بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
الكتاب: فلك النجاة في الإمامة والصلاة المؤلف: علي محمد فتح الدين الحنفي الجزء: الوفاة: 1371 المجموعة: من مصادر العقائد عند السنيين تحقيق: تحقيق وتقديم: الشيخ ملا أصغر علي محمد جعفر الطبعة: الثانية سنة الطبع: 1418 - 1997 م المطبعة: صدر الناشر: مؤسسة دار الاسلام ردمك: ملاحظات: الطبعة الثانية وتمتاز بالتحقيق والتنقيح والتهذيب فلك النجاة في الإمامة والصلاة تأليف المولوي الحافظ علي محمد فتح الدين الحنفي المتوفى سنة 1371 ه - 1952 م حققه وقدم له العلامة الشيخ ملا أصغر علي محمد جعفر رئيس جماعة الخوجة العالمية
1 مؤسسة دار الإسلام الطبعة الأولى 1343 ه - 1925 م الطبعة الثانية " وتمتاز بالتحقيق والتنقيح والتهذيب " 1418 ه / 1997 م فلك النجاة في الإمامة والصلاة المؤلف: المولى الحافظ على محمد فتح الدين الحنفي حققه وقدم له: العلامة الشيخ ملا أصغر علي محمد جعفر الطبعة: الثانية 1418 ه - 1997 م الناشر: مؤسسة دار الإسلام عدد النسخ: 3000 نسخة المطبعة: صدر
2 عن الكتاب والمؤلف حاز كتاب (فلك النجاة) شهرة واسعة حال صدوره منتصف عام 1925 م باللغتين: العربية (وهو النص الأصلي الذي كتب به)، والأوردية مترجما من قبل أحد تلامذة المؤلف. والسبب الرئيس في شهرة الكتاب أن مؤلفه ومترجمه (وهما من الشخصيات السنية الكبيرة) انتقلا كلاهما من المذهب (الحنفي) إلى المذهب (الإمامي) الاثني عشري. ومؤلف الكتاب هو المولوي الحافظ، ممتاز الأفاضل والأماجد علي محمد فتح الدين الحنفي المتولد في أحد العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر الميلادي في مدينة (جنك) بالبنجاب. قرأ القرآن الكريم، وحفظه في سن مبكرة من حياته، وتولع بدراسة الحديث النبوي الشريف حتى أصبح من كبار حفاظ عصره المشتهرين في حفظ المتون والأسانيد، وروايتها، وكان يكرر قوله " إذا فقدت جميع كتب الروايات فأنا أستطيع أن أمليها من حافظتي ". أما سبب انتقاله من المذهب الحنفي إلى المذهب الإمامي فقد كان خاضعا لحوارات طويلة جرت بينه وبين تلميذه الحكيم المتبحر أمير الدين ابن الحافظ محمد مستقيم الحنفي. كان أمير الدين مثقفا بالثقافة الدينية المذهبية السنية، ومتبحرا بقراءة كتب التاريخ والرجال وعلم الحديث والتفسير، ومضافا إلى ولعه العلمي هذا، كان طبيبا على نمط القدامى من الأطباء التقليديين. وشاءت الصدف أن يحل أحد علماء (هرات) الأفغانيين الشيعة وهو الشيخ عبد العلي الهروي المتوفى سنة 1342 ه / 1922 م ضيفا للسكنى في مدينة (سركوتها) بالبنجاب، فأحدثت هذه الزيارة صلة بين الحكيم أمير الدين والعلامة الهروي. ونظرا للثقافة الواسعة التي تميز بها الحكيم أمير الدين فقد كان مؤهلا بالدخول مع الهروي في مناقشات مذهبية صريحة للوصول إلى نتائج الاختلاف بين الفرق الإسلامية في مسائل اعتقادية بعد غربلة كتب التفسير والحديث والرجال والتاريخ، وانتهى المطاف بتبني الحكيم أمير الدين للمذهب الإمامي، والانتقال إليه من المذهب (الحنفي). كان ذلك نهاية العقد الأول من القرن العشرين الميلادي. وبفعل صلة التلمذة بين الحكيم أمير الدين والشيخ علي محمد فتح الدين فقد جرت حوارات بينهما انتهت بالحافظ علي محمد أن يقوم بدراسة التشيع على أسس علمية بحتة غير خاضعة للمؤثرات المتوارثة وقد شرع بذلك عام 1330 ه / 1911 م. وبعد ما يقرب من العقد (وبالتحديد في شهر رمضان سنة 1340 ه / 1921 م) بدأ الحافظ فتح الدين بتسجيل قناعاته في كتاب مستقل سماه (فلك النجاة في الإمامة والصلاة).
3 ويتألف الكتاب من جزأين: الأول: يختص بدراسة مسألة (الإمامة)، والاختلاف الذي وقع فيها مع تفاصيلها الأخرى. وقد أطلق على هذا الجزء تسمية (غاية المرام في معيار الإمام). الثاني: يختص بدراسة موضوع (الصلاة)، وترتيبها، وما نشأ من اختلاف في مقدمات مسائلها الفرعية، وغير ذلك. وقد أطلق عليه اسم " ترتيب الصلاة بتطبيق الروايات ". وطبع الكتاب في مجلد واحد (مكتوبا بخط اليد) مع ترجمته باللغة الأوردية عام 1925 م، وشمل المجلد الأول على (523) صفحة، والثاني على (276) صفحة، وتتضمن كل صفحة على (نصين)، النص العربي (كتب على جهة اليمين)، والنص الأوردي (كتب على جهة اليسار). أما مترجم الكتاب الحكيم أمير الدين فلم يكن قد نقل (نصا) من لغة إلى أخرى فحسب، وإنما أضاف إلى الكتاب إضافات كثيرة من خلال تتبع المصادر المختلفة، وإلحاق بحوث مفصلة بين ثنايا الكتاب حقق فيها بعض المطالب بتفصيل وأناة مما أضفى على الكتاب جهدا مضاعفا جعله في مصاف الكتب الموسوعية النادرة في تأريخ الصراع المذهبي في الإسلام. وقد اشتهر (فلك النجاة) عند الفريقين السنة والشيعة - على حد سواء - وأصبح مصدرا لطلاب الحقيقة من الباحثين. وقد أطلقت عليه تسمية (كتاب البركة)، نتيجة لما اشتهر على الألسنة أنه ما قرأه مخالف إلا وأحدث تساؤلا لديه! وقد نقل عن أحد كبار علماء السنة أنه قال: " لا يمكن رد هذا الكتاب أبدا ". إن الطعن بشرعية المذهب الإمامي، والتشكيك بمصداقيته من قبل بعض التيارات السنية (أحادية الاتجاه) كالتيار السلفي حثا العلامة المؤلف أن يسجل محاججاته في (فلك النجاة) ذريعة لغلق أبواب التهجم على القناعات المغايرة. فكتابه هو في حد ذاته ليس فعلا استفزازيا، وإنما هو رد فعل لتيار معاكس ما زالت براثنه تنفجر هنا، وهناك نتيجة لظروف معقدة ينجر قسم منها إلى واقع سياسي واجتماعي محلي ودولي في آن واحد. وفاته توفي الحافظ علي محمد فتح الدين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1371 ه / 1952 م، ودفن في مدينة (چاند) التابعة لمدينة (جنك) الباكستانية. وعلى قبره صخرة كبيرة تحيط بجانبيها أشجار السرو الخضراء، قد كتب على واجهتها اسم صاحبها الحافظ المولوي علي محمد فتح الدين، وسنة وفاته، واسم مؤلفه الخالد (فلك النجاة).
4 تقاريظ كتاب " فلك النجاة " قرظ كتاب (فلك النجاة) جملة من العلماء والأفاضل، وقد طبعت جملة منها طبعته الأولى بلاهور، وقد حملت هذه التقريظات الأسماء التالية: 1 - العلامة المجتهد السيد علي الحائري. (باللغة العربية) 2 - المولوي السيد محمد سبطين. (باللغة الأوردية) 3 - المولوي المصنف نور حسين الجعفري. (باللغة الأوردية) 4 - السيد كرم حسين شاه. (باللغة العربية) 5 - الحاج ميرزا أحمد علي الآمر تسري اللاهوري. (باللغة الأوردية) 6 - السيد محمد الدهلوي. (باللغة الأوردية) 7 - تقريض شعري للشاعر المولوي خادم حسين. (باللغة الأوردية) تقريظ العلامة المجتهد السيد علي الحائري اللاهوري الحمد لله على نواله، والصلاة والسلام على خواص رجاله، وألسنة أقواله، ومصادر أفعاله، وعلى أمثاله ومفاتيح أقفاله، علل الوجود وأسرار السجود محمد (ص) وآله (ع). أما بعد: فقد طالعت شطرا وافيا من الكتاب الموسوم ب (فلك النجاة في الإمامة والصلاة) معنى وترجمة فوجدته رياض حكمة ورضوان، سيفا قاطعا لألسنة الزيغ والطغيان، وبرهانا ناطقا لأهل الإيمان، وشهابا ثاقبا لشياطين الأنس والجان، تنتعش بفهم براهينه القلوب والأبدان، وترتاح بدرك معانيه الأرواح في عالم الإمكان، كيف ومصنفه بفضل الله المنان وحيد العصر وفريد الدهر بالإيقان، كاسر أعناق منكري الإمامة، ومرغم آناف المنحرفين عن طريق الاستقامة بالإعلان، سلطان المناظرين جناب المولوي الحافظ علي محمد، ومترجمه ومحشيه أسوة الأماجد الكرام وصفوة الأطائب الأعلام، فخر المناظرين جناب المولوي محمد أمير الدين لا زالا في درع الأمان من مكاره الزمان على هذا التصنيف والتأليف، لعمري أنه أبدهما الله وأيدهما، قد جهدا غاية الجهد في إحقاق الحق وإزهاق الباطل بالبراهين والدلائل فلله درهما وعليه أجرهما لقد أجادا فيما أفادا فنالا المراد فأثابهما الله وإيانا عن الشرع القويم جنات النعيم، بصاحبه وآله أدلاء عرفان القديم، صلوات الله عليهم بأكرم تسليم، وأهنأ تنعيم. نمقه عبده الأثيم خادم شرع رسوله الكريم علي الحائري (من دار الشريعة - لاهور)
5 تقاريظ علماء كرام كثرهم الله تعالى تقريظ بلاغت حظيظ از رشحات قلم عاليجناب حجته الإسلام صدر المفسرين سلطان المحدثين محى الملت والدين رئيس الشيعة مدار الشريعة سركار شريعتمدار علامه سيد على الحائري قبله مجتهد أدام الله ظلاله باسمه سبحانه الحمد لله على نواله والصلاة والسلام على خواص رجاله والسنة أقواله ومصادر أفعاله وأعلى أمثاله ومفاتيح إقفاله علل الوجود وأسرار السجود محمد وآله - أما بعد فقد طالعت شطرا وافيا من الكتاب الموسوم به فلك النجاة في الإمامة والصلاة متنا وترجمة فوجدته رياض حكمة ورضوان سيفا قاطعا لألسنة الزيغ و الطغيان وبرهانا ناطقا لأهل الإيمان وشهابا ثاقبا لشياطين الإنس والجان تنتعش بفهم براهينه القلوب والأبدان وترتاح بدرك معاينه الأرواح في عالم الإمكان كيف ومصنفه بفضل الله المنان وحيد العصر وفريد الدهر بالإيقان كاسر أعناق منكري الإمامة ومرغم آناف المنحرفين عن طريق الاستقامة بالإعلان سلطان المناظرين جناب المولوي الحافظ على محمد ومترجمه ومحشيه أسوة الأماجد الكرام وصفوة الأطائب الأعلام فخر المناظرين جناب المولوي محمد أمير الدين لا زالا في درع الأمان من مكاره الزمان على هذا لتصنيف والتأليف لعمري أنه أبدهما الله أيدهما قد جهدا غايته الجهد في إحقاق الحق وإزهاق الباطل بالبراهين والدلائل فلله درهما وعليه أجرهما فإنه لقد أجادا فيما أفادا فنالا المراد فأثابهما الله وإيانا عن الشرع القويم جنات النعيم بصاحبه وآله أدلاء عرفان القديم صلوات الله عليهم بأكرم تسليم وأهنأ تنعيم - نمقه عبده الأثيم - خادم شرع رسوله الكريم على الحائري (من دار الشريعة لاهوري) محله شيعيان تقريظ العلامة السيد علي الحائري
6 تقريظ عمدة الواعظين السيد كرم حسين شاه باسمه تعالى الحمد لله رب العالمين، فاطر السماوات والأرضين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد المبعوث بالحجج والبراهين، وآله الطيبين الطاهرين. أما بعد: فهذا كتاب زينت صفحاته بالبراهين القيامة، ونقشت أوراقه بالدلائل المسلمة، إني رأيت بعض مقاماته، ونظرت بعض مقالاته، فوجدته مفيدا لأهل الإسلام، وهدى للخواص والعوام، ومضامينه أنوار الهداية والدراية، وبراهينه براءة من الضلالة والغواية، وسطوره سبل النجاة والسلام، وكلماته أقمار المعرفة والأعلام، وجراحات للأعداء اللئام، نقطة نجوم نكات التحقيقات، اسمه (فلك النجاة)، فقد ألفه العالم الأريب، والفاضل الأديب علي محمد (سلمه الله) الصمد بأمداد وترجمة وتحشية حاذق الحكماء المتأخرين، والأطباء المتبحرين الحكيم المولوي أمير الدين، سلمه أحكم الحاكمين، وأجرهما على الله رب العالمين: فإن شئت البراءة من سعير * وأجرا من إله بالصلاة فلا تبطل صلاتك في ضلال * ودونك فاتخذ (فلك النجاة)!
7 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الرحمان الرحيم المنان الذي شرف الإسلام على الأديان ومن علينا باليسر ورفع الحرج ونزل القرآن وأمرنا فيه بالاتحاد ونهى عن التفرقة والطغيان والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد أحمد النبيين محمود أهل السماوات والأرضين وعلى آله وعترته الطاهرين الذين هم أمان أهل الأرضين وسفينة النجاة يوم الدين الهاديين المهديين من تمسك بهم اهتدى ومن تركهم فهم في ضلال مبين - خصوصا على مصدر العجائب مظهر الغرائب باب العلوم الإلهية وصي النبي ص وابن عمه وزوج ابنته وأخيه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ذي النورين النيرين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين سيدي شباب أهل الجنة أسد الله الغالب سيدنا ومولانا وإمامنا علي ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أما بعد فيقول غني السيئات فقير الحسنات الراجي غفور ربه الرحيم العبد الأثيم على محمد ابن فتح الدين عفا عنهما الرب الكريم الحنيفي الجعفري مذهبا قد شاع الاختلاف في الفرق الإسلامية لا سيما فيها بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة الإمامية في ديارنا وقد قال الله عز اسمه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا - ومن يشاقق الرسول - وقال الصفحة الأولى من كتاب (فلك النجاة)
8 من المجد دين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة وكذا الفاضل الطيبي في شرح المشكاة عده من المجد دين لمذهب الإمامية وهذا إشارة إلى الحديث المروي عن النبي ص أنه قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجد دلها دينها، وهذا آخر ما أردناه في هذا المقام والحمد الله رب العالمين على كل حال وفي كل حين وصلوات الله وسلامه دائما أبدا على سيدنا ومولانا محمد وآله وعترته الطاهرين وشيعته التابعين - ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قد ألفه العبد الأثيم خادم العترة على محمد عفا عنه الرب الكريم الحنيفي الجعفري وهذا آخر ما رقمنا من هذا الكلام بعون الله الملك العلام وآخر دعوتنا أن الحمد الله رب العالمين والصلوات والبركات على سيد المرسلين محمد وآله الطيبين المعصومين و من تبعهم إلى يوم الدين - ربنا إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين - قد ترجمة خادم آل يسين عبده أمير الدين عفا عنه رب العالمين قد تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب تاريخ اختتام تأليف وترجمه 2 / شعبان سنة 1330 هجري مطابق 21 / مارس سنة 1923 وتاريخ طبع كتاب 8 / ذي الحج سنة 1333 ه مطابق 30 جون سنة 1925. الصفحة الأخيرة من كتاب (فلك النجاة)
9 فلك النجاة في الإمامة والصلاة
11 مقدمة المؤلف الحمد لله الرحمن الرحيم المنان الذي شرف الإسلام على الأديان، ومن علينا باليسر ورفع الحرج ونزل القرآن وأمرنا فيه بالاتحاد ونهى عن التفرقة والطغيان، والصلاة والسلام على سيد المرسلين (محمد)، أحمد النبيين، محمود أهل السماوات والأرضين، وعلى آله وعترته الطاهرين الذين هم أمان أهل الأرضين، وسفينة النجاة يوم الدين، الهادين المهديين من تمسك بهم اهتدى ومن تركهم فهو في ضلال مبين، خصوصا على مصدر العجائب، مظهر الغرائب باب العلوم الإلهية وصي النبي (ص) وابن عمه وزوج ابنته الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، ذي النورين النيرين، أبي محمد الحسن، وأبي عبد الله الحسين سيدي شباب أهل الجنة، أسد الله الغالب، سيدنا ومولانا وإمامنا علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). أما بعد: فيقول غني السيئات، فقير الحسنات الراجي عفو ربه الرحيم، العبد الأثيم علي محمد ابن فتح الدين عفا عنهما الرب الكريم، الحنيفي، الجعفري مذهبا: قد شاع الاختلاف في الفرق الإسلامية لا سيما فيما بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة الإمامية في ديارنا وقد قال الله عز اسمه " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، " ومن يشاقق الرسول "، وقال رسول الله (ص) " اتبعوا السواد الأعظم وعليكم با لجماعة " وكل واحد منهما يدعي لنفسه أنه أهل الحق وأنه من الناجية. وقد كنت رجلا قصير الهمة، خادم القوم، مطالعا لكتب الفريقين فأردت أن أهذب الروايات الموافقة لهما من كتبهما، وإن كان في ذلك رفض تقليد شخصي لم نؤمر به في الشارع إلا بالنبي (ص)، أو من ناب منابه من عترته المعصومين عليهم السلام، لينكشف الحق على من اعترض علينا، وسئل عنا من سبب تبديل المذهب من (أهل الجماعة) إلى مذهب (العترة) وكنا ندافع مرة بعد مرة فلما أصروا علينا أردنا أن نكتب ما فيه كفاية لمن له دراية، ولسنا عليهم بمسيطرين، و " ما علينا إلا البلاغ المبين ". ولما كنت لا أملك من الكتب شيئا رجعت إلى عزيزي وتلميذي الأديب الأريب اللبيب الطبيب، شريف النسب والحسب، رفيع الرتب باذل النفس والمال، في سبيل الله المتعال، ذي العزة والتمكين، خادم آل النبيين، الشهير في الآفاق المولوي الفاضل، والحكيم الكامل، محمد أمير الدين أبده الله وأيده، ونصره على حاسديه وخلده، وأعطاه ما تمناه وجعل عقباه خيرا من أولاه، - فأعانني بالكتب المطلوبة غاية الإعانة، وشاورني نهاية المشاورة (جزاه الله خيرا وحشره مع آل محمد)، وكان ذلك عليه يسيرا. فبذلت جهدي وبدأت به في شهر الصيام، سنة أربعين بعد الألف والثلاثمائة من هجرة النبي الأمي (عليه وآله الصلاة والسلام)، وغايتي في هذا الكتاب بيان الإمامة، والخلافة وترتيب الصلوات
13 الخمسة، وصلاة الجنائز لعموم البلوى بهما، وما أريد إلا الاختصار. والمرجو من الأخوان الاتفاق والاتحاد، ورفع الشر والفساد، لتطمئن قلوب المؤمنين ويعتبر أهل الإنصاف من المسلمين لئلا يطعن أحد على أحد، فلا يكفره ولا يفسقه ولا يكرهه، ولا يضيقه إلى ما عنده، ولا (يرفضه)، ولا يعزره ولا يجلده ولا يبين عنه امرأته، ولا يخرجه من مذهبه، ولا يمنعه من مساجد الله سبحانه " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه "، ولا يترك سلامه ولا كلامه " ولا تقولوا لمن ألقى عليكم السلام لست مؤمنا " بل الواجب أن يتفق الفريقان ويتمسكا بالثقلين المباركين لإرشاد النبي (ص) وأمره وتوكيده بهما حتى يكونا على اليسر ويعملا على الأصح الأرجح، ألم تر كيف رووا عنه (عليه السلام): " اختلاف أمتي رحمة " فكيف تكون الرحمة بالتعزير مع أن الاختلاف في المسائل كلها كائن ودائم باتفاقهم. وقد سميت الكتاب ب " فلك النجاة في الإمامة والصلاة " ويقع في مجلدين، الأول منهما معروف ب " غاية المرام في معيار الإمام "، والثاني " ترتيب الصلاة بتطبيق الروايات ". وما أردت إلا الاصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل.
14 الكتاب الأول غاية المرام في معيار الإمام
15 المقدمة في لفظ الشيعة ومصداقه إعلم أن إطلاق (الشيعة) ليس اصطلاحا جديدا، ولا هو أسد صائل، ولا طاعون هائل، ولا وباء ينتشر، بل نسب للتشيع جل الأئمة من المفسرين والمحدثين كيف لا وقد مدح الله سبحانه إبراهيم الخليل في كتابه الكريم " وإن من شيعته لإبراهيم ". قال العلامة السيوطي في الجلالين " وإن من شيعته " أي ممن تابعه في أصل الدين لإبراهيم وإن طال الزمان بينهما. وقد غلط في تفسيرها كثير من المتعصبين ولا نتصدى إلى جوابهم خوفا من الإطناب. ومدار هذا الاعتراض قلة محبة أهل البيت وعدم تفضيلهم على سائر الصحابة وهذا ليس بمحدث حتى يكون بدعة بل كان قديما. ألم تسمع ما قال الطاعنون في الإمام الشافعي بترفضه وما أجاب هو مفتخرا به وهو مستغن عن بياننا وسيأتي إن شاء الله تعالى. وكان هذا الاطلاق في القرن الأول يصدق على أصحاب علي (ع) خاصة، كما في التفسير لابن جرير الطبري المسمى بجامع البيان في تفسير القرآن، (الجزء الثلاثين): حدثنا ابن حميد، حدثنا عيسى ابن فرقد عن ابن الجارود عن محمد بن علي (أولئك هم خير البرية) فقال النبي (ص): " أنت يا علي وشيعتك ". وكذا في تفسير فتح البيان للسيد الصديق (1). وكذا في تفسير الدر المنثور: أخرج ابن مردويه عن علي (ع) قال رسول الله (ص) لعلي: أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض. وفيه: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي (ص) فأقبل علي فقال النبي (ص) " والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ". ونزلت " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية "، فكان أصحاب النبي (ص) إذا أقبل علي (ع) قالوا: جاء خير البرية. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا: " علي خير البرية ". وأخرج ابن عدي عن ابن عباس مثله (2). وفي ترجمان القرآن للسيد الصديق، عن أبي هريرة أيضا مثله (3).
(1) فتح البيان، ج 10، ص 323. (2) الدر المنثور، ج 6، ص 329. (3) ترجمان القرآن، ص 365. 17 وأخرج الخوارزمي في المناقب وابن عساكر والسيوطي في الدر، والحافظ أبو نعيم في الحلية، والديلمي في فردوس الأخبار، قال النبي (ص) لعلي (ع) " أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة وهم راضين مرضيين " (1). وروى أبو نعيم في الحلية عن سلمان " إنك وشيعتك في الجنة " قالها لعلي (ع). قال الحافظ العلامة ابن حجر الهيثمي المكي في الصواعق المحرقة: أخرج الطبراني قال (عليه السلام): " يا علي إنك ستقدم وشيعتك راضين مرضيين " (2). وكذا في (إسعاف الراغبين) عن علي، وابن عباس. وفي الصواعق، أخرج أحمد في المناقب أنه عليه السلام قال لعلي (ع): " أما ترضى إنك معي في الجنة والحسن والحسين وذريتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا " (3). وكذا في كنز العمال: رواه ابن عساكر عن علي، وابن عدي، والطبراني (4). وفيه: قال علي بن الحسين بن علي (ع) عن أبيه عن جده " إنما شيعتنا من أطاع الله ورسوله وعمل أعمالنا " (5). وفيه: أخرج الدارقطني " يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة " (6)، الحديث. قال الدارقطني: لهذا الحديث عندنا طرق كثيرة، ثم أخرج عن أم سلمة في حديث " يا علي أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة ". وذكره كذلك في كنز العمال (7). وفيه أيضا، رواه أبو نعيم في الحلية عن علي (ع)، وفيه رواه الخطيب وابن الجوزي في الواهيات، وفيه: " محمد بن جحادة ثقة قال في التشيع روى له الشيخان " (8). وفيه: " شفاعتي لمن أحب أهل بيتي وهم شيعتي " رواه الخطيب عن علي (ع) (9). وفيه: في رواية (ظهور السفياني): فيقتلون شيعة آل محمد بالكوفة (10). وفيه: في حديث طويل في جواب من سأل عليا (ع): على ما قاتلت طلحة والزبير؟! قال علي (ع) قاتلتهم على نقضهم بيعتي، وقتلهم شيعتي من المؤمنين (11). وفي الصواعق المحرقة: لما تصالح الحسن ومعاوية، كتب الحسن (ع) كتابا لمعاوية صورته: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله، وسيرة الخلفاء
(1) أرجح المطالب، ص 25. (2) الصواعق المحرقة، ص 92. (3) إسعاف الراغبين، ص 156، والصواعق المحرقة، ص 96. (4) كنز العمال، ج 6، ص 218. (5) كنز العمال، ص 96. (6) كنز العمال، ص 96. (7) كنز العمال، ج 1، ص 52. (8) كنز العمال، ج 2، ص 81. (9) كنز العمال، ج 6، ص 312. (10) كنز العمال، ج 6، ص 20. (11) المصدر السابق، ج 8، ص 312. 18 الراشدين المهديين وليس لمعاوية ابن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم حيث كانوا " (1). وفي الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر الجيلي المعروف بالغوث الأعظم: اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله (إلى أن قال): وأتباعه وأشيائه. وفي دلائل الخيرات (منزل الجمعة): اللهم صل على محمد (إلى أن قال): " وأشياعه ومحبيه ". وفيه في (منزل الخميس): واحشرنا في أتباعه الغر المحجلين، وأشياعه السابقين، وأصحاب اليمين يا أرحم الراحمين. وفي القصيدة المضرية لمؤلف قصيدة البردة: وصل رب على الهادي وشيعته * وصحبه من لطي الدين قد نشروا في مجمع البحرين، نقلا عن (القاموس): شيعة الرجل (بالكسر) أتباعه وأنصاره، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا (ع) وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا (2). وكذا في النهاية لابن الأثير. وفي الخصائص الكبرى (3): أخرج أبو سعد في " شرف المصطفى " عن الجعد بن قيس المرادي، قال: خرجنا أربعة أنفس نريد الحج في الجاهلية، فلما أقبل الليل استفدنا بعظيم الوادي وعقلنا رواحلنا فلما هدأ الليل ونام أصحابي إذا هاتف من بعض أرجاء الوادي يقول: ألا أيها الركب المعرس بلغوا * إذا ما وقفتم بالحطيم و (زمزما) محمدا المبعوث منا تحية * تشيعه من حيث ساروا ويمما وقولوا له إنا لدينك (شيعة) * بذلك أوصانا المسيح ابن مريما
(1) الصواعق المحرقة، ص 81. (2) مجمع البحرين، ص 539، والقاموس المحيط، ج 2، ص 524. (3) الخصائص الكبرى للسيوطي، ج 1، ص 109، (طبع حيدرآباد، 1319 ه). 19 من نسب من أئمة السنة إلى التشيع والآن نذكر أكابر الأئمة وأعاظم الأمة من أهل السنة الذين نسبوا إلى التشيع. منهم: الشافعي (1)، ولمبالغة الشافعي في حبهم ومدحهم (أي في حب أهل بيت النبي (ص) ومدحهم) صرح بأنه من شيعتهم حتى قيل عنه فأجاب عن ذلك: إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني (رافضي) وله أيضا: آل النبي ذريعتي * وهم إليه وسيلتي أرجو بهم أعطى غدا * بيدي اليمين صحيفتي وله أيضا: قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن توليت غير شك * خير إمام وخير هاد إن كان حب الوصي رفضا * فأنني أرفض العباد وله أيضا: يا راكبا قف بالمحصب من (منى) * واهتف بساكن خيفها والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى (منى) * فيضا كملتطم الفرات الفائض
(1) التدريب، ص 209، والصواعق، ص 108. 20 إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان إني (رافضي) قال البيهقي: وإنما قال الشافعي ذلك حين نسبه الخوارج إلى الرفض حسدا أو بغيا، (وقد ترجم العارف الجامي هذه الأبيات في سلسلة الذهب). وله أيضا: وقد قال المزني إنك رجل توالي أهل البيت (ع) فلو عملت في هذا الباب أبياتا، فقال: وما زال كتما منك حتى كأنني * برد جواب السائلين لأعجم وأكتم ودي مع صفاء مودتي * لتسلم من قول الوشاة وأسلم هذا كله في الصواعق المحرقة (1). وله أيضا: لو شق قلبي لبدا وسطه * سطران قد خطا بلا كاتب الشرع والتوحيد في جانب * وحب أهل البيت في جانب إن كنت فيما قلته كاذبا * فلعنة الله على الكاذب وله أيضا: فإن كان ذنبي حب آل محمد * فذلك ذنب لست عنه أتوب وله أيضا: يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له
(1) الصواعق المحرقة، ص 29. 21 وقد نقل البيهقي عن الربيع بن سليمان، أحد أصحاب الشافعي، قصة طويلة وفي آخرها قال (رحمه الله): برئت إلى المهيمن أناس * يرون الرفض حب الفاطمية على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية قال محمد بن وهب: لو يستطيعون من ذكري أبا حسن * وفضله قطعوني بالسكاكين ولست أترك تفضيلي له أبدا * حتى الممات على رغم (الملاعين) هذا كله في النصائح الكافية (1). وللشافعي: إلام ألأم وحتى متى * أعاتب في حب هذا (الفتى) فهل زوجت (فاطم) غيره * وفي غيره هل أتى (هل أتى)؟! ومنهم: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، قال الخطيب البغدادي: " كان الحاكم ثقة وكان يميل إلى التشيع "، وذكر ذلك أيضا المحدث عبد العزيز الدهلوي في بستان المحدثين (2). وفي شرح نخبة الفكر: (الحاكم) هو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا. وقال جماعة من المحققين (حاشية نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر): " الحاكم هو محمد ابن عبد الله الحافظ المعروف صاحب المستدرك على الصحيحين إمام أهل الحديث في عصره:، وسيأتي توثيقه في توثيق الكتب إن شاء الله. ومنهم: عبد الرزاق المحدث، قال في تقريب التهذيب (3): " عبد الرزاق ثقة حافظ مصنف
(1) النصائح الكافية، ص 288. (2) بستان المحدثين، ص 40. (3) تقريب التهذيب، ص 240. 22 شهير عمي في آخره فتغير، وكان يتشيع ". وفي (الحاشية): هو أحد الأئمة الأعلام الحفاظ. وقال ابن عدي: رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم، ولم نر بحديثه بأسا إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. (كذا في الخلاصة). وفي " النصرة الغيبية على الفرقة الشيعية " لعبد الشكور ناقلا عن ميزان الاعتدال للذهبي، يقول ابن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاما فاستدللت به على تشيعه فقلت إن أساتذتك الذين أخذت عنهم كلهم أصحاب سنة (معمر، ومالك، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي) فممن أخذت هذا المذهب؟! فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي فرأيته فاضلا حسن الهدي فأخذت هذا عنه (1). وقد نقل الذهبي في " الميزان " عن (البخاري): ما حدث عنه عبد الرزاق من كتابه فهو أصح. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري: ما كان في كتبه فهو صحيح، وما ليس في كتابه فإنه كان يلقن فيتلقن. في الصواعق المحرقة: وما أحسن ما سلكه بعض الشيعة المنصفين كعبد الرزاق (2). ومنهم: عبد الله عبد القدوس التميمي السعدي الكوفي: صدوق رمي بالرفض. كذا في تقريب التهذيب (3) (وثقه الثوري وغيره)، وفي خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال: قال البخاري: صدوق، ووثقه ابن حيان. ومنهم: عبد السلام بن صالح: " نزل بنيشابور، صدوق، وكان يتشيع " (4). وفي اللآلي المصنوعة للسيوطي: صالح ثقة، وثقه ابن معين وقال: ليس ممن يكذب. وقال غيره: كان من المعدودين في الزهد (5). وقال في الميزان: رجل صالح إلا أنه شيعي. ومنهم: علي بن المجد البغدادي قال في التقريب: ثقة ثبت رمي بالتشيع (6)، (وهو أستاذ البخاري وأبي داود). وفي التهذيب: قال الجوزجاني: هو غال في التشيع. ومنهم: علي بن بذيمة (هو أستاذ الأربعة) ثقة رمي بالتشيع (7). ومنهم: ثعلبه بن يزيد الكوفي، صدوق، شيعي (8). ومنهم: جابر بن يزيد، ضعيف رافضي (9)، وهو أستاذ أبي داود، والترمذي.
(1) النصرة الغيبية، ص 31. (2) الصواعق المحرقة، ص 3. (3) تقريب التهذيب، ص 206. (4) تقريب التهذيب، ص 420. (5) اللآلي المصنوعة، ص 18. (6) التقريب، ص 269. (7) التقريب، ص 269، وتفسير ابن كثير، ج 3، ص 265. (8) التقريب، ص 62. (9) التقريب، ص 64. 23 وفي خلاصة التهذيب: وثقة الثوري وغيره، وروى عنه شعبة والسفيانان، وهو من كبار علماء الشيعة. إنتهى. قال مسلم بإسناده: سمعت جريرا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه لأنه كان يؤمن بالرجعة. سمعت جابر بن يزيد يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي (ص) كلها (1). وفي نيل الأوطار (2): وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه الجمهور، ووثقه الثوري. ومنهم: محمد بن إسحاق (نزيل العراق)، إمام المغازي، صدوق رمي بالتشيع (3). وفي الحاشية: روى عنه البخاري تعليقا، ومسلم، والأربعة. قال في الخلاصة: هو أحد الأئمة الأعلام لا سيما في المغازي والسير. وقال ابن شهاب: لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيها محمد بن إسحاق. وقال الإمام أحمد: هو حسن الحديث، وكذا قال المنذري في الترغيب والترهيب أنه حسن الحديث، وقال إمام الأئمة: رأيت علي بن المديني أنه يحتج. وقال رئيس الحنفية ابن الهمام في مواضع من فتح القدير: هو أمير المؤمنين في الحديث، ثقة ثقة ثقة وكفى، حسن الإمام الترمذي حديثه، وقد احتج به أصحاب الصحاح فكفاك بهم شهيدا (4). ومنهم: جعفر بن زياد الأحمر الكوفي صدوق يتشيع (5). وقال أبو محمد البنجابي في حاشيته على التقريب: هو أستاذ أبي داود، والترمذي، والنسائي، قال أبو داود: ثقة شيعي، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، (كذا في الخلاصة وغيره). ومنهم: الحسين بن الحسن الأشقر الفزاري الكوفي صدوق ويغلو في التشيع من العاشرة حتى مات سنة ثمان ومائتين (6). ومنهم: سالم بن أبي حفصة قال في الصواعق المحرقة: " وأخرج الدارقطني عن سالم بن أبي حفصة وهو شيعي، لكنه ثقة " (7). ومنهم: يحيى بن يعمر، قال ابن خلكان كان تابعيا، عالما بالقرآن والنحو، وكان شيعيا من
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 5. (2) نيل الأوطار، ج 2، ص 275. (3) التقريب، ص 313. (4) حاشية التقريب، ص 213. (5) التقريب، ص 28. (6) التقريب، ص 57. (7) الصواعق المحرقة، ص 31. 24 الشيعة الأولى، ويتشيع تشيعا حسنا، يقول بتفضيل أهل البيت (1). ومنهم: الإمام النسائي لما ألف الخصائص في مناقب المرتضى، وقرأه على أهل دمشق على المنبر فشيعوه وضربوه ضربا شديدا على خصيتيه، فأمر غلمانه بالارتحال إلى مكة فمات ثم دفن بين الصفا والمروة (2). وفي تاريخ ابن خلكان، قال: وكان يتشيع (3). وقد عد صاحب " مجمع البحرين في أدلة الفريقين " نحو خمسين رجلا ممن رمي بالتشيع، وروي عنهم في الصحاح الستة، وهذا قليل من كثير، و (الغرفة تنبئ عن البحر). فقد ظهر مما ذكرنا أن اسم الشيعة قد أطلق في القرون الأولى على من أحب عترة النبي وعلى متبعيهم ولو كره الكارهون، وأتهم المتعصبون، وتنفر عن الثقلين المتنفرون، كما بينا من صحيح مسلم عن رواية جابر بن يزيد الجعفي، أنه وإن كان يعلم الأحاديث الصحيحة المسماة بسلسلة الذهب عن جعفر الصادق (ع) عن رسول الله (ص) والتي تبلغ نحو سبعين ألف حديثا، لكنه لم يرو عنه مسلم، ولا أستاذه بسبب أنه يعتقد ببعض آرائه تبعا لأهل البيت (ع)، كذلك كانوا لا يأخذون الرواية عمن انتسب إليهم. والحق أن المراد من أهل الجماعة والسواد الأعظم هم الذين اتبعوا الثقلين وإن قلوا، ونستدل على ما قلنا بما روي في كنز العمال، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه، قال: كان علي (ع) يخطب فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك أما إذا سألتني فافهم عني، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحدا بعدي: فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وعن أمر رسوله. وأما أهل الفرقة فالمخالفون لي، ولمن اتبعني وإن كثروا. وأما أهل السنة فهم المتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا. وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها واستئصالها عن جدبة الأرض. (الحديث رواه وكيع) (4). وفي كنز العمال: في رواية سليم بن قيس العامري، قال العامري: قال علي: السنة والله سنة محمد وآله، والبدعة ما فارقها، والجماعة والله مجامعة أهل الحق وإن قلوا، أو الفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا، (رواه العسكري) (5). وفي الصواعق المحرقة: لما ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكا ولذا لم تتم للحسن عوضوا عنها بالخلافة الباطنة، حتى ذهب قوم إلى أن قطب الأولياء في كل زمن لا يكون إلا
(1) حياة الحيوان، ج 1، ص 121، 164. (2) بستان العلماء، ص 111. (3) تاريخ ابن خلكان، ج 1، ص 21. (4) كنز العمال، ج 8، ص 215. (5) كنز العمال، ج 1، ص 92. 25 منهم (1). وهكذا في " الشرف المؤبد لآل محمد " للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني، ناقلا عن العلامة الصبان في " إسعاف الراغبين ": وفي الشرف المؤبد " ورأيت في شرح المناوي الكبير على الجامع الصغير ما نصه: قال الحرابي سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشائخ والمريدين إلى أهل البيت، ثم قال: فرجع الكل إلى علي (ع) أولئك حزب الله " (2). وفي الصواعق: " والشيعة - أي شيعة علي (ع) - هم أهل السنة "، وبعد ذكر أوصاف شيعة علي (ع) من المطالب العالية قال ابن حجر: تعلم أن هذا لا يوجد إلا في أكابر العارفين الأئمة الوارثين، فهؤلاء شيعة علي (ع) وأهل بيته (3). وفي كنز العمال: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". رواه أحمد في مسنده، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن ثوبان، وابن جرير عن معاوية، والطبراني وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم، وأحمد، والطبراني، والحاكم عن عمر، والطبراني عن جابر بن سمرة، وفي رواية البخاري: لا يزال الناس من أمتي، (الحديث، رواه المغيرة بن شعبة) (4). وفي الميزان الكبرى للشعراني: كان سفيان الثوري يقول: المراد بالسواد الأعظم هم من كان من أهل السنة والجماعة ولو واحدا، فاعلم ذلك (5). وفي النصائح الكافية: قال ابن القيم في إغاثة اللهفان قال أبو محمد المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي (ص) وأصحابه ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم (6). وفيه عنه: قال ابن مسعود والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك (7). وفي (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر) للإمام الشعراني: كان سفيان الثوري يقول: أهل السنة والجماعة هم من كان على الحق ولو واحدا. وكذلك كان يقول إذا سئل عن السواد الأعظم من هم، كذلك يقول الإمام البيهقي (8). في النصائح الكافية: قال ابن القيم: سئل بعض أهل علم عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم، فقال محمد بن أسلم الطوسي: والله إن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة، وهو السواد الأعظم، وهو الإجماع، وهو سبيل المؤمنين (9).
(1) الصواعق المحرقة، ص 86. (2) الشرف المؤبد لآل محمد، ص 62، طبع مصر. (3) الصواعق المحرقة، ص 86. (4) كنز العمال، ج 2، ص 235. (5) الميزان الكبرى، ج 1، ص 51. (6) النصائح الكافية، ص 182. (7) النصائح الكافية، ص 183. (8) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، للإمام الشعراني، ج 1، ص 3. (9) النصائح الكافية، ص 683. 26 وفي (الإنصاف في بيان سبب الاختلاف) لولي الله الدهلوي: فإن لله طائفة من عباده لا يضرهم من خذلهم، وهو حجة الله في أرضه وإن قلوا (1). وفي كنز العمال: إنكم تكونون على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا الإسلام وجماعتهم، (رواه الحاكم عن كثير بن عبد الله) (2). وفي (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) عن عروة، قال: إنه كان يتلو قوله تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " والناس لا يلتفتون إليه، وكان أكثر الصحابة على خلاف ذلك، فيؤخذ منه أن الأقل عددا في الاجتهاد قد يصيب، ويخطئ الأكثر، فلا يتعين الترجيح بالأكثر ولا سيما إن ظهر أن بعضهم قلد بعضا (3). وفي كنز العمال: تكون بين الناس فرقة واختلاف، فيكون هذا وأصحابه على الحق يعني عليا. رواه الطبراني عن كعب بن عجرة الحق مع ذا، الحق مع ذا، يعني عليا، رواه أبو يعلى وسعيد بن أبي منصور عن أبي سعيد (4). وفي التفسير الكبير قال (ص): " اللهم أدر الحق مع علي حيث دار " (5). وفي القرآن الكريم: " بل أكثرهم لا يؤمنون ". " وأكثرهم هم الفاسقون ". " وإن أكثرهم فاسقون ". " وأكثرهم لا يعقلون ". " ولكن أكثر الناس لا يعلمون ". " ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ". " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ". " بل أكثرهم لا يعلمون ". " وما كان أكثرهم مؤمنين ". " كان أكثرهم مشركين ". " ولا تجد أكثرهم شاكرين ". " وقليل من عبادي الشكور ". " وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ". " ولكن أكثرهم للحق كارهون ". " لأحتنكن ذريته إلا قليلا ". " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ". " وقليل ما هم ". " قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه وما أمن معه إلا قليل ". " وما وجدنا أكثرهم من عهد ". " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ". " وكثير منهم ساء ما يعملون ". " وكثير منهم فاسقون ". " ضلوا وأضلوا كثيرا ". " وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ". " وإن كثيرا من الناس لفاسقون ". " وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ". " قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث ". " قليلا ما تذكرون ". " قليلا ما تشكرون ". " لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ". " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ". هذه الآيات كلها مذمة للكثرة، فلا تغتر بها، وانظر في كل مغازي النبي (ص) إلى فوجه (عليه السلام)، وأفواج الكفار أيهم أكثر عددا، ثم ارجع البصر كرتين إلى محاربة سيد الشهداء القتيل بكربلاء وأفواج الأشقياء (لعنهم الله) ينقلب إليك البصر خاشعا وهو حسير، الحمد الله سبحانه. قد ظهر الحق واندفع الشك أن أهل السنة، وأهل الجماعة، والفرقة الناجية، وأهل الحق، والسواد الأعظم، وشيعة علي الذين بشرهم النبي (ص) بالجنة هم نحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ونحن الذين نتمسك بالثقلين، ولو كنا قليلا عددا، ونزداد إن شاء الله تعالى يوما فيوما كما يؤيده قوله
(1) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، ص 95. (2) كنز العمال، ج 1، ص 54. (3) فتح الباري، ج 4، ص 107. (4) كنز العمال، ج 6، ص 152. (5) التفسير الكبير، ج 1، ص 120. 27 تعالى " يدخلون في دين الله أفواجا "، وكما يشهد عليه عند سلطان زماننا بعد عدة سنين (من شاء فلينظر كتبهم في هذا الباب). ودعوى المخالفين بأنهم أهل السنة اختراع، لأنهم أهل السنة - بفتح السين لا بضمها - كما زعموا. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: خرج معاوية على علي (ع) وتسمى بالخلافة، ثم خرج على الحسن فتنازل له الحسين عن الخلافة، فاستقر فيها من ربيع الآخر وجمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، فسمي هذا العام (عام الجماعة) (1). وفي فتح الباري، والإصابة، والاستيعاب على الإصابة: دخل معاوية الكوفة وبايعه الناس، فسمي (سنة الجماعة) لاجتماع الناس، وانقطاع الحرب (2). ولا يخفى أن السنة (بالفتح)، و (العام) بمعنى واحد، والمغالطة في الشهرة وقعت (بالضم).
(1) تاريخ الخلفاء، ص 132، وحياة الحيوان، ج 1، ص 52. (2) فتح الباري، ج 2، ص 552، الإصابة، ج 3، ص 433، الإستيعاب على الإصابة، ج 1، ص 372، ج 2، ص 398. 28 الباب الأول اختلاف المذاهب ومعيار أهل الحق إعلم أنه قد اختلفت المذاهب وادعى كل واحد منها على كونه أهل الحق، والفرقة الناجية وشاعت الأحاديث، منها ما يكون صحيحا وضعيفا وحسنا وغريبا ومتواترا ومشهورا وواحدا مرفوعا وموقوفا متصلا ومنقطعا ومرسلا وموضوعا وغيرها، أحوجتنا إلى مميز ثقة معتمد عليه، ومعصوم مقتدى به، ومرجح يرجح به، فلما جسسناه وجدنا (الثقلين) معيارا يميز به الناقد من الكاسد، والصحيح من الفاسد الذين أمرنا باعتصامهما واستمساكهما الواجب إطاعته سيدنا وشفيعنا ومولانا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال " إني تارك فيكم الثقلين "، وهو حديث متواتر تلقته الأمة بالقبول، ولو أنكر الجهول، فما طابقهما فهو الحق الحقيق بالقبول، وإن كان مخالفا لرأي بعض الفحول، والعمل عليه هو الاتباع للسواد الأعظم، والالتزام بالفرقة الناجية، كما مر وسيأتي، فلنذكر هنا (حديث الثقلين) الذي هو مدار المهام، بحيث تدور عليه رحى الإسلام. حديث الثقلين في الصواعق المحرقة: ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا (1). وفي صحيح مسلم وغيره في خطبته (عليه السلام) في حجة الوداع قبل وفاته بنحو شهر: " إني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا ". وفي رواية صحيحة: كأني قد دعيت فأجبت. وفي رواية: " وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ". إنتهى - من الصواعق. وفي أرجح المطالب: عن زيد بن ثابت عن رسول الله (ص) قال " إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي " (2)، أخرجه الطبراني في مسند بن ثابت.
(1) الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 89، 136. (2) أرجح المطالب، ص 387. 29 وفي رواية " إني تارك فيكم الثقلين " عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول الله (ص) خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، إني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ". أخرجه أحمد، ومسلم، والترمذي، والحاكم. في الخصائص الكبرى للسيوطي: أخرج الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه عن زيد بن أرقم أن النبي (ص) قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي (1). وفي كنز العمال " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (2)، رواه النسائي عن جابر. و " أيها الناس قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي "، رواه الترمذي عن جابر. " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض "، رواه أحمد في مسنده، والطبراني عن زيد بن ثابت. و " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا (أي تأملوا) كيف تخلفوني فيهما "، رواه الترمذي عن زيد بن أرقم. " أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله تعالى، واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي "، رواه أحمد في مسنده، وعبد بن حميد، ومسلم عن زيد بن أرقم، وكرر مسلم ثلاثا: أذكركم الله. " إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما "، رواه ابن أبي شيبة وابن سعد وأحمد في مسنده وأبو يعلى عن أبي سعيد، وزاد الطبراني وابن عساكر " إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، وكذا رواه الحاكم عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم (3). وقال: " فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، قيل: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت لهما ذلك ربي، ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما
(1) الخصائص الكبرى، ج 2، ص 266. (2) كنز العمال، ج 1، ص 47. (3) كنز العمال، ج 1، ص 48. 30 فإنهما أعلم منكم "، رواه الطبراني عن زيد بن ثابت، وبمعناه رواه سعيد بن منصور، وابن عساكر، وابن أبي شيبة، والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر، وابن جرير، والحاكم، وأبو يعلى، وإسحاق بن راهويه في مسنده والبزار والدولابي. وفي أرجح المطالب عن أبي ذر أنه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إني تارك فيكم، (الحديث) (1)، أخرجه الترمذي. عن أبي رافع مولى رسول الله قال: نزل رسول الله (ص) غدير (خم) (2) في حجة الوداع فقام خطيبا بالناس بالهاجرة، فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر والثقل الأصغر، (الحديث)، أخرجه ابن عقدة. عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: رجع رسول الله (ص) من حجه حتى إذا كان بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثم خطيبا بالهاجرة، فقال: أما بعد أيها الناس، (الحديث)، أخرجه البزار. عن أم سلمة قالت: أخذ رسول الله (ص) بيد علي بغدير خم فرفعها حتى رأينا بياض أبطه، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، ثم قال: " أيها الناس إني مخلف فيكم الثقلين "، (الحديث)، أخرجه ابن عقدة. وعن عامر بن أبي ليلى بن حمزة وحذيفة بن أسيد وزيد بن أرقم وذكروا حديثا طويلا ثم قال: أيها الناس، أنا فرطكم وإنكم واردون علي الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم. أخرجه ابن عقده، وأبو موسى المدايني، والطبراني في المسند الكبير، والحكيم. عن أم سلمة قالت: قال رسول الله (ص): إني مخلف فيكم الثقلين كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فقال: هذا مع القرآن والقرآن مع علي، لا يتفرقان حتى يردا علي الحوض فأسألهما ما خلفتم فيهما. أخرجه ابن عقد مطولا. عن ابن عمر قال: آخر ما تكلم به رسول الله (ص) قال: اخلفوني في أهل بيتي. وفي الصواعق المحرقة عن أبي عمر. " آخر الحديث رواه الطبراني " (3). وهكذا في تاريخ الخلفاء: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، كتاب الله وأهل بيتي عترتي، تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه. رواه الحاكم عن زيد بن أرقم (4). وكذا في كنز العمال أيضا (5). وفي تاريخ الخلفاء: أخرج الطبراني في الأوسط والصغير عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي، ولا يفترقان حتى يردا علي الحوض (6). وفي أرجح
(1) أرجح المطالب، ص 389. (2) خم: (بالضم وتشديد الميم)، هو موضع يقع بين مكة والمدينة، ويبعد ثلاثة أميال عن (الجحفة). (3) الصواعق المحرقة، ص 90. (4) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 117. (5) كنز العمال، ج 1، ص 37. (6) تاريخ الخلفاء، ص 118. 31 المطالب: أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والديلمي (1). وفيه عن أبي هريرة مرفوعا: إني خلفت فيكم اثنين إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله ونسبي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، أخرجه البزار (2). وفي كنز العمال (مسند السيد الحسن): ادع لي سيد العرب. قلت: ألست سيد العرب؟ قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب. فلما جاء قال: يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا، هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل. رواه أبو نعيم في الحلية (3). وفي الصواعق: وأخرج الترمذي، (وقال: حسن غريب): إنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (4). وأخرجه أحمد في مسنده بمعناه وسند لا بأس به، وفي رواية: إن ذلك كان في حجة الوداع. وفي رواية صحيحة: إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وفي تفسير الصافي بإسناده: " إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر والثقل الأصغر، فأما الأكبر فكتاب ربي، وأما الأصغر فعترتي أهل بيتي، فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما " (5). وفي حياة القلوب عن الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي عن أبي ذر مرفوعا، وكذا في إكمال الدين بخمسة وعشرين إسنادا، ومعاني الأخبار، والخصال، والأمالي للشيخ الصدوق، والتفسير للقمي، وفي حياة القلوب عن الصفار في بصائر الدرجات، والعياشي في تفسيره بأسانيده، والكافي (في كتاب الحجة باب 64)، والصافي في شرح الكافي (6). ولنكتف في تحرير معنى حديث الثقلين بما قاله العلامة ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة بعد ذكره أنه (ص) أظهر حديث الثقلين في مواضع كثيرة، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، ثم قال: وأخرج الملا في سيرته حديث: " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل فانظروا من توفدون " (7)؟! ثم قال: وهذان - أي الثقلان - كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية، والأحكام الشرعية، ولذا حث النبي (ص) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم، ثم قال:
(1) أرجح المطالب، ص 236. (2) المصدر السابق، ص 390. (3) كنز العمال، ج 6، ص 400. (4) الصواعق المحرقة، ص 89. (5) تفسير الصافي، ص 5. (6) حياة القلوب، ج 3، ص 38، 41. (7) الصواعق المحرقة، ص 89، 90. 32 الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض. ويؤيده الخبر السابق: " ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله تعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها وسيأتي الخبر الذي في قريش، ولا تعلمونهم فأنهم أعلم منكم، فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقية قريش، وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع المتأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، (كما أن الكتاب العزيز كذلك)، ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض، كما سيأتي. ويشهد بذلك الخبر السابق: " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ". ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته، ومن ثم قال أبو بكر علي عترة رسول الله (ص)، أي الذين حث على التمسك بهم فخصه لما قلنا، وكذلك خصه (ص) بما مر يوم غدير (خم). ثم قال: فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبرأهم من الآفات (المنهية من الشارع) وافترض مودتهم في الكتاب. قال العلامة عبد الرؤوف المناوي في " فيض القدير في شرح الجامع الصغير ": قال الشريف: يفهم منه وجود من يكون أهلا للتمسك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان إلى قيام الساعة حتى يتوجه البحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهبت الأرض (1). ولا يخفى أن خطاب التمسك بالثقلين للحاضرين من الصحابة (خواصهم، وعوامهم) بالأصالة بحيث لا يستثنى منه أحد من الثلاثة ولا غيرهم، وللغائبين من التابعين وغيرهم تبعا لما هو قانون الشرع، فعلم أن كل الأمة من الصحابة وغيرهم مأمور باتباع الثقلين، فكانت الأمة كلها تابعة لهم لا متبوعة، ومتعلمة منهم لا معلمة لهم، ومتأخرة عنهم لا متقدمة عليهم، لأن الأحق بالإمامة والأقدمية هم لا هي، (أي الأمة العامة) صحابة كانوا أو غيرهم. وثبت أن أهل البيت وجب أن يكونوا حاكمين لا محكومين، وآمرين للأمة لا مأمورين. ورد قول من قال (إن كل تقي آل محمد) داخل في الثقلين لأنه يستلزم وحدة المتمسك والمتمسك به، وهو باطل مع أن هذا الحديث المشهور واه جدا كما في الفتح (2)، وحديث أنس رفعه " آل محمد كل تقي ". أخرجه الطبراني، ولكن سنده واه جدا، وأخرج البيهقي عن جابر نحوه من قوله بسند ضعيف. في الصواعق " إن كل مؤمن تقي آل محمد " ضعيف، فلزم أن يكون الأئمة من أهل البيت،
(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير، (باب في حد السارق)، ص 186. (2) فتح البتري، ج 6، ص 53. 33 وكانت بيعتهم لازمة في أعناق المسلمين لا بالعكس كما هو مقتضى الحديث المذكور من قوله عليه السلام: " ولا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فأنهما أعلم منكم "، وكما في الصواعق من تأهل منهم للمراتب العلية، والوظائف الدينية كان مقدما على غيره (1). تذنيب: من هم أهل البيت؟! إعلم إن في إطلاق أهل البيت على علي (ع) والحسن والحسين وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليهم السلام) روايات كثيرة شهيرة في كتب التفسير والحديث عند الفريقين، وجل الأدلة عليه: آية التطهير، وآية المباهلة، وحديث الكساء كما روت أم سلمة: أخرجه الترمذي، والدولابي، والبيهقي، وأحمد، والطبراني، وعن ابن عمر أخرجه البيهقي والحاكم، وعن عائشة أخرجه مسلم، والترمذي، وعن واثلة بن الأسقع: أخرجه أحمد، وأبو حاتم، والحاكم، وصححه الديلمي، وعن أنس بن مالك أخرجه أحمد، والترمذي، وعن الحسن بن علي من طرق بعضها سنده حسن: وإنا من أهل البيت " الذين أذهب الله عنهم الرجس "، أخرجه ابن سعد، وعن أبي سعيد الخدري أخرجه البغوي في تفسيره: أخرج ابن جرير وأحمد عنه أنها نزلت في خمسة. وعن علي، أخرجه الديلمي، وعن سعد بن أبي وقاص، أخرجه النسائي، وعن جابر بن عبد الله، أخرجه الحاكم في المستدرك، وعن ابن عباس أخرجه أبو حاتم ناقلا من السيرة الحلبية، وغيرها. في الصواعق المحرقة قال أكثر المفسرين إن آية التطهير نزلت في علي، وفاطمة، والحسنين (ع)، لتذكير ضمير (عنكم)، وما بعده (2). قال الإمام النووي في شرح المهذب: " عترته الذين ينسبون إليه (ص) هم أولاد فاطمة ". وفي الصواعق: قال أبو بكر: " علي عترة رسول الله " (3). وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) قال: " وقفوهم أنهم مسؤولون " عن ولاية علي، وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى " وقفوهم "، الآية أي عن ولاية علي، أو أهل البيت، ثم قال: والمعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (ص)، أم أضاعوها فتكون عليهم المطالبة (4). تفسير آية المباهلة وفي الصواعق: قوله تعالى " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " قال
(1) الصواعق المحرقة، ص 87، 236. (2) الصواعق المحرقة، ص 85. (3) المصدر السابق، ص 90. (4) الصواعق المحرقة، ص 89. 34 الزمخشري في (الكشاف): لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم علي، وفاطمة، والحسنان لأنهم لما نزلت دعاهم (ص) فاحتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، ومشت فاطمة خلفه، وعلي خلفهما، فعلم أنهم المراد من الآية، وأن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه، وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة. وكذلك أخرجه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، والترمذي، والنسائي، والحاكم (1). وفي (تشريف البشر): المراد من الأول: علي، وفاطمة، والحسنان، وتدل عليه آية المباهلة، وآية التطهير، وحديث الكساء، وكذا في التفسير الخازن، وغيره (2). قال الحافظ في (الفتح): قال أحمد: المراد بآل محمد في حديث التشهد أهل بيته، وعند الشافعي من حرم عليه الصدقة، وقيل: المراد بالآل ذرية فاطمة خاصة، حكاه النووي في شرح المهذب (3). وفيه: وفي ذكر البيت معنى آخر - أي بشارته لخديجة ببيت في الجنة - لأن مرجع أهل بيت النبي (ص) إليها لما ثبت في تفسير قوله تعالى " إنما يريد الله " الآية، قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة، وعليا، والحسنين فجللهم بكساء وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي "، (الحديث)، أخرجه الترمذي وغيره. ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى (خديجة) لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة ابنتها، وعلي نشأ في بيت خديجة (رض) وهو صغير ثم تزوج ابنتها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها (4). وفي أرجح المطالب عن جابر بن عبد الله، قال: أنفسنا محمد وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، رواه الحاكم (5). وفي (المعالم) و (الخازن): إن العرب تسمي ابن عم الرجل نفسه، كما قال سبحانه " ولا تلمزوا أنفسكم " يريد إخوانكم. قال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: روي أنه (عليه السلام) لما خرج في المرط (6) الأسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين (ع) فأدخله ثم فاطمة (ع) ثم علي (ع) ثم قال: " إنما يريد " (7). وفي الشرف المؤبد (ذهبت طائفة، منهم: أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهما كما نقل الإمام البغوي وابن الخازن وكثير من المفسرين) - إلى أنهم هنا
(1) الصواعق، ص 93. (2) تشريف البشر بذكر الأئمة الاثني عشر للسيد الصديق حسن خان، ص 4. (3) فتح الباري، ج 6، ص 53. (4) المصدر السابق، ج 3، ص 422. (5) أرجح المطالب، ص 6. (6) المرط: كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به. (7) التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 2، ص 700. 35 (أي في آية التطهير) أهل الكساء وهم رسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (1). وروى الطبراني عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: أنزلت هذه الآية في خمسة، في، وفي علي، والحسن، والحسين، وفاطمة. وروى من طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس أن رسول الله (ص) كان بعد نزول هذه الآية يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر فيقول: الصلاة أهل البيت " إنما يريد الله ".. الآية. وذكر ابن جرير في تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة من أن أهل البيت في الآية هم النبي (ص)، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (ع)، ثم أعقبها برواية واحدة من أن المراد زوجاته الطاهرات (2). ورأيت الإمام خاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور وقد صدر الكلام عن تفسير هذه الآية بثلاث روايات في أن أهل البيت فيها هم أزواجه، وأعقبها بعشرين رواية من طرق مختلفة في أن المراد بهم النبي، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين. وعن زيد بن أرقم (في حديث الثقلين) فقلنا: (القائل هو الراوي عن أنس) من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها (3). في الخصائص الكبرى: أخرج الحاكم عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت " إنما يريد الله " الآية، فأرسل إلى علي، وفاطمة، وابنيهما فقال: هؤلاء أهل بيتي (4). وفيه أيضا أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتم قبيلة اختلفوا فصاروا حزب إبليس، وأخرجه أبو يعلى، وابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع (5). وأخرج البيهقي في سننه عن عائشة مرفوعا: " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب إلا لمحمد وآل محمد " صلى الله عليه وآله وسلم (6). وفي الصواعق قوله تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " أشار (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان (ص) أمانا لهم (7). وأخرج الثعلبي عن جعفر الصادق (ع): " نحن حبل الله " الذي قال الله تعالى " واعتصموا بحبل الله " (8). وفي تفسير الإتقان أخرج الترمذي وغيره عن عمرو بن أبي سلمة، وابن جرير وغيره عن أم سلمة
(1) الشرف المؤبد لآل محمد، ص 6، 7 (طباعة مصر). (2) الشرف المؤبد، ص 9. (3) صحيح مسلم، ج 2، ص 280، والصواعق المحرقة، ص 89. (4) الخصائص الكبرى للسيوطي، ج 2، ص 264. (5) الخصائص الكبرى، ج 27 ص 262. (6) المصدر نفسه، ج 2، ص 244. (7) الصواعق المحرقة، ص 91. (8) الصواعق المحرقة، ص 91. 36 أن النبي (ص) دعا فاطمة، وعليا، وحسنا، وحسينا، لما نزلت " إنما يريد الله " فجعلهم بكساء، وقال والله هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس، وطهرهم تطهيرا (1). وفي أرجح المطالب، قال: أخرجه أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، والسيوطي في الدرر، والبيهقي، والديلمي، وابن المنذر، وابن مردويه (2). وفي تفسير النيشابوري: وقد مر من آية المباهلة أنهم أهل العباء، النبي (ص) لأنه أصل، وفاطمة، والحسن، والحسين بالاتفاق. والصحيح أنه علي لمعاشرته بنت النبي (ص) وملازمته إياها (3). وفي التفسير لابن جرير (جزء 22) عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله (ص): نزلت هذه الآية في خمسة، في، وفي علي، والحسن، والحسين، وفاطمة، " إنما يريد الله.. ". قال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: إن الله تعالى طهر نفوس الأنبياء عن الأخلاق الذميمة، بل إنه تعالى طهر نفوس المتصلين به عنها كما قال " إنما يريد الله " (4). وفي تفسير الإكليل للسيوطي: " استدل من قال إن إجماع أهل البيت حجة لأن الخطأ رجس فيكون منفيا عنهم ". وفي أرجح المطالب عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت " إنما يريد الله.. " الآية (5). أخرجه أحمد، والترمذي، وابن أبي شيبة، وحسنه ابن المنذر، وصححه الحاكم، وابن مردويه، والسيوطي في الدرر. وفي رواية ابن جرير، وابن مردويه: ثمانية أشهر، وفي رواية تسعة أشهر. لقد عد الفاضل السيد محمد سبطين (وهو فخر القوم أدام الله مجده، وزاد عزه) الذين اعترفوا بما قلنا في معنى أهل البيت من أفاضلهم في مؤلفاتهم، مثل: " فرائد السمطين في فضائل المرتضى والزهراء والسبطين " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمويني الشافعي الخراساني، مسند فاطمة عليها السلام، الفصول المهمة لعلي بن أحمد المالكي، جواهر العقدين للعلامة السمهودي المعري، مودة القربى للسيد علي بن شهاب الهمداني، فصل الخطاب للشيخ خواجة محمد بارسا الخراساني، الدر المكنون والجوهر المصون للشيخ محيي الدين ابن العربي، الجامع الصغير للعلامة السيوطي، وغيرها. وفي نهج البلاغة قال: " ألا أن مثل آل محمد كمثل نجوم السماء إذا هوى نجم طلع نجم آخر (6). أقول: قد ظهر الحق وأكثرهم للحق كارهون، ولنا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون لأنه قد ترك الثقل الأصغر بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واكتفي بالكتاب العزيز وفي الحقيقة جعل
(1) تفسير الإتقان، ج 2، ص 200. (2) أرجح المطالب، ص 52، 57. (3) تفسير النيشابوري، ج 22، ص 10. (4) التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 5، ص 176. (5) أرجح المطالب، ص 58. (6) نهج البلاغة، ص 63. 37 الكتاب جنة الجواب، بل ترك كلاهما وفعل بهما ما فعل كما سيأتي، واتبعوا أهواءهم وآراءهم واخترعوا ما في أنفسهم في كل زمان وتركوا أهل البيت (ع) حق الترك حتى قالوا: فلعنة ربنا أعداد رمل * على من رد قول أبي حنيفة وما قالوا ما هو الحق وهو هكذا: فلعنة ربنا أجبال أرض * على من رد قول أبي تراب بل زعموا أن أهل بيته (ص) كانوا قد اعتزلوا الناس، وعبدوا رب الناس، بأن صلوا وصاموا وأكلوا وناموا، وما ذكروا الناس، وما أظهروا ما عليهم من البلاغ، واعترضوا عليهم في الصوت، والمكالمة، والمحاربة، والمصالحة. وهذا من أعجب العجائب، وأغرب الغرائب. تكملة: في بيان المودة لقربى الرسول (عليهم السلام) الأصل فيه قوله تعالى شأنه عما شأنه: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (1). في الدر المنثور عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية " قل لا أسألكم.. "، قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما، (أخرجه أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبغوي، وابن المنذر، وابن مردويه). وكذلك ورد في (إحياء الميت بفضائل أهل البيت)، وزاد فيه قوله: أخرج سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن جبير (2). وكذا في تفسير جامع البيان، وتفسير الخازن، وتفسير المدارك، والبيضاوي، وفتح البيان، وابن كثير، والحقاني، وروح المعاني، والحسيني، والسراج المنير، ومعالم التنزيل، والتفسير الكبير، والكشاف، والنيشابوري، والأكيل. وفي الدر المنثور: أخرج أبو نعيم، والديلمي عن ابن عباس مرفوعا " إلا المودة في القربى " أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي. وفيه روى أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن مردويه عن سعيد بن جبير أن المراد قربى آل محمد (ص)، أخرج البخاري عن أبي بكر الصديق قال: ارقبوا
(1) سورة الشورى / 35. (2) إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي، ص 152. 38 محمدا في أهل بيته. وفيه: أخرج مسلم، والترمذي، والنسائي عن زيد بن أرقم أنه (ص) قال " أذكركم الله في أهل بيتي ". وفي تفسير الكشاف، والنيشابوري، ثبت بالنقل المتواتر أنه كان يحب عليا والحسن والحسين، وإذا كان كذلك وجبت علينا محبتهم لقوله تعالى " فاتبعوني ". وكفى شرفا لآل محمد وفخرا أن يختم (التشهد) بذكرهم، والصلاة عليهم في كل صلاة، فنحن نركب سفينة حب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). في هداية السائل: روى أبو الشيخ، وابن حيان عن علي أنه قال: فينا آية " قل ما أسألكم عليه.. " (1). وروى أبو الطفيل والطبراني في الأوسط، والكبير باختصار والبزار بنحوه، وبعض طرقها حسان، في خطبة الحسن (عليه السلام) أنه قال: إن الآية نزلت فينا. وكذا في الصواعق المحرقة (2). وأخرج الحافظ جمال الدين البرزندي، والطبراني، وأحمد في المناقب، وابن أبي حاتم في التفسير، والحاكم في المناقب، والشافعي، والواحدي في الوسيط سؤال الصحابة من هم وجوابه (عليه السلام): " علي، وفاطمة، وابناهما ". وهكذا في الصواعق قال: وفي سنده شيعي غال لكنه صدوق (3). وكذا قال السيد صديق حسن خان في (هداية السائل)، وزاد: وثقه ابن حيان، وله شواهد، وذكره السمهودي. في أرجح المطالب، والصواعق، عن زاذان وغيره عن علي (ع) قال: فينا أهل البيت نزلت، لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ " قل لا أسألكم.. " (4) الآية. في مروج الذهب للمسعودي: ومن خطب الحسن في أيامه في بعض مقاماته أنه قال: نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله (ص) الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيبون، وأحد الثقلين خلفهما رسول الله (ص) والثاني كتاب الله. وفي تفسير ابن جرير، والدر المنثور، والصواعق: أخرج الطبراني عن زين العابدين سيد الساجدين (عليه السلام) أنه لما جئ به أسيرا عقب مقتل أبيه الحسين (ع)، وأقيم على درج دمشق، قال بعض جفاة أهل الشام الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له (عليه السلام) أما قرأت: " قل لا أسألكم.. "، قال: وأنتم هم؟ قال: نعم (5). وللشيخ الجليل شمس الدين ابن العربي:
(1) هداية السائل في أدلة المسائل، للسيد الصديق حسن خان، ص 75. (2) الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 101، 132. (3) الصواعق المحرقة، ص 101. (4) أرجح المطالب، ص 92، والصواعق المحرقة، ص 101. (5) تفسير الطبري، ج 25، ص 14، والصواعق، ص 101. 39 رأيت ولائي آل طه فريضة * على رغم أهل العبد يورثني القربى فما طلب المبعوث أجرا على الهدى * بتبليغه " إلا المودة في القربى " في الشرف المؤبد: قال الفخر الرازي: وأنا أقول آل محمد (ص) هم اللذين يؤول أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا وشك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله (ص) شديدا وهذا معلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم (الآل). وفي الصواعق: قال القاضي في الشفاء ما حاصله: من سب أبا أحد من ذريته (ص) ولم تقم قرينة على إخراجه (ص) من ذلك قتل (1). وعلم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت وتحريم بغضهم التحريم الغليظ، ولزوم محبتهم. صرح بذلك البيهقي، والبغوي وغيرهما، واعتبراه من فرائض الدين، بل نص عليه الشافعي فيما حكى عنه من قوله: يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله وفي الخصائص للسيوطي: أخرج أبو يعلى والبزار، والحاكم عن أبي ذر سمعت النبي (ص) يقول: ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق (2). وفيه: ما بال أقوام إذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني (3). وفي الفرع النامي (في خطبة الصلاة): وعلى آله الذين سأل الله عباده مودتهم، وجعل ركن الإيمان محبتهم، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واختارهم لشفاعة يوم كان شره مستطيرا (4). أقول يا أخي: إن الإنصاف من خير الأوصاف، فهل أن هؤلاء المذكورين هم أقرباؤهم الواجب مودتهم أم غيرهم؟! فإن كانوا أحد الثقلين، وأهل البيت، وذا القربى، وسفينة النجاة، وحبل الله، وهداة الصراط المستقيم، فما كان لنا أن نتبع غيرهم، لأن غاية المودة وغرضها هو اتباعهم لا غير، كما قال عز اسمه " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ". وقال عليه السلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب من والده وولده والناس أجمعين. ولهذا الغرض النافع لنا لا لهم أكد لنا النبي (ص)، وأرشدنا بمودتهم لنهتدي بهديهم، ونقتدي سبيلهم.
(1) الصواعق المحرقة، 104. (2) الخصائص للسيوطي، ج 2، ص 266. (3) أيضا، ص 255. (4) الفرع النامي من الأصل السامي للسيد الصدوق، ص 2. 40 هذا ومن ادعى حبهم بلسانه، واقتدى وراءهم فقد ضل وأضل عن سواء السبيل. يا أيها الأحباب، ويا أولي الألباب، تفكروا في الدقائق القرآنية، وتدبروا في الحقائق الفرقانية، كيف هدانا ربنا سبحانه الصراط المستقيم بقوله " قل هذا سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ". واعتبروا بعدد حروف " الصراط المستقيم " وهي أربعة عشر حرفا، و " المودة في القربى " أربعة عشر حرفا، و " صراط علي حق نمسكه " أربعة عشر حرفا، وهذا السطر الثالث هو انتخاب الحروف المقطعات، بعد حذف التكرار، وفي هؤلاء رمز خفي لمن له قلب زكي ونقي، وما وراء ذلك غاية الإشكال ونهاية الحال، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
41 الباب الثاني في بيان عدم عمل الأمة بوصية النبي (ص) للتمسك بالثقلين والمودة في القربى وفيه فصول: إعلم أن مرادنا من (الأمة) ملوك الإسلام، لأن الناس تبع لهم، والناس على دين ملوكهم في الأكثر، وحالات الخلفاء الثلاثة سنذكرها في باب الخلافة إن شاء الله تعالى. وقد أخبر المخبر الصادق (ص) بما يصدر عن الأمة في حق أهل بيته مع حثه وتوكيده على التمسك بهم، والاقتداء بهم، والاحترام لهم بحد لا يعد ولا يحضر كما نبينه الآن، كما في البراهين القاطعة، والصواعق: روى البخاري عن علي: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمان للخصومة يوم القيامة (1). وفي الخصائص الكبرى: أخرج الحاكم وأبو نعيم عن ابن مسعود، وأخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا (2). وهكذا ورد الحديث في كنز العمال (3) والصواعق عن ابن ماجة (4). وفي الخصائص الكبرى قال رسول الله (ص) لأم الفضل (زوج العباس): " إنكم مقهورون مستضعفون بعدي "، أخرجه ابن سعد عن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) (5). وفي كنز العمال (باب الفتن): يجئ يوم القيامة المصحف، والمسجد، والعترة، فيقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب خربوني، وعطلوني، وضيعوني، وتقول العترة: يا رب طردونا وقتلونا وشردونا، وأجثو بركبتي للخصومة فيقول الله: ذلك إلي وأنا أولى بذلك. رواه أحمد في المسند، والطبراني في الكبير، وسعيد بن منصور عن أبي أمامة (6). أقول: وكفى بالله شهيدا. وفي الصواعق: ورد: من سب أهل بيتي فإنما يرتد عن الله والإسلام، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله،.. (الحديث) (7).
(1) البراهين القاطعة، ص 129، والصواعق المحرقة، ص 75. (2) الخصائص الكبرى للسيوطي، ج 2، ص 119. (3) كنز العمال، ج 7، ص 187. (4) الصواعق المحرقة، ص 143. (5) الخصائص الكبرى، ج 2، ص 135. (6) كنز العمال، ج 6، ص 46. (7) الصواعق المحرقة، ص 143. 42 الفصل الأول في ذكر معاوية بن أبي سفيان روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية ابن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم (1). وفي الخصائص: وزاد في آخره: لما نزلت " إنما يريد الله.. " الآية دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي (2). وروى الترمذي في سننه بإسناده هكذا، وزاد في آخره: ولما نزلت هذه الآية " ندع أبناءنا وأبناءكم.. " دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي. (هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه) (3). قال الحافظ في (الفتح): طائفة أخرى حاربوه ثم اشتد الخطب فتنقصوه واتخذوا لعنه على المنابر سنة ووافقهم الخوارج على بغضه (4). قال الحافظ السيوطي: كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الخطبة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطله وكتب إلى نوابه بإبطاله وقرأ مكانه " إن الله يأمر بالعدل والإحسان.. " (5). كذا في الكشاف للزمخشري. فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن (6). في الصواعق المحرقة: ثم لما اشتد الخطب واشتغلت طائفة من بني أمية بتنقيصه، وسبه على المنابر ووافقهم الخوارج (لعنهم الله) بل قالوا بكفره، اشتغلت جهابذة الحفاظ من أهل السنة ببث فضائله حتى كثرت نصحا للأمة ونصرة للحق (7). وفي تاريخ الخلفاء: أخرج ابن سعد عن عمر بن إسحاق قال: كان مروان أميرا علينا فكان يسب عليا (ع) كل جمعة على المنبر والحسن يسمع فلا يرد شيئا، ثم أرسل إليه رجلا يقول: بعلي
(1) صحيح مسلم، ج 2، ص 278. (2) الخصائص الكبرى للنسائي، ص 8 (طبع لاهور). (3) سنن الترمذي، ج 2، ص 214. (4) فتح الباري، ج 3، ص 385. (5) تاريخ الخلفاء، ص 166. (6) تفسير الكشاف للزمخشري، ج 1، ص 173 (طبع مصر). (7) الصواعق المحرقة، ص 72. 43 وبعلي وبعلي وبك وبك وبك وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة (1). وفي التاريخ لأبي الفداء: كان خلفاء بني أمية يسبون عليا من سنة إحدى وأربعين - وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة - إلى أول سنة تسع وتسعين آخر أيام سليمان بن عبد الملك، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أبطل ذلك، وكتب إلى نوابه بأبطاله، ولما خطب يوم الجمعة أبدل السب (2). وفيه: كان معاوية وعماله يدعون لعثمان في الخطبة يوم الجمعة ويسبون عليا، وكان المغيرة (متولي الكوفة) يفعل ذلك طاعة لمعاوية (3). وفي التاريخ الكامل، وتاريخ ابن جرير الطبري: وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمروا، وأبا الأعور وخبيبا، وعبد الرحمن بن خالد، والضحاك بن قيس، والوليد. فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت سب عليا، وابن عباس، والحسن، والحسين، والأشتر. (كذا في تاريخ الطبري)، وفيه: ولعن عليا (4). وفي تاريخ أبي الفداء: فلما ولي زياد دعا لعثمان وسب عليا (5). وفي روضة المناظر: ثم بعد ستة أشهر صالح الحسن معاوية، وترك الخلافة على أن لا يسب عليا، ويعطيه ما ببيت المال بالكوفة (إلى أن قال) ولم يف له معاوية بشئ مما عاهده عليه وكانت وفاته (ع) بسم سقته زوجته جعدة بنت الأشعث، قيل فعلت ذلك بأمر معاوية (6). وكذا في (مروج الذهب) للعلامة أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي وزاد: وأرسل معاوية المال الموعود إليها (أي إلى جعدة) (7). وفي روضة المناظر: وكان معاوية وعماله يسبون عليا على المنابر - وفي تاريخ ابن الوردي: واشترط أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج (دارا بجرد) من فارس، وأن لا يسب وهو يسمع فأجابه، وما وفى به (8). وقد ورد أيضا في تاريخ الحسن، وفي التاريخ الكامل، وتاريخ الخميس، وتاريخ الخلفاء (9). وتوفي الحسن بالمدينة مسموما سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس دس إليها يزيد ابن معاوية أن تسمه فيتزوجها ففعلت. وفي النصائح الكافية: قال أبو الفرج ابن الجوزي: مات الحسن شهيدا مسموما دس معاوية إليه،
(1) تاريخ الخلفاء، ص 129. (2) تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 212. (3) تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 196. (4) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 133، تاريخ الطبري، ج 6، ص 40. (5) تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 96. (6) روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر للعلامة أبي الوليد بن الشحنة الحنفي، (طبع مصر على هامش مروج الذهب)، ص 224 - 225. (7) مروج الذهب، ج 2، ص 36 (طبع مصر). (8) روضة المناظر، ج 8، ص 133 (طبع مصر). (9) تاريخ الحسن، ص 106، الكامل في التاريخ، ج، ص 162، تاريخ الخميس، ج 22، ص 317، تاريخ الخلفاء، ص 130. 44 وإلى سعد بن أبي وقاص حين أراد أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر سما، فماتا في أيام متقاربة (1). ونقل ابن عبد البر، والمسعودي وغيرهما مثل ذلك. وفي (شرح المواقف): والذي عليه الجمهور من الأمة هو أن المخطئ قتلة عثمان، ومحاربو علي (2). وقال السيد الصديق في عون الباري في حل أدلة البخاري: أن بني أمية هم أهل الجفاء والضلال الذين عادوا آل محمد وأخافوهم كل مخافة، وشردوهم كل مشرد. وفي حياة الحيوان للعلامة الدميري: قال ابن خلكان: لما مرض الحسن، كتب مروان بن الحكيم إلى معاوية بذلك فكتب إليه معاوية أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع تكبيره من الخضراء (محل معاوية) فكبر أهل الشام لذلك، فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية: أقر الله عينك ما الذي كبرت لأجله؟ فقال: مات الحسن. فقالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟! فقال: والله ما كبرت شماتة بموته ولكن استراح قلبي (3). ودخل عليه ابن عباس فقال له: يا بن عباس، هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ فقال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشرا وقد بلغني تكبيرك. فقال: مات الحسن. فقال ابن عباس: يرحم الله أبا محمد - ثلاثا - والله يا معاوية لا تسد حفرته حفرتك، ولا يزيد عمره في عمرك - وكذا قال الطبري في تأريخه بالإسناد كما في النصائح الكافية (4). وفي تاريخ أبي الفداء: فرح معاوية بموت الحسن (5). وفي سروچمن: أن معاوية سجد سجدة الشكر حين سمع موت الحسن (6). وفي كنز العمال: وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الأسود إلى قتسرين فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي. فاسترجع المقدام فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟! قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله في حجره فقال " هذا مني وحسين من علي " رواه الطبراني (7). وفي الإستيعاب على الإصابة قال: سم الحسن بن علي، سمته امرأته جعدة، وقال طائفة كان ذلك منها بتداسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك (8). وفي تهذيب الكمال عن عبد الله بن الحسن قد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد يلطف بعض خدمه أن يسقيه سما. وفي تهذيب التهذيب للذهبي: وقد سمعت بعض من يقول كان معاوية.. الخ (مثل ما قيل).
(1) النصائح الكافية، ص 60. (2) شرح المواقف، ص 735. (3) حياة الحيوان للدميري، ج 1، ص 54. (4) النصائح الكافية، ص 60. (5) تاريخ أبي الفداء، ص 445 (طبع أنصاري دهلي). (6) سروچمن، ص 164. (7) كنز العمال، ج 7، ص 105. (8) الإستيعاب، ج 1، ص 375. 45 وفي (ربيع الأبرار) للزمخشري قال أبو عمر: " وجعل معاوية لجعدة امرأة الحسن مائة ألف درهم حتى سمته ". وفي تاريخ أبي الفداء: توفي الحسن من سم سقته امرأته (جعدة)، قيل فعلت ذلك بأمر معاوية (1). وفي تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي: وقال الشعبي: دس معاوية إلى جعدة فقال: سمي الحسن وأزوجك (يزيد)، وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إني أحب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك إياه. وفي النصائح الكافية قال ابن عبد ربه في العقد الفريد: لما مات الحسن بن علي حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله فقيل له: إن ها هنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه وذكر له ذلك فقال: إن فعلت ذلك لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات (سعد) فلما مات لعنه على المنابر، ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك أنكم تلعنون علي ابن أبي طالب ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت أحد إلى كلامها مع علمهم بصحة روايتها وشرف مقامهم، صم بكم عمي، مأواهم جهنم، كلما خبت زدناهم سعيرا (2). وقد حكى الشيخ السيوطي أنه قد كان فيما جعلوه سنة: سبعون ألف منبر وعشره * من فوقهن يلعنون (حيدره) وفي حياة الحيوان: في آخر شفاء الصدور لابن سبع السبتي عن علي بن عبد الله بن عباس قال: كنت مع أبي بعدما كف بصره وهو بمكة فمررنا على قوم من أهل الشام في صفة زمزم، فسبوا علي ابن أبي طالب فقال سعيد بن جبير وهو يقوده: ردني إليهم فرده فقال: أيكم الساب لله ولرسوله؟! فقالوا: سبحان الله، ما فينا أحد سب الله ورسوله. فقال: أيكم الساب لعلي؟! قالوا: أما هذا فقد كان. فقال ابن عباس: إني أشهد لسمعت رسول الله (ص) يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله تعالى على منخريه في النار "، ثم ولى عنهم فقال: يا بني أرأيتهم؟ فقلت: يا أبت (نظروا إليك بأعين محمرة) (3)! وفي النصائح الكافية: وروى أبو الحسن المدائني في كتابه " الأحداث ": ثم كتب (معاوية) إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد وأكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة (ثم قال) فلم يبق
(1) تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 193. (2) النصائح الكافية، ص 70. (3) حياة الحيوان، ج 1 ص 152. 46 أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه أو طريد على الأرض (1). وفي النصائح الكافية ناقلا عن الإستيعاب: قتل معاوية حجرا (وهو من فضلاء الصحابة لأنه رفض لعن علي (ع)، والبراءة منه. وكذا قاله ابن الأثير (2). وفي " نهج البلاغة ": ومن كلام له (عليه السلام) لأصحابه: أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مند حق البطن يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، إلا وأنه سيأمركم بسبي والبراءة مني (3). وفيه: " والله ما معاوية بأدهى مني، ولكن يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة " (4). وفيه أيضا: اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا، وكثرة عدونا وتشتت أهواءنا، ربنا إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (5). وفيه: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستخلافه: " وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك، ويستفل غربك فاحذره، فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه، ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله (6). تبصرة: في بغي معاوية لما كانت خلافة علي مسلمة، ومثبتة عند الفريقين فكان هو على الحق بلا ريب، ومخالفه باغيا وطاغيا، وما كان بمجتهد ولا خليفة، بل كان ملكا (كما نبينه بعونه تعالى). قال القاري في المرقاة: قلت: فإذا كان الواجب عليه أن يرجع عن لعنه بإطاعة الخليفة، وبترك المخالفة، وطلب الخلافة المنفية فبين بهذا أنه كان في الباطن باغيا، وفي الظاهر مستترا بدم عثمان فجاء هذا الحديث (أي حديث قتل عمار ياسر) ناعيا ومن عمله ناهيا، كذا في (ماهية معاوية). وفي الملل والنحل: من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمي خارجيا (7). وفي الروضة الندية: ثبت أن معاوية وأصحابه بغوا عليه (عليه السلام) وقاتلوه وأي بغض أشد من ذلك منه (8). وفي كنز العمال: قال: سمعت عليا يقول: وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن
(1) النصائح الكافية، ص 71. (2) المصدر السابق، ص 57. (3) نهج البلاغة، ص 34، (طبع مصر). (4) نهج البلاغة، ص 165. (5) المصدر السابق، ص 193. (6) أيضا، ص 217. (7) الملل والنحل، ص 43. (8) الروضة الندية في التحفة العلوية، ص 72. 47 ساوى بيننا وبين أعدائنا فليس منا، (رواه ابن عساكر) (1). وفي سر الخلافة: وكان الناس يختلفون في خلافته (أي خلافة علي)، وخلافة ابن أبي سفيان. والحق أن الحق كان مع المرتضى، ومن قاتله في وقته بغى وطغى (2). وفي شرح العقائد: وبالجملة لم ينقل عن السلف المجتهدين والعلماء الصالحين جواز اللعن على معاوية وأحزابه لأن غاية أمرهم البغي والخروج على الإمام (3). في (الخصائص) عن أم سلمة أن رسول الله (ص) قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية ". وفيه عنها أيضا: وجاء عمار فقال (ص): ابن سمية تقتله الفئة الباغية. وفي رواية: تقتلك. وعن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني (أبو قتادة) أن رسول الله قال لعمار: يوشك يا بن سمية - ومسح الغبار عن رأسه - أن تقتلك الفئة الباغية (4). وأخرج الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فأسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين، فرآه النبي (ص) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار. وأخرجه أيضا والطبراني، والترمذي، والحاكم، والإمام أحمد في مسنده، وغيرهم، وعده الحافظ جلال الدين السيوطي في الأخبار المتواترة وعزاه للشيخين عن أبي سعيد، ولمسلم عن أبي قتادة وأم سلمة، وأبي يعلى ولأحمد عن عمار وابنه وعمر بن حزم، وخزيمة ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان، وأنس، وأبي هريرة، والحاكم عن حذيفة وابن مسعود، وللرافعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس ومعاوية وزيد بن أوفى الأسلمي وأبي اليسر كعب ابن عمرو، وزياد، وكعب بن مالك، وأبي أمامة، وعائشة، ولابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص وابنه عبد الله بن عمر وقال فهؤلاء سبعة وعشرون صحابيا فيهم خزيمة كصحابين (5). وقال حافظ المغرب ابن عبد البر: " تواترت الأخبار عن النبي (ص) أنه قال: " تقتل عمار الفئة الباغية "، وهذا من إخباره بالغيب، وإعلام نبوته وهو من أصح الأحاديث. وقال ابن دحية: لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية وأنكره. وقال الحافظ ابن حجر: رواه جمع من الصحابة، فذكرهم، (إنتهى). أقول: قد ثبت أن معاوية كان باغيا، وأي ثبوت أعظم من أن يشهد بذلك سيدنا محمد رسول الله (ص)، وقد قال عز من قائل " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " وأيضا قد ثبت أن رسول الله قال لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم " رواه الترمذي،
(1) كنز العمال، ج 6، ص 89. (2) سر الخلافة للميرزا غلام أحمد القادياني، ص 30. (3) شرح العقائد للتفتازاني، ص 116. (4) الخصائص للنسائي، ص 88، 89، 90. (5) النصائح الكافية، ص 17. 48 ورواه ابن ماجة، وابن حبان، والحاكم. وقد قال الله تعالى " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ". وفي كنز العمال عنه (ص) أنه قال: يا أم سلمة هذا (علي) والله قاتل القاسطين، والناكثين، والمارقين من بعدي. رواه الحاكم في الأربعين وابن عساكر (1)، وفي أرجح المطالب، وزاد: رواه الديلمي، وابن الأثير، " وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " (2). قال القاري في (شرح الفقه الأكبر): اختلف أهل السنة والجماعة في تسمية معاوية باغيا، فمنهم من امتنع عن ذلك. والصحيح من أطلق لقوله (ص) لعمار " تقتلك الفئة الباغية "، وكان علي مصيبا في التحكيم. والبغي - في القاموس وغيره - هو: التعدي، والظلم، والعدول عن الحق، والاستطالة، والكذب، وقال: البغي عرفا الخروج عن طاعة الإمام مغالبة له (3). وفي تقريب التهذيب: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي صحابي جليل مشهور، من السابقين الأولين، بدري قتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين (4). ليس معاوية بمجتهد قال والد بحر العلوم في الصبح الصادق: لم يكن معاوية مجتهدا وكيف يكون من اشتبه عليه الربا مجتهدا، (ونقل ذلك في الفتاوى لعبد العزيز الدهلوي، وفي الروضة الندية، وفي بغية الرائد، وكذا في شرح المقاصد للتفتازاني) (5). قال النووي: قال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية - وفي الدر المختار: (الصلاة) فرض على كل مسلم مات خلا أربعة بغاة وقطاع طريق فلا يغسلوا ولا يصلى عليهم (6). ليس معاوية بخليفة في حياة الحيوان: فلم يزل معاوية متوليا على الشام (إلى أن قال) وفي خلافة علي متغلبا عليها (7). وفي الصواعق: ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن معاوية لم يكن في أيام علي خليفة وإنما كان
(1) كنز العمال، ج 6، ص 391. (2) أرجح المطالب، ص 242. (3) النصائح الكافية، ص 17. (4) تقريب التهذيب للعسقلاني، ص 276. (5) ماهية معاوية، ص 35، والفتاوى، ص 103، والروضة الندية، ص 43. (6) النووي في شرح مسلم، ج 17 ص 314. (7) حياة الحيوان، ج 1، ص 55. 49 من الملوك، واختلفوا في إمامته بعد موت علي فقيل صار إماما وخليفة. وقيل: لم يصر لحديث أبي داود، والترمذي، والنسائي: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا " وقد انقضت الثلاثون بوفاة علي (إنتهى منتخبا) (1). في تاريخ الخلفاء: وأول الملوك معاوية - قال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان علي من علي (2). ليس معاوية ذا فضيلة في النصائح الكافية نقل العسقلاني في الفتح عن ابن الجوزي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: " لم يصح في فضل معاوية شئ " (3). وقال السيوطي في اللآلي المصنوعة: الأحاديث في فضل معاوية كلها موضوعة. قال ابن حجر: وقصة النسائي في ذلك مشهورة بأنه قال: ما أعرف له فضيلة إلا " لا أشبع الله بطنه " (4)، وفي تاريخ الخلفاء: وقد وردت في فضل معاوية أحاديث قلما تثبت (5). وفي نهج البلاغة: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه: وأما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم (6). وفيه: فإنما هو (معاوية) الشيطان (7). أما تفضيل أهل الجماعة لمعاوية بكونه (خال) المؤمنين لكونه أخا لأم حبيبة زوج النبي (ص) لقوله تعالى " وأزواجه أمهاتهم " فعلى الرأس والعين، لكنه يلزمهم أن يكون حيي بن أخطب اليهودي (جدا) لهم لكونه أبا صفية زوج النبي (عليه السلام)، وليس (الجد) بأقل من (الخال)، وأن تكون بنات أبي سفيان، وأبي بكر، وعمر خالاتهم، والمتزوج بهن متزوجا بالخالات، وأن يكون عثمان ذو النورين ناكحا بأختيه، وأن يكون قوله تعالى " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " (8) لا معنى له. وأن يكون قوله تعالى " ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " (9) ضائعا نعوذ بالله تعالى من الغباوة والشقاوة، نعم أنه تعالى أمر بتعظيم أزواج النبي كالوالدات. وأيضا تفضيلهم إياه بكونه كاتب الوحي فإنه أيضا ليس بشئ لوجوه:
(1) الصواعق المحرقة، ص 125. (2) تاريخ الخلفاء، ص 135. (3) العسقلاني، ج 14، ص 402، والنصائح الكافية، ص 162. (4) الإستيعاب، ج 3، ص 401. (5) تاريخ الخلفاء، ص 132. (6) نهج البلاغة، ص 193. (7) نهج البلاغة، ص 217. (8) سورة المجادلة: 58 / 2. (9) سورة النساء: 4 / 22. 50 أحدها: أنه كان يكتب فيما بين النبي (ص) وبين العرب كما صرح به المدائني، وغيره (1). ثانيها: إن كتابة الوحي لم تصح، ومن ادعى فعليه تصريح آية آية كتبها معاوية على أن القائلين به قالوا في وجهه كلمة بالغة لا تدركها العقول (2). في (معاني الأخبار): إن وجه الحكمة في استكتاب النبي (ص) الوحي معاوية، وعبد الله بن سعد، (وهما عدوان)، هو أن المشركين قالوا أن محمدا يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كل حادثة بآية يزعم أنها أنزلت عليه، وسبيل من يضع الكلام في حوادث تحدث في الأوقات إن تغير الألفاظ إذا استعيد ذلك الكلام، ولا يأتي به في ثاني الأمر وبعد مرور الأوقات إلا مغيرا عن حاله الأولى لفظا ومعنى، أو لفظا دون معنى. فاستعان في كتابة ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوين له في دينه عدلين عند أعدائه (3). ثالثها: إن مطلق الكتابة لم تفد إذا لم يصحبها الإيمان كما روي في " مدارك التنزيل " في سورة الأنعام تحت قوله تعالى " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله " (4)، أي سأقول وأملي هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتب الوحي، وقد أملى النبي (ص) عليه " ولقد خلقنا الإنسان - إلى قوله - خلقا آخر " فجرى على لسانه: فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال عليه السلام: اكتبها فكذلك نزلت، فشك وقال إن كان محمد صادقا فقد أوحي إلي كما أوحي إليه، وإن كان كاذبا فقد قلت فارتد، ولحق بمكة ". وهكذا في التفسير الحسيني، ولباب النقول للسيوطي بفرق يسير في القصة، وسيأتي في (التكذيب على النبي) بمعناه فإنه كان كاتب الوحي ثم ارتد فلم تعصمه (الكتابة). على أن إيمان معاوية، وأبيه معلوم ابتداء بأنهما كانا من المؤلفة قلوبهم بلا اختلاف. وأما انتهاء فلم يستحكم لهتكه حرمة عترة النبي المستلزمة لهتك حرمة النبي (ص) وتركه الاستمساك الواجب بالثقلين كما مر غير مرة. فصل: في مصالحة علي (ع) وابنه الحسن (ع) لمعاوية في الخصائص للنسائي عن ابن عباس (في حديث طويل): نشهد أن نبي الله يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: أكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فلما كتب قالوا: لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك، فاكتب محمد بن عبد الله، فقال رسول الله: أمح يا علي (رسول
(1) المناظرة الأمجدية، ص 21. (2) الإصابة، ج 3، ص 434. (3) معاني الأخبار، ص 99. (4) سورة الأنعام / 93. 51 الله)، " الله إنك تعلم أني رسولك "، يا علي واكتب: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ". والله، لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة (1). وبالإسناد عن علقمة قال: قلت لعلي (ع): أتجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد حكما؟! قال: إني كنت كاتب رسول الله يوم الحديبية فكتبت: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها فقلت: هو والله رسول الله وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها فقال لي رسول الله: أرني مكانها فأريته فمحاها، وقال: أما لك مثلها ستأتيها مضطهدا (مضطرا) (2). قال الحافظ في الفتح، وفي حديث علي (ع) عند النسائي: أما أن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر. (يشير - ص - إلى ما وقع لعلي يوم الحكمين فكان كذلك) (3). وفي البخاري وشرحه للحافظ عن حبيب بن ثابت قصة دعوة عمرو بن العاص ومعاوية لعلي أن يعمل بالقرآن وجواب علي " أنا على الحق وغلط ما فهمتم " واعتراض الأصحاب كما اعترض عمر في الحديبية ومصلحة الصلح كما رأى النبي مصلحة. ورواه أحمد، والعدني، وأبو يعلى، وابن عساكر، والضياء (4). وفي نهج البلاغة: ومن خطبة له (عليه السلام) في ذم أصحابه: أحمد الله على ما قضى، وما قدر وفعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب (إلى أن قال) أوليس عجبا أن معاوية يدعو لجفاة الطغام فيتبعون على غير معونته ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام فتفرقون عني وتختلفون علي. (إنتهى منتخبا) (5). وفيه: فخشيت إن لم أنصر الإسلام، وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم (6). ولا يخفى أنه قد ظهرت غاية المصالحة بين أمير المؤمنين علي (ع)، وبين ملك الشام كما كانت بين النبي (ص) وبين الكفار يوم الحديبية، وإن اعترض بعض الناس على النبي ووصيه أيضا. وفي مصالحة مصالح خفية لا يعقلها إلا العالمون، كما في قصة موسى والخضر من خرق السفينة، وقتل الغلام. فكما لا يقدح الصلح ثمة في نبوته فالنبي نبي، والكفار كفار، فهكذا لا يقدح في إمامته، فالإمام إمام، والملك ملك متمكن على بغاوته. والمراد من الأمر في قوله تعالى " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله " أما رجوع إلى الحق، وأما قتل، وأما صلح والصلح خير، ولا يغرنك تفسير قوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا " الآية أنه دال على إيمان معاوية لأنها نزلت في طائفة من أصحاب أبي بن كعب رئيس المنافقين، وطائفة من أصحاب سيدنا محمد كما روى البخاري عن أنس، وغيره، فظهر من هذا إطلاق المؤمنين على المسلمين ولو كان بعضهم من المنافقين، أو من باب (التغليب) لعظمة شأن
(1) الكامل في التاريخ، ج 2، ص 77، وج 3، ص 127، وتاريخ الطبري، ج 6، ص 29. (2) تاريخ الطبري، ص 109. (3) فتح الباري، ج 3، ص 22. (4) كنز العمال، ج 4، ص 337. (5) نهج البلاغة، ص 127. (6) نهج البلاغة، ص 237. 52 المؤمنين كما في الأبوين، والقمرين، والعمرين، والظهرين مع أن قصة علي ومعاوية وقعت بعد نزول الآية ولم تنزل فيهما خاصة والاندراج لقاعدة التنزيل - أي مورد الآية - كان خاصا، والحكم بها عاما. في التاريخ الكامل: كتب الحسن إلى معاوية: لو آثرت أن أقاتل أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك فإني تركتك لإصلاح الأمة، وحقن دمائها (1). وفي الصواعق أخرج البزار وغيره: أنه لما استخلف (الحسن) بينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر، وهو ساجد ثم خطب الناس فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم " إنما يريد الله " الآية فما زال يقولها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يبكي. وفي الفتح، والكامل، وتاريخ الطبري، وغيرها: إنه لما بايع الناس الحسن بلغه مسير معاوية في أهل الشام إليه، فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا أباه وساروا من الكوفة إلى لقاء معاوية، وجعل قيس بن سعد بن عبادة على مقدمته في اثني عشر ألفا، فلما نزل الحسن (المدائن) نادى مناد في العسكر: ألا أن قيس بن سعد قد قتل فانفروا، فنفروا بسرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته، وطعن بخنجر في بطنه (2). وفي حياة الحيوان وزاد: فلما خرج الحسن عدا عليه الجراح الأسدي - قاتله الله - وهو يسير معه فوجأه بالخنجر في فخذه ليقتله فقال الحسن: قتلتم أبي بالأمس، ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي زهدا في العادلين، ورغبة في القاسطين، والله لتعلمن نباءه بعد حين. ثم كتب إلى معاوية بتسليم الأمر إليه (3). وفي حياة الحيوان: خطب الحسن، ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، وأن هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه إن كان له فهو أحق مني به، وإن كان لي فقد تركته له إرادة لإصلاح الأمة، وحقن دماء المسلمين. ثم رجع إلى المدينة وأقام بها فعوتب على ذلك فقال (عليه السلام): اخترت ثلاثا على ثلاث، الجماعة على الفرقة، وحقن الدماء على سفكها، والعار على النار (4). وفي الصواعق: فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين فيقول: العار خير من النار (5). وقال له رجل السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال: لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. ثم ارتحل من الكوفة إلى المدينة، وأقام بها (6). ولا يخفى أن صلح الحسن وخلعه مما لا بد منه له لأنه كان أشد اضطرارا من أبيه لما لم يبق معه من عسكره رجل، بل طعنه رجل منه، وخالفه أصحابه، ونهبوا متاعه حتى بساطه والمصلى، وكانوا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فصالح معاوية بشروط ولم يف معاوية بها ولم يخف نقض عهده على أن المعجزة النبوية صدقت في قوله (عليه السلام): يصلح الله به بين فئتين من
(1) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 163، الإمامة والسياسة، ج 2، ص 183. (2) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 161، تاريخ الطبري، ج 6، ص 92، النصائح الكافية، ص 155، الإصابة، ص 13. (3) حياة الحيوان، ج 1، ص 53. (4) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 162، وتأريخ الطبري، ج 6، ص 95، وحياة الحيوان، ج 1، ص 51. (5) الصواعق المحرقة، ص 81. (6) تاريخ الخلفاء، ص 130. 53 المسلمين (الحديث). ومن شاء مزيد توضيح فليرجع إلى (النصائح الكافية، والهاوية لمعاوية، وماهية معاوية) فإنها كافية في هذا الباب، ولنكتف بما حررنا خوفا من الأطناب، (ولدينا مزيد). ثم ارتقى لهم الأمر في طاعة معاوية إلى أن جعلوا لعن علي (ع) سنة ينشأ عليها الصغير، ويشيب عليها الكبير.
54 الفصل الثاني في بيان أنصار معاوية وأعوانه فمنهم مروان بن الحكم، (والي مدينة النبي - ص -) فإنه كان واليا، وحاكما على المدينة من معاوية بن أبي سفيان. وفي الصواعق المحرقة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم (1). صححه الحاكم، " لكن فيه إسماعيل والجمهور على أنه ضعيف لسوء حفظه ". وممن وثقه البخاري، فقد نقل الترمذي عنه أنه ثقة ومقارب الحديث. ومن أشد الناس بغضا لأهل البيت مروان بن الحكم، وكان هذا هو سر الحديث الذي صححه الحاكم أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي (ص) فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هذا (الوزغ) ابن (الوزغ)، الملعون ابن الملعون. وروى بعده بيسير عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنة أبي بكر، وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر، فقال له مروان، أنت الذي أنزل الله فيك " والذي قال لوالديه أف لكما ". فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب والله ما هو به، ولكن رسول الله لعن أبا مروان، و (مروان) في صلبه. ثم روى عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة أن الحكم بن العاص استأذن على رسول الله فعرف صوته فقال: ائذنوا له (عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه) إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يترفهون في الدنيا، ويضيعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق، (ذكر ذلك الدميري في حياة الحيوان). إنتهى. واعلم أنه قد ثبت أن جنازة الحسن رميت بالحجارة، وغيرها ومنع من الدفن. في روضة الصفا أنه كان بأمر مروان، أو عائشة - على اختلاف الأقوال - (كما ذكر الطبري ذلك في تاريخه، وكذلك روضة الصفاء، وفي العشرة المبشرة، ومعارف ابن قتيبة باختلاف الألفاظ) (2).
(1) الصواعق المحرقة، ص 108. (2) تاريخ الطبري، ج 4، ص 605، وروضة الصفاء، ج 3، ص 9. 55 وفي تاريخ أبي الفداء: وكان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله (ص)، ولما توفي أرادوا ذلك فتنة فقالت عائشة: " البيت بيتي ولا أذن أن يدفن فيه " (1). وفي تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي: وقال ابن سعد عن الواقدي: لما احتضر الحسن قال: إدفنوني عند أبي (يعني رسول الله - ص -)، فقام بنو أمية، ومروان بن الحكم، وكان واليا على المدينة - فمنعوه، وقام بنو هاشم لقتالهم. وفي تاريخ الخلفاء قال ابن عبد البر: وروينا من وجوه أنه لما احتضر (الحسن) قال لأخيه (الحسين): يا أخي، قد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن مع رسول الله، فقالت نعم، فإذا مت فاطلب ذلك إليها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك فإن فعلوا فلا تراجعهم. فلما مات أتى الحسين (عليه السلام) إلى أم المؤمنين عائشة فقالت: نعم وكرامة. فمنهم مروان فلبس الحسين ومن معه السلاح، حتى رده أبو هريرة، ثم دفن بالبقيع إلى جنب أمه (2). ولا يخفي ما فعل (معاوية)، وعامله (مروان) بالحسن من السم، ومنع الدفن له في روضة النبي (ص)، واللعن على أبيه على المنابر بحضرته، ونقض العهود وفرحه وتكبيره بموته. في مروج الذهب للمسعودي: مروان هو طريد رسول الله (ص) الذي غربه عن المدينة، ونفاه عن جواره (3). وفي كنز العمال عن عائشة: كان النبي (ص) في حجرته. فسمع حسا فاستنكره فذهبوا ونظروا فإذا الحكم كان يطلع على النبي (ص)، فلعنه النبي وما في صلبه، ونفاه عاما. (رواه ابن عساكر). ولا منافاة بين الروايتين لأن الحكم طرده رسول الله، ومروان حينئذ كان صبيا معه فكانا طريدين، ومن العجب ما لعنه رسول الله (ص) وهو في صلب أبيه كما روت عائشة وغيرها، ولعله انتقم من الحسن ابن النبي (عليه السلام) انتقاما لأبيه بأن كان يسبه في حضرته (لعنه الله)، (ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا). ومن أعجب ما قال بعض المعاصرين من العلماء المدرسين: إن أخذ الرواية من مروان ليس بممنوع، وإن كان هاتكا لحرمة عترة النبي. قال علي (عليه السلام) في نهج البلاغة لمروان بن الحكم: " إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته (4) (أي لو بايع في الظاهر لغدر في الباطن). قال العلامة وحيد الزمان الحيدر آبادي في المشرب الوردي: ونحن أصحاب الحديث أعداء مروان ومن تبعه من بني أمية لأنهم كانوا أعداء أهل البيت عليهم السلام (5). وقال ابن جرير في تفسيره بإسناده: رأى رسول الله (ص)، بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات، وأنزل الله في ذلك " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك " الآية إسناده ضعيف لكن له شواهد من حديث عبد الله بن عمر، ويعلى بن مرة،
(1) تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 193. (2) الصواعق المحرقة، ص 83، حياة الحيوان، ج 1، ص 54. (3) مروج الذهب، ص 302. (4) نهج البلاغة، ص 39. (5) المشرب الوردي، ج 5، ص 171. 56 والحسين بن علي، وغيرهم وقد أوردتها بطرقها في كتاب التفسير، والمسند، وأشرت إليها في كتاب أسباب النزول (1). وسيأتي بيان أحداثه في الصلاة في المجلد الثاني في باب الصلاة إن شاء الله. ومنهم: عمرو بن العاص، ولاه معاوية على مصر، في نهج البلاغة (في ذكر عمرو بن العاص): عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأني امرؤ تلعابة أعافس وأمارس، لقد قال باطلا، ونطق إثما وشر القول الكذب أنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف ويسئل فيخلف، ويسأل فيبخل، فيخون العهد، ويقطع الآل إنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه آتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة. (إنتهى ملخصا) (2). وفيه كتب إليه: فإنك جعلت دينك تبعا للدنيا فأذهبت دنياك وآخرتك، ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت فإن يمكني الله منك، ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما، وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر. (إنتهى بقدر الحاجة) (3). وهكذا قاله شر حبيل ابن حسنه (كذا في مسند أحمد بأسانيد أربعة): عمرو أضل من حمار أهله، عمرو أضل من بعير أهله، عمرو أضل من جمل أهله، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فصدقه (4). وفي (الصواعق): فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو بن العاص، فقدم عمرو أبا موسى الأشعري مكيدة منه (5). (ملخصا). وهكذا في تاريخ الخلفاء، وسيأتي في بيان انعقاد خلافة عثمان ما فعل عمرو من أعظم موبقاته وخديعته ومكيدته ومخالفته لعلي (6). وفي تاريخ الخلفاء قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص، والمغيرة ابن شعبة (7). ومنهم: المغيرة بن شعبة، ولاه معاوية على الكوفة. في النصائح الكافية ناقلا عن التاريخ الكامل: ولما استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة وقال له: وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك (8) ولست تاركا إيصاءك بخصلة واحدة: لا تترك شتم علي وذمه، والترحم على عثمان، والاستغفار له، والعيب لأصحاب علي، والإقصاء لهم، والإطراء لشيعة عثمان، والإدناء لهم. فأقام المغيرة عاملا على الكوفة وهو أحسن شئ سيرة غير أنه لا يدع شتم علي والوقوع فيه الدعاء لعثمان والاستغفار له، فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إياكم ذم الله ولعن. (ثم قال)
(1) تاريخ الخلفاء، ص 9. (2) نهج البلاغة، ص 46. (3) نهج البلاغة، ص 214. (4) مسند أحمد، ج 4، ص 195، ومعاني الآثار، ص 377، وفتح الباري، ج 3، ص 324. (5) الصواعق المحرقة، ص 71. (6) تاريخ الخلفاء، ص 118. (7) تاريخ الخلفاء، ص 139. (8) تاريخ الطبري، ج 6، ص 141. 57 وأمر (معاوية) حجر بن عدي أن يقوم في الناس فيلعن عليا فأبى ذلك فتوعده وقام فقال: أيها الناس، إن أميركم أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله. فقال أهل الكوفة: لعنه الله. (يلعنون الأمير) (1). قالوا: وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالقدر القليل منها ليرضي بها معاوية. فقتلوه وكان من فضلاء الصحابة. وفي تطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيثمي المكي صاحب الصواعق: (وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله إنه أحد الأثبات وما علمت فيه جرحا أصلا) - إن عمرو صعد المنبر فوقع في علي، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة، فقيل للحسن اصعد المنبر لترد عليهما فامتنع إلا أن يعطوه عهدا أنهم يصدقونه إن قال حقا، ويكذبونه إن قال باطلا، فأعطوه ذلك فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أنشدك الله يا عمرو، ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله لعن السائق والقائد أحدهما فلان؟! قالا: بلى. ثم قال: أنشدك بالله يا معاوية ويا مغيرة، ألم تعلما أن النبي (ص) لعن عمرو بكل قافية قالها لعنة؟! قالا: اللهم بلى. ثم قال: أنشدك بالله يا عمرو، ويا معاوية ألم تعلما أن النبي لعن قوم هذا؟! قالا: بلى. قال الحسن: فأني أحمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا. أي علي، مع أنه لم يسبه قط، وإنما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة (2). ومنهم: سمرة بن جندب، في النصائح الكافية ذكر أبو جعفر الطبري بإسناده: وقد قتل (سمرة) ثمانية آلاف من الناس، وفيه: قتل سمرة سبعة وأربعين رجلا كلهم قد جمع القرآن (3). قال العلامة وحيد الزمان في المشرب الوردي: ومن أقوى الشبه المؤثرة على الإقدام لقبوله وهي كونه من مرويات سمرة الذي جد واجتهد في الفتنة ومخالفة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وعدوانه لا إرادة لوجه الله بل لأغراض تقدح في عدالته (لا يسع المقام ذكرها)، وقد نقلت عنه أشياء منكرة، ومن ثم اختلف الأئمة في توثيق من على مذهب سمرة ومعاوية (4). وقال أيضا: وفي نفسي من سمرة شئ لا أعتمد على روايته (5). ومنهم: بسر بن أرطأة (كما في النصائح الكافية ناقلا عن أبي جعفر الطبري في تاريخه بإسناده): وجد بسر قوما من بني كعب وغلمانهم على بئرهم فألقاهم في البئر، وأقام بالمدينة شهرا، وقتل عبد الرحمن، وقثم ابني عبيد الله بن العباس في حجر أمهما فجنت ووسوست. وفي تقريب التهذيب: (بسر) نزيل الشام من صغار الصحابة (6). وفي (النصائح) كان بسر - والي معاوية على البصرة - يشتم عليا على المنبر فخطب يوما وشتم ثم قال: ناشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني، أو كاذب إلا كذبني فقال أبو بكرة: اللهم إنا
(1) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 182 - 194، والنصائح الكافية، ص 23. (2) تطهير الجنان، ص 130. (3) النصائح الكافية، ص 53. (4) المشرب الوردي، ص 158. (5) المصدر، ص 183. (6) تقريب التهذيب، ص 50. 58 لا نعلمك إلا كاذبا. قال فأمر به فخنق، (ملخصا) (1). ومنهم: شر حبيل بن السمط الكندي الشامي: عمل على حمص لمعاوية (2). وفي النصائح قال: أبو عمرو هو معدود في طبقة بسر بن أرطأة، وأبي الأعور السلمي (3). ومنهم: عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المعروف بالأشدق: تابعي ولي إمرة المدينة لمعاوية (قيل ذبحه بيده) عبد الملك بن مروان سنة سبعين (بدمشق)، وهم من زعم أن له صحبة، وكان عمرو مسرفا على نفسه، وليست له في مسلم رواية إلا في حديث واحد (4). وذكر في النصائح: هو متكبر جبار رعف على منبر النبي، وبشره عبيد الله بن زياد بقتل الحسين، فقرأ كتابه على منبر النبي وأنشد رجزا، ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال: يا محمد يوم بيوم بدر. فأنكر عليه قوم من الأنصار وغيرهم، وهؤلاء كانوا من الصحابة المشهورين، أو التابعين (5). فصل: في بوائق معاوية بن أبي سفيان ومن أكابر بوائقه (6)، وأعاظم قبائحه استخلافه ابنه يزيد. استخلاف معاوية ابنه يزيد في تاريخ الخلفاء: سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة، وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه، وهو أول من عهد بالخلافة لابنه، وأول من عهد بها في صحته، ثم أنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة فخطب مروان فقال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: بل سنة كسرى وقيصر، إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما (7). قال الإمام ابن عبد البر المكي في الإستيعاب: " وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن ". وفي الإستيعاب أيضا: لما أراد معاوية البيعة ليزيد خطب أهل الشام وقال: يا أهل الشام، إني كبرت سني، وقرب أجلي، وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاما لكم (8). في البخاري قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية
(1) النصائح الكافية، ص 75. (2) التقريب، ص 168. (3) الإستيعاب على الإصابة، ج 2، ص 142، والنصائح الكافية، ص 53. (4) تقريب التهذيب، ص 284. (5) النصائح الكافية، ص 50. (6) البوائق مفردها (بائقة) وهي الغائلة أو الداهية، أو الشر. (7) تاريخ الخلفاء، ص 133. (8) الإستيعاب، ص 117. 59 لكي يبايع له، فقال له عبد الرحمن ابن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال: إن هذا الذي أنزل الله فيه " والذي قال لوالديه أف " الآية (1). قال الحافظ في (الفتح) في رواية الإسماعيلي من الطريق المذكور: فأراد معاوية أن يستخلف يزيد - يعني ابنه - فكتب إلى مروان بذلك فجمع مروان الناس فخطبهم فذكر يزيد. قال الحافظ في (الفتح) عن نافع: إن معاوية أراد من ابن عمر أن يبايع يزيد فأبى وقال: لا أبايع لأميرين. فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم، فأخذها فدس إليه رجلا فقال له: ما يمنعك أن تبايع؟ فقال: إن ذاك لذاك، (يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة)، أن ديني عندي لرخيص، فلما مات معاوية كتب ابن عمر إلى يزيد ببيعته، فلما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي يقول " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة " وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله (2). وفي الفتح: لم يبايع ابن عمر عليا، وبايع يزيد (3). وفي الإمامة والسياسة (ما حاصله): إن معاوية لما جوز عزل المغيرة بن شعبة من الكوفة وتفطن هو به فذهب إلى دمشق، واعتذر بكبر سنة واستعفى الإمارة، ووصل إلى يزيد فتملقه وقال له: إن أكابر الصحابة قد ماتوا، وما بقي أحد منهم، وليس أحد بمثلك فناسب أن يعهد إليك أبوك، ويدعو الناس إلى بيعتك حتى يستقر رعبك في قلوب الناس. فتقبل منه يزيد، وذهب إلى أبيه، وطلب معاوية المغيرة وسأله اسرارا فقال له: ناسب أن يكون ولي عهدك في حياتك. ففوض معاوية الكوفة إليه، فذهب إلى الكوفة وأرضى عشرة ببيعة يزيد، وأعطى كل واحد منهم ثلاثة آلاف درهم وأرسلهم إلى معاوية مع موسى ابنه فسأله معاوية: كيف اشترى أبوك دين هؤلاء؟ فقال ما كان فاستبشر. وأما أهل الشام فقد كانوا منقادين لأمره، ولم يتعسر عليه إقناعهم، بل خطبهم على المنبر فقبلوه أحسن القبول، وبايعوا يزيد على الرأس والعين (4). وكان عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد مدعيا للخلافة، وكان عاملا على حمص فمرض فأمر معاوية طبيبا أن يسقيه السم ففعل به فمات وفرغ معاوية منه، كذا ذكره في الإستيعاب: " وما وفي معاوية بطبيب بإعطاء أجره " (5). وولى سعيد بن عثمان على خراسان، وأعطاه أربعين مائة درهم، وجيشا مناسبا وأرسله وفرغ منه. ومن أنكر من أهل البصرة فقد قتل أو صلب أو نفي أو عمي أو ظلم عليه حتى أقر ببيعة يزيد. وأما أهل المدينة فقد كان مروان عاملا عليهم فسعى لبيعة يزيد وقال أهل المدينة: لا نبايع حتى يبايع عبد الله بن عمر، فكتب مروان إلى معاوية فأعطى معاوية مائة ألف درهم لعبد الله ابن عمر
(1) صحيح البخاري، ج 4، ص 331. (2) فتح الباري، ج 6، ص 555. (3) فتح الباري، ج 2، ص 445. (4) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 138. (5) الإستيعاب على الإصابة، ج 3، ص 409. 60 وقد مر ذكره (1). ومن أهل المدينة خالفه عبد الرحمن بن أبي بكر فتخاصما وتنازعا حتى أتت عائشة فصار ما صار وكتب إلى معاوية عمر بن عثمان عن حالة الحسين، وإعراضه عن بيعة يزيد، فكتب معاوية إليه وهو كتب إليه، (وفيه تفصيل إن شئت فارجع إلى المطولات). وأنكر عبد الله بن الزبير من أهل مكة بيعة يزيد فلما سمع معاوية أراد الحرمين بنفسه فأتى المدينة، فأول من لاقاه الحسين (عليه السلام) فقال له: لا مرحبا ولا أهلا وغضب عليه، وعلى عبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير، وابن عمر، وغضب على أبي قتادة لعدم استقباله إياه فأعتذر بعدم (المركب)، ولما اشتد غضبه على الأربعة المذكورين، ولم يأذن لهم عنده فناسب لهم أن هجروا (المدينة)، ودخلوا (مكة) تقية لأنفسهم، ثم صعد معاوية على منبر النبي (ص) فخوف الناس وبالغ وقال فيهم: إن تبايعوا يزيد فهو المراد، وإلا " فعلنا بهم ما فعلنا "، قال ابن قتيبة: ثم بقي في المدينة ابن عباس، وابن عمر، وعائشة فدعاهم على حدة ليلا، وكان ابن عباس قد ذهب بصره وأقام بالطائف بحجة الزراعة فما كان منه خوف لمعاوية (2). وأما ابن عمر فأعطاه ما أعطاه، وتراضيا فيما بينهما. وأما عائشة فقد كانت ساخطة عليه لقتله أخاها محمدا وإيذائه أخاها عبد الرحمن، فروى السيوطي في الأوائل، والزمخشري في ربيع الأبرار، ومؤلف كامل السفينة: أن عائشة أخرجت رأسها من الحجرة وقالت: صه صه، هل استدعى الشيوخ بينهم البيعة؟ قال معاوية: لا. قالت: فبمن تقتدي أنت فخجل، ونزل عن المنبر وبنى لها حفرة فوقعت فيها وماتت، (قد اعترف به الحكيم السنائي في حديقته)، ثم ارتحل معاوية إلى مكة المباركة فتلون بألوان مختلفة من التملق وإرسال التحائف، والتخويف والتذكير، وقال أهل الشام من عسكره: والله لا نرضى حتى يبايعوا له على رؤوس الأشهاد وإلا ضربنا أعناقهم (كذا قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء). هذا ما انتخبناه من " الذبح العظيم " للسيد أولاد حيدر (سلمه الله سبحانه وأفاض علينا بركاته). أقول: وقد نقض معاوية عهده الذي صالح به الحسن، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا كما مر من الصواعق، وسيأتي ذكر يزيد عليه اللعنة (3). ومنها: تسميمه الحسن بن علي (وقد مر). ومنها: حجر بن عدي (وقد مر). ومنها: تسميمه مالك الأشتر، وعبد الرحمن بن خالد. ومنها: قتل محمد بن أبي بكر الصديق، وإحراقه في جيفة حمار. في النصائح الكافية: قتل عمرو بن العاص، ومعاوية بن خديج محمدا بن أبي بكر الصديق بعد فتحهم مصر لمعاوية، وكيفية قتله كانت أن منعوه الماء حتى اشتد عطشه ثم أدخلوه في جيفة
(1) فتح الباري، ج 6، ص 555. (2) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 143. (3) الصواعق المحرقة، ص 81. 61 حمار، وأحرقوه بالنار. ولما بلغ معاوية قتله أظهر الفرح والسرور، وبلغ عليا قتله وسرور معاوية فقال: جزعنا عليه على قدر سرورهم لا بل يزيد أضعافا. ولما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جرعا شديدا، وقنتت دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت، (إنتهى ملخصا) (1). وفي حياة الحيوان: ذكر ابن خلكان وغيره أن علي بن أبي طالب ولى محمد بن أبي بكر الصديق مصر فدخلها سنة سبع وثلاثين، وأقام بها إلى أن بعث معاوية ابن أبي سفيان عمرو بن العاص في جيوش أهل الشام (إلى أن قال) فأمر معاوية (ابن خديج) وكان من عسكر عمرو بن العاص فدخلوا على (محمد) وربطوه بالحبال، وجروه على الأرض، وأمر معاوية أن يجر في الطريق، وأمر به أن يحرق بالنار في جيفة (حمار). ووجد عليه علي بن أبي طالب وجدا عظيما. وقال: كان لي ربيبا وكنت أعده ولدا ولابني أخا. وذلك لأن عليا كان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة الصديق ورباه، (إنتهى ملخصا) (2). في نهج البلاغة: كان (محمد) إلى حبيبا، وكان لي ربيبا (3). وفي البهجة حاشية نهج البلاغة: أم محمد هي أسماء بنت عميس، وكانت عند جعفر ابن أبي طالب ولما قتل جعفر يوم (مؤتة) تزوجها أبو بكر فولدت له محمدا، ثم تزوجها أمير المؤمنين، ونشأ محمد في حجره، ورضع الولاء والتشيع. ومنها: تولية زياد على الكوفة، قال المسعودي في المروج، والبيهقي في المحاسن والمساوي: جمع (زياد) الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي، فمن أبى ذلك عرضه على السيف (4). فصل: نبذة من حالات بعض الصحابة هل يجوز ذكر الجرح عليهم، والتعديل لهم؟! فنقول: يجب أن نفتش أحوالهم كما هو جار في أحوال سائر الرواة، لما قال الحافظ عبد العزيز في " كوثر النبي " (5): وعن ابن سيرين، قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. (رواه مسلم والترمذي في الشمائل)، لأن كل من حضر عند النبي (ص)، وأظهر إسلامه ليس بصحابي في الحقيقة وليس بمؤمن، وإن كان مؤمنا فليس بمعصوم بحيث لا يصدر عنه ذنب مطلقا كما لا يخفى لأن من بقي بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان مائة ألف وأربعة عشر ألف ممن
(1) النصائح الكافية، ص 62. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 224. (3) نهج البلاغة، ص 37. (4) تاريخ الطبري، ج 5، ص 152. (5) كوثر النبي،، ص 74. 62 يعد صحابيا. وهذا العدد ذكره النووي، وابن الصلاح (كما في الصواعق) (1)، وليسوا بسواء كما نبينه إن شاء الله تعالى. قال الله عز وجل: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون وفي سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة " الآية، (سورة النساء). وقال: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله " الآية، (سورة التوبة). وقال: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح، وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا " الآية، (سورة الحديد). الشرك قال رسول الله (ص) لأبي بكر: " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " رواه ابن كثير، وأبو يعلى، والحكيم الترمذي، وغيرهم. النفاق في تفسير ابن كثير روى أحمد، عن جبير بن مطعم مرفوعا " إن في أصحابي منافقين " (2). في الخصائص للسيوطي أخرج مسلم عن حذيفة أن النبي (ص) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (3). وفيه أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: خطبنا رسول الله (ص) فقال في خطبته: أيها الناس إن منكم منافقين فمن سميت فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى عد ستا وثلاثين (4). وفي البخاري عن حذيفة بن اليمان قال: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي، كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون (5). وفي الفتح: النفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر ووجود ذلك ممكن في كل عصر، وإنما اختلف الحكم لأن النبي (ص) كان يتألفهم ويقبل ما أظهروه من الإسلام ولو ظهر احتمال خلافه. قال النووي في شرح مسلم: قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي (ص) كلهم يخاف النفاق على نفسه (6).
(1) الصواعق المحرقة، ص 133. (2) تفسير ابن كثير، ج 5، ص 59. (3) الخصائص للسيوطي، ج 1، ص 280. (4) المصدر، ج 2، ص 102. (5) صحيح البخاري، ج 2، ص 55. (6) شرح النووي، ج 1، ص 26. 63 وفي نهج البلاغة: قال لي رسول الله (ص): إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويفعل ما تنكرون (1). وفي إحياء العلوم للغزالي: لقد كان عمر يبالغ في تفتيش قلبه حتى كان يسأل حذيفة أنه هل يعرف به من آثار النفاق شيئا. وكذا في المدارج، والمعارج، وغيرها (2)، وسيأتي إن شاء الله. الردة وقد بوب السيوطي في الخصائص إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالردة بعده، وكفاك بحديث الحوض شهيدا. وفي التاريخ الكامل: كان مع مسيلمة نهار الرجال بن عنفوه، وكان قد هاجر إلى النبي (ص) وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة شهد أن محمدا يقول إن مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه، واستجابوا له (3). الأحداث في الدين بعد النبي (ص) أخرج مسلم عن أبي هريرة مرفوعا " ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم ألا هلم، فيقال إنهم قد بدلوا. فأقول: سحقا سحقا ". في (الخصائص) أخرج الشيخان عن ابن عباس مرفوعا ألا أنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " الآية، فيقال: " إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " (4). وفيه: أخرج البخاري عن عقبة بن عامر (في حديث طويل): والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا (5)، وكذا في مسلم (في حديث الحوض) وزاد تتنافسوا فيها - أي في الدنيا أو خزائن الأرض (6) - وفي كنز العمال وفيه: فأقول يا رب أصيحابي أصيحابي، رواه البيهقي، وأحمد، والترمذي، والنسائي (7). وفيه: عن أبي سعيد مرفوعا (في حديث طويل): وإني أيها الناس فرط لكم يوم القيامة على الحوض، وأن رجالا يقولون: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، فأقول: فأما النسب فقد عرفته ولكنكم
(1) نهج البلاغة، ص 199. (2) إحياء علوم الدين، ج 4، ص 88. (3) الكامل في التاريخ، ج 2، ص 138. (4) الخصائص للسيوطي، ج 2، ص 127. (5) الخصائص، ج 2، ص 269. (6) صحيح مسلم، ج 2، ص 250. (7) كنز العمال، ج 7، ص 207. 64 أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى، رواه ابن النجار (1). وفيه هكذا: في البخاري عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب فقلت: طوبى لك، صحبت النبي (ص) وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا بن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده (2). وفي الموطأ لمالك (باب في فضل الشهداء في سبيل الله): مالك عن أبي النضر مولى عمر ابن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله (ص) قال لشهداء أحد: هؤلاء اشهد عليهم فقال أبو بكر: يا رسول الله، ألسنا بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بلى ولا أدري ما تحدثون بعدي قال: وبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: أإنا لكائنون بعدك (3)! أقول: قد رؤي في الموطأ المطبوع يحدثون (بالياء)، لكن في الموطأ الذي صححه العلماء بأمر السلطان المسلم المطبوع على هامش شرحه للقاضي أبي الوليد الباجي الأندلسي المسمى بالمنتقى، من أعيان الطبقة العاشرة من علماء السادة في مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر (باب الشهداء في سبيل الله): فقال رسول الله: ولكن لا أدري ما تحدثون (بالتاء) بعدي، فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال أإنا لكائنون بعدك! قي شرح المنتقى: وقول أبي بكر: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا. على وجه الاشفاق لما رأى من تخصيصهم بحكم كان يرجو أن يكون حظه منه وافرا (إلى أن قال): فقال (ص): ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي. قال قوم: إن الخطاب وإن كان متوجها إلى أبي بكر فإن المراد به غيره ممن يعلم بمآل حاله وعمله وما يموت عليه، وأما أبو بكر فقد علم أنه من أهل الجنة، والنبي شهد له بذلك (ثم قال): قال القاضي أبو الوليد: ويكون على هذا معنى قوله لأبي بكر: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي لم يرد به الحدث المتضاد للشريعة، وإنما أراد به جميع الأعمال الموافقة للشريعة (4). قال الإمام الواقدي في كتابه المغازي (باب غزوه أحد): وكان طلحة بن عبد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري يقولون: صلى رسول الله (ص) على قتلى أحد وقال: أنا على هؤلاء شهيد، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أليسوا إخواننا أسلموا كما أسلمنا، وجاهدوا كما جاهدنا، وصلوا كما صلينا، وصاموا كما صمنا؟! قال: بلى، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا، ولا أدري ما تحدثون بعدي، فبكى أبو بكر بكاء شديدا فقال: أإنا لكائنون بعدك. وكذا في جذب القلوب للشيخ الدهلوي: وفي مسلم عن أبي حازم قال: سمعت سهلا يقول: سمعت النبي (ص) يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمع نعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث، فقال: سمعت سهلا يقول هذا؟ قال: فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على
(1) كنز العمال، ج 1، ص 98. (2) المصدر نفسه، ج 7، ص 221، والبخاري، ج 3، ص 30. (3) الموطأ لمالك، ص 173، 301. (4) الموطأ طبعة الهند، وفي طبعة مصر، ج 3، ص 207. 65 أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد: فيقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي (1). وفيه: قالت أسماء بنت أبي بكر مرفوعا: إني على حوضي أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني فأقول، يا ربي مني ومن أمتي، فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم. قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا. وفيه تقول (عائشة): سمعت رسول الله (ص) يقول وهو بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: إي رب مني، ومن أمتي فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم. وفيه: عن أم سلمة مرفوعا: إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا. وفيه: عن عبد الله مرفوعا: أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. قال النووي: قال القاضي عياض: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه. وقال القاضي: حديثه متواتر النقل روته خلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية أبي سعيد، وسهل ابن أبي سعيد، وجندب، وعبد الله ابن عمرو، وابن عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمستورد، وأبي ذر، وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة، ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصديق، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وعبد الله بن زيد، وأبي برزة وسويد بن جبلة، وعبد الله بن الصنابحي، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت قيس، وغيرهم. قلت: ورواه البخاري، ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة، ورواه غيرهما من رواية عمر ابن الخطاب، وعائذ بن عمرو، وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرات قال القاضي: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا. قال النووي: " أما أصيحابي " فوقع في الروايات مصغرا مكررا، وفي بعض النسخ " أصحابي أصحابي " مكررا. وفي البخاري (كتاب الفتن) عن أبي هريرة (2) وفيه: (باب الحوض)، قال الحافظ في الفتح: ولأحمد، والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه: " ليردن علي الحوض رجال من صحبني ورآني "، وسنده حسن، وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن لا يجعلني منهم. قال: لست منهم، (وسنده حسن).
(1) جذب القلوب للشيخ الدهلوي، ص 283، وصحيح مسلم، ج 2، ص 249. (2) صحيح البخاري، ج 4، ص 147. 66 وقال ابن التين: يحتمل أن يكون من منافقين أو من مرتكبي الكبائر (ثم قال): ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين، (وسيأتي في حديث الشفاعة)، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم. وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن أبي سعيد: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر حديثا فقال: يا أيها الناس، إني فرطكم على الحوض فإذا جئتم..، قال رجل: يا رسول الله أنا (فلان) بن (فلان)، وقال آخر (فلان) بن (فلان)، فأقول: فأما النسب فقد عرفته، ولعلكم أحدثتم بعدي وارتددتم. ولأحمد، والبزار نحوه من حديث جابر: ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي (1). وفي رواية: على أدبارهم القهقرى. وفيه: زاد فلا أراه يخلص فيهم إلا مثل همل النعم (يعني إلا قليل). وروى الطبراني عن سمرة: أصيحابي أصيحابي (2). وقد أخرج ابن عساكر، وابن عبد البر في الإستيعاب وأحمد في المسند، والطبراني في الكبير، وأبو النصر السنجري في الإبانة، وأبو داود الطيالسي، وعبد بن حميد، وأبو يعلى والحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة، والديلمي، وغير هؤلاء: أخرج البزار بسند صحيح عن ابن سعيد قال: " ما عدا إن وارينا رسول الله في التراب فأنكرنا قلوبنا ". وبمعناه أخرج ابن سعد، والحاكم، والبيهقي عن أنس (3). وهكذا في الفتح وزاد: يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الألفة، والصفاء، والرقة (4). وفي مسلم عن أبي هريرة (في حديث طويل في الوضوء): وإني لأصد الناس عن (الحوض) كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه، قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم لكم سيماء ليست لأحد من الأمم تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء (5). وفيه عنه مرفوعا: ترد علي أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه، (إلى أن قال) فأقول: يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي داود في المصاحف (في حديث طويل): فغضب حذيفة، واحمرت عيناه ثم قام وذلك في زمن عثمان فقال: أما أن تركب يا أمير المؤمنين وأما أن أركب فهكذا كان من قبلكم، ثم أقبل فجلس فقال: إن الله بعث محمدا فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى
(1) المصدر السابق، ج 6، ص 215. (2) المصدر، ج 6، ص 224. (3) الخصائص للسيوطي، ج 2، ص 278. وفي فتح الباري: قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد " وما نفضنا أيدينا عن دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ". (4) فتح الباري، ج 4، ص 109. (5) صحيح مسلم، ج 1، ص 126. والتحجيل هو بياض يكون في قوائم الفرس، وقد استعير معناه للوضوء في الوجه، واليدين، والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس، ويديه، ورجليه. 67 أظهر الله دينه، ثم أن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد (فذكر خلافة أبي بكر، وعمر) ثم أن الله استخلف عثمان وأيم الله ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله (1). في الكنز المكتوم ناقلا عن العلامة الزرندي من كتاب " الإعلام بسيرة النبي عليه السلام " أنه روى عن عائشة لما حضرتها الوفاة قيل لها: هل ندفنك في روضة النبي (ص) فقالت: بل إدفنوني في (البقيع) مع أخواتي، فإني قد أحدثت أمورا بعده (2). وفي إزالة الخفاء عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذا الآية " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " إلا أربع سنين (3). وعن ابن مسعود قال لما نزلت " ألم يأن "، الآية أقبل بعضنا على بعض: أي شئ أحدثنا؟ أي شئ صنعنا؟ عن ابن عباس: قال: إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشر سنة من نزول القرآن، فقال " ألم يأن "، الآية. وفي (تاريخ الخلفاء) أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر، وسمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قسمت القلوب (4). وكذا في التفسير الكبير للفخر الرازي. قال العلامة التفتازاني في شرح المقاصد: وأما ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحق، والعناد، والحسد، واللداد، وطلب الملك، والرئاسة، والميل إلى اللذات، والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما، ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوما. أقول: قد ثبت مما ذكرنا من حديث الحوض المتواتر: الأحداث في الدين بعد النبي (ص) قد وقع كثيرا من الصحابة من أكابرهم وأصاغرهم وما استثني منهم أحد، لا أبو بكر (أول الخلفاء)، ولا غيره إلا من رحمه الله عز وجل كما بينا من حديث الموطأ من خطاب النبي (ص) لأبي بكر " لا أدري ما تحدثون بعدي ". وثبت منهم من هتك حرمة عترة النبي، والمنازعات بينهم وترك ضروريات الدين وفرائضهم، والتغير في أحكامه كالاستمساك بالثقلين والمودة في القربى وهما من فرائض الدين (كما مر)، وقد ذم الله سبحانه الأحداث في كل زمان كما قال لقوم لوط " إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين "، وقال النبي (ص): " كل بدعة ضلالة "، الحديث واتبع الناس أهواءهم و " فمن اتخذ الله هواه فقد أضله الله "، و " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " هو من أصناف الشرك، وأيضا قد ثبت أن كل صحابي ليس بمعصوم، ولا كل من رأى النبي وصحبه بالخير موسوما، بل أنهم رجال كسائر الرجال، وفيهم ما فيهم من الحسنات والسيئات،
(1) الدر المنثور، ج 1، 209. (2) الكنز المكتوم، ص 174. (3) إزالة الخفاء، ص 243. (4) تاريخ الخلفاء، ص 67. 68 وأما الذين مدحهم الله ورسوله فالمراد منهم أخص الخواص كعترة النبي، وتابعيهم وهم الذين أوفوا بما عاهدوا الله ورسوله إلى أن ماتوا لأن الأعمال بالخواتيم. التكذيب على النبي (ص) في (الخصائص) للسيوطي أخرج البيهقي عن أسامة بن زيد قال: بعث رسول الله (ص) رجلا فكذب عليه فدعا عليه رسول الله، فوجد ميتا قد انشقت بطنه، ولم تقبله الأرض (1). أخرج الشيخان، وأحمد، والبيهقي عن أنس أن رجلا كان يكتب الوحي لرسول الله (ص) فكان يملي عليه " عليما حكيما " فيقول أكتب " سميعا بصيرا " فيقول: أكتب كيف شئت، ويملي عليه " سميعا بصيرا " فيكتب " عليما حكيما " فارتد ذلك الرجل، ولحق بالمشركين وقال أنا أعلم بمحمد إن كنت لأكتب ما شئت. فمات ذلك الرجل فقال رسول الله: إن الأرض لا تقبله فدفن فلم تقبله الأرض. قال أبو طلحة: فقدمت الأرض التي مات فيها فوجدته منبوذا فقلت: ما شأن هذا؟ فقالوا: دفناه فلم تقبله الأرض. وأخرج عبد الرزاق في المصنف، والبيهقي عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى قرية من قرى الأنصار فقال إن رسول الله (ص) أرسلني إليكم، وأمركم أن تزوجوني منكم (فلانة)، (ولم يكن أرسله)، فبلغ النبي ذلك فأرسل عليا، والزبير، فقال: إذهبا فإن أدركتماه فاقتلوه، ولا أراكما تدركان، فذهبا فوجداه قد لدغته حية فقتلته. وأخرج البيهقي من طريق عطاء بن السائب، عن عبد الله بن الحارث أن جدجد الجندعي أتى اليمن فعشق بها امرأة فقال: إن النبي (ص) يأمركم أن تبعثوا إلى نقبائكم، فقالوا عهدنا برسول الله وهو يحرم الزنا، ثم بعثوا إلى النبي (ص) رجلا فبعث عليا (ع) فقال: إئته فإن وافقته حيا فاقتله، وإن وجدته ميتا فاحرقه بالنار. فخرج جدجد من الليل يستقي من الماء فلدغته أفعى فقتلته. (إنتهى من الخصائص). ومن المتواترات قوله: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. سوء الظن في " الجلالين ": نزل لما فقدت قطيفة حمراء يوم بدر فقال بعض الناس: لعل النبي (ص) أخذها " وما كان لنبي أن يغل " يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك. وفي لباب النقول أخرج أبو داود والترمذي، وحسنه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية، وهكذا في سنن الترمذي (2).
(1) الخصائص للسيوطي، ج 2، ص 78. (2) سنن الترمذي، ج 2، ص 125 و 69 التهمة على النبي (ص) بعدم العدل روى الشيخان عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج (سيل الماء من الحرة إلى السهل) من الحرة (هي أرض ذات حجارة) فقال النبي (ص): إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصاري: إن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ثم قال: إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك، فحفظ النبي للزبير حقه في صريح الحكم حين أغضبه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة (1). قال في اللمعات: أما القول بكونه (أي الأنصاري) يهوديا فبعيد جدا، وأما عدم قتله إما لتأليفه أو لصبره على أذى المنافقين حتى لا يتحدث أن محمدا يقتل أصحابه. وفي لباب النقول: أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا فنزلت " فلا وربك لا يؤمنون "، الآية. وأخرج الطبراني في (الكبير)، والحميدي في مسنده عن أم سلمة قالت: خاصم الزبير رجلا فنزلت " فلا وربك "... الآية. وأخرج ابن أبي حازم عن سعيد بن المسيب في قوله " فلا وربك "، قال: أنزلت في الزبير بن العوام، وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء (الحديث). وفي لباب النقول: روى البخاري عن أبي سعيد الخدري بينما رسول الله (ص) يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة فقال: أعدل، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟! فنزلت " ومنهم من يلمزك في الصدقات ". وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر نحوه. الزنا روى الشيخان اتفاقا، وانفرادا قصة رجم ما عز الأسلمي. وفي الإكمال: ماعز بن مالك الأسلمي معدود في المدنيين، وهو الذي رجمه النبي (ص) روى عنه ابنه عبد الله حديثا واحدا (2). وفي إزالة الخفاء: إقامة الحد (من عمر) على ابنه شحمة (في الزنا) (3). السرقة في الخصائص: أخرج البيهقي عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا من أصحاب رسول الله (ص) توفي يوم خيبر فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرز اليهود لا تساوي درهمين (4). وقد قطع يد السارق وكان من الصحابة، (عن المشكاة).
(1) المشكاة، ص 251 (باب إحياء الأموات). (2) الإكمال في أسماء الرجال، ص 32. (3) إزالة الخفاء، ص 150. (4) الخصائص للسيوطي، ج 1، ص 255. 70 الربا في إزالة الخفاء: عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن معاوية ابن أبي سفيان باع (سقاية) من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله (ص) ينهي عن مثل هذا إلا بمثله، فقال معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا (1). وقد مر في بيان معاوية أنه لا يعلم مسألة الربا، وليس بمجتهد. الكذب كذب الوليد بن عقبة، ونزل فيه قوله تعالى " إن جاءكم فاسق بنبأ "، وقد ولاه عثمان على الكوفة، وكان شاربا للخمر، وقد حد بأمر أمير المؤمنين علي (ع) (كما ذكر البخاري وغيره). وفي القرآن الكريم " والله يعلم أنهم لكاذبون " سورة التوبة. قذف المحصنات فأي القذف أعظم من قذف أم المؤمنين عائشة. في (الجلالين) قوله تعالى " إن الذين جاؤوا بالإفك " أسوء الكذب على عائشة أم المؤمنين بقذفها عصبة منكم (جماعة من المؤمنين) قالت: حسان بن ثابت وعبد الله ابن أبي، ومسطح، وحمنة بنت جحش، وفي الجلالين: مسطح وهو ابن خالته مسكين مهاجر بدري، وكذا في لباب النقول بقول عائشة أنه بدري. وفي المدارك: اجتمعوا وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش (أخت أم المؤمنين زينب). وفيه: ولقد ضرب النبي (ص) ابن أبي وحسانا، ومسطحا الحد. وفي التقريب: حسان الأنصاري الخزرجي. وفي الإكمال: مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، شهد بدرا وأحدا والمشاهد بعده، وهو الذي قال في عائشة أم المؤمنين ما قال من حديث الإفك، وجلده النبي (ص) فيمن جلده. وفي الخصائص: عن ابن عباس قرأ: " إن الذين يرمون المحصنات "، الآية قال: هذه في عائشة وأزواج النبي (ص)، ولم يجعل لهم التوبة فجعل التوبة لمن قذف امرأة من المؤمنين ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي توبة (2).
(1) إزالة الخفاء، ص 107. (2) الخصائص للسيوطي، ج 1، ص 139. 71 الغيبة في الدر المنثور للسيوطي قال أبو بكر وعمر لخادمها: إن سلمان الفارسي لنؤوم، وجاءا إلى النبي (ص)، فقال النبي: إني لأرى لحمة بين ثناياكما (1). الغلول (وهو الخيانة في الغنيمة) في الخصائص: أخرج البيهقي عن زيد بن خالد الجهني (وقد مر في السرقة) (2). وفيه: أخرج الشيخان عن أبي هريرة (في حديث طويل) إذ جاءه (مدعما وهو عبد أهدي للنبي) سهم فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة فقال رسول الله (ص): كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا (3). وفيه عن عمر بن الخطاب قيل: يا رسول الله (ص)، إن فلانا قد استشهد قال: كلا قد رأيته في النار بعباءة قد غلها، ثم قال: قم يا عمر، فناد أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثا، (رواه الترمذي وحسنه، وصححه وغربه). ترك الزكاة في (الجلالين): قوله تعالى " ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لتصدقن ولنكونن من الصالحين " وهو ثعلبة بن حاطب سأل النبي (ص) أن يدعو له أن يرزقه الله مالا ويؤدي منه كل ذي حق حقه، فدعا له فوسع عليه فانقطع عن الجمعة، والجماعة، ومنع الزكاة، (وكذا في المدارك وغيره). وفي الصحيحين: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله (ص) لقاتلتهم على منعه. (قاله أبو بكر). الخيانة في السر في لباب النقول: أخرج ابن جرير عن السدي قال: كانوا يسمعون من النبي (ص) الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول "... الآية. التولي عن الزحف كفى الكتاب الكريم، والقرآن الحكيم شهيدا " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول
(1) الدر المنثور للسيوطي، ج 6، ص 95. (2) الخصائص، ج 1، ص 456. (3) المصدر، ج 1، ص 256. 72 يدعوكم "، في الجلالين يقول: " إلي عباد الله، إلي عباد الله ". " ويوم حنين إذ أعجبكم كثرتكم... ثم وليتم مدبرين، فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ". وفي الخصائص للسيوطي (في حديث طويل) قال (ص): يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة، وبالأنصار الذين آووا ونصروا.. (الحديث)، وقد ثبت أن آخر الغزوات حنين، فالذين تولوا عنه لم يتوبوا ولم يوعد لهم بالمغفرة، (كما في الآية) (1). وأما غزوة الطائف التي بعدها فلم يكن فيها قتال كما في الخصائص، وهكذا غزوة (تبوك) مثلها (2). ومن المسلمات بين الفريقين أن التولي من أكبر الكبائر. نكث البيعة قال الله تعالى " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه "، وقد كان من بعض الصحابة، وهو التولي يوم الزحف (وقد مر سابقا). وقد نكث طلحة والزبير بيعة علي، ولا حاجة إلى التبيان. لعن بعض الصحابة بعضا استمر من زمن معاوية إلى زمان عمر بن عبد العزيز لعن علي (ع)، وسبه على المنابر (كما مر من الصواعق وتاريخ الخلفاء وغيرهما)، وقد لعنت عائشة معاوية، وعمرو بن العاص إذ قتلا أخاها. إيذاء بعض الصحابة بعضا قد آذى عثمان عمارا بحضرة النبي (ص) حين بناء المسجد، وأبا ذر بعد وفاة النبي (ص) (وسيأتي مفصلا إن شاء الله). إحراق الثقلين روى البخاري عن أنس (في حديث طويل) رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق (3). وفي شرح مسلم للنووي (4): جواز إحراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحة، كما فعل عثمان، والصحابة بالمصاحف التي كانت غير مصحفه والتي أجمعت الصحابة عليها، وأما إحراق الثقل الآخر، وهو
(1) الخصائص، ج 1، ص 270. (2) المصدر، ج 1، ص 272. (3) المشكاة، ص 185، (باب فضائل القرآن)، طبع بومباي. (4) النووي، ج 2، ص 363. 73 بيت البتول (صلوات الله عليها) فمما لم ينكره أحد ممن له ذوق بالكتب، وقد ورد في كنز العمال، والاستيعاب، وتاريخ الخميس، والكامل، والإمامة والسياسة، وغيرها. (وسيأتي مكملا إن شاء الله)، ومن مؤيداته مخاصمة العترة يوم القيامة عند الله سبحانه، (وقد مر). توهين أهل البيت (ع) قد مر سب أهل البيت، ولعنهم غير مرة، ففي تاريخ الخلفاء أخرج عن عبد الرزاق عن حجر المدري قال: قال لي علي بن أبي طالب: كيف إذا أمرت أن تلعنني؟ قلت: وكائن ذلك؟! قال نعم (1). وفي الخصائص بإسناده قال معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب (2)؟ البغي على الإمام بغى معاوية وطلحة والزبير على علي (ع) مما هو لا بد من التسليم. قال علي (ع) في (ديوانه): إن يومي من الزبير ومن * طلحة فيما يسوؤني لطويل ظلماني ولم يكن علم الله * للظلم يوما إلي سبيل وفي نهج البلاغة (كتاب علي إلى طلحة والزبير): فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما قبل أن يجتمع العار والنار (3). رفع الصوت عند النبي (ص) قد رفع الشيخان صوتهما عند النبي (4) (ص)، ونزلت " لا ترفعوا "، الآية. كما في البخاري، والمدارج، والدر، وإزالة الخفاء، وغيرها، (وسيأتي موضحا إن شاء الله). عدم الخشوع في الصلاة قال الله تعالى " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ".
(1) تاريخ الخلفاء، ص 21. (2) الخصائص للنسائي، ص 37. (3) نهج البلاغة، ص 234. (4) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر في ترجمة (خالد بن مالك)، ج 1، ص 412. 74 في لباب النقول: روى الترمذي، والنسائي، والحاكم، وغيرهم عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله (ص) حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقد حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله تعالى " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين "، (ورواه ابن عساكر). وأخرج ابن مردويه عن داود بن صالح أنه سأل سهل بن حنيف الأنصاري " ولقد علمنا "... الآية، أنزلت في سبيل الله؟ قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة (1). وكذا في ابن ماجة، وفي الخازن، والمعالم (تحت هذه الآية)، وزاد في ذلك " أن النساء كن يخرجن "... (القصة)، فعند ذاك قال صلى الله عليه وآله: خير صفوف الرجال أولها (2)، (أخرجه مسلم)، وقصة خشوع علي (ع) في الصلاة مشهورة. ترك النبي (ص) على المنبر والذهاب إلى البيع في " لباب النقول " أخرج الشيخان عن جابر قال: كان النبي (ص) يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأنزل الله تعالى " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ". وأخرج ابن جرير عن جابر أيضا قال: كان الجواري إذا (نكحوا) كانوا يمرون بالكبر (3) والمزامير، ويتركون النبي (ص) قائما على المنبر وينفضون إليها فنزلت، وكأنها نزلت في الأمرين معا. وفي الجلالين: وضرب لقدومها الطبل على العادة فخرج لها الناس. وذكر البغوي في تفسيره اثني عشر رجلا وامرأة. الخديعة والمكيدة في الدين قال الله تعالى " يخادعون الله والذين آمنوا "، قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو ابن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة. ومات عمرو بن العاص في أيام معاوية (4). وفي تاريخ الخلفاء: رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو بن العاص، فقدم عمرو أبا موسى الأشعري مكيدة منه (5). (وقد مر وسيأتي إن شاء الله). وهكذا في الصواعق، وفي فتح الباري (6).
(1) لباب النقول، ج 2، ص 12. (2) ابن ماجة، ج 1، ص 354. (3) الكبر (بالفتح) هو الطبل، وجمعه كبار، مثل (جبل وجبال). (4) تاريخ الخلفاء، ص 139. (5) المصدر، ص 118. (6) الصواعق المحرقة، ص 71، وفتح الباري، ج 6، ص 434. 75 وفي مروج الذهب للمسعودي كتب محمد بن أبي بكر الصديق إلى معاوية كتابا فيه: من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن أبي سفيان بن صخر: أنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان رسول الله (ص) الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله وأنت عدوه، وابن عدوه فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك. (ملخص من النصائح) (1). وفي النصائح: نقل ابن عبد ربه بإسناده: علم معاوية والله أن عمرو إن لم يبايعه لم يتم له أمر فقال له: يا عمر واتبعني، قال: لا حتى أكون شريكك فيها، قال: فأنت شريكي فيها (2). وفيه: والصحبة الضارة ما قرنها الخداع والنفاق والعداء له (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأهل بيته وارتكاب المخالفات بعده واقتران الكبائر كصحبة عبد الله بن أبي ثعلبة، والحكم بن أبي العاص، والوليد بن عقبة، وحبيب بن مسلمة، ومعاوية وعمرو بن العاص، وسمرة بن جندب وبسر بن أرطأة، وذي الثدية الخارجي، والمغيرة بن شعبة، وأمثالهم (3). وفي الخصائص للسيوطي ذكر في هجرة الحبشة بإخراج البيهقي: مكر عمرو بن العاص بعمارة رفيقه، (وهنا قصة طويلة) (4). وفيه: أخرج الطبراني عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: يكون في هذه الأمة حكمان ضالان ضال من تبعهما، قال سويد بن غفلة فقلت: يا أبا موسى، أنشدك الله أليس إنما عناك رسول الله (ص) فقال: ستكون فتنة في أمتي إذا كنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاعدا، وقاعدا خير منك قائما، وقائما خير منك ماشيا، فخصك رسول الله (ص) ولم يعم الناس (5). كتمان الحق قال الحافظ في (الفتح): وحمل العلماء الوعاء الذي لم يثبته على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضهم ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم. وفي (حد السارق) روى أبو جعفر الطبري في تاريخه: كان عمر يقول: جردوا القرآن ولا تفسروه، وأقلوا الرواية عن رسول الله (ص) وأنا شريككم وأنه نقل عن العلامة الذهبي الذي هو شيخ الحافظ ابن حجر، والسخاوي، وغيرهما من تذكرة الحفاظ (6). حب الدنيا قال الحافظ في (الفتح) عن نافع: أن معاوية أراد بابن عمر أن يبايع يزيد فأبى وقال: لا أبايع لأميرين، فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم فأخذها، فدس إليه رجلا فقال له: ما يمنعك أن تبايع؟
(1) النصائح الكافية، ص 21. (2) المصدر، ص 48. (3) النصائح، ص 128. (4) الخصائص للسيوطي، ج 1، ص 149. (5) المصدر، ج 2، ص 137، وتاريخ الطبري، ج 6، ص 40. (6) الفتح، ج 1، ص 109، 130، 223. 76 فقال: إن ذاك لذاك (يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة) إن ديني عندي لرخيص (إلى أن قال) فلما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حمشه، وولده فقال إني سمعت النبي (ص) يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه (1). شرب الخمر في الجلالين: لما نزلت " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس "، شربها قوم، وامتنع آخرون. وفيه: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " من الشراب لأن سبب نزولها صلاة الجماعة في حال السكر. قال الحافظ: وقدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر، هاجر بسبب ذلك وكان قدامة بدريا (قال قبل هذا) أي في قول عدم وقوع الذنب منهم (أي من البدريين) نظر ظاهر، (لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون) (2). وفي مسلم عن أنس بن مالك: إن النبي (ص) أتي برجل قد شرب الخمر فجلده (3). في تاريخ الخلفاء، والتاريخ الكامل: وولى (أي عثمان) الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو صحابي أخو عثمان لأمه، وذلك أول ما نقم عليه لأنه آثر أقاربه بالولايات. وحكي أن الوليد صلى بهم الصبح أربعا وهو سكران ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم (4)!! وفي شرح الفقه الأكبر: وكان ابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى أنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ثم قال: أزيدكم، فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة (5). وفي مروج الذهب للمسعودي في حق الوليد بن عقبة: وأشاعوا بالكوفة فعله، وظهر فسقه، ومداومته شرب الخمر فهجم عليه جماعة في المسجد (حتى قال) فوجدوه سكرانا مضطجعا على سريره لا يعقل فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ ثم تقيأ عليه ما شرب من الخمر (6). وفي صحيح مسلم قال (أبو ساسان): شهدت عثمان أتى بالوليد فشهد عليه رجلان أحدهما حمران (وهو مولى عثمان) أنه شرب... (الحديث) (7). وزاد في (الفتح): ونقلت برواية عمر بن شيبة في أخبار المدينة من طريق الشعبي أشعار منها
(1) الفتح، ج 6، ص 555. (2) الفتح، ج 4، ص 14. (3) صحيح مسلم، ص 71. (4) تاريخ الخلفاء، ص 105، والكامل في التاريخ، ج 3، ص 40. (5) الفقه الأكبر، ص 92، (طبعة لاهور). (6) مروج الذهب للمسعودي، ج 1، ص 303. (7) صحيح مسلم، ج 2، ص 72. 77 قال الوليد (1): نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سفها، وما يدري! الفسق في لباب النقول في أسباب النزول: أخرج الواحدي، وابن عساكر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي ابن أبي طالب: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي (ع): أسكت فإنما أنت فاسق. فنزلت " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ". وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار نحوه. وأخرج ابن عدي والخطيب في تأريخه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله. وفي تفسير النيشابوري، والدر: أخرجه أبو الفرح، والواحدي، وابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس، وأخرجه ابن إسحاق، وابن جرير عن عطاء بن يسار، وابن أبي حاتم عن السدي، وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: " لا يستوون في الدنيا ولا في الآخرة " (2). وفي " المعالم " مثله. وفي " الكشاف " مثله وقوله تعالى " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا "، الآية نزلت في الوليد المذكور، كما في " لباب النقول "، وغيره باتفاق المفسرين والمحدثين. وفي التقريب للعسقلاني: الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية القرشي الأموي أخو عثمان لأمه، له صحبة، وعاش إلى خلافة معاوية (3). في " الحاشية " أنه أسلم يوم فتح مكة وله حديث. وقد أعلم العسقلاني بعلامة (الدال) على أبي داود. الهجران الممنوع ثم أن النبي (ص) وجد خفة في نفسه، وخرج بين رجلين أحدهما العباس، قال: أسمت (عائشة) لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي. متفق عليه (4). في عين الباري: ومن ثم صرحت عائشة بالعباس، وأبهمت الآخر، والمراد به علي، ولم تسمه لما كان عندها منه مما يحصل للبشر مما يكون سببا للأعراض عن ذكر اسمه، (إنتهى) (5). وهكذا في مدارج النبوة (6).
(1) فتح الباري، ج 3، ص 377. (2) تفسير النيشابوري، ج 21، ص 72، والدر المنثور، ج 5، ص 178 (3) التقريب للعسقلاني، ص 386. (4) المشكاة، ص 94. (5) عين الباري في حل أدلة البخاري للسيد الصديق، ج 2، ص 15. (6) مدارج النبوة، ج 2، ص 228. 78 وفي لباب النقول (في حديث طويل في قصة الإفك): دعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي (عليه السلام) فقال: لن يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة (1)، وهكذا في مدارج النبوة (2). وفي روضة الأحباب، " والنساء سواها كثيرة والله أعلم " (3). وفي تفسير ابن كثير: واستشار النبي (ص) عليا، وأسامة في فراق عائشة (4)، الخ. تتمة: في رد استدلال من قال إن الصحابة كلهم عدول إعلم أن هذا القول ليس بسديد على العموم بأن لا يصدر عن أحد من الصحابة ذنب مطلقا كما مر، ولا بأن يكون كلهم ثقة في الرواية لما ثبت أن الوليد بن عقبة الصحابي فاسق بالقرآن، وقد أمر الله سبحانه ورسوله بالتبين. وفي نزل الأبرار: ويتحرى في خبر الفاسق - في الحاشية المنهية من المصنف - لقوله تعالى " إن جاءكم فاسق "، الآية نزلت في الوليد بن عقبة وكذلك قوله تعالى " أفمن كان مؤمنا "، ومنه يعلم أن من الصحابة من هو فاسق كالوليد، ومثله يقال في حق معاوية، وعمرو، والمغيرة، وسمرة (5). وفي (إزالة الخفاء) أخرج البيهقي عن ابن عمر قال: " كان عمر يأمرنا أن لا نأخذ إلا عن ثقة " (6). قال عبد العزيز الدهلوي في فتاواه: " الصحابة كلهم عدول " (7). ليت شعري إن الذي لا يجتنب الكبائر كيف لا يكذب في الرواية، والكذب من أكبر الكبائر، بل كاد الكذب أن يكون كفرا، وقد ذم الله سبحانه كل أنواع الكذب من القول، والحلف، والوعد، والشهادة، وسماعه كما قال في كتابه المجيد " واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به واتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله " " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا "، " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا "، " والذين لا يشهدون الزور سماعون للكذب "، بل أمر عباده " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "، وقد أوعد رسوله (ص) " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "، وعد الكذب من آية النفاق. وظني أنه ما من ذنب تكون جزئياته أكثر من الكذب إلا الخمر فإنه أكثر المنافع، ومصدر المآثم، وأم الخبائث يتلوث به عشرة أشخاص (كما في الحديث).
(1) لباب النقول، ج 2، ص 45. (2) مدارج النبوة، ص 220 - 226. (3) روضة الأحباب، ج 3، ص 8. (4) تفسير ابن كثير، ج 5، ص 302. (5) نزل الأبرار في فقه النبي المختار، لوحيد الزمان الحيدر آبادي، ج 3، ص 94، (طبعة بناري). (6) إزالة الخفاء، ص 82. (7) الفتاوى، ص 102. 79 وقد استنقذني الله سبحانه من حضرة (الحنيفة) إلى سفينة (الحنيفة) بسبب الكذب في الشهادة من إمام المسجد، وتنفري منه، وإفتائي بعدم جواز الصلاة خلفه، وفيه قصة طويلة (والحمد الله على ذلك). وقد قال في " النيل "، وفي البدر المنير: قيل لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث (1). ومن هذا قولهم - حكاية عن الله سبحانه " اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم " - لأهل بدر هو من الموضوعات الواهيات لكونه مخالفا للقوانين الشرعية التي تدور عليها رحى الإسلام لإطلاق الخطابات لكل من آمن بغير استثناء، أهل بدر، وغيرهم كما قال سبحانه " واعتصموا بحبل الله جميعا "، " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة!، " وكتب عليكم الصيام "، وهذا هو القانون الكلي من الشارع مع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأصحابه قد حدوا البدريين الذين شربوا الخمر، أو قذفوا المحصنات، وغير ذلك، وما من أمر شرعي يستثنى منه الأنبياء في الأكثر. ولما جاء في كنز العمال عن ابن عباس مرفوعا: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر، رواه الخطيب (2). ولما قال الحافظ في الفتح تحت قوله (ع): من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (3). زاد قتيبة عن سفيان: عند النسائي " وما تأخروا "، كذا زادها حامد بن يحيى عند قاسم بن الأصبغ، والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له، وهشام بن عمار في الجزء الثاني عشر من فوائده، ويوسف بن يعقوب النجاحي في فوائده كلهم عن ابن عينية، ووردت هذه الزيادة من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجها أحمد عن طريق عامر بن سلمة عن محمد بن عمرو، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعن ثابت، وعن الحسن كلاهما عن النبي (ص)، ووقعت هذه الزيادة من رواية مالك نفسه. أخرجها أبو عبد الله الجرجاني في " أماليه " من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري (إلى أن قال) وقد ورد في " غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب " عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد، وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث إن المغفرة تستدعي سبق شئ يغفر، والمتأخر عن الذنوب لم يأت، فكيف يغفر؟! والجواب عن ذلك يأتي في قوله (ص) حكاية عن الله تعالى أنه قال في أهل بدر " اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم "، وتحصل الجواب أنه قيل أنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك، وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة، وبهذا أجاب جماعة منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة، وإنه يكفر سنتين سنة ماضية وسنة آتية، (إنتهى). قال في الفتح: قد استشكل قوله " اعملوا ما شئتم " فإن ظاهرة الإباحة وهو خلاف عقيدة الشرع، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي، أي كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب، لأنه (ص) خاطب به
(1) النيل، ج 1، ص 355. (2) كنز العمال، ج 4، ص 297. (3) فتح الباري، ج 7، ص 315. 80 عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، ولفظ الماضي مبالغة في تحقيقه (ثم قال): فيه (أي قول عدم وقوع الذنب منهم) نظر ظاهر لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده فهاجر بسبب ذلك، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحة، وكان قدامة بدريا. وفيه: قد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة مع أنه من أهل بدر (1). وفيه: استعمله (أي قدامة) عمر على البحرين، وكان شهد بدرا، وهو خال حفصة (هكذا في البخاري)، وقد أوردها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري فزاد فقدم الجارود العقدي على عمر فقال: إن قدامة سكر، فقال: من يشهد معك؟ قال: أبو هريرة، فشهد أبو هريرة أنه رآه سكران يقئ، فأرسل إلى قدامة فقال له الجارود: أقم عليه الحد، فقال له عمر: أخاصم أنت أم شاهد؟ فصمت ثم عاوده فقال: لتمسكن أو لأسوءنك فقال: ليس في الحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني، (إلى أن قال): ثم أمر به فجلد، فغضب قدامة (2). وذكره في إزالة الخفاء، عن المحب الطبري مفصلا ومطولا (3)، وكذا في الإستيعاب (4). وفي البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله (ص) يقول إن عبدا أصاب ذنبا - وربما قال أذنب ذنبا - فقال رب أذنبت (إلى أن قال في المرة الثالثة) قال الله: غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء، (المشكاة باب الاستغفار). أقول: قد ظهر وضعه، ونسجه كنسج (العنكبوت). هكذا حال قولهم " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ". في الصواعق قال أبو عمرو (ابن عبد البر) وخير " خير الناس قرني " ليس على عمومه لأنه جمع المنافقين وأهل الكبائر الذين قامت عليهم وعلى بعضهم الحدود (5). وصحح الحاكم وحسن غيره خبر " يا رسول الله (ص) هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ". وأخرج الأنصاري عن أنس أن رسول الله (ص) قال: يا أبا بكر، ليت أني لقيت إخواني، فقال أبو بكر: يا رسول الله، نحن إخوانك. قال: لا أنتم أصحابي، إخواني الذين لم يروني وصدقوا بي، وأحبوني حتى أني أحب إلى أحدهم من ولده ووالده. قالوا: يا رسول الله، نحن إخوانك، قال: لا أنتم أصحابي (6). روى الترمذي عن أنس بن مالك: مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره (7).
(1) فتح الباري، ج 4، ص 449، ونقله في الإصابة، ج 3، ص 228. (2) المصدر، ج 4، ص 21. (3) إزالة الخفاء، ص 152. (4) الإستيعاب، ج 2، ص 548. (5) الصواعق المحرقة، ص 137. (6) الصواعق المحرقة، ص 128. (7) المشكاة، ص 575، (باب ثواب هذه الأمة). 81 روى أحمد عن أبي أمامة مرفوعا: " طوبى لمن رآني، وطوبى (سبع مرات) لمن لم يرني، وآمن بي " (1). وفي الدر المنثور أخرج البزار، وأبو يعلى، والمرهبي في فضل العلم، والحاكم وصححه عن عمر ابن الخطاب قال: كنت جالسا مع النبي (ص) فقال: أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا، قالوا: يا رسول الله، الملائكة ثم قالوا: الأنبياء، ثم قالوا: الشهداء، ثم قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلى فيعلمون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان (2). وأخرج مثله البيهقي في الدلائل، والأصبهاني في الترغيب، والطبراني، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وأحمد، والدارمي، والبخاري في تاريخه، وابن حيان بأسانيدهم، (إنتهى). وفي منهاج السنة لابن تيمية الحنبلي: والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغاوية، وقد قيل إنه من أهل بيعة الرضوان. ذكر ذلك ابن حزم، فنحن نشهد لعمار بالجنة، ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة (3). قال الحافظ في الفتح: اقتضى حديث " خير أمتي قرني " أن يكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، ولكن هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع، أو الأفراد محل بحث (4). أقول: وهو المستعان وعليه التكلان: يرد تعميمه قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم "، وغيرها الدال على توليهم، وسائر أفعالهم، وأيضا تعميمه يستلزم تفضيل (يزيد)، و (الحجاج)، و (ابن زياد) إذ في الخمسين الأخير كانت ولاية يزيد وقتل الحسين وذريته وخيار شيعته، واستباحة المدينة المنورة، وقلع منبر النبي (ص)، وهتك ساكني حرمها، وقتل أكابر الصحابة والزنا بالجبر، وفض أبكار أهلها، ومحاصرة مكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق، وشرب الخمور، وارتكاب الفجور، وقتل المسلمين، وسبي حريمهم، ولعن علي على المنابر وتسميم الحسن، ومنع دفنه في روضة جده الأطهر، والظلم الفاحش على عترة الرسول في كل قرن، وغير ذلك. وقد اتفق على أن كل صحابي ليس بمجتهد، وليس بمعصوم فظهر من هذا وهن هذا القول المشهور على ألسنتهم " إن يقولوا إلا كذبا ". وهكذا حال قولهم عن النبي (ص): " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " فهو أيضا ضعيف بل موضوع لما بينا من أعمالهم، ولمخالفته لحديث (الثقلين)، وهو متواتر وهذا ضعيف أو موضوع لما في (منهاج السنة)، فهذا الحديث ضعيف ضعفه أئمة الحديث. قال البزار: هذا حديث لا يصح من رسول الله (ص)، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة.
(1) المصدر نفسه، ص 575. (2) الدر المنثور، ج 1، ص 26. (3) منهاج السنة، لابن تيمية، ج 3، ص 179. (4) فتح الباري، ج 3، ص 353. 82 ولما في (شرح مسلم الثبوت لبحر العلوم عبد لعلي الكهنوي): هذا الحديث لم يعرف، قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب، موضوع، باطل، وكذا قال أحمد، والبزار، قال عبد الحي اللكنوي في رسالة (تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار): " حديث أصحابي كالنجوم " معناه صحيح (1). وقال الشهاب الخفاجي في نسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض: روي من طرق كلها ضعيفة حتى جزم ابن حزم بأنه موضوع. وقال البزار: لا يصح، وقال البيهقي: هذا الحديث مشهور المتن، وأسانيده كلها ضعيفة لم يثبت فيه إسناد. وفي الصواعق: في (مسلم الثبوت وشرحه لمولانا ولي الله الكهنوي) حديث " خذوا شطر دينكم عن الحميرا "، أي عائشة و " أصحابي كالنجوم " ضعيفان، قال الذهبي: هو من الأحاديث الواهية. الحاصل: أن هذا الحديث أخرجه بألفاظ متقاربة جمع من أصحاب كتب الحديث بطرق كلها ضعيفة وقد اختلف في كونه موضوعا، (إنتهى ملخصا). وفي إعلام الموقعين، حديث " أصحابي كالنجوم "... قال ابن عبد البر بإسناده عن محمد ابن أيوب الصموت: قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبي (ص): " أصحابي كالنجوم "، فهذا كلام لا يصح عن النبي (ص) (2). إعلم إنه لا يستدل على كمال الإيمان بالفتوحات الملكية مطلقا، ولا يستدل بها على أن الفاتح مستحق للاقتداء به بحيث يهتدى به لأننا نقول إن الفتوحات الملكية مطلقا فليست مما تدل على كمال الإيمان، ورفع المدارج ولم يجعلها النبي (ص) جزء منه، بل قد يقع أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، كما في كنز العمال عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (3)، (رواه أحمد في مسنده والنسائي). وفيه: إن الله تبارك وتعالى ليؤيد الدين بالرجل الفاجر، (رواه الطبراني عن عمر بن النعمان) (4). " والله تبارك وتعالى يؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم "، رواه النسائي، وابن حيان في صحيحه عن أنس، وأحمد، والطبراني عن أبي بكرة. " وإن الله تبارك وتعالى ليؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله "، رواه الطبراني عن ابن عمر. وفي الإتقان عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة (براءة) ثم رفعت وحفظ منها " إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم " (5). وهكذا في روضة الأحباب، وفي البخاري: عن سهل بن سعد الساعدي: إن رسول الله (ص) التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله (ص) إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا
(1) تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار، ص 170. (2) إعلام الموقعين، لابن القيم، ج 1، ص 236. (3) كنز العمال، ج 1، ص 18. (4) المصدر، ج 5، ص 212. (5) الإتقان، ج 2، ص 35. 83 اليوم أحد كما أجزأ (فلان)، فقال رسول الله (ص): أما أنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله (ص) فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك، قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار (فذكر قصته) فقال رسول الله (ص) عند ذلك: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة (1). وفيه: ثم أمر (بلالا) فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلم، وأن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (2). وهكذا في روضة الأحباب، وفي الخصائص: أخرج الشيخان فقال (ص): أما أنه من أهل النار، فأعظم القوم ذلك، فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟! (الحديث) (3). وأخرج البيهقي عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب رسول الله (ص) توفي يوم خيبر فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله. ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود ولا تساوي درهمين. روى البخاري عن أبي هريرة قال: شهدنا مع رسول الله (ص) حنينا فقال رسول الله (ص) لرجل ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار "، (الحديث)، إنتهى. ألا ترى أن الفتوحات الملكية قد وقعت من الخلافة الأموية والعباسية بغير عدد، وحالهم لا يخفى، ولننقل منها نموذجا بعونه سبحانه: قد فتحت في خلافة عبد الملك بن مروان هرقلة، وحصن سنان من ناحية المصيصة، وفتحت المصيصة، وأودية من الغرب، وحصن تولق وحصن الأحزم، وفتحت في خلافة الوليد بن عبد الملك فتوحات عظيمة، افتتحت الهند، والأندلس، وبني مسجد دمشق، وفتحت بيكند، وبخارى، وسردانية، ومطمورة، وقميقم، وبحيرة الغرسان، وجرثومة، وطوانة، وجزيرة منورقة، وميورقة، ونسف وكش وشعرمان، والمدائن، وحصون من أذربيجان، وإقليم الأندلس بأسره، ومدينة أرماييل، وقتربون، والديبل، والكوخ، وبرهم، وباجة، والبيضاء، وخوارزم، وسمرقند، والسغد، وكابل، وفرغانة، والشاش، وسندرة، والموقان، ومدينة الباب، وطوس، وغيرها، وفتحت في زمنه الفتوحات العظيمة كأيام عمر بن الخطاب. وفتحت في أيام سليمان بن عبد الملك جرجان، وحصن الحديد، وسردا شقا، وطبرستان، ومدينة السقالبة. وفي خلافة هشام بن عبد الملك فتحت قيصرية الروم، وحنجرة، وحرسغة، وافتتح مروان الحمار قونية. وفي خلافة المنصور فتحت طبرستان وغيرها. وفي خلافة هارون الرشيد فتحت مدينة دبسة، وحصن الصفصاف، وهرقلة، وغيرها. وفي خلافة المأمون فتحت حصون قرة، وماجد، ودمشق،
(1) روضة الأحباب، ج 1، ص 453، وصحيح البخاري، ج 3، ص 86. (2) صحيح البخاري، ج 3، ص 131. (3) الخصائص للسيوطي، ج 1، ص 255. 84 وغيرها، وفتح المعتصم ثمانية فتوح (1). لا يقال على ما ذكرنا من ذكر بعض الصحابة بسوء إنه سب، والسب منهي عنه لأنه (ص) قال: " لا تسبوا الأموات فأنهم قد أفضوا إلى ما قدموا "، (أخرجه البخاري في صحيحه). ونقول: إن الحديث ليس على العموم بل هو مقيد بمن ليس أهله، كما قال الحافظ في الفتح: وقد تقدم أن عمومه مخصوص وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم، والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا (2). وفي الشرح للقسطلاني هكذا بعينه (3). قال العلامة وحيد الزمان في (المشرب الوردي): بقي كلام وهو أن الشكل الأول بديهي الانتاج وقال الله تعالى " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا "، فإذا قلنا إن معاوية، ويزيد، وعمرو بن العاص، وشمر، وعمر بن سعد، وسنان، وخولى آذوا الله ورسوله، وكل من كان كذلك فهو ملعون، فالذي ينتج أنهم ملعونون، ولهذا جوز بعض أصحابنا لعن يزيد، وأمثاله، منهم: إمامنا أحمد بن حنبل، والملخص من هذا أنهم ملعونون من جهة أنهم آذوا الله ورسوله، وغير ملعونين من جهة الإيمان، ولا مشاحة في ذلك إذ إن الأحكام تختلف باختلاف الحيثيات وبها يرتفع نزاع الفريقين (4). قال النووي: إن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق وبدعة، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بالشر للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم (5). قال السيوطي في الجلالين في قوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ": " لا يؤاخذه بالجهر به بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه ". دفع المغالطة أما اللعن، والتبري فليسا بمرادفين للسب كما زعم بعض المعاصرين، فالسب منهي عنه كما قال الله جل شأنه " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ". وقال النبي (ص) " لا تكونوا سبابين ". فالسب لا يستحسن أن يعتاد عليه. وأما اللعن، والتبري فهما ثابتان جائزان على المستحقين بالكتاب والسنة، وعمل أكابر الأمة، وليس لنا مجال في تحليل الأشياء وتحريمها لأنه تعالى قال " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ".
(1) تاريخ الخلفاء، ص 152، حياة الحيوان، ج 1، ص 61. (2) فتح الباري، ج 2، ص 7. (3) القسطلاني، ج 2، ص 398. (4) المشرب الوردي، ص 251. (5) شرح مسلم للنووي، ج 1، ص 308. 85 وأما الكتاب فقوله تعالى " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ". وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في قاذف عائشة، مسطح بن أثاثة البدري، وغيره من الصحابة، وأقام النبي (ص) عليهم الحد أيضا " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما ". قال السيوطي في تفسير الجلالين عن ابن عباس: إنها على ظاهرها، وإنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة. وقوله تعالى في آية اللعان في المتلاعنين " لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين ". وقوله تعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ". وقوله " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ". وقوله سبحانه " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ". وقوله تعالى " لعنة الله على الظالمين ". وقد قال عز اسمه " إن الشرك لظلم عظيم ". فقد ثبت أن الظلم قسمان: شرك وغير شرك، فمطلقه أيضا يستحق اللعن كسائر أصناف المعاصي المستلزمة للظلم على النفس. وأما السنة: فقد أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، (وحسنه مرفوعا) " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " (1). وفي الترمذي عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) لعن زوارات القبور (2). عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله (ص) في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له، (رواه الترمذي). وقد روي نحو هذا عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر عن النبي (ص) (3). عن جابر قال: لعن رسول الله (ص) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء، (رواه مسلم). وعن أبي هريرة قال: لعن رسول الله (ص) الراشي، والمرتشي في الحكم (4)، (رواه الترمذي). عن عمر عن النبي (ص) قال: المحتكر ملعون، (رواه ابن ماجة والدارمي) (5).
(1) الروضة الندية، ص 119. (2) صحيح الترمذي، ج 1، ص 125. (3) صحيح الترمذي، ج 1، ص 155. (4) صحيح الترمذي، ج 1، ص 159، والمشكاة، ج 1، ص 236. (5) المشكاة، ج 1، ص 243. 86 عن علي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن عشرة: آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، والواشمة، والمتوشمة للحسن، ومانع الصدقة، والمحلل، والمحلل له، (رواه ابن حبان، وأحمد، والنسائي، وأبو يعلى، والدار قطني، وابن جرير) (1). عن أبي هريرة مرفوعا اتقوا اللاعنين. قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم. (رواه مسلم) (2). عن علي (ع) قال إن رسول الله (ص) لعن المحلل، والمحلل له، (رواه الترمذي) (3). روى النسائي من حديث رفعه: " من أخاف أهل المدينة ظالما لهم أخافه الله، وكانت عليه لعنة الله ". ولابن حبان نحوه في حديث جابر (4). عن أبي بكر الصديق مرفوعا: " ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به، (رواه الترمذي) (5). عن أبي هريرة مرفوعا: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبانا، لعنتها الملائكة حتى تصبح. (متفق عليه) (6). عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله (ص) يقول: من باع عيبا لم يتنبه لم يزل في مقت الله، أو لم تزل الملائكة تلعنه. (رواه ابن ماجة) (7). في تاريخ الخلفاء قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، (رواه مسلم) (8). وفي تاريخ الخلفاء: قالت عائشة: إن رسول الله لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان يفيض من لعنة الله (9). وفي (تطهير الجنان واللسان) لابن حجر الملكي على الصواعق: وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله: أحد الأثبات، وما علمت فيه جرحا أصلا إن عمرو (ابن العاص) صعد المنبر فوقع في علي، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة فقيل للحسن (ابن علي): اصعد المنبر لترد عليهما، فامتنع إلا أن يعطوه عهدا أنهم يصدقوه إن قال حقا، ويكذبوه إن قال باطلا، فأعطوه ذلك، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشدك الله يا عمرو، ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله (ص) لعن السائق، والقائد (هما أبو سفيان ومعاوية) أحدهما فلان؟ قالا: بلى. ثم قال: أنشدك بالله يا معاوية، ويا مغيرة، ألم تعلما أن النبي (ص) لعن عمرو بكل قافية قالها لعنة؟ قالا: اللهم بلى. ثم قال: أنشدك بالله يا عمرو ويا معاوية، أتعلمان أن النبي (ص) لعن
(1) كنز العمال، ج 1، ص 185. (2) المشكاة، ج 1، ص 34. (3) صحيح الترمذي، ج 1، ص 133. (4) فتح الباري، ج 2، ص 235. (5) المشكاة، ص 420. (6) المشكاة، 272. (7) أيضا، ص 241. (8) تاريخ الخلفاء، ص 144. (9) تاريخ الخلفاء، ص 138. 87 قوم هذا؟! قالا: بلى. قال الحسن: فأني أحمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا (أي علي)، مع أنه لم يسبه قط وإنما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة (1). عن عائشة (مرفوعا): ستة لعنتهم ولعنهم الله (إلى أن قال) والتارك لسنتي، (رواه البيهقي في المدخل) (2). عمل أكابر الأمة روى الحاكم في (المستدرك) بإسناده عن مسروق قالت عائشة (بعد قتل أخيها محمد): لعن الله عمرو بن العاص فإنه زعم لي أنه قتله بمصر (3). وقد ثبت أن عليا (عليه السلام) كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن معاوية، وعمرو، نقله ابن الأثير، وغيره (وسيأتي في القنوت)، وقد مر ذكر لعن معاوية وأنصاره (لعنهم الله) عليا وأصحابه (عليه السلام). وقد لعنت أم المؤمنين عائشة معاوية بعد قتله أخاها محمدا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: لعن الله فلانا (معاوية) أنه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم - يعني يوم عرفة - لأن عليا كان يلبي فيه (4). ونقل ابن الأثير قال: لما عزل معاوية سمرة عن ولاية البصرة قال سمرة: لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذبني أبدا (5). وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة (6). وقال القاري في شرح الفقه الأكبر: نقل أن أبا حنيفة سئل عن الكلام في الأعراض والأجسام فقال: لعن الله عمرو بن عبيد فقد فتح على الناس الكلام (7). وفي السبل الجلية في الآباء العلية للسيوطي: وقد نقلت من مجموع بخط الشيخ كمال الدين الشمني (والد شيخنا) ما نصه: سئل القاضي أبو بكر ابن العري (أحد أئمة المالكية) عن رجل قال إن أب النبي (ص) في النار، فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة "، قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن رجل أن أباه في النار (8). وفي الجوامع القادرية في معتقدات أهل السنة والجماعة: أما اللعن على يزيد فقد جوزه الحافظ السيوطي، والعلامة التفتازاني، قال العلامة التفتازاني في شرح العقائد: فنحن لا نتوقف في شأنه بل
(1) تطهير الجنان لابن حجر، ص 120. (2) المشكاة، ج 1، ص 14. (3) استقصاء الإفحام، ج 1، ص 715. (4) كنز العمال، ج 3، ص 30. (5) النصائح الكافية، ص 8. (6) المصدر السابق، ص 11. (7) شرح الفقه الأكبر، ص 43. (8) السبل الجلية، ص 11، (طبع لاهور). 88 في إيمانه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه (1). ذكر في (الصواعق) أن عمر بن عبد العزيز قد ضرب عشرين سوطا لمسمي يزيد أمير المؤمنين، وقال: وأجاز قوم لعنه، منهم ابن الجوزي، ونقله عن أحمد وغيره، ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد؟! فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم لا نعلن من لعنه الله كتابه (2)؟! لا يقال قد نهى الله تعالى عن سوء الظن بقوله " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ". فإذا كان الظن منهيا عنه فكيف يجوز اللعن، وهو أكبر منه. نقول: ليس مطلق الظن ممنوعا عنه، بل ظن السوء بأهل الخير كما قال السيوطي في الجلالين: " إثم " أي مؤثم، وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين وخلافة الفسوق فلا إثم فيه في نحو ما يظهر منهم. وفي شرح البخاري للقسطلاني قال الفراء: هو ظنك بأهل الخير سوء، وأما أهل الفسق فلسنا نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم (3). وفيه: النهي إنما هو من ظن السوء بالمسلم السالم في دينه وعرضه (4). وقد قال الله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ". ففي هذه الآية إجازة للمظلوم بذكر مساوئ الظالم جهرا وإعلانا إعلاما للمؤمنين، وإذا أمعنا النظر في الذين ظلموا آل محمد، وأرادوا إطفاء أنوارهم، وكتمان أحاديثهم فقد ظلمونا فلنا أن نذكر مساوئهم للتحذير عنهم، والتنفير منهم، ونتبرأ منهم، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". لا يخفى أن (اللعن) قد ثبت من الله، وأكابر الأمة على الكفار والمشركين، وعلى من قتل مؤمنا متعمدا، وعلى من قذف العفيفة، وعلى من أفسد في الأرض، وقطع الأرحام، وعلى من آذى الله ورسوله، وعلى من ظلم، وعلى من زارت القبور، ومن اتخذت عليها السرج والمساجد، وعلى أهل الخمر والربا والرشوة، وعلى من احتكر، وعلى من يتخلى في الطريق، أو في الظل، وعلى المحلل، وعلى المحللة له، وعلى من أخاف أهل المدينة، وعلى من ضار مؤمنا ومكر به، وعلى من أسخطت زوجها، وعلى الواشمة والمستوشمة، وعلى مروان وأبيه الحكم، وعلى معاوية وابنه يزيد، وعلى عمرو بن العاص، وعلى من ترك السنة، وعلى غير هؤلاء فهل كانوا كلهم كفارا أو مشركين؟! كلا بل كان أكثرهم مسلمين، فثبت بلا ريب جواز اللعن على من استحقه، ولو كان مسلما ناقص الإيمان ظالما لنفسه بعصيان الله ورسوله " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ". ويؤيد ما قلنا ما روى البخاري في صحيحه: من أخاف مسلما فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل. قال الحافظ في شرحه: وفيه جواز لعن أهل الفسق
(1) الجوامع القادرية، ص 37. (2) الصواعق المحرقة، ص 132. (3) شرح البخاري، ج 9، ص 39. (4) المصدر، ج 9، ص 90. 89 عموما، ولو كانوا مسلمين (1). قال النووي في شرح مسلم: ويخرج منه اللعن، وهو الذي ورد الشرع به، وهو لعنة الله على الظالمين (2). أما التبري فقد مر معنا وهو ليس بسب بل هو في الحقيقة غيره، وهو ركن الدين، لما روي عن أبي هريرة، مرفوعا أن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه (رواه الترمذي) (3) وقال: وفي الباب عن عائشة، وعبد الله بن عمرو قد روى عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن عروة عن أسماء ابنة أبي بكر عن النبي (ص) هذا الحديث، وكلا الحديثين صحيح. في رياض الصالحين للنووي عن جابر مرفوعا: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، متفق عليه (4). وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال: من رأى منكم منكرا (أي ما أنكره الشرع) فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، (رواه مسلم) (5). وفي الجلالين: وهم الثلاثة المتخلفون: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية تخلفوا كسلا وميلا إلى الدعة، لا نفاقا، ولم يعتذروا إلى النبي (ص) كغيرهم فوقف أمرهم خمسين ليلة، وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد (6). في (تطهير الجنان) قال الحسن: فإني أحمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا، يعني علي (وقد مر مستوفيا مرتين)، فهنا خاطب الحسن معاوية والمغيرة وعمرو بن العاص وأثبت تبريهم من علي (7). هذا وقد مر عن عون الباري، وروضة الأحباب ذكر عدم تسمية عائشة عليا لما كان لها عليه، وهذا هو من أعاظم أصناف التبري كما لا يخفى (8). قال الله تعالى " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ". قال الله عز اسمه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ". وكفى لنا قدوة وأسوة حسنة هجر سيدتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) لأبي بكر حتى ماتت، وسيأتي مكملا في بيان (فدك) إن شاء الله. وعن أبي إمامة مرفوعا " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان " (رواه أبو داود، ورواه الترمذي بتقديم وتأخير).
(1) صحيح البخاري، ج 6، ص 320. (2) النووي، ج 2، ص 323. (3) صحيح الترمذي، ج 1، ص 139. (4) رياض الصالحين، ص 212. (5) صحيح مسلم، ج 1، ص 51، والمشكاة، ج 2، ص 428، كنز العمال، ج 6، ص 55. (6) تفسير الجلالين، ص 109. (7) تطهير الجنان لابن حجر الملكي (على حاشية الصواعق المحرقة)، ص 120. (8) عون الباري، ج 2، ص 15، روضة الأحباب، ج 3، ص 8. 90 عن أبي ذر - مرفوعا -: " أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله " رواه أبو داود، (المشكاة في باب الإيمان ". وفي (كنز العمال) عن إياس بن سهل الجهني قال: قال معاذ: يا نبي الله أي الإيمان أفضل؟ قال: تحت لله، وتبغض لله. (رواه ابن منده، وأبو نعيم) (1). وعن البراء أن رسول الله (ص) سئل: أي عرى الإيمان أوثق؟ قال الحب لله، والبغض لله. وعن ابن عباس قال: قال (ص) لأبي ذر: يا أبا ذر أي عرى الإيمان أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: الموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله. (رواه البيهقي). لا يقال إن الهجران فوق ثلاث ممنوع لما روي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله (ص)، قال: لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. (رواه الترمذي) (2). نقول: إن الهجران الممنوع هو ما لم يكن لأمر شرعي، وما ليس كذلك فهو ليس بممنوع كما قال الحافظ في (الفتح) تحت حديث " لا يحل " (3). قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير. وفي قوله (باب عما يجوز من الهجران لمن عصى) أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي خاص بمن لم يكن لهجرة سبب مشروع، فتبين هنا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها (4). وقال الطيبي في حاشية الترمذي تخصيصه بالذكر إشعار بالعلية، والمراد به أخوة الإسلام، ويفهم منه أنه إن خالف هذه الشريطة، وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة (5). وقد قال رسول الله (ص): كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، حسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم. (رواه أبو داود، وابن ماجة عن أبي هريرة وأحمد، والطبراني) (6)، وفي رياض الصالحين للنووي (باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام) إلا لبدعة في المهجور، أو تظاهر فسق، أو نحو ذلك (قال في آخره) قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شئ (7). قال النووي في شرح مسلم: استحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، ومقاطعتهم تحقيرا لهم وزجرا (8).
(1) كنز العمال، ج 1، ص 73. (2) صحيح الترمذي، ج 2، ص 15. (3) فتح الباري، ج 5، ص 571. (4) المصدر نفسه، ص 572. (5) الحاشية ج 2، ص 15. (6) كنز العمال، ج 1، ص 24 - 25. (7) النووي، ص 201. (8) النووي، ج 2، ص 363. 91 فظهر من هذا أن من حقر مسلما فقد ضيع حق أخيه المسلم فيجوز هجرانه. ولا يقال إن في ذكر مساوئ المسلمين غيبة وهي منهية بالنص، لأنا نقول: إن ذكر المساوئ ليس بمنهي على الإطلاق بل هو مقيد بما لم يدع إليه ضرورة مجوزة، كما قال ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة: قال العلماء: يستثنى من تحريم الغيبة أمور ستة، التظلم لقوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم "، والاستعانة على تغيير المنكر، ورد المعاصي إلى الصواب كأخبار زيد بن أرقم بقول عبد الله بن أبي، وأخبار ابن مسعود في مغانم حنين، والاستفتاء كقول هند أن أبا سفيان رجل شحيح، وتحذير المسلمين من الشر كقوله (عليه السلام) " بئس أخو العشيرة "، وكجرح المجروحين من الرواة والشهود (1). وكذا بعينه في شرح مسلم للنووي: وزادوا: منها جرح المجروحين من الرواة، والشهود، والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صونا للشريعة. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته، أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتربه. الخامس: أن يكون مجاهرا لفسقه، أو بدعه، ومصادرة أموال الناس، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر (2). وكذا ذكره السيد الصديق في هداية السائل (3). وفي تفسير ابن كثير تحت قوله تعالى " الجهر بالسوء " وقد روى الجماعة سوى النسائي، والترمذي عن عقبة بن عامر مرفوعا " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا منهم، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ". وأخرجه عبد الرزاق بإسناده عن مجاهد، قال: ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق الضيافة، فلما خرج أخبر الناس فقال: ضفت (فلانا) فلم يؤد إلي حق ضيافتي (4). وكذا في الدر للسيوطي وزاد: أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وذكر السيوطي في لباب النقول " سبب نزول الآية في رجل أضاف رجلا بالمدينة فأساء قرآه " (5). في كنز العمال (باب رخص الغيبة): ثلاثة لا تحرم عليك أعراضهم، المجاهر في الفسق، والإمام الجائر، والمبتدع، (رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن الحسن). " أترعون عن ذكر الفاجر أن تذكروه، فاذكروه ليعرفه الناس " رواه الخطيب عن أبي هريرة، وابن أبي الدنيا، والحكيم في نوادر الأصول، والحاكم في الكنى، والشيرازي في الألقاب، وابن عدي، والطبراني، والخطيب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بلفظ " فاذكروا الفاجر لما فيه يحذر الناس وليس للفاسق غيبة "، رواه الطبراني عن معاوية.
(1) حجة الله البالغة، ص 383. (2) شرح صحيح مسلم للنووي، ج 2، ص 322. (3) هداية السائل، ص 232. (4) تفسير ابن كثير، ج 3، ص 222. (5) الدر المنثور، للسيوطي، ج 2، ص 237، ولباب النقول، ص 102. 92 " ومن لا حياء له فلا غيبة له " رواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق، وابن عساكر عن ابن عباس (1). تبين مما ذكرناه جواز ذكر مساوئ المسلمين أحياء كانوا أو أمواتا، سلفا كانوا أو خلفا، لضرورة شرعية، لئلا يقتدي الناس بآثار من لا يستحق بالإمامة، ولئلا يمدحوا من لا يليق بالمدح، وهذا ليس بعيبة ولا بظن السوء المنهي عنهما، وجاز الهجران عنه، والتبري منه بل هو واجب لقوله " من أبغض لله فقد استكمل الإيمان "، ومن استحق اللعن جاز اللعن عليه، وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام لدفع أوهام الأنام، وأفهام العوام، وإذا فرغنا من هذا فلنشرع في المرام الذي نحن بصدده من ذكر ملوك الإسلام. فصل: في أحوال يزيد بن معاوية لا يخفى على أحد حاله، ولنكتف بذكر بعض أحواله. في الشرف المؤبد لآل محمد: قال العلامة الصبان في إسعاف الراغبين: إن الإمام أحمد يقول بكفر يزيد، وناهيك به ورعا وعلما يقتضيان أنه لم يقل ذلك إلا لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك، ووافقه على ذلك جماعة كابن الجوزي وغيره، وأما فسقه فقد أجمعوا عليه وأجاز قوم من العلماء لعنه بخصوص اسمه (2). وفي شرح العقائد: وبعضهم أطلق اللعن على (يزيد) لأنه كفر حين أمر بقتل الحسين، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله، أو أمر به أو أجازه ورضي به. والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك وإهانة أهل البيت مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحادا، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه (لعنة الله عليه وأنصاره وأعوانه) (3). وفي حياة الحيوان (في ذكر شهادة الحسين): وما اعتمدوه من سبي الحريم، وقتل الذراري مما تقشعر من ذكره الأبدان، وترتعد منه الفرائض (4). وفي نور العينين في مشهد الحسين للعلامة أبي إسحاق الأسفرائيني في مكتوب يزيد إلى عبيد الله بن زياد عامله " واعلم أن الحسين أرسل إلى أهل الكوفة والعراق مسلما يصلي بهم، ويخطب لهم ويقضي بينهم فأسرع إليه واقتله وأرسل إلي رأسه وانظر جميع من يحب الحسين أو يذكره على لسانه أو دخل في بيته فانهه وإن لم ينته فاقتله، واقتل عياله، وانهب ماله، وأسبي حريمه، واحتل في قتل الحسين وجميع من معه والحذر ثم الحذر أن تتهاون في قتل الحسين وأصحابه، (إنتهى منتخبا) (5).
(1) كنز العمال، ج 2، ص 121. (2) الشرف المؤبد لآل محمد، ص 69. (3) شرح العقائد للتفتازاني، ص 117. (4) حياة الحيوان، ج 1، ص 55. (5) نور العينين في مشهد الحسين، للاسفرائيني، ص 19. 93 وقد ثبت أن يزيد زنى بأمه (مرجانة)، وقد أثبته الخواجة حسن نظامي في رسالة (طمانچه بر رخسار يزيد، ص 30). أقول: قد أخبر النبي عليه السلام بذلك كما روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا " ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك " (1). في الصواعق: وعلى القول بأن (يزيد) مسلم فهو فاسق شرير سكير جائر كما أخبر به النبي (ص)، فقد أخرج أبو يعلى في مسنده بسند (لكنه ضعيف) عن أبي عبيدة مرفوعا: " لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلم رجل من بني أمية يقال له يزيد " (2). وفيه: ووقع من ذلك الجيش من القتل والفساد العظيم والسبي وإباحة المدينة ما هو مشهور حتى فضت نحو ثلاثمائة بكر، وقتل من الصحابة نحو ذلك، وممن قرأ القرآن نحو سبعمائة نفس، وأبيحت المدينة أياما، وبطلت الجماعة من المسجد النبوي أياما، واختفى أهل المدينة أياما فلم يكن أحد يدخل مسجدها حتى دخلته الكلاب والذئاب، وبالت على منبره (ص) تصديقا لما أخبر النبي (ص)، ولم يرض أمير ذلك الجيش إلا بأن يبايعوه ليزيد (3). وفي تاريخ الطبري (4): لما جئ برأس (الحسين) جمع أهل الشام وجعل ينكث الرأس الشريف بالخيزران، وأنشد أبياته: ليت أشياخي ببدر شهدوا (إلى أن قال): لأهلوا واستهلوا فرحا (ثم قال): لست من (خندف) إن لم أنتقم * من بني (أحمد) ما كان فعل لعبت (هاشم) بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل هكذا في النصائح الكافية (5). وفي شرح الفقه الأكبر للقاري: واختلف في إكفار يزيد، قيل نعم يعني لما روي عنه ما يدل على كفره من تحليل الخمر ومن تفوههه بعد قتل الحسين (ع) وأصحابه إني جازيتهم بما فعلوا بأشياخ
(1) المشكاة، ج 1، ص 22. (2) الصواعق المحرقة، ص 132. (3) الصواعق المحرقة، ص 132. (4) تاريخ الطبري، ص 2174 (طبع لندن سنة 1284 ه). (5) النصائح الكافية، ص 220، والصواعق المحرقة، ص 131. 94 قريش، وصناديدهم في بدر، وأمثال ذلك، ولعله وجه ما قال الإمام أحمد بتكفيره لما ثبت عنده نقل تقريره (1). وكذا نقله القاري في شرح قصيدة الأمالي (2)، والقندوزي في " ينابيع المودة ". ولنختم هذا الفصل بقولنا: " لعنة الله عليه، وعلى أعوانه وأحزابه ". فصل في ذكر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فهو رجل صالح زاهد كما يتبين من خطبته بعد موت أبيه اللعين، وترك خلافته، ولما كان في خطبته تعلق عظيم بما اعترف من فضائح آبائه وجب علينا ذكرها. في حياة الحيوان: وذكر غير واحد أن معاوية بن يزيد لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلا ثم حمد الله وأثنى عليه (إلى أن قال): على أن جدي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره لقرابته من رسول الله، تعلم فضله وسابقته فركب جدي معه ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى انتظمت لجدي الأمور، فلما جاءه القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون، بقي مرتهنا بعمله فريدا في قبره، ووجد ما قدمت يداه، ورعى مرتكبه واعتداه، ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي فتقلد أمركم لهوى كان أبوه فيه، ولقد كان يزيد بسود فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أمة محمد، فركب هواه واستحسن خطاه، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله، وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله، فقتل مدته، وانقطع أثره، ضاجع عمله، وصار حليف حفرته رهين خطيئته وبقيت أوزاره وتبعاته، وحصل ما قدم وندم حيث لا ينفعه الندم فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم والسلام، (إنتهى ملخصا) (3). وهكذا في الصواعق المحرقة وفيه: فاستمر مريضا إلى أن مات، ولم يخرج إلى الناس ولا صلى بهم، ولا أدخل نفسه في شئ من الأمور (4). ونقل الدميري في حياة الحيوان: أن بني أمية قالوا لمؤدبه (أي أستاذ معاوية)، عمر المقصوص: أنت علمته هذا، ولقنته إياه، وسددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده وحملته على ما وسمنا بها من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال. فقال: والله ما فعلته ولكنه مجبول، ومطبوع على حب علي، فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيا حتى مات.
(1) الفقه الأكبر، ص 88. (2) شرح قصيدة الأمالي، ص 34. (3) حياة الحيوان، ج 1، ص 57. (4) الصواعق المحرقة، ص 134. 95 فصل: في ذكر مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ويقال له ابن الطريد، وقد يقال له طريد الرسول. طرد صغيرا مع أبيه، وقد طردهما رسول الله (ص) إلى الطائف، وطرده الشيخان، وأعاده عثمان (وهو صهره)، وكاتبه سرا، وبسببه جرى عليه ما جرى، وخلافته عشرة أشهر. روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك مرفوعا أنه (ص) قال في حقه " الوزغ ابن الوزغ، الملعون بن الملعون " وصح إسناده، وقد ذكر تعامله مع أهل البيت. عبد الملك بن مروان فإنه حبس إمام الساجدين زين العابدين بأثقلة من حديد، ووكل به حفظة، وجعل الأغلال في يديه ورجليه (1). وكفى به من مساوية توليته الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق، وحاله مما لا يخفى على من له نظر. ومن جملة أحكامه منع الناس العمل بفتاوى علي (عليه السلام) كما نقله المسعودي في مروج الذهب أنه طلب شريح القاضي وسأل عنه في مسألة مذاهب الخلفاء الراشدين فأجاب القاضي بآراء الخلفاء الثلاثة ثم بين حكم أمير المؤمنين علي (ع) فيها فمنعه الحجاج وقال: لا تقل برأي أهل الجبن، وافت بفتوى عثمان (2). وفي حياة الحيوان، وتاريخ الخلفاء: لما كان الحجاج عاملا على العراق أمر (أخزاه الله وقبحه) بصلب جسد ابن الزبير (3). وقال السيوطي في تاريخه في ذكر عبد الملك: وهو أول من غدر في الإسلام، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف (4). وفي ذكر وصيته لابنه الوليد: انظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لك المنابر، وهو سيفك يا وليد، ويدك على من ناواك، فلا تسمعن فيه قول أحد (5). قال السيوطي: قلت لو لم يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجاج وتوليته على المسلمين وعلى الصحابة يهينهم، ويذلهم قتلا، وضربا، وشتما، وحبسا، وقد قتل من الصحابة، وأكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم، وحتم في عنق أنس، وغيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم (فلا رحمه الله ولا عفا عنه). وسيأتي أن الناس يختفون في أداء الصلاة زمن الحجاج لما كان يريد أن يؤدوا كما أبدعه.
(1) الصواعق المحرقة، ص 119، وصحيفة العابدين، ص 179 (نقلا عن روضة الأحباب، وروضة الصفا، والكامل في التاريخ، وتذكرة خواص الأمة). (2) صحيفة العابدين، ص 169. (3) حياة الحيوان، ج 1، ص 60، وتاريخ الخلفاء، ص 146. (4) السيوطي، ص 148. (5) المصدر نفسه، ص 150. 96 ومن مظالمه أنه ما ترك أحدا من شيعة علي (ع) إلا وقد قتله، وقد قتل سعيد بن جبير (كذا قال السيوطي، ولعن قاتله)، وقد قتل (قنبر) خادم علي، وقد قارب قتله مائة ألف رجل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: قال ابن سعد كتب الحجاج إلى محمد ابن القاسم أن يعرضه (يعني عطية بن سعيد) على سب علي فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط، واحلق لحيته، فاستدعاه فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه (1). وأورد الحافظ جمال المزني في التهذيب بإسناد عن يوسف بن عبيد قال: سألت الحسن البصري: يا أبا سعيد (كنيته) إنك تقول: قال رسول الله، وإنك لم تدركه؟! قال: يا بن أخي سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك عندي ما أخبرتك، إني في زمان كما ترى (وكان في عمل الحجاج) فإذا سمعتني أقول قال رسول الله فهو عن علي، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا، (كذا في تهذيب تهذيب الكمال). الوليد بن عبد الملك في (حياة الحيوان) في ذكر الوليد أنه قال: لولا أن الله تعالى ذكر اللواط في كتابه ما ظننت أن أحدا يفعله (2). وكان جبارا ظالما، وقد تواتر ظلمه حتى قال عمر بن عبد العزيز: وكان الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حبارة بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت الأرض والله جورا (3). وقد سم الوليد سيد الساجدين (عليه السلام) (4). هشام بن عبد الملك وقد سم أبا جعفر محمد الباقر (ع) كما حقق في المآثر الباقرية، والصواعق: توفي (الباقر) مسموما كأبيه (5). وفي تاريخ الخلفاء: " مات فيه أيامه أبو جعفر الباقر " (6). وقد قاتل هشام مع زيد بن علي بن الحسين فمات هو شهيدا. وفي الصواعق بإسناد أبي نعيم والسلفي: لما حج هشام بن عبد الملك، ولم يمكنه تقبيل الحجر الأسود، وأقبل زين العابدين فتنحى له الناس حتى استلم، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ قال: لا أعرفه. مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين، فقال الفرزدق: أنا أعرفه، ثم أنشد قصيدة طويلة، فلما سمعها هشام غضب، وحبس الفرزدق بعسفان، (إنتهى ملخصا) (7).
(1) النصائح الكافية، ص 193. (2) حياة الحيوان، ص 61. (3) تاريخ الخلفاء، ص 152. (4) الصواعق المحرقة، ص 120، وصحيفة العابدين، ص 186، وورد ذلك أيضا في تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي. (5) المآثر الباقرية، ص 97، والصواعق المحرقة، ص 120. (6) تاريخ الخلفاء، ص 169. (7) الصواعق المحرقة، ص 119، وحياة الحيوان، ج 1، ص 9، وأرجع المطالب، ص 406، وذكرها الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، وكذلك وردت في صحيفة العابدين، 191. 97 الوليد بن يزيد بن عبد الملك في تاريخ الخلفاء: كان فاسقا شريبا للخمر، منتهكا لحرمات الله، قال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر، ولا زندقة بل اشتهر بالخمر والتلوط، ورشق المصحف بالسهام، وفسق ولم يخف الآثام. وقد ورد في مسند أحمد حديث " ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه ". وقد قال الوليد لابن ميادة: أراك قدمت علينا آل محمد، (إنتهى ملخصا) (1). وفي حياة الحيوان: وحكى الماوردي في كتاب (أدب الدين والدنيا): أن الوليد بن يزيد ابن عبد الملك تفأل يوما في المصحف فخرج له قوله تعالى ". استفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فمزق المصحف وأنشأ يقول: أتوعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب مزقني (الوليد) فلم يلبث إلا أياما يسيرة حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره ثم على أعلى سور بلده، (إنتهى) (2). وفيه، إنه واقع جارية له وهو سكران، وجاءه المؤذنون يؤذنونه بالصلاة فحلف أن لا يصلي بالناس إلا (هي)، فلبست ثيابه، وتنكرت وصلت بالمسلمين وهي جنب سكرى (3). وآخر خلفائهم مروان الحمار وقد انقضت دولتهم به. في حياة الحيوان: ولما انقضت دولتهم علم ما قال الحسن بن علي ابن أبي طالب لما قيل له: تركت الخلافة لمعاوية، فقال: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، وكانت مدة خلافتهم نيفا وثمانين سنة وهي ألف شهر (4). ومن الخلفاء العباسيين: المنصور توفي جعفر الصادق (ع) مسموما بعمله (كما في حلية الأولياء). وفي تاريخ الخلفاء: وكان المنصور أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين، وكانوا قبل ذلك شيئا واحدا، وآذى خلقا من العلماء ممن خرج معهما، أو أمر بالخروج قتلا، وضربا وغير ذلك (5).
(1) تاريخ الخلفاء، ص 170. (2) حياة الحيوان، ج 2، ص 86. (3) المصدر، ج 1، ص 67. (4) المصدر، ج 1، ص 68. (5) تاريخ الخلفاء، ص 178. 98 وفي آثار الجعفرية: توفي الإمام جعفر الصادق (ع) مسموما من جانب المنصور بتوسط محمد ابن سليمان والي المدينة من قبل المنصور (1). وفي أرجح المطالب: قال ابن الصباغ المالكي: مات جعفر الصادق (ع) مسموما في أيام المنصور (2)، (نقلا عن تذكرة خواص الأمة). ومنهم: هارون الرشيد فإنه سم موسى الكاظم فتوفي (عليه السلام) مسموما وقد حبس الإمام مرات كثيرة (3)، فجعل له سما في طعامه وقيل في رطب فتوعك، ومات بعد ثلاثة أيام. وفيه: وحمله معه إلى بغداد، وحبسه فلم يخرج إلا ميتا مقيدا، إنتهى (وكذا في روضة الصفا). وفي حياة الحيوان: وتوفي موسى الكاظم ببغداد مسموما، وقيل إنه توفي في الحبس. والجمع: أنه يمكن أنه سم في الحبس فمات فيما بعد (عليه السلام) (4). وفي الصواعق: قال الرشيد للكاظم (ع) حين رآه جالسا عند الكعبة: أنت الذي تبايعك الناس سرا؟ فقال: أنا إمام القلوب، وأنت إمام الجسوم (5)، (وذكره السيد في العلوم الكاظمية مفصلا ومكملا). ومنهم: المأمون فإنه سم علي الرضا (ع) في رمانة، أو عنب (6). ومنهم: المعتصم بالله فإنه سم محمد الجواد التقي (7)، وفي أرجح المطالب ناقلا عن تذكرة خواص الأمة: يقال إن أم الفضل بنت المأمون سقته بأمر أبيها (8)، والحاصل: إن الإمام قد مات مسموما، كما في الصواعق وغيره، وسمه المعتصم، أو المأمون (على الاختلاف) (9). ومنهم: المتوكل على الله في الصواعق: نقل بعض الحفاظ أن امرأة زعمت أنها شريفة بحضرة المتوكل فسأل عمن يخبره
(1) الآثار الجعفرية، ص 138. (2) أرجح المطالب، ص 419. (3) الصواعق المحرقة، ص 22. (4) حياة الحيوان، ج 1، ص 119. (5) الصواعق المحرقة، ص 122. (6) الصواعق المحرقة، ص 122، والتحفة الرضوية، ص 122، (ونقل في روضة الصفا، وشاهد النبوة، ونور الأبصار أيضا). (7) تحفة المتقين، ص 62. (8) أرجح المطالب، ص 428. (9) الصواعق المحرقة، ص 123. 99 بذلك، فدل على علي الرضا (ع) فجاء فأجلسه معه على السرير وسأله فقال: إن الله حرم أولاد الحسنين على السباع فلتلق للسباع، فعرض عليها بذلك فاعترفت بكذبها. ثم قيل للمتوكل: ألا تجرب ذلك فيه (أي في علي الرضا) فأمر بثلاثة من السباع فجيئ بها في صحن قصره ثم دعاه، فلما دخل بابه أغلق عليه والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها فلما مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه، وقد سكنت وتمسحت به ودارت حوله، وهو يمسحها بكمه ثم ربضت، فصعد للمتوكل وتحدث معه ساعة ثم نزل ففعلت معه كفعلها الأول حتى خرج، فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة، فقيل للمتوكل: إفعل كما فعل ابن عمك، فلم يجسر عليه وقال: أتريدون قتلي، ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك (1). ونقل المسعودي أن صاحب هذه القصة هو ابن ابن علي الرضا، وهو علي العسكري. والصواب أن الرضا توفي في خلافة المأمون ولم يدرك المتوكل. وفي الصواعق، ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره أن يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب إلى الديلم ثم أتي به الرشيد وأمر بقتله ألقي في بركة فيها سباع قد جوعت فأمسكت عن أكله، ولاذت بجانبه وهابت الدنو منه فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حي، (توفي بسر من رأى) (2). وفي تاريخ الخلفاء: في سنة ست وثلاثين أمر (المتوكل) بهدم قبر الحسين، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته وخرب وبقي صحراء، وكان معروفا بالنصب فتألم المسلمون من ذلك (3). وفي سنة أربع وأربعين قتل (يعقوب بن السكيت) - الإمام في العربية - فإنه ندبه إلى تعليم أولاده فنظر يوما إلى ولديه فقال لابن السكيت: من أحب إليك هما أو الحسن والحسين؟ فقال: قنبر - يعني مولى علي - خير منهما، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات، وقيل: أمر بسل لسانه فمات. وهكذا في حياة الحيوان، وفيه: أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فقال: والله إن قنبرا خادم علي (ع) خير منك ومن ابنيك. فقال، سلوا لسانه من قفاه (4). ومنهم: المعتمد على الله في تاريخ الخلفاء: ذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف رجل، وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان له منبر في المدينة يصعد عليه ويسب عثمان، وعليا، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعائشة (5).
(1) الصواعق المحرقة، ص 123. (2) المصدر، ص 124. (3) تاريخ الخلفاء، ص 237. (4) حياة الحيوان، ج 2، ص 210، وابن خلكان، ج 2، ص 309. (5) حياة الحيوان، ص 249. 100 الباب الثالث الخلافة والإمامة وفيه فصول: الفصل الأول الخلافة والإمامة وشروطهما فأقول مقتبسا من أنوار فيوض بدر الهدى كالشمس في السماء - الشريف الأشرف المنتخب من معاصريه الفاضل السيد محمد سبطين مما أفاد في " كشف الأسرار والخلافة الإلهية "، قوله: الإمام من يؤتمن به ويقتدى، وهو أما إمام حق وهداية كما قال الله عز اسمه " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا "، " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا "، وأما إمام باطل ومضل كما قال سبحانه " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ". والإمامة (في اصطلاحنا) رئاسة عامة من حيث التقدم والعلم والقدرة والحكم، وللتفصيل مطولات " كالعبقات "، و " الخلافة الإلهية "، و " كشف الأسرار "، وغيرها. وأما ما اشتهر فيما بين أهل الجماعة من أن الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (ص)، (كما في شرح المواقف) فليس بسديد لأن إبراهيم الخليل كان إماما، ولم يكن نائبا لنبي، وإن أرادوا بها الخلافة النبوية والرئاسة العامة والمطلقة فلا تصدق على خلفائهم لأن أهل الحرمين كلهم لم يبايعوهم فضلا عن تمام أهل الدنيا، وإن أرادوا بها السلطنة الظاهرية والحكومة الدنيوية العامة فلا يصدق عليهم، ولا على أمير المؤمنين علي عليه السلام أيضا. فالحق أنها رئاسة عامة من حيث التقدم وإحاطة العلم من الله بما يحتاج إليه، وقوة التسلط، والتصرف، والحكم على المأمومين. والإمامة إما صغرى وهي ما قام صاحبها بالصلوات، والجمع، والأعياد وليس بإمام مطلق (ونحن لا نتصدى لذكرها)، وإما كبرى وصاحبها من يقتدى به في الدين كله، ويطاع مطلقا ولا يصدر
101 عنه ما يسخط الله. وقد مر معنى الخلافة في اللعنة. وفي (اصطلاحنا) هي نيابة النبوة وهي أيضا على نوعين: خلافة راشدة، وهي خلافة إلهية، والثانية خلافة ضالة لأن صاحبها إما تابع لمستخلفه فهي الأولى، وإما لا، فهي الثانية فخليفة النبي هو من كان موصوفا بأوصاف النبي إلا النبوة، ومن قال سوى ذلك فقد ذهب عن الحق بمراحل، وضل وأضل، " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون "، " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ". ولما كانت الخلافة والإمامة مما يستلزم طول البيان، لزم علينا ذكرها بقدر الحاجة لأن ما لا يدرك كله لا يترك كله فلنذكرها بعونه تعالى. إعلم أنه وقع النزاع قديما وحديثنا فيما بين أهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية في مسألة (الخلافة)، وأفتى كل واحد منهم بزعمهم بتفسيق الآخر وتكفيره وادعى بإثبات دعواه من القرآن والحديث، وسبب المغالطة لأهل السنة اشتراط شروط فاسدة للإمامة والخلافة القائمة مقام النبوة، فوجب أن نبين أولا ضرورة النبوة والإمامة حتى تبين غاية الإمامة. فأقول: أن من البديهيات والمسلمات أنه لا بد للإنسان من قانون كلي ليتميز به عن البهائم والسباع، لأنه إذا كان مطلق العنان، جاهلا بقوانين التمدن، يعسر، بل لا يمكن معيشته في الدنيا فضلا عن الآخرة فإذا يحتاج في حوائجه إلى معلم ما، لعدم انتظامه تمام ضرورياته بنفسه من الأكل والشرب، والقول والفعل، والقيام والقعود، وغيرها، فلا بد له أن يكون تابعا لمتبوع، ولو ادعى بظنه اسنغناءه فظنه فاسد، ودعواه كاسدة كما لا يخفى. والعقل وإن أدرك حسن الأشياء وقبحها ومنافعها ومضارها لكنه قد لا يدركها لعلة خفية مانعة له لكونه مركبا من القوى النفسانية من الشهوانية والغضبية وغيرها. ولما كان الإنسان أشرف المخلوقات وأكرمها يرتقى المنازل العليا، ويحصل المدارج القصوى مع موجود العلائق المانعة وكون العوائق الكامنة فكان أحرى أن يمدح مدحا جميلا بخلاف سائر الحيوانات وإذا ثبت عجزه عن الكمالات بأسرها لحاجز عقله ثبت بل لزم احتياجه إلى معلم كامل يجتمع فيه علم مصالح كل فرد وكل مكان وكل زمان حالا ومآلا ما لم يحيطه كل واحد لا بتجربة ولا بقوة ذهنه، ولا يبلغه عمر كل إنسان ولا يقال بإمكان التقنن بالاجتماع لأنا نقول إن العجزة عجزة والجهلة جهلة، ولو اجتمعوا، كما قال عز اسمه " قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "، ويشهد عليه ترميم قوانين سلاطين كل زمان، ولا مبدل لكلمة الله لأنه تعالى قديم حي قادر علام الغيوب عادل سميع، بصير، عليم، حكيم، حليم. ولما ثبت أن كل إنسان ليس بمحيط علم جميع مصالحه في كل الأزمنة بل هو عاجز عن إدراك الكليات، والجزئيات بأسرها فلا بد له من أن يتمسك بقانون يصدر من حكيم قديم حي قيوم دائم قائم قادر عادل سميع بصير غني حميد علام الغيوب بسيط محيط جامع لجميع الصفات الكاملة. ومن البين أن لا يتعلم من الله تعالى قوانينه كل فرد لكونه محتجبا بالظلمات المادية، ومغلوبا بتسلط القوى المتضادة، والعلائق الدنيوية مع عجزه في نفسه، وجهله في ذاته لزم أن تكون بينه
102 وبين الله تعالى (أي بين العبد المخلوق وبين الله الخالق) واسطة نورانية ذات جهتين لها تعلق خاص بالنور البحت القديم، وتعلق الإنسان المادي محل الحوادث من بني آدم ليستأنس به أبناء جنسه إذ بعث فيهم " رسولا من أنفسهم " ويتمثل به ويقتدي ويتوسل إلى ربه لقوله سبحانه " وابتغوا إليه الوسيلة "، ولا يستوحش عنه، ولا يتنفر فيحرم من فيضه وهو عالم فائق فطرة، ممتاز عنهم موصوف بالصفات الحميدة الإلهية معلم لأوامره ونواهيه، " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم "، فهو (نبي) لكونه منبيا أي مخبرا عن ربه تعالى، أو لعلو مقامه، و (رسول) لتبليغه أحكامه، و (خليفة) لكونه معلما من جانب الله لخلقه، و (إمام) لكونه مقتدى الخلق، وهو خليفة الله في أرضه، ونائب على خلقه لكونه مظهرا لصفات الله تعالى، وهو واجب الإطاعة ذو العصمة لئلا يخالف مستخلفه بل يطابقه في الصفات فوق الطاقة البشرية غير الشاقة عليه ليمتاز عن سائر أبناء جنسه لأنه يمتنع أن يكون الجاهل للعالم، والأعمى للبصير والخبيث للطيب إماما " الله يجتبي من يشاء ويهدي إليه من ينيب "، " وربك يخلق ما يشاء ويختار "، " ما كان لهم الخيرة ". " إني جاعل في الأرض خليفة ". " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض "، " إني جاعلك للناس إماما ". " الله أعلم حيث يجعل رسالته "، " فافهم وكن من الشاكرين ". فصل: تطابق الصفات المحمدية بالصفات الإلهية قال تعالى في شأنه - جل وعلا - " ورحمتي وسعت كل شئ ". وقال سبحانه في حقه (عليه السلام) " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ". قال في حقه سبحانه " إن رحمة الله قريب من المحسنين "، وقال في حق نبيه (ص): " بالمؤمنين رؤوف رحيم ". قال في حقه " الله نور السماوات والأرض "، وقال في حق نبيه " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ". قال في حقه " والله يدعو إلى دار الإسلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "، وقال في حق نبيه " إنك لتهدي إلى صراط مستقيم "، " وداعيا إلى الله ". قال في حقه " إن ربي على صراط مستقيم "، وقال في حق نبيه " إنك لمن المرسلين على صراط
103 مستقيم ". قال في حقه " إنه على كل شئ شهيد "، وقال في حق نبيه " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "، " ويكون الرسول عليكم شهيدا ". قال في حقه " وهو العلي العظيم " وقال في حق نبيه " وإنك لعلى خلق عظيم ". قال في حقه " وهو اللطيف الخبير " وقال في حق نبيه " فاسأل به خبيرا ". قال في حقه " المؤمن المهيمن " يقال بمعنى أمين، وقال في حق نبيه " مطاع ثم أمين "، وقال في حق نبيه " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ". قال في حقه " العزيز "، وقال في حق نبيه " عزيز "، و " لله العزة ولرسوله ". قال في حقه " فالله هو الولي "، وقال في حق نبيه ووصيه " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، وقال عليه السلام: أنا ولي كل مؤمن،. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال في حقه وحق نبيه " قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله "، وقال " من يطع الرسول فقد أطاع الله "، " وأطيعوا الله ورسوله "، وقال " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم "، و " ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "، و " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم "، و " ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ". وقال في حقه " لا تأخذه سنة ولا نوم " وقال عليه السلام: " إن عيني تنامان ولا ينام قلبي "، (أخرجه الشيخان، والحاكم، وأبو نعيم، وابن سعد، وغيره). فقد ثبت مما قلنا أن خليفة الله هو المتصف بصفات الله تعالى، ولا يصدر عنه قول، ولا فعل، ولا حركة، ولا سكون إلا برضاه تعالى فيكون مطاعا مطلقا، وإطاعته إطاعة الله تعالى بلا مرية. فصل: في ضرورة الخلافة بعد النبي (ص)، وشرائط الخليفة بعد وفاة النبي (ص) هل هناك ضرورة لوجود خليفة له (ص) يقوم مقامه، ويحمل جميع صفاته، (إلا ما اختص به النبي - ص -)، وهل يكون حجة الله في أرضه، وتكون طاعته واجبة أم لا؟! والجواب: أنه يجب أن يكون في كل عصر معلم يكون حجة على الخلق من الله تعالى وقد اعترف بهذه الضرورة على الأمة كلهم كما ورد ذلك في إزالة الخفاء (1). وفي شرح المواقف (2): أما وجوبه (أي الإمام) علينا سمعا فلوجهين: أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي (ص) على امتناع خلو الوقت عن خليفة وإمام حق حتى قال أبو بكر
(1) إزالة الخفاء، ج 1، ص 45. (2) شرح المواقف، ص 729. 104 في خطبته المشهورة ألا أن محمدا قد مات ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به. فبادر الكل إلى قبوله ولم يقل أحد أنه لا حاجة إلى ذلك بل اتفقوا عليه، وبكروا إلى (سقيفة بني ساعدة)،. تركوا أهم الأشياء وهو دفن رسول الله (ص)، وهكذا في شرح العقائد (1) وزاد: وكذا بعد موت كل إمام لأن كثيرا من الواجبات الشرعية تتوقف عليه، كما أشار إليه بقوله: والمسلمون لا بد لهم من إمام يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة، والمتلصصة، وقطاع الطرق، وإقامة الجمع والأعياد، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، وتزويج الصغار الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها آحاد الأمة (2). وفي منهاج السنة: الإمام الحق هو الذي استجمع شرائط خمسة من الإسلام، والحرية، والعقل، والبلوغ، والعدالة، وصار إماما ببيعة جماعة من المسلمين، وهم رضوا بإمامته وهو يريد إعلاء كلمة الإسلام، ومعونة المسلمين، ويؤمن به دماءهم، وأموالهم، وفروجهم، ويأخذ العشر، والخراج على الوجه المشروع، ويعطي العلماء والخطباء والقضاة والمفتين والمدرسين والمتعلمين والحافظين وغير ذلك من بيت المال، ويكون عدلا مأمونا مشفقا على المسلمين، ومن لم يكن كذلك فهو ليس بإمام حق فلا يجب إعانته بل يجب قتاله والخروج عليه. قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: إن كل جمع وقرن يحصل في الدنيا فلا بد وأن يحصل فيهم واحد يكون شهيدا عليهم، أما الشهيد على الذين كانوا في عصر رسول الله فهو الرسول بدليل قوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " وثبت أيضا أنه لا بد في كل زمان بعد زمان الرسول من الشهيد فحصل من هذا أن عصرا من العصور لا يخلو من شهيد على الناس وذلك الشهيد لا بد وأن يكون غير جائز الخطأ وإلا لافتقر إلى شهيد آخر، ويمتد ذلك إلى ما لا نهاية وذلك باطل، فثبت أنه لا بد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم (3). وفي الصواعق: إن الأمة قد جعلت أهم المهمات بعد وفاة النبي (ص) نصب الإمام حتى قدم على الدفن، وكذا بعد موت كل إمام (4). وفي السيرة الحلبية: والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء، وبعض ليلة الأربعاء، وكان السبب في تأخره ما علمت من اشتغالهم ببيعة أبي بكر حتى تمت (5). وفي الصافي: في المجمع، والقمي عن الصادق (ع): لكل زمان وأمة إمام يبعث كل أمة مع إمامها (6). والقول بنفي ضرورة الخليفة أو تقييد كون الخليفة بزمان خاص ادعاء بلا دليل قال الله تعالى
(1) شرح العقائد، ص 109. (2) شرح العقائد، ص 100. (3) التفسير الكبير، 5، ص 506. (4) الصواعق المحرقة، ص 5. (5) السيرة الحلبية، ص 5. (6) تفسير الصافي، ص 251. 105 " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "، و " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، والقرآن كلام مالك الملوك، وكلام الملوك ملك الكلام قال في شأنه " تفصيلا لكل شئ " و " تبيانا لكل شئ " لكن هو كتاب صامت وليس بناقص، لكن عقول كل الناس لا تدركه حق إدراكه بمجرد السماع عنه السلام، أو ممن بعده. كما يشهد عليه حال كبار الصحابة فضلا عمن بعدهم من الصحابة والتابعين وغيرهم بل الذين قال عز وجل في شأنهم " هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم وإن الذين أتوا العلم من قبل إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا " أحق بإدراكه، " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفا " (1)، شاهد صدق على ما قلنا و (التفصيل سيأتي إن شاء الله في علم الشيخين)، فالذين أوتوا العلم من قبل ومن قبل في حقه " وعلمك ما لم تكن تعلم "، و " علمناه من لدنا علما، هم واقفو رموز القرآنية، وعالمو أسراره لكون علمهم وهبيا كما قال سيد الأوصياء، إمام الأمة، أبو الأئمة علي عليه السلام " وهب لي عقلا "، " ولو وضعت لي وسادة وجلست عليها لأخبرت... " الخ، وسيأتي في علمه مستوفى. وقد ألف الإمام الغزالي رسالة في (العلم الوهبي). وأما الذين علمهم كسبي فبعد جهدهم البليغ وتحصيلهم القواعد العربية من النحو واللغة وغيرهما قل ما يطلعون على بعض مدركاته الظاهرية ويعتبرون منه على قدر عقولهم، وأفهامهم، واختلاف تفاسيرهم شاهد صدق على عدم علمهم باليقين، كما أن الإمام الرازي، والزمخشري، والسيوطي مع جلالة قدرهم في العلوم لم يفتوا بقول واحد بل قد جاوزوا الأربعين، أو الخمسين قولا بل قالوا (يحتمل)، و (يمكن)، و (أعترض عليه)، و (ها هنا بحث وفيه شئ)، وما شابه ذلك، ويرد بعضهم قول بعض. وهذا ليس من شأن القرآن الحكيم وحاشاه ثم حاشاه، لأنه " لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، ولتبين لهم الذي اختلفوا فيه "، والغرض من نزول القرآن رفع الاختلاف. ومن البين أن التفسير بالرأي (مع أنه مذموم) دال على عدم أخذهم علم القرآن من الذين أتوه، وقول النبي - ص - (غير مرة) " إني تارك فيكم الثقلين ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض "، فلا تسبقوهما ولا تعلموهما " وهو خبر متواتر (كما ذكر) دال على أن عالم القرآن عترته عليهم السلام " علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض "، " أنا مدينة العلم وعلي بابها " " لو وقرت سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن " " سلوني قبل أن تفقدوني " " تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " " فمن استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها "، " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " " ومن شذ شذ في النار " لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا يرد أن الأحاديث مفسرة للقرآن الكريم، لأنها محتاجة إلى الرواة، وهم ثقات وضعفاء، أو كذابون، أو وضاعون أو سيئ الحفظ، أو ليسوا أقوياء، وليسوا مجيدين. والحال هنا كان كمن فر من المطر ووقف تحت الميزاب. فتفسير الأئمة، والأحاديث الصحيحة المروية عنهم مقبولة واجبة العمل بمعيار لن يفترقا فاحتيج في كل زمان بعد النبي (ص) إلى خليفته فوجب معرفته، ولمعرفته علامات قد ذكرناها من قبل
(1) سورة محمد: 47 / 16. 106 مجملا، ولنفصلها ثانيا. صفات الخليفة بعد النبي (ص) إعلم أنه لا بد من ذكر علامات معرفة الخليفة لتميز الصادق من الكاذب، فمنها: أنه يستجمع صفات مستخلفة من العصمة والعلم والشجاعة، وغيرها لتكميله كمالاته، ولإتمامه أغراضه إلا النبوة لقوله: " لا نبي بعدي "، وهو في قوله وفعله واجب الطاعة، ولازم الاقتداء للاهتداء، والاستخلاف لا يكون إلا بانتخاب من الله تعالى كما قال عز من قائل " وربك يخلق ما يشاء ويختار وما كان لهم الخيرة " " والله يجتبي إليه من يشاء " " وإني جاعل في الأرض خليفة " " وإنا جعلناك خليفة في الأرض " " ليستخلفهم في الأرض " " وآتاه الله الملك والحكمة "، وليس للإنسان فيه دخل ما، لا في الاستخلاف، ولا في العزل. نعم يجب أن يكون معصوما وأفضل زمانه مختصا بنص الله ومنتخبا بجعل الله، لا بانتخاب الناقصين، لأن اجتماع الناقصين ناقص، ولا يكون كالعوام مثل الأنعام بل يكون ممتازا من أبناء جنسه فطرة، وماهرا برموز كتابه تعالى، وعالما بكنوز حقائقه ودقائقه بعلم وهبي لا كسبي " وعلمناه من لدنا علما " " وذلك فصل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم "، وهو الذي قال في حقه " أنا مدينة العلم وعلي بابها " و " إنه وصيي ووزيري وخليفتي ومنجز وعدي "، وقال " لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " قاله لعلي (كذا في كنز العمال) (1)، وأنه " أول من آمن وأول من صدق بي " وكمالاته أظهر من الشمس في رابعة النهار، والقمر ليلة البدر إن لم يحجب التعصب (كما سيأتي إن شاء الله في موازنة الصفات). ثم بعده ذريته بإظهار وصية من سبق لمن لحق إلى قيام الساعة، فقد ثبت ما ادعيناه من ضرورة الإمام، وخليفة الله في كل زمان عند أهل السنة أيضا، وإنما الفرق بين الفريقين أن أهل السنة لم يشترطوا أن يكون الإمام أعلم وأفضل أهل زمانه بل أجمعوا بصحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل، واستدلوا بصحة خلافة عثمان مع وجود علي (ع)، واختلافهم في فضيلة عثمان على علي (ع) ثابت في كتبهم من الصواعق وغيره. في شرح العقائد للتفتازاني: وأن لا يكون الإمام أفضل أهل زمانه لأن المساوي له في الفضيلة بل المفضول الأقل علما وعملا ربما كان اعرف بمصالح الإمامة ومفاسدها، ولهذا جعل عمر الإمامة شورى بين ستة مع القطع بأن بعضهم أفضل من بعض (2). أقول: فإذا استقر عندهم عدم اشتراط الأفضل ثبت عندهم عدم عصمته من الأفعال الذميمة بل الفاسق والفاجر والظالم يصلح أن يكون إماما كما قالوا، ولا ينعزل بالفسق كذا في شرح العقائد، وشرح الفقه الأكبر، وشرح المواقف، واستدلوا بأنه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة والأمراء واختاروه عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: إن الإمام ينعزل بالفسق والجور وكذا كل قاض وأمير (3).
(1) كنز العمال، ج 2، ص 153. (2) شرح العقائد، ص 133. (3) شرح العقائد 7 ص 144، وشرح الفقه الأكبر، ص 129، وشرح المواقف، ص 734. 107 وقال التفتازاني في شرح المقاصد: انعقدت الخلافة بالقهر والغلبة، وكذا إن كان فاسقا أو جاهلا على الأظهر. ليت شعري إن محبة الخلفاء لتسلط أمراء بني أمية قد ركزت في قلوب الناس خلفا عن سلف، ونسلا بعد نسل لقولهم " الناس على دين ملوكهم " وحبك الشئ يعمي ويصم، فعكسوا النتيجة، وما خافوا ها هنا من الدور الباطل لأن صحة الخلافة النبوية دائرة على الأدلة المجوزة وصحة الأدلة موقوفة على صحة الخلافة، فلم تصح الخلافة ولا الأدلة. واعلم أن انعقاد الخلافة الأولى بالإجماع لا بالنص (كما في شرح المواقف)، أما النص فلم يوجد (1). وفي شرح العقائد: وذلك أن الصحابة قد اجتمعوا يوم توفي رسول الله (ص) في سقيفة بني ساعدة، واستقر رأيهم بعد المشاورة والمنازعة على خلافة أبي بكر فأجمعوا على ذلك (2). في إحياء العلوم للغزالي (في الركن الرابع من المجلد الأول): ولم يكن نص رسول الله (ص) على إمام أصلا إذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء على الجيوش في البلاد ولم يخف ذلك فكيف خفي هذا، وإذا ظهر فكيف اندرس حتى لم ينقل إلينا، فلم يكن أبو بكر إماما إلا بالاختيار والبيعة، وفي الصواعق: قال جمهور أهل السنة والخوارج والمعتزلة لم ينص على أحد (3). وفي فتح الباري: واستدل بقول الأنصار " منا أمير ومنكم أمير " على أن النبي (ص) لم يستخلف، وبذلك صرح عمر (كما سيأتي) وعن عائشة قالت (في قصة البيعة): فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس. (رواه البخاري كما في الفتح بقوله المذكور)، فأسسوا على زعمهم هذه الأصول الفاسدة، ولم يوجبوا كونه علويا ولا فاطميا ولا هاشميا ولا ذا فضيلة لكون خلفائهم غير موصوفين بهذه الصفات، ولئلا يطعن على خلافة الخلفاء الظلمة والفسقة من بني أمية، وبني العباس لظهور صفاتهم وبروز حالاتهم (4). قال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار: صحت إمامة الفاسق والظالم لأن الصحابة كانوا يصلون خلف أمراء بني أمية وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى (5). فغاية أهل السنة من خلافة النبي (ص) انتظام السلطة، والرعب ورفع الفساد لا الخلافة الإلهية. وقال الله " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " وهي بالمطابقة لا تحصل بدون تعليم خليفة الله في الأرض وهو النبي الأمين عليه صلوات الله رب العالمين، وحصول الأمور السياسية والمعاشرة الدنيوية منه بالتضمن. والأنبياء وبعدهم خلفاؤهم واجب انقيادهم في أقوالهم وأفعالهم، ألا ترى كيف أن العقل
(1) شرح المواقف، ص 734. (2) شرح العقائد، ص 108. (3) الصواعق المحرقة، ص 5. (4) فتح الباري، ج 3، ص 365. (5) نيل الأوطار، ج 3، ص 41. 108 الصحيح يرفض الامتثال بالفاسق والفاجر والظالم والاقتداء بأقواله وأفعاله، والقول باقتداء البعض في بعض الأحوال وبالآخر في الآخر فصاعدا ولتمييزهم فيما بينهم يستلزم الحكم وما هذا إلا التسلسل وهو باطل، فعلى هذا لا يكون الثاني إماما مطلقا واللازم أن يكون الإمام من يؤتم به في جميع أقواله وأفعاله وذا لا يستحق إلا بمعصوم لأنه تعالى قال " لا ينال عهدي الظالمين ". في الكشاف: كيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة، فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر " من استرعى الذئب ظلم ". وفي التفسير الكبير: قوله تعالى " إني جاعلك للناس إماما " أنه عليه السلام كان معصوما عن الذنوب، لأن الإمام هو الذي يؤتم به، ويقتدى فلو صدرت المعصية منه لوجب علينا الاقتداء به في ذلك فيلزم أنه يجب علينا فعل المعصية، وذلك محال. وفي تفسير البيضاوي: إنها أمانة من الله وعهد، والظالم لا يصلح لهما وإنما ينالهما البررة والأتقياء منهم، والفاسق لا يصلح للإمامة. وفي تفسير الخازن: والمعنى لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالما لذريتك وولدك. (وهكذا في المعالم، والمدارك، وفتح البيان). وفي التفسير لابن جرير: قال مجاهد: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به، (وعن عكرمة مثله). وفي تفسير النيشابوري بعد ذكر عدم جواز عقد الإمامة للفاسق عند جمهور الفقهاء والمتكلمين قال: " فإن كل عاص ظالم ". وفي منهاج السنة: فإنه تعالى لا يأمر بالاقتداء بالظالم، فإن الظالم لا يكون قدوة يؤتم به بدليل قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " (1). وفي الدر المنثور: أخرج عبد ابن حميد، وابن جرير عن ابن عباس، وعن الربيع في قوله تعالى " إني جاعلك للناس إماما - يقتدى بدينك وهديك وسنتك - قال ومن ذريتي " إماما لغير ذريتي أي قال إبراهيم ومن ذريتي فاجعل من يؤتم به ويقتدى به (2). وفي اللغة: الظلم وضع الشئ في غير موضعه. وفي (الفتح): والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها، فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم كأبي الدرداء في الشام، وابن مسعود في الكوفة (3). وأما عمر فعلمه وعمله الشغل في صفق الأسواق، كما في (البخاري): فقام أبو سعيد الخدري فقال: كنا نؤمر بهذا. فقال عمر خفي علي هذا من أمر النبي، ألهاني الصفق بالأسواق. عن أبي هريرة: كان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على
(1) منهاج السنة لابن تيمية، ج 4، ص 238. (2) الدر المنثور، ج 1، ص 188. (3) فتح الباري، ج 6، ص 623. 109 أموالهم، فشهدت رسول الله... الخ. وفي حياة الحيوان: إن عمر كان دلالا، (وسيأتي مفصلا إن شاء الله). فالظاهر أن خلفاء أهل السنة لم يكونوا معصومين، لأن العصمة ليست بشرط عندهم كما في شرح العقائد للتفتازاني: ولا يشترط أن يكون هاشميا، أو علويا لما ثبت بالدلائل من خلافة أبي بكر وعمرو وعثمان، مع أنهم لم يكونوا من بني هاشم، ولا يشترط أن يكون معصوما لما مر من الدليل على إمامة أبي بكر مع عدم القطع بعصمة (1). وفي شرح المواقف: الخامسة أن يكون معصوما - شرط الإمامية والإسماعيلية - ويبطله أن أبا بكر لم يكن معصوما مع ثبوت إمامته (2). والعجب كل العجب أن بعضهم أجاز الخطأ على رسول الله (ص)، كما قال النووي في شرح مسلم: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه وحي (3)، وفي كنز العمال: قال أبو بكر: إن استقمت فأعينوني وإن زغت فأقيموني (4). وفي تاريخ الخلفاء: قال أبو بكر: لست بخير كم وإن لي شيطانا يعتريني (5). وفي شرح العقائد: لا ينعزل الإمام بالفسق - أي الخروج عن طاعة الله تعالى - والجور وظلم عباد الله، لأنه قد ظهر الفسق، وانتشر الجور من الأئمة، والأمراء بعد الخلفاء الراشدين، والسلف كانوا ينقادون لهم ولأن العصمة ليست بشرط ابتداء (6). وكذا في شرح المواقف: وتقييد الشارع الخلفاء بالراشدين يبطل إطلاقهم كما في المشكاة: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين "، الحديث (7). وأنه تعالى قال " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ". ولما ثبت أن خلفاءهم لم يكن منصوصا عليهم، بل بالإجماع، فالخلافة والإمامة ليست بمحتاجة عندهم إلى النص، بل الإجماع كاف في صحتها. واستدلوا بصحة خلافة أبي بكر بالإجماع، أما النص فلم يوجد (8). وفي شرح العقائد للجلالي: لم ينص رسول الله (ص) على إمامة أحد. وفي تاريخ الخلفاء: والذي وقع أن الناس قد اجتمعوا على أبي بكر (9).
(1) شرح العقائد، ص 122. (2) شرح المواقف، ص 732. (3) شرح مسلم، ج 2، ص 43. (4) كنز العمال، ج 3، ص 135. (5) تاريخ الخلفاء، ص 49. (6) شرح العقائد، ص 144. (7) شرح المواقف، ص 732. (8) شرح المواقف، ص 734. (9) تاريخ الخلفاء، ص 7. 110 أدلة أهل السنة لصحة الخلافة الدليل الأول: الإجماع فالإجماع أحد الأدلة عندهم. قلنا (الإجماع) ليس بحجة لصحة الخلافة والإمامة لأنها نائبة مناب، والنبوة من فضل الله يعطيه من يشاء، " الله أعلم حيث يجعل رسالته "، " ما كان لهم الخيرة ". ولأن فعل الناقصين ناقص، كما أن الأعمى لا يكون بصيرا، ولا الأحمق لبيبا، على أنه ليس من أمر يتفق ويجتمع عليه كل فرد وإنسان حتى يخرج منه أحد. وقالوا: والشرط إجماع الكل، وخلاف الواحد مانع كخلاف الأكثر، لأن لفظ الأمة في قوله عليه السلام: " لا تجتمع أمتي على الضلالة " يتناول الكل فيحتمل أن يكون الصواب مع المخالف، (كذا في نور الأنوار بعينه) (1)، وقال النووي في شرح مسلم: وهذا هو الصحيح المشهور، فلا أقل من أن تكون الملل الإسلامية متفقة أو مسلمو ملك واحد، أو مصر واحد، وهذا مما لم يوجد في العصر الأول فما بعده كما لا يخفى (2). وفي فتح البيان: ولا حجة في الآية، أي قوله تعالى " ويتبع غير سبيل المؤمنين " على حجية الإجماع لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب، فلا يصدق على عالم اجتهد في بعض المسائل فأوصله اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين، وهو الدين القويم، والملة الحنيفية ولم يتبع غير سبيلهم (3). وفي جامع البيان ومعالم التنزيل ومدارك التنزيل وترجمان القرآن: قوله تعالى " ويتبع غير سبيل المؤمنين " أي غير طريقهم. وفي التفسير الكبير: أي غير ما هم عليه أجمعون من اعتقاد أو عمل ولا بأس بمخالفة البعض إذا وافق البعض لقوله عليه السلام " أصحابي كالنجوم ". وفيه: فمن ترك متابعة سبيل المؤمنين لأجل أنه ما وجد على وجوب متابعتهم دليلا فلا جرم لم يتبعهم، فهذا الشخص لا يكون متبعا لغير سبيل المؤمنين، فهذا سؤال قوي على هذا الدليل (4). قال ابن حزم في (المحلى): رحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول: من ادعى الإجماع فقد كذب. وقال العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين: وكذلك نص الشافعي أيضا في رسالته الجديدة على أن ما لا يحكم فيه بخلاف لا يقال له الإجماع، ولفظه: ما لا نعلم فيه خلافا فليس إجماعا (5).
(1) نور الأنوار، ص 221. (2) النووي، ج 1، ص 40. (3) فتح البيان، ج 2، ص 415. (4) التفسير الكبير، ج 3، ص 462. (5) إعلام الموقعين، ج 1، ص 11. 111 وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما ادعى فيه الرجل بالإجماع فهو كذب، ومن ادعى الإجماع فهو كاذب. وقال العلامة الشوكاني في رسالة (إبطال الإجماع على مطلق تحريم السماع): والقول بعدم حجية الإجماع هو الذي أرجحه لأمور لا يتسع لها المقام وقد استوفيتها في غيره. وقال ابن حزم في المحلى (في السفر الخامس والسابع في مسألة نسخ القرعة): ولعنة الله على كل إجماع خرج منه علي بن أبي طالب، ومن بحضرته من الصحابة (1). وقال العلامة الشوكاني في نيل الأوطار: ولا يخفى على المنصف ما في حجية الإجماع من النزاع والإشكالات التي لا مخلص عنها وقال فيه أيضا: لا يخفى على المنصف ما ورد على إجماع الأمة من الإيرادات التي لا يكاد ينتهض معها للحجية بعد تسليم إمكانه ووقوعه (2). وفي كتاب (الأعلام بقواطع الإسلام) لابن حجر المكي على هامش الزواجر له: النظام وغيره إنما أنكروا كون الإجماع حجة زعما منهم أنه لا يستحيل الخطأ على أهل الإجماع، وأنه لا دليل على عصمتهم قطعا (3). وفي نور الأنوار: لا بد في الإجماع من اتفاق الكل من الخواص والعوام حتى لو خالف واحد منهم لم يكن إجماعا كنقل القرآن وأعداد الركعات (4). وقال بعض المعتزلة: ينعقد الإجماع باتفاق الأكثرية (5). وفي نيل الأوطار: قال النووي: أجمع المسلمون على أن الضب حلال (ثم قال): قال الحافظ: قد نقله (أي حرمة الضب) ابن المنذر عن علي، فأين يكون الإجماع مع مخالفته (6)؟! وفي حصول المأمول: إذا خالف أهل الإجماع واحدا من المجتهدين فقط فذهب الجمهور إلى أنه لا يكون إجماعا ولا حجة (7). قال الغزالي: المذهب أنه لا ينعقد مع مخالفة الأقل، وقيل حجة وليس بإجماع، ورجحه ابن الحاجب، وقيل مع الثلاثة دون الواحد. وفي قمر الأقمار حاشية نور الأنوار: والإمام (مالك) شرط في الإجماع، إجماع أهل المدينة لشرفها، وبعضهم الصحابة لشرفهم، وبعضهم عترة الرسول لفضلهم. قال النووي في شرح: الإجماع لا ينعقد إذا خالف أهل الحل والعقد واحد، وهذا هو الصحيح المشهور. وفيه أيضا: والإجماع بعد الخلاف ليس بإجماع (8).
(1) المحلى، ص 286. (2) نيل الأوطار، ج 1، ص 66. (3) الأعلام، ج 1، ص 46. (4) نور الأنوار، ص 220. (5) نور الأنوار، ص 221. (6) نيل الأوطار، ج 8، ص 338. (7) حصول المأمول، ص 80. (8) شرح مسلم للنووي، ج 1، ص 40، 45. 112 وفي منير اللبيب شرح التهذيب: إجماع العترة حجة لقوله تعالى " إنما يريد الله... " الآية، ولقوله عليه السلام " إني تارك فيكم الثقلين " (1)... الحديث. وقال السيوطي في تفسيره الإكليل: استدل بقوله تعالى " إنما يريد الله " من قال إن إجماع أهل البيت حجة لأن الخطأ رجس فيكون منفيا عنهم. وفي كتاب الأعلام لابن حجر المكي: إنكار الإجماع من أصله أو حجيته أو المجمع عليه (غير الضروري) لا يكون كفرا لأنه لا يتهم جميع المسلمين بل ولا بعضهم، وإنما ينكر اجتماعهم وتوافقهم على شئ (2). وفي شرح المواقف: خرق الإجماع مطلقا ليس بكفر (3). وفي إزالة الخفاء: قال عمر لأبي بكر أو كل المسلمين سألت؟ (وسيأتي إن شاء الله في انعقاد خلافة أبي بكر). وفي قول عمر دلالة على أن إجماع كل المسلمين ضروري. وفي كشف الأسرار في شرح أصول البزدودي: ذكر بعض الأصوليين أن هذه الآية (ويتبع غير سبيل المؤمنين) ليست بقاطعة في وجوب متابعة الإجماع لاحتمال أن يكون المراد " ويتبع غير سبيل المؤمنين " في متابعة النبي، أو مناصرته، أو الاقتداء به، أو في الإيمان به لا فيما أجمعوا عليه. ومع الاحتمال لا يثبت القطع (4). وفي التوضيح: إعلم أن هذا الاستدلال - على أن الإجماع حجة - ليس بقوي (5). أقول: قد ثبت هتك حجاب الإجماع، فإذا لم يثبت الإجماع بالإجماع فكيف يصح ويثبت ما عليه الإجماع لا سيما الخلافة الإلهية، والإمامة النبوية، على أن عليا (عليه السلام) لم يشمل بالإجماع. وقد ثبت أن خلافة يخرق الإجماع، مع أن الإجماع إذا خالف النص لم يكن له أثر. ألم تر أن إجماع الملائكة لم ينفع حينما قالوا " أتجعل فيها من يفسد فيها " الآية، وقال عز اسمه: " إني أعلم ما لا تعلمون، فصارت خلافة الخليفة الأول بلا حجة، وإن وقع الأمن، وارتفع الشر للمصلحة الوقتية كما قال عمر: " ولكن الله وقى شرها "، كذا في الصواعق (6). فصل: في توضيح كيفية انعقاد خلافة الخلفاء الثلاثة إذا تعسر إجماع الكل بل الأكثر، وانعقدت خلافة أبي بكر بالإجماع دون النص تركوا شرط الكل، والأكثر واكتفوا بإجماع رجلين أو رجل، كما في (شرح المواقف): إذا ثبت حصول الإمامة
(1) شرح التهذيب، ص 255. (2) الأعلام، ج 2، ص 147. (3) شرح المواقف، ص 727. (4) شرح أصول البزدوي، ج 3، ص 994. (5) التوضيح، ج 2، ص 48. (6) الصواعق المحرقة، ص 5. 113 بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من أهل الحل والعقد إذ لم يقم عليه (أي على هذا الافتقاد) دليل من العقل والسمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف في ثبوت الإمامة، ووجوب الاتباع للإمام على أهل الإسلام، وذلك لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا في عقد الإمامة بذلك كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلا من إجماع الأمة من علماء الأمصار، ومجتهدي أقطارها. ولم ينكر عليه أحد (1). ولما قبض رسول الله (ص)، واشتغل علي (ع) بتجهيزه وتكفينه ودفنه، واجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، وسمع الشيخان اجتماعهم انطلقا يتقاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر. (هكذا أخرج أحمد برواية حميد بن عبد الرحمن وذكر خطبة أبي بكر كذا في إزالة الخفاء) (2)، وفي رواية عمر: قال أبو بكر: ألا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين لي (لعمر) ولأبي عبيدة بن الجراح، ثم قال (عمر): قلت يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين: إن أولى الناس بأمر رسول الله (ص) من بعده ثاني اثنين. وقال أبو بكر لعمر: أنت أقوى، (كذا في إزالة الخفاء برواية البخاري وابن أبي شيبة). في البخاري: قال أبو بكر فبايعوا عمرا، وأبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا، وأحبنا إلى رسول الله (ص) فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس (3). وفي (الفتح): وفي رواية ابن عباس عن عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته. وفي تاريخ الخلفاء: وبرأيه (أي رأي عمر) في أبي بكر كان أول من بايعه (4). وفي الصواعق: أخرج النسائي، وأبو يعلى، والحاكم، وصححه، عن ابن مسعود قال: لما قبض رسول الله (ص)، قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب... الخ. وفيه: إن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر وقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فدفعهم أبو بكر بخبر " الأئمة من قريش "، ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة. وفيه: إن عليا، والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة، وتخلفت الأنصار عنها بأجمعها في سقيفة بني ساعدة (5). وفي البخاري: اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: " منا أمير: ومنكم أمير " (6). وفي الإمامة والسياسة: فلما قبض رسول الله (ص) قال العباس لعلي بن أبي طالب: أبسط يدك أبايعك فيقال عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله، ويبايعك أهل بيتك فإن هذا الأمر إذن كأن لم يقل (من الإقالة لا من القول) فقال له علي: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟
(1) شرح المواقف، ص 743. (2) إزالة الخفاء، ج 2، ص 365. (3) صحيح البخاري، ج 3، ص 365. (4) تاريخ الخلفاء، ص 82. (5) الصواعق المحرقة، ص 6، 8. (6) صحيح البخاري، ص 380. 114 وفيه: اجتمع بنو (هاشم) عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير بن العوام، وتخلف سعد بن عبادة فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعوانا لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر، وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام فمات بها ولم يبايع لأحد (رحمه الله). وحكى ابن عبد البر في (الإستيعاب): أن سعدا أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقي الله، (هكذا في الصواعق) (1). وفي حياة الحيوان: ومما اشتهر أن سعد بن عبادة سار إلى الشام - لما بايع الناس أبا بكر - فنزل (حوران)، وأقام بها حتى مات في سنة خمس عشرة، (ثم قال): ووقع في صحيح مسلم أن سعدا شهد بدرا (2). في تقريب التهذيب: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء، وسيد الخزرج، وأحد الأجواد. وفي شرح الفقه الأكبر لعلي القاري: الأنصار كلهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة (3). في الإمامة والسياسة، والتاريخ الكامل: بعث أبو بكر إلى سعد أن إقبل فبايع، فقد بايع الناس، وبايع قومك. فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، وأخضب منكم أسيافي، ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، إلى أن قال: قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك فقال لهم قيس بن سعد إنه قد أبى وألح، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج ولن تقتل الخزرج، حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم فاتركوه (4). وفي كنز العمال بمعناه وزاد: فقبل أبو بكر نصيحة بشير بن سعد (5). في (الإمامة والسياسة): أما علي، والعباس بن عبد المطلب، ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم، ومعهم الزبير بن العوام فذهب إليهم عمر في عصابته فيهم أسيد بن خضير، وسلمة ابن أشيم فقالوا: إنطلقوا فبايعوا أبا بكر فأبوا، فخرج الزبير بن العوام بالسيف فقال عمر: عليكم بالرجل فخذوه. فوثب عليه سلمة بن أشيم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار وانطلقوا به فبايع. (ثم قال): ثم إن عليا أتي به إلى أبي بكر وهو يقول أنا عبد الله أخو رسول الله. فقيل به: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة، بي أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي، وتأخذوه منا أهل البيت غصبا، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم. ولما كان محمد منكم أعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، فإذا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار: نحن أولى برسول الله (ص) حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع، فقال له علي: أحلب حلبا لك شطره، وشد له اليوم
(1) الإمامة والسياسة، ص 6، 11، والصواعق المحرقة، ص 7. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 188. (3) شرح الفقه الأكبر، ص 75. (4) التاريخ الكامل، ج 2، ص 160. (5) كنز العمال، ج 3، ص 134. 115 يردده عليك غدا. ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك. (ثم قال علي في جواب أبي عبيدة ابن الجراح): يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى داركم، وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المتطلع لأمر الرعية، الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله أنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحق بعدا. وقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك. (ثم قال) يقول علي: أفكنت أدع رسول الله في أهل بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه (1). وفي شرح العقائد: وبايع علي أبا بكر على رؤوس الأشهاد بعد توقف كان منه (2). قال مولانا وإمامنا إمام الأمة، أبو الأئمة، وصي رسول الله، علي بن أبي طالب في ديوانه (3): لنا ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتموه * كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم * وقاضينا الإله فنعم قاض وفيه مخاطبا أبا بكر الصديق: تعلم أبا بكر ولا تك جاهلا * بأن عليا خير حاف وناعل وإن رسول الله أوصى بحقه * وأكد فيه قوله في الفضائل ولا تبخسنه حقه واردد الورى * إليه فإن الله أصدق قائل
(1) الإمامة والسياسة، ص 12، وتاريخ الطبري، ج 3، ص 200. (2) شرح العقائد، ص 108. (3) الديوان (المنسوب)، ص 106. 116 وفي (نهج البلاغة): أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا، نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين، فلما مضى (عليه السلام) تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تزيح هذا الأمر من بعده عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان (أبي بكر) يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما، أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت (ولايتكم) التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى راح الباطل، وزهق واطمأن الدين وتنهنه، (إنتهى) (1). وأنه (عليه السلام) كان يكره الاختلاف ما لم يجتمع الناس عليه، وينقادوا لحكمه، كما في البخاري عن عبيدة عن علي قال: اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي (2). وفي (الفتح) قلت: وقد وقعت في رواية حماد بن زيد أخرجها ابن المنذر عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عنه وعنده قال لي عبيدة: بعث إلي علي وإلى شريح فقال: إني أبغض الاختلاف، فاقضوا كما كنتم تقضون، فذكره إلى قوله وأصحابي قال: فقتل علي قبل أن يكون جماعة. قوله " فأني أكره الاختلاف " أي الذي يؤدي، قال ابن التين: يعني مخالفة أبي بكر، وعمر. وقال غيره: المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة، ويؤيده قوله بعد ذلك حتى يكون الناس جماعة. وفي رواية الكشميهني: حتى يكون للناس جماعة. وفي البخاري: قال عمر في الخطبة: ثم أنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغتررن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها. (ثم قال) وخالف عنا علي، والزبير ومن معهما (ثم قال): فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى فرقت (أي خفت) من الاختلاف، فقلت أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته (3). وفي (الفتح) قوله: كانت كذلك الفلتة، الليلة التي يشك فيها هل هي من رجب أو شعبان، وهل من محرم، أو صفر، قوله " وقى الله شرها " أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر (4). وقال الداودي: معنى قوله فلتة إنها وقعت من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاور، وقال ابن حبان: معنى قوله كانت فلتة أن ابتداءها كان من غير ملأ كثير، قوله: و (خالف عنا علي والزبير) في رواية مالك، ومعمر وأن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله، وكذا في رواية سفيان لكن قال العباس بدل الزبير (ثم قال) قال الداودي فيما نقله ابن التين عنه حيث أطلق أنه لم يكن مع أبي بكر حينئذ من المهاجرين إلا عمر، وأبو عبيدة.
(1) نهج البلاغة، ص 237 (طبع طهران). (2) البخاري، ج 3، ص 387. (3) البخاري، ج 6، ص 374. (4) وفي شرح نهج البلاغة للعلامة ابن أبي الحديد، ج 1، ص 132 (طبع مصر) إن صاحب " الصحاح " ذكر أن (الفلتة) هو الأمر الذي يعمل فجأة من غير تردد، ولا تدبر. وهكذا كانت بيعة أبي بكر لأن الأمر لم يكن شورى بين المسلمين، وإنما وقعت بغتة لم تمحص فيها الآراء، ولم يتناظر فيها الرجال، وكانت كالشئ المستلب المنتهب. 117 في الخصائص للنسائي عن أبي ذر (في حديث طويل) قال عمر لرسول الله (ص): من تعني؟ قال: ما إياك أعني، ولا صاحبك. قال: فمن تعني؟ قال خاصف النعل. وكان علي (ع) يخصف النعل... (الحديث) (1). أقول: قد ظهر مما سبق من إعانة عمر لبيعة أبي بكر، ومن هذا الحديث، ومن استخلاف أبي بكر لعمر مع إنكار الصحابة عليه، وبكتابة عثمان من نفسه لفظ عمر (كما سيأتي)، أن المودة، والأخوة، والمؤانسة، والمعاونة بين (الشيخين) كانت مشهورة مؤكدة غير مخفية بحيث يجلب كل واحد منهما المنافع للآخر كنفسه، وأمرها واحد في جميع الأمور كما مر من قول علي (ع) من (الإمامة والسياسة)، وكان عمر أشد وأقوى على أبي بكر بحيث يخاف أبو بكر منه ويقتدي به في آثاره، (كما في كنز العمال (مسند عمر) عن عبيدة، قال: جاء عينية بن حصين، والأقرع بن حابس إلى أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلا، ولا منفعة إن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها (ولعل الله أن ينفعنا). فأقطعها إياهما، وكتب لهما عليه كتابا وأشهد فيه عمر، (وليس في القوم)، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فلما سمع عمر ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه، ومحاه فتذمرا فقالا مقالة، قال عمر: إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا رعى الله عليكما إن رعيتما. فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟! فقال: بل هو ولو شاء لكان. فجاء عمر مغضبا حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأراضي التي أقطعتها هذين الرجلين أهي لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة؟ قال: بل هي بين المسلمين عامة. قال: فما حملك أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، أو كل المسلمين أوسعت مشورة ورضى؟ فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا مني ولكنك غلبتني، (رواه ابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، ويعقوب بن سفيان، والبيهقي، وابن عساكر) (2). وهكذا في إزالة الخفاء وفيه: فقال أبو بكر لمن حوله من الناس: ما ترون؟ قالوا: فكتب لهما بها كتابا، وأشهد فيه شهودا وعدد ممن كان حاضرا فانطلقا إليه ليشهد في الكتاب فوجداه قائما يهنأ بعيرا فقالا: إن خليفة رسول الله (ص) كتب لنا هذا الكتاب وجئناك لتشهد على ما فيه فتقرأ أم نقرأه عليك؟ قال أعلى الحال التي تريان إن شئتما، فاقرأه وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ؟ قالا بل نقرأه عليك، فلما سمع ما فيه أخذه منهما ثم تفل فيه (3). في البخاري: لما اعترض حباب بن المنذر على أبي بكر أجاب أبو بكر بما نقله ابن قتيبة في الإمامة والسياسة، قال أبو بكر: أمنا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكن ممن يجئ بعدك. قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك ليس لنا عليك طاعة (4). وفي إزالة الخفاء: إن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف
(1) الخصائص، ص 43. (2) كنز العمال، ج 2، ص 189. (3) إزالة الخفاء، ج 2، ص 165. (4) الإمامة والسياسة، ص 11. 118 علينا فظا غليظا ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر (1). وفي كنز العمال: عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: إنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأثرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي، والزبير، ومن معهما، وذكر تخلف سعد بن عبادة (الحديث رواه أحمد في مسنده، والبخاري، وأبو عبيدة في الغرائب، والبيهقي). فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة (حتى قال) إن أمر بهم أن يحرق عليهم البيت ولا ترجعوا إلي لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر، (أخرجه ابن أبي شيبة وقال: بإسناد صحيح) (2). وفي الإمامة والسياسة (كيف كانت بيعة أبي بكر) قال: وإن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي (ع) فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة (عليها السلام) فقال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن. فوقفت فاطمة على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرا منكم تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة. فقال أبو بكر (لقنفذ) وهو مولى له: إذهب فادع لنا عليا. قال: فذهب إلى علي (ع) فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله (ص) فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة. فقال أبو بكر (لقنفذ) عد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه (قنفذ) فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له!! فرجع (قنفذ) فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها، وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له بايع فقال: إن أنا لم أفعل! قالوا إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: إما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا. وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك. فقال لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة في جنبه فلحق علي بقبر رسول الله يصيح ويبكي وينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني (3). ويؤيد قوله " ما كانت فاطمة في جنبه " ما قال في (صحيح مسلم) كان لعلي من الناس جهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته. ففي هذا
(1) إزالة الخفاء، ج 1، ص 312. (2) كنز العمال، ج 3، ص 138. (3) الإمامة والسياسة، ص 13. 119 الحديث دلالة على بيعته على نهج الاضطرار لما خوفوه بالقتل، وكانوا أمهلوه قبل إلى حياتها (1). في (الإمامة والسياسة): قالت فاطمة (حين أتاها أبو بكر ليرضيها): فإني أشهد الله وملائكته أنكما (أبا بكر، وعمر) أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه (إلى أن قالت) والله لأدعون الله عليك (يا أبا بكر) في كل صلاة أصليها. وفي كنز العمال، والإمامة والسياسة: قال أبو بكر (وقت وفاته) فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن علي الحرب (2). وفي مروج الذهب للمسعودي: لما بويع أبو بكر في يوم السقيفة، وجددت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة خرج علي (ع) فقال: أفسدت علينا أمورنا، ولم تستشر، ولم ترع لنا حقا. فقال أبو بكر: بلى ولكن خشيت الفتنة (ثم قال) ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة، (ثم قال) وقد تنوزع في بيعة علي بن أبي طالب إياه، فمنهم من قال بايعه بعد موت فاطمة بعشرة أيام، وذلك بعد وفاة رسول الله (ص) بنيف وسبعين يوما، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل ستة أشهر، وقيل غير ذلك (3). في (إعلان الهدى في رد أسرار الهذى): في مناقب الخوارزمي، ومناقب ابن مردويه بسندهما إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت عليا يقول بايع الناس أبا بكر، وأنا أولى بالأمر وأحق منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم أعناق بعض بالسيف، ثم بايع أبو بكر لعمر، وأنا والله أولى بالأمر منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذا لا أسمع، ولا أطيع ثم قال: أنشدكم الله... الخ (4). وكذا في كنز العمال برواية العقيلي، وزاد من قول علي أنه قال: وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم، ولا عجميهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرك رد خصلة منها لفعلت. ثم بين حقوقه وفضائله (5). وفي التاريخ الكامل: بايع أبا بكر، عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا، قال: وتخلف علي، وبنو هاشم، والزبير، وطلحة للبيعة وقال الزبير: لا أغمد سيفا حتى يبايع علي، فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر. ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة، (ثم قال): والصحيح أن أمير المؤمنين لم يبايع إلا بعد ستة أشهر (6). وفيه أيضا قال الزهري: بقي علي، وبنو هاشم، والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة، فبايعوه (7). قال السيد في رسالة الزهراء: قال ابن عبد ربه في كتاب العقد: (الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر)، علي، والعباس، والزبير، وسعد بن عبادة، فأما علي، والعباس فقعدا في بيت فاطمة حتى بعث
(1) صحيح مسلم، ج 2، ص 91. (2) الإمامة والسياسة، ص 9، 15، وكنز العمال، ج 3، ص 135. (3) مروج الذهب، ج 1، ص 288. (4) إعلان الهدى، ص 367. (5) كنز العمال، ج 3، ص 155. (6) الكامل في التاريخ، ج 2، ص 157. (7) الكامل في التاريخ، ج 2، ص 160، وتاريخ الطبري، ج 3، ص 202. 120 أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهما من بيت فاطمة (1). وفيه: عن أبي الفداء في تاريخه: وانثال الناس يبايعون (أبا بكر) خلا جماعة من بني هاشم، والزبير، وعتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، ومالوا مع علي ابن أبي طالب. وكذلك تخلف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية ثم أن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة الزهراء فقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشئ من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة وقالت: إلى أين يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟! قال نعم. ذكر! حراق عمر بيت فاطمة (صلوات الله عليها) يا أسفي أن النبي (ص) قد أكد التمسك بالثقلين، وقال لن يفترقا حتى يردا علي، الحوض ولقد أحرق الخليفة الثاني ثاني الثقلين، وأحرق الخليفة الثالث أول الثقلين فما أعظم أدبهما، وما أجل قدرهما، (وما قدروا الله حق قدره)، والإنكار إنكار المتواترات لأنه قد روي هذا بطرق كثيرة، وأسانيد شهيرة وفي كتب لا تعد ولا تحصى. في (كنز العمال) عن أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي، والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول الله ويشاورونها، ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله، ما من الخلق أحب إلى من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمر بهم أن يحرق عليهم الباب، فلما خرج عمر وجاؤا إليها قالت: أتعلمون أن عمر قد جاءني، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت. وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين فروا رأيكم، ولا ترجعوا إلي. فانصرفوا عنها ولم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر، (رواه ابن أبي شيبة) (2). وفي إزالة الخفاء: عن أسلم بإسناد صحيح (على شرط الشيخين) أنه حين بويع (الحديث كما مر) قوله: " على شرط الشيخين " أي صحته على شرط صحة الشيخين لا أنه مذكور في الصحيحين، فتدبر (3). قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه في (تاريخ الأمم والملوك): حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقن عليكم، أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير (4). وفي العقد الفريد، وفي تاريخ (المختصر في أخبار البشر) المسمى بتاريخ أبي الفداء: حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار (5).
(1) رسالة الزهراء، ص 142. (2) إزالة الخفاء، ج 2، ص 29. (3) المصدر السابق، ج 2، ص 179. (4) الطبري، ج 3، ص 198. (5) العقد الفريد، ج 2، ص 176، تاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 156 - 164، والكامل في التاريخ، ج 1، ص 113، وا الإمامة والسياسة، ج 1، ص 20، ومروج الذهب، ج 1، ص 159، والاستيعاب على الإصابة، ج 2، ص 255، وتاريخ الخميس، ج 2، ص 169. 121 قال السيد في رسالة (الزهراء) قال العلامة ابن خرابة في كتابه الغرر: قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة. قال: وفي البيت علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجماعة من أصحاب النبي. قال العلامة البلاذري بإسناده: فجاء عمر ومعه قبس. وإن شئت المزيد من التوضيح فارجع إلى رسالتي " النار الموقدة "، و " النار الحاطمة " تجدهما كافيتين، وأما " تشييد المطاعن " فهو مجلد ضخم، وفيه نفع لمن أراد التحقيق، فليرجع إليه. قال السيوطي في الدر: أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال: قرأ رسول الله (ص) هذه الآية " في بيوت أذن الله أن ترفع " فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت بيت علي، وفاطمة منها؟ قال: نعم من أفاضلها، (وهكذا رواه الثعلبي). في كنز العمال: قال أبو بكر في مرض موته. فأما التي فعلتها ووددت أني لم أفعلها وددت أني لم أكن أكشف بيت فاطمة، وتركته وإن أغلق علي الحرب، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة بن الجراح، أو عمر فكان أميرا وكنت وزيرا، (رواه أبو عبيد في كتاب الأموال، وخيثمة بن سليمان الطرابلسي في فضائل الصحابة، والطبراني، وابن عساكر، وسعيد بن منصور)، وقال: إنه حديث حسن (1). استدلال أهل السنة بأمامة أبي بكر وأما استدلال أهل السنة والجماعة بأمامة أبي بكر في الصلاة يوم مرض النبي (ص) بأمره فليس بسديد لوجوه: منها: إن هذا الحديث في كتبهم، فهو ليس حجة على الخصم. ومنها: إن هذا الحديث إن كان حجة ونصا للخلافة لاحتج به أبو بكر على المنازعين، والمتخلفين عن بيعته، ولم يثبت احتجاجه به ولا من أنصاره وأعوانه. ومنها: إن الحديث مضطرب أشد اضطراب كأنه جاء في مقام أن النبي (ص) كان إماما، وأبو بكر كان مقتديا بالنبي، وهذا هو الصحيح عندهم إن صح، (كما قاله النووي في شرح مسلم) (2). واحتجوا بأن النبي (ص) صلى في مرض وفاته بعد هذا قاعدا، وأبو بكر، والناس خلفه قياما وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر كان هو الإمام، والنبي مقتد به، لكن الصواب أن النبي (عليه السلام) كان هو الإمام، (وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحا). وجاء في مكان آخر النبي (ص)، والناس كانوا مقتدين، وأن أبا بكر كان إماما لهم. أما القول بالتعدد فلم يثبت أن النبي (ص) كان مريضا، مغشيا عليه وقد غلبه الوجع عندهم، فكيف أمر بالإمامة، وكيف يكون هذا الحكم في هذه الحالة حجة، ولم يكن النبي (ص) يكتب لغلبة الوجع عندهم، ومن ثم منع عمر ما سأل النبي منهم بقوله " إئتوني ".
(1) كنز العمال، ج 3، ص 135. (2) شرح صحيح مسلم، ج 1، ص 177. 122 وفي نيل الأوطار: وقد اختلف في ذلك (أي في إمامة الصلاة في مرض النبي لأبي بكر) اختلافا شديدا كما قال الحافظ، ففي رواية لأبي داود أن رسول الله كان المقدم بين يدي أبي بكر، وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة أنها قالت: من الناس من يقول كان أبو بكر المتقدم بين يدي رسول الله، ومنهم من يقول كان النبي المقدم (إلى أن قال في الفتح) تظافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبي كان هو الإمام في تلك الصلاة ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف: فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أنه كان إماما، ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد. والظاهر من رواية الباب المتفق عليها أن النبي (ص) كان إماما، وأبو بكر كان مؤتما. (وتؤيد ذلك رواية مسلم) (1). وفي الميزان الكبرى للشعراني: ويؤيد الإمام مالكا في ذلك اختلاف الصحابة في صلاة رسول الله خلف أبي بكر، فإن طائفة من الصحابة كانت تقول إن رسول الله، كان إماما (2). ومن البديهيات أن مطلق الإجماع ليس بدليل الصحة للخلافة، ولا بمستلزم لنفي الضلالة وإلا فقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان، وأجمع بعضهم على قتل علي، وأكثرهم على قتل الحسين وليس بقائل أن عمر في انعقاد بيعة أبي بكر، وأن عبد الرحمن بن عوف في انعقاد بيعة عثمان كانا معصومين صائبين في الفكر، وأن سائر الصحابة المدعين والمنكرين كانوا على الخطأ مع أن كثيرا من كبراء الصحابة وكملائهم وزهادهم كعلي، ومن معه، وسعد، وغيرهم كانوا ساخطين كارهين على ذلك حتى ماتوا، وقد سلم أن خروج علي (ع) عن الإجماع مبطل للإجماع، (كما ذكر من قبل). وأما استدلالهم بكتاب علي (ع) إلى معاوية أنه: بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر، وعمر، وعثمان على ما بايعوهم عليه، (كما في نهج البلاغة) (3) وما شابه ذلك فليس بسديد لأنه (عليك السلام) قال هذا على زعمهم كما هو دأب الجواب في مقابلة الخصم مسلمات الخصم لا بما عنده (عليه السلام) كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار من أحاديث أئمتنا كلهم في مواضع كثيرة، وعدم محاربته (عليه السلام) الثلاثة في زمن خلافتهم لأنه (عليه السلام) كره الاختلاف في الدين متى ما أظهر الإسلام، ولم يرتدوا عنه كما روي في روضة الكافي من فروعه: كان أحب إلى أمير المؤمنين أن يقرهم على ما صنعوا، يعني (لا إله إلا الله محمد رسول الله) من أن يرتدوا عن جميع الإسلام، فلذلك كتم على أمره، وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا (4). وفي خطبة أمير المؤمنين: " وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة بمقام رسول الله ممن اختاره الرسول لمقامه ". وفيه: قلت لأبي جعفر عليه السلام، إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضاء الله عز ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد من بعده، فقال أبو جعفر: أوما يقرأون كتاب الله؟ أوليس الله يقول " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "؟! قال: فقلت له: إنهم يفسرونها على وجه آخر، فقال: أوليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا فمنهم من آمن، ومنهم من
(1) نيل الأوطار، ج 3، ص 39. (2) الشعراني، ج 1، ص 169. (3) نهج البلاغة، ص 189. (4) الفروع من الكافي، ص 160. 123 كفر، (إنتهى) (1). في الحجة البالغة: إذا استولى من لم يجمع الشروط لا ينبغي له أن يبادر إلى المخالفة لأن خلعه لا يتصور غالبا إلا بالحروف، وفيها من المفسدة أشد مما يرجى من المصلحة. وسئل رسول الله (ص) عنهم فقيل: أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا (ظاهرا) عندكم من الله فيه برهان. والحديث متفق عليه، (كما في المشكاة، كتاب الإمارة والقضاء، ورواه مسلم أيضا) (2). نتائج هذا الفصل (1) وقوع خلافة أبي بكر بالإجماع، لا بالنص. (2) إجماع رجل أو رجلين لا إجماع الكل. (3) بطلان الإجماع، وخروج علي (ع) عن الإجماع مبطل للإجماع. (4) خرق الإجماع ليس بكفر عندهم. (5) انعقاد خلافة أبي بكر كان بعقد عمر وحده. (6) إنكار الأنصار عن بيعة أبي بكر. (7) تخلف بعض الصحابة من أهل بدر عن بيعة أبي بكر حتى الممات. (8) عدم إحتجاج أبي بكر وأنصاره بنص إمامته في الصلاة. (9) إحتجاج علي باستحقاق وعجز الصحابة عن جوابه. (10) تشدد عمر على علي للبيعة وعدم بيعته في حياة فاطمة، ثم بعدها بايعه مضطرا. (11) تخويف عمر بإحراق بيت فاطمة. (12) سخط البتول على (الشيخين) حتى الممات. (13) قول علي للخلفاء " كذبتم على رسول الله بقولكم لأنفسكم أمير المؤمنين وخليفة رسول الله ". (14) قول علي (ع) للصحابة: " كنت مشغولا بغسل النبي، وتجهيزه، وتكفينه، ودفنه فهل يستحسن لي أن أتركه، وأخاصمكم للبيعة ". (15) توقف علي للبيعة ووجه سكوت علي وامتناعه عن المحاربة.
(1) المصدر السابق، ص 127. (2) المشكاة، ص 311. 124 (16) قول عمر: " كانت بيعة أبي بكر فلتة ". (17) اتحاد أبي بكر، وعمر في جميع الأمور. (18) رعب عمر على أبي بكر. (19) قول أبي بكر: إن عمر خليفة وقد غلبني. (20) محو عمر سند أبي بكر. (21) بصق عمر على سند أبي بكر. (22) إنكار الصحابة عند أبي بكر عند موته باستخلافه عمر. (23) تأسف أبي بكر على خلافته. (24) مجادلة عمر، والزبير للبيعة. (25) إمامة أبي بكر في الصلاة للنبي ليست بثابتة. الدليل الثاني: وصية السلف للخلف فإذا رأيت حال أكبر أدلتهم (أي الإجماع) فانظر إلى ثانيها، وهو (وصية السلف للخلف)، وهو نص واجب العمل عندهم، لكنا قد أثبتنا أن خلافة الخليفة الأول ما كانت بنيابة النبي (ص)، وما هو بخليفة، بل كان ملكا إجماعيا بتدبير عمر، وما كان منصوصا من الله ورسوله، وإلا لم يحتج إلى الإجماع، وما كان مجمعا عليه من الأمة كما ذكر، فبناء الفاسد فاسد. في الصواعق المحرقة أخرج الدارقطني أن الحسن جاء إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله (ص) فقال انزل عن منبر أبي فقال صدقت والله أنه لمجلس أبيك ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى، و (هكذا رواه أبو نعيم) (1). ووقع من الحسين مع عمر نحو ذلك، فقال له منبر أبيك لا منبر أبي، وكذا في تاريخ الخلفاء، وزاد: " إسناده صحيح " (2). وكذا في إزالة الخفاء وزاد: فقال عمر لم يكن لأبي منبر (3). في شرح المواقف، إن (الإمامة) تثبت بالنص من الرسول، ومن الإمام السابق بالإجماع. وفي شرح العقائد: إن أبا بكر لما يئس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب عهده لعمر فلما كتب ختم الصحيفة، وأخرجها إلى الناس فأمرهم أن يبايعوا لمن في الصحيفة فبايعوا حتى مرت بعلي فقال بايعنا لمن فيها، وإن كان عمر (4). وفي الحاشية للملا عصام وجه قول علي " وإن كان عمر " أنه أراد وإن كانت البيعة صعبة.
(1) الصواعق المحرقة، ص 105، وكنز العمال، ج 7، ص 105. (2) تاريخ الخلفاء، ص 97. (3) إزالة الخفاء، ج 2، ص 80. (4) شرح العقائد، ص 108. 125 وفي (تاريخ الخميس) بايعت لمن فيها، وإن كان عمر، (وكذا في روضة الصفا) (1). وفي الإمامة والسياسة: فخرج عمر بالكتاب فقال رجل ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري، ولكني أول من سمع وأطاع قال: ولكني والله أدري ما فيه أمرته عام أول وأمرك العام (2). وفيه: قال علي لعمر: إحلب حلبا لك شطره، وشد له اليوم يردده عليك غدا. وفيه أيضا: استخلف عمر فقالوا (القائل طلحة وغيره) نراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا وأنت بين أظهرنا فكيف إذا وليت عنا وأنت ملاقي الله فسائلك فما أنت قائل؟ قال أهل الشام فإن كان عمر هو الولي فليس لنا بصاحب، وإنا نرى خلعه. وفي إزالة الخفاء: تستخلف علينا فظا غليظا (3)، (وقد مر). وفي الإمامة والسياسة قال أبو بكر لحباب أمنا تخاف يا حباب؟! قال لا ولكن ممن يجيئ بعدك. وفي كنز العمال عن عائشة قالت: لما حضر أبو بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي، وطلحة فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر. قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ (رواه ابن سعد)، وفي رواية، وزاد: غدا وقد استخلف ابن الخطاب (4). وفي منهاج السنة: وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه، وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر (5). وفي شرح المواقف: دعا أبو بكر في مرضه عثمان بن عفان، وأمره أن أكتب: " هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده من الدنيا (حتى قال): استخلفت عليكم عمر بن الخطاب " (6). وفي إزالة الخفاء قال عمر: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك (7)، وكذا في تاريخ الخلفاء (8). فهذا حال الوصية في حقه، واستخلافه، وإنكار الصحابة عليه، وكونه فظا غليظا، وقد قال الله عز اسمه " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك "، وسائر حالاته من إيمانه، وعلمه وشجاعته، وإطاعته الله ورسوله، وإيذائه لأهل بيت النبي سيأتي لاحقا. الدليل الثالث: الشورى هو ما انعقدت به خلافة عثمان، وهذا مما لم يتحقق كالإجماع لأبي بكر دون عمر إلا من عبد الرحمن بن عوف. في شرح العقائد: ولهذا جعل عمر الإمامة شورى بين ستة مع القطع بأن بعضهم أفضل من بعض (9).
(1) تاريخ الخميس، ص 241. (2) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 20. (3) إزالة الخفاء، ص 146. (4) كنز العمال، ج 3، ص 146. (5) منهاج السنة، ج 1، ص 142. (6) شرح المواقف، ص 740. (7) إزالة الخفاء، ج 1، ص 227. (8) تاريخ الخلفاء، ص 95. (9) شرح العقائد، ص 113. 126 وفي شرح المواقف: فإن عمر لم ينص على أحد بل جعل الإمامة شورى بين ستة (1). وفي تاريخ الخلفاء، (قال عمر): وقد جعلت (الخلافة) شورى في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثة. (أخرجه الحاكم)، وهكذا في الصواعق (2). وفي تاريخ الخلفاء: ولما جلس عبد الرحمن للمبايعة حمد الله وأثنى عليه وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان، وفي رواية: أما بعد يا علي فأني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلني على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله، وسنة رسوله، وسنة الخليفتين بعده، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه المهاجرون والأنصار (3). وفي مسند أحمد عن أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا؟! فقال ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة أبي بكر وعمر، فقال استطعت ثم عرضت ذلك على عثمان فقال: نعم. وهكذا في الصواعق المحرقة، وروضة الأحباب، والإمامة والسياسة، وفتح الباري شرح البخاري (4). وفي شرح الفقه الأكبر للملا علي القاري: فأخذ عبد الرحمن بيد علي (ع) وقال: أوليك أن تحكم بكتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الشيخين. فقال علي: أحكم بكتاب الله، وسنة رسوله، وأجتهد رأيي. ثم قال لعثمان مثل ذلك فأجابه، وعرض عليهما ثلاث مرات، وكان علي يجيب بالجواب الأول، وعثمان يجيبه إلى ما يدعوه ثم بايع عثمان، فبايعه الناس (5). وفي إزالة الخفاء قال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي والله علي لا ألو عن أفضلكم قالا: نعم فلما أخذ الميثاق قال أرفع يدك يا عثمان فبايعه. (وهكذا في الصواعق المحرقة) (6). وفي الإمامة والسياسة: ثم أخذ بيد علي (ع) فقال له: أبايعك على شرط عمر أن لا تحمل أحدا من بني هاشم على رقاب الناس فقال علي (ع) عند ذلك: ما لك ولهذا إذا جعلتها في عنقي فإن علي الاجتهاد في بني هاشم أو غيرهم. قال عبد الرحمن: لا والله حتى تعطيني هذا الشرط، قال علي: لا والله لا أعطيكه أبدا فتركه، فقاموا من عنده (7). وفيه: (تولية عمر شورى بين ستة) فقالوا: قل فينا يا أمير المؤمنين مقالة نستدل فيها برأيك ونقتدي به فقال: والله ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع أنك رجل حرب، وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إلا أنك (فرعون) هذه الأمة، وما يمنعني منك يا زبير إلا أنك مؤمن الرضا كافر الغضب، وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع
(1) شرح المواقف، ص 740. (2) تاريخ الخلفاء، ص 91، والصواعق المحرقة، ص 63. (3) تاريخ الخلفاء، ص 104. (4) الصواعق، ص 63، وروضة الأحباب، ج 2، ص 169، والإمامة والسياسة، ص 25، وفتح الباري، ج 6، ص 621. (5) شرح الفقه الأكبر، ص 80. (6) إزالة الخفاء، ج 1، ص 313، والصواعق المحرقة، ص 63. (7) الإمامة والسياسة، ص 25. 127 امرأته، وما يمنعني منك يا عثمان إلا عصبيتك وحبك قومك، وما يمنعني منك يا إلا حرصك عليها، وأنك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحق المبين والصراط المستقيم. وفيه: (ما كتب علي إلى أهل العراق في بيعة عثمان) ثم قالوا لي هلم فبايع عثمان وإلا جاهدناك، فبايعت مستكرها، وصبرت محتسبا. وقال قائلهم إنك يا بن أبي طالب على الأمر لحريص، قلت لهم أنتم أحرص، ما أنا إذا طلبت ميراث ابن أبي وحقه، وأنتم دخلتم بيني وبينه، وتصرفون وجهي دونه، اللهم إني أستعين بك على (قريش) فأنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي، واجتمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم (1). وفي (الفتح): أخرج الذهلي في الزهريات، وابن عساكر في ترجمة عثمان من طريقه ثم من رواية عمران بن عبد العزيز عن المسور قال: كنت أعلم الناس بأمر الشورى لأني كنت رسول عبد الرحمن بن عوف فذكر قال علي (ع): لا ولكن على طاقتي، فأعادها ثلاثا فقام عبد الرحمن واعتم، ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر ثم أشار إلى عثمان فبايعه. وفي حياة الحيوان: وذكر ابن خلكان وغيره أن عمر لما طعن اختار من الصحابة ستة نفر، وهم (المتقدم ذكرهم)، وساق القصة، وقال: ونقل أن العباس بن عبد المطلب قال لعلي: يا بن أخي لا تدخل نفسك في الشورى مع القوم فأني أخاف أن يخرجوك منها فتبقى وصمة فيك (2). فقال (أي عبد الرحمن لعثمان): أبايعك على سنة الله، ورسوله، والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس المهاجرون والأنصار. وقد مر من فتح الباري شرح هذا الحديث، وفيه ما حاصله أن عبد الرحمن جمع صناديد العرب وأمراءه. وفي الفتح قوله (أمراءه) أي عمر، وابن العاص، ومعاوية، وأبو موسى الأشعري، وأمثالهم، وفي شرح الفقه الأكبر لعلي القاري: فأبى علي أن يقلدهما (أي الشيخين) ورضي عثمان (3). وفي حياة الحيوان: قوله (وساق القصة)، وهي هذه: أقام المسور بن مخرمة وثلاثين نفسا من الأنصار وقال: إن اتفقوا على واحد (إلى ثلاثة أيام)، وإلا فاضربوا رقاب الكل فلا خير للمسلمين فيهم، وإن افترقوا فرقتين، فالفرقة التي فيها عبد الرحمن بن عوف. وأوصى أن يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام فأخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الشورى، وأختار عثمان فبايعه الناس (4). في البخاري قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث بكثير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا فدعوتهما، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليا، فدعوته فناجاه حتى انتصف الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا، ثم قال ادع لي عثمان. وفي (الفتح): والذي يظهر لي أنه خاف إن بايع لغيره ألا يطاوعه، وإلى ذلك الإشارة بقوله فيما بعد: فلا تجعل على نفسك سبيلا، ووقع في رواية سعيد بن عامر فأصبحنا وما أراه يبايع إلا لعلي، (يعني من ما ظهر له من قرائن تقديمه) (5).
(1) المصدر، ص 130. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 313، والبخاري، ج 6، ص 622. (3) شرح الفقه الأكبر، ص 83. (4) حياة الحيوان، ج 1، ص 313. (5) البخاري، ج 6، ص 621. 128 وفي (روضة الأحباب) ما حاصله عن عمرو بن العاص قال: لا تحزنوا إني أدبر هذه الليلة إن شاء الله، وأفوض الخلافة بلطائف الحيل إلى عثمان. ثم ذهب إلى علي (ع)، فأظهر عنده محبته، ووفاقه، وقال له إذا يعرض عليك أمر الخلافة من عبد الرحمن فلا تجبه أول مرة لئلا يظن الناس رغبتك لها، وإذا اشترط عليك باتباع سيرة الشيخين تجيبه بقدر ما استطعت، ولعل عثمان يقول هكذا، وإذا تعرض عليك ثانيا أجبه. ثم ذهب إلى عثمان وقال له إذا تعرض عليك شرائط الخلافة تقبل بلا وقفة وإلا ذهبت الخلافة إلى علي، وأما الزبير فقال لعبد الرحمن لعلي، فتكدر منه عثمان أبدا، فلما أصبحوا واجتمعوا في المسجد رقى عبد الرحمن على المنبر، وفعل ما فعل (1). قد يعلم الناس إنا خيرهم نسبا * كما به تشهد البطحاء والمدر والبيت ذو السر والأركان لو سألوا * نادى بذلك ركن البيت والحجر وفي الإمامة والسياسة: أن عائشة لما أتاها أنه بويع لعلي وكانت خارجة عن المدينة فقيل لها قتل عثمان، وبايع الناس عليا فقالت: ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض، قتل والله مظلوما، وأنا طالبة بدمه. فقال لها عبيد: إن أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت ولقد قلت اقتلوا (نعثلا) فقد فجر. فقالت عائشة: قد والله قلت، وقال الناس، وآخر قولي خير من أوله، فقال عبيد: عذر والله ضعيف يا أم المؤمنين، وهكذا في روضة الأحباب وفيه: اقتلوا نعثلا فإنه قد كفر، وقتل الله نعثلا، ولعن الله نعثلا (2). أقول: لا حاجة لنا أن نكشف حالة الشورى فوق هذا، لأنا قد أثبتنا أن صناديد العرب (معاوية ابن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبا موسى الأشعري) قد اجتمعوا، وشاوروا وليس معهم أحد من بني هاشم فكفى الشورى بهم، وصارت الخلافة لعثمان بمشهورة عبد الرحمن وحده. الدليل الرابع: التسلط والغلبة وهو ليس بدليل الحق، نعم لا بد من هذه الأربعة للسلطنة وهي غابة عند أهل السنة فقط لأن الملك لمن غلب، والماء لمن طلب، وخلافة النبوة والإمامة وطريق الحق وتعليم الدين والتقريب إلى الله سبحانه لا تحصل بالتسلط المحض بل لها شرائط أخرى. في حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي: تنعقد الخلافة بوجوه: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء، وأمراء الأجناد ممن يكون له رأي ونصيحة للمسلمين (كما انعقدت خلافة أبي بكر)، وبأن يوصي الخليفة الناس به (كما انعقدت خلافة عمر)، أو تجعل (شورى) بين قوم (كما كان عند انعقاد خلافة عثمان، بل علي أيضا)، أو استيلاء رجل جامع للشروط على الناس وتسلطه
(1) روضة الأحباب، ج 2، ص 167، وشرح الفقه الأكبر، ص 80. (2) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 48، وروضة الأحباب، ج 3، ص 8. 129 عليهم كسائر الخلفاء بعد خلافة النبوة، ثم إن استولى من لم يجمع الشروط لا يتبع أن يبادر إلى المخالفة (1). وفي منهاج السنة: الإمامة عند أهل السنة تثبت بموافقة أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما. فالإمامة ملك وسلطان. وفيه أيضا: من غلبهم بالسيف صار خليفة (2). وفي مجمع البهار على حاشية الترمذي: قيل شرطه (أي شرط الأمير): الإسلام، والحرية، والقريشية، وسلامة الأعضاء، قلت نعم لو انعقد بأهل العقد والحل، أما من استولى بالغلبة تحرم مخالفته، وتنفذ أحكامه ولو عبدا وفاسقا مسلما (3). قال النووي في شرح مسلم فإن قيل: كيف يكون العبد إماما وشرط الإمام أن يكون حرا قرشيا سليم الأطراف، فالجواب من وجهين أحدهما أن هذه الشروط وغيرها إنما تشترط فيمن تعقد له الإمامة باختيار أهل الحل والعقد، وأما من قهر الناس لشوكته، وقوة بأسه، وأعوانه واستولى عليهم وانتصب إماما فإن أحكامه تنفذ، وتجب طاعته، وتحرم مخالفته في غير معصية عبدا كان أو حرا أو فاسقا بشرط أن يكون مسلما (4). وفي شرح المقاصد للتفتازاني: الثالث: القهر والاستيلاء فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس شوكة انعقدت الخلافة له، وكذا إن كان فاسقا، أو جاهلا على الأظهر. وفي (مفاتيح الطالب في خلافة علي بن أبي طالب): إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة، ثم جاء آخر فقهره انعزل وصار القاهر إماما (5). أولم يتفكروا إذا كان الحق بالغلبة فإذا غلبت الكفرة فهل كان الحق معهم، وإذا كان الأحمق الجاهل المتمرد متغلبا على العالم المتعبد أيكون هو القائم مقام النبي، وخليفة دين وإمام شريعة؟! فهذه هي النتيجة الباطلة الفاسدة من غلط تفقههم للأمور السياسية، وعدم استلزامهم لإمام الحق واجب الاقتداء شرط كونه ذا العصمة عن الخطأ ومن ثم تحيرت عقولهم وبهتت أفهامهم في خليفتهم يزيد بن معاوية من اجتماع الشروط الأربعة المذكورة فيه معا دون غيره. أي الإجماع في المسلمين كابن عمر، وغيرهم من أهل المدينة، والوصية عن معاوية أبيه له لأنه سعى له في حياته بالحيل من تأليف القلوب بأحسن المطاعم، وإعطاء الدنانير، والدراهم، والترغيب، والترهيب، والشورى له. والتسلط والقهر والجبر والظلم منه على عترة النبي، وغيرهم فإذا اجتمعت الأربعة فيه فهو بحسب قاعدتهم المؤسسة منهم كان أولى وأحق بالخلافة من سيدنا السيد السبط الحسين (عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلاة والسلام). كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: ثم اجتمعوا على
(1) الدهلوي، ص 335. (2) منهاج السنة، ج 1، ص 141، 146. (3) حاشية الترمذي، ج 1، ص 204. (4) شرح مسلم للنووي، ج 1، ص 231. (5) مفاتيح الطالب، ص 102. 130 ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر (1). ولعل من أجل ذلك أفتى بعض علمائهم أن الحسين قد بغى على (خليفة) فجاز قتله، (نعوذ بالله من ذلك) كما في نيل الأوطار: لقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية، ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه (عليه الصلاة والسلام) باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية (لعنة الله عليه) فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود، وينصدع من سمها كل جلمود (2). وقد ذكر في شرح الفقه الأكبر (بغاوة) الحسين (3)، وذكر السيد في (الذبح العظيم): إن أبا بكر ابن العربي المالكي (عليه ما عليه) قال: إن (يزيد) كان على الصواب، وإن الحسين أخطأ بالخروج عليه، ورده ابن الجوزي في كتابه (السر المصون) (4). وأما القدماء من المسلمين فكانوا على أصناف، فمنهم من سكت عن بيان فضائل عترة النبي، خوفا فسلم ونجا من شدائد الأعداء، وأخفى محبتهم في قلبه كالشافعي. ومنهم من صرح أو أشار إلى فضائلهم، وتحمل من المكاره والمصائب كالإمام النسائي، وعزل كثير وعذب وضرب، وقتل وحبس ونفي، ودفن حيا، ورفض، وشيع، وكفر ولم يرو عن بعضهم شئ، وإن روى فقد قيل إنه يتشيع مع أنه ثقة ثبت وما هذا إلا تنقيص عترة النبي، وتحقيرهم وقد أخرجوا الأحاديث عن الخوارج حتى في الصحيحين فضلا عما في المسانيد، والسنن وغيرها فحينئذ تحيرت العقلاء حتى لم يميزوا بين الصدق والكذب، والحق والباطل. والباعث على هذا التقليد المحض الذي من شأنه العمى وهو زعمهم الراسخ بل قالوا إنا وجدنا عليه آباءنا إلى التوارث من الآباء والأجداد، (كما في منهج الوصول إلى أحاديث الرسول للسيد الصديق) (5). وفي نيل الأوطار: وفي البدر المنير لذلك قيل: لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث. وتهذيب المحدثين كالشيخين، وأبي داود وغيرهم من سبعمائة ألف حديث أو خمسمائة ألف حديث (حتى صح عن البخاري أنه لخص صحيحه من ستمائة ألف حديث) ونحوها ينادي بأعلى صوت على وضع الأحاديث وليس عند أحدهم علم محقق يتميز به الصحيح عن غيره بل غاية أمرهم ما عندهم لأنا إذا وجدنا حديثا صحيحا عند أحدهم فهو ضعيف عند الآخر، وموضوع عند بعض آخر (كما سيأتي إن شاء الله تعالى). قال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من حديث الخوارج. وفي البخاري وغيره ما لا يحصى من المبتدعين وكفاك أنموذجا ما روى البخاري الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله الباري عن عمران بن حطان الخارجي المادح لقاتل أمير المؤمنين، وهو الذي دعا إلى الخروج (كذا قال السيد الصديق في الحطة في بيان الأحاديث الصحاح الستة، وهداية السائل، ومنهج الوصول بقول القرافي). وفي تقريب التهذيب للعسقلاني: عمران بن حطان - بكسر الحاء وتشديد الطاء -
(1) تاريخ الخلفاء، ص 7. (2) نيل الأوطار، ج 7، ص 84. (3) شرح الفقه الأكبر، ص 87. (4) الذبح العظيم، ص 296. (5) منهج الوصول، ص 153. 131 المهملتين السداسي: صدوق إلا أنه كان على مذهب الخوارج، مات سنة أربع وثمانين. وقال أبو فن في الحاشية له في صحيح البخاري: " إمام الأئمة ". وفي حياة الحيوان: وذكر ابن الجوزي في الأذكياء وغيره أن عمران بن حطان هذا كان أحد الخوارج، وهو القائل بمدح عبد الرحمن بن ملجم (لعنهم الله) على قتل علي بن أبي طالب: يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا فبلغت القاضي أبا الطيب الطبري هذه الأبيات فقال مجيبا له. إني لأبرء مما أنت قائله * في ابن ملجم الملعون بهتانا إني لأذكره يوما فألعنه * دينا وألعن (عمران بن حطانا) عليك ثم عليه الدهر متصلا * ملاعن الله إسرارا وإعلانا فأنتم من كلاب النار جاء لما * نص الشريعة برهانا وتبيانا أشار أبو الطيب إلى قوله عليه السلام: (الخوارج كلاب النار). ومن البين أن اجتماع الضدين من المحالات فإذا كانت السلطنة والغلبة لمخالفي عترة الرسول، فمن ذا الذي يروي عنهم أو فيهم، بل فعلوا بهم ما فعلوا قولا وفعلا (كما مر غير مرة). فصل: في بيان اثني عشر خليفة إعلم أن أهل الجماعة شرطوا للخلفاء شروطا اخترعوها من عند أنفسهم لحمايتهم لهم، وإن كانت مخالفة لأصول الدين القويم، والصراط المستقيم من عدم شرطي العصمة والأفضلية وغيرهما، وقد غلطوا في ذلك. ومنشأ غلتهم رفع الاعتراض من خلفاء بني أمية وغيرهم. فأنهم كانوا فاسقين شاربي الخمر، هاتكين لحرمات الله تعالى ظالمين خلق الله وعترة رسول الله، وشيعتهم فخبطوا وتحيروا في تأويل حديث: " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة " (رواه مسلم، وأخرج الشيخان، وغيرهما بمعناه). ولهذا الحديث طرق وألفاظ
132 كما في الصواعق المحرقة (1)، وتاريخ الخلفاء (2). وعدوا خلفاء بني أمية مع كونهم ليسوا بأهل للخلافة لفسقهم وظلمهم متساويين مع الاثني عشر المبشرين، وهو مخالف مخالفة صريحة لمفهوم الحديث لأن مقتضى الحديث، أن الخلفاء هم الذين ينصرون الدين ويقيمونه حتى يتقوى بهم الدين، والحال أنهم ضيعوا أحكام الشرع ونقضوا حدوده، وخالفوا الثقلين الذين وصي بتمسكهما، وأكد أشد التوكيد كما عد السيوطي، والقاري، والتفتازاني، والعسقلاني، وغيرهم (كما قال في تاريخ الخلفاء) (3). وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس قد اجتمعوا على أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي المرتضى إلى أن وقع أمر الحكمين في (صفين) فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم أجمع الناس على معاوية عند مصالحة الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد (عليه اللعنة)، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك. ثم اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان، ويزيد، وعمر بن عبد العزيز. فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين. والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام (وهكذا في الصواعق المحرقة) (4). وقال القاري في (شرح الفقه الأكبر): وكان الأمر كما قال النبي (ص) فالاثنا عشر هم الخلفاء الراشدون الأربعة، ومعاوية، وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان، وأولاده الأربعة، يزيد، وسليمان، وهشام، والوليد، وبينهم عمر بن عبد العزيز. واتصال زمان الخلفاء واحد بعد واحد أوضح وأظهر من هذا الحديث، وهو أحق بالقبول كما صرح به علماء أهل السنة (5). ولكن عندهم أيضا يتم تعداد الخلفاء إلى قيام الساعة، وإن كان بالانقطاع، لكن ذكروه بصيغة التمريض أي قيل: وهذا مما لا ريب فيه (أي في ضعفه)، وتنفر قائلوه عن الظلمة، والفجرة، والفساق لكنهم أولوا الحديث بخلاف مقتضاه الصحيح (أعني الاتصال)، وأيضا عدوا منهم من ليس بأهلها ومن أجل ذلك قال النبي (ص): أخاف على أمتي الأئمة المضلين (رواه أبو داود والترمذي، كذا في المشكاة - كتاب الفتن) (6). فالتأويل الصحيح: أن الخلفاء، والأئمة الاثني عشر هم من أهل البيت (عليهم السلام)، وقد اتصل زمانهم وختمت مدة ثلاثين سنة على علي (ع)، والخلافة من بعده في ذريته الطاهرة بوصيته (عليه السلام)، ومذهبهم مذهب واحد، كما قال الملا معين في دراسات اللبيب: وللكل قدوة حسنة في ذلك بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت، وتابعيهم، حيث كانوا لا يرون القياس، وثبت ذلك عن بعضهم برواية الثقة العدل الشيخ قطب الدين عبد الوهاب الشعراني في " اللواقح " حيث روى عن الإمام أبي جعفر الصادق (ع) أنه قال لأبي حنيفة: بلغني أنك تقيس لا تقس فإن أول من
(1) الصواعق المحرقة، ص 11. (2) تاريخ الخلفاء، ص 7. (3) المصدر نفسه، ص 7. (4) الصواعق، ص 11. (5) شرح الفقه الأكبر، ص 84. (6) المشكاة، ج 2، ص 455. 133 قاس إبليس. ومذهب بعضهم الكل كما لا يخفى على من أحاط ببعض خصائص أحوالهم (1). وقال في مقام آخر: ومن يحمل جواز الجمع في الحضر على أدنى حاجة واتخذه مذهبا من غير عذر رأسا، الإمام الحق الصديق الصادق (عليه السلام)، ومذهب واحد منهم مذهب باقيهم كما قال أبوه محمد الباقر (ع)، على ما نقله ابن الهمام في فتح القدير (شرح الهداية) لما سئل في مسألة هل يوافقه فيه علي بن أبي طالب، قال: لا يصدر عن أهل بيته إلا عن رأيه (2). ولا شك أن قيام الدين، وعزة أمره قام بأهل البيت، وهو مراد النبي (ص)، كما يدل عليه قوله (عليه السلام): " لا يزال الدين قائما ". ولم يقل لا تزال الدنيا، أو السلطنة، أو السياسة، أو انتظام المملكة، وما قام مقام هذا، ولعل أهل الجماعة توهموا منه هذا بحيث شرطوا اجتماع الناس عليه، وإن كان ممن لا خلاق له في الدين كما لا يخفى من حال يزيد، والوليد، وغيرهما. وبما قلنا اندفع التعارض الناشئ بين الحديث المذكور، وبين الحديث المشهور على ألسنتهم إن صح: " الخلافة ثلاثون سنة " الحديث، (رواه أحمد، والترمذي وحسنه، ورواه الحاكم، وأبو داود، عن سفينة مرفوعا)، كذا ذكره في المشكاة (3): بأن يراد منه الخلافة النبوية المتصلة بعد النبي لعلي، ثم لذريته الطاهرة بوصية من سلف لمن خلف متصلا إلى القائم المنتظر (عجل الله فرجه ورزقنا شفاعته). واعترف النووي بتعارض الحديثين ناقلا عن القاضي عياض: قد جاء في الحديث الآخر " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا "، وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي، (إنتهى ما في شرح مسلم) (4). فإن انحصرت الخلافة الحقة في ثلاثين سنة يلزم بطلان خلافة ما وراء (الأربعة)، ولم يستقم معنى قيام الدين باثني عشر إلى قيام الساعة. وإن أريدت الخلافة المطلقة فيزيدون على اثني عشر (كما لا يخفى على من له بصيرة)، وهذا من إفادات تاج الأذكياء، رئيس الفضلاء، علامة الدهر، فهامة العصر، مؤيد الشرع القويم، محيي الصراط المستقيم العلامة الشيخ عبد العلي الهروي الطهراني (قدس سره). ويؤيد ما قلنا في توفيق الحديثين حديث حذيفة الذي (رواه الشيخان) قال: كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن (في المرقاة دخن أي كدورة إلى سواد، والمراد أن لا يكون خيرا صفوا بحتا بل يكون مشوبا بكدرة وظلمة) قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منه وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. (الحديث)،
(1) دراسات اللبيب، ص 32. (2) أيضا، ص 349، والإصلاح، ج 4، ص 605. (3) المشكاة، ج 2، ص 455. (4) شرح مسلم، ج 2، ص 119. 134 وفي رواية لمسلم قال: يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيكون منهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين. قال: حذيفة قلت: كيف أصنع يا رسول الله (ص) إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الأمر، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع. (كذا في المشكاة - كتاب الفتن) (1). أقول: قوله " إنا كنا في جاهلية وشر " أراد به زمان قبل البعثة. قوله: " فجاءنا الله بهذا الخير " أراد به زمان النبي (ص). قوله: " فهل بعد هذا الخير من شر " أراد به زمن (الثلاثة)، وما وقع فيه ليس بمخفي. قوله: " وهل بعد ذلك الشر من خير "، أراد به زمان علي (ع). وأراد من قوله " وفيه دخن " معاوية ومن معه. قوله: " فهل بعد هذا الخير من شر "، أراد به زمان يزيد ومن بعده، والله أعلم. وفي الخصائص للسيوطي أخرج ابن سعد، والبزار، والبيهقي عن علي (ع)، قال: أوصى رسول الله (ص) أن لا يغسله أحد غيري (الحديث)، وأخرج أبو داود، والحاكم وصححه، وغيرهما (غسل علي إياه) (2). وهذا مما لا شك فيه أن أمير المؤمنين عليا (صلوات الله وسلامه عليه، وعلى أبنائه الطاهرين) غسل النبي (ص)، وكفنه، ودفنه، ولم يشاركه أحد في هذا الأمر من الخلفاء الثالثة.
(1) المشكاة، ج 2، ص 453، وصحيح مسلم، ج 2، ص 127. (2) الخصائص، ج 2، ص 276. 135 الباب الرابع موازنة أوصاف الخلفاء الثلاثة من الإيمان والعلم والشجاعة بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) فصل: في إيمان أمير المؤمنين علي (ع) بالنبي (ص) وملازمته له إعلم أنه أول من آمن به (ص)، على الأصح قال الله تعالى " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " (الآية سورة التوبة)، في أرجح المطالب: عن ابن عباس قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى (ع)، وسبق صاحب ياسين إلى عيسى (ع)، وسبق علي بن أبي طالب إلى محمد بن عبد الله (ص) - أخرجه الضحاك، والطبراني، وابن مردويه (1) -. وفيه: عن مجاهد عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا "، في رسول الله (ص)، وعلي (ع) خاصة، وهما أول من صلى، وركع. (أخرجه الطبراني في الخصائص، والحافظ أبو نعيم، وابن المغازلي في المناقب، وسبط ابن الجوزي في تذكره خواص الأمة) (2). وفي الصواعق المحرقة (في إسلام علي (ع)، وهجرته وغيرهما): أسلم وهو ابن عشر سنين، وقيل تسع، وقيل ثمان، وقيل دون ذلك. بل قال ابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وجماعة: أنه أول من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه. ونقل أبو يعلى عنه قال بعث رسول الله (ص) يوم الاثنين، وأسلمت يوم الثلاثاء (3). وفي (أرجح المطالب) عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أول الناس من هذه الأمة ورودا علي الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب. (أخرجه ابن عبد البر في الإستيعاب). وعنه، وعن أبي ذر الغفاري قالا: أخذ رسول الله (ص) بيد علي (ع) فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا فاروق هذه الأمة، وهذا يعسوب المؤمنين، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر. (أخرجه الطبري، والديلمي). وعن أبي ذر قال سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي: أنت أول من آمن بي وصدق. (أخرجه الحاكم).
(1) أرجح المطالب، ص 83. (2) أيضا، ص 84. (3) الصواعق المحرقة، ص 71، وتاريخ الخلفاء، ص 113. 137 وعن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي بن أبي طالب. (أخرجه أحمد، والترمذي وصححه). وعن ابن عمر، وأنس، وجابر قالوا: بعث رسول الله (ص) يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء، (أخرجه البغوي، والترمذي، والطبراني). وفي السراج المبين: عن ابن عباس في قوله تعالى " من يطع الله والرسول " قال علي (ع): يا رسول الله هل نقدر أن نزورك في الجنة كما زرناك. قال رسول الله (ص): " إن لكل نبي رفيقا أول من أسلم من أمته "، فنزلت هذه الآية " أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين "، فدعا رسول الله (ص) عليا فقال: إن الله قد أنزل بيان ما سألت فجعلك رفيقي لأنك أول من أسلم، وأنت الصديق الأكبر (1). وعن مجاهد في قوله تعالى: " والذي جاء بالصدق " رسول الله (ص)، وصدق به علي (ع)، (أخرجه ابن عساكر، والحافظ أبو نعيم في الحلية، والفقيه ابن المغازلي في المناقب، وأخرجه ابن مردويه، والسيوطي في الدر عن أبي هريرة). وفي الخصائص للنسائي: كان علي (ع) أول من أسلم من الناس بعد خديجة، وفيه: عن زيد ابن أرقم بثلاثة أسانيد مثله، وفيه عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حبة القرني قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله (ص). قال حسان بن ثابت: أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن وقال الملا عصام على حاشية البيضاوي قوله: " أليس... الخ " قاله في شأن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. وفي (روضة الأحباب) عن خزيمة بن ثابت أنه قرأ: ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا * عن (هاشم) ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالفرقان والسنن (1) ويروى أنه (عليه السلام) قال:
(1) السراج المبين في تاريخ أمير المؤمنين للسيد أولاد حيدر، ص 436. (2) روضة الأحباب، ج 2، ص 5. 138 سبقتكم إلى الإسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي وفي روضة الأحباب: أول من آمن خديجة، وقال أمير المؤمنين (ع): صليت مع النبي (ص) قبل الناس سبعا (1). قال أمير المؤمنين في ديوانه: صدقته وجميع الناس في ظلم * من الضلالة والأشراك والنكد وقال (عليه السلام) في نهج البلاغة: فأني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة. وفيه: (في ذم أهل العراق): ولقد بلغني أنكم تقولون (علي) يكذب، قاتلكم الله فعلى من أكذب؟! على الله فأنا أول من آمن به: أم على نبيه فأنا أول من صدقه (2). وفي التاريخ الكامل: اختلف العلماء في أول من أسلم مع الاتفاق على أن خديجة أول خلق الله إسلاما، فقال قوم: أول ذكر آمن علي (ع) (3). روي عن علي (ع) أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع رسول الله (ص) قبل الناس بسبع سنين. وقال ابن عباس: أول من صلى علي (ع). وقال جابر بن عبد الله: بعث النبي (ص) يوم الاثنين، وصلى علي (ع) يوم الثلاثاء. وقال زيد بن أرقم: أول من أسلم مع النبي (ص) علي (ع). وقال عفيف الكندي: كنت امرء تاجرا (إلى أن قال) وأيم الله ما أعلم على ظهر الأرض أحد على هذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة - أي محمد (ص)، وعلي (ع)، وخديجة (رض) -. وقال محمد بن المنذر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو حاتم المدني، والكلبي: أول من أسلم علي (ع)، وقال الكلبي: كان عمره تسع سنين، وقيل إحدى عشرة سنة. وقال ابن إسحاق: أول من أسلم علي (ع)، وعمره إحدى عشرة سنة، (ثم قال): وكان النبي (ص) إذا أراد الصلاة انطلق هو وعلي (ع) إلى بعض الشعاب بمكة فيصليان ويعودان. أما الحديث الذي مر عن علي (ع) أنه قال: " أنا عبد الله "، فقال الشوكاني في (الفوائد المجموعة): فيه عباد بن عبد الله الأسدي ضعيف الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، (إنتهى ملخصا).
(1) المصدر نفسه، ج 1، ص 83. (2) نهج البلاغة، ص 34، 38. (3) الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 2، ص 25. 139 وفي الخصائص للنسائي بإسناده عن خالد بن قثم قال: أن عليا كان أولنا به (أي برسول الله) لحوقا، وأشدنا به لزوقا. قوله: " قثم " وهو ابن عباس، (كذا في الخصائص في رواية أخرى) (1). وفي التقريب: خالد بن قثم بن العباس أخرج له النسائي في الخصائص علي (ع) كلاما. وفي (اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر) لعبد الوهاب الشعراني: وكان علي بن أبي طالب يقول: إني لأذكر العهد الذي عهد إلي ربي، وأعرف من كان عن يميني، ومن كان عن شمالي. وهكذا في فتح البيان: ولد (علي) قبل البعثة بعشر سنين على الراجح، وكان قد رباه النبي (ص) من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية، فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن مات (2)، وهكذا في (الشرف المؤبد لآل محمد) ليوسف بن إسماعيل النبهاني (3). وفي كنز العمال: روى ابن عساكر عن عبيدة كتب علي (ع) إلى معاوية: سبقتكم إلى الإسلام طرا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي وفي مقدمة مسند الإمام أبي حنيفة لأبي الحسن محمد حسن الموسومة (بتنسيق النظام في مسند الإمام): قال القاري في المرقاة: (علي) أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال، وكذا روى أبو حنيفة عن أبي حية، ورجحه ابن حجر. وقال السيد أولاد حيدر مشطرا: (سبقتكم إلى الإسلام طرا) * مقرا بالنبي في بطن أمي وصليت الصلاة وكنت طفلا * (صغيرا ما بلغت أوان حلمي) ومر من قوله في نهج البلاغة: فإني ولدت على الفطرة، وفي تأييده شهادة ولادة عيسى كاف، قال الله تعالى (حكاية) " آتاني الكتاب وجعلني نبيا ". وفي التفاسير أن (عيسى) حفظ التوراة في بطن أمه، وحفظ الإنجيل لما خرج منه. وقد ثبت أن الأئمة نائبو النبي، وليسوا كسائر الناس. وفي تاريخ الطبري قال: أول من صلى علي (ع)، بعث النبي (ص) يوم الاثنين، وصلى علي (ع) يوم الثلاثاء. عن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي بن أبي طالب قال سمعت عليا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع رسول الله (ص) قبل الناس بسبع سنين. وفيه: عن عفيف قال: قام رسول الله (ص) مستقبل الكعبة فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه قال فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب، وركع الغلام والمرأة فرفع الغلام
(1) الخصائص، ص 63. (2) اليواقيت والجواهر، ج 1، ص 106. (3) الشرف المؤبد، ص 57. 140 والمرأة، فخر الشاب ساجدا فسجدا معه، فقلت: يا عباس أمر عظيم، فقال: أمر عظيم أتدري من هذا؟ فقلت: لا. فقال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. أتدري من هذا معه؟ فقلت: لا. قال: هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي. أتدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت: لا. قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي. وهذا حدثني أن ربك رب السماء أمرهم بهذا الذي تراهم، وأيم الله ما على ظهر الأرض كبها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1). أقول: قد ثبت مما حررنا أن إيمان أمير المؤمنين عليا كان سابقا، وكان قديما، وكان يصلي مع النبي (ص) في صباه، وما ذكرناه هنا إلا تيمنا وتبركا، وموازنة للمخالفين. رد الإشكال حول إيمان الأطفال لا يقال: إن إيمان الأطفال ليس بمعتبر، لأنهم ليسوا بمحل التكاليف الشرعية. لأنا نقول هذا لغير الأنبياء والأوصياء، وأما الأنبياء والأوصياء فلا يقاس بهم سائر الناس كما قال جل شأنه في شأن يحيى " وآتيناه الحكم - أي النبوة - صبيا " أي في ثلاث سنين. وقال في شأن عيسى - ع - (حكاية): " آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا "، وفي شأن يوسف " وأوحينا إليه - أي في حال الصبا - لتنبأنهم بأمرهم هذا "، وغير هؤلاء. وأوصياؤه، وأهل بيته الطاهرون (ع) مثلهم في قبول الإيمان حال الصبا فلا يقاس حالهم بسائر الناس لأن فطرتهم على الإيمان، ونورهم، ونور النبي واحد، كما يدل عليه حديث نور، وتفصيله في " العبقات "، وله مجلد ضخم من شاء فليرجع إليه، وإيمانهم من عهد (الميثاق) كما ذكر من قول علي (ع) في اليواقيت ناقلا عن الشعراني على أنه (ص) قال: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين " الحديث، (رواه أبو داود كما في المشكاة) (2) فإذا كانوا غير مكلفين، فالضرب لهم على الصلاة ظلم " وما ربك بظلام للعبيد ". وفي الخصائص عن علي (ع) مرفوعا: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلا منكم قد امتحن الله قلبه بالإيمان فليضربنكم على الدين. قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. وقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن هو الذي يخصف النعل. وكان أعطى عليا نعله يخصفها (3). (رواه أحمد، والترمذي بمعناه). ولنا أن نستدل على قبول إيمانه بأنه آمن بفطرته، أو بدعوة النبي (ص)، ونتساءل هل دعا النبي (ص) للإيمان صبيا غيره، أم لا؟! فجوابهم جوابنا، ولا حاجة لنا بالبيان.
(1) تاريخ الطبري، ج 2، ص 213، والاستيعاب على الإصابة، ج 3، ص 32. (2) المشكاة، ص 50. (3) الخصائص للنسائي، ص 25. 141 فصل: في بيان إيمان أبي بكر الخليفة الأول في تفسير ابن كثير، قال رسول الله (ص): الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلها آخر؟ فقال رسول الله (ص): الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل. (رواه الحافظ أبو يعلى، وأحمد، والبغوي). وهكذا في تفسير الدر المنثور للحافظ السيوطي، وفي كنز العمال: الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل (رواه أبو يعلى عن أبي بكر) (1). وفيه: " يا أبا بكر، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل "، الحديث. (رواه الحكيم عن ابن جريج). وفيه: عن معقل بن يسار قال: قال لأبي بكر الصديق، وشهد به على رسول الله (ص) أن رسول الله ذكر الشرك فقال: هو أخفى فيكم من دبيب النمل. فقال أبو بكر: يا رسول الله هل الشرك إلا أن يجعل مع الله إلها آخر؟! فقال ثكلتك أمك يا أبا بكر " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل "، الحديث (رواه ابن راهويه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الحكيم الترمذي في نوادره عن معقل بن يسار) (2). وفي إزالة الخفاء عن ابن جريج، وذكر مثل رواية معقل بن يسار (3). وفي " الدين الخالص " عن محمود بن لبيد أن رسول الله (ص) قال: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر "، رواه أحمد، والطبراني، والبيهقي. وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال له (أي لمحمود بن لبيد): صحبة، ورجحه ابن عبد البر والحافظ. (وقد رواه الطبراني بأسانيد جيده عنه)، فإذا كان الشرك مخوفا على أصحاب رسول الله (ص) مع كمال علمهم، وقوة إيمانهم، وغاية عملهم، وصحة نيتهم فكيف لا يخافه من هو دونهم في العلم والإيمان، والعمل، والنية بمراتب؟! وأخرج أبو يعلى، وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي (ص) قال: " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " (4). والحافظ السيوطي أيد هذا الخبر في تاريخ الخلفاء قال قلت: فأبو بكر كان أول إسلاما أم علي (ع)؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي (ص) زمن بحير الراهب حين مر به (5). (وهكذا في الصواعق المحرقة لابن الحجر الهيتمي المكي) (6).
(1) السيوطي، ج 4، ص 54، المتقي الهندي، ج 2، ص 97. (2) كنز العمال، ج 2، ص 98، حياة الحيوان، ج 2، ص 320. (3) إزالة الخفاء، ص 199. (4) الدين الخالص، ج 1، ص 206. (5) تاريخ الخلفاء، ص 23. (6) الصواعق، ص 45. 142 فصل: في إيمان عمر بن الخطاب في " الخصائص الكبرى " للسيوطي: أخرج ابن سعد، وأبو يعلى، والحاكم، والبيهقي عن أنس قال: خرج عمر متقلدا بالسيف فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر قال: " أريد أن أقتل محمدا " (1). وهكذا في تاريخ الخلفاء (2)، وفيه: قد أسلم في السنة السادسة من النبوة (3). وفيه: أخرج البزار، والبيهقي، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية عن عمر قال: كنت من أشد الناس على رسول الله (ص). (الحديث)، أيضا أخرج أحمد عن عمر فقلت: " هذا والله شاعر كما قالت قريش "، الحديث (4). وفيه: أخرج أبو نعيم عن عمر قال: كنت جالسا مع أبي جهل، وشيبة بن ربيعة فقال أبو جهل (وهو خال عمر) يا معشر قريش (إلى أن قال) ألا ومن قتل محمدا فله علي مائة ناقة حمراء، وسوداء، وألف أوقية فضة قال عمر: " فخرجت متقلدا بالسيف " (5). وفي تفسير ابن كثير: روى أحمد بإسناده عن عبد الله بن ثابت قال جاء عمر إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني أمرت بأخ لي يهودي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟! قال: فتغير وجه رسول الله (ص) قال عبد الله بن ثابت قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله (6)؟! وفي المشكاة (باب الاعتصام بالكتاب والسنة) عن جابر عن النبي (ص) حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال: أمتهوكون (متحيرون) أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا أتباعي. (رواه أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان) (7). وفيه: عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله (ص) بنسخة من التوراة فقال: يا رسول الله هذه نسخة من التوراة. فسكت فجعل يقرأ، ووجه رسول الله (ص) يتغير فقال أبو بكر ثكلتك الثواكل ما ترى بوجه رسول الله، فنظر عمر إلى وجه رسول الله فقال: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله، رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (ص) نبيا فقال رسول الله: والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حيا وأدرك نبوتي لأتبعني. (رواه الدارمي) (8). وفي " لباب النقول " للسيوطي: أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده، وابن جرير من طريق
(1) السيوطي، ج 1، ص 131. (2) تاريخ الخلفاء، ص 75. (3) أيضا، ص 74. (4) أيضا، ص 132. (5) أيضا، ص 133. (6) تفسير ابن كثير، ج 2، ص 246. (7) المشكاة، ص 22. (8) المصدر نفسه، ص 24. 143 الشعبي أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب (1). وفي كنز العمال عن الزهري مرفوعا: والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف، وأنا نبيكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم (2). (رواه عبد الرزاق في الجامع، والبيهقي في شعب الإيمان). في إزالة الخفاء عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله (ص) وهو غضبان محمر وجهه حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين آبائي؟ قال: في النار فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان. فقام عمر بن الخطاب فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، أنا يا رسول الله حديث عهد بالجاهلية والشرك والله أعلم من آباؤنا. فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية " لا تسألوا عن أشياء " (3). وفي تفسير ابن كثير: وذكر لنا أن عمر قال لحذيفة: " أنشدك الله أمنهم أنا " (4). وقد مر في بيان الصحابة حديث: " إن في أصحابي منافقين ". قال الغزالي في إحياء العلوم: ولقد كان عمر يبالغ في تفتيش قلبه حتى كان يسأل حذيفة أنه هل يعرف به من آثار النفاق شيئا إذ كان قد خصه رسول الله (ص) بعلم المنافقين (5). وحلف عمر على نفاقه (أي أنه منافق) كما ذكر في رسالة الكنز المكتوم ناقلا عن ميزان الاعتدال للذهبي في ذكر زيد بن وهب (6). وفي كنز العمال من مسند عمر عن الحارث بن سويد أن رجلا أتى عمر فقال: إني أخاف أن أكون منافقا. قال عمر: ما خاف النفاق على نفسه منافق، (رواه ابن خسرو)، وفيه: وقد خاف عمر النفاق على نفسه (7). وفي معارج النبوة سأل عمر حذيفة: أذكرني رسول الله مع المنافقين (8)؟ وأيضا نقل من الرسالة القدسية للشيخ أحمد الغزالي. وفي كنز العمال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمر قد رضيت وتأبى أنت (9). (رواه البزار، وابن جرير، وأبو نعيم، والديلمي). وفي البخاري قال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري (ثم قال عمر): فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. (الحديث) (10).
(1) السيوطي، ص 15. (2) كنز العمال، ج 1، ص 51. (3) إزالة الخفاء، ص 177. (4) ابن كثير، ج 5، ص 51. (5) إحياء علوم الدين، ج 4، ص 88. (6) الكنز المكتوم، ص 17. (7) كنز العمال، ج 1، ص 193. (8) معارج النبوة، ص 392. (9) كنز العمال، ج 1، ص 94. (10) صحيح البخاري، ج 3، ص 10. 144 وفي " الفتح ": زاد الواقدي من حديث أبي سعيد قال عمر: لقد دخلني أمر عظيم، وراجعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مراجعة ما راجعته مثلها قط (حتى قال): فرجع عمر متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر. (وهكذا قال الشيخ في مدارج النبوة) (1). وفي كنز العمال عن علي (ع): " الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه " (2). وفي رواية محمد بن علي: الإيمان والعمل قرينان، (رواهما ابن شاهين). وفي الخصائص للسيوطي قال عمر للنبي (ص): لا تبد علينا سوآتنا (3). قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن العباس قال: سألت الله حولا بعدما مات عمر أن يرينيه في المنام، فرأيته بعد حول، وهو يسلت العرق عن جبينه (4). وأخرج أيضا عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن عمرو بآن العاص رأى عمر في المنام فقال: كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم؟ قال: منذ اثني عشرة سنة. قال: إنما أنفلت الآن من الحساب. وأخرج ابن سعد عن سالم بن عبد الله قال: سمعت رجلا من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في المنام فرأيته بعد عشر سنين، وهو يمسح العرق عن جبينه، فقلت يا أمير المؤمنين ما فعلت؟! قال الآن فرغت، ولولا رحمة ربي لهلكت. في نبذة من أعمال عمر بن الخطاب منها: إحراق بيت فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها، وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، وقد مر ذكره. ومنها: قضية (القرطاس) إنا لله وإنا إليه راجعون، ما وقعت في الدين مثل وقعة (القرطاس) قضية، لأن مدار رفع الضلالة ووقوعها كان عليه كما أخبر به المخبر الصادق (عليه وآله السلام)، ومن البين أنه صدر من إنكاره إتلاف حق الأمة، وقد ظلم، وإلى الله المشتكى. في مشكاة المصابيح عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله (ص) وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (ص): هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي، فقال عمر: قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله. فاختلف أهل البيت، واختصموا، فمنهم من
(1) مدارج النبوة، ج 2، ص 282. (2) كنز العمال، ج 1، ص 9. (3) السيوطي، ج 2، ص 107. (4) تاريخ الخلفاء، ص 10. 145 يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله، ومنهم من يقول: ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله: قوموا عني. قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. وفي رواية سليمان بن أبي مسلم الأحول قال ابن عباس: يوم (الخميس)، وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت: يا بن عباس، وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله وجعه فقال: إئتوني بكتف أكتب كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يردون عليه فقال: دعوني، ذروني، فالذي، أنا فيه خير مما تدعوني إليه فأمر بثلاث فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قالها فنسيتها قال سفيان: هذا من قول سليمان، (متفق عليه) (1). قال النووي في شرح مسلم قوله: " وما يوم الخميس " معناه تفخيم أمره في الشدة والمكروه فيما يعتقده ابن عباس، وهو امتناع الكتاب. ولهذا قال ابن عباس: " إن الرزية... الخ " (2). وذكر البخاري هذا الحديث في كتابه في عدة مواضع في (كتاب الجهاد)، وفي كتاب الخمس (باب إخراج اليهود من جزيرة العرب)، وفي (باب مرض النبي - ص - ووفاته) (3). شرح حديث " القرطاس " شرح الحديث قوله: " حضر " بصيغة المجهول أي حضره الموت. وفيه تجوز فإنه عاش بعد ذلك اليوم، وهو يوم الخميس إلى يوم الاثنين (كذا قال في المرقاة). قوله " فاختلف أهل البيت ": في (اللمعات) أي من كان في البيت إذ لم يرو أهل بيت النبي. فظهر أن عليا، والعباس لم يكونا عند التنازع في البيت عند النبي (ص) كما قال العسقلاني في شرحه: فاختلف أهل البيت (أي من كان في البيت حينئذ من الصحابة ولم يرو أهل بيت النبي). قوله " اللغط ": في (اللمعات) أي أصوات مبهمة لا تفهم. قوله " إن الرزية ": أي المصيبة. قوله " ثم بكى " قال الشيخ الدهلوي في شرح المشكاة: قيل أراد النبي (ص) أن يكتب تعيين واحد من الصحابة للخلافة لئلا يقع بعده نزاع منهم، وكان بكاء ابن عباس لفوات معتقده من هذا الخير. قال الخفاجي (شارح شفا قاضي عياض): فإن قلت فقد تقررت عصمته في أقواله فما معنى الحديث في وصيته قال سفيان: أراد أن يبين أمر (الخلافة) بعده حتى لا يختلفوا فيها. وفي شرح صحيح البخاري قيل، يتأول على وجهين: أحدهما: أنه أراد أن يكتب اسم الخليفة بعده لئلا يختلف الناس، وثانيهما أن لا يتنازعوا،
(1) مشكاة المصابيح، ج 2، ص 540. (2) شرح مسلم، ج 2، ص 22. (3) البخاري، ج 3، ص 126، وج 5، ص 384، وج 6، ص 701. 146 فيؤدي ذلك إلى الضلال. وفي فتح الباري في شرحه قوله " أكتب لكم كتابا " قال: هو تعيين الخليفة بعده. وفي شرح مسلم للنووي: اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي (ص) لكتابته فقيل أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع، وفتن. قوله: " قلت يا بن عباس " قائله سعيد بن جبير الراوي عن ابن عباس. قوله " أهجر " في (اللمعات): أهجر (بألف الاستفهام) أي اختلط كلامه بسبب المرض. وفي تشييد المطاعن قال العيني في شرح البخاري في (كتاب الجهاد) لفظ (هجر) بدون الهمزة. وقال عياض معنى (هجر) أفحش، ويقال هجر الرجل إذا هذى وأهجر. قلت: نسبته مثل هذا إلى النبي (ص) لا تجوز لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه (عليه الصلاة والسلام) مستحيل لأنه معصوم في كل حالة في صحته، ومرضه لقوله تعالى " وما ينطق عن الهوى "، ولقوله " لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا ". وقد تكلموا في هذا الموضع كثيرا، وأكثره لا يجدي نفعا. والذي ينبغي أن يقال: إن الذين قالوا " ما شأنه أهجر " أو " هجر " - بالهمزة وبدونها - هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام، ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق في حقه لأنه ليس مثل سائر الناس من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع، (هكذا قرر العيني، والقرطبي، ونقله في الفتح) (1). ماذا تقولون في يوم (الحساب) غدا * لما زعمتم ربيب الوحي قد (هجرا) (2) قوله " أجيزوا الوفد "، في (المرقاة): أي أعطوا الجائزة، والعطية، وأكرموهم. وفي كنز العمال، (رواه ابن سعد عن عمر): روى الطبراني في (الأوسط) عن عمر قال: لما مرض النبي (ص) قال ادعوا إلى الصحيفة والدواة أكتب كتابا لا تضلوا بعده أبدا. فقال النسوة من وراء الستر: إلا تسمعون ما يقول رسول الله (ص) فقلت: إنكن صواحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه فقال رسول الله: دعوهن فإنهن خير منكم (3). وفي تجريد أحاديث البخاري مع عون الباري (حديث طلب القرطاس) قال عمر: إن النبي (ص) غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع (4). قال الحافظ في الفتح: ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر. وقد مضى في الصيام أنه (ص) خرج يخبرهم بليلة القدر فرأى رجلين
(1) فتح الباري، ج 4، ص 100. (2) ورد هذا البيت في الأصل باللغة الأوردية، وهو للذاكر نور حسين مؤلف كتاب (أسياف الإمامة). (3) كنز العمال، ج 3، ص 138، وج 4، ص 52. (4) تجريد أحاديث البخاري، ج 1، ص 330. 147 يختصمان فرفعت، (ثم قال): منعوا باجتهادهم أن الأمر غير ضروري. وعزمه (ص) إن كان بالوحي فتركه كذلك بالوحي، وإن كان بالاجتهاد فتركه أيضا بالاجتهاد (1). قال المحرر الأثيم (عفا عنه الرب الكريم): قول الحافظ " رفع البركة عند الاختلاف " ليس بغريب لأنه سبحانه وتعالى قال " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة، أو يصيبهم عذاب أليم ". وهذا نسخ قبل الوقوع، وهو واقع جائز، كما في الصلوات الزائدة على الخمسة ليلة المعراج (كما بينه النووي في شرح مسلم) (2). وفي الفتح: وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره، وما تتضمنه من زيادة الإيضاح، وفيه إشعار بأن الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر (3). وفي مسلم عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس (ثم جعل تسيل دموعه، حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ)، قال: قال رسول الله (ص) إئتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: إن رسول الله يهجر. (نعوذ بالله من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم). وفي (سر العالمين) للغزالي: ولما مات رسول الله (ص) قال قبل وفاته: إئتوني بدواة وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي. قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر. وقيل يهدي. وفي الصواعق المحرقة أنه (عليه السلام) في مرض موته إنما حث على مودة أهل البيت، ومحبتهم واتباعهم وفي بعض (الأحاديث): آخر ما تكلم به النبي (ص): " أخلفوني في أهل بيتي ". فتلك وصية بهم، ورواية أنه (ص) قال في مرض موته: " أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا وأني مخلف فيكم كتاب ربي، وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فاسألوهما ما خلقت فيهما. (أخرجه ابن أبي شيبة). وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر: آخر ما تكلم به رسول الله (ص): أخلفوني في أهل بيتي. وأخرج ابن سعد والملا في سيرته أنه (ص) قال: " استوصوا بأهل بيتي خيرا فأني أخاصمكم عنهم غدا " (4). وفي مصباح الظلم عن أحمد بن أبي طاهر: في تاريخ بغداد عن ابن عباس عن عمر: " إن النبي (ص) في حال مرض موته كان يريد تصريح اسم علي (ع) لكني منعته ". نتائج حديث القرطاس أقول: إن حديث القرطاس يتضمن أمورا:
(1) فتح الباري، ج 4، ص 100. (2) شرح مسلم، ج 1، ص 93. (3) فتح الباري، ج 1، ص 106. (4) الصواعق المحرقة، ص 26، 75، 90. 148 منها: قول عمر (هجر) وهو عند الأكثر ثابت كما نقله الشيخ الدهلوي عند نقل مكتوبات المجدد الألف الثاني للشيخ أحمد الفاروقي: إن رجلا سأل الشيخ ما لفظه: ماذا كان قصد عمر عندما قال " الرجل يهجر "؟! فقال: كان الفاروق يعتقد أن كلام حضرة النبي (ص) صدر بلا اختيار ولا قصد بسبب (الوجع). ويؤيد قول عمر: " قد غلبه الوجع "، ومعناه ها هنا، ومعنى الهجر الهذيان كما ترجم شمس العلماء نذير أحمد الدهلوي قوله تعالى " هذا القرآن مهجورا ". وكذا في (الصراح) وغيره: ومن يؤيده أيضا قول عمر " حسبنا كتاب الله "، وما جاء (في بعض الروايات) قالوا: هجر بصيغة الجمع فالمراد منه عمر، وأتباعه من الصحابة، والمغالطة أو المخالطة من الراوي. ومنها: هذا القول (أي حسبنا كتاب الله) ليس بمحله لأنه سبحانه وتعالى قال " وأطيعوا الرسول " فأطلق إطاعة الرسول، ولم يقيده بحال من الصحة ونحوها. وقال " من يطع الرسول فقد أطاع الله " فإن كانت طاعة الرسول، واتباعه مظانا للهذيانات في بعض الأوقات لم يكن إطاعة الله ولم يكن وحي يوحى، ولم تكن أسوة حسنة. ولأنه يرد عليه أن النبي (ص) لم يكن عالما بأن الكتاب الإلهي حسبهم مع أنه نزل عليه والذي آمن به بعد مدة أي السنة السادسة من النبوة، وكان شاغلا بصفقة الأسواق صار عالما وعارفا لشأن الكتاب العزيز ومعانيه وأغراضه. وقد ثبت أنه قال في خلافته: " لولا علي لهلك عمر "، وكم من مسألة قد سأل عليا، وقد أقر بعدم علمه في مسائل الكلالة، والربا، والتيمم، وميراث الجدة، وبعض الآيات مثل " إنك ميت " حتى مات رسول الله (ص)، وغيرها. فالعجب منه أنه كيف قال " حسبنا كتاب الله ". ومنها: زجر عمر نساء النبي (ص) أمهات المؤمنين حيث قلن من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (ص) فزجرهن عمر بقوله إنكن صواحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه، فرد قوله رسول الله (ص) وقال " دعوهن فإنهن خير منكم " كما مر من الطبراني. ومنها: قول عمر: حسبنا كتاب الله وتركه بحضرة النبي (ص) عترة النبي الموصى بهم بقوله " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فعلم أن عمر قد ترك ابتداء عترته (عليه السلام)، ورسخ في قلبه ما فعل بهم، وانتزع مودتهم من قلبه لأن اللسان ترجمان القلب، (وكل إناء بالذي فيه ينضح) وإن قيل: إن المخالفين لكتابة (القرطاس) ترحموا على حالة الشريف حال مرضه وضعفه. قلنا: إنه مردود لأنهم قد تركوه كثيرا في أيدي الكفار، وفروا عنه مرارا، وذهبوا بأنفسهم، والنبي (ص) كان شفيقا عليهم، رفيقا بهم كل زمان، كما قال الله سبحانه " عزيز عليه ما عنتم " وقال عليه السلام: " شيبتني هود "، و " إذا الشمس كورت ". وما ترحموا على عترته المعصومين وهو عين ترحمه (عليه السلام) بل فعلوا بهم ما فعلوا، وآذوهم فآذوه وهو أعلم بحاله من الصحة والمرض ما به، وأعلم بحال أمته، وأشفق عليهم حيث قال " لا تضلوا " أو " لن تضلوا ".
149 ومنها: إن الكتابة كانت واجبة لتعليقه بقوله " لن تضلوا " لا مستحبة كما زعموه، وإلا لم يغضب ولم يقل " قوموا عني ". وأما سكوته (عليه السلام) بعد التنازع فلم يكن من عنده، بل كان بوحي (كما بين في مقامه)، فصار أمر الكتابة منسوخا بالوحي لرفع الفساد حتى لا يتأدى إلى القتال، أو الردة لأن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام فكان انسداد الفساد أنفع، وقد أوصى في آخر ما تكلم " اخلفوني في أهل بيتي "، و " إني مخلف فيكم كتاب ربي وعترتي أهل بيتي " وغير ذلك. ومنها: إفتاء عمر يوم الخميس في مرضه (عليه السلام) بهذيانه، واختلاط عقله. ويوم الاثنين (أي يوم وفاته) أنكر موته، ولم يذكر قوله تعالى " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "، و " كل شئ هالك إلا وجهه " و " كل من عليها فآن "، و " إنك ميت "، وقوله (عليه السلام) يوم غدير خم: " إني أدعى فأجيب "، و " إني تارك فيكم "، و " إني رجل سيوشك أن أدعى فأجيب "، و " أيها الناس يوشك أن أقبض سريعا "، وما شابه ذلك. ومن حذاقة الأطباء الماهرين أنهم قد يفتون بموت المرضى قبل السابع فصاعدا مع أنه قد ثبت أن عمر علم أجل النبي (ص) حين نزلت " إذا جاء نصر الله " كما في الترمذي (1). لا يقال: إن كان الأمر بالكتابة للوجوب فوجب على علي، والعباس أن يعطياه الكتاب غدا أو بعد غد مع أن قوله " هلموا " كان عاما للحاضرين من الصحابة وأهل بيته، فيرد عليهما ما يرد على عمر وأتباعه. لأنا نقول: إن منع عمر، وبعض الصحابة، وتنازعهم ثابت، ولم يثبت وجود علي، ولا العباس، ولا أحد من أهل بيته حين سأل النبي (ص) الكتاب كما قال القسطلاني، وغيره وقد مر على أن الكتابة كانت كائنة في حق علي، وتعيين خلافته (كما علم غير مرة) فإن استقدم علي عليها لم يمكن أن يقبل من قال هجر بل اعترض عليه بالهذيان، ولم يفد الكتابة لعلي بإنكار من كانت عليهم الحجة. نعوذ بالله من الطغيان، والعدوان ولا عدوان إلا على الظالمين. ولا يقال: قد روى مسلم عن عائشة أنه (ص) قال لي في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل أنا، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. (كذا في المشكاة باب مناقب أبي بكر) (2). فهذا الحديث يدل على خلاف ما زعمته الشيعة من تنصيص خلافة علي، وكتابته (عليه السلام) في حقه. لأنا نقول: إن هذا الحديث موضوع لوجوه: منها: أنه ما رواه غير عائشة مع أنها كانت بنت أبي بكر. وقد تقرر عندهم أن شهادة الأبن والبنت لا تقبل للأبوين كما رد أبو بكر شهادة الحسنين لفاطمة الزهراء مع أن هذا الحديث تعارضه الأحاديث المتواترة والمشهورة من حديث الثقلين، وما في معناه. منها: إنكار فاطمة، وسعد بن عباده إلى أن مات عن مبايعة أبي بكر، وكانا من المؤمنين الكاملين.
(1) صحيح الترمذي، ج 2، ص 172. (2) المشكاة، ج 2، ص 547. 150 منها إنكار الأنصار، وبني هاشم، وعلي (ع) عن مبايعة أبي بكر. ومنها: عدم استدلال أبي بكر بهذا الحديث يوم السقيفة. منها: اتفاق أهل الجماعة على أن منصب الخلافة إجماعي لا نصي فإن كان هذا الحديث صحيحا عندهم احتجوا به، ولم يقولوا بالإجماع. يا للعجب أنهم زعموا في مرض النبي (ص) أنه كيف يوحى وهو في حال يخاف أن يغمى عليه فيهذو، ويملي ما لا ينبغي، ونزهوا شأن أبي بكر عن مثل هذا حيث أراد في مرض موته أن يستخلف عمر، وهو مغمى عليه باليقين فأطاعوه فيما أراد، وكتبوا في حال إغمائه وما قالوا " حسبنا كتاب الله "، ولا نسبوه إلى أنه هجر أو يهذو، ولم ينازعوا عنده، كما روي في (كنز العمال) عن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: لما حضرت أبا بكر الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده ثم أغمي على أبي بكر قبل أن يملي أحدا فكتب عثمان عمر ابن الخطاب فأفاق أبو بكر فقال لعثمان كتبت أحدا فقال ظننتك لما بك، وخشيت الفرقة فكتب عمر ابن الخطاب فقال: يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا - الحديث (1). أقول: يا حسرة على الناس من قضية (القرطاس)، وما أدراك ما هذا القرطاس، هو الذي أفسد فيما بين الناس، وأوقعهم في الالتباس، وألقى في صدورهم الوسواس، بحيث لا يخلص منه العوام ولا الخواص، ولا يندفع هو حتى يلاقوا رب الناس. " نعوذ برب الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ". ولم يدر ابن الخطاب، حكمة الخطاب، فما أعجل بالجواب، واكتفى بالكتاب، بل جعل الكتاب جنته الجواب، فوالذي نفسي بيده فقد أخطأ، وما أصاب، أو لم يعلم أن العقل الأول، والنور الأكمل لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. ومنها: عدم استجابة النبي (ص) الواجب امتثاله، ولو في الصلاة. وفي عدم استجابته إيذاؤه وهو محرم أبدا، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء في هذا الحديث (أي حديث يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما آذاها). تحريم إيذاء النبي (ص) بكل حال، وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا (2). في البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله (ص) فلم أجبه، فقلت، يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم " (3). وفي (الخصائص الكبري) للسيوطي أخرج البخاري عن أبي سعيد أن النبي (ص) دعاه وهو يصلي: فصلى ثم أتاه فقال: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال: إني كنت أصلي. فقال: ألم يقل الله " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم " (4).
(1) كنز العمال، ج 3، ص 146، وروضة الأحباب، ج 2، ص 43. (2) شرح صحيح مسلم، ج 4، ص 290. (3) صحيح البخاري، ج 4، ص 122. (4) السيوطي، ج 2، ص 253. 151 وقد بوب السيوطي أنه يجب عليه إجابته إذا دعاه، ولا تبطل صلاته، (وهكذا قال الشيخ الدهلوي في مدارج النبوة) (1). وفي فتح البيان: قوله سبحانه " إذا دعاكم " إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة لأن العلم حياة كما أن الجهل موت، ثم قال وقد ثبت في البخاري... الخ (2). وعن أبي هريرة أن رسول الله (ص) خرج على أبي بن كعب، وروى مثل حديث أبي سعيد، أخرجه الترمذي وحسنة وصححه، ثم قال السيد: فيجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله، وقول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الآراء، وأقوال الرجال. ولا يخفى أن دعاء الرسول دعاء الله لأنه تعالى لا يدعو إلا بواسطة الرسول فدعاؤه، كما أن إطاعته إطاعته، وبيعته بيعته. فثبت أن إنكاره إنكاره، وإيذاءه إيذاءه. وقد ثبت أن النبي (ص) دعا معاوية مرة ثم دعاه ثانيا، وهو يأكل فلم يجب فدعا عليه النبي (عليه السلام): " لا أشبع الله بطنه ". (كذا في مسلم، وغيره). ومنها: رفع الصوت وهو ممنوع عنده (عليه السلام) كما في لباب النقول للسيوطي. أخرج البخاري، وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة فتماريا (أبو بكر وعمر) حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " (3). وهكذا في الدر للسيوطي (4)، وهكذا في مدارج النبوة (5)، وإزالة الخفاء (6) وفيه: عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران يهلكان أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي (ص) فأنزل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا "، ورواه ابن المنذر، وابن مردويه عن عبد الله ابن الزبير (7). وقد ثبت أن ثابت بن قيس خاف وحزن من رفع صوته فقال له رسول الله (ص): أنت من أهل الجنة. وفي (إعلام الموقعين) لابن القيم الحنبلي قوله تعالى " لا ترفعوا أصواتكم " فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته (ص) سببا لحبط أعمالهم فكيف بتقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم، ومعارفهم على ما جاء به، ورفعها عليه، أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم (8)؟! ومنها: محدثاته، وأولياته مثل التراويح بالجماعة، وتحريم المتعتين، متعة النكاح، والحج، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنازة، وغيرها المذكورة في تاريخ الخلفاء (9)، ومن أعجب العجائب، وأغرب الغرائب أن الجلال السيوطي ذكر أوليات أبي بكر، وعمر، وعثمان،
(1) الدهلوي، ج 1، ص 165. (2) فتح البيان، ج 4، ص 19. (3) لباب النقول، ج 2، ص 94. (4) السيوطي، ج 6، ص 83. (5) مدارج النبوة، ج 2، ص 436. (6) إزالة الخفاء، ص 238. (7) السيوطي، ج 6، ص 83، وإزالة الخفاء، ص 178. (8) إعلام الموقعين، ص 18. (9) تاريخ الخلفاء، ص 93. 152 ومعاوية، وبوب لها، وما ذكرها لعلي لعدم محدثاته (عليه السلام). فصل: فيما يتعلق بأيمان الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) في الإمامة والسياسة: اجتمع الناس من أصحاب رسول الله (ص)، وكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله (ص) وسنة صاحبيه، وما كان من هبته خمس إفريقيا لمروان، وفيه حق الله ورسوله، وسهم ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وما كان من تطاوله في البيان، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله، وبني عمه من بني أمية أحداثا وغلمة لا صحبة لهم من الرسول، ولا تجربة لهم بالأمور، وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة - وهو أمير عليها - إذ صلى بهم الصبح (وهو سكران) أربع ركعات ثم قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم زدتكم، وتعطيله إقامة الحد عليه، وتأخيره ذلك عنه (1). وفي تاريخ الخلفاء: أول من حمى الحمى عثمان، وهو أول من أقطع الإقطاعات (أي أكثر من ذلك) (2). وفيه قال الزهري: ولي عثمان الخلافة اثني عشر سنة عمل ست سنين ولم ينقم الناس عليه شيئا، وأنه لأحب إلى قريش من عمر، لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لآن لهم، ووصلهم، ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه، وأهل بيته في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس إفريقيا، وأعطى أقرباءه، وأهل بيته المال فأنكر الناس عليه ذلك (3)، (أخرجه ابن سعد). وأخرج ابن عساكر عن الزهري وذكر قال سعيد: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة، لأن عثمان كان يحب قومه، وكان كثيرا ما يؤتي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صحبة (4). وفيه: ذكر شكوى كثير كم من الصحابة لعامليه، وأرادوا عزلهم فلم يعزل، (وهكذا في الصواعق المحرقة) (5). وفي تاريخ الخلفاء عن المغيرة قال: جمع عمر بن عبد العزيز حين استخلف بني مروان فقال إن رسول الله (ص) كانت له (فدك) ينفق منها، ويعول منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيمهم (إلى أن قال): فكانت كذلك في حياة أبي بكر، ثم عمر، ثم أقطعها مروان ثم صارت لعمر ابن عبد العزيز (6). وفي روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر للعلامة أبي الوليد بن الشحنة الحنفي على (هامش
(1) الإمامة والسياسة، ص 30. (2) تاريخ الخلفاء، ص 16. (3) أيضا، ص 106. (4) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 58. (5) الصواعق، ص 69. (6) تاريخ الخلفاء، ص 157. 153 مروج الذهب): أقطع عثمان بن عفان مروان بن الحكم (فدك) صدقة رسول الله (ص) (1). وفي الإمامة والسياسة: أن عثمان لما أتاها أنه بويع لعلي وكانت خارجة عن المسجد فقيل لها قتل عثمان وبايع الناس عليا، فقالت: ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض قتل والله مظلوما، وأنا طالبة بدمه، فقال لها عبيد إن أول من طعن عليه وأطمع الناس فيه لأنت ولقد كنت قلت اقتلوا نعثلا فقد فجر، فقالت عائشة: قد والله قلت، وقال الناس، وآخر قولي خير من أوله فقال عبيد: عذر والله ضعيف يا أم المؤمنين (2). وفي الخصائص عن العلاء بن عزاء قال: سألت ابن عمر وهو في مسجد رسول الله (ص) عن علي (ع) وعثمان فقال: أما علي فلا تسألني عنه، وانظر إلى قرب منزله من النبي (ص)، ما في المسجد بيت غير بيته. وأما عثمان فإنه أذنب عظيما، تولى يوم التقى الجمعان فعفا الله عنه وغفر، وأذنب ذنبا دون ذلك فقتلتموه (3). في الخصائص الكبرى للسيوطي: أخرج الحاكم، والبيهقي عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول الله (ص) مكة جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم، فخرجت بي أمي إليه وإني مطيب بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمسني، قال البيهقي: هذا السابق علم الله في الوليد فمنع بركة رسول الله (ص) (4). وأخبار الوليد حين استعمله عثمان معروفة من شربه الخمر، وتأخيره الصلاة، وهو من جملة الأسباب التي نقموها على عثمان حتى قتلوه. وفي مروج الذهب للمسعودي: وأشاعوا بالكوفة فعله (أي فعل الوليد بن عقبة)، وظهر فسقه ومداومته شرب الخمر، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي، وأبو جندب بن زهير الأزدي، وغيرهما فوجدوه سكران مضطجعا على سريره لا يعقل فأيقظوه من رقدته، فلم يستيقظ ثم تقيا عليهم ما شرب من الخمر (5). وقد عزر عثمان أبا ذر لرضاء معاوية لكونه آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وقد جاءت في فضائله أحاديث من النبي (صلى الله عليه وآله) وإخباره بذلك، والوليد كان أخا لعثمان من أم، وكان واليا على الكوفة من عثمان بعد سعد بن أبي وقاص وقوله تعالى: " إن جاءكم فاسق بنبأ " نزلت في الوليد بن عقبة (كما في الجلالين، ولباب النقول، والكشاف، وغيرها). وفي كنز العمال عن بريدة مرفوعا: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم، علي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ومقداد بن الأسود (رواه الترمذي) (6). وفي الخصائص: أخرج ابن سعد عن أبي ذر قال: قال النبي (ص): يا أبا ذر كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفئ، قلت إذن أضرب بسيفي، قال أفلا أدلك على ما هو خير من
(1) روضة المناظر، ص 209. (2) الإمامة والسياسة، ج 1، ص 48. (3) النسائي، ص 62. (4) الخصائص الكبرى، ج 2، ص 145. (5) المسعودي، ص 303. (6) كنز العمال، ج 6، ص 162. 154 ذلك، إصبر حتى تلقاني (1). أخرج أبو نعيم، وابن عساكر عن أبي ذر قال: أخبرني رسول الله (ص) أنهم لن يسلطوا على قتلي، ولن يفتنوني عن ديني، وأخبرني إني أسلمت فردا، وأموت فردا، وأبعث يوم القيامة فردا. أخرج أبو نعيم عن أسماء بنت يزيد: أن النبي (ص) وجد أبا ذر نائما في المسجد فقال له: إلا أراك نائما فيه، قال: فأين أنام ما لي بيت غيره، قال: فكيف أنت إذا أخرجوك منه، قال ألحق بالشام، قال: فكيف أنت إذا أخرجوك من الشام، قال: أرجع إليه، قال: فكيف أنت إذا أخرجوك من الثانية، قال إذن آخذ سيفي فأقاتل حتى أموت، فقال ألا أدلك على خير من ذلك تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك. أخرج الحارث بن أبي المثنى المليكي أن رسول الله (ص) كان إذا خرج إلى أصحابه قال: عويمر حكيم أمتي، وجندب (اسم أبي ذر) طريد أمتي، يعيش وحده، ويموت وحده، والله يكفيه وحده. أخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين في حديث طويل مرفوعا: فلما كان ذلك خرج إلى الشام، فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام، فكتب فبعث إليه عثمان فقدم، ثم خرج إلى (الربذة) وقد أقيمت الصلاة وعليها عبد لعثمان حبشي فتأخر فقال أبو ذر: تقدم فصل فقد أمرت أن أسمع وأطيع، ولو لعبد حبشي فأنت عبد حبشي (إنتهى ما في الخصائص). في البخاري عن زيد بن وهب قال: مررت (بالربذة) فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا، قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، قال معاوية نزلت في أهل الكتاب، فقلت نزلت فيها وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان أن اقدم المدينة فقدمتها، فكثر علي الناس كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبا فذاك الذي أنزلتي هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت (2). في (الفتح) قوله: " فكثر علي الناس " - في رواية الطبري - أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، قال فخشى عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام. ولأحمد، وأبي يعلى من طريق أبي حرب بإسناده عن أبي ذر: أن النبي (ص) قال له كيف تصنع إذا أخرجت من المسجد النبوي، (وعند أحمد عن أسماء نحوه). والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه (3). وفي الحجة البالغة: وكان أبو ذر يصلي قبل أن يقدم على النبي (ص) بثلاث سنين (4). وفي تاريخ الخميس: الأول ما نقموا على عثمان لما عزل من أصحابه أبا موسى من البصرة، وولاها عبد الله بن عامر. ومنهم: عمرو بن العاص عزله عن مصر، وولي عبد الله بن أبي سرح وكان
(1) الخصائص، ج 2، ص 130. (2) البخاري، ص 14. (3) فتح الباري، ج 6، ص 14. (4) الحجة البالغة، ص 132. 155 قد ارتد في زمن النبي (ص)، ولحق بالمشركين فهدر النبي (ص) دمه بعد الفتح إلى أن أخذ له عثمان الأمان، ثم أسلم. ومنهم: عمار بن ياسر عزله عن الكوفة. ومنهم: المغيرة بن شعبة عزله من الكوفة أيضا. وفيه: أنه وهب لمروان إفريقية، ومنها: ما قالوا حبس عن عبد الله بن مسعود وأبي ذر عطاءهما، وأخرج أبا ذر إلى (الربذة)، وكان بها إلى أن مات، وأوصى إلى الزبير وأوصاه أن يصلي عليه، ولا يستأذن لعثمان لئلا يصلي عليه، وقد نفى كثيرا من أعلام الصحابة. ومنها: أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك أن أصحاب رسول الله (ص) اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والأنصار فكتبوا أحداث عثمان، وما نقموا عليه في كتاب، وقالوا لعمار أوصل هذا الكتاب إلى عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذي ننكره، وخوفوه فيه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره، قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، فقال عمار لا ترم بالكتاب، وأنظر فيه فإنه كتاب أصحاب رسول الله (ص)، وأنا والله ناصح لك وخائف عليك، فقال كذبت يا بن سمية، وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه، وأغمي عليه. وزعموا أنه قام بنفسه فوطأ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق، وأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة فغضب لذلك بنو مخزوم، وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخا عظيما (يعنون عثمان)، ثم أن عمار ألزم بيته إلى أن كان أمر الفتنة ما كان (1). وقد وقع بين عثمان وعمار حين بني مسجد النبي بحضرة النبي (ص) لما قرأ عمار أشعار علي في نفض عثمان ثيابه وأطرافه وضربه بجريدة، (كما في العقد الفريد) (2). وفي شرح الفقه الأكبر: وإنما لم يقتل علي قتلة عثمان لأنهم كانوا بغاة إذ الباغي له (قوة) وتأويل، وكانوا في قتله متأولين، وكان لهم منعة فإنهم كانوا يستحلون ذلك (أي قتل عثمان) بما نقموا منه. وروى محمد بن عبد الله بن الحكيم، وعبد الملك بن الماجشون عن مالك قال: لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، (كذا في الرياض). وفي الإمامة والسياسة (دفن عثمان): حتى وضعوه في أداني البقيع، فأتاهم جبلة بن عمرو الساعدي (من الأنصار) فقال: لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله (ص)، ولا نترككم تصلون عليه. فقال أبو الجهم: إن لم تصل عليه فقد صلى الله عليه، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق حتى إذا أتوا به (حش كوكب) (3) حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه وأمهم جبير بن مطعم، ثم دلوه في حفرة فدفنوه، ولم يلحدوه بلبن وحثوا عليه التراب، (إنتهى ملخصا) (4). وقال الخواجة حسن نظامي الدهلوي ما عبارته (وفيما قلنا كفاية لمن له دراية) (5).
(1) تاريخ الخميس، ص 266. (2) ابن عبد ربه، ج 2، ص 227. (3) حش كوكب: أحد بساتين التمور. (4) الإمامة والسياسة، ص 42. (5) محرمنا، ص 41. 156 تذنيب: في بيان (فدك) قد أثبتنا أن العمل شريك الإيمان (كما مر من كنز العمال) (1): الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه فينقصان العمل نقصان الإيمان، وقد ثبت أن مودة أقرباء النبي (ص) واجب وبإغضابهم إغضاب النبي (ص)، وبإغضاب النبي (ص) إغضاب الله تعالى، وهو مستلزم لحبط الأعمال والإيمان. وليس بمستتر أن الخلفاء الثلاثة أغضبوا عترة النبي (ص) في (فدك)، فمن أجل ذلك أوردنا ذكرها عقيب ذكر إيمانهم، والآن نبين التفاصيل بعونه سبحانه. إعلم أن إغضاب أبي بكر فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) من غصب (فدك) وهجرانها إياه حتى ماتت، ولم تؤذن له بجنازتها وأن عليا دفنها ليلا (كما في الفتح، والتحفة للدهلوي، وإزالة الخفاء) (2). ومن عدة طرق أنها دفنت ليلا، وكان ذلك بوصية منها من الشهرة التي لا حاجة إلى إثباتها، وكفاك بها سندا الشيخان، وأحمد. روى البخاري في صحيحه (في باب الخمس): فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص)، وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت (3). وفي صحيح مسلم: فوجدت فاطمة (ع) على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي (4). قال ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة): قالت فاطمة لأبي بكر وعمر أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي (ص) لأشكو كما إليه، (وقد ذكر) (5). وفي نهج البلاغة: ومن كلام له (عليه السلام) عند دفن سيدة النساء فاطمة (عليها السلام): السلام عليك يا رسول الله (إلى أن قال) وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها (6). وفي استدلال أبي بكر لمنع فاطمة عن (فدك) إشكالات: الأول: أن حديث " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " خبر واحد معارض للآيات القرآنية، أي يوصيكم الله، " ولكل جعلنا موالي "، " وآت ذا القربى حقه ". الثاني: قال السيد في كتابه الزهراء (ناقلا عن العلامة ابن أبي الحديد): هذا حديث غريب لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده (7)، وفيه: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقو ل " إنا معاشر الأنبياء "، أخرجه البغوي، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات، وابن عساكر في تأريخه (8).
(1) كنز العمال، ج 1، ص 9 - 24. (2) فتح الباري، ج 4، ص 17، وإزالة الخفاء، ج 2، ص 30. (3) البخاري، ج 3، ص 140. (4) صحيح مسلم، ج 2، ص 91. (5) الإمامة والسياسة، ص 15. (6) نهج البلاغة، ص 165. (7) الزهراء، ص 109. (8) المصدر السابق، ص 110. 157 الثالث: أن صاحب الدار أدرى بما فيها فكيف يتصور أن هذا الحديث لم يعلم النبي (ص) عليا (ع). ولا عباسا، ولا فاطمة وعلم أبا بكر وحده، أو أبنته وحدها. وفي الصواعق، وتاريخ الخلفاء: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول: " إنا معاشر الأنبياء " الحديث (1). وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: المحتاج إلى هذه المسألة ما كان إلا عليا وفاطمة والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء في الدين. وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة لأنه ما كان يخطر بباله أنه يرث الرسول (ص) فكيف يليق بالرسول أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها، ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة، (إنتهى) (2). وكذا في التفسير النيشابوري (3). الرابع: إن عليا والعباس إن كانا سمعاه من النبي (ص) فكيف يطلبانه من أبي بكر، وأن كانا سمعاه من أبي بكر أو في زمانه بحيث ثبت عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر، وأجاب عمر رأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا (كما في مسلم) (4)، وقد أقر بهذا الإشكال الحافظ في (الفتح) بقوله فيه إشكال شديد (5). وقال السيد في رسالة (الزهراء) ناقلا عن ابن أبي الحديد أنه نقل عن الإمام الجوهري أنه قال في كتاب (السقيفة) قال عمر: أنتما (علي وعباس) تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم وفاجر، والله يعلم أنه لصادق، ثم قال: وأنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر والله يعلم إني لصادق. الخامس: إنه قد روت هذا الحديث " أي معاشر الأنبياء " عائشة وحدها، فصدقها أبوها مع وحدتها أو بالعكس، ولم يصدق أبو بكر شهادة علي، والحسنين، وأم أيمن. السادس: قد سلم أن شهادة خزيمة بمنزلة شهادتين لحديث عن النبي (ص) فكيف لا يعتبر شهادة علي، والحسنين المعصومين، مع أن شهادة رجل واحد قد يعتبر بضم حلفه، كما في كنز العمال عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله (ص)، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يقضون بشهادة الواحد واليمين. وفي (التلويح شرح التوضيح): أن النبي (ص) قضى بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق. وفي البخاري كتب ابن عباس أن النبي (ص) قضى باليمين على المدعى عليه. وفي مسلم عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قضى بيمين وشاهد. وفي منهاج السنة لابن تيمية: نعم يحكم في مثل ذلك بشهادة ويمين الطالب عند فقهاء الحجاز، وفقهاء أهل الحديث (6).
(1) الصواعق، ص 19، وتاريخ الخلفاء، ص 50. (2) التفسير الكبير، ج 3، ص 230. (3) النيشابوري، ج 4، ص 197. (4) صحيح مسلم، ج 2، ص 90. (5) فتح الباري، ج 3، ص 144. (6) ابن تيمية، ج 2، ص 166. 158 وفي التقريب للعسقلاني: خزيمة بن ثابت، ذو الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا، وقتل مع علي بصفين. وفي (منهاج السنة): وشهادة الزوج لزوجته تقبل، وهي مذهب الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر. ليت شعري لا نعلم أن أبا بكر كان على مذهب أبي حنيفة في عدم قبول شهادة الزوج لزوجته. وقد رووا جميعا أن رسول الله (ص) قال: " أم أيمن امرأة من أهل الجنة "، وأم أيمن هي أم أسامة بن زيد، وهي حاضنة النبي (ص)، وهي من المهاجرات ولها حق حرمة. السابع: أن الأنبياء السابقين قد ورثوا آباءهم (كما قال الثعلبي في عرائس المجالس) (1): ورث سليمان داود (يعني نبوته وحكمته، وعلمه وملكه). وفي البيضاوي والكشاف، وبحر المعاني، والمدارك، والمعالم، وربيع الأبرار للزمخشري تحت قوله تعالى: " إذ عرض عليه ": ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، قال النووي عن الحسن البصري: " يرثني ويرث من آل يعقوب " المراد وراثة المال، ولو أراد وراثة النبوة لم يقل " وإني خفت الموالي من ورائي " الآية، إذ لا يخاف الموالي على النبوة (2). قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح، وابن جرير: خاف زكريا أن يرثوا ماله. وقال ابن جرير في قوله " هب لي من لدنك وليا يرثني " يقول زكريا: فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة. وفي السيرة الحلبية: ترك عبد الله (أبو محمد) خمسة أجمال، وقطعة من غنم فورث ذلك رسول الله من أبيه. وفيه: سيف يقال له مأثور ورثه (عليه السلام) من أبيه (3). وفي زاد المعاد لابن القيم: مأثور وهو أول سيف ملكه (ص) ورثه من أبيه. وفي (الفتح): أن الدار التي أشار إليها (ص) بقوله هل ترك عقيل من رباع، أو دور كانت دار هاشم بن عبد مناف (4)، ثم صارت لعبد المطلب وابنه فقسمها بين ولده حين عمر، ثم صار للنبي (ص) حق أبيه وفيها ولد النبي (ص). الثامن: أنه (عليه السلام) قد ورث أباه (كما مر آنفا). التاسع: أنه قد أقطعها (أي فدك) عثمان لصهره مروان وحاله معلوم مما ذكروا لفاطمة مع استحقاقها، وإعطاء عثمان لمروان قد ذكره ابن حجر في الفتح، وابن الشحنة في روضة المناظر (5). أقول: أنظر أيها المنصف أن (الشيخين) منعا فاطمة، وما أعطياها (فدكا)، وقد ردها عثمان إلى مروان اللعين، فلم يعلموا قدر فاطمة كقدر مروان (نعوذ بالله من ذلك). العاشر: قد ردها عمر بن عبد العزيز في زمانه إلى بني هاشم فلعله لم يرض بتعامل من سبق. الحادي عشر: أن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي (ص) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن
(1) عرائس المجالس، ص 400. (2) النووي، ص 434. (3) السيرة الحلبية، ج 1، ص 56، وج 3، ص 355. (4) فتح الباري، ج 3، ص 360. (5) ابن حجر، ج 3، ص 141. 159 مما أفاء الله على رسوله، فكنت أنا أردهن، فقلت لهن إلا تتقين الله ألم تعلمن أن النبي (ص) يقول لا نورث (الحديث، رواه البخاري في كتاب المغازي، والصواعق) (1) فعلم من هذا الحديث أن الورثة كلهم ما كانوا عالمين بحديث لا نورث لا أزواجه، ولا أهل بيته، ولا عثمان والأحق بالعمل لهذه المسألة هم كانوا فكيف يقال إن النبي (ص) لم يعلم من لهم تعلق خاص بهذه المسألة، وعلم مخفيا لأبي بكر وبنته، ولا يقال أن الصحابة صدقوا حديث أبي بكر، وصدق علي والعباس أيضا لأنا نقول إن التصديق ليس بثابت. وأما السكوت فإنما كان لرعب السلطنة كما يظهر عن وقعة علي، والعباس زمن عمر، والباقون كذلك على أنا لا نسلم تصديق كلهم، بل وضع الحديث لتضييع أهل الحق والمؤولون أولوه تأويلا بعيدا، وتحيروا تحيرا شديدا، ولم يأتوا قولا سديدا كما أقر به الشيخ الدهلوي في شرح المشكاة (2). الثاني عشر: إن صلة رسول الله (ص) كانت أحق وآكد بل أوجب وأفرض على كل أحد فما رعوها حق رعايتها بل ضيعوها حق الضياع، ووصلوا أقاربهم (كما في الفتح) قال الخطابي: إنما أقطع عثمان (فدكا) لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي (ص) يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها فوصل بها بعض قرابته (3). وفي (روضة المناظر على هامش مروج الذهب): أقطع عثمان بن عفان مروان بن الحكم (فدكا) صدقة رسول الله (ص)، ولم تزل في يد مروان وبنيه إلى أن ردها عمر بن عبد العزيز صدقة (4). الثالث عشر: إن أبا بكر وعمر كانا لم يعلما علم الميراث، ويسألان عليا (ع) وغيره. (كما سيأتي في ذكر علمهما)، والعجب أنهما كانا عالمين بميراث بنت رسول الله (ص)، وحرمانها. الرابع عشر: قال (السيد) في رسالة (الزهراء) ناقلا عن الإمام نور الدين علي بن برهان الحلبي الشافعي في كتاب (إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون): قال سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: جاءت فاطمة بنت رسول الله (ص) إلى أبي بكر، وهو على (المنبر) فقالت يا أبا بكر أفي كتاب الله أن ترث أبيك، ولا أرث أبي، فاستعبر أبو بكر باكيا ثم قال بأبي أبوك، وبأبي أنت، ثم نزل فكتب لها (بفدك)، ودخل عليه عمر فقال ما هذا قال كتبته لفاطمة ميراثها من أبيها، فقال فماذا تنفق على المساكين، وقد حاربتك العرب، ثم أخذ عمر الكتاب فشقه (وكذا في السيرة الحلبية) (5). قال السيد في رسالة الزهراء: قال ابن السمان في كتاب (الموافقة في فاطمة وأبي بكر) جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت أعطني (فدكا) فإن رسول الله (ص) وهبها لي، فقال صدقت يا بنت رسول الله (ص) ولكني رأيت رسول الله (ص) يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين، وابن السبيل بعد أن يعطيكم منها قوتكم، (وكذا كتبه الخواجة محمد پارسا في كتابه
(1) البخاري، ج 4، ص 29، والصواعق، ص 22. (2) شرح المشكاة، ج 3، ص 480. (3) الفتح، ج 3، ص 141. (4) روضة المناظر، ص 209. (5) رسالة الزهراء، ص 100، والسيرة الحلبية، ج 3، ص 391. 160 فصل الخطاب) (1). وفي كنز العمال (عن أم هانئ) أن فاطمة قالت يا أبا بكر من يرثك إذا مت، قال ولدي وأهلي، قالت فما شأنك ورثت رسول الله (ص) دوننا، (رواه ابن سعد). وفيه: بمعناه (رواه أحمد، وأبو داود، وابن جرير، والبيهقي) (2). وفيه: عن أبي جعفر (ع) قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما علي فقال أبو بكر: قال رسول الله (ص) " لا نورث ما تركناه صدقة " فقال علي (ع): ورث سليمان داود، وقال زكريا " يرثني ويرث من آل يعقوب "، قال أبو بكر هو هكذا، وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال علي (ع) هذا كتاب الله ينطق، فسكتوا، وانصرفوا (رواه ابن سعد) (3). أقول: قد ثبت من هذا وضع الحديث لأنه إن لم يكن موضوعا لم يعطها أبو بكر، وثبت من هذا رد عمر حكم أبي بكر، وهتكه وقهره على فاطمة (كما في إزالة الخفاء) من قصة عتبة والأقرع في أرض السبغة (4). الخامس عشر: عن جابر بن عبد الله يقول قال لي رسول الله (ص): لو جاء مال البحرين وأعطيك (هكذا) و (هكذا) - ثلاثا - فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله (ص)، فلما جاء مال البحرين وقدم إلى أبي بكر، أمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند النبي (ص) دين أو عدة فليأتني، قال جابر فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي (ص) قال لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا، قال فأعطاني فحثا لي حثية فعددتها فإذا خمسمائة، قال خذ مثيلها (الحديث رواه البخاري)، وهكذا في صحيح مسلم، وهكذا وقع لأبي شيبة المازني (كما ذكره في كنز العمال) (5). أقول: قد ثبت من هذا (الحديث) أن أبا بكر أعطى جابرا مالا كثيرا بمجرد دعواه بغير شهادة وصدقة ولم يصدق دعوى بنت النبي (ص)، ولا شهادة علي (ع) وابنيه (أي الحسنين)، وأم أيمن أهل الجنة. (الله أكبر). قال السيد في كتابه (الزهراء) ناقلا عن الكرماني (وهو ينقل عن الطحاوي): أما تحمل أبي بكر بعدة النبي (ص) لأن الوعد منه يلزم فيه الإيجاز لأنه من مكارم الأخلاق، وإنه " لعلى خلق عظيم "، وأما تصديق أبي بكر جابرا في دعواه، لقوله عليه السلام: " من كذب علي متعمدا " فهو وعيد، ولا يظن بأن مثله يقدم عليه (6). قال الحافظ في (الفتح): وفيه قبول خبر الواحد العدل من الصحابة، ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه، وقال العلامة العيني: إنما لم يلتمس شاهدا منه لأنه عدل بالكتاب والسنة. أما (الكتاب) فقوله تعالى " كنتم خير أمة "، و " كذلك جعلناكم أمة وسطا "، فمثل جابر إن لم
(1) رسالة الزهراء، ص 93. (2) كنز العمال، ج 3، ص 125. (3) المصدر السابق، ص 134. (4) إزالة الخفاء، ج 2، ص 195. (5) صحيح البخاري، ج 1، ص 91. (6) الزهراء، ص 103. 161 يكن من (خير أمة) فمن يكون. وأما السنة فقوله عليه السلام: " من كذب علي متعمدا " الحديث. ولا يظن كذلك لمسلم فضلا عن صحابي، فلو وقعت هذه المسألة اليوم فلا يقبل إلا ببينة. قال الذهبي في ميزان الاعتدال: إن ابن حجر، والعيني أديا فرض البخاري على الأمة (أي بشرحهما كتابه). أقول: يا للعجب أن دعوى جابر وحده صدقة أبو بكر لعدالته، وكونه صحابيا، وحسن الظن عليه بأنه لم يكذب على النبي (ص)، ولم يحتمل هذه الاحتمالات على علي، وفاطمة، والحسنين، وأم أيمن مع أن كلهم من أهل الجنة، ولهم من الفضائل ما ليس لجابر. فظهر أن أبا بكر لم يجعلهم كجابر وغيره. السادس عشر: قد ادعت فاطمة مرة بالميراث، ومرة بالهبة. أما الميراث (فكما مر)، وأما الهبة فكما في (لباب النقول): أخرج الطبراني، وغيره عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله (ص) فاطمة، فأعطاها (فدكا)، وهكذا في الدر للسيوطي وزاد: ورواه أبو يعلى، والبزار، وسكت على إسناده (1). وكذا في (ترجمان القرآن). وأما في شرح المواقف: أنه (ص) نحلها (أي أعطاها فدكا نحلة - أي عطية) وبمعناه في الصواعق، وكنز العمال، ومستدرك الحاكم (2). قال السيد في كتابه (الزهراء)، وفي الاكتفاء لإبراهيم ابن عبد الله اليمني الشافعي قالت فاطمة إن رسول الله (ص) أعطاني فدكا، قال أبو بكر: هل لك على هذا بينة، فجاءت بعلي (ص) فشهد لها، ثم بأن أيمن فقالت: أليس تشهد أني من أهل الجنة، قال بلى، قالت فأشهد أن النبي (ص) أعطاها (فدكا). فقال أبو بكر فبرجل تستحقها، وتستحقين بها القضية (3)؟! قال الفخر الرازي في (تفسيره الكبير): لما مات رسول الله (ص) ادعت فاطمة (عليها السلام) أنه كان نحلها (فدكا) فقال: أنت أعز الناس علي فقرا، وأحبهم إلي عنى، لكني لا أعرف صحة قولك، ولا يجوز أن أحكم بذلك فشهدت لها أم أيمن، ومولى رسول الله (ص). وفي (الطبقات) لابن سعد بإسناده قال سمعت عمر يقول: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله (ص) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة (ع) إلى أبي بكر، ومعها علي (ع) فقالت: " ميراثي "، (هكذا ذكره السيد في رسالة الزهراء) (4). قال العلامة ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة): سألت علي بن علي الفاروقي الشافعي (مدرس المدرسة العربية ببغداد) فقلت له ألا كانت صادقة؟! قال: نعم. فقلت فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك، وهي عنده صادقة، فتبسم (ثم قال كلاما لطيفا): لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا، وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يمكنه الاعتذار والمدافعة بشئ لأنه يكون قد استحل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي، (إنتهى). قال السيد في كتابه الزهراء ناقلا عن (شرح نهج البلاغة) للعلامة ابن أبي الحديد، من كتاب
(1) السيوطي، ج 4، ص 177. (2) شرح المواقف، ص 735، والصواعق المحرقة، ص 31، وكنز العمال، ج 2، ص 158، والمستدرك للحاكم، ص 187. (3) الزهراء، ص 97. (4) أيضا، ص 96. 162 (السقيفة) للإمام الجوهري صاحب (الصحاح) في خطبة الزهراء المسماة بخطبة (لمة) إن فاطمة خطبت في مجمع من المهاجرين والأنصار عند أبي بكر في خطبة طويلة قالت: ثم أنتم تزعمون أن لا إرث لي أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله عز وجل ثناؤه " وورث سليمان داود " مع ما اقتص من خبر يحيى بن زكريا " إذ قال رب هب لي من لدنك وليا "، وقال تبارك وتعالى " يوصيكم الله " فزعمتم أن لاحظ لي، ولا إرث لي من أبي، أفحكم الله بأنه أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي، " أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ". وقالت في آخرها: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون (1). قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى " يوصيكم الله ": روى أن فاطمة لما طلبت الميراث احتجوا بقوله " نحن معاشر الأنبياء "، واحتجت بقوله تعالى حكاية عن زكريا " يرثني ويرث من آل يعقوب "، وبقوله " وورث سليمان داود " والأصل في التوريث المال، ووراثة العلم والدين مجاز وبعموم قوله تعالى " يوصيكم الله ". وفي (الفتاوى) لعبد العزيز الدهلوي: وردت في معارج النبوة هذه الرواية: وقف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم هذه القرية المملوكة (فدك) بحدودها على فاطمة وقفا محرما على غيرها مؤبدا عليها من بعدها على ذريتها " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه أن الله سميع عليم " (2)، وفي الصواعق المحرقة: ودعواها أنه نحلها فدكا لم تأت عليها إلا بعلي، وأم أيمن فلم يكمل نصاب البينة (3). وقال ابن حزم في (المحلى): روي أن علي بن أبي طالب شهد لفاطمة عند أبي بكر الصديق، ومعه أم أيمن، فقال له أبو بكر، لو شهد معك رجل وامرأة أخرى لقضيت لها بذلك. أخرج الحافظ عمر ابن شيبة قال: أنت فاطمة أبا بكر، فقالت إن رسول الله (ص) أعطاني فدكا، فقال هل لك شاهد فشهد لها علي، وأم أيمن. السابع عشر: يلزم أن فاطمة (صلوات الله عليها) ادعت على النبي (ص) كذبا فصدق عليها قوله (عليه السلام): " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " حاشاها الله تعالى. الثامن عشر: يلزم من شهادة علي، والحسنين، إما الزور، وإما الجهل، وكلاهما بعيد عن شأنهم. وفي تأريخ الخلفاء (في قصة درع علي (ع) عند يهودي ورفع الحكم عند شريح وشهادة قنبر والحسن) فقال شريح ألك بينة يا أمير المؤمنين، قال: نعم قنبر والحسن، فقال شريح شهادة الأبن لا تجوز لأب، فقال علي (ع) رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله (ص) يقول
(1) أيضا، ص 148. (2) الدهلوي، ص 143. (3) الصواعق، ص 21. 163 الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1). أقول: قد ظهر ظهورا بينا بحيث لا غبار عليه أن عليا (ع) استدل بقبول شهادة أهل الجنة، ولو كانوا أقرباء مع أنه سبحانه وتعالى لم ينه عن الشهادة للأقارب، كما قال ابن القيم الحنبلي في (أعلام الموقعين عن رب العالمين): وقد ذكر الله سبحانه نصاب الشهادة في القرآن في خمسة مواضع، فذكر نصاب شهادة الزنا أربعة في سورة النساء، وسورة النور. وأما في غير الزنا فذكر شهادة الرجلين والرجل والمرأتين في الأموال فقال في آية الدين " واستشهدوا شهيدين " باستشهاد عدلين من المسلمين، أو آخران من غيرهم، وغير المؤمنين هم الكفار. والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين على وصيته في السفر عند عدم الشاهدين المسلمين وقد حكم النبي (ص) والصحابة بعده ولم يجئ بعدها ما ينسخها فإن (المائدة) من آخر القرآن نزولا، وليس فيها منسوخ، وليس لهذه الآية معارض البتة (2)، وفيه: قد ثبت في الصحيح عن النبي (ص) الحديث في ثبوت الرضاع بشهادة امرأة واحدة وأن كانت أمة (3). وفيه بل الحق أن الشاهد الواحد إذا ظهر صدقه حكم بشهادته وحده، وقد أجاز النبي (ص) شهادة الشاهد الواحد لأبي قتادة بقتل المشرك، ودفع إليه سلبه بشهادته وحده، ولم يحلف أبا قتادة، فجعله بينة تامة (4). وفيه: لم يستثن الله سبحانه، ولا رسوله من ذلك أبا، ولا ولدا، ولا أخا، ولا قرابة، ولا أجمع المسلمون على استثناء أحد من هؤلاء فتلزم الحجة بإجماعهم. وقد ذكر عبد الرزاق عن أبي بكر بن أبي سيرة عن أبي الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب: تجوز شهادة الوالد لولده والأخ لأخيه (5). وبالإسناد عن الزهري: قال لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لامرأته. وفيه: قد دل عليه القرآن " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (6). وقبول شهادة الطفل الصغير على عصمة يوسف لعصمته، وشهادة عيسى بن مريم على عصمة مريم في المهد ثابتتان بالقرآن الكريم، فأي معصوم أفضل من عترة النبي (ص)، وأي سبب بلا توهين العترة الطاهرة راد للشهادة، والله أعلم. أما هجران فاطمة لأبي بكر فكان مشروعا. كما قال الحافظ في (الفتح) تحت قوله (عليه السلام): " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ". قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه،
(1) تأريخ الخلفاء، ص 125. (2) إعلام الموقعين، ص 32. (3) المصدر السابق، ص 34. (4) أيضا، ص 36. (5) أيضا، ص 41. (6) أيضا، ص 42. 164 أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز. (ورب هجر جميل من مخالطة) مؤذية، وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير (1). وفيه: قوله (باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجرة سبب مشروع، فتبين هنا السبب المسوغ للهجر هو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها (2). وقد مر عن البخاري (فلم تزل مهاجرته)، وفي رواية معمر: (فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت). في (الفتح): وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله " غضبت " يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة، وهذا صريح الهجران، وأما ما أخرجه أبو داود من طريق أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله (ص) أم أهله، قال: لا بل أهله قالت: فأين سهم رسول الله (ص)، قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله إذا أطعم نبيا طعمة جعلها للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين قالت: فأنت وما سمعته (3). فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران، ولا يدل على الرضا بذلك. (ثم نقل عن البيهقي قصة إرضاء أبي بكر فاطمة) وقال: هو مرسل. وأما إرضاء أبي بكر فاطمة (ع) ليس بسديد لوجوه، أحدها: الإغضاب متفق عليه، والإرضاء مختلف فيه، وغير مسلم. فالمتفق عليه لا يسقط عن الاحتجاج إلا بمثله. ثانيها: ثبوت هجرانها، وعدم تكلمها به حتى ماتت. ثالثها: وصيتها لعلي ع) بعدم الإيذان لأبي بكر على جنازتها (كما مر)، ولم يصل أبو بكر عليها (كما قال الشيخ في أشعة اللمعات، وكذا في الفتح، وإزالة الخفاء، وغيرها). ورابعها: قولها (عليها السلام): " أشكو إلى النبي " - كما مر من الإمامة والسياسة (4) -. وخامسها: أن رواية السخط مذكورة في (الصحيحين)، ورواية الرضا في (البيهقي)، ومن المسلمات أن رواية الصحيحين أوثق من غيرهما عندهم (كما في جامع الأصول). النوع الأول من المتفق عليه اختيار الإمامين أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسن مسلم وهو الدرجة العليا من الصحيح، فثبت أن رواية (الرضا) ساقطة عن الاعتبار لأن (السخط) متيقن، وهو لا يزول بالشك، كما هو مبرهن في مقامه، وما جاء في بعض الروايات من دعوى الإرث، وفي بعضها من دعوى الهبة، فلا منافاة بينهما، لأنها (عليها السلام) ادعت مرة بالإرث، ومرة بالهبة لإتمام الحجة، ولا يخفى أن غضب فاطمة مقرون بغضب النبي (ص)، وغضبه (عليه السلام) مقرون بغضب الله تعالى. كما جاء في الصحيحين " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ". وفي رواية " يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها " البخاري، وكذا في الخصائص للنسائي، وفي مسلم (5). وروى الترمذي
(1) فتح الباري، ج 5، ص 571. (2) المصدر، ص 572. (3) الفتح، ج 3، ص 140. (4) الإمامة والسياسة، ص 15. (5) البخاري، ج 5، ص 143، والنسائي، ص 78، وصحيح مسلم، ج 2، ص 290. 165 عن زيد بن أرقم (مرفوعا) قوله (ص) لعلي وفاطمة والحسن والحسين: " أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم "، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي (ص) بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا (1). وقد قال الله تعالى " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذابا مهينا "، قال " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات " فإذا ثبت أن من آذى فاطمة فهو ملعون، وظالم، وناقص الإيمان، ثبت أن يتبرأ منه لما قال سبحانه " الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون " فالظالم ليس بمهتد، ولم يستحق بالاقتداء الاهتداء. ولا يقال: إن هذا الحديث الذي تمسك به أبو بكر ثابت في الكافي للكليني (باب صفة العلم) لأنا نقول هذا الحديث رواه أبو البختري، وهو من أكذب البرية عند الإمامية (كما في رجال الكشي): أبو البختري اسمه وهب بن وهب بن كثير بن زمعة بن الأسود صاحب رسول الله (ص) وهو رباه وقال علي أيضا، قال أبو محمد الفضل بن شاذان: كان أبو البختري من أكذب البرية، قال أبو العباس: وذكر رجل لأبي الحسن (الرضا) أبا البختري وحديثه عن جعفر وكان الرجل يكذبه، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): لقد كذب على الله وملائكته ورسله، (إنتهى ملخصا) (2). وفي رجال النجاشي: وهب بن وهب عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، أبو البختري، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان كذابا، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. وأما عند أهل الجماعة وإن كان مقبولا كما قال ابن حجر في التقريب، لكن يثبت عن كتبهم أنه كذاب ووضاع كما قال السيد في (منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول)، قال زكريا الساجي: بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام فقال: هل تحفظ في هذا شيئا قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي (ص) كان يطير الحمام (3). وفي حياة الحيوان: ذكر أن هارون الرشيد كان يعجبه الحمام، واللعب به فأهدي له حمام، وعنده أبو البختري (وهب القاضي)، فروى له بسنده عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو جناح. فزاد: (أو جناح)، وهي لفظة وضعها للرشيد فأعطاه جائزة سنية، فلما خرج قال الرشيد: والله لقد علمت أنه كذب على الرسول الله (ص)، (ثم قال) وكان أبو البختري المذكور قاضي مدينة النبي (ص) ثم ولي قضاء بغداد بعد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، (إنتهى ملخصا) (4). وإن سلم فالجواب: أن معنى الحديث ليس كما زعم، بل معناه أن العلماء ليسوا بورثة الأنبياء في الدراهم والدنانير وغيرهما، بل هم ورثتهم في الأحاديث، وإنما ورثة مالهم هم الوارثون من الأقربين كما لسائر الناس، وإنما قال (عليه السلام) لرفع شبهتهم الواقعة من لفظة ورثة الأنبياء. وأما ما جاء
(1) شرح النووي، ج 2، ص 290. (2) رجال الكشي، ص 199، (طبعة بومباي). (3) منهج الوصول، ص 96. (4) حياة الحيوان، ج 1، ص 236. 166 في بعض رواياتهم أن أبا بكر قال لفاطمة أعمل كما عمل فيها رسول الله (ص) فمردود بعمله، لما روى في سنن أبي داود (المترجم لوحيد الزمان، وفي غير المترجم)، والمسند لأحمد عن جبير بن مطعم: كان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله غير أنه لم يكن يؤتي قربى رسول الله ما كان النبي (ص) يعطيهم، (الحديث) (1). وفي نيل الأوطار بإسناد البخاري مثله (2). وأما ما قالوا أن عليا أسخط فاطمة بخطبة بنت أبي جهل، فمدفوع بأنه كذب، كما في كنز العمال عن ابن عباس قلت: يا أمير المؤمنين (عمر) إن صاحبنا (علي) من قد علمت والله ما تقول أنه ما غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله أيام صحبته، فقال (عمر): ولا بنت أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة؟ قلت: قال الله في معصية آدم " ولم نجد له عزما "، وصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله (ص)، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه، الحديث، (رواه الزبير ابن بكار في الموفقيات) (3). أقول: هذا عندهم، وأما عند الإمامية فلم تثبت خطبته، بل أشاع المنافقون خبر إرادة الخطبة عند فاطمة، فجرت القصة فلما علمت فاطمة (ع) أنه كذب زال سخطها، كما قال الحافظ في (الفتح): وإنما خطب النبي ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به (إلى أن قال): وزعم الشريف المرتضى (من الإمامية) أن هذا الحديث موضوع لأنه من رواية المسور، وكان فيه انحراف عن علي (4). فصل: في بيان علم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إعلم أنه تعالى أمرنا بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم لكونه تعالى عليه، كما قال سبحانه " إن ربي على صراط مستقيم "، ولكون نبيه عليه، كما قال تعالى " إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم "، ولهديه إليه بقوله " إنك لتهدي إلى صراط مستقيم "، " وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ". وهذا لا يحصل بدون العلم. ومن أجل ذلك أمر الله نبيه " قل رب زدني علما "، وأعز الله العلم وأهله قال " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "، " وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "، " وإنما يخشى الله من عباده العلماء " وقد أشهد الله تعالى على وحدانيته أهل العلم، وأشركهم في هذه المرتبة العظيمة والدرجة الكريمة بشهادته، وشهادة ملائكته. فهذا من أعظم درجات العلماء، وأكبر كمالاتهم كما قال عز اسمه " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ". وفي فضائل العلم دفاتر لا تكاد تحصى.
(1) سنن أبي داود (المترجم)، ص 735، و (غير المترجم)، ص 416، ومسند أحمد، ج 4، ص 83. (2) نيل الأوطار، ج 7، ص 281. (3) كنز العمال، ج 7، ص 53. (4) الفتح، ج 14، ص 393. 167 فالحاصل أن الهداية موقوفة على العلم فالأعلم أهدى فهو أحق بالاتباع كما قال عز اسمه " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي " ومن أجل منته تعالى أنه جعل لكل قوم هاد فعلينا أن نتفحص الأعلم من هو بعد النبي (ص) حتى نتبعه، ونهتدي بهديه بحسن توفيق الله تعالى " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ". فلما رأينا وجدنا، وعلمنا علم اليقين أنه هو علي بن أبي طالب. وقد استنبط بعض الأذكياء من المقطعات القرآنية بعد حذف التكرار " صراط علي حق نمسكه " فإنه أجاد وأفاد، وقد قال النبي (ص) " أن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الصراط المستقيم " - رواه أحمد في مسنده -. وروى أبو داود، والحاكم، والطبراني، والخطيب عن حذيفة في (جواب السائل): ألا تستخلف عليا قال: إن استخلفتموه، ولن تفعلوا ذلك يسلك بكم الطريق، وتجدوه هاديا مهديا، (وسيأتي إن شاء الله مستوفيا)، وبعده (أي بعد علي) ذريته (عليهم السلام) - بنص من سبق لمن لحق فلنذكر حال علمه. قال السيوطي في الدرج: أخرج ابن مردويه، وابن جرير، وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار قال: لما نزلت " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " وضع رسول الله (ص) يده على صدره، قال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي (ع) فقال أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي (1)، وهكذا ذكر الفخر الرازي (2)، وهكذا في جامع البيان، وفتح البيان، وابن كثير، وروح المعاني، والنيشابوري، ورواه عن عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، الحاكم وصححه. قال الله عز اسمه " قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال أكثر المفسرين أنه علي (ع) كما في (الدر) أيضا. قال تعالى " وتعيها أذن واعية ": في لباب النقول: أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والواحدي عن بريدة مرفوعا لعلي (ع): إني أمرت أن أذنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق لك أن تعي، قال فنزلت " تعيها أذن واعية " (3). وكذا رواه سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن منذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجار، وأبو نعيم في الحلية (كما في الدر). وفي حجة الله البالغة: كان علي (ع) لا يشاور غالبا (4). وفي كنز العمال مرفوعا قال (ص): " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب " (5)، رواه العقيلي، وابن عدي، والطبراني، والحاكم، وابن جرير عن ابن عباس، وابن عدي، والحاكم عن جابر. وروى أبو نعيم في المعرفة عن علي: " إلى بابها ".
(1) السيوطي، ص 145. (2) التفسير الكبير، ج 5، ص 282. (3) لباب النقول، ص 131. (4) الدهلوي، ص 137. (5) كنز العمال، ج 6، ص 152. 168 وفيه قال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده، وصححه الحاكم، والخطيب. وقال الحافظ ابن حجر في (لسانه): هذا الحديث له طرق كثيرة (إلى أن قال)، وقال في فتوى هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: إنه صحيح (1). وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال أنه كذب. والصواب خلاف قولهما معا، إن الحديث من قسم (الحسن)، وهذا هو المعتمد في ذلك. وقال السيوطي وقد كنت أجيب بهذا الجواب دهرا إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي (ع) في تهذيب الآثار مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحسن إلى مرتبة الصحة والله أعلم، (إنتهى ملخصا). وفي (العبقات) عن توضيح الدلائل للقسطلاني: إعلم أن (الباب) سبب لزوال الحائل، والمانع من الدخول إلى البيت، فمن أراد الدخول وأتى البيوت من غير أبوابها شق وعسر عليه دخول البيت. فهكذا من طلب العلم، ولم يطلب ذلك من علي، وبيانه فإنه لا يدرك المقصود، فإنه رضي الله عنه كان صاحب علم وعقل وبيان، وربما كان عالما ولا يقدر على البيان والإفصاح، وكان علي (ع) مشهور من بين الصحابة بذلك. ثم قال: وكان بإجماع الصحابة مرجوعا إليه في علمه موثوقا بفتواه وحكمه، والصحابة كلهم يراجعونه مهما أشكل عليهم، ولا يسبقونه. ومن هذا المعنى قال عمر: " لولا علي لهلك عمر ". وفي الصواعق المحرقة أخرج البزاز، والطبراني في (الأوسط) عن جابر بن عبد الله، والطبراني، والحاكم، والعقيلي في (الضعفاء)، وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي، والحاكم عن علي (ع) مرفوعا: " أنا مدينة العلم، وعلي بابها " (2). وفي رواية: من أراد العلم فليأت الباب، وفي أخرى عند الترمذي عن علي (ع): " أنا دار الحكمة وعلي بابها "، وفي أخرى عند ابن عدي: " علي باب علمي "، وقال في آخره وصوب بعض محققي المتأخرين المطلعين على الحديث " أنه حديث حسن ". وفي تأريخ الخلفاء أخرج الترمذي، والحاكم عن علي مرفوعا: " أنا مدينة العلم وعلي بابها ". هذا حديث حسن على الصواب (3). أقول: لعل السيوطي رتب جمع الجوامع بعد تأريخ الخلفاء لأنه بعد مزيد تحقيقه لهذا الحديث أفتى بصحة هذا في (الجمع)، وحسنة في (التأريخ) كما مر. أقول: قد روى ابن حجر في الصواعق، والسيوطي في تأريخ الخلفاء حديث: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقالا رواه الترمذي. ونسخة الترمذي التي في أيدينا لم يوجد فيها بهذا اللفظ بل وجد فيها: " أنا دار الحكمة وعلي بابها "، وناهيك بهما أنهما حافظان ثقتان في الحديث، وكفى بهما قدوة وإماما، فعلم أن هذا من خيانة المعاندين وهو يوهم إسقاط أحاديث مناقب أهل البيت (عليهم
(1) أيضا، ص 401. (2) الصواعق، ص 73، وشرح المواقف، ص 743. (3) تأريخ الخلفاء، ص 116. 169 السلام). في (العبقات): قال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير في شرح هذا الحديث: فإن المصطفى المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها، ولا بد لها من باب فأخبر أن (بابها) هو علي (ع) فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى، (وكذا قال في التيسير) (1). وفيه: قال ابن الأثير الجزري في (أسد الغابة) بعد ذكر علم علي (ع): وله في هذا أخبار كثيرة نقتصر على هذا منها ولو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر، وغيره لأطلنا. وذكر النووي في (تهذيب الأسماء): وسؤال - كبار الصحابة، ورجوعهم إلى فتاواه، وأقواله في المواطن الكثيرة، والمسائل المعضلات - مشهور. (كذا قال شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل، وعبد الحق الدهلوي في أسماء الرجال). وقال القاري في شرح الفقه الأكبر: والمعضلات التي سألها كبار الصحابة لعلي (ع)، ورجعوا إلى فتواه - فيها فضائل كثيرة شهيرة تحقق قوله عليه السلام: " أنا مدينة العلم، وعلي بابها "، وقوله عليه السلام " أقضاكم علي " (2). وفي أرجح المطالب: أخرج البزار عن جابر بن عبد الله، والعقيلي، وابن عدي عن ابن عمر، والطبراني عن كليهما، والحاكم عن علي، وابن عمر، والبغوي، وأبو نعيم عن علي قالوا قال رسول الله (ص) " أنا مدينة العلم وعلي بابها "، وزاد البغوي في رواية علي، والطبراني في رواية ابن عباس مرفوعا " فمن أراد العلم فليأت من بابها " وصححه الحاكم، ورواه الجماعة وحسنة الحافظان العلائي، وابن حجر العسقلاني (3). ووافق الطبراني ابن مردويه (كذا في اللآلئ المصنوعة) (4). وكذا روى الخطيب بأسانيد قوله، وحسنة الحافظان. في موضوعات الشوكاني: ورواه ابن حبان عن ابن عباس أيضا مرفوعا وفيه: " فمن أراد الدار فليأتها من قبل بابها ". وفي إسناده: الخطيب جعفر بن محمد البغدادي وهو متهم، (ثم قال): وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي العبدي قد وثقه يحيى بن معين. وأما الصلت الهروي (الذي قيل أنه هو وضعه) قد وثقة ابن معين، والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح. وأخرجه الحاكم في (المستدرك): و " حسين بن فهم ثقة "، وقال: صحيح الإسناد. وقال ابن حجر: هذا من قسم الحسن قال الشوكاني: هذا هو الصواب. وله طرق أخرى ذكرها صاحب اللآلئ وغيره. قال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: سألت يحيى عن هذا الحديث فقال: هو صحيح. وفي اللآلئ رواه ابن مردويه من طريق الحسن بن محمد عن جرير عن محمد بن قيس عن الشعبي عن علي، وأيضا رواه بلفظ " أنا مدينة الفقه ". وفي أرجح المطالب (من الباب الثالث) عن علي (ع) قال: علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم ففتح لي من كل باب ألف ألف باب.
(1) التيسير، ج 2، ص 451. (2) شرح الفقه الأكبر، ص 76. (3) أرجح المطالب، ص 122. (4) اللآلئ المصنوعة، ص 120. 170 عن أبي الحازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال اسأل عنها عليا فهو أعلم، فقال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحب إلي من جواب علي، قال: بئس ما قلت لقد كرهت رجلا (إلى أن قال): وكان عمر إذا أشكل عليه شئ أخذ منه، (رواه أحمد)، وفيه: عن جابر مرفوعا " علي عيبة علمي " أخرجة ابن عدي، والمتقي في (كنز العمال) (1). وفي (تأريخ الخلفاء) أخرج الحاكم وصححه قال علي (ع): بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن فقلت: يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي فيهم ولا أدري ما القضاء، فضرب صدري بيده ثم قال: اللهم أهد قلبه، وثبت لسانه. فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين الاثنين. وكذا في المشكاة (رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة) (2). وفي أرجح المطالب وزاد: والبزار، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم (باختلاف يسير) (3). وعن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: علي أقضانا. وأخرج ابن سعد، (وفي نسخة وابن عساكر) عن ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي (ع) (4). وعن ابن عباس، قال عمر: " أقرؤنا أبي، وأقضانا علي "، (رواه البخاري (5)، والنسائي، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، وزاد في كنز العمال، والدارقطني في الأفراد، وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي في الدلائل). وفي (الفتح): أما قوله " أقضانا علي " فورد في حديث مرفوع أيضا عن أنس رفعه: " أقضى أمتي علي بن أبي طالب "، أخرجه البغوي. وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي (ص). وفي أرجح المطالب عن أنس بن مالك عن النبي (ص) أنه قال: " أقضى أمتي علي بن أبي طالب " (6)، ولنعم من قال وأجاد المقال: إمام المسلمين بلا ارتياب * أمير المؤمنين أبو تراب نبي الله خازن كل علم * علي للخزانة خير باب في (إعلام الموقعين عن رب العالمين) لابن القيم الحنبلي: أن عمر كان يشك في قضية القاتلين لمقتول واحد حتى قال له علي... الخ، (أي علمه بالدلائل) (7).
(1) الرازي، ص 124. (2) المشكاة، ص 312. (3) أرجح المطالب، ص 149. (4) الصواعق المحرقة، ص 26، ومعارج النبوة، ص 390. (5) البخاري، ج 4، ص 112. (6) أرجح المطالب، ص 139. (7) ابن القيم، ص 77. 171 وفي تأريخ الخلفاء (1)، وأرجح المطالب (2) وزاد: أخرجه ابن مردويه، والديلمي، وأخرج الطبراني في (الأوسط) و (الصغير) عن أم سلمة مرفوعا: " علي من القرآن، والقرآن مع علي، ولا يفترقان حتى يردا علي الحوض ". في (الصواعق المحرقة، وتأريخ الخلفاء، وكنز العمال، والإتقان، والشرف المؤبد، وشرح المواقف، وغيرها)، أخرج ابن سعد عن علي (ع) قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا (3). وأخرج هو، وغيره عن أبي الطفيل قال: قال علي (ع): " سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم جبل " (4). في كنز العمال عن علي (ع) أنه خطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال: " معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني "، يقولها ثلاث مرات (5). في الصواعق: أخرج عن سعيد بن المسيب قال: لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي (6). وفي شرح (العوارف) قال علي (ع): سلوني عما دون العرش (7). (أخرجه أحمد والبغوي). وفي كنز العمال وهو (علي) يقول: " سلوني قبل أن تفقدوني " فأني لا أسأل عن شئ دون العرش إلا أخبرت عنه. (رواه ابن النجار) (8). وكذا في الشرف المؤبد (9). وفي نهج البلاغة: فاسألوني قبل أن تفقدوني فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة (إلى أن قال) إلا أنبأتكم (10). وفي الإتقان: فمنهم من رتبها على النزول (وهو مصحف علي)، وفيه قال علي (ع): لما مات رسول الله (ص) آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن. وفيه قال ابن حجر: وقد ورد أن علي جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي (ص)، (أخرجه ابن أبي داود) (11). و (كذا في الفتح، وتأريخ الخلفاء) وزاد: قال محمد بن سيرين لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم. وقال علي: رأيت كتاب الله تزاد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه. وقال ابن أبي جمرة عن علي (ع): أنه قال: لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من تفسير أم القرآن لفعلت (12).
(1) تأريخ الخلفاء، ص 117. (2) أرجح المطالب، ص 129، 236. (3) الصواعق، ص 76، وتأريخ الخلفاء، ص 126، وكنز العمال، ج 6، ص 396، والإتقان، ج 2، ص 187، والشرف المؤبد، ص 113، وشرح المواقف، ص 743. (4) كنز العمال، ج 1، ص 278، والشرف المؤبد، ص 58، وأرجح المطالب، ص 132. (5) كنز العمال، ج 7، ص 266. (6) الصواعق المحرقة، ص 76. (7) شواهد النبوة، ص 159، وتأريخ الخلفاء، ص 116، وأرجح المطالب، ص 125. (8) كنز العمال، ج 6، ص 405. (9) الشرف المؤبد، ص 113. (10) نهج البلاغة، ص 58. (11) الإتقان، ج 1، ص 59، 64. (12) فتح الباري، ج 4، ص 442، وتأريخ الخلفاء، ص 126. 172 في الميزان الكبرى للشعراني قال الإمام علي (ع): لو شئت لأوقرت لكم ثمانين بعيرا من علوم النقطة التي تحت (الباء) (1). في (الشرف المؤبد) عن ابن عباس قال: قال لي علي (ع): يا بن عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحق إلى (الجبانة)، قال فصليت، ولحقته، وكانت ليلة مقمرة فقال لي: ما تفسير (الألف) من الحمد؟ قلت: لا أعلم، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ثم قال: ما تفسير (اللام) من الحمد؟ قلت: لا أعلم فتكلم فيها ساعة تامة، ثم قال: ما تفسير (الحاء) من الحمد؟ قال قلت: لا أعلم، فتكلم فيها ساعة تامة، ثم قال: ما تفسير (الميم) من الحمد؟ قال: قلت: لا أعلم، وكذا في (الدال) قال: قلت لا أدري، فتكلم فيها إلى أن بزغ عمود الفجر قال: وقال لي قم يا بن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك، فقمت وقد وعيت ما قال ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي (ع) كالقرارة في المثعنجر. (قال القرارة: الغدير الصغير، والمثعنجر: البحر) (2). وقال ابن عباس: علم رسول الله (ص) من علم الله، وعلم علي (ع) من علم رسول الله، وعلمي من علم علي (ع)، وما علمي، وعلم أصحاب محمد في علم علي (ع) إلا كقطرة في سبعة أبحر. فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والفهوم، ويقال إن عبد الله بن عباس أكثر البكاء على علي (ع) حتى ذهب بصره. وبمعناه في أرجح المطالب: أخرجه الفقيه ابن المغازلي (3). وفي (الكبريت الأحمر) للشعراني: قال الشيخ في حديث البخاري في " الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ". إعلم أن من لم يكن وارثا لرسول الله (عليه السلام) في مقام تلاوته للقرآن إنما يتلو حروفا ممثلة في خياله، لأنه ما تلا المعاني، وإنما تلا حروفا فلا يصل إلى قلبه شئ، (إنتهى ملخصا) (4). أقول: قد ثبت مما قال الشيخ أن كل من قرأ القرآن لا يستلزم أنه فهمه حق فهمه، وعلى هذا شاهد اختلاف التفاسير. وكما في آية " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتو العلم ماذا قال آنفا " (5). قال الشيخ الدهلوي فيما ثبت بالسنة في أيام السنة: روى جعفر بن محمد قال: كان الماء يجتمع في جفون النبي (ص) وكان علي (ع) يشربه، (وكذا في روضة الصفا، وفي شواهد النبوة: سئل علي (ع) عن سبب فهمه وحفظه قال: لما غسلت النبي اجتمع ماء في جفونه فرفعته بلساني، وازدرته فأرى قوة حفظي منه (6). روى مسلم في صحيحه بإسناده عن إبراهيم عن أبيه قال: خطبنا علي (ع) فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة، أو قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه فقد كذب،
(1) الشعراني، ص 92. (2) الشرف المؤبد، ص 58. (3) أرجح المطالب، ص 132. (4) الكبريت الأحمر، ص 201. (5) سورة محمد: 47 / 16. (6) الدهلوي، ص 53. 173 (الحديث) (1). وروى البخاري قال علي (ع) ما عندنا كتاب نقرأه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة. قال: فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات، وأسنان الإبل وقال وفيها: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (2). وفي (الفتح): وفيها فرائض الصدقة، وجواز لعن أهل الفسق عموما، ولو كانوا مسلمين. وفيه: إلا ما في القرآن، وما في الصحيفة قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير (3). أقول: لقد صدق الله تعالى " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ". قد أنكر المخالفون من الصحيفة العلوية على صاحبها الصلاة والتحية، فورب السماء والأرض أنه ظهر من معتبراتهم وجودها، ووجود ما فيها وهو أيضا من خصائص سيد الأوصياء، إمام الأولياء علي المرتضى، وليس لأحد غيره من الصحابة كما قال (عليه السلام) في ديوانه: وهذا العلم لم يعلمه إلا * نبي أو وصي الأنبياء وفيه: رضينا قسمة الجبار فينا * لنا علم وللجهال مال فإن المال يفنى عن قريب * وإن العلم باق لا يزال في الشرف المؤبد، وفي الإستيعاب (في ترجمة علي - ع -) قال ابن عباس: لقد أعطي علي (ع) تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر (4). ولا يخفى أن كل علم مصدره علي (ع) كما في (أرجح المطالب) عن علي (ع) قال: " لو ثنيت لي الوسادة، وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم " (5). وفيه: عن ابن مسعود أنه قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن عليا عنده من الظاهر والباطن (6). ومن (كشف الظنون) عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: " ما رأينا أحدا أقرأ من علي ". وفيه: عن حميد بن عبد الله بن يزيد المزني قال: ذكر عند النبي (ص) عن قضاء قضى به
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 442. (2) صحيح البخاري، ج 6، ص 310. و (الصرف) هي التوبة. (3) الفتح، ص 415. (4) الشرف المؤبد، ص 59. (5) أرجح المطالب، ص 130. (6) أرجح المطالب، ص 133. 174 علي (ع) فأعجب النبي (عليه السلام) فقال: الحمد الله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. (أخرجه أحمد). وفيه أيضا سئل شريح بن هاني عن عائشة أم المؤمنين عن مسح الخفين فقالت: إئت عليا فاسأله. أخرجه مسلم، وابن عبد البر في الإستيعاب عن عبد الرحمن قال: أتيت عمر بن الخطاب فقلت: من أين أعتمر؟ فقال: أئت عليا فاسأله (1). وفيه عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن. أخرجه أحمد، وكذا رواه الحميدي في كتاب النوادر، والطبقات، ولابن سعد من سعيد بن المسيب رواية، (كذا في الفتح) (2). وعن عمر قال: " لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر ". وقال سعيد بن منصور في سننه بإسناده سمعت عليا يقول: الحمد الله الذي جعل عدونا يسألنا لما نزل به من أمر دينه. إن معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثى المشكل فكتبت إليه أن يورثه من قبل بواله (3). وعن عبد الله بن مسعود قال: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب. (أخرجه أحمد، وابن عبد البر في الإستيعاب). وعن أبي الأسود الدؤلي: " وضع علم النحو علي - ع - " (4). وفيه: علم الجفر، والحساب كان لعلي (ع). وبالجملة ما من علم إلا ولعلي (ع) له بناء، وهو مصدر العلوم كلها ظاهرها وباطنها. ولا يخفاك أن علم علي (ع) وهبي لدني، وليس بكسبي، وليس له حد، (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). فصل: في بيان علم أبي بكر في (إزالة الخفاء) عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر قال: قتلت صيدا، وأنا محرم فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيها فقال الأعرابي: " أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسألك فإذا أنت تسأل غيرك " (6)! وفي إزالة الخفاء، والحجة البالغة، والصواعق المحرقة: أخرج أصحاب السنن الأربعة، ومالك عن قبيصة قال: جاءت (الجدة) إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال: ما لك في كتاب الله، وما علمت لك في سنة نبي الله شيئا، فارجعي حتى أسألن الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة:
(1) المصدر نفسه، ص 139، 142. (2) فتح الباري، ج 6، ص 699. (3) تأريخ الخلفاء، ص 120. (4) أرجح المطالب، ص 154. (5) أيضا، ص 162. (6) إزالة الخفاء، ج 1، ص 177. 175 رسول الله أعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟! فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر (1). وفي الصواعق المحرقة: أخرج الدارقطني عن القاسم بن محمد أن (جدتين) أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما أم أم، وأم أب فأعطى الميراث أم الأم. فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري البدري: أعطيت التي لو أنها ماتت لم ترثها، فقسمه بينهما (2). في الإتقان: أخرج أبو عبيد في الفضائل عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى " وفاكهة وأبا " فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. ومثل هذا وقع لعمر: روى الشيخان عن أبي هريرة قال: إنكم تقولون أكثر أبو هريرة (من الرواية) عن النبي (ص)، وأن أخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وأن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرء مسكينا ألزم رسول الله على ملء بطني (3). وقال بعضهم: ما كان له ذريعة معيشة إلا أن يكون في حضرته (ص). أقول: هذا حال علم أبي بكر من النبي (ص) في الحديث، والقرآن فافهم، وزن، واقسط " إن الله يحب المقسطين ". فصل: في بيان علم عمر بن الخطاب في (إزالة الخفاء)، عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان رجلان محرمين فحاش (ساق) أحدهما ظبيا فقتله الآخر، فأتيا عمر، وعنده عبد الرحمن بن عوف فقال له عمر: وما ترى؟ قال: شاة، قال: وأنا أرى ذلك إذهبا فاهديا شاة، فلما مضيا قال أحدهما لصاحبه: ما أدري أمير المؤمنين ما يقول حتى يسأل صاحبه، فسمعها عمر فردهما، وأقبل على القائل ضربا بالدرة (4). وفيه: قال عمر: لا يتيمم الجنب، وإن لم يجد الماء شهرا (5). قلت: ترك الفقهاء الأربعة قول عمر لأنهم وجدوه مخالفا لما صح عن النبي (ص) (من مسند عمران بن حصين، وأبي ذر، وعمر بن العاص، وغيرهم) أمر للجنب بالتيمم إذا لم يجد الماء. وفي (الحجة البالغة): كان من مذهب عمر أن التيمم لا يجزئ للجنب (6). وفي (إزالة الخفاء): قال عمر أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن (7)، (رواه
(1) إزالة الخفاء، ج 2، ص 31، والحجة البالغة، ص 146، والصواعق المحرقة، ص 20. (2) الصواعق المحرقة، ص 21. (3) الإتقان، ج 1، ص 115. (4) إزالة الخفاء، ج 1، ص 177. (5) أيضا، ج 2، ص 89. (6) الحجة البالغة، ص 132. (7) إزالة الخفاء، ج 2، ص 35. 176 الهندي في فضائل مكة، وأبو الحسن القطان، والحاكم)، وكذا في الدر المنثور وزاد: والبيهقي في شعب الإيمان (1). وفي الصواعق المحرقة: أخرج الدارقطني أن عمر سأل عليا عن شئ فأجابه، فقال له عمر: أعوذ بالله... الخ (2). وفيه: عن سعيد بن المسيب كان عمر بن الخطاب يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، (يعني عليا) (3)، وفي تأريخ الخلفاء، وفي كنز العمال، وفي الإستيعاب عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن (4). وقال (عليه السلام) في (المجنونة) التي أمر برجمها: " أن الله رفع القلم عن المجنون "، فكان عمر يقول: " لولا علي لهلك عمر "، وقد روى مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس، وعن علي (ع) أخذها ابن عباس. وفي (كنز العمال) عن أبي أسامة، ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ " والسابقون الأولون " الآية، فوقف عمر فقال: انصرف، فانصرف الرجل فقال: من أقرأك هذا؟ قال أقرأنيها أبي بن كعب قال: فانطلق إليه. فانطلقنا إليه فقال يا أبا المنذر أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية قال: صدق تلقيتها من (في) رسول الله (ص). قال عمر: أنت تلقيتها من (في) محمد رسول الله؟ قال: نعم في الثالثة وهو غضبان، نعم والله لقد أنزلها الله على جبرئيل، وأنزلها جبرئيل على قلب محمد، ولم يستأمر فيها الخطاب، فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر. (رواه أبو الشيخ في تفسيره، والحاكم وصححه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه (5). وهكذا في الدر المنثور) (6). وفيه: قرأ أبي بن كعب " ولا تقربوا الزنا أنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا من تاب فإن الله كان غفورا رحيما "، فذكر لعمر فأتاه فسأله عنها قال: أخذتها من (في) رسول الله وليس لك عمل إلا الصفق بالبيع (7). (رواه أبو يعلى، وابن مردويه). وفيه: روى عبد الرزاق عن بجالة قال: مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " فقال: يا غلام حكها قال: هذا مصحف أبي فذهب إليه فسأله فقال: أنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق (8). وفيه: عن الحسن أن عمر بن الخطاب رد على أبي بن كعب قراءة آية، فقال أبي: لقد سمعتها من رسول الله (ص)، وأنت يلهيك يا عمر الصفق بالبقيع. فقال عمر: صدقت (9). (رواه ابن راهويه).
(1) الدر المنثور، ج 3، ص 144. (2) الصواعق، ص 107. (3) الصواعق المحرقة، ص 76. (4) تأريخ الخلفاء، ص 116، وكنز العمال، ج 5، ص 241، والاستيعاب، ج 3، ص 39. (5) كنز العمال، ج 1، ص 287. (6) الدر المنثور، ج 3، ص 216. (7) كنز العمال، ج 1، ص 278. (8) المصدر السابق، ج 6، ص 429. (9) أيضا، ج 7، ص 2. 177 روى البخاري: قام أبو سعيد الخدري فقال: قد كنا نؤمر بهذا فقال: خفي علي من أمر النبي (ص)، ألهاني الصفق بالأسواق (1). وفي رواية أبي هريرة كان المهاجرون... (الحديث). وفي (حياة الحيوان): كان عمر دلالا يسعى بين البائع والمشتري (2)، (ذكره في بيان أكساب الأصحاب) عن (كتاب بصائر القدماء، وسرائر الحكماء). وفي إزالة الخفاء: عن عمر بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ " والسابقون الأولون من المهاجرون والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان " فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين فقال له زيد ابن ثابت " والذين "، فقال عمر " الذين " فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم، فقال إئتوني بأبي بن كعب، فأتاه فسأله عن ذلك فقال أبي " والذين " فقال فنعم إذا، فتابع أبيا (3). في المشكاة عن أنس مرفوعا لأبي بن كعب: أن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال: الله سماني لك؟ قال: نعم، قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه (4). وفي رواية: أن الله أمرني أن أقرأ عليك " لم يكن الذين كفروا "، قال: وسماني قال: نعم فبكى. (متفق عليه، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى، وابن عساكر، وابن النجار، والطبراني). وفيه: عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (ص) قال استقرؤا القرآن من أربعة، (وذكر): " وأبي بن كعب "، (متفق عليه). وروى الترمذي عنه بلفظ خذوا القرآن (5)، وحسنة وصححه عن ابن عباس قال عمر: أقرأني أبي (رواه البخاري، والنسائي، وابن الأنباري، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، كذا في الدر، والدارقطني، وأبو نعيم). أقول: قد ثبت باتفاق أهل الجماعة أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب (كما في المشكاة، وإزالة الخفاء، وسنن أبي داود، وغيرها) - فإنه إن لم يكن عالما وماهرا بالقرآن وقدمه عمر فقد ظلم وأساء فعلم أن أبيا كان صحابيا جليل القدر ماهرا بالقرآن أحق وأرجح على عمر في مقابلة. وفي لباب النقول للسيوطي: عمر يأتي اليهود، ويتعجب بالتوراة (6). أقول: وقد ذكر في إيمان عمر أمره يهوديا بكتابه التوراة، وإسماعه التوراة للنبي (عليه السلام)، فتغير وجه النبي (ص)، ولوم أبو بكر عمر على ذلك، (فلا نعيده). وفي (إزالة الخفاء) عن إبراهيم التيمي قال: قال رجل عند عمر: اللهم إجعلني من القليل. فقال عمر: ما هذا الدعاء الذي تدعوه؟ قال: إني سمعت الله يقول: " وقليل من عبادي الشكور " فأنا أدعو الله أن يجعلني من ذلك القليل، فقال عمر: " كل الناس أعلم من عمر " (7). وفي رواية: كل أحد أفقه من عمر. وفيه: روى ابن ماجة أن عمر قال: إن النبي (ص) توفي، ولم يبين الربا (8).
(1) صحيح البخاري، ج 6، ص 690. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 177. (3) إزالة الخفاء، ص 193. (4) المشكاة، ص 182. (5) المصدر السابق، ص 576، والترمذي، ج 2، ص 222. (6) السيوطي، ج 1، ص 15. (7) إزالة الخفاء، ج 1، ص 224. (8) أيضا، ج 2، ص 108. 178 وفي البخاري، وغيره عن ابن عمر خطب عمر بن الخطاب على منبر رسول الله (ص) فقال: أما بعد، فقد وددت أن رسول الله لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا (1). وفي كنز العمال: عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله (ص): كيف يورث (الكلالة)، قال: أوليس قد بين الله ذلك، ثم قرأ " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة " إلى آخر (الآية)، فكان عمر لم يفهم. فأنزل الله " ويستفتونك في الكلالة ". فكان عمر لم يفهم، فقال لحفصة إذا رأيت من رسول الله طيب نفس فاسأليه عنها فقال: أبوك ذكر لك هذا ما أرى أباك يعلمها أبدا، فكان يقول: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله (ص) ما قال، (رواه ابن راهويه، وابن مردويه وهو صحيح) (2). أقول: ويؤيده قوله تعالى " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا " فلما كان هذا حال عمر الذي كان أمير المؤمنين، وخليفة سيد المرسلين، فكيف كان حال الذين بعده؟ عن عمر قال: لأن أكون أعلم الكلالة أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام، (رواه ابن جرير). وروى مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي (ص) عن شئ أكثر مما سألته من (الكلالة) حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء (3). أقول: يا للعجب لما كان هذا حال علم عمر من القرآن، وفهمه فعلى أية قوة علمية قال عند طلب النبي (ص) (القرطاس): حسبنا كتاب الله، وجلس مجلس رسول الله (ص)، والله أعلم. في فتح البيان، والدر والمنثور: أخرج سعيد بن منصور، وأبو يعلى قال السيوطي بسند جيد أن عمر نهى الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن (أي مهورهن) على أربعمائة درهم، واعترضت عليه امرأة من قريش، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله يقول " وآتيتم إحداهن قنطارا " فقال اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. قال ابن كثير: " إسناده جيد قوي " (4). وفي ترجمان القرآن روى أبو يعلى عن مسروق وقال: إسناده جيد، وفي رواية عن عبد الرحمن السلمي بلفظ آخره: غلبته امرأة في المناظرة (5). وفي العبقات من توضيح الدلائل قول عمر " لولا علي لهلك عمر " حين أفتى برجم الحامل، ونهاه علي (ع) (6). وفي كنز العمال عن ابن عباس (في قصة طويلة) وردت على عمر واردة، فعجز كل الصحابة
(1) أيضا، ص 138. (2) كنز العمال، ج 2، ص 20. (3) الإتقان، ج 1، ص 62. (4) فتح البيان، ج 2، ص 200، والدر المنثور، ج 2، ص 133، وروضة الأحباب، ج 2، ص 50. (5) ترجمان القرآن، ج 1، ص 608. (6) عبقات الأنوار، ص 268 - 285. 179 عن حلها فسألوا عليا، فأحسن الجواب. وهكذا في حادثة أخرى فقال عمر: أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا في بلد لست فيه. وفي قضية أخرى قال عمر: يا بن أبي طالب فما زلت كاشف كل شبهة، وموضع كل حكم، (ورجاله ثقات) (1). في (الدين الخالص): خفيت على عمر أكثر المسائل، وأنكر عمر من وفاة النبي (ص) حتى قلد السيف بقتل القائل بموته عليه السلام. وصعد أبو بكر المنبر، وفهمه، وتلا " إنك ميت وإنهم ميتون " و " ما محمد إلا رسول "، فقال عمر: كأنها أنزلت اليوم، (كذا في مدارج النبوة، وإزالة الخفاء، وغيرهما). أقول: وإنما أطلنا الكلام في علم الخليفة الثاني ما لم نطل في علم الأول، والثالث لأن أهل (الجماعة) يتمذهبون بالمذاهب الأربعة، وهم كالشراح لمتن مذهب عمر. فصل: في بيان علم الخليفة الثالث عثمان بن عفان إعلم أن من أنموذجات علمه جمعه القرآن برأيه على ترتيب غير ما أنزل، وحرقه المصاحف الباقية، وإثباته الآيات بشهادة رجلين أو تحليف من عنده، (كما في اللمعات، وغيره). في الإتقان قال: قبض النبي (ص) ولم يكن القرآن جمع في شئ. قال الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين، عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله (ص) نؤلف القرآن من الرقاع (الحديث)، وهو من جلد، أو ورق، أو كاغذ. روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت في حديث طويل: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب (جريد النخل)، واللخاف (الحجارة الدقاق)، وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره " لقد جاءكم رسول " الآية (2). وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى من عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله (ص) شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف، والألواح، والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان، (إلى آخره). وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: إقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه. وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل. وإن آخر سورة (براءة) لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت قال اكتبوها فإن رسول الله (عليه السلام) جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب، وأن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها لأنه كان وحده. قال ابن حجر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم.
(1) روضة الأحباب، ج 2، ص 58، وكنز العمال، ج 3، ص 179. (2) الإتقان، ج 1، ص 59. 180 وقد مر أن عليا (ع) جمع القرآن وحده، ولم يحتج إلى شهادة رجلين ولا بتحليف أحد لعلمه علم اليقين فثبت أنه كان أعلم بالقرآن لأخذه العلم من النبي (ص)، وكونه باب العلوم. أخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال لما توفي رسول الله (ص) أبطأ علي (ع) عن بيعة أبي بكر (إلى أن قال) آليت (من الإيلاء أي حلفت) أن لا أرتدي ردائي إلا الصلاة حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله فقال محمد: لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم، وأما الذين جمعوا القرآن (غير علي - ع -) فأنهم جمع الناس (1). وأشهدوا عليهم وحلفوهم، وإذا سمعوا أن (فلأنا) يعلم (آية) أرسلوا إليه، ولو كان على ثلاثة أميال فصاعدا. كما في الإتقان: أمر عثمان أن اجتمعوا، فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا، وتدارؤا في أي آية قالوا هذه أقرأها رسول الله (فلانا) فيرسل إليه، وهو على رأس ثلاث من المدينة فيقال له: كيف أقرأك رسول الله آية (كذا) و (كذا) فيقول (كذا) و (كذا)، فيكتبونها. وقد تركوا لذلك مكانا (2). وقد مر ذكر إحراق عثمان المصاحف من البخاري، والنووي، وغيرهما فلا نعيده. وقد جوز فقهاء أهل الجماعة حرق القرآن إلى الآن. وفي (ترجمان القرآن) عن حسن بن سعيد عن أبيه أن صفية زنت، وادعى رجل من قريش أن الولد له، فجاؤوا عثمان ليحكم بينهم فأمر بردهم إلى علي (ع) فحكم علي (ع) وقال: أنا أحكم كما حكم به النبي (ص): " الولد للفراش وللعاهر الحجر " (3). الحمد الله على إتمام بيان إيمان الخلفاء، وعلومهم من كتب أهل الجماعة، وهو وإن كان مما لا ينضبط، ولا ينحصر بالكلية لكن القليل مما ذكرناه نموذج للكثير مما لم نذكره، و (الغرفة تنبئ عن البحر الكثير) فأقسطوا إن الله يحب المقسطين. والآن نشرع في شجاعتهم بعون الله تعالى، وحسن توفيقه لأن الجهاد لما كان من أعظم الامتحانات الإيمانية وأوكدها فريضة، وأشدها ضرورة لما قال الله عز اسمه " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم "، " وأم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم "، " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين "، " ولنبلو أخباركم "، " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ". قد ثبت من هذه الآية أن من ذهب وفر من المعركة بغير إذن النبي (ص) لم يكمل إيمانه، بل زال إيمانه ولزم علينا أن نبين بيان الجهاد (أي جهاد الخلفاء الثلاثة)، وجهاد أمير المؤمنين سيد الأشجعين إمامنا، علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(1) تأريخ الخلفاء، ص 126. (2) الإتقان، ج 1، ص 61. (3) ترجمان القرآن، ج 1، ص 63. 181 فصل: في بيان شجاعة أمير المؤمنين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد روي في شأنه العظيم " لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار "، وأنه كرار غير فرار، وقد قال (عليه السلام) في ديوانه (1) وهو ليس بكذاب ولا بمختال فخور، بل هو الصديق الأكبر: صيد الملوك أرانب وثعالب * وإذا ركبت فصيدي الأبطال! في حياة الحيوان، وفي الصراح: " أنا الذي سمتني أمي حيدره " (2). في تأريخ الخلفاء: وشهد (علي - ع -) مع رسول الله (ص) بدرا، وأحدا، وسائر المشاهد إلا (تبوك) فإن النبي (ص) استخلفه على المدينة. وله في جميع المشاهد آثار مشهورة، وأعطاه النبي (ص) اللواء في مواطن كثيرة، وأحواله في الشجاعة، وآثاره في الحروب مشهورة (3). وبمعناه في الصواعق، وفي نهج البلاغة: ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق، ولا شرف باسق، ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء، وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية، مختلف العلانية والسريرة، وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا، واخرج إلي، واعف الفريقين من القتال ليعلم أينا المرين على قلبه، والمغطي على بصره، فأنا أبو حسن قاتل جدك، وخالك، وأخيك يوم (بدر)، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا، ولا استحدثت نبيا، وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين (4). في الخصائص للسيوطي: أخرج ابن سعد، والبيهقي عن علي (ع) قال لما كان يوم (بدر) قاتلت شيئا من القتال ثم جئت سراعا إلى النبي (ص) لأنظر ما فعل فإذا هو ساجد يقول يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم. لا يزيد عليها ثم رجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ثم رجعت للقتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ففتح الله عليه (5). في إزالة الخفاء عن علي (ع): لما هزم الله أعداءه حملني رسول الله على فرسه (6). في كنز العمال (مسند علي) عن سعد قال: رأيت عليا بارزا يوم (بدر) فجعل يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول الشعر، قال: فما رجع حتى خضب سيفه دما، (رواه أبو نعيم في المعرفة) (7).
(1) الديوان (المنسوب)، ص 95. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 248، والصراح، ص 170. (3) تأريخ الخلفاء، ص 113. (4) نهج البلاغة، ص 191، والصواعق، ص 72. (5) السيوطي، ج 1، ص 200. (6) إزالة الخفاء، ج 2، ص 13. (7) كنز العمال، ج 5، ص 270. 182 في غزوة أحد في تأريخ الخميس: قال أبو بكر لما صرف الناس يوم (أحد) عن رسول الله (ص) فكنت أول من جاء (1). في إزالة الخفاء عن كليب قال: خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران، ثم قال: تفرقنا عن رسول الله (ص) يوم (أحد) فصعدت الجبل، (الحديث) (2). وفي التأريخ الكامل، وكنز العمال، برواية ابن عساكر، وروضة الأحباب، ومعارج النبوة، ومدارج النبوة ناقلا عن (كشف الغمة) قال رسول الله (ص) في حق علي (ع): " أنه مني وأنا منه "، فقال جبرئيل، وأنا منكما. قال: فسمعوا صوتا " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي "، وكسرت رباعية رسول الله (ص) السفلى، وشقت شفته (3). في تأريخ الخلفاء: أصابت عليا يوم (أحد) ست عشرة ضربة (4). وذكر المفسرون والمحدثون كسر رباعية النبي (ص) يوم أحد. وفي تأريخ الطبري: فانحاز أبو بكر إلى أجمة فاستتر بها، ثم هزم الله المشركين (5). قوله: " فانحاز " - كما في الصحاح للجوهري -: انحازوا عن العدو أي انهزموا، وولوا مدبرين. غزوة الخندق (ويقال لها الأحزاب) في كنز العمال (كتاب الغزوات) عن زيد بن أسلم قال: قال رجل لحذيفة (ابن اليمان): أشكو إلى الله صحبتكم رسول الله (ص) فإنكم أدركتموه، ولم ندركه، ورأيتموه، ولم نره. قال حذيفة: نحن نشكو إلى الله إيمانكم به، ولم تروه، والله ما أدري لو أنك أدركته كيف كنت تكون؟! لقد رأيتنا مع رسول الله ليلة (الخندق) ليلة باردة مطيرة إذ قال رسول الله (ص): هل من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة، فما قام منا أحد (6). ثم قال: هل من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم أدخله الله في الجنة يوم القيامة؟! فوالله ما قام منا أحد. ثم قال هل من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيقي في الجنة (7)؟! فما قام من أحد فقال: أبو بكر يا رسول الله (ص) ابعث حذيفة، (رواه ابن داود، وابن عساكر، وهكذا في المواهب اللدنية مع شرحه للزرقاني) (8).
(1) تأريخ الخميس، ص 631. (2) إزالة الخفاء، ج 1، ص 168. (3) الكامل في التأريخ، ج 2، ص 58، وكنز العمال، ج 3، ص 17، 155، وروضة الأحباب، ج 1، ص 177، ومعارج النبوة، ص 107، ومدارج النبوة، ج 2، ص 168. (4) تأريخ الخلفاء، ص 114. (5) تأريخ الطبري، ص 187. (6) كنز العمال، ج 5، ص 279، وروضة الأحباب، ج 1، ص 221. (7) تأريخ الطبري، ج 3، ص 52، وصحيح مسلم، ج 5، ص 116. (8) المواهب اللدنية، ج 2، ص 118 (طبعة مصر). 183 وفي الدر المنثور: عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال رسول الله (ص) ليلة الخندق: ألا رجل يذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم جعله الله معي يوم القيامة. قال: فما قام منا إنسان، قال ثم عاد فسكتوا، ثم قال: يا أبا بكر، فقال: أستغفر الله رسوله ثم قال: إن شئت ذهبت يا عمر فقال: أستغفر الله رسوله ثم قال: يا حذيفة، فقلت لبيك فقمت حتى أتيت وأن جنبي ليضربان من البر فمسح رأسي ووجهي، ثم قال إئت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبر (1). في مدارج النبوة، وروضة الأحباب: " لمبارزة علي يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة " (2). وفي شرح المقاصد للتفتازاني: " ومبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة ". وقال: " لضربة علي خير من عبادة الثقلين " (3). وفي الخصائص للسيوطي: أخرج ابن سعد من طريق الواقدي عن شيوخه أن عمرو بن عبد ود جعل يدعو يوم الخندق: هل من مبارز فقال علي بن أبي طالب (ع) أنا أبارزه، فأعطاه رسول الله (ص) سيفه وعممه وقال: اللهم أعنه عليه ثم برز له، ودنا أحدهما من صاحبه، وثارت بينهما غبرة، ضربه علي (ع) فقتله، وولى أصحابه هاربين (4). أقول: وبه أستمد وأستعين: حصحص الحق أن (الشيخين) لم يذهبا في هذه المبارزة إلى استخبار القوم مع أنه (عليه السلام) حضهم، ووعدهم برفقة إبراهيم ودخول الجنة، ومصاحبة ذاته الشريفة، بل قالا في الجواب: أستغفر الله رسوله وهو في هذا المقام يفيد معنى الاستعفاء عن التعميل، وأن عليا (ع) قد بارز حق المبارزة، وأعطاه النبي (ص) سيفه وعممه، ودعا له، وجعل ضربته أفضل من أعمال أمته إلى يوم القيامة، (فيا أيها المنصفون، أعدلوا هو أقرب للتقوى). تذنيب عليه توكلت، وإليه أنيب ولي في هذا المقام كلام وهو أن عليا أفضل من سائر الأنبياء والرسل، والملائكة المقربين وسائر خلق الله تعالى دون محمد (صلى الله عليه وآله) لوجوه: منها: أن عليا نفس محمد (كما في آية المباهلة)، وأن محمدا أفضل من الكل فصار علي (ع) أفضل من الكل. ومنها: أن الأنبياء، وأممهم كلهم من أمته من زمن آدم إلى يوم القيامة لما قال الله " لتؤمنن به ولتنصرنه "، ولقوله (عليه السلام): " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، وفي رواية: " بين الماء والطين "، ولقوله عليه السلام: " بعثت إلى الناس كافة. ولما رأى آدم اسمه الشريف مكتوبا على العرش (محمد رسول الله) - كما أخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أنس مرفوعا: - لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا " لا إله إلا الله "، محمد رسول الله أيدته بعلي " رواه السيوطي في الخصائص
(1) الدر المنثور، ج 5، ص 185. (2) مدارج النبوة، ج 2، ص 233، وروضة الأحباب، ج 1، ص 219. (3) التفتازاني، ص 300. (4) السيوطي، ج 1 ص 231. 184 الكبرى (1). وفيه: أخرج ابن عساكر عن جابر مرفوعا: رأيت مكتوبا على باب الجنة " لا إله إلا الله محمد رسول الله ". وأخرج ابن عساكر من طريق أبي الزبير عن جابر قال: بين كتفي آدم مكتوب محمد رسول الله خاتم النبيين. ولقوله (عليه السلام): آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة، ولقوله (عليه السلام): لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي، (رواه أحمد، والبيهقي، وبمعناه الدارمي). ولقوله (عليه السلام): " أنا سيد ولد آدم، وأنا أكرم ولد آدم "، وفي رواية: " أنا سيد الناس يوم القيامة ". ولما اشتهر أنه (عليه السلام) قال: قال الله تعالى " لولاك لما خلقت الأفلاك ". ومنها: أنه (عليه السلام) قال يوم (الخندق): " لضربة علي خير من عبادة الثقلين ". والظاهر أن الثقلين يطلق على الجن والأنس، سواء كان نبيا أو غيره. ولقوله (عليه السلام): " لمبارزة علي يوم (الخندق) أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ". فإن من كان من أمته عليه السلام نبيا كان أو غيره فعمله دون عمل علي (ع) لا سيما ضربة علي (ع) يوم الخندق. ومن البين أن أعماله من صغره إلى يوم وفاته من الصلاة، والزكاة، والحج، والصدقات، والغزوات، وغيرها مما لا تعد ولا تحصى، وكلها واجب الجزاء لأن الله سبحانه قال " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا "، ولقوله عليه السلام: " لحمك لحمي "، رواه العقيلي. ولقوله (عليه السلام): من سب عليا فقد سبني، ولقوله (عليه السلام): خلقت أنا وعلي من نور واحد (2). ومنها: حديث التشبيه: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في زهده، وإلى إبراهيم في خلته (إلى أن قال) فلينظر إلى علي بن أبي طالب "، ولهذا الحديث مجلد للحامد حسين اللكنوي. ولقوله عليه السلام: إن عليا مني وأنا منه، (رواه الترمذي). ومن المسلمات أن الأنبياء أفضل من الملائكة، فثبت ما قلنا. في غزوة خيبر في الصواعق المحرقة، وتأريخ الخلفاء: وأعطاه النبي (ص) اللواء في مواطن كثيرة لا سيما يوم خيبر، وأخبر (صلى الله عليه وآله) أن الفتح يكون على يده (كما في الصحيحين)، وحمل يومئذ باب حصنها على ظهره حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وإنهم جروه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا. وفي رواية أنه تترس باب الحصن عن نفسه فلم يزل يقاتل، وهو في يده حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه فأراد ثمانية أن يقلبوه فما استطاعوا.
(1) الخصائص الكبري، ج 1، ص 7. 2) لهذا الحديث مجلد خاص في (العبقات). 185 وفي روضة الأحباب: رمى علي (ع) باب حصن خيبر ثمانين شبرا (1). في الخصائص للسيوطي: أخرج الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي (ع) تخلف عن النبي (ص) في خيبر، وكان رمدا فقال: أنا أتخلف عن رسول الله، فخرج فلحق به فلما كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها قال رسول الله: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي (ع) وما نرجوه، فقالوا: هذا علي (ع) فأعطاه الراية، ففتح الله عليه. وفي مسلم: فبصق في عينيه فبرأ (2). وفي معارج النبوة: " لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه " (3). وفي الإستيعاب على الإصابة ما لفظه: " رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله علي يديه (4). وفي روضة الأحباب بزيادة: " كرار غير فرار " (5). في صحيح البخاري: " لأعطين الراية رجلا يفتح على يديه "، فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا، وكلهم يرجو أن يعطى (6). وفيه: في رواية كلهم يرجو أن يعطاها (7). في الخصائص للنسائي: بعث أبا بكر، وعقد له الراية فرجع، وبعث عمر، وعقد له لواء فرجع بالناس، فقال: لأعطين الراية، (الحديث) (8). وفيه: فما منا إنسان له منزلة عند رسول الله (ص) إلا وهو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا عليا، (الحديث). وفي الخصائص في هذا الباب أحاديث بألفاظ مختلفة (9). وفي إزالة الخفاء، وكنز العمال، عن سلمة بنت الأكوع قال: بعث رسول الله (ص) أبا بكر إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد، ولم يكن فتح، (أخرجه الحاكم، ورواه ابن جرير) (10). في غزوة حنين في كنز العمال برواية أنس: لما كان يوم (حنين) كان أشد الناس قتالا بين يديه علي بن أبي طالب، (رواه العسكري في الأمثال) (11). وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله (ص) حنينا فولى صحابة رسول الله... (الحديث) (12). وفيه: عن ابن عباس قال: شهدت مع رسول الله (ص) يوم (حنين) فلما التقى المسلمون
(1) روضة الأحباب، ج 1، ص 263. (2) السيوطي، ج 1، ص 251. (3) معارج النبوة، ص 213. (4) الإستيعاب، ج 3، ص 36. (5) روضة الأحباب ج 1، ص 262، ومسند أحمد، ج 1، ص 99. (6) صحيح البخاري، ج 2، ص 96. (7) أيضا، ص 386. (8) الخصائص للنسائي، ص 11. (9) أيضا، ص 12. (10) إزالة الخفاء، ج 2، ص 14، وكنز العمال، ج 5، ص 283. (11) كنز العمال، ج 5، ص 396. (12) صحيح مسلم، ج 2، ص 100. 186 والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله (ص) يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركاب الرسول (ص)، فقال رسول الله (ص): أي عباس ناد أصحاب السمرة (هي الشجرة التي بايعوا النبي (ص) تحتها يوم الحديبية)، فقال عباس (وكان رجلا صيتا)، فقلت بأعلى صوت: أين أصحاب السمرة، (الحديث). هكذا في روضة الصفا، وتاريخ الطبري (1). أقول: قد أول صاحب (المرقاة) هنا تأويلا لا يعبأ به فإنه قال: " مدبرين لكن مقبلين إلى رسول الله ". يا للعجب أنهم إن كانوا مقبلين إليه (عليه السلام) فلم ناداهم العباس بأمره (عليه السلام) هذا. في غروة الطائف في الخصائص: أخرج ابن سعد عن الحسن قال حاصر رسول الله (ص) أهل الطائف فقال عمر: يا نبي الله ادع على ثقيف. قال إن الله لم يأذن لي في ثقيف. قال: فكيف نقاتل في قوم لم يأذن الله فيهم، فارتحلوا (2). فثبت من هذا الحديث أنه (عليه السلام) لم يقاتل في الطائف، وارتحل بدون قتال، وحصل الفتح بلا محاربة. فصل: في بيان فرار الخلفاء الثلاثة في المغازي أيها الأخوان، الأخبار تنادي بأعلى صوت على أن عليا (ع) لم يفر في غزوة قط، بل ثبت واستقر، وحارب الكفار، وقتلهم وخذلهم، وفتح الله على يديه ما لم على يد أحد. وأما سائر الخلفاء فقد فر بعضهم في غزوة، وبعضهم في غزوة أخرى (كما سترى إن شاء الله). في إزالة الخفاء: أخرج البخاري (من حديث ابن عمر): أما فراره (أي فرار عثمان) من (أحد) فأنا أشهد أن الله قد عفا عنه. وفيه: أخرج البخاري في قصة حمراء الأسدي قالت عائشة: فانتدب منهم (أي بادروا إلى الإجابة) سبعون رجلا فيهم أبو بكر، والزبير. وكذا في تفسير ابن كثير (3). وفي تأريخ الخلفاء، وتفسير ابن كثير، وإزالة الخفاء عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق لما حال الناس عن رسول الله (ص) يوم (أحد) كنت أول من فاء فبصرت به من بعد (الحديث
(1) روضة الصفا، ج 2، ص 179، وتاريخ الطبري، ج 3، ص 128. (2) السيوطي، ج 1، ص 272. (3) ابن كثير، ج 5، ص 319. 187 أخرجه الحاكم) (1). (وكذا في البخاري، وزاد المعاد لابن القيم، وتاريخ الخميس). وفي كنز العمال (مسند الصديق) عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم (أحد) بكى ثم قال: ذاك كله كان يوم طلحة ثم أنشأ يحدث، قال: كنت أول من فاء يوم (أحد). (رواه الطبراني في الأوسط، وابن سعد، وابن السني، والشاشي، والبزار، وابن حبان، والدارقطني في الأفراد، وأبو نعيم في المعرفة، وابن عساكر، والضياء) (2). وفي كنز العمال، وإزالة الخفاء: فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يجبنونه، ويجبنهم. (أخرجه الحاكم، ورواه البزار، وابن أبي شيبة، وسنده حسن) (3). هذا يوم خيبر - كما مر -. وفي إزالة الخفاء: أخرج البخاري (في حديث طويل) قال (رجل من أهل مصر) يا بن عمر إني سائلك عن شئ فحدثني. هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن (بدر)، ولم يشهدها؟ قال: نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن بيعة (الرضوان) فلم يشهدها؟ قال: نعم (4). في الخصائص: أذنب عثمان ذنبا عظيما يوم (أحد)، الحديث (5). وفي كنز العمال، والدر المنثور، والتفسير الكبير، وتفسير ابن جرير: أخرج ابن جرير عن كليب قال: خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله " إن الذين تولوا منكم " الآية قال: لما كان يوم (أحد) هزمنا ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى (6). وفي البخاري: عن أبي قتادة قال: خرجنا مع النبي (ص) عام (حنين) فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فلحقت عمر، فقلت ما بال الناس، قال: أمر الله، ثم رجعوا. وفيه: انهزم المسلمون، وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. وفيه: فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى... (الحديث) (7). وفي كنز العمال (من مسند الحسين بن علي) قال: كان ممن ثبت مع رسول الله (ص) يوم (حنين) العباس، وعلي، وأبو سفيان بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، والزبير بن العوام، وأسامة بن زيد، (رواه ابن عساكر بإسنادين). وفيه: عن عبادة بن الصامت قال: أخذ العباس بعنان دابة رسول الله (ص) يوم (حنين) حين انهزم المسلمون فلم يزل آخذا بعنان دابته حتى نصر الله رسوله، وهزم المشركون. (رواه الزبير ابن
(1) إزالة الخفاء، ج 2، ص 13. (2) كنز العمال، ج 5، ص 274. (3) كنز العمال، ج 5، ص 283، وإزالة الخفاء، ص 49. (4) إزالة الخفاء، ج 1، ص 77. (5) النسائي، الخصائص، ص 62. (6) كنز العمال، ج 1، ص 238، والدر المنثور، ج 2، ص 88، والتفسير الكبير، ج 3، ص 108، وتفسير ابن جرير، ج 4، ص 90. (7) صحيح البخاري، ج 2، ص 54، 55، 65. 188 بكار، وابن عساكر). وفي رواية عن العباس بن عبد المطلب قال: لقد شهدت مع رسول الله (ص) يوم (حنين). وأنا آخذ بلجامها فقال لي: ناد أصحاب السمرة، (الحديث، رواه العسكري في الأمثال). وفيه: (في رواية عروة في قصة بيعة الرضوان): فصار المسلمون إلى رسول الله (ص) وهو تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفروا أبدا. (رواه ابن عساكر، وابن أبي شيبة). أخرج البخاري عن عثمان بن موهب أن عثمان بن عفان فر يوم (أحد)... (الحديث). في الدر، وتاريخ الطبري: أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس: " إذ تصعدون "، قال: صعدوا في (أحد) فرارا، والرسول يدعوهم في أخراهم إلي عباد الله، إرجعوا إلي عباد الله، إرجعوا (1). عن السدي: تفرق أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) عنه يوم (أحد)، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة. عن ابن إسحاق قال: فر عثمان بن عفان، وعقبة بن عثمان، وسعد بن عثمان، ورجلان من الأنصار حتى بلغوا (الحلعب) - جبل بناحية المدينة - فأقاموا به ثلاثا فنزلت: " والذين استزلهم الشيطان "... الآية. وفي النيشابوري: ومنهم أيضا عثمان، ورجع بعد ثلاثة أيام، وخرج بعيدا. ومن الثابتين مع النبي (ص) أبو بكر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم كلهم أربعة عشر رجلا (2). وفي (المعالم) و (المدارك): كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تولوا عنه يوم (أحد) إلا ثلاثة عشر رجلا، منهم: أبو بكر، وعلي. أقول: بحسن توفيقه تعالى أنه قد ظهر الحق، وبطل الباطل عما قالوا في تفسير قوله تعالى " والذين معه أشداء على الكفار " بل صدق على من صدق، وهو الذي من مناقبه أنه كرار غير فرار. إن قيل: قلتم إن عليا كان أسد الله، وكان كرارا غير فرار، وكانت الخلافة حقه فلم لم يجاهد بمخالفيه؟ قلنا: كما قلتم: إن رسول الله (ص) كان أشجع الناس، وقد قالوا أنه (عليه السلام) كان كأربعين نبي في الشجاعة، فلم غاب في (الغار) ثلاثة أيام، ولم لم يظهر أحكام الشريعة في مكة، ولم هاجر إلى المدينة، ولم صالح يوم (الحديبية) مع وجود العسكر، ولم لم يجاهد بالمنافقين، ولم قال موسى: " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري "، ولم قال الله تعالى في جوابه " لنشد عضدك بأخيك "، ولم قال لوط: " لو أن بكم قوة هذا "، ولم اختفى يونس مدة طويلة؟!
(1) الدر المنثور، ج 2، ص 88، وتاريخ الطبري، ج 3، ص 21. (2) النيشابوري، ج 4، ص 110. 189 فصل: في فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في تاريخ الخلفاء، والصواعق: عاتب الله أصحاب محمد، إلا عليا وما ذكره إلا بالخير (1). (رواه أحمد، والطبراني، وابن عبد البر، وابن عبد الله عن ابن عباس). وفي كنز العمال: عاتب الله أصحاب محمد إلا عليا (2). وفي تاريخ الخلفاء: أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: ما نزل في (أحد) من كتاب الله ما نزل في علي (ع) (3). وفيه أيضا: نزلت في علي (ع) ثلاثمائة آية (4). وفيه: قال الإمام أحمد بن حنبل: ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما ورد لعلي (ع)، (أخرجه الحاكم) (5). وفي (الصواعق المحرقة) ناقلا عن ابن عبد البر، روي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم تفضيل علي (ع) على أبي بكر، وغيره (6). وفي (الفتح): وهو مذهب مشهور لجماعة من أهل السنة (من أهل الكوفة) (7). وفي الصواعق: لم نكفر القائلين بأفضلية علي (ع) على أبي بكر (8). وفي حياة الحيوان: كان سفيان الثوري يفضل عليا (9). وفي الصواعق، وفي (طبقات ابن السبكي الكبري) عن بعض المتأخرين: تفضيل الحسنين على الشيخين (10). وفي الخصائص للنسائي: عن النبي (ص): " علي سيد العرب ". وفي الصواعق عن النبي (ص): " من سب عليا فقد سبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان " (11). وفيه: أخرج الدارقطني أن عمر رأى رجلا يقع في علي (ع) فقال: ويحك أتعرف عليا؟! (هذا ابن عمه) - وأشار إلى قبره (ص) - والله ما آذيت إلا هذا في قبره، وفي رواية: فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره (12).
(1) تأريخ الخلفاء، ص 116، والصواعق، ص 76. (2) كنز العمال: ج 6، ص 191. (3) تأريخ الخلفاء، ص 117. (4) أيضا، ص 116. (5) أيضا، ص 114. (6) الصواعق المحرقة، ص 34. (7) فتح الباري، ج 3، ص 136. (8) الصواعق المحرقة، ص 38. (9) حياة الحيوان، ج 1، ص 225. (10) الصواعق، ص 35. (11) أيضا، ص 74. (12) المصدر نفسه، ص 106. 190 وفيه: أخرج عمرو الأسلمي، - وكان من أصحاب (الحديبية) - مع علي (ع) إلى اليمن فرأى منه جفوة فلما قدم المدينة أذاع شكايته فقال له النبي (ص): والله لقد آذيتني. فقال: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله فقال: بل من آذى عليا فقد آذاني. (وكذلك وقع لبريدة) (1). وفيه: أخرج الدارقطني: جاء أعرابيان لعمر يختصمان، فأذن لعلي (ع) في القضاء بينهما، فقضى، فقال أحدهما هذا يقضي بيننا، فوثب إليه عمر، وأخذ بتلابيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك، ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن (2). وفي الدر، وتفسير ابن جرير، والخازن، والمعالم، وفتح البيان، ولطائف البيان تحت قوله تعالى: " فمن كان على بينة من ربه "، المراد منه محمد (ص) - ويتلوه شاهد منه أريد به علي (ع). وفي الإتقان: " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " نزلت في علي ابن أبي طالب: والوليد ابن عقبة. في (لباب النقول في أسباب النزول) للسيوطي: أخرج الواحدي، وابن عساكر من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سنانا، وأبسط لسانا، وأملا للكتيبة منك، فقال له علي (ع): أسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ". وأخرج ابن عدي، والخطيب في (تاريخه)، (من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس) مثله. وأخرج الخطيب، وابن عساكر (من طريق ابن لهيعة) عن عمرو بن دينار عن ابن عباس: أنها نزلت في علي بن أبي طالب. وكذا في الدر، وزاد: أخرجه ابن عدي، وابن مردويه (من طرق)، وأخرجه ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وعبد ابن حميد، وابن المنذر مثله (3). (وأيضا هكذا في المعالم، وهكذا في الكشاف). في تاريخ الخلفاء: أخرج الطبراني، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما أنزل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا " إلا وعلي أميرها وشريفها. وهكذا في الدر، وفي التفسير لعبد العزيز الدهلوي (4). وفي مسلم، والخصائص للنسائي: قال علي (ع): والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الأمي إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق (5). وفي سنن الترمذي عن أم سلمة مرفوعا: " لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن " (6). وكذا في كنز العمال. وفيه عن أبي سعيد الخدري قال: إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب (7). وفي الخصائص للنسائي بإسناده عن علي (ع) قال: جاء النبي (ص) أناس من قريش فقالوا: يا
(1) أيضا، ص 103. (2) أيضا، ص 107. (3) الدر المنثور، ج 5، ص 78. (4) الدر المنثور، ج 1، ص 104، وتفسير الدهلوي، ج 1، ص 388. (5) صحيح مسلم، ج 1، ص 60، والخصائص للنسائي، ص 60. (6) سنن الترمذي، ج 2، ص 213. (7) كنز العمال، ج 6، ص 152. 191 محمد (إلى أن قال) ثم قال: يا معشر قريش، والله ليبعثن الله رجلا منكم قد امتحن الله قلبه بالإيمان فليضربنكم على الدين، أو يضرب بعضكم قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا ولكن هو الذي يخصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها (1). (وكذا في كنز العمال: رواه أحمد، وابن جرير وصححه، وسعيد بن منصور) (2). وفي كنز العمال مثله، وزاد: ولكنه خاصف النعل، (رواه ضياء المقدسي في " المختارة "، وابن أبي شيبة، والحاكم) (3). وروى النسائي في الخصائص عن أبي ذر قال قال رسول الله (ص): لينتهين بنو وكيعة (قبيلة من كفار العرب)، أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يتقدم فيهم أمري فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية، فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي قال: من تعني؟ قلت: ما إياك أعني، ولا صاحبك قال: فمن تعني؟ قال: خاصف النعل. قال: (وعلي يخصف النعل) (4). وفي الأنموذج الجليل في بيان أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل للعلامة محمد ابن أبي بكر عبد القادر الرازي: وقد روي عن علي (ع) أنه قال: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " (5). أقول: إن عليا أراد بذلك قوة يقينية قبل العيان، فكأن الزيادة الحاصلة له ما لا يعتد بها. وفي (أرجح المطالب) عن ابن عباس أن عليا (ع) كان يقول في حياة النبي (ص): " إن الله يقول " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، ولئن مات أو قتل لأقتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارثه، ومن أحق به مني "، (أخرجه أحمد، والنسائي) (6)، وهكذا في الخصائص للنسائي وزاد: " حتى أموت، أو أقتل ". وقد مر في غزوة (أحد) أن عليا (ع) قال للنبي (ص): لا كفر بعد الإيمان، إن لي بك أسوة حسنة (7). في (لباب النقول) للسيوطي: أخرج الطبراني في (الأوسط) عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمة فأعطاه السائل، فنزلت " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة وهو راكعون "، وله شاهد. (وسيأتي مستوفيا) في نصوص خلافته (عليه السلام) (8). وله (عليه السلام) فضائل وكرامات لا تحصى مذكورة في (المطولات)، ولنكتف منها ها هنا على رد الشمس له وهي مما ليس لأحد من أمة خير البرية (عليه الصلاة والسلام) إلا لعلي (عليه السلام)، كما في الخصائص الكبرى للسيوطي أخرج ابن مندة، وابن شاهين، والطبراني: بأسانيد بعضها على شرط الصحيح عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله (ص) يوحى إليه، ورأسه
(1) الخصائص، ص 25. (2) كنز العمال، ج 6، ص 396. (3) أيضا، ص 407. (4) الخصائص، ص 44. (5) الرازي، ج 1، ص 18 (مطبوع على هامش إملاء ما من به الرحمن) في مصر. (6) أرجح المطالب، ص 544. (7) الخصائص، ص 41. (8) لباب النقول، ص 133. 192 في حجر علي (ع) فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال الله (ص): " اللهم أنه كان في طاعتك، وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس "، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت. وفي لفظ للطبراني: فطلعت عليه الشمس حتى وقفت على الجبال، وعلى الأرض، وقام علي (ع) فتوضأ وصلى العصر ثم غابت، وذلك (بالصهباء) (1). وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: نام رسول الله (ص) ورأسه في حجر علي (ع) ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس فلما قام النبي (ص) دعا له فردت عليه الشمس، حتى صلى ثم غابت ثانية. وأخرج الطبراني بسند حسن عن جابر أن النبي (ص) أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار (2). وهكذا في معارج النبوة، وفي مدارج النبوة: وقد طول الشيخ وصححه، وقواه، وهكذا في ثبوت الخلافة (3). وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة بعد ذكر حديث رد الشمس لعلي (ع): وقد رواه الطحاوي في مشكل الحديث من طريقين وقال: هما ثابتتان، رواتهما، ثقات. وقد رواه الطبراني، وقد ذكر له صاحب اللآلئ طرقا، وألف في ذلك جزء (4). وفي (الشفاء) للقاضي عياض المالكي: خرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي (ص) كان يوحى إليه، ورأسه في حجر علي (ع) فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله (ص): أصليت يا علي؟ قال: لا، فقال: اللهم أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. (ثم قال): وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات، ثم بين القاضي ثبوت هذا الحديث، وتقويته، قال علي القاري في شرح الشفاء: قد تتقوى وتتعاضد الأسانيد إلى مرتبة حسنة فيصح الاحتجاج به (5). ثم رد على ابن الجوزي ومن تبعه قوله بوضعه. ونقل عن القسطلاني أن حديث (أسماء) أخرجه الطبراني، وحسنة العراقي في شرح التقريب، ثم أطال في ذلك. في حاشية القول المستحسن في فخر الحسن: قلت حديث (يعلى) ورد من حديث (أسماء) أخرجه أحمد بن صالح المصري، وأبو أمية الطرسوسي، والطحاوي، والطبراني، وابن منده، وابن شاهين، وصححه ابن صالح، والطحاوي، وتبعهما الحفاظ الأزدي، وعياض، وابن سيد الناس، ومغلطائي، وحسنة الحافظ أبو زرعة ابن العراقي. وروي عن أبي هريرة: أخرجه ابن مردويه، وكذا من حديث علي (ع) وابنه الحسين، وجابر، وأبي سعيد، ممن أثبته من الحفاظ المحب الطبري، والسمهودي، وابن حجر، والسيوطي، وله جزء
(1) الصهباء: منزل بين المدينة وخيبر. (2) الخصائص، ج 2، ص 82. (3) معارج النبوة، ص 223، ومدارج النبوة، ج 2، ص 237، وثبوت الخلافة، ص 128. (4) الشوكاني، ص 118. (5) الشفا للقاضي عياض، ص 240. 193 في إثباته سماه (كشف اللبس في حديث رد الشمس)، والسخاوي، والشامي، وله (مزيل اللبس عن حديث رد الشمس)، والقسطلاني، وابن الربيع، وابن العراقي، وابن حجر المكي، والقاري، والخفاجي، والتلمساني، والدلجي، والحلبي، والشبراملي، والقشاشي، والكروي، وردوا على الدولابي، وابن الجوزي، وابن تيمية " قولهم موضوع "، وابن كثير: " قوله منكر "، وأجابوا عن الأمور التي أعلوه بها بأجوبة شافية. قال السيوطي في التعقبات على موضوعات ابن الجوزي: فضيل ثقة صدوق احتج به مسلم، والأربعة، وابن شريك. وثقة غير أبي حاتم، وروى غير أبي حاتم، وروى عنه البخاري في الأدب، وابن عقدة من كبار الحفاظ، وثقة الناس وما ضعفه إلا عصري متعصب، والحديث صرح جماعة بتصحيحه منهم القاضي عياض (1). وفي الصواعق المحرقة: ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه لما كان رأس النبي (ص) في حجره (2). وحديث ردها صححه الطحاوي، والقاضي في الشفاء، وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره. وردوا على جمع قالوا: أنه موضوع، وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها في محل المنع، بل نقول كما أن ردها خصوصية كذلك إدراك العصر الآن إداء خصوصية وكرامة. (إلى أن قال) قال سبط ابن الجوزي: وفي الباب حكاية عجيبة حدثني بها جماعة من مشائخنا بالعراق أنهم شاهدوا أبا منصور المظفر بن أردشير القبادي الواعظ، ذكر بعد العصر هذا الحديث ونمقه بألفاظه، وذكر فضائل أهل البيت فغطت سحابة الشمس حتى ظن الناس أنها قد غابت فقام على المنبر، وأومأ إلى الشمس وأنشدها: لا تغربي يا شمس حتى ينتهي * مدحي لآل المصطفى ولنجله واثني عنانك إن أردت ثناءهم * أنسيت إذ كان الوقوف لأجله إن كان للمولى وقوفك فليكن * هذا الوقوف لخيله ولرجله قالوا: فانجاب السحاب عن الشمس وطلعت. أقول: " فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردها " مردود لما قال في الدر المختار: ووقت العصر منه إلى قبيل الغروب، فلو غربت ثم عادت هل يعود الوقت، الظاهر نعم (3).
(1) السيوطي، ص 70. (2) الصواعق، ص 76. (3) الدر المختار، ص 27. 194 ومن خصائصه أنه تصدق للمناجاة بالنبي (ص) حين أتى أمر الله أي " قدموا بين يدي نجواكم "، ولم يتصدق غيره من الصحابة. فصل: في بيان كون أمير المؤمنين علي (عليه السلام) خليفة النبي (ص) بلا فصل، وكونه وصيا فإذا فرغنا من فضائل علي (ع) نشرع في بيان خلافته، وله نصوص: منها: ما في لباب النقول للسيوطي: أخرج الطبراني في (الأوسط) بسند فيه مجاهيل عن عمار ابن ياسر، قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل فنزلت " إنما وليكم الله ". وله شاهد، قال عبد الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس. قوله " إنما وليكم الله " الآية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله، وأخرج أيضا عن علي (ع) مثله، وأخرج ابن جرير عن مجاهد، وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله. فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا (1). في الدر للسيوطي: (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأخرج الخطيب، وعبد الرزاق، وعبد ابن حميد، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والطبراني، وأبو نعيم عن ابن عباس، وعمار بن ياسر، وعلي ابن أبي طالب، وسلمة بن كهيل، ومجاهد، والسدي، وعتبة بن حكيم، وأبي رافع) قصة تصدق خاتم علي (ع) (2). وفي تفسير البيضاوي: أنها نزلت في علي (ع) حين سأله سائل، وهو راكع، فطرح له خاتمة. وصيغة الجمع لترغيب المؤمنين في اتباعه، (وكذا في المظهري) (3). وقال: له شواهد يقوي بعضها بعضا، والحصر إضافي. (وكذا في كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب). وذكر ابن المغازلي بأسانيد خمسة، وذكر العلامة القوشجي في شرح التجريد، وسكت. وذكر الحافظ سبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الأمة) هذه القصة بإسنادين. وهكذا في (الرياض النضرة في مناقب العشرة)، وذكر الخطيب، والخوارزمي في (المناقب) بإسنادين، وذكر السيد جمال الدين المحدث في الأربعين وذكر قوله " واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به
(1) لباب النقول، ص 113. (2) السيوطي، ج 2، ص 293. ووردت كذلك في ترجمان القرآن، ص 930، وتفسير ابن جرير، ج 6، ص 165، وتفسير الخازن، ج 1، ص 506، وتفسير المدارك على هامش الخازن، ج 1، ص 506، وتفسير فتح البيان، ج 3، ص 80، وتفسير ابن كثير، ج 3، ص 267، وتفسير حقاني، ج 4، ص 30، وتفسير روح المعاني، ج 3، ص 329، وتفسير حسيني ج 1، ص 140، وتفسير المعالم، ج 1، ص 186. (3) المظهري، ص 63. 195 ظهري " بإسنادين. وهكذا في (درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين). وقال الرازي في الكبير: عن عطاء عن ابن عباس (كما في الأربعين). وكذا في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) لمحمد بن صباغ المالكي، كلها من (النصرة الغيبية على الفرقة الشيعية) لمحمد عبد الشكور اللكنوي. وفي تفسير النيشابوري، والخازن، والإكليل: قوله تعالى " يحبهم ويحبونه " في حق علي (ع) لأن ما بعد هذه الآية نزلت فيه باتفاق أكثر المفسرين، (إنتهى ملخصا) (1). وقد اعترض النيشابوري في تفسيره على الرازي في جرحه على استدلال الإمامية بهذه الآية على خلافة أمير المؤمنين. وفي أرجح المطالب: ذكر مفصلا ومطولا (2). وذكر الحاجي نور حسين في ثبوت الخلافة: نزول هذه الآية في حق علي (ع) من القادري، والبيضاوي، والكشاف، والمدارك، والمعالم، والكبير، والثعلبي (3). في منتخب كنز العمال: قوله تعالى " وهم راكعون ": عن ابن عباس روى قصة تصدق الخاتم، (رواه الخطيب في المتفق، وفيه: مطلب بن زياد، وثقه أحمد، وابن معين) (4). وفي كنز العمال: عن علي - ع - (رواه أبو الشيخ، وابن مردويه) قصة الخاتم. أقول: الظاهر أن المحمول واحد في هذه الآية، والموضوعات ثلاثة فالحمل في هذا المقام بجميع ما صدق على هؤلاء الثلاثة بنهج واحد فهو السيد، والمحب، والأولى بالتصرف كما يؤيده الحديث المتواتر، أعني: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وبلفظ آخر: " من كنت وليه فعلي وليه من بعدي ". ولا يرد أن الصيغ للجمع، فلا تصدق على علي (ع) وهو واحد. لأنا نقول: إن (الجمع) في مثل هذه المقامات للتشويق، والترغيب للباقين، كما أن أهل التفسير قد اتفقوا على نزول الآية في علي (ع)، وأيضا اتفق أهل الجماعة على أن قوله تعالى " ولا يأتل أولو الفضل منكم " نزل في أبي بكر، وكلمة أولو (جمع)، وأبو بكر. واحد. وقوله تعالى " والذي جاء بالصدق "، إلى " أولئك هم المتقون "، وقوله تعالى " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم " المراد من القوم أبو بكر - عندهم - وهو واحد، وقوله تعالى: " إن إبراهيم كان أمة ". فالأمة أطلقت على إبراهيم، وهو واحد فاندفع الإيراد. ويمكن أن يكون (الجمع) للتعظيم وهو شائع. وفي حاشية (مجمع البحرين ومطلع النيرين): في لغة القرآن، والحديث في لفظ (ولا): روي عن الصادق (ع) أن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين وزن حلقته أربعة مثاقيل فضة، ووزن فصه خمسة مثاقيل وهي ياقوتة حمراء قيمتها خراج الشام ستمائة جمل فضة، وأربعة أجمال من الذهب،
(1) النيشابوري، ج 6، ص 144، والخازن، ج 1، ص 485، والإكليل (على هامش جامع البيان)، ص 169. (2) أرجح المطالب، ص 57. (3) ثبوت الخلافة، ص 41. (4) منتخب كنز العمال، ج 5، ص 38 (طبع في مصر على هامش مسند أحمد). 196 وهي لمطوار بن الحران قتله أمير المؤمنين، وأخذ الخاتم من إصبعه، وأتى به النبي (ص) (من جملة الغنائم)، فأعطاه النبي (ص) فجعله في إصبعه (صلوات الله وسلامه عليهما). ومنها: قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية نزلت في علي (ع) بقول من يعتد به من المفسرين والمحدثين. في الدر: أخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، وابن مردويه عن ابن مسعود كنا نقرأ في عهد رسول الله (ص) " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " إن عليا مولى المؤمنين، (وهكذا في المظهري، وفتح البيان، والتفسير الكبير، والنيشابوري، وتاريخ حبيب السير) (1). وفي أرجح المطالب: (عن ابن مسعود): كنا نقرأ... الخ. (أخرجه أبو نعيم في الحلية، والعيني في شرح البخاري، والرازي في الكبير، والواحدي في تفسيره، والسيوطي في الدر، والنظام الأعرج في غرائب القرآن، وصاحب السيرة الحلبية، وابن مردويه). وقال أبو بكر النقاش: إنها نزلت في بيان الولاية لعلي (ع)، وقال الفخر الرازي: وهو قول ابن عباس، والبراء بن عازب، ومحمد ابن علي بن الحسين. وأخرج الثعلبي في تفسيره أنها نزلت في علي (ع)، وقال الرازي: لما نزلت هذه الآية أخذ بيده علي (ع) وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه) (2). ومنها: قوله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ". في الدر: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي عن بريدة مرفوعا: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (3). وفي (ترجمان القرآن) للسيد الصديق وزاد: عن ابن مسعود أنه قرأ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم (4). وفي الخصائص للسيوطي: قال الله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وقرأ: وهو أب لهم (5). وفي (المفردات) للراغب الأصفهاني: روي أنه (ص) قال لعلي (ع): " أنا وأنت أبوا هذه الأمة "، وإلى هذا أشار بقوله " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي " (6). وفيه قال لعلي: " أنت أخي ووارثي "، قال: وما إرثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي، كتاب الله، وسنتي (7). وفي الخازن: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم، ووجوب طاعته. وقال ابن عباس إذا دعاهم النبي (ص) ودعتهم أنفسهم إلى شئ كانت
(1) المظهري، ص 68، وفتح البيان، ج 3، ص 89، والتفسير الكبير، ج 3، ص 428، والنيشابوري، ج 2، ص 311، وتاريخ حبيب السير، ص 143. (2) أرجح المطالب، ص 202. (3) الدر، ج 5، ص 182. (4) ترجمان القرآن، ص 248. (5) السيوطي، ج 2، ص 250. (6) المفردات، ص 4. (7) أيضا، 540. 197 إطاعة النبي (ص) أولى بهم من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح (1). وفي (التفسير الكبير) تمسك محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في كتابه إلى جعفر المنصور بهذه الآية (أولو الأرحام) في أن الإمام بعد رسول الله (ص) هو علي بن أبي طالب. فقال: قوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " يدل على ثبوت الولاية، وليس في الآية شئ معين في ثبوت هذه الأولوية، فوجد حمله على الكل إلا ما خصه الدليل، وحينئذ تندرج فيه الإمامة. وفي إبلاغ آيات سورة (براءة) قال رسول الله (ص) (في أخذها عن أبي بكر بعد إعطائها إياه) لا يؤديها إلا رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه (2). وروى السيوطي، وابن جرير، والرازي، وأحمد في مسنده، والترمذي وحسنة، والنسائي، والبيهقي في الدلائل، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي شيبة، وابن حبان، والشيخان، والسدي، وابن المنذر، والحاكم وصححه بالأسانيد عن ابن عباس، وعن عامر، وعلي بن الحسين، وغيرهم) قصة سورة (براءة) وإرسال النبي (ص) أبا بكر لتبليغها أهل مكة ثم إرجاعه، وإرساله عليا. وقوله: " لا يؤدي عني إلا أنا، أو علي ". ومنها: ما في كنز العمال، والصواعق المحرقة، (عن عمران بن حصين مرفوعا): ما تريدون من علي (ثلاثا)، إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي، (رواه الترمذي، والحاكم، ورواه ابن أبي شيبة عنه وصححه). وعن بريدة مرفوعا: " من كنت وليه فعلي وليه "، رواه أحمد، والنسائي، والحاكم. وعن عبد الله ابن بريدة عن أبيه: " لا تقع في علي فإنه مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي "، (رواه ابن أبي شيبة) (3). وعن زيد بن أرقم، والبراء بن عازب (مرفوعا): إلا أن الله وليي، وأنا ولي كل مؤمن، من كنت مولاه فعلي مولاه. وعن ابن عباس عن بريدة مرفوعا: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه، (رواه أحمد، وابن حبان، وسمويه، والحاكم، وسعيد بن منصور وعن وهب بن حمزة مرفوعا: لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي، يعني عليا، (رواه الطبراني). وفي كنز العمال (مسند زيد بن أرقم عن ابن الطفيل عامر بن واثلة) قال: لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع فنزل غدير (خم) أمر بدوحات فقممن، ثم قام فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فأنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي (ع) فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله (ص)؟
(1) تفسير الخازن، ج 3، ص 451، ويراجع الكشاف، ج 2، ص 206، والمعالم، ج 3، ص 161. (2) التفسير الكبير، ج 4، ص 580. (3) كنز العمال، ج 6، ص 152، والصواعق المحرقة، ص 74. 198 فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا وقد رآه بعينيه، وسمعه بأذنيه، (رواه ابن جرير) (1)، وكذا في الخصائص للنسائي (2). وفي رواية لابن جرير، ثم قال: أيها الناس، ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: بلى يا رسول الله، (وساق الحديث)، (ورواه الخطيب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ورواه ابن أبي حاتم عن علي (ع) مثله، ورواه ابن أبي شيبة). وفي كنز العمال (مسند البراء بن عازب) قال: كنا مع رسول الله (ص) في سفر، فنزلنا بغدير (خم) فنودي الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله (ص) تحت شجرة فصلى الظهر فأخذ بيد علي (ع) فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن قالوا: بلى، فأخذ بيد علي (ع) فقال: " اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة، (رواه ابن أبي شيبة) (3). وفيه: عن علي (ع) أن النبي (ص) خصر الشجرة (بخم)، ثم خرج آخذا بيد علي (ع) فقال: أيها الناس ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله مولاكم، قالوا بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده، كتاب الله سببه بيده، وسببه بأيديكم أهل بيتي (عليه السلام)، رواه ابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي في أماليه، وصححه ابن جرير، وعن عمران بن حصين، وزاد: لفظ (بعدي)، وقال: " صحيح " (4). وفيه: عنه مرفوعا: علي مني وأنا منه، وعلي ولي كل مؤمن بعدي، (رواه ابن أبي شيبه، وابن جرير وصححه) (5). وفي روضة الأحباب مثله، وزادوا: " أدر الحق معه حيث كان " (6)، وهكذا في مدارج النبوة، ومعارج النبوة (7). وفي الخصائص للنسائي: " من كنت وليه فعلي وليه " (8). وفيه: عن زيد بن أرقم: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، وأخذ بيد علي (ع) فقال: من كنت وليه فعلي وليه. وعن ابن بريدة مثله. وعن ابن عباس عن بريدة بلفظ: " ألست أولى... " الحديث. وفيه إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي (9). وفيه: عن سعد قال كنا مع رسول الله (ص) بطريق مكة لما بلغ غدير (خم) وقف الناس ثم رد من مضى، ولحقه من تخلف. فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس، هل بلغت قالوا: نعم قال: اللهم إشهد - ثلاث مرات - يقولها ثم قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم (ثلاثا)، ثم أخذ بيد علي (ع) فأقامه قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه (10).
(1) كنز العمال، ج 6، ص 155. (2) الخصائص، ص 84. (3) كنز العمال، ج 6، ص 397. (4) أيضا، ص 399. (5) أيضا، ص 399. (6) روضة الأحباب، ج 1، ص 375. (7) مدارج النبوة، ج 2، ص 541، ومعارج النبوة، ص 318. (8) الخصائص، ص 20. (9) أيضا، ص 48، 52. (10) أيضا، ص 57. 199 وفيه: عن سعيد بن وهب قال: (قال في الرحبة): أنشد بالله من سمع رسول الله (ص) يوم غدير (خم): الله وليي، وأنا ولي المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، قال سعيد: فقام إلى جنبي ستة، (الحديث). وفي (أرجح المطالب) عن البراء بن عازب قال في قوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " من فضائل علي (ع) نزلت في غدير (خم)، فخطب رسول الله (ص) ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة. (أخرجه أبو نعيم، والثعلبي) (1). وفيه: (أخرجه ابن المغازلي في المناقب، وإبراهيم النظري في الخصائص، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل) عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية بغدير (خم)، وأخرجه الصالحاني (2). وفي قواضب الأسياف: روى عبد الرزاق عن البراء بن عازب: من كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه (3). وفي كنز العمال: عن علي (ع) قال: عممني رسول الله (ص) يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي، وفي لفظ: " فسدل طرفيها على منكبي... " الحديث، (رواه ابن أبي شيبة، والطبراني، وابن منيع، والبيهقي) (4). وفي أرجح المطالب في (الباب الرابع) هكذا، وزاد: أخرجه الخطيب البغدادي، والديلمي، وصاحب كنوز الحقائق، وأبو داود الطيالسي، والمحب الطبري في الرياض، والسيوطي، وابن الصباغ المالكي (5). أقول: حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه " متواتر لا حاجة إلى تفصيل أسانيده ومخرجيه، لهذا بيناه مختصرا مخافة التطويل، وقد أورد مؤلف (أرجح المطالب) ناقلا عن ابن عقدة في كتاب (الموالاة) أسماء رواته من الصحابة نحو مائة فصاعدا، وأسماء المخرجين نحو مائة وخمس وأربعين. في الصواعق: وبيان (حديث من كنت مولاه) حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي، والنسائي، وأحمد. وطرقه كثيرة جدا. ومن ثم رواه ستة عشر صحابيا. وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (ص) ثلاثون صحابيا، وشهدوا به لعلي (ع) لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيده صحاح، وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته، ولا لمن رده بأن عليا كان (باليمن) لثبوت رجوعه منها، وإدراكه الحج مع النبي (ص)، وقول بعضهم إن زيادة (اللهم وال من والاه) موضوعة - مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها، (وقد مر بصحة هذه الزيادة) (6).
(1) المصدر السابق، ص 59. (2) أيضا، ص 204. (3) قواضب الأسياف، ص 571. (4) كنز العمال، ج 8، ص 60. (5) أرجح المطالب، ص 225. (6) الصواعق، ص 25. 200 وقد صنفت في هذا الحديث كتب ضخمة كتأليف الطبري، فله رسالة (حديث الموالاة)، والعلامة أبو القاسم فله (دعاة الهداة إلى أداء حق المولاة)، والعلامة السجستاني فله (الدراية في حديث الولاية)، والحافظ الذهبي. وقال عبد الله بن الحاكم: " وأما حديث من كنت مولاه " فله طريق جيد، وقد أفردت ذلك أيضا. ونقل عن ابن كثير الشامي أبو المعالي الجويني أنه كان يتعجب ويقول: شاهدت مجلدا ببغداد في يد تاجر الكتب فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه (المجلدة الثامنة والعشرون) من طرق من كنت مولاه، ويتلوه (المجلد التاسع والعشرون). وفي تاريخ الخلفاء: أخرج الطبراني في (الأوسط)، وأبو نعيم في الدلائل عن زاذان: أن عليا حدث بحديث فكذبه رجل، فقال له علي (ع): أدعو عليك إن كنت كاذبا، قال: ادع فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره (1). وفي (أرجح المطالب) عن زيد بن أرقم: استشهد علي (ع) الناس فقال: أنشد الله رجلا سمع النبي (ص) يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، فقام ستة عشر رجلا فشهدوا، (أخرجه أحمد في المسند، والبغوي في معجمه، والبزار، والطبراني، والذهبي) عن أبي الطفيل قال: " جمع علي (ع) الناس في الرحبة (فذكر الحديث) فقام ثلاثون من الناس "، أخرجه ابن أبي حاتم، والنسائي، وابن حبان، وابن عقدة (2). وهكذا في تاريخ الخلفاء، وفي (الأرجح) عن طلحة بن عمير قال: شهدت عليا على المنبر ناشد أصحاب رسول الله (ص)، وفيهم أبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس، وهم حول المنبر، وعلي (ع) على المنبر، وهم اثنا عشر بدريا من المهاجرين، والأنصار فقال علي (ع): نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله (ص) يقول: " من كنت مولاه... "، فقاموا كلهم، وأنس ابن مالك في القوم لم يشهد، فقال له أمير المؤمنين (ع): ما منعك يا أنس، أن تشهد، وقد سمعت ما سمعوا؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال أمير المؤمنين (ع): اللهم إن كان كاذبا فأضربه ببياض، أو بوضح لا تواريه العمامة فقال طلحة: فأشهد بالله لقد رأيته بيضا بين عينيه. (أخرجه أبو نعيم، وابن مردويه) (3). وذكر الطبراني في (المعجم الكبير)، وغيره ذهاب بصر زيد بن أرقم لكتمان شهادة هذا الحديث. وهكذا ذكر العارف الجامي في شواهد النبوة: وأخرج أحمد في المناقب، قيل: لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: " اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب " (4). وفي التاريخ الكامل ناقلا عن تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي قال حسان بن ثابت: يناديهم يوم الغدير نبيهم * (بخم) وأسمع بالرسول مناديا
(1) تاريخ الخلفاء، ص 121. (2) أرجح المطالب، ص 213. (3) تاريخ الخلفاء، 155، وأرجح المطالب، ص 216. (4) شواهد النبوة، ص 208. 201 (إلى أن قال): فقال له: قم يا علي فأنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت واليه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا هناك دعا اللهم وآل وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا كذا نقل الأخطب الخوارزمي (1). وذكر الغزالي في (سر العالمين) قال رسول الله (ص) لعلي (ع) يوم غدير (خم): " من كنت مولاه "، فقال عمر بن الخطاب: " بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة "، قال: وهذا تسليم ورضا، وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. (إنتهى ما في سر العالمين، وكشف ما في الدارين) (2). وذكر في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (في ترجمة الحسن بن الصباح) فقال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين: " شاهدت قصة الحسن بن الصباح "، واستناد الذهبي منه كاف في توثيقه (3). وفي شرح مقاصد العلامة التفتازاني يعني أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التأريخ، والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد، واللداد، وطلب الملك والرياسة، والميل إلى اللذات، والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما، ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوما، إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (ص) ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل، والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين، والأنصار، والمبشرين بالثواب في دار القرار. وأما ما جرى يعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (ص) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجمادات والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور، ومر الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضى أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، فإن قيل: " فمن
(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير، ص 587. (2) الغزالي، سر العالمين، ص 9 (طبع بومباي). (3) ميزان الاعتدال، ج 1، ص 232. 202 علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا تحاميا عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار (الروافض) على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد بحيث لا تزل الأقدام على السواء، ولا تضل الأفهام بالأهواء، وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق، وكيف لا يقع عليهما الاتفاق، وهذا السر فيما نقل عن السلف في مجانبة أهل الضلال، وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل، مع علمهم بحقيقة الحال، وجلية المقال (1). وجه الاستدلال أما الاستدلال بهذه النصوص المذكورة على ثبوت خلافة علي (ع) فلا حاجة لنا إلى تفصيله لأنه ظاهر بعبارة النص في مقام، وبإشارته أو باقتضائه أو بدلالته في مقام آخر. وأما الحديث " من كنت " فهو متواتر كما بين، لكن (أهل الجماعة) - كما هي عادتهم - أولوه بتأويلات ركيكة، وحرفوه عن مواضعه، وبدلوه عن معناه المقصود فنبين طريق الاستدلال منه، ونسكت عما سواه. فالمعنى المقصود منه (من كنت) متولي أمره، وسيده المطاع له، وحاكمه، والأولى بالأمر له من نفسه، ومتصرف أمره، وناصره في الدين، ومحبه واجب المحبة (فعلي) كذلك مثلي في جميع هذه المعاني كما في آية المباهلة، والحديث المذكور في الخصائص للنسائي وغيره في حديث خاصف النعل " لأبعثن عليكم رجلا كنفسي " وعنى به عليا " وأنت مني وأنا منك "، " وأن عليا مني وأنا منه "، " وأنا وعلي من نور واحد "، " ومن سب عليا، فقد سبني "، " ولحمه من لحمي ودمه من دمي "، " ومن أطاعك أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني "، " وأنت مني بمنزلة هارون من موسى "، وغيرها، وبعض الآيات يفسر بعضها. وهكذا حكم الأحاديث فقوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله "، وقوله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، وسائر الآيات التي ذكرناها في نصوص الخلافة تفسر بعضها بعضا، ويفيد المعنى المذكور، وتفسر هذه الآيات الأحاديث التي ذكرناها في النصوص بمزيد توضيح والأحاديث تفسر بعضها بعضا. وصدر الخطبة يوم (الغدير) بقوله عليه السلام: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، قالوا بلى " أدل دليل، وأوضح تفصيل لقوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، وإن آخر الحديث (فعلي مولاه) يطابق في المعنى بأوله كما هو دأب الفصاحة، وبخلافة يلزم انتشار المعنى في كلام واحد، وهو يخالف سرد الكلام، ولا يليق بشأن النبي (ص). وأما الدعاء في آخر الحديث (اللهم وآل من والاه) فإنه إشارة إلى أن الإطاعة في هذا الحكم توجب رضا الله ورسوله، والعصيان فيه يوجب سخط الله ورسوله، كيف لا، وقد قال عز اسمه " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك "، " ومن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ".
(1) نقل مترجم الكتاب أمير الدين في تعليقه على الكتاب حاشيته للحافظ الشيرازي (باللغة الأوردية)، وما نقل عن شرح المقاصد في (المتن) هو جزء من الحاشية التي أوردها المترجم (باللغة العربية). يراجع بهذا الصدد التفتازاني، ج 2، ص 306. 203 واختلاف الألفاظ في الحديث بأن جاء في رواية: " من كنت وليه فهذا علي وليه "، وفي رواية " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وفي رواية " علي ولي كل مؤمن بعدي "، " ووليكم بعدي "، " ومن كنت مولاه فإن عليا بعدي مولاه "، " وأنا ولي كل مؤمن من كنت مولاه فعلي مولاه "، " وأنا أولى بكل مؤمن "، " فهو أولى الناس بكم بعدي " - يعني عليا - يعني عن مزيد تطويل، بل ينادي بأعلى صوت أن لفظ (الولي) في الأحاديث يفسر قوله تعالى " إنما وليكم الله "، ولفظ (الأولى) يفسر قوله تعالى " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، ولفظ (بعدي) يرفع الستر عن المعنى على أنه - وإن صرح النبي (ص) في قوله " أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري " بخلافة علي (ع) في وقت نزول آية الإنذار أي " وأنذر عشيرتك الأقربين " - لكنه (ص) أراد أن يجمع جميع صفات خليفته، وما يتعلق به في لفظ واحد بأظهار كمال البلاغة، والفصاحة، ونطق بقوله (مولاه) لأنه يجمع المعاني المذكورة. وأما أخذهم معنى (المحبة) فقط دون المعاني المذكورة فلا يخلو عن تعصب وإشكالات، لأن المحاباة بين المؤمنين كلهم فضلا عن الصحابة من الواجبات، فليس له وجه خاص لعلي (ع) على أنه (ص) صرحه وخصه سابقا في مواضع كثيرة، لأن حبه إيمان، وبغضه نفاق وكفر (كما قال غير مرة)، لكونه أمير المؤمنين، وقد أمر الله تعالى بمودة القربى فلا وجه بإيراد لفظ مشترك المعاني، ولا يساعده تقييد الزمان، أي من (بعدي)، لأنه لا يجب في زمان دون زمان، بل يجب في كل زمان، فيكون قيد (بعدي) لغوا، (نعوذ بالله). ويؤيد ما قلنا: جمع النبي (ص) جميع من معه سابقا ولا حقا، وخطب خطبة (الوداع) على رأس (المنبر) المصنوع له بقوله: " أدعى فأجيب "، ونحوه، وهو من آخر وصاياه، وأخذه بيد علي (ع) ورفعه من الأرض إلى فوق لينظر من كان، ويرتفع الاشتباه بقوله: هذا علي (ع) بالتخصيص، وعدم اكتفائه على مجرد اسمه الشريف لإتمام الحجة، وتعميمه إياه بيده، وسدله طرفي عمامته على منكبيه، لأن هذه الأمور لا تدل إلا على واقعة عظيمة، منتجة لحكم كبير مميزة عما سواها، والمودة المحصنة لا تقتضي مثل هذه الأمور. فظهر أن متولي الأمور هو الذي حكمه نافذ، وإطاعته واجبة مطلقا هو الله، ورسوله، ثم وصيه، فمن أجل ذلك أتم الحجة البالغة، ووصى بها بأشد توكيد. وتؤيده أيضا الأحاديث الدالة على فضل علي (ع) على غيره من قوله عليه السلام: " الحق مع علي وعلي مع الحق "، " وعلي مع القرآن، والقرآن مع علي "، و " اللهم أدر الحق معه حيث دار "، و " من شاء العلم فليأت من الباب " قاله في حق باب مدينة العلم. وقوله " بك يهتدي المهتدون "، " وتجدوه هاديا مهديا يأخذ أو يسلك بكم الصراط المستقيم "، وكونه أعلم، وأقضى، وأتقى، وأشجع، وأسبق الإيمان، وغير ذلك مؤيد لما قلنا. ولا يخفى أن لفظ (المولى) يجئ لمعان مذكورة كما في قوله تعالى " وردوا إلى الله مولاهم الحق "، ففي تفسير البيضاوي: (مولاهم) أي ربهم، ومتولي أمرهم (1). وفي المعالم: الذي يتولي ويملك أمرهم (2).
(1) تفسير البيضاوي، ج 1، ص 359. (2) المعالم، ج 2، ص 117. 204 وفي (التفسير الكبير): " مأواكم النار هي مولاكم "، قال الكلبي يعني أولى بكم، (وهو قول الزجاج، والفراء، وأبي عبيدة). وقال الثعلبي في كشف البيان: " هي مولاكم " أي صاحبيكم، وأولى بكم، وأحق بأن تكون مسكنا لكم. وقال الإمام أبو الحسن الواحدي في (التفسير الوسيط) هي (مولاكم) هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب. والمعنى أنها هي التي تلي عليكم لأنها قد ملكت أمركم. وقال الإمام البغوي في (المعالم): هي (مولاكم) صاحبتكم وأولى بكم. وقال ابن حبان في تفسير (البحر المحيط): قوله (هو مولانا) أي ناصرنا، وحافظنا (قاله الجمهور). وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت، والحياة. وقيل: مالكنا وسيدنا، فلهذا يتصرف كيف يشاء فيجب الرضا بما يصدر من جهته. وفي (الصحاح) كل من ولى أمر واحد فهو وليه، وبمعنى السيد المطاع. وفي (النهاية) لابن الأثير: المولى في الحديث هو الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، وكل من ولي أمرا، وقام به فهو مولاه ووليه، ومنه الحديث: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، ومنه الحديث: " أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ". وفي رواية (وليها) أي متولي أمرها، (وكذا في الصراح، ومجمع البحار). وفي (المعالم): أولى بالمؤمنين من أنفسهم (أي من بعدهم) ببعض في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي (ص) ودعتهم أنفسهم إلى شئ كانت طاعة النبي (ص) أولى بهم من طاعتهم أنفسهم (1). وفي تفسير النيشابوري: ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كل شئ من أمور الدنيا والدين. وفي تفسير البيضاوي: النبي (ص) (أولى) في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا ما فيه صلاحهم، فلذلك أطلق، فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم (2). وفي قواضب الأسياف (ناقلا عن مطالب السؤل لابن طلحة الشافعي): فيكون معنى الحديث من كنت أولى به، أو ناصره، أو وارثه، أو عصبته، أو حميمه، أو صديقه فإن عليا منه كذلك، وهذا صريح في تخصيصه لعلي (ع) بهذه المنقبة العلية، وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة (من) التي للعموم بما لم يجعله لغيره، وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة، (إلى أن قال) فإنه أولى بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيد المؤمنين، وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله (ص) فقد جعله لعلي (ع) (3). أقول: وحمل الولي على معنى المحب مستدلا بقوله تعالى " ألا أن أولياء الله " يدل على عدم تبحرهم في المحاورات القرآنية لأن (الولي) جاء في القرآن بمعنى المتولي، والمتصرف كما في قوله تعالى " فالله هو الولي "، وجاء لفظة (الأولياء) بمعنى الأحباء، وفرق الواحد والجمع في المعنى من محاورات القرآن، ألا ترى أن القسط بمعنى العدل، والقاسطون بخلافة، والريح بمعنى العذاب، والرياح من آثار الرحمة (كما بسطة السيوطي في الإتقان) (4).
(1) المعالم، ج 3، ص 168. (2) البيضاوي، ج 2، ص 175. (3) قواضب الأسياف، ص 470، ومطالب السؤل، ص 55. (4) الإتقان، ج 1، ص 194. 205 وإن شئت مزيد توضيح معنى (الولي) و (المولى) و (الأولى)، والاستدلال بحديث (من كنت) فطالع مجلدات (عبقات الأنوار) فإنها تشفي العليل، وتروي الغليل. ومنها: حديث الثقلين (وقد مر). منها: ما روي في كنز العمال: " وإن تؤمروا عليا، ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " (1)، (رواه أحمد عن علي - ع -)، وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن حذيفة، ولفظة: " وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء "، (رواه الحاكم، والطبراني، والخطيب، وابن عساكر، والبيهقي). وفي الصواعق المحرقة: ورد بسند رواته مقبولون كما قاله الذهبي، وله طرق عن علي (ع) قال: قيل: يا رسول الله (ص) من نؤمر؟ فقال: أن تؤمروا. (الحديث)، ورواه البزار بسند رجاله ثقات، (أيضا كما قاله البيهقي) (2). في إزالة الخفاء: أخرج أحمد عن علي (ع): وإن تؤمروا عليا... (الحديث). وفي (الشرف المؤبد) نقل الحافظ ابن حجر في الإصابة عن مسند أحمد بن حنبل بسند جيد عن علي (ع) قيل: يا رسول الله (ص) من نؤمر بعدك، (الحديث). وذكر عبد الحي اللكنوي في فتاواه ناقلا عن كتاب (آكام المرجان في أحكام الجان) في حديث طويل بإسنادين عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله (ص) ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه، قلت: يا رسول الله (ص) ألا تستخلف عمر، قلت: يا رسول الله (ص) ألا تستخلف عليا؟ قال: ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه، وأطعتموه أدخلكم الجنة، (رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وفي مسند أحمد بمعناه، وشهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل). أقول: قد وثق صاحبه (أي صاحب أكان المرجان) الذهبي في (المعجم)، وكذا في (كشف الظنون)، وكذا السيوطي في تحفة الجلساء والموفق أحمد، وأخطب خوارزم في كتاب علي (ع) وغيرهم. وقد أجاب عبد الحي عن سؤال نشأ من كتاب (عبقات الأنوار) بتصديق الروايتين وتسليمهما، فارتفع التعارض بتعدد الواقعة. هذا وأطال في توثيقه، وحسن الحديث مرزا محمد معتمد جان بدخشي في (تحفة المحبين في مناقب الخلفاء الراشدين) لتعدد الطرق. أقول: قوله (عليه السلام): " لا أراكم فاعلين " من معجزاته الباهرة لأنه وقع كما أخبر به (عليه السلام)، وإن رؤيته كانت بالقلب لا بالبصر (كما حقق في مقامه) أن الرؤية من أفعال القلوب فإذا استعملت في معناها الأصلي - أي بمعنى القلب - فتقتضي المفعولين (كما في هذا الحديث)، وإذا استعملت في معناها المجازي - أي رؤية البصر - فتقتضي المفعول الواحد (كما في شرح الجامي والرضي وغيرهما). ومنها: قوله عليه السلام: " الحق مع ذا، الحق مع ذا " يعني عليا. (رواه أبو يعلى، وسعيد ابن
(1) كنز العمال، ج 6، ص 160. (2) الصواعق المحرقة، ص 27. 206 منصور عن أبي سعيد) (1). ومنها: قوله عليه السلام " اللهم أدر الحق مع علي حيث دار " رواه الترمذي (2). ومنها: قوله عليه السلام: " علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض " كذا برواية الطبراني (3). ومنها: قوله عليه السلام: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وقد مر. ومنها: ما في (كنز العمال): روى أبو نعيم في الحلية مرفوعا، " ادع إلي سيد العرب، قلت: ألست سيد العرب؟ قال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فلما جاء علي قال: يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا، هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبرئيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل " (4)، كذا في أرجح المطالب وزاد: ورواه أيضا أبو البشر عن سعيد بن جبير، وأخرجه المحب الطبري في الرياض، والطبراني في الكبير، وأخرجه البيهقي، والحاكم، والخطيب في تأريخه عن عائشة وروى الدارقطني بمعناه عن ابن عباس، وله شواهد كثيرة (5). وفي كنز العمال عن الطبراني، والخطيب، وابن الجوزي بمعناه (6). ومنها: ما روى الترمذي، وأحمد عن أبي جنادة: " علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا، أو علي ". كذا في المشكاة، والصواعق المحرقة، بزيادة رواية النسائي وابن ماجة (7). ومنها: قوله عليه السلام: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ". أخرجه الشيخان وغيرهما (8). ومنها: قوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين "، في كنز العمال عن علي (ع) قال: لما نزلت هذه الآية " وأنذر... "، جمع النبي (ص) من أهل بيته فأجتمع ثلاثون فأكلوا، وشربوا فقال لهم: من يضمن عني ديني، ومواعيدي، ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي، قال رجل: يا رسول الله (ص) أنت كنت بحرا من يقوم بهذا، ثم قال الآخر: فعرض هذا على أهل بيته واحدا واحدا فقال علي (ع) أنا، (رواه أحمد، وابن جرير وصححه، والطحاوي، والضياء المقدسي) (9). وفي رواية أخرى وزاد: " وأخي، وصاحبي، ووارثي "، وقال في آخره قال علي (ع): فذلك ورثت ابن عمي دون عمي (10). وفيه: أورد حديثا طويلا عن علي (ع) وفيه قصة دعوة النبي (ص) إلى الطعام، وجمع بني المطلب فلما اجتمعوا، وأكلوا وشبعوا فبادر أبو لهب بالكلام على النبي (ص)، وتفرقوا، ولم
(1) كنز العمال، ج 6، ص 157. (2) أيضا، ج 6، ص 163. (3) تاريخ الخلفاء، ص 117. (4) كنز العمال، ج 6، ص 400. (5) أرجح المطالب، ص 20. (6) كنز العمال، ج 6، ص 157. (7) المشكاة، ج 2، ص 556، والصواعق، ص 73. (8) تاريخ الخلفاء، ص 144. (9) كنز العمال، ج 6، ص 396. (10) المصدر نفسه، ص 408. 207 يسمعوا هذا اليوم، ثم بعد هذا اليوم، ثم صنع هكذا في اليوم الثالث، وتكلم النبي (ص) قائلا: يا بني عبد المطلب، إني والله قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سنا. أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي فقال: إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع، وتطيع لعلي، (رواه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل) (1). وفيه: مثله، ثم قال لهم (ومد يده): من يبايعني على أن يكون أخي، وصاحبي، ووليكم من بعدي، فمددت يدي وقلت: أنا أبايعك، وأنا يومئذ أصغر القوم فبايعني على ذلك، وقال ذلك الطعام أنا صنعته، (رواه ابن مردويه) (2). وفي مسند زيد ابن أوفى: روى أحمد في المناقب، وابن عساكر بلفظ: أنت أخي، ووارثي، قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي، قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم، وسنة نبيهم (3). وهكذا في (المفردات) للراغب الأصفهاني وقال: و (سنتي) بدل (وسنة نبيهم) (4). وفيه: إن وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب، (رواه الطبراني عن ابن عمر) (5). وهكذا قال معاصري الحاج الزائر الحكيم نور الحسين الصابر في (ثبوت الخلافة)، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر أسانيد الحديث، وجرحه على إسناد واحد فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي (ع). وفي الدر: أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي (ع) وفيه: فأيكم يؤازرني على أمري هذا. وأخرج ابن مردويه عن البراء ابن عازب قال: لما نزلت (وأنذر... الآية)، فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا، ويفسر بعضها بعضا، والمحدثون صرحوا بالتصحيح، والتحسين بكثرة الطرق، ومعنى الحديث ظاهر لا غبار عليه (6). وفي الخصائص الكبرى للسيوطي وذكر هذه القصة عن رواة كثيرين (7). وفي ينابيع المودة ناقلا عن فرائد السمطين (في حديث طويل): أخبرني عن وصيك قال (عليه السلام): إن وصيي علي
(1) أيضا، ص 397. (2) أيضا، ص 401. (3) أيضا، ج 5، ص 40. (4) المفردات، ص 540. (5) كنز العمال، ج 6، ص 154. وقد روي في الآية نفسها أن النبي (ص) جعل عليا (ع) خليفة. وقد روي ذلك في معالم التنزيل، ص 663، وتفسير ابن كثير، ج 7، ص 191، وتفسير السراج المنبر، ج 3، ص 24، وتفسير ترجمان القرآن، ص 99، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير ابن مردويه، وتفسير الثعلبي، وتفسير الدر المنثور، ج 5، ص 97، والتفسير الخازن، ج 3، ص 371، وتفسير الطبري، ج 19، ص 68، وسيرة ابن إسحاق، وروضة الصفا، ج 2، ص 260، وتاريخ حبيب السير، ج 1، ص 16، والكامل في التاريخ، ج 2، ص 22، وتاريخ أبي الفداء، ج 1، ص 117، ومعارج النبوة، ج 2، ص 25، وتاريخ الطبري، ج 1، ص 217، والسيرة الحلبية، ج 1، ص 286، والخصائص للنسائي، ص 42، وغيرها. (6) الدر المنثور، ج 5، ص 97. (7) السيوطي، ج 1، ص 123. 208 ابن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين قال: يا محمد فسمهم لي، (الحديث) (1). ويؤيده ما أخرجه ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن سلمان الفارسي قال: قلت: يا رسول الله (ص) لكل نبي وصي، من وصيك؟ فقال: هل تعلم من وصي موسى؟ قلت: نعم، يوشع ابن نون. قال لم قلت لأنه كان أعلمهم قال: فإن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب، (رواه الطبراني في المعجم الكبير في مسند سلمان الفارسي). وفي اللآلئ للسيوطي: ورواه ابن حبان بنحوه، ورواه العقيلي وزاد: لفظ (وصيي علي ابن أبي طالب)، ورواه الحاكم عن بريدة مرفوعا، وأخرجه البغوي في معجمه، والديلمي في فردوس الأخبار، وأحمد في مناقبه، وأخرج الدارقطني في حديث طويل وقال: واتخذته وصيا. وفي (الجمع) للصحيحين للحميدي ذكروا عند أم المؤمنين عائشة أن عليا كان وصيا فلم تكذبهم بل ذكرت أنها قد سمعت ذلك من رسول الله (ص) حين وفاته. وقال السيوطي في الدر المنثور: أخرج السلفي بسند واه عن أبي جعفر محمد بن علي قال: لما نزلت " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي " كان رسول الله (ص) على جبل، ثم دعا ربه فقال: اللهم أشدد أزري بأخي علي، فأجابه إلى ذلك. وجرح السيوطي على هذا الطريق ليس بمضر لأنه أورد هذا الحديث برواية ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، وسكت فعلم أن الجرح مختص بألفاظ السلفي، وإسناده. ولهذا الحديث أيضا شواهد باللفظ، والمعنى فلا وجه للإنكار، " فاعتبروا يا أولي الأبصار " (2). وفي النصائح الكافية: في مروج الذهب للمسعودي: هو وارث رسول الله (ص) ووصيه، وأبو ولده، وأول الناس له اتباعا، وهذا ما كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية في كتابه، وذكر قصة طويلة. وقال أمير المؤمنين (ع) في ديوانه: وأوصاني النبي على اختياري * لأمته رضى منكم بحكمي ألا من شاء فليؤمن بهذا * وإلا فليمت كمدا بغم وفيه: وهذا العلم لم يعلمه إلا * نبي أو وصي الأنبياء (3) كذا في (اللآلئ) برواية ابن عباس، وأبي سعيد الخدري (4). يعني أن أول خطبة خطبها علي (ع) حين استخلف ظاهرا، فحمد الله، وشكر له على رجوع الحق إلى مكانه فثبت من هذا أن الحق لم يكن في مكانه قبل، فافهم.
(1) القندوزي، ينابيع المودة، ص 369. (2) الدر المنثور، ج 4، ص 395. (3) الديوان (المنسوب)، ص 5. (4) اللآلئ المصنوعة، ص 3. 209 ومنها: قوله تعالى " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ": (روى ابن مردويه، وابن جرير، وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار): لما نزلت " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " وضع رسول الله (ص) يده على صدره وقال: أنا منذر، ثم وضع يده على منكب علي (ع) وقال: أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي. وروى ابن مردويه بإسناد آخر، والضياء في المختار عن ابن عباس، وعبد الله بن أحمد في روائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني في (الأوسط)، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي (ع) مثله باختلاف الأسانيد والألفاظ (1). ومنها: قوله تعالى: " وقفوهم إنهم مسؤولون " قالوا: إن تسليم ولاية علي (ع) واجب مسؤول عنها يوم القيامة لهذه الآية. عن أبي سعيد، وابن عباس في قوله تعالى " وقفوهم يوم القيامة " عن ولاية علي (ع)، (أخرجه الواحدي في تفسيره، وابن مردويه، والديلمي في الفردوس) (2). وفي (الصواعق المحرقة) قوله تعالى: " وقفوهم "، أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري: أن النبي (ص) قال: " وقفوهم أنهم مسؤولون " عن ولاية علي (ع)، كان هذا هو مراد الواحدي بقوله روى في قوله تعالى " وقفوهم إنهم مسؤولون " أي عن ولاية علي (ع)، وأهل البيت (ع) لأن الله أمر نبيه (ص) أن يعرف الخلق أنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلا المودة في القربى، والمعنى أنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (ص) أم أضاعوهم وأهملوهم، فتكون عليهم المطالبة والتبعة (3). ومنها: قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم ": لما بلغ النبي (ص) حكم الولاية لعلي (ع) نزل قوله تعالى " اليوم... ". كما رواه ابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر عن أبي هريرة، وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس، والديلمي، وأبو نعيم، وابن المغازلي، والإمام الصالحاني (4). فائدة أما استدلال أهل الجماعة بآية (الاستخلاف) على أحقية خلافة الخلفاء الثلاثة فلا يتم لأن معناها إما خلافة كلية، أو جزئية، فعلى كلا التقديرين لا يتم مقصودهم، لأن الخلافة (الكلية) بمعنى نفي الكفار كلهم وتسلط المؤمنين على أماكنهم بالكلية، فلم توجد لا في زمان النبي (ص) ولا ما بعده، وأما (الجزئية) فقد وجدت في زمانه (عليه السلام) لا كما زعموه أنها تمت في زمان الخلفاء الثلاثة لا قبله.
(1) الدر المنثور، ج 4، ص 45، فتح البيان، ج 5، ص 97، النيشابوري، ج 3، ص 73، والتفسير الكبير للفخر الرازي، ج 5، ص 272، وترجمان القرآن، ص 841. (2) أرجح المطالب، ص 63. (3) الصواعق، ص 89. (4) الدر المنثور، ج 2، ص 259، والإتقان، ج 1، ص 19، وترجمان القرآن، ص 822، وأرجح المطالب، ص 74. 210 وأما المعنى الصحيح لهذه الآية فهو أن هذا الوعد يتم في عهد ظهور الإمام الموعود محمد المهدي (عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام) كما يؤيده قوله سبحانه: " ليظهره على الدين كله "، ولا وجه للإنكار من هذا لأنه لم يظهر الإظهار الموعود على الدين كله أي على كل الأديان من زمان النبي (ص) إلى الآن. ويؤيد ما قلنا ما في (الخازن) قوله تعالى " ليظهره على الدين كله " قال أبو هريرة، والضحاك: ذلك عند نزول عيسى (ع) فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام (1). وفي تفسير فتح البيان، وابن كثير، والصافي، والقمي: قيل ذلك عند نزول عيسى (ع) وخروج المهدي (ع) فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام، وتدل عليه بعض الأحاديث. وقيل: المراد ظهوره على الدين كله بالحجة والبيان. (وفيه ضعف) لأن هذا وعد بأنه تعالى سيفعله، وتقويته بالحجة والبرهان كان حاصلا من أول الأمور. وفي جامع البيان، والخازن، وتفسير ابن جرير، والدر المنثور: نزلت آية (الاستخلاف) حين قالوا: " يا رسول الله (ص) أبد الدهر نحن خائفون، ما يأتي علينا يوم نضع السلاح "، كذا نقله محيي الدين، والشيخ عماد الدين (2). أقول: فهذا تأييد لقول من قال: وجد هذا الوعد بعد فتح مكة (كما قال ابن كثير في تفسيره): فقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة، فإنه (ص) لم يمت حتى فتح الله عليه مكة، وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بأكملها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام، أهداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر، والإسكندرية (وهو المقوقس)، وملوك عمان، والنجاشي (ملك الحبشة) (3). تنبيه أما وجه عدم قتال علي (ع) الخلفاء الثلاثة حين غصبوا الخلافة عنه، وخالفوا أمر النبي (ص) ووصيته، وصبره على المصائب فلوجوه: منها: أمره (عليه السلام) بالصبر، كما في (كنز العمال): عن علي (ع) مرفوعا: " يا علي كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة، ورغبوا في الدنيا، وأكلوا التراث أكلا لما، وأحبوا المال حبا جما، واتخذوا دين الله دخلا، ومال الله دولا؟ " قلت: أتركهم وما اختاروا وأختار الله ورسوله، والدار الآخرة وأصبر على مصائب الدنيا، وبلواها حتى ألحق بك إن شاء الله، قال: صدقت، اللهم إفعل ذلك به، (رواه الثقفي في الأربعين) (4). وفي الخصائص للسيوطي: (أخرج أبو نعيم عن جابر بن سمرة مرفوعا)، قال (ص) لعلي (ع):
(1) تفسير الخازن، ج 2، ص 220. (2) تفسير الخازن، ج 3، ص 377، وتفسير ابن جرير، ج 8، ص 110، والدر المنثور، ج 5، ص 55. (3) فتح البيان، ج 6، ص 33، وترجمان القرآن، ص 1075، وفتح البيان، ج 6، ص 338. (4) كنز العمال، ج 6، ص 69. 211 إنك مؤمر مستخلف، وإنك مقتول (وإن هذه مخضوبة من هذه) يعني: لحيته من (دم) رأسه (1). وفي الصواعق: إن الله تعالى أطلع نبيه على ما يكون بعده (2). وفي إزالة الخفاء: أخرج الحاكم عن علي (ع) قال: إن مما عهد إلي النبي (ص) أن الأمة ستغدر بي بعده (3)، (وكذا في الخصائص للسيوطي) (4). وفيه أخرج الحاكم وصححه: إن الأمة ستغدر بي بعده. وفي إزالة الخفاء: وأخرج الحاكم عن ابن عباس (مرفوعا) لعلي (ع): أما أنك ستلقى بعدي جهدا، قال: في سلامة من ديني، قال: في سلامة من دينك (5). وفي إزالة الخفاء: أخرج أبو يعلى عن علي (ع) في حديث طويل: فلما خلى له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا قال: قلت: يا رسول الله (ص) ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلا من بعدي، قلت: يا رسول الله (ص) في سلامة من ديني (6).. (الحديث). وهكذا في كنز العمال وزاد: (رواه البزار، وأبو يعلى، والحاكم، وأبو الشيخ، والخطيب، وابن الجوزي، وابن النجار) (7). أقول: ولا يخفى ما وقع على علي (ع) من مصائب من تخويف عمر بإحراق الباب، وغصب الخلافة، وجعله تابعا ومطيعا مع حقه أن يكون متبوعا ومطاعا، وسيدا، واستخفافه في المشاورات، ومحاربته في (الجمل)، و (صفين)، و (النهروان)، ونكث البيعة له، وغيرها. ومنها: ما ذكر في آخر الشجاعة الكائنة من علي (ع) - فلا نعيدها -. ومنها: منعه (عليه السلام) عن قتال أهل القبلة إذا لم يبدأوا بالقتال، كما روى مسلم في (صحيحه)، عن عوف بن مالك الأشجعي (مرفوعا): وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونهم، قال: قلنا: يا رسول الله (ص) أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولي عليه وآل، فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة. وفيه: عن أم سلمة مرفوعا: يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أقلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا، (أي من كره بقلبه، وأنكر بقلبه). وروى الشيخان عن ابن مسعود (مرفوعا): إنكم سترون بعدي إثرة، وأمورا تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم (8). ومنها: الحكمة الموضوعة في عدم قتال المنافقين اقتداء بالنبي (ص)، كما في كنز العمال: لا
(1) السيوطي، ج 2، ص 115. (2) الصواعق، ص 72. (3) إزالة الخفاء، ج 1، ص 125. (4) الخصائص، ج 2، ص 138. (5) إزالة الخفاء، ج 1، ص 125، والخصائص للسيوطي، ج 2، ص 138، وكنز العمال، ج 6، ص 157. (6) إزالة الخفاء، ج 1، ص 125. (7) كنز العمال، ج 6، ص 408. (8) المشكاة، ص 311، (باب الإمارة). 212 يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، (رواه الشيخان عن جابر) (1). وفيه: بلفظ: " دعه "، وفي رواية: " أكره أن يتحدث الناس أن محمدا... (الحديث) (2). وفيه: إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب، (رواه الطبراني، وابن مردويه عن سهل بن سعد) (3). أقول: ومثل هذه الرعاية ملحوظة للمؤمنين عند الله تعالى كما بينه سبحانه: " وكان أبو هما صالحا "، وكان بينهما وبينه سبعة آباء (كما في التفاسير). وفي (البخاري) مع (الفتح) عن جابر قال عبد الله بن أبي سلول: " لقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن " فقال عمر: ألا تقتل هذا الخبيث؟ يعني عبد الله فقال النبي (ص): لا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه (4). وفي فتح الباري: فاستمر صفحه، وعفوه عمن يظهر الإسلام، ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف، وعدم التنفر عنه (5). ومنها: خوف الارتداد، (كما في البخاري مع الفتح): عن عائشة (مرفوعا): لولا حدثان قومك بالفكر لفعلت، وفي حديث آخر عنها: لولا أن قومك حديثو عهد بالفكر لنقضت الكعبة، ورددتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابا شرقيا، وبابا غربيا (6). وفي البخاري مع الفتح: أن النبي (ص) كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض أيكم يجئ بسلا جزور (7) بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟! فأنبعث شقي من القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي (ص) وضعه على ظهره بين كتفيه (إلى أن قال): حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه (8). أقول: كما أن النبي (ص) صبر على المصائب ولم يقاتل المنافقين، ولم يقاتل الكفار في (مكة) قبل الهجرة، وأقام بها عشر سنين، وصالح بالحديبية لمصالح، فعلم من ذلك أن في قتال النبي (ص) وصبره، ومصالحته حكمة ومصلحة يعلمها هو. فكذلك خليفة النبي (ص) ووصيه (ع) عالم بمصالح الأمور، وحكمها، وإن خفيت على أهل الظاهر. تتمة: في أصول الحديث ونقد المؤلفين فلنختم المجلد الأول بباب يتضمن أصول الحديث، وتوثيقا للكتب، ونقد المؤلفين، لأن من عادة أهل (الجماعة) أنهم إذا عجزوا عن جواب خالف مذهبهم الشائع يتجرأون ويتكئون على
(1) كنز العمال، ج 6، ص 33. (2) المصدر السابق، ص 48. (3) أيضا، ص 335. (4) فتح الباري، ج 3، ص 308. (5) أيضا، ج 4، ص 204. (6) فتح الباري، ج 2 ص 98، وروضة الأحباب، ج 1، ص 77. (7) السلا: هي المشيمة، والجزور نوع من الإبل. (8) الفتح، ج 1، ص 174. 213 تضعيف الكتب، والأحاديث، أو وضعها، كالغريق الذي يتشبث بالطحلب، فأردنا أن نذكر أصولهم في الحديث، وطريق قبولهم للروايات، ونسطر طريق الاستدلال على ما ادعينا (في كتابنا هذا) ليكون المتعصبون خائبين وخاسرين، " كأنهم صم بكم عمي فهم لا يتكلمون ". فما أوردنا في هذا الكتاب من الأحاديث والروايات من كتب أهل الجماعة فأما أخذناها من (الصحيحين)، أو ممن التزم بالصحة في كتابه، أو ما صرح المحدثون بتصحيحه، أو تحسينه، أو تقويته بكثرة الطرق، أو بالشواهد (باللفظ أو بالمعنى أو بهما)، أو بنقل المعتمدين والثقات وسكوتهم عليه، وما ذكرنا فيه بلا سند، وبلا نقل ليس له شاهد في كتبهم، فإن خالج في قلب من طالع (كتابنا) ريب الصحة، والضعف في الروايات فلينظر في هذا الباب فلعله لا يجد فيه شيئا يخالف ما قلنا آنفا، بل المرجو أنه يشفي العليل ويروي الغليل. وليعلم أولا أن مطلق نسبة (التشيع) إلى الراوي ليس بقادح عند أهل التحقيق، وإن التجأ إليه المعاندون عند العجز عن الجواب، (لما في تدريب الراوي للسيوطي، وفي هداية السائل) (1). وقد صرح بذلك الذهبي في (الميزان) فقال: البدعة على ضربين، (صغرى) كالتشيع بلا غلو، أو بغلو كمن تكلم في حق من حارب عليا فهذا كثير في التابعين، وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد هؤلاء لذهبت جملة من الآثار، ثم بدعة (كبرى) كالرفض الكامل والغلو فيه، فهذا النوع لا يحتج بهم. وهذا الذي قاله الذهبي، وهو الصواب الذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه. وسرد السيوطي الكلام بتفصيل من رمي ببدعة ممن أخرج لهم البخاري، ومسلم، أو أحدهما، منهم: رمي بالإرجاء، والنصب، والتشيع، والقدر، والخوارج، والاعتقاد بخلق القرآن، ونفي صفات الله تعالى (2). وفي نبراس الصالحين (ناقلا عن الدراية في شرح النقاية للسيوطي): إن المبتدع إن لم يكفر قبل روايته وإلا لأدى إلى رد كثير من الأحاديث مما رواه الشيعة، والقدرية، وغيرهما. وفي (الصحيحين) من روايتهم ما لا يحصى.
(1) السيوطي، تدريب الراوي، ص 119، وهداية السائل، ص 495. (2) السيوطي، ص 120. 214 الباب الخامس في أصول الحديث إعلم أن أهل (الجماعة) سموا الأحاديث بالمتواتر، والمشهور، وخبر الواحد، والصحيح، والحسن لذاته، والحسن لغيره للاحتجاج، لكنه - إذا تمعن - ليس لهم اتفاق على تواتر، ولا شهرة، ولا صحة، لا على (الصحيحين)، ولا على غيرهما (كما سنذكر ذلك إن شاء الله). ولما أخذنا الأحاديث من كتبهم للاحتجاج عليهم، وكان لنا علم بعاداتهم اضطررنا إلى بيان صنيعتهم هذه، فنقول: إنهم قد استدلوا بالمتواتر حتى رجحوه على كتاب الله تعالى، وقد أنكروا وجود المتواتر كابن حبان، والحازمي (كما في شرح نخبة الفكر للعسقلاني): ذكر ابن الصلاح أن مثال المتواتر على التفسير المتقدم يقل وجوده (بحيث لا يكاد يوجد) إلا أن تدعى ذلك في حديث " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (1). قال في الفتح: " إنما الأعمال بالنيات "، قال أبو جعفر الطبري قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردودا لكونه فردا (ثم قال ابن حجر)، وهو كما قال: وبذلك جزم الترمذي، والنسائي، والبزار، وابن السكن، (ثم قال): وبهذا التقرير غلط من زعم أن الحديث عمر متواتر إلا إذا حمل على التواتر المعنوي (2). وفي شرح النخبة: فإن قيل حديث (الأعمال بالنيات) فرد لم يروه عن عمر إلا علقمة، مع كونه صحيحا بلا نزاع واقعا في صحيح البخاري (3). ولا يخفى ما اختلفوا في شروط (المتواتر) مما ورد بلا حصر معين، ومنهم من عين في الأربعة، وقيل في الخمسة، وقيل في السبعة، وقيل في العشرة، وقيل في الاثني عشر، وقيل في العشرين، وقيل في الأربعين، وقيل في السبعين، وقيل ثلاثمائة وبضع عشر، وقيل غير ذلك، ولكل وجهة. وقال بعضهم: إذا لم يحتمل الكذب لتعدد الطرق فهو متواتر بالمعنى لقولهم إن الآحاد يفيد الظن، ومجموعها إذا بلغت حد المتواتر يفيد القطع (4). ومن أعجب العجائب ما في (الإتقان): " فرب متواتر عند قوم دون آخرين، وفي وقت دون
(1) العسقلاني، ص 8. (2) فتح الباري، ج 1، ص 5. (3) شرح النخبة، ص 9. (4 9 فتاوى العزيزي، ص 105، وشرح النخبة، ص 8. 215 آخر " (1)، وكذا في (شرح مسلم الثبوت) لبحر العلوم: والمشهور ما رواه ما فوق الاثنين، وقبلته الأمة. وفي (منهج الوصول)، قال الحافظ ابن كثير: الشهرة أمر نسبي فقد يشتهر عند أهل الحديث، أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية (2). أقول: إن أريد من الأمة (الأمة كلها) فهو أعسر، بل ما من حديث يوجد على هذا الشرط، وإن أريد بعضها فالظاهر أن بعضها يقبل هذا، والبعض الآخر يقبل الآخر، فانتفى كلاهما، ولم يصح الاحتجاج بهما. وفي تعريف الصحيح، والحسن اختلافات كثيرة، شهيرة. وللترجيح ورفع التعارض مقالات لا تحصى، فهذا الاختلاف مما يبنى عليه اختلاف المذاهب كالحنفي، والشافعي، والحنبلي، والمالكي، وأهل الحديث، وغيرهم، (فكل حزب بما لديهم فرحون). فالحديث الواحد يسميه أحدهم صحيحا، والثاني ضعيفا، أو موضوعا، أو مرجوحا، أو منسوخا، وهذا مما يؤدي إلى كون الشئ الواحد حلالا وحراما، والأمر الواحد فرضا وإثما، سنة وبدعة، ألم تر إلى حديث عائشة في السفر بالصوم والإفطار، (رواه الدارقطني) وقال: هذا إسناده حسن، وفي رواية: " إسناده صحيح ". الحديث الأول في إسناده العلاء، بن زهير، قال ابن حبان كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات قال في البدر المنبر: إن في (متن) هذا الحديث استنكارا، والحديث الثاني، قال ابن حجر في (التلخيص): وقد إستنكره أحمد، وصحته بعيدة، وقال ابن تيمية: هو كذب على رسول الله (ص)، قال الشوكاني في نيل الأوطار: إن قول ابن تيمية باطل (3). فعلى هذا نقول: إن ابن تيمية ليس ممن يعتمد على تضعيفه، أو قوله بالوضع، لأنه أفتى بكذب هذا الحديث، والدارقطني بصحته، والشوكاني ببطلان قول ابن تيمية، " فما لكم كيف تحكمون ". وفي حديث معاذ في (الجمع بين الصلاتين) أخرجه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، والترمذي، وأحمد، وأبو داود قال: في البدر المنير: إن للحفاظ في هذا الحديث خمسة أقوال، أحدها: حسن غريب قاله الترمذي، ثانيها: أنه محفوظ صحيح قاله ابن حبان، ثالثها: أنه منكر قاله أبو داود، رابعها: أنه مقطع قاله ابن حزم، خامسها: أنه موضوع قاله الحاكم (4). وحديث ابن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله (ص)، فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، وفي رواية ثم لا يعود، (أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنه)، ونقل عن ابن المبارك أنه قال: لم يثبت عندي (5). وقال في (النيل): ولهذا الحديث قال ابن أبي حاتم: هذا حديث خطأ، وضعفه أحمد، ويحيى بن آدم، وصرح أبو داود أنه ليس بصحيح، وقال الدارقطني أنه لم يثبت (6). وفي تبصرة الجمعة: " حديث لا جمعة ولا تشريق "، رواه عبد الرزاق، وصححه ابن حزم في (المحلى)، وقال النووي متفق على ضعفه، وضعفه أحمد، وآخرون، كذا قال في (البدر المنير) في
(1) الإتقان، ج 1، ص 80. (2) منهج الوصول، ص 63. (3) الشوكاني، نيل الأوطار، ج 3، ص 78. (4) أيضا، ص 90. (5) نصب الراية، ص 83. (6) شرح النيل، ج 2، ص 70. 216 تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في السراج المنير، والتلخيص لابن حجر، وقالوا: في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حديث صحيح. وفي (النيل) قال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي (ص) في ذلك شئ، فهو مخير (1). وفيه: أن النبي (ص) كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، (أخرجه الترمذي، وابن ماجة، والحاكم، وقال صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه)، وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي: " ولا يصح في تسليمة واحدة شئ " (2)، وكذلك قول ابن القيم: أنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح. وفيه: (في جمع التقديم): وقد عرفت أن بعضها صحيح، وبعضها حسن، وذلك يرد قول أبي داود: ليس في جمع التقديم حديث قائم (3). وفيه: حديث الاستخارة (مع كونه في صحيح البخاري، ومع تصحيح الترمذي) بأن قال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب "، وصححه أبو حاتم، وضعفه أحمد ابن حنبل، وقال منكر، كذا قال ابن عدي أيضا في (الكامل) في ترجمة عبد الرحمن: أنه أنكر عليه حديث الاستخارة (4). وفي إعلام الموقعين: " حديث أصحابي كالنجوم "، قال: ابن عبد البر بإسناده أن هذا الكلام لا يصح عن النبي (ص) (5). أقول: قد بسطت في هذا الحديث (فما سبق). وروى الترمذي حديث صلاة التسبيح وقال: هذا حديث غريب. وفي هدية المهدي: ولم تثبت صلاة التسبيح بسند صحيح، بل صرح بعض الأئمة بكون حديثها موضوعا، والأرجح ضعفه. وذكره الجندري في (الحصن الحصين): وقد تعصب أهل (الجماعة) بأن رجحوا حديث الصحيحين على القرآن الكريم، وجوزوا نسخ القرآن بحديثهما كما في (فدك)، وإن قالوا كتابهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، (كما في رسالة ملحقة بسنن الترمذي)، وجعلوا رواتهما راجحين على الكل سواء كانوا مرجئة، أو قدرية، أو خارجية. قال الحافظ ابن حجر: قد حصل الاتفاق على القول بتعديلهم بطريق اللزوم فهم مقدمون على غيرهم في رواياتهم، وهذا أصل لا يخرج عنه إلا بدليل. وقال في (منهج الوصول): قال في الروض الباسم: أجمع أئمة الحديث على تقديم الحديث الصحيح (إلى أن قال): فحديث أولئك المبتدعة الذين اتفق الشيخان على تصحيح حديثهم مقدم عند التعارض على حديث كثير من أهل العقيدة الصالحة الذين نزلوا عن مرتبة أولئك المبتدعة في الحفظ والإتقان (6). وكثرة الرواة ليست بمستلزمة للرجحان مطلقا كما قال عبد الحي اللكنوي في (الأجوبة
(1) أيضا، ص 78. (2) أيضا، ص 197. (3) أيضا، ص 91. (4) أيضا، ج 1، ص 63. (5) إعلام الموقعين، ج 1، ص 236. (6) منهج الوصول، ص 36. 217 الفاضلة) (1)، وكذلك كثرة التعدد ليست مقتضية للرجحان مطلقا، فكم من أمر قبل فيه قول من خالف الأكثر إذا كانت مخالفته بالبرهان. ألا ترى إلى حديث " وإذا قرأ فأنصتوا " الذي رواه أبو موسى، وأبو هريرة، فإنه روى البيهقي عن ابن معين، وأبي حاتم، وأبي داود، والدارقطني، وغيرهم تضعيفه، واختار مسلم، وابن خزيمة تصحيحه، فاختار جمع من المحققين قولهما، وإن كان مخالف للأكثر بناء على كون ما ذكر الكثير في توجيه ضعفه ضعيفا، وكون ما بني عليه التصحيح قويا. فتصحيح أحد أو تضعيفه لا يخل في القبول إن لم يساعده شاهد من رواية، أو عدم قبول محدث محقق. وفي (الأجوبة الفاضلة) قال النسائي: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه (2)، وفي (الإنصاف في سبب الاختلاف): إن لله طائفة من عباده لا يضرهم من خذلهم، وهم حجة الله في أرضه، وإن قلوا (3). فثبت أن (الكثرة) ليست من أسباب الحق، وسبق ذكر مراد قولهم (من السواد الأعظم)، وثبت عند المحدثين أيضا أن (الأحناف) خالفوا كثيرا كثيرا كما في رفع اليدين عند الركوع مثلا، فالحق الحقيق بالقبول أن يتبع بالحق المدلل، ولا يغتر بالكثرة وغيرها، وقد ذكر أن اجتماع الكل لا يوجد لا في تفسير آية، ولا على صحة حديث حتى أنهم لم يتفقوا على صحة الصحيحين بالكلية، كما في (عون الباري لحل أدلة البخاري): إن البخاري عرض كتابه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المدائني فلم يقبلوا أكثر أحاديثه (4). وعن السيوطي: فكم حديث صحيح على شرط مسلم، وليس بصحيح على شرط البخاري، وكذا عكسه. وقال الشافعي: ما أعلم شيئا بعد كتاب الله أصح من موطأ (مالك). وفي عون الباري، قال ابن الهمام الحنفي في التحرير، وفتح القدير: كون ما في الصحيحين راجحا على ما روي برجالهما في غيرهما، أو على ما تحقق فيه من شرطهما تحكم لا يجوز التقليد فيه (5). وفي تدريب الراوي: استثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني، وغيره قال شيخ الإسلام، وعدة ذلك مائتان وعشرون حديثا (6). قال ابن الصلاح: ومع هذا فقد اشتمل كتاب مسلم على أحاديث اختلفوا في متنها وإسنادها (7).
(1) اللكنوي، الأجوبة الفاضلة، ص 54. (2) الأجوبة الفاضلة، ص 53. (3) الإنصاف في سبب الاختلاف، ص 95. (4) عون الباري، ج 1، ص 18. (5) المصدر، ص 25. (6) تدريب الراوي، ص 42. (7) تدريب الراوي، ص 28. 218 وفي (تحفة الطلبة) لعبد الحي اللكنوي، قال السخاوي في (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث): ربما أدرج ابن الجوزي في الموضوعات مما هو في أحد الصحيحين (1). وفي منهج الوصول: أخرج مسلم عن كثير في كتابه ممن لم يسلم من غوائل الجرح، وكذا في البخاري جماعة تكلم فيهم (ثم قال) فإذا صح في غير الكتابين عارض ما في الكتابين (2). وفي الأجوبة الفاضلة: نعم قد يرجع المخرج في غير الصحيحين على المخرج في أحدث الصحيحين بوجوه أخر توجب الترجيح (كما قال السيوطي في التدريب) (3). وقال ابن حجر في شرح النخبة: إنهم متفقون على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية (4). وفي التدريب: ولم يستوعبا الصحيح في كتابيهما، ولا التزماه - أي استيعابه - فقد البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول، وقال مسلم: ليس كل شئ عندي صحيح وضعته هنا (5). أقول: فضل بعض البخاري على مسلم، وقال بعض بالعكس، فانكسر فخر القوم الذين اعتمدوا كل الاعتماد على (الصحيحين) لأنه ظهر أن كل ما فيهما ليس بصحيح كلي يجب العمل عليه، بل ظهر أن فيهما ضعيفا ومرجوحا كما في سائر الكتب، وليس لهما مزية مطلقا على (السنن)، والمسانيد، والمستدركات، وليس فيهما انحصار (الصحاح) كما بينا، وسنستدرك ما بقي إن شاء الله. وفي الأجوبة الفاضلة، وهامش (المصنوع في أحاديث الموضوع) لعلي القاري: إعلم أنه ليس كل ما في هذه الكتب الضخام كالسنن الأربعة، وتصانيف البيهقي، وتصانيف الدارقطني، والحاكم، وابن أبي شيبة، وأمثالها صحيحا أو حسنا، بل هي مشتملة على الأخبار الصحيحة، والحسنة، والضعيفة، والموضوعة، (كما ذكر ابن الصلاح، والعراقي، والذهبي، والعيني في البناية، وكذا قال الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية لتصانيف الحاكم) (6). وذكر ابن الصلاح أن (صحيح) ابن حبان يقارب (مستدرك) الحاكم في التساهل، وبه قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء)، وابن تيمية في (المنهاج). وفي الأجوبة الفاضلة: قال في الميزان: لا تغتر بتحسين الترمذي إلى آخر ما نقله عنه في المحلى في شرح الموطأ، وقال في (زاد المعاد) للترمذي: نوع تساهل في التصحيح. وفيه: ثم نقل السيوطي عنه أنه قال: في (الموطأ) لمالك أحاديث ضعيفة. وقال ابن تيمية في المنهاج: ليس كل ما في مسند أحمد يكون عنده صحيحا. وقال العراقي: إن في مسند أحمد
(1) تحفة الطلبة، ص 34. (2) منهج الوصول، ص 28. (3) الأجوبة الفاضلة، ص 56. (4) شرح النخبة، ص 13. (5) تدريب الراوي، ص 28، وشرح النووي، ص 5. (6) الأجوبة الفاضلة، ص 49، والمصنوع في أحاديث الموضوع، ص 23. 219 موضوعات، وكذا قال في تصنيفات أبي نعيم، والثعلبي، والديلمي، والنسائي، وغيرهم (1). هذا (ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). والحاصل أنه ليس من كتاب مسلم من جرح، فأما لا يقبل شئ من الأحاديث والآثار، وأما يقبل ما كتبنا في كتابنا هذا لإثبات ما ادعيناه على أصول أهل الجماعة عن كتبتم أيضا. ومطلق الجرح إن كان مؤثرا فيكون أبو حنيفة مجروحا، ولا يعتد به كما قال الحافظ ابن حجر في (نصب الراية)، قال الدارقطني، وابن عدي: لم يسنده غير أبي حنيفة، وتابعه الحسن ابن عمارة، وهما ضعيفان (أي في الحديث). وفي (هامشه): أقول: وكذا ضعفه كثير من المحدثين كالنسائي، وابن عدي، وآخرين. قال الذهبي في الميزان: نعمان بن ثابت بن زوطا الكوفي إمام أهل الرأي، ضعفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي، وآخرون، وقال أيضا في ترجمة إسماعيل بن حماد بن النعمان ابن ثابت الكوفي عن أبيه عن جده قال: ابن عدي: " ثلاثتهم ضعفاء " (2). وقال صاحب (المنتظم) عن عبد الله بن علي المديني قال: سألت أبي عن أبي حنيفة فضعفه جدا، وقال خمسين حديثا خطأ فيها، وعن أبي حفص عمر بن علي قال: أبو حنيفة ليس بحافظ، مضطرب الحديث، ذاهب الحديث. قال أبو بكر بن أبي داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة وخمسون، (أخطأ - أو قال غلط - في نصفها). ووثقه يحيى بن معين (كذا في تهذيب التهذيب)، لكن لا يحتجب عليك أن الجرح مقدم على التعديل - كما تقرر في الأصول - فلا يخلو من مقال، والله أعلم (3). وفي حياة الحيوان: كان أبو حنيفة إماما في القياس، ولم يكن يعاب بشئ سوى قلة العربية (4). وقال ابن شبرمة: دخلت أنا، وأبو حنيفة على جعفر بن محمد الصادق (ع) فقلت: هذا رجل فقيه من العراق، فقال: لعله الذي يقيس الدين بالرأي؟ أهو النعمان بن ثابت؟ قال: ولم أعلم باسمه إلا ذلك اليوم، فقال له أبو حنيفة: نعم، أنا ذلك أصلحك الله، فقال له جعفر (ع): إتق الله، ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس إذ قال " أنا خير منه " فأخطأ بقياسه فضل. وذكر ابن خلكان في ترجمة جعفر الصادق (ع): أنه سأل أبا حنيفة: ما تقول في محرم كسر رباعية ضبي؟ فقال: يا بن بنت رسول الله لا أعلم ما فيه، فقال: إن الضبي لا يكون رباعيا بل هو ثني أبدا (5). وفي الدر المنثور: أخرج ابن جرير عن الحسن في قوله " خلقتني من نار، وخلقته من طين " قال: قاس إبليس وهو أول من قاس. وأخرج أبو نعيم في الحلية، والديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله (ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله له أسجد لآدم، فقال أنا خير منه، قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس (6).
(1) الأجوبة الفاضلة، ص 117. (2) نفس المصدر، ص 93. (3) نصب الراية، ص 93. (4) حياة الحيوان، ج 1، ص 128. (5) أيضا، ج 2، ص 89، 90. (6) الدر المنثور، ج 3، ص 177. 220 وفي حياة الحيوان: وكان عمرو بن العاص جزارا، وكذلك أبو حنيفة صاحب الرأي والقياس (1). وفي شرح الفقه الأكبر لعلي القاري: ثم اعلم أن القونوي ذكر أن أبا حنيفة كان يسمى مرجئا، وكذا قال الشيخ الجيلي في (غنية الطالبين) حيث عد الفرق غير الناجية، وقال: منهم المرجئة (وذكر أصنافا)، ثم قال: ومنهم: الحنيفة (وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت)، وهكذا قال الحافظ عبد العزيز البيرهاروني في (مرام الكلام). وقد روى الترمذي عن ابن عباس (مرفوعا): " صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب، المرجئة، والقدرية ". فملخص ما ذكرنا أنه لا يسلم كثير من المعتبرين من الجرح حتى أبو حنيفة. وقد قال قوم: الجرح مقدم على التعديل خلافا لأبي حنيفة (كما في منهج الوصول) وما قالوا فهو مؤيد للإمامية لأن الأحاديث الواردة في فضائل أهل بيت النبي (عليه وعليهم السلام) التي ضعفها قوم وصححها آخرون، فالتصحيح مقدم هما (2). أقول: الإنصاف يا أهل (الجماعة) قدموا الكثرة أو الجرح أو التعديل، فأصولكم في (الحديث) كأصولكم في (الخلافة) كلها مخترعة، وهي أوهن من نسج العنكبوت، فلكم اتباع أهوائكم، " ومن أضل ممن اتبع هواه "، لأن أصولكم ليست بجامعة ولا مانعة. ومع هذا نسلك على طريقتهم المعمول بها في الاحتجاج بالأحاديث بأن نسلم أن (الصحيحين) أصح الكتب، وإن رجح غيرهما في بعض الأوقات (كما مر)، وبعد هما (موطأ) مالك. في (الأجوبة الفاضلة) قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): رتبة (الموطأ) أن يذكر تلو (الصحيحين) مع سنن أبي داود. وذكر الزرقاني في شرح الموطأ عن السيوطي أن (الموطأ) صحيح كله على شرط مالك، وبعده سنن أبو داود، والترمذي (3). في (بستان المحدثين) لعبد العزيز الدهلوي: أن أبا داود قد انتخب في سننه من خمسمائة ألف حديث، وأرى أستاذه أحمد بن حنبل فاختاره هو. وقد التزم في (سننه) صحيحا، أو حسنا (4). وفي (التدريب): وما كان فيه ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح، هذا وهو يشمل الصحيح والحسن. قال النووي: والحق ما قاله الجمهور من هذا ما سكت عنه أبو داود، وذلك لما رواه ابن الصلاح وقد استند القاري الحنفي في كتاب موضوعاته الكبير بسكوت أبي داود (5)، وفي الأجوبة الفاضلة: قال ابن الصلاح في مقدمته (كتاب أبي عيسى الترمذي - أصل في معرفة الحديث الحسن)، ومن مظانه سنن أبي داود، روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه، وأصح ما يعرفه في ذلك الباب. وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض. قال: وما سكت عنه أبو داود جزمنا بأنه من الحسن عند أبي داود (6). وفي
(1) حياة الحيوان، ج 1، ص 177. (2) منهج الوصول، ص 123. (3) الأجوبة الفاضلة، ص 48. (4) الدهلوي، ص 107. (5) القاري، ص 40. (7) الأجوبة الفاضلة، ص 46. 221 تفسير ابن كثير: وهذا الحديث حسن عند الإمام أبي داود لأنه رواه، وسكت عليه (1). في نيل الأوطار، قال الخطابي: (سنن أبي داود) كتاب شريف لم يصنف مثله في علم الدين، كتاب رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم، فصار حكما بين العلماء، وطبقات المحدثين (2). والترمذي أظهر رأيه في كل حديث. ثم النسائي، ففي النيل: قال الذهبي، والتاج السبكي: إن النسائي أحفظ من مسلم صاحب (الصحيح) (3). وفي (بستان المحدثين): التزم الإمام النسائي في سننه حديثا صحيحا، أو حسنا وفاقه مجتباه، (أي مجتبى النسائي فائق على - سننه - في هذا) (4). و (لسنن الدارمي)، قال السيوطي في (التدريب) قال شيخ الإسلام: مسند الدارمي ليس دون السنن في الرتبة، بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجة فإنه أمثل منه بكثير (5). ثم صحيح ابن حبان فقد نقل العراقي عن الحازمي أنه قال ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم، وقال السيوطي في التدريب: قيل ما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح غايته أن يسمي الحسن صحيحا، فهي مشاحة في الاصطلاح (6). وفيه: ناقلا عن مقدمة ابن الصلاح: ويكفي مجرد كونه (أي الحديث) موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخربة على كتاب البخاري، ومسلم ككتاب أبي عوانة، وكتاب أبي بكر الإسماعيلي، وغيرهم. وفي هذا المقام كتب عبد الحي في هذه الرسالة عن العراقي: إن كان علم صحة الحديث مطلوبا فما نفعل؟! فقال: خذه إذ ينص على صحته إمام معتمد كأبي داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، والخاطبي، ويؤخذ الصحيح أيضا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم، وكذلك ما يوجد في المستدركات على الصحيحين من زيادة وتتمة لمحذوف فهو محكوم بصحته، (إنتهى ملخصا) (7). وقال الشيخ الدهلوي في مقدمة المشكاة: إن صحة فن الحديث ختم على الدارقطني. في النيل قال: قال النووي: يجوز الاحتجاج بما كان في المصنفات المختصة بجمع الصحيح، كصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، ومستدرك الحاكم، والمستخرجات على الصحيحين لأن المصنفين حكموا بصحة كل ما فيها حكما عاما (8)، ثم التزموا بصحة مسند أحمد (9).
(1) تفسير ابن كثير، ج 1، ص 245. (2) الشوكاني، ج 1، ص 12. (3) شرح النيل، ج 1، ص 11. (4) بستان المحدثين، ص 111. (5) الأجوبة الفاضلة، ص 46. (6) الأجوبة الفاضلة، ص 47. (7) أيضا، ص 50. (8) شرح النيل، ج 1، ص 13. (9) تدريب الراوي، ص 6. 222 قال شيخ الإسلام: ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة (ثم بينها). وقال الهيتمي في (زوائد المسند): مسند أحمد أصح صحيحا من غيره، وقال ابن كثير: لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند. وقال شيخ الإسلام: تلقته الأمة بالقبول (1)، وقد ذكر في النيل: ما سكت عليه أحمد صالح للاحتجاج (2). في (هداية السائل لأدلة المسائل) للصديق، وبستان المحدثين، قال أحمد: إذا وقع الاختلاف بين المسلمين في الحديث فلينظروا في هذا الكتاب (3). في الأجوبة الفاضلة: اعترض العراقي، وابن الجوزي على مسند أحمد على صحة جملة أحاديثه، وبأن فيه موضوعا وضعيفا (ثم قال): ثم قام لرده الحافظ ابن حجر فصنف (القول المسدد في الذب عن مسند أحمد)، وأجاب عنه حديثا حديثا، ونفى وضعها بالبراهين الساطعة، والحجج القاطعة، (إنتهى ملخصا) (4). وفي مقدمة المسند لأحمد قال العلامة تقي الدين السبكي في (شفاء الأسقام) - تحت تعديل موسى بن هلال -: وأحمد لم يكن يروي إلا عن ثقة، كذا قال ابن تيمية. وفي حجة الله البالغة، ورسالة الإنصاف: وجعل أحمد مسنده ميزانا يعرف به حديث رسول الله (ص) فما وجد فيه، ولو بطريق واحد فله أصل، وما لا فلا أصل له. وفي مقدمة المسند قال الإمام الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني: هذا الكتاب (يعني مسند الإمام أحمد) أصل الكبير، ومرجع وثيق لأصحاب (الحديث). وقال أحمد لنا: فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله (ص) فارجعوا إليه، فإن كان، وإلا فليس بحجة، (كذا قال الخطيب ملخصا من الطبقات الكبرى للإمام ابن السبكي، والطبقات الكبرى للشعراني، وتاريخ ابن خلكان). وفي (النيل): للإمام أحمد المسند الكبير انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف، ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به، وبالغ بعضهم فأطلق على جميع ما فيه أنه صحيح (5). وقال السيوطي في خطبة كتابه الجامع الكبير ما لفظه: وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول، فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. وفي (نبراس الصالحين) في رد غير المقلدين: قال السيد الصديق في كتابه (الحطة في بيان أحاديث الصحاح الستة): إن أحمد بن حنبل شرط فيه أن لا يخرج إلا حديثا صحيحا عنده (6). وقال السيد الصديق في (سلسلة العسجد من ذكره مشائخ السند): قال ولي الله، وعبد العزيز الدهلويان: مسند أحمد عندنا من الطبقة الثانية، وهو أصل في معرفة الصحيح من السقيم، أما الضعيف الذي فيه فقد صححه المتأخرون. وعلماء الحديث والفقه قد جعلوه مقتداهم، وفي
(1) أيضا، ص 56. (2) شرح النيل، ج 1، ص 13. (3) أدلة المسائل، ص 271، وبستان المحدثين، ص 28. (4) الأجوبة الفاضلة، ص 48. (5) شرح النيل، ج 1، ص 10. (6) نبراس الصالحين، ص 25. 223 الحقيقة هو ركن أعظم في الحديث (1). وقال في (هداية السائل): لو لم يثبت أحمد في زلازل المعتزلة لذهب مذهب أهل الجماعة من الأرض، فيا حسرة أنهم اتهموه بالرفض، والتشيع لذكره الأحاديث في فضائل أهل البيت (ع)، وما هذا إلا تعصب من أهل الجماعة. وقد ألف العلامة الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي أربعمائة كتاب، وبضعا (وهو من مجددي المائة التاسعة)، قال عبد الحي اللكنوي في (المنهية على إقامة الحجة): له باع طويل، وقدم راسخة في علوم الحديث، والتاريخ (2). وفي بستان المحدثين: إن لابن حجر، وإن كان ضبطا في العلوم لكن سعة النظر، والاطلاع على الكتب كان زائدا للسيوطي (3). وفي الميزان الكبرى للشعراني: إن رجلا جاء إلى السيوطي للشفاعة عند السلطان فاعتذر السيوطي، وقال: قد اجتمعت برسول الله (ص) إلى وقتي هذا خمسا وسبعين مرة يقظة ومشافهة ولولا خوفي من احتجابه عني بسبب دخولي للولاة لطلعت القلعة، وشفعت فيك عند السلطان، وإني رجل من خدام حديثه، وأحتاج إليه في تصحيح الأحاديث التي ضعفها المحدثون من طريقهم ولا شك أن نفع ذلك أرجح من نفعك أنت يا أخي (4). وفي اليواقيت والجواهر (البحث الثاني والعشرون) بأسانيد - مثل ما روي في الميزان - قال: قد أخبرني الشيخ الصالح عطية الإنباس، والشيخ الصالح قاسم المغربي، والقاضي زكريا الشافعي أنهم سمعوا الشيخ جلال الدين السيوطي يقول: رأيت رسول الله (ص) في اليقظة بعضا وسبعين مرة، وقلت له في مرة منها: هل أنا من أهل الجنة يا رسول الله؟ فقال: نعم، فقلت: من غير عذاب سبق، فقال: لك ذلك (5). وقد ألف الشيخ السيوطي كتابا سماه: (تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك)، وذكر أمثلة. وقال ابن العربي في الكبريت الأحمر: قال السيوطي: زرت رسول الله (ص) وصححت عنه أحاديث كثيرة، وقد ذكر الإمام مسلم في صدر كتابه عن شخص أنه رأى رسول الله (ص) في المنام فعرض عليه ألف حديث كانت في ذهنه أنها صحيحة فأثبت له (ص) من الألف ستة أحاديث، وأنكر (ص) ما بقي (6). ومن طالع كتب السيوطي لا يخفى عليه سعة نظره في الكتب، وضبطه، وكمال علمه، ولا يذكر حديثا معلولا، ولا ضعيفا في تصانيفه بدون التصريح، بل يذكر الصحيح، والحسن، والضعيف، وسكوته مشتمل على الصحيح أو الحسن، ولا يسكت على ما لا أصل له، فكان كتابه كسنن أبي داود في الطبقة، كما قال القاري في موضوعاته الكبير: سكوت السيوطي قابل
(1) سلسلة العسجد، ص 57. (2) المنهية، ص 9. (3) بستان المحدثين، ص 115، وهدية المهدي، ج 5، ص 117. (4) الشعراني، ج 1، ص 39. (5) اليواقيت والجواهر، ج 1، ص 122. (6) الكبريت الأحمر، ج 2، ص 249. 224 للاحتجاج به (1). وروى البيهقي عن ابن عباس أن السيوطي التزم أن لا يذكر في كتابه هذا حديثا موضوعا، فالحديث غير موضوع، والتزم السيوطي أن لا يكون في الجامع الصغير حديث موضوع. وفي (إقامة الحجة): عد عبد الحي اللكنوي السيوطي، وابن حجر من الثقات الذين نقل حديثهم بلا إسناد معتبر (2)، وقد استدل الفاضل المذكور في رسالته (زجر الناس على إنكار أثر ابن عباس) " نبي كنبيكم " الحديث من سكوت السيوطي. وقد التزم السيوطي في (الدر المنثور) الاستناد من المعتبرات، كما في الدر المنثور: فلخصت منه لهذا المختصر، مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، فما رأى غير معتبر، أو معلولا صرح به، وسكوته قابل للاحتجاج. وفي الدر: صحيح الإسناد، ولكن الشعبي لم يدرك عمر (3)، وفيه: صححه الحاكم وضعفه الذهبي (4)، وفيه أيضا: أخرج البيهقي بسند منقطع (5)، وأخرج البزار عن ابن عباس: " إن الذين أسلموا "، (الحديث)، وهذا خطأ من البزار (6)، وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية بسند واه (7). وأخرج ابن عساكر بسند فيه مجاهيل ومن طريق نعيم بن سالم وهو متهم (8)، وفيه: بسند جيد، بسند ضعيف، بسند واه، بسند حسن (9)، وفيه: وأخرج البخاري في جزء التراجم بسند ضعيف جدا عن ابن عمر مرفوعا (10). وقد ذكرنا سابقا أن التصحيح، والتضعيف متعسران لا سيما في هذا الزمان، والعمل على الكتب المعتمدة بتصريح المؤلفين باعتمادها. ولا يخفى على المتبحرين أن الماهرين لهم ملكة خاصة حاصلة بنقد الحديث، لكن في زماننا لا يوجد من يقابل، ويساوي ذكاء السلف وتقواهم، وعلمهم، وإن اجترأ بعض معاصرينا المدعين بعلم الحديث، ومع هذا يبحثون في الأسانيد، ويعترضون على السابقين، وهم لا يعلمون. وقد اعتبرت أوائل أهل الجماعة على الكشف، والملكة وقبول المعتمدين أيضا، ولو كان الإسناد ضعيفا (كما مر في تدريب الراوي) قال بعضهم: يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول، وإن لم يكن له إسناد صحيح، قال ابن عبد البر في الإستذكار لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح الحديث " البحر هو الطهور ماؤه "، وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده لكن الحديث عندي صحيح، لأن العلماء تلقوه بالقبول (11). وقد يركب الحديث الضعيف على الإسناد الصحيح (كما في التدريب): كثيرا ما يكون
(1) القاري، ص 25. (2) إقامة الحجة، ص 11. (3) الدر المنثور، ج 1، ص 90. (4) أيضا، ج 4، ص 44. (5) أيضا، ج 2، ص 153. (6) أيضا، ج 2، ص 159. (7) أيضا، ج 1، ص 193. (8) أيضا، ج 1، ص 96. (9) أيضا، ج 1، ص 113. (10) أيضا، ج 1، ص 202. (11) تدريب الراوي، ص 15. 225 الحديث ضعيفا، أو واهيا، والإسناد صحيح يركب عليه، (كذا قال ابن عساكر) (1)، وفي (هداية السائل) للسيد الصديق: لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن (كما تقرر في علوم الحديث) هذا كلام البيهقي نقله السيوطي في (الحاوي)، وقال: هو في غاية الحسن (2)، وكذا في (نزهة النظر شرح نخبة الفكر) لابن حجر: أو يأخذ حديثا ضعيف الإسناد فيركب له إسنادا صحيحا ليروج (أي ذلك الحديث)، وفي شرحه: وقد يذكر كلاما ليس له أصل كما يذكره أهل التعاويذ في إسناد دعاء ونحوه، ويذكرون له إسناد أجل رجاله من أعاظم المحدثين منتهيا إليه (عليه السلام)، أو إلى أحد من أكابر أمته كالخضر، والحسن البصري، والإمام جعفر الصادق، وقد يذكر في آخره أن من شك في هذا كفر. فالحديث الذي نقله الثقات الذين لا يرجى منهم أن يسكتوا على المتروك، أو المعلول، أو يستدلوا له فهو قابل للاحتجاج. وقد تتقوى الأحاديث الضعيفة بكثرة الطرق فتكون صحيحة، أو حسنة، (ومن شاء التوضيح فليرجع إلى مقدمة أشعة اللمعات للشيخ الدهلوي). وفي تدريب الراوي: وفي تعقبات السيوطي على موضوعات ابن الجوزي: المتروك والمنكر إذا تعددت طرقه ربما يرتقى إلى الحسن، (كذا في نزهة النظر) (3)، وقد اتفقوا على أن في الفضائل تقبل الأخبار الضعيفة أيضا (كذا في الأجوبة الفاضلة) (4). وفي تدريب الراوي: ذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموعه ذلك إلى درجة الحسن (5). ولا يخفى أن اتفاق الكل على صحة كتاب أو حديث مما يشكل، فكما أن علماء أهل الجماعة يستدلون من الكتب الصحيحة، أو الأحاديث الصحيحة عند المحدثين أو سائر الذرائع للقبول، فكذا نستدل عليهم لإثبات مدعانا، وأنهم هم المختارون، وفي ترك الأحاديث الصحيحة لتقليدهم لعلمائهم. كما قال الحافظ عبد العزيز بيرهاروي في كوثر النبي (ص): فاعلم أن العلماء فيه (أي في تعارض الحديث بقول الإمام) على قولين، أحدهما الأخذ بقول المجتهد حملا على أنه اطلع على هذا الحديث فوجد منسوخا أو مرجوحا، وهو مذهب عامة من يتقلد. وفي (حجة الله البالغة)، ومنها: أن جماعة من الفقهاء زعموا أنه يجوز رد حديث يخالف القياس من كل وجه، كما قال الترمذي مع تصحيحه حديث (الجمع بين الصلاتين) قال: متروك العمل. وقد اعترض معاصرونا على التفاسير، والتواريخ واتهموهم بالكذب، فعليهم تبيان الصحاح، ولعل التعصب هو الموروث فيما بينهم كالأمراض الموروثة فما وافق آراءهم، وطابق أهواءهم، فهو
(1) أيضا، ص 48. (2) هداية السائل، ص 327. (3) تدريب الراوي، ص 58. (4) الأجوبة الفاضلة، ص 41. (5) تدريب الراوي، ص 58. 226 صحيح، وما وراءه باطل، فهذا هو ترجيح بلا مرجح كما قالوا: " نؤمن ببعض ونكفر ببعض ": بل قالوا " إنا وجدنا عليه آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون ". على أنه لا يخلو أحد من مفسريهم، ومؤرخيهم من أن يستدل بهذه الكتب كما لا يخفى. وإذا استدل بها الفريق الثاني أنكروا صحتها (إن هذا إلا شئ عجاب). وإن أنكروا قول ثقة بلا سند أيضا بطلت سلسلة الدين بأسرها، كما حقق عبد الحي في رسالة السبعة: أن لا مدار على الإسناد الصرف بل لقبول العلماء، وملكتهم دخل على أن جرح الإسناد ليس من مسند بإسناد صحيح. فكيف نعلم أن كتب أسماء الرجال كلها مكتوبة بحضرة الرواة، أو معاصريهم، بل يحتمل أن يكون الإلزام والجرح من المخالف، أو من سماع المخالف، وهو لا يعلم بنفسه علم اليقين، أو كان من متعصبي المذهب، وهذا التسلسل ممكن جار على كل راو (وهلم جرا)، وهذا هو الباطل. فصل: في توثيق الكتب فالآن نكتب هاهنا حال بعض الكتب التي أخذنا منها، ونظهر توثيقها لتطمئن القلوب. أما السيوطي فقد سمعت حاله آنفا، وهو الذي ألف تفسير (الجلالين)، و (الدر المنثور)، و (الإتقان) وقد قارب أربعمائة فصاعدا. وأما تفسير (فتح البيان)، و (الدر المنثور)، وغيرهما فقال السيد الصديق في فتح البيان: وأذكر الحديث معزوا إلى راوية من غير بيان حال الإسناد لأني آخذه من الأصول التي نقلت عنها، كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير، والقرطبي، وابن كثير، والسيوطي، ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفا، ولا يبينوه. (ثم قال): واعلم أن التفسير السيوطي المسمى (بالدر المنثور) قد اشتمل على غالب ما في تفسيرات السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي (ص)، وتفاسير الصحابة، ومن بعدهم. (ثم قال): وقد اشتمل هذا التفسير (أي فتح البيان) مني على جميع ما تدعو إليه الحاجة مما يتعلق بالتفسير مع الاختصار، وضممت إلى ذلك فوائد لم تشتمل عليها زبر أهل الرواية، وعوائد لاحت لي من تصحيح، أو تحسين، أو تضعيف (1). وفي الأجوبة الفاضلة لعبد الحي اللكنوي، ومنهاج السنة لابن تيمية: وأما أهل العلم الكبار أصحاب التفاسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وابن مخلد، وابن أبي حاتم، وأبي بكر المنذر، وأمثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات، دع من هو أعلم منهم مثل تفسير أحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه بل ولا يذكر مثل هذا عبد بن حميد، ولا عبد الرزاق. ففي هذه العبارة كفاية للتفاسير لأنه من أكابر أفاضل متعصبي أهل الجماعة ففي الدرجة الأولى
(1) فتح البيان، ج 1، ص 13. 227 تفسير أحمد بن حنبل، وتفسير إسحاق بن راهويه، وفي الدرجة الثانية تفسير ابن جرير، وابن مخلد، وابن أبي حاتم، وأبي بكر المنذر، وغيرهم، ثم تفسير المعالم للعلامة البغوي. قال في (الخازن): إن معالم التنزيل للبغوي موصوف بالأوصاف المحمودة لكنه طويل، وفوقه أو مساويه تفسير عبد بن حميد، وعبد الرزاق، ثم الثعلبي، والنقاش، والواحدي. لكن روايتهم بالانفراد ليست بمعتبرة إلا بالتقوية، وللآخرين بالانفراد. قال الإمام النووي في حق تفسير ابن جرير: أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثله (1). في (الطبقات) لابن السبكي: قال ابن خزيمة حين رأى تفسير ابن جرير: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال أبو حامد الأسفرائيني: لو سافر رجل حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا، (هكذا في فتح البيان) (2) وزاد: قال السيوطي في (الإتقان): وكتابه - أي تفسير ابن جرير - أجل التفاسير، وأعظمها فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين (إنتهى ملخصا). وفي تاريخ ابن خلكان: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحدا، وكان ثقة في نقله، وتاريخه أصح التواريخ، وأثبتها (3) (كذا في الطبقات الكبرى للإمام عبد الوهاب ابن السبكي)، بل أنه أكثر وبالغ في مدحه. وما بعد هذه التفاسير قد انتخبت من هؤلاء كما يؤيده انتخاب الحافظ السيوطي في (الإتقان) و (الدر) من تفسير ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي الشيخ، وابن حبان، والفريابي، وعبد الرزاق، وابن المنذر، وسعيد بن منصور، ومستدرك الحاكم، وتفسير ابن كثير، (الذي هو في طبقة عبد الرزاق)، وغيرها، وهذا هو دستور في كل زمان أن المتأخرين ينتخبون من المتقدمين، وبعضهم يلتزمون الأقوال الراجحة، ونقد الروايات، وإسقاط غير المعتبرة، (كما هو دأب صاحب فتح البيان، وجامع البيان، والخازن، والمظهري). وفي (كشف الظنون): " لباب التأويل في معالم التنزيل " للشيخ علاء الدين علي بن محمد ابن إبراهيم البغدادي الصوفي المعروف بالخازن، (ثم قال): إن (معالم التنزيل) للبغوي موصوف بالأوصاف المحمودة، لكنه طويل فانتخبه (أي الخازن)، وضم إليه فوائد لخصها من كتب التفاسير بحذف الأسانيد، وقد التزم المؤلف في (تفسير الخازن) (4) التصريح بصحة الروايات، وحذف الإسناد ونقل قول معتمد، فهو معتبر بكل وجه من انتخابه وتصريحه، والتزامه القول المعتمد، (ومن شاء الاطمئنان فليطالع مقدمته). فمن كذب من أهل الجماعة هؤلاء الكملاء والفضلاء فقد ضل وأضل، وجهل وأجهل عن قواعدهم مع أنهم قد استدلوا من هذه التفاسير، والتواريخ كما لا يخفى على من طالع مفوهاتهم الواهية. وأما التواريخ فما من أهل مذهب إلا وقد استدل بالتواريخ، كيف لا، وليس من آية ولا حديث
(1) المحكمات، ص 83. (2) فتح البيان، ج 1، ص 10. (3) تاريخ ابن خلكان، ج 1، ص 456. (4) تفسير الخازن، ج 1، ص 3. 228 ناسخ أو منسوخ إلا وأنه موقوف على التاريخ، والنسخ من أعاظم مسائل أمور الدين. وأما رد التواريخ لكون الاختلاف فيها فمردود لكونه في التفاسير، والأحاديث، والفقه، وغيرها. فالإنكار من التاريخ إنكار التجاهل، وأما أهل الجماعة فمنهم من سعى في إخفاء التواريخ لئلا يظهر حالات أئمتهم وأمرائهم، (كما قال ابن حجر المكي في ترويج الجنان على هامش الصواعق): كابن قتيبة مع جلالته القاضية بأن كان ينبغي أن لا يذكر الظواهر فإن أبي إلا ذكرها فليبين جريانها على قواعد أهل السنة حتى لا يتمسك مبتدع أو جاهل (1). في التاريخ الكامل: ولقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة، والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية، ويحتقر التواريخ، ويزدريها ويعرض عنها ويلغيها ظنا منه أن غاية فائدتها القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث، والأسمار. وهذا حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره، وأصبح مخشلبا جوهره، ومن رزقه الله طبعا سليما، وهداه صراطا مستقيما علم أن فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة (2). في توثيق كتب التواريخ والمناقب والحديث والآن نذكر توثيق بعض كتب التواريخ التي أخذنا منها في (كتابنا) هذا. فأما تاريخ ابن خلكان، وابن خلدون فلا حاجة لنا إلى توثيقهما لأنه ما من معتمد من علماء أهل الجماعة من المتقدمين والمتأخرين، إلا وقد أخذ منهما، واعتمد عليهما. وأما (تاريخ ابن جرير الطبري)، فقد مر شئ من حاله، وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان) في حقه: وكان ثقة في نقله، وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء من المجتهدين، (كذا في عبقات الأنوار) (3) تحت حديث المدينة. وفيه، ناقلا عن السيد الصديق في التاج المكلل: وتأريخه أصح التواريخ، وأثبتها (4). وقال ابن الأثير الجزري في التاريخ الكامل: فابتدأت بالتأريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المعول عند (الكافة) عليه، والمرجوع عند الاختلاف إليه، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه لم أخل بترجمة واحدة منها (إلى أن قال): وإنما اعتمدت عليه من بين المؤرخين إذ هو الإمام المتقن حقا الجامع علما وصحة اعتقادا وصدقا (5). وفي الطبقات الكبرى للإمام السبكي ناقلا عن الخطيب قال: ابن جرير أحد الأئمة يحكم يقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشارك فيه أحد من أهل عصره.
(1) الصواعق، ص 93. (2) الكامل في التاريخ، ج 1، ص 4. (3) عبقات الأنوار، ج 1، ص 86. (4) أيضا، ص 89. (5) ابن الأثير، ج 1، ص 3. 229 وأما (التاريخ الكامل) فقال مؤلفه فيه: إني لم أنقل إلا من التاريخ المذكور (أي تاريخ ابن جرير)، والكتب المشهورة ممن يعلم بصدقهم فيما نقلوه، وصحة ما دونوه، ولم أكن كالحاطب في ظلماء الليالي، ولا كمن يجمع الحصباء، واللآلئ (1)، فإنه التزم بصحة ما أورد. وأما (شواهد النبوة) فقد ألفه عبد الرحمن الجامي (مؤلف شرح الكافية في النحو). في استقصاء الإفحام: في خطبة تاريخ الخميس عد شواهد النبوة من الكتب المعتبرة، وأخذ منه، وقد أخذ الشيخ الدهلوي منه فيما ثبت بالسنة في أيام السنة (2). وأما (تاريخ الخميس)، و (روضة الأحباب) فقد قال السيد الصديق في (سلسلة العسجد في ذكر مشايخ السند): فهما من الكتب المرضية في التاريخ، و (تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس) هو للشيخ حسن بن محمد الحسن الديار بكري (3). وأيضا كتاب (روضة الأحباب) فهو من تأليف جمال الدين المحدث، قد أخذ منه أكابر علمائهم وما أنكر عليه أحد، فإن الشيخ الدهلوي قد أخذ منه في (مدارج النبوة) أكثر خمسين مرة واستحسنه، وأيضا عده في التحفة الاثنا عشرية (في لباب العاشر في بحث عسكر أسامة) من الكتب المعتبرة. وقد أخذ من (الجمال) المحدث علي المتقي في كنز العمال بهذه العبارة، قال الحافظ شمس الدين الجزري في كتاب (أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب): أخبرنا شيخنا الإمام المحدث جمال الدين محمد بن يوسف... الخ (4). وعد في (التحفة الاثنا عشرية): تاريخ روضة الصفا، وحبيب السير من الكتب المعتبرة. وأما (جواهر العقدين في فضل الشرفين) فألفه نور الدين على السمهودي الشافعي، وأخذ منه عبد الحي في (فتاواه) في مقامات كثيرة (5)، وعبيد الله الآمر تسري في أرجح المطالب، والسيد الصديق في هداية السائل (6)، وفي كتاب سلسلة العسجد (7)، وارتضاه واستند به. وذكر الشيخ الدهلوي في (جذب القلوب) أنه من جملة مؤلفات السيد العالم الكامل، أوحد العلماء الأعلام، عالم مدينة خير الأنام نور الدين علي بن السيد الشريف عفيف الدين عبد الله ابن أحمد الحسيني السمهودي المدني (8). وأما (الرياض النضرة) فألفه المحب الطبري الشافعي كما ذكره السيد الصديق في كتابه (سلسلة العسجد) في كتب المناقب المعتبرة، واستند إليه غيره، وقد أقر باعتماده علي القاري في شرحه لقصيدة الأمالي (9)، واعتمد عليه الشيخ الدهلوي فيما ثبت بالسنة في أيام السنة، وعبد العزيز
(1) أيضا، ص 3. (2) استقصاء الإفحام، ج 1، ص 100. (3) سلسلة العسجد، ص 109. (4) كنز العمال، ج 1، ص 299. (5) الفتاوى، ج 1، ص 362. (6) هداية السائل، ص 53. (7) سلسلة العسجد، ص 66. (8) جذب القلوب، ص 123. (9) شرح قصيدة الأمالي، ص 32. 230 الدهلوي في فتاواه، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (1)، واستند إليه القاري في (المصنوع في الحديث الموضوع) (2)، وقد عده الحافظ السيوطي في (السبل الجلية في الآباء العلية) (3) من حفاظ الحديث وأئمته، المحب الطبري، والحافظ أبا بكر الخطيب البغدادي، والحافظ أبا القاسم ابن عساكر، والحافظ أبا حفص ابن شاهين، والحافظ أبا القاسم السبهيلي. وأما كتاب (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) من مؤلفات العلامة كمال الدين محمد ابن طلحة الشافعي: فقد ذكره العلامة اليافعي في مرآة الجنان: الكمال محمد بن طلحة النصيبي المفتي الشافعي: وكان رئيسا محتشما بارعا في الفقه. وكتب ابن الجماعة في (طبقات الفقهاء) الشافعية: محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن، الشيخ كمال الدين مصنف كتاب (العقد الفريد) صدر الرؤساء المعظمين، وقد أخذ منه السيد الصديق في تشريف (البشر بذكر الأئمة الاثني عشر) (4). وأما كتاب (الخصائص) للنسائي فقد اعترف الكملاء بأنه له، قاله ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة النسائي (5)، وكذا قال أبو الفداء: كتاب المختصر في أخبار البشر (في ترجمة النسائي)، وأبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال (في ترجمة النسائي)، والذهبي في تذكرة الحفاظ (بترجمة النسائي) نقلا عن المأموني، وابن الوردي في تتمة المختصر، وصلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات، واليافعي في مرآة الجنان، وابن حجر في تهذيب التهذيب، وعبد الرؤوف المناوي في فيض القدير، وعبد الحق الدهلوي في رجال المشكاة. وفي فتح الباري: استوعب من جميع مناقب علي (ع) من الأحاديث الجياد (النسائي في كتاب الخصائص) (6). وفي (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال) للإمام العلامة الحافظ صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري: وخصائص علي (ع) له (أي للنسائي)، ومسند علي (ع) له (7). أقول: وقد جرح النسائي في خصائصه عمران بن حبان بقوله: ليس بقوي في الحديث، ولم يسكت، فهذا هو الدليل الواضح على أن سكوته قابل للاحتجاج. وأما كتاب (الإمامة والسياسة) فهو لعبد الله بن مسلم ابن قتيبة، هو علامة الورى، وما من معتمد من أهل الجماعة إلا وقد استدل بقوله (كما لا يخفى على من له نظر وسيع في الكتب)، وفي وفيات الأعيان: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري، وقيل المروزي النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف، وأدب الكاتب: كان فاضلا ثقة، وهكذا قال اليافعي في مرآة الجنان: (وقائع سنة ست وسبعين ومائتين): وأخذ منه ابن حجر في فتح الباري في مواضع منها بقوله: وأجيب بما قال ابن قتيبة لو شاء الله لكان ذلك (8).
(1) الدهلوي، ص 152، والفتاوى، ص 143، وابن حجر، ج 2، ص 96. (2) المصنوع، ص 40. (3) السيوطي، ص 6. (4) تشريف البشر، ص 25. (5) ابن خلكان، ج 1، ص 21. (6) فتح الباري، ج 3، ص 388. (7) الأنصاري، ص 2. (8) فتح الباري، ج 2، ص 109. 231 وكذا مدحه ابن الأثير الجزري في جامع الأصول وزاد: كان ثقة دينا فاضلا صاحب التصانيف المشهورة الكثيرة في غريب القرآن ومشكله وغير ذلك من الكتب المعروفة. وكذا قال النووي في تهذيب الأسماء، وزاد: في مؤلفاته غريب الحديث، ومختلف الحديث وغيرهما (كذا قال الذهبي في ميزان الاعتدال) قال: كان ثقة دينا فاضلا، (وكذا قال السيوطي في بغية الوعاة). أقول: وأما كتابه المذكور فهو من تصانيفه دون ريب، كما أن الحكم لسائر الكتب المشهورة المنسوبة إليه، وإلى غيره مع أنه لم يشك فيه أحد، على أن (مصر) مدينة المطابع لكتب أهل الجماعة، فهو معيار لمعرفة الكتب، ومركز للعلماء. فسكوتهم دليل للصحة، ويؤيده ما قال العلامة عمر بن محمد بن محمد بن أبي الخير محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد في كتاب (إتحاف الورى): إن في الإمامة والسياسة للعلامة ابن قتيبة هكذا. ومدح العلامة السخاوي في (الضوء اللامع) عمر بن فهد مدحا بليغا. وقد أثبت الفاضل الجلبي في (كشف الظنون) أن (إتحاف الورى) من تأليف عمر بن فهد. وفي (إتحاف الورى) قال العلامة عمر بن فهد في (وقائع سنة 93 ه) قال: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة... الخ. وإن شئت المزيد من التفصيل فعليك (باستقصاء الإفحام، واستيفاء الانتقام في نقض منتهى الكلام (1) المجلد الثاني من المنهج الثاني. وفي (حياة الحيوان) قال ابن قتيبة: وفتحت في أيام عثمان الإسكندرية (2). وقال ابن حجر المكي في ترويج الجنان: كابن قتيبة مع جلالته القاضية (3). وقال السيوطي: قال ابن قتيبة ونقله في الأغاني، وقال: ما ذلك بمنكر، واستند النووي يا بن قتيبة في شرح مسلم بقوله: قال ابن قتيبة في المعارف، قال وهب بن منبه (4). وأما كتاب (العقد الفريد) فقد قال ابن خلكان في تأريخه: ابن عبد ربه، صنف كتابه العقد وهو من الكتب الممتعة (5). وأما كتاب (حياة الحيوان) ففي الصواعق المحرقة: كذا ذكر ذلك كله الدميري في حياة الحيوان (6)، فعلم منه أنه معتمد عنده مع أن ابن حجر المكي متعصب في المذهب، وألف هذا الكتاب في رد الشيعة، فالمعتمد عنده معتمد عند أهل الجماعة مطلقا. وأما كتاب (أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب) ففي كنز العمال: قال الحافظ شمس الدين الجزري في كتاب أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب (7)... الخ. وأما كتاب (المختارة) للضياء المقدسي فقال الحافظ في حقه في (الفتح): وابن تيمية يصرح بأن أحاديث (المختارة) أصح، وأقوى من أحاديث المستدرك (8).
(1) استقصاء الإفحام، ص 107 - 127. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 49. (3) ابن حجر، ص 94. (4) شرح صحيح مسلم، ج 2، ص 269. (5) ابن خلكان، ج 1، ص 32. (6) الصواعق، ص 108. (7) كنز العمال، ج 1، ص 299. (8) فتح الباري، ج 3، ص 489. 232 وأما كتاب (مستدرك الحاكم) فقال السيوطي في تدريب الراوي: إن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه تصحيح كثير، وهو مع حرصه على جمع الصحيح عزيز الحفظ كثير الاطلاع، واسع الرواية (1). وفي الأجوبة الفاضلة: ويؤخذ الصحيح أيضا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن أبي حاتم، وابن حبان، وكتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم، وكذا ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة، أو تتمة لمحذوف فهو محكوم بصحته، (إنتهى نقلا عن شرح الألفية للعراقي) (2). وقد مر شئ من حاله في لفظ الشيعة. وفي تدريب الراوي: وأما ابن حزم فإنه قال: أولى الكتب الصحيحان، ثم صحيح سعيد ابن السكن، والمنتقى لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن الأصبغ، ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، ومصنف قاسم بن الأصبغ، ومصنف الطحاوي، ومسانيد أحمد، والبزار، وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان، وابن راهويه، والطيالسي ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجل مثل مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وكتاب ابن المنذر، ومصنف سعيد بن منصور، وموطأ مالك ، وموطأ ابن وهب. فهذه طبقة موطأ مالك، بعضها أجمع للصحيح منه، وبعضها مثله، وبعضها دونه (3). (إنتهى كلام السيوطي ناقلا عن كتاب (مراتب الديانة) لابن حزم. فصل: في توثيق المحدثين ولنستدرك على ما قلنا بذكر توثيق المؤلفين من المحدثين. قال السيوطي في التدريب: سبعة من الحافظ أحسنوا التصنيف، وأعظم النفع بتصانيفهم، أبو الحسن (الدارقطني)، ثم (الحاكم) أبو عبد الله النيشابوري، ثم (أبو نعيم) الأصفهاني، وبعدهم أبو عمرو (ابن عبد البر) حافظ المغرب، ثم أبو بكر (البيهقي)، ثم أبو بكر (الخطيب البغدادي) (4). وفي سنن الدارقطني: الدارمي أثبتهم، ومحمد بن خيثمة، وابن جرير أحفظهم، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم، والدارقطني من الأئمة، وإن ابن عساكر أحفظ (5). وفي بستان المحدثين: (أبو يعلى) صاحب المسند أستاذ ابن حبان، وأبي حاتم، وأبي بكر الإسماعيلي (6). وفيه: (عبد بن حميد) صاحب المسند من الأئمة ثقة معتبر (7). وفيه أيضا: (أبو بكر أحمد البزار)، مدحه الدارقطني، وكان من تلاميذه أبو الشيخ، والطبراني،
(1) تدريب الراوي، ص 48. (2) الأجوبة الفاضلة، ص 50. (3) تدريب الراوي، ص 32. (4) أيضا، ص 56. (5) سنن الدارقطني، ص 277. (6) بستان المحدثين، ص 34. (7) أيضا، ص 31. 233 وغيرهما من المحدثين (1). قال السيد الصديق في هداية السائل: (ابن حجر العسقلاني) قاضي القضاة، خاتم الحفاظ، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود أحمد بن حجر العسقلاني توفي سنة 52 ه. قال السيوطي في حقه: انتهت إليه الرحلة، والرئاسة في الحديث في الدنيا بأسرها، فلم يكن في عصره حافظ سواه (2). وقد ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وتوفي في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وله تصانيف كثيرة مفيدة كتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة. وأشهر تأليفاته (بلوغ المرام)، وأجل تصنيفاته (فتح الباري في شرح البخاري). وفي (إقامة الحجة) لعبد الحي اللكنوي: إن ابن حجر المكي الهيتمي الشافعي فقيه محقق. أقول: إنه الإمام العالم العلامة الفقيه المحدث شهاب الدين ابن حجر الهيتمي، ونزيل مكة المكرمة، صاحب التصانيف كالصواعق المحرقة، وتطهير الجنان، وغيرهما. ابن الجوزي قال ابن الصلاح في مقدمته: ابن الجوزي هو الذي أكثر في هذا العصر جمع الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرا مما لا يدل دليل على وضعه، (إنتهى من الأجوبة الفاضلة) (3). في روضة المناظر لابن شحنة الحنفي (على حاشية التاريخ الكامل) قال السلطان عماد الدين: كان ابن الجوزي كثير الوقيعة في العلماء (4)، وقال السخاوي في (فتح المغيث لشرح ألفية الحديث): ربما أدرج ابن الجوزي في الموضوعات الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلا عن غيرهما، وهو توسع منكر ينشأ عنه غاية الضرر من ظن ما ليس بموضوع موضوعا. وفي الدراسة الحادية عشر من دراسات اللبيب: ليس الجرح من كل جارح مما يعتنى به كجرح ابن الجوزي، ورميه الحسان بل بعض الصحاح بالوضع. (إنتهى من الأجوبة الفاضلة) لعبد الحي اللكنوي (5). وفي تدريب الراوي: قد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلدين (أعني أبا الفرج ابن الجوزي) فذكر في كتابه كثيرا مما لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف، وفيه الحسن بل والصحيح، وأغرب من ذلك أن فيه حديثا من صحيح مسلم عن أبي هريرة (مرفوعا): إن طالت بك مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله (6)... الخ. قال شيخ الإسلام ابن حجر: وهو في أحد الصحيحين، وأن القول بوضعه لغفلة شديدة. قال الذهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حسانا قوية قال: ونقلت من خط
(1) أيضا، ص 33. (2) هداية السائل، ص 3. (3) الأجوبة الفاضلة، ص 52. (4) ابن شحنة، ج 11، ص 111. (5) الأجوبة الفاضلة، ص 52. (6) تدريب الراوي، ص 100، وصحيح مسلم، ص 101. 234 السيد أحمد بن أبي المجد (هكذا قال في حقه)، وكذا قال شيخ الإسلام، وكذا قال السيوطي في التعقبات على موضوعات ابن الجوزي. قال عبد الحي في تحفة الطلبة: في (المنهية له) بعد ذكر المتشددين: وحكم أقوال هذه الطائفة المتشددة المتساهلة أن لا يبادر إلى قبولها، ولا يقطع لصدق قولها ما لم يوافقهم غيرهم من نقاد المحدثين، وكبار المنتقدين (1). ابن تيمية في تحفة الطلبة لعبد الحي اللكنوي: ومنهم: (أي المتشددين) ابن الجوزي، وابن تيمية الحنبلي، والجوزقاني، والصنعاني. وقال العسقلاني في لسان الميزان: رد ابن تيمية على العلامة الحلي (الشيعي) كثيرا من الأحاديث الجياد، ومثله في الدرر الكامنة لابن حجر. وقد صرح الشيخ الدهلوي في شرح سفر السعادة بتشدد ابن تيمية في الحكم بالوضع، (إنتهى ملخصا) (2). وفي الأجوبة الفاضلة: ومنهم ابن تيمية فإنه جعل بعض الأحاديث الحسنة مكذوبة، وكثيرا من الأخبار الضعيفة موضوعة تبعا لابن الجوزي، وغيره (3)، (ثم نقل قول ابن حجر من لسان الميزان، والدرر الكامنة، ومن السيوطي من الدرر المنتشرة). وفي (حل المعاقد) لعبد الحليم والد عبد الحي اللكنوي: كان ابن تيمية حنبليا لكنه تجاوز عن الحد، وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله، فأثبت له الجهة والجسم، وله هفوات أخر، (كما قال في عثمان): يحب المال، وقال في علي (ع): ما صح إيمانه في حال الصبا، وتفوه في حق أهل البيت (ع) ما لا يتفوه به المؤمن المحق، وإن شئت المزيد من تفصيل حالات ابن تيمية، فعليك بمطالعة رسالة (العجالة النافعة) للمولوي محمد غازي مريد السيد مهر علي شاه الگولووي، وإن شئت أكثر من ذلك فعليك باستقصاء الإفحام (4). ابن عساكر قال ابن خلكان في تأريخه: أنه صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة من فقهاء الشافعية، وكان من عشاق الحديث، وحفاظه، وكان متدينا، وناقدا لعلم الحديث. أبو داود الطيالسي في أنساب السمعاني: هو أستاذ ابن أبي شيبة، وقال وكيع: لا يساويه في الحديث أحد لأنه كان أحفظ في الحديث.
(1) تحفة الطلبة، ص 34. (2) أيضا، ص 34. (3) الأجوبة الفاضلة، ص 35. (4) حل المعاقد، ص 78، واستقصاء الإفحام، ج 1، ص 162. 235 الحافظ أبو نعيم في إقامة الحجة: إن أبا نعيم الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن إسحاق. وقال ابن خلكان في تاريخه: إنه كان من أكابر المحدثين، وأعاظم الحفاظ والثقات، وكتابه الحلية كتاب حسن (1). المسعودي له كتاب مشهور يسمى بمروج الذهب. في وفيات الأعيان لابن خلكان: استند إليه، وقال في ترجمة أبي الحسن موسى الكاظم، قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في مروج الذهب في أخبار هارون الرشيد (2)... الخ. وقال في ترجمة المسعودي: إنه إمام فاضل (3)، واستند إليه ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة، وغيرها (4). وفي هامش التاريخ الكامل في ابتداء ترجمة المؤلف: إن (مروج الذهب)، و (معادن الجوهر) للإمام أبي الحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي، وقال المسعودي في مقدمة كتابه: إني ما أخذت من كتب التواريخ والأخبار والسير والآثار إلا ما اشتهر مؤلفه. فثبت من هذا أنه التزم صحة الرواية. وقال المسعودي: إني سميت هذا الكتاب بهذا الاسم لأنه بمنزلة الذهب النقي، والجوهر الصفي. الإمام الشعراني قال عبد الحي اللكنوي في إقامة الحجة (في الحاشية المنهية ناقلا من كشف الظنون): إن عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المصري كان قطب زمانه، وفريد وقته، وصاحب المقامات، قد ألف الميزان الكبرى فإنه كتاب حسن، وألف اليواقيت والجواهر، وغيره (5). الشيخ عبد الحق الدهلوي قال في تحفة الكلمة على تحفة الطلبة: إن الشيخ عبد الحق الدهلوي كان عالما في الشريعة والحقيقة، وماهرا في العلوم الظاهرة والباطنة، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة والمفيدة مثل أشعة اللمعات في شرح المشكاة، وجذب القلوب إلى ديار المحبوب، وتكميل الإيمان، وشرح فتوح الغيب، وشرح سفر السعادة، وما ثبت بالسنة في أيام السنة، وغيرها (6). السيد الصديق حسن خان هو السيد الإمام، والعلامة الهمام كما في ترجمة المؤلف للروضة الندية شرح الدرر البهية.
(1) إقامة الحجة، ص 7. (2) ابن خلكان، ج 2، ص 131. (3) أيضا، ص 462. (4) الصواعق، ص 122. (5) إقامة الحجة، ص 9. (6) أيضا، ص 35. 236 الكتاب الثاني ترتيب الصلاة بتطبيق الروايات
237 الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على العلة الغائية لما كان وما يكون، وهو فخر الأولين والآخرين محمد المصطفى، وآله المجتبين، وعترته الطاهرين، وأتباعه، والذين اتبعوهم إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلد الثاني من كتابنا (فلك النجاة في الإمامة والصلاة) المعروف " بترتيب الصلاة بتطبيق الروايات "، وها أنا أشرع في المقصود، بعون الله الودود. الباب الأول في بيان تغير الصلاة في بيان تغير الصلاة في القرن الأول، ثم من بعد وفاة النبي (ص) بتصرف ملوك الإسلام. إعلم أنه قد تغير وصف أداء الصلاة من بعد وفاة النبي (ص) في كل زمان، ويشهد عليه اختلافها في سائر الفرق الإسلامية فأردت أن أبين وصفها ما استطعت كما كانت في زمانه (ص) من كتب القوم. فعليكم أيها الأخوان الإنصاف، وترك الاعتساف لقول الحكماء: (أنظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال)، و (خذ ما صفا، ودع ما كدر) وهذا هو غاية تأليف الكتاب، والمرجو من الله سبحانه الإتمام والثواب. تنبيه ليس في الصلاة ذكر معين بألفاظ معينة بحيث لا تجوز (الصلاة) بدونها سوى الفاتحة، وسورة معها في الأوليين، (كما سيظهر إن شاء الله سبحانه).
239 فصل: في إثبات تغير وصف الصلاة بعد النبي (ص) روى البخاري في صحيحه، مع الفتح (باب تضييع الصلاة عن وقتها) عن أنس قال: ما أعرف شئ كما كان على عهد النبي (ص)؟! قيل: الصلاة. قال: الصلاة، قال أليس صنعتم ما صنعتم فيها. وفي رواية: سمعت الزهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق، وهو يبكي فقلت وما يبكيك، فقال لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت (1). وعن عمران بن حصين قال: صلى مع علي بالبصرة، فقال ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله (ص)، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع، وكلما وضع (2). وفي (الفتح) قوله: مع علي (ع) (أي ابن أبي طالب)، بالبصرة يعني (بعد وقعة الجمل)، قوله: ذكرنا (بتشديد الكاف وفتح الراء) وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك. وقد روى الطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري، قال: ذكرنا علي (ع) صلاة كنا نصليها مع رسول الله (ص) إما نسيناها، وإما تركناها عمدا، ولا حمد من وجه آخر. عن مطرف قال: قلنا (يعني لعمران بن حصين) يا أبا نجيد (كنية عمران بن حصين): من أول من ترك الكبير، قال عثمان بن عفان حين كبر، وضعف صوته، (وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر). وروى الطبراني عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية. وروى أبو عبيد: أن أول من تركه زياد. وهذا لا ينافي الذي قبله لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكان معاوية تركه بترك عثمان. وفي صحيح البخاري عن مطرف بن عبد الله قال صليت خلف علي بن أبي طالب (أنا، وعمران بن حصين) كان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال قد ذكرني هذا (أي علي) صلاة محمد (ص)، أو قال لقد صلى بنا (أي علي - ع -) صلاة محمد (ص) (3). وفي الفتح: وكذا رواه سعيد بن منصور من رواية حميد بن هلال، ووقع لأحمد من طريق سعيد، وكذا لعبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وغير واحد عن مطرف فيحتمل أن يكون ذلك وقع منه بالبلدين. ثم قال: وفي رواية قتادة عن مطرف، قال عمران: " ما صليت منذ حين "، أو " منذ كذا، وكذا أشبه بصلاة رسول الله (ص) من هذه الصلاة "، (إنتهى ملخصا). وهكذا في صحيح مسلم، وفي سنن ابن ماجة عن أبي موسى قال: صلى بنا علي (ع) يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله (ص)، فأما أن نكون نسيناها وأما أن نكون تركناها (4). قال الحافظ في (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية): روى الحاكم عن أنس قال: صليت
(1) صحيح البخاري، ج 3، ص 302. (2) البخاري، ج 3، ص 428. (3) البخاري، ج 3، ص 429. (4) صحيح مسلم، ج 1، ص 169، وسنن ابن ماجة، ج 1، ص 319. 240 خلف النبي (ص) وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي (ع)، فكانوا يجهرون ببسم الله (1). وفي كنز العمال عن الشعبي قال: رأيت علي بن أبي طالب، وصليت وراءه فسمعته يجهر ببسم الله، (رواه البيهقي) (2). وفيه: عن عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر ابن سعد: أن معاوية صلى بالمدينة للناس العتمة فلم يقرأ (بسم الله)، ولم يكبر بعض هذا التكبير الذي يكبر لنا فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار فقالوا يا معاوية أسرقت الصلاة، أم نسيت أين (بسم الله)، و (الله أكبر) حين تهوي ساجدا (رواه عبد الرزاق) (3). وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير: إن عليا كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعيا في إبطال آثار علي (ع) فلعل أنسا خاف منهم، (وسيأتي مستوفيا في البسملة) (4). وفي الخصائص للسيوطي: أخرج البيهقي، وأبو نعيم عن ابن مسعود (مرفوعا): " سيلي أموركم بعدي أمراء يطفئون السنة، ويعلنون البدعة ". قلت: هؤلاء الأمراء بنو أمية فأنهم معروفون بذلك. وقد اشتهر من محدثات عمر زيادة: " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر، وترك " حي على خير العمل " في الأذان. وروى البخاري عن السائب بن يزيد، قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام علي المنبر على عهد رسول الله (ص)، وأبي بكر، وعمر فلما كان عثمان، وكثر الناس زاد النداء الثالث. قوله: " السائب بن يزيد "، قال الشيخ الدهلوي في حاشية المشكاة: هو آخر من مات من الصحابة بالمدينة على قول (5). وفي تاريخ الخلفاء قال العسكري: في الأوائل هو (عثمان) أول من خفض صوته بالتكبير، وأول من أمر بالأذان الأول في الجمعة، وأول من قدم الخطبة في العيد على الصلاة، (إنتهى ملخصا) (6). وفي المشكاة في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي (ص) يخرج يوم الفطر، والأضحى إلى المصلى فأول شئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم. (الحديث). وبمعناه في سنن النسائي عن جابر (7). وفي الصحيحين عن ابن عمر، قال: كان رسول الله (ص)، وأبو بكر، وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة.
(1) نصب الراية، ص 74. (2) كنز العمال، ج 4، ص 209. (3) أيضا، ص 210. (4) التفسير الكبير، ج 1، ص 160. (5) حاشية المشكاة، ج 1، ص 626. (6) تاريخ الخلفاء، ص 112. (7) المشكاة، ص 117. 241 وفي صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ص) كان يخرج يوم الأضحى، ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة (أي قبل الخطبة)، (ثم قال): فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصرا حتى أتينا المصلى فإذا (كثير بن الصلت) قد بنى منبرا من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة؟! فقال لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم. قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم (ثلاث مرات)، ثم انصرف (1). قوله: " مخاصرا "، في (اللمعات): المخاصرة أن يأخذ رجل بيد رجل يتماشيان فتقع يد كل واحد عند خاصرة صاحبه، (عبارة عن شدة التصاقهما في المشي). قوله: " ثم انصرف " أي قال أبو سعيد ذلك ثم انصرف، ولم يحضر الجماعة (كذا قال الطيبي). وفي صحيح مسلم: عن كعب عن عجرة أنه دخل المسجد، وعبد الرحمن ابن أم الحكم يخطب قاعدا، فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا وقد قال الله، " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها، وتركوك قائما " (2). وفي أشعة اللمعات: لا يخفى أن عمر جمع الناس على قارئ واحد في رمضان، وقد عدوا صلاة التراويح من محدثات عمر، بل أنه قال نعمت البدعة هذه، وأيضا جمعهم عمر على أربع تكبيرات في الجنازة، (كما سيأتي إن شاء الله) (3). وروى البخاري عن حذيفة قال: قال النبي (ص) اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس. فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة، فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده، وهو خائف. قال الحافظ في (الفتح): نخاف هو استفهام تعجب، وزاد أبو معاوية في رواية فقال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا وكان ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى (أحد)، وغيرها. ثم رأيت في شرح ابن التين: الجزم بأن ذلك كان عند حفر (الخندق)، وحكى الداودي احتمال ذلك وقع لما كانوا بالحديبية، (ثم قال): وأما قول حذيفة: " فلقد رأيتنا ابتلينا... " فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة، أو لا يقيمها على وجهها. وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا، ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر، وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره، (إنتهى ملخصا) (4). في الصحيحين عن ابن عمر قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدرا من خلافته، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا، فكان
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 290. (2) صحيح مسلم، ص 284. (3) أشعة اللمعات، ج 1، ص 631. (4) البخاري، ج 3، ص 130. 242 ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين (1). وقال الزهري، قلت لعروة ما بال عائشة تتم؟! قال: تأولت كما تأول عثمان. وروى أحمد: أن عثمان صلى بمنى أربع ركعات، فأنكر الناس عليه. وفي (المرقاة): وفي إنكار الناس عليه دليل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يتم الصلاة في السفر، وإن القصر عزيمة، وإلا فلا وجه للإنكار. قال النووي: اختلفوا في تأويلهما، والصحيح (الذي عليه المحققون) إنهما رأيا القصر جائز، أو الإتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين. وذكر الشيخ المحدث الدهلوي: يمكن أن يكون تأويلهما أنهما كانا يريان القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا. أقول: ضعف التأويلات واضح. وفي الفتح: اختلف في أول من أحدث الأذان، فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد ابن المسيب: أنه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله، وزاد: فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة (2). وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال: أول من أحدثه زياد بالبصرة. وقال الداودي: أول من أحدثه مروان، وكل هذا لا ينافي أن معاوية أحدثه (كما تقدم في بداية الخطبة). وقد تغيرت السنة في قراءة صلاة المغرب بقصار المفصل كما في الصحيحين عن جبير ابن مطعم قال سمعت رسول الله (ص) يقرأ في المغرب (بالطور). وفيهما عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سمعت رسول الله (ص) يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا. وفي (سنن النسائي) عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: قرأ رسول الله (ص) في صلاة المغرب بحم الدخان قال المولوي وحيد الزمان الحيدر آبادي (مترجم الصحاح الستة) في ترجمة سنن ابن ماجة: ألا لعنة الله على الظالمين، (إنتهى بلفظه) (3). أقول: هذه عقيدتي، ودعائي لنفسي، ولجميع المؤمنين ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. وفي كنز العمال: عن ابن عباس قال لعن الله فلانا (أراد به معاوية) أنه كان ينهى عن التلبية في اليوم (يعني يوم عرفة) لأن عليا كان يلبي فيه، (رواه ابن جرير). وروى البيهقي: كان ابن عباس بعرفة فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبون، فقلت: يخافون معاوية، فخرج ابن عباس من (فسطاط) فقال: لبيك اللهم لبيك، وإن رغم أنف، اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي (4). قال في شرح المواقف: قال الآمدي: كان المسلمون عند وفاة النبي (ص) على عقيدة واحدة، وطريقة واحدة، إلا من كان يضمر النفاق، ويظهر الوفاق. ثم نشأ الخلاف فيما بينهم وذلك كاختلافهم عند قول النبي (ص) في مرض موته إئتوني بقرطاس، وكاختلافهم بعد ذلك في
(1) المشكاة، ص 111، (باب صلاة السفر). (2) فتح الباري، ج 1، ص 522. (3) سنن ابن ماجة (النسخة المترجمة)، ص 292. (4) كنز العمال، ج 3، ص 31. 243 التخلف عن جيش أسامة، وكاختلافهم بعد ذلك في موته (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال عمر، من قال إن محمدا قد مات علوته بسيفي، (إلى أن قال) ما سمعت هذه الآية " إنك ميت " إلى الآن، وكاختلافهم بعد ذلك في موضع دفنه بمكة أو بالمدينة أو بيت المقدس، وكاختلافهم في الإمامة، وثبوت الإرث، وفي قتال مانعي الزكاة، ثم اختلافهم بعد ذلك في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة، ثم في أمر الشورى، حتى استقر الأمر على عثمان، ثم اختلافهم في قتله، وفي خلافة علي (ع) ومعاوية، وما جرى في وقعة الجمل وصفين، ثم اختلافهم أيضا في بعض الأحكام الفرعية كاختلافهم في الكلالة، وميراث الجد مع الإخوة، وعقد الأصابع، وديات الأسنان، إلى غير ذلك من الأحكام، وكان الخلاف يتدرج ويترقى شيئا فشيئا إلى آخر أيام الصحابة حتى ظهر معبد الجهني، (إنتهى ملخصا) (1). ترك الصلاة والسلام على آل النبي (ص) ومن تغيرات أهل (الجماعة) في الدين: تركهم الصلاة والسلام على آل النبي (ص) قديما وحديثا لخوفهم من ملوكهم أو لإرضائهم. في كنز الدقائق: ولا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعا. قال الملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر: (في الخلاصة في الأجناس) عن أبي حنيفة: ولا يصلى على غير الأنبياء والملائكة، ومن صلى على غيرهما لا على وجه التبعية فهو غال من الشيعة التي نسميها (الروافض)، ومفهومه أن حكم السلام ليس كذلك، ولعل وجهه: أن السلام تحية أهل الإسلام، ولا فرق بين (السلام عليه)، و (عليه السلام) إلا أن قول علي (عليه السلام) من شعائر أهل (البدعة)، فلا يستحسن في مقام المرام. وقالوا: من زاد في التشهد الأول (وعلى آل محمد) بقوله: (اللهم صل على محمد) فعليه السهو، وقد استقبحه محمد (كما في جامع الرموز) (2). ليت شعري ما منع الله، ولا رسوله ولا المؤمنون عن السلام على عامة أهل الإسلام فضلا عن آل محمد عليهم السلام، وقد منع المتعصبون عنه بلا حجة ولا باعث على ذلك إلا عداوتهم القديمة المركوزة في قلوبهم الموروثة فيهم نسلا بعد نسل بآله (عليه السلام). وقد قال الله سبحانه: " هو الذي يصلي عليكم وملائكة "، و " سلام على آل ياسين ". في الصواعق: نقل جماعة من المفسرين (عن ابن عباس): أن المراد بذلك (سلام على آل محمد)، وكذا قاله الكلبي (3). وقد جوز البخاري الصلاة على غير النبي (ص)، وروى حديثا مرفوعا (4). ونقل الحافظ في شرحه أحاديث كثيرة صحيحة في ذلك.
(1) شرح المواقف، ص 746. (2) شرح الفقه الأكبر، ص 204. (3) الصواعق، ص 88. (4) البخاري، ج 6، ص 58. 244 وقال جاء هذا عن الحسن، ومجاهد ونص عليه أحمد في رواية أبي داود، وبه قال إسحاق، وأبو ثور، وداود الطبري، واحتجوا بقوله تعالى: " هو الذي يصلي عليكم ". وفي صحيح مسلم أيضا مرفوعا أن الملائكة تقول لروح المؤمن: صلى الله عليك، وعلى جسدك. وقوله تعالى: " وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ". عن ابن أبي أوفى: كان إذا أتى رجل النبي (ص) بصدقته قال: اللهم صل عليه، وأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى. وفي (الفتح): قالت طائفة تجوز مطلقا، وهو مقتضي صنيع البخاري (ثم قال ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عبادة: أن النبي (ص) رفع يديه وهو يقول: " اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة "، (أخرجه أبو داود، والنسائي وسنده جيد). العجب كل العجب، بل الحسرة كل الحسرة أن أهل (الجماعة) جوزوا السلام على أبي حنيفة بالاستقلال (كما في أصول الشاشي في أصول الفقه للحنفية): " والسلام على أبي حنيفة، وأحبابه "، الخ وقد ترك في الخطبة الابتدائية " السلام على آل محمد "، ومنعوا السلام على علي (عليه السلام)، (كما مر)، ففيه كفاية لمن له دراية. وفي عون الباري لحل أدلة البخاري: وأما أئمة أهل الحديث فلعل العذر لهم في عدم رقم الصلاة على الآل التقوي لأهل الجفاء والضلال الذين عادوا آل محمد (عليهم السلام)، وأخافوهم كل مخالفة وشردوهم كل مشرد، كما وقع في عصر (الدولتين) الأموية والعباسية. وإن كانوا يعدون أنفسهم من (الآل)، فلسان حالهم يقول: إقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي فافتقر أئمة الحديث، وهم في تلك الأمصار إلى حذف الصلاة على الآل في تصانيفهم الصغار والكبار، و (التقية) تبيح مثل هذا، (ثم قال) ثم ذهبت (التقية)، وانقرضت دول تلك الفرق الغاوية، ولكنه قد شاب على ذلك الكبير وشب عليه الصغير فاستمروا في الحذف لهم جهلا، واستمروا عليه خطأ مع إملائهم لحديث التعليم في كل كتاب من كتب السنة (1). فيا حسرتا على علماء هذا الزمان، (زمن الأمان) أن يخافوا إلى الآن من (يزيد)، و (مروان)، و (الحجاج)، و (عمرو بن العاص)، وأتباعهم وأشياعهم بأنهم لا يصلون ولا يسلمون لا قراءة ولا كتابة على آل محمد، بل يحسبون فعلهما من علامة (التشيع)، وما هذا إلا اختلاق، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وآله وعترته الطيبين الطاهرين. وضع الأحاديث للتقرب من الملوك ومن علامات ضعف إسلام علماء أهل الجماعة وضعهم الأحاديث، وجعلهم المسائل لرضاء
(1) عون الباري، ج 1، ص 39. 245 ملوكهم والتقرب إليهم. في (منهج الوصول) للسيد الصديق ناقلا عن تاريخ ابن عساكر برواية زكريا الساجي: قال بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد وهو يطير الحمام، فقال: هل تحفظ في هذا شيئا؟! قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي (ص) كان يطير الحمام (1). وهكذا في حياة الحيوان وزاد: وذكر أن هارون الرشيد كان يعجبه الحمام واللعب به فأهدى له حمام، وعنده أبو البختري وهب القاضي فروى له بسنده عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: " لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح "، فزاد: " أو جناح " وهي لفظة وضعها للرشيد فأعطاه جائزة سنية فلما خرج قال الرشيد: تالله لقد علمت أنه كذب على رسول الله (ص) (2)، (ثم قال) وكان أبو البختري المذكور قاضي مدينة النبي (ص) ثم ولي قضاء بغداد بعد أبي يوسف (صاحب أبي حنيفة)، وقد ذكر حال أبي البختري في المجلد الأول. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أخرج السلفي في (الطيورات) بسنده عن ابن المبارك قال: لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي (أي أبيه) فراودها على نفسها فقالت: لا أصلح لك، أن أباك قد (طاف) بي فشغف بها فأرسل إلى أبي يوسف فسأله: أعندك في هذا شئ؟! فقال: يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق، لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة. قال ابن المبارك فلم أدر ممن أعجب، من هذا الذي وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرج عن حرمة أبيه، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أو من هذا (فقيه) الأرض، وقاضيها قال: إهتك حرمة أبيك، واقض شهوتك، وصيره في رقبتي (3). وأخرج أيضا عن عبد الله بن يوسف قال: قال الرشيد لأبي يوسف: أبي اشتريت جارية، وأريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء فهل عندك حيلة؟! قال: نعم، تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها. وأخرج عن إسحاق بن راهويه قال: دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال أبو يوسف، إن رأى أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح، فقال: عجلوها فقال بعض من عنده، إن الخازن في بيته، والأبواب مغلقة، فقال: أبو يوسف فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت، (إنتهى بعينه من تاريخ الخلفاء) (4). أقول: قد ثبت أن علماءهم قد كانوا وضعوا الأحاديث، وجعلوا المسائل لإرضاء أمرائهم، ورووا الأحاديث عن الخوارج كعمران بن حطان الخارجي المادح لقاتل أمير المؤمنين علي (ع)، وهو الذي روى عنه البخاري في صحيحه، ولم يرو عن أئمة أهل البيت إلا نادرا، وتركوا الأحاديث اللآتي في شأن العترة، وما رووها فضعفوها، أو أنكروها، وتركوا الأحاديث من العترة الطاهرة بل قد قدحوا وجرحوا عليهم، وكفاك به مثلا: الجرح على سيدنا جعفر الصادق (ع)، (كما في استقصاء الإفحام
(1) منهج الوصول، ص 96. (2) حياة الحيوان، ج 1، ص 236. (3) تاريخ الخلفاء، ص 197. (4) المصدر نفسه، ص 198. 246 للسيد الحامد حسين اللكنوي) ناقلا عن ابن تيمية في منهاج السنة: وقد استراب البخاري في بعض حديثه (أي صادق - ع -) لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام فلم يخرج له (1). ونقل عن الكاشف الذهبي، قال القطان (في حق جعفر الصادق - ع -): في نفسي منه شئ (2). ونقل أيضا عن تذهيب التهذيب للذهبي قال ابن المديني: سئل يحيى القطان عن جعفر ابن محمد قال: في نفسي منه شئ. وعن (ميزان الاعتدال) قال مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني: مشهور صاحب حديث، على لين فيه. وقال ابن معين لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقبيح، وقال الدارقطني ضعيف، وروى عنه يحيى القطان وجماعة ثم نقل عن المغني للذهبي (في حق جعفر بن محمد) أما القطان فقال مجالد أحب إلي منه. أقول: أما القطان فهو شيخ البخاري، ونقل مناقبه من عند أهل الجماعة في استقصاء الإفحام: إنه إمام في الحديث، فقيد المثل - عندهم -، والسبب الأغلب رعاية الأمراء كان لترويج مذهب الحنفية لأن أبا يوسف (صاحب أبي حنيفة) كان قاضيا لهارون الرشيد (ملك الوقت) (3)، كما في (الإنصاف في سبب الاختلاف) لولي الله الدهلوي: وكان أشهر أصحابه (أي أصحاب أبي حنيفة) أبو يوسف تولى قضاء القضاة أيام هارون الرشيد فكان سببا لظهور مذهبة، والقضاء به في أقطار العراق، وخراسان، وما وراء النهر (4). ومن أجل ذلك ترك مذهب العترة لما كان مركوزا في أذهانهم من حكم أمرائهم ترك روايات العترة كما يشهد به حديث صحيح مسلم عن عبد الله بن عامر قال: سمعت معاوية يقول: إياكم والأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر (5). فثبت أن ما شاع كثيرا هو مذهب أبي حنيفة مطابقا لمذهب عمر (كما ذكرنا سابقا في المجلد الأول في علم عمر من إزالة الخفاء) (6). وأكثر أولياته محدثات في الدين كما مر، ومن الأمثال المشهورة " إن الناس على دين ملوكهم إلا من رحمه الله سبحانه ". ولا يخفى أن من خواص المؤمنين أنهم عاشوا بالتقية زمن الملوك الظلمة في كل زمان من آدم، إلى الإمام الموعود (عليهم السلام) - كما سنبين الآن -.
(1) استقصاء الإفحام، ج 1، ص 904. (2) أيضا، ص 913. (3) أيضا، ص 925. (4) الدهلوي، ص 24، والحجة البالغة، ص 150. 5) صحيح مسلم، ج 1، ص 333. (6) إزالة الخفاء، ج 2، ص 85، 140. 247 فصل: في التقية والتورية وإخفاء المسائل عمن لا يليق في التاريخ الكامل: إن آدم مرض أحد عشر يوما، وأوصى إلى ابنه شيث، وأمره أن يخفي علمه عن (قابيل)، وولده لأنه قتل (هابيل) حسدا منه له حين خصه آدم بالعلم فأخفى شيث، وولده ما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل علم ينتفعون به. وفيه: كان شيث وصي آدم في مخلفيه بعد مضيه لسبيله (ثم بين سلسلة الأوصياء إلى إدريس). وفيه: كان محمد (ص) قبل ذلك في السنين الثلاثة مستترا في دعوته لا يظهرها إلا لمن يثق به. في صحيح البخاري مع الفتح: باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي (ع): حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صدق من قلبه إلا حرمه الله على النار. قال (أي معاذ): يا رسول الله (ص): أفلا أخبر به الناس فيستبشرون، قال: إذا يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما. وفي رواية، قال: لا إني أخاف أن يتكلوا. قال في (الفتح): وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه إلا كان لبعضهم فتنة (رواه مسلم)، ثم قال في (الفتح): وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة (العرنيين) لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، (ثم قال) فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، (والله أعلم). وروى ابن ماجة عن أنس مرفوعا: واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر، واللؤلؤ، والذهب. قال في (المرقاة): عند غير أهله بأن يحدث من لا يفهمه. في (من لا يحضره الفقيه): وصى علي (ع) لابنه محمد بن الحنفية: يا بني لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم. ومن الأمثلة المشهورة: " كلموا الناس على قدر عقولهم ". وفي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة مرفوعا: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات (1). (يعني قال: إني سقيم، وبل فعله كبيرهم، وهذه أختي). قال في (الفتح): أما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولا يعتقده السامع كذبا لكنه إذا حقق لم يكن كذبا لأنه من (باب المعاريض المحتملة للأمرين) فليس بكذب محض، (ثم قال): فلم يصدر ذلك من إبراهيم (يعني إطلاق الكذب على ذلك) إلا في حال شدة الخوف لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعا لأعظمهما. وأما تسميتها (كذبات) فلا
(1) البخاري، ج 3، ص 232. 248 يريد أنها تذم فإن الكذب، وإن كان قبيحا مخلا لكنه قد يحسن في مواضع وهذا منها. وفيه: تحت حديث صلح الحديبية، ورد أبي جندل بن سهيل، قال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين، أحدهما: إن الله قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم يمكنه (التورية) فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية (1). ويؤيد ما قلنا قوله تعالى: " إلا أن تتقوا منهم تقاة ". في (المدارك): إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه (أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك، ومالك فيجوز ذلك إظهار الموالاة، وإبطان المعاداة. وفي (الترجمان): قال كذا روي عن أبي الدرداء (رواه البخاري). وفي تفسير ابن جرير عن ابن عباس، والحسن، والسدي، وعكرمة كذلك (2). وفي الدر: أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: " إلا أن تتقوا منهم تقاة "، فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به مخافة الناس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لا يضره، إنما التقية باللسان (3). وأخرج عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس كذلك، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: " التقية جائزة إلى يوم القيامة ". وفي النيشابوري: (على هامش ابن جرير): وللتقية عند العلماء أحكام. منها: إذا كان الرجل في كفار يخاف منهم على نفسه جاز له أن يظهر لمحبة، والموالاة، ولكن بشرط أن يضمر خلافه ما أمكن. وقد يجوز أن تكون (التقية) أيضا فيما يتعلق بأظهار الدين. ومنها: إن الشافعي جوز التقية بين المسلمين (كما جوزها بين الكافرين) محاماة على النفس. ومنها: أنها جائزة لصون المال على الأصح كما أنها جائزة لصون النفس لقوله: " حرمة مال المسلم كحرمة دمه ومن قتل دون ماله فهو شهيد "، وروى عوف عن الحسن أنه قال: " التقية جائزة إلى يوم القيامة "، وهذا أرجح عند الأئمة (4). وذكر في التفسير الكبير هكذا (5)، وقال وهذا القول أولى لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان (6). وفي تفسير فتح البيان: ويدل على جواز (التقية) قوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " (7). وفي التفسير الخازن قال العلماء: يجب أن يكون الإكراه الذي يجوز له أن يتلفظ معه بكلمة
(1) فتح الباري، ج 3، ص 10. (2) تفسير ابن جرير، ص 140. (3) الدر المنثور، ج 2، ص 164. (4) النيشابوري، ج 3، ص 170. (5) الفخر الرازي، ج 2، ص 646. (6) أيضا، ص 451. (7) فتح البيان، ج 2، ص 30. 249 الكفر أن يعذب بعذاب لا طاقة له به فمن أكره بالسيف، أو القتل على أن يشرب الخمر، أو يأكل لحم الخنزير جاز له ذلك، (إنتهى ملخصا) (1). وفي جامع البيان، والإكليل، والمعالم تحت قوله تعالى: مطمئن بالإيمان والإجماع على جواز كلمة الكفر عند الإكراه، (وكذا في فتح البيان، وابن كثير، وترجمان القرآن). وذكر في الدر، قصة عمار، وصهيب، وبلال، وخباب، وسالم. وقال النبي (ص في عمار: " ملئ إيمانا من فرقه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ". وفي (فتح البيان) تحت قوله تعالى: " إلا أن تتقوا منهم تقاة "، أخرج عبد ابن حميد، والبخاري، عن الحسن قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة! وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام، وقلوبنا تلعنهم. ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعشاء، والضحاك، والربيع ابن أنس. وفي (التفسير الأحمدي) تحت قوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن ": وعلى كل حال ففي الآية دليل أن إجراء كلمة (الكفر) حال الإكراه رخصة بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان لأنه روى أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لأحدهما ما تقول في محمد قال رسول الله (ص) قال فما تقول في قال أنت أيضا، فخلاه (2) (كذا أورده صاحب الكشاف، والقاضي البيضاوي). وقال صاحب الهداية (في كتاب الإكراه): إن أكره بالكفر بالله، أو سب النبي (ص) بما يخاف على نفسه، أو عضو من أعضائه، وسعه أن يظهر ما أمروه، ويخفي الإيمان في نفسه لحديث عمار حيث ابتلي به، وقد قال له النبي (ص) كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد. وفيه نزل قوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " - إنتهى بقدر الحاجة -. وفي تفسير البيضاوي تحت قوله تعالى: " إلا أن تتقوا ": منع عن موالاتهم ظاهرا أو باطنا في الأوقات كلها إلا وقت المخافة فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز (كذا في المعالم)، وقال تحت قوله تعالى: (ولبثت فينا من عمرك سنين)، فإنه (عليه السلام) كان يعاشرهم بالتقية (3). في البخاري مع الفتح باب قول الله تعالى: " إلا من أكره "، وقال " إلا أن تتقوا منهم تقاة "، وهي تقية. وقال: " والمستضعفين من الرجال والنساء ". قال " أبو عبد الله (البخاري): فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به. وقال الحسن: التقية إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشئ، وبه قال ابن عمر، وابن الزبير، والشعبي، والحسن وقال النبي (ص): " الأعمال بالنيات "، (إنتهى من البخاري) (1). وقال في (الفتح) في شرحه: أما من أكره على ذلك فهو معذور بالآية لاستثناء نفي من الإثبات
(1) التفسير الخازن، ج 3، ص 136. (2) التفسير الأحمدي، ص 500. (3) تفسير البيضاوي، ج 2، ص 132. (4) فتح الباري، ج 6، ص 450. 250 فيقتضي أن لا يدخل الذي أكره على الكفر تحت الوعيد، والمشهور أن الآية نزلت في عمار ابن ياسر كما جاء من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمارا فعذبوه... الخ، (قال): ورجاله ثقات. (وأخرجه الطبري وقبله عبد الرزاق، وعند عبد بن حميد. وأخرجه البيهقي من هذا الوجه كذا في رواية مجاهد عن ابن عباس عند ابن المنذر، وأخرج عبد ابن حميد من طريق ابن سيرين مثله، ورجاله ثقات وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضا). وقال في (الفتح): اختلف في حد الإكراه، أخرج عبد بن حميد (بسند صحيح عن عمر) قال: ليس الرجل بأمين على نفسه إذا سجن، أو أوثق، أو عذب (1). ومن طريق شريح نحوه وزيادة، ولفظه أربع، كلهن كره، السجن، والضرب، والوعيد، والقيد. وعن ابن مسعود قال ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به، وهو قول الجمهور. وذهب جمهور الكوفيين إلى أن طلاق المكره لا يقع (ثم قال) قوله: (الأعمال بالنية) كان البخاري أشار بإيراده الرد على من فرق في الإكراه بين القول والفعل لأن العمل فعل (فهو بغير النية لا يضر ولا ينفع)، وأيضا نقل عن ابن المنير أن معاونة المشركين، ومخالطتهم فعل على الصحيح، فهو وقع من الصحابة ولم يؤاخذوا، (إنتهى ملخصا). ثم قال في (الفتح): قد أخرج الطبري من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "، قال أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وأما من أكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه، لأن الله إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. ثم قال: في (الفتح) قال الحسن البصري: التقية إلى يوم القيامة، (وصله عبد بن حميد، وابن أبي شيبة من رواية عوف الأعرابي عن الحسن البصري)، قال: التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة. وأما قول ابن عمر، وابن الزبير فأخرجهما الحميدي في جامعه، والبيهقي من طريقه. وأما قول الشعبي فوصله عبد الرزاق بسند صحيح عنه، أما قول الحسن فرواه سعيد بن منصور بسند صحيح. قال ابن بطال تبعا لابن المنذر: أجمعوا على من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان لا يحكم عليه بالكفر، ولا تبين زوجته، (ثم قال)، وقالت طائفة: الإكراه في القول والفعل سواء، (إنتهى ملخصا). في تهذيب تهذيب الكمال: الحسن بن أبي الحسن البصري كان عالما، جامعا، رفيعا، ثقة، مأمونا، عابدا، ناسكا، كثير العلم، فصيحا، جميلا قال أبو زرعة: " كل شئ قال الحسن قال رسول الله (ص) وجدت له أصلا، ومرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ". وقال يونس بن عبد عبيد: سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله (ص)، ولم تدركه، قال يا بن أخي لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك: إني في زمان كما ترى (وكان في زمن الحجاج، فإذا سمعتني أقول: قال رسول الله (ص)
(1) أيضا، ص 451. 251 فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا. ويؤيد (التقية) قوله تعالى (حكاية عن يعقوب ليوسف) قال: " يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ". وأيضا قوله تعالى: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم أيمانه ". ويؤيد (التورية) قوله تعالى (حكاية عن أمر يوسف لمؤذنه في حق أخوته) إنكم لسارقون. وقد كتم السقاية في رحلهم بأذنه. فالمراد من السرقة سرقة يوسف من أبيه لا سرقة السقاية، - كما في الظاهر -، (كما بينه المفسرون). وفي استقصاء الإفحام (ناقلا عن شرح الأربعين للنووي عن نجم الدين الطوفي الحنبلي وهو الذي ذكره مؤلف كشف الظنون في بيان الأربعين للنووي بألقاب كثيرة وذكر شرحه له) - قال نجم الدين في شرح الأربعين للنووي: إعلم أن النزاع الطويل بينهم في (التقية) استدلالا، وجوابا ذاهب هدرا فإن محل الخلاف إنما هو مبايعة علي - ع - (لأبي بكر). أما (التقية) في غير ذلك فلا مبالاة بإثباتها، وجوازها وإنما يكره عامة الناس لفظها لكونها من مستندات (الشيعة)، وإلا فالعالم مجبول على استعمالها، وبعضهم يسميها (مداراة)، وبعضهم (مصانعة) وبعضهم (عقلا معيشيا)، ودل عليها دليل الشرع (1).
(1) استقصاء الإفحام، ج 1، ص 341. 252 الباب الثاني في الطهارة فصل: في المياه قال الرازي في (تفسيره الكبير) تحت قوله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا ": من الناس من زعم أن الماء لا ينجس ما لم يتغير بالنجاسة سواء أكان قليلا أم كثيرا، وهو قول الحسن البصري، والنخعي، ومالك، وداود، وإليه مال الشيخ الغزالي في (الإحياء). وعن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله (ص): أنتوضأ من بئر (بضاعة)، وهي بئر يلقي فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن، فقال رسول الله (ص): إن الماء طهور لا ينجسه شئ (رواه الترمذي وحسنه) (1)، (ورواه أحمد، وأبو داود، والنسائي) (2)، و (صححه أحمد، والبيهقي، والدارقطني، والحاكم وصححه، وأيضا صححه يحيى بن معين، وابن حزم) (3). وعن أبي أمامة (مرفوعا): الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه، (رواه ابن ماجة). وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله (ص) وهو يسأل عن الماء يكون في بالفلاة من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب، قال: إذا كان الماء (قلتين) لم يحمل الخبث. قال محمد بن إسحاق (القلة) هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها. قال أبو عيسى الترمذي: (وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق)، قالوا: إذا كان الماء (قلتين) لم ينجسه شئ ما لم يتغير ريحه أو طعمه، وقالوا: يكون نحوا من خمس قرب (كذا في سنن الترمذي) (4)، (ورواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجة) (5). ورواه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني والبيهقي، وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وقال ابن منده: إسناد حديث (القلتين) على شرط مسلم (6). وعن ثوبان (مرفوعا): الماء
(1) سنن الترمذي، ج 1، ص 10. (2) المشكاة، ج 1، ص 43. (3) الروضة الندية للسيد الصديق، ج 1، ص 4. (4) سنن الترمذي، ج 1، ص 11. (5) المشكاة، ص 43. (6) الروضة الندية، ج 1، ص 5. 253 طهور إلا ما غلب على ريحه، أو طعمه (رواه الدارقطني). وعن أبي أمامة (مرفوعا): لا ينجس الماء إلا ما غير ريحه، وطعمه (رواه الطبراني في الأوسط) كذا في كنز العمال (1). و (القلة) الجرة الكبيرة التي تسع فيها مائتين وخمسين رطلا بالبغدادي (كذا في حاشية سنن الترمذي). ومن مسند أبي سعيد عن النبي (ص): توضأ وشرب من (عذير) كان تلقى فيه لحوم الكلاب، والجيف فذكر ذلك فقال: إن الماء لا ينجسه شئ، (رواه عبد الرزاق) كذا في كنز العمال (2). وفي شرح الوقاية مع عمدة الرعاية: قال محيي السنة: التقدير لعشرة في عشرة لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه. وفي عمدة الرعاية: يريد أن التقدير لا مدخل فيه للرأي بل لا بد أن يكون له أصل شرعي من الكتاب والسنة صراحة أو استنباطا، أو كان وقع عليه الإجماع والتقدير الذي ذكره (الحنيفة) في عدم سراية النجاسة أي العشر في العشر ليس له أصل شرعي بخلاف تقدير الشافعية بالقلتين فإنه ثابت بالحديث الصحيح، وكذا تقدير المالكية بالتغير (3). قال سيدنا وإمامنا الصادق (عليه وعلى آبائه وأبنائه السلام): إذا كان الماء (قلتين) لم ينجسه شئ. والقلتان جرتان (الجرة إناء معروف من خزف)، ولا بأس بالوضوء منه، والغسل من الجنابة، كذا في (من لا يحضره الفقيه) وعن أبي عبد الله (ص) أنه سئل عن الماء تبول فيه الدواب، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجنب. قال: إذا كان الماء قد ركد لم ينجسه شئ (كذا في الإستبصار، وتهذيب الأحكام (4). في (الإستبصار): ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث القلتين أنه مرسل، ويحتمل أيضا أن يكون ورد مورد (التقية) لأنه مذهب كثير من العامة، ويحتمل مع تسليمة أن يكون الوجه فيه ما ذكرناه في الخبر المقدم، وهو أن يكون مقدار القلتين مقدار (الكر) أيضا. وفي الإستبصار أيضا، والتهذيب: عن إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الماء الذي لا ينجسه شئ. قال (الكر)، قلت: وما (الكر)، قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (5). وفي شرائع الإسلام، والكافي، وتهذيب الأحكام: (الكر) ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر، أو ما كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصف (6). وفي حاشية التهذيب: الرطل العراقي ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال، قيل: وتسعون مثقالا. وفي الإستبصار: عن أبي عبد الله (ع) سئل عن الرجل يمر بالماء، وفيه دابة ميتة، وقد أنتنت، قال: إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب (7). وفي (من لا يحضره الفقيه) قال الصادق (ع): كل ماء طاهر إلا ما علمت أنه قذر. وفي (الكافي) عن زرارة: إلا أن تجئ له ريح تغلب على ريح الماء. وعن أبي عبد الله (ع) إذا
(1) كنز العمال، ج 5، ص 95. (2) أيضا، ج 5، ص 140. (3) عمدة الرعاية، ج 1، ص 28. (4) الإستبصار، ج 1، ص 4، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 12. (5) أيضا، ج 1، ص 6، وج 1، ص 11. (6) شرائع الإسلام، ص 3، والكافي، ص 3، وتهذيب الأحكام، ص 11. (7) الإستبصار، ج 1، ص 7. 254 تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب (1). وفي تهذيب الأحكام: عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: ماء البئر واسع لا يفسده شئ، إلا أن يتغير ريحه، أو طعمه فينزح منه حتى يذهب الريح، ويطيب طعمه لأن له مادة (2). فصل: فيما يوجب الوضوء وما لا يوجبه الأصل فيه: قوله جل شأنه " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " الآية. وقبل نزول الآية كان الوضوء بالوحي غير المتلو على الأرجح. وروى الشيخان عن أبي هريرة (مرفوعا): لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ. وروى مسلم عنه (مرفوعا): إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. وروى الترمذي، وأحمد عنه (مرفوعا): لا وضوء إلا من صوت أو ريح. وروى البخاري عنه قال له رجل من (حضرموت) ما الحدث يا أبا هريرة، قال: فساء أو ضراط. وفي (الفتح): أي وجد منه الحدث، والمراد منه الخارج من أحد السبيلين (ثم قال): فلعل أبا هريرة لا يرى النقض بشئ منها، وعليه مشى المصنف (كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين) (3). في الميزان الكبري للشعراني: من قال بنقض مس الكافر فلأنه محل سخط الله تعالى، فاحتاط المؤمن نفسه بالتطهر من مسه فرارا من موضع السخط والغضب (4). روى الترمذي في سننه، قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط فأمطه عنك (5). إعلم أن (المذي) ليس بناقض للوضوء عند الإمامية، كما إن المني مع كونه أغلظ منه ليس بناقض للطهارة عند الشافعي في أصح قوليه (كما في الميزان الكبرى للشعراني) (6). وقال النووي في شرح مسلم: ذهب كثيرون إلى أن المني طاهر. روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وسعد ابن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة، وداود، وأحمد (في أصح الروايتين)، وهو مذهب الشافعي، وأصحاب الحديث، وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته (7). في حاشية المسند للإمام أبي حنيفة قال علي القاري: روى الدارقطني موقوفا على ابن عباس أنه سئل عن المني يصيب الثوب فقال: إنما هو بمنزلة المخاط، والبزاق إنما يكفيك أن تمسحه
(1) الكافي، ج 1، ص 3. (2) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي، ج 1، ص 66. (3) فتح الباري، ج 1، ص 118. (4) الشعراني، ج 1، ص 106. (5) سنن الترمذي، ج 1، ص 17. (6) الميزان الكبرى، ج 1، ص 103. (7) شرح صحيح مسلم، ج 1، ص 140. 255 بخرقة، أو باذخرة (1). وأخرجه البيهقي من طريق الشافعي (موقوفا) قاله وهو صحيح. (كذا روى الطبراني عن ابن عباس في سنن الترمذي) قال بعض أهل العمل: ليس في القئ والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي (2). وفي (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة): أما النادر كالدود من الدبر، والريح من القبل، والحصاة، والاستحاضة، والمذي ينقض أيضا لا عند مالك (3). وفي استقصاء الإفحام ناقلا عن الإستذكار شرح الموطأ لمالك لابن عبد البر (باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي)، عن سعيد بن المسيب أنه سمعه رجل يسأله فقال إني لأجد البلل، وأنا أصلي فأنصرف، فقال له سعيد لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي. وعن الصلب بن زبير قال: سألت عن سليمان بن يسار عن البلل أجده، فقال: انضح ما تحت ثوبك واله عنه. وذهب الشافعي وأصحابه أن القئ غير ناقض، (كذا في الروضة الندية شرح الدرر البهية)، وروى عن ابن أبي أوفى، وأبي هريرة، وجابر بن زيد، وابن المسيب، ومكحول، وربيعة: أن القئ غير ناقض منه. وذهب ابن عباس، ومالك، والشافعي إلى ذلك. قال الشافعي: الرعاف، والحجامة لا ينقضان الوضوء. وقال مالك: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف، ولا دم، ولا من قيح يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر، أو نوم (4). روى البخاري مع الفتح قال جابر بن عبد الله: إذا ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء. قال طاووس، ومحمد بن علي، وعطاء، وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء. وعصر ابن عمر بثرة، فخرج منها دم فلم يتوضأ. ويزق ابن أبي أوفى دما فمضى في صلاته. في (الفتح) قال الأعمش: سألت أبا جعفر الباقر (ع) عن الرعاف فقال لو سال نهر من دم ما أعدت منه الوضوء (5). وفي البخاري عن جابر أن النبي (ص) كان في غزوة (ذات الرقاع) فرمى رجل بسهم فنزف الدم فركع، وسجد، ومضى في صلاته. وقال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. وفي (الفتح): أراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء. والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها. وقد صح أن عمر صلى، وجرحه ينبع دما. ومحمد بن علي (أي ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر، والحسن: هو البصري) (6).
(1) حاشية المسند، ص 38. (2) سنن الترمذي، ج 1، ص 13. (3) رحمة الأمة، ص 12. (4) الروضة البهية، ص 39. (5) فتح الباري، ج 1، ص 140. (6) المصدر السابق، ص 141. 256 في (تهذيب الأحكام) عن الكاهلي قال: سألت أبا الحسن عن المذي، فقال ما كان منه بشهوة فتوضأ منه، أقول: الوضوء من المذي على جهة الاستحباب والأولوية، (كما في التهذيب، ومختلف الشيعة، والاستبصار) (1). فصل: في الاستبراء من البول والغائط في كنز العمال (مرفوعا): إذا بال أحدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات (رواه سعيد ابن منصور عن يزداد، ويقال: أزداد بن قاة الفارسي) (2). في إزالة الخفاء: أبو بكر يسار بن نمير كان إذا بال مسح ذكره بحائط، أو حجر، ولم يمسه ماء (3). قلت: أجمع على ذلك علماء أهل السنة، وليس فيها حديث مرفوع، وإنما هو مذهب عمر قياسا على الاستنجاء من الغائط أطبق على تقليده العلماء. وفي لباب النقول: أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا "، قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم. وبإسناد نزلت في أهل (قباء) كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط. في الروضة الندية: قال إذا بال أحدكم فلينتر ذكره (رواه أحمد، وابن ماجة، والبيهقي من حديث عيسى بن يزداد عن أبيه) (4). في (القاموس): النتر الجذب، واستنتر بوله أي اجتذبه، واستخرج بقية. في نور الإيضاح: يلزم الرجل الاستبراء حتى يزول أثر البول، ويطمئن قلبه على حسب عادته أما بالمشي، أو التنحنح، أو الاضطجاع، أو غيره (5). وفي (الفتح): وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي (6). في (الفتاوى) لعبد الحي: في (الدرر شرح الغرر): يجب الاستبراء بالمشي، أو النوم، أو الاضطجاع. وقيل: يكتفي بمسح الذكر واجتذابه ثلاث مرات، والصحيح أن طباع الناس وعاداتهم مختلفة فمن في قلبه أنه صار طاهرا جاز له أن يستنجي لأن كل أحد أعلم بحاله (7). في سنن النسائي عن عطاء بن أبي ميمونة قال: سمعت أنس بن مالك يقول كأن رسول الله
(1) تهذيب الأحكام للطوسي، والاستبصار، ص 47. (2) كنز العمال، ج 5، ص 85. (3) إزالة الخفاء، ص 87. (4) الروضة الندية، ج 1، ص 20. (5) نور الإيضاح، ص 5. (6) فتح الباري، ج 1، ص 159. (7) الفتاوى للدهلوي، ج 3، ص 31. 257 (ص) إذا دخل (الخلاء) أحمل أنا، وغلام معي نحوي (أي مقارب في السن) أداوة من ماء فيستنجي بالماء. وفي الصحيحين: عن أنس، وعن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله (ص) خرج من غائط قط إلا مس ماء، (ورواه ابن ماجة). وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، والنسائي عن عائشة قالت: مروا أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط، والبول فإن رسول الله (ص) كان يفعله. في مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبول قال ينتره ثلاثا (1). وعن ابن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (ع): رجل بال، ولم يكن معه ماء، قال يعصر أصل ذكره إلى رأس ذكره ثلاث عصرات، وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من البول، ولكنه من الجبائل (عروق الظهر)، أو عروق الذكر. فصل: في صفة الوضوء فروضة خمسة: 1. النية: في الصحيحين عن عمر بن الخطاب (مرفوعا): " إنما الأعمال بالنيات ". وفي الميزان الكبرى للشعراني: اتفق الأئمة الأربعة على أنه لو نوى بقلبه من غير لفظ جزاه الوضوء بخلاف عكسه، فمن ذلك (الاختلاف) قول كافة العلماء أنه لا تصح طهارة الأبنية فتجب النية في الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر (2). وفي (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) على هامش الميزان الكبرى: النية واجبة في الطهارة من الغسل، والوضوء، والتيمم عند كافة العلماء فلا تصح طهارة إلا بنية (3). وفي نيل الأوطار للشوكاني: وقد نسب القول بفرضية النية إلى علي (عليه السلام)، وسائر العترة، والشافعي، ومالك والليث، وربيعة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه (4). في (شرح الوقاية): النية والترتيب الذي نص عليه (أي الترتيب المذكور في نص القرآن) كلاهما فرضان عنده (أي الشافعي). في التعليق الممجد على موطأ محمد: هذا الحديث (إنما الأعمال بالنيات) أخرجه مالك في
(1) الإستبصار، ج 1، ص 76، وفروع الكافي، ج 1، ص 11، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 7. (2) الشعراني، ج 1، ص 108. (3) رحمة الله، ص 17. (4) الشوكاني، ج 1، ص 128. 258 الموطأ، وأصحاب الكتب الستة، وغيرهم بطرق متعددة بألفاظ مختلفة. وفي (الجلالين): ويؤخذ من السنة وجوب النية في الوضوء. وفي شرائع الإسلام: فروضة خمسة، النية وهي إرادة الفعل بالقلب (1). 2. غسل الوجه: في كنز العمال عن عطاء بن يسار أن النبي (ص) كان يغسل وجهه بيمينه (رواه سعيد ابن منصور) (2). وقال النووي في شرح مسلم: ويستحب أن يبدأ في غسل وجهه بأعلاه لكونه أشرف (3). وفي عمدة الرعاية على شرح الوقاية، وثانيها: قول أبي يوسف أنه يكفي في الغسل أن يبل، وإن لم يسل الماء، وإن ما بين العذار والأذان غير داخلة في الوجه فلا يفرض بله أيضا (4). وفي الميزان الكبرى للشعراني: ومن تلك (الاختلافيات) قول الأئمة الثلاثة: إن البياض الذي بين شعر الأذن واللحية من الوجه (مع قول مالك، وأبي يوسف) أنه ليس من الوجه فلا يجب غسله مع الوجه في الوضوء (5)، (وكذا في رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) (6). وفي (الميزان): ووجهه عدم وقوع المواجهة به فإن الشرع قد تبع العرف في ذلك عند القائل به. روى البخاري عن عبد الله بن عباس قال: توضأ رسول الله (ص) مرة مرة لم يزد على هذا. وعن عبد الله بن زيد أن النبي (ص) توضأ مرتين مرتين. فثبت حد الغسل إلى مرة أو مرتين. في الكافي عن زرارة قال: قلت له أخبرني عن حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عز وجل، فقال: الوجه الذي أمر الله بغسله لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه، ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وإن نقص منه أثم، ما دارت السبابة والوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه، وما سوى ذلك فليس من الوجه. قلت: الصدغ ليس من الوجه، قال: لا (7)، و (هكذا في التهذيب) (8). 3. غسل اليدين وهو من المرفقين إلى الأنامل (لهبوط الخطايا) كما ورد في الحديث: خرجت خطاياه حتى أظفاره، وأنامله، (رواه مالك، وأحمد، والنسائي، وابن ماجة) بلفظ: فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه. وفي رواية لأحمد، ومسلم: خرجت خطايا يديه من
(1) شرائع الإسلام للمحقق المحلي، ص 6. (2) كنز العمال، ج 5، ص 110. (3) شرح صحيح مسلم، ج 1، ص 123. (4) عمدة الرعاية، ج 1، ص 53. (5) الشعراني، ج 1، ص 110. (6) رحمة الأمة، ص 18. (7) الكافي، ج 1، ص 15. (8) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 15. 259 أطراف أنامله مع الماء. و (إلى) في الآية ليست للانتهاء بل (للمعية)، ولم يثبت من الشارع خلافة، بل ثبت مثل ما في (شرائع الإسلام) من ألفاظ الحديث. في الجلالين: (إلى المرافق) و (إلى الكعبين)، أي معها كما بينته السنة. وفي (الفتح) قال إسحاق بن راهويه: (إلى) في الآية يحتمل أن تكون بمعنى (الغاية)، وأن تكون بمعنى (مع)، فبينت السنة أنها بمعنى (مع)، وأحتج بعضهم للجمهور بأن (إلى) في الآية بمعنى (مع) (1). وفي تهذيب الأحكام: عن الهيثم قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق "، فقال: ليس هكذا تنزيلها، إنما هي (وأيديكم من المرافق) (2). 4. مسح الرأس في شرح الوقاية: واعلم المفروض في مسح الرأس أدنى ما يطلق عليه اسم المسح وهو شعرة، أو ثلاث شعرات عند الشافعي عملا بإطلاق النص. في (نيل الأوطار) قال الثوري، والأوزاعي، والليث: يجزي مسح بعض الرأس، ويمسح المقدم، (وهو قول أحمد، وزيد بن علي، والناصر، والباقر - ع -، والصادق - ع -)، وأجاز الثوري والشافعي مسح الرأس بإصبع واحدة (3). في كنز العمال: من نسي مسح الرأس فذكر وهو يصلي فوجد في لحيته بللا فليأخذ منه، ويمسح به رأسه فإن ذلك يجزيه. (رواه الطبراني في الأوسط) (4). وفي الكافي عن أبي جعفر (ع)، قال: يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاثة أصابع، وكذلك الرجل، وعن أبي عبد الله (ع) قال: الأذنان ليسا من الوجه، ولا من الرأس (5). وفي الإستبصار عنه قال: مسح الرأس على مقدمة، ثم مسح ببلة ما بقي في يديه رأسه، ورجليه، ولم يعدهما في الإناء (6). وقال: يرفع العمامة بقدر يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه. وفي منتهى الإرب: قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم "، الباء (باء) تبعيض نحو " عينا يشرب بها عباد الله " (7). وفي المتن المتين: (الباء) للتبعيض نحو " وامسحوا برؤوسكم ". وفي المغني: أثبت ذلك
(1) فتح الباري، ج 1، ص 146. (2) تهذيب الأحكام، ص 16. (3) الشوكاني، ج 1، ص 150. (4) كنز العمال، ج 5، ص 75. (5) الكافي، ص 16. (6) الإستبصار، ص 31. (7) منتهى الإرب، ج 4، ص 546. 260 (التبعيض) الأصمعي، والفارسي، والقتبي، وابن مالك. قيل: والكوفيون جعلوا منه " عينا يشرب بها ". أقول: قد ثبت مما قلنا من كتب (الفريقين) حد غسل الوجه، ومسح الرأس، وعدم تجديد الماء لمسح الرأس. 5. مسح الرجلين الأصل فيه قوله سبحانه: " وأرجلكم إلى الكعبين ". قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: اختلف الناس في مسح الرجلين، وفي غسلهما، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع): إن الواجب فيها المسح، (وهو مذهب الإمامية من الشيعة). وقال الجمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل. وقال داود الأصفهاني: يجب الجمع بينهما، وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل. حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله: " وأرجلكم " فقرأ ابن كثير، وحمزة، وأبو عمر، وعاصم (في رواية أبي بكر عنه) بالجر، وقرأ نافع، وابن عامر، وعامر (في رواية حفص عنه) بالنصب. فنقول: أما القراءة (بالجر) فهي تقتضي كون (الأرجل) معطوفة على (الرؤوس)، فكما وجب المسح في (الرأس)، فكذلك في (الأرجل). فإن قيل: لم يجوز أن يقال هذا كسر على الجوار قلنا هذا باطل من وجوه، (إنتهى من التفسير الكبير) (1). وقال الشيخ السيوطي في (الإكليل): قراءة (النصب) للغسل، (والجر) لمسح الخف. قال الحافظ: لم يثبت عن أحد. وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، واستدل بها ابن جرير على التخيير بين الغسل، والمسح (هكذا في الكمالين على الجلالين). قال الحافظ في (الفتح): ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي، وابن عباس، وأنس (2). وفي تفسير جامع البيان: " أرجلكم " نصبه نافع، والكسائي، وابن عامر، وحفض، ويعقوب عطفا على " وجوهكم "، وجره الباقون. وعلى الإنصاف: ظاهر قراءة النصب على وجوب الغسل وظاهر الثانية على وجوب المسح، فإن جر الجوار، وإن كان بابا واسعا فهو خلاف الظاهر (3). وفي فتح البيان: مع أن جر الجوار، وإن وقع في فصيح، فهو بدون الواو، فظاهر القرآن المسح على
(1) التفسير الكبير، ج 3، ص 545. (2) فتح الباري، ج 1، ص 133. (3) جامع البيان، ص 95. 261 قراءة الجر (1). وهكذا في التفسير الوجيز. وفي تفسير (لباب التأويل) المعروف بالخازن: اختلف العلماء في هذا الحكم، وهل فرض الرجلين المسح والغسل، فمروي عن ابن عباس أنه قال الوضوء غسلتان، ومسحتان، ويروى ذلك عن قتادة أيضا، ويروى عن أنس أنه قال: نزل القرآن بالمسح، والسنة بالغسل. وعن عكرمة: قال ليس في الرجلين غسل، إنما المسح على الرجلين. وعن الشعبي وعامر، أنه قال: إنما نزل جبرئيل بالمسح على الرجلين ألا ترى أن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم، وما كان عليه المسح أهمل (إلى أن قال): وقال داود الظاهري يجب الجمع بينهما، وقال الحسن البصري، ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين الغسل والمسح (2). وفي تفسير الخازن، والكبير: ولأن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف أما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وهكذا رواه محمد بن جرير في تفسيره. وقال ابن كثير في تفسيره: بعد تصحيح الإسنادين رواه ابن جرير عن أنس أنه كان يرى المسح على الرجلين في الوضوء (ثم قال) وقال ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم " قال: هو المسح، (ثم قال): وكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وعلقمة، وأبي جعفر محمد بن علي، والحسن في إحدى الروايات، وجابر بن زيد، ومجاهد في إحدى الروايات نحوه وروى ابن جرير عن عكرمة، والشعبي، وعامر كذلك (3). وفي تفسير ابن جرير: " وأرجلكم " جره علقمة، والأعمش، ومجاهد، والشعبي، وأبو جعفر (الباقر)، والضحاك (4). وقال السيوطي في الإتقان: وتفسير ابن جرير من أجل التفاسير، وأعظمها قدرا (5). وفي الإكليل: واستدل بها (أي بقراءة الجر) ابن جرير على التخيير بين الغسل والمسح. وفي المتن المتين: ومنع تواتر القراءات السبع تشكيك في الضروريات (6). وفي تفسير النيشابوري: اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلها، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس (7)، الخ، وقد مر في حوالة التفسير الكبير. وفي تفسير ترجمان القرآن: روى عن ابن عمر وعلقمة، ومحمد بن علي (الباقر)، وحسن، وجابر، وابن زيد، وغيرهم (8). وفي الدر المنثور: أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن ماجة عن ابن عباس: أبي الناس إلا الغسل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح (9).
(1) فتح البيان، ج 3، ص 26. (2 تفسير الخازن، ج 1، ص 441، وتفسير ترجمان القرآن، ص 842، وتفسير فتح البيان، ج 1، ص 494، وتفسير ابن كثير، ج 1، ص 299. (3) الفخر الرازي، ج 2، ص 24. (4) تفسير ابن جرير، ج 6، ص 73. (5) السيوطي، ج 2، ص 178. (6) المتن المتين، ص 158. (7) تفسير النيشابوري، ج 6، ص 68. (8) ترجمان القرآن، ص 842. (9) الدر المنثور، ج 2، ص 263. 262 وفي الإتقان للسيوطي، وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة فإن أمكن الجمع فذاك، وإن تعذر قدم ابن عباس لأن النبي (ص) بشره وهو ترجمان القرآن الذي دعا له النبي (ص): اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وقال: اللهم اعطه الحكمة. اللهم علمه الحكمة، اللهم بارك فيه (إنتهى ملخصا) (1). وفي تفسير معالم التنزيل: فقد ذهب قليل من أهل العلم إلى أنه يمسح على الرجلين: وروي عن ابن عباس: " الوضوء غسلتان ومسحتان "، ويروى ذلك عن عكرمة، وقتادة. وقال الشعبي: نزل جبريل بالمسح، وقال ألا ترى المتيمم يمسح ما كان غسلا، ويلغي ما كان مسحا (2). وفي فتح البيان (بعد نقل روايات المسح) أقول: الحق أن الدليل القرآني قد دل على جواز الغسل والمسح لثبوت قراءة النصب والجر ثبوتا لا ينكر (3). وفي كنز العمال: عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ، ومسح بالماء على لحيته ورجليه (رواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، والعدني، والبغوي، والباوردي، والطبراني، وأبو نعيم. قال في الإصابة: رجاله ثقات) (4). وفي نيل الأوطار: (وكذا رواه البيهقي في سننه. وكذا رواه الدارقطني عن رفاعة بن رافع مرفوعا كذلك) (5). وفي كنز العمال: عن ابن عباس أنه قال: يأبى الناس إلا الغسل، ونجد في كتاب الله المسح على القدمين، (رواه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. وفيه عنه: قال: الوضوء غسلتان، ومسحتان (رواه عبد الرزاق، وكذا في الدر المنثور عن ابن جرير) (6). وفي كنز العمال: عن ابن عباس قال: افترض الله غسلتين ومسحتين ألا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين، وترك المسحتين، (رواه عبد الرزاق، وكذا في الدر) (7). وفيه: عن الشعبي قال: أما جبريل فقد نزل بالمسح على القدمين (رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير) (8). وعن البزال بن صبرة أنه رأى عليا (ع) دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه وقدميه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى (رواه سعيد بن منصور). وعن مسند عبد الله بن زيد أن النبي (ص) توضأ فغسل وجه ويديه مرتين، ومسح رأسه ورجليه مرتين (رواه ابن أبي شيبة). وعن علي (ع) قال: لو كان الدين بالرأي لكان باطن
(1) السيوطي، ج 2، ص 187. (2) معالم التنزيل، ص 270. (3) فتح البيان، ج 3، ص 26. (4) كنز العمال، ج 5، ص 102. (5) نيل الأوطار، ج 1، ص 164. (6) كنز العمال، ج 5، ص 103. (7) أيضا، ص 103. (8) أيضا، ص 104. 263 القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، ولكن رأيت رسول الله (ص) مسح ظاهرهما، (رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأبو داود). وعن حمران قال دعا عثمان بماء فتوضأ، ثم قال: ومسح برأسه، وظاهر قدميه، (رواه ابن أبي شيبة) (1). وقال العيني في شرح البخاري (باب الوضوء): عن رفاعة بن رافع عن النبي (ص) قال: لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين (حسنة أبو علي الحافظ، وأبو عيسى الترمذي، وأبو بكر البزار، وصححه الحافظ ابن حيان، وابن خزيمة)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عن عبد الله بن زيد: أن النبي (ص) توضأ، ومسح بالماء على رجليه، (ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن زهير عن المقري) ومنها حديث جابر بن عبد الله أخرجه الطبراني في (الأوسط) (2). وكذا في البخاري باب الشرب قائما يحدث عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بماء فشرب وغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه. وفي (الفتح) هكذا، ثم قال: وكذلك عند الطيالسي فغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه ورجليه، ومثله في رواية عمرو بن مرزوق عند الإسماعيلي، ويؤخذ منه أنه في الأصل ومسح على رأسه ورجليه وأن آدم (الراوي) توقف في سياقه، فعبر بقوله: وذكر رأسه ورجليه. وفي (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر المكي: وفي ابن ماجة بإسناد جيد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تتم صلاة لأحد... (الحديث السابق) (3). وأخرج الطبراني في (الأوسط) حديث جابر بن عبد الله، وعن رفاعة بن رافع (الحديث السابق). وفي مسند أحمد عن عباد بن تميم المازني، والإصابة لابن حجر العسقلاني، وسنن أبي داود عن ابن عباس في كيفية وضوء رسول الله (ص): رش على رجله اليمنى، وفيها النعل ثم مسحها بيديه، يد فوق القدم، ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك (4)، (وروى مثله عن علي (ع) في سنن أبي داود) (5). وفي آثار الطحاوي عن علي (ع): أنه توضأ فمسح على ظاهر القدم، وقال: لولا أني رأيت رسول الله (ص) فعله لكان باطن القدم أحق من ظاهره، وروي عن ابن عباس عن علي (ع) مثله. ثم قال (الطحاوي): فذهب قوم إلى هذا، وقالوا هكذا حكم الرجلين يمسحان كما يمسح الرأس. وفي مسند أحمد عن بسر بن سعيد، وعبد الله بن عمر قال: أتى عثمان المقاعد (دكاكين) فدعا بوضوء فتمضمض، واستنشق وغسل، وجهه ثلاثا، ويديه ثلاثا، ثم مسح برأسه ورجليه ثلاثا (ثم قال): هكذا رأيت رسول الله (ص) يتوضأ (يا هؤلاء كذلك) (7).
(1) المصدر السابق، ص 104، 108. (2) شرح العيني على البخاري، ص 659. (3) ابن حجر الزواجر، ج 1، ص 100. (4) مسند أحمد، ج 4، ص 40، والإصابة، ج 1، ص 375، وسنن أبي داود، ص 22. (5) سنن أبي داود، ص 32. (6) الطحاوي، ج 1، ص 21. (7) مسند أحمد، ج 1، ص 59. 264 وفي (الإصابة في تمييز الصحابة) للعسقلاني بذيل ترجمة تميم بن زيد الأنصاري: روى البخاري عن تأريخه، وأحمد وابن أبي شيبة، وابن أبي عمرو، والبغوي، والطبراني، والباوردي، وغيرهم كلهم من طريق أبي الأسود عن عباد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضأ، ويمسح الماء على رجليه، (رجاله ثقات)، وأغرب أبو عمر، وقال: أنه ضعيف (1). وفي (مجمع البحار) للمحدث: الگجراتي: رأى عكرمة يمسح عليهما (رجليه)، وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة كعلي، وابن عباس، والحسن، والشعبي، وآخرين (2). وفي (نزل الأبرار من فقه النبي المختار) لوحيد الزمان الحيدر آبادي: ويحكى عن الشيخ ابن العربي جواز مسح الرجلين في الوضوء، وهو المنقول عن عكرمة، ووجدنا في كتب الزيدية، والإمامية، والروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت (ع) تشعر بجواز المسح (3). وفي (الكبريت الأحمر) للشعراني على هامش (اليواقيت والجواهر)، قال الشيخ محيي الدين ابن العربي في (الفتوحات): ومذهبنا أن الفتح في لام " أرجلكم " لا يخرجها عن الممسوح فإن هذه (الواو) قد تكون (واو) المعية (تنصب) تقول: قام زيد وعمرا (4). وفي شرح مسلم للنووي، قال الشيعة: الواجب مسحهما (أي الرجلين)، وقال: محمد بن جرير، والجبائي (رأس المعتزلة): يتخير بين الغسل والمسح. وقال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين المسح والغسل (5). وفي نيل الأوطار: أخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضأ ويمسح على رجليه (6). وفي (ميزان) الشعراني: حكي عن أحمد، والأوزاعي، والثوري، وابن جرير من جواز مسح جميع القدمين، وأن الإنسان عندهم مخير بين الغسل وبين المسح وقد كان ابن عباس يقول: فرض الرجلين المسح لا الغسل: فاعلم ذلك (7). وفي رحمة الأمة في اختلاف الأئمة (على هامش الميزان هكذا بعينه)، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال: تخلف عنا النبي (ص) في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة، (وفي رواية: أرهقنا العصر) (8) ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار (مرتين أو ثلاثا) (9). تنبيه هذا الحديث ينادي بأعلى صوته على (المسح) لأن أصحاب النبي (ص) كانوا مستمرين على
(1) العسقلاني، ج 1، ص 192. (2) مجمع البحار، ج 2، ص 405. (3) الحيدر آبادي، ج 1، ص 12 (طبع بنارس). (4) الشعراني، الكبريت الأحمر، ج 1، ص 36. (5) شرح صحيح مسلم، ص 224. (6) نيل الأوطار، ج 1، ص 164. (7) رحمة الأمة، ص 19. (8) الإرهاق بمعنى الإدراك (9) صحيح البخاري، ص 75 - 100. 265 المسح، لأن الصلاة لم تجز بدون الوضوء، ففي هذا الوقت لم يسبغوا المسح إلى الكعبين، فناداهم النبي (ص) بالإسباغ. واحتمال الغسل اختراع لا يدل عليه لفظ الحديث (كما في الفتح) وهو هذا، فتمسك بهذا من يقول بأجزاء المسح، ويحمل الإنكار على ترك التعميم. (ثم قال)، قال الطحاوي: لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمحة دل على أن فرضهم الغسل، وتعقبه ابن المنبر بأن التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح، وليس فرضها الغسل (1). وفيه: تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى " وأرجلكم " عطفا على " وامسحوا برؤوسكم "، فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين، فحكي عن ابن عباس (في رواية ضعيفة)، والثابت عنه خلافه. وعن عكرمة، والشعبي، وقتادة (وهو قول الشيعة)، وعن الحسن البصري: الواجب الغسل، أو المسح. وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما (2). وفي (مجمع البحرين ومطلع النيرين) في لغة القرآن والحديث للشيعة قوله (عليه السلام): ويل للأعقاب من النار، وهو إن صح فالمراد به التحرز من رشاش البول. وروى أن قوما من أجلاف الأعراب كانوا يبولون، وهم قيام فينشر نشر البول على أعقابهم، وأرجلهم فلا يغسلونها، ويدخلون المسجد للصلاة، وكان ذلك سببا للوعيد. وفي السيف الماسح، (بعد ذكر حديث ويل للأعقاب من النار): فبعد تسليمه لا يدل إلا على أمره (ص) بغسل الأعقاب فلعله لنجاستها، فإن أعراب (الحجاز) ليبس هوائهم ولمشيهم حفاة في الأغلب كانت أعقابهم تنشق كثيرا، وقل ما تخلو عن نجاسة الدم، وغيره. وقد اشتهر أنهم كانوا يبولون عليها ويزعمون أن البول علاج لها فإن صدر عنه (ص) أمر بغسل الأعقاب فلعله كان لذلك، ثم اشتبه فظن أنه من الوضوء (3). وفي (الأشباه والنظائر)، في الذخيرة: أن المسح أولى لإظهار الاعتقاد، ورفع تهمة البدعة، والعمل بقراءة الجر (4)، (كذا في مجمع البحرين في أدلة الفريقين) (5). وفي شرح الفقه الأكبر لعلي القاري قوله تعالى: " وأرجلكم إلى الكعبين " قرأ بالنصب، وبالجر وهما متعارفان (6). وفي الكبيري (شرح منية المصلي للحنفية): " وأرجلكم " إلى الكعبين في السبعة بالنصب، والجر والمشهور أن النصب بالعطف على وجوهكم، والجر على الجوار، والصحيح أن (الأرجل) معطوفة على (الرؤوس) في القراءتين، ونصبها على المحل وجرها على اللفظ، وذلك لامتناع العطف على المنصوب بالفضل بين العاطف والمعطوف عليه بجملة أجنبية. والأصل أن يفصل بينهما بمفرد فضلا عن الجملة، ولم يسمع في الفصيح نحو (ضربت زيدا، ومررت بعمر وبكرا) بعطف (بكر) على (زيدا). وأما (الجر) على الجوار فلا يكون في عطف النسق لأن العاطف يمنع
(1) فتح الباري، ج 1، ص 134. (2) المصد السابق، ج 1، ص 134. (3) السيف الماسح، ص 18. (4) الأشباه والنظائر، ص 386. (5) مجمع البحرين، ص 773. (6) شرح الفقه الأكبر، ص 91. 266 المجاورة، (وقد مر من فتح البيان، والكبير، والخازن، وغيرها من التفاسير) (1). وفي التفسير الكبير (في رد جر الجوار): قلنا هذا باطل من وجوه، (ثم قال): فثبت أن قراءة " أرجلكم " بنصب اللام توجب المسح أيضا لأنه معطوف على محل رؤوسكم وهو النصب، وكان إعمال العامل الأقرب أولى، (إنتهى ملخصا) (2). وفي (الروضة الندية شرح الدرر البهية): تعسف القائلون بالغسل فحمل (الجر) على الجوار (إلى أن قال): وكل ذلك ناشئ عن عدم الإنصاف عند عروض الاختلاف (ثم قال): وإذا تقرر هذا كان الدليل القرآني قاضيا بمشروعية كل واحد منهما على انفراده، (وكذا في فتح البيان). وفي المتن المتين: وقد يجر للجوار (اتفق عليه الفريقان: البصريون والكوفيون) وعليه حمل جمع قوله تعالى " وأرجلكم " بالجر. والتحقيق على ما في المغني، وألفية الشيخ السيوطي أنه في النعت قليل وفي التأكيد نادر، وفي العطف ممتنع (وكذا في موضع اللبس ولا سيما إذا تبادر خلاف المقصود (3). أقول: قد ثبت ثبوتا كافيا مسح (الرجلين) من كتب أهل (الجماعة) مع رد جر الجوار من كتب (النحو) لعل الله تعالى ينفع به المؤمنين، ويتقبل سعيي، أنه هو الغفور الشكور. ونقل ابن الهمام الحنفي في شرح " هداية الفقه " عن ابن الحاجب أنه قال: الحمل على جر الجوار ليس بجيد، إذ لم يأت في القرآن، ولا في كلام فصيح. وفي (تهذيب اللغة)، قال ابن إسحاق النحوي: الخفض على الجوار لا يجوز في كتاب الله، إنما يجوز ذلك في ضرورة الشعر. أقول: وإن شئت كل البسط فطالع رسالة " السيف الماسح " تجدها كافية شافية. في مسح (الرجلين) عند الإمامية في الإستبصار: عن سالم، وغالب بن هذيل، قال: سألت أبا جعفر عن المسح عن (الرجلين)، فقال: هو الذي نزل به جبرئيل (4). وعن محمد بن سهل قال: قال أبو عبد الله (ع) يأتي على الرجل ستون، وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة. قلت: وكيف ذلك؟! قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه. (وهكذا في الكافي عن محمد بن مروان) (5). وفي تهذيب الأحكام: عن أبي جعفر قال: يجزي من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرجل (6).
(1) شرح منية المصلين، ص 15. (2) الفخر الرازي، ج 3، ص 546. (3) المتن المتين، ص 163، (لاهور، 304 ه -). (4) الطوسي، الإستبصار، ص 33. (5) الكليني، الكافي، ص 12. (6) الطوسي، ص 12. 267 في عدم جواز نسخ القرآن بالسنة والإجماع في التفسير الكبير: ثبت أن قراءة " وأرجلكم " بنصب اللام توجب المسح أيضا، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح، ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز (1). وفي الخازن قال الشافعي: الكتاب لا ينسخ بالسنة المتواترة، واستدل بهذه الآية، وهو أنه تعالى قال: " ما ننسخ من آية "، وذلك يفيد أنه تعالى هو الآتي، والمأتى به هو من جنس القرآن فهو قرآن. وقوله " نأت بخير منها " يفيد أنه المنفرد بالإتيان بذلك الخير وهو القرآن الذي هو كلام الله دون السنة، ولأن السنة لا تكون خيرا من القرآن ولا مثله (2). والإجماع ليس بحجة لا سيما إذا خالف النص وقد ذكرناه في المجلد الأول مستوعبا. وفي التفسير المظهري للقاضي ثناء الله الحنفي (سورة الأنفال): كيف يجوز نسخ الآية بالإجماع، والإجماع لا يكون ناسخا، ولا منسوخا؟! وفي تفسير الإكليل للسيوطي: واستدل بقوله تعالى (نأت بخير منها) أو مثلها من قال أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة. أقول: قد ثبت مما حررنا أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وهو الأرجح، وما قال أهل الجماعة إن مسح الخفين ثابت بالحديث وبالإجماع فهو زيادة على القرآن، وهو بمنزلة النسخ فهو أوهن من نسج العنكبوت. ومن العجب أنهم جوزوا المسح على جلد أجنبي (أي الخفين)، ولم يجوزوه على جلد رجليه، وما هذا إلا تعصب شديد (3). وفي نيل الأوطار: أي المسح على الخفين إجماع ظني، وقد صرح جماعة من الأئمة منهم الإمام يحيى بن حمزة أنه تجوز مخالفته، (ثم رد حجية الإجماع) فقال: إن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته، وكثرة روايته (4) (وهكذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري) (5). وفي (الصحيفة الرضوية من كتب الإمامية) بإسناد ابن بابويه في كتاب (عيون أخبار الرضا) بروايات كثيرة عن علي بن موسى الرضا (عليهم التحية والثناء)، وذلك أن عليا خالف القوم في المسح على الخفين، فقال عمر رأيت النبي (ص) يمسح على الخفين، فقال علي (ع) قبل نزول سورة المائدة أو بعدها، فقال عمر: لا أدري، فقال علي (ع): لكني أنا أدري أن رسول الله (ص) لم يمسح على الخفين حين نزلت سورة المائدة. وفي الإتقان للسيوطي عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب وهو يقول، " سلوني " (6). وقد مر ذكر علم علي (ع) بالقرآن، وفهم معانيه في بيان علم علي (ع) في المجلد الأول (فلا نعيده).
(1) التفسير الكبير، ج 3، ص 546. (2) تفسير الخازن، ج 1، ص 73. (3) التفسير المظهري، ص 45. (4) نيل الأوطار، ج 1، ص 174. (5) فتح الباري، ج 1، ص 153. (6) الصحيفة الرضوية، ص 9. 268 فصل: في سنن الوضوء في سنن الترمذي: اختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق، فقالت طائفة: لا يعيد في الوضوء، ولا في الجنابة (إذا تركهما) لأنهما سنة عن النبي (ص) فلا يجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة، وهو قول مالك والشافعي (1)، وفي كتب الإمامية (في الكافي، والاستبصار، وتهذيب الأحكام، وشرائع الإسلام، وغيرها): إنهما سنتان. مسح الرقبة بدعة قال عبد الحي اللكنوي في (تحفة الكلمة على حواشي تحفة الطلبة) في تحقيق مسح الرقبة في تخريج أحاديث الرافعي للحافظ ابن حجر العسقلاني، قال النووي: هذا حديث موضوع على رسول الله (ص) يعني حديث مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة. وزاد في موضع آخر: لم يصح عن النبي (ص) فيه شئ، وليس هو سنة بل هو بدعة ولم يذكره الشافعي، ولا جمهور الأصحاب. وفي سفر السعادة: ولم يثبت في مسح الرقبة في الوضوء حديث (2). وقال الملا علي القاري في الموضوعات: حديث مسح الرقبة موضوع (3). وفي فتح القدير شرح لهداية قيل: مسح الرقبة أيضا بدعة (4)، وفي (فتاوى قاضي خان): أما مسح الرقبة فليس بأدب ولا سنة. وفي شرح المهذب للنووي: لم يصح عن النبي (ص) فيه شئ وليس هو سنة بل بدعة ولم يذكره الشافعي، ولا جمهور الأصحاب. وفي الروضة الندية: أما مسح الرقبة فقد ورد من الروايات ما لا يصلح للتمسك به على مشروعية مسح الرقبة، وقد بسطه المجتهد الرباني في شرح المنتقى، وقد كاد يقع الإجماع بين أهل المذاهب على أنه بدعة (5). وما سوى ذلك (أي الفرائض الخمسة من غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، والتسمية، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، والموالاة، والترتيب، والأدعية المأثورة عند الشروع في الوضوء، وعند غسل جميع الأعضاء، وبعد الوضوء) - فبعضها سنة، وبعضها مندوب. فصل: في الأغسال في (الإستبصار) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الغسل في سبعة عشر موطنا (6).
(1) سنن الترمذي، ج 1، ص 6. (2) سفر السعادة، ص 5. (3) الموضوعات، ص 75. (4) فتح القدير، ص 14. (5) الروضة الندية، ص 28. (6) الطوسي، ج 1، ص 49. 269 وفي الحاشية على (تهذيب الأحكام): لعل المراد ما عدا الأغسال المختصة بالنساء، ولذا لم يذكر أغسال الدماء الثلاثة. وربما كان الأشعار بشدة الاهتمام، وإلا فهي تزيد على الخمسين بل على الستين، (إنتهى ملخصا). وفي شرائع الإسلام: الغسل يجب على الكافر إذا أسلم وجب عليه وصح منه (1). وفي (من لا يحضره الفقيه) قال أبو جعفر الباقر (ع): الغسل في سبعة عشر موطنا، ليلة سبعة عشر في شهر رمضان، وليلة تسعة عشر، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاثة وعشرين، وفيها يرجى ليلة القدر، وغسل العيدين وإذا دخلت الحرمين، ويوم تحرم، ويوم الزيارة، ويوم تدخل البيت، ويوم التروية، ويوم عرفة، وإذا غسلت ميتا أو كفنته، أو مسسته بعدما يبرد، ويوم الجمعة، وغسل الكسوف إذا اخترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك أن تغسل، وتقضي الصلاة، وغسل الجنابة فريضة. وفي شرائع الإسلام: الواجب ستة أغسال: غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الأموات، وغسل الأموات. أقول: كل الأغسال متفق عليها عند الفريقين (إلا غسل مس الميت، وغسل غسله، وغسل الكافر إذا أسلم)، فإنها غير مروجة عند أهل السنة فأنا أثبتها من كتبهم إن شاء الله سبحانه. ومن كتب أهل السنة، في (الميزان للشعراني): من تلك (الاختلافيات) قول مالك، وأحمد بوجوب الغسل على الكافر إذا أسلم (2). وكذا في (رحمة الأمة) (3)، وفي الروضة الندية شرح الدرر البهية: يجب (الغسل) بالإسلام، وجهه ما أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن حبان، وابن خزيمة عن قيس ابن عاصم أنه أسلم فأمره النبي (ص) أن يغسل بماء وسدر، وصححه ابن السكن: وأخرج أحمد، وعبد الرزاق، والبيهقي، وابن خزيمة، وابن حبان من حديث أبي هريرة: أن ثمامة أسلم، فقال النبي (ص) اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل. وقد ذهب إلى الوجوب أحمد بن حنبل، وأتباعه وذهب الشافعي إلى عدم الوجوب. والحق الأول ويؤيده ما وقع منه (ص) من الأمر للغسل عند الإسلام لواثلة بن الأسقع، وقتادة الرهاوي كما أخرجه الطبراني، وأمره أيضا لعقيل بن أبي طالب (كما أخرجه الحاكم في تاريخ نيشابور) (4). وفي الميزان للشعراني قال أبو حنيفة: إن (الآدمي) ينجس بالموت، وإذا غسل طهر، وهو قول الشافعي، وأحمد (في روايتهما الأخريين) (5). وفي الروضة الندية: ويشرع (أي الغسل) لصلاة الجمعة وللعيدين، ولمن غسل ميتا. وجهه ما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة (مرفوعا): من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ، وقد روي من طرق (حسنة الترمذي، وصححه ابن القطان، وابن حزم، وقد روي من غير طريق) (6).
(1) المحقق الحلي، ص 9. (2) الشعراني، ج 1، ص 114. (3) رحمة الأمة، ص 21. (4) الروضة الندية، ج 1، ص 35. (5) الشعراني، ج 1، ص 19. (6) الروضة الندية، ج 1، ص 35. 270 قال الحافظ ابن حجر: هو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا. فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض. وقال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء. وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا، وقد روي نحوه عن علي عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى، والبزار، والبيهقي، وعن حذيفة عند البيهقي (ثم قال) وعن عائشة من فعله (ص) عند أحمد، وأبي داود، وقد ذهب إلى الوجوب علي (ع)، وأبو هريرة، والإمامية، وذهب الجمهور إلى أنه مستحب. وفي (كنز العمال) عن علي (ع) قال: الطهارات ست (فذكر منها): ومن غسل ميتا (رواه عبد الرزاق) (1). وفيه: من غسل ميتا فليغتسل (رواه أحمد عن المغيرة) من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ (رواه أبو داود، وابن ماجة، وابن حبان عن أبي هريرة) (2). وفي (الإستبصار) للإمامية عن أبي عبد الله (ع) قال من غسل ميتا فليغتسل قال: وإن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه، وإذا برد ثم مسه فليغتسل، قلت: على من أدخله القبر، قال: لا غسل عليه، إنما يمس الثياب (3). وعن القاسم الصيقل قال: كتبت إليه جعلت فداك هل إغتسل أمير المؤمنين (ع) حين غسل رسول الله (ص) عند موته فأجابه النبي (ص) طاهر مطهر، ولكن أمير المؤمنين فعل، وجرت به السنة. فصل: في التيمم الأصل فيه قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " - (سورة النساء - 43، والمائدة - 6). في الدر المنثور: أخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة عن عمار بن ياسر قال رسول الله (ص): إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه (وكذا روى عن أبي هريرة)، وروى ابن عدي عن عائشة، وروى ابن جرير عن عمار أنه لم يمسح الذراع، وكذا روى عن مكحول (4). وذهب جماعة إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو قول علي (ع)، وابن عباس، وبه قال الشافعي، وعطاء، ومكحول، وإليه ذهب الأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وداود الظاهري، واحتجوا بما روي عن عمار بن ياسر قال (فقال عليه السلام): إنما يكفيك (هكذا)، وضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح، (أخرجاه في الصحيحين). (ثم قال الخازن): فمن ذهب إلى أن الممسوح في التيمم هو الكف (من أطراف الأنامل إلى الكوع) قال: إن حد اليد هو المقطوع في حد السرقة (كذا في الخازن).
(1) كنز العمال، ج 5، ص 139. (2) أيضا، ج 8، ص 81. (3) الإستبصار، ص 50. (4) الدر المنثور، ج 2، ص 167. 271 وفي (فتح البيان): إن أحاديث (الضربتين) لا تخلو جميع طرقها من مقال، فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة واحدة (1). وفي سنن أبي داود (بأربعة أسانيد عن عمار، وأيضا بأسانيد أخرى): التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، (وهكذا في سنن النسائي) (2). وفي (فتح البيان): الوجه ثم الكفان يمسحهما مرة بضربة واحدة ناويا مسميا. والأصل فيه قوله تعالى: " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم "، (فالباء) للتبعيض كما بينته السنة، وكما هو مدلول آية (برؤوسكم) عند أكثر المحققين (3). في (شرح المهذب) عن جماعة من أهل العربية: إن (الباء) إذا دخلت على متعدد كما في الآية " بوجوهكم ورؤوسكم " تكون للتبعيض، وعلى غير المتعدد كما في آية " وليوفوا بالبيت العتيق " تكون للإلصاق. وفي صحيح البخاري عن عمار (مرفوعا)، قال: إنما يكفيك أن تصنع (هكذا)، وضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، وظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه (4). أيضا إنما كان يكفيك أن تصنع (هكذا)، ومسح وجهه وكفيه واحدة. وفيه: الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم. في الروضة الندية: أما الاقتصار على الكفين، فلكون الأحاديث مصرحة بذلك، منها: حديث عمار بن ياسر: أن النبي (ص) أمره بالتيمم للوجه والكفين (أخرجه الترمذي، وغيره وصححه). ومنها: ما في الصحيحين من عمار (مرفوعا): ثم مسح بهما وجهه، وكفيه، وفي لفظ الدارقطني: ثم تمسح بهما وجهك، وكفيك إلى الرسغين (5). وفي الفتح (باب التيمم): للوجه والكفين أي هو الواجب المجزي، وأتى بصيغة الجزم مع شهرة الاختلاف فيه لقوة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جحيم، وعمار، وما عداهما فضعيف، أو مختلف في رفعه، ووقفه، والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جحيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين. ومما يقوى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي (ص) بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد. أما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترك في الوضوء، فجوابه أنه قياس في مقابلة النص فهو فأسد الاعتبار، وقد عارض من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص، (إنتهى ملخصا) (6). وقال النووي في (شرح مسلم): وقد ذهب إلى أنه يقتصر من اليدين على الكفين عطاء،
(1) فتح البيان، ج 2، ص 249. (2) سنن أبي داود، ج 1، ص 91، (النسخة المترجمة إلى اللغة الأوردية المطبوعة في لاهور). (3) فتح البيان، ج 3، ص 6. (4) صحيح البخاري، ج 1، ص 227. (5) الروضة الندية، ص 41. (6) فتح الباري، ج 1، ص 221. 272 ومكحول، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وعامة أصحاب الحديث (1). وفي الروضة الندية: والحق ما ذهب إليه الأولون (المقتصرون على الكفين)، وضعفت الأدلة التي استبدل بها القائلون بضربة واحدة، فلما قال في الروضة الندية: لأن ذلك هو الثابت في الأحاديث الصحيحة، ولم يثبت ما يخالف ذلك من وجه صحيح، وقد ذهب إلى كون التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين الجمهور (2). وفي سنن الترمذي عن عمار بن ياسر: أن النبي (ص) أمره بالتيمم للوجه والكفين. وفي (الباب) عن عائشة، وابن عباس، قال أبو عيسى: حديث عمار حديث حسن صحيح (3). وقد روى عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي (ص) من علي (ع)، وعمار، وابن عباس، وغير واحد من التابعين، منهم: الشعبي، وعطاء، ومكحول. وفي (عون الباري لحل أدلة البخاري)، في حديث عن عمار بن ياسر فضرب النبي (ص) بكفيه الأرض، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه، وكفيه إلى الرسغين، (وهذا مذهب أحمد). وحكي عن الشافعي: وهو القوي من جهة الدليل كما قاله النووي في المجموع (4). والحاصل أن جميع الأحاديث الصحيحة ليس فيها إلا (ضربة) واحدة للوجه والكفين فقط، وجميع ما ورد في الضربتين، أو كون المسح إلى المرفقين لا يخلو من ضعف يسقط به عن درجة الاعتبار، ولا يصلح العمل عليه. وفي نيل الأوطار: والحديث يدل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وقد ذهب إلى ذلك عطاء، ومكحول، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، والصادق (ع)، والإمامية. قال في (الفتح)، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء، واختاره وهو قول عامة أهل الحديث أيضا في (النيل): وبهذا يتبين لك أن أحاديث (الضربتين) لا تخلو جميع طرقها من مقال، فالحق الوقوف على ما في الصحيحين (أي الاقتصار على ضربة واحدة) (5). وفي الميزان للشعراني: من حديث البيهقي عن عمار بن ياسر، قال: أمرني رسول الله (ص) في التيمم بمسح الوجه والكفين. وفي رواية أخرى (مرفوعا) عن أنه (ص) ضرب بيديه الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه وكفيه لم يجاوز الكوع (6). قال العيني في شرح الهداية قال الأوزاعي: التيمم ضربتان، والفرض عند مالك إلى الكوعين، والاختيار إلى المرفقين. ما يتم به التيمم وفي (الروضة الندية): ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب الشافعي، وأحمد، وداود. وذهب
(1) شرح صحيح مسلم، ج 1، ص 160، وترجمة المشكاة، ج 1، ص 281. (2) الروضة الندية، ج 1، ص 41. (3) سنن الترمذي، ج 1، ص 21. (4) عون الباري (المطبوع على هامش نيل الأوطار)، ج 1، ص 111. (5) نيل الأوطار، ج 1، ص 254. (6) الميزان الكبرى، ج 1، ص 72. 273 مالك، وأبو حنيفة، وعطاء، والأوزاعي، والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض، وما عليها. وفي شرح الوقاية: أما عند أبي يوسف فلا يجوز إلا بالتراب والرمل، وعند الشافعي في قوله الجديد لا يجوز إلا بالتراب (1). في (القاموس): الصعيد التراب، أو وجه الأرض. وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك قول الإمام الشافعي، وأحمد: إن الصعيد في الآية هو التراب. ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر، أو برمل فيه غبار، وهو قول العترة (2). وذكر فيه حديث " جعل لي التراب طهورا وجعلت أمتي خير الأمم " (رواه أحمد)، وبمعناه روى مسلم في صحيحه: وحديث التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء، (رواه أصحاب السنن، وابن حبان). وفي (مجمع البحرين): الصعيد التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ، ولا رمل. قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في الآية التراب الطاهر الذي على وجه الأرض، أو خرج من باطنها. وفي (الإستبصار) للإمامية عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن التيمم، فضرب بيديه الأرض ثم رفعها فنفضهما، ثم مسح بها جبهته وكفيه مرة واحدة (3). وفي الإستبصار عن أبي عبد الله (ع): أنه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "، وقال: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم "، الآية قال: فامسح على كفيك من حيث القطع. وفي فروع الكافي: عن أبي عبد الله (ع) قال: نهى أمير المؤمنين (ع) أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق (4). وفي الإستبصار: الضربة الواحدة تكون مخصوصة بالطهارة الصغرى، والضربتان بالطهارة الكبرى (5). وعن أبي جعفر (ع) قال: قلت له كيف التيمم؟! قال: هو ضرب واحد للوضوء، وللغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه، ومرة لليدين، ومتى أصبت الماء فعليه الغسل إن كنت جنبا، والوضوء إن لم تكن جنبا (إنتهى ملخصا). أقول: وفي هذا الباب أحاديث شهيرة، وكثيرة وفيما قلنا كفاية لمن له بصيرة، ولدينا مزيد، والله الحمد.
(1) الروضة الندية، ج 1، ص 39. (2) الشعراني، ج 1، ص 115، ونيل الأوطار، ج 1، ص 251. (3) الإستبصار، ص 85، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 60. (4) الكليني، الفروع من الكافي، ج 1، ص 31. (5) الإستبصار، ج 1، ص 86. 274 الباب الثالث في أحكام الصلاة فصل: في مواقيت الصلاة في (مشكاة المصابيح) عن ابن عباس قال، قال رسول الله (ص): أمني جبرئيل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شئ مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين (رواه أبو داود، والترمذي) (1). وفي سنن الترمذي: وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس: ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه (2). وفي الباب عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي موسى، وأبي مسعود، وأبي سعيد، وجابر، وعمر، وابن حزم، والبراد، وأنس. وفي مسلم: فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل، قال الله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وقرآن الفجر " (3). وفي فتح البيان، والكبير للفخر الرازي: (الدلوك) هو زوالها من كبد السماء، - وهو اختيار الأكثرين من الصحابة والتابعين -، واحتج القائلون بهذا القول على صحته بوجوه... الخ، أو غروبها - وهو اختيار الفراء، وابن قتيبة -. والغسق: دخول الليل بالظلمة (4). وفيه: وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات، وقت الزوال، ووقت أول المغرب، ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين، وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركا
(1) مشكاة المصابيح، ص 51، والطوسي، الإستبصار، ج 1، ص 130. (2) سنن الترمذي، ج 1، ص 21. (3) صحيح مسلم، ج 1، ص 222. ((4) فتح البيان، ج 5، ص 353، والفخر الرازي، ج 5، ص 631. 275 أيضا بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء مطلقا. وفي الدر المنثور: عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما: (دلوكها): زوالها (1). وفي (مجمع البحرين ومطلع النيرين) دلوكها زوالها، ودلوكها غروبها، وهو خلاف ما صح عن الباقر (ع). وفي الروضة الندية: أول وقت الظهر الزوال (أي زوال الشمس)، ويبين ذلك باخضرار الجدار إلى جهة الشرق يعرفه كل ذي عينين، وآخره مصير ظل الشئ مثله سوى في الزوال، وهو أول وقت العصر (2). وآخره (أي آخر وقت العصر) صيرورة ظله مثليه. قال الشافعي: آخر الوقت المختار للعصر أن يكون ظل كل شئ مثليه. وفي المحلى شرح الموطأ: إعلم أنه قال الجمهور: إذا صار ظل كل شئ مثله بعد ظل نصف النهار خرج وقت الظهر، ودخل وقت العصر. وقال أبو حنيفة (في المشهور عنه): إنه لا يخرج الظهر بمصير الظل المثل، ولا يدخل العصر بل يكون أول وقت العصر بمصير ظل كل شئ مثليه. قال القرطبي: خالفه الناس كلهم حتى أصحابه. وروي عن أبي حنيفة أن وقت الظهر إلى المثل، (ثم قال): وهو المشهور عنه. في (الينابيع): هو الصحيح عن أبي حنيفة. وفي الدر المختار: هو قولهما، وزفر، والأئمة الثلاثة. وقال الإمام الطحاوي: وبه نأخذ. وفي (غرر الأذكار): وهو المأخذ به. وفي البرهان: هو الأظهر لبيان جبرئيل وهو نص في الباب. وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى، (إنتهى ما في الدر المختار). وهكذا في الفتاوى لعبد الحي (3). وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك (الاختلافيات) قول مالك، والشافعي أن الظهر يجب بزوال الشمس وجوبا موسعا إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، وهو آخر وقتها، المختار عندهما مع قول أبي حنيفة أن (الظهر) لا يتعلق الوجوب بها إلا آخر وقتها، وأن أول وقت العصر (وهو قول الشافعي) إذا صار ظل كل شئ مثله بعد ظل الاستواء، مع قول مالك إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر على سبيل الاشتراك. وقال أصحاب أبي حنيفة: أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثليه (4). وفي نيل الأوطار: وأما أول وقت العصر فمذهب العترة والجمهور أنه مصير ظل الشئ مثله (لما تقدم في حديث جبرئيل)، وقال الشافعي: الزيادة على المثل. وقال أبو حنيفة: المثلان وهو فأسد ترده الأحاديث الصحيحة (5). أقول: المراد من حديث الإبراد بالظهر المروي في البخاري (أي أبردوا بالظهر): " فإن شدة الحر من فيح جهنم " قيده في البلاد الحارة، وشدة الحر، ومع هذا يكون قبل مضي المثل الأول، ولو في آخره. (هذا ما عندي، ولعل عند غيري أحسن من هذا). وفي عمدة الرعاية على شرح الوقاية: الدليل على كون أول وقت الظهر هو الزوال قوله تعالى:
(1) الدر المنثور، ج 1، ص 195. (2) الروضة الندية، ص 54. (3) الدر المختار، ج 1، ص 27، والفتاوى، ج 3، ص 43. (4) الشعراني، ج 1، ص 126. (5) نيل الأوطار، ج 1، ص 294. 276 " أقم الصلاة ". الآية، فإنه فسره ابن عمر بالزوال، (أخرجه عنه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وغيرهم) (1). وفي شرح الوقاية (ملخصا): وللظهر من زوالها إلى بلوغ ظل كل شئ مثليه سوى في الزوال، (هذا في رواية عن أبي حنيفة)، وفي رواية أخرى عنه، وهو قول أبي يوسف، ومحمد، والشافعي: إذا صار ظل كل شئ مثله سوى فئ الزوال. وفي عمدة الرعاية: وهو الذي رجحه صاحب (البحر الرائق) في رسالة مستقلة له، وقال في (الغياثية): هو المختار. وقال في البدائع، والمحيط، هو الصحيح، وهو الذي اختاره أكثر أرباب المتون (2). وقال النووي في شرح مسلم: قال أصحابنا: للعصر خمسة أوقات، وقت فضيلة واختيار، وجواز بلا كراهة، وجواز مع كراهة ووقت عذر. فأما وقت الفضيلة فأول وقتها، ووقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه، ووقت الجواز إلى الاصفرار، ووقت الجواز مع الكراهة حالة الاصفرار إلى الغروب، ووقت العذر وهو وقت الظهر في حق من يجمع بين الظهر والعصر لسفر أو مطر، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها لغروب الشمس صارت قضاء (3). وكذا في مختصر الفقه للشافعي وزاد: والخامس وقت تحريم، وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها. ووقت المغرب وهو واحد بمقدار ما يؤذن، ويتوضأ أو يتيمم، ويستر العورة، ويقيم الصلاة، ويصلي خمس ركعات. وفي (الفتاوى) لعبد الحي: في (الخلاصة): أول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر، وآخر وقتها حين تغرب الشمس، ويكره التأخير إلى تغير الشمس (ثم قال): إنما يعرف التغير بأن ينظر الناظر إلى قرصها إن أمكنه أن ينظر إلى القرص ولم تخر عيناه علم أن الشمس قد تغيرت، وإن لم يمكنه علم أن الشمس لم تتغير (4). وفي الفتاوى: أفتى جمع من الحنيفة بقول أبي يوسف، ومحمد من انتهاء وقت الظهر صيرورة الظل مثله، فقد ذكر في (خزانة الروايات) عن (ملتقى البحار) أن أبا حنيفة قد رجع في خروج وقت الظهر، ودخول وقت العصر إلى قولهما (5). وفي (المواهب اللطيفة شرح مسند أبي حنيفة) للشيخ عابد السندي: ألف الشيخ ابن نجيم (صاحب البحر) رسالة لتأييد مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة، واستدل على مطلوبه بأدلة متعددة، وأجاب عنها أبو الحسن السندي في حاشية فتح القدير لابن الهمام، لكن لما رأيت رجوع أبي حنيفة إلى قول الجمهور ما وسعني ذكر شئ من الأدلة والجواب عنها روما للاختصار.
(1) عمدة الرعاية، ج 1، ص 121. (2) أيضا، ص 122. (3) شرح مسلم للنووي، ج 1، ص 222. (4) الفتاوى، ج 2، ص 43. (5) أيضا، ص 349. 277 وفي رسالة (النصر في ذكر وقت صلاة العصر) للسيد أحمد دحلان مفتي الشافعية بمكة المعظمة: وممن نقل أيضا رجوع الإمام إلى قول صاحبيه صاحب الفتاوى الشامي، وصاحب كتاب الأنيس، وصاحب الجوهر المنير شرح تنوير الأبصار، وذكره أيضا في (روايات الهندواني على مستدرك الشيباني) في باب ما يحل أكله، وما لا يحل قال: وقد صح رجوع أبي حنيفة عن قوله: لا يحل أكل لحوم الخيل، وخروج وقت الظهر. وممن نقل الرجوع أيضا صاحب (الصراط القويم). وفي (نفع المفتي والسائل) لعبد الحي قلت: والواقف الماهر على أدلة الفريقين (أي حنيفة وصاحبيه) يعلم قطعا كون قولهما قويا، وكون قوله ضعيفا فلا عبرة لفتوى من أفتى بقوله: وفي (شرح الوقاية): وللمغرب منه (أي من غروب الشمس) إلى مغيب الشفق وهو الحمرة عندهما، وبه يفتى. وعند أبي حنيفة الشفق هو البياض. وفي (عمدة الرعاية على شرح الوقاية): الشفق الحمرة كما أخرجه الدارقطني، والبيهقي، وغيرهما عن ابن عمر موقوفا، وروي مرفوعا أيضا، وسنده ضعيف. وفي (مجمع البحرين) عن الخليل: الشفق هو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة. وفي الروضة الندية: وآخر المغرب ذهاب الشفق الأحمر، (وجميع كتب للغة مصرحة بها)، وجميع أشعار العرب، ومن بعدهم (1). وفي فتح الباري شرح البخاري: قوله يؤخر صلاة المغرب، ولم يعين غاية التأخير، وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: بأنه بعد أن يغيب الشفق (2). وفي رواية عبد الرزاق بإسناده عن نافع: فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل. وللمصنف في الجهاد بإسناده عن ابن عمر في هذه القصة: حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما. ولأبي داود في إسناده عن ابن عمر في هذه القصة: فسار حتى غاب الشفق وتنوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا ثم بين رواية ابن عمر أنه صلى في آخر الشفق، وقال: ولا تعارض بينه وبين ما سبق لأنه كان في بواقعة أخرى ثم قال: روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة قال: كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا، ثم ارتحل (أخرجه الإسماعيلي)، ثم تفرد جعفر الفريابي عن إسحاق: وليس ذلك بقادح فأنهما إمامان حافظان وقد وقع نظيره في الأربعين للحاكم: فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب. قال الحافظ صلاح الدين الجلائي: هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة القصر، وسند هذه الزيادة جيدة. قلت: وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه، (إنتهى من الفتح). وفي شرح الوقاية: ومن طهرت في بوقت عصر، أو عشاء صلتها فقط خلافا للشافعي فإن عنده من طهرت في وقت العصر صلت الظهر أيضا، ومن طهرت في وقت العشاء صلت المغرب أيضا فإن وقت الظهر والعصر عنده كوقت واحد، وكذا وقت المغرب والعشاء، ولهذا يجوز الجمع عنده في
(1) الروضة الندية، ص 46. (2) فتح الباري، ج 5، ص 587. 278 السفر (1). وفي فروع الكافي للكليني للإمامية قلت: إن جبرئيل أتاه في اليوم الأول بالوقت الأول، وفي اليوم الآخر بالوقت الأخير، ثم قال جبرئيل: ما بينهما وقت. وعن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة (2). وفي تهذيب الأحكام قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس، فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك (النفل)، ثم لا يزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة فإنه دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين (3). وفي فروع الكافي: عن أبي جعفر (ع) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب (يعني من المشرق)، فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها. وفيه: سألت أبا عبد الله (ع) متى تجب العتمة، فقال: إذا غاب الشفق، و (الشفق هو الحمرة). وفيه: عن أبي عبد الله (ع): إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه. وعنه (عليه السلام) قال: وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل (4). وفي (الإستبصار) عن زريح قال: قلت لأبي عبد الله (ع) أن أناسا من أصحاب أبي الخطاب يمشون بالمغرب حتى تشتبك النجوم، قال: أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمدا (5). وفيه: عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر (6). وفيه: عن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إن الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر، قلت: وما الموتور، قال: لا يكون له أهل ومال في الجنة، قلت: وما تضييعها قال يدعها حتى تصفر وتغيب (7). وفيه: وقد بين ذلك أبو الحسن في رواية إبراهيم الكرخي عنه حين قال: وذلك من علة وهو تضييع. وقد قدمنا أيضا أنه لا يجوز أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من علة، ويزيد ذلك بيانا ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن إسماعيل بن سهل عن حماد عن ربعي عن أبي عبد الله (ع) قال: إنا لنقدم، ونؤخر، وليس كما يقول من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، وإنما الرخصة للناس، والمريض، والمدنف، والمسافر، والنائم في تأخيرها (8). وفي فروع الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (ص) إذا كان في سفر أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال أبو عبد الله (ع) لا بأس
(1) شرح الوقاية، ج 1، ص 124. (2) الكليني، ج 1، ص 156. (3) تهذيب الأحكام، ج 1 ص 144. (4) الكليني، ج 1، ص 159. (5) الطوسي، ج 1، ص 136. (6) الإستبصار، ج 1، ص 126. (7) أيضا، ص 132. (8) أيضا، ص 133. 279 بأن يعجل عشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق، ووقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل، وروي أيضا إلى تصف الليل (1). أقول: قد ثبت من تطبيق أحاديث الفريقين أن أفضل الأوقات في الصلوات كلها أولها، وعند الضرورة يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما وتأخيرا وبين المغرب والعشاء كذلك وأيضا ثبت اشتراك الوقت في الظهرين والمغربين إلا أن أولهما للأول، وآخرهما للآخر. تنبيه قد خالفنا في هذه المسألة المعاصرين من إخواننا الشيعة، وأهل الجماعة بأن أكثر أهل الجماعة قد منعوا من الجمع بين الصلاتين، ولو كان بعذر، وتشددوا في المنع للمخالفة المحضة، وتركوا الأحاديث الصحيحة، وأن أهل الشيعة اعتادوا الجمع للراحة والغفلة، وإنهم جمعوها بلا عذر، وقد جمعوا بحيث ضيعوا الأوقات المستحبة، وتركوا النوافل، وقصروا السور ففي كل واحد منهما وقع الإفراط والتفريط فعليهما الإنصاف فإنه خير الأوصاف. وما علينا إلا البلاغ. فصل: في الجمع بين الصلاتين وقد تقدم شئ منه آنفا في الفصل السابق، والأصل فيه قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وقرآن الفجر "، " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ". قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير، تحت قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس ": هذه الآية توهم أن للظهر والعصر وقتا واحدا، وللمغرب والعشاء وقتا واحدا (2)، وإن الظهر والعصر يجمعان بعرفة بالاتفاق، وفي السفر عند الشافعي، وكذا المغرب والعشاء. وأما صلاة الفجر فهي منفردة في وقت واحد فكان وقت الظهر والعصر وقتا واحدا، ووقت المغرب والعشاء وقتا واحدا، ووقت الفجر متوسطا بينهما (3). وفي حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي الحنفي: فكانت أوقات الصلوات في الأصل ثلاثة، الفجر، والعشاء، وغسق الليل، وهو قوله تعالى: " أتم الصلوات لدلوك الشمس ". وإنما قال إلى غسق الليل لأن صلاة العشاء ممتدة إليه حكما لعدم وجود الفصل، ولذلك جاز عند الضرورة الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء فهذا أصل (4). وفي (الإكليل) للسيوطي تحت قوله تعالى: " ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى ". قلت: ظهر من هذه التسوية استنباط أحسن من هذا، وهو أنه يجوز الجمع بالمرض، كما يجوز بالمطر لأنه تعالى سوى بينهما.
(1) الفروع من الكافي، ج 1، ص 253. (2) الفخر الرازي، ج 3، ص 452. (3) الفخر الرازي، ج 5، ص 616. (4) الدهلوي، ص 193. 280 وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: صلى النبي (ص) سبعا جميعا، وثمانيا جميعا. وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال: كان رسول الله (ص) إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء. وفيه: عن عبيد الله قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول إن رسول الله (ص) كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء. وفيه: عن سالم عن أبيه: رأيت رسول الله (ص) يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير. وفيه: عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله (ص) إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما. وفيه: عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن أباه (عبد الله) قال: رأيت رسول الله (ص) إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. عن أنس قال: كان النبي (ص) إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر آخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما (1). وفيه: ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حتى يغيب الشفق. وفيه: عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة (تبوك) فجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟! قال، فقال: أراد أن لا يحرج أمته. عن ابن عباس قال جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف، ولا مطر. وفي حديث (وكيع) قال، قلت: لابن عباس لم فعل ذلك، قال: كيلا يحرج أمته. وعنه، قال: صليت مع النبي (ص) ثمانيا جميعا، وسبعا جميعا. وعن عبد الله بن شفيق، قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حين غربت الشمس، وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر، ولا ينثني، فقال: ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك، ثم قال: رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله ابن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيئا، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. وعنه قال، قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك أتعلمنا بالصلاة كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص) (2). وفيه: وقال النووي في شرح مسلم: قال الشافعي: والأكثرون يجوزون الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء وبين المغرب والعشاء، وفي وقت أيتهما شاء في السفر الطويل. وفي جوازه في السفر القصير قولان للشافعي. وأما المريض جوزه أحمد، وجماعة من أصحاب الشافعي. وقال: أبو حنيفة لا يجوز إلا بعرفات، ومزدلفة، والأحاديث الصحيحة في الصحيحين، وسنن أبي داود، وغيره
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 245. (2) أيضا، ج 1، ص 245. 281 حجة عليه. وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير (من أصحاب الشافعي) عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر. ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره، (إنتهى ملخصا) (1). وفي سنن الترمذي عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال فقيل: لابن عباس ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا تحرج أمته. وفيه أيضا عن ابن عباس عن النبي (ص) قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر. قال أبو عيسى الترمذي: و (حنش) هذا هو أبو علي الرحبي، وهو (حنش بن قيس)، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر، أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق (2). قال الحافظ ابن حجر في نصب الراية: (حنش بن قيس) وهو واه جدا، وغفل الحاكم فاستدركه. وقال الشوكاني: كذبه أحمد (3). قال عبد الحي اللكنوي: والحديث المذكور في الترمذي " فقد أتى بابا... الخ " (أخرجه الحاكم، والترمذي، لكن سنده ضعيف جدا) - كما بسطناه - في التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد، (كذا قاله عبد الحي في عمدة الرعاية) (4). وفي سنن النسائي عن ابن عمر (مرفوعا): إذا حضر أحدكم الأمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة (يعني الجمع بين الصلاتين) كذا في كنز العمال (5). وفي حاشية نصب الراية: في التلخيص لابن حجر: وفي حديث ابن عباس أن النبي (ص) جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر (متفق عليه)، وله ألفاظ منها لمسلم: جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف، ولا مطر. قيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك؟ فقال: أراد أن لا تحرج أمته (6). وفي رواية الطبراني: جمع بالمدينة من غير علة، قيل له ما أراد بذلك، قال: التوسع على أمته. وفي الموطأ لمالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قال: صلى
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 246. (2) سنن الترمذي، ج 1، ص 26. (3) نصب الراية، ص 131. (4) عمدة الرعاية، ص 124. (5) كنز العمال، ج 4، ص 117. (6) حاشية نصب الراية، ص 130. 282 لنا رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر (1). وفي كنز العمال عن ابن عباس قال: صلى... (الحديث المذكور). وفيه: عن عمرو بن شعيب قال، قال عبد الله: جمع لنا رسول الله (ص) مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فقال رجل لابن عمر: لم ترى النبي (ص) فعل ذلك، قال: لئلا يحرج أمته إن جمع رجل (رواه عبد الرزاق في الجامع عن صفوان بن سليم) قال: جمع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مطير (رواه عبد الرزاق). وعن جابر أن النبي (ص) جمع بين الصلاتين في السفر (الظهر والعصر) - رواه ابن جرير -. وعنه: أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين (رواه ابن جرير) (2). في (غنية الطالبين) للشيخ عبد القادر الجيلاني: أما الجمع بين الصلاتين فجائز بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر بشرط أن يكون السفر طويلا، (وهو ستة عشر فرسخا على ما بينا)، وهو مخير بين تأخير الأولى، إلى تقديم الثانية، وبين تقديم الثانية، إلى وقت الأولى. وأما الجمع لأجل المطر فيجوز بين المغرب والعشاء (3). وفي (الحجة البالغة) ما معناه أن النبي (ص) رخص للمسافرين بالجمع بين الصلاتين تقديما وتأخيرا (4). وفي (الشفاء) للقاضي عياض: ترك النبي (ص) الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها، وشغل بالتحرز من العدو عنها فشغل بطاعة عن طاعة، وقيل: أنه (ص) الذي ترك يوم الخندق أربع صلوات، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وبه احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف إذا لم يتمكن من أدائها إلى وقت (الأمن)، وهو مذهب الشاميين (5). وفي (نيل الأوطار) بعد ذكر قول ابن حجر في فتح الباري: للبيان الجمع الصوري (قال ابن حجر) وتعقبه الخطابي، وغيره بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا في الإتيان لكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات، وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة. قال في (الفتح) مؤيدا لما قاله الخطابي، وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين ذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع قال: ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم، وسيأتي (6). وفيه: (بعد ذكر جواب حديث ابن عباس بعذر المرض من النووي)، قال الحافظ: وفيه نظر لأنه لو كان جمعه (ص) بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر، والظاهر أنه (ص) جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس في رواية. ومنها: (أي من الأجوبة) أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها. قال النووي: " وهو باطل " (7).
(1) الموطأ، ص 51. (2) كنز العمال، ج 4، ص 242. (3) غنية الطالبين، ص 558. (4) الحجة البالغة، ص 220. (5) القاضي عياض، الشفاء، ص 134. (6) نيل الأوطار، ج 3، ص 88. (7) أيضا، ص 92. 283 وفيه: بعد ذكر قول الترمذي أن حديث ابن عباس في (الجمع) غير معمول به، ولا يخفاك أن الحديث صحيح، وترك الجمهور للعمل به لا يقدح في صحته، ولا يوجب سقوط الاستدلال به، وقد أخذ به بعض أهل العلم كما سلف، وإن كان ظاهر كلام الترمذي أنه لم يأخذ به أحد، ولكن قد أثبت ذلك غيره، والمثبت مقدم (1). قال النووي في شرح مسلم (في استحباب صوم ستة من شوال): هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبت: " السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها "، (إنتهى من النيل) (2). وقال النووي في شرح مسلم: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال، وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر إلى آخره (كما مر) (3). وقال الحافظ في (الفتح)، قال النووي: ومنهم من تأول أن الجمع (صوري) بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل. وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوزوا الجمع في (الحضر) للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع (الصوري) لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج، ومن قال به (أي بالجمع في الحضر) ابن سيرين، وربيعة، وأشهب، وابن منذر، والقفال الكبير، والخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث. وعن ابن مسعود (مرفوعا): أخرجه الطبراني، ولفظه جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي، (إنتهى ملخصا) (4). وفي عمدة الرعاية حاشية شرح الوقاية لعبد الحي قوله: وفيه خلاف الشافعي فإنه يجوز الجمع في السفر بين الظهر والعصر تقديما وتأخيرا، وبين المغرب والعشاء كذلك لورود أخبار صريحة دالة على أن النبي (ص) فعله في السفر غير مرة (أخرجه الشيخان، وأصحاب السنن، وغيرهم) كما بسطه الحافظ ابن حجر، وهذا هو الحق (5). وفي الميزان الكبرى للشعراني: ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة لجواز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيرا، (ثم قال): وأما الجمع من غير خوف ولا مرض فجوزه ابن سيرين لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة، وكذلك اختار ابن المنذر وجماعة جواز الجمع في الحضر من غير خوف، ولا مرض ولا مطر ما لم يتخذ ديدنا بخلاف ما لا يجوز الجمع فيه إجماعا كجمع الصبح مع العشاء، أو المغرب مع العصر، ونحو ذلك. وفي النيل: وقد ذهب (إلى أن المشروع أذان واحد، وإقامة لكل صلاة) الشافعي في القديم، وهو مرضي عن أحمد، وابن حزم، وابن الماجشون، وقواه الطحاوي، وإليه ذهب الهادوية (6).
(1) أيضا، ص 94. (2) شرح مسلم، ج 1، ص 369. (3) أيضا، ص 246. (4) فتح الباري، ج 3، ص 307. (5) عمدة الرعاية، ج 1، ص 124. (6) شرح النيل، ج 3، ص 97. 284 وفيه: قد رواه (أي الجمع) في البحر عن الإمامية، والمتوكل على الله، وأحمد بن سليمان، والمهدي، وأحمد بن الحسين، ورواه ابن مظفر في البيان عن علي (ع)، وزيد بن علي، والهادي، وأحد قولي الناصر، وأحد قولي المنصور بالله. وفي (هدية المهدي والمشرب الوردي من الفقه المحمدي) للفاضل العلامة المولوي وحيد الزمان الحيدر آبادي: يسن للمسافر الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا خلافا للأحناف في منعهم. وعندنا الجمع في السفر كان تقديما أو تأخيرا سنة ثابتة عن رسول الله (ص) وقالت طائفة من أصحابنا بجواز ذلك للمقيم مطلقا. وقيل ما لم يتخذه عادة وخلقا. قال في (الفتح): وممن قال بجوازه ابن سيرين، وربيعة، وابن المنذر، والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث. وقد حكى ذلك عن الإمامية، وبعض الزيدية، والروايات متواترة في كتبهم عن أئمة أهل البيت بجواز ذلك، وروي عن علي (ع) وصح عن ابن عباس فعله، ورواه مرفوعا، واعتمد على ذلك الشيخان ابن تيمية، وتلميذة ابن القيم، وظاهر كلامه في (الزاد) اشتراط وجود المشقة، والحاجة، وقد فعل ذلك ابن عباس بالبصرة لأجل شغل. وقول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته هو من المرفوع حكما إذ لا يجوز له الأخبار عن إرادة النبي (ص) إلا بتوقيف عنده (1). قال في (النيل): وقد أخرج الطبراني في الأوسط، والكبير عن ابن مسعود بلفظ: جمع رسول الله... الخ. وفيه: وقال (ص) صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي، (الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد). قلت: ومن ضعفه فلم يصب. وبما ذكرناه يظهر أن الأحاديث لا هي متعارضة، ولا واردة في معنى واحد بل قد ورد فعله (عليه السلام) للجمع الصوري، والجمع الحقيقي في الحصر للحاجة، ولدفع المشقة، فظهر أن الجمع في الحضر للحاجة، ودفع المشقة جائز مطلقا، ولا يلزم من ذلك مخالفة لحديث (جبرئيل) الوارد في تعيين المواقيت ولا مخالفة للآية الكريمة: " أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ". ومن استدل من (الأحناف) على منع الجمع في الحضر بالآية، والحديث المذكورتين، فقد ضل وأضل إذ لا يخرج الصلاة عن كونه موقوتا بالجمع. وحديث جبرئيل فيه إظهار الأوقات الأصلية المتفردة لكل صلاة وهو ساكت عن مسألة الجمع. وإذا جازت الزيادة بالحديث الصحيح على الكتاب فجوازها على الحديث بحديث آخر من باب أولى. وأنا أفتيت رجلا مبسورا تخرج منه الريح ساعة فساعة، ويشكل عليه التوضي لكل صلاة أنه يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمعا حقيقيا (جمع تقديم أو تأخير)، والكل واسع، وديننا يسر بحمد الله تعالى، ولكن أهل التقليد حجروا واسعا، وألقوا عباد الله في المشقة والكلفة، ومن أراد الجمع أذن للأولى، وأقام لكل صلاة بعدها (أي مكتوبة) لحديث جابر أن النبي (ص) صلى الصلاتين بعرفة بأذان وإقامتين (الحديث رواه أحمد، ومسلم، والنسائي). وقد ذهب إلى أن المشروع أذان واحد في الجمع، وإقامة لكل واحدة من المجموعتين - الشافعي، (إنتهى
(1) المصدر السابق، ج 3، ص 92. 285 ملخصا). أقول (وبه أستعين): الحاصل من هذا الباب أن الجمع بين الصلاتين عند الفريقين جائز (جمعا حقيقيا جمع تقديم وجمع تأخير، لا جمعا صوريا) بالكتاب الكريم، والسنة الصحيحة، وعمل الصحابة، ومن بعدهم بلا عذر ولا مرض ولا سفر ولا مطر ولا خوف لإرادة اليسر، ورفع المشقة بأذان واحد، وإقامتين، ومن قال خلاف ذلك فقد خالف الله ورسوله وجعل خلقه في ضيق، وجعل يسره عسرا، أو عطاءه ممنوعا، وليس لأحد أن يشاقق الله ورسوله من تلقاء نفسه أو تقليد أحد، " ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ". فصل: في أن الدين يسر لما ذكرنا أن الجمع بين الصلاتين يسر في الدين من الله سبحانه فأردنا أن نثبت يسر الدين كما ينبغي، فنقول: الأصل فيه قوله سبحانه: " يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر "، و " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، و " يريد الله أن يخفف عنكم "، و " ما جعل عليكم في الدين من حرج "، و " فاتقوا الله ما استطعتم "، و " فاقرأوا ما تيسر من القرآن "، و " لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "، وغير ذلك. في تفسير (الإكليل) للعلامة السيوطي قوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر " هذا أصل لقاعدة عظيمة تبنى عليها فروع كثيرة، وهي أن المشقة تجلب التيسير وهي إحدى القواعد الخمس التي يبنى عليها الفقه، وتحتها من القواعد قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وقاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع). ومن الفروع ما لا يحصى كثيرة، والآية أصل في جميع ذلك، وقد يستدل بالآية على أحد الأقوال في مسألة تعارض المذاهب والروايات والاحتمالات هل يأخذ بالأخف، أو بالأقوى أو بأيهما شاء. وفي تفسير (ترجمان القرآن بلطائف البيان) عن أبي قتادة (مرفوعا): إن خير دينكم أيسره، (رواه أحمد) (1). وعن أبي عروة (مرفوعا): إن دين الله في يسر (رواه أحمد، وابن مردويه). وعن أنس بن مالك (مرفوعا): يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا (رواه أحمد، والشيخان، والطبراني، والنسائي)، (وهكذا في كنز العمال). وعن معاذ، وأبي موسى الأشعري (مرفوعا): حين بعثهما إلى اليمن بشرا ولا تنفرا ويسرا، ولا تعسرا (رواه الشيخان، وأحمد في مسنده، والبيهقي). وأخرج البزار، والطبراني، وابن حبان عن ابن عباس عن النبي (ص) إن الله يحب أن يؤتى رخصة كما يحب أن تؤتى عزيمة. وأخرج أحمد، والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان، والطبراني في الأوسط، والبيهقي عن ابن عمر قال، قال رسول الله (ص): إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما لا يحب أن
(1) ترجمان القرآن، ج 1، ص 235. 286 تؤتى معصية. وأخرج الطبراني، وأحمد مسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة. أقول: قد ظهر من هذه الروايات أن الحرج مدفوع من الشارع، وهذا لا يحصل بعمل رواية صحيحة وجدت من أي راو ثقة طابقت الثقلين، ولو خالفها الرجال. ونحن لم نؤمر بتقليد أحد من الأمة سوى الثقلين (كما في الميزان الكبرى للشعراني): وكان الإمام ابن عبد البر يقول ولم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه (ثم قال): ولم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أن رسول الله (ص) أمر أحدا من الأمة بالتزام مذهب معين. وقد نقل القرافي الإجماع من الصحابة على من استفتى أبا بكر، وعمر، وقلدهما فله بعد ذلك أن يستفتي غيرهما من الصحابة، ويعمل به من غير نكير. وأجمع العلماء على من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجة، ومن ادعى دفع هذين الإجماعين فعليه الدليل (1). وفي (عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد) لولي الله الدهلوي قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ أمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، وهو مع ذلك يقلده فيه ويترك من شهد الكتاب والسنة، والأقيسة الصحيحة لمذهبهم جمودا على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة تضالا عن مقلده، (إلى أن قال): وهذا ناء عن الحق، بعيد عن الصواب لا يرضى به أحد من العلماء (2). وقال بحر العلوم في شرح مسلم الثبوت: ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فإيجابه تشريع جديد من عند نفسه (3). فصل: في كم يقصر الصلاة في البخاري: سمى النبي (ص) السفر يوما وليلة. وفي (الفتح) في رواية أبي ذر: السفر يوم وليلة. (وفي كل منهما تجوز)، والمعنى: سمى مدة اليوم والليل سفرا، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب (أورده البخاري)، (ثم قال): وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر فيما دون اليوم. ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه، قال: تقصر في مسيرة يوم وليلة، (ثم قال): وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم، وأبو داود من حديث أنس قال: كان رسول الله (ص) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو فراسخ قصر الصلاة، وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك، وأصرحه. وقد حمله من خالفه على أن المراد به
(1) الشعراني، ج 1، ص 34. (2) الدهلوي، ص 43. (3) شرح مسلم الثبوت، ص 628. 287 المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر. ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس، قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة (يعني من البصرة)، فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع. وقد روى ابن أبي شيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حرملة، قال، فلت لسعيد ابن المسيب: أقصر الصلاة، وأفطر في بريد من المدينة، قال نعم، (إنتهى ملخصا) (1). في (حجة الله البالغة) ومن لازمه السفر أن يكون مسيرة يوم تام، (وبه قال سالم) (2). وفي مسلم عن أنس: إن رسول الله (ص) صلى الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي (الحليفة ركعتين. وعن يحيى بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة قال كان رسول الله (ص) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ شعبة الشاك صلى ركعتين (3). وفي تلخيص الجير لابن حجر: وهو يقتضي الجواز في أقل من ثلاثة فراسخ. وروى سعيد عن أبي سعيد قال كان رسول الله (ص) إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة. قال النووي، قوله: إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى بذي (الحليفة) ركعتين، وقد احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره. وفي صحيح مسلم عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل من (السمط) إلى (قربة) على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا، فصلى ركعتين، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، قلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله (ص) يفعل. قال النووي: هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض (4). وفي (الروضة الندية) للسيد الصديق: يجب القصر على من خرج من بلده قاصدا للسفر، وإن كان دون (بريد) وجهه. إن الله قال: " وإذا ضربتم في الأرض "، والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب، ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شئ فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وشرعا. ومن خرج من بلده قاصدا إلى محل يعد في مسيرة إليه مسافرا قصر الصلاة، وإن كان ذلك المحل دون (البريد) ولم يأت من اعتبر (البريد) واليوم واليومين والثلاثة، وما زاد على ذلك بحجة نيرة. قال الأوزاعي: عامة الفقهاء يقولون يوم تام. فالحاصل أن الواجب الرجوع إلى ما يصدق عليه اسم السفر شرعا أو عرفا لأهل الشرع فما كان ضربا في الأرض يصدق عليه أنه سفر وجب فيه القصر. وأما ما رواه سعيد بن منصور أنه كان (ص) إذا سافر فرسخا يقصر الصلاة فه أيضا لا ينفي السفر فيما دون ذلك، (إنتهى ملخصا) (5). وفي (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) قال الأوزاعي: تقصر في مسيرة يوم. وقال داود: يجوز
(1) فتح الباري، ج 4، ص 577. (2) حجة الله البالغة، ص 220. (3) صحيح مسلم، ج 1، ص 242. (4) أيضا، ص 242. (5) الروضة الندية، ج 1، ص 99. 288 القصر في طويل السفر وقصيرة (1). وفي نيل الأوطار: ذهب الباقر (ع)، والصادق (ع)، وأحمد بن عيسى، والقاسم، والهادي إلى أن مسافته (بريد) فصاعدا. وقال أنس وهو مروي عن الأوزاعي أن مسافته يوم وليلة. قال في الفتح وقد أورد البخاري ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة (يعني في صحيحه)، وسمى النبي (ص) السفر يوم وليلة بعد قوله (باب في كم يقصر الصلاة) (2). وفي (كنز العمال) عن ابن عباس، قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة (رواه ابن جرير). وعن سالم أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام (رواه عبد الرزاق) (3). وفي (هدية المهدي) لوحيد الزمان: والعبرة للمسافة وفاقا للشافعية، وخلافا لبعض الأحناف، فلو قطع مسافة القصر في ساعة ما بخرق العادة كرامة، أو بتوسط الآلات كأن ركب السكة الحديدية، أو المركب الهوائي، أو البالون، ونحوها قصر، لحديث فلا فرق بين السهل والجبل، ولا البر والبحر، ومن خرج متابعا لغيره ولم يعلم مقصده لم يقصر قبل بلوغه ثلاثة أميال (4). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: وهي (مسافة) مسير يوم بريد (أربعة وعشرون ميلا)، ولو كانت المسافة أربعة فراسخ، وأراد العود ليومه فقد كمل مسير يوم، ويجب التقصير (5). وفي (الإستبصار) للإمامية عن أبي عبد الله (ص) قال في التقصير: حده أربعة وعشرون ميلا. وعن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (ع): أدنى ما يقصر فيه الصلاة فقال بريد ذاهبا، وبريد جائيا، يقول التقصير في الصلاة بريد في بريد أربع وعشرين ميلا (6). أقول: هذا هو الحق، " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ". فصل: في أن القصر في السفر واجب في الروضة الندية: يجب القصر لحديث عائشة الثابت في الصحيح أن النبي (ص) قال: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر، وأقرت في السفر. فهذا يشعر بأن صلاة السفر باقية على الأصل فمن أتم فكأنه صلى في الحضر الثنائية أربعا والرباعية ثمانيا عمدا (7).
(1) رحمة الأمة، ص 72. (2) نيل الأوطار، ج 3، ص 82. (3) كنز العمال، ج 4، ص 240. (4) هدية المهدي، ج 5، ص 134. (5) شرائع الإسلام، ص 54. (6) الإستبصار، ج 1، ص 113. (7) الروضة الندية، ج 1، ص 98. 289 وفي الميزان للشعراني: فمن ذلك قول الإمام أبي حنيفة: إن القصر عزيمة (1). وفي نيل الأوطار: القصر واجب، ذهب إليه الحنيفة، والهادوية، وروي عن علي (ع)، وعمر، ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم. قال الخطابي: كان مذهب أكثر علماء السلف، وفقهاء الأمصار على أن القصر واجب في السفر، وهو قول علي (ع)، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وروي عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والحسن. وقال حماد بن سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعا. وقال مالك: يعيد في الوقت. وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب. وقال ابن المنذر: وقد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح، ولا في المغرب (2). وفي شرح الوقاية المحشى بعمدة الرعاية: فلو أتم أساء. وفيه: فلو أتم مسافر، وقعد في الأولى تم فرضه وأساء (أي استحق الإثم لتأخير السلام)، وشبهة عدم قبول صدقة الله. وذهب أصحابنا إلى أن الفرض في حقه ركعتان، والقصر عزيمة وعندنا لا بد أن يقصر فلو صلى أربع ركعات لساء (3). وفي سنن الترمذي عن ابن عمر: أن النبي (ص) كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها (4). وفي (الإستبصار) للإمامية: عن أبي عبد الله (ع) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما، ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاثا (5). فصل: فيمن لا يجب عليه القصر في نيل الأوطار قال النووي: وذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح (6). وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة أنه لا يجوز القصر في سفر المعصية، ولا الترخص فيه برخص السفر بحال (7). وفي الكتب الإمامية في فروع الكافي عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام) قال: ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، ولا على المكاري والجمال (8). عن أبي بكير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتصيد اليوم، واليومين، والثلاثة أيقصر
(1) الشعراني، ج 1، ص 170. (2) الشوكاني، ج 3، ص 76. (3) شرح الوقاية، ج 1، ص 186. (4) سنن الترمذي، ج 1، ص 72. (5) الطوسي، ج 1، ص 111. (6) الشوكاني، ج 4، ص 76. (7) الشعراني، ج 1، ص 170. (8) الكليني، ج 1، ص 255. 290 الثلاثة؟ قال: لا، وإن التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة. وفيه عن أبي عبد الله (ص) قال: الأعراب لا يقصرون، وذلك أن منازلهم معهم. وفي (شرائع الإسلام)، الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغا (أي جائزا) واجبا كان كحجة الإسلام، أو مندوبا كزيارة النبي (ص)، أو مباحا كالأسفار للتجارة، ولو كان معصية لم يقصر كاتباع الجائر، وصيد اللهو. ولو كان الصيد لقوته أو قوت عياله قصر. الشرط الخامس: أن لا يكون سفره أكثر من حضره كالبدوي، ويطلب القطر، والملاح، والتاجر، (إلى أن قال): وضابطه أن لا يقيم في بلدة عشرة أيام، فلو أقام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصر (1). وفي (كنز العمال) عن علي (ع) قال: إذا أقمت بأرض عشرا فأتم فإن قلت أخرج اليوم أو غدا فصل ركعتين، وإن أقمت شهرا، (رواه عبد الرزاق) (2). أقول: إن نوى الإقامة في بلدة مثلا عشرة فصاعدا أتم عن الإمامية، وأما عند الحنفية فخمسة عشر يوما فصاعدا، والدلائل تركناها مخافة للتطويل. ولا اعتبار لنية التابع في السفر كالمرأة، والعبد، والتلميذ، والخادم، وغيرهم، بل العبرة لنية المتبوع كالزوج، والمولى، والأستاذ، والسيد، ومثلهم، وهذه المسألة من المسلمات عند الفريقين فمن أجل ذلك لا ضرورة إلى الدلائل. فصل: في الأذان الأصل فيه قوله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله "، و " إذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا "، في شرح الوقاية: هو سنة للفرائض فحسب في وقتها. وفي (عمدة الرعاية) قوله: (فحسب) احتراز عن الوتر، وصلاة العيد، والكسوف، والخسوف، والتراويح، والسنن الرواتب، وغيرها (3). وفي (الميزان) للشعراني: من ذلك قول الإمام أبي حنيفة، ومالك، والشافعي: إن الأذان، والإقامة، وسنتان للصلاة الخمس، والجمعة (4). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: الأذان والإقامة مستحبان في الصلاة الخمسة المفروضة أداء وقضاء للمنفرد والجامع، وقيل هما شرطان في الجماعة والأول أظهر، ويتأكدان فيما يجهر فيه، وأشدهما في الغداة والمغرب (5). وفي الإستبصار: الوجه في هذه الأخبار تأكيد الاستحباب، والحث على عظم الثواب فيه دون
(1) المحقق الحلي، ص 55. (2) كنز العمال، ج 4، ص 339. (3) عمدة الرعاية، ج 1، ص 125. (4) الشعراني، ج 1، ص 134. (5) المحقق الحلي، ص 30. 291 أن يكون المراد به الوجوب (1). وفي (تهذيب الأحكام) قال الشيخ: فإن كانت صلاة جماعة، كان الأذان والإقامة لهما واجبين لا يجوز تركهما في تلك الحال. وقال أبو عبد الله (ع): لا تصلى الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة، ورخص في سائر الصلاة بالإقامة والأذان أفضل (2). في صفة الأذان في (الإستبصار) للإمامية: الله أكبر (أربع مرات)، أشهد أن لا إله إلا الله (اثنتان)، أشهد أن محمدا رسول الله - ص - (اثنتان)، حي على الصلاة (اثنتان)، حي على الفلاح (اثنتان)، حي على خير العمل (اثنتان)، الله أكبر (اثنتان)، لا إله إلا الله (اثنتان). وفي الإقامة قد قامت الصلاة (مرتان)، لا إله إلا الله (مرة) (3). وفي (نيل الأوطار) لأهل الجماعة: (الصلاة خير من النوم)، قال في البحر: أحدثه عمر فقال ابنه: هذه بدعة. وعن علي (ع) حين سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه، (ثم قال)، بعد أن ذكر حديث أبي محذورة، وبلال. قلنا: لو كان لما أنكره علي (ع)، وابن عمر، وطاووس سلمنا فأمر به (إشعارا في حال لا شرعا) جمعا بين الآثار (4). وقال المولوي عبد الحي اللكنوي في التحقيق العجيب في التثويب عن الليث ابن سعد عن نافع أن ابن عمر كان إذا قال (حي على الفلاح)، قال على إثرها (حي على خير العمل) أحيانا، وروى مثله محمد في الموطأ عن مالك عن نافع (ثم قال): على أنا لا نقول بحرمتها بل بكراهتها (5). وفي نيل الأوطار: والحديث ليس فيه ذكر (حي على خير العمل)، وقد ذهب العترة إلى إثباته وأنه بعده، (ثم قال): ونسبه المهدي في (البحر) إلى أحد قولي الشافعي، وهو خلاف ما في كتب الشافعية، فأنا لم نجد شيئا من هذه المقالة، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له اطلاع على كتب الشافعية. احتج القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت (ع) كأمالي أحمد بن عيسى، والتجريد، والأحكام، وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله (ص) (بعده قال): وبما أخرج البيهقي في السنن الكبرى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن (بحي على خير العمل) أحيانا، وروى فيها عن علي بن الحسين (هو المقلب بإمام الساجدين، وزين العابدين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين) أنه قال: هو الأذان الأول. وروى المحب الطبري في (أحكامه) عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك. قال المحب الطبري (رواه ابن حزم، ورواه سعيد من منصور في سننه عن أبي أمامة بن سهل البدوي)، ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت
(1) الإستبصار، ج 1، ص 153. (2) الطوسي، ج 1، ص 147. (3) الإستبصار، ج 1، ص 156. (4) نيل الأوطار، ج 1، ص 238. (5) التحقيق، ص 5. 292 (ع) مرفوعا. بعده قال: وقد أورد البيهقي حديثا في نسخ ذلك (حي على خير العمل)، ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها (1). وفي (الكبريت الأحمر) في بيان علوم الشيخ الأكبر على هامش اليواقيت والجواهر للشعراني قال فيه (أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية): ما عرفت مستند من كره قول المؤذن (حي على خير العمل). فإنه روى أن رسول الله (ص) أمر بها يوم حفر الخندق، والصلاة خير، الخ، (وأطال في ذلك) (2). وفي كنز العمال: كان بلال يؤذن بالصبح، ويقول: (حي على خير العمل)، رواه الطبراني (3). وفي تفسير (تنوير البيان) للإمامية عن شرح التجريد للعلامة القوشجي، وشرح المقاصد للعلامة التفتازاني، قال عمر: ثلاث كن على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهن وأحرمهن، وأعاقب عليهن، وهي متعة النساء، ومتعة الحج، و (حي على خير العمل) (4). وفي (كنز العمال) عن ابن جريج قال: أخبرني عمر بن حفص أن سعدا أول من قال (الصلاة خير من النوم) في خلافة عمر، فقال: بدعة لو تركوه، وإن بلالا لم يؤذن لعمر (رواه عبد الرزاق) (5). وفيه: عن ابن عمر أن عمر قال لمؤذنه إذا بلغت (حي على الفلاح) في الفجر فقل (الصلاة خير من النوم) رواه الدارقطني، وابن ماجة، والبيهقي. وفيه: في الموطأ لمالك، عن مالك بلغه أن المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال: (الصلاة خير من النوم)، فأمره أن يجعلها في نداء الصبح (6). وفيه: أنبأنا يونس عن الحسن، وابن سيرين قالا: كان التثويب في الفجر (الصلاة خير من النوم) (7). وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فسمع رجلا يثوب في المسجد فقال أخرج بنا من عند هذا المبتدع، (رواه عبد الرزاق، والضياء) (8). وفي صحيح مسلم، وسنن الترمذي، عن أنس قال: أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة (9). قال الحافظ ابن حجر في (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية): روى الطحاوي من طريق عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى. وهذا يرد قول الحاكم أن عبد العزيز لم يدرك أبا محذورة. وعن الأسود بن زيد أن بلالا كان يثني الأذان، ويثني الإقامة (أخرجه عبد الرزاق، والطحاوي، والدارقطني). وللطبراني بلفظه: كان يجعل
(1) الشوكاني، ج 1، ص 338. (2) الكبريت الأحمر، ج 1، ص 343. (3) كنز العمال، ج 4، ص 266. (4) تنوير البيان، ص 63. (5) كنز العمال، ج 4، ص 270. (6) أيضا، ص 270. (7) أيضا، ص 279. (8) أيضا، ص 270. (9) صحيح مسلم، ج 1، ص 164، وسنن الترمذي، ج 1، ص 37. 293 الأذان والإقامة سواء مثنى مثنى (1). وفي (سنن البيهقي) الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى مثنى. قال العلامة الشوكاني في (شرح المنتقى) بعد ذكر اختلاف الناس في ذلك (أي في تثنية الأذان، والإقامة، وإيتارها) - وأطال في بيانه -: إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها، وكونها في الصحيحين، لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها (2). وفي (مدارك الأحكام شرح شرائع الإسلام) للإمامية قال: الشيخ، والسيد المرتضى في الإنتصار بكراهة (الصلاة خير من النوم) (ثم قال): والمعتمد: التحريم (3). وفي (مجمع البحرين في أدلة الفريقين)، وفي سنن الترمذي: قد اختلف أهل العلم في تفسير (التثويب) فقال بعضهم: التثويب أن يقول في أذان الفجر (الصلاة خير من النوم)، وهو قول ابن المبارك، وأحمد. وقال إسحاق غير هذا، قال هو شئ أحدثه الناس بعد النبي (ص) إذ أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الآذان والإقامة (ثم قال): والذي فسر ابن المبارك، وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر (الصلاة خير من النوم)، فهو قول صحيح. وروى مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدا، وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه فثوب المؤذن، فخرج عبد الله ابن عمر من المسجد، وقال: أخرج بنا من عند هذا المبتدع، ولم يصل فيه (4). وفي (الإستبصار) للإمامية عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: قال يا زرارة تفتح الأذان بأربع تكبيرات، وتختمه بتكبيرتين، وتهليلتين (5). وعن أبي عبد الله (ع) قال: الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى مثنى (6). وفيه: إذا كان أول الوقت جاز أن يفصل بينهما (أي بين الأذان والإقامة) بجلسة، وإذا تضيق الوقت يكتفي في ذلك بنفس (7). وفيه: قال بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فإن بينهما نفسا (8). وفي شرائع الإسلام: ويفصل بينهما بركعتين، أو سجدة إلا في المغرب. وفي الحاشية: (أو جلسة، أو سكتة، أو تسبيحة). أقول: في توفيق تربيع الأذان وتثنيته روي في حديث أبي محذورة، وغيره تربيع التكبير في غير واحد من الأحاديث، فلهذا خص حديث مثنى مثنى بحديث تربيع التكبير دون غيره، وذكر تربيع التكبير في حديث أبي محذورة (مرفوعا)، رواه أبو نعيم في
(1) نصب الراية، ص 60. (2) الروضة الندية، ج 1، ص 53. (3) مدارك الأحكام، ص 166. (4) مجمع البحرين، ص 797، وسنن الترمذي، ج 1، ص 27. (5) الإستبصار، ج 1، ص 157. (6) أيضا، ص 157. (7) أيضا، ص 158. (8) أيضا، ص 158. 294 الحلية (1)، (هكذا في كنز العمال) (2). وفي (كنز العمال): عن الأسود بن يزيد مرفوعا (رواه عبد الرزاق، وأبو الشيخ، وعن أبي محذورة مرفوعا، رواه أبو الشيخ، وعبد الرزاق) (3). في إجابة المؤذن في صحيح مسلم، وسنن الترمذي بن يزيد أبي سعيد قال، قال: رسول الله (ص): إذا سمعتم النداء، فقولوا مثل ما يقول المؤذن (4). قال النووي في الشرح حديث عمر أنه يقول في (الحيعلتين): لا حول ولا قوة، إلا بالله (5). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: يستحب لمن يسمع الأذان أن يحكيه مع نفسه (6). وفي (الحاشية): المراد بالحكاية أن يقول السامع كما يقول المؤذن فصلا فصلا حتى (الحيعلات)، وروى أنه يقول بدلها: لا حول ولا قوة إلا بالله. فائدة وفي تنوير الإيمان لمحمد بن يعقوب الكليني حديث فيه (أشهد أن أمير المؤمنين وإمام المتقين عليا ولي الله). وفي (مصابيح الرشاد) للسيد محمد الطبرسي: أنه كان في عهد النبي (ص)، وترك في زمان خلفاء بني أمية. وقال في (البحار): لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان بشهادة الشيخ، والعلامة، والشهيد الأول، وغيرهم. وأما إنكار صاحب (من لا يحضره الفقيه) فليس بمعتمد لأنه قول مردود، كما رد قوله في سهو النبي (ص) بقول الثقات. أقول: وبالله أستمد الواجب على إخوان الإسلام أن لا يسخروا على أذان الشيعة، وإن شهدوا بولاية أمير المؤمنين في الأذان لأنه تعالى حدد من تمسخر على الأذان بقوله " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا "، ولنا في إثبات هذه (الشهادة) إثباتات كافية من القرآن الكريم. قال الله: تعالى " والذين هم بشهاداتهم قائمون "، (سورة المعارج). ومن مسلمات أهل الفن أن أدنى الجمع يطلق على الثلاث، ففي الأذان ثلاث شهادات، شهادة التوحيد، وشهادة الرسالة، وشهادة الإمامة، والسلام.
(1) شرائع الإسلام، ص 31. (2) كنز العمال، ج 4، ص 148. (3) كنز العمال، ج 4، ص 268. (4) صحيح مسلم، ج 1، ص 166، وسنن الترمذي، ج 1، ص 29. (5) النووي، ج 1، ص 166. (6) شرائع الإسلام، ص 31. 295 فصل: في واجبات الصلاة في فرائضها الداخلية وهي ثمانية: في شرح الوقاية: عند الشافعي لا فرق بين الفرض، والواجب على ما عرف في أصول الفقه، فعنده أفعال الصلاة أما فرائض، أو سنن، أو مستحبات (1). النية: ومحلها القلب، وليس للسان حظ منها بل تكون بها بدعة (كما ستجئ)، وهي عند (الإمامية): أن ينوي تقربا إلى الله تعالى، وابتغاء لمرضاته وامتثالا لأمره. في (الكبيري) شرح منية المصلي، الشرط السادس: النية، والنية: بالقلب ولو نوى بالقلب، ولم يتكمل باللسان جاز بلا خلاف بين الأئمة (2). وفي الروضة الندية: لا تكون شرعية الصلاة إلا بالنية لقوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ". وروى مالك بإسناده في غير رواية يحيى بن يحيى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنما الأعمال بالنيات (3). قلت: وجوب النية في ابتداء الصلاة فهي شرط من شروطها لأنه قد استلزم عدمها عدم الصلاة، وهذه خاصة الشرط. وفي عمدة الرعاية: أما النية المتأخرة عن (التحريمة) فلا تجوز على الأصح كما في البناية، والخلاصة (4). وفي (فيض الباري): اختلفوا في التلفظ بها بعد الاتفاق على أن الجهر غير مشروع مطلقا فقيل: مستحب، وقيل بدعة، وقيل مكروه لأنه لم يثبت عن رسول الله (ص) من طريق صحيح، أو ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا، ولا عن أحد من الصحابة، والتابعين. واختار الشيخ ابن همام (في فتح القدير شرح الهداية) أنه بدعة. و (هكذا اختار ابن القيم في (زاد المعاد)، والشيخ الدهلوي في مدارج النبوة، والجلال السيوطي في مصباح الزجاجة شرح ابن ماجة). والاكتفاء بالتلفظ من دون قصد القلب غير مجزئ كم حققه عبد الحي في عمدة الرعاية، وآكام النفائس. وفي عمدة الرعاية أحدها الاكتفاء بنية القلب وهو مجزئ اتفاقا وهو الطريقة المشروعة المأثورة
(1) شرح الوقاية، ج 1، ص 134. (2) شرح منية المصلي، ص 13. (3) الروضة الندية، ج 1، ص 56. (4) عمدة الرعاية، ص 130. 296 عن رسول الله (ص)، وأصحابه فلم ينقل عن أحد منهم التكلم بنويت، أو أنوي صلاة كذا في وقت كذا، ونحو ذلك كما حققه ابن الهمام في فتح القدير، وابن القيم في زاد المعاد. ونقل في (المرقاة) عن زاد المعاد: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة قال (الله أكبر) ولم يقل شيئا قبلها، ولا تلفظ بالنية، ولا قال أصلي صلاة (كذا)، مستقبلا للقبلة أربع ركعات إماما أو مأموما، ولا قال أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت. وهذه بدع لم ينقل عنه أحد قط لا بسند صحيح، ولا بسند ضعيف ولا مسند ولا مرسل بل ولا عن أحد من أصحابه، وما استحبه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة. وفي الميزان للشعراني: أجمع الأئمة على أن الصلاة لا تصح إلا مع العلم بدخول الوقت، وعلى أن للصلاة أركانا داخلة فيها، وعلى أن النية فرض، وكذلك تكبيرة الأحرام، والقيام مع القدرة، والقراءة، والركوع، والسجود، والجلوس في التشهد الأخير (1). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: فالواجبات ثمانية الأول: النية وهي ركن في الصلاة ولو أخل بها عامدا وناسيا لم تنعقد صلاته. وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن، والقصد بها إلى أمور أربعة: الوجوب، أو الندب، والقربة، والتعيين وكونها إداء وقضاء ولا عبرة باللفظ ووقتها عند أول جزء من التكبير، ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، وهو أن لا ينقص النية الأولى (2). وفي (مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام) قوله: أجمع العلماء كافة على اعتبار النية في الصلاة، بحيث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا على ما نقله جماعة، وإنما الخلاف بينهم في أنها جزء من الصلاة كالركوع والسجود، أو شرط خارج عن الماهية كالطهارة والستر والأصح الثاني، وهو خيرة المصنف في (النافع) و (المعتبر). و (التحريمة) أي تكبيرة التحريمة، ومحلها القيام بعد النية، وهي مخصوصة بقوله (الله أكبر) لا غير. وفي سنن الترمذي: لا يكون الرجل داخلا في الصلاة إلا بالتكبير، قال أبو عيسى سمعت أبا بكر محمد بن إبان يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لو افتتح الرجل الصلاة بتسعين اسما من أسماء الله تعالى، ولم يكبر لم يجزه، و (سيأتي) (3). و (القيام) في حال الصحة، و (القراءة) أي الفاتحة مع ضم سورة معها في الأوليين، و (الركوع) و (السجود) و (القعدة الأخيرة) و (الخروج بالتسليم). هذه كلها مجمعة عليها، ومسلمة عند الفريقين لا حاجة لنا إلى مزيد بيانها. وتكبيرة (التحريمة) سميت بها لتحريمها الأقوال، والأفعال كلها ما ليس منها. وقال مالك: لا يجوز إلا بقوله (الله أكبر) لأنه هو المنقول (4). وروى أبو داود، وابن ماجة عن جبير بن مطعم: أنه رأى رسول الله (ص) يصلي صلاة قال (الله
(1) الشعراني، ج 1، ص 127. (2) شرائع الإسلام، ص 32. (3) سنن الترمذي، ج 1، ص 33. (4) نصب الراية، ص 69. 297 أكبر كبيرا) ثلاثا، و (الحمد لله كثيرا) ثلاثا، و (سبحان الله بكرة وأصيلا) ثلاثا، (أعوذ بالله من الشيطان من نفخه، ونفثه، وهمزه)، إلا أن ابن ماجة لم يذكر، (والحمد لله كثيرا) وذكر في آخره من الشيطان الرجيم. وفي (كنز العمال) عن ابن عمر: أن رجلا صلى فقال: " الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا "، (رواه عبد الرزاق) (1). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: والتكبيرات سبع أيها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح (2). وفي (تهذيب الأحكام) عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثا، وإن شئت خمسا، وإن شئت سبعا، ستفتح الصلاة بسبع تكبيرات (3). وفيه: فكل ذلك مجزئ عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة (4). و (الفاتحة) هي سبع آيات باتفاق أهل العلم من القراء، والمفسرين، والمحدثين، والفقهاء. في المشكاة من الصحيحين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (5). وفي الدارقطني: لا تجزي صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، (ورجاله ثقات). وأخرج ابن عدي: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والسورة ". وفي رواية له: وسورة في فريضة وغيرها. وفي (سنن الترمذي) عن عبادة بن الصامت عن النبي (ص) قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وأنس، وأبي قتادة، وعبد الله عمر، قال: هذا حديث حسن، صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ص) منهم عمر، وجابر، وعمران، وغيرهم. قالوا: لا تجزي صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وفي الحاشية: استدل به الشافعية، وغيره أنها فرض (6). وفي الكبيري شرح منية المصلي: " الفاتحة فرض عند أكثر العلماء " (7). أقول: وقد ألف البخاري رسالة مستقلة فيها، وهي كافية شافية ليس لنا مزيد حاجة إلى بيانها. وفي (تحفة العوام) للإمامية: إذا فرغ من الفاتحة يستحب أن يقول: " الحمد لله رب العالمين "، وإذا فرغ من سورة التوحيد يقول: " كذلك الله ربي "، أو " ربنا " (8). و (البسملة) هي آية من الفاتحة تجب قراءتها معها، ومع كل سورة جهرا في كل الصلوات. في الميزان للشعراني قال الشافعي، وأحمد: إنها منها، فتجب، وكذلك القول في الجهر بها (9).
(1) كنز العمال، ج 4، ص 94. (2) شرائع الإسلام، ص 22. (3) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 218. (4) أيضا، ص 152. (5) المشكاة، ص 70. (6) سنن الترمذي، ج 1، ص 34. (7) الكبيري، ص 434. (8) تحفة العوام، ص 149. (9) الشعراني، ص 133. 298 وفي (نيل الأوطار) قال الخطيب: وأما التابعون، ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها (أي بالبسملة)، فهم أكثر من أن يذكروا، وأوسع من أن يحصروا، منهم: سعيد بن المسيب، وطاووس، وعطاء، ومجاهد، وأبو وائل، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وعكرمة، وعلي بن الحسين (هو الإمام زين العابدين - ع -)، وابنه محمد بن علي (هو الإمام الباقر - ع -). وذكر أسماء سبعا وعشرين. (ثم قال): وذكر البيهقي في الخلافيات أنه اجتمع آل رسول الله (ص) على الجهر ببسم الله (ثم قال في النيل) حكاه عن أبي جعفر الهاشمي، ومثله في الجامع الكافي، وغيره من كتب العترة. وقد ذهب جماعة من أهل البيت إلى الجهر بها في الصلاة السرية والجهرية. وذكر الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من لا يجهر بالبسملة. وعن أبي جعفر الهاشمي مثله، وإليه ذهب الشافعي، وأصحابه. وحكى القاضي أبو الطيب الطبري عن ابن أبي ليلى: والحكم أن الجهر والأسرار بها سواء (1). وفي الميزان الكبرى قال ابن أبي ليلى: يتخير (بين الجهر والأسرار) (2). وفي الروضة الندية: أورد شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقى (في التسمية) ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. والحاصل أن الحق ثبوت قراءتها (أي البسملة) فإنها آية من كل سورة، وأنها تقرأ في الصلاة جهرا في الجهرية، وسرا في السرية (3). وفي (سنن الترمذي) عن ابن عباس قال: كان النبي (ص) يفتتح صلواته ببسم الله. وقد قال بهذا عدة من أهل العلم من أصحاب النبي (ص) منهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن بعدهم من التابعين رأوا الجهر ببسم الله. وبه يقول الشافعي، وإسماعيل ابن حماد، وهو ابن أبي سليمان، (وأبو خالد: هو أبو خالد الوالبي، واسمه هرمز وهو كوفي) (4). وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر فهم أكثر من أن يذكروا، وأوسع من أن يحصروا، منهم: سعيد بن المسيب، وطاووس، وعطاء، ومجاهد، وأبو وائل، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وعكرمة، وعلي بن الحسين، وابنه محمد بن علي، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن المنذر، وأبو بكر بن محمد بن عمر، وابن حزم، ومحمد بن كعب، ونافع مولى ابن عمر، وأبو الشعثا، وعمر ابن عبد العزيز، ومكحول، وحبيب بن أبي ثابت، والزهري، وأبو قلابة، وعلي بن عبد الله بن عباس، وابنه، والأزرق بن قيس، وعبد الله بن أبي معقل. وهؤلاء أكابر التابعين، وأهل الرواية والفتيا منهم. وممن بعد التابعين: عبد الله العمري، والحسن ابن زيد، وزيد بن علي بن الحسين، ومحمد بن عمر بن علي، وابن أبي ذئب، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه. وحكي ذلك عن ابن المبارك، وأبي ثور. وبه قال جمهور أهل البيت (ع). وعن علي (ع) أن النبي (ص) كان يجهر في المكتوبات ببسم الله (في السورتين جميعا) (5).
(1) نيل الأوطار، ج 2، ص 91. (2) الشعراني، ص / 133 (3) الروضة الندية، ص 67. (4) سنن الترمذي، ج 1، ص 33. (5) الدارقطني، ص 114. 299 قال الدارقطني بعد إخراجه بإسناده: هذا إسناد علوي لا بأس به. (إنتهى ما في دليل الطالب مختصرا) (1). وفي كنز العمال: حديث الجهر عن ابن عباس، (رواه ابن عساكر) (2). قال النووي في الشرح: باب حجة من قال البسملة آية من أول كل سورة سوى (براءة) فيه حديث أنس (3). وفي نصب الراية عن علي (ع)، وعمار، أن النبي (ص) كان يجهر في المكتوبات ببسم الله، (أخرجه الحاكم) (4). وفي كنز العمال، رواه الدارقطني، والطبراني، وابن حبان (5). وفي (نيل الأوطار)، ومنها: عن علي (ع) أيضا بلفظ أن النبي (ص) كان يقرأ بسم الله في صلاته (أخرجه الدارقطني)، وقال هذا إسناد علوي لا بأس به، وله طريق آخر عنده (6). وفي دليل الطالب للسيد الصديق، وعن أنس قال: كان النبي (ص) يجهر بالقراءة ببسم الله، أخرجه الدارقطني، وله طريق آخر عنه عند الدارقطني، والحاكم. قال الحاكم: ورواته كلهم ثقات (7). وفي نصب الراية: روى الحاكم عن أنس قال: صليت خلف النبي (ص)، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي فكانوا يجهرون ببسم الله (8). وفي (إزالة الخفاء): روى أبو بكر عن عبد الله بن أبزي: أن عمر جهر ببسم الله، قلت روى عنه أهل المدينة، وأهل الكوفة، والبصرة ترك الجهر بالبسملة، وروى عنه أهل مكة الجهر، فوقع الفقهاء في الترجيح، فذهب الشافعي إلى ترجيح الجهر (9). وفي (كنز العمال) قال عليه السلام: أتاني جبرئيل فعلمني الصلاة فقرأ بسم الله، فجهر بها (رواه ابن النجار عن أبي هريرة) (10). وعن علي (ع): كان رسول الله (ص) يجهر ببسم الله في السورتين جميعا. وفي رواية: يقرأ، وفي رواية: يجهر في المكتوبات ببسم الله، (رواها الدارقطني عن علي - ع -). وفيه: عن الشعبي قال: رأيت علي بن أبي طالب، وصليت وراءه، فسمعته يجهر ببسم الله، (رواه البيهقي). وفيه: عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير (وكان بدريا) قال: صليت خلف النبي (ص) فجهر في الصلاة ببسم الله في صلاة الليل، وفي صلاة الغداة، وفي صلاة الجمعة
(1) دليل الطالب على أرجح المطالب، ص 277. (2) كنز العمال، ج 4، ص 210. (3) النووي، ص 172. (4) نصب الراية، ص 73. (5) كنز العمال، ج 4، ص 209، والدارقطني، ص 114. (6) نيل الأوطار، ج 2، ص 93. (7) دليل المطالب، ص 277. (8) نصب الراية، ص 74. (9) إزالة الخفاء، ج 2، ص 92. (10) كنز العمال، ج 4، ص 96. 300 (رواه أبو نعيم) (1). وعن عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر ابن سعد أن معاوية صلى بالمدينة للناس العتمة، فلم يقرأ بسم الله، ولم يكبر بعض هذا التكبير الذي يكبر لنا فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار، فقالوا يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت أين بسم الله، والله أكبر حين تهوي ساجدا. (الحديث رواه عبد الرزاق، وهكذا رواه الشافعي في مسنده وقد مر ذكره سابقا) (2). قال عبد الحي في رسالة (إحكام البسملة): إن (البسملة) آية من كل سورة، الفاتحة، وغيرها، وهو قول ابن كثير، وعاصم، والكسائي، وغيرهم من قراء مكة والكوفة، وإليه ذهب ابن المبارك، والشافعي (3). وفي (تحرير الأصول) لابن الهمام، الأحق المطابق للواقع أنها من القرآن لتواترها في المصحف. وفيه: وعند محمد يأتي بها في أول السورة، وفيه أحاديث الجهر، رواها أربعة عشر صحابيا، فذهب جماعة إلى الجهر، وروي ذلك عن علي، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وإليه ذهب الشافعي. وفي (عمدة الرعاية): قالوا لا بد لأمام التراويح الذي يختم فيه أن يجهر بها في أول سورة لئلا يكون الختم ناقصا (4). قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: وفيها تهمة أخرى وهي أن عليا (ع) كان يبالغ في الجهر بالتسمية فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعيا في إبطال آثار علي (ع) فلعل أنسا خاف منهم، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه (5). وفيه: أن الدلائل العقلية موافقة لنا وعمل علي بن أبي طالب معنا، ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى (6). وفيه: أن عليا كان مذهبه الجهر ببسم الله في جميع الصلاة. أقول: إن هذه الحجة قوية في نفسي، راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين. وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة قال: كان رسول الله (ص) يجهر بالصلاة ببسم الله، ثم أن الشيخ البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى. والدليل عليه قوله عليه السلام: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار. وفي شرح المواهب اللدنية للزرقاني قال السهيل: نزلت البسملة مع كل سورة بعد إقرأ.
(1) أيضا، ج 4، ص 209. (2) أيضا، ص 210. (3) إحكام البسملة، ص 220. (4) عمدة الرعاية، ج 1، ص 113. (5) الفخر الرازي، ج 1، ص 160. (6) أيضا، ص 161. 301 نقل محمد بن القاسم عن أبي حنيفة إيجابها في البسملة، حتى قال الزيلعي: يجب سجود السهو بتركها. ونقل عن المجتبى وجوبها في كل ركعة. نقل الزمخشري عن ابن عباس أنه قال: من ترك البسملة فكأنه ترك مائة وأربع عشرة آية. وروى الثعلبي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن جرير، وابن مردويه، عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثاني "، قال هي فاتحة الكتاب. قيل فأين السابعة، قال: بسم الله. وروي عن طلحة (مرفوعا): من ترك بسم الله فقد ترك آية من كتاب الله. والمشهور من مذهب الشافعي، وطائفة من أهل الحديث أنها واجبة في أول الفاتحة، والسورة كوجوبهما بناء على أنها جزء منهما عندهم، والمشهور من مذهب أصحابنا أنها سنة مؤكدة، (إنتهى ملخصا) (1). قال في رد المختار: صرح في الذخيرة والمجتبى: بأنه إن سمي بين الفاتحة والسورة المقروءة سرا أو جهرا كان حسنا عند أبي حنيفة، ورجحه المحقق ابن همام، وتلميذه الحلبي لشبهة الاختلاف في كونها آية من كل سورة (2). وفي شرائع الإسلام للإمامية: والبسملة آية منها (الفاتحة) تجب قراءتها معها (3). وفي فروع الكافي عن صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبد الله (ع) أياما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله، وكان يجهر في السورتين جميعا (4). أقول: قد ثبت مما قلنا ما ادعيناه (يعني أن البسملة آية من كل سورة) فوجبت قراءتها جهرا في أول كل سورة غير (البراءة) سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية مكتوبة أو غير مكتوبة، ومن تركها فقد ترك آية من السورة، وخالف السنة الصحيحة الثابتة من النبي (ص) وعترته الطاهرين (ع) وكبراء صحبه (رض)، والتابعين، ومن تبعهم وسلك مسلكهم، واقتدى بمعاوية وتابعيه. وأما نحن فنقتدي بالنبي (ص) وعترته الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). أما (التأمين) فلا يجوز عند الإمامية، بل هو مبطل للصلاة عندهم، لأنه ليس من القرآن فلا يفصل به، فإنه فصل بأجنبي بين الفاتحة والسورة اللتين من القرآن. و (التأمين) ليس منه، وليس بسنة عند العترة الطاهرة الذين هم العروة الوثقى فمن استمسك بهم فقد اهتدى. في (نيل الأوطار): ذهب مالك إلى أن الإمام لا (يؤمن) في الجهرية، وفي رواية عنه مطلقا، وكذا روى عن أبي حنيفة، والكوفيين (5). وحكى المهدي في البحر من العترة جميعا أن (التأمين) بدعة وقد استدل على أن (التأمين) بدعة بحديث معاوية بن الحكم السلمي (6). وفي فروع الكافي، وتهذيب الأحكام، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا كنت خلف إمام
(1) أيضا، ص 159. (2) رد المختار، ص 511. (3) شرائع الإسلام، ص 23. (4) الكافي، ج 1، ص 184، والاستبصار، ج 1، ص 58. (5) نيل الأوطار، ج 2، ص 115. (6) المصدر السابق، ص 116. 302 فقرأ الحمد، وفرغ من قراءتها أنت: " الحمد لله رب العالمين "، ولا تقل: " آمين " (1). وفي شرائع الإسلام: لا يجوز قول (آمين) في آخر الحمد، وقيل هو مكروه (2). وفي مسالك الأفهام شرح شرائع الإسلام قوله: لا يجوز. هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا. فصل: في الواجبات الإضافية وهو (الطمأنينة) في الركوع والسجدتين، وبعدهما، وبينهما، وتسبيح الركوع، والسجود مرة، والتشهد مرة في ثنائية، ومرتان فيما فوقهما، والصلاة على النبي (ص) وآله في التشهد الأخير، (وسيأتي بيانه إن شاء الله). في (الميزان) للشعراني: (الطمأنينة) ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة بوجوبها فيها (أي في الركوع والسجود) (3). وفي نيل: وإلى ذلك ذهب العترة (4). وفي شرح الوقاية: وتعديل الأركان خلافا للشافعي، وأبي يوسف فإنه فرض عندهما، وهو الاطمئنان في الركوع، وكذا في السجود، وقدر بمقدار تسبيحة، وكذا الاطمئنان بين الركوع والسجود، وبين السجدتين (5). وفي الروضة الندية: أما الطمأنينة في حال الركوع والسجودين فلا خلاف في ذلك، وأما في حال الاعتدال من الركوع، وبين السجدتين فخالف في ذلك قوم (6). والحق أنه من أكد فرائض الصلاة في الموطنين بل المشروع إطالتهما. وقد ثبت عنه (ص) ما يدل على ذلك، وثبت من أدعية فيهما ما يدل على طولهما. فالحاصل أن أصل (الاطمئنان) في الركوع والسجود، والاعتدالين - ركن من أركان الصلاة لا تتم بدونه. وفيه: (القومة) شرعت فارقة بين الركوع والسجود (7). ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة (في حديث طويل) قال رسول الله (ص) لرجل: ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم إرفع حتى تستوي قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن ساجدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، (الحديث).
(1) الفروع من الكافي، ج 1، ص 182، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 145. (2) المحقق الحلي، ص 34. (3) الشعراني، ج 1، ص 140. (4) شرح النيل، ج 1، ص 145. (5) شرح الوقاية، ج 1، ص 133. (6) الروضة الندية، ج 1، ص 61. (7) أيضا، ص 63. 303 والأحاديث الدالة على وجوب (الطمأنينة) كثيرة جدا يطول ذكرها حتى قال (عليه السلام) لتاركه: إرجع صل فإنك لم تصل. وروى الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة، والدارمي عن أبي مسعود الأنصاري، وغيره (مرفوعا): ألا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود. في شرائع الإسلام للإمامية (الواجب) الخامس: الركوع وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في (الكسوف) و (الآيات) والواجب فيه الطمأنينة (1). وفي مدارك الأحكام: المراد بالطمأنينة استقرار الأعضاء وسكونها في حد الراكع، وهي الواجبة بقدر ما يؤدي الذكر الواجب باتفاق علمائنا، (قاله في المعتبر). وفي الشرائع: الواجب (الطمأنينة) في الانتصاب، وهو أن يعتدل قائما، ويسكن ولو يسيرا. وفي (المدارك) لرواية أبي بصير: إذا رفعت رأسك من الركوع، فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يستقيم صلبه. وفي (شرائع)، السادس: السجود، وهو واجب في كل ركعة سجدتان (2). وفيه: الخامس (من واجبات السجود) الطمأنينة إلا مع الضرورة المانعة، وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا. وفي (المدارك): استحباب هذه الجلسة مذهب الأكثر، وأوجبها المرتضى. في أذكار الركوع وفيها بعده قد مر عدم تعيين الأذكار فيما دون القراءة، وروى الترمذي، وأبو داود، وابن داود، وابن ماجة، عن ابن مسعود (مرفوعا): إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: " سبحان ربي العظيم " ثلاث مرات، فقد تم ركوعه وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده " سبحان ربي الأعلى " ثلاث مرات، فقد تم سجوده وذلك أدناه. وفي (الصحيحين) عن عائشة قالت كان النبي (ص) يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي يتأول القرآن، (أي قوله فسبح بحمد ربك). وفي (صحيح مسلم) عنها: أن النبي (ص) كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح. وفي شرحه للنووي: في الرواية الأخرى، أستغفرك، وأتوب إليك. وروى أبو داود، وابن ماجة، عن قبة بن عامر قال: لما نزلت " فسبح باسم ربك العظيم "، قال رسول الله (ص): إجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى "، قال: إجعلوها في سجودكم. وفي (سنن النسائي) عن عوف ابن مالك، قال: قمت مع رسول الله (ص)، فلما ركع مكث
(1) شرائع الإسلام، ص 35. (2) المصدر السابق، ص 36. 304 قدر سورة البقرة، ويقول في ركوعه: " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ". وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقة، وجله وأوله، وآخره، وعلانيته وسره. وروى عبد الرزاق أن عمر بن الخطاب كان يقول في ركوعه وفي سجوده (قدر خمسة تسبيحات): سبحان الله وبحمده (1). وفي نصب الراية، ونيل الأوطار: كان رسول الله (ص) إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات)، رواه أبو داود، وأخاف أن لا تكون هذه الزيادة محفوظة، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا، (رواه أبو داود باختلاف الرواة والأسانيد، ورواه الدارقطني، والطبراني، والحاكم، وأحمد) (2). وفي نيل الأوطار: هذه الطرق تتعاضد فيرد بها هذا الإنكار أي ما روى إنكار الزيادة بلفظ وبحمده من أبي داود، وابن الصلاح. وروى أحمد، والطبراني في المعجم الكبير عن عمر قال: رمقت النبي (ص) في صلاته، فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا (3). وفيه أيضا: قال الهادي، والقاسم، والصادق (ع): أنه (سبحان ربي العظيم وبحمده) في الركوع، و (سبحان ربي الأعلى وبحمده) في السجود (4). وفي الحجة البالغة، وإزالة الخفاء: وفي إذكاره (الركوع) سبحانك اللهم ربنا، ومنها: سبوح، ومنها: سبحان ربي العظيم، ومنها: اللهم لك ركعت (5). وفي كنز العمال عن أم الحسن أنها سمعت (أم المؤمنين) أم سلمة (رض) تقول في سجودها في صلواتها: اللهم اغفر وارحم واهدنا السبيل الأقوم، (رواه عبد الرزاق). وفيه عن عاصم بن ضمرة قال: كان علي (ع) يقول إذا ركع: " اللهم لك خشعت، ولك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، وعليك توكلت، خشع لك سمعي، وبصري، ولحمي، ودمي، ومخي، وعظامي، وعصبي، وشعري: وبشري سبحان الله ثلاثا "، (ثم قال): فإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت "، كما في الركوع (رواه عبد الرزاق) (6). وعن النبي (ص) (مرفوعا) رواه ابن عساكر، وزاد: وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله رب العالمين، (وهكذا في النسائي المترجم) (7). وفي كنز العمال، وفي آخره: تبارك الله أحسن الخالقين، (ورواه بثلاثة أسانيد). قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: قالت عائشة: كان رسول الله (ص) يقول كثيرا
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 192. (2) تصب الراية، ص 79، ونيل الأوطار، ج 2، ص 139. (3) نيل الأوطار، ج 2، ص 139. (4) المصدر السابق، ص 138. (5) الحجة البالغة، ص 208، وإزالة الخفاء، ج 2، ص 93. (6) كنز العمال، ج 4، ص 236. (7) كنز العمال، ج 4، ص 236، والنسائي، ج 1، ص 262. (8) كنز العمال، ص 277. 305 في ركوعه: سبحانك اللهم، وبحمدك اللهم اغفر لي. وهذا بعد نزول: فسبح بحمد ربك واستغفره (1). وفي شرح مسلم للنووي: أوجب تسبيح الركوع والسجود أحمد، وطائفة من أئمة الحديث، وسنة غير واجبة عند مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، والجمهور (2). أقول: أكثر ما جاء القرآن الكريم ذكر التسبيح وهو مقرون بالتحميد كما في قوله تعالى (1) ونحن نسبح بحمدك (2) فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين (3) فسبح بحمد ربك واستغفره (4) وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم (5) وأن من شئ إلا يسبح بحمده (6) ويسبح الرعد بحمده (7) فسبخ بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها (8) خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم (9) يسبحون بحمد ربهم (10) سبح بحمد ربك بالعشي والأبكار (11) وسبحوا بحمد ربهم (12) والملائكة يسبحون بحمد ربهم (13) دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (14) سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وغيرها. الغرض من تحرير هذه الآيات الكريمة أن كل التسبيحات فيها مقرونة بالحمد فثبت أن التسبيح المحمود مقرون بالحمد، فالقول: وبحمده في الركوع والسجود امتثال لحكم القرآن وتركه مذموم والأحاديث مؤيدة لما قلنا كما ذكرنا. وفي تفسير الجلالين: يكثر من قوله: سبحان الله وبحمده أستغفر الله، وأتوب إليه. (بعد نزول هذه الآية). وفيه: فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، فسبح متلبسا بحمد ربك (أي قل سبحان الله، وبحمده، وكن من الساجدين المصلين) (3). وفيه أيضا: وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم، (أي يقولون سبحان الله وبحمده) (4). وفيه: أي ملابسين للحمد (أي يسبحونه مصاحبين بحمده). وفي (صحيح مسلم) عن أنس قال: كان النبي (ص) إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم. وفيه: عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله (ص): إذا رفع ظهره من الركوع قال: " سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض ". وفيه: عن أبي سعيد هكذا وزاد: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وفي (كنز العمال) عن علي (ع) أنه كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال اللهم ربنا لك
(1) الفخر الرازي، ج 8، ص 739. (2) النووي، ج 1، ص 191. (3) تفسير الجلالين، ج 1، ص 140. (4) أيضا، ج 2، ص 94. 306 الحمد، اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد. (رواه عبد الرزاق، والبيهقي) (1). وفيه: عن أبي هريرة مرفوعا: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا الحمد لله، (رواه الطبراني في الأوسط) (2). ورواه ابن ماجة، والنسائي، وأحمد، والبخاري، وزادوا: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه (3). وروى الترمذي، وأبو داود، عن ابن عباس قال: كان النبي (ص) يقول بين السجدتين: " اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وعافني، وارزقني ". وروى النسائي، والدارمي عن حذيفة: أن النبي (ص) كان يقول بين السجدتين: " رب اغفر لي ". وفي (رد المختار) المعروف بالشامي، أقول: بل فيه إشارة إلى أنه (أي قول المصلي بين السجدتين اللهم اغفر لي) غير مكروه، أي لو كان مكروها لنهى عنه (ص) كما ينهى عن القراءة في الركوع والسجود، وعدم كونه مسنونا لا ينافي الجواز كالتسمية بين الفاتحة والسورة بل ينبغي أن يندب الدعاء بالمغفرة بين السجدتين خروجا (خلاف الإمام أحمد)، لإبطاله الصلاة بتركه عمدا. والدعاء في السجدة مستحب لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (4). وقد أوجب السيد المرتضى (من الإمامية) جلسة الاستراحة، وهي (القعود) بعد سجدتي الركعة الأولى، والثالثة. وفي (الميزان) للشعراني: وكذلك سن الشارع جلسة الاستراحة بعد الرفع عن السجود رحمة بالمصلي (5). وفي (سنن الترمذي)، عن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى رسول الله (ص) يصلي، فكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالسا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند بعض أهل العلم، وبه يقول أصحابنا (6)، ورواه البخاري أيضا: فصلى بنا صلاة شيخنا هذا أبي يزيد، وكان أبو يزيد (هو عمرو بن سلمة الجرمي) إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة استوى قاعدا، ثم نهض (7). وفي (الفتح): وفيه مشروعية جلسة الاستراحة، وأخذ بها الشافعي، وطائفة من أهل الحديث. وعن أحمد روايتان، وذكر الخلال: أن أحمد رجع إلى القول بها. وفي (البحر الرائق شرح كنز الدقائق): أما ما رواه البخاري عن مالك أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهض حتى يستوي قاعدا فمحمول على حالة الكبر، (كما في الهداية). ويرد عليه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل، وقد قال (عليه السلام) لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه: صلوا كما
(1) كنز العمال، ج 4، ص 37. (2) أيضا، ص 129. (3) المصدر نفسه، ص 98. (4) رد المختار، ص 527. (5) الشعراني، ج 1، ص 336. (6) سنن الترمذي، ج 1، ص 38. (7) صحيح البخاري، ج 1، ص 438. 307 رأيتموني أصلي، ولم يفصل فكان الحديث حجة للشافعي، فالأولى أن يحمل على تعليم الجواز هذا. وفي (من لا يحضره الفقيه): لا بأس أن تدعو في قنوتك، وركوعك، وسجودك، وقيامك، وقعودك للدنيا والآخرة، وتسمي حاجتك إن شئت (1). وفي (الكافي) عن أبي جعفر (ع) قال: إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب (الله أكبر) ثم اركع، وقل: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي خشع لك سمعي، وبصري، وشعري، وبشري، ودمي، ومخي، وعصبي، وعظامي، وما أقلته قدماي، غير مستنكف، ولا مستكبر، سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات)، ثم قال: سمع الله لمن حمده، وأنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله رب العالمين (2). وعن أبي عبد الله (ع) قال: إذا سجدت فكبر وقل اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، والحمد لله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين، ثم قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده (ثلاث مرات)، فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني، وأجرني وادفع عني أني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين (3). وفي الكافي، ومن لا يحضره الفقيه قال أبو عبد الله: إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك وقل بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فإن عليا كان يفعل ذلك (4). وفي الإستبصار عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا جلست في الركعتين الأوليتين فشهدت، ثم قمت، فقل: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " (5). عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا قمت من السجود قلت: " اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد ". وفي الكافي، والاستبصار، قال: تسبح في الركوع (ثلاث مرات)، " سبحان ربي العظيم وبحمده "، وفي السجود: " سبحان ربي الأعلى وبحمده " (ثلاث مرات) (6). وفي (من لا يحضره الفقيه): عن أبي عبد الله (ع) قال: بين السجدتين: أستغفر الله ربي، وأتوب إليه (7). وفيه: ثم قم إلى الثانية: فإذا اتكيت على يديك، قلت: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد " (8).
(1) الصدوق، ج 1، ص 104. (2) الكليني، ج 1، ص 187. (3) الكليني، ج 1، ص 188، ومن لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 102، وتهذيب الأحكام، ج 1، ص 156. (4) الكافي، ج 1، ص 200، ومن لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 104. (5) الإستبصار، ص 171. (6) الكافي، ص 190، والاستبصار، ج 1، ص 165. (7) الصدوق، ص 98. (8) أيضا، ص 104. 308 وفي (الكافي) قال أبو جعفر (ع): من قال في ركوعه وسجوده وقيامه " صلى الله على محمد وآل محمد "، كتب الله له بمثلي الركوع والسجود والقيام (1). وفي (تهذيب الأحكام) عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (ع) أصلي على النبي (ص) وأنا سأجد، فقال: نعم، هو مثل سبحان الله والله أكبر (2). أقول: لا يخفاك أن زيادة (وبحمده) في الركوع والسجود ثابته، واستحب في جلسة الاستراحة الاستعانة، وفيما بين السجدتين الاستغفار والدعاء في الركوع والسجود والصلاة فيهما، وثبت عدم تعين الكلمات بعينها. فصل: في أن السجدة على الأرض أو على ما أنبتت وفي (سنن الترمذي) عن أم سلمة: يا أفلح، ترب وجهك. وروى (النسائي، وأبو داود، والحاكم) عنها: يا رباح ترب وجهك. وروى أحمد عنها بزيادة: لله تعالى، ورواه أبو نعيم، وابن عساكر عن أبي صالح: تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة. عن سلمان: ونعم المذكر السبحة. وأن أفضل ما تسجد عليه الأرض، وما أنبتته الأرض، (رواه الديلمي عن علي كذا في كنز العمال) (3). وفي سنن الترمذي: إن قوما من أهل العمل اختاروا الصلاة على الأرض استحبابا (4). وفي (الكبيري): وكره مالك السجود على ما يكون من غير جنس الأرض كالجلد والمسح، وكذا خرقة القطن، والكتان متمسكا بحديث الخمرة، وإن كان هو (أي السجود على الأرض) الأفضل اتفاقا. وروي عن مالك كراهة الصلاة على غير الأرض أو جنسهما (5). وفي البخاري عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله (ص) سجد على الماء والطين، رأيت أثر الطين على جبهته (6). وفي (نيل الأوطار) عن عروة بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شئ دون الأرض. وإلى الكراهة ذهب الهادي، ومالك، ومنعت الإمامية صحة السجود على ما لم يكن أصله من الأرض. وكره مالك الصلاة على ما كان من نبات الأرض، فدخلته صناعة أخرى كالكتان والقطن. واستدلال الهادي على كراهة ما ليس من الأرض بحديث: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
(1) الكافي، ص 190. (2) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 325. (3) كنز العمال، ج 1، ص 325. (4) الترمذي، ص 44. (5) الكبيري، ص 283. (6) البخاري، ج 1، ص 104. 309 (قوله كان يكره أن يسجد... الخ)، في (الفتح): ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه (1)، ثم قال الشوكاني في النيل (وذكر من كتاب ضوء النهار): لأن المراد من الأرض في الحديث التراب، بدليل (وطهورا)، وإلا لزم مذهب أبي حنيفة في جواز التيمم بما أنبتت الأرض. وممن اختار مباشرة المصلي للأرض من غير وقاية عبد الله بن مسعود، فروى الطبراني عنه أنه كان لا يصلي، ولا يسجد إلا على الأرض. وعن إبراهيم النخعي أنه كان يصلي على الحصير، ويسجد على الأرض. وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي (ص) قال لأفلح يا أفلح: ترب وجهك - أي في سجوده -، (إنتهى من النيل). وفي إرشاد الساري للقسطلاني، وفتح الباري، (باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد)، في بيان لفظ (الخمرة): لكن روي عن عمر بن عبد العزيز كان يؤتي بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه مبالغة في التواضع، والخشوع، (إنتهى ملخصا) (2). وفي (الفتح): التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث، وإلا فهو في البرد كذلك، (ثم قال: وفي الحديث جواز استعمال الثياب، وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها، وكذا بردها. وفي إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، (إنتهى ملخصا) (3). وفي (القاموس): (الخمرة) حصيرة صغيرة من السعف. وفي (تلخيص الصحاح): الخمرة حصير صغير من ليف، أو غيره بقدر الكف، وهو الذي يتخذه الآن الشيعة للسجود (4). وفي (الإرشاد): الخمرة سجادة صغيرة من سعف النخل، وترمل بالخيوط. وفي (مجمع بحار الأنوار) لمحمد طاهر الگجراتي (باب الخاء مع الميم): الخمرة وهي التي يسجد عليها الآن الشيعة (5). وفي (الكافي) عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له أسجد على الزفت، يعني القير، فقال: لا، ولا على الثوب، ولا على الصوف (6). وفي (تهذيب الأحكام): ولا على طعام، ولا على شئ من ثمار الأرض، ولا على شئ من الرياش (7). وقال أبو عبد الله (ع): لا تسجد إلا على الأرض، أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان (8).
(1) نيل الأوطار، ج 2، ص 10. (2) فتح الباري، ج 1، ص 144. (3) الفتح، ج 1، ص 245. (4) تلخيص الصحاح، ص 81. (5) الگجراتي، ص 377. (6) الكافي، ص 195. (7) التهذيب، ص 322. (8) أيضا، ص 322. 310 وفي (الإستبصار) قال: لا بأس بالقيام على المصلى (من الشعر والصوف)، إذا كان يسجد على الأرض، فإن كان من نبات الأرض، فلا بأس بالقيام، والسجود عليه (1). وفي الكافي، والتهذيب قال أبو عبد الله (ع): السجود على الأرض فريضة، قال: لا تسجد على المذهب، ولا على الفضة (2). وفي (شرائع الإسلام)، و (تهذيب الأحكام): لا يجوز السجود على ما ليس بأرض كالجلود، والصوف، والشعر، ولا على ما هو من الأرض إذا كان معدنا كالملح، والعقيق، والذهب، والفضة، والقير إلا عند الضرورة، ولا على ما أنبتت الأرض إذا كان مأكولا بالعادة كالخبز والفواكه، ويجوز على القرطاس، ويكره إذا كان فيه كتابه (3). وفي تهذيب الأحكام: السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أوليس (4). فصل: في كيفية السجود روى أبو داود، والنسائي، والدارمي عن أبي هريرة (مرفوعا): إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه. وفي (نيل الأوطار): وذهبت العترة، والأوزاعي ومالك، وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين، (وهي رواية عن أحمد). وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم، قال ابن أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث، واحتجوا بحديث أبي هريرة الآتي، وهو أقوى لأن له شاهدا من حديث ابن عمر، (أخرجه ابن خزيمة وصححه. وذكر البخاري تعليقا موقوفا: كذا قال الحافظ في بلوغ المرام، وقد أخرجه الدارقطني، والحاكم في المستدرك مرفوعا، وقال: على شرط مسلم وقد رجحه الحافظ، وكذلك الحافظ ابن سيد الناس) قال: أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح. ورواه أحمد، وأبو داود، والنسائي بقول النبي (ص) (5). في (البخاري) قال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه (6). وفي الفتح: وصله ابن خزيمة، والطحاوي، وغيرهما من طريق عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع بهذا، وزاد في آخره: ويقول كان النبي (ص) يفعل ذلك. قال البيهقي كذا رواه عبد العزيز (ثم قال) قال مالك: هذه الصنعة أحسن في خشوع الصلاة، وبه قال الأوزاعي. وعند الحنيفة، والشافعية: الأفضل أن يضع ركبتيه ثم يديه (ثم قال): وعن مالك وأحمد رواية
(1) الإستبصار، ص 170. (2) التهذيب، ص 322. (3) شرائع الإسلام، ص 30، والتهذيب، ص 323. (4) التهذيب، ج 1، ص 325. (5) نيل الأوطار، ج 2، ص 147. (6) البخاري، ص 384. 311 بالتخيير، وادعى ابن خزيمة أن حديث أبي هريرة منسوخ (1). أقول: هذه الدعوى باطلة لعدم ثبوت النسخ. وفي الكافي: فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير، وخر ساجدا، وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك، (إنتهى ملخصا) (2). أقول: وقد مدح الله سبحانه عباده المخلصين بقوله: " ويخرون للأذقان سجدا ". و " خروا سجدا "، و (الخرور السقوط على الوجه كما في الصراح). الفائدة في بيان الاكتفاء بوضع الجبهة في السجدة في (الفتح): وما ذكره من جواز الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشافعية، وذهب الجمهور إلى أنه يجزئ على الجبهة وحدها (3). أقول: رأيت أن السجدة بوضع الجبهة كافية، وخلاف ذلك دعوى بلا دليل. فصل: في التشهد (وهو الواجب السابع) في صحيح مسلم عن عائشة (مرفوعا): كان يقول في كل ركعتين التحية. وفي شرحه للنووي قولها: وكان يقول.. الخ. فيه: من وافقه من فقهاء أصحاب الحديث أن التشهد الأول، والأخير واجبان. وقال مالك وأبو حنيفة: والأكثرون هما سنتان ليسا بواجبين. وقال الشافعي: الأول سنة، والثاني واجب، واحتج أحمد بالوجوب (4). وقال الحافظ في الفتح: روى (التشهد) من نيف وعشرين طريقا (5). وفي الروضة الندية قال (الماتن) في حاشية الشفاء: ومما ينبغي أن يعلم أن التشهد، وألفاظ الصلاة على النبي (ص) وآله عليهم السلام كلها مجزأة إذا وردت من وجه معتبر، وتخصيص بعضها دون بعض كما يفعله بعض الفقهاء قصور باع، وتحكم محض. وقال في موضع آخر: التشهدات الثابتة عنه (ص) موجودة في كتب الحديث فيختار أصحها، ويستمر عليه، أو يعمل تارة بهذا، وتارة بهذا. مثلا يتشهد في بعض الصلاة بتشهد ابن مسعود، وفي بعضها بتشهد ابن عباس، وفي بعض بتشهد غيرهما فالكل واسع، (إنتهى ملخصا) (6).
(1) فتح الباري، ص 384. (2) الكافي، ص 198. (3) الفتح، ج 1، ص 244. (4) صحيح مسلم، ج 1، ص 194. (5) الفتح، ج 1، ص 453. (6) الروضة الندية، ج 1، ص 60. 312 روى النسائي عن جابر قال: كان رسول الله (ص) يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن بسم الله، وبالله التحيات لله. وفي (نصب الراية) للحافظ العسقلاني: وقعت في تشهد جابر زيادة في أوله بسم الله وبالله (1). وفي (الفتح) قد ترجم البيهقي: من استحب وأباح التسمية قبل التحية، وهو وجه لبعض الشافعية (2). وفي (نيل الأوطار) قال (الهادوية): أفضلها ما رواه زيد بن علي عن علي (ع) ولفظه: بسم الله، وبالله، والحمد لله، والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وضم إليه أبو طالب ما رواه الهادي في (المنتخب) من زيادة: التحيات لله، والصلوات والطيبات بعد قوله: والأسماء الحسنى كلها، وقال النووي: اتفق العلماء على جوازها كلها (يعني التشهدات الثابتة) من وجه صحيح، وذكر نقل الإجماع أبو الطيب الطبري (3). في (إزالة الخفاء) عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد قولوا التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، الخ. أخرجه مالك، والشافعي، ولفظ البغوي: الطيبات لله والصلوات لله (4). وفي (كنز العمال) عن النهري قال: سألت الحسين بن علي عن تشهد علي (ع) فقال: هو تشهد رسول الله (ص)، فقلت حدثني بتشهد علي (ع) عن تشهد رسول الله (ص) قال: التحيات، والصلوات، والغاديات، والرائحات، والزاكيات، والناعمات، والمتتابعات، الطاهرات لله. رواه الطبراني في (الأوسط) (5). وفي (الإستبصار) عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع): ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأوليتين، قال: أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (6). وفي (من لا يحضره الفقيه): فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فتشهد وقل بسم الله، وبالله، والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، ثم انهض إلى الثالثة، وقل - إذا اتكيت على يديك إلى القيام -: بحول الله وقوته أقوم وأقعد. (ثم قال): فإذا صليت الركعة الرابعة، فتشهد، وقل في تشهدك بسم الله، إلى: ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، التحيات لله والصلوات الطيبات
(1) العسقلاني، ص 88. (2) الفتح، ج 1، ص 454. (3) الشوكاني، ج 2، ص 175. (4) إزالة الخفاء، ج 2، ص 94. (5) كنز العمال، ج 4، ص 219. (6) الإستبصار، ج 1، ص 173. 313 الطاهرات الزاكيات الناعمات الغاديات الرائحات المباركات، الحسنات لله ما طاب وطهر وزكى وخلص ونمى فلله، وما خبث فلغيره، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، وأشهد أن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأشهد أن ربي نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأشهد ما على الرسول إلا البلاغ المبين. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وتجزيك في التشهد (الشهادتان)، وهذه أفضل لأنها العبادة، ثم تسلم وأنت مستقبل القبلة، وتميل بعينيك إلى يمينك، (إنتهى ملخصا) (1). وفي (مدارك الأحكام شرح شرائع الإسلام): قيل إن الواجب في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، وهذه الصلاة مجزية بالإجماع (2). وقد وردت في رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (ع) قال: التشهد في الركعتين الأوليتين: الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل شفاعته وارفع درجته (3). وفي (كنز العمال) عن عروة عن عمر بن الخطاب في صفة التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (رواه البيهقي) (4). وفي (نيل الأوطار) قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، زاد ابن أبي شيبة: وحده لا شريك له (5). قال الحافظ في الفتح: وسنده ضعيف لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم (6). وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ. وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني، وعن أبي داود عن ابن عمر أنه قال زدت فيها: وحده لا شريك له، وإسناده صحيح. وفي كنز العمال روي موقوفا عن عمر بن الخطاب في صفة التشهد: بسم الله خير الأسماء التحيات الزاكيات الصلوات الطيبات لله، وفي رواية: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، (رواه مالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي)، وزاد الدارقطني لفظ المباركات لله، وقال: هذا إسناد حسن (7).
(1) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 105. (2) مدارك الأحكام، ص 175. (3) أيضا، ص 175. (4) كنز العمال، ج 4، ص 218. (5) نيل الأوطار، ج 2، ص 173. (6) الفتح، ج 1، ص 453. (7) كنز العمال، ج 4، ص 218. 314 فصل: في الصلاة على النبي (ص) وآله في (كنز العمال): إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي فإنها زكاة الصلاة، (رواه الدارقطني) (1). وعن عبد الله بن بريدة قال عليه السلام: يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركن التشهد، والصلاة علي (رواه الخطيب) (2). وقال النووي في شرح مسلم: ذهب الشافعي، وأحمد إلى أنها (أي الصلاة على النبي - ص -) واجبة لو تركت لم تصح الصلاة. وهو مروي عن عمر، وابنه عبد الله، وهو قول الشعبي. وقد نسب جماعة الشافعي في هذا إلى مخالفة الإجماع، ولا يصح قولهم فإنه مذهب الشعبي - كما ذكرنا - (وقد رواه عنه البيهقي) (3). وفي الروضة الندية: وذهب الشافعي وحده إلى وجوبها في التشهد الأخير فإن لم يصل لم تصح صلاته (4). وفي (الصواعق المحرقة): صح عن ابن مسعود تعيين محلها (أي الصلاة)، وهو بين التشهد والدعاء، فكان القول بوجوبها، لذلك الذي ذهب إليه الشافعي هو الحق الموافق لصريح السنة، ولقواعد الأصوليين. وتدل عليه أيضا أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتها في شرحي (الإرشاد) و (العباب) مع بيان الرد الواضح على من تشنع على الشافعي، وبيان أن الشافعي لم يشذ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة كابن عمر، وابن مسعود، وجابر، وأبي مسعود البدري، وغيرهم والتابعين: كالشعبي، والباقر (ع)، وغيرهم كإسحاق بن راهويه، وأحمد. بل لمالك قول موافق للشافعي رجحه جماعة من أصحابه بل قال شيخ الإسلام، خاتمة الحفاظ ابن حجر: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلا ما نقل عن إبراهيم النخعي مع إشعاره بأن غيره كان قائلا بالوجوب (5)، فزعم أن الشافعي شذ، وأنه خالف في ذلك فقهاء الأمصار مجرد دعوى باطلة لا يلتفت إليها، ولا يعول عليها. وفي (حاشية الشفاء) للشوكاني: أقل ما يقال فيه (أي في التشهد الأوسط) تشهد ابن مسعود، ويضم إليه الصلاة على النبي (ص) وآله بأخصر لفظ، فهذا لا ينافي التخفيف المشروع. وفي الروضة الندية: لكن ليس في الحديث ما ينفي زيادة الصلاة على النبي (ص) (6). وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك الاختلاف قول الشافعي، وأحمد في أشهر الروايتين: إن الصلاة على النبي (ص) في التشهد الأخير فرض تبطل الصلاة بتركها.
(1) كنز العمال، ج 4، ص 104. (2) أيضا، ص 98. (3) النووي، ج 1، ص 175. (4) الروضة الندية، ص 60. (5) الصواعق المحرقة، ص 88. (6) الروضة الندية، ج 1، ص 69. 315 وللشافعي: يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (1) أقول: قوله: (لا صلاة له) أي صحيحة ليكون موافقا لمذهبه بوجوب الصلاة على الآل. وفي (هداية السائل في أدلة المسائل) للسيد الصديق حسن خان: من صلى صلاة، لم يصل فيها على أهل بيتي لم تقبل منه (أخرجه البيهقي، والدارقطني عن أبي مسعود الأنصاري رفعا ووقفا). وفي (المشرب الوردي في الفقه المحمدي): والحق أنه حيث شرعت الصلاة عليه (عليه السلام)، فالصلاة على آله عليهم السلام معه متحتمة لما قدمناه من نهيه (ص) عن أن يصلي عليه الصلاة البتراء (2). وفي (نصب الراية) عن أبي مسعود (رفعه): من صلى صلاة لم يصل علي فيها، ولا على أهل بيتي لم تقبل منه، (أخرجه الدارقطني) (3). وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك قول بعض أصحاب الشافعي بوجوب تقديم الشهادتين في التشهد على الصلاة على النبي (ص) (4). وفيه: وإنما جعلها (الصلاة على النبي - ص -) في التشهد العلماء، وقالوا إن الله تعالى أمرنا بها، وأول أماكنها أن تكون في أواخر التشهد الأول أو الآخر (5). وفي (نصب الراية): ورد في الصلاة عليه (عليه السلام) بما يدل على الوجوب حديث فضلة ابن عبيد قال: سمع رسول الله (ص) رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي (ص) فقال عجل هذا ثم دعاه، فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله، والثناء عليه ثم ليصل على النبي (ص)، ثم ليدعو بعده بما شاء. (أخرجه أصحاب السنن الثلاثة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم). وحديث أبي مسعود: أقبل رجل جلس بين يدي رسول الله (ص) ونحن عنده فقال يا رسول الله (ص): أما السلام عليك فقد عرفنا، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟! قال: فصمت ثم قال: إذا صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد (الحديث، أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم). وروي (مرفوعا): لا صلاة لمن لم يصل على النبي (ص). أخرجه ابن ماجة، والحاكم، والدارقطني، والطبراني (6).
(1) الصواعق المحرقة، ص 88. (2) الصواعق، ص 87. (3) نصب الراية، ص 175. (4) الشعراني، ص 145. (5) المصدر السابق، ص 146. (6) نصب الراية، ص 89. 316 قوله: (فقولوا اللهم صل على محمد) زاد النووي: وآل محمد وصححه (1). وفي فتح الباري: قد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي (ص) بعد التشهد. وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه، والطحاوي، وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك، واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع. وفيه نظر لأنه ورد عن الباقر (ع)، والشعبي، وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك إنه صح من ابن مسعود - راوي حديث الباب - ما يقتضيه، فعند سعيد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال، قال عبد الله: يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي (ع) ثم يدعو لنفسه بعد. وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه، وبعض أصحاب مالك، وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب (2). وفي (الإستبصار) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: من تمام الصوم إعطاء الزكاة كالصلاة على النبي (ص)، ومن ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له (3). وفي الفتاوى: وكره بعضهم أن يقول: اللهم ارحم محمدا، والصحيح أنه لا يكره، (كذا في التبيين). وفي (الفتح): وقعت في حديث ابن مسعود زيادة أخرى، وهي إرحم محمدا وآل محمد. وأخرجه الحاكم في صحيحه، وأخرجه ابن ماجة أيضا، وابن زيد، فزاد: وترحم على محمد وآل محمد. وأخرج الطبري في تهذيبه (مرفوعا): وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت.. (4). ونقل عياض عن الجمهور الجواز مطلقا، وقال القرطبي أنه هو الصحيح لورود الأحاديث به. فائدة جليلة في حاشية التهذيب المسماة بفوائد الطريقة: إعلم أنه اشتهر بين الناس عدم جواز الفصل بين النبي (ص) وبين آله، ب (على) مستدلين بالخبر المشهور بينهم، ولم يثبت عندنا، وإن نسبه بعضهم إلينا، وهو غير موجود في كتبنا. ويروى عن شيخنا البهائي أنه رآه في كتب الإسماعيلية لكن لم نجد في الدعوات المأثورة الفصل بها إلا شاذا، والأحوط الترك (5). وفيه: إعلم أن الناس اتفقوا على جواز الصلاة على النبي وآله، والصلاة على آله بتبعيته، وعلى وجوبها في الصلاة واستحبابها في غيرها. فأما في الصلاة فالمشهور بين الأصحاب الوجوب في التشهدين، بل ادعى عليه (المحقق) الإجماع، وذهب ابن الجنيد إلى وجوبه في أحدهما (إلى أن قال): وأما العامة فذهب بعضهم إلى وجوبها في جزء من أجزاء الصلاة (أي جزء كان)، وبعض أوجبه في التشهد الأخير، وآخر أوجبه فيهما. وأما في غير الصلاة فمن الفريقين من أوجبها كلما جرى ذكره سواء كان باسمه الشريف أو بلقبه، أو بكنيته، أو بالضمير الراجع إليه لعموم قوله: من
(1) النووي، ج 1، ص 175. (2) فتح الباري، ج 4، ص 456. (3) الإستبصار، ج 1، ص 165. (4) فتح الباري، ج 6، ص 53. (5) حاشية التهذيب، ج 1، ص 153. 317 ذكرت عنده فلم يصل علي دخل النار وأبعده الله (1). وفيه: وذهب بعضهم إلى الاستحباب، ولعله دليل الأصل، وشهرة المستند إلى عدم تعليمه للمؤذنين، وتركهم ذلك من غير نكير، ولو كان لنقل هذا حقيق بالتأمل، وكره صاحب الكشاف الصلاة على الانفراد لئلا يؤدي إلى الاتهام بالرفض (2). في (مختلف الشيعة): قال (الشيخ) في النهاية: الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فريضة، فمن تركها متعمدا وجب عليه إعادة الصلاة، ومن تركها ناسيا قضاها بعد التسليم (3)، وكذا في (مسالك الأفهام). وفي شرائع الإسلام: والواجب الصلاة على النبي وآله عليه السلام (4). وفي مدارك الأحكام: ونقل المصنف في المعتبر الإجماع على وجوبها (أي الصلاة) على النبي وآله عليه السلام (5). تتمة: ما يتعلق بالتشهد وهو واجب في كل ثنائية، وفي الثلاثية والرباعية مرتين، ولو أخل بهما أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته، والواجب في كل واحد منهما خمسة أشياء، الجلوس بقدر، التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي وآله عليهم السلام. والمسنون فيه الجلسة متوركا بأن يجلس على وركه الأيسر (الورك ما فوق الفخذ)، ويخرج رجليه جميعا. قال النووي في شرح مسلم: عند مالك يسن متوركا بأن يخرج رجله اليسرى من تحته، ويفضي بوركه إلى الأرض. وقال الشافعي السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا إلا الجلسة التي يعقبها السلام (فيها التورك)، ثم قال: واحتج الشافعي بحديث أبي حميد الساعدي في صحيح البخاري (6). وفي (سنن الترمذي): قالوا يقعد في التشهد الآخر على وركه، واحتجوا بحديث أبي حميد (7). وفي نصب الراية: حديث أنه (عليه السلام) قعد متوركا - ضعفه الطحاوي، أو يحمل على حالة الكبر. أما تضعيف الطحاوي فهو مذكور في شرحه بما لا يلتفت إليه فيه. وأما الحمل فلا يصح لأن أبا حميد وصف صلاته التي واظب عليها رسول الله (ص)، ووافقه عشرة من الصحابة، ولم يخصوا ذلك بحال الكبر. والعبرة بعموم اللفظ، وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): صلوا كما رأيتموني
(1) المصدر السابق، ص 154. (2) أيضا، ص 154. (3) مختلف الشيعة للعلامة الحلي، ص 139. (4) شرائع الإسلام، ص 37. (5) المدارك، ص 175. (6) شرح مسلم، ج 1، ص 195. (7) سنن الترمذي، ص 39. 318 أصلي (1). الواجب الثامن: التسليم وهو واجب على الأصح، ويكفي مرة تلقاء وجهه، ويزيد: " وبركاته "، ولا يخرج من الصلاة إلا به. وله عبارتان أحدهما أن يقول: " السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحون "، والأخرى يقول: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "، وبكل منهما يخرج من الصلاة (2). وفي شرح (مدارك الأحكام): اختلف الأصحاب في التسليم، هل هو واجب أو مستحب؟! فقال المرتضى، وأبو الصلاح، وسلار، وابن أبي عقيل، وابن زهرة بالوجوب. وفي الروضة الندية: ووقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة: " وبركاته "، وهي عند ابن ماجة أيضا. وقال مالك: يسلم الإمام، والمنفرد تسليمة واحدة (3). وفي (عمدة الرعاية على شرح الوقاية): وورد في رواية لأبي داود زيادة " وبركاته " أيضا (4). وفي (إزالة الخفاء) عن الحسن أن النبي (ص)، وأبا بكر، وعمر كانوا يسلمون بتسليمة واحدة، قلت: اختلفوا في ذلك، والأوجه عندي أن الخروج من الصلاة بتسليمة واحدة جائز من غير كراهية، والتسليمتان أحب وأكمل، وكان عمر يفعل هذا مرة، وذاك أخرى (5). وفي الميزان الشعراني: التحلل من الصلاة يحلل بالتسليمة الأولى فقط (6). وفيه: السلام ركن من أركان الصلاة عند الأئمة الثلاثة. وفي سنن الترمذي: رأى قوم من أصحاب النبي (ص) والتابعين، وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة. قال الشافعي: إن شاء سلم تسليمة واحدة، وإن شاء سلم تسليمتين. وفيه: عن عائشة أن رسول الله (ص) كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئا (7). وفي (الحاشية) عليه: ذهب مالك إلى أنه يسلم تسليمة واحدة قبل وجهه آخذا بهذا الحديث. وفي الميزان للشعراني: ومن ذلك (الاختلافيات) قول الإمام مالك، والشافعي: إن الواجب من التسليم هو التسليمة الأولى على الإمام والمنفرد. وزاد الشافعي: وعلى المأموم أيضا. قال مالك: إن الثانية لا تسن للإمام، ولا للمنفرد (8). وفي نيل الأوطار: ذهب إلى أن المشروع تسليمة واحدة ابن عمر، وأنس، وسلمة بن الأكوع،
(1) نصب الراية، ص 88. (2) شرائع الإسلام، ص 37. (3) الروضة الندية، ص 61. (4) عمدة الوقاية، ج 1، ص 139. (5) إزالة الخفاء، ج 2، ص 94. (6) الشعراني، ص 146. (7) سنن الترمذي، ج 1، ص 39. (8) الشعراني، ج 1، ص 146. 319 وعائشة من الصحابة، والحسن، وابن سيرين، وعمر بن عبد العزيز من التابعين، ومالك، والأوزاعي، والإمامية، وأحد قولي الشافعي، وغيرهم. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة، وقال النووي في شرح مسلم: أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة (1). أما حديث عائشة (مرفوعا): ثم يسلم تسليمة، (رواه أحمد، والنسائي). وأخرج نحوه أيضا الترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني بلفظ: أن النبي (ص) كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه. وقال الحاكم: رواه وهيب عن عبد الله ابن عمر، عن القاسم، عن عائشة (مرفوعا)، وهذا إسناد صحيح. قال الحافظ: إسناده على شرط مسلم، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وبما ذكرنا تعرف عدم صحة قول العقيلي: ولا يصح في تسليمة واحدة شئ، وكذا قول ابن قيم إنه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح (2). وعن أنس، عن ابن شيبة أن النبي (ص) سلم تسليمة واحدة. وعن الحسن مرسلا أن النبي (ص)، وأبا بكر، وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة (ذكره ابن أبي شيبة)، وقال: حدثنا أبو خالد عن حميد، قال: كان أنس يسلم واحدة. وحدثنا أبو خالد عن سعيد بن مرزبان قال: صليت خلف ابن أبي ليلى فسلم واحدة، ثم صليت خلف علي (ع) فسلم واحدة. وذكر مثله عن أبي وائل، ويحيى بن وثاب، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وابن سيرين، والقاسم ابن محمد، وعائشة، وأنس، وأبي العالية، وأبي رجاء، وابن أبي أوفى، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وسويد، وقيس بن أبي حازم بأسانيده إليهم، وذكر ذلك عبد الرزاق عن الزهري (3). وفي نصب الراية: أخرج ابن ماجة عن سهل بن سعد أنه سمع النبي (ص) يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها. وروى البيهقي عن أنس أن النبي (ص) كان يسلم تسليمة واحدة، (ورجاله ثقات) (4). قال النووي في شرح مسلم: قول عائشة كان يختم الصلاة بالتسليم فيه دليل على وجوب التسليم، فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف: السلام فرض، ولا تصح الصلاة إلا به، واحتج الجمهور بالحديث الآخر في سنن أبي داود، والترمذي: " مفتاح الصلاة الطهور وتحليلها التسليم ". إنتهى يقدر الحاجة (5). وفي (الإستبصار) للإمامية عن أبي عبد الله (ع) قال: إن كنت تأم قوما أجزاك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة (6). لا يسلم في أثناء التشهد هذه المسألة من المسائل المهمة بين الفريقين، وأعظم الاختلافات فيما بينهم لأن أهل
(1) نيل الأوطار، ج 2، ص 193. (2) المصدر السابق، ج 2، ص 197. (3) شرح النيل، ص 198. (4) نصب الراية، ص 90. (5) النووي، ج 1، ص 195. (6) الإستبصار، ج 1، ص 175. 320 (الجماعة) يسلمون بين التحية والشهادة في القعدتين، و (الشيعة) لا يسلمون مطلقا في القعدة الأولى بل يعتقدونه مبطلا للصلاة، ويسلمون في الأخيرة عند الخروج من الصلاة، وهذا هو الأوفق الأرجح، والأحق الأصح بالأدلة النقلية والعقلية. في الصحيفة الرضوية: ولا يجوز أن تقول (في التشهد الأول): " السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين "، لأن تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلمت (1). وفي (تهذيب الأحكام): إن قلت: السلام علينا: فقد انصرفت. وفيه أيضا عن أبي جعفر (ع): شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم، قول الرجل تبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، (إنتهى ملخصا) (2). وفي (نصب الراية) لابن حجر: حديث " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " (3). وعن محمد ابن الحنيفة عن علي (ع) عن النبي (ص) قال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. قال الترمذي: هذا أصح شئ في الباب، وعن أبي سعيد مثله. أخرجه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والعقيلي. قال الترمذي، والعقيلي: حديث علي أجود إسنادا. قال الحاكم: هو أشهر إسنادا. وعن علي (ع) أن النبي (ص) قال: مفتاح الصلاة، (الحديث، رواه الترمذي). وقال: سمعت محمد بن إسماعيل (البخاري) يقول: كان أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال الترمذي: وفي الباب عن علي وعائشة: وحديث علي أجود إسنادا، وأصح من حديث أبي سعيد، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي (ص)، ومن بعدهم. وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق (4). وفي كنز العمال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة عن علي (ع) (5). وروى الزهري عن سالم قال: وكان ابن عمر لا يسلم في التشهد الأول، كان يرى ذلك نسخا لصلاته، (الحديث أخرجه عبد الرزاق) (6). أقول: ظهر الحق، وأكثرهم للحق كارهون، ولو أتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، وخلاف ذلك فهو أوهن من بيت العنكبوت، فالمتمسك بها مرذول مبهوت، ربنا اهدنا سواء السبيل إنك حسبنا، ونعم الوكيل.
(1) الصحيفة الرضوية، ص 11. (2) الطوسي، ج 1، ص 326. (3) نصب الراية، ج 1، ص 68. (4) صحيح الترمذي، ج 1، ص 32. (5) كنز العمال، ج 5، ص 68. (6) فتح الباري، ج 1، ص 451. 321 فصل: في سنن الصلاة ومندوباتها منها: رفع اليدين عند التكبيرات، والتكبيرات سوى التحريمة، وإرسال اليدين، وشغل اليدين، والتوجيه، والتعوذ، وأذكار الركوع والسجود ما فوق الواحد، وما بينهما، وما بعدهما، وقد مرت ولو تبعا والتسميع، والقراءة فيما فوق الركعتين، والقنوت، والتعقيبات، وسجدة الشكر. في رفع اليدين قال الحافظ في الفتح، قال الربيع، قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين، قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه. نقل ابن عبد البر أنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة. وعن عقبة بن عامر قال بكل رفع عشر حسنات بكل إصبع (1). قال في (التعليق الممجد على موطأ محمد): ولو يرفع لا تفسد صلاته (كما في الذخيرة، وفتاوى الوالجي، وغيرهما من الكتب المعتمدة). وقال في السعاية: والحق أنه لا شك في ثبوت رفع اليدين عند الركوع، والرفع منه عن رسول الله (ص)، وكثير من أصحابه بالطرق القوية، والأخبار الصحيحة. وفي (دراسات اللبيب) من الشيخ الأكبر: رفع اليدين في كل رفع وخفض. وفي تراجم الحنفية: في طبقات القاري عصام بن يوسف البلخي كان حنفيا روى عن ابن المبارك. والثوري. وشعبة. وكان صاحب حديث، يرفع يديه عند الركوع، وعند رفع الرأس منه. وفي (رد المختار) المشهور بالشامي: وما روى من الفساد (أي فساد الصلاة من رفع اليدين) شاذ (2). وفي (عمدة الرعاية): ويتفرع على هذا القول ما ذكر في بعض الكتب أن الصلاة تفسد برفع اليدين عند الركوع، وعند السجود فهو قول شاذ مردود، (كما في فتح القدير، والحلية، والبزازية، وغيرها) (3). وفيه: منهم من صرح بأن رفع اليدين في أثناء الصلاة مفسد، وقد عرفت أنه قول شاذ مردود فلو جدد (التحريمة) مع رفع اليدين أيضا فالحكم هو ما ذكره، فإن رفع اليدين غير مفسد على القول الصحيح الذي ليس ما سواه إلا غلطا. وفي (تراجم الحنفية): والحق أن هذه الرواية التي رواها مكحول شاذة لا يعتد بها، ولا بذاكرها، وممن صرح بشذوذها محمد بن عبد الواحد الشهير بابن الهمام في فتح القدير، وذكر أنه صرح بشذوذها صاحب النهاية.
(1) المصدر السابق، ص 403. (2) رد المختار، ص 684. (3) عمدة الرعاية، ج 1، ص 155. 322 وفي حلية المحلى شرح منية المصلي لابن مير حاج: ففي الذخيرة: رفع اليدين لا يفسد (منصوص عليه في باب صلاة العيدين من الجامع)، ومشى عليه في الخلاصة، وهو أولى بالاعتبارات. وفي البزازية: رفع اليدين في (المختار) لا يفسد. وفي السراجية، رفع اليدين لا يفسد وهو المختار، وفي السعاية: وأغرب بعض أصحابنا حيث ذهب إلى أنه لو رفع يديه عند الركوع فسدت صلاته، وقد رده بأحسن رد العلامة القونوي في رسالته التي صنفها في خصوص هذه المسألة، (إنتهى ما في مفيد الأحناف). وفي إزالة الخفاء: إن عمر روى عن النبي (ص) رفع اليدين في الركوع، والقومة منه (1). وفي التعليق الممجد: فإذا نختار أن الرفع ليس بسنة مؤكدة يلام تاركها إلا أن ثبوته أكثر وأرجح. وأما دعوى نسخه كما صدر عن الطحاوي (إلى أن قال): فليست بمبرهن عليها بما يشفي العليل، ويروي الغليل. (وقال) إلا أن رواة (الرفع) من الصحابة جم غفير، ورواة (الترك) جماعة قليلة (2). وفي (الصحيحين) عن ابن عمر أن رسول الله (ص) كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده. وفيهما: عن مالك بن الحويرث قال: كان رسول الله (ص) إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك. وفي صحيح البخاري عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر، ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي (ص). وفي صحيح مسلم عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى تكونا بحذو منكبيه، ثم كبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، (الحديث) (3). وفي نيل الأوطار: وقد ذهب إلى استحبابه في السجود أبو بكر بن المنذر، وأبو علي الطبري من أصحاب الشافعي، وبعض أهل الحديث (4). وفي (نصب الراية) من حديث علي (ع) (مرفوعا): وإذا قام من السجدتين رفع يديه، (كذلك أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي، وحكى الخلال تصحيحه عن أحمد) (5). وعن أبي هريرة: رأيت رسول الله (ص) يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد، (أخرجه أبو داود، وابن ماجة)، وزاد في أبي داود: وإذا قام من الركعتين قال مثل ذلك. وفي (الحاشية): إسناد أبي داود صحيح. وروى الدارقطني عن أبي هريرة: أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله (ص). وروى ابن خزيمة، وابن ماجة، والبخاري في رفع اليدين من طريق أنس:
(1) إزالة الخفاء، ج 2، ص 93. (2) التعليق الممجد، ص 89. (3) صحيح مسلم، ج 1، ص 168. (4) الشوكاني، ج 2، ص 72. (5) نصب الراية، ص 86. 323 أن النبي (ص) كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، (ورجاله ثقات)، ومنهم من زاد فيه: وإذا سجد. وفي (الحاشية): من رواه بزيادة السجود أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وفي صحيح مسلم، وسنن الترمذي، عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله (ص) إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وقبل أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (1). وفي (سنن الترمذي) - باب رفع اليدين عند الركوع - (حديث سالم) قال: (وفي الباب عن عمر، وعلي، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأنس، وأبي هريرة، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد ين مسلمة، وأبي قتادة، وأبي موسى الأشعري، وجابر، وعمر الليثي)، قال: أبو عيسى حديث ابن عمر (وهو حديث سالم بن عمر) حديث حسن صحيح، وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي (ص) منهم ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس، وعبد الله ابن الزبير، وغيرهم، ومن التابعين الحسن البصري، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، ونافع، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وغيرهم. وبه يقول عبد الله ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع، (وذكر حديث الزهري) عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي (ص) لم يرفع إلا في أول مرة (2). وفي كنز العمال: عن عبد الرزاق قال: أهل مكة يقولون: أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر، وأخذها أبو بكر من النبي (ص): ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج (رواه أحمد، والدارقطني في الأفراد)، وقال: تفرد به عبد الرزاق من ابن جريج، (رواه البيهقي)، وزاد: وأخذها النبي (ص) عن جبرئيل، وأخذ جبرئيل من الله تبارك وتعالى، قال عبد الرزاق: وكان ابن جريج يرفع يديه (3). وعن أبي بكر أنه كان يصلي هكذا يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وقال: صليت خلف رسول الله (ص)، وكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (رواه البيهقي)، وقال، رواته ثقات. وعن الحكم قال: رأيت (طاووسا) كبر فرفع يديه حذو منكبيه عند التكبيرة، ورفع يديه عند الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألت رجلا من أصحابه فقال: إنه يحدث عن عمر عن النبي (ص)، (رواه سمويه والبيهقي). وعن علي (ع) قال: كان النبي (ص) إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع ذلك إذا قضى قراءته، وإذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع رأسه من الركوع، (الحديث رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن حبان، والبيهقي). وعن ابن حمزة مولى بني أسد قال: رأيت ابن عباس إذا افتتح الصلاة يرفع يديه وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. رواه عبد الرزاق (مسند عبد الله بن عمر): رأيت النبي (ص) إذا افتتح
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 168. (2) سنن الترمذي، ج 1، ص 35. (3) كنز العمال، ج 4، ص 203. 324 الصلاة رفع يديه حتى تحاذي منكبيه، وإذا ركع، وبعدما يرفع، ولا يرفع يديه بين السجدتين. (أيضا): أن النبي (ص) كان يرفع يديه إذا افتتح، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه، ولا يجاوز بهما أذنيه. (رواه ابن أبي شيبة) عن علي (ع): أن رسول الله (ص) كان يرفع يديه إذا كبر في الصلاة حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من الركعة فعل مثل ذلك (رواه ابن عساكر). وعن أنس أن النبي (ص) كان يرفع يديه في الركوع والسجود (رواه ابن أبي شيبة، وابن النجار). قال النووي في شرح مسلم: اجتمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الأحرام، واختلفوا فيما سواها فقال الشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم يستحب رفعهما أيضا عند الركوع وعند الرفع منه، وهو رواية عن مالك (1). وللشافعي قول إنه يستحب رفعهما في موضع رابع، وهو إذا قام من التشهد الأول. وهذا القول هو الصواب فقد صح فيه حديث ابن عمر أنه كان يفعله (رواه البخاري)، وصح أيضا من حديث أبي حميد الساعدي (رواه أبو داود، والترمذي بأسانيد صحيحة)، قال أبو بكر بن المنذر، وأبو علي الطبري: من أصحابنا، وبعض أهل الحديث يستحب أيضا في السجود (2). وقال الشافعي: روى الرفع جمع من الصحابة لعله لم يرو حديث قط بعدد أكثر منهم، وقال البخاري (في جزء رفع اليدين): روى الرفع تسعة عشر نفسا من الصحابة، وروى ابن عساكر في تأريخه من طريق أبي سلمة الأعرج قال: أدركت الناس كلهم يرفع يديه عند كل خفض ورفع. وجمع العراقي عدد من روى رفع اليدين (3). وقال ابن الحكم: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع (4). وفي نصب الراية: واستدل الطحاوي بالقياس على السجود لأنهم أجمعوا على أن لا رفع فيه، والركوع أشبه به من الافتتاح، وهو عجيب، فإن (القياس) في مقابل (النص) فاسد، على أنهم لم يجمعوا كما زعم، بل ذهب قوم إلى مشروعية الرفع في كل خفض ورفع (5). وعن أبي حميد في عشرة من الصحابة أنه وصف صلاة النبي (ص) فذكر فيها الرفع في الركوع، وإذا رفع، وفي آخره فقالوا جميعا: صدقت. (أخرجه أبو داود، وأصله في البخاري). وقال البخاري في رسالته (جزء رفع اليدين) قال ابن المبارك: صليت يوما إلى جنب النعمان ابن ثابت وفرفعت يدي فقال أنا خشيت أن تطير، فقلت: إن لم أطر في الأولى لم أطر في الثانية. قال وكيع: علي بن المبارك كان حاضر الجواب فتحير الآخر (أي النعمان بن ثابت الكوفي). وفيه: عن علي، وكذلك يروي عن سبعة عشر نفسا من أصحاب النبي (ص) إنهم كانوا يرفعون
(1) نيل الأوطار، ج 2، ص 69. (2) المصدر السابق، ص 72. (3) أيضا، ص 66. (4) أيضا، ص 69. (5) نصب الراية، ص 85. 325 أيديهم عند الركوع، وعند الرفع، منهم: أبو قتادة الأنصاري، وأبو أسيد الساعدي البدري، ومحمد ابن مسلمة البدري، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس ابن عبد المطلب الهاشمي، وأنس بن مالك خادم رسول الله (ص)، وأبو هريرة الدوسي، وعبد الله ابن عمر بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، ووائل بن حجر الحضرمي، ومالك ابن الحويثر، وأبو موسى الأشعري، وأبو حميد الساعدي الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأم الدرداء، وكذلك عن عدة من علماء أهل مكة، وأهل الحجاز، وأهل العراق، والشام، والبصرة، واليمن، وعدة من أهل خراسان، منهم: سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والنعمان بن أبي عياش، والحسن، وابن سيرين، وطاووس، ومكحول، وعبد الله من دينار، ونافع مولى عبد الله ابن عمر، والحسن بن مسلم، وقيس بن سعد، وعدة كثيرة، وكذلك يروي عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها، وقد كان عبد الله بن المبارك يرفع يديه، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك، منهم: علي بن الحسين، وعبد بن عمر، ويحيى بن يحيى، ومحدثي أهل بخارى منهم عيسى بن موسى، وكعب بن سعيد، ومحمد بن سلام، وعبد الله بن محمد، والمسندي، وعدة ممن لا تحصى. وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله (ص) ويرونها حقا. قال البخاري: من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي (ص) والسلف، ومن بعدهم وأهل الحجاز، وأهل المدينة، وأهل مكة، وعدة من أهل العراق، وأهل الشام، وأهل اليمن، وعلماء أهل خراسان منهم: ابن المبارك حتى شيوخه (إنتهى ملخصا) (1). وقد ذكر البخاري هذه الأحاديث بالأسانيد فمن شاء فليرجع إليه. أقول: قد ذكرنا في (المجلد الأول) حال أبي حنيفة، ولنستدرك هنا للمناسبة، قال في (السيف الماسح): أن رجوع أبي حنيفة إلى الفقه إنما كان للتقرب من السلاطين، وتخريب الدين. وإزراء بحاله ما في (التاريخ الصغير) للبخاري، حدثنا محمد، حدثنا نعيم ابن جمال قال حدثنا الفزاري قال: كنت عند سفيان فنعي النعمان، فقال: الحمد لله كان ينقض الإسلام عروة عروة ما ولد في الإسلام أشأم منه (2). في تاريخ ابن خلكان (في ترجمة أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي الفقيه الشافعي) كان يقول: تفقهت على مذهب أبي حنيفة فرأيت النبي (ص) في مسجد المدينة عام حججت فقلت: يا رسول الله (ص) قد تفقهت بقول أبي حنيفة أفأخذ به، قال: لا، فقلت: أفأخذ بقول مالك بن أنس، فقال: خذ منه ما وافق سنتي، قلت: أفأخذ بقول الشافعي، فقال: ما هو بقوله إلا أنه أخذ بسنتي (3). وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في (شرح سفر السعادة) ما حاصله: إن الترمذي كان شديد التعصب من أئمة أهل القياس، والاجتهاد سيما الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي.
(1) البخاري، ص 16. (2) السيف الماسح، ص 11. (3) ابن خلكان، ج 1، ص 457. 326 قال ابن خلكان في تأريخه لم يكن أبو حنيفة يعاب بشئ سوى قلة العربية فمن ذلك ما روي أن أبا عمر بن العلاء المقري النحوي المقدم ذكره سأله عن القتل من المثقل هل يوجب القود أم لا؟! فقال: لا كما هو قاعدة مذهبه خلافا للإمام الشافعي فقال له أبو عمر، ولو قتلته بحجر (المنجنيق)، فقال: ولو قتلته بأبا (قبيس). والصواب: (أن يقول بأبي قبيس). وفي (الكشاف) عن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة: هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن؟! فقال: لا يحضرني، فتلا له هذه الآية " وتقلبك في الساجدين ". وفي المختصر في أخبار البشر: إن أبا حنيفة يعاب بقلة العربية. وقال العلامة جار الله الزمخشري في (ربيع الأبرار): قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله (ص) أربعمائة حديث، وأكثر، قيل: مثل ماذا قال، قال رسول الله (ص) سهمان للفرس، وللراجل سهم. قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله (ص)، وقال أبو حنيفة: الأشعار مثلة. وقال (عليه السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا. وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا. وقال أبو حنيفة: أن القرعة قمار. وقال ابن الجوزي في كتاب (المنتظم في تأريخ الملوك والأمم): إن الجميع اتفقوا على طعن أبي حنيفة، ورسالة الغزالي في الطعن عليه مشهورة. وأيضا قال بإسناده عن سعيد بن مريم قال: سألت يحيى بن معين عن حال أبي حنيفة قال لا يكتب حديثه. وأيضا قد كفر أبا حنيفة مجد الدين الفيروزآبادي صاحب (القاموس). وقال الملا علي القاري: قد أبدع صاحب (القاموس) حيث ترك المروة والناموس، وأطنب في وصف ابن العربي إلى حد يعتقده الجاهل أنه أفضل الخلائق، وطعن في إمام الأئمة مقتدى الأمة مولانا أبي حنيفة، بل قيل وكفره (إنتهى موضع الحاجة من كلامه). وحجة الإسلام الغزالي صنف كتاب (المنخول) في طعنه، وقال فيه: أما أبو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهرا لبطن، وشوش مسلكها، ثم قال: لا يخفى فساد مذهب أبي حنيفة في تفاصيل الصلاة فلو عرض أقل صلاته على كل عامي جلف لكاع لامتنع عن اتباعه فإن من انغمس في مستنقع نبيذ، وخرج في جلد كلب مدبوغ ولم ينو. وأحرم للصلاة مبدلا صيغة التكبير بترجمة، تركيا كان أو هنديا، واقتصر من القراءة على ترجمة قوله: " مدهامتان " ثم ترك الركوع، وينقر نقرتين لا قعود بينهما فلا يقرأ التشهد، ثم يحدث عمدا في آخر صلاته بدلا عن التسليم، ولو سبقه حدث يعيد الوضوء في أثناء صلاته، ويحدث بعده عمدا لأنه لم يكن قاصدا في حدثه الأول فيحل عن صلاته على الصحة. فالذي ينبغي أن يقطع به كل ذي دين أن مثل هذه الصلاة لم يبعث بها نبي، ولا بعث محمد بن عبد الله بدعاء الناس إليها، (إنتهى ما في السيف الماسح). ولنقتصر في ذكر فضائحه على ذلك القدر فإنها لا تكاد تحصى، وهي في الاشتهار بحيث لا تخفى على أولي النهى، ومن لا يكفيه اليسير لا يكفيه الكثير. ولنشرع في المقصود بعونه تعالى. في نصب الراية: وعد البيهقي أسماء من جاء عنهم الرفع، فبلغوا أكثر من ثلاثين نفسا منهم:
327 العشرة المبشرة المشهودة بالجنة، والعبادلة الأربعة، وغيرهم (1). وفي (نيل الأوطار) عن ابن عمر قال: كان النبي (ص) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما (الحديث متفق عليه) (2). وعن علي (ع) عن النبي (ص) بزيادة: وإذا قام من السجدتين رفع يديه (كذلك رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، كذا رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، ورواه البخاري مختصرا) (3). وفي ميزان الشعراني: ومن ذلك قول مالك، والشافعي، وأحمد باستحباب رفع اليدين في تكبيرات الركوع والرفع منه (4)، وكذا في رحمة الأمة (5)، وقال محمد إسماعيل الشهيد ابن الشيخ ولي الله الدهلوي في رسالته (تنوير العينين في إثبات رفع اليدين): أخرج الحاكم عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله: " إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر "، قال رسول الله (ص): ما هذه النحرة التي أمرني بها ربي؟! قال: إنها ليست بنحرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا رفعت رأسك من الركوع فإنها صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع (6). وفيه (من سفر السعادة): إن الأخبار والآثار التي رويت في هذا الباب تبلغ إلى أربعمائة. وفي الروضة الندية شرح الدرر البهية: من السنن الرفع في المواضع الأربعة، أي عند تكبيرة الأحرام، وعند الركوع، وعند الاعتدال من الركوع، وعند القيام إلى الركعة الثالثة. أما عند التكبير فقد روى ذلك عن النبي (ص) نحو خمسين رجلا من الصحابة، فمنهم العشرة المبشرة. وأما الرفع عند الركوع، وعند الاعتدال منه فقد رواه زيادة على عشرين رجلا من الصحابة عن النبي (ص)، وقال محمد نصر المروزي: إنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة. وأما الرفع عند القيام إلى الثالثة فهو ثابت في الصحيح من حديث ابن عمر، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والترمذي، وصححه أيضا أحمد عن علي (ع) عن النبي (ص). وفي (حجة الله البالغة) لولي الله الدهلوي، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حذو منكبيه أو أذنيه، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود، وهو من الهيئة التي فعلها النبي (ص) مرة، وتركها أخرى، والكل سنة. وأخذ بكل واحد جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهذا أحد المواضع التي اختلف فيها الفريقان (أهل المدينة، وأهل الكوفة)، ولكل واحد أصل أصيل، والحق عندي في مثل ذلك أن الكل سنة، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت (7).
(1) نصب الراية، ص 87. (2) نيل الأوطار، ج 2، ص 68. (3) أيضا، ص 72. (4) الشعراني، ج 1، ص 129. (5) رحمة الأمة، ص 40. (6) تنوير العينين، ص 9. (7) الدهلوي، ص 287. 328 وفي (سفر السعادة): وقد ثبت رفع اليدين في هذه المواضع الثلاثة، ولكثرة رواته شابه المتواتر. فقد صح في هذا الباب أربعمائة خبر وأثر، رواه العشرة المبشرة. ونقل ابن الجوزي في (نزهة الناظر للمقيم والمسافر) عن المزني أنه قال: سمعت الشافعي يقول لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله (ص) في رفع اليدين في افتتاح الصلاة، وعند الركوع والرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله (ص). وهذا صريح في أنه يوجب ذلك. وبالجملة فقد ثبت رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة بروايات صحيحة ثابتة، وآثار مرضية راجحة، ومذاهب حقة صادقة عن النبي (ص)، وعن كبراء الصحابة، وعظماء العلماء والفقهاء، والمحدثين، والمجتهدين بحيث لا يشوبها نسخ، ولا تعارض حتى ادعى بعضهم التواتر، ولا أقل من أن تكون مشهورة (1). وفي فروع الكافي للكليني (من الإمامية) قال: " سمع الله لمن حمده "، ثم كبر وهو قائم، ورفع يديه حيال وجهه (2). وفيه: فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير، وخر ساجدا (3). وفيه: عن زرارة قال، قال أبو جعفر (ع): إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك، وكبر ثم اركع واسجد (4). أقول: قد ثبت من كتب الفريقين رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، وبين السجدتين والرفع عنهما من غير شبهة، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. وخلاف ذلك تتنفر منه الطباع، ولا تقبله الأسماع، والحق ما قاله القائل: (وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر) فصل: في إرسال اليدين تفحصت كثيرا من كتب أهل السنة فلم أجد حديثا مرفوعا قوليا ضعيفا ولا قويا في قبض اليدين، لا تحت السرة ولا فوقها، لا متصلا ولا منفصلا، فإذا لم يثبت (القبض) ثبت (الإرسال) ضرورة، وفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها) - لأن الإنسان إذا تولد تكون يداه مرسلتين، وإذا مشى مشى هكذا، وإذا نام نام هكذا، وإذا مات مات هكذا، وإذا غسل وكفن وضع هكذا، وإذا دفن دفن هكذا، وإذا حشر وأعطى كتابه بيمينه أو شماله كان هكذا، مع أن أحاديث القبض مستلزمة للتعارض للوضع المكاني، ففي بعضها تحت (السرة)، وفي بعضها فوقها وفي بعضها فوق الصدر.
(1) التنوير، ص 61. (2) الكليني، ص 181. (3) أيضا، ص 198. (4) أيضا، ص 187. 329 ومن أصولهم المسلمة أنه إذا تعارضا تساقطا فبقي الأصل، وهو (الإرسال) كما قال عبد الحي في (فتاواه) عن معاذ: أن رسول الله (ص) إذا كان في الصلاة رفع يديه قبال أذنيه، فإذا كبر أرسلهما (رواه الطبراني)، وعن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير إذا صلى أرسل يديه (رواه ابن أبي شيبة) (1). قال الشيخ الدهلوي في (فتح المنان في تأييد مذهب النعمان): مذهب مالك إرسال اليدين، وهو عزيمة عنده، والوضع رخصة. قال العيني في (شرح كنز الدقائق) قال مالك: العزيمة في الإرسال، والرخصة في الوضع والأخذ لأن النبي (ص) كان يفعل كذلك، وكذا أصحابه حتى ينزل الدم من رؤوس أصابعهم (2). وقال النووي في شرح مسلم: عن مالك روايتان، أحدهما: يضعهما تحت صدره، والثانية: يرسلهما ولا يضع أحدهما على الأخرى. وهذه رواية جمهور أصحابه وهي الأشهر عندهم، وهي مذهب الليث بن سعد. وعن مالك أيضا استحباب الوضع في (النفل)، والإرسال في (الفرض)، وهو الذي رجحه البصريون من أصحابه (3). وفي الروضة الندية: أما ما روى من (الإرسال) عن بعض التابعين من نحو الحسن المتوفى سنة 110 ه، وإبراهيم، وابن المسيب، وابن سيرين المتوفى سنة 110 ه، وسعيد ابن جبير المتوفى سنة 95 ه (كما أخرجه ابن أبي شيبة) فإن بلغ عندهم حديث الوضع فمحمول على أنهم لم يحسبوه سنة من سنن الهدى، بل حسبوه عادة من العادات، فمالوا إلى الإرسال لأصالته مع جواز الوضع، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل إذ الوضع أمر جديد يحتاج إلى الدليل (4). وفي (تنوير العينين): يحكى أن الإمام مالك حكم بالإرسال مع أنه كان مشهورا في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرن الأول، واتفق عليه أكثر العلماء في القرون الآخر، وقالوا أيضا: إن هذا الفعل في هذه البلاد تشبيه بالروافض، حيث ترك سوى مذهب الحنيفة فلم يبق فاعلوه غير الشيعة، وقد قال النبي (ص): " اتقوا مواضع التهم ". قلنا: هذا من قصوركم حيث تركتموه فصار شعارا لهم، فعليكم بالاتفاق على فعله لئلا يبقى مختصا بهم. وترك السنة للتحرز عن التشبيه بالفرق الضالة غير مشروع، (إنتهى ما في تنوير العينين) (5). وفي الميزان الكبرى للشعراني: قول مالك في (أشهر روايتيه) إنه يرسل يديه إرسالا، ومع قول الأوزاعي أنه يتخير، ثم نقل عن شيخه على الخواص: من عرف من نفسه العجز عن مراعاة كون يديه تحت صدره في الصلاة إلا مع الغفلة عن كمال الإقبال على الله فإرسال يديه بجنبيه أولى، وبه صرح الشافعي في (الأم) فقال: وإن أرسلهما، ولم يعبث بهما فلا بأس (6).
(1) الفتاوى، ج 1، ص 346. (2) شرح العيني، ص 25. (3) صحيح مسلم، ج 1، ص 73. (4) الروضة الندية، ص 65. (5) تنوير العيني، ص 30. (6) الشعراني، ص 130. 330 وفي (هدية المهدي) لوحيد الزمان: فمن جعل الإرسال من شعائر الروافض فقد أخطأ (1). وفي نيل الأوطار: وروى ابن المنذر عن ابن الزبير، والحسن البصري، والنخعي: أنه يرسلهما، ولا يضع اليمنى على اليسرى. ونقله النووي عن الليث، وابن سعد، ونقله المهدي في البحر، عن القاسمية، والناصرية، والباقر (ع)، ونقله ابن القاسم، عن مالك، وهي رواية جمهور أصحابه عنه وهي المشهورة عندهم. ونقل ابن سيد الناس عن الأوزاعي التخيير بين الوضع والأرسال (2). وقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي (ص) في ذلك شئ فهو مخير (3). وفي (الكبريت الأحمر) للشعراني: التحقيق أن جعل اليدين على الصدر للكمل الذين لا يشغلهم ذلك عن الله، وأن إرسالهما أولى لغير الكمل (4). وصرح الشعراني في (الميزان الكبرى) بأن الوضع خاص بالأكابر من العلماء والأولياء بخلاف الأصاغر فإن الأولى لهم إرخاء اليدين (كما قال به مالك)، وإيضاح ذلك أن وضع اليمين على اليسار يحتاج في مراعاته إلى صرف الذهن إليه فيخرج بذلك كمال الإقبال على مناجاة الله تعالى التي هي روح الصلاة وحقيقتها بخلاف إرخائهما بجنبه (5). نقل السيد علي أظهر في رسالته (إرسال اليدين) كتب العلامة العيني: وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير، والحسن البصري، وابن سيرين أنه يرسلهما، وكذلك عند مالك في المشهور يرسلهما وإن طال ذلك عليه (أي على المصلي) وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة (6). قال الحافظ في الفتح: وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة (7). ومنهم: من كره الإمساك. ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة. وفي الكافي للإمامية قال حماد فقلت: جعلت فداك تعلمني الصلاة فقام أبو عبد الله (ع) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخديه قد ضم أصابعه (8). وفي شرائع الإسلام: قواطع الصلاة قسمان، الثاني لا يبطلها إلا عمدا، وهو وضع اليمين على الشمال (9). وفي (مدارك الأحكام شرح شرائع الإسلام): القول بالبطلان هو المشهور بين الأصحاب. ونقل الشيخ، والمرتضى فيه الإجماع، واحتجوا عليه بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: قلت الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى، قال: ذلك التكفير فلا تفعل (10)، ولا تفكر فإنما
(1) هدية المهدي، ج 4، ص 126. (2) الشوكاني، ج 2، ص 76. (3) أيضا، ص 78. (4) الكبريت الأحمر، ج 1، ص 75. (5) الشعراني، ج 1، ص 130. (6) إرسال اليدين، ص 84. (7) فتح الباري، ج 1، ص 406. (8) الكافي، ص 181. (9) شرائع الإسلام، ص 38. (10) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 158. 331 يصنع ذلك المحبوس (1). وفي فروع الكافي، عن أبي جعفر (ع): وأرسل يديك، ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك (2). وفي (دعائم الإسلام): هكذا عن علي عليه السلام. أقول: قد ثبت مما قلنا أن (الإرسال) أصل ينبغي العمل عليه بالرواية والدراية، وأن (القبض) قبيح لمخالفته فطرة الله تعالى (كما مر)، ولأنه من شعائر المنافقين كما قال عز اسمه " ويقبضون أيديهم "، ولأن المجرمين غلت أيديهم في الدنيا والآخرة كما لا يخفى فالعاقل تكفيه الإشارة، والمجادل لا تشفيه ألف رسالة. فصل: في كيفية شغل اليدين وهي أن تكونا كلتا يديه حذاء أذنيه (في التحريمة)، وعلى فخذيه حذاء ركبتيه (في حال القيام)، وتلقاء وجهه (في القنوت)، وعلى ركبتيه (في الركوع)، وعلى الأرض حذاء أذنيه (في السجود)، وعلى فخذيه (في التشهد). فصل: في التوجيه ومحله بعد (التحريمة) قبل الفاتحة. في (صحيح مسلم، وسنن النسائي، وسنن الدارقطني)، بإسناد صحيح عن علي (ع) قال: كان النبي (ص) إذا قام إلى الصلاة، (وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة) كبر ثم قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين. إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، الله أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك " (3). قال النووي: في هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كلا الصلوات حتى في النافلة، وهو
(1) الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 99، والكليني، ج 1، ص 199. (2) الكليني، ص 198. (3) صحيح مسلم، ج 1، ص 263، وسنن النسائي، ج 1، ص 230، وسنن الدارقطني، ص 111. 332 مذهبنا ومذهب كثيرين، وفيه استحباب الاستفتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إماما لقوم لا يؤثرون التطويل (1). وفي الفتح: حديث (وجهت وجهي) أخرج الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ (إذا صلى المكتوبة)، واعتمده الشافعي في (الأم) قوله: وأنا من المسلمين (2). وفي (كنز العمال) عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، (رواه الترمذي، وأبو داود، ورواه ابن ماجة عن أبي سعيد). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حارثة، وقد تكلم فيه من قبل، حفظه ورواه ابن حبان، والدارقطني عن أنس. وقال هذا الحديث غير محفوظ. وفي (سنن النسائي) عن جابر قال: كان النبي (ص) إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله (ص) يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة، فقلت بأبي أنت أمي يا رسول الله (ص) إسكاتك بين التكبير وبين القراءة ما تقول. قال أقول: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثواب الأبيض من الدنس، اللهم إغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " (3). وفي (كنز العمال): إذا صلى أحدكم فليقل: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك "، رواه الطبراني عن سمرة، وعن وائل بن حجر (4). وفي نصب الراية: روي عن علي (ع) أن النبي (ص) كان يجمع في أول صلاته بين قوله: سبحانك اللهم، وبين قوله: وجهت وجهي. قال ابن أبي حاتم، قال إسحاق: والجمع بينهما أحب إلي. فقال أبو حاتم هذا حديث باطل موضوع لا أصل له أرى أنه من رواية خالد بن القاسم، وأحاديثه عن الليث مفتعلة. قال البيهقي: اختلف عليه فيه، وليس له إسناد قوي، وحديث علي (ع) (وجهت) أخرجه مسلم في صلاة الليل. وفي رواية: (كان إذا قام إلى الصلاة)، وفي الدارقطني: كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة. ولم يستدل الطحاوي لأبي يوسف (حيث يستحب الجمع بينهما) إلا بحديث علي (ع) هذا، وبحديث أبي سعيد في (سبحانك اللهم). قوله: روى أنس أن النبي (ص) كان إذا افتتح الصلاة كبر وقرأ " سبحانك اللهم ". وفيه: الحسن ابن علي بن الأسود ضعفه ابن عدي، والأزدي. وقال ابن حبان: ربما أخطأ. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا حديث كذب لا أصل له (5). وفي (نيل الأوطار) قال ابن خزيمة: لا أعلم في الافتتاح " سبحانك اللهم " خبرا ثابتا، وأحسن
(1) النووي، ج 1، ص 263. (2) فتح الباري، ج 1، ص 409. (3) كنز العمال، ج 4، ص 94. (4) المصدر السابق، ص 94. (5) سنن الدارقطني، ص 111. 333 أسانيده حديث أبي سعيد ثم قال: لا نعلم أحدا، ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه (1). وأصح ما روي في الاستفتاح حديث أبي هريرة المتقدم، ثم حديث علي (ع). وأما حديث عائشة فقد عرفت ما فيه من المقال، وكذلك حديث أبي سعيد ستعرف المقال الذي فيه (2). وفي عمدة الرعاية: وعند أبي يوسف يستحب قراءته (أي التوجيه)، كيف وقد ثبت ذلك عن رسول الله (ص) في صحيح البخاري، وسنن ابن ماجة، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وغيرها (3). وفي الروضة الندية: (التوجه) وردت فيه أحاديث بألفاظ مختلفة، ويجزي لتوجهه بواحد منها إذا خرج من مخرج صحيح، وأصحها الاستفتاح المروي من حديث أبي هريرة، وهو في الصحيحين وغيرهما (4). وفي حجة الله البالغة: قد صحت في ذلك صيغ منها: الله باعد، ومنها: وجهت، وفي آخره: وأنا أول المسلمين. وفي رواية: وأنا من المسلمين. ومنها: سبحانك اللهم، الله أكبر كبيرا، ثلاثا. والأصل في الاستفتاح حديث علي (ع) في الجملة، وأبي هريرة، وعائشة، وجبير بن مطعم، وابن عمر، وغيرهم، (إنتهى ملخصا) (5). قلت: ذهب الشافعي في دعاء الافتتاح إلى حديث علي (ع) إلى " وجهت "، وأبو حنيفة إلى حديث عائشة: سبحانك اللهم، وقال مالك: لا نقول شيئا من ذلك، ومعنا قوله عندي أنه ليس بسنة لازمة. وفي (كنز العمال) عن علي (ع): إن رسول الله (ص) قال: " وجهت وجهي للذي "، وفي آخره بعد قوله: والخير كله بيديك، والمهدي من هديت، أنا بك وإليك تباركت (6). وفيه: عنه قال: سمعت النبي (ص) حين كبر في الصلاة قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. (رواه الشاشي، وسعيد بن منصور). وفي مسند الصديق: كان النبي (ص) إذا استفتح الصلاة قال: لا إله إلا أنت، سبحانك ظلمت نفسي، وعملت سوء فاغفر لي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، (رواه البيهقي). في الدر المنثور للسيوطي: أخرج أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن علي (ع) أن رسول الله (ص) كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: وجهت... أن صلاتي (7).
(1) نيل الأوطار، ج 2، ص 86. (2) الشوكاني، ص 87. (3) عمدة الرعاية، ج 1، ص 135. (4) الروضة الندية، ص 66. (5) حجة الله البالغة، ص 206. (6) كنز العمال، ج 4، ص 204. (7) السيوطي، ج 3، ص 26. 334 في (زاد المعاد): كان (ص) إذا قام إلى الصلاة قال: " الله أكبر "، ولم يقل شيئا قبلها، ولا يلفظ بالنية البتة، ولا قال أصلي صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما، ولا قال أداء ولا قضاء ولا فرض الوقت. وهذه عشر بدع، لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا مسند، ولا مرسل لفظا واحدا منها البتة، ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة، وكان دأبه في إحرامه لفظه (الله أكبر) لا غيرها، ولم ينقل أحد عنه سواها، وكان يرفع يديه معها ممدودة الأصابع مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه، وكان يستفتح تارة (اللهم باعد... الخ). وتارة يقول (وجهت...)، وتارة يقول: (اللهم رب جبرئيل)، وتارة يقول (اللهم لك الحمد)، وتارة يقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا (ثلاثا)، وتارة يقول الله أكبر (عشر مرات) ثم يحمد عشرا، ثم يهلل عشرا، ثم يستغفر عشرا ثم يقول: اللهم اغفر لي واهدني، (عشرا)، فكل هذه الأنواع صحت عنه (ص) (إنتهى ملخصا) (1). وفي (فروع الكافي) عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي، فأغفر لي ذنبي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم كبر تكبيرتين، ثم قل: " لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت، ثم كبر تكبيرتين ثم تقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ". ثم تعوذ من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب (2). في (مختلف الشيعة)، و (علل الشرائع) عن أبي جعفر (ع) قال: خرج رسول الله (ص) وقد كان الحسين أبطأ عن الكلام حتى تخوفوا أنه لا يتكلم، وأن يكون به خرس فخرج به (عليه السلام) حاملا على عنقه وصف الناس خلفه، فأقامه على يمينه، وافتتح رسول الله (ص) الصلاة وكبر الحسين، فلما سمع رسول الله (ص) تكبيره عاد وكبر الحسين (ع) حتى كبر رسول الله (ص) سبع تكبيرات فكبر الحسين فجرت السنة بذلك. وروى لذلك علة أخرى وهي قطع النبي (ص) سبعة حجب لما أسري به (3). أقول: قد حمل النبي (ص) حسينا على عنقه الشريفة، وقد حمل أباه أيضا حين كسر الأصنام، وقد فعل ذلك لقوله تعالى: " واخفض جناحك للمؤمنين ". وفي آية " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " وقد قيل في تفسير قوله تعالى: " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " المراد منه علي بن أبي طالب، ولنعم ما قيل: " إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه "! وقد حمل أئمة أهل (الجماعة) حسينا على الرمح فبئس ما يصنعون، وويل لهم مما يكسبون.
(1) زاد المعاد، ج 1، ص 182. (2) الكافي، ج 1، ص 180. (3) مختلف الشيعة، ص 99. 335 في التعوذ والأصل فيه قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم "، وقد اختلف في ألفاظه، والكل مستحسن. في (الروضة الندية): فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي (ص) كان يفعله بعد الاستفتاح قبل القراءة، ولفظه: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، (كما أخرجه أحمد، وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري)، وفي التعوذ صيغ منها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومنها: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم (1). وفي (تهذيب الأحكام) للإمامية عن حنان قال: صليت خلف أبي عبد الله (ع) فتعوذ بإجهار ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، (وقد مر حديث الكافي)، وقد ذكرت البسملة في الفاتحة (2). في التسميع والتحميد في (صحيح مسلم) عن أبي عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله (ص) إذا رفع ظهره من الركوع قال: " سمع الله لمن حمده ". وفي كنز العمال (مرفوعا): إن الإمام ليؤتم به، وإذا كبر كبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده قولوا الحمد لله (رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة) (3). وفيه: عن حذيفة كان رسول الله (ص) إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة (وقد مر ذكر التسميع) (4). وفي (الكافي) للإمامية: ثم قل: سمع الله لمن حمده، (وأنت منتصب قائم) الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله رب العالمين. وفيه قلت (القائل جميل): ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال سمع الله لمن حمده؟! قال (أبو عبد الله - ع -) يقول الحمد الله رب العالمين (5). وفي الجامع العباسي: سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت (6).
(1) الروضة الندية، ج 1، ص 67. (2) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 218. (3) كنز العمال، ج 4، ص 129. (4) أيضا، ج 5، ص 401. (5) الكافي، ج 1، ص 187. (6) الجامع العباسي، ص 50. 336 فصل: في القراءة فيما فوق الركعتين في (شرح الوقاية): وهي أفضل، وإن سبح (قال سبحان الله) أو سكت (بقدر تسبيحة) جاز. وفي (عمدة الرعاية): قوله (فقط)، أي لا يضم السورة لما أخرجه الستة (إلا الترمذي) عن أبي قتادة، كان رسول الله (ص) يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وسورتين، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وهذا هو السنة كما في الموطأ فإن زاد على الفاتحة فيهما فلا بأس به، ولا تجب سجدتا السهو على الأصح (كما في الغنية) (1). وفيه: لما روى محمد في الموطأ أن ابن مسعود كان لا يقرأ في الأخريين شيئا، وعن علي (ع) أيضا روي التخيير بين القراءة وعدمها في الأخريين (أخرجه ابن أبي شيبة) (2). وفي نيل الأوطار: احتج من قال بوجوبها في الأوليين فقط بما روي عن علي (ع) أنه قرأ في الأوليين، وسبح في الأخريين (3). وفي فروع الكافي، والاستبصار للإمامية عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (ع) ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين قال: أن يقول: " سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر "، وتكبر وترفع (4). وعن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال: الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، ومن خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، وإن شئت فسبح. أقول: هذا هو المتفق عليه بين الفريقين، ولا خلاف فيه لأحد، فالمصلي يفعل كيف يشاء. نعم رأيت في بعض الكتب أن التسبيح أفضل. فائدة جليلة في منتخب كنز العمال: عن حذيفة أنه صلى مع النبي (ص)، وما مر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا بآية عذاب إلا تعوذ (5). وفيه: وكان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية فيها عذاب تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله تعالى سبح (6). أقول: هذا هو الذي استحبه خيرة عباد الله.
(1) عمدة الرعاية، ج 1، ص 183. (2) أيضا، ص 139. (3) نيل الأوطار، ج 2، ص 105. (4) الكافي، ج 1، ص 186. (5) منتخب كنز العمال، ج 5، ص 294. (6) أيضا، ص 383. 337 فصل: في القنوت في حاشية المشكاة: القنوت يجئ لمعان (1). وفي (القاموس)، القنوت: الطاعة والسكوت والدعاء، والقيام في الصلاة، والإنصاف عن الكلام. واقنت دعا على عدوه، وأطال القيام في الصلاة، وأدام الحج، وأدام الغزو، وتواضع لله. والمراد ها هنا الذكر والدعاء المخصوص على مذهب الأكثرين. وفي (الفتح): القنوت عشرة معان: دعاء، وخشوع، عبادة، طاعة، إقرار بالعبودية، سكوت، صلاة، قيام، طول القيام، دوام الطاعة. وفي (القنوت) اختلافات كثيرة شهيرة يطول الكتاب بذكرها فلا نتصدى لها. وبالجملة هو سنة مؤكدة في كل سنة، وفي كل صلاة فريضة ونافلة في نازلة وعافية، قبل الركوع في الركعة الثانية وهو أوكد في الفجر، فالمغرب، فصلاة الليل، وبأي دعاء يدعو له ولأحبابه، ولجميع المسلمين ويدعو على الأعداء من الله سبحانه أنه سميع قريب مجيب. في (إزالة الخفاء): ومذاهبهم في (القنوت) وتركه، وإنه قبل الركوع أو بعده مشهورة، والأوجه عندي أن يحمل اختلاف الحكايات على اختلاف الأحوال. فكان النبي (ص) وأصحابه إذا أحزنهم أمر قنتوا، وإلا تركوا فمن قنت تارة، ولم يقنت أخرى فقد أصاب، ومن قنت دائما، ورأى أن الأمور دائمة تترى فقد أصاب (2). وفي مسند أبي حنيفة برواية الحصفكي مع شرحه للقاري: نعم قد روي عن الصديق أنه قنت عند محاربة الصحابة مسيلمة الكذب، وعند محاربة أهل الكتاب، وكذلك قنت عمرو، وقنت علي في حق معاوية، إلا أنه ينبئ لنا أن القنوت للنازلة مقرر لم ينسخ، وبه قال جماعة من أهل الحديث (3). وفي تهذيب الأحكام للإمامية عن بكر بن حبيب قال: قلت لأبي جعفر (ع) أي شئ أقول في التشهد والقنوت، قال: قل بأحسن ما علمت، فإنه لو كان مؤقتا لهلك الناس (4). وفيه: قال (الشيخ): والقنوت سنة مؤكدة لا ينبغي تركه مع الاختيار، ومن نسيه فلم يفعله قبل الركوع فليقضه بعده، وإن لم يذكره حتى يركع الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة (5).
(1) حاشية المشكاة، ص 105. إزالة الخفاء، ج 2، ص 94. (3) القاري، ص 61. (4) تهذيب الأحكام، ج 1، ص 163. (5) الطوسي، ص 181. 338 وروى أبو داود عن ابن عباس قال: قنت رسول الله (ص) شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني (سليم) على (رعل، وذكوان، وعصيه) (1) ويؤمن من خلفه (2). وروى البخاري عن أنس قال: كان القنوت في المغرب والفجر. وفي (الصحيحين) سمع (أبو سلمة) أبا هريرة يقول: والله لأقربن بكم صلاة رسول الله (ص). فكان أبو هريرة يقنت في الظهر، والعشاء، الآخرة، وصلاة الصبح، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويلعن الكفار. وعن أنس بن مالك قال: دعا رسول الله (ص) على الذين قتلوا أصحاب (بير) معونة ثلاثين صباحا يدعو على (رعل)، و (ذكوان)، و (لحيان) (3)، و (عصيه) عصمت الله ورسوله. وعن محمد قال: قلت لأنس هل قنت رسول الله (ص) في صلاة الصبح؟! قال: نعم بعد الركوع يسيرا. وعن البراء بن عازب أن رسول الله (ص) كان يقنت في الصبح والمغرب. قال النووي في (شرح مسلم): مذهب الشافعي أن القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما، وأما غيرها فله فيه ثلاثة أقوال، الصحيح المشهور أنه إن نزلت نازلة كعدو، وقحط، ووباء، وعطش، وضرر ظاهر في المسلمين، ونحو ذلك قنتوا في جميع الصلاة المكتوبة، وإلا فلا. والثاني: يقنتون في الحالين (ثم قال): والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص بل يحصل بكل دعاء، ولو ترك القنوت في الصبح سجد للسهو. وفيه جواز الدعاء لإنسان معين، وعلى معين (إنتهى ملخصا) (4). وفي (الفتح) عن أنس: أن بعد أصحاب النبي (ص) قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع، وبعضهم بعد الركوع. وعنه أن أول من جعل القنوت قبل الركوع أي دائما عثمان، وروى البخاري قال عاصم (الراوي): سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال: قد كان القنوت، قلت قبل الركوع أو بعده، قال قبله، قال فإن (فلانا) أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال كذب، إنما قنت رسول الله (ص) بعد الركوع شهرا (5). في (الفتح): قوله (بعد الركوع يسيرا) قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير حيث قال فيها: إنما قنت بعد الركوع شهرا (6). وفي صحيح ابن خزيمة من وجه آخر عن أنس أن النبي (ص) كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم، وكأنه محمول على ما بعد الركوع بناء على أن المراد بالحصر في قوله (إنما قنت شهرا) أي متواليا. أقول: التطبيق بين الروايات أن أنسا قال: إنما قنت النبي (ص) بعد الركوع شهرا متواليا على الأعداء، وقنت دائما قبل الركوع (ثم قال ابن حجر في شرح قوله فقال كذب): ويحتمل أن يكون
(1) سليم (بالتصغير) إحدى القبائل العربية، و (رعل)، و (ذكوان)، و (عصيه) من بطونها. (2) المشكاة، ص 106. (3) لحيان: هو لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر. (4) صحيح مسلم، ج 1، ص 237. (5) صحيح البخاري، ج 1، ص 540. (6) فتح الباري، ج 1، ص 540. 339 أراد بقوله كذب أي إن كان حكى أن القنوت بعد الركوع، (ثم قال): وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في المغازي بلفظ: سأل رجل أنسا عن القنوت قبل الركوع، أو عند الفراغ من القراءة، قال: لا بل عند الفراغ من القراءة. وفي (كنز العمال): إن رسول الله (ص) قنت في الوتر قبل الركوع (رواه أبو داود، والنسائي) (1). وعن الأسود بن يزيد النخعي قال: كان عمر إذا حارب قنت، وإذا لم يحارب لم يقنت (رواه الطحاوي). عن طارق بن شهاب قال: صليت خلف عمر صلاة الصبح فلما فرغ من القراءة في الركعة الثالثة، (وفي البيهقي في الركعة الثانية) قبل الركوع كبر، ثم قنت، ثم كبر فركع. (رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطحاوي). وعن زيد بن وهب قال: ربما قنت عمر في صلاة الفجر قبل الركوع (رواه ابن أبي شيبة). وعن إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت في الفجر، وأول من قنت فيها علي (ع) فكانوا يرون أنه فعل ذلك لأنه كان محاربا، (رواه الحاكم). وعنه قال: إنما كان علي (ع) يقنت لأنه كان محاربا، وكان يدعو على أعدائه في القنوت في الفجر والمغرب، (رواه الطحاوي، والبيهقي)، وقال: هذا عن علي صحيح مشهور. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن معقل: إن عمر وعليا، وأبا موسى قنتوا في الفجر قبل الركوع. ورواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن معقل قال: صليت مع علي (ع) صلاة الغداة فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه، وعمرو بن العاص وأشياعه، وأبا الأعور السلمي وأشياعه، وعبد الله بن قيس وأشياعه، (رواه ابن أبي شيبة). وعن عبد الرحمن بن معقل قال: قنت في الفجر رجلان من أصحاب النبي (ص) علي، وأبو موسى، (رواه ابن أبي شيبة) (2). وعنه: أن عمر، وأبا موسى قنتوا في الفجر قبل الركوع. وعن علي (ع) أنه كان يفتتح القنوت بالتكبير (رواهما ابن أبي شيبة) (3). وفي الباب عن علي (ع)، وأنس، وأبي هريرة، وابن عباس، وخفاف بن أيما قال: " حديث البراء حسن صحيح ". واختلف أهل العلم في (القنوت) في صلاة الفجر، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي (ص) وغيرهم القنوت في الفجر، وهو قول الشافعي، (وبه قال مالك). وقال أحمد، وإسحاق: لا يقنت في الفجر إلا عند نازلة تنزل بالمسلمين. وفي (نصب الراية) قال إبراهيم: وأهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي (ع) قنت يدعو على معاوية حين حاربه، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاوية قنت يدعو على علي (ع). وفي سنن النسائي (باب القنوت في صلاة الظهر والمغرب) كان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح بعدما يقول: " سمع الله لمن حمده "،
(1) كنز العمال، ج 4، ص 197. (2) كنز العمال، ج 4، ص 200. (3) سنن الترمذي، ج 1، ص 53. 340 فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفرة. وفي (البخاري): ويلعن الكفار. وفي إزالة الخفاء (قال النووي في الأذكار): جاء عن عمر بن الخطاب أنه قنت في الصبح فقال: اللهم إنا نستعينك (1). وفي الدر المنثور: أخرج الدارقطني، والبزار، وأحمد، والبيهقي عن أنس قال: ما زال رسول الله (ص) يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. وعنه قال: أن رسول الله (ص) قنت حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وأخرج الدارقطني عن الحسن وسعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال: عليه سجدتا السهو (2). وفي (نيل الأوطار) من طريق سهل بن أيوب، روى ابن ماجة عن حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت في الصبح قبل الركوع أم بعده؟! فقال كلاهما قد كنا نفعل قبل وبعد، وصححه أبو موسى المديني، (كذا قال الحافظ) (3). وفي التاريخ الكامل: فلما بلغ ذلك عائشة (أي خبر قتل أخيها محمد) جزعت جزعا شديدا، وقنتت في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمر (4)، (وكذا في تذكرة خواص الأئمة لسبط ابن الجوزي، وتاريخ أبي الفداء). وفي المشرب الوردي: القنوت في الوتر، وفي المكتوبات مشروع في الجملة للنوازل ونحوها. وفيما سوى ذلك فمن شاء قنت، ومن شاء ترك، وليس بسنة مستمرة دائما (إنتهى مختصرا) (5). روى البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، (إنتهى ملخصا). وروى الطبراني في (الأوسط) عن ابن مسعود قال: ما قنت رسول الله (ص) في شئ من صلاته إلا في الوتر، وأنه كان إذا حارب قنت في الصلاة كلهن، ولا قنت علي (ع) حتى حارب أهل الشام، فكان يقنت في الصلاة كلهن، وكان معاوية يدعو عليه. وقول الطحاوي: و (الترك دليل النسخ) ظاهره أن المراد به نسخ القنوت مطلقا أي سواء كان في النوازل، أو غيرهما وهو مشكل لما ثبت عن أبي بكر أنه قنت عند محاربة مسيلمة، وكذلك عمرو، كذلك علي (ع)، ومعاوية عند محاربتهما، ومن ثم ذهب جمع من العلماء إلى عدم نسخه فيها، بل هو أمر مستمر مشروع فقالوا إن المعنى لم يترك القنوت في الفجر عند النوازل حتى فارق الدنيا، وجعلوا الترك المروي عن ابن مسعود بمعنى ترك الدعاء على أولئك القوم لعينهم لا ترك القنوت (6). قال في (الملتقط)، قال الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في الفجر من دون وقوع بلية فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، وكذا قال العيني في (البناية شرح الهداية)، والحلبي في (شرح المنية)، وابن الهمام الحنفي في (فتح القدير)، وهذا ينبئ لنا أن القنوت للنازلة مستمرة لم ينسخ، وبه قال
(1) إزالة الخفاء، ج 2، ص 53. (2) الدر المنثور، ج 1، ص 307. (3) نيل الأوطار، ج 2، ص 244. (4) الكامل في التاريخ، ج 3، ص 143. (5) المشرب الوردي، ج 5، (طبعة بنارس، 1329 ه)، ص 27. (6) الفتاوى ج 1، ص 173. 341 جماعة من أهل الحديث (إنتهى ملخصا). في مد اليدين عند الدعاء روى البخاري عن أنس قال: بينما النبي (ص) يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل قال يا رسول الله (ص) هلك الكراع، وهلك الشاء، فادع الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا (1). وفي (الفتح) قال ابن حجر بعد نقله قول النووي: وإذا دعا بسؤال شئ، وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء، ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد بها مد اليدين، وبسطهما عند الدعاء (2). وفيه: بعد نقل حديث إمامة أبي بكر في مرض النبي (ص): ويؤخذ منه أن رفع اليدين لدعاء ونحوه في الصلاة لا يبطلها، ولو كان في غير موضع الرفع لأنها هيئة استسلام وخضوع وقد أقر النبي (ص) أبا بكر على ذلك (3). وفيه: (حديث إمامة أبي بكر في البخاري): أشار رسول الله (ص) إلى أبي بكر أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله (ص) من ذلك (4). وفي (الفتح) وفيه: رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء، وسيأتي ذلك. الحمد لله قد ثبت مما حررنا أن (القنوت) سنة في جميع الصلوات، في جميع السنة في نازلة وغيرها قبل الركوع برفع اليدين، ومدهما، ويسبقه التحميد والصلاة على النبي وآله (عليهم السلام)، وليس له دعاء معين، ولعل المانعين الذين استدلوا بحديث أنس أنه (عليه السلام) قنت بعد الركوع شهرا علموا أنه (عليه السلام) ترك القنوت بعد شهر، وليس هو إلا كما قال الحافظ: أنه محمول على ما بعد الركوع لا مطلق الترك (كما مر منه سابقا)، ويستحب فيه الجهر عند الشافعي، (كذا قال النووي في شرح مسلم) (5). أقول: وهو معمول الإمامية. تنبيه الدعاء على الأعداء وطلب النصرة عليهم، والعصمة من شرهم مأمور به، ومشروع جائز ثابت بالكتاب والسنة، والسلف والخلف، ومن أعمال الأنبياء والأولياء وتابعيهم. قال الله جل جلاله حكاية عن موسى " ربنا أطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم. ولا تشمت بي الأعداء "، قال نوح " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "، و " لا تزد الظالمين إلا تبارا "، " قل رب إني أعوذ بك من همزات الشياطين "، " رب انصرني على القوم المفسدين "، " فانصرنا على القوم الكافرين، ربنا لا
(1) صحيح البخاري، ج 1، ص 502. (2) فتح الباري، ج 1، ص 554. (3) المصدر السابق، ص 633. (4) أيضا، ص 378. (5) النووي، ج 1، ص 237. 342 تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ". والمعوذتان وأمثالهما، والأدعية المأثورة مشهورة مملوءة بها الكتب لا سيما الحصن الحصين للجزري، ودلائل الخيرات والأسبوع للشيخ الجيلي، والوظيفة الأنيقة للشيخ الملتاني، ولنا الصحيفة العلوية، والحسينية، والسجادية، وغيرها. نعم يشترط أن تكون العداوة دينية (صريحا أو تأويلا) كما كانت من سيدنا ومولانا، ومولى المؤمنين علي (ع) بأمير الشام، وغيره. فالجائز المنصوص ترك الموالاة لهم كما قال عز اسمه " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء "، و " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم، ومن يتولهم منكم فإنه منهم ". فللمظلوم أن لا يكلم الظالم ولو مدة العمر كما يشهد به تفسير قوله تعالى " ونزعنا ما في صدورهم من غل ". بل جاز غيبة الظالم، والجهر بالسوء له لقوله تعالى: " إلا من ظلم ". وفي (الفتح): جواز الدعاء على الظالم، قال النووي في (الأذكار): وأما الدعاء على إنسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي، فظاهر الحديث أنه لا يحرم (1). وقال رسول الله (ص): " اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم "، (رواه أحمد، وأبو داود). وقد مر عن علي (ع) أنه قال: اللهم عليك بمعاوية وأشياعه. وأيضا قد مر جواز اللعن على الظالم، ولو كان مسلما. ولنا في هذا المقام ما لا يسعه المقام. وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: أما المسنون في الصلاة فخمسة، الثاني: (القنوت) وهو في كل ثنائية قبل الركوع وبعد القراءة، ويستحب أن يدعو فيه بالأذكار المروية، وإلا فيما شاء وأقله ثلاث تسبيحات، ولو نسيه قضاه بعد الركوع (إنتهى مختصرا) (2). وفي (مدارك الأحكام شرح شرائع الإسلام): قد اختلف الأصحاب في حكمه فذهب الأكثر إلى استحبابه. وقال ابن بابويه في كتابه: والقنوت سنة واجبة من تركه عمدا أعاد (ونحوه قال ابن أبي عقيل)، والمعتمد الأول. وفي (الإستبصار) عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن القنوت في الصلاة الخمس أقنت فيهن جميعا، قال أبو عبد الله (ع) أقنت في كل ركعتين فريضة، أو نافلة قبل الركوع (3). وعنه قال: من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له. وعنه قال: القنوت في كل صلاة، في الركعة الثانية قبل الركوع و (هكذا في الكافي) (4)، وعنه قال: يجزيك في القنوت (اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا، واعف عنا في الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير).
(1) فتح الباري، ج 1، ص 170. (2) شرائع الإسلام، ص 37. (3) الإستبصار، ج 1، ص 172. (4) الكافي، ج 1، ص 201. 343 وفي (الإستبصار): القنوت في الفرائض أفضل منه في النوافل، وفيما يجهر من الفرائض مما لا يجهر فيه، وصلاة المغرب والفجر فيما بين يجهر فيه أشد تأكيدا في هذا الباب. قال أبو الحسن: وإذا كانت التقية فلا تقنت (1). وعن أبي جعفر (ع) قال: القنوت قبل الركوع، وإن شئت بعده نحمله على حال القضاء، أو حال التقية. وفي (المسائل الجعفرية): دعاء القنوت " اللهم اغفر لنا... الخ " (2). وكذلك (دعاء الفرج): " لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن، وما فوقهن، وما تحتهن، وهو رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين "، وهذه كلمات الفرج (3). وفي (أصول الكافي) قال أبو عبد الله (ع): من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، (الحديث) (4). وفي (كنز العمال): كلمات الفرج " لا إله إلا الله الحليم الكريم العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش الكريم ". رواه ابن أبي الدنيا في الفرج، عن ابن عباس وفيه: عن علي (ع) قال: علمني رسول الله (ص) هذه الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدة أن أقولها: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين (رواه أحمد، وابن منيع، والنسائي، وابن أبي الدنيا في الفرج، وابن جرير وصححه، وابن حبان، ويوسف القاضي في سننه، والعسكري في المواعظ، وأبو نعيم في المعرفة، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي، وسعيد بن منصور). وفي رواية عنه أنه (ص) كان يقول إذا كر به أمر واشتد به (رواه النسائي)، وفي رواية عنه قال لي رسول الله (ص) ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك، وفي لفظ: غفرت ذنوبك، وإن كانت مثل زبد البحر، أو مثل عدد الذر مع أنه مغفور لك: " لا إله إلا الله العلي الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات رب العرش الكريم، والحمد لله رب العالمين " (رواه أحمد، والعدني، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، وابن أبي الدنيا، وابن أبي عاصم في السنة، وابن جرير وصححه، والحاكم وسعيد بن منصور)، وزاد الخلعي: قال علي (ع): هي كلمات الفرج. و (مرسل) أبي جعفر بن علي بن الحسين عن أبي جعفر (ع) قال: كلمات الفرج لا إله الله العلي العظيم سبحان الله رب العرش الكريم الحمد لله رب العالمين اللهم اغفر لي وارحمني، وتجاوز عني، واعف عني، فإنك غفور رحيم. رواه ابن أبي شيبة، (إنتهى من كنز العمال) (5). وفي (الخصائص) للنسائي عن علي (ع) (مرفوعا): ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك مع
(1) الإستبصار، ص 172. (2) المسائل الجعفرية، ص 88. (3) الأصول من الكافي، ج 1، ص 616. (4) المصدر السابق، ص 601. (5) كنز العمال، ج 1، ص 179. 344 أنه مغفور (تقول لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع والأرضين السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين) (1). فصل: في التعقيبات في (من لا يحضره الفقيه) للإمامية فإذا سلمت رفعت يديك، وكبرت ثلاثا (2). وفي (تهذيب الأحكام) قال الشيخ: وإذا سلم رفع يديه حيال وجهه (3). وفي (الصحيحين) عن ابن عباس قال كنت أعرف انقضاء صلاة النبي (ص) بالتكبير، (كذا في المشكاة) (4). وفي فتح الباري: فيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة (ثم قال): ووقع في رواية الحميدي عن سفيان بصيغة الحصر. ولفظه ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله (ص) إلا بالتكبير، (وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان) (5). وفي (مسلم) عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله (ص) معقبات لا يخيب قائلهن، أو فاعلهن، دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة. وفي (الحديث): لا يضرك بأيتهن ابتدأت. وعن زيد بن ثابت قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين، (الحديث) رواه أحمد، والنسائي، والدارمي، (كذا في المشكاة) (6). عن علي (ع) قال سمعت رسول الله (ص) على أعواد هذا المنبر يقول: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت (رواه البيهقي في شعب الإيمان). في (البخاري): قال رسول الله (ص) ألا أدلكما (خطاب لعلي - ع - وفاطمة - ع -) على خير مما سألتماه فكبرا الله أربعا وثلاثين، وأحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين فإن ذلك خير مما سألتما، (إنتهى مختصرا) (7)، وهكذا في سنن أبي داود: وقد طابق هذا روايات الأئمة. وفيها أن يزيد بعد التكبيرات (لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده فله الملك والحمد، لا شريك له يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير) (8).
(1) النسائي، ص 22. (2) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 106. (3) الطوسي، ج 1، ص 163. (4) المشكاة، ص 80. (5) فتح الباري، ج 1، ص 458. (6) المشكاة، ص 81. (7) صحيح البخاري، ج 3، ص 148. (8) سنن أبي داود، ج 2، ص 53. 345 وفي (سنن الترمذي) عن أبي ذر أن رسول الله (ص) قال: من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له - عشر مرات - (الحديث) (1). وفي (تهذيب الأحكام) للإمامية قال أبو عبد الله (ع): من سبح تسبيح فاطمة الزهراء المائة، وأتبعها بلا إله إلا الله غفر له (2). وفي (فروع الكافي) عن أبي عبد الله (ع) قال: من سبح تسبيح فاطمة الزهراء قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له، وليبدأ بالتكبير (3). وتسبيح فاطمة الزهراء عشر مرات بعد الغداة تقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، بيده الخير، وهو على كل شئ قدير. وفي (شرائع الإسلام): السنة الخامسة: (التعقيب): وأفضله تسبيح الزهراء، ثم بما روي من الأدعية، وإلا فبما تيسر. وفي (مدارك الأحكام) قال الجوهري: التعقيب في الصلاة الجلوس بعد أن يقضيها لدعاء أو مسألة. وقد أجمع العلماء كافة على استحبابه، وفضله عظيم، وثوابه جسيم، وأفضل الأذكار في التعقيب تسبيح الزهراء (4). وفي الصحيح عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: تسبيح فاطمة (ع) في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم. فصل: في سجدة الشكر في المشكاة (باب في سجود الشكر) عن أبي بكرة قال كان رسول الله (ص) إذا جاءه أمر سرورا (أي سارا)، أو يسر به (شك من الراوي) خر ساجدا شاكرا الله تعالى (5)، (رواه أبو داود، والترمذي). وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم (6). وعن أبي جعفر أن النبي (ص) رأى رجلا من النغاشين (7) فخر ساجدا (رواه الدارقطني مرسلا). وفي (المشكاة) عن سعد بن أبي وقاص قال: خرجنا مع رسول الله (ص) من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبا من عزوزاء (في طريق الحرمين) نزل، ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدا، فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه
(1) سنن الترمذي، ج 2، ص 185. (2) الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 1، ص 164. (3) الكافي، ج 1، ص 202. (4) مدارك الأحكام، ص 38. (5) المشكاة، ص 123. (6) سنن الترمذي، ص 191. (7) النغاش (بالضم) - القصير جدا، أقصر ما يكون من الرجال، ويعبر عنه (بالقزم). 346 ساعة، ثم خر ساجدا قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا لربي شكرا، (الحديث رواه أحمد، وأبو داود). وفي (اللمعات على حاشية المشكاة)، رابعها: سجدة الشكر على حصول نعمة، واندفاع بلية، وفيها: اختلاف، فعند الشافعي، وأحمد سنة، وهو قول محمد. والأحاديث، والآثار كثيرة في ذلك (1). وفي كنز العمال (سجدة الشكر) قال: سجد أبو بكر حين جاء خبر فتح اليمامة، (رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبيهقي) (2). وعن منصور قال بلغني أن أبا بكر، وعمر سجدا سجدة الشكر (رواه ابن أبي شيبة). وعن أسلم قال: بشر عمر بفتح، فسجد (رواه ابن أبي شيبة، والبيهقي). وفي (الميزان) للشعراني (باب سجود الشكر): قد استحبه الشافعي عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، فيسجد الله شكرا على ذلك، وبه قال أحمد. وكان أبو حنيفة، والطحاوي لا يريان سجود الشكر (ثم قال): وقال عبد الوهاب المالكي: لا بأس به وهو الصحيح من مذهب مالك (3). وفي التعليق المغني على سنن الدارقطني: قال البيهقي في (المعرفة) قال الشافعي: سجود الشكر حسن، قد فعله رسول الله (ص)، وأبو بكر، وعمر، وغير واحد من أصحاب النبي (ص) (4). وفي (حجة الله البالغة): ومما يناسبها سجود الشكر عند مجئ أمر يسره، أو اندفاع نقمة (5). وفي رياض الصالحين للنووي (باب استحباب سجود الشكر) عند حضور نعمة ظاهرة أو اندفاع بلية ظاهرة وذكر حديث أبي داود الذي مر ذكره (6). وفي نور الإيضاح: سجدة الشكر مكروهة عند الإمام (أبي حنيفة)، ولا يثاب عليها، وتركها. وقالا: هي قربة يثاب عليها، وهيأتها مثل سجدة التلاوة (7). قال العبد الأثيم علي محمد (عفا عنه الرب الكريم): لا ريب أن نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى، والشكر الواجب أداؤه ليس من طاقة البشر، كيف لا وأن سيدنا وشفيعنا (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "، وقال الله " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "، ولكن قالوا (ما لا يدرك كله لا يترك كله)، ولنعم ما قيل. ومن البين أنه سبحانه وتعالى شأنه أمر عباده بالشكر مع علمه أنهم قاصرون عن أدائه بتمامه، وقال: " فاتقوا الله ما استطعتم ". وقال " وقليل من عبادي الشكور " فافهم، وكن من الشاكرين.
(1) حاشية المشكاة، ص 123. (2) كنز العمال، ج 4، ص 217. (3) الشعراني، ج 1، ص 157. (4) التعليق المغني، ص 158. (5) حجة الله البالغة، ص 217. (6) رياض الصالحين، ص 154. (7) نور الإيضاح، ج 1، ص 54. 347 واعلم أن أداء الصلاة من أكابر نعم الله تعالى على العبد المؤمن فإذا أداها يستحسن له أداء شكره تعالى لأنه موجب التقرب إليه سبحانه، وإنها ناهية عن الفحشاء والمنكر، فمن الله التوفيق على أدائها، وهو نعم المولى، ونعم النصير. وفي (من لا يحضره الفقيه) للإمامية عن أبي عبد الله (ع) قال: سجدة الشكر واجبة على كل مؤمن تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب الملائكة (1). وفي (تهذيب الأحكام) في حديث طويل: (ثم ألصق خدك الأيسر بالأرض)، وعن إسحاق ابن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: كان موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض. وقال إسحاق: رأيت من آبائي من يصنع ذلك (2). أقول: قد ثبت سجود الشكر بقول من يعتمد عليه، ويقتدى به، ومن ادعى خلاف ذلك فهو من الجاهلين، أو المعاندين (حاشانا الله من ذلك). فائدة وضع الخدين (الأيمن والأيسر) على الأرض في سجدة الشكر ثابت بروايات كثيرة. فصل: في الجماعة في (شرح الوقاية): الجماعة سنة مؤكدة، وهي قريب من الواجب. أقول فيها أقوال، سنة مؤكدة وواجبة، أو مستحبة، أو فرض كفاية، أو فرض عين، أو سنة كفاية، بشرط صحة الصلاة أو بغير شرط صحة الصلاة، و (التفصيل في السعاية على شرح الوقاية لعبد الحي). وفي (الميزان) للشعراني، فمن ذلك قول أبي حنيفة: إن الجماعة في الفرائض غير الجمعة فرض كفاية وهو الأصح من مذهب الشافعي مع قول مالك أنها سنة، وبه قال جماعة من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي ومع قول أحمد أنها فرض عين، وليست بشرط في صحة الصلاة عنده، ولكن إن صلى منفردا عن القدرة مع الجماعة أم، وصحت صلاته (3). وفي (نيل الأوطار): ذهب الشافعي إلى أن الجماعة فرض كفاية في أحد قوليه: قال الحافظ وهو ظاهر نصه، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه، وبه قال كثير من المالكية والحنفية. وفيه: وذهب الباقون إلى أنها سنة وهو قول زيد بن علي، والهادي، والقاسم، والناصح، والمؤيد بالله، وأبو طالب، وإليه ذهب مالك، وأبو حنيفة (4).
(1) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 111. (2) تهذيب الأحكام، ص 166. (3) الشعراني، ص 162. (4) نيل الأوطار، ج 3، ص 3. 348 وفيه: أنها فرض عين ذهب عطاء، والأوزاعي، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان، وأهل الظاهر، وجماعة من أهل البيت. وفي نصب الراية: حديث أن النبي (ص) قال: الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق لم أره مرفوعا، وإنما لمسلم من حديث ابن مسعود، (الحديث) (1). وفي (شرائع الإسلام) للإمامية: الجماعة مستحبة في الفرائض كلها (2). وفي (فروع الكافي) عن زرارة، والفضيل قالا: قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي، فقال: الصلاة فريضة، وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها، ولكنها سنة، ومن تركها رغبة عنها، وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له (3). فصل: من الأحق بالإمامة في الصلاة في كنز الدقائق: الجماعة سنة مؤكدة، والأعلم أحق بالإمامة، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأسن، وكره إمامة العبد، والأعرابي، والفاسق، والمبتدع، والأعمى، وولد الزنا (4). في (مستخلص الحقائق شرح كنز الدقائق): قوله الأعلم أحق بالإمامة، أي أولى الناس بالإمامة أعملهم بالسنة إذا لم يطعن في دينه، وكره إمامة الفاسق لأنه لا يهتم بأمر دينه، ولأن في تقديمه تقليل الجماعة لمكان الأنفة من اقتدائه. وفي شرح الوقاية: والأولى بالإمامة الأعلم بالنسبة، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأسن، فإن أم عبد أو إعرابي، أو فاسق، أو أعمى، أو مبتدع، أو ولد الزنا كره كجماعة النساء وحدهن (5)، (وهكذا في الدر المختار) (6). وفي (عمدة الرعاية) قوله: " مبتدع ": المراد به الفاسق من حيث الاعتقاد كالروافض، والخوارج. وأما المبتدع من حيث العمل (كمشيخة زماننا) فهو داخل في الفاسق. وفي (جامع الرموز): والأولى بالإمامة الأعلم بالنسبة وإنما قدم الأعلم إذا قدر على ما يجوز به الصلاة من القراءة، واجتنب عن الفواحش الظاهرة كما في (المحيط)، وغيره، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأسن فإن أم عبد أو أعرابي، أو فاسق (من الفسوق وهو لغة الخروج عن الاستقامة، وشريعة الخروج عن طاعة الله تعالى بارتكاب كبيرة)، ويكره إمامة النمام كما في (الروضة)، وإمامة المرائي والمتصنع. ومن أم بأجرة - كما في (الجلالي) - يكره (7).
(1) نصب الراية، ص 96. (2) شرائع الإسلام، ص 50. (3) الفروع من الكافي، ج 1، ص 223. (4) كنز الدقائق، ص 29. (5) شرح الوقاية، ج 1، ص 143 و (6) الدر المختار، ج 1، ص 42. (7) جامع الرموز، ج 1، ص 76. 349 وفي (الكبيري) شرح المنية: في فتاوى الحجة: وفيه إشارة إلى أنهم لو قدموا فاسقا يأثمون بناء على أن كراهة تقديمه كراهة تحريم لعدم اعتنائه لأمر دينه وتساهله في الإتيان بلوازمه فلا يبعد منه الأخلال ببعض شروط الصلاة، وفعل ما ينافيها بل هو الغالب بالنظر إلى فسقه، ولذا لم تجز الصلاة خلفه أصلا عند مالك، ورواية عن أحمد إلا أنا جوزناها مع الكراهة لقوله (ص): صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر (رواه الدارقطني)، واعله بأن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة، ومن دونه ثقات. وحاصله أنه مرسل وهو حجة عندنا، وعند مالك، وجمهور الفقهاء فيكون حجة عليه. وقد روى بعدة طرق للدارقطني، وأبي نعيم، والعقيلي كلها مضعفة من قبل بعض الرواة، وبذلك يرتقى إلى درجة الحسن عند المحققين. ولذا ذكر في (المحيط) أنه لو صلى خلف فاسق، أو مبتدع أحرز ثواب الجماعة لكن لا يحرز ثواب المصلي خلف تقي. كيف وقد صلى الصحابة والتابعون خلف الحجاج، وفسقه مما لا يخفى، لكن قال أصحابنا: لا ينبغي أن يقتدى به إلا في (الجمعة) للضرورة فيها بخلاف سائر الصلاة للتمكن من التحول إلى مسجد آخر فيما سوى الجمعة، وعليه يحمل عمل الصحابة والتابعين في الاقتداء بالحجاج، وعلى هذا فينبغي أن تكره الجمعة أيضا إذا تعددت الجوامع (كما في زماننا) لإمكان التحول إذ الفتوى على جواز التعدد (على ما سيأتي)، ويكره أيضا تقديم العبد، والأعرابي، وولد الزنا، والأعمى، وينبغي أن تكون الكراهة في هؤلاء دون الكراهة في الفاسق لأنها أمر محتمل غير محقق (1). وفي الدر المختار: والأحق بالإمامة الأعلم بأحكام الصلاة فقط صحة وفسادا بشرط اجتنابه للفواحش الظاهرة (2). روى ابن ماجة عن جابر عن النبي (ص) قال: لا تؤمن امرأة رجلا ولا مهاجرا، ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه، أو صولته (هكذا في هدية المهدي) عن عبد الكريم البكا قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي (ص) كلهم يصلي خلف أئمة الجور (رواه البخاري في تعليقه). وفي نيل الأوطار: (وأما قول عبد الكريم البكا أنه أدرك عشرة) فهو ممن لا يحتج بروايته (3). وفيه: قال الحافظ: وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف (4). وفيه: حديث (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله، وصلوا على من قال لا إله إلا الله)، (أخرجه الدارقطني، وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين، ورواه أيضا من وجه آخر عنه، وفي إسناده خالد بن إسماعيل، وهو متروك، ورواه أيضا من وجه آخر، وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله أيضا على الضياء المقدسي، وتابعه أبو البختري وهب بن وهب وهو كذاب (5).
(1) شرح المنية، ص 479 (والأعراب هم سكان البادية). (2) الدر المختار، ج 1، ص 41. (3) نيل الأوطار، ج 1، ص 41. (4) المصدر السابق، ص 41. (5) أيضا، ج 3، ص 42. 350 (أقول قد مر ذكره مستوفيا في المجلد الأول في بيان فدك). وعن السائب بن خلاد أن رسول الله (ص) رأى رجلا أم قوما فبصق في القبلة، ورسول الله (ص) ينظر إليه، فقال رسول الله حين فرغ: لا يصلي لكم فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله (ص) فذكر ذلك لرسول الله (ص) فقال نعم. قال الراوي: حسبت أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله، (رواه أبو داود). واعلم أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له، وأما إنها مكروهة فلا خلاف في ذلك (كما في البحر). وفي (نصب الراية): حديث صلوا خلف كل بر وفاجر، (رواه الدارقطني: مكحول، عن أبي هريرة مرفوعا) وزاد: صلوا على كل بر وفاجر. قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة، ورجاله ثقات، وهو عند أبي داود من هذا الوجه الجهاد واجب مع كل أمير برا كان أو فاجرا. وله طريق أخرى عند الدارقطني موصولا إلا أن فيها عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو ضعيف، ولفظه (سيليكم بعدي البر والفاجر، فاسمعوا وأطيعوا، وصلوا وراءهم). وعن واثلة بن الأسقع (رفعه): لا تكفروا أهل قبلتكم، وإن عملوا الكبائر وصلوا مع كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، وصلوا على كل ميت من أهل القبلة، (أخرجه ابن ماجة بإسناد واه، وقال الدارقطني: ليس في هذه الأحاديث شئ يثبت) (1). وعن أبي الدرداء رفعه: لا تكفروا أحدا من أهل القبلة، وصلوا خلف كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، أخرجه العقيلي، وإسناده ضعيف (إنتهى ملخصا). في (الحاشية) قوله: و (إسناده واه) قال ابن شاهين: منكر، وليس عليه العمل، وكذا قال البيهقي، وكذا قال العقيلي، وسئل أحمد عن حديث (صلوا خلف كل بر وفاجر) فقال: ما سمعنا بهذا. ذكر ابن الجوزي في (العلل المتناهية): أن طرق هذا الحديث واهية كلها كما صرح به غير واحد من العلماء، وأصحها مكحول عن أبي هريرة، وفيه انقطاع لأن (مكحولا) لم يدرك أبا هريرة. وقال (المجد) اللغوي: لم يصح في هذا الباب حديث. في (المشكاة) عن ابن عمر (مرفوعا): ثلاثة لا تقبل منهم صلاتهم، من تقدم قوما وهم له كارهون، (الحديث، رواه أبو داود، وابن ماجة) (2). وعن أبي أمامة (مرفوعا): ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون، (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب) (3). في (كنز العمال) عن أبي هريرة: الإمام ضامن (رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان، والبيهقي) (4). وعن طلحة: أيما رجل أم قوما، وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه (رواه الطبراني) (5).
(1) نصب الراية، ص 97. (2) المشكاة، ص 92. (3) أيضا، ص 93. (4) كنز العمال، ج 4، ص 125. (5) أيضا، ص 126. 351 وفيه: من أم قوما، وهم له كارهون فإن صلاته لا تجاوز ترقوته (رواه الطبراني عن جنادة) (1). وعن ابن عمر: من أم قوما فليتق الله، وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن، (الحديث) رواه الطبراني في (الأوسط) (2). وفي (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، والميزان الكبرى، ونيل الأوطار) - في إمامة الفاسق - قال مالك: إن كان فسقه بغير تأويل لا تصح إمامته، ويعيد الصلاة من صلى خلفه، وإن كان بتأويل فأعاد ما دام في الوقت (3)، وعن أحمد روايتان، أشهرهما لا تصح. في كنز الدقائق: المكروه إلى الحرام أقرب، ونص محمد أن كل مكروه حرام (4). وفي شرح الوقاية: ما كره حرام عند محمد، ولم يتلفظ به لعدم القطع فنسبة المكروه إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض، وعندهما إلى الحرام أقرب (5). المكروه عند أبي حنيفة، وأبي يوسف بحرام، لكنه إلى الحرام أقرب، وهذا هو المكروه كراهة تحريم. وفي (عمدة الرعاية): (ما كره حرام عند محمد) يؤيده ما استفيد من توضيح الشارح، وتلويح التفتازاني من أن المكروه تحريما لا يجوز فعله بل يجب تركه كالحرام (6). وفي مقدمة (عمدة الرعاية في حل شرح الوقاية): الكراهة إذا أطلقت في كلامهم فالمراد الكراهة التحريمية إلا أن ينص على كراهة التنزيه، أو يدل دليل على ذلك (كذا ذكره النسفي في المصفى، وابن نجيم في البحر الرائق، وغيرهما) (7). وفي فتح الباري شرح البخاري: المكروه يطلق على الحرام (8). قال في شرح رد المختار (المشهور بالشامي): إعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم إلا أن ينص على التنزيه فقد قال المصنف في (المصفى): لفظ الكراهة عند الإطلاق هو التحريم. قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة إذا قلت في شئ أكرهه فما رأيك فيه، قال: التحريم. قال ابن الهمام في (فتح القدير شرح الهداية): ترك المكروه مقدم على فعل السنة. أقول: قد ثبت من كتب أهل (الجماعة) أن الفاسق لا يصلح للإمامة، وأن الكراهة كراهة تحريم، وأن الحديث الجاري على ألسنتهم (أي صلوا خلف كل بر وفاجر) ليس مما يستند إليه (كما ذكرنا)، وأن الإمام ضامن، والضامن ينبغي أن يكون أصلح القوم وأفضلهم وأتقاهم لأنه تعالى قال في كتابه المجيد " إنما يتقبل الله من المتقين "، ومفهومه المخالف يدل على أنه من ليس بمتق
(1) أيضا، ص 126. (2) أيضا، ص 126. (3) رحمة الأمة، ص 68. (4) كنز الدقائق، ص 336. (5) شرح الوقاية، ص 94. (6) عمدة الرعاية، ج 4، ص 96. (7) عمدة الرعاية، ص 17. (8) فتح الباري، ج 1، ص 143. 352 فلا يتقبل منه لأنه مقرون بالحصر وأن العلماء المتوارثين نسلا بعد نسل هم أئمة المساجد، ولو كانوا أجهل أو أفحش، وأسوأ أعمالا (كما في زماننا)، وإن الذين اتخذوا الإمامة حرفة وأجرة فقد ضلوا وأضلوا. والحال أن كتبهم مشحونة بأن (الاستيجار) على الإمامة، وتعليم القرآن حرام. والذي نفسي بيده إني فررت من مذهب (الحنفية) ورجعت إلى (الحنيفية)، وآثرت مذهب (الإمامية) من صنيعتهم هذه لأن (معاصري) كان إمام مسجد البلدة، ومعلم صبيان القرية، فقد شهد شهادة الزور مرة بعد مرة لا سيما في معاملة النكاح، وحلف بالكتاب الكريم على الإعلان فتركت اقتداءه في الصلاة ثم اتهمت بالتشيع، فرأيت كتب القوم كرات، وقلت لهم هذا ما في كتبهم فلم يقبلوا للمعاندة، فطالعت كتب (الإمامية) فوجدت فيها ما كان حقا، والحق أحق أن يتبع، واستمسكت بالثقلين ما استطعت فاتخذني القوم عدوا كما هي عادتهم، وتوكلت على الله، وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا. وأما (الإمامية) فقد اتفق كلهم أجمعون على أن إمامة الفاسق لا تجوز كما قال في (شرائع الإسلام): يعتبر في الإمام الإيمان والعدالة والعقل وطهارة المولد والبلوغ على الأظهر (1). وفي شرحه (مدارك الأحكام): اعتبار هذه الأمور الأربعة في إمام الجماعة مقطوع به في كلام الأصحاب مدعي عليه الإجماع. نعم ذهب ابن الجنيد إلى أن كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر منه ما يزيلها، وذهب آخرون إلى جواز التعويل على حسن الظاهر لعسر الاطلاع على البواطن، (وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في صلاة الجمعة فلا نعيده) (2). وقد قال في (باب الجمعة): الرابع - (العدالة) وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على أنها شرط في الإمام، وإن اكتفى بعضهم في تحققها بحسن الظاهر، أو عدم معلومية الفسق (3). وفي (من لا يحضره الفقيه) قال رسول الله (ص): إمام القوم، وافدهم فقدموا أفضلكم، وقال (عليه السلام): إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم، وقال أبو ذر: إن إمامك شفيعك سفيها ولا فاسقا (4). وفيه: لا تصل خلف من يشهد عليك بالكفر، ولا خلف من شهدت عليه بالكفر، (قاله أبو عبد الله - ع -) (5). وعن الرضا (ع) أنه سئل عن الرجل يقارف الذنب أيصلى خلفه أم لا، قال: لا. وقال إسماعيل الجعفي لأبي جعفر (ع): رجل يحب أمير المؤمنين، ولا يتبرأ من عدوه، ويقول هو أحب إلي ممن خالفه، قال: هذا مخلط عدو فلا تصل وراءه. وقال الصادق (ع): ثلاثة لا تصل خلفهم، المجهول، والغالي وإن كان يقول بقولك، والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا.
(1) شرائع الإسلام، ص 51. (2) مدارك الأحكام، ص 232. (3) أيضا، ص 192. (4) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 125. (5) المصدر السابق، ص 126. 353 وفي (فروع الكافي) قال أبو جعفر (ع): لا تصل إلا خلف من تثق بدينه (1). أقول: ولنا في مسألة جماعة الشيعة رسالة على حدة المسماة (بترغيب الجماعة)، فلهم أن يطالعوها. فصل: في رفع اعتراض أهل الجماعة قد شاع اعتراض أهل الجماعة أن الشيعة لا يعتقدون بالنوافل، ولا يؤدونها في الأوقات الخمسة، وتاركها عمدا بلا عذر آثم. فنقول: إنه قد سلم أن غلط الفاعلين ليس بغلط في المذهب، وإن النوافل ثابتة في كتب (الإمامية) في اليوم والليلة، ومن تركها فقد أخطأ. ومن جوالب غلطهم لا سيما من العوام الكسل والغفلة في أداء الصلاة في أفضل أوقاتها (أعني في أوائلها) فإذا أخروها عن أفضلها فلم بيق وقت النوافل، فلهم أن يتركوا هذه الغفلة المذمومة الممنوعة في الشريعة الطاهرة على صاحبها الصلاة والتحية، ويصلوا النوافل، ولم يصروا على تركها، وإن جاز الجمع بين الصلاتين بترك النوافل (كما مر) لكن الأولى لهم أن يصلوا الصلاة كلها في أفضل أوقاتها وأوائلها مع أداء النوافل. وأما النوافل في اليوم والليلة في الحضر فأربع وثلاثون ركعة عندهم على الأشهر، أمام الظهر ثمان، وقبل العصر كذلك، وبعد المغرب أربع، وعقيب العشاء ركعتان بجلوس، وتعدان بركعة، وإحدى عشرة ركعة (صلاة الليل مع ركعتي الشفع والوتر)، وركعتان قبل الفجر. وفي (مسالك الأفهام شرح شرائع الإسلام): قوله (على الأشهر) أي في الروايات (ثم قال): واختلاف الأخبار نزل على الاختلاف في المؤكد لا في أصل الاستحباب (2). وفي شرحه (مدارك الأحكام): هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيهم مخالفا، ونقل فيه (الشيخ) الإجماع (3). في (فروع الكافي) عن أبي عبد الله (ع) قال: الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها: ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة (وهو قائم الفريضة) منها سبعة عشر ركعة، والنافلة أربع وثلاثون ركعة (4). وفي (الإستبصار) قال الرضا (ع): الصلاة إحدى وخمسون ركعة (5). أقول: قد أطلق القوم لفظ (النفل) على ما سوى الفرض فيعم السنة، والوتر، والتهجد.
(1) الفروع من الكافي، ج 1، ص 224. (2) مسالك الأفهام، ص 14. (3) مدارك الأحكام، ص 111. (4) الكافي، ج 1، ص 258. (5) الإستبصار، ص 110. 354 فصل: في الصلاة على الميت قد مر ذكر غسله، وغاسله، وماسه، وسائر صفاته مثل الطهارة من النجاستين، واستقبال القبلة، وستر العورة وغيرها. واعلم أن عدد التكبيرات ما فوق الأربع ليس بمنسوخ كما زعم أهل الجماعة، وليس لها دعاء معين بحيث لا يجوز سواه، وإن (الإمامية) قالوا إن التكبيرات على الدرجات الإيمانية كما يفهم مما قال النووي في شرح مسلم: روى عن علي (عليه السلام) أنه (ص) كان يكبر على أهل (بدر) ستا، وعلى سائر الصحابة خمسا، وعلى غيرهم أربعا (هكذا أخرجه الدارقطني في سننه، والسيوطي في الخصائص الكبرى) (1). في (فتح الودود على حاشية سنن أبي داود): ثبوت الزيادة على الأربع (في الجنازة) لا مرد له من حيث الرواية. وفي الميزان الكبرى: ومن ذلك قول الأئمة الأربعة بأن تكبيرات الصلاة على الجنازة أربع، مع قول محمد بن سيرين إنهن ثلاث، ومع قول حذيفة بن اليمان إنهن خمس، وكان ابن مسعود يقول: كبر رسول الله (ص) على الجنازة تسعا، وسبعا، وخمسا، وأربعا، فكبروا ما كبر إمامكم فإن زاد على أربع لم تبطل صلاته (2). وفي منتخب كنز العمال على (هامش مسند أحمد) حدثنا يحيى بن عبد الله (ع) قال: صليت خلف عيسى مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة، فكبر خمسا ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت، ولكن كبرت كما كبر مولاي، وولي نعمتي حذيفة بن اليمان صلى على جنازة، وكبر خمسا ثم التفت إلينا (وأسند إلى رسول الله (ص) وانتهى) (3). وفي فتح الباري، ونيل الأوطار للشوكاني: اختلف السلف في عدد ذلك (أي عدد التكبيرات على الميت) فروى عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب، وروى ابن المنذر أيضا عن ابن مسعود إنه صلى على جنازة رجل من بني أسد، فكبر خمسا، وعلى سائر الناس أربعا، وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة، والطحاوي، والدارقطني عن (عبد خير) عنه (أي عن علي - ع -). وروى البيهقي عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله (ص) أربعا، وخمسا، وستا، وسبعا فجمع عمر أصحاب رسول الله (ص) فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات (4). وفي (الفتح) بإسناد بلفظ صحيح، ثم قال وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل.
(1) صحيح مسلم، ج 1، ص 309، والخصائص الكبرى، ج 2، ص 267. (2) الميزان الكبرى، ج 1، ص 195. (3) منتخب العمال، ج 5، ص 406. (4) فتح الباري، ج 1، ص 699، ونيل الأوطار، ج 3، ص 295. 355 وفي (النيل): استدل به من قال: إن تكبير الجنازة خمس، وقد حكاه في البحر عن العترة جميعا، وأبي ذر، وزيد بن أرقم، وحذيفة، وابن عباس، ومحمد بن الحنيفة، وابن أبي ليلى، وحكاه في (المبسوط) عن أبي يوسف (1). وفيه: وغاية ما فيه جواز الأمرين، وروى عن أحمد بن حنبل أنه لا ينقص عن أربع، ولا يزاد على سبع. وعن ابن مسعود أنه قال التكبير تسع، وسبع، وخمس، وأربع، وكبر ما كبر الإمام (رواه ابن المنذر) (2). وفي (الفتح): وفي المبسوط للحنفية قيل إن أبا يونس (وفي بعض النسخ أبا يوسف وهو تصحيف) قال: يكبر خمسا، وقد تقدم القول عن أحمد في ذلك (3). وفي (صحيح مسلم) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد يكبر على جنائزنا أربعا، وأنه كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال كان رسول الله (ص) يكبرها (4). وفي (الروضة الندية) للسيد الصديق: ويكبر أربعا، وخمسا لورود الأدلة بذلك. وقال القاضي عياض: اختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع، قال ابن عبد البر: انعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء، وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم فشذوذ لا يلتفت إليه. وهذه الدعوى مردودة، والخلاف في ذلك معروف بين الصحابة وإلى الآن، ولا وجه لعدم العلم بالخمس بعد خروجها من مخرج صحيح مع كونها زيادة غير منافية. وقد روى البخاري عن علي (ع) أنه كبر على سهل ابن حنيف ستا، وقال: إنه شهد (بدرا). وروى سعيد بن منصور عن الحكم بن عينية أنه قال: كانوا يكبرون على أهل (بدر) خمسا، وستا، وسبعا (5). وفي الصواعق المحرقة: صلى عليه (أي على علي - ع -) الحسن، وكبر عليه سبعا (6). وفي نصب الراية: روى الطحاوي، والدارقطني عن علي (ع) أنه كان يكبر على أهل (بدر) ستا، وعلى الصحابة خمسا، وعلى سائر الناس أربعا. وروى عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مغفل، عن علي (ع) أنه صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ثم التفت إلينا فقال إنه بدري (7). وفي (الفتح) عن ابن المنذر هكذا. وفي سنن أبي داود عن ابن أبي ليلى قال: كان زيد (يعني ابن أرقم) يكبر على جنائزنا أربعا، وأنه كبر على جنازة خمسا فسألته فقال: كان رسول الله (ص) يكبرها (هكذا أخرجه مسلم، وأحمد، وأهل السنن)، وفي الباب أحاديث وآثار، و (هكذا في سنن النسائي) (8). وفي (كنز العمال) عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون في زمن النبي (ص) سبعا، وخمسا،
(1) شرح النيل، ج 3، ص 295. (2) المصدر نفسه، ص 296. (3) فتح الباري، ص 689. (4) صحيح مسلم، ج 1، ص 310. (5) الروضة الندية، ص 109. (6) الصواعق المحرقة، ص 80. (7) نصب الراية، ص 143. (8) فتح الباري، ج 1، ص 689. 356 وأربعا، حتى كان في زمن عمر فجمعهم فسألهم فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم على أربع تكبيرات، (الحديث، رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبيهقي). وروى البيهقي عن سعيد بن المسيب عن عمر قال: كل ذلك قد كان أربعا وخمسا، فأجمعنا على أربع تكبيرات على الجنازة. وفيه (مسند عمر) عن إبراهيم أن النبي (ص) كان يكبر على الجنازة أربعا، وخمسا، وأكثر من ذلك، وكان الناس في ولاية أبي بكر حتى ولي عمر فرأى اختلافهم فجمع أصحاب محمد فقال: يا أصحاب محمد لا تختلفوا يختلف من بعدكم، فأجمعوا على شئ يؤخذ به من بعدكم فأجمع أصحاب محمد (ص) أن ينظروا إلى آخر جنازة كبر عليها النبي (ص) حين قبض، فيأخذون به، ويرفضون ما سواه، فنظروا إلى آخر جنازة كبر عليها النبي (ص) حين قبض أربع تكبيرات فأخذوا بأربع، وتركوا ما سواه (رواه ابن خسرو). وعن جابر: كان رسول الله (ص) إذا أوتي بامرئ قد شهد (بدرا)، والشجرة كبر عليه تسعا، وإذا أوتي به قد شهد (بدرا) ولم يشهد الشجرة، أو شهد الشجرة ولم يشهد (بدرا) كبر عليه سبعا، وإذا أوتي به لم يشهد (بدرا) ولا الشجرة كبر عليه أربعا، (رواه ابن عساكر من كنز العمال) (1). وفي كتاب (الآثار) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسا، وستا، وأربعا حتى قبض النبي (ص)، ثم كبروا بعد ذلك في ولاية أبي بكر، حتى قبض أبو بكر، ثم ولي عمر بن الخطاب ففعلوا ذلك في ولايته فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب (الحديث). كما مر من كنز العمال من مسند عمر عن إبراهيم، وفي آخره من إبراهيم قال محمد: وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة. فهذه الأحاديث تشهد شهادة بينة على أن التكبيرات في الجنازة على الدرجات (كما بينا) فانصف، ولا تعسف. وفي (تاريخ الخلفاء) للسيوطي (في أوليات عمر): هو أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات. وهكذا في (روضة المناظرة) لابن شحنة الحنفي (على حاشية الكامل) (2). وفي (الروضة الندية): أن استمراره (ص) على الأربع لا ينسخ ما وقع منه (ص) من الخمس، ما لم يقل قولا يعيد ذلك. وفي (المشرب الوردي في الفقه المحمدي) لوحيد الزمان الحيدر آبادي: الأفضل أن يكبر فيها أربعا، وتجوز خمسا، أو أكثر لما صح عنه (ص)، وعن أصحابه وبما ذكرناه تعرف أن دعوى الإجماع على الأربع كما زعم بعض الأحناف في غاية السقوط، (ثم قال): وصح عن أميرنا، وأمير المؤمنين علي (ع) أنه كبر على سهل بن حنيف ستا، وقال إنه شهد بدرا (رواه البخاري).
(1) كنز العمال، ج 8، ص 113. (2) روضة المناظرة، ج 1، ص 122. 357 قال في (النيل): وفي فعل علي (ع)، وغيره - دليل على استحباب تخصيص من له فضيلة بإكثار التكبير عليه، وكذلك في رواية الحكم بن عينية عن السلف، وقد تقدم فعله بصلاته على حمزة ما يدل على ذلك، (إنتهى من المشرب الوردي) (1). أقول: وفي هذه العبارة المذكورة من (النيل) كفاية لمن له دراية على ما ادعينا سابقا من أن التكبيرات على الدرجات. وفي التاريخ الكامل (في وصية المأمون): فلما مرض المأمون أمر أن يكتب، وكانت وصيته بعد الشهادة والإقرار: إذا مت فوجهوني، وغمضوني ثم أضجعوني على سريري، ثم عجلوا بي وليصل علي أقربكم نسبا، وأكبركم سنا، وليكبر خمسا (إنتهى منتخبا) (2). وفي كنز العمال (كتاب الشمائل من قسم الأفعال) فقال العباس: يا علي (ع) أني سمعت رسول الله (ص) يقول تكون قبور الأنبياء في موضع فرشهم، قال فكفنوه في قميصين أحدهما أرق من الآخر، وصلى عليه العباس، وعلي صفا واحدا، وكبر عليه العباس خمسا، ودفنوه (رواه ابن معروف) (3). وفي الآثار للطحاوي عن أبي ليلى قال: كان زيد بن أرقم صلى على جنازة فكبر يوما خمسا، فسئل عن ذلك فقال كبر رسول الله (ص) خمسا. حدثنا عبد الأعلى أنه صلى خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبر خمسا فسأله عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذه بيده فقال أنسيت، قال: لا، لكني صليت خلف أبي القاسم (ص) فكبر خمسا فلا أتركه أبدا (4). عن يحيى بن عبد الله التيمي قال: صليت مع عيسى مولى حذيفة بن اليمان على جنازة (وقد مر هذا الحديث) في هذا الكتاب بحوالة (منتخب كنز العمال)، وزاد في آخره، قال أبو جعفر الطحاوي: ذهب قوم إلى أن التكبير على الجنائز خمسا، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا بل هي أربع. فإن قال قائل: وكيف يكون ذلك ناسخا، وقد كبر علي بن أبي طالب بعد ذلك أكثر من أربع؟! عن عبد الله بن مغفل أن عليا (ع) صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعا. قيل: له إن عليا إنما فعل ذلك لأن أهل (بدر) كان كذلك حكمهم في الصلاة عليهم يزاد فيها من التكبير على ما يكبر على غيرهم من سائر الناس، (كما مر غير مرة). وعن (عبد خير) قال: كان علي (ع) يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب النبي (ص) خمسا، وعلى سائر الناس أربعا. فهكذا كان حكم الصلاة على أهل بدر (5). وعن علقمة بن قيس قال: قدم ناس من أهل الشام فمات لهم ميت، فكبروا عليه خمسا، فأخبرت ابن مسعود فقال ليس فيه (أي في التكبير على الجنازة) شئ معلوم. فكان عبد الله أراد بقوله (ليس فيه شئ معلوم) أي ليس فيه شئ يكبر في الصلاة على الناس جميعا لا يجاوز على
(1) المشرب الوردي، ج 5، ص 218. (2) الكامل في التاريخ، ج 1، ص 145. (3) كنز العمال، ج 4، ص 57. (4) الطحاوي، ص 285. (5) المصدر السابق، ص 287. 358 غيره، فقال عبد الله: إذا تقدم الإمام فكبروا بما كبر فإنه لا وقت ولا عدد. عن علقمة بن عبد الله قال: التكبير على الجنائز لا وقت، ولا عدد إن شئت أربعا، وإن شئت خمسا، وإن شئت ستا، (إنتهى من الطحاوي). أقول: وبالله التوفيق وبيده أزمة التحقيق: وأما استدلال أهل الجماعة لأربع تكبيرات من موت النجاشي بنسخ ما سوى ذلك فليس بسديد، لأن النجاشي (اسمه اصمخه) لم يوثق بإسلامه، وإن سلم فغايته إنه من ضعفاء المسلمين، وتربيع التكبير عليه مؤيد لما ادعينا لا لما قالوا - كما هو الظاهر مما قال الحافظ في (الفتح) -، وذكر موت (النجاشي) استطرادا (لكون المسلمين هاجروا إليه)، وإنما وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عبد الأكثر، وقيل: سنة ثمان فتح مكة (كما ذكره البيهقي في دلائل النبوة). وقد استشكل كونه لم يترجم (البخاري) بإسلامه، وهذا موضعه، وترجم بموته، وإنما مات بعد ذلك بزمن طويل. والجواب: أنه لما لم تثبت عنده القصة الواردة في صفة إسلامه، وثبت عنده الحديث الدال على إسلامه، وهو صريح في موته، ترجم له ليستفاد من الصلاة عليه إنه كان قد أسلم (1). أقول: قد ثبت مما ذكرنا أن ما عدا الأربع من التكبيرات على الجنائز ليس بمنسوخ، ودعوى النسخ مردودة كما زعمه أهل التسنن بزعمهم الفاسد، ووهمهم الكاسد، وهو ناشئ من سوء فهمهم، قصور علمهم، وإنهم في كل واد يهيمون. في (من لا يحضره الفقيه) للإمامية عن الصادق (ع): لما مات آدم كبر عليه (ابنه) خمسا (2). وقال أبو جعفر (ع): كان أمير المؤمنين (ع) يكبر خمسا خمسا (3). وفيه: كبر رسول الله (ص) على حمزة سبعين تكبيرة. وفيه: كبر علي (ع) على سهل ابن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة. وفي (الصحيفة الرضوية): الصلاة على الميت خمس تكبيرات من نقص منها خالف السنة. وفي (من لا يحضره الفقيه): يكبر ويقول " أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة "، ويكبر الثانية ويقول: " اللهم صل على محمد وآل محمد "، ويكبر الثالثة ويقول " اللهم اغفر للمؤمنين "، ويكبر الرابعة ويقول " اللهم هذا عبدك "، ثم يكبر الخامسة... الخ (4). وفي (الروضة الندية) لأهل الجماعة: وقد وردت أدعية متنوعة في أحاديث صحيحة هي أولى من الاستحسانات التي ذكرها الفقهاء في كتبهم من عند أنفسهم (5).
(1) فتح الباري، ص 448. (2) من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 50. (3) المصدر السابق، ص 51. (4) الصدوق، ج 1، ص 51. (5) الروضة الندية، ص ص 110. 359 فصل: في رفع اليدين عند تكبيرات الجنازة في (كنز العمال): عن عمر بن الخطاب أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة، والعيدين (رواه البيهقي) (1). وفي (الميزان الكبرى) للشعراني قال الشافعي: إنه يرفع في جميع التكبيرات (أي في الجنازة) (2). وفي (المشرب الوردي) لوحيد الزمان: المختار إنه يستحب رفع يديه في جميع التكبيرات حذو منكبيه (3). وفي (النيل): حكاه (أي استحباب الرفع عند التكبيرات) ابن المنذر عن ابن عمر، وعمر ابن عبد العزيز، وعطاء، وسالم بن عبد الله، وقيس بن أبي حازم، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، واختاره ابن المنذر، ورواه الشافعي عن أنس. وعن عروة، وابن المسيب مثل ذلك (ثم قال): فثبت أن رفع اليدين عند التكبيرات في صلاة الجنازة مطابق للحكمة والقياس. وفي (زاد المعاد) لابن القيم: وأما رفع اليدين فقال الشافعي: ترفع للأثر، والقياس على السنة في الصلاة. روي عن ابن عمر، وأنس بن مالك أنهما كانا يرفعان أيديهما كلما كبرا على الجنازة (4). وفي (الترمذي) من حديث أبي هريرة: أن النبي (ص) وضع يده اليمنى على اليسرى في صلاة الجنازة، وهو ضعيف (بيزيد بن سنان الرهاوي). وقال النووي في (شرح مسلم): اختلفوا في رفع الأيدي في هذه التكبيرات، ومذهب الشافعي الرفع في جميعها. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، كما مر من (النيل) (5). وفي (الدر المختار): يرفع يديه في الأولى فقط، وقال أئمة (بلخ) في كلها (6). وفي (شرح الوقاية): يكبر رافعا يديه ثم لا يرفع بعدها خلافا للشافعي. وفي (عمدة الرعاية) قوله خلافا للشافعي، وكذا لأحمد، ومالك بل قال برفع اليدين في كل تكبيرة أئمة (بلخ) من مشائخنا، وهو رواية عن أبي حنيفة، أيضا (كذا في شرح درر البحار). فصل: في وضع الجريدتين في القبر روى البخاري (باب على القبر): أوصى بريدة الأسلمي أن يجعل في قبره جريدان. وفي
(1) كنز العمال، ج 8، ص 113. (2) الشعراني، ج 1، ص 195. (3) المشرب الوردي، ج 5، ص 73. (4) ابن القيم، ج 2، ص 73. (5) النووي، ج 1، ص 309. (6) الدر المختار، ص 70. 360 حديث: مر رسول الله (ص) بقبرين يعذبان، ثم أخذ (جريدة) رطبة فشقها بنصفين ووضعهما على قبرين، وقال: لعله أن يخفف عنهما. وفي (الفتح) ووصله (أي أثر بريدة الأسلمي) ابن سعد قال ابن المرابط، وغيره: ما لم ييبسا، ويحتمل أن يكون أمر أن يجعلا في داخل القبر لما في النخلة من البركة لقوله تعالى " كشجرة طيبة " (1). ويدل عليه ما في (الصحيحين) عن ابن عباس قال: مر النبي (ص) بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبر واحدة، قالوا يا رسول الله (ص) لم صنعت هذا، قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا، (كذا في المشكاة باب آداب الخلاء) (2). في (كنز العمال) في رواية إبراهيم النخعي: أن رجلين يعذبان في قبورهما، وشكى ذلك جيرانهما إلى رسول الله (ص) فقال: خذوا كربتين فاجعلوهما في قبورهما يرفع عنهما العذاب ما لم تيبسا (رواه البيهقي في عذاب القبر) (3). تذنيب: في توثيق بعض كتب أهل الشيعة من العجائب أن أهل الجماعة قد تركوا كتب أحاديث الإمامية، بل أنكروها كل الإنكار، وليس على هذا الإنكار والاستبعاد، دليل إلا التعصب والعناد، لأنه قد سلم بعض أكابرهم كتب العترة، وأخذوا منها في تصانيفهم كالإمام الشوكاني (وهو الإمام الجليل عندهم)، كما قال السيد الصديق في (الروضة الندية) في حقه في الصفحة الأولى بعد التحميد لله تعالى، والصلاة على رسوله، وبعد: فلما جمع الإمام، الهمام عز المسلمين والإسلام، سلالة السلف الصلحاء، تذكار العرب العرباء وارث علوم سيد المرسلين، خاتمة المفسرين والمحدثين، شيخ شيوخنا الكاملين، المجتهد المطلق العلامة الرباني، قاضي قضاة القطر اليماني، محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف الهجرية رضي الله عنه، وأرضاه، وجعل الفردوس منزله، ونزله، ومأواه. وقد قال المترجم في حق السيد الصديق: هو السيد الإمام، والعلامة الهمام، وله تصانيف كثيرة شهيرة كتفسير (فتح البيان) في أربع مجلدات. ففي (نيل الأوطار) للشوكاني: احتج القائلون بذلك مما في كتب أهل البيت (ع) كأمالي أحمد بن عيسى، والتجريد، والأحكام، وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله (ص) (4). وفي (نيل الأوطار): وذكر البيهقي (في بيان جهر التسمية): حكاه عن أبي جعفر الهاشمي،
(1) فتح الباري، ص 699. (2) المشكاة، ص 34. (3) كنز العمال، ج 8، ص 120. (4) نيل الأوطار، ج 1، ص 338. 361 ومثله في الجامع الكافي، وغيره من كتب العترة. وقد قال ابن الأثير في (جامع الأصول): أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي (الكليني) الفقيه الإمام على مذهب أهل البيت، عالم في مذهبهم، كبير فاضل عندهم مشهور، وعده (في حرف النون من كتاب النبوة) من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة، وكذا الفاضل الطيبي (في شرح المشكاة) عده من المجددين لمذهب الإمامية. وهذا إشارة إلى الحديث المروي عن النبي (ص) أنه قال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " (1). وهذا آخر ما أردناه في هذا المقام، والحمد لله رب العالمين على كل حال، وفي كل حين، وصلوات الله وسلامه دائما أبدا على سيدنا ومولانا محمد وآله وعترته الطاهرين، وشيعته التابعين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. قد ألفه العبد الأثيم، خادم العترة علي محمد (عفا عنه الرب الكريم) الحنيفي الجعفري (2).
(1) المصدر السابق، ج 2، ص 91. (2) اعتمد المؤلف (قدس الله نفسه الزكية)، على أمهات مصادر الكتب السنية في التاريخ، والمناقب، والحديث، والتفسير. وقد تكلم في توثيقها، وأحوال مؤلفيها في نهاية الكتاب الأول " غاية المرام في معيار الإمام " فلا حاجة لإفرادها ثانية في قائمة المصادر والمراجع. 362