم الغدير: بخ بخ لك يا ابن أبي
طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة (5).
وقال عمر لعلي (عليه السلام) أمام مجموعة من المسلمين: " أما والله لقد أرادك الحق،



(1) العرائس، أبو إسحاق الثعلبي 232 - 239.
(2) الإستيعاب بهامش الإصابة 3 / 38 - 39، تاريخ الخلفاء للسيوطي 17.
(3) مقتل الحسين، الخوارزمي 1 / 45.
(4) البيان والتبيين 2 / 223، أحكام القرآن للجصاص 1 / 342، 345، تفسير القرطبي 2 / 370، زاد
المعاد 1 / 444، تفسير الفخر الرازي 2 / 167، كنز العمال 8 / 293.
(5) شواهد التنزيل 1 / 157، عمدة الأخبار في مدينة المختار 219.
34
ولكن أبى قومك " (1).
وروي عن ابن عباس قال: طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل،
فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة، فخرج وعلى عنقه درته حافيا، حتى أتى
بقيع الغرقد، فاستلقى على ظهره، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده وتأوه صعداء
فقلت له: يا أمير المؤمنين ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر الله يا ابن عباس.
قال: قلت: إن شئت أخبرتك بما في نفسك؟ قال: غص يا غواص إن كنت
لتقول فتحسن. قال: قلت: ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيره. قال: صدقت.
قال: فقلت: له أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف. فقال: ذلك رجل ممسك، وهذا
الأمر لا يصلح إلا لمعط في غير سرف، ومانع في غير أقتار. قال: قلت: سعد بن أبي
وقاص.
قال: مؤمن ضعيف. قال: فقلت طلحة بن عبد الله. قال: ذاك رجل يناول
للشرف والمديح، يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره، وفيه بأو وكبر. قال: قلت
فالزبير بن العوام فهو فارس الإسلام. قال: ذاك يوما إنسان ويوما شيطان وعفة
نفس إن كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى تفوته الصلاة. قال:
فقلت: عثمان بن عفان. قال: إن ولي حمل بني أبي معيط، وبني أمية على رقاب
الناس، وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلن، والله لئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى
تقتله في بيته، ثم سكت. قال: فقال: امضها يا ابن عباس أترى صاحبكم لها
موضعا؟ قال: فقلت وأين يبتعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه.
قال: هو والله كما ذكرت، ولو وليهم لحملهم على منهج الطريق فأخذ المحجة
الواضحة، إلا أن فيه خصالا، الدعابة في المجلس، واستبداد الرأي، والتبكيت
للناس مع حداثة السن.



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 114، 115.
35
وقال خالد محمد خالد في كتابه الديمقراطية أبدا: لقد ترك عمر بن الخطاب
النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة عندما دعته إلى ذلك المصلحة فلباها،
فبينما يقسم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظا من الزكاة ويؤديه الرسول، ويلتزمه أبو
بكر، يأتي عمر فيقول: إنا لا نعطي على الإسلام شيئا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر (1). فالخليفة عمر يصرح بمخالفته للنصوص الدينية بشكل ملفت للنظر.
ولكن جاء بعده رجال وضعوا تصريحاته تحت عناوين مختلفة مثل الاجتهاد وغير
ذلك؟!
قال الهرمزان لعمر (رضي الله عنه) إيذن لي أصنع طعاما للمسلمين؟ قال: إني أخاف أن
تعجز، قال: لا. قال: فدونك.
قال: فصنع لهم ألوانا من حلو وحامض، ثم جاء إلى عمر (رضي الله عنه) وقال: قد
فرغت فأقبل.
فقام عمر وسط المسجد فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الهرمزان إليكم
فاتبعه المسلمون، فلما انتهى إلى بابه قال للمسلمين: مكانكم، ثم دخل فقال: أرني
ما صنعته، ثم دعا بأنطاع فقال: ألق هذا كله عليها واخلطوا بعضه ببعض.
فقال الهرمزان: إنك تفسده، هذا حلو وهذا حامض.
فقال عمر: أردت أن تفسد علي المسلمين، ثم أذن للمسلمين فدخلوا
فأكلوا.
لقد كان عمر يشكك في نوايا الهرمزان، ففعل معه هكذا؟!
وقال رجل لابن عمر: يا خير الناس أو ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما
أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله (2)



(1) الديمقراطية أبدا 155.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 13 / 167.
36
والملاحظ أن السبب الذي دعا عمر بن الخطاب للصراحة أحيانا هو
المنطق البدوي الحاكم في جزيرة العرب يومذاك. فكان بعض الناس يصرحون بما
في قلوبهم بملء أفواههم.
ومن المعروفين بالصراحة، ولكن بدرجة أقل من عمر، معاوية بن أبي
سفيان، فقد ذكر في رسالته لمحمد بن أبي بكر: كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي
طالب، وحقه لازما لنا مبرورا علينا،.. فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه،
وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا (1).
قال: قلت: يا أمير المؤمنين هلا استحدثتم سنة يوم الخندق إذ خرج عمرو
ابن عبد ود، وقد كعم عنه الأبطال، وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقط
الأقران قطا، وهلا سبقتموه بالإسلام؟
فقال: إليك يا ابن عباس، أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعلي بأبي بكر
يوم دخلا عليه. فكرهت أن أغضبه فسكت.
فقال: والله يا ابن عباس إن عليا ابن عمك لأحق الناس بها، ولكن قريشا
لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذهم بمر الحق لا يجدون عنه رخصة، ولئن فعل لينكثن
بيعته ثم ليحاربن (2). وقال عمر: أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم
أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر (3).
وقد وقعت مناقشة أخرى بين عمر وابن عباس حول نفس الموضوع جاء
فيها: " قال عمر: أتدري يا ابن عباس ما منع الناس منكم؟ قال: لا يا أمير
المؤمنين. قال: لكني أدري. قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟



(1) مروج الذهب، المسعودي 3 / 12.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 159، طبعة لندن.
(3) محاضرات الأدباء 4 / 478.
37
قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا،
فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت.
فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع؟ قال: قل ما تشاء.
قال: أما قول أمير المؤمنين إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم: {ذلك
بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} (1).
وأما قولك إنا كنا نجحف فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قوم
أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله الذي قال الله فيه {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)
وقال له: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (3).
وأما قولك: فإن قريشا اختارت فإن الله تعالى يقول: {وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة} (4).
وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو
نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت.
فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشا في
أمر قريش لا يزول، وحقدا عليها لا يحول.
فقال ابن عباس: مهلا يا أمير المؤمنين لا تنسب قلوب بني هاشم إلى
الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه، وهم أهل البيت
الذين قال الله لهم: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا} (5) وأما الحقد فكيف لا يحقد من غصب شيؤه، ويراه في يد غيره؟



(1) محمد، 9.
(2) القلم، 4.
(3) الشعراء، 215.
(4) القصص، 68.
(5) الأحزاب، 33.
38
فقال عمر: ما أنت يا ابن عباس؟ فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به
فتزول منزلتك عندي!
قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به، فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل
عن نفسه، وإن يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به! قال: بلغني أنك لا تزال
تقول: أخذ هذا الأمر حسدا وظلما.
قال (ابن عباس): أما قولك يا أمير المؤمنين حسدا، فقد حسد إبليس آدم
فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود.
وأما قولك: ظلما فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو! ثم قال: يا
أمير المؤمنين ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله واحتجت، قريش على
سائر العرب بحق رسول الله، فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
فقال له عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك.
فقام، فلما ولى هتف به عمر: أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراع
حقك، فالتفت ابن عباس فقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى المسلمين حقا
برسول الله، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع، ثم
مضى. فقال عمر لجلسائه: واها لابن عباس! ما رأيته لاحى (نازع) أحدا قط إلا
خصمه (غلبه) (1). نلاحظ في هذا النص قدرة فائقة عند ابن عباس على تشخيص
علة هم عمر.
يقابلها قدرة عمر الدقيقة في تشخيص الناس وأهدافهم؟! انظر إلى قوله في
الزبير وسعد وابن عوف وعثمان فلقد عرف بقتل الناس لعثمان وعلي (عليه السلام)، الأول
لحمله آل أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس وأخذهم مال الله دون حق.



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 107، تاريخ الطبري 5 / 30، قصص العرب 2 / 363، الكامل
في التاريخ لابن الأثير 3 / 63، 288.
39
والثاني لأخذه الناس بمر الحق.
ولكن رغم اعتراف عمر بمنهجية علي (عليه السلام) المستقيمة إلا إنه وصف الإمام
عليا (عليه السلام) (لغرض سياسي) بأوصاف لا يمت إليها بصلة، فقد وصفه بحداثة السن،
وعمره يومذاك أكثر من أربعين سنة؟!
ووصفه بالدعابة في المجلس، ولم نقرأ في كتاب ما يؤيد ذلك!
ووصفه باستبداد الرأي وهو تلميذ محمد (صلى الله عليه وآله)، الذي أمره الله سبحانه
بمشاورة الناس {وشاورهم في الأمر}.
كما وصفه بالتبكيت (1). ولم نسمع برجل شكى من علي (عليه السلام)، ولكن عمر
فسر قاطعية علي (عليه السلام) في الحق أمام الكفار والمنافقين بالتبكيت؟!
وصرح عمر بمخالفة قريش (وهو منهم) للنص، وذلك بكرههم اجتماع
النبوة والخلافة لبني هاشم. ولكنه وصف عملهم المخالف لأمر الله تعالى بالصواب
والموفقية.
وكان رد ابن عباس في موضعه إذ قال: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان
لهم الخيرة} (2).
وعندما اشتد النقاش قال ابن عباس مقولته الشهيرة: " كيف لا يحقد من
غصب شيؤه ". وصرح عمر لابن عباس عن رزية يوم الخميس قائلا: لقد أراد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصرح باسمه (علي (عليه السلام)) فمنعته (3).
ومن صراحته النادرة قوله في بيعة أبي بكر: إنها كانت فلتة وقى الله



(1) قال الأصمعي أن يستقبل الرجل بما يكره، وقيل في تفسير قوله تعالى: {وإذا الموؤودة سئلت بأي
ذنب قتلت} تسأل تبكيتا لوائدها (لسان العرب، ابن منظور 2 / 11.
(2) القصص: 68.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 114.
40
المسلمين شرها (1).
ومن صراحته السياسية قوله في أبي بكر: إنه أحسد قريش (2).
وقوله لابن عباس: إن المانع من بيعة الناس لعلي هو حسد قريش لاجتماع
النبوة والخلافة في بني هاشم.
ومن صراحته المشهودة قوله: علي مولى كل مؤمن ومؤمنة، ومن لم يكن
مولاه فليس بمؤمن (3).
ومن صراحته السياسية قوله في عبد الرحمن بن عوف: أنه فرعون هذه
الأمة، لكنه قدمه على علي (عليه السلام) والمسلمين!
ومن صراحته قوله للمغيرة: أما والله ليعورن بنو أمية الإسلام، كما أعورت
عينك هذه، ثم ليعمينه (4).
وقوله في الزبير: إنه يوم إنسان ويوم شيطان (5).
وعندما اقترح عليه رجل (أبو موسى الأشعري) التوصية إلى ابنه عبد
الله، قال له عمر: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، ويحك كيف استخلف
رجلا عجز عن طلاق امرأته؟ (6)
ولكن أبا موسى استمر في منحاه إذ طالب بالبيعة لعبد الله بن عمر في حادثة
التحكيم. فأهانه علي (عليه السلام) وعبد الله بن عمر؟!



(1) شرج نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري.
(3) الصواعق المحرقة، ابن حجر 107.
(4) الموفقيات، الزبير بن بكار.
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 159.
(6) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 65.
41
ومن صراحة عمر قوله: كانت لي بنت فأردت وأدها، فأخذتها معي،
وحفرت لها حفرة فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية (1).
ومن صراحته الملفتة للنظر قوله: حسبنا كتاب الله (2)، حاذفا أهل
البيت (عليهم السلام) الثقل الثاني بعد القرآن! معارضا للنص الإلهي.
وهذه الصراحة ما فوقها صراحة في نفي نصف ما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله).
ومن صراحته العملية إقدامه على حرق أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في ملأ عام من
المسلمين (3).
في حين قال النبي (صلى الله عليه وآله) مشيرا إلى فمه والله ما خرج منه إلا حق (4).
ومن صراحته النادرة دعوته لترك القرآن بلا تفسير ومعاقبة من سأل عن
تفسير الآيات.
ومن صراحته وصفه المغيرة بالفاجر (5).
وذكر الحديث النبوي القادح في عدالة بني أمية (6).
ومن صراحة عمرو بن العاص قوله لمعاوية:
وحيث رفعناك فوق الرؤوس * نزلنا إلى أسفل الأسفل
وإنا وما كان من فعلنا * لفي النار في الدرك الأسفل
وإن عليا غدا خصمنا * ويعتز بالله والمرسل (7)



(1) عبقرية عمر، العقاد 214.
(2) الملل والنحل، الشهرستاني 1 / 22، صحيح البخاري 1 / 37، وباب قول المريض قوموا عني.
(3) طبقات ابن سعد في ترجمة محمد بن أبي بكر 5 / 140.
(4) تفسير المنار، رشيد رضا 10 / 766.
(5) العقد الفريد، ابن عبد ربه.
(6) تفسير الدر المنثور.
(7) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 522، فهرست المكتبة الخديوية بمصر سنة 1307، 4 / 314.
42
ومن صراحة العرب: جاء شاب من أهل الكوفة فجلس إليه فقال: يا
أبا هريرة، أنشدك الله أسمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب:
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم.
قال: فاشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه، ثم قام عنه (1) ولكن يد
التحريف الخائنة حذفت هذا النص في الطبعات الجديدة.
وحدث مثل ذلك لأنس بن مالك: إن عليا (رضي الله عنه) سأله عن قول رسول
الله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: كبرت سني ونسيت، فقال علي: إن
كنت كاذبا فضربك الله بيضاء لا تواريها العمامة (2).
ولعبت يد التحريف في كتاب ابن قتيبة، فأضافت إلى ذلك النص المشهور في
الطبعات الجديدة " قال أبو محمد: ليس لهذا أصل "!
وروى أنس بن مالك (بعد أن أصابته دعوة علي (عليه السلام)) ذاك (علي (عليه السلام)) رأس
المتقين يوم القيامة، سمعته والله من نبيكم (3).
ومن صراحة عمر بن عبد العزيز قوله ليزيد بن عمر بن مورق: ممن
أنت؟ قلت: من قريش. قال: من أي قريش؟ قلت: من بني هاشم. قال:
فسكت فقال: من أي بني هاشم؟ قلت: مولى علي؟ قال: من علي؟
فسكت، قال: فوضع يده على صدره فقال: وأنا والله مولى علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه، ثم قال: حدثني عدة إنهم سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: من
كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال يا مزاحم كم تعطي أمثاله؟ قال: مائة أو



(1) كتاب المعارف، ابن قتيبة، طبعة مصر سنة 1353 هجرية.
(2) المعارف ص 251، شرح نهج البلاغة 4 / 388، أنساب الأشراف، البلاذري، الصواعق المحرقة
ص 77.
(3) شرح نهج البلاغة 1 / 361.
43
مائتي درهم.
قال: اعطه خمسين دينارا. وقال ابن أبي داود: ستين دينارا لولايته علي بن
أبي طالب (1).
* * *



(1) حلية الأولياء، الحافظ أبو نعيم 5 / 364.
44
النظرية المالية
الباب

45
مراتب الناس في العطاء
كان أول ما قسمه أبو بكر في الناس بين الأحمر والأسود والحر والعبد دينارا
لكل إنسان، وقسم بين الناس بالسوية، لم يفضل أحدا على أحد (1).
وكان الذي فرضوا له (أي لأبي بكر) في كل سنة ستة آلاف درهم (2).
وكان عمر بن الخطاب أول من فرق في أعطيات الناس، فجعلها في طبقات
متعددة، الأكثرية منها رواتبها ضئيلة، والأقلية منها رواتبها كثيرة.
صحيح أن عمر جعلها في قانون ثابت، لكن نتائجها خطيرة، إذ فضل
مهاجري بدر على غيرهم في العطاء وفضل السابقين على اللاحقين. لكنه
جعل عطاء معاوية وأبي سفيان مثل عطاء أهل بدر. وفضل ثلاث نساء من
الأمة على باقي النساء، وهن ابنته حفصة وابنة أبي بكر (عائشة) وابنة أبي سفيان
(أم حبيبة) (3).
وكانت الأموال توزع بين الناس في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) بصورة
متساوية، وعادلة لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا فرق بين امرأة حبشي مسلم
وامرأة الرسول (صلى الله عليه وآله)....



(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 134.
(2) تاريخ الطبري 2 / 621.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 153.
47
وسار أبو بكر على منهج الرسول (صلى الله عليه وآله) في مدة حكمه. ولكن عمر غير هذه
الأسس النبوية في العطاء المالي، وبدل فيها، فكانت بداية الطبقية في المجتمع
الإسلامي، فتأسس أساس نهب أموال المسلمين في الزمن الأموي، وما تلاه على
أساس الشأن والقبيلة والوظيفة وغير ذلك.
وقد سار عثمان بن عفان على خطى من أوصى إليه، مخالفا للنبي محمدا (صلى الله عليه وآله)،
ثم أضاف إلى ما فعله وأسسه عمر قيامه بتوزيع الأموال على بني أمية بشكل
خاص، تسبب في استقالة أمناء بيت المال من أمثال زيد بن أرقم وعبد الله بن
مسعود. فأمناء بيت المال وافقوا على وظيفتهم لحفظ أمانة المسلمين، لا لمساعدة
بني أمية على سرقتها من المسلمين.
وأعطى عثمان بن عفان خمس إفريقيا لعبد الله بن أبي سرح، الذي حكم عليه
الرسول (صلى الله عليه وآله) في يوم فتح مكة بالقتل، ولو كان متعلقا بأستار الكعبة (1). وأعطى
فدكا لمروان (2). وأدت حركة عثمان المالية هذه إلى الثورة الشعبية العارمة ضده،
والمتسببة في قتله.
ولما جاء معاوية إلى الحكم وسع في نظرية عمر في العطاء، فاتسع الاختلاف
الطبقي.. فعثمان فتح بيت مال المسلمين لأفراد بني أمية وآخرين من غيرهم. أما
معاوية فأحدث في هذا الشأن ما لا يصدقه المسلمون، إذ أعطى الأموال الطائلة
لبني أمية، ولمن أحب من أفراد حزبه، واشترى ضمائر الناس، وأسرف وأترف في
أموال المسلمين.
وبذل معاوية خزائن عظمى من الأموال لمن زور الأحاديث، واختلق سيرة
مرضية له فساير رجال السلطة معاوية في فتاواه، فانحرف الدين وطمست



(1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 91.
(2) المعارف، ابن قتيبة ص 195.
48
الشريعة وضاع الحق وبزغ الباطل.
وبما بعض المسلمين ينظر إلى سيرة عمر بن الخطاب كسيرة مرضية،
وصاحبها له حق التغيير في مقابل النبي (صلى الله عليه وآله) فقد وضعت نظرية عمر في الناحية
المالية موضع التطبيق، وسار عليها رؤساء وعلماء من مذاهب مختلفة!
وكانت فترة حكم عمر وعثمان والأمويين الطويلة قد عودت الناس على
هذه النظرية.
فضاعت المساواة التي سار عليها الرسول (صلى الله عليه وآله) في العطاء، يوم كان يأخذ
بقدر ما يعطيه لخادمة أبي رافع، غير ناظر إلى نبوته، وقدم إسلامه ونسبه وغير
ذلك. وتبعه في ذلك أبو بكر. ورجع إلى هذا المنهج الإمام علي بن أبي طالب مخالفا
فيه عمر وعثمان. فكان علي (عليه السلام) ورغم قدمه في الإسلام ونسبه وعلمه وشجاعته
وغير ذلك، كان يعطي نفسه ما يعطيه خادمه قنبر.
جاء في الطبقات لابن سعد توضيح لعطايا عمر:
إن عمر فرض لأهل بدر من المهاجرين وقريش والعرب والموالي خمسة
آلاف درهم.
وفرض لبني هاشم والحسن والحسين لكل واحد منهم خمسة آلاف درهم.
وللعباس بن عبد المطلب ولمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار خمسة
آلاف درهم.
وللأنصار ومواليهم ولمن شهد أحدا أربعة آلاف درهم.
ولعمر بن أبي سلمة، ولأسامة بن زيد أربعة آلاف درهم.
ولمن هاجر قبل الفتح، ولعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف درهم.
ولنساء مهاجرات لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف درهم (1).



(1) تاريخ أصبهان 2 / 290.
49
وفرض لأزواج النبي ففضل عليهن عائشة. فرض لها في اثني عشر ألف،
ولسائرهن عشرة آلاف. غير جويرية وصفية إذ فرض لهما ستة آلاف.
وفرض لأبناء البدريين ولمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفي درهم.
وفرض لأسماء بنت عميس، ولأم كلثوم بنت عقبة، ولأم عبد الله بن مسعود
ألف درهم.
وذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ: فرض للعباس وبدأ به، ثم
فرض لأهل بدر خمسة آلاف (درهم)، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة
آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر عن أهل الردة
ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ثم فرض لأهل القادسية وأهل الشام ألفين ألفين،
وفرض لأهل البلاء النازع منهم ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة.
وفرض لمن بعد القادسية واليرموك ألفا ألفا، ثم فرض للروادف المثنى
خمسمائة خمسمائة، ثم للروادف الليث بعدهم ثلاثمائة ثلاثمائة.
وأعطى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عشرة آلاف عشرة آلاف، إلا من جرى عليها
الملك، فقال نسوة رسول الله: ما كان رسول الله يفضلنا عليهن في القسمة، فسو
بيننا، ففعل وفضل عائشة بألفين لمحبة رسول الله إياها! (1)
فكان عمر يعطي لمقاتل معركة بدر خمسة آلاف درهم، ويعطي لأمهات
المؤمنين عشرة آلاف درهم، في حين كان يعطي عائشة اثني عشر ألف درهم؟!!
أي أن علي بن أبي طالب وصي النبي (صلى الله عليه وآله) وأول مسلم وبطل الإسلام وزوج
بنت النبي (صلى الله عليه وآله) وابن عمه يأخذ حوالي ثلث راتب عائشة؟!
وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي طعنا على عمر بن الخطاب قائلا: إنه كان
يعطي من بيت المال ما لا يجوز، حتى أنه كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آلاف



(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 502.
50
درهم في كل سنة، ومنع أهل البيت خمسهم الذي يجري مجرى الواصل
إليهم من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه كان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال على
سبيل القرض (1). وقد أجاب قاضي القضاة، بأن دفعه إلى الأزواج جائز، من
حيث أن لهن حقا في بيت المال، وللإمام ذلك على قدر ما يراه، وهذا الفعل قد فعله
من قبله ومن بعده، ولو كان منكرا لما استمر عليه أمير المؤمنين (علي) (عليه السلام) وقد
ثبت استمراره عليه ولو كان طعنا لوجب إذا كان يدفع إلى الحسن والحسين وإلى
عبد الله بن جعفر وغيرهم من بيت المال شيئا أن يكون في حكم الخائن، وكل ذلك
يبطل ما قالوه، لأن بيت المال إنما يراد لوضع الأموال في حقوقها، ثم والى المتولي
لأمر الاجتهاد في الكثرة والقلة، فأما أمر الخمس فمن باب الاجتهاد، وقد اختلف
الناس فيه فمنهم من جعله حقا لذوي القربى، وسهما مفردا لهم على ما يقتضيه
ظاهر الآية، ومنهم من جعله حقا لهم من جهة الفقر، وأجراهم مجرى غيرهم وإن
كانوا قد خصوا بالذكر، كما أجرى الأيتام، وإن خصوا بالذكر مجرى غيرهم في أنهم
يستحقون بالفقر والكلام في ذلك يطول، فلم يخرج عمر بما حكم عن طريقة
الاجتهاد، ومن قدح في ذلك فإنما يقدح في الاجتهاد وهو طريقة الصحابة، فأما
اقتراضه من بيت المال، فإن صح فهو غير محظور، بل ربما كان أحوط إذا كان على
ثقة من رده بمعرفة الوجه الذي يمكنه منه الرد.
وقد اعترض المرتضى فقال: أما تفضيل الأزواج فإنه لا يجوز، لأنه لا سبب
فيهن يقتضي ذلك، وإنما يفضل الإمام في العطاء ذوي الأسباب المقتضية لذلك مثل
الجهاد وغيره من الأمور العام نفعها للمسلمين، وقوله: إن لهن حقا في بيت المال،
إلا أنه لا يقتضي تفضيلهن على غيرهن، وما عيب بدفع حقهن إليهن، وإنما عيب
بالزيادة عليه، وما يعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استمر على ذلك، وإن كان صحيحا كما



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 153.
51
ادعى فالسبب الداعي إلى الاستمرار عليه هو السبب الداعي إلى الاستمرار
على جميع الأحكام، فأما تعلقه بدفع أمير المؤمنين إلى الحسن والحسين
وغيرهما شيئا من بيت المال فعجب، لأنه لم يفضل هؤلاء في العطية فيشبه ما
ذكرناه في الأزواج، وأنما أعطاهم حقوقهم وسوى بينهم وبين غيرهم. فأما
الخمس فهو للرسول ولأقربائه على ما نطق به القرآن، وأنما عنى تعالى بقوله:
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، من كان من آل الرسول خاصة
لأدلة كثيرة لا حاجة بنا إلى ذكرها هنا. وأما الاجتهاد الذي عول عليه فليس
عذرا في إخراج الخمس عن أهله فقد أبطلناه، وأما الاقتراض من بيت المال فهو
مما يدعو إلى الريبة، ومن كان من التشدد والتحفظ والتقشف على الحد الذي ذكره،
كيف تطيب نفسه بالاقتراض من بيت المال وفيه حقوق الناس، وربما مست
الحاجة إلى الإخراج منها؟ وأي حاجة لمن كان جشب المأكل خشن الملبس يتبلغ
بالقوت إلى اقتراض الأموال، فأما حكايته عن الفقهاء أن الاحتياط أن يحفظ مال
الأيتام في ذمة الغني المأمون، فذلك إذا صح لم يكن نافعا له، لأن عمر لم يكن غنيا،
ولو كان غنيا لما اقترض (1).
وقد أيد الحاكم في المستدرك هذا المطلب قائلا: إن عمر فرض لأمهات
المؤمنين عشرة آلاف وزاد عائشة ألفين (2). أما اقتراض عمر من بيت المال فقد
ذكره الطبري وابن الأثير والمتقي الهندي (3).
وبذلك يكون راتب عائشة يساوي راتب ستة مقاتلين من مقاتلي القادسية
والشام!! وبينما كان مقاتل القادسية الشهيرة يعيش بألفي درهم كانت حفصة



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 153.
(2) المستدرك، الحاكم 4 / 8، تاريخ الطبري 4 / 162 (حوادث سنة 15).
(3) تاريخ الطبري 5 / 22، تاريخ الكامل لابن الأثير 3 / 29، كنز العمال 6 / 262.
52
وحدها تعيش بإثني عشر آلف درهم.
وبينما كانت عائشة تأخذ اثني عشر ألف درهم، كانت أختها أسماء بنت أبي
بكر تأخذ ألف درهم! وهذا الشئ لا يقبله الناس، لأن الفرق الطبقي أصبح
صارخا. وما دام النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفضل واحدة على أخرى، فلماذا نفضل نحن عائشة
على أسماء، وقد سار أبو بكر على نهج النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يفضل عائشة على أسماء.
كذلك سار الإمام علي (عليه السلام) على نهج النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يفضل امرأة على أخرى؟!
فيكون عمر أول من خالف تشريع رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ويذكر أن اللائي توفي عنهن الرسول (صلى الله عليه وآله) من زوجاته هن: أم سلمة، أم
حبيبة، عائشة، حفصة، صفية، زينب بنت جحش، سودة، ميمونة.
فكيف تفضل حفصة ابنته وعائشة ابنة رفيقه والمدافعة عنه وأم حبيبة ابنة
أبي سفيان المتحالف مع الدولة على باقي النساء؟
وقد جاء في تاريخ ابن الجوزي: وفرض عمر لأهل بدر والمهاجرين
والأنصار ستة آلاف، وفرض لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ففضل عليهن عائشة فرض لها
اثني عشر ألفا ولسائرهن عشرة آلاف، غير جويرية وصفية فرض لها ستة آلاف
ستة آلاف. وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس وأسماء بنت أبي بكر وأم
عبد الله بن مسعود ألفا ألفا (1).
وقالوا: أنه فرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف، ولمن كان شهد بدرا من
الأنصار أربعة آلاف، وفرض لمن شهد أحدا ثلاثة آلاف.
وقال: إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، إني أمرته يحبس هذا المال على
ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا الشرف فنزعته.
وعن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كتب المهاجرين على خمسة



(1) تاريخ عمر لابن الجوزي ص 58.
53
آلاف والأنصار على أربعة آلاف ومن لم يشهد بدرا من أبناء المهاجرين
على أربعة آلاف، وكان فيهم عمرو بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي وأسامة
بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش الأسدي وعبد الله بن عمر. فقال عبد الرحمن
بن عوف: إن ابن عمر ليس من هؤلاء. إنه وإنه.
فقال ابن عمر: إن كان لي حق فاعطنيه، وإلا فلا تعطني. فقال عمر لعبد
الرحمن بن عوف: اكتبه على خمسة آلاف، واكتبني على أربعة آلاف، فقال عبد الله:
لا أريد هذا، فقال عمر: والله لا أجتمع أنا وأنت على خمسة آلاف.
وفضل عائشة بألفين فأبت. فقال: بفضل منزلتك عند رسول الله فإذا
أخذت فشأنك (1). وقال الزهري: جعل (عمر) نساء أهل بدر على خمسمائة
خمسمائة، ونساء من بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة، ونساء من بعد ذلك
إلى الأيام على ثلاثمائة ثلاثمائة، ثم نساء القادسية على مائتين مائتين، ثم سوى بين
النساء بعد ذلك وجعل الصبيان من أهل بدر وغيرهم سواء مائة مائة.
أخرج أحمد في الزهد عن إسماعيل بن محمد، أن أبا بكر قسم قسما فسوى
فيه بين الناس، فقال له عمر: تسوي بين أصحاب بدر وسواهم من الناس؟ فقال
أبو بكر: إنما الدنيا بلاغ، وخير البلاغ أوسعه، وإنما فضلهم في أجورهم (2).
وأخرج عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما
أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم، فقال قائل: يا أمير
المؤمنين: إن بينهما فرقا، قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا
في حق، وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا،



(1) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 103.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 107.
54
فسكت عمر (1).
وقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي: " وكان العمل في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر جاريا على التسوية العامة، إلا أن عمر رأى أن لا يجعل من
قاتل رسول الله كمن قاتل معه، فجعل الامتياز بحسب السابقة، فالذي قاتل يوم
بدر يفضل من قاتل في فتوح العراق والشام، ومن هنا حدث التفاوت الملموس في
الأعطيات وتشكل في طبقات ومراتب، فطائفة تأخذ عطاء كبيرا، وأخرى عطاء
متوسطا، والأكثرية يأخذون عطاء ضئيلا. وكانت الطبقات على هذه الشاكلة:
1 - زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) وأقرب الناس إليه في حياته، ولهن بضعة آلاف من
الدنانير سنويا.
2 - كبار المهاجرين، كبار الأنصار. من اشترك في الغزوات حسب أهميتها.
3 - كل من جاء من البادية واشترك في الحرب.
هذا التنظيم أوجد تمايزا كبيرا، وأقام المجتمع العربي على قاعدة الطبقات.
بعد أن كانوا سواء في نظر القانون (2).
وكان عمر قد جعلها طبقية على أساس السابقة في الدين. ففضل أهل بدر
على غيرهم، وجعلها قومية ففضل العرب وجعلها إقليمية ففضل قريش على
الأنصار.
وعندما فضل عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي
سفيان على سائر نساء الرسول (صلى الله عليه وآله) (3) وسائر نساء الأمة، وفضل العرب على
العجم، وفضل الصريح على المولى، لم يكن هذا مقبولا عند أحد. إذ هو في الحقيقة



(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140.
(2) كتاب الإمام الحسين ص 232.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 153.
55
فضل أبا بكر وعمر وأبا سفيان على الأمة!
ولو كان التفضيل لمقام النبي (صلى الله عليه وآله) لفضل العباس وعليا (عليه السلام) وغيرهما من بني
هاشم على سائر الناس، ولأعاد الخمس وفدكا لبني هاشم لكنه لم يفعل هذا.
فالذين يفضلون في العطاء بين الناس في زماننا يسيرون على نظرية عمر،
والذين يساوون في العطاء يسيرون على نظرية النبي (صلى الله عليه وآله)...
وقد استفحلت حالة تفضيل الناس لعلو شأنهم واشتدت خطورتها. بعد
زمن عمر، فتدهورت الأمور لاحقا في زمن عثمان ومعاوية وفي زماننا، فذهبت
المساواة وحلت محلها المحاباة والتفضيل للقرابة والصداقة والحزبية. وهذه الأمور
قد نفرت جهلة الناس من الإسلام في حين جاء الإسلام بالمساواة.
قال الإمام علي (عليه السلام): أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه،
والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أم نجم في السماء نجما، ولو كان المال لي لسويت
بينهم، فكيف وإنما المال مال الله ألا وإن إعطاء المال غير حقه تبذير وإسراف (1).
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي مسألة المساواة في العطاء والاختلاف في ذلك
قائلا: واعلم أن هذه المسألة فقهية ورأي علي (عليه السلام) وأبي بكر فيها واحد، وهو
التسوية بين المسلمين في قسمة الفئ والصدقات، وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه
الله، وأما عمر فإنه لما ولي الخلافة فضل بعض الناس على بعض، ففضل السابقين
على غيرهم، وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل
المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضل العرب على العجم، وفضل الصريح على
المولى، وقد كان (عمر) أشار على أبي بكر أيام خلافته بذلك فلم يقبل وقال: إن
الله لم يفضل أحدا على أحد، ولكنه قال {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} (2) ولم



(1) نهج البلاغة، الخطبة 126.
(2) التوبة، 60.
56
يخص قوما دون قوم.
فلما أفضت إليه الخلافة (عمر) عمل بما كان أشار به أولا، وقد ذهب كثير
من فقهاء المسلمين إلى قوله (عمر).
والمسألة محل اجتهاد، وللإمام أن يعمل بما يؤديه إليه اجتهاده، وإن كان
اتباع علي (عليه السلام) عندنا أولى، لا سيما إذا عضده موافقة أبي بكر في المسألة، وإن صح
الخبر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ساوى فقد صارت المسألة منصوصا عليها، لأن فعله (عليه السلام)
كقوله " (1). وذكر ذكوان مولى عائشة قائلا: قدم درج من العراق فيه جواهر إلى
عمر، فقال لأصحابه: أتدرون ما ثمنه؟ فقالوا: لا، ولم يدروا كيف يقسمونه فقال:
أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة لحب رسول الله إياها؟ قالوا: نعم. فبعث به إليها،
فقالت: ماذا فتح الله على ابن الخطاب (2). وهكذا حصلت عائشة على جواهر
ملكة الفرس!
وقال علي بن أبي رافع (3): كنت على بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه،
فكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، فأرسلت إلي بنت علي ابن أبي
طالب فقالت لي: إنه قد بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ، وهو في
يدك، وأنا أحب أن تعيرنيه، أتجمل به في يوم الأضحى.
فأرسلت إليها: عارية مضمونة، مردودة بعد ثلاثة أيام يا بنت أمير
المؤمنين، فقالت: نعم عارية مردودة بعد ثلاثة أيام.
فدفعته إليها وإذا أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين جاء إليك



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 / 111.
(2) النبلاء 2 / 133، مستدرك الحاكم 4 / 8، وتلخيصه للذهبي. والدرج: سفيط صغير تدخر فيه المرأة
طيبها وأداتها، لسان العرب ابن منظور 2 / 269. وظاهر الأمر أن درج الجواهر هذا كان متعلقا بملكة
الفرس.
(3) مجاني الأدب 2 / 173، قصص العرب 2 / 96.
57
هذا العقد؟
فقالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال المسلمين لأتزين به في
العيد ثم أرده.
فبعث إلي أمير المؤمنين فجئته، فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟
فقلت: معاذ الله أن أخون المسلمين.
فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين، بغير
إذني ورضاهم!
فقلت: يا أمير المؤمنين إنها بنتك، وسألتني أن أعيرها العقد تتزين به،
فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة على أن ترده إلى موضعه، فقال: رده من
يومك، وإياك أن تعود إلى مثله فتنالك عقوبتي.
ثم قال: ويل لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مردودة
مضمونة، لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة.
فبلغت مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن
أحق بلبسه مني! فقال لها: يا بنت ابن أبي طالب، لا تذهبي بنفسك عن الحق، أكل
نساء المهاجرين والأنصار يتزين في مثل هذا العيد بمثل هذا. فقبضته منها ورددته
إلى موضعه. وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقي
منه شيئا، ثم يفرش له ويقيل فيه (1) ويصلي فيه وقال النبي محمد (صلى الله عليه وآله): علي يعسوب
المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين (2).
فيكون عمر قد فضل عائشة وحفصة وأم حبيبة على سائر الناس في العطاء
وأعطى ولكل واحدة منهن اثني عشر ألف درهم. وفضل آباءهن وقبائلهن في



(1) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 292.
(2) كنز العمال 6 / 153، 394، فيض القدير 4 / 358، كنوز الحقائق ص 92.
58
الخلافة، بتنصيب أبي بكر أولا ونفسه ثانيا وعثمان الأموي ثالثا.
وكانت النتيجة:
تفضيل قريش على الأنصار.
بإعطاء محاربي بدر المهاجرين خمسة آلاف درهم، وإعطاء محاربي بدر من
الأنصار أربعة آلاف درهم (1) وتفضيل العرب على العجم (2).
تفضيل زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) على باقي النساء بعشرة آلاف درهم (3).
وتفضيل عائشة وحفصة وأم حبيبة عليهن.
جعل لجويرية وصفية (زوجتا النبي (صلى الله عليه وآله)) ستة آلاف (4).
تفضيل محاربي بدر على باقي المحاربين (5).
تفضيل المولى على الصريح (6).
تفضيل أبي سفيان ومعاوية على الأنصار، ورفعهما إلى منزلة المهاجرين
المحاربين في بدر (7).
إعطاء ثلاثة آلاف درهم لمن هاجر قبل الفتح (8).
فرض لأهل القادسية وأهل الشام ألفين (9).



(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 153.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 8 / 111.
(3) المستدرك، الحاكم 4 / 8، تاريخ الطبري 4 / 162.
(4) تاريخ عمر لابن الجوزي 103.
(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 8 / 111.
(6) المصدر السابق.
(7) تاريخ اليعقوبي 1 / 153.
(8) تاريخ أصبهان 2 / 290.
(9) الكامل في التاريخ، ابن الأثير.
59
وروى الزهري: فرض لنساء أهل بدر خمسمائة. فرض لنساء من بعد بدر
إلى الحديبية أربعمائة.
فرض لنساء ما بعد الحديبية مائتين.
فلم تكن الفروق قائمة على السابقة بل تعتمد على أسس عديدة.
راتب عمر القليل وكثرة الأموال الواردة في زمنه
كان عمر في بداية أيامه قد سأل الصحابة عن حقوقه في بيت المال فقال
القوم فأكثروا، وعلي (عليه السلام) ساكت، فقال عمر: ما تقول أنت يا أبا الحسن؟ قال: ما
أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف، وليس لك من هذا المال غيره، فقال: القول ما
قاله أبو الحسن (1).
وجعل فرضه (أي عمر) كفرض رجل من المهاجرين وكان يقول: أنا في
مالكم كولي مال اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف. أراد
بذلك أنه يأكل ما تقوم به بنيته ولا يتعداه (2).
وفي رواية: أرسل عمر إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستشارهم. فقال:
قد شغلت نفسي بهذا الأمر فما يصلح لي منه. فقال عثمان: كل واطعم، وقال
ذلك سعيد بن زيد، وقال لعلي: ما تقول أنت. قال: غداء وعشاء، فأخذ عمر
بذلك.
وعن ابن عمر قال: جمع عمر الناس بالمدينة حين انتهى إليه فتح القادسية
ودمشق فقال: إني كنت امرءا تاجرا يغني الله عيالي بتجارتي، وقد شغلتموني
بأمركم هذا، فما ترون أنه يحل لي من هذا المال.



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 156.
(2) حياة الحيوان الكبرى للدميري 1 / 74.
60
فأكثر القوم وعلي ساكت. فقال: ما تقول يا علي. قال: ما أصلحك وأصلح
أهلك بالمعروف، وليس لك من هذا المال غيره. فقال: القول ما قاله ابن أبي
طالب (1). وأخرج ابن سعد عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى
صاحب بيت مال فاستقرضه فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت مال يتقاضاه
فيلزمه، فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه (2).
وأخرج ابن سعد عن البراء بن معرور إن عمر خرج يوما حتى أتى المنبر،
وكان قد اشتكى شكوى، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكة فقال: إن أذنتم لي
فيها أخذتها، وإلا فهي علي حرام، فأذنوا له (3).
وأخرج عن ابن عمر أن عمر حج سنة ثلاث وعشرين فأنفق في حجته
ستة عشر دينارا، فقال: يا عبد الله أسرفنا في هذا المال (4).
وكان عمر يأتي المجزرة ومعه الدرة، فكل من رآه يشتري لحما يومين
متتابعين يضربه بالدرة يقول له:
هلا طويت بطنك يوما لجارك، وابن عمك (5).
وقال السيد أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة: ولما رجع [عمر] من
الشام ووصل إلى المدينة، انفرد عن الناس يوما ليعرف أخبارهم. فمر بعجوز في
خبائها فقصدها فقالت: يا هذا: ما فعل عمر لما رجع من الشام قال: هو ذا قد أقبل
من الشام، ووصل إلى المدينة، قالت: لا جزاه الله عني خيرا.
قال: ويحك! لم؟ قالت: إنه والله ما نالني من عطائه منذ ولى الخلافة إلى



(1) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 99.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 139.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 139.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 141.
(5) نور الأبصار ص 60، مسند أحمد 1 / 21.
61
يومنا هذا دينار ولا درهم.
قال: ويحك. وما يدري عمر حالك، وأنت في هذا الموطن فقالت: سبحان
الله ما ظننت أن أحدا يلي على الناس، ولا يدري ما بين مشرقها، ومغربها، فصار
يبكي ويقول:
وا عمراه، وا خصوماه، كل أحد أفقه منك يا عمر (1).
وروى أبو هريرة قال: قدمت على عمر من عند أبي موسى بثمانمائة ألف
درهم، فقال: ألم أقل لك أنك يمان أحمق ويحك إنما قدمت بثمانين ألف درهم.
فقلت يا أمير المؤمنين: إنما قدمت بثمانمائة ألف درهم، فجعل يعجب
ويكررها فقال: ويحك وكم ثمانمائة ألف درهم؟ فعددت مائة ألف حتى بلغت ثماني
فاستعظم ذلك. وقال: أطيب هو ويحك. قلت: نعم، فبات عمر ليلة تلك أرقا حتى
إذا نودي لصلاة الصبح قالت له امرأته: ما نمت هذه الليلة.
قال: وكيف أنام وقد جاء الناس ما لم يأتهم مثله منذ قام الإسلام. فظنت
المرأة أنها داهية، فسألته فقال: مال جم حمله أبو موسى (2).
وبلغ خراج السواد في أيامه مائة ألف ألف درهم وعشرين ألف ألف درهم
بالوافية، وهي وزن الدينار من الذهب (3).
وعن الحسن قال: لما أتى عمر بخزائن كسرى، قال: والله لا يظلها سقف
بيت دون السماء، فطرحت بين صفتي المسجدين، صفة النساء وصفة الرجال
وطرحت عليها الأنطاع، وبات عليها الخزان، فلما أصبح غدا عليها، فلما نظر إليها
بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أليس هذا يوم



(1) حياة الحيوان الكبرى الدميري 1 / 50.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 113.
(3) شرح نهج البلاغة 3 / 113.
62
شكر.
فقال: لا والله ما فتح الله هذا على قوم قط إلا جعل بأسهم بينهم (1).
مهنة الخلفاء وبعض الصحابة
ذكر التوحيدي في كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء صناعة كل من
علمت صناعته من قريش.
فقال: كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه بزازا، وكذلك عثمان وطلحة
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهم، وكان عمر رضي الله تعالى عنه دلالا
يسعى بين البائع والمشتري. وكان أبو عبيدة بن الجراح في المدينة دفانا (2).
وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان الوليد بن المغيرة حدادا،
وكذلك أبو العاص أخو أبي جهل، وكان عقبة بن أبي معيط خمارا، وكان أبو سفيان
ابن حرب يبيع الزيت والأدم، وكان عبد الله بن جدعان نخاسا يبيع الجواري،
وكان النضر بن الحارث عوادا يضرب بالعود، وكان الحكم بن أبي العاص خصاء
يخصي الغنم، وكذلك حريث بن عمرو والضحاك بن قيس الفهري وابن سيرين (3).
وجاء في العقد الفريد: كان عمر في الجاهلية مبرطشا أي سمسارا في
معاملات البيع والشراء بين البائع والمشتري (4).
لذلك وصفه أبو هريرة وأبي بن كعب بأنه كان يصفق في السوق. أي يصفق



(1) مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الدكتور الجميلي ص 164.
(2) تاريخ الطبري 2 / 452.
(3) حياة الحيوان الكبرى للدميري 1 / 75.
(4) العقد الفريد 1 / 64 - 65، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 14، نهاية ابن الأثير 2 / 8.
63
بين البائع والمشتري (1). وقد قال أبو هريرة وأبي ذلك لعمر للدلالة على إنهما
انشغلا في طلب العلم وهو انشغل في السوق.
مساواة أبي سفيان ومعاوية بمقاتلي بدر في العطاء
يتصور البعض أن عطاء عمر قائم على أسبقية المشاركة في الحروب
الإسلامية فقط في حين جاء أنه جعل لأهل مكة من كبار قريش مثل أبي سفيان
ابن حرب ومعاوية بن أبي سفيان خمسة آلاف. ثم قريش على منازلهم ممن لم يشهد
بدرا. ولأمهات المؤمنين ستة آلاف، ستة آلاف، ولعائشة وأم حبيبة (بنت أبي
سفيان) وحفصة اثني عشر ألفا (2).
وبذلك يكون عمر قد جعل راتب علي (عليه السلام) وراتب معاوية متساويين،
وهذا ما سهل على معاوية الحصول على مكان الصدارة في المجتمع
الإسلامي.
كما جعل عمر راتب معاوية أعلى من راتب سعد بن عبادة ورفاقه
المشاركين في معركة بدر! وبذلك يكون عمر قد أعطى أبا سفيان ومعاوية
راتبا (خمسة آلاف درهم) أعلى من راتب كثير من المسلمين الأوائل.
وفضل أم حبيبة بنت أبي سفيان على باقي نساء الأمة، ثم نصب معاوية
واليا على الشام ورزقه ألف دينار في كل شهر (3) وهو راتب خطير في ذلك
العصر!!



(1) وقد جاء تصافق القوم أي تبايعوا. وصافقا وتصافقا عند البيع صفق كل منهما يده على يد الآخر.
أقرب الموارد 1 / 652.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 106.
(3) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 471.
64
ومن الذين حصلوا على أموال لحب عمر لهم كان زيد بن ثابت إذ ذكر
خارجة بن زيد بن ثابت: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر، فقلما رجع
إلا أقطعه حديقة من نخل (1).
تفضيل عائشة وحفصة وأم حبيبة على سائر النساء
ولم يفضل عمر نفسه في العطاء على الناس، ولكنه رفع أبا سفيان ومعاوية
إلى مكانة أرقى من مكانتهما.
وفضل بنت أبي بكر وبنت أبي سفيان وبنته على أمة محمد (صلى الله عليه وآله) في
العطاء!
إذ جعل راتب عائشة وأم حبيبة وحفصة أعلى من راتب بقية أمهات
المؤمنين لكل واحدة منهن اثني عشر ألف درهم سنويا (2).
ذكر البلاذري بأن عمر كتب عائشة أم المؤمنين يرحمها الله في اثني عشر
ألفا، وكتب سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في عشرة آلاف، وفرض لعلي بن أبي طالب
خمسة آلاف، وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرا من بني هاشم (3).
مفضلا إياهن على أم سلمة، وسودة بنت زمعة وغيرهما من أمهات
المؤمنين.
ولا أدري ما هو السر في تفضيل هذه النساء على بقية نساء ورجال الأمة؟
فهل يعود في رأي الخليفة إلى أفضلية أبي بكر وعمر وأبي سفيان على بقية أفراد



(1) الإصابة، ابن حجر 1 / 562.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 1153.
(3) فتوح البلدان، البلاذري ص 435، ص 441.
65
الأمة؟ أم يعود إلى أفضلية أمهاتهن على النساء (زينب بنت مظعون أخت قدامة
ابن مظعون أم حفصة.
وأم رومان أم عائشة، وصفية بنت أبي العاص بن أمية أم أم
حبيبة).
في حين منع أبو بكر وعمر أم المؤمنين أم سلمة سنة كاملة من
عطائها (1). وذلك عندما دافعت عن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) في قضيتها في
فدك وقالت: ألمثل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) يقال هذا القول؟ هي والله الحوراء
بنت الإنس والنفس للنفس، ربيت في حجور الأتقياء وتناولتها أيدي الملائكة
ونمت في حجور الطاهرات، ونشأت خيرة نشأة وربيت خير مربى أتزعمون أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم عليها ميراثه ولم يعلمها؟ وقد قال الله: {وأنذر عشيرتك
الأقربين} (2).
فيكون أبو بكر وعمر (رضي الله عنه) قد حرما أم سلمة من عطائها، وفاطمة بنت
محمد (صلى الله عليه وآله) من فدكها وخمسها. ثم فضل عمر عائشة وحفصة وأم حبيبة على سائر
النساء بلا دليل عقلي ولا نقلي يجوز هذا الأمر. وقد أهدى معاوية إلى عائشة ثيابا
وورقا وأشياء توضع في أسطوانها (3).
وذكر عروة أنه أعطاها أيضا مائة ألف (4).
وأخرج ابن كثير عن عطاء بأنه (معاوية) بعث إليها وهي بمكة بطوق قيمته



(1) دلائل الإمامة للطبري 39.
(2) الشعراء، 214.
(3) حلية أبي نعيم 2 / 48، والورق: الدراهم المضروبة.
(4) حلية أبي نعيم 2 / 47، النبلاء 2 / 131، المستدرك 4 / 13.
66
مائة ألف فقبلته (1).
وروى ابن كثير عن سعيد بن عبد العزيز: قضى معاوية عن عائشة أم
المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار، وما كان عليها من الدين الذي كانت تعطيه
الناس (2).
أثر اختلاف العطاء في مقتل عثمان ونشوب الفتنة!
قد يسأل شخص عن أثر النظرية الطبقية في إيجاد الفتنة ومقتل عثمان؟
الجواب: إن أول من أعلن الثورة على عثمان كانت أم المؤمنين عائشة،
وسبب الخلاف بينها وبينه أمور منها، إصرارها على راتبها الذي عينه عمر بن
الخطاب، وإصرار عثمان على تخفيض راتبها:
ذكر اليعقوبي في تاريخه: " وكان بين عثمان وعائشة منافرة، وذلك أنه
نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول
الله " (3). فأججت ثورة عارمة وشديدة.
وقد جاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري أنه لم يكن في الأسر
الإسلامية يومذاك أشد على عثمان من بني تيم أسرة أبي بكر (4).
وقد جاء في تاريخ الطبري أن عائشة كانت أول من أمال حرفه (5).
ولما كانت عائشة (رضي الله عنه) أول من أفتى بقتل عثمان إذ قالت: اقتلوا نعثلا فقد



(1) ابن كثير 7 / 137، النبلاء 2 / 131.
(2) ابن كثير 8 / 136، النبلاء 2 / 131.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 132، تاريخ أعثم 155.
(4) أنساب الأشراف 5 / 68.
(5) تاريخ الطبري 5 / 172 في ذكر حوادث سنة 36.
67
كفر (1)، يكون عثمان أول ضحية لنظرية عدم المساواة في العطاء!
وقال الماوردي: حكى ابن إسحاق أن عمر (رضي الله عنه) لما دخل منزله مجروحا،
سمع هدة فقال: ما شأن الناس؟ قالوا: يريدون الدخول عليك، فأذن لهم، فقالوا:
اعهد يا أمير المؤمنين، استخلف علينا عثمان، فقال: كيف يحب المال والجنة،
فخرجوا من عنده!
سياسة أبي بكر وعمر وعثمان المالية من لسان علي (عليه السلام)
قال الإمام علي (عليه السلام) في الفرق بين عثمان وبين سابقيه: وأما التسوية بينك
وبينهما فلست كأحدهما، إنهما وليا هذا الأمر فظلفا (كفا) أنفسهما وأهلهما عنه،
وعمت فيه وقومك عوم السابح في اللجة، فارجع إلى الله أبا عمرو، وانظر هل بقي
من عمرك إلا كظمء الحمار (2).
وروى أبو مخنف والواقدي أن الناس أنكروا على عثمان إعطاء سعيد بن
العاص مائة ألف، وكلمه علي والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن في ذلك فقال:
إن له قرابة ورحما. قالوا: فما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذوو رحم.
فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء
قرابتي، قالوا: فهديهما والله أحب إلينا من هديك (3).
فقال علي (عليه السلام): كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو
مردود في بيت المال (4).



(1) شرح نهج البلاغة ص 77، تاريخ الطبري 3 / 477.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 / 15.
(3) شرح النهج 3 / 35.
(4) شرح النهج 1 / 220.
68
نظرة عمر إلى حلي الكعبة وتحريمه للهدايا
روي أنه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم:
لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر. وما تصنع الكعبة
بالحلي؟ فهم عمر بذلك وسأل عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " إن هذا القرآن أنزل
على النبي (صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض،
والفئ فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات
فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ، فتركه الله على حاله ولم
يتركه نسيانا ولم يخف عليه مكانا فأقره حيث أقره الله ورسوله (1).
فقال له عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بحاله، في حين جاء محمد بن
سعيد بعد عمر بأكثر من ألف سنة وأخذ حلي الكعبة!
متى كثرت الرشوة؟
لقد حارب النبي (صلى الله عليه وآله) الرشوة شرعا وعملا فسار المسلمون على نهجه،
ولكن جاء من بعده من خالف ذلك، إذ قال المغيرة بن شعبة: أنه أول من رشا في
الإسلام إذ أعطى عمامته لحاجب عمر كي يسمح له بالجلوس حيث يريد.
ولما جاء أبو موسى الأشعري إلى البصرة لجلب المغيرة والشهود الذين
شهدوا عليه بالزنا، بعث إليه المغيرة برشوة عبارة عن جارية عربية من سبي اليمامة
من بني حنيفة ومعها خادم (2).



(1) نهج البلاغة ح 270 / 262، فتوح البلدان، البلاذري ص 55.
(2) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري 92.
69
وعن أبي جرير الأزدي قال: كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور، إلى
أن جاء يوم بخصم، فقال: يا أمير المؤمنين إقض بيننا قضاء فصلا، كما يفصل الفخذ
من سائر الجزور!
قال عمر: فما زال يرددها حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر وكتب
إلى عماله: أما بعد فإياكم والهدايا، فإنها من الرشا (1).
وقبل ذلك جاء أنه لما اجتمع الناس على أبي بكر قسم قسما بين نساء
المهاجرين والأنصار، فبعث إلى امرأة من بني عدي بن النجار قسما مع زيد بن
ثابت، فقالت: ما هذا.
قال: قسم قسمة أبو بكر للنساء.
قالت: أتراشونني عن ديني؟ والله لا أقبل منه شيئا، فردته عليه (2).
وذكر ذكوان مولى عائشة قائلا: قدم درج من العراق فيه جواهر إلى عمر
فقال لأصحابه: أتدرون ما ثمنه؟
فقالوا: لا. ولم يدروا كيف يقسمونه!
فقال: أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة لحب رسول الله إياها؟
قالوا: نعم، فبعث به إليها.
فقالت: ماذا فتح الله على ابن الخطاب (3).
وإذا كان عموم المسلمين لا يعرفون قيمة هذا الدرج، فهذا يعني أنه يساوي
عشرات الآلاف من الدنانير. وقد بقيت عائشة وفية لأبيها وعمر إلى آخر عمرها
تخدمهما بما أمكنها، فهي التي ذكرت نوح الجن على عمر إثر موته ولم تذكر هذا



(1) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 122.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 52.
(3) النبلاء 2 / 123، مستدرك الحاكم 4 / 8 وتلخيصه للذهبي.
70
للنبي (صلى الله عليه وآله)!، ولشدة احترامها له قالت فيه حديثا على لسان النبي (صلى الله عليه وآله): " قد
كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن
الخطاب منهم " (1). ولا أدري لماذا رأى الخليفة عمر المصلحة في سلب حلي الكعبة
لتجهيز جيش المسلمين، بينما أعطى جواهر كسرى لأم المؤمنين عائشة.
وقالت عائشة بكت الجن على عمر، في حين يعتقد عمر بنزول العذاب على
الميت في قبره إن بكت عليه الإنس، فكيف لو بكت عليه الجن؟!
وقد أفتى عمر بحرمة الهدية على مستوى فخذ جزور، فكيف لو كانت في
مستوى جواهر كسرى.
وفي زمن عثمان كثرت الأموال المعطاة بدون حق، ففسدت الناحية المالية.
حتى إن عثمان نفسه قال في طلحة بن عبد الله: ويلي على ابن الحضرمية أعطيته كذا
وكذا بهارا (الحمل وهو ثلاثمائة رطل بالقبطية) ذهبا، وهو يروم دمي، يحرض
على نفسي، اللهم لا تمتعه به، ولقه عواقب بغيه (2). وقد خلف طلحة ثلاثمائة بهار
من ذهب وفضة (3) وكان الزبير مثل طلحة في كثرة أمواله فجميع ماله خمسة
وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف، وله أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة
ألف (4). وإذا كان طلحة المعارض لعثمان قد حصل على هذه الكمية من الذهب فكم
جمع مروان منها؟!
وخلف الزبير بن العوام مائة ألف ألف وسبعمائة ألف ألف (5).
وقد ذكر ابن الأثير أموال عبد الرحمن بن عوف قائلا: " وخلف مالا عظيما



(1) صحيح مسلم، باب فضائل عمر بن الخطاب 4 / 1864 ح 2398.
(2) النهاية 1 / 101، وكانت غلة طلحة كل يوم ألف درهم واف، المعارف، ابن قتيبة ص 231.
(3) العقد الفريد 4 / 300، والبهار ثلاثمائة رطل.
(4) طبقات ابن سعد 3 / 109، 110.
(5) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 302، طبقات ابن سعد 3 / 108 - 110.
71
من ذلك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت (1) أيدي الرجال منه، وترك ألف
بعير، ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع وكان له أربع نسوة، أخرجت
امرأة بثمانين ألفا أي صولحت " (2).
وذكر ابن عساكر أموال عبد الرحمن بن عوف قائلا: " فكثر ماله، حتى
قدمت له سبع مئة راحلة تحمل البز، وتحمل الدقيق والطعام، قال: فلما دخلت
المدينة سمع أهل المدينة رجة " (3).
ودخل عبد الرحمن بن عوف على أم المؤمنين أم سلمة فقال: " إني أخشى
أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالا، بعت أرضا بأربعين ألف دينار.
قالت: يا بني: أنفق فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن من أصحابي من لن يراني
بعد أن أفارقه.. " (4).
وبعد سماع ابن عوف حديث أم سلمة تخوف من كثرة أمواله فقد جاء: " أن
عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو
خير مني، فكفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا
رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو
قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم
جعل يبكي حتى ترك الطعام " (5) وقد خلف ابن عوف تركة عظيمة من الذهب
والماشية والأراضي (6). وقد ترك ابن عوف أربع زوجات، فكان نصيب كل واحدة



(1) مجلت يده: ظهر فيها ما يشبه البثر.
(2) أسد الغابة، ابن الأثير 3 / 485 طبع دار إحياء التراث العربي، مختصر تاريخ ابن عساكر 14 / 362.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 14 / 347 طبع دار الفكر.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 14 / 353 طبع دار الفكر.
(5) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 14 / 359.
(6) أسد الغابة، ابن الأثير 3 / 485، مختصر تاريخ ابن عساكر 14 / 362، 353، 359.
72
منهن من الثمن يقوم بما بين الثمانين ألفا إلى مائة ألف دينار وقد حصل ابن
عوف (وزير عمر) على تلك الأموال في زمن خلافة عمر وعثمان.
وخلف سعد بن أبي وقاص مائتي ألف وخمسين ألف درهم (1).
ولما جاء الزمن الأموي انتشرت الرشوة وشاعت في كل مكان، فحصل
الشعراء والولاة والرواة على حصة الأسد، والمظلوم الأكبر الشعب والإسلام!



(1) طبقات ابن سعد 3 / 149، سير أعلام النبلاء 1 / 123، مختصر تاريخ ابن عساكر 9 / 271.
73
كذب ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة
الباب

74
كذب ضد النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة
لقد انتشر الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة بشكل خطير تحت اسم
أحاديث قالها النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): أنا فرطكم على الحوض وليرفعن
معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري
ما أحدثوا بعدك.
وروى مسلم بن الحجاج في صحيحه (1) عدة روايات بهذا المضمون، وروى
الحميدي في كتاب الجمع بين صحيحي مسلم والبخاري، وكذا أحمد بن حنبل في
مسنده (2). ولو قلنا بعدالة الصحابة كلهم، يلزم القول بدخول المنافقين والمنحرفين
عن النبي (صلى الله عليه وآله) الجنة مع عمر وقتلته وعثمان وقتلته والإمام علي (عليه السلام) وقتلته،
والمشتركين في حروب الجمل وصفين والنهروان، والتوالي باطلة بأسرها ضرورة
واتفاقا. ولقد انتشرت الأحاديث الكاذبة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى إن الرجال بن
عنفوة واسمه نهار قد ارتد بعد أن أسلم وهاجر وقرأ القرآن. ولما ذهب إلى مسيلمة
الكذاب، أخبرهم بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: إن مسيلمة شرك معه في الرسالة، فكان
أعظم فتنة على بني حنيفة (3).



(1) في باب الحوض 7 / 65.
(2) 5 / 333.
(3) أسد الغابة لابن الأثير 2 / 286.
75
وقال السمعاني: من كذب في خبر واحد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجب إسقاط
ما تقدم من حديثه (1).
وقد أبطل عمر بن الخطاب نظرية عدالة الصحابة التي أوجدها الأمويون
لاحقا، إذ كتب لابن العاص: من عبد الله أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي (2).
وقال عمر للمغيرة بن شعبة: صدقت فأنت القوي الفاجر (3)، فاعترف عمر
بفجور المغيرة!
وقال لأبي هريرة في سرقته أموال المسلمين: استأثرت بهذه الأموال أي
عدو الله وعدو كتابه (4). واتهم عمر أبا هريرة بالكذب في الحديث قائلا: أكثرت
من الحديث وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله (5).
وقال أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي وأبو بكر الصيرفي: لا تقبل رواية
من كذب في أحاديث رسول الله إن تاب عن الكذب بعد ذلك (6).
وقال ابن حجر العسقلاني: اتفق العلماء على تغليظ الكذب على رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه من الكبائر، حتى بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فحكم بكفر من وقع
منه ذلك.
وقالوا: لا فرق في تحريم الكذب عليه (صلى الله عليه وآله) بين ما كان في الأحكام، وما لا
حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك، وكله حرام من أكبر الكبائر،
وأقبح القبائح بإجماع المسلمين... وقد أجمع أهل الحل والعقد على تحريم الكذب



(1) التقريب للنووي، 14.
(2) عبقرية عمر، العقاد 28.
(3) العقد الفريد، ابن عبد ربه في أوائل الكتاب.
(4) البداية والنهاية، ابن الأثير 8 / 116، 117.
(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 360.
(6) اختصام علوم الحديث، 111.
76
على آحاد الناس، فكيف بمن قوله شرع، وكلامه وحي، والكذب عليه
كذب على الله تعالى.
لقد ظهرت أحاديث كاذبة كثيرة ضد النبي (محمد) في زمنه وبعد وفاته.
وابتلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليس بالكذب عليه من قبل أعدائه، بل بالكذب عليه من قبل
أصحابه. وأحاديث الغلو والذم لا تختلف عن بعضها في كونها أحاديث كاذبة
نطقت باسم النبي (صلى الله عليه وآله). وقد ابتلى الإمام علي (عليه السلام) بمثل هذه الأحاديث من قبل
أعدائه ومحبيه. فأعداؤه أوجدوا له أحاديث كاذبة لا أساس لها من الصحة للحط
من منزلته.
والمغالون فيه رفعوا منزلته فجعلوها في مرتبة رب العزة جل شأنه، والعياذ
بالله تعالى. وعلي (عليه السلام) عبد من عبيد الله وقد غضب علي (عليه السلام) على ناكثي بيعته
والقاسطين والمارقين والمغالين فقتلهم.
وفيما يخص أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وأكابر الصحابة فقد تعرضوا
لعملية منظمة من قبل السلطة الأموية. أسندها طلقاء مكة وأتباع أبي جهل
وخطط لها دهاة العرب وشياطين اليهود هدفها الكذب باسمهم، وتعظيم شأنهم،
وكانت النظرية كالآتي: الحط من منزلة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عبر رفع منزلة الصحابة
على منزلته أو مساواتهم معه (ولهذا شواهد عديدة) في النواحي العلمية
والشجاعة ومعرفة الغيب والاتصال بالملائكة وغير ذلك.
وفي هذه المسألة جعلوا منزلة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وعمر ومعاوية في درجة
واحدة، لا فرق بينهم، بحيث أنه لو كان أنبياء من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) لكان عمر أو لكان
معاوية..؟! وهذا طمس لمنزلة النبوة ومحو لدلائلها.
ووفق هذه النظرية يكون الصحابة مطلعين على الغيب، ولكن ليس بواسطة
محمد (صلى الله عليه وآله)! ويجري على ألسنتهم الحق، وهم محدثون، وغير ذلك. ولله الحمد لقد
كذب عمر وأبو بكر هذه الأحاديث الأموية بما قالوه في حق أنفسهم إذ قال عمر:

77
كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال (1) وقال عمر: هلا زجرتموني إذ
لغوت (2) بينما قال أبو بكر: إن لي شيطانا يعتريني (3).
وأخذ أبو بكر بلسانه فقال: هذا الذي أوردني الموارد (4).
ومن هذه الأحاديث الكاذبة التي أوجدها معاوية والحزب القرشي:
عن نوح بن ميمون عن عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي الجهم عن
مسور بن المخرمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله جعل الحق على
لسان عمر وقلبه.
وهذا الحديث واضح البطلان، لأن عمر قد صرح عشرات المرات بأخطائه
وجهله وعدم معرفته الإجابة عن بعض الأسئلة، ومن ناحية أخرى في سند
الحديث أبو هريرة وقد اتهمه عمر بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا صدقنا أبا
هريرة يعني كذبنا عمر!
وفي الحديث عبد الله بن عمر العمري ويحيى بن سعيد وجهم بن أبي
الجهم، وقد وصفوا بالكذب والضعف والمجهولية الشخصية، وبذلك يسقط
الحديث عن الاعتبار (5).
بينما قال عمر: ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ناضلت إمامكم
فنضلته (6). وقال عمر: كل الناس أفقه منك يا عمر (7).



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 61.
(2) كنز العمال 7 / 335.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 16، تاريخ الطبري 2 / 460.
(4) تاريخ الخلفاء، السيوطي ص 100.
(5) ميزان الاعتدال للذهبي، تهذيب التهذيب 10 / 489.
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 96.
(7) تفسير الفخر الرازي 3 / 175.
78
فيظهر كذب ذلك الحديث المعارض لأقوال عمر. وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله) آية
المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان (1).
وعن أنس بن مالك: لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي
طالب يقول: المتفرسون في الناس أربعة: امرأتان ورجلان: فأما المرأة الأولى
فصفراء بنت شعيب لما تفرست في موسى قال الله في قصتها: {يا أبت استأجره إن
خير من استأجرت القوي الأمين} (2). والرجل الأول: الملك العزيز على عهد يوسف،
والقوم فيهم من الزاهدين، قال الله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته
أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} (3) وأما المرأة الثانية فخديجة بنت
خويلد رضوان الله عليها لما تفرست في النبي (صلى الله عليه وآله) وقالت لعمها: قد تنسمت روحي
روح محمد بن عبد الله أنه نبي لهذه الأمة فزوجني منه، وأما الرجل الآخر فأبو بكر
الصديق لما حضرته الوفاة قال: إني تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن
الخطاب فقلت له: إن تجعلها في غيره فلن نرضى به. فقال سررتني، والله لأسرنك
في نفسك بما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت له: وما هو؟ قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب، فقال
له علي بن أبي طالب: أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: ما هو؟ فقلت قال لي: يا علي: لا تكتب جوازا لمن يسب أبا بكر وعمر،
فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين قال أنس: فلما أفضت الخلافة إلى عمر، قال
لي علي: يا أنس إني طالعت مجاري العلم من الله عز وجل في الكون، فلم يكن أن
أرضى بغير ما جرى في سابق علم الله وإرادته خوفا من أن يكون مني اعتراض



(1) فتح الباري لابن حجر العسقلاني 1 / 75.
(2) القصص، 26.
(3) يوسف، 21.
79
على الله عز وجل، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا خاتم الأنبياء، وأنت
يا علي خاتم الأولياء.
قال الخطيب: هذا حديث موضوع من عمل القصاص، وضعه عمر بن
واصل أو وضع عليه (1) أقول: إن الواضع قد مزج حديثا كاذبا مع حديث
صحيح (2) لإثبات مراده، فما أورده على لسان علي (عليه السلام) لا أصله له.
وهكذا ضحك الأمويون على الناس بانتقاص منزلة الجنة، بأنها مثل
الأرض فيها شباب وكهول. ووفقا لهذا يكون الإنسان في الآخرة كما مات في الدنيا
شابا أو عجوزا، لإثبات عدم قدرة الله سبحانه على إعادتهم شبابا والعياذ بالله!
ومن الحديث الكاذب: كأن علم الناس كلهم قد درس في حجر عمر مع
علم عمر، ولو وضع علم الناس في كفة ميزان وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر
بعلم الناس، وأمثال هذا الحديث كثير (3).
بينما جاء في الحديث الصحيح: تعلم عمر بن الخطاب البقرة في اثنتي عشرة،
سنة فلما تعلمها نحر جزورا (4).
وقال عمر في قضية تحديده مهور النساء: كل أحد أعلم من عمر.
ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه علي حتى ترد
علي امرأة ليست من أعلم النساء (5).



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 311.
(2) والحديث الصحيح وجود عقبة على الصراط لا يجوزها المسلم والمسلمة إلا بجواز من علي (عليه السلام)
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): أنا خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأولياء.
(3) الإستيعاب 2 / 430، أعلام الموقعين، ابن القيم الجوزية 6، المستدرك، الحاكم 3 / 86.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 323.
(5) أخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم وأحمد بن حنبل والدارمي وابن أبي شيبة والطبراني
والزمخشري في الكشاف 1 / 490.
80
ومر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم وأزواجه أمهاتهم (سورة الأحزاب، 6).
فقال يا غلام حكها. قال: هذا مصحف أبي، فذهب إليه فسأله فقال له أبي:
إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق، وأغلظ لعمر (1).
ولما قرأ أبي بن كعب: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا
من تاب فإن الله كان غفورا رحيما. فذكر لعمر فسأله عنها قال: أخذتها من في
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس لك عمل إلا الصفق بالبيع (2).
وقال أبي: أأتكلم؟ قال: تكلم، فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على
النبي (صلى الله عليه وآله) ويقرئني وأنت بالباب، فإذا أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني
أقرأت، وإلا لم اقرأ حرفا ما حييت؟ قال: بل أقرئ الناس.
وبكى أنس وقال: غيروا كل شئ حتى الصلاة (3).
وقال أبي لعمر: والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر وتغيبون، وادعى
وتحجبون، ويصنع بي، والله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث أحدا بشئ (4).
وكان عمر يذهب إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) كل يومين مرة (5).
ومن الحديث الكاذب: وقعت زلزلة في المدينة فضرب عمر الدرة على
الأرض، وقال: اسكني بإذن الله، فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك.
بينما ذكر كتاب تاريخ الخميس أن الزلزلة قد وقعت في سنة ست من الهجرة
الشريفة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله عز وجل يستعتبكم فاعتبوه.



(1) البيهقي 7 / 69، القرطبي في تفسيره 14 / 126.
(2) كنز العمال 1 / 278.
(3) الطبقات 7 / 20، ورواه أحمد والترمذي وحسنه، الفتح الرباني 1 / 199.
(4) الدر المنثور 6 / 79، كنز العمال 1 / 285، تفسير ابن كثير 4 / 194.
(5) سنن البيهقي 7 / 37، لأن بيته بعيد عن المسجد النبوي في العوالي.
81
وذكروا حديثا جاء فيه: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: إن زكريا بن يحيى من الكذابين
الكبار. وقال النسائي: أن عبد الله بن يحيى متروك الحديث، وفي هذا الحديث
أنزلت منزلة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى منزلة عمر.
وبينما رفع الأمويون منزلة عمر إلى منزلة الأنبياء، اعترف عمر بمنزلته
الحقيقية إذ قال: صدق عوف والله كذبتم! لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك
وأنا أضل من بعير أهلي (1).
وقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن
يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال
فليأتني، فإن الله تعالى جعلني خازنا (2).
وأخرج عن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى فأتى
امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه، فقالت: حتى يجيئني شيطاني، فجاء
فسألته عنه فقال: (الشيطان) تركته مؤتزرا بكساء يهنأ إبل الصدقة، وذاك رجل
لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه (3).
ولا أدري لماذا ترك أبو موسى مئات الآلاف من أفراد الإنس وذهب
للسؤال من شيطان عن عمر؟!
ولا ندري ما اسم هذا الشيطان، وهل هو من العرب أم العجم؟ وهل هو ثقة
أم مجهول؟ وما هو رأي رجال الجرح والتعديل في رواية شيطان مجهول الاسم
والنسب؟!



(1) شرح ابن أبي الحديد 12 / 36.
(2) مستدرك الحاكم 3 / 271.
(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي 121.
82
ولا أدري ما هو السر المشترك في قضية الشياطين؟ فأبو بكر قال: إن لي
شيطانا يعتريني (1)، وهنا سأل أبو موسى الأشعري شيطانا في بطن امرأة عن عمر.
وأبو بكر والأشعري صديقان حميمان لعمر.
عملية الحط من منزلة النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة والإسلام بذكر أحاديث على
لسان هؤلاء الصحابة ضد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) المتبوع والصحابة التابعين تحتاج إلى
ملاحظة فنية لإدراك ذلك الخبث الأموي اليهودي.
وقد أراد الأمويون الكفار واليهود والمنافقون بيان كذب النبي (صلى الله عليه وآله) (والعياذ
بالله من ذلك) ونفاق الصحابة.
وهذه المسألة إن تحققت فهي تبين للناس صحة مطالب أبي سفيان وأعوانه
في تصوير نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ملكا ليس إلا، فقد قال أبو سفيان للعباس قبل فتح مكة:
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما (2).
وقد كرر الأمويون هذه المقولة، إذ قال أبو سفيان أمام قبر حمزة، بعد بيعة
عثمان بالخلافة: إن الملك الذي قاتلتمونا عليه أصبح في أيدينا. وقال في مجلس
عثمان: " اللهم اجعل الأمر أمر الجاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد
الأرض لبني أمية " (3).
وكرر يزيد بن معاوية تلك المقولة أمام رأس الحسين الشهيد (عليه السلام) في دمشق
قائلا:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل (4)



(1) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 16، وتاريخ الطبري 2 / 460.
(2) تاريخ الطبري 2 / 332.
(3) تاريخ ابن عساكر 2 / 407.
(4) البدء والتاريخ 6 / 11.
83
الأمويون يخلطون أوراق الصحابة
حاول الأمويون خلط أوراق الصحابة، وإيجاد ضبابية وشكوك في إخلاص
المسلمين للإسلام والقرآن وذلك باتهام كل الصحابة وإيجاد أحاديث نبوية لا
صحة لها.
وحاولوا وصف الصحابة وكأنهم في منزلة واحدة من الابتعاد عن الفضيلة
والإنسانية ومبادئ الإسلام. وفي ضوء ذلك تصبح منزلة أبي سفيان في منزلة
السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار!
وتضحى درجة الطليق في مستوى درجة ومنزلة أهل بيعة العقبة
ومهاجري الحبشة والمدينة؟!
وهذه العملية تخالف نظرية النبي (صلى الله عليه وآله) في رفع درجة السابقين على اللاحقين،
والأطروحة الأموية تخالف أطروحة عمر في تفريق رواتب المسلمين على قدم
مشاركتهم في الحروب الإسلامية بدر وأحد والقادسية...
ولما كان عمر قد أغلق باب الأحاديث النبوية (صلى الله عليه وآله) ومنع ذكرها وتدوينها،
سار معاوية على ذلك المنع، ولكنه فتح باب الكذب على النبي (صلى الله عليه وآله) وآله وصحبه!
فشاعت تلك الأحاديث وانتشرت وكثرت الكذابة. ويمكن ملاحظة الفرق
واضحا بين تصرفات عمر ومعاوية تجاه أبي هريرة الراوية الكثير الأحاديث.
فعمر منعه من قول الأحاديث النبوية وقال له: أحر بك أن تكون كاذبا على
رسول الله (1). بينما شجعه معاوية وأكرمه لطرح المزيد من الأحاديث الكاذبة؟ (2)



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 360.
(2) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية 325.
84
ولو دون أبو بكر وعمر السنة، لما تمكن معاوية من فتح باب الكذب على
النبي (صلى الله عليه وآله)؟! قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية حمل قوما من الصحابة، وقوما
من التابعين، على رواية أخبار قبيحة على علي، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه،
وجعل لهم في ذلك جعلا، فاختلقوا له ما أرضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن
العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير (1).
وروى الأعمش: لما تقدم أبو هريرة مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد
الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله، جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا، وقال:
يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله ورسول الله وأحرق نفسي بالنار، والله
لقد سمعت رسول الله يقول: لكل نبي حرما وإن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور،
فمن أحدث فيها حدثا لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن عليا
أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة (2).
والظاهر من قول أبي هريرة، أن أهل العراق كانوا يتهمونه بالكذب على الله
ورسوله.
وسعى الأمويون لنشر العقائد والأفكار الجاهلية، المتمثلة في الشرك،
وتجسيم الله سبحانه، والإيمان بالجبر. ولما كانت الناس تثق بالصحابة فقد استخدم
الأمويون أسماء الصحابة المخلصين لتمرير أحاديثهم المزيفة. وبسبب كثرة الدراهم
المصروفة في هذا المجال كثرت الأحاديث المزيفة بين المسلمين (3).
وقد أراد الأمويون واليهود تجسيم الله سبحانه فقالوا: أول من يعانقه الحق
يوم القيامة عمر وأول من يصافحه الحق يوم القيامة عمر، وأول من يؤخذ بيده



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 358.
(2) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية 325.
(3) أضواء على السنة المحمدية 225، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 358.
85
فينطلق به إلى الجنة عمر بن الخطاب. عن كعب مرفوعا.
قال الذهبي في تلخيصه: موضوع في إسناده كذاب، وقال الذهبي في ميزانه
هذا منكر جدا 2 / 12.
وهناك اختلاف بين منهج عمر ومنهج معاوية حول ذكر فضائل أهل
البيت (عليهم السلام). واتفاق بينهما حول منع التدوين.
فقد صرح عمر بالكثير من الفضائل لأهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم علي بن
أبي طالب (عليه السلام) ومن ذلك قوله: علي مولى كل مؤمن ومؤمنة ومن ليس مولاه
فليس بمؤمن (1).
وقوله: لقد أرادك الحق يا علي ولكن أبى قومك (2).
وقوله: لولا علي لهلك عمر (3).
بينما أراد الأمويون محو كل فضيلة لأهل البيت (عليهم السلام) واستخدام كافة الوسائل
الموصلة إلى ذلك. فمنعوا النطق باسم علي (عليه السلام)، ولعنوه أربعين عاما من على مآذن
المسلمين، ومنعوا ذكر فضائله!
ووجد الأمويون أن إيجاد فضائل كاذبة للصحابة تساوي أو تفوق فضائل
ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) هو من ضمن الوسائل الكفيلة بالحط من منزلتهم،
فشرعوا في ذلك.
قال ابن عرفة: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة، افتعلت
في أيام بني أمية تقربا إليهم، بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم (4).



(1) أخرجه الدارقطني في صواعق ابن حجر 107.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 114، 115.
(3) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 1103.
(4) فجر الإسلام لأحمد أمين ص 213.
86
ومن الأحاديث الكاذبة رواية عن عائشة أنه كان بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ترضين أن يكون بيني وبينك عمر؟ قالت: من عمر؟
قال: عمر بن الخطاب، قالت: لا والله إني أفرق من عمر. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الشيطان
يفرقه (1).
وهذا يعني أنها لا تثق بعدالة النبي (صلى الله عليه وآله) وتفزع من شر عمر! وهما عندها
رجلان ظالمان فهي تبحث عمن يقضي بينهما بالحق.
وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الآفاق كتبا: الأول: كتب إلى جميع
عماله أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.
الثاني: كتب إلى جميع عماله أن انظروا إلى من كان من شيعة عثمان ومحبيه
وأهل ولايته والذين يروون فضائل عثمان ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم
واكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم مع اسمه واسم أبيه، ففعلوا
ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات
والهبات والقطائع.
الثالث: كتب معاوية إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل
مصر وناحية، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا
تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في فضائل
الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني.
الرابع: ثم كتب إلى عماله إلى جميع البلدان: انظروا إلى من أقيمت عليه البينة
أنه ممن يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع
ذلك بنسخه أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم - يعني عليا وأهل بيته فنكلوا
به واهدموا داره.



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 283، ويفرق: يفزع.
87
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة، حتى أن الرجل
من شيعة علي ليأتيه من يثق به، فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا
يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان
منتشر (1).
وأنبأنا أبو عيسى، حدثنا الحسين بن حريث، أنبأنا علي بن الحسين بن
واقد، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن بريدة قال: سمعت بريدة يقول: خرج رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله،
إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى قال: إن كنت
نذرت فاضربي، وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم
دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف
تحت استها وقعدت عليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الشيطان ليخاف منك يا عمر،
إني كنت جالسا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي
تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخلت أنت يا عمر فألقت الدف (2).
ومفهوم هذا أن الشيطان لا يخاف من النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وأبي بكر وعثمان.
بل كان هؤلاء يستمعون إلى الشيطان!
وهكذا رفع الأمويون في هذا الحديث منزلة عمر وأسقطوا منزلة النبي (صلى الله عليه وآله)
وأبي بكر وعلي (عليه السلام) وعثمان! ليصبح الجميع في منزلة معاوية ويزيد!
وعلى هذا المنوال فعل الأمويون في أحاديث أخرى إذ جاء: أنبأنا أبو عيسى



(1) راجع الإستيعاب، ابن عبد البر 1 / 65، الإصابة، ابن حجر 1 / 154، الكامل في التاريخ، ابن الأثير
3 / 162، تاريخ الطبري 6 / 77، تاريخ ابن عساكر 3 / 222، وفاء الوفاء 1 / 31، النزاع والتخاصم 13
، تهذيب التهذيب 1 / 435، الأغاني 15 / 44، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 116.
(2) أسد الغابة 4 / 161، وصحح الحديث الترمذي وأخرجه أحمد.
88
حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد بن أنس: أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا:
لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو. فقلت: ومن هو؟ قالوا: عمر بن
الخطاب (1).
في هذا الحديث رفع القاص الأموي (اليهودي المنحى) منزلة عمر على
منزلة النبي (صلى الله عليه وآله)، بحيث تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) قصره في الجنة! والاعتداء على الأنبياء صفة
اليهود وطغاة مكة.
تفضيل بني أمية على الأنبياء والصحابة
وسعى الأمويون لتفضيل رجالهم على النبي (صلى الله عليه وآله) وباقي الصحابة بطرق
مختلفة لتحطيم النبوة وإعلاء الشرك وتفضيل السلاطين وأبنائهم على عامة الناس.
ووفق النظرية الأموية يكون السلطان أفضل من باقي الناس بغض النظر
عن الطرق التي أوصلته إلى السلطة.
فكانت الأطروحة تتمثل في تفضيل الأمويين على غيرهم، وتفضيل أبي
بكر وعمر وعثمان على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وباقي الناس!
فسعوا إلى حذف ذكر علي (عليه السلام) من السيرة والتشكيك في سيرته وسيرة
النبي (صلى الله عليه وآله) وإخماد ذكر المهاجرين والأنصار وباقي المسلمين وتسليط الأضواء على
أبي بكر وعمر وعثمان والأمويين وطلقاء مكة كمطلب قرشي.
وهذه ذات النظرية القرشية الجاهلية القائمة على رفع مكانة قريش ومسخ
هوية باقي العرب!
جاء في صحيح مسلم: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن



(1) أسد الغابة لابن الأثير 4 / 161، وصحح الحديث الترمذي وأخرجه أحمد وابن حبان.
89
أبي عن جدي، حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد ابن
العاص، أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة (زوج النبي (صلى الله عليه وآله)) وعثمان حدثاه: أن
أبا بكر استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مضطجع على فراشه لابس مرط (كساء)
مع عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك. فقضى إليه حاجته ثم انصرف. ثم استأذن
عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف. قال عثمان ثم
استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم
انصرفت.
فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر (رضي الله عنه) كما
فزعت لعثمان؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له
على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته " (1).
أقول: إن النفس الأموي واضح في هذا الحديث، فهو في صالح عثمان الأموي
فقط، وضد مروءة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر. وهو يظهر الجماعة المذكورة بلا
حياء! وصور عائشة في ملابس غير محتشمة بين زوجها وأبيها وعمر، وهذا
يخالف الأعراف الإسلامية فضلا عن الأعراف العربية في الشرف والعفة والحياء
بينما ظهر عثمان الأموي مثالا للشرف والحياء.
وفي الرواة سعيد بن العاص الفاسق وابنه وهما من بني أمية، وفيه ابن
شهاب الزهري الأموي الهوى.
وبسبب اشتراك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بناء الكعبة فقد حاول طلقاء مكة سلب
تلك الفضيلة وتنقيصه فقالوا: " فبينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينقل معهم (الحجارة)
وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم
ويحملون الحجارة ففعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلبط به ونودي: عورتك.. فما رؤيت



(1) صحيح مسلم 4 / 1866، حديث 2402.
90
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عورة بعد ذلك " (1).
فقد حاول كفار قريش المكشوفة عوراتهم في معارك بدر وأحد والخندق
وفسادهم المعروف الانتقام من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لم تنكشف له عورة ولم ينظر
إلى عورة أجنبي بهذا الحديث الموضوع.
ولا أدري كيف ذكر مسلم هذا الحديث في كتابه المسمى بالصحيح؟!
واستمرارا لأهداف الأمويين نلاحظ هنا حديثا فيه هجاء للنبي (صلى الله عليه وآله)
ولأبي بكر وعمر ومدح لعثمان: فعن يحيى بن يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر
إسماعيل - يعنون به ابن جعفر - عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان ابني
يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مضطجعا في
بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال،
فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له فتحدث. ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وسوى ثيابه فدخل، فتحدث فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش (2)
ولم تباله (3)، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست وسويت
ثيابك فقال (صلى الله عليه وآله): ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة (4).
وبينما صور الحديث السابق عائشة في ملابس خليعة صوروا النبي (صلى الله عليه وآله) هنا
في صورة خليعة!
فالنبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث المزيف كاشف عن فخذيه أمام زوجته وأبيها
وعمر وبمجرد دخول عثمان استدرك (صلى الله عليه وآله) الحالة وغطى فخذيه!
فالشرف والحياء عند بني أمية فقط ورثوه من هبل واللات والعزى!



(1) الطبقات ابن سعد 1 / 145.
(2) الهشاشة والبشاشة طلاقة الوجه وحسن اللقاء.
(3) لم تكترث به وتحتفل لدخوله.
(4) صحيح مسلم 4 / 1866، حديث 2401.
91
والمسلم يخجل من وجود هذه الترهات باسم أحاديث نبوية في ما يسمى
صحاح المسلمين! وأعجب من مدى درجة حمق وتعصب وجهل بعض العلماء،
الذين أخذ الله تعالى لبهم فلم يعودوا يشخصون الأبيض من الأسود، والصحيح
من السقيم!
اهتمام القصاصين بوجوه المسلمين
لقد اهتم القصاصون بوجوه المسلمين وتركوا عوامهم دون ذكر، لأن
الأمويين أرادوا الاهتمام بذلك، وحاولوا تصوير حياة النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي بكر وعمر
وعثمان وعائشة وحفصة وتركه لباقي المسلمين.
فتكون الأحاديث النبوية منصبة في دائرة: قال محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر
وعثمان، وجاء محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر وعثمان وذهب محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر
وعثمان! وأذن محمد (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر وعمر وعثمان!
لذلك نجد أحاديث لا حصر لها في مدح أبي بكر وعمر وعثمان، ولا نجد ذلك
في حق العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن مسعود وبلال وسلمان الفارسي
والمقداد ومصعب بن عمير وسعد بن أبي عبادة وزيد بن الخطاب وعقيل بن أبي
طالب وعثمان بن مظعون وغيرهم!
وعندما نقرأ كتب السيرة النبوية نجدها مليئة بالحديث عن أربعة (أبو بكر
وعمر وعثمان وعائشة) ولا نجد فيها ذكرا لأبطال المسلمين المستشهدين في بدر
وأحد وحنين والمهاجرين إلى الحبشة. ونجد تعتيما متعمدا على ذكر الأنصار
بالرغم من كونهم السواد الأعظم في المدينة المنورة، منهم يتشكل معظم جيش
المسلمين وفي مدينتهم عاش النبي (صلى الله عليه وآله) العظيم وعلى اقتصادهم عاش المسلمون
وعظمت شوكتهم.

92
ومن هذا نفهم أن هناك مؤامرة أموية معدة لإقصاء أهل البيت (عليهم السلام)
والناس المتقين عن مسرح السيرة النبوية، وحصر السيرة في سلاطين المسلمين
وبني أمية.
وأي قراءة لنا في كتاب الطبري المسمى بتاريخ الأمم والملوك نجده بحق
تاريخا للملوك وكتابا لهم دون الشعوب، وهكذا كتاب الكامل في التاريخ لابن
الأثير. فلا منزلة للشعوب في أمثال هذه الكتب.
وآثار الوضع الأموي في تلك الأحاديث واضحة، إذ نقرأ في كتاب مسلم
حديثا منسوبا إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) برواية أبي هريرة جاء فيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بينما
رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا.
ولكني إنما خلقت للحرث. فقال الناس: سبحان الله تعجبا وفزعا. أبقرة تكلم؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإني أومن به وأبو بكر وعمر (1).
ووضع أبو هريرة على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) حديثا آخر جاء فيه: قال رسول
الله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة. فطلبه الراعي حتى استنقذها
منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ فقال
الناس: سبحان الله! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر (2).
أي أن الناس جميعا لم يصدقوا الخبر؟ فقالوا: سبحان الله وأجابهم
الرسول (صلى الله عليه وآله) بأن أبا بكر وعمر يصدقان به!
وقد ساهم عمرو بن العاص (وزير معاوية وعدو علي بن أبي طالب (عليه السلام) في
هذا النهج لكسب ود معاوية ويشفي غليل قلبه) في الأمر فقد سألوه: أي الناس
أحب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ابن العاص: عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت



(1) صحيح مسلم 4 / 1857، حديث 2388.
(2) المصدر السابق.
93
ثم من؟ قال: عمر فعد رجالا (1).
والسبب في ذلك واضح لكل ذي لب، ويتمثل في أن معاوية كان يعطي
الأموال والهدايا لكل من يضع مناقب في أبي بكر وعمر وعثمان ويذم عليا (عليه السلام).
وهكذا كان باقي ملوك بني أمية عدا عمر بن عبد العزيز.
فنجد في كتاب المغازي للواقدي المخصص للحديث عن غزوات
الرسول (صلى الله عليه وآله) ذكرا لعمر بن الخطاب في 166 صفحة ولأبي بكر في 143 صفحة بينما
ذكر عمار بن ياسر في 19 صفحة وذكر عبد الله بن مسعود في 17 صفحة. وذكر
خزيمة بن ثابت مرة واحدة، وخباب بن الأرت مرتين، وأبا ذر الغفاري عشر
مرات، وذكر مصعب بن عمير 19 مرة.
وآثار الوضع الأموي بينة من ملاحظة عدد المرات التي ذكر فيها عمر بن
الخطاب وأخوه زيد بن الخطاب. فعمر ذكر 166 مرة وزيد ذكر مرة واحدة، علما
بأن زيدا قد أسلم قبل عمر وهاجر قبله!
نزول قرآن وفق رغبات بعض وليس وفق حكمة الله تعالى؟
وقد بلغت الجرأة والوقاحة بالأمويين وأعوانهم إلى الاعتداء على الساحة
الإلهية، فصوروا بعض القرآن نازلا وفق آراء عمر ورغباته، ومن هذه الأحاديث
الكاذبة:
أخرج ابن مردويه عن مجاهد قال: كان عمر يرى الرأي فينزل القرآن (2).
وأخرج ابن عساكر عن علي قال: إن في القرآن لرأيا من رأي عمر!
وأخرج عن ابن عمر مرفوعا: ما قال الناس في شئ وقال فيه عمر إلا جاء



(1) صحيح مسلم 4 / 1856، حديث 2384.
(2) السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء 122.
94
القرآن بنحو ما يقول عمر.
وذكر أبو عبد الله الشيباني وافق عمر ربه في أحد وعشرين موضعا (1).
وذكروا وقوف الله سبحانه إلى جنب عمر مخطئا النبي (صلى الله عليه وآله): لما أكثر رسول
الله عليه الصلاة والسلام من الاستغفار لقوم، قال عمر سواء عليهم، فأنزل الله
{سواء عليهم استغفرت لهم}.
ولما استشار عليه الصلاة والسلام الصحابة في الخروج إلى بدر، أشار عمر
بالخروج، فنزلت: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} (2). وقوله تعالى: {من كان
عدوا لجبريل} (3) الآية، قلت: أخرجه ابن جرير وغيره من طرق عديدة وأقربها
للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر،
فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا.
فقال له عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله
عدو للكافرين، فنزلت على لسان عمر!
أي عمر يقول والله ينطق على لسانه والعياذ بالله من سكرة ونشوة وكفر بني
أمية وطلقاء مكة واليهود الذين رفعوا بعضا إلى أعلى مما يتصور حقدا على
أعدائهم لا حبا بهم.
ومن جملة ما أوردوه من موضوعات رثة وبالية في رفع عمر على باقي
البشرية ومنهم النبي (صلى الله عليه وآله) أنهم ذكروا موضوع الاستئذان في الدخول، وذلك أنه
دخل عليه غلامه، وكان نائما، فقال عمر: اللهم حرم الدخول.
فنزلت آية الاستئذان! (4)



(1) فضائل الإمامين، أبو عبد الله الشيباني.
(2) الأنفال، 5.
(3) البقرة، 97.
(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي 124.
95
إذا لولا رغبة عمر لبقي الأمر مباحا، وعلى هذه الحال يكون الأمر على هذه
الشاكلة: عمر يقول ويرى، والله تعالى يدون ويكتب، والنبي (صلى الله عليه وآله) يبلغ!
ومن أعاجيب الحديث الكاذب عن ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي
الأسود، قال اختصم رجلان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه:
ردنا إلى عمر بن الخطاب، فأتينا إليه، فقال الرجل: قضى لي رسول الله
عليه الصلاة والسلام على هذا، فقال: ردنا إلى عمر، فقال: أكذلك؟ قال:
نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فخرج إليهما مشتملا على
سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر، فقال: يا رسول
الله، قتل عمر - والله صاحبي، فقال: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل
مؤمن، فأنزل الله {فلا وربك لا يؤمنون} (1) فأهدر دم الرجل وبرئ عمر من
قتله!
وفي هذه الرواية أراد المخترع تصوير عمر بكونه القاضي المشهور بين الناس
بعدله بحيث يرفض بعض المسلمين أحكام النبي (صلى الله عليه وآله) في الدعاوى، ويطلبون حكم
عمر، ولم يعرف عمر بالقضاء؟ والمعروف عنه الصفق في الأسواق مشغولا في البيع
والشراء.
فتصور واضع الرواية أن عمر حكم بكفر ذلك الرجل وحلية دمه،
والنبي (صلى الله عليه وآله) أفتى بكونه مؤمنا وعدم حلية دمه... فخطأ الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله)،
وصحح فعل عمر بعدم إيمان ذلك الرجل، وأنزل تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون}!
بينما جاء في تفسير الكشاف حول الآية ما يلي: قيل: نزلت في شأن المنافق
اليهودي، وقيل: في شأن الزبير وحاطب بن أبي بتلعة وذلك أنهما اختصما إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل، فقال (صلى الله عليه وآله): اسق يا زبير



(1) النساء، 65.
96
ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب حاطب وقال: لأنه كان ابن عمتك؟ فتغير
وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى
الجدر واستوف حقك، ثم أرسله إلى جارك، فكان (صلى الله عليه وآله) قد أشار على الزبير
برأي فيه السعة له ولخصمه، فلما أحفظ (أغضب) رسول الله (صلى الله عليه وآله) استوعب
للزبير حقه في صريح الحكم، ثم خرجا فمرا على المقداد، فقال: لمن كان
القضاء؟ فقال الأنصاري: قضى لابن عمته، ولوى شدقه، ففطن يهودي كان مع
المقداد فقال: قاتل الله هؤلاء، يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضى
بينهم، وأيم الله، لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى، فدعانا إلى التوبة منه، وقال:
اقتلوا أنفسكم، ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضي عنا...
وروي عن عمر (رضي الله عنه) أنه قال: والله لو أمرنا ربنا لفعلنا والحمد لله الذي لم يفعل بنا
ذلك (1).
إذن نزلت الآية في قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) بين اثنين كما ذكر الكشاف.
ومن الذين أيدوا نزول القرآن وفق رغبات عمر هو النووي. إذ ذكر في
التهذيب: نزل القرآن بموافقته (عمر) في أسرى بدر وفي الحجاب وفي مقام
إبراهيم، وفي تحريم الخمر، وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بين
لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله تحريمها (2).
في حين كانت الحقيقة كالتالي: قال محمد الأبشيهي المحلي المتوفى سنة 850
هجرية قد أنزل الله في الخمر ثلاث آيات: الأولى في قوله: {يسألونك عن الخمر
والميسر قل فيها إثم كبير ومنافع للناس} فكان من المسلمين من شارب ومن
تارك، إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين



(1) تفسير الكشاف، جاد الله الزمخشري 1 / 530.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 122.
97
آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} (1) فشربها من شربها من
المسلمين وتركها من تركها، حتى شربها عمر (رضي الله عنه) فأخذ بلحي بعير وشج به رأس
عبد الرحمن بن عوف، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر، وهو
يقول:
وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده
فضربه. فقال أعوذ بالله من غضبه، وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى: {إنما يريد
الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله
وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} فقال عمر: انتهينا، انتهينا (2).
وذكر محمد بن جرير الطبري: " فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا
تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} (3) فشربها من شربها منهم،
وجعلوا يتقونها عند الصلاة، حتى شربها فيما زعم رجل (أسقطوا اسم عمر)
فجعل ينوح على قتلى بدر:
تحي بالسلامة أم عمرو * وهل لك بعد رهطك من سلام
ذريني أصطبح بكرا فإني * رأيت الموت نقب عن هشام



(1) النساء، 43.
(2) المستطرف 2 / 260، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 3 / 863.
(3) النساء، 43.
98
وود بنو المغيرة لو فدوه * بألف من رجال أو سوام
كأني بالطوي طوي بدر * من الشيزي يكلل بالسنام
كأني بالطوي طوي بدر * من الفتيان والحلل الكرام (1)
فغير النووي منزلة عمر من شارب للخمر إلى سائل عنها!
وضع أحاديث على لسان علي (عليه السلام)
لقد وجد أعوان بني أمية أن خير وسيلة لدعم آرائهم، وإسناد أهوائهم،
ودحض حجة خصومهم، هي المجئ بأحاديث موضوعة على لسان أعدائهم،
فيسهل الخطب، فجاءوا بكمية كبيرة من الأحاديث على لسان الإمام علي (عليه السلام)
معارضة لحقوق أهل البيت (عليهم السلام) وأفكارهم وأحكامهم ومعتقداتهم ومنزلتهم
منها: قال علي رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، ما كنا نبعد أن
السكينة تنطق على لسان عمر (2).
وقال جابر رضي الله عنه: دخل علي على عمر - وهو مسجى - فقال: رحمة
الله عليك ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بما في صحيفته بعد صحبة النبي عليه
الصلاة والسلام من هذا المسجى (3).
وهذا الحديث تشكيك بمنزلة علي (عليه السلام) وصحيفته، إذ جاء في الحديث:
عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) (4).



(1) جامع البيان 2 / 211.
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط، السيوطي في تاريخ الخلفاء 120.
(3) أخرج الحاكم.
(4) تاريخ بغداد 4 / 410، كنز العمال 11 / 601 ح 32900، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي
243 ح 290.
99
ولما كانت شجاعة الإمام علي (عليه السلام) لا تحتاج إلى كلام فهو بطل المعارك،
وحامل لواء الرسول (صلى الله عليه وآله) في معاركه، لاحظ ماذا وضعوا على لسانه من زيف:
أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟
فقالوا: أنت، قال أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع
الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر فجعلنا لرسول الله
عليه الصلاة والسلام عريشا فقلنا: من يكون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام،
لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف
على رأس رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه فهو
أشجع الناس...
وقد توضح كذب هذا، إذ ذكرنا في باب غزوات عمر فرار أبي بكر وعمر
وعثمان في معارك أحد وخيبر والخندق وحنين. ولكن القصاصين أرادوا أن يجعلوا
أبا بكر الشجاع الأول في الإسلام لإبعاد علي (عليه السلام) عن هذا المنصب الذي ناله بجداره
عبر معاركه في بدر وأحد وخيبر والخندق وحنين.
وقد امتنع أبو بكر وعمر من مبارزة عمرو بن عبد ود العامري في معركة
الخندق خوفا من سيفه وبرز له علي (عليه السلام) فقتله (1). وذكر أن معاوية أعطى سمرة بن
جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام أن قوله
تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو
ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب
الفساد} أنه نزل في علي بن أبي طالب، وأن قوله تعالى: {ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى} نزل في ابن ملجم (2).



(1) تاريخ الطبري 2 / 240، تاريخ اليعقوبي 2 / 50.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 361.
100
وقال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية وضع قوما من الصحابة، وقوما من
التابعين، على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه،
وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة
وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعروة بن الزبير (1).
ووضعوا على لسان علي (عليه السلام): قوله: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد
نبيها، أبو بكر. ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر:
عمر (2).
أقول: ولو أصبح عكرمة بن أبي جهل خليفة من بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومن
بعده معاذ بن جبل ومن بعده عمرو بن العاص لقال الراوي الأموي: إن أفضل
الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله) عكرمة ثم معاذ ثم عمرو!
وذلك الحديث الموضوع يخالف اعتقاد أبي بكر القائل: توليت عليكم
ولست بخيركم. وقلدت أمرا عظيما مالي به طاقة ولا يد (3).
وليتني كنت بعرة (4).
وكان الأفضل بالراوي أن يترحم على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) وصحابة
محمد (صلى الله عليه وآله) بدل أن يحشر نفسه في ذكر الأفضل من المسلمين بعد محمد (صلى الله عليه وآله) دون
سؤال من أحد، وقد وضع الأمويون ذلك الحديث مقابل الحديث الصحيح: من
كنت مولاه فهذا علي مولاه (5) وحديث: علي إمام المتقين وقائد الغر المحجلين



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 158.
(2) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 36.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 16، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 47.
(4) منتخب كنز العمال 4 / 361، ورواه البيهقي في شعب الإيمان.
(5) تاريخ الإسلام، الخطيب 232، سنن الترمذي 2 / 298، سنن ابن ماجة ص 12، مستدرك الصحيحين
3 / 109.
101
يوم القيامة (1).
وروى الأمويون أيضا: اتقوا غضب عمر فإن الله يغضب إذا غضب. وقد
جاء في مختصر تاريخ ابن عساكر: أن من رواته (الحديث) أبا لقمان ولقد كان يروي
المنكرات عن الثقات (2).
وقد وضع هذا الحديث مقابل حديث النبي (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني، فمن
أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله (3).
وجاء في صحيح مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي، وأبو الربيع
العتكي، وأبو كريب محمد بن العلاء - واللفظ لأبي كريب - قال أبو الربيع:
حدثنا. وقال الآخران: أخبرنا) ابن المبارك عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن
ابن أبي مليكة. قال سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره،
فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه. وقبل أن يرفع. وأنا فيهم. قال: فلم
يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي. فالتفت إليه، فإذا هو علي، فترحم على
عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت
لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك. وذاك أني كنت أكثر ما أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر. وخرجت أنا وأبو
بكر وعمر (4).
في هذا الحديث، ذكر القاص الأموي تمني علي (عليه السلام) أن يلقى الله سبحانه بعمل



(1) مستدرك الصحيحين 3 / 137، كنز العمال 6 / 157، الإصابة، ابن حجر 4 / القسم 1 / 33، أسد الغابة
1 / 69، 3 / 116، الهيثمي في مجمعه 9 / 121.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 282.
(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 167 ح 4730، أسد الغابة 7 / 224، الإصابة 4 / 378، تهذيب
التهذيب 12 / 469، مجمع الزوائد 9 / 203.
(4) صحيح مسلم 4 / 1858، حديث 2389.
102
عمر، في حين ذكر عمر أن عليا مولى كل مؤمن ومؤمنة. فكيف يتمنى المولى
المتبوع عمل التابع له. ولا يكون ذلك إلا إذا كان التابع أفضل من المتبوع.
ومن بديهيات الشرايع السماوية أن يكون المتبوع أفضل من التابع. ولكن
بني أمية أرادوا قلب هذه النصوص والمفاهيم، فنشروا أحاديث مزيفة كثيرة تبين
أفضيلة الصحابة على محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام). لأن هؤلاء وأسيادهم اليهود قد أدركوا
أن سقوط منزلة النبي (صلى الله عليه وآله) ووصيه يعني سقوط الإسلام. وروى المرتزقة آلاف
الأحاديث المزيفة على لسان علي بن أبي طالب (عليه السلام) والصحابة في مدح الخلفاء،
وإثبات أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان وغيره عليه.
وبينما بث معاوية هذه الأحاديث في كتب المسلمين كتب هو في رسالته إلى
محمد بن أبي بكر حقيقة القضية، وأماط اللثام عن مواضيع كثيرة وخطيرة: إذا
أثبت فيها بأن بيعة علي (عليه السلام) للخلفاء لم تكن بالاختيار، بل كانت بالإكراه والقوة.
وأثبت فيها اغتصاب أبي بكر وعمر للخلافة من علي (عليه السلام)، وبين فيها أفضلية
علي (عليه السلام) المطلقة على جميع الصحابة (1).
وأراد الأمويون أيضا أن يبينوا أن هؤلاء الصحابة أعلى منزلة وفضيلة من
الأنبياء والأوصياء، وبالتالي فلا فضل للأديان على الناس! بل الناس تعلموا القيم
من أبي سفيان وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط!
وجاء في الشطر الأخير من الحديث الموضوع بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر ما يقول:
جئت أنا وأبو بكر عمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر. والحقيقة أن معاوية هو الذي
أصدر أوامره بذلك إلى رواته المرتزقة فكتبوا السيرة والحديث بجاء محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو
بكر وعمر، وذهب محمد (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر، وأذن محمد (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر وعمر
والهدف من ذلك رفع منزلة أبي بكر وعمر على منزلة علي (عليه السلام) وصي المصطفى.



(1) مروج الذهب، المسعودي 3 / 11.
103
فيصبحان وزيران للنبي (صلى الله عليه وآله) دونه.
فهل كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يترك عليا (عليه السلام) الذي قال فيه: أنت مني بمنزلة
هارون من موسى، ويترك رجال الأنصار والمهاجرين ووجوه العرب ويرافق
اثنين فقط؟!
لقد كانت عادة الملوك حصر مرافقيهم وندمائهم في عدد محدود، يشربون
معهم المسكر، ويلهون ويمرحون معهم، فأراد اليهود وطغاة قريش تشبيه النبي (صلى الله عليه وآله)
بهم، ليشككوا في نبوته. في حين كان النبي (صلى الله عليه وآله) مع كافة الناس.
وجاء في كتاب أسد الغابة: أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن
الشافعي، أنبأنا أبو العشائر محمد بن خليل، أنبأنا أبو القاسم علي بن محمد بن
علي، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن ابن عثمان، أنبأنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان،
حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن
زريع، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، حدثنا قتادة، عن أنس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
صعد أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فضربه برجله وقال: إثبت أحد،
فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان (1).
قال ابن حجر في محمد بن خليل: إنه يضع الحديث (2).
ويزيد بن زريع ضعفه ابن معين والدارقطني، وقال الذهبي وابن حجر: لا
يكاد يعرف (3).
أما قتادة فإن كان ابن دعامة فقد قال عنه الذهبي: مدلس، وإن كان ابن



(1) أسد الغابة لابن الأثير 4 / 173، سنن البخاري في فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) عن يزيد بن زريع
بإسناده 5 / 14.
(2) لسان الميزان، ابن حجر 5 / 180.
(3) ميزان الاعتدال، الذهبي 4، لسان الميزان، ابن حجر 6 / 351.
104
رستم الطائي فقد قال عنه الذهبي وابن حجر بأنه مجهول (1).
وواضح من الحديث أنه وضع بعد مقتل عمر وعثمان بن عفان.
والحديث مخالف للمنطق إذ لماذا يرجف الجبل؟ هل يرفض الجبل صعود
النبي (صلى الله عليه وآله) عليه بحيث اضطر الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى رفسه وهذا اعتداء يهودي
مستور على النبي (صلى الله عليه وآله)؟!
إن عثمان قد فر من أرض معركة أحد ولم يعد إلا بعد ثلاثة أيام! فمتى كان
مع النبي (صلى الله عليه وآله) على الجبل؟ وهذا الحديث الموضوع يبين ضحالة مستوى الراوي
المعادي للإسلام.
والحديث معارض للقرآن الكريم وكل ما عارض القرآن باطل، إذ جاء في
القرآن الكريم: {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين} (2). فالجبال
خاشعة وطائعة لله تعالى، وقد سخرها الله تعالى لداود، فهل يعقل بها أن ترفس
خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
وهكذا وضع الأمويون الكثير من الأحاديث المعارضة لأهل البيت (عليهم السلام)
لمصلحة غيرهم!
وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد وأخرجه ابن دريد في الأخبار
المنثورة وابن الكلبي في الجامع وغيرهم وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة: حدثنا
أبو الطيب حدثنا علي بن داود حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا ابن لهيعة عن قيس
ابن الحجاج عمن حدثه قال: لما افتتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين
دخل يوم من أشهر العجم فقالوا: يا أيها الأمير إن لنيلنا هذه سنة لا يجري إلا بها،
قال وما ذاك؟ قالوا: إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى



(1) ميزان الاعتدال 3 / 385، لسان الميزان، ابن حجر 4 / 551.
(2) الأنبياء، 79.
105
جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي
أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل.
فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون أبدا في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان
قبله، فأقاموا والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك
عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب له أن قد أصبت بالذي قلت، وإن
الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث بطاقة داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد
بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن
العاص أخذ البطاقة ففتحها، فإذا فيها: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله يجريك
فاسأل الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم،
فأصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك
السنة عن أهل مصر إلى اليوم (1).
يا للعجب لنهر النيل وذكورته كيف يأخذ البنات ولا يرضى دون البكر!
وتصوره القاص الأموي في صورة رجل شبق إلى النساء، يتعامل مع الناس
معاملة سيئة، فهو لا يجري إن لم يعطوه امرأة، وإذا كان النيل لا يرضى إلا بالنساء
الباكرات فما بال نهر دجلة والفرات والسند ومئات الأنهار في العالم لم يطلبن ما
طلبه النيل؟ أم أن تلك الأنهار إناث والنيل وحده ذكر؟!
لقد عشت ردحا من الزمن بين النهر الأزرق والأصفر فلم أسمع أساطير،
مثلما سطر عن النيل؟!
وقد أكثر الأمويون لمدح أبي بكر وعمر وعثمان حسدا منهم لأهل بيت
محمد (صلى الله عليه وآله) فقد جاء في الحديث بأن الله أرسل جبرائيل إلى أبي بكر يسأله: أراضي



(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي 127.
106
أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟
فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض، أنا
عن ربي راض.
قال السيوطي: غريب وسنده ضعيف جدا (1).
وذكر الخطيب حديثا جاء فيه: أن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء
كتخلل أبي بكر في الأرض.
قال ابن كثير: وهذا منكر جدا (2).
وحاول هؤلاء أن يضعوا أبا بكر في المقام الأول ليس في دخوله الإسلام
وشجاعته فحسب بل في ثرائه أيضا.
إذ ورد حديث عن عائشة: " أن أبا بكر (رضي الله عنه) أسلم يوم أسلم وله أربعون
ألف دينار " (3).
ومن الأحاديث الموضوعة، ما ذكروه عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بقطع نخيل خيبر،
ومنع عمر من ذلك: فأتاه عمر (رضي الله عنه) فقال أأنت أمرت بقطع النخيل؟ قال (صلى الله عليه وآله):
نعم، قال: أليس وعدك الله خيبر؟ قال: بلى. فقال عمر: إذا تقطع نخيلك ونخيل
أصحابك، فأمر مناديا ينادي فيهم بالنهي عن قطع النخيل (4).
ومن الأحاديث الكاذبة لتشويه سمعة النبي (صلى الله عليه وآله) والإسلام ما ذكره أبو هريرة
تلميذ كعب الأحبار إذ جاء:
حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن
عبيد بن حنين مولى بني زريق عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 39.
(2) المصدر السابق.
(3) تاريخ الخلفاء، السيوطي 39.
(4) السير الكبير 1 / 55.
107
وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه
شفاء وفي الآخر داء (1) وهو مخالف للمنطق والرواية أبو هريرة.
وعن عائشة قالت: سحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من بني زريق يقال له لبيد بن
الأعصم حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخيل إليه أنه كان يفعل الشئ وما فعله (2).
فإذا كان النبي موسى (عليه السلام) قد انتصر على السحر فالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) أولى
بالانتصار في هذا المجال لأنه خاتم الأنبياء ورسالته هي الرسالة الأفضل فلا يعقل
أن يبين الله تعالى أعمالا يهودية مسحورة للمسلمين على أنها أعمال رسوله (صلى الله عليه وآله)
فيتبعها الناس؟!! فتؤدي إلى تشكيك المسلمين في أفعال النبي (صلى الله عليه وآله) الأخرى
لاحتمال تأثير السحر فيها فيضيع دين الله تعالى.
وإذا كانت عائشة تؤمن بعداء اليهود لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فكيف تعوذت
بتعويذاتهم طلبا للشفاء بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) (3).
* * *



(1) صحيح البخاري 7 / 22.
(2) صحيح البخاري 7 / 28، مسند أحد 6 / 57.
(3) الموطأ، مالك بن أنس 2 / 502.
108
هل ساءت العلاقة بين أبي بكر وعمر؟
الباب

109
طبيعة العلاقة بين أبي بكر وعمر
كان أبو بكر من الأشخاص المقربين لقلب عمر، فعلاقتهما عريقة في القدم،
تعود إلى أيام ما قبل الهجرة من مكة... ولما هاجر المسلمون إلى المدينة، حاول
النبي (صلى الله عليه وآله) قدر الإمكان الإخاء بين الأصدقاء، فآخى بين أبي بكر وعمر، وآخى
بين نفسه (صلى الله عليه وآله) وبين علي (عليه السلام) (1). وكان عمر مندفعا جسورا لا يبالي بالعواقب، وأبو
بكر أقل اندفاعا منه، فكان ينصحه ويرده عن بعض أعماله وأقواله. ففي معركة
ذات السلاسل، نصح أبو بكر عمر بضرورة طاعة عمرو بن العاص، الذي نصبه
النبي (صلى الله عليه وآله)، والابتعاد عن مخالفته. وفي السقيفة عندما دعا عمر إلى قتل سعد بن
عبادة، قال أبو بكر له: الرفق ها هنا أولى (2).
وعندما جاءوا بالإمام علي (عليه السلام) للبيعة رفض (عليه السلام) ذلك، فخيره عمر
بين البيعة أو القتل. فقال أبو بكر: لا أكرهه على شئ ما دامت فاطمة إلى جنبه (3).



(1) سنن الترمذي 12 / 299، سنن ابن ماجة ص 12، المستدرك على الصحيحين 3 / 111، تاريخ
الطبري 2 / 56، خصائص النسائي 3 / 18، كنز العمال 6 / 394، 396، طبقات ابن سعد 3 / 22، الدر
المنثور 4 / 114.
(2) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 10.
(3) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 13 فالاثنان، متفقان على قتله، ولكن أبا بكر متخوف من وجود
فاطمة (عليها السلام) إلى جنبه.
111
ولما طلب عمر من أبي بكر إقالة أسامة من قيادة حملة الشام، وثب أبو بكر
وكان جالسا، فأخذ بلحية عمر فقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب،
استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتأمرني أن أنزعه (1).
وفي أحيان أخرى رد أبو بكر طلبات وأوامر عمر غير مهتم بغضبه:
فقد طلب عمر من أبي بكر أن يعزل خالد بن الوليد، بسبب قتله مالك بن
نويرة، وزناه بزوجته فلم يعزله أبو بكر (2). وتختلف نظرة الاثنين إلى خالد
اختلافا حادا. ولما حاول عمر أن يكسب أبا بكر إلى جنبه في استنكاره لصلح
الحديبية، قال أبو بكر: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه، وهو ناصره
فاستمسك بغرزه (3). وهنا يبرز رجحان عقل أبي بكر على عقل عمر.
وكان تنصيب أبي بكر في السقيفة يعود إلى جهود عمر، أما تنصيب عمر في
الخلافة فيعود إلى وصية أبي بكر. وقد قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر بعد السقيفة:
إحلب حلبا لك شطره، توليه أنت اليوم ليردها عليك غدا (4).
وطلب أبو بكر من أسامة الموافقة على إبقاء عمر إلى جانبه بعد أمر
الرسول (صلى الله عليه وآله) له ولأبي بكر وبقية الأصحاب بالانخراط في جيش أسامة، إذ قال له:
إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل، فأذن له (5).
وكانت ابنتاهما عائشة وحفصة عند الرسول (صلى الله عليه وآله) في حين رد الرسول (صلى الله عليه وآله)
طلبهما في الزواج من فاطمة (عليها السلام). ورغم اختلاف الاثنين في بعض الموارد، إلا أنهما
قد عملا معا مدة طويلة، وكانا يشكلان مع عائشة وحفصة مجموعة متجانسة في



(1) تاريخ الطبري 2 / 462.
(2) الإصابة لابن حجر 2 القسم 1 / 99، ترجمة خالد بن الوليد.
(3) صحيح البخاري 2 / 81، كتاب الشروط.
(4) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 11.
(5) تاريخ الطبري 2 / 462.
112
الأفكار والاعتقادات. وقد توضح عملهم المشترك في موارد كثيرة.
وينتمي عمر وأبو بكر لمجموعة أكبر من تلك متمثلة في عبد الرحمن بن
عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة،
والمغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وخالد
ابن الوليد، وعثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي موسى الأشعري،
وعمرو بن العاص، وعكرمة بن جهل وآخرين.
وقد عمل أبو بكر مع عمر في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، فكانت أعمالهما ونظراتهما
متقاربة في معظم الأحيان. وبينما يغلب اللين والهدوء على أبي بكر، تغلب الخشونة
والانفعال على عمر. وهما متقاربان في كثير من الصفات والأوضاع، مثلا نظرتهما
إلى قبائل قريش وضرورة توليها الحكم بالتناوب، دون نظر لكون أفرادها من
المهاجرين أو الطلقاء، ويتفقان في ضرورة إبعاد الأنصار عن الخلافة.
كما يتفقان في نظرتهما إلى بني هاشم، وضرورة إبعادهم عن الخلافة والسلطة
معا. وفعلا أبعدا بني هاشم عمليا عن الحكم، وسار على ذلك النهج عثمان ثم
معاوية وخلفاؤه. وعلى مدى ثلاث وثلاثين سنة، لم يتول هاشمي أي منصب في
دولة الخلافة، لا في سلم ولا في حرب!! واستمر هذا النهج في دولة الأمويين
والعباسيين. ويتفقان أيضا في إمكانية الخروج على النص الشرعي، إن دعت
الحاجة إلى ذلك. ويمكن أن نسمي هذا بنظرية المصلحة.
ويتفقان على مسائل مهمة أخرى، مثل الاكتفاء بالقرآن كما بين ذلك عمر في
إطروحته: حسبنا كتاب الله، وإبعاد أهل البيت (عليهم السلام). خلافا للحديث النبوي: إني
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (1).



(1) صحيح مسلم 7 / 122، مسند أحمد بن حنبل 5 / 181، صحيح الترمذي 5 / 621، المعجم الكبير،
الطبراني 5 / 186، كنز العمال 1 / 48.
113
وأكثر مسألة عملية تبين تعاون الاثنين، هي تعاونهما في الناحية السياسية،
إذ كان عمر أول من بايع أبا بكر، ونصبه للخلافة.
صراحة إسلامية: أبو بكر يصف عمر
عرف أبو بكر بالصراحة ومن صراحته قوله: " إن لي شيطانا يعتريني " (1).
ولا يعقل أن يقصد به شيطان جن، وإذا كان كذلك فكيف كان يتم الاتصال بينهما؟
وإذا كان شيطان إنس فمن هو؟
ومن صراحة أبي بكر قوله: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها.. ولوددت
أن أقوى الناس عليه مكاني (2). لقد استعمل أبو بكر عمر على الحج في السنة
الأولى (3)، وهذا لم يمنع من التصادم بينهما، ولو بشكل غير علني، إذ قال أبو بكر
لعثمان: نعم الوالي عمر، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله).. ولو تركته
(عمر) ما عدوتك، وما أدري لعلي تاركه والخيرة له أن لا يلي أمركم (4).
إذن نصيحة أبي بكر لعمر هي أن لا يلي أمر المسلمين. وأنه كان مترددا في
توليته الخلافة. وكان عبد الرحمن بن أبي بكر يكره حكم عمر، لذا قال: إن قريشا
تبغض ولاية عمر (5). علما بأن عبد الرحمن مرآة لأحاسيس أبيه ورغباته.



(1) تاريخ الطبري 2 / 460، الإمامة والسياسة 1 / 16.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 50، ويقصد أبو بكر بأقوى الناس عليا (عليه السلام) مثلما صرح عمر
قائلا: لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر، تفسير الآلوسي 23 / 74 في تفسير آية
" وقفوهم إنهم مسؤولون ".
(3) طبقات ابن سعد 3 / 177.
(4) كتاب الثقات، ابن حبان 2 / 192.
(5) كتاب الثقات، الحافظ محمد بن حبان 2 / 192.
114
وأعتقد أن عمر كان عارفا بمخالفة عبد الرحمن لحكمه وموافقة عائشة له.
لذلك فضل عمر عائشة على النساء والرجال كافة في العطاء، ورد عبد
الرحمن بن أبي بكر عندما جاء يشفع للحطيئة الشاعر؟! (1)
وقد ذكر أبو بكر قبل وفاته رأيه صريحا في عمر قائلا: ما هو بخير له أن يلي
أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله) (2).
وأخرج البخاري أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركب من بني تميم
علي النبي (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلي أو إلا خلافي. فقال (عمر): ما
أردت خلافك، فتماريا (تجادلا)، حتى ارتفعت أصواتهما (3).
صراحة إسلامية: عمر يصف أبا بكر
روى سعيد بن جبير: قال ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر، فقال
رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها. فقال ابن عمر: وما يدريك؟
قال الرجل: أوليس قد ائتلفا.
قال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون! أشهد أني كنت عند أبي يوما،
وقد أمرني أن أحبس الناس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال
عمر: دويبة سوء، ولهو خير من أبيه. فأوحشني ذلك منه، فقلت: يا أبت، عبد
الرحمن خير من أبيه!
فقال (عمر): ومن ليس بخير من أبيه، لا أم لك! إئذن لعبد الرحمن.
فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه، وقد كان عمر حبسه



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 29، طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(2) كتاب الثقات، الحافظ محمد بن حبان 2 / 192.
(3) صحيح البخاري 3 / 190، تفسير سورة الحجرات.
115
في شعر قاله، فقال عمر: إن في الحطيئة أودا، فدعني أقومه بطول حبسه،
فألح عليه عبد الرحمن، وأبى عمر. فخرج عبد الرحمن.
فأقبل علي أبي وقال: أفي غفلة أنت إلى يومك هذا، عما كان من تقدم
أحيمق بني تيم علي، وظلمه لي!
فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك.
قال: يا بني فما عسيت أن تعلم؟
فقلت: والله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم.
قال: إن ذلك لكذلك على رغم أبيك وسخطه.
قلت: يا أبت أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم.
قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت، أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم،
إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل (1).
قال ابن عمر: ثم تجاسر والله فجسر، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في
الناس، فقال: أيها الناس إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى الله شرها، فمن دعاكم
إلى مثلها فاقتلوه (2). وهناك رواية ثالثة، تثبت حالة خصام وتنافر بين أبي بكر
وعمر، إذ روى الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد، قال: غدوت يوما إلى الشعبي،
وأنا أريد أن أسأله عن شئ بلغني عن ابن مسعود، أنه كان يقوله، فأتيته وهو في
مسجد حيه، وفي المسجد قوم ينتظرونه، فخرج فتعرفت إليه، وقلت: أصلحك الله
كان ابن مسعود يقول: ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم
فتنة، قال: نعم كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضا - وكان



(1) الجندل: الحجارة. وهو ما يقل الرجل من الحجارة وقيل هو الحجر كله. لسان العرب، ابن منظور
11 / 128.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29، طبعة دار إحياء الكتب العربية.
116
عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم -.
فبينما نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي
بكر وعمر.
فضحك الشعبي وقال: لقد كان في صدر عمر ضب (حقد) على أبي بكر.
فقال الأزدي: والله ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل،
ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر.
فأقبل علي الشعبي، وقال: هذا مما سألت عنه، ثم أقبل على الرجل، وقال:
يا أخا الأزد فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها، أترى عدوا يقول في عدو
يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر.
فقال الرجل: سبحان الله، أنت تقول ذلك يا أبا عمرو!
فقال الشعبي: أنا أقوله، قاله عمر بن الخطاب على رؤوس الأشهاد، فلمه أو
دع. فنهض الرجل مغضبا وهو يهمهم في الكلام بشئ لم أفهمه.
قال مجالد فقلت للشعبي: ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام
إلى الناس ويبثه فيهم!
قال (الشعبي): إذن والله لا أحفل به، وشئ لم يحفل به عمر حين قام على
رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار أحفل به أنا، أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا
لكم (1). وهناك رواية أخرى عن الأشعري، تثبت وجود صراع بين أبي بكر
وعمر، إذ روى شريك بن عبد الله النخعي عن محمد بن عمرو بن مرة عن أبيه، عن
عبد الله بن سلمة، عن أبي موسى الأشعري، قال: حججت مع عمر، فلما نزلنا
وعظم الناس خرجت من رحلي أريده، فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني، ثم قال:
أين تريد؟ فقلت: أمير المؤمنين، فهل لك؟ قال: نعم، فانطلقنا نريد رحل عمر،



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 30، طبعة دار إحياء الكتب العربية (الحلبي وشركاه).
117
فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولي عمر وقيامه بما هو فيه، وحياطته على
الإسلام، ونهوضه بما قبله من ذلك، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر، فقلت للمغيرة: يا
لك الخير! لقد كان أبو بكر مسددا في عمر، لكأنه ينظر إلى قيامه من بعده، وجده
واجتهاده، وغنائه في الإسلام.
فقال المغيرة: لقد كان ذلك، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه،
وما كان لهم في ذلك حظ.
فقلت له: لا أبا لك! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر؟
فقال المغيرة: لله أنت كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خصوا به من
الحسد! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره،
وللناس كلهم عشر.
فقلت: مه يا مغيرة! فإن قريشا بانت بفضلها على الناس. فلم نزل في مثل
ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر، فلم نجده، فسألنا عنه فقيل: قد خرج آنفا،
فمضينا نقفوا أثره، حتى دخلنا المسجد، فإذا عمر يطوف بالبيت، فطفنا معه، فلما
فرغ دخل بيني وبين المغيرة، فتوكأ على المغيرة.
وقال: من أين جئتما؟
فقلنا: خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين، فأتينا رحلك فقيل لنا: خرج إلى
المسجد فاتبعناك.
فقال: أتبعكما الخير، ثم نظر المغيرة إلي وتبسم.
فرمقه عمر فقال: مم تبسمت أيها العبد!
فقال: من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك.
قال: وما ذاك الحديث؟ فقصصنا عليه الخبر، حتى بلغنا ذكر حسد قريش،
وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر.
فتنفس الصعداء، ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة! وما تسعة أعشار الحسد!

118
بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر، بل وقريش
شركاؤهم أيضا فيه! وسكت مليا، وهو يتهادى بيننا.
ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها؟
قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: وعليكما ثيابكما، قلنا: نعم.
قال: وكيف بذلك، وأنتما ملبسان ثيابكما؟ قلنا: يا أمير المؤمنين وما بال
الثياب؟ قال: خوف الإذاعة منها، قلنا له: أتخاف الإذاعة من الثياب أنت، وأنت
من ملبس الثياب أخوف! وما الثياب أردت! قال: هو ذاك، ثم انطلق وانطلقنا
معه، حتى انتهينا إلى رحله، فخلى أيدينا من يده، ثم قال: لا تريما ودخل فقلت
للمغيرة: لا أبا لك! لقد أثرنا بكلامنا معه، وما كنا فيه، وما نراه حبسنا إلا ليذاكرنا
إياها، قال: فإنا لكذلك إذ خرج آذنه إلينا، فقال: ادخلا، فدخلنا فوجدناه
مستلقيا على برذعة برحل، فلما رآنا تمثل بقول كعب بن زهير:
لا تفش سرك إلا عند ذي ثقة * أولى وأفضل ما استودعت أسرارا (1)
صدرا رحيبا وقلبا واسعا قمنا * ألا تخاف متى أودعت إظهارا
فعلمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه، فقلت: إنا له يا أمير المؤمنين،
ألزمنا وخصنا وصلنا، قال: بماذا يا أخا الأشعريين؟ فقلت: بإفشاء سرك وأن
تشركنا في همك. فنعم المستشاران نحن لك.
قال: إنكما كذلك فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب ليغلقه، فإذا الآذن
الذي أذن لنا عليه في الحجرة، فقال: امض عنا لا أم لك. فخرج وأغلق الباب
خلفه، ثم أقبل علينا فجلس معنا، وقال: سلا تخبرا.
قلنا: نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش: الذي لم يأمن ثيابنا على
ذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة وسأخبركما، فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز



(1) ملحق ديوانه 257، غرر الخصائص 181.
119
ما بقيت، فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو كتمان.
قلنا: فإن لك عندنا ذلك، قال أبو موسى: وأنا أقول في نفسي: ما يريد إلا
الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره، فإنهم قالوا لأبي بكر:
أتستخلف علينا فظا غليظا، وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي، فعاد إلى التنفس
ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظنا، قال: ومن تظنان؟ قلنا: عساك
تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الأمر عنك.
قال (عمر): كلا والله، بل كان أبو بكر أعق، وهو الذي سألتما عنه، كان
والله أحسد قريش كلها، ثم أطرق طويلا، فنظر المغيرة إلي ونظرت إليه، وأطرقنا
مليا لإطراقه، وطال السكوت منا ومنه، حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه، ثم
قال: وا لهفاه على ضئيل بني تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما.
فقال المغيرة: أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه، كيف خرج
إليك منها آثما؟
قال: ذاك لأنه لم يخرج إلي منها إلا بعد يأس منها، أما والله لو كنت أطعت
زيد بن الخطاب (أخاه) وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبدا، ولكني قدمت
وأخرت وصعدت وصوبت ونقضت وأبرمت، فلم أجد إلا الإغضاء على ما نشب
به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى نغر بها
بشما.
قال المغيرة: فما منعك منها يا أمير المؤمنين، وقد عرضك لها يوم السقيفة
بدعائك إليها، ثم أنت الآن تنقم وتتأسف.
قال: ثكلتك أمك يا مغيرة! إني كنت لأعدك من دهاة العرب، كأنك كنت
غائبا عما هناك، إن الرجل ماكرني فماكرته، والفاني أحذر من قطاة، إنه لما رأى
شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه، أيقن أنهم لا يريدون به بدلا، فأحب لما
رأى من حرص الناس عليه وميلهم إليه أن يعلم ما عندي، وهل تنازعني نفسي

120
إليها، وأحب أن يبلوني بإطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت
لو قبلت ما عرضه علي لم يجب الناس إلى ذلك، فألفاني قائما على إخمصي مستوفزا
حذرا لو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلي ذلك، واختبأها ضغنا علي في قلبه ولم
آمن غائلته ولو بعد حين، مع ما بدا لي من كراهة الناس لي، أما سمعت نداءهم من
كل ناحية عند عرضها علي: لا نريد سواك يا أبا بكر، أنت لها فرددتها إليه عند
ذلك، فلقد رأيته التمع وجهه لذلك سرورا، ولقد عاتبني مرة على كلام بلغه عني،
وذلك لما قدم عليه بالأشعث أسيرا فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة، فقلت
للأشعث وهو قاعد بين يديه: يا عدو الله أكفرت بعد إسلامك، وارتددت ناكصا
على عقبيك؟ فنظر إلي نظرا علمت أنه يريد أن يكلمني بكلام في نفسه، ثم لقيني
بعد ذلك في سكك المدينة فقال لي: أنت صاحب الكلام يا ابن الخطاب؟
فقلت: نعم يا عدو الله، ولك عندي شر من ذلك. فقال: بئس الجزاء هذا لي
منك.
قلت: وعلام تريد مني حسن الجزاء؟
قال (الأشعث): لأنفتي لك من اتباع هذا الرجل، والله ما جرأني على
الخلاف عليه إلا تقدمه عليك، وتخلفك عنها، ولو كنت صاحبها لما رأيت مني
خلافا عليك. قلت: لقد كان ذلك فما تأمر الآن؟
قال (الأشعث): إنه ليس بوقت أمر، بل وقت صبر، ومضى ومضيت.
ولقي الأشعث الزبرقان بن بدر فذكر له ما جرى بيني وبينه، فنقل ذلك إلى
أبي بكر، فأرسل إلي بعتاب مؤلم، فأرسلت إليه: أما والله لتكفن أو لأقولن كلمة
بالغة بي وبك في الناس، تحملها الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن
فيه عفوا.
فقال: بل نستديمه، وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فظننت أنه لا يأتي عليه
جمعة حتى يردها علي فتغافل، والله ما ذكرني بعد ذلك حرفا حتى هلك.

121
ولقد مد في أمدها، عاضا على نواجذه إلى أن حضره الموت وأيس منها،
فكان منه ما رأيتما، فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة، وعن بني هاشم خاصة،
وليكن منكما بحيث أمرتكما، قوما إذا شئتما على بركة الله.
فقمنا ونحن نعجب من قوله، فوالله ما أفشينا سره حتى هلك (1).
ويذكر أن عمر قد قال لعبد الله بن عباس: أن قومكم (قريشا) لم يرضوا أن
تجتمع فيكم النبوة والخلافة وقال ابن عباس: حرفوها عنا حسدا وبغيا
وظلما (2). وهنا وصف عمر قريشا بأن حسدها يساوي تسعة أعشار وتسعة
أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر، وبأن أبا بكر أحسد قريش كلها؟!
وهذه قمة صراحة عمر في وصفه أبا بكر. وطبقا لرأي عمر يكون أبو بكر على
رأس المخالفين لاجتماع الخلافة والنبوة في بني هاشم، وهدد عمر أبا بكر من
الإيغال في العداء قائلا: لتكفن أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في الناس؟! تحملها
الركبان حيث ساروا، وإن شئت استدمنا ما نحن فيه عفوا.
ورغم صراحة عمر مع رفيقيه إلا أنه لم يخبرهما بها فما، عساها أن تكون من
كلمة خطيرة تحملها الركبان؟! ولخطورة تلك الكلمة خافها أبو بكر واختار
طريق الموادعة، على طريق العداء فقال: وإنها لصائرة إليك (أي الخلافة) بعد أيام.
وهذه الجملة لم يقلها أبو بكر إلا لعلاقتها بالكلمة الخطيرة التي هدده بها
عمر أبا بكر، أي أنها جواب لتهديد عمر.
وبعد ما قال عمر عن بيعة أبي بكر أنها فلتة، قال الشاعر محمد بن هاني المغربي:
ولكن أمرا كان أبرم بينهم * وإن قال قوم فلتة غير مبرم



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري، كتاب الشافي،
المرتضى 241، 244.
(2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 24، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 107، تاريخ الطبري
2 / 289.
122
وقال آخر:
زعموها فلتة فاجئة * لا ورب البيت والركن المشيد
إنما كانت أمورا نسجت * بينهم أسبابها نسج البرود (1)
ولقد اعترف عمر بكون المغيرة من دهاة العرب، واعترف بوجوده في
السقيفة عند بيعة أبي بكر، قائلا: كأنك كنت غائبا عما هناك.
والسؤال المفروض هنا هو: لماذا لم يسأل المغيرة وأبو موسى عن الكلمة
الخطيرة، التي هدد بها عمر أبا بكر؟ خاصة وأنهما قريبان من قلبه؟
الجواب: إن المغيرة كان مشتركا في أحداث السقيفة، التي أقاموها في زمن
انشغال بني هاشم والناس بجهاز الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومشتركا في أحداث ما قبل
السقيفة للتخطيط لعملية الاستيلاء على السلطة وما بعدها، لذلك نال أفضل
المناصب في الدولة الإسلامية. وكذلك كان أبو موسى الأشعري.
وقد يكون المغيرة وأبو موسى عارفان بالكلمة الخطيرة التي هدد بها عمر
أبا بكر؟ وقد يكون عمر قد صرح لهما بما هدد به أبا بكر، بحيث قال له أبو بكر:
وإنها لصائرة إليك بعد أيام، فقال عمر لهما:
فاكتما ما قلت لكما عن الناس كافة وعن بني هاشم خاصة.
ولقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي معلقا على ذلك الحديث:
" وأعلم أنه لا يبعد أن يقال: إن الرضا والسخط والحب والبغض وما شاكل
ذلك من الأخلاق النفسانية، وإن كانت أمورا باطنة، فإنها قد تعلم ويضطر
الحاضرون إلى حصولها بقرائن أحوال تفيدهم العلم الضروري، كما يعلم خوف
الخائف وسرور المبتهج.
ولقد صرح عمر (في حديثه مع المغيرة والأشعري) بشئ خفي آخر، ألا



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 37.
123
وهو ما ذكره عن أخيه زيد بن الخطاب قائلا: أما والله لو أطعت زيد بن
الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبدا.
والظاهر أن زيد بن الخطاب وجماعته كانوا من المعارضين لخلافة أبي بكر،
ولكن عمر لم يفصح أكثر عن الموضوع، فهل كان زيد يدعو إلى خلافة عمر، أم أنه
يدعو إلى خلافة علي (عليه السلام) (وصي المصطفى (صلى الله عليه وآله)). وسيرة زيد الحميدة تتوافق مع
تعبده بالنصوص الشرعية. ولم أعثر على نص يثبت مشاركة زيد لعمر وأبي بكر في
أحداث السقيفة. وقول عمر المذكور يبين واحدا من الأسرار الكثيرة التي
نفتقدها. وبالرغم من أن زيد بن الخطاب كان من المشاركين في معركة بدر، وأسن
من عمر، إلا أن أبا بكر لم ينصبه في وظيفة حكومية، بل أرسله إلى حرب مسيلمة
الكذاب فقتل (1) هناك. ولو عدنا إلى أيام مرض الرسول (صلى الله عليه وآله) لوجدنا منافسة بين
عائشة وحفصة في موضوع إمامة الصلاة، إذ قالت عائشة للنبي (صلى الله عليه وآله) لو بعثت إلى
أبي بكر. وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر.
ولما اشتدت المنافسة بينهما، أرسلت عائشة بلالا ليأمر أبا بكر على لسان
النبي (صلى الله عليه وآله) بإمامة الصلاة، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: إنكن صواحب يوسف (2).
فكانت أعظم إهانة نبوية لعائشة وصواحبها. ومن أقوال عمر في أبي بكر المشيرة
إلى تنافرهما ما أخرجه النسائي عن أسلم أن عمر اطلع على أبي بكر، وهو آخذ
بلسانه، فقال: هذا الذي أوردني الموارد (3). إن ذكر عمر لهذا الحديث يثبت حقده
وعدم رضاه عليه. والذي يوضح تنافرهما أكثر، ما ذكره أبو بكر قبل وفاته، من
ندمه على عدم إبعاد عمر من عاصمة الخلافة، فقال: إني لا آسى إلا على ثلاث



(1) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة زيد بن الخطاب.
(2) تاريخ الطبري 2 / 439.
(3) تاريخ الخلفاء، السيوطي 100.
124
فعلتهن ووددت أني لم أفعلهن... وددت أني حيث وجهت خالدا إلى الشام،
كنت وجهت عمر إلى العراق، فأكون بسطت يدي يمينا وشمالا في سبيل الله (1).
ولو تحققت أمنية أبي بكر في إبعاد عمر إلى العراق، لما وصل عمر إلى سدة
الخلافة، ولأصبح إبعاده إلى العراق، مثل إبعاد ابن الجراح إلى الشام، والنتيجة
إخراجه من المدينة والخلافة!
وبسبب مواقف عمر السلبية من عبد الرحمن بن أبي بكر، والصراع
الدامي بين عثمان وعائشة، وفتواها بقتله: اقتلوا نعثلا فقد كفر (2) فقد وقف عبد
الرحمن وأخوه محمد بن أبي بكر في صفوف علي بن أبي طالب (عليه السلام) في معركة
صفين (3).
هل خالف عمر أبا بكر؟
أخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني قال: جاء عيينة بن حصين،
والأقرع بن حابس إلى أبي بكر، فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة
ليس فيها كلاء ولا منفعة، فإن رأيت أن تعطيناها لعلنا نحرثها ونزرعها، ولعل الله
أن ينفعنا بها، فأقطعهما إياها وكتب لهما بذلك كتابا، وأشهد لهما.
فانطلقا إلى عمر ليشهداه على ما فيه، فلما قرءا على عمر ما في الكتاب،
تناوله من أيديهما فتفل فيه فمحاه، فتذمرا وقالا له مقالة سيئة (4).
وزاد المتقي الهندي فقال: فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما



(1) كنز العمال 3 / 135، وأخرجه الطبراني وابن عساكر.
(2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 206.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 75.
(4) المتقي الهندي في كنز العمال 2 / 189.
125
ندري أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل هو، ولو شاء كان (1).
وخالف عمر أبا بكر في قضية الولاة، إذ عزل ولاة أبي بكر وهم خالد بن
الوليد والمثنى بن حارثة الشيباني وشرحبيل بن حسنة (2).
ولقد خالف عمر أبا بكر بعد توليه الخلافة مباشرة: إذ ذهب إلى مجلس
العزاء النسائي المقام بمناسبة وفاة أبي بكر فأدخل رجلا عليهن دون إذن منهن،
فأخرج أم فروة بنت أبي قحافة، فضربها عمر بدرته ضربا مبرحا، وأخرج
النساء (3).
وقدم الأقرع بن حابس على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله
على قومه. وقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما.
فقال أبو بكر لعمر (رضي الله عنه): ما أردت إلا خلافي.
قال: ما أردت خلافك. فقلت: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (4).
وقد خالف عمر أبا بكر في الناحية المالية. إذ ساوى أبو بكر في العطاء
وخالفه عمر في ذلك، وسبى أبو بكر النساء والذراري في حروبه مع العرب،
وردهم عمر إلى عشائرهم (5) مما يثبت عدم نظرة عمر لهم كمرتدين.
* * *



(1) أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه ويعقوب بن سفيان وابن عساكر وذكره العسقلاني أيضا
في إصابته 5 القسم 1 ص 56، وأخرجه البخاري في التاريخ الصغير، والمحاملي في أماليه، كنز
العمال 10 / 290.
(2) مختصر تاريخ دمشق 10 / 290.
(3) كنز العمال 8 / 118 كتاب الموت، تاريخ الطبري ج 4 حوادث سنة 13، الكامل في التاريخ 2 / 204.
(4) تاريخ المدينة المنورة 2 / 147.
(5) الإمامة والسياسة 2 / 119.
126
ملف الاغتيالات في زمن الخلافة
الباب

127
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)
لقد حدثت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. وقد ذكرها الواقدي في
مغازيه (1) قائلا:
" إنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من
الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن
هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة. وزحفوا
وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك
إنما ذلك شئ قيل لهم فقالوه. ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما
عاينوا منهم (إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا) من العدد والعدة والكراع. وكان
رسول الله لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا،
حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حر شديد ".
وقال الجلاس ابن سويد: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير!
والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن
ينزل فيها القرآن بمقالتكم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم



(1) المغازي 2 / 989.
129
عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا. فذهب إليهم عمار فقال لهم.
فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون إليه.. فأنزل الله {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا
نخوض ونلعب} إلى قوله {بأنهم كانوا مجرمين} (1).
ولما احتاج المسلمون إلى الماء في تلك الصحراء بصيفها الحار، دعا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فسقط المطر. فقال أوس بن قيظي المنافق: سحابة مارة (2).
ولأول مرة في تاريخ المسلمين هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجدا لأنه مسجد
ضرار. ولما خلف النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) على المدينة قال له علي (عليه السلام): أتخلفني في النساء
والأطفال؟
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا
نبي من بعدي (3).
لقد حدثت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة أي بعد انتصار المسلمين
على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون بأن ملك المسلمين
أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على خلافته.
وقد نزلت آيات كثيرة في تبوك في المنافقين وأفعالهم منها: {وقالوا لا تنفروا
في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما
كانوا يكسبون} (4) و {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين
المؤمنين} (5). وكان البعض يخاف أشد الخوف من وصول الإمام علي (عليه السلام) إلى
خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) لأن ذلك يعني سيطرة بني هاشم على الحكم وحرمان قريش من



(1) سورة التوبة 65، 66.
(2) المغازي للواقدي 2 / 1009.
(3) الكامل في التاريخ 2 / 278.
(4) التوبة 81، 82.
(5) التوبة 107.
130
الخلافة. وظهرت خلافة علي (عليه السلام) أكثر عندما تركه على المدينة المنورة
ليحفظها واصفا إياه بهارون من موسى.
والملاحظ أن بعض المسلمين قد تحرك تحركا جديدا يختلف عن الأساليب
السابقة متمثلا في إنشاء مسجد إسلامي يكون قلعة لضرب الإسلام المحمدي.
وتحرك آخرون لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) قبل انتقال الحكم إلى علي (عليه السلام).
والذي يفهم تاريخ السيرة جيدا يجد بأن المنافس القوي لبني هاشم على
السلطة هم قريش وليس الأنصار. لذلك دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة على قريش ولم
يدعوا على الأنصار بل دعا لهم. والإمام علي (عليه السلام) دعا على قريش ودعا للأنصار.
وهناك نتيجة مفادها أن دهاة قريش قد فعلوا عدة أمور قد غفلت على كثير
من العلماء والمحققين إلى يومنا هذا تبين حرصهم على السلطة منها: حرفوا حديث
الخلفاء من بعدي اثنا عشر أولهم علي (عليه السلام) إلى صالحهم، فجعلوا الحكم إلى يوم
القيامة في قبائل قريش، وأبعدوا الأنصار وغيرهم عن الخلافة بلا سند إلهي
وعقلي، وأرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في أثناء عودته من تبوك، يوم كان الإمام علي (عليه السلام)
في المدينة. ولم يكتفوا بذلك بل ألقوا بتبعة الأمر على الأنصار.
إذ جاء عن نافع بن جبير بن مطعم: " لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين
الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك وهم اثنا عشر رجلا. وزادوا في الحديث قولهم:
ليس فيهم قرشي وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم! (1)
وفي قضية السقيفة فعل رجال قريش نفس الشئ، فهم قد تركوا مراسم دفن
النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعوا أبا بكر في السقيفة، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا القضاء على
منافسهم (الأنصار) قضاء تاما.
وتمثل ذلك باتهام الأنصار بمحاولة بيعة سعد بن عبادة في السقيفة واغتصاب



(1) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 6 / 253.
131
الحكم من قريش؟!
في حين لم يجتمع الأنصار لمبايعة سعد، ولم يبايعوه، ولم يكن عندهم خطة
لذلك، وما تلك الأخبار الكاذبة إلا هجمة لتحطيم الأنصار (1).
وقد جاء: لما رجع رسول الله قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض
الطريق، مكر به ناس من أصحابه، وتآمروا أن يطرحوه في العقبة (2) وأرادوا أن
يسلكوها معه لهذه الغاية، فأخبر رسول الله خبرهم، فقال لأصحابه من شاء
منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس
بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به، فقد استعدوا وتلثموا، وأمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ
بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون، إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم،
قد غشوهم. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يراهم، ويتعرف عليهم،
فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، وضربها بالمحجن، وابصر القوم
وهم متلثمون، فأرعبوا حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر،
فأسرعوا حتى خالطوا الناس.
وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله، فلما أدركه، قال (صلى الله عليه وآله): اضرب الناقة يا
حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا وخرجوا من العقبة، ينتظرون الناس،
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا حذيفة هل عرفت أحدا منهم؟
فقال: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم
متلثمون.



(1) أنظر كتاب السقيفة للمؤلف.
(2) العقبة: مرقى صعب من الجبال، والطريق في أعلاها، والجمع عقاب وعقبات وواحدة العقب. أقرب
الموارد 2 / 807.
132
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟
قال: لا يا رسول الله.
قال (صلى الله عليه وآله): فإنهم فكروا أن يسيروا معي، حتى إذا صرت في العقبة طرحوني
فيها!
فقال: أهلا ترأف بهم إذا جاءك الناس.
قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا أن محمدا قتل أصحابه، ثم سماهم
بأسمائهم (1).
وفي كتاب أبان بن عثمان بن عفان، قال الأعمش: وكانوا اثني عشر، سبعة
من قريش.
وقال أبو البختري، قال حذيفة:
لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم، فقال: ففطن له شاب، فقال:
من يصدقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا! فقال: إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) كانوا يسألون
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر. قال: فقيل له: ما حملك على
ذلك؟ فقال: إنه من اعترف بالشر، وقع في الخير (2).
وقال الحسن بن علي (عليه السلام): " يوم أوقفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة ليستنفروا
ناقته كانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان " (3). وذكر ابن عبد البر الأندلسي في
كتابه الإستيعاب: كان أبو سفيان كهفا للمنافقين منذ أسلم (4).
وجاء أيضا: " لدى العودة تآمر 12 منافقا ثمانية منهم من قريش، والباقي



(1) السيرة الحلبية 3 / 143، ودلائل النبوة لأبي بكر أحد البيهقي، كتاب أبان بن عثمان.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 259.
(3) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 103 ط. دار
الفكر 1388 ه‍.
(4) الإستيعاب 2 / 690.
133
من أهل المدينة، لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله) في أثناء الطريق، وقبل أن يصل إلى المدينة،
وذلك بتنفير ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) في عقبة بين المدينة والشام، ليطرحوه في واد كان هناك.
وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى بداية تلك المنطقة (العقبة) قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي، فإنه أوسع لكم. فأخذ الناس بطن
الوادي، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بطريق العقبة، فيما يسوق حذيفة بن اليمان ناقة
النبي (صلى الله عليه وآله).
ويقودها عمار بن ياسر، فبينما هم يسيرون إذ التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
خلفه، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرسانا متلثمين، لحقوا به من ورائه، لينفروا به
ناقته، وهم يتخافتون، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاح بهم، وأمر حذيفة أن يضرب
وجوه رواحلهم. قائلا: اضرب وجوه رواحلهم.
فأرعبهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصياحه بهم إرعابا شديدا، وعرفوا بأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم بمكرهم ومؤامرتهم، فأسرعوا تاركين العقبة حتى خالطوا
الناس.
يقول حذيفة فعرفتهم برواحلهم وذكرتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقلت: يا رسول
الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم؟
فأجابه رسول الله في لحن ملؤه الحنان والعاطفة: إن الله أمرني أن أعرض
عنهم، وأكره أن يقول الناس، أنه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه،
فاستجابوا له، فقاتل بهم، حتى ظهر على عدوه، ثم أقبل فقتلهم، ولكن دعهم يا
حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد " (1). ووفق رواية حذيفة بن اليمان فإن في هؤلاء
الرجال أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (2).



(1) المغازي النبوية 3 / 1042 - 1045، مجمع البيان 3 / 46، إمتاع الأسماع 1 / 477.
(2) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 255.
134
حذيفة وحديثه المر
ذكر حذيفة بن اليمان العبسي (صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) كما وصفه الخليفة
عمر (1)) محاولة بعض الصحابة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، وذلك بإلقائه من
العقبة (2) في الوادي.
وقد ذكر ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 135 ه‍ هذه الحادثة في كتابه المحلى
قائلا: " وأما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك،
ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان
وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه من العقبة في تبوك،
ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم، وعاذوا بالتوبة، ولم
يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم " (3).
والوليد بن جميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع.
جاء في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (4): الوليد بن جميع وثقه ابن معين،
والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وجاء في كتاب الجرح والتعديل للرازي (5): عن إسحاق بن منصور، عن
يحيى بن معين، أنه قال: الوليد بن جميع ثقة. وذكره ابن حجر العسقلاني في



(1) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة حذيفة.
(2) العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب شديد، لسان العرب لابن منظور
1 / 621.
(3) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225.
(4) ميزان الاعتدال 4 / 337 رقم 9362 طبع دار المعرفة، بيروت.
(5) الجرح والتعديل ج 9 / 8 طبع دار الكتب العلمية بيروت.
135
الإصابة في جملة رواته (1). وذكره ابن كثير في جملة رواته الثقاة (2).
وذكره مسلم في صحيحه في جملة رواته.
ولما كان الحاكم قد أطلع على حديث حذيفة المذكور بواسطة الوليد بن عبد
الله بن جميع، فقد قال: " لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى " (3).
إذن وفق رأي مسلم، والذهبي، وابن معين، والعجلي، وأبي زرعة، وأبي
حاتم، والرازي وابن حجر يكون سند الحديث صحيحا، فهؤلاء يوثقون حذيفة
ابن اليمان، والوليد بن جميع. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة على أبي
بكر وعمر وعثمان إذ قال: ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم فتورع عن
الصلاة عليهم. وكما ذكرنا أن حذيفة صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) وكان عمر يسأل عن
حذيفة إذا مات ميت، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر وإن لم يحضر حذيفة
الصلاة عليه لم يحضر عمر (4).
والسبب الأساسي لحادثة تبوك هو قول النبي (صلى الله عليه وآله) في أثناء الحج في السنة
الثامنة للهجرة: " يا أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه " (5). وقد أخرج الترمذي هذا
الحديث، مرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، ومرة عن زيد بن أرقم. كما أخرج
الحديث ابن سعد وأحمد بن حنبل (6).



(1) الإصابة ج 1 / 454.
(2) البداية والنهاية 4 / 362، 5 / 310، 6 / 225.
(3) المحلى لابن حزم 11 / 225.
(4) الإستيعاب، ابن عبد البر 1 / 278 بهامش الإصابة وأسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية
3 / 143، 144.
(5) الترمذي 5 / 621، صحيح مسلم، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(6) الطبقات الكبرى، ابن سعد، مسند أحمد بن حنبل 5 / 181.
136
والحادثة الثانية التي تسببت في حادثة تبوك هي قول النبي محمد (صلى الله عليه وآله) لعلي
أثناء استخلافه في المدينة: أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي من بعدي (1).
وهذا الحديث نص واضح على الخلافة لا لبس فيه ولا تشكيك. ولقد ذكرنا
في الكتاب عدة أدلة بقول عمر تثبت ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وقول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) بالخلافة يخالفه رغبة معظم رجال قريش الساعين
لقبض السلطة واقتسامها بين قبائل قريش.
ويذكر بأن الذي مات في زمن عمر وحذيفة هو أبو بكر. وقطع ابن حزم
الأندلسي بعدم صلاة حذيفة عليه.
ثم ذكر ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق، بأن حذيفة لم يصل على أبي بكر.
لكنه وضع لفظة فلان بدل اسم أبي بكر، وهذه عادة معروفة مع الشيخين أبي
بكر وعمر. فقد تقدم عمر نفسه إلى حذيفة بطلب الصلاة عليه. فلما رأى عدم
صلاة حذيفة عليه اندهش وتقدمت عيناه، ثم سأل حذيفة: أمن القوم أنا؟ يعني
المنافقين؟
وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وعمر بمعرفة حذيفة بن اليمان بأسماء
المنافقين، فقد قال علي (عليه السلام): ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء
المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما (2).
وحذيفة لم يخبر أحدا بأسماء المنافقين، لكنه لم يصل عليهم!
قال حذيفة: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال لي: يا



(1) سيرة ابن هشام 4 / 163، صحيح البخاري 5 / 24، صحيح مسلم 15 / 173، المستدرك، الحاكم
2 / 337.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 252، أسد الغابة، ابن الأثير، تاريخ دول الإسلام،
شمس الدين الذهبي ص 22.
137
حذيفة إن فلانا قد مات فأشهده.
قال: ثم مضى، إذ كاد أن يخرج من المسجد، التفت إلي فرآني وأنا جالس
فعرف. فرجع إلي فقال: يا حذيفة أنشدك الله أمن القوم أنا؟
قال: قلت: اللهم لا ولن أبرئ أحدا بعدك.
قال: فرأيت عيني عمر جاءتا (1).
أي عرف عمر بعدم رغبة حذيفة بالصلاة على أبي بكر.
وروى ابن عساكر: " دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها،
فقالت: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا،
فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا، حتى دخل على عمر، فقال له: إسمع ما
تقول أمك، فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها، ثم قال أنشدك الله أمنهم أنا؟
قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا (2).
والظاهر أن عمر كان خائفا جدا من هذا الموضوع بحيث سأل عنه حذيفة
وأم سلمة! ولقد وقع حذيفة وأم سلمة في حرج شديد من سؤال عمر الخطير، لهما
وبان هذا الحرج من قولهما: لن أبرئ بعدك أحدا.
وقال نافع بن جبير بن مطعم:
" لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين، الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك
غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلا " (3).



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى 1404 ه‍ - 1984 م، وكان عمر إذا مات
ميت سأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم
يحضر عمر، الإستيعاب، ابن عبد البر الأندلسي 1 / 278 بهامش الإصابة، أسد الغابة، ابن الأثير
1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143.
(2) مختصر تاريخ دمشق 19 / 334.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253.
138
ولقد أضافوا إلى حديث ابن عساكر شيئا لم يكن موجودا في أصله، وهو
ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم؟! ليبعدوا الشبهة عن قريش،
ويضعوها على عاتق الأنصار، كما فعلوا ذلك في مرات عديدة! ومنها السقيفة!
وقال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف،
فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي، حتى أقتل (1).
أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم والأموات، لقتلوه
بسرعة، لذلك لم يخبر بأسمائهم ولكنه كان لا يصلي عليهم وهذه إشارة ذلك.
وعن حذيفة أنه قال: خذوا عنا فإنا لكم ثقة، ثم خذوا عن الذين يأخذون
عنا، فأنهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم. قالوا: لم؟ قال: لأنهم
يأخذون حلو الحديث ويدعون مره، ولا يصلح حلوه إلا بمره (2).
وقال حذيفة: لقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يكون حتى تقوم الساعة، غير
أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (3).
وذكر حذيفة بن اليمان أبا موسى الأشعري في جملة المنافقين، إذ ذكر العالم
الأندلسي ابن عبد البر في الإستيعاب قائلا: " فقد روي فيه لحذيفة كلام، كرهت
ذكره، والله يغفر له " (4).
وروى عبد الصمد بن بشير: " فسم (صلى الله عليه وآله) قبل الموت أنهما سقتاه " (5).
بينما روى جرير بن عبد الحميد الضبي عن الأعمش عن شقيق أبي وائل
قال: قال حذيفة بن اليمان: والله ما في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد أعرف



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 249.
(4) الإستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي ص 372.
(5) بحار الأنوار، المجلسي 6 / 1038.
139
بالمنافقين مني، وأنا أشهد أن أبا موسى الأشعري منافق (1).
وعن حذيفة أنه قال: ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشر فراسخ، إلا أن
يطلع عليكم راكب من ها هنا فينعى لكم عمر (2).
وعن النزال بن سبرة الهلالي: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب
نفس ومراح.
فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك وذكر الحديث وفيه قلنا: فحدثنا
عن حذيفة.
قال: ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات وعلم أسماء المنافقين إن تسألوه
عنها تجدوه بها عالما (3).
اغتيال طالب بن أبي طالب 2 ه‍: لقد أخرجت قريش بني هاشم قهرا إلى
معركة بدر، وهم العباس وعقيل ونوفل بن الحارث وطالب بن أبي طالب. وأراد
بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى
نرجع (4).
وأراد طالب الرجوع مع بني زهرة فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة،
وقالوا: والله لقد عرفنا أن هواكم مع محمد (صلى الله عليه وآله) فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة...
ولم يوجد في القتلى، ولا في الأسرى، ولا فيمن رجع إلى مكة فكان مفقود
الأثر (5).



(1) الإيضاح، الفضل بن شاذان.
(2) تاريخ ابن عساكر 18 / 348.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 252.
(4) السيرة الحلبية 2 / 154، دلائل النبوة 3 / 108.
(5) تاريخ الطبري 2 / 144، سيرة ابن هشام 2 / 271، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 121، تاريخ
الخميس 1 / 375، السيرة النبوية، ابن كثير 2 / 400.
140
وكان طالب قد قال:
يا رب إما يغزون طالب * في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب
وظاهر الأمر إسلام طالب بن أبي طالب فقد قال:
وخير بني هاشم أحمد * رسول الإله إلى العالم (1)
وكانت قريش قد قالت: لا تدعوا أحدا من عدوكم خلفكم (2).
ولما كانت قريش قد ألحت في ضرورة حضور أعدائها من بني هاشم
الحرب، وعدم السماح لأعدائها بالحضور خلف الجبهة، فقد كادوا طالب بن أبي
طالب العائد إلى خلف الجبهة وقتلوه.
ولكي لا يثبت غدرهم، ولا يعرف قاتله، فقد ادعوا اختطاف الجن له (3).
وكلما غدرت قريش بفرد، وخافوا عشيرته، ادعوا ذلك الادعاء الخاوي،
فعندما قتل محمد بن مسلمة (مأمور عمر الخاص) سعد بن عبادة في الشام، ادعت
الدولة قتل الجن له! وأشاعت عائشة ذلك وسطروا شعرا على لسان الجن:
قد قتلنا سيد * الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين * فلم نخطئ فؤاده (4)
ومن الأشخاص الذي قتلوا غدرا بين مكة والمدينة أيضا عبد الرحمن ابن
أبي بكر (5) فكان الثلاثة قد قتلوا غيلة بواسطة الحزب القرشي!



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 14 / 78، تاريخ الخميس، الديار بكري 1 / 375.
(2) مغازي الواقدي 1 / 37.
(3) السيرة الحلبية 1 / 268.
(4) تاريخ الإسلام، الذهبي 3 / 149، أنساب الأشراف، البلاذري، العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي
4 / 247.
(5) الإستيعاب، ابن عبد البر 2 / 393، أسد الغابة 3 / 306.
141
من قتل أبا بكر وابنه بالسم؟
ذكر أبو اليقطان عن سلام بن أبي مطيع، بأن أبا بكر سم، فمات يوم الاثنين
في آخره (1) واليد التي قتلت أبا بهي هي التي قتلت ابنه بعد ذلك.
لمعرفة القاتل في الجنايات، يتبع المحققون نظرية البحث عن المستفيد الأول
من موت الضحية. ظاهر الأمر أن المستفيد الأول من موته كان عمر بن الخطاب.
فقد حل في منصبه! وعن مستوى علاقتهما قال عبد الله بن عمر: إنهما اختلفا (2).
والنصوص تؤيد اختلافهما إذ قال عمر " كان أبو بكر أعق، وهو أحسد
قريش كلها، وقال عمر لابنه: أفي غفلة أنت من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه
لي (3) ونحن لا نقول بأن القاتل عمر بل نطرح النصوص كي يصل القارئ إلى
النتيجة. وقال: وا لهفاه على ضئيل بني تيم لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما.
وقال: لم يخرج إلي منها (الخلافة) إلا بعد يأس منها.
وقال عمر أيضا: والله لو أطعت زيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ (أبو
بكر) من حلاوتها (الخلافة) بشئ أبدا (4). وظاهر الأمر أن الصراع بينهما كان على
أشده، لذا هدد عمر أبا بكر قائلا: أما والله لتكفن، أو لأقولن كلمة بالغة بي وبك في
الناس، تحملها الركبان حيث ساروا (5) وقال عمر: إن بيعة أبي بكر فلتة (6).



(1) المعارف، ابن قتيبة ص 283، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 250.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29، طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري.
(5) المصدر السابق.
(6) مسند أحمد بن حنبل 1 / 55، تاريخ الطبري 2 / 446.
142
والمستفيد الثاني من قتل أبي بكر كان عثمان بن عفان الأموي، الذي تولى
السلطة بعد عمر.
وقد زاد عمر في امتيازات الأمويين بتعيين ولاة آخرين منهم مثل سعيد بن
العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وزاد في امتيازات أم حبيبة بنت أبي سفيان
كما ذكرنا، ورفع منزلة أبي سفيان ومعاوية في العطاء إلى منزلة مقاتلي بدر من
المهاجرين مفضلا إياهم على الأنصار قاطبة (1).
وقد قتل معاوية الأموي عبد الرحمن بن أبي بكر في ظروف غامضة أيضا
للهروب من تبعه إراقة دمه، ولكن دلائل قتله لعبد الرحمن كانت واضحة (2).
ومن المؤكد اشتراك أفراد بني أمية في قيادة عملية قتل أبي بكر، ليكون أبو
بكر أول ضحية يموت بسم بني أمية، ويتبعه ابن عوف، وعبد الرحمن بن أبي بكر،
والحسن بن علي (عليه السلام)، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص،
ومالك الأشتر ومعاوية الثاني، وعبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز وعشرات
غيرهم (3) تحت ظل نظرية معاوية القائلة: لله جنود من عسل (لوضع الأمويين
السم في العسل). والملفت للنظر في وصية أبي بكر لعمر، إنها كانت بخط عثمان،
وليست بخط أبي بكر، وكان عثمان الشخص الوحيد الذي حضر وصية أبي بكر
عند احتضاره (4)، وهذا الشئ مخالف للأعراف من حضور الأهل والأصدقاء عند
الوصية، خاصة إذا كان المحتضر خليفة المسلمين.
وذكر الطبري في تاريخه حادثة مقتل أبي بكر قائلا: " وحدثني أبو زيد عن



(1) الإستيعاب 3 / 471، المعارف، ابن قتيبة 345، تاريخ الطبري 3 / 311، سيرة ابن هشام 1 / 385.
(2) تاريخ أبي زرعة ص 298، مروج الذهب 2 / 139، تاريخ اليعقوبي 2 / 139.
(3) راجع مروج الذهب 2 / 139، تاريخ اليعقوبي 2 / 139، أنساب الأشراف 1 / 404، مستدرك الحاكم
3 / 476، الإصابة، ابن حجر 3 / 384، أسد الغابة 3 / 440.
(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 425.
143
علي بن محمد بإسناده الذي مضى ذكره قالوا: توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث
وستين سنة في جمادي الآخرة يوم الاثنين، لثمان بقين منه، قالوا: وكان سبب وفاته
أن اليهود سمته في أرزة، ويقال في جذيذة، وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم
كف، وقال لأبي بكر أكلت طعاما مسموما سم سنة، فمات بعد سنة، ومرض
خمسة عشر يوما، فقيل له لو أرسلت إلى الطبيب، فقال: قد رآني! قالوا: فما قال
لك؟ قال: إني أفعل ما أشاء، قال (أبو جعفر): ومات عتاب بن أسيد بمكة في اليوم
الذي مات فيه أبو بكر (1). (والحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي، طبيب العرب) (2).
وذكر الليث بن سعد عن الزهري قال: أهدي لأبي بكر طعام، وعنده
الحارث بن كلدة، فأكلا منه، فقال الحرث: أكلنا سم سنة، وإني وإياك لميتان عند
رأس الحول! فماتا جميعا في يوم واحد عند انقضاء السنة (3).
وأود أن أقول إن أبا سفيان المتخصص في الاغتيالات والذي أرسل رجلا
لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) (4) كان يعيش في المدينة إلى جنب عثمان وعمر.
وكان معاوية في المدينة أيضا وهو صاحب النظرية المشهورة لله جنود من
عسل (5). وبسبب اقتضاء المصلحة السياسية فقد أخر عمر دفن رسول الله ليومي
الاثنين والثلاثاء، وقال بعض ثلاثة أيام! (6) ومع أبي بكر اقتضت المصلحة



(1) العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 6 / 292، تاريخ الطبري 2 / 611، طبعة مؤسسة الأعلمي
بيروت، المعارف، ابن قتيبة ص 283.
(2) أسد الغابة 2 / 413، تهذيب ابن عساكر، البداية والنهاية 10 / 137، العقد الفريد 5 / 5، 6 / 318، وله
محاورة جيدة مع ملك فارس انوشيروان 6 / 387.
(3) العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 4 / 250، طبقات ابن سعد 3 / 198، مروج الذهب، المسعودي
2 / 301.
(4) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 334.
(5) مختصر تاريخ ابن عساكر 24 / 24.
(6) تاريخ الطبري 2 / 442، 443، تاريخ ابن الوردي 1 / 130.
144
السياسية أن يدفنه عمر في نفس ليلة وفاته (الثلاثاء) قبل أن يصبح
الناس (1) فلم يشاركوا في مراسم دفنه!
والمثير للشكوك أن عثمان بن عفان المدعي لكتابة وصية أبي بكر ولوحده!
هو نفسه الذي أذاع الوصية على الناس. ولو وصل غير عثمان إلى الخلافة بعد عمر،
لتبخرت شكوك الناس، فكيف تكون الحالة بوصول عثمان إلى السلطة بعد عمر بن
الخطاب وبأمر منه! والذي يزيد الأمر ريبة ما قاله عثمان أمام الناس عند قراءته
وصية أبي بكر: " هذا عهد أبي بكر، فإن تقروا به نقرأه، وإن تنكروه نرجعه! " (2)
وهذا شاهد على عدم تصديق الناس لوصية أبي بكر المكتوبة بخط عثمان ودون
شاهد.
ولو لاحظنا هذه الأمور وجمعناها مع حالة العداء والخصام بين أبي بكر
وعمر، ورغبة أبي بكر في عزله عن الخلافة، تكون القضية واضحة أكثر، إذ قال
أبو بكر: الخيرة له (عمر) ألا يلي من أموركم شيئا (3).
موت صحابة في ظروف خطيرة ومشكوكة
ما يثير الانتباه أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والخمسة الذين حكموا بعده قد اغتالتهم
يد السياسة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن (عليهما السلام).
ولقد قتل بعض المسلمين الأوائل في ظروف خطيرة تحتاج إلى تأمل في
أسبابها، إذ لم يحدث مثل هذا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، فلقد قتل الكثير من الصحابة في
الشام في زمن حكم يزيد ومعاوية (واليا وملكا)، والأمويون معروفون بقتل



(1) تاريخ الطبري 3 / 622، تاريخ أبي زرعة الدمشقي 34، تاريخ أبي الفداء 1 / 222.
(2) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 253.
(3) تاريخ الطبري 2 / 618.
145
أعدائهم بالسم كحلفائهم اليهود. وهذه قائمة بأسماء المشهورين منهم:
فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) 11 ه‍: تم اغتيال فاطمة الزهراء (عليها السلام) المتمتعة بتأثير
اجتماعي كبير. وتمت العلمية بطريقة فنية للغاية، إذا كان هدف الهجوم المعلن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) والنتيجة اغتيال فاطمة (عليها السلام) (1).
سعد بن عبادة زعيم الخزرج 14 ه‍: وهو الذي خالف بيعة أبي بكر وعمر
فنفاه عمر إلى الشام وأمر محمد بن مسلمة بقتله قائلا: " ادعه إلى البيعة واحتل له،
فإن أبى فاستعن الله عليه... فرماه بسهم فقتله " (2).
شرحبيل بن حسنة 18 ه‍: وهو من الموالين لأبي بكر والمعروفين في
فتوحات العراق وهو من المجموعة المتعرضة إلى عزل سياسي ودعاء عمر عليها
وموت مفاجئ زمن ولاية معاوية على الشام (3).
أصحاب بلال 18 ه‍: أصاب الناس فتحا بالشام فيهم بلال، وأظنه ذكر
معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، إن هذا الفئ الذي أصبنا لك
خمسه، ولنا ما بقي ليس لأحد منه شئ، كما صنع النبي (صلى الله عليه وآله) بخيبر، فكتب عمر (رضي الله عنه)
أنه ليس على ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب، وراجعهم،
يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر (رضي الله عنه) فدعا عليهم، فقال: اللهم اكفني بلالا
وأصحاب بلال. قال: فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعا (4).
فالظاهر أن عمر يدعو ويرغب ومعاوية ينفذ ذلك! فحول الأمويون الشام
مقبرة لأعداء عمر وأعدائهم.



(1) تاريخ أبي الفداء 1 / 156، المطبعة الحسينية بمصر، العقد الفريد 4 / 359، تاريخ الطبري 3 / 198.
(2) أنساب الأشراف، البلاذري، العقد الفريد، ابن عبد ربة 4 / 247، السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد
المقصود ص 13.
(3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 10 / 290، أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 513.
(4) سنن البيهقي 9 / 128.
146
وقد مات بلال بن رباح في الشام سنة ثماني عشرة، ومات معاذ بن جبل في
قصير الأردن الشام في نفس السنة وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة (1). ومات أبو
عبيدة بن الجراح بفحل الأردن (2).
لما اشتد الصراع بين عمر وابن الجراح أثر عزل ابن الجراح عن الخلافة
وامتناع عمر عن دخول الشام، قال ابن عوف: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا سمعتم بهذا
الوباء ببلد فلا تقدموا عليه، وإذا وقع ببلد وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه،
فانصرف عمر بالناس إلى المدينة. وقد ذكر هذه الرواية البخاري ومسلم.
وآثار الوضع على هذه الرواية واضح، إذ لم يسمع بها ابن الجراح وأتباعه
وأهل الشام، ولم يسمع بها عمر والوفد المرافق له!! كما إنها مخالفة للعقل والمنطق
إذ لا يوجد سبب عقلائي يوجب به النبي (صلى الله عليه وآله) على الناس البقاء في بلد يهلكه
الطاعون!
فتمكن ابن عوف بهذا الحديث من إنقاذ عمر وردع ابن الجراح المعزول عن
الخلافة. وخلع ابن الجراح يصب في صالح عثمان وابن عوف لأنه المنافس الأول لهما
داخل الحزب القرشي، ولقد قال عمر في وصف ابن عوف بأنه فرعون هذه
الأمة (3) ثم جعل انتخاب الخليفة في يده.
ولما عاد عمر من الشام خلع أبا عبيدة بن الجراح من ولاية الشام وعين
معاوية بدلا عنه (4) ثم مات أبو عبيدة في نفس السنة في فحل في الأردن معزولا عن
الخلافة والولاية!
وكان أبو عبيدة قد تنحى عن عمر وجماعته، وهم في طريقهم إلى الحج،



(1) أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 245، 1 / 197.
(2) تاريخ أبي زرعة ص 301.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 24.
(4) تاريخ الطبري 3 / 165 طبعة الأعلمي بيروت.
147
فرارا من غنائهم! إذ أخرج البيهقي عن خوات بن جبير، قال: خرجنا حجاجا مع
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، قال: فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وعبد
الرحمن بن عوف (رضي الله عنه)، فقال القوم: غننا يا خوات فغناهم، فقالوا: غننا من شعر
ضرار، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات فقد أسحرنا.
فقال أبو عبيدة (رضي الله عنه): هلم إلى رجل، أرجو أن لا يكون شرا من عمر (رضي الله عنه)،
قال: فتنحيت وأبو عبيدة، فما زلنا كذلك، حتى صلينا الفجر (1).
وأصبح أبو يعلى بن عمر بن الجراح ابن أخي عبيدة بن الجراح معارضا
للحزب القرشي فجعله الإمام علي (عليه السلام) على مقدمته في معركة الجمل (2).
خالد بن الوليد 21 ه‍: كان من الموالين لأبي بكر والمعادين لعمر، فعزله
عمر وأخذ نصف ماله، فمات في الشام أثناء ولاية معاوية لها في ظروف مشكوكة
مع من قتلوا هناك (3).
عبد الله بن مسعود 32 ه‍: وهو من الصحابة المخالفين لفكر قريش في
كتمان الحديث النبوي فتعرض للسجن في المدينة زمن عمر، وعارض عثمان في
دفعه أموال المسلمين لأفراد بني أمية واستقال من وظيفته كأمين لبيت مال
المسلمين في الكوفة، وهي أول استقاله في الإسلام فاعتبرها عثمان ضربه له فقطع
راتبه وضربه في المسجد بواسطة ابن زمعة فكسر ضلعه، فقال ابن مسعود: " قتلني
ابن زمعة الكافر بأمر عثمان " وابن مسعود ثالث شخص بعد عمار وفاطمة (عليها السلام)
يكسر ضلعه من الصحابة.
ولما وصل ابن مسعود المدينة قال عثمان: أيها الناس إنه طرقكم الليلة دويبة
من تمر على طعامه تقئ وتسلح.



(1) السنن الكبرى، البيهقي 5 / 69.
(2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 204.
(3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 8 / 26.
148
وقال ابن مسعود: ليتني وعثمان برمل عالج يحثو علي وأحثو عليه حتى يموت
الأعجز مني ومنه.
وقد أوصى ابن مسعود إلى عمار بن ياسر بأن يصلي عليه ويدفنه ولا يعلم
عثمان بذلك مثلما فعلت فاطمة (عليها السلام) مع أبي بكر وعمر (1).
عثمان بن عفان 35 ه‍: أعطى أموال المسلمين لأفراد بني أمية وتسبب في
مقتل أبي ذر وابن مسعود فبغضه المسلمون، وأفتت عائشة بقتله: اقتلوا نعثلا لقد
كفر، وقطع طلحة التيمي الماء عنه، وأرسل اثنين من عبيده لقتله وساند ثوار
العراق ومصر والصحابة عائلة أبي بكر في مسعاهم لقتل عثمان فذبحوه، وهو أول
سلطان مسلم يقتل بثورة شعبية (2).
الزبير بن العوام 36 ه‍: فر من معركة الجمل بعد أن جمع المسلمين في
ساحة الحرب وعندما ذكره علي (عليه السلام) بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله): " ستحارب عليا (عليه السلام)
وأنت له ظالم " واغتاله ابن جرموز أثناء فراره من أرض المعركة (3).
مالك الأشتر 38 ه‍: لقد قال معاوية بعد قتله مالك الأشتر في الشام
بالسم: إن لله جنودا من عسل! فاعترف بقتله لمالك وكان علي (عليه السلام) قد عين مالكا
واليا على الشام فخافه معاوية لقدرته الشخصية العالية وأغرى دهقانا فاغتاله
بالسم (4).
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) 40 ه‍: اغتاله ابن ملجم أثناء سجوده في



(1) أسد الغابة 3 / 390، الأنساب، البلاذري، تاريخ ابن كثير 7 / 163، الشافعي 4 / 279 - 280.
(2) تاريخ الطبري، حوادث سنة 34 - 35 هجرية، الكامل في التاريخ، حوادث سنة 24 - 35 هجرية،
تاريخ اليعقوبي 2 / 162 - 177، مروج الذهب، المسعودي 331 - 348.
(3) أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 252، تاريخ الطبري، حوادث سنة 36 ه‍.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 24 / 24، مروج الذهب، المسعودي 2 / 410، الكامل في التاريخ، ابن
الأثير 3 / 353.
149
صلاة الصبح في مسجد الكوفة فقال (عليه السلام): فزت ورب الكعبة. وكان (صلى الله عليه وآله) قد قال
لعلي: يقتلك أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان (1).
زياد بن أبيه 54 ه‍: قال قبيصة بن جابر بعثني زياد بن أبيه إلى معاوية فلما
فرغت من أموري قلت: يا أمير المؤمنين لمن يكون الأمر من بعدك؟ فسكت ساعة
ثم قال: يكون بين جماعة إما كريم قريش سعيد بن العاص، وإما فتى قريش حياء
ودهاء وسخاء عبد الله بن عامر، وإما الحسن بن علي فرجل سيد كريم و... ثم
تولى زياد ولاية الكوفة والبصرة والحجاز وهيأ نفسه لخلافة معاوية باعتباره ابن
أبي سفيان! فأخذ معه أشراف العراق إلى الشام وقال ابن حنيق العبادي:
قد علمت ضامرة الجياد * أن الأمير بعده زياد
فلم يصل زياد إلى معاوية حتى أتاه الخبر وما قاله ابن حنيق وإقرار زياد
قذلك فأهانه في مجلسه وقال هذه الخلافة لا تكون لمنافق ولا لمن صلى خلف
منافق يعرض بزياد حتى عرف زياد وقام الناس، ثم قتل زياد! (2)
عبد الله بن عامر 58 ه‍: وكان واليا على البصرة لمعاوية وقبل موته بقليل
تم طلاقه من هند بنت معاوية ثم مات في أيام سعي معاوية لتنصيب يزيد خليفة
له! (3)
سعيد بن العاص 58 ه‍: ولد سعيد في عام الهجرة فكان عمره يوم وفاته
58 سنة ومات فجأة في أيام سعي معاوية للقضاء على منافسي يزيد من
القرشيين! (4) وكان معاوية قد قال ليزيد قبل موته: " يا بني إني قد كفيتك الرحلة



(1) أسد الغابة 4 / 116، تاريخ دمشق، ترجمة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(2) تاريخ دمشق، ابن عساكر 9 / 84، 85، تاريخ الطبري 4 / 214.
(3) البداية والنهاية 8 / 92، 8 / 95.
(4) الإستيعاب على هامش الإصابة 2 / 9، أسد الغابة 2 / 310، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 92.
150
والرجال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق
العرب "، وقال: " لست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة الحسين وابن عمر
وابن الزبير " وقال: كفيتك الأعداء.
ووطأت لك يا بني البلاد وذللت لك رقاب العرب الصعاب " (1).
عبد الرحمن بن أبي بكر 58 ه‍:
وقتل عبد الرحمن بين مكة والمدينة، مثلما قتل طالب بن أبي طالب بين مكة
والمدينة (2).
ومثلما قتل معاوية الأشتر وهو في طريقه إلى مصر (3).
وقتل عبد الرحمن بعد أن رد رشوة معاوية له ليبايع يزيد، ومقدارها مائة
ألف درهم، قائلا: أبيع ديني بدنياي، أهرقلية، كلما مات هرقل جاء هرقل، فقال
مروان هذا الذي أنزل الله تعالى فيه: {والذي قال لوالديه أف لكما}.
فقالت عائشة: كذبت والله ما هو به، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن أبا مروان
ومروان في صلبه (4).
فمات عبد الرحمن فجأة قبل وصوله مكة وقبل بيعة يزيد (5).
ولم يحفظ معاوية لأبي بكر معروفه، فبينما نصب أبو بكر اثنين من أخوته
ولاة (يزيد وعتبة) في الشام والطائف، قتل هو اثنين من أبنائه في مصر والحجاز!
ذكر أبو زرعة الدمشقي: ثم توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بعد منصرف معاوية من



(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 123، تاريخ الطبري 6 / 179، فتوح ابن أعثم 4 / 259.
(2) تاريخ الطبري، معركة بدر، تاريخ ابن الأثير، معركة بدر.
(3) مروج الذهب، ط. بيروت 2 / 139، اليعقوبي 2 / 139.
(4) تاريخ ابن الأثير 3 / 199، حوادث سنة 56 ه‍، والأغاني 16 / 90 - 91.
(5) الإستيعاب، ابن عبد البر 2 / 393، أسد الغابة 3 / 306.
151
المدينة، في قدمته التي قدم فيها لأخذ البيعة من عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير،
وعبد الرحمن بن أبي بكر (1).
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 58 ه‍: وكان معاوية قد سأل أهل الشام
لما أراد البيعة ليزيد: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ودنا أجله وقد أراد أن يولي
الأمر رجلا من بعده فماذا ترون؟ قالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد فسكت
معاوية وأضمرها في نفسه ثم إن عبد الرحمن اشتكى فدعا معاوية ابن أثال الطبيب
وكان من عظماء الروم فقال ائت عبد الرحمن، فأتاه فسقاه شربة انحرف منها عبد
الرحمن ومات. فقال معاوية: " لا جد إلا ما أنفض عنك ما تكره " (2).
سعد بن أبي وقاص 58 ه‍: وقد قتله معاوية بالسم قبل بيعته ليزيد
بالخلافة خاصة وأن سعدا كان قد قال لمعاوية: أنا أحق بهذا المنصب منك (3).
الحسن بن علي (عليه السلام) 49 ه‍: وقتل معاوية الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) بالسم
أيضا بواسطة زوجته، جعدة بنت الأشعث. روى أبو الفرج الأصفهاني: وأراد
معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي، وسعد
بن أبي وقاص، فدس إليهما سما فماتا به. واعترف معاوية بذلك قائلا: عجبت
للحسن شرب عسلا بما رومة فمات (4).
طلحة بن عبد الله 36 ه‍: وقتل مروان بن الحكم طلحة غدرا في معركة



(1) تاريخ أبي زرعة الدمشقي ص 298 ح 1668، مروج الذهب، المسعودي 2 / 139، تاريخ
اليعقوبي 2 / 139.
(2) أسد الغابة لابن الأثير 3 / 440، الإستيعاب، ابن عبد البر ص 830، نسب قريش ص 327، تاريخ
دمشق، ابن عساكر 13 / 244، المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب المتوفى سنة 245 ه‍.
(3) مقاتل الطالبين، أبو الفرج الأصفهاني ص 47، ص 48.
(4) مقاتل الطالبين ص 43، أنساب الأشراف 1 / 404، مستدرك الحاكم 3 / 476، تذكره الخواص، ابن
الجوزي 211 ط. الغري، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 58 - 60.
152
الجمل أثناء فراره من أرض المعركة (1).
محمد بن مسلمة 43 ه‍: قال ابن أبي داود: قتله أهل الشام، وكذا قال
يعقوب بن سفيان في تاريخه: دخل عليه رجل من أهل الشام، ومن أهل الأردن
وهو في داره فقتله (2).
وقد جاء أيضا: " قدم معاوية ومعه أهل الشام، فبلغ رجلا شقيا من أهل
الأردن جلوس محمد بن مسلمة عن علي ومعاوية، فاقتحم عليه المنزل
فقتله " (3). وأحرق عمر قصر سعد بن أبي وقاص (قائد القادسية)، وقتل سعد بن
أبي عبادة (زعيم الخزرج) بواسطة ابن مسلمة (4).
وقد يكون قتل معاوية لمحمد بن مسلمة نابعا من محاولة معاوية دفن
الأسرار الخطيرة الموجودة عنده، والانتقام منه لعدم مشاركته له في حروبه مع
علي (عليه السلام) إذ تولى معاوية الحكم في سنة إحدى وأربعين هجرية، وقتله في سنة
ثلاث وأربعين هجرية. ومن هذه الأسرار مقتل أعمدة الصحابة في ذلك الزمن.
وتأخذنا الدهشة لو علمنا بأن عمر محمد بن مسلمة يوم صرع كان سبعا
وسبعين سنة، إذن لو لم يكن القاتل مضطرا لقتله هذا لما فعله.
محمد بن أبي حذيفة الأموي 36 ه‍: وخدع معاوية محمد بن أبي حذيفة،
حتى خرج إلى العريش في ثلاثين نفسا، فحاصره ونصب عليه المنجنيق حتى نزل
على صلح، فحبس ثم فر فأدرك فقتل (5).



(1) المعارف، ابن قتيبة ص 229.
(2) الإصابة لابن حجر 3 / 384، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 23 / 215، طبقات ابن
سعد.
(3) سير أعلام النبلاء 2 / 373، تاريخ الإسلام للذهبي 4 / 115.
(4) الإصابة، ابن حجر العسقلاني 3 / 384، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 112.
(5) الإصابة لابن حجر 3 / 374، تاريخ دمشق، ابن عساكر 22 / 85 - 87.
153
عبد الرحمن بن عوف 32 ه‍: ويذكر أنه مع وصول الحزب الأموي إلى
السلطة كثرت عمليات الاغتيال والسطو على بيت المال. فلقد قتل عبد الرحمن بن
عوف بالسم، كما قال ابنه، بعد أن اشتدت العداوة بينه وبين عثمان. وذكر ابن قتيبة:
وكان عثمان بن عفان مهاجرا لعبد الرحمن بن عوف حتى ماتا وذكر ابن كثير في
تفسيره حالة المخاصمة والعداء بين عثمان وابن عوف (1).
وقد دعا ابن عوف لحمل السلاح على عثمان وقد روى ذلك الواقدي في
قضية موت أبي ذر في الربذة.
أبو ذر الغفاري 32 ه‍: جاء في تاريخ دمشق: تناجى أبو ذر وعثمان حتى
ارتفعت أصواتهما... وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة. وبلغت السطوة الأموية
حدا، لم يمكن معه سماع صوت معارض لها، فأخرج مهانا من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)
وفي سفرة تعبة إلى صحراء الربذة فمات هناك، وغضب عثمان على ابن مسعود لدفنه
أبا ذر! (2)
اغتيال عائشة أم المؤمنين 58 ه‍: في زيارة معاوية للمدينة لأخذ البيعة
لابنه يزيد أمر بقتل عبد الرحمن بن أبي بكر وأخته عائشة بنت أبي بكر. وقد قتل
الاثنين غيلة إذ قتل عبد الرحمن بالسم وقيل بدفنه حيا، وقد يكون معاوية قد
استخدم الوسيلتين معا أي سمه ودفنه فدفنوه حيا.
وقتل معاوية عائشة بحفر بئر لها، وغطى فتحة ذلك البئر عن الأنظار (3).
وكانت عائشة قد ثارت على قتل معاوية لأخيها عبد الرحمن وتخاصمت



(1) المعارف، ابن قتيبة ص 550، تفسير ابن كثير 1 / 657، تاريخ دمشق ترجمة عبد الرحمن بن عوف.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 28 / 301، توفي عبد الرحمن بن عوف لسبع سنين خلت من
خلافة عثمان، تاريخ أبي زرعة ص 111، أسد الغابة 1 / 359، تاريخ دمشق، ترجمة أبي ذر، تاريخ
أبي الفداء 1 / 333.
(3) كتاب حبيب السير، غياث الدين بن همام الدين الحسيني ص 425.
154
علنا مع مروان بن الحكم والي معاوية على المدينة فألحقها معاوية بأخويها
عبد الرحمن ومحمد في سنة 58 هجرية وكانت العداوة بينها وبين بني أمية قد بلغت
ذروتها، لكنهم أضعفوها بقتلهم لأبي بكر وابنيه محمد وعبد الرحمن وطلحة. وقال
ابن كثير في البداية والنهاية بأن الأمويين قتلوا عائشة وعبد الرحمن في سنة
واحدة.
معاوية بن يزيد بن معاوية 64 ه‍: وهو أول خليفة مسلم يطالب
بإرجاع الخلافة إلى أهل البيت (عليهم السلام) ويستقيل من منصبه، مما دفع الأمويين إلى
قتله بالسم ودفن أستاذه (عمر المقصوص) حيا.
وقد قال معاوية الثاني في خطبته استقالته من الخلافة " إن جدي
معاوية (رضي الله عنه) قد نازع في هذا الأمر من كان أولى منه ومن غيره لقرابته من رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وعظم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدرا وأشجعهم قلبا وأكثرهم
علما وأولهم إيمانا وأشرفهم منزلة وأقدمهم صحبة، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصهره
وأخوه، وزوجه (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وجعله لها بعلا باختياره لها وجعلها له زوجة
باختيارها له، أبو سبطيه سيدي شباب أهل الجنة، وأفضل هذه الأمة، تربية
الرسول وابني فاطمة البتول من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية، فركب جدي منه
ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى انتظمت لجدي الأمور " (1).
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان 64 ه‍: وهو ثاني ولي عهد بعد عبد الرحمن
بن عوف يتعرض للاغتيال، إذ صلى على جنازة معاوية بن يزيد على أن يلي الحكم
من بعده، فدس مروان بن الحكم إليه من اغتاله في الصلاة فسقط ميتا (2).
مروان بن الحكم 65 ه‍: قاد عمليات الاغتيال في المدينة لقتل أبي ذر وابن



(1) حياة الحيوان الكبرى، الدميري 2 / 89، مروج الذهب، المسعودي 3 / 72 - 73، تاريخ الخلفاء،
السيوطي ص 246، البداية والنهاية 8 / 261.
(2) مروج الذهب، المسعودي 3 / 73.
155
مسعود وابن عوف ومحمد بن أبي بكر وغيرهم، ثم اغتال بنفسه طلحة بن عبيد الله
أثناء فراره من معركة الجمل! وفي زمن حكم يزيد بن معاوية طالب والي المدينة
باغتيال الحسين بن علي (عليه السلام)! ثم اغتال معاوية بن يزيد بن معاوية والوليد بن عتبة
بن أبي سفيان، فانتقمت منه زوجته أي والدة معاوية بن يزيد فخنقته! فذهب
ضحية عمليات الاغتيال التي قادها. وكان مع معاوية بن أبي سفيان زعيما لأعمال
الاغتيال الحكومية (1).
عبد الله بن عمر 74 ه‍: " إن الحجاج حج مع عبد الله بن عمر، فأمره عبد
الملك بن مروان أن يقتدي بابن عمر، فكان ابن عمر يتقدم الحجاج في المواقف
بعرفة وغيرها، فكان ذلك يشق على الحجاج فأمر رجلا معه حربة مسمومة،
فلصق بابن عمر عند دفع الناس، فوضع الحربة على ظهر قدمه، فمرض منها أياما،
فأتاه الحجاج يعوده، فقال له: من فعل بك؟ قال: وما تصنع؟ قال: قتلني الله إن لم
أقتله، قال: ما أراك فاعلا! أنت أمرت الذي نخسني بالحربة... ولبث أياما،
ومات وصلى عليه الحجاج! (2)
علي بن الحسين (عليه السلام) 95 ه‍: وهو الذي نجا بأعجوبة من مذبحة كربلاء التي
افتعلها الأمويون ض الحسين، وقد نقله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى
الشام مقيدا بالأغلال دون ذنب ثم قتله الوليد بن عبد الملك بن مروان، نقل ابن
شهاب الزهري أن الوليد قال له: لا راحة لي وعلي بن الحسين موجود في دار
الدنيا (3).
عمر بن عبد العزيز الأموي 101 ه‍: بدأ بإصلاحات كثيرة في جهاز



(1) أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 144 - 146، المعارف، ابن قتيبة ص 354، مروج الذهب، المسعودي
2 / 69، أسماء المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 174، حياة الحيوان الكبرى ص 89.
(2) أسد الغابة 3 / 344.
(3) تاريخ دمشق ترجمة علي بن الحسين (عليه السلام).
156
الدولة الأموية فمنع من لعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وردع الأمويين عن انحرافاتهم،
فقتله بنو مروان بواسطة حاضنه وأعطوه ألف دينار على أن يسمه، فلما أحس عمر
من نفسه دعا الخادم فسأله فأقر (1).
محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) 118 ه‍: وهو الباقر من أهل بيت النبوة (عليهم السلام)
وقد اغتاله هشام بن عبد الملك بالسم.
محاولة اليهود اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله): اهتم اليهود بعمليات الاغتيال اهتماما بالغا
إلى درجة اتهامهم النبي موسى (عليه السلام) بقتل هارون (2) بالسم (3) وعند وصول النبي
محمد (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، حاولت طوائف اليهود المختلفة اغتياله وخطط يهود بني
النضير لإلقاء صخرة عليه أثناء زيارته لهم، فأخبره الله تعالى بذلك في السنة
الرابعة للهجرة (4).
وبعد معركة خيبر أهدت للنبي (صلى الله عليه وآله) زينب بنت الحارث امرأة سلام بن
مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل
لها الذراع فأكثرت فيها السم، فسمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين
يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر
بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله)... ثم دعا بها
فاعترفت... فمات بشر بن البراء من أكلته التي أكل (5).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأخت بشر عند موته: هذا أوان وجدت انقطاع أبهري من



(1) سمة في سيرة عمر ص 276، المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 181، تاريخ
اليعقوبي 2 / 308.
(2) السيرة الحلبية 3 / 122.
(3) السيرة الحلبية 2 / 187.
(4) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 354، تاريخ الطبري 2 / 224.
(5) تاريخ الطبري 2 / 303.
157
الأكلة التي أكلتها مع أخيك (1).
وهذا النص يبين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم، ولكنه غير سم خيبر لأنه مات
في سنة 11 هجرية وحادثة خيبر كانت في سنة 7 هجرية إذن هناك من سقى
النبي (صلى الله عليه وآله) سما في ذلك التاريخ!
محاولة قريش اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله): اهتم الكثير من الناس بعمليات الاغتيال
وحققوا في وسائل إخفائها وسترها وأول من اغتال في هذه الدنيا هو قابيل يوم قتل
هابيل متسببا في مصرع نصف العالم بعملية اغتيال واحدة.
ووصلت عمليات الاغتيال في عصرنا الحاضر مرحلة خطيرة تتمثل في
زرق الضحايا بفيروسات أمراض قاتلة، وبطرق فنية ماهرة.
ومن محاولات قريش الكثيرة لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أرسل أبو سفيان
رجلا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره الله تعالى (2). وأرسل صفوان بن أمية رجلا (عميرة
بن وهب) لقتله فأخبره الله تعالى، وبعد هجرة المسلمين إلى يثرب اتفقت قبائل
قريش على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهجوم على بيته ليلا، فأطلع الله تعالى رسوله
بالخبر فهاجر النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي بكر إلى المدينة، ونام علي (عليه السلام) على فراشه (3).
وفي معركة حنين أراد البعض من الطلقاء اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يفلحوا منهم
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، وكان ابونه؟؟ قد قتله علي في معركة
أحد ومنهم ابن أبي خيثمة (4). وروى عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قائلا: " فسم (صلى الله عليه وآله) قبل الموت أنهما (عائشة وحفصة) سقتاه " (5). ومن الاغتيالات



(1) المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 148.
(2) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 334.
(3) تاريخ الطبري 2 / 99، 100.
(4) تاريخ الخميس 2 / 103، 104.
(5) بحار الأنوار، المجلسي 6 / 1038، باب وفاته وغسله والصلاة عليه ودفنه (صلى الله عليه وآله).
158
قتل فرس اليمن المسلمين الأسود العنسي الكذاب وساعدتهم زوجته الفارسية
المسلمة (1). ومن الاغتيالات محاولة البرك وعمرو بن بكير الخارجيان قتل
معاوية وابن العاص ففشلا (2). ومن الاغتيالات قتل خالد بن الوليد مالك بن
نويرة وأصحابه بسبب زوجته الجميلة! (3) ومن الاغتيالات الجماعية قتل جيش
عائشة في البصرة سبعين مسلما من حرس بيت المال أثناء اتفاق الصلح مع ابن
حنيف والي علي (عليه السلام) على البصرة (4). والاغتيالات كانت وما تزال وسيلة مهمة
وخطيرة عند الحكومات والأحزاب والأفراد للوصول إلى أهدافها، فلقد قتل
فلسطيني روبرت كندي (رئيس أمريكا) تعبيرا عن سخطه في سياسة أمريكا تجاه
فلسطين. واغتالت حكومة الجزائر آلاف الأبرياء من مواطنيها لتشويه سمعه
الإسلاميين. واغتالت بريطانيا وفرنسا الأميرة الإنجليزية (ديانا) لمنع زواجها من
عماد محمد المسلم.
مقتل أصحاب أبي بكر
لقد كانت مجموعة أبي بكر وعمر التي ساعدتهما في أحداث السقيفة وما
بعدها كثيرة العدد. ومن الطبيعي انقسام تلك المجموعة إلى فئتين من حيث
انسجامهما مع أبي بكر وعمر. فكانت مجموعة أبي بكر تتمثل في خالد بن الوليد
وأبي عبيدة بن الجراح وعتاب بن أسيد والمثنى بن حارثة الشيباني ومعاذ بن جبل
وبلال (مولى أبي بكر سابقا)، وأنس بن مالك، وشرحبيل بن حسنة.



(1) تاريخ الطبري 3 / 220، المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 151.
(2) تاريخ الطبري، حوادث سنة 40 ه‍، والكامل في التاريخ، ابن الأثير، حوادث سنة 40 ه‍.
(3) تاريخ أبي الفداء 1 / 222.
(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 217.
159
وقد ثبت سوء العلاقة بين هؤلاء وعمر بن الخطاب. وثبت أن أبا بكر
وصاحبه عتاب بن أسيد قد أكلا الطعام المسموم فماتا. وقد حاول الخط الأموي
تغيير بعض الحقائق عن تلك الحادثة البشعة في سم هؤلاء الثلاثة فذكروا بأن
عتاب بن أسيد عاش إلى سنة اثنتين وعشرين. ولكن ابن حجر العسقلاني رد
ذلك قائلا: إن محمد بن إسماعيل من رواة تلك الرواية وهو ابن حذافة السهمي،
وقد ضعفوا روايته (1). والظاهر أن قتلة أبي بكر قد استغلوا فرصة وجود عتاب بن
أسيد عند أبي بكر في المدينة فتلوهما معا. وقد طالب عمر بقتل خالد في أحداث
قتله لمالك بن نويرة وأصحابه وزناه بزوجته، فلم يوافق أبو بكر بالرغم من
فضاعة عمل خالد، وأول عمل لعمر بعد وصوله إلى السلطة، تمثل في عزل خالد
بن الوليد. ثم قتله في حمص في سنة 21 هجرية (2) وكان خالد ألد أعداء عمر
وصاحب أكبر جيش في العراق. والقائد العسكري الثاني في العراق كان شرحبيل
بن حسنة الذي هاجر إلى الحبشة، وكان من السابقين إلى الإسلام ومن قادة فتح
العراق. وكان أبو بكر قد عينه قائدا لجند من جند العراق واعتمد عليه. لكن عمر
ابن الخطاب (وعند قدومه إلى الجباية) نزع شرحبيل بن حسنة، وأمر جنده أن
يتفرقوا على الأمراء الثلاثة. فقال له شرحبيل بن حسنة: يا أمير المؤمنين،
أعجزت أم خنت؟ قال: لم تعجز ولم تخن. قال: فلم عزلتني؟ قال: تحرجت أن
أؤمرك وأنا أجد أكفأ منك. قال: فاعذرني يا أمير المؤمنين في الناس. قال: سأفعل،
ولو علمت غير ذلك لم أفعل، فقام عمر فعذره (3). ولم يكن شرحبيل كذلك إذ كان
قد افتتح الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه (4). فكان من



(1) الإصابة، ابن حجر 2 / 451.
(2) راجع باب نظرية أبي بكر وعمر في شروط الولاة وإداراتهم، ترجمة خالد.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 10 / 290، ذكر ذلك ابن شهاب الزهري.
(4) المصدر السابق.
160
السابقين ومن المجاهدين ومن القادة المدبرين ورغم ذلك نحاه عمر عن المسؤولية.
ولما عين عمر بن العاص مكانه قال شرحبيل: كذب عمرو بن العاص صحبت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمرو أضل من جمل أهله (1). ثم عزل عمر القائد الثالث لجند
العراق المحسوب على خط أبي بكر ألا وهو المثنى بن حارثة الشيباني. إذ عزله عمر
وولى أبا عبيد الثقفي بدلا عنه (2). وقد قتل هؤلاء القادة المشهورون في خلافة عمر
بن الخطاب. إذ جرح المثنى في معركة الجسر مع الفرس ثم مات بعد ذلك. ولجأ
خالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة إلى أبي عبيدة بن الجراح والي الشام وهناك
كان معاذ بن جبل وبلال فكانت مجموعة منسجمة ضد عمر، فنصب عمر معاوية
رئيسا على ابن الجراح! (3) ثم مات ابن الجراح ومعاذ وشرحبيل وبلال في وقت
واحد! وادعت الدولة بأن بلالا ومجموعته قد قتلوا بدعاء عمر عليهم، ثم مات
خالد في سنة 21 هجرية في ظروف مشكوكة. وعزل عمر أنس بن مالك والي أبي
بكر على البحرين (4)، وعين أبا هريرة بدلا عنه وبقي أنس مواليا لأبي بكر.
ولم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياما، وتوفي في المحرم سنة
أربع عشرة بمكة (5) وتعتبر عائلة أبي بكر من المعمرين في السن فلولا قتلهم أبي
بكر لعاش أكثر، ولكنهم قتلوه وقتلوا أولاده! ومجموع تلك الأحداث يثبت بأن
عزل وقتل هؤلاء قد تم بواسطة جهة واحدة وبأمر واحد، ومن قبل طرف مستفيد
من تلك الحالة.



(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 10 / 290.
(2) أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 60، 6 / 205، الإصابة 3 / 361.
(3) تاريخ الطبري 3 / 165.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 5 / 73، تاريخ الإسلام، الذهبي، عهد الخلفاء الراشدين 121، تاريخ
خليفة 123.
(5) تاريخ الطبري 2 / 217.
161
لماذا دفن أبو بكر ليلا؟
بعد مقتل أبي بكر وصاحبيه بالسم، دفن أبو بكر ليلا. إذ جاء: وكانت
وفاته ليلة الثلاثاء، ودفنه في ليلة الثلاثاء قبل أن يصبح الناس (1).
وتسببت عملية دفن أبي بكر السريعة ليلا وفي ذات ليلة وفاته عدم تمكن
المسلمين من حضور مراسم دفنه، وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه، ورؤية
صورته! إن السرعة الخارقة في دفن أبي بكر والاستفادة من ستار الليل ونوم
الناس يثبت بأن عملية قتل أبي بكر وصاحبيه كانت سياسية ومن قبل رجال
متنفذين في السلطة، ولو كان اليهود قتلوه لما خافت الدولة من ذلك.
لماذا منع مجلس النياحة على وفاة أبي بكر؟
بعد موت أبي بكر بالسم أقامت عائشة وأم فروة ابنة أبي قحافة مجلس عزاء
لوفاته، فهجم عمر على ذلك المجلس، وأدخله الرجال دون إذن، وضرب أم فروة
بدرته، متسببا في إفساد ذلك المجلس (2). فكانت الحوادث كالآتي: قتله بالسم
وقتل وعزل أصحابه وقتل طبيبه ودفنه ليلا ومنع مجلس النياحة عليه.
طبيعة العلاقة بين عائلة أبي بكر وعمر وعثمان
لقد ساءت العلاقة بين عائلة أبي بكر من جهة وعمر وعثمان من جهة أخرى



(1) تاريخ أبي زرعة الدمشقي 34، تاريخ أبي الفداء 1 / 222، تاريخ الطبري 2 / 622.
(2) تاريخ الطبري ج 4 / حوادث سنة 13، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 204، كنز العمال 18 / 118،
كتاب الموت.
162
بعد حادثة مقتل أبي بكر. فتدهورت العلاقة بين عبد الرحمن بن أبي بكر معهما،
فوصفه عمر بدويبة سوء (1)، ولم يستخدماه في جهاز الدولة. ولم يلب عمر وعثمان
حاجاته. ثم ضرب عمر أم فروة بشدة بدرته! ورفضت أم كلثوم بنت أبي بكر
الزواج من عمر بن الخطاب في خلافته، ثم تزوجت بطلحة بن عبيد الله! (2) وثار
عبد الرحمن وعائشة ومحمد (أبناء أبي بكر) وطلحة (ابن عمه) على عثمان وقتلوه.
وتزوج عمر مع زوجة عبد الله بن أبي بكر السابقة دون موافقتها. والشئ
العجيب في الأمر علاقة عائشة الجيدة مع عمر فقط!
وقد ساعد عمر عائشة بما لم تحصل عليه في زمن أبيها إذ فضلها في العطاء
على المسلمين والمسلمات وأعطاها مقام الفتوى. لكن بعد ما مات عمر بن الخطاب
ساءت العلاقة بين عائشة وحفصة واستمرت القطيعة إلى أن ماتت حفصة (3).
وذكرنا في المواضيع السابقة تدهور العلاقة بين أبي بكر وعمر، وبيان عمر
لأسبابها وعلى رأسها اعتقاد عمر بتقدم أبي بكر عليه حيفا وظلمه له، إذ قال لابنه
عبد الله: أفي غفلة أنت من تقدم أحيمق بني تيم علي وظلمه لي (4).
وقال أيضا: والهفاه على ضئيل بني تيم لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها
آثما (5). لقد بين عمر مطالبته أبا بكر بالاستقالة من منصبه لصالحه، فقال أبو بكر
له: إنها صائرة إليك بعد أيام (6). وعندها أعلن أبو بكر عن وصيته اللفظية لعمر



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29.
(2) تاريخ الطبري 5 / 17، الكامل في التاريخ 3 / 54، المعارف، ابن قتيبة 175، طبقات ابن سعد
8 / 462.
(3) المعارف، ابن قتيبة 550.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29.
(5) المصدر السابق 2 / 31 - 34.
(6) المصدر السابق.
163
احتج بعض الأصحاب على هذه الوصية لما يتصف به عمر من شدة.
ولكن عمر لم يكتف بهذه الوصية بل طالب باستعفاء أبي بكر عن منصبه
قائلا: فظننت أنه لا يأتي عليه جمعة، حتى يردها علي فتغافل، والله ما ذكرني بعد
ذلك حرفا حتى هلك. وقال عمر أيضا: لقد مد (أبو بكر) في أمدها، عاضا على
نواجذه إلى أن حضره الموت، وأيس منها (1). ولم يحكم أبو بكر مدة طويلة ولكن
عمر نفذ صبره، والظاهر أن الأمويين قد خافوا من طول مدة حكم أبي بكر وموت
عثمان بن عفان قبل وصوله إلى السلطة، مما يعني ضياع حق الأمويين في الخلافة،
لأن من بقي منهم كان من الطلقاء. فالسابقون إلى الإسلام من الأمويين كانوا خالد
وأبان ابنا سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبو حذيفة بن عتبة الذي قتل سابقا.
وكان خالد وأبان من المخالفين للحزب القرشي وبيت أبي سفيان، ومن المناصرين
لخلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد استشهدا في معركة أجنادين. وبداية القطيعة
بين عائشة وبني أمية في زمن معاوية قد بدأت بقتل معاوية وابن العاص لمحمد بن
أبي بكر، فأخذت تدعوا عليهما في قنوتها دبر صلاتها (2). وأرضاها معاوية بعطاياه
الكثيرة مثلما فعل عمر معها ثم أسخطها بقتله عبد الرحمن بن أبي بكر ولما ثارت
على الأمويين قتلها معاوية في نفس سنة قتله لأخيها.
من قتل طبيب أبي بكر؟
تستخدم الحكومات الوسائل المختلفة لتحقيق أهدافها وإخفاء أعمالها،
ويعتبر الطبيب أفضل وسيلة لقتل الضحايا دون ريبة. ومن جهة أخرى يعتبر



(1) المصدر السابق.
(2) تاريخ الطبري 5 / 105، حوادث سنة 38 ه‍، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 413، حوادث سنة
38 ه‍، والبداية والنهاية، ابن كثير 7 / 349، وشرح نهج البلاغة 6 / 88 خطبة 67.
164
الطبيب أفضل شاهد لكشف الجرائم، لذا يتعرض الأطباء للقتل من قبل أولياء
الضحايا والحكومات! فقد قتل أولياء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد الطبيب ابن
أثال النصراني لأنه قتل عبد الرحمن بأمر معاوية (1).
وقتل السلطان عبد الحميد العثماني جمال الدين الأفغاني بواسطة طبيب
أرسله له، وكشف طبيب نصراني للناس مقتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالسم،
عندما شاهد صورته ميتا في زمن هارون الرشيد. وبعد ما أكل أبو بكر سما ومرض
عرضوه على طبيب العرب الشهير الحارث بن كلدة، إذا سألوا أبا بكر: " لو
أرسلت إلى الطبيب فقال (أبو بكر): قد رآني، قالوا: فما قال لك؟ قال: إني أفعل ما
أشاء " وقال ابن كلدة لأبي بكر: " أكلت طعاما مسموما سم سنة ". وبعد شهادة
الطبيب ابن كلدة بذلك سقوه سما أيضا فكف ومات (2) ثم دفنت الدولة أبا بكر ليلا
قبل أن يصبح الناس وكتبت وصيته بخط عثمان. وكان الطبيب قد قال عن الإمام
الحسن (عليه السلام) قبل موته: " هذا رجل قد قطع السم أمعاءه " (3).
من دفع أبا لؤلؤة لقتل عمر؟ ظلم المغيرة أم الأمويون أم
اليهود
لقد جاء في الحديث الشريف: لا يموت ابن آدم حتى يرى مقعده في الجنة أم
النار.
عندما قتل عمر كانت الدولة الإسلامية قوية وواسعة الأطراف. ولم يرغب



(1) أسد الغابة 3 / 440، الإستيعاب ص 830، نسب قريش ص 327.
(2) العقد الفريد 6 / 292، تاريخ الطبري 2 / 611، المعارف، ابن قتيبة ص 283، أسد الغابة، ابن حجر
2 / 413، البداية والنهاية 10 / 137.
(3) تاريخ دمشق 12 / 59 ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام).
165
في أيام حكومته عمر بدخول العلوج إلى المدينة إذ أخرج ابن سعد عن ابن
شهاب أنه قال: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب
المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا، ويستأذنه أن يدخله
المدينة، ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس. إنه: حداد، نقاش، نجار.
فكتب إليه عمر فأذن له أن يرسل به إلى المدينة. وضرب عليه المغيرة مائة درهم
فجاء إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج.
فقال له عمر: ماذا تحسن من العمل؟ فذكر له الأعمال التي يحسن.
فقال له عمر: ما خراجك بكثير من كنه عملك. فانصرف ساخطا يتذمر،
فلبث عمر ليالي. ثم إن العبد مر به فدعاه فقال له: ألم أحدث أنك تقول: لو أشاء
لصنعت رحى تطحن بالريح. فالتفت العبد ساخطا، عابسا على عمر، ومع عمر
رهط فقال: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس. فلما ولى العبد أقبل عمر على
الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا.
فلبث ليالي، ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين. نصابه في وسطه
فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر فلم يزل هناك حتى خرج عمر،
يوقظ الناس للصلاة، صلاة الفجر. وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنا منه عمر وثب
عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن في سرته، قد خرقت الصفاق، وهي التي قتلته.
ثم انحاز أيضا على أهل المسجد، فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر اثني عشر
رجلا ثم انتحر بخنجره (1).
فقال عمر حين أدركه النزف وانقصف الناس عليه: قولوا لعبد الرحمن بن
عوف فليصل بالناس. ثم غلب على عمر النزف حتى غشي عليه.
وفي رواية لابن الأثير: بعد ما ضرب عمر قال: يا ابن عباس أنظر من



(1) مروج الذهب، المسعودي 2 / 320.
166
قتلني. فجال ساعة ثم جاء المسجد فقال: غلام المغيرة بن شعبة.
قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله! لقد أمرت به معروفا، الحمد لله
الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام. وكان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة بن
شعبة وكان يصنع الأرحاء. وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقى أبو
لؤلؤة عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي غلتي فكلمه يخفف عني.
فقال له عمر: إتق الله وأحسن إلى مولاك.
وقيل: إن عمر قال لأبي لؤلؤة: ألا تصنع لنا رحا؟
قال: بلى أصنع لك رحا يتحدث بها أهل الأمصار (1).
وقد ذكر أحدهم أن أبا لؤلؤة نصراني وذكر آخرون أنه مسلم. والظاهر أن
العبيد المسلمين قد كثروا في المدينة كما قال عمر.
عمر ضحية دعمه اللا محدود للمغيرة
شعر أبو لؤلؤة بظلم المغيرة بن شعبة له، بحيث إنه شكا حاله لأعلى سلطة
سياسية في الدولة وهو عمر.
والظاهر أن ظلم المغيرة لعبده قد بلغ أقصاه، ولما قال عمر لأبي لؤلؤة: إتق
الله وأحسن إلى مولاك، طار صواب هذا العبد، وفقد السيطرة على نفسه، وبدل
الانتقام من المغيرة انتقم من عمر بن الخطاب!
والملاحظ أن عمر لم يعاقب المغيرة في مواضع: الأول يوم شكاه أهل
البحرين، فنقله إلى ولاية أكبر وهي البصرة، والثاني يوم ثبت عنده زناه بأربعة
شهود من البصرة، فنقله إلى ولاية أكبر! والموضع الثالث يوم تظلم إليه أبو لؤلؤة.
وقد ذكر أن عمر بن الخطاب قد نوى التكلم مع المغيرة في قضية شكوى أبي



(1) أسد الغابة 4 / 178، مروج الذهب، المسعودي 2 / 320، تاريخ الطبري 2 / 263.
167
لؤلؤة.. ولا دليل على ذلك.
وأبو لؤلؤة لم يعلم بهذه النية إذ لم يسمعها من عمر ولا من غيره وسمع بدلا
من ذلك صدا لشكواه بوجوب طاعة المغيرة، وتقوى الله تعالى. إضافة إلى ذلك أن
عمر لو قصد أخذ الحق لأبي لؤلؤة من المغيرة لأقدم على ذلك دون تردد ولأرسل
إليه أو أمره بذلك. وكان البعض من الصحابة يحبون أصحابهم إلى درجة كبيرة
تهون معها شكوى البعض ضدهم، مثلما فعل عثمان مع مروان. وإذا كانت هذه
الأطروحة التي طرحتها صحيحة، يكون المغيرة هو المتسبب في قتل عمر، مثلما
تسبب مروان في قتل عثمان.
وعملية ابن عمر ضد الهرمزان كانت ردة فعل طائشة دون دليل شملت
صبية أبي لؤلؤة! وزوجته وجفينة.
وأثبتت كتب السيرة أن شدة عمر قد تسببت في ردة فعل مضادة في المدينة،
إذ كانت فيه شدة تخالف سيرة أبي بكر (1).
كما أن قتل الخلفاء في ذلك الوقت لا يحتاج إلى مؤامرات كبيرة تدعمها
مؤسسات، إذ كان الخلفاء يتجولون بلا حرس خاص، فسهل على أبي لؤلؤة قتل
عمر، وسهل على ابن ملجم الخارجي قتل الإمام علي (عليه السلام).
أقول: إن المغيرة كان حالة مشؤومة تسبب في سخط الناس عليه في
البحرين والبصرة والكوفة. وكان قد فر من قومه لغدره بهم، فدخل في الإسلام
لاجئا، ثم تسبب في بداية إسلامه بقتل مسلم وختم سيرته باقتراحه خلافة يزيد
للمسلمين!
ولا أدري لماذا قبل عمر بهؤلاء يحيطون به وهم: المغيرة، معاوية، ابن



(1) طبقات ابن سعد 5 / 60، عمدة القارئ 7 / 143، صحيح مسلم 1 / 310، مسند أحمد 4 / 102، سيرة
عمر بن الخطاب، ابن الجوزي ص 174، كنز العمال 4 / 334.
168
العاص، كعب، أبو هريرة، تميم، عبد الله بن أبي ربيعة، وهو المتفرس في
معرفة الرجال؟! وخلفيتهم الفاسدة وحاضرهم المر شاهد على ذلك!
فقد رفض عمر ترشيح ابنه عبد الله للخلافة لضعفه، وأنذر عثمان بمقتله،
وعرف معاوية بكسرويته، وشخص عليا (عليه السلام) بعدالته، ووصف الزبير بكافر
الغضب. وقد قيل: قل لي من صديقك أقل لك من أنت.
وعمر شخص من الأشخاص قد يخطئ وقد يصيب. لقد نجح طلقاء مكة في
إيصال رجال من أمثال الوليد وسعيد بن العاص وابن أبي ربيعة ومعاوية ويزيد
إلى السلطة.
أما عن الأحاديث التي ذكرها كعب الأحبار حول شهادة عمر القريبة، فقد
ذكرها في العصر الأموي ليثبت بها صحة التوراة المزيفة وأخباره بالغيب، إذ قال:
" ما من شئ إلا هو مكتوب في التوراة "؟! (1).
وإلا كيف يقول كعب لعمر: إنك ميت في ثلاث بعد قول أبي لؤلؤة له... ولو
صح هذا القول لثبتت التهمة على كعب وقتل لأجلها. وليس من المنطقي أن ينذر
القاتل مقتوله ليثير الشكوك حول نفسه، بل إنه يحاول صرف التهمة عن نفسه.
عليه تكون أقوال كعب قد وضعت في زمن معاوية لتثبت صحة التوراة،
ومعرفة كعب بعلم الغيب، فتكون أساسا لقبول أحاديث كعب الكثيرة التي دسها
في الشريعة الإسلامية والسيرة النبوية؟!
وهذا الأمر إن أثبت شيئا فهو يثبت قمة دهاء كعب الأحبار، الذي مكنه من
الحصول على كرسي المشاورة لعمر وعثمان ومعاوية. ومكنه من أن يكون مرجعا
دينيا يأخذ منه أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وغيرهم، وقد بلغ



(1) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية 165.
169
كذب كعب حدا إن أفصح عنه معاوية قائلا: إنا كنا لنبلوا عليه الكذب (1).
وقد يعجب المرء من حصول ابن العاص ومعاوية وكعب والمغيرة ومروان
وابن سرح، والوليد على مناصب خطيرة في الحكومات الإسلامية على حساب
المتقين القديرين السابقين من العلماء والشجعان المشاركين في معارك بدر وأحد
وخيبر وحنين.
السر يكمن في توجه هؤلاء بدهائهم الشيطاني لقبض زمام الأمور دون
تقوى ولا تردد في ارتكاب أي منكر مطلوب، وإذا ضعفت التقوى وتقلص
والوعي السياسي والاتحاد الشعبي تتهيأ الأوضاع لوصول الفجرة المكرة.
وقد كان عبد الله بن العباس داهية مع تقوى، ونسب هاشمي لكن عمر أبعده.
وذكر محمود أبو رية أن لكعب والهرمزان يدا في مقتل عمر بن الخطاب
قائلا:
ذكر المسور بن مخرمة أن عمر لما انصرف إلى منزله بعد أن أوعده أبو لؤلؤة
جاء كعب الأحبار فقال: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاث ليال... (رواية
الطبري ثلاثة أيام) قال: وما يدريك؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد حليتك وصفتك
وأنك قد فنى أجلك، قال ذلك وعمر لا يحس وجعا، فلما كان الغد جاءه كعب
فقال: بقي يومان، فلما كان الغد جاءه كعب فقال: مضي يومان وبقي يوم، وهي لك
إلى صبيحتها. فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة، وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا
استوت كبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه،
فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته (وكان أبو لؤلؤة
من سبي نهاوند) (2).



(1) تفسير ابن كثير 3 / 101.
(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 24، تاريخ الطبري ج 5.
170
وجاء أبو رية بأدلة أخرى: وقال كعب لعمر: كان في بني إسرائيل ملك إذا
ذكرناه ذكرنا عمر وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبي يوحى إليه فأوحى
الله إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقول له: اعهد عهدك واكتب إلي وصيتك، فإنك ميت إلى ثلاثة
أيام فأخبره النبي بذلك... فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجدار والسرير ثم جاء
إلى ربه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم وإذا اختلفت الأمور
اتبعت هداك فزد في عمري حتى يكبر طفلي، وتربوا أمتي، فأوحى الله إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال كذا وكذا، وقد صدق وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة، ففي
ذلك ما يكبر طفله وتربوا أمته، فلما طعن عمر قال كعب: لأن سأل عمر ربه ليبقينه
الله، فأخبر بذلك عمر فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم (1).
وأضاف أبو رية: قد صدقت يمينه (كعب) فقد قتل عمر يوم الأربعاء لأربع
ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 ه‍ ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة 24 ه‍.
وقد رأى عبد الرحمن بن أبي بكر الهرمزان مع أبي لؤلؤة في مساء ليلة مقتل
عمر بن الخطاب، ولأجل ذلك اعتمد على هذا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا،
فأقدم عبد الله على قتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة وزوجته وجفينة دون ذنب ولا
دليل.
وعفا عثمان عنه وطالب الإمام علي (عليه السلام) بقتله بهؤلاء، ولاحق لعثمان بالعفو
عنه، وطالب بذلك الشاعر زياد بن لبيد الذي قال:
ألا يا عبيد الله مالك مهرب * ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر
أصبت دما والله في غير حله * حراما وقتل الهرمزان له خطر
على غير شئ غير أن قال قائل * أتتهمون الهرمزان على عمر
فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره، فدعا عثمان زياد بن



(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 357.
171
لبيد ونهاه فأنشأ زياد:
أبا عمرو عبيد الله رهن * فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرت الجرم عنه * وأسباب الخطأ فرسا رهان
أتعفو إن عفوت بغير حق * فما لك بالذي تحكي يدان (1)
والحقيقة أن وعود كعب لعمر بالقتل قد ذكرت في الزمن الأموي لإثبات
صحة أقوال كعب وسعة علومه الغيبية اليهودية ليتبعه الناس ويتبعوا أحاديثه
ونهجه. ولا يوجد دليل جانبي يثبت أقوال كعب مثل حذر عمر وأصحابه وأهله
من تحذيرات كعب في زمن الحادثة وقبلها وبعدها.
والنتيجة أن كعبا لم يخبر عمر بموته القريب. وهناك تهمة تحوم حول
الأمويين بقتل عمر بن الخطاب، فهم المستفيدون من قتله.
والمستفيد من القتل يكون باحتمال أقوى هو القاتل، إن لم يثبت خلاف ذلك.
فبنو أمية كانوا يعلمون بخلافة عثمان لعمر، فهو الوزير الأول للخليفة، ولقد
صرح عمر بخلافته له قبل جرحه من قبل أبي لؤلؤة.
ذلك أن سعيدا بن العاص قد جاء إلى عمر يطلب أرضا فوعده عمر ذلك
بعد وصول خليفته عثمان إلى السلطة. فمن الطبيعي أن يرتقب الأمويون موت عمر
ويتمنوه ليخلفه عثمان.
وعن أقرع مؤذن عمر قال: بعثني عمر (رضي الله عنه) إلى الأسقف فدعوته فجعلت
أظلهما من الشمس، فقال عمر (رضي الله عنه): يا أسقف هل تجدنا في الكتب؟ قال: نعم. قال:
فكيف تجدني؟ قال: أجدك قرنا.
قال: فرفع عليه الدرة وقال: وعلى قرني مه؟ قال: قرنا من حديد أمينا
شديدا.



(1) تاريخ الطبري 3 / 303.
172
قال: كيف تجد الذي بعدي؟
قال: خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته.
قال: يرحم الله عثمان، يرحم الله عثمان - ثلاثا - (1).
فعمر يعرف في قرارة نفسه دون تردد أن عثمان خليفته لا غيره ويعرف بذلك
كعب وذلك الأسقف النصراني وكل خواص عمر.
وكان الأمويون متنفذون في الدولة والكثير من الناس يحاول أن يكسب
الدنيا من خلالهم، فعثمان الوزير الأول ومعاوية الوالي الأول، وأبو سفيان على
علاقة جيدة مع الخليفة.
ولقد وجدنا لاحقا أن الأمويين لا يتورعون عن فعل أي شئ في سبيل
أهدافهم ورغباتهم، فقد قتلوا حليفهم ووصي عثمان ابن عوف، ووزير عمر محمد
ابن مسلمة، وأبا ذر، ومحمد بن حذيفة، ومالك الأشتر، وحجر بن عدي بصور
مختلفة.
إذن ليس من المستبعد أن يفكروا في قتل عمر، وذلك بتحريض الناس في
هذا الاتجاه.
والأمويون على علاقة وطيدة مع المغيرة بن شعبة وكعب الأحبار، والاثنان
مناصران لحكم بني أمية ولمعاوية بالخصوص، ومن خواص عمر.
وقد يكون الأمويون قد محو كل دليل تركوه في هذا الطريق، بقتلهم محمد بن
مسلمة حافظ سر عمر، مثلما كان حذيفة حافظ سر النبي (صلى الله عليه وآله).
وقتلوا وزير عمر الثاني عبد الرحمن بن عوف. وقد يكون ابن عوف على
علم بأسرار خطيرة أوجبت على الأمويين قتله في زمن عثمان. وإلا فإن الأمويين
لا يخافون منه على النظام. فلم يكن عنده ما يهدد به الدولة، بعد ما أبعده عثمان عن



(1) تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 3 / 1079.
173
الخلافة وأبطل وصيته له.
وفي حوادث القتل كثيرا ما يقتل أصحاب الأسرار والمعرفة بعد الحادث
مباشرة، وهذا ما وقع لابن عوف، ولابن مسلمة.
وقد يكون سكوت ابن عوف عن أعمال عثمان أولا نابعا من رضاه بخلافه
عثمان لأنه وصيه، ولما أبطل الأمويون خلافته هاج وماج عليهم فقتلوه مباشرة
بعد خلعه.
وقد يكون الأمويون قد قتلوا عمر بصورة غير مباشرة عبر دفع أبي لؤلؤة
إلى هذا الفعل. بأن بينوا له شدة عمر وكرهه للعجم وحبه للمغيرة وعدم رغبته في
معاقبته. أو أنهم هيأوا الأجواء العامة، أو ساعدوا في إثارة الرأي الشعبي ضد
عمر. خاصة وأن كثيرا من الناس قد مل حكومة عمر.
ومن الطبيعي جدا أن يشارك أبو سفيان ومروان وعثمان ومعاوية، والحكم
ابن أبي العاص والوليد بن عقبة وعبد الله بن أبي سرح وسعيد بن العاص وأم
حبيبة بنت أبي سفيان في أي معارضة سرية تطيح بعمر ليأتي عثمان.
ومن الطبيعي أن يفرح كعب بوصول عثمان ومعاوية لأنه هو الذي نصح عمر
بخلافة معاوية. فأحد أهداف اليهود وصول بني أمية إلى السلطة لتسود اليهودية
والكفر على المنطقة.
اهتمام الحكومات بالأعداء يسهل سقوطها بواسطة
الأصدقاء
إذن فهمنا أن الخطأ الأكبر كان في اتفاق وتحالف عمر مع هؤلاء الذين لا
يرحمون، وتركه بني هاشم وقائدهم عليا (عليه السلام) بعيدا عن السلطة.
بل إن عمر كان يحذر جلساءه (كما ذكرنا) من اطلاع بني هاشم على أسرار

174
الدولة! في حين أعطى أسرارها لكعب ومعاوية والمغيرة وابن العاص! (1)
ويذكر أن عمر قد سهل على بني أمية وكعب أن يعملوا بحرية كبيرة، لأن
اهتمامه الكبير كان منصبا في مراقبة بني هاشم وأنصارهم وإبعادهم عن السلطة.
وهذا ما شجع الأمويين أن يعملوا براحة بال واطمئنان ويدهم طويلة في هذا
المجال فمنهم الوزير الأول وولي العهد والوالي الأول. وكثيرا ما تسقط الحكومات في
العالم بهذا الخطأ الفادح أي بواسطة حلفائها المقربين وليس بيد أعدائها
المعروفين؟! والأمثلة على ذلك كثيرة فقد حصرت عائلة أبي سفيان اهتمامها
بالمعارضة، فسيطرت على السلطة عائلة مروان بن الحكم، وقتلت معاوية بن
يزيد بن معاوية وخليفته الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (2).
ولم يكتف الأمويون بقتل منافسيهم لوصول السلطة إليهم، بل إن معاوية
سهل على الثوار قتل عثمان الأموي لوصول السلطة إليه، وقد اتهمه عبد الله بن أبي
سرح بذلك (3). فلقد امتنع معاوية من إرسال المدد العسكري إلى الخليفة المحاصر..
وبقي جيش معاوية معسكرا في وسط الطريق انتظارا لمقتل عثمان!
نظرية الطبقية والقومية والشدة وأثرها في مصرع عمر
كان الحزب القرشي يعتقد بأفضلية قريش على العرب، فاحتكر خلافة
المسلمين لهم دون نص إلهي، ويعتقد بأفضلية العرب على العجم، فسار على ذلك
عمر وعثمان ومعاوية. فلم يعاقب عثمان عبيد الله بن عمر لقتله أربعة من المسلمين
العجم.



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري.
(2) مروج الذهب، المسعودي 3 / 73، طبعة دار الهجرة.
(3) مروج الذهب، المسعودي 3 / 16، تاريخ المسعودي 2 / 186.
175
وجاء أن أول من رد شهادة المملوك هو عمر بن الخطاب، وذلك أنه تقدم
إليه مملوك في شهادة فقال: إن أقمت الشهادة تخوفت على نفسي، وإن كتمتها أثمت
بربي. فقال عمر: هات شهادتك، أما إنا لا نجيز شهادة مملوك بعدك (1).
وقد كان عمر يكره المجئ بأفراد الشعوب المفتوحة إلى المدينة حتى المسلمين
منهم فقال لابن عباس: لقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، فقال
ابن عباس: إن شئت فعلنا. فقال: أبعد ما تكلموا بكلامكم وصلوا بصلاتكم
ونسكوا نسككم؟ (2)
ولما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وابنة أبي لؤلؤة طالب البعض
بقتله بهم: ذكر ابن سعد في طبقاته: " رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وأن
عثمان ليقول: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة وآخر من ذمة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ما في الحق تركك. قال فعجبت لعثمان حين ولي كيف تركه (3).
وقد قال الإمام علي لعبيد الله بن عمر: ما ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها؟
فكان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على
قتله، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه.
وذكروا أنه لما قتل عبيد الله الهرمزان وجفينة امرأة أبي لؤلؤة وصبيته، أتاه
سعد فأخذ كل واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان حتى حجز بينهما الناس...
واظلمت الدنيا يومئذ على الناس، فعظم ذلك في صدور الناس، وأشفقوا أن
تكون عقوبة حين قتل عبيد الله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة وزوجته.
وقد هرب عبيد الله بن عمر من المدينة بعد تولي الخلافة من قبل الإمام



(1) جامع المدارك 6 / 123.
(2) الطبقات، ابن سعد 3 / 338، أسد الغابة 4 / 176.
(3) الطبقات، ابن سعد 5 / 16.
176
علي (عليه السلام) خوفا من قتله بمن قتل فذهب إلى الشام. إذ جاء في الاستيعاب: إن
عبيد الله قتل الهرمزان بعد أن أسلم، وعفا عنه عثمان، فلما ولي علي خشي على نفسه
فهرب إلى معاوية فقتل بصفين (1).
وقد وافق عمر على مجئ أبي لؤلؤة إلى المدينة لأمرين: أولا إتقانه
عدة صنائع، وثانيا طلب المغيرة ذلك، والمغيرة مقرب من عمر ولا يرد
طلبه!
فيمكن أن يقال: إن عمر أنقذ المغيرة من موت محقق (في قضية زناه بأم
جميل)، والمغيرة أوقع عمر في موت محقق (في قضية أبي لؤلؤة)؟!
والحقيقة أن عمر بن الخطاب ذهب ضحية نظرية الطبقية والقومية والشدة،
التي آمن بها وعمل لها، فلقد فضل قريشا على العرب، وفضل العرب على العجم،
وفضل الأحرار على العبيد (2). وفضل أفراد الحزب القرشي على غيرهم.
وبلغ سخطه على العبيد أن ضرب عجوزا جارية لأنها لبست ملابس امرأة
حرة، وهذا ما لم يفعله النبي (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر (3).
وترك القصاص في قضية عبادة بن الصامت والعبد النبطي (4).
لذا ترك عمر الأخذ بحق أبي لؤلؤة لأنه عبد وأعجمي، والمغيرة حر وعربي!
وبعد قتل عبيد الله بن عمر بنت أبي لؤلؤة وزوجته والهرمزان وجفينة
(رجلا أعجميا) قال: لا أدع أعجميا إلا قتلته!! (5)



(1) الإستيعاب لابن عبد البر 3 / 1012.
(2) جامع المدارك 6 / 123.
(3) عبقرية عمر، العقاد ص 13.
(4) تاريخ ابن عساكر 9 / 115.
(5) المعارف، ابن قتيبة ص 187.
177
لماذا أوصى عمر بالولاية لسعد والأشعري وترك المغيرة
وابن العاص؟
لقد أحب عمر مجموعة ولاته الذين اصطفاهم من قريش فأعطاهم سره،
ورفعهم على باقي المسلمين ينهج نهجهم وينهجون نهجه.
ورغم بقاء هؤلاء الولاة في الحكم طيلة مدة خلافة عمر إلا أنه أوصى
ببعضهم بعد وفاته.
إذ طلب من الخليفة القادم (عثمان) تولية سعد بن أبي وقاص على الكوفة.
وتعيين أبي موسى الأشعري واليا على البصرة (1).
وكان السبب في عدم توصيته بتعيين عمر بن العاص واليا هو المشادة
الحاصلة بينهما، والتي ذكرناها في موضوع نسب عمر، حين تنكر عمرو لجميل
عمر عليه، وراح يفصح عما في صدره من دفائن في نسب عمر (2).
أما السبب في عدم وصية عمر للمغيرة بالولاية، وهو أمين سره فيعود إلى
حادثة أبي لؤلؤة. فقد أدرك عمر أنه قد فعل للمغيرة أكثر مما يستحقه. فقد ولاه
البحرين رغم عدم استحقاقه لهذا المنصب، ثم ولاه البصرة بعد شكوى الناس منه
في البحرين. ثم أنقذه من حادثه زناه بأم جميل في البصرة، بالرغم من سماع الناس
بذلك في البصرة والمدينة، ومجئ الشهود إلى المدينة. وبسبب استنكار أهالي
البصرة لفعل المغيرة المنكر اضطر عمر لنقله واليا على الكوفة، فيكون قد نقله
مرتين: مرة من البحرين إلى البصرة، ومرة من البصرة إلى الكوفة، فلم يعزله ولم
يعاقبه!



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 50.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 102.
178
ثم وافق عمر على طلب المغيرة بإدخال أبي لؤلؤة إلى عاصمة الخلافة، رغم
عدم رغبته في ذلك.
ثم لم يستمع عمر لشكوى أبي لؤلؤة ضد سيده المغيرة، وقال له: أتق الله
وأحسن إلى مولاك (1). وبسبب ذلك صمم أبو لؤلؤة على الانتقام لنفسه، ولكن
ليس بقتل سيده المغيرة، بل بقتل عمر المساند له الذي لم يستمع لشكواه وتذمره
منه. والظاهر أن عمر قد ندم على دعمه اللامحدود للمغيرة وقد برز ندم عمر ذلك
بوصيته بالولاية لسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري ومعاوية وترك
المغيرة في حين كان المغيرة أقرب إلى عمر من سعد، بدليل عزل عمر سعدا عن
ولاية الكوفة لشكوى الناس منه وجعله جليسا في بيته، في حين لم يفعل ذلك مع
المغيرة رغم الشكاوى الكثيرة ضده.
ومن الأدلة تصريحه للمغيرة والأشعري بأسراره دون سعد وقد ذكرنا ذلك
في باب علاقة عمر مع أبي بكر (2).
وقد كان المغيرة عارفا بالسبل الموصلة إلى الزعماء، مستخدما كافة الطرق
تحت عنوان الغاية تبرر الوسيلة. فالمغيرة هو الذي شارك في كل أحداث السقيفة
وما بعدها، وهو الذي اقترح جذب العباس إلى جنب الدولة لإضعاف علي (عليه السلام) (3)،
وهو الذي لقب عمر بأمير المؤمنين (4). وهو الذي عرض خدماته على الإمام
علي (عليه السلام) فلم يهتم به. وعرض خدماته على معاوية فأفلح في ذلك؟! فكان داهية
من دهاة ذلك العصر. ولكن فعل أبي لؤلؤة قد بين لعمر أن الرجال من أمثال



(1) أسد الغابة، ابن الأثير 4 / 178.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 31 - 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري، كتاب الشافي،
المرتضى ص 241، 244.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 220.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 261.
179
المغيرة قد يسببون له مشاكل عظيمة يكون ضحيتها، وفعلا حصل هذا.
فكانت المدة بين جرح عمر وموته كافية لإقناع عمر بأن أمثال المغيرة
شرهم أكثر من نفعهم! وبالتالي إقناعه ببطلان نظرية الفاسق القوي أفضل من
المؤمن الضعيف. وأحب أن أقول بأن الكثير من زعماء العالم ذهبوا ضحية حبهم
اللامحدود لوزرائهم وأهلهم وخواصهم، فبينما ذهب عمر ضحية المغيرة، ذهب
عثمان ضحية حبه ودعمه لمروان وباقي أفراد بني أمية.
وظاهر الأمر أن ندم عمر المذكور قد أثر على عثمان أيضا إذ أبعد المغيرة ولم
يستفد من خدماته المرة والقاتلة.
أمنيات عمر قبل موته
قبل وفاة عمر أخذ يصرح بأمنيات غريبة تبين جزعة من الموت
والظاهر أن هذه الأمنيات قد قالها بعد يأسه من الدنيا أثر طعنة أبي لؤلؤة. فلقد
بقي عمر ثلاثة أيام طريح فراش منتظرا الموت الذي لا بد منه بعد تصريح الطبيب
بذلك. وقال عبد الله بن عمار بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال:
ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا، ليت أمي لم تلدني (1).
وقال عمر: يا ليتني كنت كبش أهلي، سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن
زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا (اللحم المجفف في
الشمس)، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة، ولم أك بشرا (2).
وقال أيضا: والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، مر علي جمل



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 129.
(2) حياة الصحابة للكاندهلوي 2 / 99، كنز العمال 4 / 361، 6 / 365، تاريخ الخلفاء، السيوطي
ص 142.
180
فأخذني فأدخلني فاه فلاكني، ثم ازدردني، ثم أخرجني بعرا، ولم أك
بشرا (1).
وقال عمر: يا ليتني: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم، حتى إذا
كنت كأسمن ما يكون، زارهم من يحبون، فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضي
قديدا ثم أكلوني ولم أكن بشرا (2).
وقد وصلنا اعتذار أبي بكر عن الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) قبل وفاته ولم
يصلنا اعتذار عمر عن ذلك.
وقد أعلن أبو بكر عن ندمه على فعل بعض الأحداث، ولم يعلن عمر
ذلك، إذ قال أبو بكر: والله ما آسى إلا على ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن،
وثلاث تركتهن ليتني فعلتهن، وثلاث ليتني سألت رسول الله عنهن فأما اللاتي
فعلتهن وليتني لم أفعلهن، فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن علي الحرب (3)...
وقال عمر بن الخطاب: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما استعملت
أحدا من الطلقاء (4).
وقال أيضا: لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنا (5).
وعن ابن عباس: لما طعن عمر دخلت عليه فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين،
فإن الله قد مصر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق فقال: أفي



(1) منتخب كنز العمال 4 / 361.
(2) تاريخ الخلفاء 142، الفتوحات الإسلامية 2 / 408، حلية الأولياء لأبي نعيم 1 / 52، كنز العمال
6 / 365.
(3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18، وقد ندم عمر على رجوعه من جيش أسامة بعد أن أمره رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، ذكر ذلك المجلسي في البحار 3 / 122.
(4) ربيع الأبرار 4 / 219.
(5) ربيع الأبرار 2 / 38.
181
الأمارة تثني علي يا ابن عباس. فقلت: وفي غيرها.
فقال: والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها لا أجر
ولا وزر (1). وعن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر قال حين طعن: لو كان لي ما
طلعت عليه الشمس لافتديت به من كرب الساعة - يعني بذلك الموت - فكيف ولم
أرد النار بعد (2). ولعمر حوادث كثير مع النبي (صلى الله عليه وآله) منها:
سحبه النبي (صلى الله عليه وآله) من ثوبه أثناء صلاته على أبي (3).
وامتناعه عن المشاركة في حملة أسامة بن زيد (4).
وقوله: النبي (صلى الله عليه وآله) يهجر (5).
وعدم مشاركته في جهاز النبي (صلى الله عليه وآله) وتأخيره دفنه (صلى الله عليه وآله) (6).
وهجومه على بيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وضغطه الباب عليها (7).
ورفع صوته على صوت النبي (صلى الله عليه وآله) فنزلت آية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا
أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} (8).
وكان عمر أولى من أبي بكر بالاعتذار من حادثة الهجوم على بيت
فاطمة (عليها السلام) لضغطة الباب بيده عليها (عليها السلام).
إلا أن أبا بكر الآمر بالهجوم المسلح قد وجد نفسه أولى بالاعتذار من غيره.



(1) تاريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي 197.
(2) المصدر السابق ص 197.
(3) صحيح البخاري، كتاب اللباس، كنز العمال ح 4403.
(4) تاريخ الطبري 2 / 462.
(5) صحيح البخاري 1 / 120، باب كتاب العلم، صحيح مسلم 11 / 89.
(6) تاريخ الطبري 2 / 442، سيرة ابن هشام 4 / 305.
(7) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 259، تاريخ أبي الفداء 1 / 156، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18.
(8) الحجرات: 2.
182
صحيح لم يصلنا اعتذار قولي من عمر عن حادثة بيت فاطمة (عليها السلام) المؤسفة
إلا أن عمر قد اعتذر عملا عن ذلك حين ذهب مع أبي بكر إليها قائلا:
انطلق بنا إلى فاطمة فإنا أغضبناها (1)...
ولكن عظم الهجوم والأحداث الرهيبة التي رافقته منعت فاطمة (عليها السلام) من
قبول اعتذارهما. خاصة وأن ذلك الهجوم قد تسبب في مصرعها ومصرع ابنها
محسن. ولقد أفصح أبو بكر بصراحة عن ندمه على استلام سلطة مغصوبة بعدها
حساب: بعد أن قالت له فاطمة الزهراء: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة
أصليها، فخرج باكيا، فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا
حليلته مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني
بيعتي (2). ومن علائم ندمه على ما أوقع نفسه فيه قوله (رضي الله عنه): والله لوددت أني كنت
شجرة إلى جانب الطريق مر علي جمل فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني،
ثم أخرجني بعرا، ولم أك بشرا (3). وقال أبو بكر أيضا: والله لو وضعت قدما في
الجنة وقدما خارجها ما أمنت مكر الله (4). وأخرج النسائي عن أسلم أن عمر
أطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه فقال: هذا الذي أوردني الموارد (5). وقال
معاوية بن أبي سفيان حين حضرته الوفاة:
ألا ليتني لم أغن في الملك ساعة * ولم أك في اللذات أعشى النواضر
وكنت كذي طمرين عاش ببلغة * ليالي حتى زار ضنك المقابر (6)



(1) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 14، أعلام النساء 3 / 314.
(2) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 14.
(3) منتخب كنز العمال 4 / 361، وذكرها البيهقي في شعب الإيمان.
(4) تاريخ الطبري ج 2، وكنز العمال ج 5.
(5) تاريخ الخلفاء للسيوطي 100.
(6) العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي 3 / 195.
183
ولقد قالت زوجة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لابنها معاوية حين تنازل
عن الحكم: يا ليتك كنت حيضة. لاعتقادها بخطأه الفادح في استقالته من
الحكم. في حين كان معاوية الثاني معتقدا بضرورة الاستقالة من حكم مغصوب
من آل محمد (صلى الله عليه وآله) ووجوب إرجاعه إليهم، فكان جزاء ذلك أن سقاه طغاة بني أمية
سما (1). وفرار معاوية الثاني من ذلك الحكم قبل استلامه له هو ما تمناه أبو بكر
وعمر قبل موتهما بساعات. في حين تمناه معاوية الثاني في بداية خلافته ونفذ أمنيته.
وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد ضربة ابن ملجم له بالسيف: فزت ورب الكعبة.
صورتان خطيرتان لعمر وفاطمة قبل موتهما
لقد عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها نحو ثلاثة أشهر مليئة بالآهات والأحزان
والأوجاع، بعد كسر ضلعها وإسقاط ابنها وإهانتها وغصب فدكها.
وعاش عمر وأبو بكر (رضي الله عنه) في حياة ملؤها الفرح والسرور باستلام السلطة
الإسلامية، والتنعم بنشوة الحكم بين الأهل والأحبة، وتحقيق الآمال والمناهج
الخاصة بهما. ويقف المرء ذاهلا متحيرا آسفا بين صورتين خطيرتين.
الصورة الأولى: ما ذكروه عن فاطمة (عليها السلام) بعد حادثة الهجوم على بيتها،
وهي معصبة الرأس ناحلة الجسم مصفرة الوجه تجر أذيالها لإلقاء خطبة في
المهاجرين والأنصار، فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس، وبعد
خطبتها لم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم. وأرادت (عليها السلام) إبراز حزنها السرمدي
عبر إخفاء قبرها عن المسلمين لبيان غضبها على من ظلمها وهظم حقها.
وعندما سألنها نساء المدينة: كيف أصبحت من علتك يابنة رسول الله؟
قالت (عليها السلام): أصبحت والله عائفة لدنياكن قالية لرجالكن (2).



(1) مروج الذهب، المسعودي 3 / 72.
(2) أعلام النساء، عمر رضا كحالة 4 / 123، السقيفة وفدك، الجوهري.
184
وذكر ابن سعد في طبقاته: لم تبق الزهراء بعد أبيها سوى شهور معدودة،
قضتها بالبكاء والنحيب والأنين، حتى عدت من البكائين ولم تر ضاحكة قط (1).
والصورة الثانية: ندم عمر على خلافته وأفعاله، وما جرت عليه من
خطوب وخوفه من الآخرة. وتمنيه أن يكون أشياء مختلفة يترفع الناس عن ذكرها
والنطق بها. فأصبح عندنا صورتان مختلفتان لفاطمة (عليها السلام) الهاربة من الدنيا، ولعمر
الهارب من الآخرة. اللهم إرحم المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
روى سلمان بن حرب عن ابن عباس أن عمر قال لابنه عبد الله: خذ رأسي
عن الوسادة فضعه في التراب، لعل الله يرحمني، وويل لي وويل لأمي إن لم يرحمني
الله عز وجل، فإذا أنا مت فأغمض عيني، واقصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند
الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي
وأنشد: ظلوم لنفسي غير أني مسلم أصلي الصلاة كلها وأصوم (2).
وفي رواية: قبل وفاته كان رأسه (عمر) في حجر ابنه عبد الله فقال له: ضع
خدي بالأرض، فلم يفعل، فلحظه وقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع
خده بالأرض، فقال: الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر (3).
وقال: لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. قالوا: ما أبكاك إلا هذا قال:
ما أبكاني غيره (4).
وقال عمر: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لأفتدين به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه (5).



(1) طبقات ابن سعد 2 / 85.
(2) أسد الغابة، ابن الأثير 4 / 177.
(3) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 22، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 259.
(4) الإمامة والسياسة 1 / 26، الطبقات لابن سعد 3 / 257.
(5) صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عمر.
185
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار: لما حضرت عمر الوفاة، قال لبنيه ومن
حوله: لو أن لي ملء الأرض من صفراء أو بيضاء لافتديت به من أهوال ما
أرى (1). وقد طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث
وعشرين ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته عشر
سنين وخمسة أشهر وواحدا وعشرين يوما (2). وقال الزهري بأنه توفي وهو ابن
أربع وخمسين سنة وقيل ست وستون سنة وقال هشام بن عبد الملك عندما نزل به
الموت لعائلته: " جاد لكم هشام بالدنيا، وجدتم له بالبكاء، وترك لكم ما جمع،
وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له (3). وندم طلحة بن
عبد الله، وهو يرى دمه لا ينقطع من أثر السهم فقال لهم: اتركوه فإنما هو سهم
أرسله الله (4). وقال:
ندامة ما ندمت وضل حلمي * ولهفي ثم لهف أبي وأمي (5)
وندم الزبير، وترك أرض المعركة بعد ما قال له علي (عليه السلام): أتذكر قول
النبي (صلى الله عليه وآله) لي في شأنك: والله ليقاتلنك وهو ظالم لك (6).
ثم ندم عبد الله بن عمر على عدم قتاله الفئة الباغية قائلا: ما وجدت في
نفسي من شئ من أمر هذه الآية {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} إلا ما
وجدت في نفسي إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى (7).



(1) الرواية موجودة في الطبعات القديمة لتاريخ الطبري وقد حذفها الناشر من الطبعات الجديدة.
(2) أسد الغابة لابن الأثير.
(3) الأخبار الموفقيات، الزبير بن بكار ص 473.
(4) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 299.
(5) مروج الذهب، المسعودي 2 / 404.
(6) العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 301.
(7) مستدرك الحاكم 2 / 462.
186
نظرية أبي بكر وعمر في تعيين الولاة
وإدارتهم
الباب

187
عمال أبي بكر
كان عمال أبي بكر لما توفي: عتاب بن أسيد على مكة، وعثمان بن أبي
العاص على الطائف ورجلا من الأنصار على اليمامة، وحذيفة بن محصن
على عمان، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وخالد بن الوليد على جيش
الشام، والمثنى بن حارثة الشيباني على الكوفة، وسويد بن قطبة على البصرة (1).
وكان الوليد بن عقبة على النصف من صدقات قضاعة ثم أمره على
الأردن (2).
وأمر عمرو بن العاص على فلسطين (3). وأمر أبا عبيدة بن الجراح على
حمص (4) وأمر يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وأمر شرحبيل بن حسنة
على الأردن (5). وأمر المثنى بن حارثة على العراق، وأوصى أبو بكر بأن يرجع
خالد إلى ولاية العراق بعد عودته من الشام (6).



(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 138، تاريخ الطبري 2 / 617.
(2) تاريخ الطبري 2 / 588.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) تاريخ الطبري 2 / 592.
(6) تاريخ الطبري 2 / 603.
189
ومثلما خالف عثمان وصية عمر في ولاية سعد والأشعري فقد خالف عمر
وصية أبي بكر في ولاية خالد العراق.
وكان واليه على صنعاء المهاجر بن أبي أمية، وعلى حضرموت زياد بن
لبيد، وعلى خولان يعلى بن أمية، وعلى زبيد ورمع أبو موسى الأشعري، وبعث
جرير بن عبد الله إلى نجران، وبعث بعبد الله بن ثور أحد بني الغوث إلى ناحية
جرش، وبعث عياض بن غنم إلى دومة الجندل (1).
وجاء أيضا: بعث أبو بكر أنس بن مالك واليا على البحرين (2).
وقال خليفة (3): وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن وقيل على
حضرموت (4)، وأقر على الطائف عثمان بن أبي العاص.
وقد بقي ابن العاص والأشعري والوليد بن عقبة وابن الجراح ويزيد بن أبي
سفيان وزياد بن لبيد وعثمان بن أبي العاص ولاة في زمن أبي بكر وعمر.
أنس بن مالك
وهو أنس بن مالك بن النضر بن عدي بن النجار الخزرجي، قد عينه أبو
بكر واليا على البحرين (5).
وهو من المحسوبين على أنصار أبي بكر لذلك عزله عمر عن البحرين وعين
أبا هريرة بدلا عنه! مثلما عزل شرحبيل بن حسنة وعين عمرو بن العاص بدلا



(1) تاريخ الطبري 2 / 617.
(2) تاريخ الإسلام، الذهبي، عهد الخلفاء الراشدين ص 121، تاريخ خليفة ص 123.
(3) تاريخ خليفة ص 123.
(4) الكامل في التاريخ 2 / 421.
(5) كانت المنطقة الشرقية لجزيرة العرب عدا عمان تسمى بالبحرين، راجع معجم البلدان.
190
عنه. وكان من عائلة فقيرة كما روى هو قائلا: قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة
وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي وانطلقت بي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا
رسول الله إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا قد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر
على ما أتحفك به إلا ابني هذا فخذه فليخدمك ما بدا لك (1).
وحكم أبو بكر سنتين فقط، ومدة ولاية أنس بن مالك على البحرين كانت
قليلة وفيها أصبح أنس من أثرياء العرب! بحيث شهد زيد بن ثابت بأنه أكثر
خزرجي مالا! (2).
وأنه أصبح أكثر ثراء من عائلة عبد الله بن أبي زعيم الخزرج في الجاهلية
الذي أراد أهالي المدينة تنصيبه ملكا عليهم! وذكر ابن الأثير بأنه مات بقصره
بالطف من البصرة (3).
وقد بقي أنس بن مالك محبا لأبي بكر فذكر له فضائل كثيرة حفظها الناس في
زمن الخلفاء وزمن الأمويين، ومن تلك الأحاديث الموضوعة إمامة أبي بكر
للصلاة في يوم الاثنين (4).
وحديث أنس: " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا
النبيين والصديقين، يا علي لا تخبرهما " (5). وليس في الجنة كهول! وأحاديث
أخرى (6).
وذكر أنس بن مالك حديث عمه أنس بن النضر عن فرار عمر بن الخطاب



(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 66.
(2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 73.
(3) أسد الغابة 1 / 152.
(4) صحيح البخاري كما في فتح الباري 8 / 143.
(5) سنن الترمذي 3 / 201.
(6) صحيح مسلم 4 / 1854.
191
إلى فوق الجبل في معركة أحد وأخفى أسم أبي بكر لحبه له! (1)
ولا أدري كم حصل من فكر فاسد جراء ولاية أنس بن مالك وأبي هريرة
والمغيرة وقدامة بن مضعون على البحرين! بينما بقي المؤمنون دون عمل في المدينة.
وقد دافع أنس بن مالك عن أهداف الأمويين، ودافع الأمويون عنه،
فوصفوه بخادم الرسول (صلى الله عليه وآله) بينما كان خادم الرسول (صلى الله عليه وآله) ومولاه أنس، وهو غير
أنس بن مالك هذا! (2)
وسبب حب الأمويين له إكثاره من الحديث فيما يحبوه ويخططون له.
فقد قال ابن الأثير وابن حجر عنه " وهو من المكثرين في الرواية عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (3). وقد حصل تنافس بين أنس وأبي هريرة فلم يرو أبو هريرة
عنه إلا حديثا واحدا (4). وأبو هريرة حل مكان أنس في البحرين.
وقد روى أنس نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على فراش أمه أم
سليم وفي بيتها!
وذهب أبعد من ذلك بأن أمه كانت تعجن الرامك (5) بعرق رسول
الله (صلى الله عليه وآله)! (6)
وادعى أنس بن مالك اشتراكه في معركة بدر (وعمره ثمان أو تسع سنين)
بينما كذبه أهل المغازي (7).



(1) الكامل في التاريخ 2 / 156، السيرة النبوية، ابن كثير 3 / 68.
(2) الإصابة، ابن حجر 1 / 74.
(3) أسد الغابة 1 / 151، الإصابة 7101.
(4) الإصابة 1 / 74.
(5) شئ أسود كالقار يخلط بالمسك فيجعل طيبا.
(6) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 71.
(7) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 70.
192
وبينما كان أنس بن مالك محبا لأفراد الحزب القرشي كان مبغضا لعلي بن أبي
طالب (عليه السلام) ففي الكوفة لم يشهد للناس بسماعه حديث الغدير " من كنت مولاه فهذا
علي مولاه، اللهم والي من والاه وعادي من عاداه " فدعا عليه علي (عليه السلام) قائلا: إن
كنت كاذبا فضربك الله بيضاء لا تواريها العمامة (1) فأصابته دعوته ببرص في
وجهه (2). ذكر العجلي: لم يبتل أحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) إلا رجلين معيقيب كان
به هذا الداء الجذام، وأنس بن مالك كان به وضح (3).
وقال أبو جعفر محمد بن علي: رأيت أنس بن مالك أبرص وبه وضح
شديد (4).
والمدهش أن أنس بن مالك كان يضع خرقة سوداء على وجهه لستر ذلك
البرص فقد جاء: " فكشف أنس عن وجهه الخرقة، وكان على وجهه خرقة
سوداء، فقال: ما هذا، ما هذا، ما هذا؟! هكذا كانوا يفعلون. قال: وكان
إذا أرى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه " (5).
وبينما قتل عبد الملك بن مروان الأخيار من المؤمنين وأحرق الكعبة دافع عن
أنس بن مالك وأهان الحجاج لاعتدائه عليه (6) ولم يعاقب الحجاج على مذابحه
وأفعاله الخطيرة.
وقال ابن شهاب الزهري: إنه دخل على أنس بن مالك فبكى، فقلت:



(1) المعارف، ابن قتيبة ص 251، الصواعق المحرقة، ابن حجر ص 77.
(2) أخرجه ابن عقدة في كفاية الطالب ص 60، شواهد التنزيل، الحسكاني 1 / 160، والحمويني في
فرائده 1 / 69.
(3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 75، والوضح: البرض.
(4) المصدر السابق.
(5) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 5 / 73.
(6) مختصر تاريخ دمشق 5 / 75.
193
ما يبكيك يا أبا حمزة؟ فقال: ما أخرت له، فقلت: لا تبك إني لأرجو أن
تكون أخرت لخير (1).
شروط في الوالي
اعتقاد عمر في الوالي تمثل في ضرورة كونه غير محب للفخامة والأبهة
(مستثنيا من ذلك معاوية).
وأن لا تتوجه ضده شكاوى شعبية فيضطر لعزله، فعزل سعد بن أبي وقاص
لشكوى أهل الكوفة ضده.
وعزل المغيرة عن البحرين لشكوى ضده، إلا أنه ولاه ولاية البصرة وهي
أكبر منها. فاستثنى من شرطه ذلك المغيرة بن شعبة لمصلحة كان يراها.
وكان عمر يفضل في الوالي أن يكون داهية مثل المغيرة وابن العاص وعبد
الله بن أبي ربيعة ومعاوية وزياد ومن أفراد الحزب القرشي. وكانت شروط أبي
بكر وعمر قريبة ومتحدة.
وقد فضل عمر عائلة أبي سفيان في ذلك على غيرها فعين أبناء أبي سفيان
الثلاثة ولاة على الأمصار. ولم يكن يرى فرقا بين المسلمين السابقين والمتأخرين،
والمؤمنين والفاسقين، فعين الوليد وأبي هريرة والمغيرة!
ومن شروط عمر في الوالي أن لا يكون من بني هاشم، فمنع هذه القبيلة
الكبيرة من أي وظيفة حكومية، وأبعدهم عن الخلافة تحت عنوان عدم جمع النبوة
والخلافة فيهم.
ولما نصب أبو بكر خالد بن سعيد الأموي أميرا على حملة الروم، قال عمر:



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 5 / 73، وهكذا اشترك أنس مع أبي هريرة في وضع المناقب لأبي بكر
وعمر وعثمان والأمويين وكثرة الرواية وإمارة البحرين وكنز الأموال.
194
أتولي خالدا وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما قد بلغك، فوالله ما
أرى أن توجهه، وحل لواءه، ودعا يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة وشرحبيل بن
حسنة وعمرو بن العاص فعقد لهم (1).
وكان عمر يقاسم هؤلاء الولاة أموالهم حتى يصل إلى النعلين فيأخذ واحدة
ويترك أخرى، وقد بلغ به الأمر أن أحرق باب قصر سعد بن أبي وقاص في
الكوفة. وقد وضع عمر محمد بن مسلمة مبعوثا إلى ولاته، فقد أرسله إلى الكوفة
ومصر والشام. وظل هذا الشخص مخلصا لعمر إلى نهاية عمره.
ولم يكن عمر معتقدا بضرورة تعيين أرحامه في الوظائف الحساسة فلم
يول أبناءه منصبا. سائرا في ذلك على خطى أبي بكر. وكانت خطة النبي (صلى الله عليه وآله) تتمثل
في إرسال اللائقين إلى الوظائف الحكومية دون نظر إلى رحم وانحدار قومي
وإقليمي. واستثنى عمر قدامة بن مظعون (صهره) فعينه واليا على البحرين، ثم
اضطر إلى حده في قضية شرب خمر (2).
والذين لم يكن يحبهم عمر قبل الخلافة استمر لا يحبهم بعد توليه إياها مثل
خالد وابن عبادة، والحباب بن المنذر.
ومن ولاة عمر الذين لم يجمعوا مالا ليحاسبهم، ولم يفعلوا منكرا كي
يعاتبهم، هم عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وبقي عمار إماما
لمسجد الكوفة مدة قصيرة وحكم حذيفة وسلمان مدينة المدائن غير المهمة.
وبينما عين عمر سلمان وحذيفة وهما من شيعة علي (عليه السلام) امتنع أبو بكر وعثمان
ومعاوية من إرسال أي شخص من أرحام وأنصار علي (عليه السلام) إلى الوظائف
الحساسة.



(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 / 90.
(2) وقدامة بن مظعون هو خال حفصة وعبيد الله ابنا عمر.
195
ولم يكن عمر يرى للأسبقية في الإسلام أفضلية في التعيين ويرى للنسب
القرشي أرجحية. ولم يول عمر البلدان المهمة لفترات طويلة إلا للمنحرفين عن
بني هاشم، والمتأخرين في إسلامهم وهم معاوية وابن العاص وعبد الله بن أبي
ربيعة والمغيرة وأبي موسى الأشعري، إذ كانوا يحكمون الشام ومصر واليمن
والكوفة والبصرة، وقد تربى هؤلاء الناس على بغض أهل البيت (عليهم السلام).
أما عن إدارة عمر لعماله فقد جاء: كتب عمر (رضي الله عنه) إلى عماله أن يوافوه فوافوه
فقال: " يا أيها الناس إني بعثت عمالي هؤلاء بالحق عليكم، ولم استعملهم ليصيبوا
من أبشاركم، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم. فمن كانت له مظلمة عند أحد
منهم فليقم ".
قال: فما تقدم من الناس إلا رجل واحد فقال: يا أمير المؤمنين عاملك
ضربني مائة سوط. فقال عمر: تضربه مائة سوط؟ فاستقد منه. فقام إليه عمرو
ابن العاص فقال له: يا أمير المؤمنين إنك إن تفتح هذا على عمالك كبر عليهم،
وكانت سنة يأخذ بها من بعدك.
فقال عمر: ألا أقيده منك، وقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقيد من نفسه؟ قم
فاستقد. فقال عمرو: دعنا إذا فلنرضه. قال: فقال دونكم. فأرضوه بأن اشتريت
منه بمائتي دينار، كل سوط بدينارين (1).
وهذا العمل يبين سنة من سنن الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي طلب من المسلمين قبل
موته أن يأخذوا بحقهم منه (صلى الله عليه وآله)، إن كان لهم في رقبته حق، إذ قال (صلى الله عليه وآله):
" أما بعد أيها الناس فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وإنه قد دنا مني
حقوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن
كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ألا وإن الشحناء ليست من



(1) الخراج ص 115 - 116.
196
طبعي، ولا من شأني ألا وإن أحبكم إلي من أخذ مني حقا إن كان له أو
حللني، فلقيت الله وأنا طيب النفس، وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم
فيكم مرارا، ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى في
الشحناء وغيرها، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة دراهم.
قال (صلى الله عليه وآله) اعطه يا فضل، فأمرته فجلس. ثم قال: أيها الناس من كان عنده شئ
فليؤده، ولا يقل فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة،
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله. قال (صلى الله عليه وآله):
ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا. قال: خذها منه يا فضل. ثم قال: يا أيها الناس
من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له، فقام رجل فقال: يا رسول الله إني لكذاب
إني لفاحش، وإني لنؤوم فقال: اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم إذا
أراد. ثم قام رجل فقال: والله يا رسول الله: إني لكذاب وإني لمنافق وما شئ أو إن
شئ إلا قد جنيته، فقام عمر بن الخطاب فقال: فضحت نفسك إيها الرجل. فقال
النبي (صلى الله عليه وآله) يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا
وإيمانا وصير أمره إلى خير (1).
محاسبة عمر ولاته
ولم يكن أبو بكر شديدا مع ولاته. وكان عمر بن الخطاب يستخدم الحزم مع
ولاته لمنعهم من تخطي أوامره، فكانوا يخافون منه ويهابونه، وقد اعترف عثمان
بذلك في قوله لعمرو بن العاص: وأنا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لاستقمت،
ولكني لنت لك فاجترأت علي (2).



(1) تاريخ الأمم والملوك للطبري 2 / 434.
(2) أنساب الأشراف، البلاذري 5 / 74 - 87، جمهرة رسائل العرب 1 / 388.
197
فكانت درة عمر تخيف هؤلاء الولاة الذين لا يخافون الله تعالى، وفعلا
استقام ولاة عمر له طيلة مدة سلطته، ولما عزل عثمان ابن العاص انتفض ضده،
وساعد على قتله، حتى قال: قتلته وأنا في وادي السباع (1).
وأصبح ولاة عمر ضد الإمام علي (عليه السلام) وهم عتبة ومعاوية والمغيرة وابن
العاص وأبو هريرة وسعيد بن العاص وأبو موسى الأشعري والوليد بن عقبة، أي
أن ولاة عمر الذين لا يملكون شروط الوالي الصالح يريدون الخلود في مناصبهم
التي منحها لهم عمر... فلما عزل عثمان وعلي (عليه السلام) بعضهم ثاروا؟
وهذا هو الفرق بين الوالي الفاسق والوالي المؤمن. فالوالي الفاسق يفعل
المستحيل لاستمرار حكمه، والوالي المؤمن يعتبرها خدمة إسلامية ومسؤولية
دينية. وفعلا استمر ابن العاص والمغيرة وأبو هريرة ومعاوية وعتبة وسعيد بن
العاص إلى نهاية عمرهم في جهاز السلطة، مستخدمين شتى الوسائل المتاحة
والممنوعة لاستمرار ذلك. فقد قتلوا الأبرياء، ونشروا الحديث الكاذب، وسرقوا
أموال الله والمسلمين، وارتكبوا المعاصي.
وتلك الأعمال تثبت فشل نظرية استخدام الفسقة والدهاة كما أشار إليها الله
تعالى: {وما كنت متخذ المضلين عضدا} (2). فهؤلاء الولاة الذين ضبطهم عمر
بعصاه انفلتوا كبركان هائج، لتحريك الفتن وتأجيج الصراعات، لا يقبلون بأقل
من خلافة أو وزارة أو ولاية كبيرة. وطموحهم العظيم وطموح أمثالهم للأموال
والسلطة، جعلهم يكثرون من الأحاديث الكاذبة طمعا في عطايا معاوية،
ويفعلون الموبقات لإرضاء الأمويين، وقيادة الفتن.



(1) وقعة صفين ص 34 - 39، سير أعلام النبلاء 3 / 71 - 73، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد
2 / 62 - 66، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 276، تاريخ ابن خلدون 2 / 625.
(2) الكهف، 51.
198
نظرية الفاجر القوي أفضل من المؤمن الضعيف
لقد ذكر عمر بن الخطاب فجور وفسق المغيرة في أماكن وأزمان مختلفة، مرة
عندما ذكروا أمامه تسبب المغيرة في مقتل مسلم في حصار الطائف، ومرة أخرى
عند الحديث عن مواصفات الوالي:
فقد روى ابن عبد ربه في أوائل العقد الفريد تحت عنوان " اختيار
السلطان لأهل عمله ". أنه لما قدم رجال على عمر يشكون سعد بن أبي
وقاص قال: من يعذرني من أهل الكوفة، إن وليتهم التقي ضعفوه، وإن وليتهم
القوي فجروه. فقال له المغيرة (الذي كان قد أخرجه عمر من ولاية البصرة
لفجوره): إن الضعيف له تقواه وعليك ضعفه، والقوي الفاجر لك قوته وعليه
فجوره.
قال: صدقت فأنت القوي الفاجر، فأخرج إليهم، فلم يزل عليهم أيام عمر.
وعندما اجتمع الثوار من العراق ومصر قرب المدينة المنورة أرسل عثمان
المغيرة بن شعبة إليهم.
قال البلاذري: " وأتى المغيرة بن شعبة عثمان فقال له: دعني آت القوم فانظر
ماذا يريدون، فمضى نحوهم، فلما دنا منهم صاحوا به: يا أعور وراءك! يا فاجر
وراءك! يا فاسق وراءك.
فرجع. ودعا عثمان عمرو بن العاص، فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب
الله والعتبى مما ساءهم، فلما دنا منهم سلم، فقالوا: لا سلم الله عليك! ارجع يا عدو
الله! ارجع يا ابن النابغة! فلست عندنا بأمين ولا مأمون " (1). وقد ذكر ولاية
المغيرة للكوفة كل من ابن عبد البر في الاستيعاب بترجمة المغيرة والطبري وابن



(1) أنساب الأشراف، البلاذري 5 / 111 - 112.
199
الأثير (1). وقد قال عمر: من استعمل فاجرا، وهو يعلم أنه فاجر فهو
مثله (2). بينما قال عمر للمغيرة: أنت القوي الفاجر فاخرج إليهم! (3)
وقد أيد الخليفة عمر معاوية بقوله كسرى العرب. ووصفه بكسرى يشير
إلى نظرية عمر في استخدام الفاجر القوي. وفعلا بقي معاوية واليا على الشام طيلة
حكم عمر. بالرغم من رواية عمر للحديث النبوي في بني أمية: أما والله ليعورن
بنو أمية الإسلام، ثم ليعمينه (4).
أما فيما يخص عمرو بن العاص فقد انتخبه عمر قائدا لجيوش إفريقيا
المتوجهة لفتح مصر، ثم عينه واليا على مصر.
وكان عمر يعترف بفجور ابن العاص إذ أرسل له رسالة جاء فيها: من عبد
الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاصي (5).
واستنادا لتلك النظرية عين عمر بن الخطاب الوليد بن عقبة بن أبي معيط
الفاسق بلفظ القرآن الكريم واليا على عرب الجزيرة (6).
إذا نظرية الخليفة عمر هي نفس نظرية المغيرة في كون الضعيف له تقواه
وعلى السلطان ضعفه، والقوي الفاجر له فجوره وللسلطان قوته. وواضح على
هذه النظرية نفس المغيرة، الذي أراد ربط المؤمن بالضعف، والفاجر بالقوة!!
واستنادا لهذه النظرية، أصبح المغيرة واليا لمعاوية على الكوفة، واستنادا



(1) تاريخ الطبري 4 / 262، تاريخ الكامل 3 / 16.
(2) تاريخ عمر لابن الجوزي 56.
(3) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 472.
(4) الموفقيات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 115.
(5) عبقرية عمر للعقاد 28.
(6) تاريخ الطبري 3 / 327 طبعة الأعلمي. وهو الذي نزلت فيه آية {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}
الحجرات: 8، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 451، الإصابة، ابن حجر 3 / 637.
200
إليها اقترح المغيرة على معاوية تنصيب يزيد الفاجر خليفة للمسلمين؟!
ولكن يزيد كان فاجرا وضعيفا؟
واستنادا لهذه النظرية أخرج عمار من إمامة مسجد الكوفة رغم كونه
مؤمنا وقويا فقال عمر: من يعذرني من أهل الكوفة إن وليتهم التقي
ضعفوه (1).
وقد سار على هذه النظرية عثمان بن عفان في تنصيبه عبد الله بن أبي سرح
على إفريقيا والوليد بن عقبة على الكوفة ومعاوية على الشام...
ولم يكن ابن أبي سرح وابن عقبة من الأقوياء، فوقع على عثمان فجورهما
وضعفهما.
وبسبب ضعف عثمان وقوة عمر الشخصية، فقد برز خلل هذه النظرية
بصورة صارخة في زمن ابن عفان، بحيث إنها تسببت في ثورة شعبية عارمة
أطاحت به.
إذ كان عمر متسلطا على ولاته قابضا عليهم ومراقبا لهم، فأحرق بيت سعد
ابن أبي وقاص، وهدد ابن العاص بالعزل قائلا: فما أراني إلا عازلك فمسئ
عزلك (2). وعزل المغيرة ثم أعاده.
ومزق ثوب معاوية الحرير في مجلسه. في حين كان ختم عثمان في يد مروان!
وقد خالف الله سبحانه هذه النظرية القرشية إذ جاء في القرآن الكريم: {إن
خير من استأجرت القوي الأمين} (3).
وقد صرح المغيرة بنظريته تلك للإمام علي (عليه السلام)، يوم نصحه بإبقاء معاوية في



(1) العقد الفريد، ابن عبد ربه.
(2) عبقرية عمر، العقاد 28.
(3) القصص: 26.
201
الشام، إلا أن الإمام رفضها، لكونها نظرية غير إسلامية، تثير غضب الله
سبحانه وتعالى.
وقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يؤلف قلوب المسلمين الجدد بالمال والعطايا، ولم يكن
يؤلف قلوبهم بالمناصب الحكومية.
وفيما يخص شكوى الناس من الوالي، فقد استجاب عمر إلى شكوى جماعة
من عمار فعزله عن الكوفة، واستجاب لشكوى الناس من المغيرة، فعزله ثم نقله
من ولاية البحرين إلى ولاية البصرة، وبعد زنى المغيرة في البصرة نقله إلى ولاية
الكوفة! بينما كانت شكوى الناس من عمار نابعة من مطالبتهم إياه بضم بعض
الولايات المفتوحة إداريا إلى الكوفة ليستفيدوا ماديا، وشكوى الناس من المغيرة
نابعة من تصرفاته اللاأخلاقية.
وفي الحقيقة جعلت نظرية الفاجر القوي أفضل من المؤمن الضعيف المؤمنين
جميعا في صف الضعفاء، وجعلت الفجرة في صف الأقوياء.
بينما يجب المقارنة بين الفاجر القوي والمؤمن القوي. ولا شك في أفضلية
الثاني على الأول.
وفي كل الأزمنة يحاول الفجرة الاستفادة من النظرية الأولى بالاحتيال في
المقارنة بجعل المؤمنين جميعا في صف الضعفاء.
ونظرة سريعة إلى الولاة في زمن عمر تبين حالهم وهم: المغيرة وعتبة
ومعاوية وابن العاص وأبو هريرة وقنفذ وزياد بن أبيه وسمرة بن جندب ويزيد بن
أبي سفيان وقدامة بن مضعون وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة.
وبذلك تكون نظرية الخليفة عمر هي نفسها نظرية المغيرة في تفضيل الفاجر
القوي على المؤمن الضعيف! مع الغفلة عن المؤمن القوي.
وقد نصب عمر الكثير من الفسقة ولاة ولكن شدة عمر مع ولاته لم
يساعدهم على إبراز كفرهم في زمنه وزمن أبي بكر فأبرزوه في زمن عثمان.

202
منهجان في تعيين الولاة
طبقا للنظرية الإلهية: {وما كنت متخذ المضلين عضدا} (1) امتنع الإمام علي
(عليه السلام) عن تولية الفسقة من أمثال معاوية وعتبة وابن العاص والمغيرة وأبي هريرة
وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة وأمثالهم.
كما جاء في رسالته (عليه السلام) إلى جرير بن عبد الله (2).
فقال ابن عباس عن نظرية الإمام علي (عليه السلام) في الامتناع عن تولية معاوية
الشام: وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفي المؤمنين من ليس بمأمون
عنده ولا موثوق به في نفسه، هيهات هيهات (3).
وقال الإمام علي (عليه السلام) لعثمان: " ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض
المسلمين وأبشارهم وأموالهم، والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس
لكان إثمه مشتركا بينه وبينك (4).
وجاء في تفسير الآية وما كنت متخذ المضلين عضدا، أي أعوانا، والمعنى:
وما صح لك الاعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم (5).
ويذكر أن منهجية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) المعلنة تعتمد على عدم تولية الفجرة
الحكم إذ قال: من استعمل فاجرا وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله (6)، ولكن عمر لم



(1) الكهف، 51.
(2) صفين، نصر بن مزاحم ص 52، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 580.
(3) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 106 طبعة دار الفكر الثالثة.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 15، كتاب الشورى، الواقدي.
(5) تفسير الكشاف، جاد الله الزمخشري 2 / 728.
(6) تاريخ عمر، ابن الجوزي 56.
203
يتبع منهجيته تلك؟! فقال للمغيرة: صدقت فأنت القوي الفاجر، فأخرج
إليهم، فلم يزل عليهم أيام عمر (أي واليا على الكوفة) (1).
وقال الإمام علي (عليه السلام) عما حصل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) قائلا: " حتى إذا قبض الله
رسوله رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا
غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته (أي أهل البيت (عليهم السلام))، ونقلوا
البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه.
معادن كل خطيئة وأبواب كل ضارب في غمرة. قد ماروا في الحيرة وذهلوا
في السكرة، على سنة من آل فرعون، من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين
مباين (2).
فالإمام علي (عليه السلام) بين منهجه في رفض تعيين الولاة الفسقة قولا وعملا. في
حين كان عمر قد عين من اتهمهم بالفسق ولاة طول مدة حكومته.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في جواب قصيدة ابن العاص ضده وضد بني هاشم: اللهم
العنه بكل حرف ألف لعنة (3).
ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) معاوية وعتبة (4) بينما نصبهما عمر على الشام والطائف.
ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) بني أمية (5).



(1) العقد الفريد، ابن عبد ربه أوائل الكتاب.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 132، وغالتهم السبل: أهلكهم اختلاف الآراء والأهواء،
والولائج: البطانة، ووصلوا غير الرحم أي غير رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهجروا السبب يعني أهل
البيت (عليهم السلام)، الذي أمروا بمودته في قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}
سورة الشورى 23.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 103، المفاخرات، الزبير بن بكار.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 102، المفاخرات، الزبير بن بكار.
(5) المستدرك، الحاكم 4 / 480، المفاخرات، الزبير بن بكار.
204
ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) المتخلفين عن حملة أسامة بن زيد (1).
ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) بني ثقيف إذ جاء: أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنو أمية
وبنو حنيفة وثقيف (2).
وكان المغيرة من المهاجمين لبيت فاطمة (عليها السلام) فيشمله غضب الله تعالى، لأنه
جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (3).
وقد اتهم عمر أبا هريرة بسرقة أموال المسلمين إذ قال أبو هريرة: قال لي
عمر: يا عدو الله وعدو المسلمين أو قال: وعدو كتابه سرقت مال الله؟ (4)
وهو أول راوية اتهم بالكذب في الإسلام (5) وقد قال له عمر: أكثرت من
الحديث وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله (6).
ومن ولاة عمر قنفذ الذي ضرب فاطمة (عليها السلام) فيكون معظم ولاة عمر من
الملعونين على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) والمتهمين بالعمل ضد الإسلام والمفضوحين بالفسق
على لسان عمر. ومن غير اللائق تولي هؤلاء إمرة المسلمين وقد قال تعالى: {وما
كنت متخذ المضلين عضدا} (7).
وقد برر الخليفة عمر عدم استخدامه للمؤمنين الأوائل بعذر يتمثل في أنه لا



(1) الملل والنحل، الشهرستاني 1 / 23.
(2) المستدرك، الحاكم 4 / 480.
(3) المستدرك على الصحيحين 3 / 167 ح 4730، أسد الغابة 7 / 224، الإصابة، ابن حجر 4 / 378،
تهذيب التهذيب 12 / 469 رقم 2860، مجمع الزوائد 9 / 203، ذخائر العقبى 39، مقتل الحسين (عليه السلام)،
الخوارزمي 1 / 52، تذكرة الخواص 310، كفاية الطالب، الكنجي 364، ميزان الاعتدال 1 / 535 رقم
2002.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 113.
(5) تاريخ آداب العرب 1 / 278، البداية والنهاية، ابن كثير 48.
(6) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 360.
(7) الكهف، 51.
205
يريد أن يدنسهم بالعمل! (1)
ولكن العمل شرف وخدمة وجهاد وليس فيه تدنيس، وقد عمل الأنبياء
والصالحون ومنهم محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يتدنسوا....!!
وثانيا: النص الإلهي يقول: " إن خير من استأجرت القوي الأمين "، ولا
يمكن ترك رقاب أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وأموالهم وأعراضهم ودينهم بيد الفجرة الفسقة...
لذلك زنى المغيرة في البصرة وسرق أبو هريرة في البحرين. بل إن عمر كان يتهم
كل ولاته بالسرقة، فقاسمهم أموالهم ونعالهم.
وبذلك نفهم أن تلك النظرية خاطئة لم تفدنا قديما ولا تفيدنا مستقبلا. ولقد
راح عمر ضحية هذه النظرية يوم قتله أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة، لأن المغيرة
الفاجر ظلم الناس ومنهم عبده.
وبسبب عدم اهتمام عمر بشكوى أبي لؤلؤة من المغيرة (وهي الشكوى
الجدية الثالثة من المغيرة بعد شكوى الناس منه في البحرين والبصرة) فقد توجه
انتقام أبي لؤلؤة صوب عمر وهكذا قتل الكثير من الزعماء والرؤساء الكبار
والصغار بسب دفاعهم عن أعوانهم الظلمة.
قواعد عمر مع عماله ونظرته إلى المترفين
كانت طريقة عمر مع عماله تتمثل في القواعد التالية:
كتابة مبلغ ماله قبل تعيينه، ثم مناصفته لما حصل عليه من أموال في أيام
ولايته، ومحاسبتهم سنويا في موسم الحج.
تنفره من تدخل زوجات العمال في أمور أزواجهن الرسمية.
ومن قواعد عمر مع العمال عدم استعماله الصحابة الكبار، ولما سألوه: مالك



(1) طبقات ابن سعد 3 / 383.
206
لا تولي الأكابر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: أكره أن أدنسهم
بالعمل (1). وهذا النص يشير إلى ضرورة استخدام الطلقاء وغيرهم ممن تأخر في
دخوله الإسلام، وإبعاد الصحابة الأوائل!
وكان عمر لا يرضى أن يؤمر أهل الوبر على أهل المدر (2) وقد سار عمر على
هذا الشرط مفضلا أهل المدن على غيرهم.
وقال عمر: إني لم أتحرج أن استعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه (3) أي
تجويزه استخدام المفضول مع وجود الفاضل، وفعلا عين الطلقاء وترك الصحابة
الأكابر.
ولكن عمر في مكان آخر قال ما ينافي شرطه المذكور، إذ لما استعمل عمر
معاوية بن أبي سفيان على الشام وعزل شرحبيل بن حسنة قال: إني لم أعزله عن
سخطة، ولكني أريد رجلا أقوى من رجل (4)، وقد أثبت شرحبيل قدرته في
إدارة الأمور.
وفي الحقيقة كان عمر قد فضل بني أمية على غيرهم في الخلافة والولاية،
وخصص الشام لهم.
وعن الشعبي قال: كتب عمر في وصيته: ألا يقر لي عامل أكثر من سنة
وأقروا الأشعري أربع سنين (5). أي أن عمر طلب من خليفته تعيين ولاته سنة في
الحكم بعد مماته.



(1) طبقات ابن سعد 3 / 383.
(2) الوبر بفتحتين للبعير واحدها وبره والحضر أهل المدن والمعنى عدم قبوله باستعمال أعرابي على
حضري.
(3) طبقات ابن سعد 3 / 305.
(4) ابن الأثير 2 / 217.
(5) ابن عساكر ص 522، سير أعلام النبلاء للذهبي 2 / 391.
207
وكان عمر يستقدم ولاته في كل موسم حج، ويحاسبهم أمام الناس، ويسمع
لشكوى الناس منهم.
ولما أعطى عمر الدرة للشاكي المصري ليضرب محمد بن عمرو بن العاص،
قال عمرو: يا أمير المؤمنين: قد استوفيت واشتفيت؟! أي أن ابن العاص اتهم عمر
ابن الخطاب برغبته الانتقام منه ومن عائلته لمصلحة شخصية.
وكتب عمر إلى عمرو بن العاص: " وقع إلي أنك تتكئ في مجلس، فإذا
جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ " (1).
وكان عمر يندب لهم وكيلا خاصا يجمع شكايات الشاكين منهم، ويتولى
التحقيق والمراجعة فيها. وكان يأمر الولاة والعمال أن يدخلوا بلادهم نهارا إذا
قفلوا إليها من ولاياتهم، لينظر ما حملوه معهم في عودتهم، ويتصل نبأه بالحرس
والأرصاد الذين يقيمهم على ملاقي الطريق.
ومن قواعد عمر عدم استخدامه أرحامه فقد قال: من استعمل رجلا لمودة
أو لقرابة لا يشغله إلا ذاك، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين (2)، وقد خالف عمر
هذا الشرط في قضية قدامة بن مظعون (صهره).
وعن خالد والمثنى قال: إني لم أعزلهما عن ريبة، ولكن الناس عظموهما
فخشيت أن يوكلوا إليهما (3).
وقيل: كان عمر بن الخطاب إذا استعمل عاملا كتب عليه كتابا وأشهد عليه
رهطا من الأنصار أن لا يركب برذونا ولا يأكل نقيا ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق
بابه دون حاجات المسلمين لكنه استثنى معاوية من هذا الشرط.



(1) عبقرية عمر للعقاد 61.
(2) المصدر السابق.
(3) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 191.
208
ومن قواعده تفضيل قريش على غيرهم وتفضيل العرب على العجم في
الوظائف الرسمية.
قال أبو جعفر عن رحلة عمر إلى الشام: " فكتب إليهم أن يتلقوه برأس
الجابية ليوم سماه لهم، فلقوه وهو راكب حمارا، وكان أول من لقيه يزيد بن أبي
سفيان، ثم أبو عبيدة بن الجراح، ثم خالد بن الوليد على الخيول وعليهم الديباج
والحرير، فنزل عمر عن حماره وأخذ الحجارة ورماهم بها، وقال: سرعان ما لفتم
عن رأيكم، إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم منذ سنتين، سرع ما ترت
بكم البطنة. ولقيه معاوية وعليه ثياب ديباج وحوله جماعة من الغلمان والخول،
فدنا منه فقبل يده، فقال: ما هذا يا ابن هند! وإنك لعلى هذه الحال مترف صاحب
لبوس ونعم، وقد بلغني أن ذوي الحاجات يقفون ببابك، فقال: يا أمير المؤمنين أما
اللباس فإنا ببلاد عدو، ونحب أن يرى أثر نعمة الله علينا، وأما الحجاب فإنا نخاف
من البذلة جرأة الرعية.
فقال (عمر): ما سألتك عن شئ إلا تركتني منه في أضيق من الرواجب، إن
كنت صادقا فإنه رأي لبيب، وإن كنت كاذبا فإنها خدعة أريب (1).
نلاحظ هنا تراجع عمر السريع عن قاعدته في الترف، وقاعدته في منع
الحجاب أمام أبواب الولاة لصالح معاوية بن أبي سفيان بينما عزل شرحبيل والمثنى
دون أي تردد.
وقد قال المختار يزيد بن قيس في رسالة إلى عمر يشكو فيها عمال الأهواز:
فأرسل إلى المختار فاعرف حسابه * وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تنسين النافعين كلاهما * ولا ابن غلاب من سراة بني نصر
وما عاصم منها بصغر عناية * وذاك الذي في السوق مولى بني بدر



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 / 299.
209
وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه * وصهر بني غزوان إني لذو خبر
وشبلا فسله المال وابن محرش * فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر
فقاسمهم أهلي فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة إنني * أغيب ولكنه رأى عجب الدهر
نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزو * فأنى لهم وفر ولسنا أولي وفر
إذا التاجر الداري جاء بفارة * من المسك راحت في مفارقهم تجري
وصادر الحرث بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة وقال له: ما قلاص
وأعبد بعتها بمائة دينار؟ قال: خرجت بنفقة لي فأتجرت فيها.
قال (عمر): وإنا والله ما بعثناك للتجارة أدها.
قال: أما والله لا أعمل لك بعدها.
قال (عمر): أنا والله استعملك بعدها (1).
امتناع أبي بكر وعمر عن تعيين أقربائهما في السلطة
ولم يكن أبو بكر وعمر معتقدان بضرورة تعيين أرحامهما في الوظائف
الحساسة. فلم يول عمر أبناءه في مناصب الدولة الحساسة اعتقادا منه بهذا المنهج
الذي اتبعه أبو بكر من قبل.
والجماهير في العادة تحب سياسة ابتعاد القائد عن تعيين أرحامه وعدم
تفضيله إياهم بالباطل على الناس. وهي سياسة ذكية في كسب قلوب الرعية.
وكانت منهجية الرسول (صلى الله عليه وآله) قائمة على عدم تفضيل شخص على آخر إلا بالتقوى
والقدرة. فلم يفضل إنسانا على آخر بالباطل أبدا.



(1) فتوح البلدان للبلاذري، 90، 226، 392، العقد الفريد 1 / 18 - 31، معجم البلدان 2 / 75، تاريخ ابن
كثير 7 / 18، 115، السيرة الحلبية 3 / 220، الإصابة 3 / 384، 676، الفتوحات الإسلامية 2 / 480.
210
وقد تعلم الصحابة هذه المنهجية من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وادركوا أثرها في
كسب ود الناس.
وكان أحد الناس قد طلب من عمر بعد طعنه تولية ابنه عبد الله. فقال له: ما
أردت الله بذلك إن عبد الله لا يحسن طلاق زوجته (1).
وقد شذ عمر عن نظريته تلك في مورد واحد، حين عين قدامة بن مظعون
(خال ولديه عبد الله وحفصة) واليا على البحرين لكنه عزله بعد شربه خمرا.
ولا يعني ابتعاد أبي بكر وعمر عن تعيين أرحامهما في السلطة حسن صفات
ولاتهما المنصبين في البلدان بل كان أرحامهما أقل مكرا وخبثا ودهاء من أعضاء
الحزب القرشي العاملين في جهاز الدولة من أمثال ابن العاص والمغيرة ومعاوية
وعتبة والوليد بن عقبة. وقد قال عمر قبل موته: أخرجت سعد بن زيد (من
مجلس الشورى) لقرابته مني.
فقيل له في ابنه عبد الله بن عمر.
فقال: حسب آل الخطاب ما تحملوا منها. وإن عبد الله لم يحسن أن يطلق
امرأته (2).
ولم توظف الدولة زيد بن الخطاب الذي استشهد في معركة اليمامة في خلافة
أبي بكر. وكان معارضا لخلافة أبي بكر كما صرح عمر بذلك (3).
وقد أصر عمر وأبو بكر على سياسة الابتعاد عن تعيين الأرحام، وهي
إحدى الوسائل المهمة في كسب رضى الناس.



(1) وأعتقد بأن ذلك الرجل القريب من عمر والمحب لعبد الله هو أبو موسى الأشعري الذي بايع عبد الله بن
عمر في قضية التحكيم فوبخه عبد الله والمسلمون. وقد كنوه بأحد الناس حفظا لماء وجهه.
(2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 65، تاريخ الطبري 3 / 292.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 31، 34، المسترشد، محمد بن جرير الطبري، الشافي،
المرتضى ص 241، 244.
211
وقد ابتعد عثمان ومعاوية عن تلك النظرية التي اعتمدها رسول
البشرية (صلى الله عليه وآله) وأكد عليها.
اعتماد عمر على دهاة العرب
لقد كانت عادة قريش في الجاهلية تتمثل في الاعتماد على دهاة الناس،
وتشجيع الأفراد في السير في هذه الخطى.
وقد اعتمد عمر على دهاة العرب فقربهم وهم: معاوية بن أبي سفيان،
والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وكعب
الأحبار، وتميم الداري. وكان أبو بكر وعمر وعائشة على درجة عالية من الدهاء.
وحاول المغيرة بن شعبة أن يحصل على مكانة مميزة من بين صحابة
الرسول (صلى الله عليه وآله)، تمكنه من كسب وظيفة عالية في الدولة.
وقال الإمام علي (عليه السلام) عنه: لم يدخل في الإسلام إلا للجوء إليه، بعد
أن غدر بجماعة من قومه، فقتلهم وسلب أموالهم (1). إذن دخوله في الإسلام
لم يكن عن عقيدة دينية بل لمصلحة شخصية.
وبعد موت النبي (صلى الله عليه وآله) برز دوره مع رجال السقيفة مشاركا لهم في تخطيط
وتنفيذ عملية السقيفة وما أعقبها من خطوب.
ومن خلال وجوده في السقيفة وفي جملة المشاركين في الحملة على بيت
فاطمة (عليها السلام) برز دوره أكثر في الرجال الساعين للحصول على مركز سياسي في
الدولة، فنلاحظ مشاركته عمر وآخرين في وفد أبي بكر لإقناع العباس بن عبد
المطلب بمبايعة أبي بكر مقابل مشاركته في السلطة... وأصل الفكرة من بنات
أفكار المغيرة. وقد احترمت الدولة جهود المغيرة في حث الناس على بيعة أبي



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 4 / 80.
212
بكر، فأرسلته واليا على البحرين.
ولما انصرف عثمان إلى بيت فاطمة ابنة قيس بعد بيعته قام المغيرة بن شعبة
خطيبا فقال: يا أبا محمد الحمد لله الذي وفقك، والله ما كان لها غير عثمان، وعلي (عليه السلام)
جالس. فقال عبد الرحمن: يا ابن الدباغة ما أنت وذاك، والله ما كنت أبايع أحدا
إلا قلت فيه هذه المقالة (1).
ولقد شخص أبو بكر وعمر مكر ودهاء المغيرة وابن العاص فاعتمدا
عليهما، فساهما في تخطيط وتنفيذ بيعة أبي بكر وبيعة عمر وبيعة عثمان وبيعة معاوية
وإثر وفاة ابن العاص خطط المغيرة لبيعة يزيد.
ولقد بين الإمام علي (عليه السلام) التخطيط الماكر الذي فعلوه ضده ابتداء من السقيفة
إلى بيعة البعض لمعاوية. فقال لعمر بعد مبايعته لأبي بكر: إحلب حلبا لك شطره،
توليه أنت اليوم ليردها عليك غدا (2).
وقال علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر لعمر: فيا عجبا بينما هو يستقيلها في حياته إذ
عقدها لآخر بعد مماته (3).
وقال (عليه السلام) عن بيعة ابن عوف لعثمان: خدعة وأيما خدعة (4).
وهكذا نلحظ أن ابن شعبة وابن العاص قد بايعا لمن أحبا ولمن اتفق معهما
على المشاركة في السلطة.
وبينما ضرب المغيرة بيده فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وشارك في إحراق دارها
هاجم ابن العاص الأنصار بعد السقيفة لامتناعهم عن مبايعة أبي بكر (5).



(1) تاريخ الطبري 3 / 302.
(2) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 11.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 409 الخطبة الشقشقية.
(4) تاريخ الطبري 3 / 302.
(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 30.
213
وقال ابن العاص في أواخر عمره في قضية التحكيم: أثبت معاوية (1).
فيكون الحاصل اتفاق مكرة ودهاة قريش والعرب من مثل ابن شعبة وابن
العاص وابن أبي ربيعة وكعب ومعاوية على معاداة أهل البيت (عليهم السلام) ومناصرة
أعدائهم؟!
وهكذا ضاعت النظرية الإسلامية في الحكم بواسطة دهاة العرب وذئابها،
التي لا تعرف للأصول والأديان احتراما ولا للقيم منزلة والقاسم المشترك في ولاة
أبي بكر وعمر أنهم وقفوا ضد الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحاربوه في الجمل
وصفين وهو خليفة المسلمين بالنص الإلهي والوصية النبوية والبيعة الشعبية، وقد
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة
جاهلية (2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق (3).
فكانت النتيجة أن سحق هؤلاء الدهاة نظرية الحكم في الإسلام القائمة على
النص والشورى بأقدامهم ومزقوها بأيديهم. فاقتنع البعض خطأ بأن نظرية
الحكم الإسلامية قائمة على الوصية الشخصية من شخص لآخر أو أنها قائمة على
نظرية الغلبة.
وإذا كان المغيرة الداهية الأول فالداهية الثاني الذي ناصر حكومة عمر
وأبي بكر هو عمرو بن العاص، وقد بلغ من دهائه أن أرسله رجال قريش، ثاني
اثنين لإقناع ملك الحبشة بإرجاع المهاجرين إلى مكة.



(1) تاريخ الطبري 4 / 52 طبعة الأعلمي.
(2) صحيح مسلم، باب الأمر بلزوم الجماعة من كتاب الأمارة، صحيح البخاري، مسند أحمد بن حنبل
2 / 70، 83، 97.
(3) صحيح الترمذي 2 / 301، صحيح النسائي 2 / 271، صحيح ابن ماجة ص 12، حلية أبي نعيم
4 / 185، مستدرك الصحيحين 3 / 129.
214
ولما فشل ابن العاص في إقناع ملك الحبشة في اليوم الأول قال: والله لأتينه
غدا بما يبيد خضراءهم. فقال له رفيقه: لا تفعل فإن لهم أرحاما.
فلما كان الغد قال للنجاشي: إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولا
عظيما (1). ولولا النصر الإلهي للمهاجرين ودفاع جعفر بن أبي طالب لنجحت
جهود ابن العاص، في إعادة المهاجرين.
وبرز دور عمرو بن العاص بعد بيعة السقيفة، إذ تحرك لمهاجمة الأنصار،
والانتقاص منهم، لأنهم تراجعوا عن بيعة أبي بكر. فأشرك عكرمة بن أبي جهل
في ذم الأنصار وبيان عيوبهم في الجاهلية.
ولعظيم مشاركته في دعم النظام أرسله أبو بكر قائدا لجيش في الشام، وعينه
عمر واليا على مصر، والوالي على مصر يكون واليا على إفريقيا.
والداهية الثالث، هو عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، رفيق ابن العاص في
رحلته إلى الحبشة.
لقد كانت قريش في عادتها ترسل دهاتها في المأموريات الخطرة. وفي
محاولتها إرجاع المسلمين من الحبشة انتخبت قريش رجلين توسمت بهما القدرة
على إقناع ملك الحبشة، وهما عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص.
ولقد كان ابن العاص في سفرته السابقة للحبشة قد اصطحب عمارة بن
الوليد داهية بني مخزوم، ولكنه غدر به عند الملك فقتله (2) وشاءت الأمور أن
ينتخب عمر بن الخطاب هذين الرجلين الخطرين لولاية إقليمين مهمين ألا وهما
مصر واليمن. ولم يكن يحلم هذان الرجلان اللذان دخلا الإسلام متأخرين في نيل
أقل من تلك الوظيفة، فكيف بتلك الوظيفة الخطرة. في حين خاف الخليفة عمر من



(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 81.
(2) نسب قريش ص 322.
215
تولية عبد الله بن عباس ولاية حمص الصغيرة.
والداهية الرابع الذي حصل على موقع ممتاز في الدولة العمرية، هو معاوية
ابن أبي سفيان. وقد قال السيوطي فيه: كان معاوية من الموصوفين بالدهاء (1).
إذ أصبح واليا على الشام ومسؤولا عن الأسطول البحري، وتحت إمرته
أكثر من مئة ألف مقاتل. ولم يرغب عمر ببروز أبهة لأي عامل إلا معاوية، فكانت
له فيه نظرة أخرى إذ وصفه بكسرى العرب! (2) مهيئا إياه للخلافة.
ومعاوية الذي استهزأ بأبي سفيان لدخوله في الإسلام قسرا، أصبح واليا
على أكبر ولاية إسلامية ومتحفزا للقفز على الخلافة. وقد اتفقت وجهتا نظر عمر
ومعاوية في ضرورة التعاون مع المغيرة وابن العاص وكعب وأبي هريرة وتميم
الداري وابن أبي ربيعة والوليد وسعيد بن العاص. إذ أرسل معاوية المغيرة وابن
العاص إلى الكوفة ومصر واليين عليها كما فعل عمر. وأرسل معاوية أبا هريرة
واليا على المدينة، وكان عمر قد أرسله إلى البحرين ثم عمان.
والداهية الخامس كعب الأحبار الذي تقرب من الخليفة عمر، فبرزت
قدرة هذا الرجل في وضعه ودسه الأخبار اليهودية في أحاديث المسلمين. وتمكنه
من إقناع عمر بالذهاب إلى الشام، والامتناع من الذهاب إلى العراق كما ذكرنا في
موضعه الخاص به. وهو الذي اصطحب عمر في سفره إلى الشام، ونصحه بخطورة
خلافة الإمام علي (عليه السلام) في حين كان يشير ويهيئ لخلافة معاوية! (3)
وتمكن كعب بقدرته الفائقة من تحريف الكثير من الحقائق، ودس الكثير
من الموضوعات في شريعة المسلمين وسيرتهم.



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 194.
(2) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 472.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 115، رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم
للمقريزي ص 51، أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 185.
216
وأقل ما يقال عن كعب: إن أبا هريرة كان صنيعة من صنائعه؟! وأنه واحد
من الذين أسسوا الأرضية لخلافة معاوية، فتكون عين كعب الأحبار اليمنى
متوجهة لقبض سلطة المسلمين، وعينه اليسرى متوجهة صوب تحريف تراثهم
ودينهم؟! وقلبه مشغول بسبل السيطرة على فلسطين!
ففي زمن الفتنة في أيام عثمان نادى كعب بالخلافة لمعاوية بعد عثمان. إذ روى
وكيع عن الأعمش عن أبي صالح، أن الحادي كان يحدو بعثمان قائلا:
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلق رضي
فقال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء (يعني معاوية).
فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا وها هنا علي والزبير
وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) قال: أنت صاحبها، ولعله أردف ذلك إني وجدت ذلك في
الكتاب الأول (1).
وعن اهتمام عمر بالدهاة من الرجال والنساء ذكر يوسف بن الماجشون: إذا
أعياه الأمر المعضل دعا الأحداث فاستشارهم، لحدة عقولهم.
ومن الذين عملوا مع عمر وأبي بكر كان تميم الداري داهية النصارى،
المتظاهر بالإسلام. وهكذا أصبح الحكم الإسلامي مرصودا من ممثل النصارى تميم
وممثل اليهود كعب ومن ممثلي قريش والأعراب المتظاهرين بالإسلام وهم معاوية
وابن العاص وابن أبي ربيعة والمغيرة وأبو سفيان وعتبة وابن أبي سرح؟!
لقد اهتم تميم الداري وكعب بتحريف التراث والدين الإسلامي، فشرعا في
وضع كل ما كان لازما وضروريا في هدمه وتحطيمه، للاستفادة من الفرصة
السانحة. وقد حصل هؤلاء الدهاة على نفس مناصبهم في زمن معاوية إلا من مات



(1) رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم للمقريزي، أضواء على السنة المحمدية
لمحمود أبو رية 185.
217
منهم مثل ابن أبي ربيعة. كما شخص أبو بكر وعمر مبكرا قدرة أم المؤمنين
عائشة، فاعتمدا عليها وجعلا منها أحد أصحاب الفتوى في المدينة، وجعلها عمر
واحدة من ثلاث نساء يملكن أعلى راتب سنوي يفوق ما يتقاضاه الخليفة وكل
مسلم ومسلمة (1). وقدرة عائشة الشخصية قد برزت واضحة في زمن وفاة النبي
(صلى الله عليه وآله) وخلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وفي ثورتها على عثمان، وفتواها بقتله، وفي
أحداث معركة الجمل للمطالبة بدم عثمان.. وفي ذكرها الحديث المناسب لكل زمان
ومكان. وكتب قيس بن سعد بن عبادة في فسقة العرب الذين عملوا مع معاوية
وأحاطوا به مثل عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكعب الأحبار وأبي هريرة
وعتبة بن أبي سفيان وسعيد بن العاص ومروان وابن أبي سرح قائلا:
ولديك قوم ضالون مضلون، طواغيت من طواغيت إبليس (2).
وشارك بعض أفراد هذه المجموعة في إجهاض ابنتي النبي (صلى الله عليه وآله) زينب
وفاطمة (عليه السلام) (3). ولقد كان عمر أحد دهاة العرب وسياسته وأعماله في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن خلافة أبي بكر وخلافته تبين ذلك. وقد قال: احترسوا من
الناس بسوء الظن (4).
وقال عمر يصف نفسه: إنه ليس بالخب (المخادع) ولكن الخب لا يخدعه (5).
وهذا اعتراف منه بدهائه.
ومما يؤيد دهاء عمر بن الخطاب: قول المغيرة بن شعبة لعمرو بن
العاص: أأنت كنت تفعل أو توهم عمر شيئا فيلقنه عنك؟ والله ما رأيت عمر



(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 153.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 61.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 282.
(4) عبقرية عمر 61.
(5) عبقرية عمر 62، العقد الفريد 3 / 68.
218
مستخليا بأحد إلا رحمته كائنا من كان ذلك الرجل.
وقال الشعبي نقلا عن ابن الأثير الجزري: دهاة العرب أربعة: معاوية بن
أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد.
وقال أبو عمر في الإصابة: كان (زياد) من الدهاة الخطباء
الفصحاء استكتبه أبو موسى الأشعري واستعمله على شئ من البصرة فأقره
عمر (1).
دهاء ابن عباس
وقد عرف عبد الله بن عباس بالدهاء فقال معاوية فيه: حركوه على الكلام،
لنبلغ حقيقة صفته، ونقف على كنه معرفته، ونعرف ما صرف عنا من شبا حده،
ووري عنا من دهاء رأيه.
ثم قال له معاوية: يا ابن عباس ما منع عليا أن يوجه بك حكما.
فقال: أما والله لو فعل لقرن عمرا (ابن العاص) بصعية من الإبل يوجع
كتفيه مراسها، ولأذهلت عقله وأجرضته بريقه، وقدحت في سويداء قلبه، فلم
يبرم أمرا ولم ينفض ترابا إلا كنت منه بمرأى ومسمع (2).
وقال معاوية أيضا: لله درك يا ابن عباس، ما تكشف الأيام منك إلا عن
سيف صقيل ورأي أصيل، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم (3).
وقال ابن العاص لعتبة بن أبي سفيان في يوم الحكمين: " أما ترى ابن عباس
قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل، وإن غفلة أصحابه لمجبورة



(1) الإصابة لابن حجر 1 / 580.
(2) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 105.
(3) المصدر السابق 2 / 107، كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار.
219
بفطنته وهي ساعتنا الطولى فاكفنيه " (1).
ووصف ابن عباس كشف ابن العاص عورته للإمام علي (عليه السلام) في معركة
صفين قائلا: فمنحته رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذرا
من أن يصطلمك بسطوته (2).
وقال عمر لجلسائه: واها لابن عباس! ما رأيته لاحى (نازع) أحدا قط إلا
خصمه (غلبه) (3).
ورغم دهاء ابن عباس فقد امتنع عمر من تعيينه واليا على حمص خارجا
على نظريته! لأنه هاشمي!
فعندما مات عامل حمص أرسل عمر إلى ابن عباس وهم بتوليته، ثم عدل،
وذكر السبب قائلا: يا ابن عباس إني خشيت أن يأتي علي الذي هو آت - يعني
الموت - وأنت في عملك فتقول: هلم إلينا ولا هلم إليكم دون غيركم (4).
وهكذا أهمل عمر ابن عباس الداهية المؤمن ووظف دهاة العرب غير
الملتزمين بأصل وشرع وكذلك أهمل أبو بكر وعمر وعثمان قيس بن سعد بن عبادة
وهو من دهاة العرب المؤمنين فقد عدوه أحد دهاة العرب الخمسة وهم معاوية
وعمرو بن العاص وقيس بن سعد والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن بديل (5).
وقال الحلبي في سيرته: من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لرأى العجب



(1) الأمالي، أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
(2) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 105.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 107، تاريخ الطبري 5 / 30، قصص العرب 2 / 363، الكامل
في التاريخ، ابن الأثير 3 / 63، 288.
(4) مروج الذهب، المسعودي 2 / 353.
(5) تاريخ الطبري 6 / 94، حوادث سنة 41 ه‍، والكامل في التاريخ 3 / 143، حوادث سنة 41 ه‍، وأسد
الغابة 4 / 215، والاستيعاب القسم الثالث / 1289 رقم 2134، أسد الغابة 4 / 251.
220
من وفور عقله.
وقال ابن كثير: ولاه علي نيابة مصر وكان يقاوم بدهائه وخديعته وسياسته
معاوية وعمرو بن العاص (1).
وكتب معاوية إلى مروان والأسود بن أبي البختري: أمددتما عليا بقيس بن
سعد ورأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل، ما كان ذلك بأغيظ
إلي من إخراجكما قيس بن سعد إلى علي (2).
وقال قيس بن سعد: لولا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المكر والخديعة
في النار لكنت من أمكر هذه الأمة (3).
وقال: لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب (4).
ولم تكن علاقة قيس وأبوه جيده مع أبي بكر وعمر إذ كان قيس في سرية
فيها أبو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم الناس، فقال أبو بكر وعمر: إن
تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فلما سمع سعد قام خلف
النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي
ابني (5).
فلم يستخدم أبو بكر وعمر سعدا وقيسا في وظيفة بالرغم من جهادهما
وعقلهما، ولم يبايع سعد لهما، فقتل سعد بأمر عمر وبقي قيس بعيدا عن السلطة التي
تنعم فيها الدهاة الفسقة (معاوية وابن العاص والمغيرة).



(1) البداية والنهاية 8 / 107، حوادث سنة 59 ه‍.
(2) تاريخ الطبري 5 / 94، حوادث سنة 38 ه‍.
(3) أسد الغابة 4 / 215، تاريخ ابن كثير 8 / 101.
(4) الإصابة 3 / 249، الدرجات الرفيعة 335.
(5) أسد الغابة 4 / 425، الدرجات الرفيعة 335 نقلا عن كتاب الغارات لإبراهيم بن سعيد
الثقفي ص 139.
221
مقاسمة العمال نصف أموالهم
أخرج ابن سعد عن ابن عمر: أن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم،
منهم سعد بن أبي وقاص، فشاطرهم عمر في أموالهم، فأخذ نصفا وأعطاهم
نصفا.
وأخرج عن الشعبي أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب ماله (1).
وقال خزيمة بن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له، واشترط عليه
أن لا يركب برذونا ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي
الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة (2).
ونقل في كنز العمال، عن ابن عبد الحكم في فتوح مصر، عن يزيد بن أبي
حبيب، أنه قاسمهم نصف أموالهم، وقد استشكل البعض على هذا العمل بأنه إن
كان الخليفة عمر متيقنا من خيانة عماله فلماذا أبقاهم في عملهم؟! وإن كان غير
متيقن من خيانتهم، فكيف أجاز أخذ نصف أموالهم؟!
وقال ابن أبي الحديد: كان عمر يصادر خونة العمال، فصادر أبا موسى
الأشعري، وكان عامله على البصرة، وقال له: بلغني أن لك جاريتين، وأنك تطعم
الناس من جفنتين، وأعاده بعد المصادرة إلى عمله (3).
وكتب عمر جوابا لرسالة عمرو بن العاص جاء فيها: أما بعد فإني لست من
تسطيرك وتشقيقك الكلام في شئ، إنكم معشر الأمراء أكلتم الأموال، وأخلدتم
إلى الأعذار، فإنما تأكلون النار، وتورثون العار، وقد وجهت إليك محمد بن



(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي 141.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي 128.
(3) شرح نهج البلاغة 12 / 43.
222
مسلمة، ليشاطرك على ما في يديك والسلام (1).
وذكر ابن الجوزي: وقد قاسم عمر غير واحد ماله إذ عزله منهم سعد بن أبي
وقاص وأبو هريرة (2). ونلاحظ أن الخليفة عمر لم يقاسم سلمان الفارسي وحذيفة
بن اليمان عمار بن ياسر نصف أموالهم، لعدم امتلاكهم مالا. ويذكر أن عمر لم
ينصب عمار ابن ياسر واليا على الكوفة بل نصبه إماما للصلاة فيها في زمن سعد بن
أبي وقاص (3). ولم يقاسم عمر معاوية بن أبي سفيان نصف ماله مستثنيا إياه من
مقاسمة أمواله، واستخدامه الحرس، وتسييره المواكب العظيمة، واحتجابه عن
الناس. فقد دققنا في أسماء الولاة الذين شاطرهم عمر نصف أموالهم فلم نجد
لمعاوية ذكرا! وكان علي (عليه السلام) قد كتب لزياد أمين بيت المال في البصرة: لئن بلغني
أنك خنت من فئ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل
الوفر (فقير)، ثقيل الظهر (مسكين)، ضئيل الأمر (حقير)، والسلام (4).
استخدام الطلقاء
استخدم أبو بكر وعمر الطلقاء أكثر من استخدامهما السابقين في الإسلام.
قال الخليفة عمر بن الخطاب: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما
استعملت أحدا من الطلقاء (5).
وقال عمر قولا خطيرا لعثمان بعد جرحه: كأني بك قد قلدتك قريش
هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 43.
(2) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 58.
(3) شذرات الذهب حوادث سنة 21 ه‍.
(4) شرح النهج 4 / 568.
(5) ربيع الأبرار 4 / 219.
223
وآثرتهم بالفئ (1).
وقبل وفاته أنذر عثمان بمقتله بهجوم الناس عليه وذبحه في فراشه بسبب
اعطائه الأموال لبني أمية بلا إنصاف (2) وظاهر الخبر من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد احتج البعض على عمر استخدامه للطلقاء فجاء في شرح نهج البلاغة
قولهم: وأعجب من ذلك قول عمر وقد قيل له: إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان،
وسعيد بن العاص، ومعاوية وفلانا وفلانا من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء
الطلقاء، وتركت أن تستعمل عليا والعباس والزبير وطلحة!
فقال: أما علي فأنبه من ذلك، وأما هؤلاء النفر من قريش فإني أخاف أن
ينتشروا في البلاد فيكثروا فيها الفساد.
فمن يخاف من تأميرهم، لئلا يطمعوا في الملك ويدعيه كل واحد منهم لنفسه
كيف لم يخف من جعلهم ستة متساوين في الشورى مرشحين للخلافة، وهل شئ
أقرب إلى الفساد من هذا! (3)
وبدأ انحلال الولاة وفسادهم وفسقهم بشكل ملحوظ في زمن عثمان، إذ
أقسم عبد الله بن عامر عامل عثمان على البصرة وفارس لئن ظفر بمدينة إصطخر
ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة...
وخلف على إصطخر أميرا من أمرائه في جيش يحفظونها. فنقب المسلمون
المدينة، فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة. فأسرف ابن عامر في قتلهم،
وجعل الدم لا يجري من الباب فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم
حتى خرج من الباب (4).



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 62، 1 / 185.
(2) المصدر السابق.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 30.
(4) تاريخ الذهبي 3 / 326.
224
وسار الوليد بن عقبة بن أبي معيط على منهج قدامة بن مظعون، فشرب
الخمر، وجاء بساحر يهودي ليبرز فنه في مسجد الكوفة... (1)
ونصب عثمان عبد الله بن أبي سرح (الملعون من قبل النبي (صلى الله عليه وآله)) واليا على
إفريقيا...
ونضجت حالة الانحراف في زمن عثمان متسببة في انطلاق شرارة الثورة على
الخليفة من الكوفة ومصر، والبصرة. والفرق بين الحالتين أن الولاة كانوا يهابون
عمر بن الخطاب ولا يخافون عثمان بن عفان. فسيطر عمر على إدارة الدولة على
عكس عثمان الذي خول إدارتها إلى مروان.
والواجب ذكره هنا أن عمر بن الخطاب ندم على بعض أعماله ولكنه لم
يغيرها.. ومن أمثلة ذلك ندمه على استخدام الطلقاء.
أنا أعتقد بأن الصراحة البدوية هي التي كانت تدفعه للاعتراف بأخطائه.
ولكن المنهجية التي يسير عليها تمنعه من تغيير سلوكه.
فقد صرح بأحقية الإمام علي (عليه السلام) للخلافة وبين النص الإلهي فيه ووصية
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إليه، لكنه أوصى لعثمان!
وصرح بحمل عثمان لبني أمية على رقاب الناس، وثورة الناس عليه،
وذبحهم له في فراشه، ولكن لم يمنعه ذلك من الوصية له!
وصرح بخطئه في استعمال الطلقاء، ولكنه لم يغير ذلك، بل أبقاهم في
أعمالهم!
وأخبر عمر عمرو بن العاص بندمه لاستخدامه وترك أصحاب بدر، ولكنه
لم ينفذ قوله، بل سار على منهجيته السابقة في استخدام قريش ودهاة العرب،
وتفضيل بني أمية على غيرهم، إذ جاء: كتب عمر إلى عمرو بن العاص ما يلي:



(1) الإستيعاب، ابن عبد البر 4 / 1554، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 452، مسند أحمد 1 / 144.
225
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي،
عجبت لك يا ابن العاص، لجرأتك علي وخلاف عهدي. أما إني قد خالفت فيك
أصحاب بدر، ممن هو خير منك، واخترتك لجزائك عني، وإنفاذ عهدي، فأراك
قد تلوثت بما قد تلوثت (1).
وكان الطلقاء هم الذين دبروا هزيمة المسلمين في معركة حنين (2).
ولاة الخليفة عمر
أردنا هنا ذكر أسماء وأفعال عمال عمر بن الخطاب لفهم توجهات عمر
السياسية ومستوى علاقاته مع قبائل المهاجرين والأنصار وغيرهم. ومن أراد
معرفة شخص فليعرف أصحابه ومرافقيه.
ذكر الطبري في تاريخه: استعمل عمر على الحج عبد الرحمن بن عوف في
السنة التي ولي فيها. فحج بالناس ثم حج سنيه كلها بعد ذلك بنفسه، وكان عمال
عمر في هذه السنة على ما ذكر:
على مكة: عتاب بن أسيد (وقد أثبتنا في الكتاب مقتل عتاب بن أسيد مع
أبي بكر بالسم).
وعلى الطائف: عثمان بن أبي العاص.
وعلى اليمن: يعلى بن منية.
وعلى اليمامة: حذيفة بن محصن.
وعلى البحرين: العلاء بن الحضرمي.
وعلى الشام: أبو عبيدة بن الجراح (الفهري).



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 142.
(2) السيرة الحلبية 3 / 108.
226
وعلى خرج الكوفة: وما فتح من أرضها المثنى بن حارثة (1).
وعلى فلسطين: عمرو بن العاص ثم أصبح واليا لمصر بعد أن افتتحها (2).
وفي زمن مقتل عمر كان عماله:
مكة: نافع بن عبد الحارث الخزاعي.
الطائف: سفيان بن عبد الله الثقفي.
صنعاء: يعلى بن أمية.
الكوفة: المغيرة بن شعبة.
البصرة: أبو موسى الأشعري.
مصر: عمرو بن العاص.
حمص: عمير بن سعد.
دمشق: معاوية بن أبي سفيان.
البحرين: عثمان بن أبي العاص الثقفي (3).
عرب الجزيرة: الوليد بن عقبة بن أبي معيط (4).
وذكر البلاذري جمعا من عمال عمر بن الخطاب ممن أخذ فعلا منهم وترك
الأخرى وهم: أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي.
نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي أخو أبي بكرة.
الحجاج بن عتيق الثقفي وكان على الفرات.



(1) ولكن المثنى قتل قبل معركة القادسية وتزوج سعد بن أبي وقاص امرأته، وهي التي قالت في
القادسية: وامثنياه ولا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد!
(2) وقد قال قبل موته: اللهم إنك أمرتني فلم ءأتمر، وزجرتني فلم أنزجر: اللهم لا قوي فانتصر، ولا برئ
فاعتذر ولا مستكبر بل مستغفر لا إله إلا أنت، أسد الغابة 4 / 147.
(3) تاريخ الطبري 3 / 304.
(4) تاريخ الطبري 3 / 327.
227
جزء بن معاوية (عم الأحنف) كان على سرق.
بشر بن المحتفز كان على جندي سابور.
ابن غلاب خالد بن الحرث من بني دهمان، كان على بيت المال بأصبهان.
عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.
سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز (1)، وقتل الكثير من المسلمين في
البصرة (2).
وهو الذي استلم أربعمائة ألف درهم من معاوية ليروي نزول آية ذم في علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) وآية مدح في ابن ملجم (3).
النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة.
مجاشع بن مسعود السلمي (صهر بني غزوان) كان على أرض البصرة
وصدقاتها.
شبل بن معبد البجلي ثم الاحمصي كان على قبض المغانم.
أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رام هرمز.
وهؤلاء ذكرهم أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدمه إلى عمر بن
الخطاب قائلا:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت أمين الله في النهي والأمر
وأنت أمين الله فينا ومن يكن * أمينا لرب العرش يسلم له صدري
فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى * يسيغون مال الله في الأدم والوفر



(1) وهو الذي طلب منه النبي (صلى الله عليه وآله) أن يبيعه نخلته الموجودة في بيت أحد المسلمين (والمتذمر من دخول
سمرة بيته دون إذن) أو يعطيه بدلا عنها في مكان آخر، أو يعطيه نخلة في الجنة فرفض سمرة
اقتراحات نبي البشرية (صلى الله عليه وآله)!
(2) تاريخ الطبري 6 / 132، لسان العرب، ابن منظور 3 / 294.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 361.
228
لقد عين رسول الله (صلى الله عليه وآله) المؤمنين، وعين أبو بكر الكثير من الطالحين، ولم
يحاسبهم، وعينهم عمر ثم حاسبهم، وعين عثمان الطالحين ثم حماهم وأطلق
أيديهم.
ومن عمال عمر:
عثمان بن أبي العيص الثقفي كان واليا على البحرين، وقد استعمله
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر عليها (1).
العلاء بن الحضرمي من حضرموت، وحليف بني أمية، ولاه النبي (صلى الله عليه وآله) على
البحرين، وكذلك استعمله أبو بكر وعمر عليها، وتوفي سنة أربع عشرة.
عمير بن سعد من بني عمرو بن عوف وهو عامل عمر على حمص.
نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي (أبو بكرة)، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه،
وهو الذي شهد بالزنا على المغيرة بن شعبة (ولم يذكر ابن الأثير في أسد الغابة،
وابن حجر في الإصابة، توليه منصبا لعمر.
وعلى أثر شهادة أبي بكرة جلده عمر).
نافع بن عبد الحرث الخزاعي قال ابن الأثير: استعمله عمر على مكة
والطائف.
وهو من مسلمة الفتح وقد أنكر الواقدي أن تكون له صحبة، وأمره عمر على
مكة (2).
وذكروا سبب عزله من قبل عمر، أنه جاء إلى الخليفة عمر واستخلف على مكة
مولاه عبد الرحمن بن أبزي (3).



(1) أسد الغابة ج 3.
(2) الإصابة لابن حجر 3 / 545.
(3) أسد الغابة لابن الأثير 5 / 300.
229
ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وهو أخو أبي بكرة ومن الشهود الذين
شهدوا بالزنا على المغيرة.
ولم يذكر في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة توليه منصبا من قبل عمر.
ويعلى بن منية الذي أسلم يوم فتح مكة استعمله عمر على بعض اليمن،
واستعمله عثمان على صنعاء.
وهو الذي جاء لنصرة عثمان فانكسرت فخذه في الطريق.
ثم قال: من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه، فأعان الزبير بأربعمائة ألف،
وحمل سبعين رجلا من قريش، وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال
عليه.
ثم شهد الجمل مع عائشة، ثم صار من أصحاب علي (عليه السلام) وقتل معه
بصفين (1).
وحذيفة بن محصن العلقائي. ذكر ابن شبة أن عمر قد ولاه اليمامة.
وسفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي، كان عاملا لعمر على الطائف.
ومجاشع بن مسعود السلمي. وكان مجاشع أيام عمر على جيش يحاصر مدينة توج
ففتحها. وقد قتل يوم الجمل بالبصرة مع عائشة (2).
ومن ولاة عمر: سمرة بن جندب، وعاصم بن قيس، والحجاج بن عتيك، ونافع بن
الحرث، وسعيد بن العاص.
وسمرة بن جندب من غطفان غزا مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان معاونا لزياد بن أبيه
يستخدمه في الكوفة والبصرة.
قيل: مات سنة ثمان، وقيل: تسع وخمسين، وقيل: في أول سنة ستين، وقال



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 28 / 58.
(2) أسد الغابة 5 / 60.
230
ابن عبد البر: سقط في قدر مملوء ماء حارا فكان ذلك تصديقا لقول الرسول (صلى الله عليه وآله) له
ولأبي هريرة ولأبي محذورة آخركم موتا في النار (1). وكان سمرة يتعالج بالقعود على
قدر مملوءة ماء حارا من گزاز شديد أصابه، فسقط في القدر الحارة فمات.
وقد أخرج الطبري من طريق محمد بن سليم، قال: سألت أنس بن سيرين:
هل كان سمرة قتل أحدا؟ قال: وهل يحصى من قتله سمرة؟ (2) وقال سمرة لما عزله
معاوية: لعن الله معاوية، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبدا (3).
وجزء بن معاوية بن حصين (عم الأحنف بن قيس) وكان عاملا على
الأهواز، قيل: له صحبة، وقيل: لا تصح له صحبة (4).
ومن المصادفات الغريبة أن أصبح سفيرا قريش إلى ملك الحبشة واليين على
ولايتين مهمتين وهما: عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي!! وأصبح
المهاجرون إلى الحبشة جنودا لهما.
ونصب عمر من بني أمية وبني أبي معيد عدة ولاة وهم: معاوية بن أبي
سفيان، ويزيد بن أبي سفيان، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، وسعيد بن
العاص، وجعل عثمان وزيرا أولا له، فكانت الوزارة لهم في زمن عمر وعثمان.
ومن الأشخاص الذين لعنهم النبي (صلى الله عليه وآله) وفسقهم القرآن وأصبحوا في جهاز
الدولة كان معاوية بن أبي سفيان والوليد بن عقبة. ثم أضاف إليهم عثمان
اثنين (مروان وابن أبي سرح) فجعل واحدا وزيرا أولا، والثاني واليا على
أفريقيا.
ومن الولاة الذين اتهمهم الخليفة عمر كان المغيرة بن شعبة اتهمه بالفسق



(1) الإصابة لابن حجر 2 / 79.
(2) تاريخ الطبري 6 / 132.
(3) روي من طريق عمر بن شبة.
(4) أسد الغابة لابن الأثير 1 / 337.
231
وأبو هريرة الذي اتهمه بالسرقة.
وكان معظم ولاة عمر من الطلقاء، أو ممن أسلم في زمن قريب قبل فتح
مكة، وهم:
نافع بن عبد الحرث الخزاعي، وكان واليا على مكة.
وبسبب طول مدة حكم عمر فقد تولى الولاية على مكة عدة أشخاص.
قنفذ وكان واليا على مكة.
عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي وكان واليا على مكة
والطائف.
يعلى بن أمية التميمي، وكان واليا على صنعاء.
حذيفة بن محصن العلقاء وكان واليا على اليمامة.
سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي وكان واليا على الطائف.
جزء بن معاوية بن حصين، وكان واليا على الأهواز.
معاوية بن أبي سفيان وكان واليا على الشام.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان واليا على عرب الجزيرة (1).
وهو الذي نزلت في حقه آية {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (2).
ويزيد بن أبي سفيان وكان واليا على الشام.
وعتبة بن أبي سفيان وكان واليا على الطائف.



(1) تاريخ الطبري 3 / 327 طبعة الأعلمي.
(2) سورة الحجرات: 8، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن الآية المذكورة نزلت في حقه، أسد
الغابة، ابن الأثير 5 / 451، الإصابة، ابن حجر 3 / 637، ونسبه الحسن (عليه السلام) إلى اليهود قائلا: " وما أنت
وقريش إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه "
كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 104 طبعة دار الفكر الثالثة.
232
وسعيد بن العاص (1).
ومن جملة الأشخاص الذين اشتركوا في الهجوم على بيت فاطمة بنت
محمد (صلى الله عليه وآله) وأصبحوا ولاة ووزراء، وأيد الرواة ذلك.
محمد بن مسلمة: وكان مبعوثا لعمر على الولاة (2)، وعبد الرحمن بن عوف.
المغيرة بن شعبة وكان واليا على البحرين ثم البصرة ثم الكوفة.
قنفذ بن جدعان وكان واليا على مكة (3).
سلمة بن سلامة وكان واليا على اليمامة (4).
زياد بن لبيد وكان واليا على حضرموت (5).
وخالد بن الوليد (6)، وعثمان بن عفان (7).
وشارك معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص في الهجوم على بيت
فاطمة (عليه السلام) (8). ولم يعين عمر من رجال معركة بدر وأحد إلا سلمان الفارسي
وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وقدامة بن مظعون. وكانت
مدة حكم الخمسة قليلة. وكان عمر محبا لولاته فطلب من عثمان إبقاء ولاته في
الحكم سنة بعد وفاته (9). وخلاصة صفات ولاة عمر بن الخطاب كالآتي:



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 9 / 29.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 48، السقيفة وفدك، الجوهري ص 51.
(3) هامش الملل والنحل للشهرستاني 1 / 53، الوافي بالوفيات 6 / 17، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة
1 / 12.
(4) السقيفة، أبو بكر الجوهري، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 11.
(5) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 48.
(6) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري ص 51.
(7) الاختصاص، المفيد ص 184 - 187 ط. مكتبة الصدوق.
(8) صفين، المنقري ص 163.
(9) تاريخ أبي الفداء 1 / 333.
233
فسق الله تعالى الوليد بن عقبة في كتابه الكريم وعينه عمر واليا.
ولعن الله تعالى ونبيه معاوية ويزيد وعتبة.
وفسق عمر المغيرة وكذلك المسلمون ونسبوه إلى الإلحاد.
وفسق الله تعالى ابن العاص وسماه بالأبتر ولعنه رسوله (صلى الله عليه وآله) ووصفه عمر
بالعاصي ووصمه المسلمون بالإلحاد، بينما عينه عمر واليا على مصر.
ووصم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا موسى الأشعري بالنفاق، وكذلك علي (عليه السلام)
والمسلمون (1).
واتهم عمر وعلي (عليه السلام) والمسلمون أبا هريرة بالكذب والسرقة وعينه عمر
واليا على البحرين ثم عمان (2).
ومنهم من أصل يهودي ومتهمون وهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكعب
الأحبار (مستشار عمر) وزيد بن ثابت (3) بينما كان واعظ الدولة تميم الداري
نصراني الأصل والميول (4).
ومعظم ولاة عمر من الطلقاء أو ممن لم يسلم قبل معركتي بدر وأحد، وممن له
مساهمة فعالة في محاربة الإسلام والمسلمين مثل ابن العاص وابن أبي ربيعة
ومعاوية.
المغيرة بن شعبة
يجدر بنا أولا معرفة كيفية دخول المغيرة إلى الإسلام والسبب الداعي لذلك.
كان المغيرة قد قتل ثلاثة عشر نفسا من قومه ذهبوا معه إلى زيارة ملك



(1) لاحظ ترجمة أبي موسى الأشعري في هذا الكتاب.
(2) لاحظ ترجمة أبي هريرة في هذا الكتاب.
(3) اقرأ تراجمهم في هذا الكتاب.
(4) اقرأ ترجمته في هذا الكتاب.
234
مصر المقوقس، دون سبب، وسلب متاعهم، ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليسلم. فقال له
الرسول (صلى الله عليه وآله): أما إسلامك فنقبله، وأما أموالهم فلا آخذ منها شيئا، هذا غدر ولا
خير في الغدر (1).
وقد حاول المغيرة بن شعبة، منذ اليوم الأول لوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يتدخل
في السياسة للحصول على منصب رسمي.
والمغيرة هو الذي نصح أبا بكر وعمر بكسب العباس إلى جانبهما وذلك
بمشاركته في السلطة قائلا:
الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا (2). ليقطعوا
بذلك ناحية علي بن أبي طالب.
فأجابهم العباس قائلا: وأما قولك: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منا ومنكم، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها. وأما قولك: يا عمر: إنك
تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك وبالله المستعان (3).
وواضح من هذا الحوار أن هدف المغيرة كان دنيويا، ولكن العباس رفض
هذا المطلب ورد أبا بكر وعمر وابن الجراح وابن شعبة.
وبذلك يكون المغيرة ممن شيد بناء أبي بكر وعمر في السلطة.
ورغم اعتراف عمر بفسقه إلا أنه كان يجله كثيرا بحيث نصبه على أكبر ولاية
في ذلك الزمان ألا وهي الكوفة الشاملة لمناطق واسعة من العراق وإيران وأذربيجان.
وكان المغيرة يكسب قلب عمر بدهائه، فلقد قال المغيرة لعمر: أنت أميرنا ونحن
المؤمنون فأنت أمير المؤمنين (4). وهذا يذكرنا بدهاء كعب في كسب قلب عمر يوم



(1) سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 120.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 220.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 220.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 18 / 261.
235
سماه بالفاروق (1)، وقال علي (عليه السلام) فيه: إنه رجل يلبس الحق بالباطل. وقال: إنما
كان إسلامه لفجرة وغدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم فهرب (2).
ومما ذكر من دهاء المغيرة واستخدامه للوسائل الملتوية في الوصول إلى
أهدافه:
" لقد هم عمر (رضي الله عنه) بأن يعزل المغيرة عن العراق ويولي جبير بن مطعم
مكانه، وأوصى جبيرا أن يكتم ذلك، ويتجهز للسفر. فأحس المغيرة بذلك وسأل
جليسا أن يدس امرأته، وهي مشهورة بلقط الأخبار، حتى سميت لقاطة الحصا،
لتستطلع النبأ من بيت جبير.
وذهبت إلى بيته فإذا امرأته تصلح أمره، فسألتها: إلى أين يخرج زوجك؟
قالت إلى العمرة... قالت لقاطة الحصا: بل كتمك. ولو كانت لك عنده منزلة
لأطلعك على أمره. فجلست امرأة جبير متغضبة، ودخل عليها وهي كذلك، فلم
تزل حتى أخبرها، وأخبرت لقاطة الحصا.
وذهب المغيرة إلى عمر ففاتحه بما علم، وهو يقول له: بارك الله لأمير
المؤمنين في رأيه وتوليته جبيرا...
فلم يعجب عمر من وقوفه على السر، بل قال: كأني بك يا مغيرة قد فعلت
كيت وكيت، وأنشدك الله هل كان كذلك؟ قال المغيرة: اللهم نعم... فأبقاه عمر
على ولايته ولم يزل واليه على العراق حتى مات (3). وقال عمر: من استعمل فاجرا
وهو يعلم أنه فاجر فهو مثله (4).



(1) أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير 4 / 151، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 53، تاريخ
المدينة المنورة، ابن شبة 2 / 662.
(2) شرح نهج البلاغة 4 / 80.
(3) عبقرية عمر للعقاد 42.
(4) تاريخ عمر لابن الجوزي 56.
236
والوالي الوحيد الذي أوصى عمر بإخراجه هو المغيرة، لتسببه في قتله، إذ
أوصى عثمان بتعيين سعد مكانه في الكوفة!
وكانت علاقة عمر مع المغيرة جيدة جدا، فقد أسر إليه رأيه في أبي بكر،
وحفظ له عمر مشاركته في أحداث السقيفة، وما بعدها من خطوب، فأنقذه من
رجم محقق في قضية أم جميل في البصرة، وولاه على البحرين والبصرة والكوفة.
قال الحسن بن علي (عليه السلام) للمغيرة: إن حد الله في الزنا ثابت عليك، ولقد درأ
عمر عنك حقا الله سائله عنه، ولقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل ينظر الرجل إلى
المرأة يريد أن يتزوجها، فقال (صلى الله عليه وآله): لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا. لعلمه
بأنك زان (1). وبعد ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الولد للفراش وللعاهر الحجر نصح المغيرة
زيادا بنقل أصله إلى أصل معاوية! (2)
وجاء: أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف (3).
وأعمال المغيرة المخالفة للدين في الجاهلية والإسلام كثيرة، منها غدره بقومه
وقتله لهم وزناه بالبصرة، وعمله مع معاوية، ومحاربته أهل البيت (عليهم السلام).
وجاء في كتاب الأغاني: أن المغيرة في أثناء ولايته للكوفة لقي أعرابيا من
بني تميم بظهر الكوفة وهو لا يعرف المغيرة. فسأله المغيرة: ما تقول في أميرك
المغيرة؟ قال: أعور زناء (4).
وهناك عدة ولاة أقوياء ومعروفون بالفساد والنفاق، حكموا بلدانا
مهمة، طيلة فترة حياة عمر، وهم معاوية وابن العاص والأشعري وابن أبي



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 104.
(2) مروج الذهب، المسعودي 3 / 6.
(3) المستدرك، الحاكم 4 / 480.
(4) الأغاني 15 - 138 طبعة سامي.
237
ربيعة والمغيرة (1).
وقد استمر المغيرة في انحيازه إلى جانب الباطل، فلما حدثت الحرب بين
الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية جاء المغيرة فصلى بالناس ودعا لمعاوية (2).
لقد طلب معاوية المسيطر على الشام من طلحة والزبير السيطرة على
البصرة والكوفة ليحاصروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الحجاز.
وبينما سعى معاوية وطلحة بن الزبير لفرض تلك الفكرة بالحرب والقوة فقد
سعى المغيرة بن شعبة إلى فرضها بالحيلة والمكر.
إذ قال المغيرة: " يا أمير المؤمنين إن لك عندي نصيحة، فقال: وما هي؟
قال: إن أردت أن يستقيم لك ما أنت فيه فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة،
والزبير بن العوام على البصرة، وابعث معاوية بعهد على الشام، حتى تلزمه
طاعتك، فإذا استقر قرارك رأيت فيه رأيك " ولم يستجب علي (عليه السلام) لذلك (3). وفي
سنة أربعين هجرية افتعل المغيرة حيلة ماكرة ليكون أميرا للحج في زمن معاوية إذ
زعم ابن حرير أن المغيرة افتعل كتابا على لسان معاوية ليلي إمرة الحج عامئذ،
وبادر إلى ذلك عتبة بن أبي سفيان، وكان معه كتاب من أخيه بإمرة الحج، فتعجل
المغيرة فوقف بالناس يوم الثامن ليسبق عتبة إلى الإمرة (4).



(1) ذهب المغيرة بن شعبة والي الكوفة إلى دير هند بنت النعمان بن المنذر، وهي فيه عمياء مترهبة خاطبا
لها. فقالت: لو كنت جئتني لجمال أو حال لأطلبتك (قبلتك) ولكن أردت أن تتشرف بي في محافل
العرب، فتقول: نكحت ابنة النعمان بن المنذر، وإلا فأي خير في اجتماع أعور وعمياء، فبعث إليها:
كيف كان أمركم؟ قالت: أمسينا وليس في الأرض عربي إلا وهو يرهبنا أو يرغب إلينا، وأصبحنا
وليس في الأرض عربي إلا ونحن نرهبه ونرغب إليه، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 8 / 305.
(2) سير أعلام النبلاء، الذهبي 3 / 122.
(3) مروج الذهب، المسعودي 2 / 373.
(4) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 17.
238
أي وقف المغيرة بالناس في اليوم الثامن في عرفات بدل اليوم التاسع مما
يعني أن يوم رمي الجمرات والنحر والحلق قد أصبح في اليوم التاسع لا العاشر!
فأفسد المغيرة على الناس حجهم كي يتولى إمارة الحج!
ولما أرسل عثمان المغيرة إلى ثوار العراق ومصر قالوا له: يا أعور وراءك، يا
فاجر وراءك، يا فاسق وراءك (1).
وقد نصح المغيرة معاوية بتولية يزيد خليفة له وقال: لقد وضعت رجل
معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد (صلى الله عليه وآله)!، وفتقت فتقا لا يرتق أبدا!، ثم رجع
المغيرة إلى الكوفة، وأوفد مع ابنه موسى عشرة ممن يثق بهم من شيعة بني أمية،
وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، فقدموا عليه، وزينوا له بيعة يزيد. فقال معاوية: لا
تعجلوا بكذا، وكونوا على رأيكم، ثم قال لموسى سرا: بكم اشترى أبوك من
هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفا، قال: لقد هان عليهم دينهم (2).
وأنا أعجب كيف انتخب أبو بكر وعمر وعثمان مجموعة سراق ومحتالين من
أفسق وأفسد خلق الله تعالى ونصبوهم ولاة على الولايات الإسلامية. وقد
اعترف عمر والصحابة بفسقهم بل اعترف الولاة أنفسهم بفجورهم، فعندما
نصب معاوية المغيرة واليا على الكوفة، قال عمرو بن العاص لمعاوية: تستعمل
المغيرة على الخراج فيغتال المال فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئا، استعمل
على الخراج من يخافك (3).
وكان ولاة عمر وأبي بكر وعثمان قد خرجوا على إمام زمانهم علي (عليه السلام)
وحاربوه، بينما قال النبي (صلى الله عليه وآله): حربه حربي وسلمه سلمي، وقال (صلى الله عليه وآله): اللهم انصر



(1) أنساب الأشراف، البلاذري 5 / 111 - 112.
(2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 214 - 215، تاريخ الطبري 6 / 169 - 170.
(3) تاريخ الطبري 4 / 127.
239
من نصره واخذل من خذله، وقال (صلى الله عليه وآله) له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا
منافق (1). فتحققت النصوص في نفاقهم ومحاربتهم النبي (صلى الله عليه وآله) مثلما كان آباؤهم.
عمرو بن العاص
وقد كان عمرو بن العاص من دهاة العرب لا يقل مكرا عن كعب الأحبار،
وبينما كان كعب يخدم اليهودية كان ابن العاص يخدم الكفر!
وقد مرت علاقة ابن العاص مع عمر بحالات قوة وفتور، ففي زمن
الرسول (صلى الله عليه وآله) وبالذات في معركة ذات السلاسل كانت فاترة، وفي السقيفة التحق
ابن العاص (المترقب للفرص) بركب أبي بكر، وعندما شاهد إشكالا في علاقة
الأنصار مع الحكومة، تقدم مسرعا للنيل من الأنصار ما استطاع إلى ذلك
سبيلا (2). فأصبحت علاقته مع الدولة جيدة، فأرسله أبو بكر قائدا لجيش، ففتح
مصر وأصبح واليا عليها بأمر عمر. وقيل: إن ابن العاص هو الذي لقب عمر بأمير
المؤمنين وليس المغيرة.
ولما ضعفت العلاقة بينهما حينا قال ابن العاص: لعن الله زمانا صرت فيه
عاملا لعمر. والله لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز
مأبض ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب (3).
وكانت بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص هنات، ذكرها الحاكم في
كتاب المغازي (4) قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرو بن العاص في غزوة ذات



(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، صحيح الترمذي 2 / 301، صحيح النسائي 2 / 271.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 29.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 58.
(4) كتاب المغازي، الحاكم 3 / 43.
240
السلاسل، وفيهم أبو بكر وعمر، فلما انتهوا إلى مكان الحرب، أمرهم عمرو أن لا
ينوروا نارا، فغضب عمر بن الخطاب، وهم أن ينال منه، فنهاه أبو بكر وأخبره أنه
لم يستعمله رسول الله عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه عمر (1).
وقد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر: من
عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، فإنه بلغني أنه فشت
لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك،
فاكتب إلي من أين أصل هذا المال؟ ولا تكتمه.
فكتب إليه عمرو بن العاص: إلى عبد الله أمير المؤمنين سلام عليك فإني
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر
فيه ما فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي، وإني أعلم أمير المؤمنين أني في
أرض السعر فيها رخيص، وإني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي
رزق أمير المؤمنين سعة، والله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك، فاقصر أيها
الرجل، فإن لنا أحسابا، هي خير من العمل لك، إن رجعنا إليها عشنا بها،
ولعمري إن عندك من تذم معيشته ولا تذم له، فأنى كان ذلك، ولم يفتح قفلك ولن
نشركك في عملك.
فكتب إليه عمر: أما بعد: فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر، ونسقك
الكلام في غير مرجع لا يغني عنك أن تزكي نفسك، وقد بعثت إليك محمد بن
مسلمة، فشاطره مالك، فإنكم أيها الأمراء، جلستم على عيون المال لم يزعجكم
عذر، تجمعون لأبنائكم، وتمهدون لأنفسكم، أما إنكم تجمعون العار وتورثون
النار والسلام. فلما قدم عليه محمد بن مسلمة، صنع له عمرو طعاما كثيرا، فأبى
محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئا، فقال له عمرو: أتحرمون طعامنا؟



(1) أخرجه الذهبي في التلخيص.
241
فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته، ولكنه قدمت إلي طعاما هو تقدمة
شر، والله لا أشرب عندك ماء، فاكتب لي كل شئ هو لك ولا تكفه، فشاطره ماله
بأجمعه، حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى، فغضب عمرو بن العاص
فقال: يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه
عامل، والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلى ابنه
مثلها، وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه، والله ما كان العاصي بن وائل يرضى أن
يلبس الديباج مزررا بالذهب.
قال له محمد: أسكت والله عمر خير منك وأما أبوك وأبوه ففي النار، والله
لولا الزمان الذي سبقته فيه لألفيت معقل شاة يسرك غزرها ويسرك بكرها.
فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله، فلم يخبر بها عمر. وكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إذا رأى رجلا يضرب في كلامه (يخلط) قال: أشهد أن الذي خلقك
وخلق عمرو بن العاص واحد (1). والظاهر أن عمر قد كان معجبا بكلام عمرو بن
العاص وتوجهاته، والنص السابق شاهد على ذلك، مثلما كان معجبا بمعاوية
فوصفه بكسرى العرب. والملاحظ من سيرة عمر أنها مليئة بالمكائد والحيل فقد
أرسله أهل قريش إلى الحبشة لإرجاع المسلمين لقتلهم والانتقام منهم. وفي سفره
إلى الحبشة مع عمارة بن الوليد بن المغيرة نراه قد أقدم على قتل رفيق سفرة بمكيدة
شيطانية (2). وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حاول ابن العاص الحصول على منصب عال في
الدولة، فأعلن عن انضمامه إلى حزب قريش المعادي لأهل البيت (عليهم السلام) والأنصار.
وعلى الأثر ولاه عمر فلسطين ثم ولاه على جيوش مصر. ولما عزله عثمان



(1) كتاب الحيوان للجاحظ 5 / 587، وقال ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا
الإصابة 5 / 3.
(2) نسب قريش 322.
242
أقام الدنيا ولم يقعدها عليه. وعندما قتل عثمان قال عمرو بن العاص: قتلته
وأنا في الشام (1). وبعد فترة قصيرة وعلى أثر اتفاقه مع معاوية على استلام ولاية
مصر مقابل دعمه لمعاوية أعلن عمرو المطالبة بدم عثمان فكانت صفقة لبيع دين
بدنيا (2).
وقال ابن العاص لمعاوية: لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك، قال
معاوية: لك مصر طعمة (3).
وقد قال خالد بن سعيد بن العاص (والي الرسول (صلى الله عليه وآله) على اليمن): يا معشر
قريش إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه، فلما لم يستطع أن
يكيده بيده كاده بلسانه (4).
وكان عمر قد انتحل الإسلام انتحالا مستبطنا الكفر بعد قول ملك الحبشة
له: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه،
كما ظهر موسى على فرعون وجنوده (5).
وقال علي بن أبي طالب عن ابن العاص ومعاوية وأعوانهم: والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا، وأسروا الكفر، فلما وجدوا أعوانا
رجعوا إلى عداوتهم منا، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة (6).
ولما قال معاوية لعمرو: اتبعني. قال: لماذا، للآخرة؟ فوالله ما معك آخرة،
أم للدنيا فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال: فأنت شريكي فيها (7).



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 103، تاريخ الطبري 3 / 559.
(2) تاريخ الطبري 3 / 560.
(3) وقعة صفين ص 34 - 39، تاريخ اليعقوبي 2 / 184 - 186، تاريخ ابن خلدون 2 / 625.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 32.
(5) سيرة ابن هشام 3 / 319.
(6) كتاب صفين لابن مزاحم ص 215.
(7) العقد الفريد 4 / 144.
243
ولما رحل عمرو بن العاص إلى معاوية قال ابنه عبد الله بن عمرو: بال
الشيخ على عقبيه، وباع دينه بدنياه (1). وقال عتبة بن أبي سفيان لمعاوية:
أعط عمرا إن عمرا تارك * دينه اليوم لدنيا لم تحز
وبعد خروج عمرو من رحل معاوية سأله ابناه: ما صنعت؟ قال: أعطانا
مصر. قالا: وما مصر في ملك العرب. قال: لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما
مصر (2).
وقال عمار لابن العاص: بعت دينك بمصر، تبا لك، وطالما بغيت الإسلام
عوجا، والله ما قصدك وقصد عدو الله ابن عدو الله بالتعلل بدم عثمان إلا الدنيا (3).
ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي أن المعتزلة تصف عمرو بن العاص ومعاوية بن
أبي سفيان بالإلحاد (4)، ونقل أبو يعلى قائلا: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) فسمع صوت غناء،
فقال: انظروا، فصعدت فنظرت، فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت
فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: اللهم أركسهما في الفتنة ركسا، اللهم دعهما إلى النار دعا.
وقد أخرج الحديث أحمد بن حنبل، وأيده السيوطي، وقال: وله شاهد من
حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الكبير عنه قائلا: سمع النبي (صلى الله عليه وآله) صوت
رجلين يتغنيان وهما يقولان:
ولا يزال جوادي تلوح عظامه * ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا
فسأل عنهما فقيل له: معاوية وابن العاص فقال (صلى الله عليه وآله): اللهم أركسهما في الفتنة
ركسا، ودعهما إلى النار دعا.



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 63 خطبة 26.
(2) وقعة صفين ص 34 - 40، شرح نهج البلاغة 2 / 61 - 67 خطبة 26، تاريخ اليعقوبي 2 / 184 - 186،
رغبة الآمل في كتاب الكامل مج 2 / ج 3 / 210، قصص العرب 2 / 368 رقم 149.
(3) التذكرة، ابن الجوزي ص 92، وقعة صفين ص 320.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 4 / 537.
244
وهذا القول شاهد على كفرهما، وهو يضاف إلى أقواله السابقة (صلى الله عليه وآله) في بني
أمية.
ولما كان عمرو بن العاص واليا لمصر، كان ابنه يجري الخيل في ميدان
السباق، فنازعه بعض المصريين السبق، واختلفا بينهما لمن يكون الفرس السابق.
وغضب ابن الوالي فضرب المصري وهو يقول: أنا ابن الأكرمين، فاستدعى عمر
الوالي وابنه حين رفع إليه المصري أمره. ونادى بالمصري في جمع من الناس أن
يضرب خصمه قائلا له: اضرب ابن الأكرمين... ثم أمره أن يضرب الوالي، لأن
ابنه لم يجرؤ على ضرب الناس إلا بسلطانه (1).
والظاهر أنه ضربه بعد المشادة التي وقعت بين عمر وابن العاص.
وقد ذكر ابن الكلبي (هشام بن محمد) المتوفى في سنة 204 هجرية نسبه في
كتابه مثالب العرب (2) قائلا: وأما النابغة أم عمرو بن العاص - هي حبشية - فإنها
كانت بغية، قدمت مكة ومعها بنات لها فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من
قريش، منهم: أبو لهب، وأمية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان، فولدت
عمرا فتخاصم القوم جميعا فيه، كل يزعم أنه ابنه.
ثم أضرب عنه ثلاثة، وأكب عليه اثنان وهما: العاص بن وائل وأبو سفيان
ابن حرب، فحكما أمه فيه، فقالت: للعاص. فقيل لها بعد ذلك: ما حملك على ما
صنعت؟ وأبو سفيان أشرف من العاص؟
فقالت: إن العاص كان ينفق على بناتي، ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي
العاص شيئا، وخفت الضيعة.
وزعم ابنها عمرو بن العاص أن أمه من عنزه بن أسد بن ربيعة، كما ذكره



(1) عبقرية عمر للعقاد 45.
(2) مثالب العرب، باب تسمية ذوي الرايات، هشام بن محمد الكلبي.
245
سبط بن الجوزي! (1) وروى معظم المفسرين أن آية {إن شانئك هو الأبتر}
قد نزلت فيه (2). فبين القرآن نسبه الوضيع ونسب أبنائه أيضا! فيكون أبناؤه ليس
من صلبه وأيد ذلك غانمة وقد قال الإمام علي (عليه السلام) عنه: الأبتر بن الأبتر (3).
وقالت غانمة بنت غانم لعمر: إني والله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك، وإني
أذكر لك ذلك عيبا عيبا: ولدت من أمة سوداء مجنونة حمقاء، تبول من قيام،
وتعلوها اللئام، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته، ركبها في يوم واحد
أربعون رجلا! وأما أنت فقد رأيتك غاويا غير راشد ومفسدا غير صالح، ولقد
رأيت فحل زوجتك على فراشك فما غرت ولا أنكرت (4).
وروى أبو عبيدة بن المثنى المتوفى سنة 209 (5): أن عمرا اختصم فيه يوم
ولادته رجلان: أبو سفيان، والعاص بن وائل وفي ذلك قال حسان بن ثابت:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك من بينات الدلائل
وقال الإمام الحسن لعمرو بن العاص بمحضر معاوية وأعوانه: أما أنت
يا ابن العاص فإن أمرك مشترك، وضعتك أمك مجهولا من عهر وسفاح،



(1) التذكرة 117، السيرة الحلبية 1 / 47، العقد الفريد 1 / 164.
(2) الطبقات، ابن سعد 1 / 115، المعارف، ابن قتيبة 124، تاريخ دمشق لابن عساكر 7 / 130.
(3) جمهرة الرسائل 1 / 486.
(4) المحاسن والأضداد، الجاحظ 102 - 104، المحاسن والمساوئ، البيهقي 1 / 69 - 71، وذكرت
أروى بنت الحارث بن عبد المطلب نسب معاوية وعمرو بن العاص الوضيع أيضا، بلاغات النساء
ص 27، العقد الفريد 1 / 164، روض المناظر 8 / 4، ثمرات الأوراق 1 / 132، دائرة المعارف لفريد
وجدي 1 / 215.
وقال ابن عباس لعمر: إنك من اللئام الفجرة... دخلت في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين
فراشين لا في بني هاشم رحلك ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، العقد الفريد، ابن
عبد ربه 3 / 203.
(5) كتاب الأنساب، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 100.
246
فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا،
وأخبثهم منصبا، ثم قام أبوك فقال: أنا شانئ محمد الأبتر، فأنزل الله فيه ما
أنزل (1).
ولما أرسل عثمان ابن العاص إلى ثوار العراق ومصر قالوا له: لا سلم
الله عليك! إرجع يا عدو الله ارجع يا ابن النابغة! فلست عندنا بأمين ولا
مأمون (2).
وأراد ابن العاص فتح الإسكندرية للغنيمة! فكذب على عثمان بن عفان
وادعى أنهم نقضوا عهدهم مع المسلمين. فعهد إليه، فحارب أهلها
وافتتحها، وقتل المقاتلة، وسبي الذرية، فنقم ذلك عليه عثمان، ولم يصح عنده
نقضهم العهد، فأمر برد السبي الذين سبوا من القرى إلى مواضعهم، وعزل عمرا
من مصر (3).
ولما أتاه خبر مقتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها وقال:
أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع. ثم قال لمعاوية: أم والله إن قاتلنا معك
نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته
وفضله وقرابته، (عليا (عليه السلام))، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا، فصالحه معاوية
وعطف عليه (4). وعندما قال عمرو بن العاص: أشهد أن لا إله إلا الله، قال له عمار
بن ياسر: اسكت فقد تركتها في حياة محمد ومن بعده يا عمرو بعت دينك تبا



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 101.
(2) أنساب الأشراف، البلاذري 5 / 111 - 112.
(3) الإستيعاب 2 / 435، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 112.
(4) أنساب الأشراف، البلاذري 5 / 74 - 87، تاريخ الطبري 5 / 108 - 124، الكامل في التاريخ، ابن
الأثير 3 / 68، تذكرة السبط 49، جمهرة رسائل العرب 388، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد
2 / 102.
247
لك (1). وقال خالد بن سعيد بن العاص: يا معشر قريش إن عمرا (ابن
العاص) دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه، فلما لم يستطع أن يكيده
بيده كاده بلسانه، وإن من كيده الإسلام تفريقه وقطعه بين المهاجرين والأنصار (2).
وابن العاص الذي اتفقت الآراء على كفره، ولعنه النبي (صلى الله عليه وآله)، كيف يتولى
ولاية مصر طيلة حكم عمر بن الخطاب؟! وقد قال ابن العاص: إنما أردنا هذه
الدنيا (3) وقال ابن عمر: وأما أنت يا عمرو فظنون (4).
وكان عمرو يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة، ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة،
إذ كان (صلى الله عليه وآله) يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في
مسلكه ليعثر بها، وكان ابن الخطاب يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا قبل إسلامه.
وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما خرجت
مهاجرة من مكة إلى المدينة، فروعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرماح، حتى
أجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الربيع بعلها، فلما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نال منه وشق عليه مشقة شديدة ولعنهم (5)، وقتل المسلمون محسن بن فاطمة (عليها السلام).
ولم يحكم عمرو في مصر بعد مقتل الإمام علي (عليه السلام) إلا ثلاث سنين فتوفي في
سنة 43 ه‍ وقال قبل وفاته لابنه: أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني آثرت
دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد
حوى مالي، وأساء فيكم خلافتي.



(1) التذكرة، سبط ابن الجوزي 53، كتاب صفين، نصر بن مزاحم 176، شرح نهج البلاغة، ابن أبي
الحديد 2 / 373.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 32.
(3) تاريخ الطبري 3 / 560.
(4) وقعة صفين ص 63.
(5) روى ذلك الواقدي، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 282.
248
ثم استصفى (معاوية) مال عمر.. وولى أخاه عتبة ابن أبي سفيان مصر! (1)
وعزل ابن عمرو بن العاص عن الحكم وكان معاوية قد عاهد ابن العاص
على اعطائه مصر طعمه له ولعائلته، لكنه سرعان ما نقض اتفاقه المذكور!
وعن الأعمال الدنيوية المعادية لله سبحانه وتعالى قال الحسن البصري:
أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف
فحملت، ونال من القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة،
والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة فكتب إليه معاوية: إذا
قرأت كتابي فأقبل معزولا، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر
كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك! قال: أوقد فعلت؟
قال: نعم.
قال: ارجع إلى عملك.
فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز
غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن (البصري): فمن أجل ذلك بايع هؤلاء
لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة (2).
وعندما حارب عمرو بن العاص عليا (عليه السلام) في معركة صفين وبيده لواء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام): هذا لواء عقده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: " من يأخذه
بحقه؟ فقال عمرو: وما حقه يا رسول الله؟ فقال: لا تفر به من كافر، ولا تقاتل به
مسلما، فقد فر به من الكافرين في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد قاتل به المسلمين
اليوم " (3).



(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 222.
(2) تاريخ الخلفاء، السيوطي 1 / 205.
(3) الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري ط. الحلبي وشركاه 5 / 174.
249
الوليد بن عقبة بن أبي معيط
والوليد من الطلقاء الذين أسلموا قهرا عند الفتح. وأبوه من المعادين
للرسول (صلى الله عليه وآله) فقتله النبي (صلى الله عليه وآله) صبرا بعد معركة بدر بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد
نصبه عمر واليا على عرب الجزيرة (1).
وقد نزل القرآن بتفسيق الوليد بن عقبة: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
وقد ذكر ابن الأثير: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله تعالى {إن
جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} (2) أنزلت في الوليد بن عقبة، وذلك أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بعثه مصدقا إلى بني المصطلق، فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا
الصدقة (3).
وكان عمر بن الخطاب أول من أرسل الوليد واليا على عرب الجزيرة (4).
وذكر ابن قتيبة بأن عمر قد أرسله على صدقات بني تغلب (5).
وقال عقيل بن أبي طالب للوليد: إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا
تدري من أنت، وأنت علج من أهل صفورية - وهي قرية بين عكا واللجون من
أعمال الأردن من بلاد طبرية كان ذكوان أبوه يهوديا منها - (6). وقال النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) تاريخ الطبري 3 / 311، سيرة ابن هشام 1 / 385، 2 / 25، وتفسير الآيات {ويوم يعض الظالم
على يديه...} الفرقان: 30 - 32 من تفسير القرطبي والطبري والزمخشري وابن كثير والرازي،
البداية والنهاية، ابن كثير 3 / 32 طبعة دار إحياء التراث.
(2) الحجرات، 5.
(3) أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 451، طبعة دار أحياء التراث، مختصر تاريخ ابن عساكر 26 / 338.
(4) تاريخ الطبري 3 / 327 طبعة الأعلمي، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 82 ط. صادر، بيروت.
(5) المعارف، ابن قتيبة ص 319.
(6) مروج الذهب، المسعودي 1 / 336.
250
لعقبة بن أبي معيط: إنما أنت يهودي من أهل صفورية (1).
وعندما أرسل عثمان الوليد واليا على الكوفة وعزل سعد بن أبي وقاص قال
له سعد: والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك (2). وفي الكوفة جاء الوليد
بساحر يهودي لإبراز سحره في مسجد الكوفة أمام المسلمين، فأحدث فتنة هناك
واضطر جندب لقتل ذلك الساحر. وشرب الوليد الخمر وصلى سكران، قال عمر
بن شبة: صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت
إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم (3).
ونزل في الوليد أيضا آية: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} (4).
قال يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن عقبة (5).
وقال ابن عبد البر: صلى الوليد الصبح أربع ركعات وقال: هل أزيدكم (6).
وقال أبو الفداء في تاريخه: إن قصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران
مشهورة مخرجه (7).
وقال السيوطي: صلى الوليد بأهل الكوفة أربع ركعات، وصار يقول في
ركوعه وسجوده: اشرب واسقني (8).



(1) السيرة الحلبية 2 / 186.
(2) سيرة ابن هشام 4 / 1554، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 452.
(3) الإستيعاب 4 / 1554، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 452.
(4) السجدة، 18.
(5) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 26 / 340.
(6) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 634، مسند أحمد 1 / 144، سنن البيهقي 8 / 318، تاريخ اليعقوبي
2 / 142.
(7) تاريخ أبي الفداء 176، الإصابة، ابن حجر 3 / 638.
(8) تاريخ الخلفاء، السيوطي 104، سيرة الحلبي 2 / 314، الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني 4 / 178.
251
سعد بن أبي وقاص
سعد من بني زهرة من قريش، شأنه في ذلك شأن عبد الرحمن بن عوف
وأصله من بني عذرة، وهو من الجماعة التي أيدت أبا بكر وعمر وعثمان ونصرتهم
في منهجهم وأهدافهم ووصولهم إلى الخلافة، وقد حفظ له عمر هذه الخدمة فولاه
على جيوش العراق، ثم جعله واليا على الكوفة فترة ثم عزله وأوصى خليفته
بإرجاعه واليا عليها.
وكانت علاقته بالدولة قوية إلى درجة أن أوصى عمر إلى أربعة أشخاص
منهم سعد بن أبي وقاص فقد أوصى: أن تكون البيعة بيد عبد الرحمن بن عوف
فقال: إن انقسم رجال الشورى الستة إلى قسمين فالقول ما قاله ابن عوف.
فأوصى إلى عثمان بالخلافة (1).
وأوصى عمر خليفته بتعيين سعد بن أبي وقاص واليا على الكوفة (2)، أي أن
عمر أوصى إلى ثلاثة رجال من أهل مجلس الشورى وهم عثمان وابن عوف
وسعد (3).
وأوصى عمر بتولية أبي موسى الأشعري على البصرة؟ (4) وفي مقابل هذا لم
يعط عمر أي امتياز للثلاثة الآخرين في الشورى.
ولكن عثمان نقض ما أبرمه عمر، ونكث ما عهد به، إذ طرد سعدا من ولاية
الكوفة، وعين أخاه من إمه الوليد بن عقبة مكانه، ثم طرد عبد الرحمن من مجلسه



(1) ذكرنا ذلك في هذا الكتاب في موضوعه.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ص 50.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر 9 / 254.
(4) شرح نهج البلاغة ص 50.
252
ومن خلافته وخلع أبا موسى الأشعري من ولاية البصرة!
وعن إحراق عمر لباب بيت سعد جاء: قيل: إنه (سعد) اتخذ بابا مبوبا من
خشب، وخص على قصره خصا من قصب، فبعث عمر بن الخطاب محمد بن
مسلمة الأنصاري، حتى أحرق الباب والخص، وأقام سعدا في مساجد الكوفة،
فلم يقل فيه إلا خيرا (1).
وأخذ عمر نصف أموال سعد بعد إقراره بها.
وقد طال عمر سعد إلى أيام حكم معاوية فقال معاوية له: يا أبا إسحاق أنت
الذي لم يعرف حقنا وجلس فلم يكن معنا ولا علينا.
فقال سعد: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: أنت مع الحق، والحق معك
حيثما دار.
قال: فقال معاوية: لتأتيني على هذا ببينة. قال: فقال سعد: هذه أم سلمة
تشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقاموا جميعا فدخلوا على أم سلمة. فقالوا: يا أم
المؤمنين: إن الأكاذيب قد كثرت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا سعد يذكر عن النبي (صلى الله عليه وآله)
ما لم نسمعه، أنه قال يعني لعلي: أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.
فقالت أم سلمة: في بيتي هذا قال رسول الله لعلي: أنت مع الحق والحق معك
حيثما دار.
قال: فقال معاوية لسعد: يا أبا إسحاق، ما كنت ألوم الآن، إذ سمعت هذا من
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلست عن علي؟ لو سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنت خادما
لعلي حتى أموت (2). إن سعد بن أبي وقاص قد سمع هذا الحديث من فم



(1) فتوح البلدان للبلاذري ص 286، تاريخ الطبري 3 / 150.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 9 / 270، وروى سعد أيضا حديث: يا علي لا يحبك إلا مؤمن
ولا يبغضك إلا منافق.
253
الرسول (صلى الله عليه وآله) لكنه ترك عليا، وبايع أبا بكر وعمر، وتركه ثانية في مجلس
الشورى فبايع عثمان، وتركه ثالثة إذ لم يبايع له بعد بيعة الناس العامة له ولم يحارب
معه، ثم بايع معاوية؟
وسمع معاوية بالحديث من فم سعد وأم سلمة، ثم أمر بلعن علي (عليه السلام) من على
مآذن المسلمين؟!
فلا أدري من الذي صنيعه أشد قبحا معاوية أم ابن أبي وقاص؟!
وقال عمر عن علي (عليه السلام): إنه مولى كل مؤمن ومؤمنة (1) إلا أنه تركه وأوصى
إلى عثمان بن عفان!
لقد كان سعد واليا لعمر على الكوفة وكان معاوية واليا له على الشام،
وهذان الواليان مع باقي ولاة عمر المشهورين كانوا كلهم ضد علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وهم عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وأبو
موسى الأشعري، وأبو هريرة.
ولما قتل علي (عليه السلام) وتولى معاوية زار سعد الشام، إذ جاء: " أن سعد بن أبي
وقاص وفد على معاوية فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة أو شهر رمضان
فأفطره " (2).
وعن ضمرة بن ربيعة قال: قال حفص: " قدم سعد بن أبي وقاص على
معاوية... فبايعه وما سأله شيئا إلا أعطاه إياه (3).
وتوفي سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي بن أبي طالب في أيام بعد ما



(1) ذخائر العقبى ص 68، الصواعق المحرقة 107، الرياض النظرة، الحافظ ابن سلمان 2 / 170،
الفتوحات الإسلامية 2 / 307.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 9 / 252.
(3) المصدر السابق 9 / 253.
254
مضى من إمارة معاوية عشر سنين (1).
وذكر أبو الفرج الأصفهاني قتل معاوية لهما.
أبو موسى الأشعري
كان أبو موسى قد قدم مكة في الجاهلية، وحالف سعيد بن العاص بن أمية،
وجاء مع قومه إلى المدينة أثناء وجود الرسول (صلى الله عليه وآله) في خيبر ليعلن إسلامه.
وكان من المقربين إلى عمر لذلك عينه واليا على البصرة ثم أوصى إلى خليفته
بإبقاء أبي موسى واليا على البصرة. ولكن عثمان لم يعمل بوصية عمر.
إذ جاء: " وعزله عن البصرة، وولاها عبد الله بن عامر بن كريز، فنزل أبو
موسى حينئذ بالكوفة وسكنها، فلما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص، ولوا أبا
موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه، فأقره عثمان على الكوفة إلى أن مات،
وعزله علي (رضي الله عنه) عنها فلم يزل واجدا منها على علي " (2).
وكان أبو موسى قد جاء بأموال جليلة من العراق، فقسمها كلها عثمان في بني
أمية (3) ولم يعترض أبو موسى على ذلك، في حين استعفى زيد بن أرقم من عمله
كأمين لبيت المال احتجاجا على إعطاء أموال كثيرة من قبل عثمان لأفراد بني أمية.
هذا في المدينة، وفي الكوفة استقال عبد الله بن مسعود لنفس السبب (4).
وقد أفنى أبو موسى الأشعري (عبد الله بن قيس) عمره للعمل لصالح
الحزب القرشي.



(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 9 / 271.
(2) الإستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 372.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 199.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 66، طبع مصر شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 67.
255
وقد قال الإمام علي (عليه السلام) عنه: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. وكان أبو
موسى الأشعري من المنحرفين عن الإمام علي (عليه السلام) وقد جاء في مبغض علي (عليه السلام) من
الحديث ما جاء (1).
ولما جاء نبأ مقتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم (بن عتبة بن أبي وقاص)
لأبي موسى الأشعري: تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمة علي فقال: لا تعجل.
فوضع هاشم يده على الأخرى: فقال هذه لعلي وهذه لي.
وقد بايعت الناس عليا وأنشده:
أبايع غير مكترث عليا * ولا أخشى أميرا أشعريا
أبايعه وأعلم أن سأرضي * بذاك الله حقا والنبيا (2)
وفي موضوع حذيفة بن اليمان ومعرفته بأسماء المنافقين وأحوالهم، ذكر
حذيفة اسمه وأحواله فيهم، إذ ذكر العالم الأندلسي ابن عبد البر في الاستيعاب
قائلا: " فقد روي فيه (الأشعري) لحذيفة كلام كرهت ذكره، والله يغفر له " (3).
واستمر أبو موسى معاديا لعلي (عليه السلام) فقد ثبط الناس عن الحرب مع علي (عليه السلام)
في معركة الجمل، ودعا إلى خلعه (عليه السلام) في قضية الحكمين (4).
وقد خلعه علي (عليه السلام) عن ولاية الكوفة، وقال له الأشتر: فوالله إنك لمن
المنافقين قديما (5). وكتب إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام): " فإنك امرؤ ضللك الهوى،
واستدرجك الغرور " (6).



(1) يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، صحيح مسلم، كتاب الإيمان 1 / 120.
(2) الإصابة، ابن حجر العسقلاني، 3 / 592.
(3) الإستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 372.
(4) تاريخ الطبري 4 / 49، 50.
(5) تاريخ الطبري 3 / 501.
(6) العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 4 / 325.
256
وقال الأشعث بن قيس ومن ارتد بعد ذلك إلى رأي الخوارج: رضينا نحن
بأبي موسى الأشعري، فقال علي: قد عصيتموني في أول هذا الأمر فلا تعصوني
الآن. إني لا أرى أولي أبا موسى الأشعري، فقال الأشعث ومن معه: لا نرضى إلا
بأبي موسى الأشعري قال (عليه السلام): ويحكم هو ليس بثقة، قد فارقني وخذل الناس مني
وفعل كذا وكذا وذكر أشياء فعلها أبو موسى، ثم إنه هرب شهورا حتى أمنته (1).
وعن مجاهد عن الشعبي: كتب عمر في وصيته لا يقر لي عامل أكثر من سنة،
وأقر الأشعري على البصرة أربع سنين (2).
وقال ابن الكلبي: ولاه عمر على صدقات جهينة، وقال غيره: كان عند
عمر معد لكشف الأمور المعضلة في البلاد وعندما أبطأ خبر عمر على أبي موسى
الأشعري، ذهب الأشعري إلى امرأة في بطنها شيطان ليسألها عن عمر (3).
قدامة بن مضعون
وهو صهر عمر بن الخطاب ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة:
استعمل عمر قدامة على البحرين في خلافته، وله معه قصة، قال البخاري حدثنا
أبو اليمان، أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرني عبد الله بن عامر ابن ربيعة، (وكان
أكبر بني عدي، وكان أبوه شهد بدرا مع النبي (صلى الله عليه وآله)). إن عمر استعمل قدامة بن
مضعون على البحرين، وكان شهد بدرا، وهو خال عبيد الله بن عمر وحفصة،
كذا اختصره البخاري، لكنه موقوف وقد أخرجه عبد الرزاق بطوله. قال:
أنبأنا معمر عن ابن شهاب، أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن عمر



(1) مروج الذهب، المسعودي 2 / 391.
(2) الإصابة 2 / 360، الطبقات، ابن سعد 5 / 45.
(3) تاريخ السيوطي ص 121.
257
استعمل قدامة بن مضعون على البحرين، وهو خال حفصة وعبيد الله ابني
عمر فقدم الجارود (سيد عبد القيس) على عمر من البحرين، فقال: يا أمير
المؤمنين: إن قدامة شرب فسكر، وإني رأيت حدا من حدود الله حقا على أن
أرفعه إليك.
قال من يشهد معك؟ قال أبو هريرة.
فدعا أبا هريرة فقال: بم تشهد: قال: لم أره شرب الخمر، ولكني رأيته
سكران يقئ. فقال: تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من
البحرين فقدم. فقال الجارود: أقم على هذا كتاب الله.
فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد؟
فقال: شهيد.
فقال: قد أديت شهادتك. قال فصمت الجارود، ثم غدا على عمر فقال: أقم
على هذا حد الله.
فقال عمر: ما أراك إلا خصما وما شهد معك إلا رجل واحد.
فقال الجارود: أنشدك الله. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوأنك.
فقال الجارود: ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسؤوني؟؟.
فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا، فأرسل إلى ابنة
الوليد فاسألها - وهي امرأة قدامة - فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها،
فأقامت الشهادة على زوجها.
فقال عمر لقدامة: إني حادك.
فقال قدامة: لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدوني.
فقال عمر: لم؟
قال قدامة: قال الله عز وجل: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات

258
جناح فيما طعموا...} (1).
فقال عمر: أخطأت التأويل، أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله. ثم أقبل
عمر على الناس فقال: ما ترون في جلد قدامة؟
فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام مريضا، فسكت على ذلك أياما، ثم أصبح
وقد عزم على جلده فقال: ما ترون في جلد قدامة؟
فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا.
فقال عمر: لأن يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن ألقاه وهو في عنقي.
إئتوني بسوط تام فأمر به فجلد فغاضب عمر قدامة وهجره (2).
والشئ العجيب في الأمر، أن قدامة بن مظعون من أهل بدر، وهو الوحيد
منهم الذي حد في شرب الخمر.
والأعجب من ذلك ما قاله قدامة لعمر: محللا بذلك كل حرام من الطعام.
والأشد عجبا ما صنعته الأيادي الأموية في حديث: إن الله اطلع على أهل
بدر فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم! (3)
وشرب قدامة للخمر وفعل عمر معه أكبر دليل على بطلان نظرية عدالة
الصحابة التي أوجدها الأمويون.
أولاد أبي سفيان (معاوية ويزيد وعتبة)
روى الكثير من الصحابة ما نزل من القرآن في لعن وذم بني أمية وما قاله
الرسول (صلى الله عليه وآله) فيهم، وما ذكره الرواة من كفر معاوية.



(1) المائدة، 93.
(2) الإصابة في تمييز الصحابة 3 / 228، الإستيعاب 3 / 1278.
(3) البداية والنهاية 3 / 398.
259
أخرج المتقي الهندي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {ألم... إلى
قوله تعالى الذين بدلوا نعمت الله كفرا} (1).
قال هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة وبنو أمية (2).
وقال عمر: سمعته (رسول الله (صلى الله عليه وآله)) يقول: ليصعدن بنو أمية على منبري،
ولقد رأيتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة وفيهم أنزل: {وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن} (3).
وقد روى الزبير بن بكار في الموفقيات، ما يناسب هذا عن المغيرة بن شعبة
قال: قال لي عمر يوما: يا مغيرة هل أبصرت بهذه عينك العوراء منذ أصيبت
قلت: لا.
قال: أما والله ليعورن بنو أمية الإسلام، كما اعورت عينك هذه، ثم ليعمينه،
حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجئ. قلت: ثم ماذا يا أمير المؤمنين.
قال: ثم يبعث الله تعالى بعد مائة وأربعين أو بعد مائة وثلاثين وفدا كوفد
الملوك، طيبة ريحهم، يعيدون إلى الإسلام بصره وشتاته. قلت من هم يا أمير
المؤمنين، قال: حجازي وعراقي.
وبعد ما سمع المغيرة هذا الحديث النبوي اشتد في دعم ومساعدة الأمويين!
وقال ابن أبي الحديد: معاوية عند أصحابنا، مطعون في دينه، منسوب إلى
الإلحاد، قد طعن فيه (صلى الله عليه وآله) (4).
وقال ابن أبي الحديد: روى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله
تعالى، عن نصر بن عاصم الليثي، عن أبيه قال: أتيت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)،



(1) إبراهيم: 28.
(2) كنز العمال 1 / 444، حديث 4452.
(3) تفسير الدر المنثور، الدلائل، البيهقي، تاريخ ابن عساكر، الإسراء، 60.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 4 / 537.
260
والناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فقلت: ما هذا؟
قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعن الله التابع والمتبوع، رب يوم لأمتي من معاوية ذي
الاستاه (1)، وروى أحمد في مسنده شرب معاوية للخمر أيام حكمه (2).
وروى أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك: أن معاوية سمع المؤذن
يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقالها ثلاثا فقال: أشهد أن محمدا رسول الله، فقال:
لله درك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة، ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك
باسم رب العالمين.
لذلك عزم المعتضد العباسي على لعن معاوية على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب
يقرأ على الناس، وكان من جملته في ذكر أبي سفيان: فحارب مجاهدا، ودافع
مكايدا، وأقام منابذا، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقول
الإسلام غير منطو، وأسر الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله والمسلمون
وميز له المؤلفة قلوبهم، فقبله وولده على علم منه، فمما لعنهم الله به على لسان
نبيه (صلى الله عليه وآله) قوله: والشجرة الملعونة في القرآن، ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا،
ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أمية. ومنه قول الرسول - وقد رآه على حمار
ومعاوية يقوده ويزيد يسوقه - لعن الله الراكب والقائد والسائق.
وقال أبو سفيان في بيعة عثمان: تلقفوها يا بني عبد مناف تلقف الكرة، فما
هناك جنة ولا نار (3) وفي لفظ المسعودي: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي
يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (4). وقد



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 79، أسد الغابة لابن الأثير 3 / 116.
(2) 6 / 476 ح 22432.
(3) تاريخ الطبري 11 / 357.
(4) مروج الذهب، المسعودي 1 / 440.
261
لعن النبي (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان في سبعة مواطن (1).
وقال أبو سفيان في معركة اليرموك عند انتصار الروم: إيه بني الأصفر. ثم
انتصر المسلمون.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه (2).
واستنادا لهذا كيف نصب معاوية في ولاية الشام؟ ولا أدري على أي وجه
استند الخليفة عمر في توليته، بعد أن سمع بنفسه الآيات القرآنية والأحاديث
النبوية ضد معاوية وبني أمية؟ ولو وصل أبو سفيان إلى الحكم فهل كان سيولي
غير معاوية ويزيد وعتبة وابن العاص والوليد وابن أبي سرح وابن أبي ربيعة
المخزومي والمغيرة وسعيد بن العاص وعتاب بن أسيد؟
أما عن كيفية وصول بني أمية إلى الحكم بعد النبي (صلى الله عليه وآله)؟ فالجواب عنه
يتمثل في أن القوم (جماعة السقيفة) أرادوا إرضاء أبي سفيان بعد السقيفة، فولوا
ابنه يزيد، وأعطوا لأبي سفيان ما جمعه من الصدقات. ولما قالوا لأبي سفيان: إنه
قد ولى ابنك قال وصلته رحم (3).
ثم استمر هذا المنحى لإرضاء الأمويين، فولى عمر معاوية على الشام وأبقاه
فيها طيلة فترة حكمه، ولم يرهقه في شئ.
وبالرغم من أن عمر قد ضرب بعض الناس لتصرفاتهم إلا أنه اختلف
تصرفه مع معاوية. إذن كان معاوية على رأس الولاة الذين أحبهم عمر. وقالت
غانمة بنت غانم ليزيد بن معاوية: من أنت كلأك الله.
قال: يزيد بن معاوية.



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 102.
(2) السيوطي في اللآلئ المصنوعة، فصل مناقب الصحابة.
(3) تاريخ الطبري 2 / 449، إذ ولى أبو بكر يزيد على الشام وأقره عمر، المعارف، ابن قتيبة ص 345.
262
قالت: فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد.
فتغير لون يزيد، فأتى أباه فأخبره، فقال: هي أسن قريش وأعظمهم.
ثم قالت لمعاوية: وأما أنت يا معاوية؟ فما كنت في خير ولا ربيت في خير (1).
وقال عمار بن ياسر لابن العاص: والله ما قصدك وقصد عدو الله ابن عدو
الله (معاوية بن أبي سفيان) بالتعلل بدم عثمان إلا الدنيا (2).
وقد قال الأصمعي وابن هشام الكلبي: إن معاوية من أربعة وهم عمارة بن
الوليد ومسافر بن عمرو وأبو سفيان، والعباس بن عبد المطلب (3).
وقال الكلبي في كتابه مثالب العرب: كانت هند من المغيلمات، وكانت تميل
إلى السودان من الرجال، وكانت إذا ولدت ولدا أسود قتلته.
وذكر الحافظ أبو سعيد إسماعيل الحنفي في كتاب مثالب بني أمية: أن مسافر
ابن عمر بن أمية بن عبد شمس كان ذا جمال وسخاء، عشق هندا وجامعها سفاحا،
فاشتهر ذلك في قريش وحملت هند.
فلما ظهر السفاح هرب مسافر من أبيها عتبة إلى الحيرة، وكان فيها سلطان
العرب (عمرو بن هند) وطلب عتبة (أبو هند) أبا سفيان ووعده بمال كثير،
وزوجه ابنته هندا، فوضعت بعد ثلاثة أشهر معاوية، ثم ورد أبو سفيان على عمرو
ابن هند أمير العرب، فسأل عن حال هند، فقال: إني تزوجتها، فمرض مسافر
ومات (4). وقد عامل عمر بن الخطاب معاوية معاملة خاصة، تختلف عن بقية
الولاة إذ كان معجبا به، وهذا ما أغضب عالم مصر محمود أبو رية إذ قال: مما يدعو



(1) المحاسن والأضداد، الجاحظ 102 - 104، المحاسن والمساوئ، البيهقي 1 / 69 - 71.
(2) التذكرة، سبط ابن الجوزي 53.
(3) مثالب العرب، الكلبي، تذكرة الخواص، ابن الجوزي 202 ط. النجف، ربيع الأبرار، الزمخشري
3 / 551، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 111.
(4) كتاب مثالب بني أمية، بهجة المستفيد، الشيخ أبو الفتوح محمد بن جعفر بن محمد الهمداني.
263
إلى الملاحظة هنا أننا لم نجد عمر (رضي الله عنه) قد اتبع هذه السنة (معاملة الولاة
بشدة) في معاوية بن أبي سفيان، فقد أبقاه عاملا على دمشق سنين طويلة، ولم
يعجزه بالعزل كغيره، وكان ذلك مما أعان معاوية على طغيانه، وأن يحكم حكما
قيصريا طوال أيامه، وخاصة بعد أن استولى على الشام كله في عهد عثمان. ثم امتد
هذا الطغيان الأموي إلى ما بعد معاوية حتى تسلم العباسيون الحكم (1).
وتوفي يزيد في ذي الحجة من ذلك العام (19 ه‍) في دمشق واستخلف أخاه
معاوية على عمله، فكتب إليه عمر بعهده على ما كان من عمل الشام، ورزقه ألف
دينار في كل شهر (2). ذلك أن عمر قد جزع على (وفاة) يزيد بن أبي سفيان جزعا
شديدا، وكتب إلى معاوية بولايته الشام، فأقام أربع سنين، ومات (عمر).
وقالوا: ورد البريد بموت يزيد على عمر، وأبو سفيان عنده، فلما قرأ الكتاب بموت
يزيد قال لأبي سفيان: أحسن الله عزاك في يزيد ورحمه، ثم قال له أبو سفيان: من
وليت مكانه يا أمير المؤمنين؟
قال (عمر): أخاه معاوية.
قال (أبو سفيان): وصلتك رحم يا أمير المؤمنين (3).
والاستفهام من جزع عمر على موت يزيد الطليق بن الطليق، وفي الجزيرة
العربية عشرات الآلاف من المؤمنين.
وكانت علاقة عمر بمعاوية علاقة خاصة تختلف عن علاقته ببقية الولاة.
فقد كان عمر يمقت المواكب العظيمة للولاة فمنعهم واستثنى معاوية. وكان عمر
يكره وقوف الناس في باب الولاة إلا في باب معاوية.



(1) أبو هريرة شيخ المضيرة 86 - 87.
(2) الإستيعاب لابن عبد البر 3 / 471.
(3) الإستيعاب لابن عبد البر 3 / 471.
264
وقال عمر إذ دخل الشام ورأى معاوية: هذا كسرى العرب، فلما دنا منه قال
له (عمر): أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال (عمر):
مع ما يبلغني عنك من وقوف ذوي الحاجات ببابك!...
قال (عمر): لا آمرك ولا أنهاك (1).
وبعد ما سمح عمر لمعاوية بالاحتجاب في ولايته اشتد معاوية في هذا الأمر
في أيام ملكه بدعوته عبد الرحمن بن أبي ربيعة وعبد الله بن خالد بن أسيد ولم يأذن
لواحد منهما مدة سنة، ولم يأذن للثاني مدة سنتين! (2)
في حين كان عمر نفسه لا يحتجب، فقد جاء عن زيد بن أسلم عن أبيه قال:
خلا عمر لبعض شأنه، وقال أمسك علي الباب، فطلع الزبير فكرهته حين رأيته،
فأراد أن يدخل فقلت: هو في حاجة، فلم يلتفت إلي وأهوى ليدخل، فوضعت
يدي في صدره، فضرب أنفي فأدماه، ثم رجع، فدخلت على عمر فقال: ما بك؟
قلت: الزبير!
فأرسل إلى الزبير، فلما دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له.
فقال: ما حملك على ما صنعت، أدميتني للناس؟
فقال الزبير يحكيه ويمطط في كلامه: أدميتني! أتحتجب عنا يا ابن الخطاب!
فوالله ما احتجب مني رسول الله ولا أبو بكر! فقال عمر كالمعتذر: إني كنت في
بعض شأني!
قال أسلم: فلما سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقي منه.
فخرج الزبير فقال عمر: إنه الزبير وآثاره ما تعلم! فقلت: حقي حقك (3).



(1) الإستيعاب لابن عبد البر 3 / 472، تاريخ الطبري 6 / 184.
(2) الأخبار الموفقيات.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 12 / 45.
265
وكان حب عمر لمعاوية يبرز في مواطن عديدة: فقد ذم معاوية عند عمر
يوما، فقال: دعونا من ذم فتى قريش، من يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده
إلا على الرضا، ولا يؤخذ ما فوق رأسه إلا تحت قدميه (1).
ولما ولى عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله
تلقاه في الطريق، فوجد معه ثلاثين ألفا.
فقال: أنى لك هذا؟
قال: والله ما هو لك ولا للمسلمين، ولكنه مال خرجت به لضيعة اشتريها.
فقال عمر: عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال، ورفعه. فلما ولي
عثمان قال لأبي سفيان: هل لك في هذا المال؟ فإني لم أر لأخذ ابن الخطاب فيه
وجها. قال: والله إن بنا إليه حاجة، ولكن لا ترد فعل من قبلك فيرد عليك من
بعدك. وقد شهد عتبة معركة الجمل مع عائشة فذهبت عينه يومئذ، وشهد صفين
مع معاوية، ثم تولى الطائف.
وقد زار أبو سفيان معاوية فلما رجع من عنده دخل على عمر فقال: أجزنا
أبا سفيان. قال: ما أصبنا شيئا فنجيزك به.
فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول: قل لها: يقول أبو سفيان:
انظري الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما، فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما
عشرة آلاف درهم، فطرحهما عمر في بيت المال، فلما ولي عثمان ردهما عليه، فقال
أبو سفيان: ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر.
وكان أبو بكر قد عين يزيد بن أبي سفيان على جيش من جيوش الشام (2).
وعين عتبة بن أبي سفيان واليا على الطائف، وعين عمر يزيد بن أبي سفيان واليا



(1) الإستيعاب 3 / 472.
(2) أسد الغابة لابن الأثير 5 / 492.
266
على فلسطين، ولما مات يزيد عين بدله معاوية بن أبي سفيان (1).
وبذلك تكون عائلة أبي سفيان أهم عائلة اعتمد عليها عمر وأبو بكر في
شؤونهم الخارجية بتعينهم ثلاثة أخوة منها ولاة وهم يزيد وعتبة ومعاوية...
وهذه بداية سيطرة عائلة أبي سفيان على حكم المسلمين. ولما عزل عمر سعدا
وخالدا أبقى معاوية في الشام، وهذا ما أثار استغراب العالم المصري محمود أبو رية
الذي قال: " فبقي معاوية في حكم الشام طيلة حكم الخليفة عمر. ولما أوصى عمر
إلى عثمان الأموي فقد أوصى بصورة غير مباشرة إلى معاوية بولاية الشام ".
وهكذا عادت السلطة والقدرة إلى الأمويين في عام 24 هجرية ببيعة عثمان،
بعد أن فقدوها في عام فتح مكة (8 هجرية). وبقيت في يدهم إلى أيام ظهور
الدعوة العباسية وهزيمة جيش مروان الثاني آخر سلاطين بني أمية.
ويمكن القول أن الأمويين لم يفقدوا السلطة إلا في ثلاث سنوات فقط تبدأ
بفتح مكة وتنتهي بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله)! إذ ولى أبو بكر العديد من الأمويين الحكم وعلى
رأسهم يزيد بن أبي سفيان في الشام، وعتبة بن أبي سفيان في الطائف، وعتاب بن
أسيد في مكة، وعثمان بن عفان في الوزارة!
ثم زاد عمر في عدد الولاة منهم، ثم ضاعفهم عثمان، محتكرا الحكم لهم وقد
حدث هذا في ضل حياة أبي سفيان وهند بنت عتبة تلك المرأة التي اقترحت على
جيش زوجها وهم في طريقهم إلى معركة أحد نبش قبر آمنة بنت وهب أم رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في منطقة الأبواء وأضافت: " فإن أسر (صلى الله عليه وآله) منكم أحدا فديتم كل إنسان
بأرب من آرابها أي جزء من أجزائها " (2).
ومثلت بقتلى المسلمين في أحد واتخذت من آذان الرجال وأنوفهم خدما



(1) أسد الغابة لابن الأثير 3 / 560.
(2) السيرة الحلبية 2 / 218.
267
وقلائد (1). روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات عن مطرف بن المغيرة
بن شعبة أنه قال: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده
ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية، ويذكر عقله، ويعجب مما يرى منه، إذ جاء ذات
ليلة، فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت أنه لشئ حدث
فينا، أو في عملنا، فقلت له: مالي أراك مغتما منذ الليلة؟ قال: يا بني إني جئت من
عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك؟ قال: قلت له، وقد خلوت به: إنك قد بلغت
مناك يا أمير المؤمنين! فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا، فإنك قد كبرت ولو
نظرت إلى أخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شئ
تخافه.
فقال لي: هيهات! هيهات! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما غدا
أن هلك، فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: ملك أبو بكر، ثم ملك أخو عدي فاجتهد
وشمر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: عمر، ثم
ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل، وعمل به،
فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر ما فعل، وأن أخا هاشم يصرخ به في كل
يوم خمس مرات: أشهد أن محمدا رسول الله، فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك؟ لا
والله إلا دفنا دفنا (2).
وقال الحسن بن علي (عليه السلام) لمعاوية: أنت ببيعة الرضوان كافر، وببيعة الفتح
ناكث، وإنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم، تسرون الكفر وتظهرون الإسلام
وتستمالون بالأموال (3).



(1) تاريخ الطبري 2 / 204.
(2) الموفقيات، الزبير بن بكار 576 - 577، وذكره المسعودي في حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين
بهامش ابن الأثير 9 / 49.
(3) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 102.
268
وقد أرسل قيس بن سعد كتابا إلى معاوية جاء فيه: أما بعد فإنك وثن ابن
وثن، دخلت في الإسلام كرها، وخرجت منه طوعا، ولم يقدم إيمانك، ولم يحدث
نفاقك (1).
وقال له عقيل بن أبي طالب: تركته (عليا (عليه السلام)) على ما يحب الله ورسوله
وألفيتك على ما يكره الله ورسوله (2).
وقال صعصعة بن صوحان لمعاوية في مجلسه في الشام: علي وأصحابه من
الأئمة الأبرار، وأنت وأصحابك من أولئك (الفسقة) (3).
واعترافات أفراد بني أمية بالكفر واضحة، إذ دخل أبو سفيان على عثمان
بعد ما عمي فقال: ها هنا أحد؟ قالوا: لا، قال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية،
والملك ملك عاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية (4)، وقال: تلقفوها تلقف
الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار (5).
وفي معركة تبوك شاهد النبي (صلى الله عليه وآله) معاوية وعمرو بن العاص يسيران
ويتحدثان فقال: إذا رأيتموهما اجتمعا ففرقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان على خير
أبدا (6). وقال الحسن البصري: أربع خصال في معاوية، لو لم تكن فيه منهن إلا
واحدة لكانت موبقة: الأولى: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء بغير مشورة، وفيهم
بقايا الصحابة وذووا الفضيلة. الثانية: استخلاف ابنه السكير الخمير، يلبس
الحرير، ويضرب بالطنابير.



(1) البيان والتبيين، الجاحظ 2 / 87.
(2) مروج الذهب، المسعودي 3 / 36.
(3) المصدر السابق.
(4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 11 / 67، مروج الذهب، المسعودي 2 / 343.
(5) مروج الذهب ص 343، شرح نهج البلاغة 9 / 17.
(6) العقد الفريد، ابن عبد ربة 4 / 321.
269
الثالثة: ادعاؤه زيادا.
الرابعة: قتله حجر بن عدي وأصحابه، ويل له من حجر وأصحابه، ويل له
من حجر وأصحابه (1).
وقد قال علي (عليه السلام): لكل أمة آفة، وآفة هذه الأمة بنو أمية (2).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم العن الراكب والقائد والسائق (أبو سفيان ومعاوية
وعتبة) (3). وبينما كان بنو أمية أبغض الخلق إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) والصحابة،
أصبحوا أقرب المقربين للخليفة في زمن أبي بكر وعمر وعثمان! ووصف عمر
معاوية بالمصلح! (4)
أبو هريرة الدوسي
أسلم أبو هريرة متأخرا وقدم المدينة والنبي (صلى الله عليه وآله) في خيبر، وسكن في المدينة
في مساكن أهل الصفة (5).
ولقد عينه عمر واليا على البحرين ثم قال له: هل علمت من حين استعملتك



(1) تاريخ الطبري في حوادث سنة 50 هجرية، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 3 / 202، تاريخ ابن
عساكر 2 / 329.
(2) كنز العمال 6 / 91.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 102، المفاخرات، الزبير بن بكار.
(4) كنز العمال 12 / 606 ح 27549.
(5) أهل الصفة (كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر) أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر، ينامون
على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد ويظلون فيه، وكانت صفة المسجد مثواهم، فنسبوا إليها، وكان إذا
تعشى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشوهم. وقد
اعترف بأنه صحب النبي (صلى الله عليه وآله) على ملء بطنه، أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية 204. أي
أنه لم يصحبه للهداية.
270
على البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار
وستمائة دينار. قال: كانت لنا أفراس تناتجت، وعطايا تلاحقت فأراد عمر أخذها.
قال: ليس ذلك لك.
قال له عمر: بلى والله وأوجع ظهرك. ثم قام إليه بالدرة فضربه بها، حتى
أدماه، ثم قال له: إيت بها.
قال: احتسبتها عند الله.
قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا. أجئت من حجر البحرين
يجبى الناس لك لا للمسلمين؟ لا والله ما رجعت بك أميمة (أمه) إلا لرعية الحمر.
وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير جاء: إن عمر استعمل أبا هريرة على
البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال أي عدو الله
وعدو كتابه.
فقال أبو هريرة: لست بعدو الله، ولا عدو كتابه ولكن عدو من عاداهما.
فقال: فمن أين هي لك؟
قال: خيل نتجت وغلة ورقيق لي وأعطية تتابعت علي... وأن عمر غرمه
في العمالة الأولى اثني عشر ألفا (1).
وقد اتهمه عمر بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضربه بدرته وصرح أبو
هريرة برفضه الذهاب إلى البحرين ثانية واليا لعمر (2).
وقد قال له عمر: أكثرت من الحديث، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول
الله (3).



(1) البداية والنهاية لابن الأثير 8 / 116 - 117.
(2) البداية والنهاية لابن الأثير 8 / 117، تاريخ آداب العرب 1 / 278.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 360.
271
وقال أبو هريرة لعمر: أخشى أن تضربوا ظهري، وتشتموا عرضي،
وتأخذوا مالي، وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم (1).
ودعوى أبي هريرة: أخشى أن تضربوا ظهري، وتشتموا عرضي (2) و...
اتهام منه لعمر بإقدامه على ضرب الناس بلا سبب، وشتمهم بلا داع.
ثم أرسله عمر واليا على عمان بعد اطلاعه على كذبه وسرقته! إذ مات عمر
وواليه على عمان أبو هريرة (3). إذ كيف يحصل هذا وعند عمر يقين قاطع بسرقة
أبي هريرة لأموال المسلمين وكذبه على الرسول (صلى الله عليه وآله).
ولا أدري كيف تربى الناس في البحرين وواليهم متهم بالكذب
والسرقة، وواليهم السابق (المغيرة) وصفه عمر بالفاجر وتذمر منه
أهالي البحرين، وولي عمر الثالث على البحرين كان قدامة بن مضعون، الذي لم
يكن يشرب الخمر ويسكر فقط بل يحلل شربها! (4)، وبينما أرسل عمر هؤلاء
المتجاهرين بالفسق إلى ولاية البحرين وأرسل أمثالهم إلى الولايات الأخرى كان
المؤمنون المتقون من أمثال المقداد وعمار وابن مسعود وقيس بن سعد بن عبادة
والأحنف بن قيس وسهل بن حنيف والحباب بن المنذر وجابر الأنصاري عاطلين
عن العمل.
ثم أصبح أبو هريرة مع معاوية بن هند في حربه ضد علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
فعينه السفاح ابن أرطاة واليا لمعاوية على المدينة (5).



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 113.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 113.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 113.
(4) تاريخ الطبري 3 / 501.
(5) الغارات، إبراهيم بن هلال الثقفي 1 / 128، شرح نهج البلاغة 1 / 213، الكامل لابن الأثير سنة 40 ه‍.
272
خالد وأسباب العداء بينه وبين عمر
لقد أسلم خالد متأخرا، بعد أن أيقن بانتصار النبي (صلى الله عليه وآله)، وشاهد تفوق
الجيش الإسلامي عدة وعددا. ثم ارتكب مذبحتين ضد المسلمين، مرة حين
أرسله الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد فتح مكة، ومرة يوم أرسله أبو بكر. وقد ادعى خالد بن
الوليد أن مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلك. وقال: أنا على
الإسلام ما غيرت ولا بدلت وشهد له أبو قتادة وعبد الله بن عمر.
فقدمه خالد وأمر ضرار بن الأزور الأسدي فضرب عنقه، وقبض خالد
امرأته أم متمم فتزوجها. فبلغ عمر بن الخطاب قتله مالك بن نويرة وتزويجه
امرأته.
فقال لأبي بكر (رضي الله عنه): إنه قد زنى فارجمه.
فقال أبو بكر: ما كنت لأرجمه، تأول فأخطأ.
قال: فإنه قد قتل مسلما، فاقتله.
قال: ما كنت لأقتله. تأول فأخطأ. قال: فاعزله.
قال: ما كنت لأشيم - أي لأغمد - سيفا سله الله عليهم أبدا (1).
ولما أمر خالد بقتل مالك التفت مالك إلى زوجته وقال لخالد: هي التي
قتلتني، وكانت في غاية الجمال، فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام.
فقال مالك: أنا على الإسلام، فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه!
وقال أبو نمير السعدي:
قضى خالد بغيا عليه بعرسه * وكان له فيها هوى قبل ذلك



(1) حياة الصحابة 2 / 413.
273
فأمضى هواه خالد غير عاطف * عنان الهوى عنها ولا متمالك
فأصبح ذا أهل وأصبح مالك * إلى غير أهل هالكا في الهوالك (1)
وكتب (أبو بكر) إلى خالد أن يقدم عليه ففعل. ودخل المسجد وعليه قباء،
وقد غرز في عمامته أسهما. فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له: قتلت امرءا
مسلما، ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك (2).
وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل على أبي بكر وأخبره
الخبر، واعتذر إليه فعذره، وتجاوز عنه، وعنفه في التزويج الذي كانت عليه
العرب من كراهية أيام الحرب، فخرج خالد وعمر جالس فقال: هلم إلي يا ابن أم
سلمة، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه (3).
إن تجاوز أبي بكر عن خالد في قتله وزناه يشبه تجاوز عمر عن المغيرة في
زناه في البصرة، وإجراء الحدود حق من الحقوق أوجبه الله تعالى في القرآن.
ثم فعل ابن أم الحكم (أحد ولاة معاوية بن أبي سفيان) ما فعله خالد من الزنا، إذ
سجن رجلا وأكرهه على طلاق زوجته الجميلة، وتزوجها هو، ولما رآها معاوية
أعجب بها، فقال لتلك المرأة المحصنة: اختاري إن شئت أنا، وإن شئت ابن أم
الحكم (الوالي) وإن شئت الأعرابي (زوجها)، فاختارت زوجها الفقير (4). الشئ
الملفت للنظر أن خالد بن الوليد كان رفيق أبي بكر. فهو الذي شارك في بيعته في
السقيفة، وشارك في حملة القوم على دار فاطمة (عليها السلام).
وكما توجد خطوط سياسية في جهاز السلطة الواحد، فإن خالدا كان من



(1) تاريخ أبي الفداء، عماد الدين أبي الفداء 1 / 221، 222.
(2) وسوف يأتي أن عمر قد دعا إلى قتل خالد لعداء قديم وخطير بينهما، فكان خالد يسميه بالأعيس
وأخته تسميه ابن حنتمة، طبقات ابن سعد 7 / 397، تاريخ اليعقوبي 2 / 95.
(3) الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 358 - 359.
(4) تاريخ دمشق لابن عساكر 29 / 252.
274
خط أبي بكر. ولما ولي عمر الخلافة عزله وولى أبا عبيدة مكانه. وكانت
علاقتهما سيئة قديما، بين سيد في قومه (خالد) وأجير عندهم (عمر). فقد ذكر
بأن عمر خرج مع الوليد بن المغيرة المخزومي خادما له إلى الشام يحمل متاعه
ويطبخ طعامه (1)، وقالت الرواية بأن عمر كان عسيفا للوليد بن المغيرة، والعسيف
هو المملوك أو الأجير (2) ولم يتهم عمر في قتل خالد بن الوليد المخزومي فقط بل
اتهمه أبوه الوليد بن المغيرة المخزومي بنيته في قتله في الجاهلية عندما ذبح عمر
للمغيرة (أثناء خدمته له) كبشا، فاتهمه بالرغبة في قتله بكثرة الزيت واللحم في
حر الحجاز وعناء السفر! وكانت العلاقة بين الاثنين فيها نوع من التنافس،
خاصة وأن الاثنين يسعيان لنيل المراكز العليا في السلطة. وكان عمر وخالد قد
تصارعا في الجاهلية إثر مشاحنة فصرعه خالد (3). وظاهر الأمر كان الصراع
شديدا إذ قال الشعبي: فكسر خالد ساق عمر، فعولجت وجبرت (4).
وقال خالد يوم وصل كتاب عمر بتنحيته وتولية أبي عبيدة بن الجراح:
الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت، وكان أحب إلي من عمر، والحمد لله
الذي ولى عمر، وكان أبغض إلي من أبي بكر (5). وذكر ابن حجر أن أبا بكر ولى
خالدا على الشام وعزله عمر بعد أن ولى أبا عبيدة بن الجراح عليها (6) ومن
الطبيعي أن ينظر خالد بتعالي لأجير أبيه (عمر ابن حنتمة). وأن ينظر عمر له نظرة
ملؤها الحقد والكراهية.



(1) شرح النهج 12 / 183.
(2) أقرب الموارد: مادة عسف.
(3) عمر بن الخطاب، عبد الكريم الخطيب، 177.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 8 / 22.
(5) تاريخ الطبري 2 / 598.
(6) الإصابة، ابن حجر 1 / 413.
275
وقال الأستاذ هيكل في كتابه الصديق أبو بكر: " إن أبا قتادة الأنصاري
غضب لفعلة خالد إذ قتل مالكا وتزوج امرأته فتركه منصرفا إلى المدينة مقسما
أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد. وأن متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه، فلما
بلغا المدينة ذهب أبو قتادة، ولا يزال الغضب آخذا منه مأخذه، فلقى أبا بكر فقص
عليه أمر خالد، وقتله مالكا وزواجه من ليلى. وأضاف أنه أقسم أن لا يكون أبدا
في لواء عليه خالد.
قال: لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته، ولم يعجبه قول أبي قتادة،
بل أنكر منه (قوله)، وبذلك تكون صفحة العلاقة بين عمر وخالد سيئة قديما
طواها عمر بطرده من الشام، وإخراجه من الحياة السياسية.
وكانت علاقة خالد مع ابن عوف غير جيدة، إذ سبه خالد في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله) (1) فيكون ابن عوف وعمر متفقين في نظرتهما إلى خالد المحسوب على
خط أبي بكر. واستمر خالد في منهجه غير مبال بمعارضة المسلمين له. فلما صالح
خالد أهل اليمامة وكتب بينه وبينهم كتاب الصلح، وتزوج ابنة مجاعة ابن مرارة
الحنفي، وصل إليه كتاب أبي بكر: لعمري يا ابن أم خالد، إنك لفارغ حتى تتزوج
النساء، وحول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد. (في كلام أغلظ له فيه) فقال
خالد: هذا الكتاب ليس من عمل أبي بكر هذا عمل الأعيس (يعني عمر).
ولما كان خالد بن الوليد يحارب في العراق كتب إليه أبو بكر يأمره بالمسير
إلى الشام قائلا: إني قد استعملتك على جندك وعهدت إليك عهدا تقرأه وتعمل بما
فيه، فسر إلى الشام حتى يوافيك كتابي، فقال خالد: هذا عمر بن الخطاب حسدني
أن يكون فتح العراق على يدي (2).



(1) أسد الغابة لابن الأثير 2 / 110.
(2) طبقات ابن سعد 7 / 397.
276
وقد غضب خالد على عمر بعد عزله فقال: " إن أمير المؤمنين استعملني
على الشام حتى إذا كانت بثنية - أي حنطة وعسلا - عزلني وآثر بها غيري " (1).
ولما تولى عمر أرسل رسالة إلى خالد في الشام جاء فيها: بلغني أنك تدلكت بخمر،
وإن الله تعالى قد حرم ظاهر الخمر وباطنها (2).
وقال اليعقوبي: " وكان عمر سئ الرأي في خالد على أنه ابن خاله، لقول كان
قاله في عمر. ولما عزله عمر عن الشام قال خالد: رحم الله أبا بكر لو كان حيا ما
عزلني. وكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن كذب خالد نفسه فيما كان قاله غلمانه، وإلا
فانزع عمامته، وشاطره ماله. فشاور خالد أخته فقالت: والله ما أراد ابن حنتمة إلا
أن تكذب نفسك ثم ينزعك من عملك فلا تفعلن. فلم يكذب نفسه فقام بلال
فنزع عمامته، وشاطره أبو عبيدة ماله، حتى نعله فأفرد واحدة عن الأخرى (3) ".
ومشكلة عمر مع خالد خطيرة وقديمة تعود إلى الجاهلية يوم كان عمر عسيفا
للوليد بن المغيرة المخزومي وكانت أمه حنتمة عسيفة (جارية) لهشام بن الوليد.
ولما ادعى عمر نسب أمه حنتمة لبني مخزوم قبيلة خالد، رد خالد ذلك، وقد
اشترط عمر على خالد في إبقائه في قيادته في الشام تكذيب نفسه فيما قاله في
حنتمة، فامتنع خالد من ذلك، فكانت النتيجة عزله وإهانته ومقاسمته ماله وموته
في ظروف مشكوكة! ثم منع عمر النساء من النياحة عليه.
وعندما وصل عمر إلى سدة السلطة، وتمكن من خالد، وفى بما تعهد به من
قتل خالد، بما ارتكبه من قتل وزنا خاصة وأن عمر كان يؤمن يقينا بأن خالدا
قد قتل وزنا، وقتل عمر لخالد في قضية مالك بن نويرة تعني الحكم على أبي بكر



(1) عبقرية عمر للعقاد 48.
(2) مختصر تاريخ دمشق 8 / 21.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 95، أقول وقوله: على أنه ابن خاله لأن أمة حنتمة قد رباها بنو المغيرة فهي ليست
ابنتهم.
277
قبل الحكم على خالد، في قضية مضت عليها سنتان.
ولما عزل خالد عن الحكم، وجاء إلى المدينة ساءت العلاقة بينهما أكثر
فأكثر. ولما تكلم خالد ضد عمر قال له شخص: صبرا أيها الأمير فإنها الفتنة. فما
تردد خالد أن قال: أما وابن الخطاب حي فلا.
فالظاهر أن خالدا كان يخاف من عمر، ويحذر جانبه، وكان ابن عوف
يشاطر عمر في نظرته إلى خالد.
وذكر الطبري " كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد: أخرج مال الله من
تحت استك فيقول: والله ما عندي من مال، فلما أكثر عليه عمر قال له خالد: يا
أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم أربعين ألف درهم؟
فقال عمر: قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم.
قال (خالد): هو لك.
قال (عمر): قد أخذته، ولم يكن لخالد مالا إلا عدة ورقيق فحسب ذلك
فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال،
فقيل له: يا أمير المؤمنين لو رددت على خالد ماله؟
فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين، والله لا أرده عليه أبدا، فكان عمر يرى أنه
قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك " (1).
واستمرت حالة المنافرة بين عمر وخالد فقالوا: " دخل خالد على عمر
وعليه قميص حرير فقال عمر: ما هذا يا خالد؟ فقال: وما به بأس يا أمير
المؤمنين؟ أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف؟
فقال: وأنت مثل ابن عوف؟ ولك مثل ما لابن عوف؟ عزمت على من
بالبيت إلا أخذ كل واحد منهم طائفة مما يليه. قال: فمزقوه حتى لم يبق منه



(1) تاريخ الطبري 2 / 625.
278
شئ " (1). أحل عمر لبس الحرير لابن عوف وحرمه على خالد! ولما مات
خالد كان مهاجرا لعمر (2).
وفي ظل هذه الظروف العصيبة من العلاقة بين عمر وخالد وما فعله عمر من
عزله وإهانته، مات خالد فجأة في سنة 21 هجرية. ثم أبطل عمر مجلس النياحة
بمناسبة وفاته والمقام في بيت زوج النبي (صلى الله عليه وآله) ميمونة بنت الحارث الهلالية، وضرب
كل نساء بني مخزوم الحاضرات في المجلس بنفسه وبدرته، وقد بلغ غضبه على
النائحة على خالد (قوله عند سقوط خمارها من ضربه): دعوها فلا حرمة لها (3).
وانتقام عمر من نساء بني مخزم وقوله فيهن يؤكد موقفهن وقولهن وموقف
وقول خالد السلبي من عمر. وبعد ما قتل خالد قال عمر: هلك أبو سليمان رحمه
الله، فقال له طلحة بن عبيد الله:
لا أعرفنك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي (4)
وقال ثعلبة بن أبي مالك: " رأيت ابن الخطاب بقباء ومعه نفر من المهاجرين
والأنصار، فإذا أناس من أهل الشام يصلون في مسجد قباء، فقال (عمر): من
القوم؟ قالوا: من اليمن. قال: أي مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حمص، قال: هل كان
من مغربة خبر؟ (أي هل من خبر جديد) قالوا: موت خالد بن الوليد يوم رحلنا
من حمص " (5).
فعمر ذهب إلى شمال المدينة حيث مسجد قباء بانتظار خبر من الشام،
وبالذات من حمص موطن خالد فبشروه بموت خالد!



(1) تاريخ ابن كثير 7 / 115.
(2) العقد الفريد 3 / 198.
(3) كنز العمال، المتقي الهندي.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر 8 / 26.
(5) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 8 / 26.
279
وكان صفوان بن أمية قد أرسل عمير بن وهب إلى المدينة لقتل النبي (صلى الله عليه وآله)
وبقي يسأل الركبان عنه، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه (1).
وذكر الزبير بن بكار: انقرض ولد خالد بن الوليد فلم يبق منهم أحد،
وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة. أي بعد مقتل عبد الرحمن بن خالد
بواسطة معاوية. ومقتل المهاجر بن خالد بن الوليد مع علي (عليه السلام) في صفين (2).
ومن غريب الصدف وقوع حادثتا مقتل خالد وابنه في مدينة حمص في
الشام.
حذيفة بن اليمان العبسي
وكان أفضل ولاة عمر من أرسله إلى المدائن عاصمة الفرس. والظاهر أنه
قصد ذلك لأسباب منها كون المدائن عاصمة الدولة الكسروية، وهذا يعني وجود
أهمية لها في نظر الفرس. وتمكن سلمان الفارسي من اللغة الفارسية وقدرته أفضل
من غيره في معاملة الفرس.
وفي المدائن يوجد الأعداء فأراد عمر السيطرة عليهم وإرضائهم، فلم
يرسل عمر سلمان وحذيفة إلى الشام والكوفة واليمن لوجود جيوش المسلمين
فيها! (وعندما أرسل عمارا إلى الكوفة حصر عمله في إمامة الصلاة في الكوفة
وذلك في زمن ولاية سعد بن أبي وقاص) (3).
ولم يستخدم أبو بكر وعثمان ومعاوية فردا من أتباع علي (عليه السلام) وبقي ذلك من
خصوصيات عمر مثلما اختص عمر ببيان مناقب علي (عليه السلام)، والنصوص الإلهية على



(1) السيرة الحلبية 2 / 197.
(2) جمهرة النسب، السائب الكلبي، طبع مكتبة النهضة العربية.
(3) شذرات الذهب، حوادث سنة 21 ه‍.
280
ولايته، وأحقيته بالخلافة بصورة ملفتة للنظر.
وحذيفة بن اليمان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وله أعمال وأقوال كثيرة تثبت
علمه وإخلاصه وإيمانه. وقد قتل أبوه في معركة أحد.
وقد خرج إلى المدائن على حمار موكف تحته زاده، فلما قدم المدائن، استقبله
أعاظم الدهاقين (التجار) وبيده رغيف وعرق من لحم.
ولما قرأ عليهم عهده قالوا: سل ما شئت قال: طعاما آكله، وعلف حماري
هذا - ما دمت فيكم - من تبن، فأقام ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر: أقدم فلما بلغه
قدومه، كمن له على الطريق وكانت هذه عادته - فلما رآه على الحال التي خرج
عليها أتاه فالتزمه. وقال: أنت أخي وأنا أخوك (1).
ذكر ابن الأثير في أسد الغابة: " وحذيفة صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
المنافقين، لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، أعلمه بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى
عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه، لم يحضر عمر (2). وذكر ابن عساكر
وابن منظور وابن حزم عدم صلاة حذيفة على أبي بكر (3).
وذكر ابن حزم الأندلسي أن حذيفة بن اليمان العبسي لم يصل على أبي بكر
وعمر (4). بينما صلى حذيفة والأشتر وأصحابهم على أبي ذر المنفي إلى
صحراء الربذة (5). وجاء في سنن مسلم: " قال الخليفة عمر: أيكم سمع النبي (صلى الله عليه وآله)
يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم: فقلت: أنا. قال:



(1) أبو هريرة شيخ المضيرة، محمود أبو رية.
(2) الإستيعاب لابن عبد البر 1 / 278 بهامش الإصابة، أسد الغابة لابن الأثير 1 / 468.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 6 / 253، طبعة دار الفكر.
(4) كتاب المحلى، ابن حزم 11 / 224 طبع دار الآفاق الجديدة - بيروت.
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 173.
281
أنت لله أبوك.
قال حذيفة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول تعرض الفتن على القلوب كالحصير
عودا عودا... أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر... أن ذلك الباب رجل
يقتل أو يموت " (1).
والرجل الذي قتل وبه فتحت الفتنة بابها كان عثمان بن عفان وقيل عمر.
وقال ابن حجر العسقلاني عن حذيفة وأبيه: " وشهدا أحدا فاستشهد
اليمان بها، وروى حديث شهوده أحدا واستشهاده بها البخاري. وشهد حذيفة
الخندق، وله بها ذكر حسن وما بعدها، وروى حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله) الكثير... ".
قال العجلي: استعمله عمر على المدائن، فلم يزل بها حتى مات بعد قتل
عثمان وبعد بيعة علي (عليه السلام) بأربعين يوما، وذلك في سنة ست وثلاثين.
وروى علي بن يزيد عن سعيد بن المسيب عن حذيفة: خيرني رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بين الهجرة والنصرة، فاخترت النصرة، وروى مسلم عن عبد الله بن يزيد
الخطمي عن حذيفة، قال: لقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان وما يكون حتى تقوم
الساعة. وفي الصحيحين أن أبا الدرداء قال لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر
الذي لا يعلمه غيره، (يعني حذيفة).
وجاء فيهما (الصحيحين) أيضا عن عمر: أنه سأل حذيفة عن الفتنة.
وشهد حذيفة فتوح العراق وله بها آثار شهيرة (2).
وقال حذيفة لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها.
وقالوا لحذيفة: إن عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: الزموا عمارا.
قيل: إن عمارا لا يفارق عليا، قال: إن الحسد أهلك الجسد، وإنما ينفركم



(1) صحيح مسلم 1 / 231، حديث 144.
(2) الإصابة لابن حجر العسقلاني 1 / 317.
282
من عمار قربه من علي! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب
والسحاب، وإن عمارا من الأخيار " (1).
زياد بن لبيد بن ثعلبة
وهو زياد بن لبيد بن ثعلبة الخزرجي، أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مكة ثم
جاء معه إلى المدينة، فكان يقال له مهاجري أنصاري. وقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
شيئا فقال: ذاك عند ذهاب العلم. قالوا: يا رسول الله وكيف يذهب العلم، ونحن
نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرؤه أبناؤنا أبناءهم؟ قال: ثكلتك أمك ابن أم لبيد،
أوليس اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون منهما بشئ؟! (2)
وزياد هو الذي اعتنق الزبير مع رجل آخر من الأنصار، ودقوا به الحجر في
حادثة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) (3). ذكر الواقدي وغيره أنه كان عامل
النبي (صلى الله عليه وآله) على حضرموت (4) وزياد الذي تسبب في ارتداد وحرب كنده
للإسلام (5).
قنفذ بن جدعان
وقنفذ بن عمير بن جدعان هو مولى لأبي بكر (6)، وهو الذي هجم مع عمر



(1) كنز العمال، المتقي الهندي 13 / 532.
(2) أسد الغابة لابن الأثير 2 / 274.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 48.
(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 336 طبعة دار صادر 1965، 1385 ه‍.
(5) البداية والنهاية 8 / 409.
(6) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 13، هامش الملل والنحل 1 / 53، الوافي بالوفيات 6 / 17.
283
وآخرين على بيت فاطمة (عليها السلام)، فأحرقوا بابه وضغطوه على سيدة نساء العالمين.
وقد ذكر اسم قنفذ في أحداث ما قبل الهجوم وما بعد الهجوم على بيت
فاطمة (عليها السلام) إذ قال أبو بكر لقنفذ: اذهب فادع لي عليا (1).
وذكر ابن عبد البر: وهو قنفذ بن عمير بن جدعان التميمي له صحبة، ولاه
عمر مكة، ثم عزله، وولى نافع بن عبد الحارث (2)، ولم يأخذ نصف ماله.
وقد ذكر ابن شهرآشوب أن ابن قتيبة ذكر ضرب قنفذ لفاطمة (عليها السلام) في كتابه
المعارف (الطبعة القديمة) قائلا: " إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي " (3).
سلمة بن سلامة
وعندما سار المسلمون إلى بدر سأل أعرابي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني بما في
بطن ناقتي هذه. فقال له سلمة بن سلامة: لا تسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أقبل علي، أنا
أخبرك عن ذلك، نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): مه
أفحشت على الرجل ثم أعرض عن سلامة (4). وهو سلمة بن سلامة بن وقش
الأنصاري من المسلمين الأوائل، وقيل: أنه شهد معارك الرسول (صلى الله عليه وآله).
وقال أبو بكر الجوهري عن أحداث بيت فاطمة (عليها السلام): " فجاء عمر في
عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش... " (5).



(1) الإمامة والسياسة 1 / 13.
(2) الإستيعاب 3 / 366، أسد الغابة، تجريد أسماء الصحابة 2 / 17، ت 4323، العقد الثمين 7، الإصابة
لابن حجر 3 / 241.
(3) مناقب آل أبي طالب 3 / 407 طبعة دار الأضواء.
(4) السيرة الحلبية 2 / 149، سيرة ابن كثير 2 / 390.
(5) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري، شرح نهج البلاغة 6 / 47.
284
ولما سيطرت الجماعة على الحكم، أرسل عمر بن الخطاب سلمة بن سلامة
واليا على اليمامة (1). واليمامة في ذلك الوقت ولاية كبيرة وكثيرة الخيرات! وبذلك
يكون سلمة بن سلامة من الولاة الذين يشار إليهم بالبنان في حكومة الخليفة
عمر.
عبد الله بن أبي ربيعة
وهو عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، الذي أرسلته قريش مع عمرو
بن العاص إلى الحبشة لإعادة المسلمين الفارين إلى هناك، لتنتقم منهم طغاة
قريش (2). وبالرغم من إعلان عبد الله بن أبي ربيعة عن دخوله الإسلام إلا أنه بقي
يتربص بالإسلام الدوائر. إذ قال الواقدي في مغازيه بأن عبد الله بن أبي ربيعة قد
خرج مع أبي سفيان وصفوان بن أمية إلى معركة حنين ينظرون لمن تكون الدائرة
واضطربوا خلف الباب، والناس يقتتلون (3). والمعروف عن الطلقاء في معركة
حنين بأنهم هم الذين دبروا هزيمة المسلمين في تلك المعركة (4).
أي كانت أعمال عبد الله بن أبي ربيعة واحدة قبل وبعد إعلانه الإسلام!
وكانت قريش لا ترسل شخصا في سفارة إلا إذا كان من دهاتها. وقد أسلم في يوم
فتح مكة فهو من الطلقاء.
وقال ابن حجر العسقلاني: " وولي عبد الله الجند لعمر، واستمر إلى أن جاء
لينصر عثمان، فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات، ويقال: إن عمر قال لأهل



(1) أسد الغابة لابن الأثير 2 / 429، وتعجيل المنفعة 160.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 63.
(3) مغازي والواقدي 2 / 895.
(4) السيرة الحلبية 3 / 108.
285
الشورى: لا تختلفوا فإنكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن
أبي ربيعة من اليمن، فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم، وأن هذا الأمر لا يصلح
للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء (1). وعندما اختلف عمار وابن أبي سرح في بيعة علي (عليه السلام)
وعثمان وقف المقداد إلى جانب عمار بينما وقف عبد الله بن أبي ربيعة إلى جانب ابن
أبي سرح قائلا لابن عوف: صدق (ابن أبي سرح) إن بايعت عثمان قلنا سمعنا
وأطعنا (2). وقال ابن عساكر: وبعد مقتل عثمان وقف عبد الله بن أبي ربيعة إلى
جانب المعادين للإمام علي (عليه السلام) وأعلن عن استعداده لتجهيز الناس لتلك
الحرب (3). وظاهر الأمر أنه وصل مكة بعد مقتل عثمان ثم مات فيها. فيكون ابن
أبي ربيعة قد بدأ حياته السياسية معاديا الإسلام في رحلته إلى الحبشة لقتل جعفر
ابن أبي طالب وصحبه، وختمها بدعوته لقتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصحبه!
دعم عمر لابن عوف وابن ثابت وابن مسلمة
لقد قرب عمر عبد الرحمن بن عوف بحيث أصبح من مشاوري الخليفة
المقربين. وكان ابن عوف قد اشترك في بيعة أبي بكر وبيعة عمر وبيعة عثمان. وهو
الذي احتج على مقولة عمار بن ياسر في الحج، يوم قال: لو مات أمير المؤمنين
لبايعت عليا (عليه السلام) (4). إذ كان مخالفا لأهل البيت (عليهم السلام)، ومحبا للمنهج القرشي، لذا
آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين عثمان بعد الهجرة إلى المدينة وبقي ابن عوف مخلصا لنهج
عمر، إذ وافق على وصيته لعثمان بن عفان، وسعى لإمضائها.



(1) الإصابة لابن حجر العسقلاني 2 / 305.
(2) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 3 / 930.
(3) مختصر تاريخ دمشق، لابن عساكر 28 / 58.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 29.
286
وفي المقابل قربه عمر وساعده بما أمكن حتى أرسله أميرا على الحج في
السنة الأولى من حكمه وجعله وزيرا مقربا في حكومته. وزوجه من غزال بنت
كسرى، فولدت له عثمان وكثر ماله في خلافة عمر وعثمان فصالح امرأته المطلقة
على ثلاثة وثمانين ألفا، وباع كيدمة من عثمان بأربعين ألف دينار (ذهبا)! (1)
وقال عبد الرحمن لأمه: قد خفت أن يهلكني كثرة مالي. أنا أكثر قريش مالا.
قالت: يا بني أنفق فإني سمعت رسول الله يقول: إن من أصحابي من لا يراني
بعد أن أفارقه (2). وقول أمه له تابع مما اشتهر به من البخل، إذ وصفه عمر قائلا: إنه
رجل ممسك (3). وذكر اليعقوبي في تاريخه قائلا: وكان الغالب عليه (عمر) عبد الله
ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان (4).
وجاء في رواية بأن عبد الرحمن بن عوف قد شكا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثرة
القمل وقال: يا رسول الله تأذن لي أن ألبس قميصا من حرير؟ قال: فإذن له، فلما
توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبو بكر وقام عمر أقبل بابنه أبي سلمة وعليه قميص من
حرير فقال عمر: ما هذا؟ ثم أدخل يده في جيب القميص فشقه إلى سفله، فقال
له عبد الرحمن: أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله). أحله لي؟ فقال: إنما أحله لك
لأنك شكوت إليه القمل فأما لغيرك فلا (5) أقول: إن رواية حلية الحرير
لابن عوف فقط دون أفراد المسلمين يرويها هو نفسه، وهي باطلة عقلا وسندا،
ولو كانت صحيحة لجوز رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبس الحرير لكل المسلمين، وقد جوز ابن
عوف لبس الحرير لنفسه أولا ثم جوزها لابنه!! لزيف مدعاه بالإذن النبوي



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 14 / 357، البداية والنهاية 7 / 184، الإصابة 2 / 417.
(2) الإستيعاب، محمد بن عبد البر القرطبي 2 / 389، وهذا الحديث يبطل نظرية عدالة الصحابة.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 158.
(4) تاريخ اليعقوبي 2 / 111.
(5) طبقات ابن سعد 3 / 130.
287
له بلبس الحرير! وقد أحل عمر لوزيره عبد الرحمن لبس الحرير وحرمه
على ابنه! ولا أدري كيف جوز ابن عوف لابنه لبس الحرير؟ هل كان ذلك بسبب
القمل أيضا؟ وإذا كان القمل متلازم مع الوساخة، فهل هو متلازم مع ابن عوف
وأولاده من دون المسلمين؟ وعينه عمرا إماما للصلاة عند طعنه وعينه خليفة بعد
عثمان ومن المقربين لعمر كان زيد بن ثابت الذي استخلفه عمر على المدينة ثلاث
مرات في حجتين، وفي مسيره إلى الشام وقربه عثمان، وأمر عثمان زيدا برئاسة لجنة
جمع القرآن وكان زيد على بيت المال في زمن عثمان، ويستخلفه عند ذهابه إلى الحج
لحبه له.
وكان زيد عثمانيا، ولم يكن فيمن شهد شيئا من مشاهد علي مع الأنصار (1).
وقد جاء عن خارجة بن زيد بن ثابت: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا
سافر، فقلما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل (2)، وهكذا كثرت أموال زيد وابن
عوف. أما محمد بن مسلمة فهو من الأنصار، وقد آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين ابن
الجراح. واستعمله عمر بن الخطاب على صدقات جهينة.
وكان صاحب العمال أيام عمر. فكان عمر إذا شكي إليه عامل أرسل محمدا
يكشف الحال. فقد أرسله عمر إلى عماله ليأخذ شطر أموالهم لثقته به (3) وهو الذي
قتل سعد بن عبادة بأمر عمر (4). وذكر أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة وفدك
أن محمد بن مسلمة كان من المشتركين في الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) (5).



(1) الإستيعاب لابن عبد البر، هامش الإصابة 1 / 553، 554.
(2) الإصابة لابن حجر 1 / 562.
(3) الإصابة، ابن حجر 5 / 112.
(4) العقد الفريد 4 / 247، السقيفة وفدك، عبد الفتاح عبد المقصود ص 13، أنساب الأشراف، البلاذري.
(5) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري 51، الموجود في كتاب شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة.
288
نظرية الحزب القرشي في اليهود
الباب

289
دوافع كعب في دخوله الإسلام؟
أخرج ابن جرير عن عيسى بن المغيرة، قال: تذاكرنا عند إبراهيم
إسلام كعب، فقال: أسلم كعب في زمان عمر، أقبل وهو يريد بيت المقدس،
فمر على المدينة، فخرج إليه عمر، فقال: يا كعب أسلم. قال ألستم تقرأون في
كتابكم {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} (1) وأنا
قد حملت التوراة، فتركه، ثم خرج حتى انتهى إلى حمص (2) والظاهر أن كعبا قد
التقى بمعاوية بن أبي سفيان في الشام وهناك تم التنسيق بينهما على أن يعلن كعب
إسلامه ليسهل تطبيق أهدافه اليهودية.
ويذكر أن معاوية كان في اليمن (حيث كان يسكن كعب) قبل فتح مكة!
ومن هناك أرسل رسالة لأبيه أبي سفيان ينذره من مغبة دخوله في الإسلام جاء
فيها:
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا (3)
فعاد كعب إلى المدينة وأعلن إسلامه بعد أن رفض دعوة عمر بن الخطاب
السابقة له لدخول الإسلام، ومنذ ذلك اليوم بدأ التنسيق واضحا بين معاوية بن أبي



(1) الجمعة: 5.
(2) الدر المنثور 2 / 169، سورة النساء، 47.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 102.
291
سفيان وكعب الأحبار للسيطرة على حكم المسلمين وتحطيم تراثهم (1)
وهكذا كان في زمن عمر بن الخطاب أربعة يهود يدعون الإسلام أولهم كعب
الأحبار وثانيهم عبد الله بن سلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط (2) وزيد بن ثابت.
وكان كعب يحاول التقرب من عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هل ترى في
منامك شيئا؟ قال: فانتهره فقال: إنا نجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه (3).
وكان كعب مثالا للآيتين القرآنيتين: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من
بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق...} (4).
{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} (5).
وقد أسلم كعب في السنة السابعة عشر للهجرة، بعد فتح الشام، وتنصيب
معاوية واليا عليها فظاهر الأمر التقاء كعب بمعاوية في الشام واتفاقهما على عودة
كعب إلى المدينة وإعلان إسلامه! وفعلا رجع كعب الأحبار من الشام إلى المدينة
وأعلن إسلامه.
لقد كان كعب الأحبار صاحب شخصية ذكية، لكن بتوجهات شيطانية.
فقد رفض هذا الحبر الأعظم ديانة محمد (صلى الله عليه وآله)، وعارضها وحاربها. وعندما انتصر
الإسلام في جبهة الشام، وفتح المسلمون فلسطين، وحرروا القدس من سلطة
الروم، انتبه كعب من غفلته أو لنقل توجه كعب لاستغلال هذه الفرصة المتاحة.
فالقدس بيد المسلمين. والمسلمون طيبون ومسامحون في الدين عليه يمكن عودة



(1) راجع كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، وكتاب أضواء على السنة المحمدية، لعالم الأزهر محمود
أبي رية.
(2) مروج الذهب، المسعودي 3 / 336.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 18 / 287.
(4) البقرة: 109.
(5) آل عمران: 71.
292
اليهود إلى فلسطين التي أخرجوا منها بأمر الروم؟!
والنصارى لا سلطة لهم على الشام، ولا قدرة لهم على تعذيب اليهود، أو
منعهم من دخول القدس مثل السابق. والسبب الآخر في هذه الفرصة الذهبية، هو
وصول معاوية بن أبي سفيان إلى منصب الحاكم العام والوالي الإسلامي في الشام.
ومعاوية وأبو سفيان معروفان عند اليهود بالكفر ولهما علاقة وطيدة بهم.
والسبب الآخر، أن اليهود لم يكونوا يرغبون في سكن الحجاز. فهي غير مقدسة في
نظرهم، وخيراتها قليلة، وحركاتهم مرصودة هناك.
وبعد انتصار النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم في المعارك المختلفة، أصبحت مواردهم المالية
ضئيلة، وأراضيهم محدودة المساحة وصغيرة. ولقد كان عمر بن الخطاب يحترم
التوراة، وفيه رغبة لسماع أخبار الكتب اليهودية عن الماضي والحاضر والمستقبل.
ولقد أيد العلماء والمحققون إسلام كعب الأحبار في زمن عمر (1)، ورغم ذلك
ملأ الدنيا بأحاديثه التي لا أساس لها من الصحة دون رؤيته الرسول (صلى الله عليه وآله).
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ، إنه (كعب) قدم من اليمن في دولة أمير
المؤمنين عمر، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم، وروى جماعة من التابعين عنه،
ومات بحمص في سنة 32 أو 33 أو 38، بعد ما ملأ الشام وغيرها من البلاد
الإسلامية برواياته وقصصه المستمدة من الأخبار كما فعل تميم الداري في الأخبار
النصرانية. ومن اليهود الذين أعلنوا إسلامهم أيضا عبد الله بن سلام (2).



(1) تاريخ الطبري، مختصر تاريخ ابن عساكر.
(2) وهو من يهود بني قينقاع في المدينة، قيل: إنه أسلم على يدي النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بعامين، أخرجه
البرقي في الإصابة، ابن حجر 2 / 320.
والظاهر أن الصحابة ما كانت لتسمع كلامه كما يدل عليه هذا الخبر:
جاء عبد الله بن سلام إلى عثمان المحاصر فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك. قال:
أخرج إلى الناس فاطردهم عني، فإنك خارج خير إلي منك داخل. فخرج عبد الله إلى الناس فقال: أيها
الناس إنه كان اسمي في الجاهلية فلان فسماني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله و... فالله الله في هذا الرجل أن
تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة وليسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم
القيامة. قالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان، أسد الغابة لابن الأثير 3 / 246.
فهنا نلاحظ شهادة الصحابة ببقاء ابن سلام على يهوديته. وخوف عثمان من بقاء ابن سلام في
بيته، لعدم ثقة المسلمين به. وقد شهد عبد الله بن سلام مع عمر فتح بيت المقدس، مختصر تاريخ ابن
عساكر، ابن منظور 12 / 246. فيكون عبد الله بن سلام وكعب الأحبار قد صحبا عمر في سفرته إلى
الشام!
293
دوافع عمر في استخدام كعب وتميم وأمثالهم
وقد اندفع عمر بن الخطاب للاستفادة من كعب الأحبار وتميم الداري وعبد
الله بن سلام لأسباب عديدة منها:
: ادعاء هؤلاء الإسلام، وتصريحهم بامتلاكهم علوم أهل الكتاب.
وقول كعب المغري: ما من شئ إلا وهو مكتوب في التوراة! (1)
: امتلاك بعض الأحبار والرهبان لقدرة دهائية أعظم مما يمتلكه دهاة
قريش، مما جعل عمر وآخرون ينظرون إليهم بكل تقدير واحترام.
: الأسئلة الكثيرة الموجهة لعمر من قبل الناس جعلته في وضع صعب،
اضطر معه لدفع هؤلاء للإجابة عن هذه الأسئلة الكثيرة والصعبة. وهذا ما يفسر
سبب قيام تميم بإلقاء القصص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه خطبة في كل يوم جمعة
(قبل خطبة الجمعة) (2).



(1) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 165.
(2) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 1 / 7، 8، 11 طبع مكة المكرمة، الإصابة، ابن حجر 1 / 256،
الإستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 1 / 184.
294
واضطرار عمر للسؤال من الإمام علي (عليه السلام) لحل بعض المعضلات
والمشكلات الدينية والعلمية والقضائية يفصح عن حقيقة هذا الموضوع.
ويبين الفراغ الكبير الذي تركه إبعاد الثقل الثاني بعد القرآن عن مرجعية
المسلمين.
: احتكاك عمر بأهل الكتاب قبل الإسلام وفي زمن النبي (صلى الله عليه وآله) للحصول على
بعض الإجابات سهل عليه استخدام هؤلاء المدعين للإسلام لاحقا.
: رغبة عمر في استخدام دهاة الناس، تحت نظرية الفاسق القوي أفضل من
المؤمن الضعيف (وقد ذكرنا هذه النظرية في موضوع الولاة).
من طلب من كعب السكن في المدينة؟
أول من طلب من كعب الأحبار السكن في المدينة المنورة، هو الخليفة الثاني
عمر بن الخطاب.
فقد طلب منه البقاء في المدينة، وبدأ يقرب مجلسه، ويعرفه بعنوان
العالم (1).
وبعد رفض عمر لأهل البيت (عليهم السلام) كمرجع ديني وفقهي، أراد الاستفادة من
كعب الأحبار وغيره ليحلوا محلهم.
وكان عصر عمر يشهد خللا كبيرا في المرجعية، بفقدان النبي (صلى الله عليه وآله) وعزل
أهل بيته: وهذا ما دعاه إلى إبقاء كعب في المدينة، وأخذه معه إلى الشام، وإقامة
مجالس الوعظ له للاستفادة منه.
ولقد كان عمر قد أنس مرة بقراءة التوراة، وحاول أن يقرأها أمام



(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 2 / 358 طبعة بيروت.
295
النبي (صلى الله عليه وآله)، إلا أن النبي (صلى الله عليه وآله) غضب لذلك، فلم يلتفت عمر إلى غضبه، مما
اضطر أبا بكر للقول لعمر: ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله.
فقال عمر: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
فقال (صلى الله عليه وآله): لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شئ، فإنهم لن
يهدوكم وقد ضلوا فإنه لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني (1).
وبالرغم من غضب النبي (صلى الله عليه وآله) على عمر، وطلبه من المسلمين عدم السؤال
من اليهود، إلا أن عمر في زمن خلافته فتح باب السؤال من اليهود على مصراعيه،
فأصبح كعب مرجعا خطيرا للمسلمين، يسألونه عن كل معضلة، بدءا من
التوحيد وانتهاء بالآخرة! وستجد في هذا الموضوع أسئلة عمر من كعب.
وسمح له عمر بأن يقص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالرغم من تذكر ابن عوف
حديثا نبويا يوصم أمثاله بالاحتيال (2).
وانتشرت أحاديث كعب وتميم الداري فأصبح هؤلاء ثقلا ثانيا إلى جانب
القرآن الكريم، مكان أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا مصداق قول عمر: حسبنا كتاب الله.
وبواسطة كعب وتميم تمكن عمر من النجاة من كثير من الأسئلة الموجهة إليه من
قبل المسلمين.
وكان الطريق الثاني لعمر للهروب من الأسئلة الموجهة إليه هو منع هذه
الأسئلة، سواء كانت عن تفسير القرآن أو عن العقائد. وكما ذكرنا في بابه، فقد
ضرب عمر من سأل عن تفسير القرآن (3).
في حين قال علي (عليه السلام) للناس: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلى



(1) سنن الدارمي 1 / 115 طبعة دمشق، مسند أحمد بن حنبل 3 / 387، 470.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر 21 / 186.
(3) كنز العمال 2 / 510 ح 4169، المصاحف لابن الأنبار، ونصر المقدسي في الحجة.
296
يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية...
ولما كان صبيغ قد ضرب من قبل الخليفة الثاني، ضربا شديدا أياما
عديدة، لأجل سؤاله عمر عن آية والذاريات ذروا، فقد سأل ابن الكواء (الذي
أصبح خارجيا من بعد) من الإمام علي (عليه السلام) عن والذاريات ذروا، وكان يتصور
بأنه (عليه السلام) سوف يجيب مثلما أجاب عمر، من ضربه ومنعه من السؤال.
فقال علي (عليه السلام): الذاريات هي الرياح التي تحرك القمح والشعير بعد
نضوجهما.
فقال ابن الكواء: وما معنى الجاريات يسرا؟
فقال علي (عليه السلام): السفن.
قال ابن الكواء: وما معنى المقسمات أمرا.
قال علي (عليه السلام): الملائكة (1).
ومن أسباب توجه الخليفة لكعب وتميم وعبد الله بن سلام واهتمامه بهم: إن
العرب قبل الإسلام كانوا ينظرون إلى اليهود والنصارى على أنهم أهل ثقافة
ودين، وهذه النظرة استمرت عند البعض من المسلمين.
كما أن عمر كان يقرب الدهاة ويشاورهم ويستفيد من آرائهم.
وكعب واحد من هؤلاء الدهاة إلى جنب ابن العاص والمغيرة ومعاوية وعبد
الله بن أبي ربيعة.
وهؤلاء الدهاة قد حرفوا الشريعة وأشاعوا الفتن، ونشروا الفساد،
وخربوا البلاد إذ وضعوا الأسس لتحطيم الإسلام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا
وتراثيا.



(1) كنز العمال 2 / 357، تفسير ابن كثير 4 / 231 طبعة مصر، فتح الباري 10 / 221 طبعة مصر، تفسير
الطبري 26 / 116 طبعة مصر أوفست بيروت.
297
زيد بن ثابت والوليد بن عقبة من أصول يهودية
جاءت روايات صحيحة من طريق ابن أبي وعبد الله بن مسعود تؤكد بأن
زيد بن ثابت كان يهوديا.
فعن ابن إسحاق عن أبي الأسود قال: قيل لعبد الله (بن مسعود) ألا تقرأ
على قراءة زيد؟ قال: ما لي ولزيد ولقراءة زيد، لقد أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله)
سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان (1).
وعن حمير بن مالك قال عبد الله قرأت من في رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعين سورة
وزيد بن ثابت له ذؤابة في الكتاب (2).
وقال ابن أبي الصحابي الجليل القدر: لقد قرأت القرآن وزيد هذا غلام ذو
ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب (3).
وقد تولى زيد بن ثابت وظائف مهمة في حكومات أبي بكر وعمر عثمان،
فقد تولى القضاء لعمر بن الخطاب وكان نائبا له على المدينة في أسفاره.
وبلغ حب عمر له أن كتب له رسالة من الشام مقدما أسمه على اسمه قائلا:
إلى زيد بن ثابت من عمر (4).
إن عمر خالف الأعراف السياسية في تقديم أسم زيد عليه ولأجل إبعاد
أصله اليهودي عن الأذهان قالوا: بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر زيدا بتعلم العبرية!
لنكران معرفته بالعبرية.



(1) تاريخ المدينة المنورة 3 / 1006.
(2) مسند أحمد 1 / 389، 405، 442.
(3) الدرجات الرفيعة 22، الإيضاح، الفضل بن شاذان 519.
(4) تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 2 / 693، سير أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 438.
298
فعن عبيد قال: قال زيد بن ثابت: قال لي رسول الله تحسن السريانية، إنها
تأتيني كتب. قال: قلت: لا.
قال تعلمها، قال: فتعلمتها في سبعة عشر يوما (1).
ويرد هذا الادعاء وجود عبد الله بن سلام وغيره الذين أسلموا في زمن
الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة ويحسنون اللغتين العبرية والعربية فلا حاجة لأمر
الرسول (صلى الله عليه وآله) لشخص بتعلم العبرية.
ومن المحال أن يتعلم زيد بن ثابت العبرية في سبعة عشر يوما.
إن زيد بن ثابت لم يكن من الأنصار وليس له نسب بينهم مما يثبت أصوله
اليهودية، إذ اختلفوا في نسبه، وبان كذب ما ادعوه له من أنساب (2).
وإن عبد الله بن مسعود وابن أبي قد أثبتا نسب زيد اليهودي بما لا مجال فيه
للشك.
وبينما كان زيد بن ثابت من أصول يهودية وهو على القضاء كان الوليد بن
عقبة بن أبي معيط اليهودي الأصل واليا على عرب الجزيرة (3) وكان كعب الأحبار
وزيرا مقربا من عمر بن الخطاب، وقد بقي هؤلاء مع عبد الله بن سلام إلى أواخر
أيام حياتهم موالين لعثمان ومعاوية ومعادين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
متآمرين عليه!
والمؤاخذات على زيد بن ثابت هي ادعاؤه الزيادة في القرآن الكريم وموقفه
المعادي لأهل البيت (عليهم السلام)، بينما أوصى (صلى الله عليه وآله) بالثقلين القرآن وأهل البيت (عليهم السلام).
وبينما بايع زيد لأبي بكر وعمر وعثمان وقف موقفا معارضا لبيعة علي (عليه السلام).



(1) مسند أحمد بن حنبل 5 / 182، صحيح البخاري 8 / 120، المبسوط، السرخسي 16 / 89.
(2) سيرة ابن هشام 2 / 520، 2 / 313، الجرح والتعديل 9 / 255، أسد الغابة 2 / 221، 4 / 48، مسند
أحمد 5 / 115.
(3) تاريخ الطبري 3 / 311، أسد الغابة، ابن الأثير 5 / 451.
299
أما الوليد فقد فسقه القرآن الكريم في آية {إن جاءكم فاسق بنبأ..}،
وعارض الوليد أهل البيت (عليهم السلام) وحاربهم وساعد معاوية بن أبي سفيان، وأعلن
الفسق والفجور في الكوفة فطرده الناس (1).
المرجعية الدينية في زمن الخلافة
وبالمرجعية الدينية، مصدر بيان القوانين الإلهية، والأحكام الشرعية
التكليفية والوضعية، وأنها الحكم الفصل في الأمور القضائية والسياسية
والاجتماعية. ولا نعني بالمرجعية الدينية قدرتها على الاجتهاد الشخصي، في مقابل
النص الإلهي، بل قدرتها على استنباط النص الإلهي، من القرآن والحديث
الشريف.
القرآن لأنه كتاب الله، والحديث على أساس كون النبي (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وثبتت مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) بقول الله سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} (2).
وقول النبي (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
وأحدهما أكبر من الآخر، لن تضلوا إن تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا إلى أن يردا
علي الحوض يوم القيامة (3).



(1) الإستيعاب، ابن عبد البر 3 / 634، مسند أحمد 1 / 144، سنن البيهقي 8 / 318.
(2) المائدة، 55، ذكره الشبلنجي في نور الأبصار، 170، وقال: نقله أبو إسحاق أحمد الثعلبي في
تفسيره، وانظر الدر المنثور للسيوطي والكشاف للزمخشري في تفسير الآية.
(3) صحيح مسلم 7 / 122، مسند أحمد بن حنبل 5 / 181، صحيح الترمذي 5 / 621، السيرة النبوية
لابن دحلان بهامش السيرة الحلبية 3 / 231، المعجم الصغير للطبراني 1 / 131، كنز العمال 1 / 165.
300
فثقل أهل البيت (عليهم السلام) مساو لثقل القرآن بالنص، وهم مفسرون للكتاب
العزيز ومبينون للحديث الصحيح.
والاستقامة مشروطة بالتمسك بهما، والضلال والانحراف مقرون بالابتعاد
عنهما. وقد بين عمر هذه الولاية، يوم قال لأعرابي في بيان منزلة علي (عليه السلام): إنه
مولى كل مؤمن ومؤمنة، ومن ليس مولاه فليس بمؤمن (1).
وجاء في الكتاب الحكيم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
أمهاتهم} (2). وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله) في خطبة يوم الغدير: ألستم تعلمون أني أولى
بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا: بلى فأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال: من كنت مولاه فهذا علي
مولاه (3).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا
منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي (4).
وجاء في القرآن الكريم: {وقفوهم إنهم مسؤولون} (5). وتفسيرها أنهم
مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (6).
وقول العزيز العظيم: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فيه إطلاق، يعني
أنه أولى بهم في الأمور الدينية والدنيوية. وهذه المكانة يمتلكها علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، بقول النبي (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فهذا علي مولاه.



(1) أخرجه الدارقطني في صواعق ابن حجر، 107.
(2) الأحزاب، 6.
(3) مسند أحمد بن حنبل 4 / 381، سنن ابن ماجة 1 / 55، سنن الترمذي 533، خصائص النسائي، 3.
(4) سنن الترمذي 2 / 297، مسند أحمد بن حنبل 6 / 356، خصائص النسائي، 24، مجمع الزوائد،
الهيثمي 9 / 127.
(5) الصافات، 24.
(6) الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني، تفسير الآية.
301
ولا توجد مرجعية دينية ودنيوية أعلى من مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)، كما
فهمنا من الآيات والأحاديث السابقة.
ومن مهازل الدنيا تدخل كعب الأحبار في موضوع صلاحية الإمام
علي (عليه السلام) للخلافة (1)، فرفض صلاحيته، وأيد صلاحية معاوية بن هند لها؟!...
وما عشت أراك الدهر عجبا!
ولكن كيف يقدم عمر على السؤال من كعب، عن صلاحية علي (عليه السلام)
للخلافة، وهو نفسه القائل فيه: هذا مولاك ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه
فليس بمؤمن (2).
وقد أيد المسلمون هذه المرجعية الدينية الإلهية في بيعة الغدير، يوم قال كل
فرد مسلم لمولاهم علي (عليه السلام): بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى
كل مسلم ومسلمة (3).
وبينما تعتمد مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) على نصوص القرآن والحديث
الشريف، تعتمد مرجعية كعب الأحبار وتميم الداري وأمثالهم على نصوص الكتب
المزورة والأحاديث المختلقة، التي كذبها الله ورسوله.
وقد نطق كعب بنص مكذوب، غش به عمر بن الخطاب وغيره تمثل في
قوله: ما من شئ إلا وهو مكتوب في التوراة (4).
وأي مراجعة للكتب المقدسة تثبت لنا كذب هذا الحديث. وقد أثبت الله
تعالى كذب كتب أهل الكتاب بقوله سبحانه: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن



(1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 115 طبع دار إحياء الكتب العربية.
(2) أخرجه الدارقطني في صواعق ابن حجر، 107.
(3) مسند أحمد بن حنبل 4 / 381، سنن ابن ماجة 1 / 55، سنن الترمذي ص 533، خصائص
النسائي ص 3.
(4) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية، 165.
302
مواضعه} (1). وقد أثبت الصحابة كذب أحاديث كعب وقصصه، وتابعهم
في ذلك الرواة والحفاظ والعلماء. وكان عمر بن الخطاب قد رفض مرجعية أهل
البيت (عليهم السلام) في يوم الخميس بقوله: حسبنا كتاب الله. وقد أيده في هذا المنحى
مجموعة من الصحابة، بالرغم من أنهم بايعوا عليا (عليه السلام) على هذه المرجعية الدينية
والسياسية في يوم الغدير.
ورفض كعب الأحبار أيضا مرجعية علي (عليه السلام) مصرحا بذلك (2).
وبالرغم من أن مرجعية المسلمين عند جماعة حسبنا كتاب الله أصبحت في
عهدة الخليفة، إلا أن عمر قد جعل كعبا مرجعا دينيا وسياسيا يرجع إليه في
القضايا المهمة والخطيرة.
وعلى رأس القضايا التي أفتى بها كعب ورجع إليه فيها عمر هي قضية
الاجتهاد الشخصي في قبال النص. ونعني بكون كعب مرجعا دينيا في زمن عمر
رجوع الخليفة إليه في قضايا دينية مهمة. وعمر مخير في الرجوع إليه وليس
مسيرا. وبالرغم من دهاء عمر وذكائه، إلا أن كعب الأحبار غلبه في هذه القضية
المهمة، وأوحى إليه زورا بأنه عالم خطير، يجب على أمثال عمر الرجوع
إليه. واستصحاب العرب لمسألة رجوعهم في أسئلتهم إلى أهل الكتاب قبل
الإسلام وتعودهم على ذلك وعلى كسب الشفاء والعافية منهم، هو الذي دعا عمر
إلى إدامة الاعتماد على كعب وتميم. خاصة وأن كعبا وتميما قد أظهرا الإسلام زورا،
وأعلنا تسلطهما على علوم أهل الكتاب، واحتفاظهما بالكتب المقدسة.
ومن أدلة ما ذكرنا: رجوع عمر إلى هؤلاء في القضايا الدينية (3)، ورجوع



(1) النساء، 46.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 115.
(3) الدر المنثور 5 / 347، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس 2 / 5 - 6، مسند أحمد
1 / 42، مجمع الزوائد 5 / 239، مستدرك الصحيحين 3 / 126، تهذيب التهذيب، ابن حجر 6 / 320،
أسد الغابة، ابن الأثير 4 / 22.
303
عائشة إلى اليهود (بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله)) في طلب الشفاء (1).
ورجوع أبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص في
أسئلتهم إلى أهل الكتاب وعلى رأسهم كعب (2).
ونحن لا ننكر رجوع عمر إلى علي (عليه السلام) في أحيان كثيرة، إلا أن كعب الأحبار
وتميما وعبد الله بن سلام كانوا في قلب السلطة، سافروا مع عمر إلى الشام،
ودرسوا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، وخطبوا في عاصمة الخلافة في كل جمعة، ولما
انتقلت السلطة إلى دمشق في زمن معاوية، انتقل كعب وتميم إلى هناك، فخطبا في
مسجدها الكبير. وقد سار معاوية على خطى عمر في هذا المجال، فاسحا المجال
أمامهما في المسجد الجامع للعاصمة، ومقربا لهما في دار الحكومة، يسألهما عن
القضايا الدينية والسياسية.
ولا يعني ذلك عدم رجوع الصحابة إلى علي (عليه السلام) (المرجعية الحقيقية
للمسلمين) للسؤال عن بعض الأمور.
فقد ثبت رجوع أبي بكر إلى علي (عليه السلام) (3).
وثبت رجوع عمر إليه (عليه السلام) (4).
ورجوع عثمان إليه (عليه السلام) (5).



(1) الموطأ، مالك بن أنس 2 / 502.
(2) تفسير ابن كثير 3 / 104، 105، السيوطي في ألفيته ص 237، ص 238.
(3) كنز العمال 3 / 99، الرياض النضرة 2 / 195.
(4) سنن أبي داود 28 / 147، صحيح البخاري 6 / 2499.
(5) موطأ مالك بن أنس، 36، 176، مسند أحمد 1 / 104.
304
ورجوع معاوية إليه (عليه السلام) (1).
ورجوع عائشة وابن عمر إليه (عليه السلام) (2).
ورجوع الصحابة إلى علي (عليه السلام) يثبت مرجعيته الحقيقية.
وأصبح تميم الداري وكعب الأحبار مرجعين مهمين لمسلمي المدينة، يعلمان
الصحابة شريعة الله تعالى، بالرغم من عدم مشاهدة كعب للنبي (صلى الله عليه وآله)، وإسلام تميم
قبل سنة من وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)!!
ولا أدري كيف يقص ويعظ هذان، في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وفيه كبار الصحابة
من المهاجرين والأنصار! فكان تميم يطرح الثقافة النصرانية للمسلمين في مسجد
النبي (صلى الله عليه وآله) مرتين في الأسبوع في زمن عمر، وثلاث مرات في زمن عثمان.
وكذلك كان يفعل كعب الأحبار بطرح الثقافة اليهودية في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
وفي عاصمته الشهيرة وفي المدينة الإمام علي (عليه السلام) وابن مسعود وابن أبي!
وطرح هذه الأحاديث المزيفة من قبل هذين المشبوهين، تسبب في تحريف
الكثير من التفاسير القرآنية للآيات والأحكام الفقهية والأصول الاعتقادية!
وقد استغل هذان الشخصان فترة وجودهما في المدينة لتحقيق ما أسلما من
أجله. وساعدهما على طرح ثقافتهما وأحاديثهما عدة أمور:
منها احترام عمر لهما، وتفضيله لهما على جميع الصحابة من المهاجرين
والأنصار في مسألة الوعظ الديني وقول القصص. وهذا يعطي قولهما الوثاقة
والصحة. ومنها قيام هذين الشخصين بطرح أفكارهما في المسجد النبوي
الشريف، وبذلك تضاف مسحة من الصدق والروحانية على أحاديثهما المزيفة.
إن طرح تلك الأفكار قبل صلاة الجمعة عند اجتماع المسلمين، مكن تميما



(1) موطأ مالك، 126، الإستيعاب 2 / 463.
(2) صحيح مسلم، كتاب الطهارة 1 / 293، ح 276، فتح الباري في شرح البخاري 16 / 168.
305
من نقل أفكاره وأحاديثه إلى جميع أهل المدينة وزوارها وإعطاء أحاديثه
روحانية خاصة. ومن الأمور الخطيرة، إن الناس خارج المدينة المنورة مثل الشام
والعراق واليمن وباقي مدن الجزيرة كانوا ينظرون إلى ما يصدر عن الرسول (صلى الله عليه وآله)،
والخلفاء، وما قيل في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، وبحضور الخليفة، والصحابة، على أنه
حقائق لا يشوبها الشك!
والخطير في الأمر أن تميما وكعبا كانا يتحدثان في أيام منع ذكر الحديث
النبوي وتدوينه من قبل عمر (1). فكان السؤال عن تفسير القرآن غير مسموح به،
وكذلك السؤال عن المسائل الاعتقادية، والأحاديث النبوية.
وفي ظل عدم تمكن الصحابة من قول الحديث، كان تميم وكعب يتحدثان في
مدينة المصطفى. وبذلك يكون تميم وكعب هما المرجعان الدينيان اللذان يرجع إليهما
الصحابة في السؤال عن المسائل الدينية، ولهما الحق في التدريس في المسجد.
وكان فقدان المرجعية الدينية لأهل البيت (عليهم السلام)، هو الذي دفع عمر للاعتماد
على غيرهم. لأن نظرية النبي (صلى الله عليه وآله) تتمثل في الثقلين كتاب الله وأهل البيت (عليهم السلام)،
وهذا ما طرحه النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس أثناء مرضه، وفي حجة الوداع، وفي
غدير خم، وغيرها. بينما كانت نظرية قريش: حسبنا كتاب الله. وقد وجد عمر أن
كتاب الله نفسه يحتاج إلى مفسر، وأن شريعة الله تحتاج إلى مرجع ديني، وهذا ما
يفسر مسألة اعتماد عمر على كعب وتميم لسد ذلك الفراغ المرجعي!
ولقد اعتمد في بعض المناسبات على الإمام علي (عليه السلام)، في حل بعض
المعضلات الفقهية والاعتقادية والقضائية ذكرناها في هذا الكتاب فقال عندها
عمر: لولا علي لهلك عمر (2).



(1) طبقات ابن سعد 5 / 140، تاريخ ابن كثير 8 / 107.
(2) الإستيعاب، ابن عبد البر الأندلسي 3 / 1103.
306
وكان اعتماد الدولة الاستراتيجي في المسائل الخطيرة ونشر الثقافة العامة
والأحاديث الدينية يتم أسبوعيا بالاعتماد على كعب وتميم.
وهذا لا ينافي اعتقاد الدولة بأفضلية علي (عليه السلام) على غيره من أمثال كعب
وتميم. لكن كعبا وتميما في خط الحزب القريشي، ومن ضمن رموزه، بينما كان
الإمام علي (عليه السلام) من الخط المنافس لهم، فكان أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية
وآخرون من أعضاء الدولة، بينما كان علي (عليه السلام) والعباس وابنه وأبو ذر وسلمان
وعمار من خط المعارضة.
والحكومات السياسية عادة ما تدعم أفرادها بكل قوة، دون مراعاة لأمور
كثيرة، مع غض نظر عن أخطائهم. وفي نفس الوقت تناهض منافسيها وتمنعهم
أسباب القوة المعنوية والاقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها. وتفتش عن
أخطائهم لضربهم، وتعمل لتحجيمهم، ودعم كعب وتميم وتولية أفراد بني أمية
مناصب الدولة ومنع أفراد بني هاشم وظائفها من أدلة ذلك.
ولقد تسببت السياسة في وصول كعب وتميم إلى ما لم يحلم به هذان العنصران.
وفي السياسة يكون التقاء المصالح فوق ما عداه. فلقد سمح عمر بن الخطاب في زمنه
لكعب الأحبار ولتميم الداري بقول القصص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله). ولم يكن ذلك
معروفا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر (1).
وبالرغم من ذكر عبد الرحمن بن عوف لحديث: لا يقص إلا أمير أو مأمور
أو مراء فإن كعبا استمر في قصصه وعمر واصل إذنه بذلك.
فعن كثير بن مرة، أن عوف بن مالك الأشجعي شاهد جماعة مجتمعين على
رجل في مسجد حمص فقال عوف: ما هذه الجماعة؟ قالوا: كعب يقص على الناس.
قال: يا ويحه! أما سمع قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يقص إلا أمير أو مأمور أو



(1) انظر تاريخ المدينة المنورة لابن شبه، 1 / 7، 8، 11 طبع مكة المكرمة.
307
مراء أو محتال (1).
وهكذا حصل كعب وتميم على منصبي الواعظ والقاص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
بدل كبار الصحابة، من تلاميذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد جرى هذا بتخطيط من عمر
وأمره! وترجمة تميم هي:
وهو تميم بن أوس بن خارجه الداري النصراني. ذكر ابن عبد البر أن تميم
الداري قد أسلم في سنة تسع هجرية، وكان يسكن المدينة، ثم أنتقل منها إلى
الشام، بعد قتل عثمان (2).
وقال عنه ابن حجر العسقلاني كان راهب أهل عصره، وأول من قص،
وذلك في عهد عمر، وصاحب قصة الجساسة (3). وقد قيل أنه أسلم عند منصرف
النبي (صلى الله عليه وآله) من تبوك، حيث قدم إليه تميم مع عشرة من الداريين.
ونصارى الشام وخاصة رجال الدين كان عندهم خبر من عيسى (عليه السلام)
بخروج النبي أحمد في الحجاز. وقد أخبر راهب نصراني النبي محمدا (صلى الله عليه وآله) بذلك
الخبر قبل المبعث النبوي أثناء ذهاب النبي (صلى الله عليه وآله) مع عمه أبي طالب إلى الشام
للتجارة، كما أخبر أحد رهبان الشام محمدا (صلى الله عليه وآله) بذلك أثناء ذهابه في تجارة
خديجة (4). وتوثق هذا الخبر بانتصار النبي (صلى الله عليه وآله) على يهود الجزيرة وكفارها،
وسيطرته على دولة كبيرة الأطراف تضم اليمن وعمان والبحرين.
وبعد تيقن تميم الداري بذلك وقدومه لإعلان إسلامه، ظهر المنحى المادي
الدنيوي بارزا على إسلامه، كما صرح هو: قال أبو هند الداري: قدمنا على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) مكة ونحن ستة نفر تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس،



(1) رواه الطبراني في الأوسط مجمع الزوائد 1 / 190، تاريخ المدينة المنورة لابن شبه 1 / 8.
(2) كتاب الإستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي 1 / 184 ط. أولى دار إحياء التراث.
(3) الإصابة لابن حجر 1 / 184.
(4) تاريخ الطبري 2 / 35.
308
وأبو هند بن عبد الله - وهو صاحب الحديث - وأخوه الطيب بن عبد الله، فسماه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الرحمن وفاكه بن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يقطعنا من أرض الشام، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سلوا ما شئتم. فقال تميم: أرى أن
نسأله عن بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند: وكذلك يكون فيها ملك العرب،
وأخاف أن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين (1) وكورتها. فقال أبو
هند: هذا أكبر وأكبر. فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله عن القرى
التي يقع فيها حصن تل مع آبار إبراهيم، فقال تميم: أصبت ووفقت. قال: فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): تميم أتحب تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟ فقال تميم: يا رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، نزداد إيمانا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أردتم أمرا وأراد هذا غيره، ونعم
الرأي ما رأى... " (2).
وهنا نلاحظ وجود هدف مشترك بين تميم الداري وكعب الأحبار، فتميم
أسلم ظاهرا للحصول على القدس أو على الأرض الكبيرة المحصورة بين بيت
المقدس وغزة. فهو أراد هذه المنطقة المهمة في فلسطين مقابل نطقه بالشهادة.
وأراد كعب الحصول على مناطق فلسطين المقدسة مقابل إعلانه للشهادة؟!
فيتبين واضحا أن تميما وصحبه، قد أعلنوا إسلامهم، مع طلبهم الحصول
على أراضي واسعة ومهمة!
ثم حاول تميم وصحبه وضع هالة مقدسة لنفسه بشتى صنوف الكذب
والاحتيال وساعده في ذلك رجال قريش، فقد جاء: أن تميم الداري كان يقرأ
القرآن في ركعة؟! (3) " وأن تميم الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام



(1) بيت جبرين: لغة في جبريل: بليد بين بيت المقدس وغزة وبينه وبين القدس مرحلتان، وبين غزة أقل
من ذلك (معجم البلدان).
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 5 / 313.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 5 / 319، طبعة دار الفكر.
309
سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع! (1) وهذا مستحيل إلا في مخيلة حزب قريش.
وجاء أيضا: بينما نحن ذات يوم، إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم
فقال: قم إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا؟ قال: فلم يزل به
حتى قام معه، قال: وتبعتهما فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت
الشعب، ودخل تميم خلفها، قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كم لم ير قالها
ثلاثا " (2). ووصف عمر تميما: بأنه حبر المؤمنين (3)، وأنه خير المؤمنين (4). وإن
تميما اشترى حلة بألف درهم، فكان يقوم فيها بالليل إلى الصلاة (5) وكأن الله
سبحانه لا يحب صلاة الفقراء دون حلل غالية؟!
وكان عمر نفسه يجلس إلى دروس تميم في المسجد (6). وهكذا تحول المسجد
النبوي الشريف إلى مدرسة يدرس فيها تميم النصراني دينه وثقافته، وأضحى
تلاميذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلابا لحبر النصارى الأعظم.
وأفعال وأقوال عمر مع تميم أعطته مكانة اجتماعية ودينية كبيرة، فأصبح
تميم الداري مرجعا دينيا مهما عند المسلمين.
وحديث الجساسة رواه تميم الداري: أنه ركب البحر في نفر من أهل
فلسطين فرمت بهم الريح إلى جزيرة، فخرجوا فإذا هم بشئ طويل الشعر كبير، لا
يدرون ما تحت الشعر أذكر أم أنثى! فقلنا لها: ألا تخبرينا وتستخبرينا؟ فقالت: ما
أنا بمخبركم شيئا ولا مستخبركم، ولكن ائتوا هذا الدير فإن فيه من هو فقير إلى أن



(1) المصدر السابق، 32.
(2) المصدر السابق، 321.
(3) المصدر السابق، 321.
(4) البداية والنهاية لابن كثير 6 / 153، دلائل النبوة للبيهقي 6 / 80.
(5) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 5 / 322.
(6) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 5 / 322.
310
يخبركم ويستخبركم، قالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. فأتينا الدير فإذا فيه
إنسان نضر وجهه، به زمانة (عاهة). قال - وأحسبه موثق - من أنتم؟ قلنا: نفر
من العرب، قال: هل خرج نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: فما صنعتم؟ قلنا: اتبعوه،
قال: أما إن ذلك خير لهم، قال: فما فعلت فارس والروم؟ قلنا: العرب تغزوهم،
قال: فما فعلت البحيرة؟ قلنا ملأى تدفق، قال: فما فعل نخل بين الأردن
وفلسطين؟ قلنا: قد أطعم، قال: فما فعلت عين زغر (موضع بالشام)؟ قال:
تستقي ويسقى منها، قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها ليس طيبة، قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): طيبة المدينة لا يدخلها (1).
وهذا الحديث مثال للأحاديث الكاذبة والقصص الخيالية التي طرحها
تميم في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) لتشويه سمعة الإسلام، وإشاعة الخرافات بين
المسلمين.
أما لماذا خاف عمر على حياة تميم عند طلبه القص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)؟
فلأن عمر يدرك عدم موافقة الصحابة على سماع الأحاديث النصرانية
المزيفة إذ جاء: أن تميم الداري استأذن عمر بن الخطاب في القصص، فقال له عمر:
أتدري ما تريد، إنك تريد الذبح، ما يؤمنك أن ترفع نفسك حتى تبلغ السماء ثم
يضعك الله (2).
وقال عمر أيضا: إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم. وقال أبو عاصم
مرة: إنه الذبح وأشار إلى حلقه (3) لأن عمر يعرف بأن تميما سوف يقص أساطير
أهل الكتاب وعلومهم الزائفة مما يسبب انتقام المسلمين منه.



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 5 / 307، 308.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 5 / 232.
(3) تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 1 / 12.
311
وقيل إن عمر قال له: عظ قبل أن أخرج في الجمعة، فكان يفعل ذلك يوما
واحدا في الجمعة، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوما واحدا (1).
ولكي يدافع عمر عنه ويمنع من قتله ويسهل برنامجه في نشر ثقافته وعلومه
بين المسلمين فقد جلس عمر نفسه في درسه أولا ثم جعل درسه في مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثانيا وبدأ في سؤاله واحترامه أمام المسلمين ثالثا!
وقد صدقت فراسة عمر في ذبح تميم الداري. ذلك إن المسلمين لم يقبلوا
سماع أحاديث تميم المزيفة، وشككوا في أهدافه، وبمجرد مقتل عثمان، فر تميم إلى
الشام؟ وفي نفس ذلك الوقت فر كعب الأحبار إليها حيث حماية معاوية السياسية
والأمنية ولو بقيا في المدينة لقتلهما المسلمون ودفنوهما في مقبرة اليهود (حش
كوكب). فقد قال ابن عبد البر: " وكان يسكن المدينة، ثم انتقل منها إلى الشام بعد
قتل عثمان " (2).
وكان عمر قد أذن لتميم أن يذكر يوم الجمعة، قبل أن يخرج عمر،
ولما استأذن تميم عثمان، أذن له أن يذكر يومين من الجمعة، فكان تميم يفعل
ذلك (3).
وأذن عمر لتميم أن يقص في يوم السبت أيضا، إذ قال: سنجمعهم على قاص
يقص لهم في يوم سبت مرة إلى مثلها من الآخر، فأمر تميم الداري (4) ولا أدري لماذا
في يوم السبت؟
فكان تميم يقص في زمن عمر مرتين قبل خطبة الجمعة مرة، وفي يوم السبت
مرة أخرى، وإلى جانب تميم كان كعب يقص في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فأصبح مسجد



(1) المصدر السابق.
(2) كتاب الإستيعاب بهامش الإصابة 1 / 184.
(3) نقله المقريزي، 129، تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 1 / 11.
(4) المصدر السابق.
312
النبي (صلى الله عليه وآله) مكانا يدرس ويخطب فيه كعب اليهودي وتميم النصراني بدل محمد (صلى الله عليه وآله)
وعلي (عليه السلام) (الثقل الثاني بعد القرآن)، وتغيير ثقافة المسلمين نحو الأسوأ، هو الذي
تسبب في فتنة المسلمين وانتشار المفاسد السياسية والاجتماعية لاحقا.
تميم الداري أول من قص في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني، عن ابن
إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج عمر (رضي الله عنه) إلى المسجد،
فرأى حلقا في المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: قصاص. فقال: وما القصاص؟
سنجمعهم على قاص يقص لهم في يوم سبت مرة إلى مثلها من الآخر. فأمر تميم
الداري (رضي الله عنه). وحدثنا موسى بن مروان البرقي قال: حدثنا محمد بن حرب
الخولاني، عن الزبيري، عن الزهري، عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن قص على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر (رضي الله عنه). كان أول من قص تميم الداري (رضي الله عنه). استأذن
عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) أن يقص على الناس قائما، فأذن له عمر (رضي الله عنه) (1). وبينما طلب
عمر من تميم النصراني وكعب الأحبار أن يقصا على المسلمين من قصص أهل
الكتاب قال الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن
وإن كنت من قبله لمن الغافلين} (2).
{وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق
وموعظة وذكرى للمؤمنين} (3).
قال: وجلس إليه هو (عمر) وابن عباس رضي الله عنهما.



(1) مجمع الزوائد عن الإمام أحمد 190، تاريخ أبي زرعة 335 ح 1915.
(2) يوسف: 3.
(3) هود: 120.
313
وقال أبو عاصم مرة: وجلس إليه (عمر) مع أصحابه وهو يقص، فسمعه
يقول (إياك وزلة العالم) فأراد أن يسأله عنها، فكره أن يقطع به. قال: وتحدث هو
(عمر) وابن عباس رضي الله عنهما وتميم يقص، وقاما قبل أن يفرغ (1).
وحدثنا ابن أبي رجاء قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: أنه
سئل عن القصص فقال: لم يكن إلا في خلافة عمر (رضي الله عنه)، سأله تميم (رضي الله عنه) أن يرخص
له في مقام واحد في الجمعة، فرخص له (فسأله أن) يزيده فزاده مقاما آخر. (في
يوم السبت ثم استخلف عثمان (رضي الله عنه) فاستزاده مقاما آخر، فكان يقوم ثلاث مرات
(أسبوعيا).
وحدثنا محمد بن يحيى قال: أنبأنا عبد الله بن موسى التيمي عن ابن أسامة
ابن يزيد، عن ابن شهاب قال: أول من قص في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تميم
الداري: استأذن عمر (رضي الله عنه) أن يذكر الله مرة فأبى عليه، ثم استأذن أخرى، فأبى
عليه، حتى كان آخر ولايته، فأذن له أن يذكر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر (رضي الله عنه).
فاستأذن تميم (رضي الله عنه) في ذلك عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فأذن له أن يذكر يومين من الجمعة،
فكان تميم يفعل ذلك (2).
وعن السائب بن يزيد أنه لم يكن يقص على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أبي بكر ولا
عمر، وكان أول من قص تميم الداري استأذن عمر أن يقص على الناس قائما
فأذن له (3). والظاهر أن عمر سمح لرجل آخر بالقص في مكة فعن ثابت البناني
قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب (4). وذكر ابن الأثير
أن عبيد بن عمير بن قتادة قاص أهل مكة. وبينما ذكر البخاري أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 1 / 12 طبعة مكة.
(2) تاريخ المدينة لابن شبة 1 / 11.
(3) كنز العمال 10 / 280، حديث 29447، رواه أحمد والطبراني في الكبير.
(4) كنز العمال 10 / 280، حديث 29448.
314
ذكر مسلم أنه ولد على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وقال الذهبي عنه في ميزان الاعتدال: أنه
لا يعرف، تفرد عنه ابن أبي ذئب (2).
ولم يذكر ابن حجر العسقلاني عبيد بن عمير في كتابيه الإصابة ولسان
الميزان، ولم يذكره ابن منظور في كتاب مختصر تاريخ ابن عساكر. فإذا كان عبيد بن
عمير فرضا قاص أهل مكة، فإن تميما قاص أهل المدينة.
ومن النصارى الذين اندسوا في الإسلام وكذبوا في الحديث ابن جريج
الرومي الذي مات سنة 150 ه‍. وكان البخاري لا يوثقه وهو على حق في ذلك.
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: إنه من أصل رومي فهو نصراني الأصل، ويقول عنه
بعض العلماء: إنه كان يضع الحديث (3).
وبسبب كثرة الرواة المندسين والكاذبين قال الحافظ الدارقطني: إن الحديث
الصحيح في الحديث الكذب كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (4).
ثم تطور القصص في زمن الأمويين وزاد فيه الكذب والافتراء على الله
ورسوله: حدث عبد الله بن بريدة قال: حدثني أبي بريدة قال: أصبح رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فدعا بلالا فقال: " يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط
إلا سمعت خشخشتك أمامي. دخلت البارحة الجنة، فسمعت خشخشتك
أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا:
لرجل من العرب. فقلت: أنا عربي! لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش،
فقلت: أنا قرشي! لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فقلت: أنا
محمد! لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب ".



(1) أسد الغابة لابن الأثير 3 / 545.
(2) ميزان الاعتدال، الذهبي 3 / 21.
(3) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية، 194.
(4) كتاب الإسلام الصحيح، 215.
315
فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث
قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله علي ركعتين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
بهما (1).
فصور الراوي بلالا وعمر أفضل من رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
وانتشرت الأحاديث والقصص في تفضيل الصحابة على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد
وضع تميم وكعب أساسا للقص المعارض لله والنبي (صلى الله عليه وآله) والإسلام.
عن عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا فسمعنا لغطا وصوت صبيان.
فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا حبشة تزفن (ترقص) والصبيان حولها فقال:
" يا عائشة تعالي فانظري، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه فقال لي: أما شبعت، أما
شبعت؟
قالت: فجعلت أقول: لا. لأنظر منزلتي عنده.
إذ طلع عمر، قالت: فارفض الناس عنها، قالت: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني
لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر.
قالت: فرجعت (2).
وأمثال هذه الأحاديث وضعت بعد زمن عمر، تمجيدا له وانتقاصا من
النبي (صلى الله عليه وآله).
ولقد أعطيت عائشة أم المؤمنين في زمن أبي بكر وعمر منصب المفتي
والمرجع الديني فكانت تدعم الدولة بفتاواها.
ولسوء رأيها في عثمان أقدمت على إصدار فتوى بإهدار دمه قائلة:



(1) صحيح الترمذي 3 / 205، حديث 3954.
(2) صحيح سنن الترمذي 3 / 206، حديث 3956.
316
اقتلوا نعثلا فقد كفر (1). وفعلا قال الرجل الأسود الذي ذبح عثمان: أنا قتلت نعثلا.
ومن الأحاديث المنتشرة زورا بيد القصاصين ومن سار على نهجهم ما
جاء: لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب (2).
: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر (3).
: أن شاعرا أنشد النبي (صلى الله عليه وآله) شعرا فدخل عمر، فأشار النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الشاعر
أن اسكت، فلما خرج عمر، قال له: عد فعاد.
فدخل عمر فأشار النبي (صلى الله عليه وآله) بالسكوت مرة ثانية، فلما خرج عمر سأل
الشاعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الرجل، فقال: هذا عمر بن الخطاب وهو رجل لا يحب
الباطل (4).
وهدف راوي الحديث إثبات إن الرسول (صلى الله عليه وآله) أهل باطل، ويحب الباطل،
والعياذ بالله تعالى.
وبينما أخترع عمر بن الخطاب منصب القاص في المسجد كان الله تعالى
قد حصر هذه الوظيفة بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) إذ جاء: مر الحسن يوما وقاص يقص
على باب مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الحسن: ما أنت؟ فقال: أنا قاص يا ابن
رسول الله.
قال: كذبت، محمد القاص، قال الله عز وجل: فاقصص القصص. قال: فأنا
مذكر. قال: كذبت، محمد المذكر، قال له عز وجل: فذكر إنما أنت مذكر. قال: فما
أنا؟ قال: المتكلف من الرجال (5).



(1) تاريخ الطبري 3 / 477، الكامل في التاريخ 3 / 206.
(2) سنن الترمذي 5 / 282، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 178.
(4) المصدر السابق.
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 228.
317
كعب الأحبار والمرجعية
لقد أصبح كعب الأحبار مرجعا عاما للدولة يرجع إليه الخليفة في شؤون
الدولة المختلفة:
عن سليمان بن يسار قال: كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار، أن اختر
لي المنازل، فكتب إليه..
يا أمير المؤمنين، إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن،
فقال حسن الخلق أنا معك وقال الجفاء: أريد الحجاز فقال الفقر: وأنا معك وقال
البأس: أريد الشام فقال السيف: وأنا معك إلى نهاية الحديث (1).
وسأل عمر كعبا عن علي (عليه السلام) والخلافة: ما تقول في علي، أشر علي في
رأيك، واذكرني ما تجدونه عندكم (2).
وسأل عمر كعبا عن الخليفة المقبل: إلى من يفضي الأمر عندكم (3).
وقد يكون لتنبؤ أحد علماء أهل الكتاب باعتلاء عمر سلطة البلاد
مستقبلا تأثير كبير في أخذ عمر عن أهل الكتاب وثانيا للمكانة الثقافية العالية
لأهل الكتاب قبل الإسلام في نفوس البعض:
جاء في تصانيف أبي أحمد العسكري، أن عمر كان يخرج مع الوليد بن
المغيرة في تجارة للوليد إلى الشام، فلما كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم،
فجعل ينظر إليه، ويطيل النظر لعمر، ثم قال: أظن اسمك - يا غلام - عامرا أو
عمران أو نحو ذلك؟ قال: اسمي عمر، قال: اكشف عن فخذيك، فكشف فإذا على



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 1 / 133.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 3 / 115، طبع دار إحياء الكتب العربية.
(3) المصدر السابق.
318
أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكف، فسأله أن يكشف عن رأسه، فإذا هو
أصلع، فسأله أن يعتمد بيده فاعتمد فإذا أعسر أيسر. فقال له: أنت ملك العرب.
قال: فضحك عمر مستهزئا. فقال: أو تضحك؟ وحق مريم البتول، أنت ملك
العرب، وملك الروم، وملك الفرس، فتركه عمر وانصرف مستهينا بكلامه، فكان
عمر يحدث بعد ذلك، ويقول: تبعني ذلك الرومي، راكب حمار، فلم يزل معي
حتى، باع الوليد متاعه، وابتاع بثمنه عطرا وثيابا، وقفل إلى الحجاز، والرومي
يتبعني، لا يسألني حاجة، ويقبل يدي كل يوم... " (1).
وقد ابتدع كعب شيئا خطيرا جعل الكثير من الناس يتبعوه إذ قال: " ما من
شئ إلا وهو مكتوب في التوراة " (2).
ولما كان المسلمون لا يقرأون اللغة العبرية، فقد أصبحوا أسرى بيد كعب
وأمثاله، ينقل لهم كل ما يهوى ويحب باسم قال الله تعالى في الكتاب المقدس؟!!
وبواسطة هذه الحيلة أصبح كعب مرجعا خطيرا لبعض المسلمين، يسيرهم
كما يشاء.
هذا بالنسبة للذين لم ينتبهوا لكذبه، أما الآخرون فقد ضربوا بأقواله عرض
الحائط. وأما الذين انساقوا في تيار كعب وأصبحوا من متهودة المسلمين، فقد رووا
حديثا كعبيا باسم النبي (صلى الله عليه وآله) جاء فيه: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج (3).
وقد ذكرت الأخبار أن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد تلاميذ
كعب، قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منهما،
وزاد ابن حجر قائلا: فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين " (4).



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 / 183 - 184.
(2) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية، 165.
(3) تفسير ابن كثير 1 / 4.
(4) فتح الباري 1 / 167.
319
وقد جاء في التوراة المزورة خطاب لليهود: قد اختارك الرب، لكي تكون
له شعبا خاصا، فوق الشعوب على وجه الأرض (1).
ومن أدلة كون هذا الشعب فوق الشعوب عندهم " أن الله تعالى صارع
يعقوب في طول الليل فعجز عنه؟! " بل عجز الله تعالى عن التخلص والفرار من
يعقوب، فاضطر الباري عز وجل إلى استعطاف يعقوب، والتوسل به كي يطلقه
قائلا: " أطلقني لقد طلع الفجر ".
" فقال له يعقوب: لا أطلقك إن لم تباركني، فباركه الرب وسماه إسرائيل أي
الذي يصارع ويجاهد الله؟! فهذه الأحاديث المخزية والمضحكة أصبحت مرجعا
للمسلمين في زمن كعب وعبد الله بن سلام وتميم الداري يقولها كعب وتميم لتحريف
المسلمين في يوم الجمعة، وبقية أيام الأسبوع، وفي مسجد النبي (صلى الله عليه وآله).
في حين ينظر اليهود إلى أمم العالم كعبيد، إذ جاء في كتاب التلمود: نحن
شعب الله المختار نحتاج إلى نوعين من الحيوان، نوع أعجم كالدواب والأنعام
والطير، ونوع الحيوان الإنساني، وهم سائر الأمم من الشرق والغرب.
ولقد نجح كعب في إقناع عمر بأمور كثيرة مثل زيارة الشام، وعدم زيارة
العراق، وتولية معاوية وعدم تولية علي (عليه السلام) والاهتمام بصخرة القدس وتنظيفها،
وهي ليست أكثر من عجل بني إسرائيل.
وقد دعا كعب إلى عدم التعبد بالنصوص الإلهية إن دعت الحاجة، ووافقه
عمر على ذلك (2).
وفي عام الرمادة سنة 18 هجرية قال كعب لعمر: إن بني إسرائيل كانوا إذا
أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء، وهنا جاءت روايات بأن عمر قال: هذا



(1) سفر التثنية، الإصحاح، 14.
(2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 1 / 360، 3 / 115.
320
عم رسول الله وصنو أبيه، وسيد بني هاشم العباس، وقال أنس: إن عمر قال: إنا
كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فتسقينا (1).
وسأل عمر من كعب الأحبار عن الشعر هل يجد له ذكرا في التوراة (2)،
وسأله ما عدن؟ (3)
فيكون عمر بن الخطاب قد رجع إلى كعب في مسائل عديدة، كما
سيتوضح ذلك لاحقا. والمجئ بكعب إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) لإلقاء دروسه
وخطبه الدينية، جعل لأحاديثه قداسة دينية، وقال ابن كثير في تفسيره: " لقد
سعى أبو هريرة وغيره لإلصاق أحاديث كعب بالنبي (صلى الله عليه وآله) في عملية تدليس
خطيرة (4).
ولأجل سماح عمر لكعب بقول القصص والخطب في مسجد النبي الشريف
وجلوس عمر في مجلسه فقد أخذ الكثير من المسلمين عنه!
إذ جاء أن كعب الأحبار قال: نجد مكتوبا في الكتاب أن مقبرة بغربي المدينة
على حافة السيل، يحشر منها سبعون ألفا ليس عليهم حساب! فأوصى أبو سعيد
المقبري لابنه سعيد: إن أنا هلكت فادفني في مقبرة بني سلمة التي سمعت من
كعب! (5)
وقد ذكر البخاري في سننه حديث النبي (صلى الله عليه وآله) بحرمة استقبال
واستدبار القبلة. وبعد أن ثبت ذلك، ذكر لاحقا قول عبد الله بن عمر باستدبار
النبي (صلى الله عليه وآله) للقبلة!



(1) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، 160.
(2) كتاب العمدة لابن رستيق، 8.
(3) الدر المنثور 4 / 57.
(4) تفسير ابن كثير 3 / 104، 105.
(5) وفاء الوفاء 2 / 81 ط. الآداب، وتاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 1 / 92.
321
إذ جاء عن عبد الله بن عمر تلميذ كعب: إرتقيت فوق ظهر بيت
حفصة، لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقضي حاجته، مستدبر
القبلة مستقبل الشام (1).
وذكر علماء الحديث في باب رواية الصحابة عن التابعين أو رواية
الأكابر عن الأصاغر: " أن أبا هريرة والعبادلة (ومنهم عبد الله بن عمر) ومعاوية
وأنس وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار اليهودي الذي أظهر الإسلام
خداعا " (2).
وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمر قال: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر
بيتنا فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعدا على لبنتين مستقبل بيت المقدس (3).
وذكر البخاري في نفس الصفحة حديثا نبويا قال الرسول (صلى الله عليه وآله): إذا أتى
أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره (4).
وهكذا دس البخاري السم في العسل إذ ثبت مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) للشريعة
التي جاء بها! هذا إن كان كتاب البخاري للبخاري نفسه، إذ أن محمود أبو
رية يدعي تزوير الكثير من أحاديث البخاري بعد موت البخاري. إذ
مات البخاري قبل أن يبيض كتابه (5). أما لو كان البخاري نفسه قد كتبه، فيكون
لنا معه كلام آخر. إذ أن ذلك كاف لاتهامهما بالكذب والاعتداء على الساحة
النبوية المقدسة. وعلى كلتا الصورتين يثبت عدم صحة كل ما جاء في كتاب
البخاري.



(1) صحيح البخاري 1 / 136، باب 11، باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول.
(2) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 215.
(3) صحيح البخاري 1 / 137، باب 111.
(4) صحيح البخاري: باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول 1 / 135.
(5) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، 316.
322
كعب يعرف جنة عدن
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة (رضي الله عنه) قال في بعض القراءة: الذين
يحملون العرش في قوله فاغفر للذين تابوا من الشرك واتبعوا سبيلك... وفي قوله
وأدخلهم جنات عدن قال: إن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: يا كعب ما عدن؟
قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل (1).
وعن الحسن البصري أن عمر قال لكعب:
ما عدن؟
قال: هو قصر في الجنة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم (2).
وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن!
قال: نعم يا أمير المؤمنين! قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو
شهيد أو حاكم عدل، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها، وأما الصديقون فقد
صدقت الله ورسوله: وأما الحكم العدل فأني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل
فيه عدلا، وأما الشهادة فأنى لعمر بالشهادة (3).
فقال عمر بن الخطاب عند ذلك ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد
عن أدنى أهل الجنة ماله فكيف بأعلاهم، قال يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا
أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء، فخلق لنفسه دارا بيده فزينها بما شاء،
وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ
خلقها جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة



(1) الدر المنثور 5 / 347.
(2) الدر المنثور 4 / 57.
(3) كنز العمال 13 / 560، حديث 35760.
323
أعين} (1) الآية وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ما ذكر من
الحرير والسندس والإستبرق وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان
كتابه في عليين نزل تلك الدار، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق
خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، حتى أنهم ليستنشقون ريحه
ويقولون: واها هذه الريح الطيبة، ويقولون: لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل
عليين، فقال عمر: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال
كعب يا أمير المؤمنين: إن لجهنم زفرة ما من ملك ولا نبي إلا يخر لركبته حتى يقول
إبراهيم خليل الله رب نفسي نفسي وحتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك
لظننت أن لن تنجو منها (2).
رجوع معاوية إلى كعب ودعمه له
وذكر ابن عساكر أن معاوية أمر كعبا بالقصص (3). وسأل معاوية كثيرا من
كعب الأحبار كما كان يسأله عمر: نقل ابن عباس: كنت عند معاوية فقرأ الآية
السادسة والثمانين من سورة الكهف بشكل خاص، فاعترضت. فسأل معاوية من
عبد الله بن عمرو بن العاص فأيده الأخير!
فقال ابن عباس: إن القرآن نزل في بيتنا. وفي حل لمعاوية للأمر، فقد
أرسل شخصا يسأل ذلك من كعب الأحبار، وقال عنه: ألا إن كعب الأحبار أحد
العلماء (4).



(1) السجدة، 17.
(2) الدر المنثور للسيوطي 6 / 257.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر 21 / 187، كنز العمال حديث 15029.
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد 2 / 358 طبعة بيروت.
324
فمعاوية يرفض رأي عبد الله بن عباس في القرآن ويسأل كعبا عنه
وسأل عمر كعب الأحبار عن الشعر في التوراة. فقال كعب: إن مجموعة من
أبناء إسماعيل وعلى صدورهم الإنجيل ينطقون الحكمة، ويقولون الأمثال وأعتقد
بأنهم من العرب (1).
ونسب كعب وعبد الله بن سلام ما قاله حذيفة عن حلول الفتنة مع موت
عمر لأنفسهما، ونشرا ذلك في زمن عثمان على إنه قيل في زمن عمر:
إذ روى كعب أنه قال لعمر: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر:
إلا من حاسب نفسه. فقال كعب: إنك مصراع الفتنة (2).
كعب: كان الله (تعالى) على صخرة بيت المقدس في الهواء!
روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه حضر في مجلس عمر بن الخطاب
يوما وعنده كعب الأحبار إذ قال عمر: يا كعب أحافظ أنت للتوراة؟ فقال كعب:
إني لأحفظ منها كثيرا، فقال رجل من جنبه في المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين
كان الله جل جلاله قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عرشه عليه،
فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟ فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في
الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديما قبل خلق العرش، وكان على صخرة
بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة
واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وأخر ما
بقي منها لمسجد قدسه.
قال ابن عباس رضي الله عنه: وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضرا فعظم



(1) العمدة لابن الرشيق ص 25 طبعة مصر.
(2) مختصر تاريخ دمشق 19 / 347.
325
علي ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عمر عليه لما عاد إلى مجلسه ففعل (1)
قال عمر: غص علينا يا غواص (2) ما يقول أبو الحسن؟ فما علمتك إلا مفرجا
للغم.
فالتفت علي (عليه السلام) إلى كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا
الفرية عليه، يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع
عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره (3) ولو كانت الصخرة والهواء قديمين
معه لكانت لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال: له مكان يومي إليه، والله ليس كما
يقول الملحدون، ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه
الأذهان، وقولي: كان محدث كونه وهو مما علم من البيان. بقول الله: خلق الإنسان
علمه البيان. فقولي له: كان مما علمني من البيان، لأنطق بحجة عظمة المنان، ولم
يزل ربنا مقتدرا على ما يشاء، محيطا بكل الأشياء، ثم كون ما أراد بلا فكرة حادثة
أصاب ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نورا ابتدعه من غير
شئ، ثم خلق منه ظلمة وكان قديرا أن يخلق الظلمة لا من شئ، كما خلق النور من
غير شئ، ثم خلق من الظلمة نورا وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع
سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت (4) لهيبته، فصارت ماءا مرتعدا،
ولا يزال مرتعدا إلى يوم القيامة. ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء،
وللعرش عشرة آلاف لسان، يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة، ليس فيها
لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء، ومن دونه حجب الضباب (5) وذلك



(1) في بعض النسخ (ففعل).
(2) وأراد بقول يا غواص عليا (عليه السلام).
(3) في بعض النسخ لا يجوز بالجيم أي لا يتجاوز.
(4) ماع يميع ميعانا: ذاب.
(5) الضباب بالفتح رطوبة في الهواء تغشى الأرض كالدخان.
326
قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم، يا كعب ويحك إن من كانت البحار تفلته على
قولك كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت
إليه أنه حل فيه.
فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر، وهكذا يكون العلم لا يكون
كعلمك يا كعب، لا عشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن (1).
سؤال عن المستقبل وعن الدجال
وسأل عمر من كعب الأحبار قائلا: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني.
قال والله لا أكتمك شيئا أعلمه.
قال (عمر): ما أخوف شئ تخافه على أمة محمد (صلى الله عليه وآله)؟
قال: أئمة مضلين.
قال عمر: صدقت قد أسر ذلك إلي، وأعلمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وفعلا سار كعب على ما اعتقده من تخريب الإسلام بأئمة مضلين، فدعا عمر
لدعم معاوية فاستجاب عمر.
ولو لاحظنا ولاة أبي بكر وعمر لوجدنا الولايات الكبرى بيد أئمة مضلين
بينما أنذرهم بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعلا أوجد معاوية والأمويون وأعوانهم من
أمثال ابن العاص وابن شعبة مشاكل للمسلمين ما زالوا يشكون منها، ويرزحون
تحت أعبائها.
وعن سالم، عن أبيه: أن عمر سأل رجلا من اليهود، فقال له: قد بلوت
منك صدقا، فحدثني عن الدجال. فقال: يقتله ابن مريم بباب لد، وأظن



(1) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، الأمير ورام بن أبي فراس 2 / 5 - 6.
(2) مسند أحمد 1 / 42، ورواه في مجمع الزوائد 5 / 239، وقال (رواه أحمد ورجاله ثقات).
327
ذلك الرجل كعبا (1).
فقال عمر لكعب الأحبار: قد بلوت منك صدقا؟ بينما قال النبي (صلى الله عليه وآله): لا
تصدقوا أهل الكتاب (2).
ولو جئنا إلى أحاديث كعب، وراجعنا التوراة لوجدناها أحاديث كاذبة
أوجدها كعب بأسم ذكر الكتاب المقدس ونحن نعلم أن التوراة نفسها مزورة، وقد
ذكر ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فكيف يكون كعب صدوقا وهو ذلك الكذوب العنيد! وقد كذبه
الإمام علي (عليه السلام) وابن عوف ومعاوية والبخاري وابن عساكر وغيرهم (3).
كعب يدعو إلى الكفر
أخرج ابن مردويه، عن عبد الرحمن بن ميمون، أن كعبا دخل يوما على
عمر بن الخطاب، فقال له عمر: حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟
فقال كعب: قد أخبرك الله في القرآن، إن الله يقول: {ما سلككم في سقر}
إلى قوله {اليقين} (4)، قال كعب: فيشفع يومئذ، حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط،
ولم يطعم مسكينا قط، ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه
خير (5).
هنا بين كعب دخول الكفار وغير المصلين الجنة، فيدعو بذلك إلى عدم
الإيمان وعدم الصلاة وعدم الزكاة بطريقة شيطانية؟!



(1) معجم ما استعجم 4 / 47.
(2) صحيح البخاري 5 / 150، 8 / 213.
(3) صحيح البخاري 8 / 160، مقدمة ابن خلدون، تفسير ابن كثير، سورة النحل، مختصر تاريخ دمشق
لابن عساكر 1 / 133.
(4) المدثر، 42 - 47.
(5) الدر المنثور 6 / 286.
328
وحدثنا عبد الله، حدثني أبي ثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن
أبي سنان، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب، أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان
بالجابية فذكر فتح بيت المقدس، قال: فقال أبو سلمة: فحدثني أبو سنان، عن
عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول لكعب: أين ترى أن أصلي.
فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك.
فقال عمر (رضي الله عنه): ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه، فكنس الكناسة في ردائه
وكنس الناس (1).
إن دعوة كعب لعمر للصلاة خلف الصخرة يهدف منها إلى جعل الصخرة
قبلة المسلمين، ومعبودا لهم مثلما كان عجل بني إسرائيل!
ويقال إنه (عمر) لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد
بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى
سورة (ص) وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء
إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، وأشار عليه كعب أن يجعل
المسجد من ورائه، فقال: ضاهيت اليهودية. ثم جعل المسجد في قبلي بيت
المقدس، وهو المسجد العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه
وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك، وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت
الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة
حيضها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عملت في
القمامة، وهي المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب، فجعلوا يلقون على
قبره القمامة، فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة، وانسحب هذا الاسم على



(1) مسند أحمد 1 / 34، ورواه في الدر المنثور 4 / 151 عن أحمد.
329
الكنيسة التي بناها النصارى هنالك (1).
ولا يوجد دليل على قداسة الصخرة؟ وإنما توجه اليهود إليها كما
توجهوا من قبل إلى عجل قارون! وبعد جهد جهيد من قبل المسلمين
لتنظيف المكان من الأوساخ والنجاسات جعل ذلك المكان موقعا لمسجد
المسلمين.
قال هشام بن محمد: أخبرني ابن عبد الرحمن القشيري عن امرأة ابن
حباشة النميري قالت: خرجنا مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أيام خرج إلى الشام،
فنزلنا موضعا يقال له القتل، قالت: فذهب زوجي شريك يستقي فوقعت دلوه في
القلت (العين) فلم يقدر على أخذها لكثرة الناس، فقيل له: أخر ذلك إلى الليل،
فلما أمسى نزل إلى القلت ولم يرجع فأبطأ، وأراد عمر الرحيل فأتيته وأخبرته
بمكان زوجي، فأقام عليه ثلاثا وارتحل في الرابع، وإذا شريك قد أقبل، فقال له
الناس: أين كنت؟ فجاء إلى عمر (رضي الله عنه) وفي يده ورقة يواريها الكف وتشتمل على
الرجل وتواريه، فقال: يا أمير المؤمنين إني وجدت في القلت سربا وأتاني آت
فأخذني إلى أرض لا تشبهها أرضكم وبساتين لا تشبه بساتين أهل الدنيا،
فتناولت منه شيئا، فقال لي: ليس هذا أوان ذلك، فأخذت هذه الورقة فإذا هي
ورقة تين. فدعا عمر كعب الأحبار وقال: أتجد في كتبكم أن رجلا من أمتنا يدخل
الجنة ثم يخرج؟
قال: نعم وإن كان في القوم أنبأتك به.
فقال: هو في القوم، فتأملهم.
فقال: هذا هو، فجعل شعار بني نمير خضراء إلى هذا اليوم! (2)



(1) البداية والنهاية 7 / 64.
(2) معجم البلدان 4 / 387.
330
وجاء قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام. فقال
عمر: الله إنك لتجد عمر في التوراة؟ قال: لا ولكن أجد صفتك وحليتك (1).
في القصة الأولى واضح الاتفاق بين ذلك الرجل الكذاب وبين كعب
الأحبار؟ ولكن العجب في تصديق عمر له!
وفي الحادثة الثانية الكذب واضح على كلام كعب لأن هذه الكذبة أوجدها
كعب بعد مقتل عمر، أي في زمن عثمان، كي تزداد ثقة الناس به وبقوله!
زور كعب حديث اثني عشر خليفة
عن نعيم بن حماد: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي المنهال (2) عن أبي
زياد عن كعب قال: إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثني عشر قيما، أفضلهم أبو
بكر وعمر وعثمان.
وأسند عبد الله بن عمر حديث كعب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق أصبتم
اسمه، عمر الفاروق.... " (3).
وحديث اثني عشر خليفة ذكره البخاري ومسلم (4) دون أسماء.
إذ روى البخاري الحديث في سننه عن سمرة بن جندب: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله)
يقول: يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي: إنه يقول: كلهم



(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 19 / 35.
(2) البداية والنهاية 6 / 281.
(3) كنز العمال 6 / 67.
(4) نقل جابر بن سمرة: " كنت مع أبي عند النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة ثم أخفى
صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال (صلى الله عليه وآله): كلهم من بني هاشم، انظر مسند أحمد بن
حنبل 5 / 89 - 92، مستدرك الحاكم 4 / 501، ينابيع المودة، 444، صحيح البخاري 9 / 101.
331
من قريش (1).
وذكره مسلم في صحيحه: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي
فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (2).
وذكر القندوزي في ينابيع المودة في الباب السابع والسبعين عن بعض علماء
العامة أنه قد روى حديث جابر بن سمرة (الخلفاء من بعدي اثنا عشر) وقال في
آخره: كلهم من بني هاشم.
وقد روى الحافظ أبو نعيم في حليته (1 / 86) بسنده عن ابن عباس: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها
ربي فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي
خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين
فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.
لقد وضع كعب وصحبه بدل عبارة كلهم من بني هاشم، عبارة أفضلهم أبو
بكر وعمر وعثمان. بينما قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): " إن الأئمة من قريش، غرسوا
في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم (3).
جسم كعب الله سبحانه ووصم داود بالخطيئة
والرواية في هذا الموضوع على لسان عمر بن الخطاب، ففي تفسير قوله
تعالى عن نبيه داود (عليه السلام) {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} (4).



(1) صحيح البخاري باب كتاب الأحكام.
(2) صحيح مسلم 4 / 100، ح 5، فتح الباري 13 / 180.
(3) نهج البلاغة، الإمام علي (عليه السلام) خطبة 44.
(4) ص: 25.
332
وعن السدي بن يحيى قال حدثني أبو حفص عن رجل قد أدرك عمر بن
الخطاب أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي المنادي داود
فيسقى على رؤوس العالمين، فهو الذي ذكر الله {وإن له عندنا لزلفى وحسن
مآب} ثم روى عن عمر بن الخطاب عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأنه
وشدته قال ويقول الرحمن لداود (عليه السلام): مر بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن
تدحضني خطيئتي، فيقول: خذ بقدمي فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر.
قال: فتلك الزلفى التي قال الله {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} (1).
وفي أحاديث كعب كفر من وجوه متعددة، وهنا وصم داود بالخطيئة وجسم
الله تعالى.
عمر بين جوابين مختلفين من علي (عليه السلام) وكعب
في هذا المقال ذكرنا كلاما خطيرا ذكره الطبري دارت رحاه بين عمر
وعلي (عليه السلام) وعثمان وكعب. ولقد أسلم الثلاثة في مكة وعاشروا النبي (صلى الله عليه وآله) وكعب
رجل يهودي ماكر ادعى بأنه أسلم في السنة السابعة عشرة هجرية والحديث كان
في نفس تلك السنة؟!
فأتفق الثلاثة الأوائل على أهمية المشرق ومن ضمنه الكوفة مركز جيوش
المسلمين المتوجهة للمشرق، فهم المجاهدون الذين فتحوا إيران والهند وكاشغر
وبخارى وسمرقند.
ولكن كعبا خالفهم بخبث يهودي واتهم بلدان المشرق وأهلها بالشر وفضل
الشام عليها بلا دليل شرعي أو عقلي؟! وكانت النتيجة أن أخذ عمر برأي كعب



(1) رواه في كنز العمال 2 / 488، الدر المنثور للسيوطي 5 / 305.
333
وطرح اعتقاده الشخصي جانبا! وترك رأي عثمان! وترك نصيحة علي بن أبي
طالب (عليه السلام) الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله) أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت
الباب (1).
وفعلا ذهب عمر بمعية كعب إلى الشام وترك العراق بالرغم من أنه قد زار
الشام سابقا عدة مرات ولم يزر العراق.
وإليك ما دار بين عمر وعلي (عليه السلام) وعثمان وكعب من تاريخ الطبري: جمع
(عمر) الناس في جمادي الأولى سنة سبع عشرة فاستشارهم في البلدان فقال: إني
قد بدأ لي أن أطوف على المسلمين في بلدانهم، لأنظر في آثارهم، فأشيروا علي،
وكعب الأحبار في القوم، وفي تلك السنة من إمارة عمر أسلم، فقال كعب: " بأيها
تريد أن تبدأ يا أمير المؤمنين؟
قال (عمر): بالعراق.
قال كعب: فلا تفعل، فإن الشر عشرة أجزاء والخير عشرة أجزاء، فجزء
من الخير بالمشرق وتسعة بالمغرب، وإن جزءا من الشر بالمغرب وتسعة بالمشرق،
وبها قرن الشيطان وكل داء عضال.
فقال علي (عليه السلام): إن الكوفة للهجرة بعد الهجرة، وإنها لقبة الإسلام، وليأتين
عليها يوم لا يبقى مؤمن إلا أتاها وحن إليها، والله لينصرن بأهلها كما انتصر
بالحجارة من قوم لوط.
وقال عثمان: يا أمير المؤمنين إن المغرب أرض الشر، وإن الشر قسم مائة
جزء، فجزء في الناس وسائر الأجزاء بها.
قال عمر: الكوفة رمح الله وقبة الإسلام وجمجمة العرب يكفون ثغورهم



(1) مستدرك الصحيحين 3 / 126، أسد الغابة، ابن الأثير 4 / 22، تهذيب التهذيب لابن حجر 6 / 320،
المتقي في كنز العمال 6 / 152، 156.
334
ويمدون الأمصار فقد ضاعت مواريث أهل عمواس فابدأ بها (1).
وبالرغم من اتفاق وجهات نظر الإمام علي (عليه السلام) وعثمان وعمر، إلا أن عمر
ترك ذلك وأخذ بوجهة نظر كعب الأحبار فامتنع من زيارة العراق.
وهدف كعب من أخذ عمر إلى الشام تثبيت الأحاديث اليهودية المزيفة في
تفضيل الشام على بلدان العالم.... وإعادة الاعتبار لأماكن اليهود المقدسة، ومنها
قبة الصخرة. وما زال بعض المسلمين يطلق على صخرة كعب الأحبار اسم
الصخرة المقدسة؟ لاحظ المهزلة وقد قيل: شر البلية ما يضحك!
ويهدف أيضا إلى تهيئة الأجواء لإعادة يهود الحجاز إلى موطنهم فلسطين
وتهيئة الأرضية للقاء عمر مع معاوية بحضوره؟! لتشييد بناء حكم بني أمية؟!
وقد كان كعب قد رشح معاوية للخلافة وحذر عمر من وصول علي (عليه السلام) إلى
الحكم (2).
سر كره اليهود للروم والعراقيين
ويذكر أن اليهود الذين سكنوا جزيرة العرب تمثلوا في أكبر ثلاث قبائل وهم
القينقاع وقريظة والنضير. وقد فر هؤلاء اليهود من فلسطين إلى الحجاز بعد
انتصار الروم عليهم. وهؤلاء اليهود انتقموا من نصارى نجران في قضية أصحاب
الأخدود. فاضطر نصارى الشام للاتفاق مع عرب يثرب للانتقام من هؤلاء
اليهود.
ولما كانت اليهود تحتمي بحصونها، فقد تم الاتفاق على استدراجهم خارج
حصونهم، وفعلا تم ذلك، وانتقم النصارى من اليهود شر انتقام. فوزعت الغنائم



(1) تاريخ الطبري 3 / 160.
(2) شرح ابن أبي الحديد 3 / 115، رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني هاشم وبني أمية للمقريزي، 51.
335
بين عرب يثرب وعرب الشام.
فعاد اليهود إلى سلاحهم الفتاك ألا وهو سلاح الفتنة، فأوقعوا الخلاف
بين الأوس والخزرج متمثلا في حرب بعاث. فانتقم اليهود من عرب يثرب شر
انتقام.
وبسبب وقوف الأنصار إلى جانب النبي (صلى الله عليه وآله) ضد بني قينقاع وبني قريظة
وخيبر محطمين قدرة اليهود في جزيرة العرب، فقد حقد اليهود على أهالي المدينة
المنورة، ووطدوا علاقتهم مع كفار قريش. وعلى رأس هؤلاء أبو سفيان ومعاوية.
فوجد اليهود في قريش ضالتهم المنشودة. لذلك سعى اليهود إلى هدفين
الأول دعم قريش وبني أمية والثاني تحطيم بني هاشم والأنصار. وقد أشار كعب
إلى ذلك عملا بترشيح معاوية للخلافة ودعمه بالحديث الكاذب، وحصر الخلافة
في قريش، وإخراج الأنصار وبني هاشم منها. وهذه الأرضية ساعدت على قتل
بني هاشم والأنصار معا في مواقع متعددة منها كربلاء والحرة.
وقد أثبتنا في هذا الكتاب أن حديث اثني عشر خليفة الذي نزل في حق
أهل بيت النبوة: قد حرفه كعب إلى الخلفاء وأدخل معاوية فيه.
فيكون اليهود قد أخرجوا بني هاشم والأنصار من الخلافة تشريعا، بينما
وضع كعب وغيره الأحاديث الكاذبة لمدح عمر لكسبه، ثم مدحوا معاوية وحطوا
من علي (عليه السلام) الذي قتل سيد اليهود الحارث بن أبي زينب وصرع مرحبا وفتح
خيبر!
وزينب بنت الحارث هذه هي التي أسلمت كذبا مثل كعب وابن سلام،
وسمت النبي (صلى الله عليه وآله) بكبش، فقتلت بشر بن البراء الذي أكل مع النبي (صلى الله عليه وآله) (1).
إن سر كره كعب للروم والعراقيين، هو أفعالهم السابقة باليهود في فلسطين



(1) الإصابة، ابن حجر 4 / 314.
336
وتحطيمهم دولة اليهود في زمنين مختلفين. وما زال هذا الكره موجودا وخاصة ضد
العراقيين.
وجاء في القرآن الكريم ما يلي: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن
في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي
بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} (1).
فحصل اليهود على ضربتين قاصمتين في زمنين مختلفين: الضربة الأولى
لهم كانت بواسطة نبوخذ نصر ملك بابل الذي هاجم مملكة اليهود قبل ألف سنة
على ظهور الإسلام، فدمر ملكهم وأحرق هيكل سليمان وقتل اليهود وساق
الآخرين أسرى إلى بابل، ولأجل هذه الضربة حقد كعب وأمثاله على العراق
والعراقيين.
والضربة الثانية وقعت سنة 70 للميلاد بيد تيطس الروماني، الذي فتح
القدس وقتل مليون نسمة على ما قدره يوسيفوس (الذي شهد الوقعة بنفسه)
وباع آخرين في أسواق الرقيق، وفر آخرون إلى بلدان العالم المختلفة، ومنها جزيرة
العرب! فبقي أحبار اليهود يتحينون الفرصة لعودة اليهود إلى فلسطين وإعادة
تأسيس الدولة العبرية. وبسبب هذه الحملة الرومية حقد اليهود على الروم وبقوا
منتظرين للانتقام منهم. ولما انتصر الجيش الإسلامي على الروم وفتحوا القدس
اعتبر كعب ذلك الفتح انتقاما لليهود من الروم، وفرصة لعودتهم إلى فلسطين. وقد
ذكر الطبري إشارة كعب إلى هذا الانتقام (2).
وقد أظهر كعب شدة كرهه للعراقيين بقوله: في العراق عصاة الجن، وبها
باض إبليس، وفرخ، وقد أثر كعب على عمر في كرهه للعراقيين. وذكر ابن سعد في



(1) الإسراء، 3 - 5.
(2) تاريخ الطبري 4 / 160.
337
طبقاته ذلك (1). والتفت ابن عساكر أيضا إلى كره كعب للعراق (2) قائلا: والمحفوظ
عن كعب سوء القول في العراق.
كعب: في العراق عصاة الجن وبها باض إبليس وفرخ
وجاء في كنز العمال: أراد عمر أن لا يدع مصرا من الأمصار إلا أتاه، فقال
له كعب: لا تأتي العراق فإن فيه تسعة أعشار الشر (3).
وقال أيضا: " إن فيها تسعة أعشار السحر: فسقة الجن وبها الداء العضال (4).
وعن أبي إدريس قال: قدم علينا عمر بن الخطاب الشام فقال: إني أريد أن
آتي العراق، فقال له كعب الأحبار: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك! قال: وما
تكره من ذلك؟ قال: بها تسعة أعشار الشر وكل داء عضال وعصاة الجن
وهاروت وماروت، وبها باض إبليس وفرخ " (5). ولا أدري كيف باض إبليس!
ولم يذكر كعب المدة التي ينام فيها إبليس فوق بيضه!!
عن الهيثم بن عمار قال: سمعت جدي يقول: " لما ولي عمر بن الخطاب زار
أهل الشام فنزل بالجابية... فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام فكتبوا إليه
يسألونه أن يزورهم كما زار أهل الشام، فهم أن يفعل فقال له كعب: أعيذك بالله يا
أمير المؤمنين أن تدخلها! قال: ولم؟ قال: فيها عصاة الجن وهاروت وماروت
يعلمان الناس السحر، وفيها تسعة أعشار الشر وكل داء معضل، قال عمر: قد



(1) طبقات ابن سعد 7 / 442.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 1 / 133.
(3) كنز العمال 14 / 173، حديث 38279.
(4) كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة ابن دحلان، 538.
(5) كنز العمال أيضا 14 / 173، حديث 38280.
338
فهمت كل ما ذكرته غير الداء المعضل فما هو؟ قال: كثرة الأموال، هو الذي ليس له
شفاء، فلم يأتها عمر " (1).
ويعجب الإنسان من دهاء هذا الرجل ومكره وتمكنه من التأثير على عمر
وإقناعه في مناسبات عديدة وفي شؤون مختلفة!
المكذبون لكعب الأحبار
وقد اتهم الصحابة كعب الأحبار (الذي أسلم متأخرا في سنة سبع
عشرة هجرية) في دينه. وهذا ما يدل على معرفتهم بزيف إسلامه وخبث
نواياه:
فقد اتهمه عبد الرحمن بن عوف بالاحتيال إذ جاء: " كان كعب الأحبار
يقص فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا يقص إلا أمير أو
مأمور أو محتال. فأتي كعب فقيل له: ثكلتك أمك، هذا عبد الرحمن يقول كذا
وكذا، فترك القصص، ثم إن معاوية أمره بالقصص فاستحل ذلك بعد (2) وهذا
النص يبين قول كعب للقصص في زمن عمر، وفي زمن معاوية.
واتهمه عبد الله بن مسعود إذ جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إن كعبا
يقرأ عليك السلام ويبشركم أن هذه الآية نزلت في أهل الكتاب: {وإذ أخذ الله
ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} (3) قال ابن مسعود: وعليه السلام إذا أنت
أتيته فأخبره أنها نزلت وهو يهودي (4). وجواب ابن مسعود بيان لعدم معرفة كعب



(1) كنز العمال 8 / 148، حديث 38200.
(2) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 21 / 186 ط. دار الفكر.
(3) آل عمران: 187.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 21 / 187 ط. دار الفكر.
339
بالتفسير وأنه يكذب في أجوبته.
وجاء عن قتادة أن كعبا قال: " إن السماء تدور على قطب كقطب الرحى.
فبلغ ذلك حذيفة فقال: كذب كعب! {إن الله يمسك السماوات والأرض أن
تزولا} (1) ". ومن المكذبين لكعب الأحبار عبد الله بن عباس. فقد قال ابن عباس
لرجل مقبل من الشام: من لقيت؟ قال كعبا، قال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته
يقول: إن السماوات على منكب ملك. فقال: كذب كعب، أما ترك يهوديته بعد! ثم
قرأ: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} (2).
وقد كذب ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق كعب الأحبار (3)، بتضعيفه
الأحاديث التي قالها حول العراق؟!
وحتى معاوية كذب كعبا فقد عقد البخاري في صحيحه بابا تحت عنوان
(باب قول النبي (صلى الله عليه وآله) لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ) وقد شكك فيه بصدق كعب
الأحبار فقال: أخبرنا شعيب أبو اليمان عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن
سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من
أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه
بالكذب!!) (4).
وعن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية
ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تصدقوا أهل الكتاب
ولا تكذبوهم. وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم... الآية (5).



(1) سورة فاطر 35 / 41، مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 21 / 187 ط. دار الفكر.
(2) كتاب الكافي الشافي لابن حجر العسقلاني، 139.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 1 / 133.
(4) صحيح البخاري 8 / 160.
(5) ونحوه في صحيح البخاري ج 5، ص 150، و ج 8، ص 213.
340
ثم روى صيحة ابن عباس في المسلمين ليكفوا عن أخذ ثقافتهم من أهل
الكتاب! فقال (حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب عن
عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كيف تسألون أهل
الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدث تقرأونه محضا لم
يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب
وقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا؟ ألا ينهاكم ما جاء من العلم..) (1).
وقد كذب ابن كثير كعبا قائلا: والأقرب في هذه السياقات أنها متلقاة عن
أهل الكتاب مما وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه
إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان ومما
لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ، وقد اغنانا الله بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ
ولله الحمد والمنة واتهمه أبو ذر باليهودية (2).
وقد كذب ابن خلدون كعبا ووهب بن منبه (3).
كذلك كذب محمد رشيد رضا كعب الأحبار قائلا: " إن ثبوت العلم الكثير
لا يقتضي نفي الكذب. وكان جل علمه عندهم ما يرويه عن التوراة ليقبل وغيرها
من كتب قومه وينسبه إليها ليقبل ولا شك أنه كان من أذكى علماء اليهود قبل
إسلامه وأقدرهم على غش المسلمين بروايته بعده ".
وأضاف محمد رشيد رضا أنه من زنادقة اليهود الذين أظهروا الإسلام لتقبل
أقوالهم في الدين، وقد راجت دسيسته حتى انخدع به بعض الصحابة ورووا عنه،
وصاروا يتناقلون قوله بدون إسناد إليه، حتى ظن بعض التابعين ومن بعدهم أنها
مما سمعوه عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأدخلها بعض المؤلفين في الموقوفات التي لها حكم المرفوع



(1) صحيح البخاري 8 / 208، 3 / 163.
(2) تفسير ابن كثير، سورة النمل، مختصر تاريخ ابن عساكر 28 / 299.
(3) مقدمة ابن خلدون.
341
كما قال الحافظ ابن كثير في مواضع من تفسيره (1).
وقال محمد رشيد رضا أيضا: " إنه كان بركان الخرافات، وأجزم بكذبه، بل
لا أثق بإيمانه " (2).
وقال في كعب ووهب: " إن شر رواة هذه الإسرائيليات، أو أشدهم تلبيا
وخداعا للمسلمين هذان الرجلان فلا تجد خرافة دخلت في كتب التفسير والتاريخ
الإسلامي في أمور الخلق والتكوين والأنبياء وأقوامهم والفتن والساعة والآخرة،
إلا وهي منهما مضرب المثل، ولا يهولن أحد انخداع بعض الصحابة والتابعين بما
بثاه وغيرهما من هذه الأخبار، فإن تصديق الكاذب لا يسلم منه أحد من البشر
ولا المعصومين من الرسل " (3).
ويقصد بالصحابة المخدوعين عمر وأصحابه.
وقال محمد رشيد رضا: رأينا الشئ الكثير في روايتهما مما نقطع بكذبه،
لمخالفة ما روياه، فما كانا يعزوانه للتوراة وغيرها من كتب الأنبياء فجزمنا
بكذبهما...
وقال عن روايتهما: إن أكثرها خرافات إسرائيلية شوهت كتب التفسير
وغيرها من الكتب، وكانت شبها على الإسلام يحتج بها أعداؤه الملاحدة أنه كغيره
دين خرافات وأوهام وما كان فيها غير خرافة. فقد تكون الشبهة فيه أكبر كالذي
ذكره كعب من صفة النبي في التوراة (4).
وهكذا بينت تلك النصوص اتهام الصحابة والعلماء لكعب وأصحابه بالكفر
والكذب والخيانة.



(1) مجلة المنار 27 / 752.
(2) مجلة المنار 27 / 697.
(3) المصدر السابق 27 / 783.
(4) مجلة المنار 27 / 618.
342
وقال الشيخ محمود أبو رية: (.. وقد كان أقوى هؤلاء الكهان دهاء
وأشدهم مكرا، كعب الأحبار ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام.
ولما وجدوا أن حيلهم قد راجت بما أظهروه من كاذب الورع والتقوى،
وأن المسلمين قد سكنوا إليهم، واغتروا بهم، جعلوا أول همهم أن
يضربوا المسلمين في صميم دينهم، وذلك بأن يدسوا إلى أصوله التي قام عليها ما
يريدون من أساطير وخرافات، وأوهام وترهات، لكي تنتهي هذه الأصول
وتضعف.
فلما عجزوا عن أن ينالوا من القرآن الكريم لأنه قد حفظ بالتدوين،
واستظهره آلاف من المسلمين، وأنه قد أصبح بذلك في منعة من أن يزاد فيه كلمة
أو يدس إليه حرف اتجهوا إلى التحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فافتروا ما شاءوا أن يفتروا
عليه أحاديث لم تصدر عنه.
وأعانهم على ذلك أن ما تحدث به النبي (صلى الله عليه وآله) في حياته لم يكن محدد المعالم،
ولا محفوظ الأصول، لأنه لم يكتب في عهده صلوات الله عليه كما كتب القرآن، ولا
كتبه صحابته من بعده، وأن في استطاعة كل ذي هوى أو دخلة سيئة، أن يدس
إليه بالافتراء، ويسطوا عليه بالكذب.
ويسر لهم كيدهم أن يجدوا الصحابة يرجعون إليهم في معرفة ما لا يعلمون
من أمور العالم الماضية.
قال ابن الجوزي: لما لم يستطع أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ
أقوام يزيدون في الحديث ما لم يقل (1).
... وبواسطة كعب وابن منبه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسربت إلى
الحديث طائفة من أقاصيص التلمود (الإسرائيليات)، وما لبثت هذه الروايات أن



(1) كتاب أضواء على السنة المحمدية 149، تاريخ ابن عساكر 2 / 14.
343
أصبحت جزءا من الأخبار الدينية والتاريخية.
قال محمود أبو رية عالم الأزهر: إن كعب الأحبار هو الصهيوني الأول (1).
والحاصل كذبه رشيد رضا وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود
وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وابن عساكر ومعاوية وابن كثير وابن
خلدون وكذبة أيضا علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند افتراء كعب على الكوفة وأهلها،
وكذبه عثمان في قضية افترائه على أهل المشرق وكذبه عمر في قضية جلوس الله
على قبة الصخرة في الهواء (2).
وبعد ما جعل عثمان كعبا مشاورا مقربا له أخذ يتدخل في شؤون الناس
والدولة، فقال له أبو ذر الغفاري في مجلس عثمان: يا ابن اليهودية ما أنت وما
ها هنا؟ وقال لعثمان: والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك: والله لا يسمع أحد من
اليهود إلا فتنوه (3).
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبي ذر: ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء من
ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر (4).
وعندما مدح كعب ابن عوف على عظم الأموال التي خلفها قال أبو ذر: ما
يدريك يا ابن اليهودية ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة أن لو كان عقارب



(1) مجلة الرسالة العدد 656، وقد مات كعب الأحبار في حمص ودفن فيها ولكنهم في مصر قد جعلوا له
قبة عالية يزورها الناس ويتبركون بها وهذه القبة قائمة بمسجد كبير في شارع الناصرية في القاهرة
تنفق عليه وزارة الأوقاف من أموالها.
وقد هيأ كعب الأرضية لحياته وقد يكون لموته أيضا فقد انتشر ببركته حديث هذا لفظه: ليبعثن الله
من مدينة بالشام يقال لها حمص سبعين ألفا يوم القيامة لا حساب عليهم ولا عذاب. ومن العجيب أنهم
أسندوا هذا الحديث إلى عمر (كتاب الجامع الصغير للسيوطي ج 2).
(2) تاريخ الطبري 3 / 160، تنبيه الخواطر، الأمير ورام 2 / 5 - 6.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 28 / 299.
(4) مختصر تاريخ ابن عساكر، ابن منظور 28 / 291.
344
تلسع السويداء من قلبه (1).
وقال أهل المدينة عن عبد الله بن سلام: كذب اليهودي كذب اليهود (2).
أسرار خطيرة: تدخل كعب في انتخاب خلفاء المسلمين
لقد تدخل كعب في شؤون الخليفة عمر السياسية والدينية ووضع أحاديث
كثيرة كاذبة في حقه لجذبه إلى جنبه وإعلاء شأنه في سبيل تمرير مخططاته الخطيرة.
ومن أحاديثه: أن الحق سبحانه أول من يصافح عمر يوم القيامة. وأنه
محدث وغير ذلك من أباطيل يهودية.
إن كعب الأحبار لم يعلن إسلامه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) بالرغم من كل البراهين
وأعلن إسلامه في زمن عمر ليس حبا في الإسلام بل استغلالا لفرصة متاحة. إن
كعبا الذي جسم الله سبحانه وافترى على الأنبياء ووصمهم بالخطيئة من المستبعد
أن يكون محبا للمؤمنين.
وإن كعب الأحبار الذي سعى بكل قدراته لتمجيد أفكار اليهودية وتحطيم
الشريعة الإسلامية من الطبيعي أن يكون عدوا للمسلمين. وعداء كعب لله
سبحانه ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين بين جدا. وأشهر دليل على ذلك حبه لمعاوية
وكرهه لعلي (عليه السلام)، وكذبه في الحديث النبوي.
إن تدخل كعب في شؤون الخليفة عمر واضح ومعروف فلقد أصبح
مستشارا له في الشؤون الدينية والسياسية يسأله الخليفة عن الجنة والنار وعن
المستقبل وعن شروط الخليفة ومن يكون ورأيه في علي (عليه السلام) وغير ذلك. فذهب
عمر إلى الشام بنصيحة كعب وامتنع عن زيارة العراق بإشارته.



(1) طبقات ابن سعد 4 / 232، حلية الأولياء 1 / 160، تاريخ الطبري 5 / 2860، تاريخ ابن شبة 3 / 1037.
(2) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 3 / 1184.
345
وتدخل كعب في شؤون الخلفاء والقيادات من ناحية إيجابية وسلبية.
فلقد تدخل بصورة سلبية محضة ضد الإمام علي (عليه السلام) خوفا من وصوله إلى
السلطة، وتدخل بصورة إيجابية محضة في صالح معاوية. وستأتيك النصوص
وتدخل في إدارة الدولة زمن عثمان (1).
اطلاع كعب على وصية عمر لعثمان
من الأمور الخطيرة الحاصلة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي وصول أناس إلى
قلب السلطة الإسلامية من أمثال كعب الأحبار. ولقد تمكن كعب بدهائه وعمله
الدؤوب من الاطلاع على أسرار الدولة والاستفادة من ذلك في سبيل دعم مصالح
اليهود وأهدافهم. وبعد التحقيق في الأوضاع السائدة في ذلك الزمن تأكد لي معرفة
كعب بخطوط الدولة الإسلامية ونقاط ضعفها وقوتها.
فلقد عرف كعب كل ما يتعلق ببني هاشم وبني أمية ورجالهما وأفكار
المسؤولين في الدولة وتوجهات عمر وخططه ورغباته وأسراره.
خاصة وأنه قد عاشره فترة غير قصيرة وسافر معه في رحلة طويلة إلى
الشام، واطلع كعب على علوم الغيب للنبي (صلى الله عليه وآله) في مقتل الخلفاء وحكم بني أمية.
وإليك حديث كعب ثم حديث عمر والحديثان متفقان في المعنى: قال عمر بن
الخطاب لكعب الأحبار: كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرنا من حديد،
قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم
مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة، قال: ثم مه قال: ثم يكون
البلاء (2).



(1) مختصر تاريخ دمشق 28 / 299.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي 121.
346
ومن أدلة معرفة كعب بخلافة عثمان لعمر قوله: نجده (أمر الخلافة) ينتقل
بعد صاحب الشريعة والاثنين من أصحابه إلى أعدائه (1) ويعترف كعب هنا بأن
بني أمية قاطبة أعداء النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو يدعمهم.
وقد قال الخليفة عمر لعثمان قبل موته: هيهات إليك كأني بك قد قلدتك
قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس،
وآثرتهم بالفئ، فسارت إليك عصابة من ذئبان (ذؤبان) العرب فذبحوك على
فراشك، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن، ثم أخذ بناصيته فقال: فإذا
كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن (2).
فكعب أخذ فكرة ثورة الناس على عثمان من عمر الذي عاصر عثمان لفترة
طويلة، وعرف أعماله مع بني أمية من أمثال الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن أبي
سرح وغيرهم في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وزمن أبي بكر.
ومن الطبيعي أن يزداد جنوح عثمان نحو بني أمية بعد توليه الخلافة لأنه فعل
أفعالا عجيبة معهم والرسول (صلى الله عليه وآله) حاضر، فكيف يكون الأمر بعد وفاة
الرسول (صلى الله عليه وآله).
إن معرفة كعب بتولي عثمان للخلافة من بعد عمر وفراسة عمر فيه يعتبر من
الأسرار الخطيرة للدولة.
واطلاع كعب على مثل هذه الأسرار يبين وجود علاقة متينة بين عمر
وكعب. وبتعبير آخر يبين انضمام كعب إلى جماعة الحكومة والحزب القرشي.
إن مسألة حب عثمان لبني أمية معروفة للصحابة، وخطورة هذه الأعمال



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 115.
(2) كتاب السفيانية لأبي عثمان، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 62، 1 / 185، وكتاب الإمام علي
(عليه السلام) لعبد الفتاح عبد المقصود 1 / 310.
347
واضحة، لأن المسلمين يعيشون في العصر الإسلامي الأول، وفي فترة قريبة من
زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهذا يعني أنهم سيثورون على أي منهج يخالف أطروحة
النبي (صلى الله عليه وآله)، ولأجل ذلك فقد عرف ذلك عمر والعباس وغيره.
فقد قال العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله) بعد معرفته بوصول عثمان إلى الخلافة من
خلال مجلس عمر السداسي: وأيم الله لا يناله (الحكم) إلا بشر لا ينفع معه خير (1).
وقد عرف كعب الأحبار بخطورة بني أمية على الإسلام من خلال الآيات
والأحاديث النازلة في حقهم. فقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): " رأيت بني أمية على منابر
الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء ".
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ومال الله
نحلا وكتاب الله دغلا (2). وأنزل الله سبحانه: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة
للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} (3).
وأخرج الطبري والقرطبي أنه لما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني أمية ينزون على
منبره نزو القردة ساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات (صلى الله عليه وآله). وبسبب ذلك دعم
كعب الكفر الأموي بكل قوة فرشح معاوية للخلافة.
وفي الموضوع التالي ترى ما قاله كعب في الإمام علي (عليه السلام) وفي معاوية ومما
يبين معرفة كعب بتطلعات الصحابة وأفكارهم وماضيهم وأهدافهم.
ومن دلائل إصرار عمر المسبق على تولية عثمان بعده ما ذكره عمر بن شبة
أنه سأل أسقفا: كيف تجد الذي بعدي؟ قال: خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته.
قال: يرحم الله عثمان ثلاثا (4) فعرف الناس برغبته في عثمان.



(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 68.
(2) مستدرك الصحيحين 4 / 479، كنز العمال 6 / 39.
(3) الإسراء: 60.
(4) تاريخ المدينة المنورة 3 / 1079.
348
كعب نصح عمر بعدم تولية علي (عليه السلام)
وعن ابن عباس قال: تبرم عمر بالخلافة في آخر أيامه وخاف العجز
وضجر من سياسة الرعية، فكان لا يزال يدعو الله بأن يتوفاه، فقال لكعب
الأحبار يوما وأنا عنده: إني قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر، وأظن
وفاتي قد دنت، فما تقول في علي؟ أشر علي في رأيك، واذكرني ما تجدونه عندكم،
فإنكم تزعمون أن أمرنا هذا مسطور في كتبكم، فقال: أما من طريق الرأي فإنه لا
يصلح رجل متين الدين لا يفضي على عورة ولا يحلم عن زلة ولا يعمل باجتهاد
رأيه. وليس هذا من سياسة الرعية في شئ، وأما ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي
الأمر ولا ولده وإن وليه كان هرج شديد.
قال: وكيف ذاك؟
قال: لأنه أراق الدماء ومن أراق الدماء لا يلي الملك.
إن داود لما أراد أن يبني حيطان بيت المقدس، أوحى الله إليه أنك لا تبنيه،
لأنك أرقت الدماء وإنما يبنيه سليمان.
فقال عمر: أليس بحق أراقها؟
قال كعب: داود بحق أراقها يا أمير المؤمنين.
قال: فإلى من يفضي الأمر تجدونه عندكم.
قال: نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والاثنين من أصحابه إلى أعدائه
الذين حاربوه وحاربهم على الدين (1). في هذا النص يشير كعب إلى خلافة عثمان
ومعاوية لعمر. واصفا إياهم بأعداء الدين وقد بلغ الكيد اليهودي أنه صرح بعدم
وجود حظ لعلي (عليه السلام) في الخلافة استنادا إلى التوراة، وعدم صلاحيته لأنه متين



(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 115.
349
الدين! ثم دافع كعب عن دماء كفار قريش، ولم يصرح بحق علي (عليه السلام) في قتل هؤلاء
الكفار أم لا؟ مما يبين دفاعه عنهم وأفصح كعب عن معرفته بخطة حزب قريش في
منع استقرار حكومة علي بن أبي طالب (عليه السلام) قائلا: وإن وليه كان هرج شديد.
وفعلا عملوا حربي الجمل وصفين وتسببوا في حرب النهروان!
ولقد حقد كعب على علي (عليه السلام) لإراقته دماء اليهود في خيبر فأصبح في نظر
كعب غير صالح لخلافة المسلمين! بينما حقد معاوية وطلقاء مكة على علي (عليه السلام)
لإراقته دماء طغاة قريش! فأصبح ثأر اليهود والكفار متمثلا في علي (عليه السلام).
ثم أشار كعب إلى وجود حظ لمعاوية في الخلافة، فقد روى وكيع عن
الأعمش عن أبي صالح أن الحادي كان يحدو بعثمان قائلا:
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلق رضي
فقال كعب الأحبار: بل هو صاحب البغلة الشهباء يعني معاوية، فبلغ ذلك
معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق أتقول هذا وها هنا علي والزبير وأصحاب
محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أنت صاحبها (1). ولعله أردف ذلك بقوله له: إني وجدت ذلك في
الكتاب الأول!!
وفي هذين الحديثين عدة أمور مهمة، منها اعتماد عمر على مشورة كعب في
القضايا الخطيرة ومنها الخلافة.
وواضح من سؤال عمر أنه يريد جوابا من الكتب اليهودية لاعتقاده بها.
وهذا يثبت أن عمر ما زال معتمدا على صحة هذه الكتب قبل إسلامه وبعده،
بالرغم مما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) من كذب هذه الكتب وتزويرها بواسطة اليهود
وقوله (صلى الله عليه وآله) لعمر: يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى،



(1) رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم للمقريزي 51، الكامل في التاريخ، ابن الأثير
3 / 156.
350
وذلك ردا على قول عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد
أخذت بقلوبنا (1).
والنقطة المهمة الأخرى هي إجابة كعب من عند نفسه وتصوير ذلك بأنه من
الكتب المقدسة؟ والعجيب هو اعتقاد عمر بوجود أخبار المستقبل والغيب في تلك
الكتب المقدسة وبصورة كاملة وشاملة.
واعتقاد عمر المنقطع النظير بكتب اليهود وأخبارهم يثبت لنا معرفة عمر
قبل البعثة وبعدها بقرب ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في جزيرة العرب وانتصاره هناك.
ووظف كعب اعتقاد عمر بالكتب المقدسة تلك وإخباراته في دفع السلطة عن
علي (عليه السلام) وتوجيهها إلى معاوية! والسيطرة على مرجعية المسلمين السياسية
والدينية.
وتشبيه كعب لعلي (عليه السلام) بالنبي داود يثبت اعتقاده بمنزلة علي (عليه السلام) الإلهية كما
قال الله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا..} (2).
وقد عمل كعب الداهية في عدة محاور: المحور الأول تهيئة الخلافة لمعاوية
وتفضيل الشام على غيرها، المحور الثاني: نقل اليهود إلى فلسطين، المحور الثالث:
تفضيل بيت المقدس والصخرة على غيرها، المحور الرابع: طمس تراث المسلمين
ونشر تراث اليهود.
رشح كعب معاوية للخلافة
أطلق كعب العنان لنفسه كي يثبت ما شاء من الخرافات والإسرائيليات التي
تشوه بهاء الدين، يعاونه في ذلك تلاميذه الكبار أمثال: عبد الله بن عمرو بن



(1) أسباب النزول، السيوطي 1 / 21.
(2) النمل: 14.
351
العاص وعبد الله بن عمر وأبو هريرة.
" ولما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان واشتد زفيرها حتى التهمت عثمان
فقتلته وهو في بيته، لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمر دون أن يهتبلها، بل
أسرع ينفخ في نارها ويسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وقد
كان من كيده في هذه الفتنة أن أرهص بيهوديته بأن الخلافة بعد عثمان ستكون
لمعاوية، فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح: أن الحادي كان يحدو بعثمان
يقول:
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلق رضي
فقال كعب الأحبار: بل هو صاحب البغلة الشهباء (يعني معاوية) وكان
يراه يركب بغلة. فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق ما تقول هذا! وها هنا
علي والزبير وأصحاب محمد قال: أنت صاحبها. ولعلة أردف ذلك بقوله: إني
وجدت ذلك في الكتاب الأول (1). وقال كعب: إن ملك النبي محمد في الشام حين
قال: ومهاجره طيبة وملكه بالشام (2).
وقد روى كعب ما يؤمن به لمصلحة اليهود قائلا: أهل الشام سيف من
سيوف الله، ينتقم الله بهم ممن عصاه.
وبمدح كعب لمعاوية وجنده وبلد حكمه وترشيحه إياه للخلافة قبل أن
يرشح معاوية نفسه لها، يكون كعب هو المفكر والعقل المدبر وفقيه الحزب القرشي
والأموي.
وظاهر الأمر أن كعبا هو الذي أقنع عمر بأهلية معاوية للخلافة، لذلك ولما



(1) أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية، رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم
للمقريزي 51.
(2) رواه الدارمي.
352
سافر عمر مع كعب إلى الشام وصف عمر معاوية بكسرى العرب.
فقد روى كعب وعبد الله بن سلام عن التوراة: في السطر الأول:
محمد رسول الله عبده المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق، ولا
يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة، وملكه
بالشام (1). وهكذا صور كعب وابن سلام حكم معاوية حكما للنبي (صلى الله عليه وآله)؟!
ولما أصبحت المرجعية الدينية عند كعب الأحبار لقوله: " ما من شئ إلا
وهو مكتوب في التوراة " وإيمان عمر بها، فقد أخذ معاوية يسأله عن كل مسألة
دينية وغيرها تأتي على ذهنه كما كان يفعل عمر:
فقد سأله عن النيل: هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال كعب: أي
والذي فلق البحر لموسى (عليه السلام) (2).
وسأل معاوية من مرجعه الديني كعب الأحبار: يا أبا إسحاق: أخبرني عن
كرسي سليمان بن داود وما كان عليه ومن أين هو؟ فأجابه بخرافات عجيبة (3).
كعب رفع مكانة تلاميذه
لقد تمكن كعب من استغلال فرصة وجوده في المدينة المنورة فربى
مجموعة من التلاميذ منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن
عمر (4).
وبدأ كعب في السعي لرفع مكانة تلاميذه ساعيا إلى مساعدتهم في نشر



(1) سنن الدارمي.
(2) النجوم الزاهرة 1 / 33.
(3) يراجع تفاسير الفخر الرازي والطبري وأبي السعود والنيسابوري على هامش تفسير الطبري 3 / 87.
(4) تفسير ابن كثير 3 / 104، ص 105.
353
أحاديثه بين المسلمين. فقال كعب عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنت أفقه
العرب. ودعا الناس للسؤال من عبد الله بن عمرو، ولما أجابهم الأخير، قال كعب
عنه: صدق الرجل عالم والله! (1)
ومدح كعب الأحبار أبا هريرة فقال: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما
فيها من أبي هريرة (2). وهذا اعتراف واضح من كعب بكذب تلميذه.
وقد انتشرت أحاديث كعب في كتب تاريخ وتفسير الطبري وتفسير الدر
المنثور، وفي كتب كثيرة أخرى.
وقد ساء التدوين إلى درجة خطيرة تمثلت في أخذ الصحابة عن التابعين،
مثل أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار.
وقد قال السيوطي في ألفيته في باب رواية الأكابر عن الأصاغر، والصحابة
عن التابعين (3).
وقد روى الكبار عن صغار * في السن أو في العلم والمقدار
ومنه أخذ الصحب من أتباع * وتابع عن تابع الأتباع
كالجبر عن كعب وكالزهري * عن مالك ويحيى الأنصاري
وقد سعى أبو هريرة وغيره لإلصاق أحاديث كعب بالنبي (صلى الله عليه وآله) في عملية
تدليس خطيرة، وقال ابن كثير في تفسيره بعد أن أورد حديثا عن أبي هريرة: لعل
أبا هريرة تلقاه عن كعب الأحبار، فإنه كان كثيرا ما يجالسه ويحدثه، فحدث أبو
هريرة، فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه، والله أعلم (4).



(1) تاريخ الطبري 1 / 402 الطبعة الثانية بتحقيق أبي الفضل إبراهيم، تفسير الطبري 23 / 55 طبعة بولاق
1 / 115، الإصابة 3 / 299، الإصابة 3 / 298، تهذيب التهذيب الجلد الأخير، البداية والنهاية 8 / 103.
(2) تاريخ الذهبي. تذكرة الحفاظ 1 / 36، الإصابة 4 / 206.
(3) السيوطي في ألفيته، 237، 238.
(4) تفسير ابن كثير 3 / 104، 105.
354
وقد ذكر الذهبي: سمعت شعبة بن الحجاج يقول: كان أبو هريرة يدلس (1)
وما ذكرناه مصداق لقول الإمام علي (عليه السلام): إن أبا هريرة أكذب الناس، أو أكذب
الأحياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وقال عبد الله بن عمر عنه: كذب أبو هريرة (3).
وقالت عنه عائشة: " رحم الله أبا هريرة لقد كان رجلا مهذارا " (4).
وجاء في كتاب البداية والنهاية عن مسلم بن حجاج قال: اتقوا الله وتحفظوا
في الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
ويحدث عن كعب الأحبار، ثم يقوم فاسمع بعض من كان معنا: يجعل حديث
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). وفي لفظ يجعل ما قاله
كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في
الحديث (5).
نظرية كعب: اتباع منهج المصلحة والابتعاد عن النص
قال كعب للخليفة عمر: إنه لا يصلح رجل (للخلافة) لا يعمل باجتهاد
رأيه (6). وقال كعب في نفس ذلك النص: " لا يصلح رجل (للخلافة) لا يحلم عن
زلة ". مثلا رجل ارتكب الزنا أو القتل أو السرقة. وتركه في رأي كعب يعني
الحلم. وهكذا طلب كعب من المسلمين ترك النصوص الإلهية كما فعلت اليهود؟



(1) سير أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 438، البداية والنهاية، ابن كثير ص 8.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 360.
(3) جامع بيان العلم 2 / 154.
(4) الأحكام، الآمدي 2 / 106.
(5) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 109.
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 115.
355
والاعتذار عن ذلك بسياسة الرعية!
ووفق نظرية كعب يكون الإمام علي (عليه السلام) غير صالح للخلافة في حين يكون
ابن هند ويزيد ومروان صالحين لها!
وبفعل تأثير كعب على الخليفة عمر، ودهاء ابن الأحبار في تهيئة نظرية
دينية للخلفاء، فقد صرح عمر وفعل ما لم يفعله أبو بكر من مثل قوله: متعتان
كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحرمهما وأعاقب عليهما. وقوله في صلاة التراويح
نعمت البدعة، وجعل تكبيرات صلاة الميت أربعا بدل خمس ومنعه زكاة المؤلفة
قلوبهم وقد أطلق الخلفاء اسم الاجتهاد على أعمالهم المخالفة للنصوص الإلهية
والنبوية.
نظرية المصلحة واعتماد الرأي
لقد أوجب الله سبحانه وتعالى نظرية التعبد بالنص الشرعي، وفرضها على
المسلمين ولم يستثن منها النبي محمدا (صلى الله عليه وآله) فوصفه قائلا: {إن هو إلا وحي يوحى} (1)
وقال تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه
الوتين} (2) و {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي} (3).
قال الأستاذ خالد محمد المصري في كتابه (الديمقراطية): ترك عمر بن
الخطاب النصوص الدينية المقدسة من القرآن والسنة، عندما دعته المصلحة
لذلك، فبينما يقيم القرآن للمؤلفة قلوبهم حظا من الزكاة، ويؤديه الرسول وأبو
بكر، يأتي عمر فيقول: لا نعطي على الإسلام شيئا، وبينما يجيز الرسول وأبو بكر



(1) النجم، 4.
(2) الحاقة، 44 - 46.
(3) الأعراف، 203.
356
بيع أمهات الأولاد، يأتي عمر فيحرم بيعهن، وبينما الطلاق الثلاث في مجلس واحد
يقع واحدا، بحكم السنة والإجماع، جاء عمر فترك السنة وحطم الإجماع (1).
وهذا النص واضح في مخالفة عمر للنصوص الإلهية في أزمنة وأمكنة
مختلفة.
وعن حفص بن عمر، قال: كان عمر بن الخطاب إذا كثر عليه
الخصوم، صرفهم إلى زيد، فلقي رجلا ممن صرفه إلى زيد، فقال له (عمر): ما
صنعت؟
قال: قضي علي يا أمير المؤمنين؟
قال: لو كنت أنا لقضيت لك.
قال: فما يمنعك وأنت ولي الأمر؟
قال (عمر): لو كنت أردك إلى كتاب الله، وسنة نبيه فعلت، ولكني إنما أردك
إلى رأيي، والرأي مشير.
لذلك خالف عمر مبادئ صلح الحديبية.
ولم يرض عمر بصلاة النبي (صلى الله عليه وآله) على ابن أبي. وعصى أبو بكر وعمر
أوامر النبي (صلى الله عليه وآله) بالانخراط في حملة أسامة بن زيد. وخالف أبو بكر وعمر طلب
النبي (صلى الله عليه وآله) بالمجئ بصحيفة ودواة لكتابة وصيته في يوم الخميس، وقالا: النبي (صلى الله عليه وآله)
يهجر؟!
ولما قال النبي (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي في
يوم الخميس قالا: حسبنا كتاب الله (2).
أي أن الله سبحانه ورسوله يريدان كتاب الله وأهل البيت (عليهم السلام)، وعصبة



(1) الديمقراطية 150.
(2) صحيح البخاري 1 / 37، الصواعق المحرقة، ابن حجر العسقلاني 9 / 124، ح 40 طبع مكتبة القاهرة
وأخرجه الحاكم في مستدرك الصحيحين وأخرجه الذهبي في تلخيصه.
357
قريش تريد كتاب الله فقط؟!
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد
من عاداه، بينما بايع عمر لأبي بكر.
وقد اعترف الخليفة عمر بذلك في أكثر من مناسبة أي بمخالفة النصوص
الإلهية فقال: لقد أرادك الحق يا أبا الحسن، ولكن قومك أبوا (1). ويقصد عمر
بقومك رجال قريش وهو منهم.
وعمر يصدق في ذلك، لأن طلقاء قريش لم يكونوا مع علي بن أبي
طالب (عليه السلام)، ومثلما بايع عمر لأبي بكر، فقد أوصى لعثمان من بعده طبقا لاتفاق
قبائل قريش في تناوب السلطة!
ورأى عمر أن المتعة ليست على ذوقه فمحاها، ورأى أن تكبيرات صلاة
الميت لو كانت أربعا أفضل من خمس فأمضاها.
ورأى الخليفة أن صلاة التراويح بشكل جماعي تروق له فقررها!!
وشاهد عمر موكب معاوية فخما، وصاحبه داهية، وابن أبي سفيان
فاستثناه من أمره بمنع المواكب المجللة.
ورأى عمر أن قريشا تليق للخلافة فقط دون غيرها، فأجرى ذلك الأمر
ومنع باقي المسلمين من الخلافة.
ومنع عمر قول حي على خير العمل من الصلاة، لاعتقاده بأنها تثبط عن
الجهاد، فقال: ثلاث كن على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن،
وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل (2).
ومنع عمر الصلاة تيمما، فلو فقد الماء فلا صلاة، والمصلحة في نظره هي إنه



(1) تاريخ الإسلام السياسي 1 / 273.
(2) شرح التجريد، القوشجي، أواخر مبحث الإمامة وهو من أئمة الأشاعرة.
358
لو رخص لهم في التيمم، لرخصوا التيمم مع برد الماء (1).
وقد دعا كعب الأحبار للابتعاد عن النصوص الدينية، والتوجه نحو
الاجتهاد الشخصي، إذ قال: " إنه لا يصلح رجل (للخلافة) لا يعمل باجتهاد
رأيه " (2). بينما قال الإمام علي (عليه السلام): فلا رأي في الدين، إنما هو أمر الرب ونهيه (3).
فيكون كعب وعمر يتفقان في الاعتماد على الرأي الشخصي، ولو في مقابل
النصوص الدينية، لمصلحة أو دونها. ومخالفة عمر للنصوص واضحة إذ طلب من
أبي بكر عزل أسامة من وظيفته التي نصبه النبي (صلى الله عليه وآله) فيها فقال له أبو بكر: ثكلتك
أمك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرني أن أعزله (4).
ومخالفة أبي بكر للنصوص كثيرة، إذ دعا المسلمون لقتل خالد بن الوليد بعد
قتله مالك بن نويرة وأصحابه وزناه بزوجة مالك فقال أبو بكر اجتهد فأخطأ.
وكذب أبو بكر وعمر فاطمة (عليها السلام) في قضية فدك وإغضابها بينما قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب
الله (5).
ولكن النبي محمدا (صلى الله عليه وآله)، وهو رسول الله، وخاتم الأنبياء، لم يتبع هذه
النظرية، بل سار على النصوص الإلهية، والأوامر ربانية، كما قال الله عز وجل:
{إن هو إلا وحي يوحى} (6) وقوله تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه



(1) راجع سنن أبي داود 1 / 81، صحيح البخاري 1 / 73، سنن النسائي 1 / 169، مسند أحمد 4 / 320.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 115.
(3) كتاب بحار الأنوار 29 / 423 خطبة الإمام علي (عليه السلام) بعد فتح البصرة.
(4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 335.
(5) مستدرك الصحيحين 3 / 153، ميزان الاعتدال 2 / 72، الإصابة 4 / 378، تهذيب التهذيب 12 / 69،
تذكرة الخواص ص 310.
(6) النجم، 4.
359
باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} (1) وقوله تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك} (2).
وهكذا يتوضح الفرق بين أصحاب نظرية النص الإلهي، وبين أصحاب
نظرية المصلحة.
أحاديث كعب
انتشرت أحاديث كعب بين المسلمين ولكن ليس باسم أحاديث يهودية بل
باسم أحاديث نبوية؟!! وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله) بتبعية بعض المسلمين لليهود قائلا:
لتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى (3).
ومن هذه الأحاديث الكاذبة ما رواه البزار عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة! فقال الحسن وما ذنبهما؟ فقال:
أحدثك عن رسول الله، وتقول ما ذنبهما؟ (4)
وهذا الكلام نفسه قد قاله كعب بنصه، فقد روى أبو يعلى الموصلي، قال
كعب: يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم
يراهما من عبدهما (5). وكيف لا يحدث هذا وقد أصبح كعب معلما للمسلمين
يعلمهم الحديث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
وروى الحاكم في المستدرك والطبراني - ورجاله رجال الصحيح - عن أبي
هريرة: أن النبي قال: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه



(1) الحاقة، 44 - 46.
(2) الأنعام، 106.
(3) كنز العمال 1 / 201، 1 / 370، مجمع الزوائد 8 / 262، مسند أحمد 3 / 387.
(4) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، 216.
(5) حياة الحيوان الكبرى، الدميري ص 222.
360
مثبتة تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظم شأنك! قال: فيرد عليه ما يعلم
ذلك من حلف بي كاذبا (1).
وروى مسلم عن أبي هريرة: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدي، فقال خلق الله
التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق
المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس
وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق من آخر ساعة
من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.
وقد روى هذا الحديث أحمد والنسائي عن أبي هريرة! وقد قال البخاري
وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار، لأنه
يخالف نص القرآن في أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام. ومن العجيب أن
أبا هريرة قد صرح في هذا الحديث بسماعه من النبي (صلى الله عليه وآله) وأنه (صلى الله عليه وآله) قد أخذ بيده
حين حدثه به. وإني لأتحدى الذين يزعمون أنهم على شئ من علم الحديث
عندنا، وجميع من هم على شاكلتهم في غير بلادنا أن يحلوا لنا هذا المشكل (2).
ومن أحاديث كعب التي رواها تلميذه أبو هريرة ما فيه إهانة للنبي (صلى الله عليه وآله)
ومدح لموسى (عليه السلام) وهو ما خطط له كعب. إذ جاء في كتاب صحيح البخاري: استب
رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال المسلم: والذي اصطفى محمدا
على العالمين، فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده
عند ذلك فلطم وجه اليهودي. فذهب اليهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره بما كان من
أمره وأمر المسلم، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) المسلم فسأله عن ذلك فأخبره، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):
لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول



(1) أضواء على السنة المحمدية، 216.
(2) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية، 217.
361
من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق
قبلي أو كان ممن استثنى الله (1).
وكان كعب مؤسس ومنفذ برنامج الحديث الموضوع المعارض للنبي (صلى الله عليه وآله)
وباقي الأنبياء والقرآن، وقد نشر البخاري حديثا موضوعا آخر لكعب فيه إساءة
للنبي (صلى الله عليه وآله) إذ روى قال (صلى الله عليه وآله): لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم
القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ (بيدي) (2).
وقد أشاع اليهود أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتعلم من التوراة والإنجيل في غار حراء.
ونشروا في كتابهم الذي يسمونه بالكتاب المقدس! أن بعض الأنبياء ارتكبوا
الزنا (3).
ومن أحاديث كعب الكاذبة قوله: ما من شبر في الأرض إلا وهو مكتوب
في التوراة التي أنزل على نبيه موسى (عليه السلام) ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم
القيامة (4). وعبر هذا الحديث وأمثاله غش كعب بعض الناس، حتى بدأوا
يسألونه عن كل أمر معضل وعن كل قضية مغيبة!
ومن أحاديث كعب ما رواه عبد الله بن عمر: أن أمة محمد ثلاثة أثلاث،
فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون
الجنة، وثلث يدخلون الجنة بشفاعة أحمد (5).
يريد كعب أن يدعوا أمة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الفجور والفسوق ما داموا يدخلون
الجنة بغير حساب ولا عتاب شأنهم في ذلك شأن اليهود الذين حصلوا على



(1) صحيح البخاري 3 / 254، كتاب الخصومات.
(2) صحيح البخاري 4 / 186، 212.
(3) الكتاب الثاني لصموئيل، الإصحاح.
(4) رواه الطبري والبيهقي في الدلائل، الإستيعاب، ابن عبد البر 2 / 533.
(5) ضحى الإسلام 2 / 97.
362
بطاقات الجنة من أساتذة كعب!
وقال الدكتور أحمد أمين: اتصل بعض الصحابة بوهب بن منبه وكعب
الأحبار وعبد الله بن سلام، واتصل التابعون بابن جريج وهؤلاء كانت لهم
معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل وشروحها وحواشيها، فلم ير المسلمون
بأسا من أن يقصوها بجانب آيات القرآن فكانت منبعا من منابع التضخم (1).
وروى كعب من مفترياته عن صفة النبي (صلى الله عليه وآله) في التوراة قال: في السطر
الأول محمد رسول الله عبده المختار مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام (2).
وقد روى رفيق كعب عبد الله بن سلام حديثا مشابها لذلك (3). وهكذا هيأ
كعب وابن سلام الأرضية لحكومة الشام الأموية مقدمة لإعادة حكومة اليهود في
فلسطين؟!
وقال كعب: أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) في الكتب السالفة: محمد وأحمد وحمياط (أي
حامي الحرم) (4). وذكر ابن كثير: لما أسلم كعب في الدولة العمرية، جعل يحدث
عمر (رضي الله عنه) فربما استمع له عمر، فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده من
غث وسمين (5).
وكتب محمود أبو رية قائلا: ولكن لم يلبث عمر أن فطن لكيده، وتبين
له سوء دخلته، فنهاه عن الحديث، وتوعده إن لم يترك الحديث عن الأول
أو ليلحقنه بأرض القردة (6).



(1) ضحى الإسلام 2 / 139.
(2) رواه الدارمي.
(3) سنن الترمذي، فتح الباري 4 / 274.
(4) كتاب المغرب، الجواليقي، 123.
(5) تفسير ابن كثير 4 / 17.
(6) أضواء على السنة المحمدية، 157.
363
والحقيقة أن عمر قد منع كعبا من قول الحديث النبوي، ولم يمنعه من ذكر ما
في الكتب السالفة، فالممنوع عند عمر هو الحديث المحمدي قولا وتدوينا. وهذا
القرار بالمنع قد اتخذه عمر وأبو بكر في زمن خلافة أبي بكر وسارا عليه، وتبعهما
عثمان. وقد تعجب معاوية من أحاديث كعب الخيالية قائلا: أنت تقول: إن ذا
القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال كعب: إن قلت ذلك فإن الله، قال: وآتيناه من
كل شئ سببا.
قال ابن كثير في تفسيره (1) والذي أنكره معاوية على كعب هو الصواب،
والحق مع معاوية في ذلك الإنكار، فإن معاوية كان يقول عن كعب: إنا كنا لنبلوا
عليه الكذب.
وذكر القرطبي عن خالد بن معدان عن كعب، أنه قال: لما خلق الله تعالى
العرش قال: لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم مني، واهتز تعاظما، فطوقه الله بحية لها
سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف
وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان، يخرج من أفواهها
كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر، وعدد ورق الشجر، وعدد الحصى والثرى،
وعدد أيام الدنيا، وعدد الملائكة أجمعين، والتوت الحية على العرش، فالعرش إلى
نصف الحية، وهي ملتوية عليه، فتواضع عند ذلك (2).
وهكذا صور كعب هذه الترهات لينشغل الناس بها ويتركون التوجه إلى
خلق الله البديع ونظم الكون.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن كعب قال: الأرضون السبع على
صخرة، والصخرة في كف ملك، والملك على جناح الحوت، والحوت في الماء،



(1) تفسير ابن كثير 3 / 101.
(2) تفسير القرطبي، تفسير سورة غافر.
364
والماء على الريح، والريح على الهواء، ريح عقيم لا تلقح، وإن قرونها معلقة في
العرش (1) وهذه الأكاذيب تشابه أكاذيب اليهود في التوراة.
ومن خرافات كعب وأساطيره قوله: إن في الجنة ملكا لو شئت أن
أسميه لسميته، يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ أن خلقه الله إلى يوم
القيامة، لو أبرز قلب منها (أي سوار) لرد شعاع الشمس، كما ترد الشمس شعاع
القمر (2).
وعبر هذه الخرافات أشاع كعب وسلفه الأكاذيب في الديانات
الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، {ويمكرون ويمكر الله والله خير
الماكرين} (3).
أحبار متسترون بالإسلام
وممن تستر بالإسلام من أحبار يهود بني قينقاع وغيرهم سعد بن حنيف،
وزيد بن اللصيت وسلامة بن الحمام ونعمان بن أبي عامر ورافع بن حرملة ومالك
ابن أبي نوفل وداعس وسويد (4)، ونعمان بن أوفى.
وزيد بن اللصيت هو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزعم محمد
أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عدو الله في رحله. وتعاون هؤلاء مع كعب ووهب بن
منبه وعبد الله بن سلام وتميم الداري لهدم الإسلام.



(1) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية، 163.
(2) المصدر السابق، 165.
(3) الأنفال: 30.
(4) مغازي الواقدي 2 / 1059.
365
دراسة الكتب المقدسة والاستفادة منها
روى أحمد عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب أتى النبي (صلى الله عليه وآله)
بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي فغضب وقال:
أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى حيا ما وسعه إلا أن
يتبعني (1).
وفي رواية: فغضب وقال (صلى الله عليه وآله): لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوا أهل
الكتاب عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به.
فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يرفض رفضا باتا الاستماع إلى أهل الكتاب وقراءة كتبهم
إيمانا منه بكذب هؤلاء وافترائهم على الله سبحانه والأنبياء: ودسهم الباطل في
شريعة السماء. وقد دخل مجموعة من رجالات اليهود إلى الإسلام لتشويه صورته
وتخريب بنيته وإفساد معالمه. وعلى رأس هؤلاء كعب الأحبار ووهب بن منبه
وعبد الله بن سلام، فقد سعى هؤلاء إلى إرضاء الخلفاء ونشر قصص الخيال، على
أنه من التوراة. وكان الخليفة عمر يمر على اليهود في المدينة المنورة بعد إسلامه،
ليسألهم عن أمور مختلفة ويحاورهم، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يحب ذلك لمعرفته
بكره اليهود للإسلام والمسلمين، وفساد ديانتهم وكذبهم وافترائهم على الناس.
فكان النبي (صلى الله عليه وآله) يعتقد بعقم الاستفادة من كتبهم وعلومهم لأنها محرفة وكاذبة.
وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يرضى على رجل من المسلمين يغشى اليهود ويدرس
عندهم، فقد جاء في كنز العمال عن الشعبي: نزل عمر بالروحاء، فرأى ناسا
يبتدرون أحجارا فقال: ما هذا؟ فقالوا: يقولون إن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى إلى هذه
الأحجار، فقال: سبحان الله ما كان رسول الله إلا راكبا، مر بواد فحضرت الصلاة



(1) رواه الطبراني في الكبير.
366
فصلى. ثم حدث فقال: إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم، فقالوا: ما من
أصحابك أحد أكرم علينا منك. لأنك تأتينا، قلت وما ذاك إلا إني أعجب من كتب
الله كيف يصدق بعضها بعضا، كيف تصدق التوراة الفرقان والقرآن التوراة، فمر
النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا أكلمهم يوما، فقلت أنشدكم بالله وما تقرأون من كتابه أتعلمون أنه
رسول الله؟ قالوا: نعم. فقلت: هلكتم والله، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه.
فقالوا: لم نهلك. ولكن سألناه من يأتيه بنبوته. فقالوا: عدونا جبريل لأنه ينزل
بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا، فقلت: ومن سلمكم من الملائكة؟
قالوا: ميكائيل، ينزل بالقطر والرحمة وكذا، قلت: وكيف منزلتهما من ربهما؟
قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عن الجانب الآخر فقلت: إنه لا يحل لجبريل أن
يعادي ميكائيل، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل، وإني أشهد أنهما وربهما
سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا.
ثم أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) وأنا أريد أن أخبره فلما لقيته قال: إلا أخبرك بآيات
أنزلت علي؟
فقلت: بلى يا رسول الله.
فقرأ {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل..} حتى بلغ {للكافرين}.
قلت: يا رسول الله، والله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لأخبرك بما قالوا لي
وقلت لهم، فوجدت الله قد سبقني، قال عمر: فلقد رأيتني وأنا أشد في دين الله من
الحجر (1).
فيتوضح من هذا النص أن الله سبحانه أخبر نبيه بحديث عمر مع اليهود،
وأن عمر بن الخطاب كان لوحده يزور اليهود دون باقي المسلمين، مما تسبب في
وقوع عمر في موقف حرج فقال للنبي (صلى الله عليه وآله): والذي بعثك بالحق لقد جئتك وما



(1) كنز العمال للمتقي الهندي، البقرة: 98.
367
أريد إلا أن أخبرك (1).
وفي كنز العمال عن عمر قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تعلم التوراة؟ قال:
لا تتعلمها وتعلموا ما أنزل عليكم وآمنوا به (2).
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قائلا: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
تعلم التوراة فقال: لا تتعلمها وآمن بها، وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا
به.
وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: يا رسول
الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها
(كذا) فقال يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى! أما والذي
نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر
لي الحديث.
وذكر السيوطي: أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة (3).
وعن أبي الدرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق، فتغير وجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال عبد الله بن زيد: أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول
الله (صلى الله عليه وآله)؟! فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما.
فسرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين
أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالا بعيدا، أنتم حظي من الأمم، وأنا
حظكم من النبيين (4).



(1) أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي.
(2) كنز العمال 1 / 370، حديث 1626.
(3) أسباب النزول للسيوطي 1 / 21.
(4) رواه الطبراني في الكبير.
368
وجاء في تذكرة الفقهاء: لا يجوز الوقف على كتب التوراة والإنجيل، لأنهما
منسوخان محرفان، ولا نعلم فيه خلافا، وروى العامة أن رسول الله خرج إلى
المسجد فرأى في يد عمر صحيفة فيها شئ من التوراة، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) لما رأى
الصحيفة مع عمر فقال له: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو
كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي. ولولا أن ذلك معصية لما غضب منه.
وكذا لا يجوز الوقف على كتب الضلال وجميع ما لا يحل كتابته لأنها جهة
محرمة (1).
وقد قال كعب عن توراته المزورة: " ما من شئ إلا وهو مكتوب في
التوراة " (2). والتوراة: كلمة عبرانية ومعناها الشريعة وتطلق عند أهل الكتاب
على خمسة أسفار: الأول سفر التكوين وفيه الكلام عن بدء الخليفة، وأخبار
الأنبياء. والثاني سفر الخروج وفيه تاريخ بني إسرائيل وقصة موسى، والثالث سفر
التثنية، وفيه أحكام الشريعة اليهودية، والرابع سفر اللاويين، واللاويون هم نسل
لاوي أحد أبناء يعقوب وفيه العبادات والمحرمات من الطيور والحيوانات.
والخامس سفر العدد، وفيه إحصاء لقبائل بني إسرائيل وجيوشهم. وهذه الأسفار
الخمسة هي من مجموعة أسفار تبلغ تسعة وثلاثين سفرا.
وقد قال الله تعالى عن التوراة: {وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى
لأولي الألباب} (3). وإسرائيل اسم نبي الله يعقوب وكلمة إسرا: تعني عبد، وايل
تعني الله تعالى فإسرائيل تعني عبد الله. ولكن اليهود الذين حرفوا كلام الله
وشريعته قالوا عن معنى إسرائيل أنه يصارع الله أو يجاهد الله (4). لذا قال الله



(1) تذكرة الفقهاء 2 / 430.
(2) أضواء على السنة المحمدية، أبو رية، 165.
(3) غافر، 53، 54.
(4) التوراة، سفر التكوين، الإصحاح 32 الآية 28.
369
سبحانه وتعالى عن عاقبة اليهود: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن
مواضعه} (1).
وعندما نقرأ التوراة الموجودة حاليا نرى فيها: يعقوب صارع الرب حتى
مطلع الفجر، وضاجع لوط النبي ابنتيه فحملتا منه، وداود النبي اغتصب زوجات
بعد أن قتل أزواجهن. حيث جاء خطاب لداود من الله تعالى: قتلت أوريا بالسيف
وأخذت امرأته. والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، لأنك احتقرتني.
هاءنذا أقيم عليك الشر من بيتك، وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن
لقريب من أقربائك، فيضطجع مع نسائك في عين الشمس، لأنك أنت فعلت
بالسر. وأنا أفعل هذا الأمر - أي الزنا - قدام جميع بني إسرائيل، وقدام
الشمس (2).
فنرى في هذه التوراة فجورا سريا للأنبياء، وعلنيا بأمر رب العالمين،
والعياذ بالله من شر هذا الأفك العظيم. فقال الله تعالى عنهم: {من الذين هادوا
يحرفون الكلم عن مواضعه} (3) وأجمع المحققون على أن هذه التوراة مزورة وغير
حقيقية، قد كتبت بعد زمن موسى بزمن طويل (4).
وعن يهود بني زريق: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق، فتغير وجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عبد الله بن زيد: أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول
الله (صلى الله عليه وآله). فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وبالقرآن



(1) النساء، 46.
(2) سفر صموئيل الثاني الإصحاح 11 و 12 من العهد القديم المحرف بنص القرآن.
(3) النساء: 46.
(4) انظر قاموس الكتاب المقدس، 763، المطبعة الإنجيلية بيروت سنة 1964، وكتاب الأسفار
المقدسة لعبد الواحد وافي ص 16 وما بعدها، طبعة أولى سنة 1964.
370
إماما (1). وعن عائشة أنها قالت: سحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهودي من يهود بني زريق
يقال له لبيد بن الأعصم (2).
وجاء في الدر المنثور: " كنت جالسا عند عمر إذ أتاه رجل من عبد القيس،
فقال له عمر: أنت فلان العبدي؟ قال: نعم، فضربه بقناة معه! فقال الرجل: ما لي
يا أمير المؤمنين؟ قال: اجلس، فجلس فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر،
تلك آيات الكتاب المبين} إلى قوله {لمن الغافلين} (3).. فقرأها عليه ثلاثا،
وضربه ثلاثا! فقال له الرجل مالي يا أمير المؤمنين؟! فقال:
أنت الذي نسخت كتاب دانيال؟ قال مرني بأمرك أتبعه. قال: انطلق فامحه
بالحميم والصوف ثم لا تقرأ ولا تقرأه أحدا من الناس. فلئن بلغني عنك أنك قرأته
أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة.
ثم قال اجلس فجلس بين يديه فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من
أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما هذا في يدك يا
عمر، فقلت: يا رسول الله كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا، فغضب
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى احمرت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت
الأنصار: أغضب نبيكم، السلاح.. فجاءوا حتى قال أحد: قوموا بمنبر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا أيها الذين آمنوا إني قد أوتيت جوامع الكلم، وخواتمه واختصر لي
اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون.
قال عمر (رضي الله عنه) فقمت فقلت رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ثم



(1) رواه الطبراني في الكبير.
(2) صحيح مسلم مجلد 7 / 5.
(3) يوسف: 1 - 3.
371
نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مر
برجل يقرأ كتابا فاستمعه ساعة فاستحسنه، فقال للرجل: أكتب لي من هذا
الكتاب. قال: نعم، فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه، ثم
أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يقرأه عليه، وجعل وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتلون، فضرب
رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أما ترى وجه
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ اليوم، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟! فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند
ذلك: إنما بعثت فاتحا وخاتما وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث
اختصارا، فلا يهلكنكم المتهوكون.
وعن يهود بني قريظة: جاء عمر بن الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول
الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟
قال: فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عبد الله: فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا. قال: فسري
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه
وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين (2). وعن يهود
خيبر قال: انطلقت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أتيت خيبر فوجدت يهوديا يقول
قولا فأعجبني فقلت: هل أنت مكتبي بما تقول؟ قال: نعم، فأتيته بأديم فأخذ يملي
علي، فلما رجعت قلت: يا رسول الله إني لقيت يهوديا يقول قولا لم أسمع مثله
بعدك! فقال: لعلك كتبت منه؟ قلت: نعم، قال: إئتني به فانطلقت فلما أتيته قال:
اجلس اقرأه فقرأت ساعة ونظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون فصرت من الفرق لا



(1) الدر المنثور 4 / 3 - 4، كنز العمال 1 / 370، مجمع الزوائد 1 / 173، لسان الميزان لابن حجر 2 / 408.
(2) مسند أحمد 3 / 469 - 471، سنن الدارمي 1 / 115، أسد الغابة 3 / 126، الدر المنثور 5 / 149.
372
أجيز حرفا منه، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه.
وفي رواية أنه قال: لتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها
بيضاء نقية، لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي (1).
توسل أم مؤمنين باليهود للشفاء
إن تقدم الديانة اليهودية والنصرانية على الديانة الإسلامية في الزمن، قد
جعل بعض المسلمين يستمرون في تأثرهم السابق بهاتين الديانتين اللتين أبطلهما
الإسلام ونسخهما.
ولم يكن التأثر مختصا بالعلوم الدينية والدنيوية، بل شمل مسألة الدعاء
والشفاء ونحوهما، فقد روى مالك بن أنس:
عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل
على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها! فقال أبو بكر: أرقيها بكتاب الله (2).
إن أبا بكر (رضي الله عنه) قبل بفعل عائشة، وسمى التوراة كتاب الله وقد قال الله تعالى
عن التوراة: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} (3)، وأجمع المحققون على
تزوير هذه التوراة (4).
وجاء في كتاب الأم للشافعي باب ما جاء في الرقية. لا بأس أن يرقى الرجل
بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله. قلت أيرقى أهل الكتاب المسلمين؟ قال: غير
حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن



(1) كنز العمال 1 / 201، 1 / 370، مجمع الزوائد 8 / 262، مسند أحمد 3 / 387.
(2) الموطأ، مالك بن أنس 2 / 502.
(3) النساء: 46.
(4) انظر قاموس الكتاب المقدس ص 763، وكتاب الأسفار المقدسة، عبد الواحد وافي ص 16.
373
عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية
ترقيها فقال أبو بكر: أرقيها بكتاب الله. فقلت للشافعي فإنا نكره رقية أهل
الكتاب. فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر، ولا أعلمكم تروون عن غيره
من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلافه. وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب
ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف) (1).
ورواه البيهقي في سننه كما روى أن امرأة عبد الله بن مسعود كانت تذهب بعد
وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يهودية لرقية عينها (2).
وقال النووي في المجموع (3) (فرع) في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما
يعرف من ذكر الله...
أقول: إن الشخص اليهودي الذي بطلت ديانته بالإسلام، وبطل كتابه
بالقرآن كيف يستجاب دعاؤه؟!!
نظرة الخليفة إلى كتب أهل الكتاب
خلاصة أفعال الخليفة عمر بن الخطاب مع أهل الكتاب ونظرته إليهم
أنه يعتقد بأن كتب أهل الكتاب يوجد فيها جواب لكل سؤال يخطر على بال إنسان
بدءا من العقائد وانتهاءا بخلق الكون وأحداث المستقبل وغير ذلك كما قرأنا. في
حين أن كتب أهل الكتاب قد زورت ونسخت بيد اليهود والنصارى وأصبحت
كتبا عقيمة كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله). فلقد سأل عمر من أهل الكتاب اليهود والنصارى
في أثناء خلافته: هل تجدوني في كتبكم؟



(1) كتاب الأم، الشافعي 7 / 241.
(2) سنن البيهقي 9 / 347.
(3) المجموع 9 / 64.
374
وبالطبع كذب أهل الكتاب عليه حين أجابوه بنعم، فإننا لم نجد ذلك في
الكتب الموجودة في أيدينا من أهل الكتاب.
كما إننا حيث نطالعها الآن لم نجد فيها ما يغني أو يسمن من جوع؟!
وبالرغم من تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لعمر في المدينة المنورة بضرورة ترك كتب
أهل الكتاب من تعلمها وكتابتها لكذبها، نجد الخليفة عمر يكثر من السؤال عن
علومها من كعب الأحبار وتميم وغيرهما في أيام خلافته، بل إنه سمح لهما بالحديث
من علوم أهل الكتاب في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى مدى أيام السنة في طول أيام
حكمه.
فالظاهر أن الخليفة استمر في اعتقاده بوجود علوم غيب كثيرة في كتب أهل
الكتاب. تاركا للنص القرآني بكذب التوراة، وحديث النبي (صلى الله عليه وآله) بتزويرها،
وأخذه بقول كعب: ما من شئ إلا وهو مكتوب في التوراة (1).
وكذلك كان عمر يعتقد بأن أهل الكتاب أعلى ثقافة وعلما من علماء
المسلمين، لذا فقد وضع تميم الداري قصاصا في المسجد، وجعل كعب الأحبار
مستشارا للخليفة يسأله في الأمور الثانوية والأساسية، السياسية والدينية.
وبتعبير آخر أن عمر بقي معتقدا بأفكاره السابقة في علو مستوى أهل
الكتاب على باقي سكان الجزيرة العربية. وضرورة الرجوع إليهم.
في حين جاء القرآن الكريم والنبي (صلى الله عليه وآله) بعلوم صحيحة وواسعة أغنت
المسلمين وجعلتهم أعلى ثقافة من باقي الناس في الدنيا.
ولقد تعجبت من سؤال عمر لكعب في خلافته عن حدود شفاعة
محمد (صلى الله عليه وآله) (2) فأين كعب وأين شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله)؟ ولماذا لا يسأل أهل بيت



(1) أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 165.
(2) الدر المنثور 6 / 286.
375
محمد (صلى الله عليه وآله) عن ذلك. وأحاديث كعب وأخباره قد أثرت تأثيرا سيئا في العالم
الإسلامي قرونا طويلة، وما زالت تؤثر في أذهان الناس.
وأحاديث كعب المزورة لم تنطل على أحد فحتى معاوية كذبها (1). وكان
كعب المصدر الأساسي لأحاديث المجسمة.
وقد بلغ الأمر بكعب أن استفاد من مصاحبة عمر له والاستماع إليه أن عقد
تحالفا أساسيا مع بني أمية عول عليه اليهود في إعادة سلطتهم. وكان المستفيد
الأول من قتل عمر هم اليهود وبنو أمية. لأن تولي بني أمية الحكم يعني تسلط
الفسقة على رقاب المسلمين، وفتح الباب واسعا أمام أكاذيب أهل الكتاب.
فوصل من أبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، وله في
البخاري فقط أربعمائة وستة وأربعين حديثا (2) أي ذكروا أكثر من ستة آلاف
حديث لأبي هريرة تلميذ كعب في زمن معاوية.
من سمى عمر بالفاروق؟
وإشارة لما ذكره كعب الأحبار فقد قال ابن شهاب الزهري: بلغنا أن أهل
الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق (3).
وقد وضع كعب أحاديث كثيرة في مدح عمر ومعاوية، وقد كان يملك
قدرة فائقة في جعل الأحاديث وترتيبها لإرضاء من يريد.



(1) صحيح البخاري 8 / 160.
(2) الإرشاد، الصالح القسطلاني، وضبط ابن حزم أيضا مجموع ما حدث به أبو هريرة فكان 5274
مسندا فراجع ص 138 من الجزء الرابع من فصل ابن حزم.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 4 / 151، الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 53، تاريخ
المدينة المنورة، ابن شبة 2 / 662.
376
وقد اكتسب تلميذه أبو هريرة هذه القابلية منه. ونلاحظ هنا فن كعب في
الحديث الغريب:
عندما غضب كعب مؤقتا على عمر صرح قائلا: " إنه (عمر) على باب من
أبواب جهنم ".
فقال عمر: ما شاء الله، ثم خرج فأرسل إلى كعب الأحبار فجاءه.
فقال: يا أمير المؤمنين لا تعجل علي والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة
حتى تدخل الجنة؟
فقال عمر: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار؟
قال كعب: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على
باب من أبواب جهنم، تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت لم يزالوا يقتحمون
فيها إلى يوم القيامة، ولما طعن جاء كعب فجعل يبكي بالباب ويقول: والله لو أن
أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخره؟! (1)
أما عن تسمية عمر بأمير المؤمنين فإنه لما ولي قالوا له: يا خليفة رسول الله،
فقال عمر: هذا أمر يطول، كلما جاء خليفة قالوا: يا خليفة خليفة رسول الله، بل
أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فسمي أمير المؤمنين (2)، وقيل: إن عمر بن العاص سماه
بذلك.
وكان علي (عليه السلام) أول من سمي بالفاروق من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال
النبي (صلى الله عليه وآله): ستكون فتنة بعدي فالزموا عليا فإنه أول من يراني وأول من يصافحني
يوم القيامة وهو معي في السماء العليا، وهو الفارق بين الحق والباطل (3).



(1) فتح الباري لابن حجر 13 / 41، طبقات ابن سعد 2 / 3، 3 / 262.
(2) الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 58.
(3) لسان الميزان، ابن حجر 1 / 257.
377
عمر وكعب في بيت المقدس
لقد اصطحب عمر في سفره إلى الشام كعب الأحبار وتميم الداري، وعبد الله
بن سلام (1). فاستفادوا من مصاحبتهم لعمر في المشاورة السياسية والدينية معه.
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن عبيد بن آدم أنه قال: سمعت
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟
فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك.
فقال عمر (رضي الله عنه): ضاهيت اليهودية (2).
ومن اختراعات كعب:
حدثت محاورة أخرى في بيت المقدس بينهما (في تلك الجولة التي لا أعرف
سبب اصطحاب عمر لكعب فيها)، وعندما أخذ (عمر) في تنظيف بيت المقدس
من الكناسة التي كانت الروم قد دفنتها به سمع التكبير من خلفه. فقال (عمر) ما
هذا؟ فقالوا: كبر كعب وكبر الناس بتكبيره، فقال علي به. فقال: يا أمير المؤمنين
إنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة عام!! قال (عمر): وكيف؟ قال:
إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه إلى أن وليت فبعث الله نبيا
على الكناسة فقال: أبشري اوري شلم عليك الفاروق ينقيك مما فيك (3).
وفي رواية: أتاك الفاروق في جندي المطيع ويدركون لأهلك بثارك من
الروم. وهنا بين كعب في قوله: " يدركون لأهلك بثارك من الروم " إن فتح
المسلمين للقدس هو تحقيق لثأر اليهود من الروم؟!



(1) فجر الإسلام أحمد أمين، 150.
(2) مسند أحمد بن حنبل 1 / 38.
(3) هذا تلخيص كلام الطبري 4 / 160.
378
وروى أبو مريم عبيد قال: دخلت مع عمر بن الخطاب محراب داود فقرأ
فيه (ص) وسجد (1).
وجاء في سنن البيهقي أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما دخل بيت المقدس قال:
لبيك اللهم لبيك (2).
وعن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت
المقدس فقال له: اذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني، فلما تجهز جاءه فقال له عمر:
اجعلها عمرة. (يعني لا تجعلها حجة، أو الأفضل أن لا تجعلها حجة).
قال: ومر به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة، فقال لهما: من أين جئتما؟
قالا: من بيت المقدس، فعلاهما بالدرة وقال: أحج كحج البيت؟ قالا: إنما كنا
مجتازين (3).
ولا أدري من الذي نصح عمر بقول: لبيك اللهم لبيك في القدس فهذه
العبارة مخصوصة ببيت الله، ويحتمل إنه قالها هكذا لا في معرض أداء الحج، لأن
هذا الحديث يتعارض مع الحديث الآخر لعمر حيث قال: أحج كحج البيت.
ولكن الغريب في روايتي البيهقي وابن المسيب أن الأولى فيها قوله: لبيك
اللهم لبيك، والثانية فيها قوله: إجعلها عمره!
والذي يقرأ نصوص استفادة عمر من الكتب المقدسة قبل خلافته
واستفادته من كعب الأحبار بعدها يتبين له أن عمر يثق بما جاء في هذه الكتب،
وعلى هذا الأساس كان يسأل من كعب ويسمح له ولتميم بقول القصص في مسجد
النبي (صلى الله عليه وآله).



(1) كنز العمال للمتقي الهندي 8 / 144، حديث 22303.
(2) سنن البيهقي 5 / 41.
(3) كنز العمال للمتقي الهندي 4 / 146، حديث 38194.
379
اقتراح كعب جعل صخرة اليهود قبلة للمسلمين
لما فتح عمر بيت المقدس وتحقق موضع الصخرة، أمر بإزالة ما عليها من
الكناسة حتى قيل: أنه كنسها بردائه، ثم استشار كعب أين يضع المسجد؟ فأشار
عليه بأن يجعله وراء الصخرة، فضرب في صدره، وقال: يا ابن أم كعب ضارعت
اليهود: وأمر ببنائه (1).
وهدف كعب من اقتراحه جعل المسجد خلف الصخرة أن يصلي المسلمون،
وأمامهم صخرة اليهود؟ وأدرك الخليفة عمر نية كعب فقال له ضارعت اليهود
وأمر ببنائه! لقد صور كعب الأحبار للمسلمين قداسة الصخرة؟! فنظفها عمر
بردائه!! ولما جاء عبد الملك بن مروان إلى الحكم جدد ذلك المسجد وكبره
باسم مسجد قبة الصخرة. وهكذا جعل كعب لتلك الصخرة مكانة مقدسة عند
المسلمين، وأصبح السذج من العلماء وغيرهم يسميها بالصخرة المقدسة؟! وهي
تذكرني بصخرة البوذيين المقدسة في لويان (عاصمة الصين القديمة) التي أصبحت
تمثالا كبيرا لبوذا؟!
وإلى يومنا هذا يسمى مسجد المسلمين في القدس بمسجد قبة الصخرة مثلما
أراد كعب الأحبار؟!! وجعل كعب عرش الله سبحانه من الصخرة قائلا: هناك
خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته (2).
وصخرة بيت المقدس، هي إحدى الصخور التي قدسها اليهود، دون دليل
عقلي ولا نقلي، فهي تشابه عجل قارون الذي عبده اليهود!
وهذه الصخرة تذكرنا بما قاله القرآن الكريم: {وجاوزنا ببني إسرائيل



(1) البداية والنهاية 7 / 68.
(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، الأمير ورام بن أبي فراس 2 / 5 - 6.
380
البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم
آلهة} (1).
وقد خاطبهم الله تعالى قائلا: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من
ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} (2).
تفضيل كعب لبيت المقدس على الكعبة
قال كعب الأحبار: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة (3).
في حين فضل الله سبحانه الكعبة على بيت المقدس وجعلها قبلة
للمسلمين (4) قال كعب ذلك في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله).
وقال كعب: لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى البيت المقدس (5).
ويهدف كعب من ذلك إظهار تبعية الكعبة للقدس، وأن الكعبة تسجد لبيت
المقدس، وإنها تدخل الجنة لأجل بيت المقدس، لذلك تزف الكعبة إلى بيت
المقدس قبل قيام الساعة؟!
وذكر الحافظ ابن حجر أن كعب الأحبار روى أن باب السماء الذي يقال له
" مصعد الملائكة " يقابل بيت المقدس (6).
وقال ابن حجر بعد أن أورد تلك الخرافة: وفيه نظر، لورود أن في كل سماء
بيتا معمورا، وأن الذي في سماء الدنيا حيال الكعبة.



(1) الأعراف، 138.
(2) البقرة، 152.
(3) تفسير الدر المنثور 1 / 136.
(4) فروع الكافي، كتاب الحج، باب فضل النظر إلى الكعبة 4 / 240، حديث 1.
(5) تفسير الدر المنثور 1 / 136 - 137.
(6) فتح الباري 7 / 156.
381
تفضيل كعب للتوراة على القرآن
لقد نشر كعب ثقافته الدينية بين المسلمين فغشهم في أقواله وأفعاله. وعلى
رأس الأعمال الشيطانية التي فعلها تفضيله التوراة على القرآن.
إن كعبا عندما يطلق في كلامه الكتاب المقدس يعني به التوراة، فكان كثيرا
ما يطلق هذه الكلمة وينشرها ويرجع في أقواله ومصادره إليها في فهم الماضي
والحاضر والمستقبل.
ويعني كعب بالأصل الحكيم التوراة أيضا وليس القرآن (1). إذ قال عمر له:
يا كعب أحافظ أنت للتوراة؟ فقال كعب: إني لأحفظ منها كثيرا، فقال رجل من
جنبه في المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل حلاله قبل أن يخلق عرشه؟
ومم خلق الماء الذي جعل عرشه عليه؟ فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا
علم؟ فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم (2).
ويرجع كعب إلى التوراة وكتب اليهود في كل تفسير له عن المواضيع المختلفة،
فأظهر للمسلمين أمورا، وكأن كتب اليهود فيها حل لكل أمر معضل ولكل سؤال
محير، وفيها جواب لكل استفهام عن الماضي والمستقبل؟! بينما قال أبو
ذر عن صحف موسى (عليه السلام): " كانت عبرا كلها "، والعبر: جمع عبرة وهي
كالموعظة (3).
وكان الخليفة عمر كثيرا ما يسأله عن المواضيع المختلفة. واستماع الخليفة له
شجع كعبا على المضي في مخططه ورغب الكثير من الناس في الاستماع إلى



(1) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر الأمير ورام بن أبي فراس 2 / 5، 6.
(2) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس 2 / 5.
(3) لسان العرب، ابن منظور 4 / 531.
382
أقواله وأحاديثه!
وأخذ معاوية يسأل كعبا مثلما كان يسأله الخليفة عمر. فقال له: هل
وجدت ذكرا للنيل في كتاب الله؟
قال كعب: أقسم بالذي فلق البحر لموسى، رأيت في كتاب الله أن الله يوحي
إلى النيل مرتين في السنة...؟ (1)
فهنا بين معاوية وكعب أن كتاب الله هو التوراة؟ وليس القرآن؟! لعدم
اعتقاد هذين الرجلين به؟!
وقال كعب: إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله (2).
ومن الأدلة أيضا على استمرار يهودية كعب تفضيله بيت المقدس على
الكعبة. وكرهه لأهل بيت النبوة (عليهم السلام). وجوازه مخالفة النصوص الإلهية.
ومن الأدلة اعتماد كعب في أقواله على آراء التوراة وغيرها من كتب اليهود
المحرفة دون القرآن. ومن الأدلة عمله لمصلحة اليهود لا لمصلحة المسلمين. ونقله
اليهود إلى فلسطين كما سيأتي. وبذلك يتوضح أن أجوبة كعب للسائلين
ومحاضراته في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ليس فيها ذكر للقرآن الكريم، بالرغم من إعلانه
الإسلام، بل كان يرجع إلى التوراة ويسميها الأصل الحكيم (3) وكتاب الله (4).
تفضيل كعب للشام وأهلها على الحجاز وأهلها
قال عروة بن ريم: إن رجلا لقي كعب الأحبار فسلم عليه ودعا له، فسأله



(1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 1 / 33.
(2) كنز العمال 14 / 143. فكتاب الله هنا يعني به التوراة؟!
(3) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، الأمير ورام بن أبي فراس 2 / 5، 6.
(4) كنز العمال 14 / 143.
383
كعب: ممن هو؟ فقال: من أهل الشام، قال: لعلك من الجند الذين يدخل
الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب. قال: ومن هم قال: أهل دمشق.
فقال: لست منهم؟ قال: فلعلك من الجند الذين ينظر الله إليهم في كل يوم
مرتين.
قال: ومن هم؟ قال: أهل فلسطين. قال: أنا منهم، وقال كعب: الشام
صفوة الله من بلاده يجتبي صفوته من عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها
فبسخطه، ومن دخلها فبرحمته.
وقدر معاوية هذه اليد الجليلة لكعب وأخذ يغمره بأفضاله، وقد عرف من
تاريخ هذا الكاهن أنه تحول إلى الشام في عهد عثمان وعاش تحت كنف معاوية،
فاستصفاه لنفسه وجعله من خلصائه لكي يروي من أكاذيبه وإسرائيلياته ما شاء
أن يروي في قصصه لتأييده وتثبيت قوائم دولته (1).
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة أن معاوية هو الذي أمر كعبا بأن
يقص في الشام (2).
ويكون قول كعب من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخلها
فبرحمته بمثابة فتوى من كعب لمريديه بوجوب سكن الشام؟! فهو يدعو المسلمين
إلى سكن الشام ليقوى جيش معاوية، ويطلب من اليهود سكن الشام لتقوى
شوكتهم؟!
وقال أبو هريرة تلميذ كعب الأحبار: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على
أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها، لا يضرهم
خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة (3).



(1) أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية، 186.
(2) الإصابة 5 / 323.
(3) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 1 / 103 ط. دار الفكر.
384
وعن أبي هريرة تلميذ كعب أيضا:
أربع ملاحم في الجنة: الجمل في الجنة، وصفين في الجنة، وحرة في الجنة،
وكان يكتم الرابعة (1). وفي ذلك تمجيد للناكثين والقاسطين الذين حاربوا عليا (عليه السلام)
وتبرئة مسلم بن عقبة وجيشه الذين ارتكبوا المخازي في واقعة الحرة في المدينة؟!
رغبة كعب في سكن فلسطين
جاء في تاريخ ابن عساكر (تاريخ دمشق): إن عمر بن الخطاب سأل كعب
الأحبار عن سبب عدم رغبته في السكن في المدينة بعد إعلان إسلامه؟ والمدينة
موطن هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره (صلى الله عليه وآله)؟ فقال كعب: إني وجدت في كتاب الله المنزل أن
الشام كنز الله من أرضه فيها كنز من عباده (2).
فقد كان كعب ينوي سكن الشام جنب معاوية بن أبي سفيان كي يخطط من
هناك لخلافته وبيان فضل الشام والصخرة والتوراة على الحجاز والكعبة
والقرآن.
وعلى أثر طلب الخليفة عمر من كعب البقاء في المدينة وزيادة الاحترام له،
فقد بقي في المدينة إلى جنب عمر. وفي المدينة أفصح كعب عن أهدافه ونواياه. فقد
حث عمر على زيارة الشام وترك زيارة العراق، واستجاب عمر لذلك، ثم بدأ في
قص القصص في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وأظهر زيفا فضل الشام وأهلها وفضل قبة
الصخرة والتوراة على الكعبة والقرآن. وأشار كعب إلى رغبته في الانتقام من
النصارى الروم الذين هجروا اليهود (3).



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 1 / 130.
(2) كنز العمال 14 / 143.
(3) الطبري 4 / 160.
385
والذي عنده قدره على إقناع عمر بعدم زيارة العراق وحثه على زيارة الشام
ومرافقة عمر في سفره، عنده القدرة أيضا على حث عمر على ترحيل اليهود إلى
الشام. ولكن لماذا لم يسكن كعب في الشام قرب معاوية في بداية إسلامه؟
الجواب: إن إسلام كعب الظاهري كان من أجل فلسطين، وفي سبيل تحطيم
الإسلام وإعلاء دين اليهود، لذا كان ناويا السكن فيها، ولكن عمر طلب منه
السكن في المدينة. ولما مات عمر التحق كعب بالشام فسكن فيها إلى جنب اليهود
المرحلين إليها وإلى جنب معاوية..؟ فتحققت غاية كعب في سكن فلسطين مع
اليهود وفي ظل حكومة ابن أبي سفيان؟!
فأصبح اليهود في ظل حكومة معاوية أسياد الأرض والمالكين لها، بعد أن
كانوا عمالا في أرض خيبر يعملون بها على نصف الحاصل في أرض أصبحت
مملوكة للمسلمين.
وحصول كعب على مكانة المشاور الديني والسياسي للخليفة هو الذي دعاه
للبقاء في المدينة في زمن عمر.
وقبل حصول الثورة على الخليفة عثمان شاهد كعب ولمس حصول فتنة في
المدينة المنورة. فخاف من انتقام الثوار منه فرحل إلى الشام وهي الموطن المقدس
في نظره، إلى حيث معاوية بن أبي سفيان. ولقد توفي كعب في سنة خمس وثلاثين
هجرية عن عمر يناهز مائة وأربع سنوات (1).
وقد قال كعب الأحبار: أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إلى الله
القدس (2).
وقال: تسعة أعشار الخير بالشام وجزؤه في سائر الأرضين (3).



(1) شذرات الذهب 1 / 40 الطبعة الثانية بيروت.
(2) تاريخ دمشق لابن عساكر 1 / 110 طبعة دمشق.
(3) المصدر السابق 1 / 147.
386
وقال: خمس مدائن من مدن الجنة: بيت المقدس وحمص ودمشق وجبرين
وظفار اليمن (1).
وقال كعب: أربعة أجبل: جبل الخليل ولبنان والطور والجودي، يكون كل
واحد منهن يوم القيامة لؤلؤة بيضاء ما بين السماء والأرض يرجعن إلى بيت
المقدس حتى يجعل في زواياه جل جلاله عليها كرسيه حتى يقضي بين أهل الجنة
والنار وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم
بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين (2).
وهكذا فضل كعب بيت المقدس على الكعبة وجعل جبال الشام أفضل من
جبال الأرض بلا دليل.
فكانت أفعال كعب وأحاديثه وقصصه المزيفة وسائل لإعادة دين اليهود
واليهود إلى فلسطين.
من أوصى بإخراج اليهود إلى الشام؟ النبي (صلى الله عليه وآله) أم كعب؟
لقد اختلف الحفاظ والعلماء والمفسرون وأصحاب السير في علة إخراج
عمر للمشركين من جزيرة العرب.
وقد انقسم هؤلاء المشاهير إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول ذهبوا إلى وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس بإخراج المشركين
من جزيرة العرب (3). ولكن الروايات الصحيحة في كتب البخاري ومسلم
وغيرهما لا توجد فيها هذه الوصية!



(1) المصدر السابق 1 / 211 - 212.
(2) سورة زمر: 75، مختصر تاريخ ابن عساكر 2 / 122، الدر المنثور 5 / 344.
(3) صحيح مسلم 3 / 1258، حديث 1637 ط. دار إحياء التراث.
387
القسم الثاني ذهبوا إلى رغبة النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك بقوله (صلى الله عليه وآله): " لأخرجن
اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما " (1).
وهذا الحديث تقوله الأمويون على لسان عمر ولم يروه بقية الصحابة بل
رووا أصله دون زيادة (2).
والقسم الثالث قد ذهبوا في سبب ترحيل اليهود إلى قتل اليهود المظهر بن
رافع الحارثي. وقد لاحظت أن هناك خوفا في طرح السبب الواقعي لخروج
المشركين من جزيرة العرب، فأوعز السبب مرة إلى وصية النبي (صلى الله عليه وآله) ومرة إلى
رغبة النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا ما يزيد الأمر ريبة. ومرة أخرى ذهبت الأيادي إلى سبب
بعيد عن السببين الماضيين ألا وهو مقتل مظهر الحارثي.
أقول: لقد بينت في هذا الموضوع أن الأسباب الثلاثة المذكورة لا أساس لها
من الصحة، وأن السبب الحقيقي لرحيل اليهود هو رغبة كعب الأحبار ووهب بن
منبه واليهود في سكن فلسطين كما يظهر ذلك من تفضيلهم أهل الشام على أهل
الأرض (3). إن وجود كعب في الموضوع هو الذي أخاف الكثير وأرهبهم وأبعدهم
عن ذكر السبب الواقعي لطرد المشركين!
وهنا نذكر الحديث النبوي في يوم الخميس والزيادة التي أضيفت إليه.
حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان
الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يوم الخميس ثم ذكر نحو حديث
أحمد بن حماد غير أنه قال ولا ينبغي عند نبي أن ينازع (4).



(1) صحيح مسلم 3 / 1388، حديث 1767 طبع دار إحياء التراث.
(2) صحيح البخاري 1 / 120 باب كتابة العلم ط. دار العلم، صحيح مسلم 3 / 1259، حديث 1637 ط.
دار إحياء التراث.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، دار الفكر 1 / 110 ط. دمشق.
(4) تاريخ الطبري 2 / 436.
388
وذكر الطبري رواية أخرى بعدم وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس: حدثنا
كريب وصالح بن سمال قال: حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس قال ثم
نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
إئتوني باللوح والدواة أو الكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده. قالوا:
فقالوا: إن رسول الله يهجر (1).
وذكر مسلم في صحيحه الحديث الصحيح: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن
الخطاب. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده. فقال عمر: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف
أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتابا لن
تضلوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا " قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول:
إن الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم
ولغطهم (2).
وذكر مسلم الرواية بطريق آخر: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه
قال: " يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت
على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إئتوني بالكتف والدواة (أو
اللوح والدواة) أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ". فقالوا: إن رسول الله
يهجر (3). وذكر البخاري الحديث الصحيح دون زيادة: حدثنا يحيى بن سليمان قال



(1) تاريخ الطبري 2 / 436.
(2) صحيح مسلم 3 / 1259 طبعة دار إحياء التراث.
(3) صحيح مسلم 3 / 1259 طبعة دار إحياء التراث.
389
حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد
الله عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله) وجعه قال: إئتوني بكتاب أكتب لكم
كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا.
وكثر اللغط قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس
يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه (1).
وفي طريق آخر للبخاري قال: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق
أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب. قال النبي:
هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع
وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول:
قربوا يكتب لكم النبي (صلى الله عليه وآله) كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما
أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قوموا. قال: عبيد الله
فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الزرية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن
يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (2).
ولكن اليد الأموية أدخلت زيادة على الحديث لدوافع سياسية الهدف منها
نفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). وتوجيه عميلة خروج
المشركين من جزيرة العرب وحصر وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في رغبة كعب الأحبار،
وإبعاد قضية الغضب النبوي على جماعة حسبنا كتاب الله (الذين وصموا رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بالهجر) من أذهان المسلمين.
إن غضب النبي (صلى الله عليه وآله) على تلك العصبة، وإخراجهم من بيته، وبكاء ابن



(1) صحيح البخاري 1 / 120 بابا كتابة العلم ط. دار القلم.
(2) صحيح البخاري 7 / 225 باب قول المريض قوموا عني. ط. دار القلم.
390
عباس على الحادث والهجوم العنيف لتلك العصبة على شخص النبي (صلى الله عليه وآله)
وجرح مشاعره ورد نظريته يبعد إمكانية وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الحاضرين
بإخراج اليهود إلى فلسطين!
وكيف يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) بوصية في غير صالح المسلمين، وفي صالح اليهود؟
والحقيقة أن رجال قريش واليهود قد تعودوا على ارجاع أقوالهم إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) ليسهل العمل بها. فنسبوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) مدحا لمعاوية والشام!
وإليك الحديث مع الزيادة فيه: " قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم
الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقلت: يا ابن عباس وما يوم الخميس.
قال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال إئتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا
بعدي. فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع.
وقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه. قال: دعوني فالذي أنا فيه خير.
أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما
كنت أجيزهم. قال: وسكت عن الثالثة أو قال فأنسيتها " (1).
وذكر البخاري أيضا الحديث الذي فيه زيادة جنب الحديث الصحيح جاء
فيه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى،
حتى خضب دمعه الحصباء فقال: " اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه يوم الخميس فقال
إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي
تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني
إليه. وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا
الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة " (2).



(1) صحيح مسلم 3 / 1258، حديث 1637 ط. دار أحياء التراث.
(2) صحيح البخاري 4 / 490، باب جوائز الوفد، حديث 1229 ط. دار القلم - بيروت.
391
والزيادة في هذه الأحاديث واضحة وهي من باب الصاق الكاذب
بالصحيح. وهذه الزيادة ترد بحجج مختلفة:
1 - الأصل عدم الزيادة في الحديث.
2 - لاحظنا أن أصل الحديث في سنن مسلم والبخاري وتاريخ الطبري دون
زيادة.
3 - ثبت في الحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم وغيره من الكتب
أن حديث النبي (صلى الله عليه وآله) مع جماعة أبي بكر وعمر قد انتهى بالنزاع والاختلاف وعلى
أثر ذلك أخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله) من بيته إخراجا عنيفا، إذ اتهمته الجماعة بالهجر ورد
عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالطرد، ومن الطبيعي أن لا يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) بعد هذا الاختلاف
إلى مطرودين من قبله. فتلك الجماعة أرادت أن تثبت شرعيا بطلان أي وصية
نبوية في يوم الخميس تحت عنوان الجنون الطارئ على رسول الله (صلى الله عليه وآله)! والعياذ
بالله. والجنون من مبطلات الوصية كما لا يخفى!!
وجميع الرواة ذكروا طرد النبي (صلى الله عليه وآله) لتلك المجموعة ومنهم البخاري: إذ قال
النبي (صلى الله عليه وآله): قوموا (1).
: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع (2).
: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (3).
ويذكر أنه لما كثر اللغط والاختلاف في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بعد طلبه (صلى الله عليه وآله) قرطاسا
ودواة، انقسم الحاضرون إلى قسمين، قسم وافق على طلبه (صلى الله عليه وآله)، وقال: أعطوه
بيضاء ودواة ليكتب كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وقسم رفض ذلك تحت شعار
يهجر، حسبنا كتاب الله!



(1) صحيح البخاري 7 / 225، باب قول المريض قوموا عني.
(2) صحيح البخاري 1 / 120، باب كتابة العلم، مسند أحمد بن حنبل 3 / 346.
(3) صحيح البخاري 4 / 490، باب جوائز الوفد، وصحيح مسلم 3 / 1258، حديث 1637.
392
وظاهر الأمر أن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وأم سلمة وباقي نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عدا
عائشة وحفصة، قد كن ضمن الطائفة الأولى التي وافقت النبي (صلى الله عليه وآله) في طلبه كتابة
الوصية. فقد قالت النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال عمر: فقلت: إنكن صواحب يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا
صح ركبتن عنقه.
قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعوهن فإنهن خير منكم (1).
وهكذا انتهى حديث يوم الخميس بإخراج النبي (صلى الله عليه وآله) لجماعة حسبنا كتاب
الله، ووصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) نساءه بأنهن أفضل منهم.
فهل يعقل أن يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الذين وصموه بالهجر؟ وبعد ذلك
الاختلاف والطرد والإهانة! إذن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص في يوم الخميس بإخراج
المشركين من جزيرة العرب. أما رواية عمر بوجود رغبة نبوية في إخراج المشركين
من جزيرة العرب فجاءت كالآتي:
حدثني زهير بن حرب. حدثنا الضحاك بن مخلد عن ابن جريج. وحدثني
محمد بن رافع (واللفظ له) حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا ابن جريج. أخبرني أبو
الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا
مسلما " (2). وإذا حققنا في علاقة النبي (صلى الله عليه وآله) مع اليهود واتفاقاته معهم لا نجد ما
يدلل على رغبة نبوية بإخراجهم من جزيرة العرب. فالنبي (صلى الله عليه وآله) الكريم لم يخرج
يهود المدينة منها، بل عقد اتفاقات صلح معهم وعاش معهم بسلام، كأصحاب
ديانة سماوية. فكان يهود بني قينقاع وبني قريظة في حياة آمنة في المدينة،
ولم يخرجهم منها إلا بعد إخلالهم بشروط الاتفاق، وحملهم السلاح ضد النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) كنز العمال 3 / 138.
(2) صحيح مسلم 3 / 1388، حديث 1767 ط. دار إحياء التراث.
393
بصورة جماعية. فقد قال حيي بن أخطب لزعيم يهود بني قريظة كعب بن
أسد: جئت بعز الدهر جئتك بقريش وغطفان قد أنزلتهم بجانب أحد قد عاهدوني
وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب: جئتني
والله بذل الدهر وكل ما يخشى، فإني لم أر في محمد إلا صدقا ووفاء (1).
وذكر البخاري اتفاق النبي (صلى الله عليه وآله) معهم في صحيحه: أعطى النبي (صلى الله عليه وآله) خيبر إلى
اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها (2).
وحدث سعد بن حزام بن محيصة عن أبيه: " فخرجنا حتى قدمنا على خيبر
فقدمنا على قوم بأيديهم الأرض والنخل ليس كما كانت قد دفعها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إليهم على النصف (3). ولو كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) نية ورغبة لإخراج اليهود من جزيرة
العرب لأخرجهم في ذلك الوقت ولم يصبر دون هدفه. ولم يخبرهم بشئ من ذلك.
وذكر الطبري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد خرج إلى خيبر في شهر المحرم في السنة
السابعة الهجرية واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري (4). فهل من
المعقول أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله) اليهود في الجزيرة في سني 7 و 8 و 9 و 10 و 11 هجرية
ولم يمض في تصميمه؟
ولماذا لم يخبر باقي المسلمين بهدفه المذكور؟ ولماذا لم يحدد النبي (صلى الله عليه وآله) سنة
الجلاء؟ وهل من المعقول أن يترك أبو بكر استراتيجية النبي (صلى الله عليه وآله) في إخراج اليهود
في سني 11 و 12 و 13 هجرية ولا يذكرها ذكرا! وهل يصدق أن عمر أيضا لم
يلب طلب النبي (صلى الله عليه وآله) في سني 13 و 14 و 15 و 16 و 17 و 18 و 19 هجرية وتركه
دون تنفيذ؟! إذن لا يمكن تصديق حديث لم يسمعه الصحابة، ولم ينفذه النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) السيرة الحلبية، الحلبي الشافعي 2 / 316.
(2) صحيح البخاري 5 / 254، باب 257، باب معاملة النبي (صلى الله عليه وآله) أهل خيبر، ط. دار القلم بيروت.
(3) مغازي الواقدي 2 / 713 ط. دار المعرفة الإسلامية.
(4) تاريخ الطبري 2 / 298 ط. الأعلمي - بيروت.
394
وأبو بكر وعمر في سني 7 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 و 13 و 14 و 15 و 16 و 17
و 18 و 19. وهناك دلائل كثيرة تشير إلى رغبة كعب الأحبار في ترحيل اليهود
إلى الشام، فقد حصلت عملية التهجير في سنة 20 هجرية في حين أسلم كعب في
سنة 17 هجرية؟!
ولو كانت عملية الترحيل قد تمت قبل إسلام كعب أي في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) أو
في زمن أبي بكر أو في زمن عمر لبطل المطلب ولكنه تم بعد إسلام كعب، وفي زمن
نفوذ كعب في الدولة.
فتهجير اليهود إلى الشام قد تم بعد إسلام كعب، وبعد عام المجاعة (18
هجرية) في جزيرة العرب، وبعد تربع معاوية على حكم الشام (وهو ما يحلم به
كعب واليهود)، وبعد تحرر الشام من سلطة الروم، وبعد زيارة عمر وكعب الشام
في سنة 18 هجرية، وتنظيف صخرة اليهود! كما إن عملية التهجير قد تمت بعد
وضع كعب لطائفة من الأحاديث المزيفة في فضل الشام على باقي البلدان، وتفضيل
أهلها على باقي أمم الأرض وتفضيل القدس على الكعبة، وتفضيل التوراة على
القرآن؟! كما أن قانون تهجير اليهود قد أصدر في سنة 20 هجرية أي بعد سنتين
من إسلام كعب الأحبار! وقد ذكر ابن عساكر إسلام كعب في سنة سبع عشرة
قائلا: وكعب الأحبار في القوم وفي تلك السنة أسلم في إمارة عمر (1). وقال الطبري
في تاريخه: فجمع الناس (عمر) في جمادي الأولى سنة سبع عشرة فاستشارهم في
البلدان... وكعب الأحبار في القوم وفي تلك السنة من إمارة عمر أسلم (2).
والشئ الخطير والملفت للنظر أن كعب الأحبار قد أسلم في سنة سبع عشرة
هجرية، أي بعد فتح الشام، وتنصيب معاوية واليا عليها؟! لأن أبا عبيدة ابن
الجراح.



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر لابن منظور 21 / 182 ط. دار الفكر.
(2) تاريخ الطبري 3 / 160، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 561.
395
إذن إسلام كعب الظاهري كان من أجل الشام المفتوحة جديدا، والمحكومة
من قبل معاوية بن أبي سفيان الذي يعرفه كعب جيدا قبل فتح مكة؟!! ويعرف
أباه وأمه وخاله وجده!
فتكون الفرصة الذهبية لكعب الأحبار واليهود تتمثل في انتهاء حكم الروم
النصارى على الشام، وعزل أبي عبيدة بن الجراح، ووصول معاوية إلى حكم ذلك
البلد، وحصول اليهود على حرية ممارسة الشعارات الدينية في فلسطين، وجملة
هذه الأمور وغيرها تكفي في نظر كعب لدخول الإسلام ظاهريا! للوصول إلى
فلسطين أولا وتحريف الإسلام ثانيا.
وذكر السيوطي ترحيل اليهود قائلا: وهو عمر الذي أخرج اليهود من
الحجاز إلى الشام وأخرج أهل نجران إلى الكوفة (1). وعن مسألة قتل مظهر بن
رافع الحارثي وأثر ذلك في خروج اليهود إلى فلسطين نقول: عند مقتل عبد الله بن
سهل في خيبر لم يرحل النبي (صلى الله عليه وآله) اليهود إذ جاء: " عن الزهري عن سعيد بن
المسيب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصار: تحلف لكم اليهود خمسين رجلا خمسين يمينا
بالله ما قتلنا؟ قالوا: يا رسول الله كيف تقبل أيمان قوم كفار؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
فتحلفون خمسين رجلا خمسين يمينا بالله أنهم قتلوا صاحبكم وتستحقوا الدم؟
قالوا: يا رسول الله لم نحضر ولم نشهد.
قال: فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ديته على اليهود، لأنه قتل بحضرتهم " (2).
وفي رواية أخرى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن ولمن
معهم: تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله لم نحضر
ولم نشهد.



(1) تاريخ السيوطي، 137.
(2) مغازي الواقدي 2 / 715.
396
قال (صلى الله عليه وآله): فتحلف لكم اليهود؟ قالوا: يا رسول الله ليسوا بمسلمين، فوداه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عنده مائة ناقة (1). إذن النبي (صلى الله عليه وآله) لم توجد في ذهنه نية لإخراج
المشركين من جزيرة العرب، ولو كانت لأخرجهم بعد معركة خيبر، أو بعد قتلهم
عبد الله بن سهل! ذكر الواقدي: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فتح خيبر سأله اليهود،
فقالوا: يا محمد، نحن أرباب النخل وأهل المعرفة بها. فساقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
خيبر على شطر من التمر والزرع، وكان يزرع تحت النخل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أقركم على ما أقركم الله، فكانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى توفي، وأبي بكر
وصدر من خلافة عمر... وكان المسلمون لا يأخذون من بقولهم شيئا إلا
بثمن (2). ومن علامات الاستفهام الكثيرة الواقفة أمامنا إلى جانب قضية إخراج
المشركين من جزيرة العرب عملية إخراج نصارى نجران إلى الكوفة؟
فما ذنب هؤلاء حتى تخرجهم الدولة إلى العراق؟ وهل يجوز شرعا إخراج
طائفة نصرانية مالكة لتلك الأرض ومعاهدة للمسلمين من أرضها دون إخلال
بشروط السلام؟ كما أن عملية مقتل مظهر الحارثي في زمن عمر تشابه عملية مقتل
عبد الله بن سهل في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعندها أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) الدية منهم، وقيل
دفعها هو. والذي يثبت أركان الموضوع أكثر أن المسلمين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) اتهموا
اليهود بقتل عبد الله بن سهل، لأنه قتل في خيبر، في حين كان القاتل لمظهر الحارثي
مجموعة من الأسرى الروم الفارين إلى الشام بعد الحادث.
فإذا كان القاتل أسيرا فارا والضحية ميتا فكيف؟!
ومن الأدلة على رغبة اليهود في الهجرة إلى الشام: مجاعة سنة 18 ه‍ في
جزيرة العرب (في عام الرمادة).



(1) مغازي الواقدي 2 / 714 ط. دار المعرفة.
(2) المغازي للواقدي 2 / 690، 691.
397
: ازدياد سلطة معاوية في سنة 18 ه‍ في الشام شجع كعبا واليهود على
انتخاب الشام بلدا للهجرة في عام 20 ه‍.
: إن كعبا نفسه هاجر إلى الشام مخيرا، واستوطن فيها في بداية حكم عثمان،
ملتحقا بباقي اليهود المهجرين إليها. ولم يعد إلى موطنه الأصلي (اليمن)؟!
: إن كعبا واليهود لم يتذمروا من هذا التهجير.
: إن فلسطين هي الأرض التي يحلم بها اليهود، إذ فيها قبلتهم وتراثهم، وقد
أخرجهم النصارى الروم من هناك بالقوة. فمن الطبيعي أن يرغب هؤلاء بالعودة
إلى فلسطين، وبالخصوص تحت راية كعب ومعاوية!
: إن المياه والأراضي الزراعية في فلسطين أفضل منها في الحجاز.
ولما فتح العراق، وسمع العرب بغناه رغبوا في السكن فيه إذ. جاء في تاريخ
الطبري: بعث عتبة أنس بن حجية إلى عمر بمنطقة مرزبان دست ميسان فقال له
عمر: كيف المسلمون؟ فقال: انثالت عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة
فرغب. وترك عمر الأرض في يد أهلها، ووضع عليها الخراج، فجعل على جريب
النخل عشرة دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة
دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، فبلغ الخراج مائة مليون درهم، وضرب
على أهلها الجزية، فكان من تجب عليه الجزية (000 / 550) (1).
وعن مدى نجاح كعب في مخططاته الاستراتيجية نقول:
قد أفلح كعب الأحبار في ضرب الخلافة الإسلامية في الصميم بترشيحه
معاوية لها، وتحويل الخلافة إلى قضية وراثية وهرقلية وفي إيجاد أحاديث وقصص
مزورة ملأت كتب الحديث والسيرة. وأفلح كعب في الانتقال مع اليهود إلى
فلسطين في ظل سلطة معاوية. وتمكن كعب وصحبه وتلاميذه وسلطانه معاوية من



(1) تاريخ الطبري ج 3.
398
السكن في دولة فضلها على بلدان الله تعالى، دون دليل. ونجح في تحريف حديث
اثني عشر خليفة عند بعض المسلمين من بني هاشم إلى بني أمية. ونجح في بلورة
نظرية المصلحة في مقابل النص فآمن بها كثير من المسلمين. ونجح في تربية بعض
الطلاب المؤمنين بنهجه مثل عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعبد الله بن
عمر وغيرهم، الساعين إلى نشر تراثه اليهودي باسم تراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!
ونجح في عمله مع قريش في تثبيت نظرية حصر الخلافة في النسب القرشي إلى
يومنا هذا! وأفلح في إيجاد نظرية عدالة الصحابة المستمدة من أحاديثه الداعية إلى
عدم التعبد بالنصوص الشرعية. وأقنع بعض الناس بدخول أهل الشام إلى الجنة،
وأفلح في إقناع البعض بفكرة تجسيم الباري عز وجل. وتمكن مع ابن سلام وتميم
وغيرهم من إيجاد الكثير من الأفكار والأطروحات الفاسدة والخاطئة التي ما زلنا
نعيش في أجوائها، ونشكوا من أعبائها ومصاعبها. وقال علي بن أبي طالب (عليه السلام):
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني أن قاتلي شبه اليهود، هو يهودي (1).
سلاح اليهود الغدر وبث الفتن واحتكار المال
واعتمد اليهود منذ القدم على عدة أسلحة منها الغدر، وبث الفتن بين
الشعوب، وسلاح المال.
وكان دخول كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه وزينب بنت الحارث
(زعيم خيبر) إلى الإسلام وغدرهم به وبالمسلمين من الأمور الطبيعية عند
اليهود. إذ لما تعاقد يهود بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع مع النبي (صلى الله عليه وآله) نكثوا
عهدهم وغدروا بالمسلمين. فقد غدر بنو قينقاع بالمسلمين ناكثين عهدهم معهم.
وغدر بنو النضير بالمسلمين بعد معركة أحد، مدبرين الأمر لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)



(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 18 / 88.
399
فتحالف رئيسهم كعب بن الأشرف مع أبي سفيان في هذا الأمر. وغدر زعماء
اليهود بالمسلمين، مهيئين أموالهم لتجهيز جيوش عظيمة ضدهم في معركة
الأحزاب. وأثناء اجتماع تلك الجيوش وما أصرتها للمدينة المنورة غدر يهود بني
قريظة بعهدهم مع المسلمين وانضموا إلى الأحزاب؟! وقد اتبع اليهود نفس
أسلوب الغدر والخيانة في حق النصارى، فدخل بعض أحبارهم في ذلك الدين
الجديد فتمكنوا من تزوير الإنجيل وتزوير الحديث. وبذلك يكون اليهود قد
نشروا الأكاذيب عند النصارى والمسلمين. ولقد سعى اليهود إلى احتكار المال
بشتى وسائل السطو، والربا، والاحتيال، واستخدموها في بث الفتن والاختلاف
في صفوف المسلمين، وبين المسلمين وغيرهم وفي صفوف النصارى.
خطى اليهود
ذكر الواقدي في مغازيه (1): عن أبي واقد الليثي: قال خرجنا مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة
خضراء، يقال لها: ذات أنواط، يأتونها كل سنة يعلقون عليها أسلحتهم،
ويذبحون عندها، يعكفون عليها يوما، قال: فرأينا يوما ونحن نسير مع النبي (صلى الله عليه وآله)
شجرة عظيمة خضراء، فسترتنا من جانب الطريق. فقلنا يا رسول الله اجعل لنا
ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر.. الله أكبر! قلتم
والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم
تجهلون} (2).
وأملنا نجاح المسلمين وهدايتهم وفلاحهم آمين رب العالمين.



(1) مغازي الواقدي 2 / 891.
(2) الأعراف، 138.
400
نظرية عمر في القضاء
اعتمد الخليفة عمر في قضائه في مواقع كثيرة على رأيه الخاص. ولقد صرح
بذلك، حيث قال للمدعي الذي أرسله إلى زيد بن ثابت للقضاء في مسألته: لو
كنت أردك إلى كتاب الله وسنة نبيه فعلت، ولكني إنما أردك إلى رأيي، والرأي
مشير. فجعل مقولته تلك نظرية يسير عليها في قضائه.
والذي يحقق في قضاء الخليفة عمر، يجد نظريته تلك قائمة على الرأي في
الإرث، والطلاق، والزواج المؤقت، وغير ذلك. وبذلك تكون نظرية الرأي من
بنات أفكار الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. فهو وأبو بكر أول من أوجد هذه
النظرية وطبقها. إذ قال أبو بكر في قضية مقتل مالك بن نويرة بواسطة خالد أنه
اجتهد فأخطأ.
وبينما اقتصر أبو بكر على موارد قليلة، توسع عمر في هذا المجال وكان يجرؤ
على ذلك، وجرأته واضحة في موارد عديدة. ولما ولى أبو بكر عمر القضاء مكث
سنة لا يأتيه رجلان! (1)
ولأن عمر قد سار على رأيه الشخصي، كان من الطبيعي أن تختلف
أحكامه؟! حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين قضية وروي مائة قضية (2).



(1) تاريخ الطبري 2 / 617.
(2) كنز العمال، كتاب الفرائض 9 / 15.
403
ثم سار عثمان وملوك بني أمية على هذه النظرية لذلك عطل عمر حد المغيرة
بن شعبة في الزنا مثلما عطل أبو بكر حد خالد في الزنا مع امرأة مالك بن نويرة
وقتله (1).
نظره في الإرث
أخبرنا داود بن أبي عامر قال: أتي زياد في رجل ترك عمة وخالة فقال:
أتدرون كيف قضى فيها عمر بن الخطاب؟ والله إني لأعلم الناس بقضاء عمر فيها.
جعل الخالة بمنزلة الأخت، والعمة بمنزلة الأخ فأعطى العمة الثلثين والخالة
الثلث (2). وهذا القضاء لعجيب، ما أنزل الله تعالى به من سلطان.
نظرية عمر الفقهية
انشغل عمر بالعمل والكسب في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) فحال بينه وبين حضور
مجالس النبي (صلى الله عليه وآله) كثيرا.
وهذا الكسب هو الذي منعه من تعلم الفقه الإسلامي جيدا فبقى يسأل عن
الأحكام ويفتي بما لا يطابق الشرع. ولقد التفت عمر إلى ذلك فمنع الأخذ منه في
قضية إرث الجد. وبلغت آراءه في إرث الجد حوالي المئة رأي.
وفي الفقه خالف عمر النبي محمدا (صلى الله عليه وآله)، فشرع ما أعجبه، وترك ما لا يعجبه،
جاعلا من الفقه قضية ذوقية وشخصية أحيانا. فلقد قال: متعتان كانت على عهد
رسول الله أحرمهما (3).



(1) تاريخ الطبري 4 / 206، تاريخ ابن الأثير 2 / 266.
(2) طبقات ابن سعد 7 / 100.
(3) شرح التجريد، الإمام القوشجي.
404
وقال عن صلاة التراويح نعمت البدعة، وجعل طلاق الثلاث في مجلس
واحد كثلاث، ومنع الخمس، ونقل مقام إبراهيم عن مكانه، ومنع إرث الأنبياء،
وحذف حي على خير العمل من الأذان.
ذكر ابن أبي الحديد في نهج البلاغة: وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم
ينقضه، ويفتي بضده وخلافه، قضى في الجد مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم
خاف من الحكم في هذه المسألة فقال: من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في
الجد رأيه (1). وقد قال أبي لعمر: والله يا عمر، إنك لتعلم أني كنت أحضر (مجلس
النبي (صلى الله عليه وآله)) وتغيبون وأدعى وتحجبون... " (2).
الصلاة خير من النوم
جاء في موطأ مالك بن أنس: إن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب، يؤذنه
بصلاة الصبح، فوجده نائما. فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في
نداء الصبح.
وجاء في شرح الموطأ للزرقاني: هذا البلاغ أخرجه الدارقطني في السنن،
من طريق وكيع في مصنفه، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال:
وأخرج عن سفيان عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال لمؤذنه:
إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من
النوم.
وجاء في سنن الترمذي: روي عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر
مسجدا، وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه فثوب المؤذن، (أي قال: الصلاة



(1) شرح نهج البلاغة 3 / 181.
(2) الدر المنثور 6 / 79، تفسير ابن كثير 4 / 194.
405
خير من النوم) فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: أخرج بنا من
عند هذا المبتدع ولم يصل فيه. قال: وإنما كره عبد الله التشويب، الذي أحدثه
الناس بعد (1).
نظرية عمر في حي على خير العمل في الأذان
جاء في كتاب السيرة الحلبية: عن أبي العلاء قلت لمحمد بن الحنفية: إنا
لنتحدث أن بدء الأذان كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال: ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعا شديدا. وقال: عمدتم إلى ما هو
الأصل في شرائع الإسلام، ومعالم دينكم فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من
الأنصار في منامه، تحتمل الصدق والكذب، وقد تكون أضغاث أحلام.
قال: فقلت له هذا الحديث قد استفاض في الناس. قال: هذا والله هو الباطل.
وأخرج الطحاوي عن هارون بن سعد، عن الشهيد زيد بن الإمام علي بن
الحسين، عن آبائه، عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم الأذان ليلة أسري به،
وفرضت عليه الصلاة (2).
وصرح عمر بن الخطاب بأن عبارة حي على خير العمل كانت تثبيطا
للجهاد والغزو فمنعها.
وبالرغم من أن العبارة من الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بما يضع، فإن عمر
صمم على منع ذلك من الأذان. فقال من على المنبر: ثلاث كن على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج،
وحي على خير العمل (3).



(1) سنن الترمذي 1 / 64.
(2) مشكل الآثار، الطحاوي، وابن مردويه فيما نقله المتقي الهندي 277 من الجزء السادس من كنز
العمال حديث 397، المستدرك الحاكم 3 / 171.
(3) شرح التجريد، القوشجي، أواخر مبحث الإمامة، وهو من أئمة الأشاعرة في الكلام.
406
نظريته في الصلاة مع فقد الماء
جاء في القرآن الكريم: {.. وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا} (1).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) حديثا متواترا، بأن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد
الماء عشر سنين. أي أن فاقد الماء، وقبل تيممه يجب عليه أن يبحث عن الماء في
الجهات الأربع غلوة سهمين إن كانت الأرض سهلية، فإن لم يجد فعليه بالطهارة
الترابية.
وقد خالف في ذلك عمر بن الخطاب، إذ منع الصلاة مع فقدان الطهارة
المائية. بالرغم من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) له، وشهادة عمار بذلك. فقد أخرج البخاري:
إن رجلا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال (عمر): لا تصل - وكان
عمار بن ياسر إذ ذاك حاضرا - فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين، إذ أنا وأنت
في سرية، فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب
وصليت. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم
تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر: إتق الله يا عمار. قال إن شئت لم أحدث به... فقال
عمر: نوليك ما توليت ".
وهناك محاورة ثانية بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري. إذ قال
شقيق بن سلمة: كانت عند عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو
موسى: يا أبا عبد الرحمن: إذا أجنب المكلف، فلم يجد ماء كيف يصنع؟ قال عبد



(1) النساء، 43.
407
الله: لا يصل حتى يجد الماء. فقال أبو موسى الأشعري: فكيف تصنع بقول
عمار حين قال له النبي (صلى الله عليه وآله): كان يكفيك؟ قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك.
فقال أبو موسى: دعنا من قول عمار، فما تصنع بهذه الآية - وتلا عليه آية
المائدة -. قال: فما درى عبد الله ما يقول (1).
وقد سار أبو حنيفة على قول عمر، في حين سار أئمة بقية المذاهب على الآية
القرآنية وقول عمار. إذ قال أبو حنيفة: إن الحاضر الصحيح لا يتيمم ولا يصلي إذا
فقد الماء، واستدل بالآية 8 من سورة المائدة: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء
أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا} فدلالة الآية صريحة،
بأن مجرد فقد الماء لا يكفي لجواز التيمم، ما لم يكن ذلك في السفر أو المرض، وإذا
كان التيمم مختصا بالمسافر المريض. فالصحيح الحاضر والحالة هذه لا تجب عليه
الصلاة، لأنه فاقد الطهور، ولا صلاة إلا بطهور.
وسار الإمامية على قول عمار موافقين للآية القرآنية، وهم بذلك يتفقون مع
أئمة المذاهب الثلاث (المالكية، الشافعية، الحنبلية).
شكوك الصلاة والقراءة فيها
أخرج أحمد بن حنبل، عن مكحول، عن كريب عن ابن عباس، أنه قال له
عمر: يا غلام هل سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو من أحد أصحابه: إذا شك الرجل
في صلاته ماذا يصنع؟
فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا شك أحدكم في صلاته،



(1) أخرجه البخاري في سننه، البداية والنهاية لابن رشد 1 / 63، طبعة 1935، المغني لابن قدامة
1 / 234، ط 3، تفسير ابن كثير 4 / 505، سنن النسائي 1 / 169، سنن ابن ماجة 1 / 188، السنن
الكبرى للبيهقي 1 / 209، سنن ابن ماجة 1 / 188، سنن النسائي 1 / 169،.
408
فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة. وإذا لم يدر ثنتين صلى أم
ثلاثا فليجعلها ثنتين. وإذا لم يدر أثلاثا صلى، أم أربعا فليجعلها ثلاثا ثم يسجد إذا
فرغ من صلاته وهو جالس سجدتين (1). وروى الفخر الرازي: صلى بنا عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) المغرب، فترك القراءة فلما انقضت الصلاة قيل له: تركت القراءة.
قال: كيف كان الركوع والسجود؟ قال: حسنا. قال: لا بأس. قال
الشافعي: فلما وقعت هذه الواقعة، بمحضر من الصحابة، كان ذلك إجماعا (2).
وهذه الأحكام مخالفة للنصوص الإلهية.
جمع عمر لصلاتي المغرب والعشاء
أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن
مالك الأزدي قال: صليت مع عمر بن الخطاب بجمع المغرب ثلاثا والعشاء
ركعتين (3).
صلاة التراويح
أخرج البخاري في كتابه عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عبد القاري
أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس
أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال
عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم



(1) سنن أحمد بن حنبل 1 / 190.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي 1 / 222.
(3) طبقات ابن سعد 6 / 155.
409
على أبي بن كعب.
ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم
البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون (1).
وقد سأل أهل الكوفة من أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أن ينصب لهم إماما،
يصلي بهم نافلة شهر رمضان، فزجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه
واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السلام)، فدخل المسجد
ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: وا عمراه.
وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من
النافلة جماعة بدعة، ألا فلا تجمعوا في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلوا صلاة
الضحى، فإن قليلا من سنة خير من كثير من بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل
ضلالة سبيلها إلى النار.
عدد تكبيرات صلاة الميت
قال السيوطي: وعمر أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع
تكبيرات (2).
وقال الطحاوي: فهذا عمر قد رد الأمر في ذلك إلى أربع تكبيرات. فكذلك
ما أجمعوا عليه من عدد التكبير بعده (صلى الله عليه وآله) على الجنائز فهو حجة. وإن كانوا قد
علموا من النبي (صلى الله عليه وآله) خلافه. وما فعلوا ذلك، وأجمعوا عليه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة
على الجنازة فهو حجة، وإن كانوا قد علموا من النبي (صلى الله عليه وآله) خلافه.



(1) صحيح البخار بحاشية السندي 1 / 342.
(2) تاريخ الكامل 15 / 29، تاريخ الخلفاء 137.
410
وروى أحمد بن حنبل عن عبد الأعلى قال: صليت خلف زيد بن أرقم على
جنازة فكبر خمسا، فقام إليه عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده، فقال: هل نسيت
؟ قال: لا ولكن صليت خلف أبي القاسم (صلى الله عليه وآله) فكبر خمسا، فلا أتركها (1).
ومن هذا يظهر واضحا بأن الصلاة على الجنازة تتكون من خمس تكبيرات،
ولكن عمر أحب أن يجعلها أربعا لمصلحة لم يفصح عنها! (2) وهذه مفردة أخرى من
مفردات مخالفة عمر (رضي الله عنه) للنص الإلهي.
قال عبد الله بن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقولون:
نهى أبو بكر وعمر (3).
قضية العشر
روي عن الشعبي، وأبي عبيد عن السائب قال: كنت عاملا على سوق
المدينة زمن عمر، فكنا نأخذ من النبط العشر. وقد روي عن أبي عبيد عن الشعبي
قال: أول من وضع العشر في الإسلام عمر.
وقد روي عن الشافعي، والبيهقي، وأبي عبيد، عن ابن عمر، أن عمر كان
يأخذ من النبط نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من
القبط العشر.



(1) مسند أحمد بن حنبل 4 / 370، صحيح مسلم، باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز، صحيح
النسائي، عدد التكبيرات على الجنازة من كتاب الجنازة.
(2) صحيح مسلم، باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز، صحيح النسائي، عدد التكبيرات على
الجنازة من كتاب الجنازة.
(3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 337، جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر الأندلسي، باب فضل السنة
ومباينتها لأقاويل العلماء.
411
نظرية عمر في طلاق الثلاث
جاء في القرآن الكريم: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان...} (1)، {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره} (2).
إذا يمكن للزوج الرجوع إلى زوجته قبل الطلاق الثالث، وبحصول الطلاق
الثالث لا تحل له حتى تنكح شخصا آخر.
وقد جاء في سنن مسلم عن ابن عباس من عدة طرق صحيحة قال: كان
الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث
واحدة، فقال عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة،
فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم " (3). وذكر مسلم في سننه أيضا: أن أبا الصهباء
قال لابن عباس: هات من هناتك، ألم يكن الطلاق الثلاث (في مجلس واحد) على
عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر
تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم (4).
وأخرج النسائي من رواية مخرمة بن بكير، عن أبيه عن محمود بن لبيد أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام (صلى الله عليه وآله)
غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم! حتى قام رجل فقال يا رسول



(1) البقرة: 229.
(2) البقرة: 230.
(3) سنن مسلم ج 1 / باب طلاق الثلاث، وأخرجه الحاكم والذهبي.
(4) سنن مسلم / طلاق الثلاث 1 / 575، مسند أحمد 1 / 314، البيهقي 7 / 336.
412
الله إلا نقتله؟ (1)
وذكر العلامة الشيخ رشيد رضا (2)، حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) المذكور في سنن
مسلم، وأحمد عن كل من أبي داود، والنسائي، والحاكم، والبيهقي، وقال: ومن
قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) بخلاف ما أخرجه البيهقي، عن ابن عباس قال: طلق ركانة زوجته
ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف
طلقتها؟
قال: ثلاثا. قال (صلى الله عليه وآله): في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال (صلى الله عليه وآله): فإنما تلك
واحدة فارجعها إن شئت (3). وبذلك يتوضح لدينا، بأن طلاق الثلاث في مجلس
واحد يقع كطلاق واحد، وقد أخذ بذلك محمود شلتوت، رئيس الجامع الأزهر
سابقا، بينما خالف عمر النص الإلهي المذكور في القرآن الكريم فجعل طلاق الثلاث
في مجلس واحد ثلاث تطليقات، فلا تحل لزوجها إلا بعد أن تنكح شخصا آخر!
نقل مقام إبراهيم عن مكانه
جاء في القرآن الكريم: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (4). وهو الحجر
الذي وقف عليه إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) لبناء بيت الله الحرام، وكان هذا الحجر
ملصقا ببيت الله الحرام، ويصلي الحاج عنده بعد الطواف، وأول من أخرجه عن
مكانه الذي وضعه فيه النبي إبراهيم (عليه السلام)، هم العرب قبل الإسلام. وبعد بعثة



(1) تحرير المرأة لقاسم بك أمين المصري 172، وقال سعيد بن المسيب وجماعة بأن طلاق الثلاثة
بالمرة باطل لأنه لعب وقوله أنت طالق جد لا لعب فيه.
(2) مجلة المنار 4 / 210.
(3) سيرة ابن إسحاق 2 / 191، وراجع تفسير الكشاف للزمخشري.
(4) البقرة، 125.
413
النبي (صلى الله عليه وآله) وفتحه لمكة أعاد (صلى الله عليه وآله) مقام إبراهيم إلى حيث وضعه جده إبراهيم
(عليه السلام). ويعد هذا قضاء على ما ارتكبه رجال الجاهلية، من عبدة الأصنام، من
انحراف عن فعل إبراهيم (عليه السلام) واستمر هذا المقام في مكانه في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن
أبي بكر.
ولما ولي عمر استمر المقام في مكانه الملاصق للكعبة، حيث وضعه هناك
ثلاثة أنبياء إبراهيم وإسماعيل ومحمد (صلى الله عليه وآله). ولكن في السنة السابعة عشرة نقله عمر
عن مكانه (1). ولم يفصح عمر عن السبب، الذي دعاه إلى نقل مقام إبراهيم عن
مكانه الملاصق للحرم، حيث وضعه إبراهيم وإسماعيل ومحمد (صلى الله عليه وآله)، وقد أرضى
عمر بفعله هذا قريشا، الذين أبعدوا المقام عن الكعبة، ثم أعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
نظرية أبي بكر في سهم ذوي القربى
قال الله سبحانه وتعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...} (2).
وجاء في صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز أنه قال: كتب نجدة بن عامر
الحروري الخارجي إلى ابن عباس، قال ابن هرمز: فشهدت ابن عباس حين قرأ
الكتاب، وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس: والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه،
ما كتبت إليه ولا نعمة عين. قال فكتب إليه: إنك سألتني عن سهم ذي القربى الذين
ذكرهم الله من هم؟ وإنا كنا نرى أن قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هم نحن فأبى ذلك علينا
قومنا (3). ويقسم الخمس ستة أسهم لله تعالى، ولرسوله، ولذي القربى، وهذا بيد



(1) السيوطي في تاريخ الخلفاء، والدميري في كتاب الحيوان في مادة الديك، الكامل في التاريخ، ابن
الأثير 2 / 537، طبقات ابن سعد 3 / 204، شرح نهج البلاغة 3 / 113.
(2) الأنفال: 41.
(3) سنن مسلم آخر كتاب الجهاد والسير 2 / 105.
414
الإمام خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله). والنصف الثاني من الخمس وهو ثلاثة أقسام
فلليتامى، والمساكين، وابن السبيل من آل محمد فقط.
ويؤخذ الخمس من غنائم دار الحرب، والكنوز، والمعادن وكل ما يفضل
من مؤونة سنته، وكل ما يخرج من البحر بالغوص، والحلال المختلط بالحرام.
وأبو بكر هو أول من أول الآية فأسقط سهم النبي، وسهم ذي القربى بعد
موته (صلى الله عليه وآله) فمنع الخمس من بني هاشم، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين،
ومساكينهم وأبناء السبيل. وسار عمر على خطى أبي بكر في هذا المجال.
وجعل الكثير من علماء العامة تأويل أبي بكر وعمر أساسا في فتاواهم،
فالشافعي جعله خمسة أسهم سهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، يصرف إلى ما كان يصرفه
إليه من مصالح المسلمين، وسهما لذوي القربى من بني هاشم، والباقي يقسم بين
الأقسام الثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل من عامة الناس.
وأبو حنيفة وأتباعه أفتوا بكونه لعامة المسلمين، من يتامى، ومساكين،
وابن سبيل، في حين ذهب مالك بن أنس إلى أبعد من ذلك إذ جعله للإمام الحاكم
يضعه حيث يشاء.
نظرية عمر في متعة الحج ومتعة النساء
جاء في كتاب الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن
فريضة} (1).
{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي...} (2).



(1) سورة النساء، 24.
(2) سورة البقرة، 196.
415
وجاء في صحيح الترمذي: " أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج فقال:
هي حلال، فقال له السائل: إن أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى
عنها وصنعها رسول لله، أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال الرجل: بل أمر
رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال: لقد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وقال ابن حاتم: " ارتأى رجل برأيه ما شاء. يعني عمر " (2) وصرح بذلك
سعد بن أبي وقاص (3)، وعمر بن الخطاب (4).
وجاء في مسند أحمد بن حنبل، من حديث ابن عباس، قال: تمتع النبي (صلى الله عليه وآله)
فقال عروة بن الزبير (بن العوام): نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس:
ما يقول عرية (تصغير عروة).
قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم
سيهلكون، أقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقولون نهى أبو بكر وعمر (5).
وعن عمرة التمتع جاء في كتاب مسلم: في حجة الوداع في مكة أعلن
الرسول (صلى الله عليه وآله) حلية العمة ر في الحج أمام أكثر من مائة ألف من الرجال والنساء
وحين أعلن ذلك قام سراقة بن مالك بن خثعم، فقال: يا رسول الله: ألعامنا هذا
التمتع أم للأبد؟ فشبك أصابعه واحدة بعد الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج،
ودخلت العمرة في الحج لأبد أبد (6).



(1) صحيح الترمذي 1 / 157.
(2) صحيح مسلم 2 / 898 ح 1226.
(3) شرح موطأ مالك للزرقاني ص 178.
(4) مسند أحمد 1 / 49.
(5) مسند أحمد بن حنبل 1 / 337، جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر الأندلسي باب فضل السنة
ومباينتها لأقاويل العلماء.
(6) صحيح مسلم 1 / 467، شرح معاني الآثار 2 / 147.
416
وقال عمران بن حصين: واعلم أن نبي الله (صلى الله عليه وآله) قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم
ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله (صلى الله عليه وآله) قال رجل فيها برأيه ما شاء (1).
وقد جاء في صحيح مسلم: عن سعيد بن المسيب: قال: اجتمع علي وعثمان
بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة، فقال له علي: ما تريد إلى أمر
فعله رسول الله تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال علي: إني لا أستطيع أن
أدعك (2).
وكان عرب الجاهلية يفصلون بين الحج والعمرة، ثم جمع النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما
وكذلك أبو بكر، وفصل بينهما عمر وعثمان.
وقال عمر: " متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما،
وأعاقب عليهما: متعة الحج، ومتعة النساء " (3).
وقال أيضا: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهن
وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل (4).
وقال الإمام علي (عليه السلام): لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة، ما زنى إلا شقي (5).
وقد ذكر الراغب الاصفهاني: " أن عبد الله بن الزبير عير ابن عباس بتحليله
المتعة، فقال له ابن عباس: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك فسألها
فقالت: ما ولدتك إلا بالمتعة " (6). وبالرغم من اعتراف أسماء بزواجها متعة من
الزبير إلا أن اليد الأموية غيرت ذلك قائلة: وتزوجها الزبير بمكة، فولدت له عدة،



(1) صحيح مسلم 2 / 899 ح 1226.
(2) صحيح مسلم 1 / 475.
(3) تفسير الفخر الرازي 4 / 42 في تفسير آية " فما استمتعتم به منهن... ".
(4) شرح التجريد، الإمام القوشجي، أخرجه الإمام أحمد بن حنبل 1 / 49.
(5) تفسير الفخر الرازي 4 / 41.
(6) محاضرات الأدباء.
417
فطلقها، فكانت مع ابنها عبد الله بمكة حتى قتل! (1)
وأفتى عمر بفصل الحج عن العمرة. إذ جاء عن عبد الله بن عمر أن عمر بن
الخطاب (رضي الله عنه) قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم، وأتم
لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج (2).
أول من سنها عمر
1 - أول من قرر في مكة وبصورة انفرادية قبل إسلامه قتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
2 - أول من عارض النبي (صلى الله عليه وآله) في مواقف متعددة: في الحديبية، والصلاة على
ابن أبي، والامتناع عن الذهاب في حملة أسامة، ومنع المجئ بورقة ودواة
للنبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس.
أول من قال بعدم موت النبي (صلى الله عليه وآله).
أول من أرسل شخصا سرا إلى أبي بكر ليخبره بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أول من دعا للذهاب إلى السقيفة وصحب أبا بكر إليها.
أول من بايع أبا بكر في السقيفة.
أول رافضي إذ رفض خلافة علي (عليه السلام) للرسول (صلى الله عليه وآله) فهو أول من رفض كتابة
الوصية النبوية من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أول من قاد جماعة لإحراق دار فاطمة (عليها السلام)، ودعا لإحراقه.
أول من خير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بين بيعة أبي بكر أو القتل.
أول من رفض خلافة أبي بكر رسميا بقوله أنها فلتة.



(1) المعارف، ابن قتيبة ص 173.
(2) شرح معاني الآثار 2 / 147.
418
أول من دعا إلى قتل خالد بن الوليد، وابن عبادة.
أول شخص يبايع بوصية خليفة.
أول من نصب معاوية واليا على الشام.
أول من نصب أبا هريرة واليا على البحرين، وأول من اتهمه بالكذب
والسرقة.
أول من خلع خالد بن الوليد وقضى على حياته السياسية.
أول من جعل الرواتب المالية طبقية.
أول من دون الدواوين في خلافته.
أول من فتح العراق والشام ومصر وإيران.
أول من رفض نظرية عدالة الصحابة في اتهامه لولاته بالسرقة والكذب
والفسق وغير ذلك.
وجاء: هو (عمر) أول من سن قيام شهر رمضان، وأول من عاقب على
الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من حرم المتعة... وأول من جمع
الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات... وأول من أعال الفرائض، وأول من
أخذ زكاة الخيل وأخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم... (1)
ومن نظرياتهما منع أبو بكر أرث النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) فقط فأخذ فدكا
منها (2)، وفرض الخليفة عمر التكتف في الصلاة، وحذف البسملة منها، وزاد
آمين، وفرض في التشهد الأول تسليما (3).
وجوز عمر المسح على الخفين (4).



(1) تاريخ الخلفاء، السيوطي 137.
(2) تاريخ الطبري 3 / 95، تاريخ ابن الأثير 2 / 106، 107.
(3) الصراط المستقيم، النباطي المتوفى 877 ه‍، ط. المكتبة المرتضوية.
(4) تفسير العياشي 1 / 46، 297.
419
وجوز عمر لبس الحرير لرفيقه المقرب عبد الرحمن بن عوف فقط (1).
وأول من حرم البكاء على الميت (2).
وأول من سن نظام عول الفرائض (3).
وأول من أوجب زكاة الخيل (4).
وأول من قام بتبديل أسماء من تسمى بأسماء الأنبياء (5).
وأول من منع صيام رجب (6).
وأول من قام بتحديد مهور النساء (7).
ونحن نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا هذا الجهد اليسير آمين رب
العالمين، وأملنا نجاح المسلمين ووحدتهم وفلاحهم.
* * *



(1) صحيح مسلم 3 / 24 ح 1646.
(2) عمدة القارئ 4 / 87، الإستيعاب، ابن عبد البر، ترجمة حمزة، شرح نهج البلاغة 3 / 387،
الإستيعاب، ترجمة زيد، سنن البخاري، باب الجنائز 1 / 154، ذكره ابن الأثير، وابن جرير،
وصاحب العقد الفريد، والإمام أحمد بن حنبل.
(3) الميراث عند الجعفرية، الشيخ أبو زهرة المصري، الروضة، الشهيد الثاني، التلخيص، الذهبي،
المستدرك 4 / 340 كتاب الفرائض.
(4) صحيح البخاري، أبواب الزكاة.
(5) طبقات ابن سعد 5 / 51، 1 / 54، 5 / 69، عمدة القارئ 7 / 143.
(6) كنز العمال 4 / 341، مجمع الزوائد للهيثمي 3 / 191.
(7) أخرجه أصحاب السنن وابن حبان، والحاكم، وأحمد، والدارمي، وابن أبي شيبة والطبراني كلهم من
طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء. وذكر الدارقطني في العلل لهذا الحديث اختلافا كثيرا. ورواه
عبد الرزاق من الوجه الأول وزاد فيه: فقامت امرأة فقالت له: ليس ذلك لك يا عمر. وإن الله يقول: "
وآتيتم إحداهن قنطارا " الآية. فقال إن امرأة خاصمت عمر فخصمته.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة شريح من طريق أشعث بن سوار عن الشعبي عن شريح
قال: قال عمر:... فذكره بلفظ السنن واستغربه من هذا الوجه وأخرجه إسحاق من رواية عطاء
الخراساني عن عمر، والكشاف للزمخشري 1 / 490.
420
/ 1